كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( وَ ) إنْ حَلَفَ مَدِينٌ ( لَا فَارَقْتُك حَتَّى أُوَفِّيَك حَقَّك فَأُبْرِئَ ) مَدِينٌ ( مِنْهُ ) لَمْ يَحْنَثْ بِفِرَاقِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ يُوَفِّيهِ لَهُ ( أَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِرَاقِهِ ) فَفَارَقَهُ ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ ( وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا ) كَعَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ ( فَوُهِبَتْ لَهُ ) أَيْ الْغَرِيمِ الْحَالِفِ ( وَقَبِلَ ) الْهِبَةَ ( حَنِثَ ) بِفِرَاقِهِ لِتَرْكِهِ الْوَفَاءَ بِاخْتِيَارِهِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ أَقْبَضَهَا ) حَالِفٌ لِرَبِّهَا ( قَبْلَ ) الْهِبَةِ ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهَا ثُمَّ فَارَقَهُ لِحُصُولِ الْوَفَاءِ ( وَإِنْ كَانَ حَلَفَ ) مَنْ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ الْحَقُّ ( لَا أُفَارِقُك ، وَلَك قِبَلِي حَقٌّ فَأُبْرِئَ ) مِنْ الدَّيْنِ ( أَوْ وَهَبَ لَهُ ) الدَّيْنَ أَوْ الْعَيْنَ ( لَمْ يَحْنَثْ مُطْلَقًا ) سَوَاءٌ أَقْبَضَهُ الْعَيْنَ قَبْلَ الْهِبَةِ أَوْ لَا إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَالَ الْفُرْقَةِ قَبْلَهُ حَقٌّ ( وَقَدْرُ الْفِرَاقِ مَا عُدَّ عُرْفًا ) فِرَاقًا ( كَ ) فِرَاقٍ فِي خِيَارِ مَجْلِسٍ فِي ( بَيْعٍ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا فَرُجِعَ فِيهِ لِلْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَكْفُلُ مَا لَا يُكْفَلُ بَدْنًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ ) مِنْ الْمَالِ إنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُلْ مَالًا وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْبَرَاءَةَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ .
بَابُ النَّذْرِ

( وَهُوَ ) لُغَةً الْإِيجَابُ يُقَالُ نَذَرَ دَمَ فُلَانٍ أَيْ : أَوْجَبَ قَتْلَهُ .
وَشَرْعًا ( إلْزَامُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ وَلَوْ ) كَانَ ( كَافِرًا بِعِبَادَةٍ ) نَصًّا لِحَدِيثِ عُمَرَ { : إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ } وَلِأَنَّ نَذْرَ الْعِبَادَةِ لَيْسَ عِبَادَةً ( نَفْسَهُ ) مَفْعُولُ إلْزَامٍ ( لِلَّهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِإِلْزَامُ ( تَعَالَى ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ( بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْإِلْزَامِ فَلَا يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ عَلَيَّ وَنَحْوِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ( شَيْئًا ) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِإِلْزَامٍ ( غَيْرَ لَازِمٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ) كَصَدَقَةٍ بِدِرْهَمٍ ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَنْعَقِدُ فِي الْوَاجِبِ أَيْضًا وَيَأْتِي ( وَلَا مُحَالَ ) بِخِلَافِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَلَا يَنْعَقِدُ .
وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } .
وَحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا " مَنْ { نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا ( فَلَا تَكْفِي نِيَّتُهُ ) أَيْ : الْإِلْزَامِ كَالْيَمِينِ ( وَهُوَ ) أَيْ : النَّذْرُ ( مَكْرُوهٌ ) لِحَدِيثِ { النَّذْرُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ } وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ( لَا يَرُدُّ قَضَاءً ) وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيرَةُ } وَحَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يُصَلِّي النَّفَلَ كَمَا هُوَ لَا يَنْذِرُهُ ، ثُمَّ يُصَلِّيهِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ

( وَيَنْعَقِدُ ) النَّذْرُ ( فِي وَاجِبٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَنَحْوُهُ ) كَصَلَاةِ الظُّهْرِ ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُ غَيْرِ لَازِمٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ مِنْ التَّعْرِيفِ ( فَيُكَفِّرُ ) نَاذِرٌ ( إنْ لَمْ يَصُمْهُ ) أَيْ : مَا نَذَرَهُ مِنْ الْوَاجِبِ ( كَحَلِفِهِ عَلَيْهِ ) بِأَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ ثُمَّ لَمْ يَصُمْهُ فَيُكَفِّرُ ( وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ لَا ) يَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي وَاجِبٍ وَالتَّعْرِيفُ عَلَيْهِ ( كَ ) مَا لَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ ( لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُحَالِ ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ .
وَحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِيمَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ

( وَأَنْوَاعُ ) نَذْرٍ ( مُنْعَقِدٍ سِتَّةٌ .
أَحَدُهَا ) النَّذْرُ ( الْمُطْلَقُ كَ ) قَوْلِهِ ( لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا ) فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ ( وَلَا نِيَّةَ ) لَهُ بِشَيْءٍ ( وَفَعَلَهُ ) أَيْ : مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ نَذْرَهُ ( فَ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَفَّارَةُ النَّذْرِ إنْ لَمْ يُسَمِّ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
النَّوْعُ ( الثَّانِي نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ وَهُوَ تَعْلِيقُهُ ) أَيْ : النَّذْرِ ( بِشَرْطٍ يَقْصِدُ الْمَنْعَ مِنْ ) فِعْلِ ( شَيْءٍ أَوْ ) يَقْصِدُ ( الْحَمْلَ عَلَيْهِ ) فَالْأَوَّلُ ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ كَلَّمْتُك ) فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ الصَّوْمُ سَنَةً أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ ( أَوْ ) أَيْ : وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ ( إنْ لَمْ أُخْبِرْك ) بِكَذَا ( فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِ ) ذَلِكَ ( وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ ) لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حُصَيْنٍ " أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ( وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ ) فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ( عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُ بِذَلِكَ ) الْمَنْذُورِ كَمَالِكٍ ( أَوْ ) قَوْلُهُ ( لَا أُقَلِّدُ مَنْ يَرَى الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهُ ) لِأَنَّهُ تَوْكِيدٌ وَالشَّرْعُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ( وَمَنْ عَلَّقَ صَدَقَةَ شَيْءٍ بِبَيْعِهِ وَ ) عَلَّقَهَا ( آخَرُ بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ كَفَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( كَفَّارَةَ يَمِينٍ ) نَصًّا كَمَا لَوْ حَلَفَا عَلَيْهِ وَحَنِثَا .
النَّوْعُ ( الثَّالِثُ نَذْرُ ) فِعْلٍ ( مُبَاحٍ كَ ) قَوْلِهِ ( لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي أَوْ ) لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ ( أَرْكَبَ دَابَّتِي فَيُخَيَّرُ أَيْضًا ) بَيْنَ فِعْلِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد " أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ .
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَوْفِ بِنَذْرِكِ } النَّوْعُ ( الرَّابِعُ نَذْرُ ) فِعْلِ ( مَكْرُوهٍ كَ ) نَذْرِ ( طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ ) كَأَكْلِ ثُومٍ وَبَصَلٍ ( فَيُسَنُّ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلُهُ ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَنْعُ زَوْجَتِهِ إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ .
النَّوْعُ ( الْخَامِسُ نَذْرُ ) فِعْلِ ( مَعْصِيَةٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَصَوْمِ يَوْمِ عِيدٍ أَوْ ) يَوْمِ ( حَيْضٍ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ ( فَيَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ ) لِحَدِيثِ { وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } ، وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُبَاحُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ ( وَيُكَفِّرُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ ) إنْ نَذَرَ الْمَعْصِيَةَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ .
رَوَى نَحْوَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ ( وَيَقْضِي ) مَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُحَرَّمًا ( غَيْرَ ) صَوْمِ ( يَوْمِ حَيْضٍ ) فَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ عِيدٍ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَضَاهَا وَكَفَّرَ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَوْنُهُ لَهُ ضِيَافَةَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَذْرِ مَرِيضٍ صَوْمَ يَوْمٍ يُخَالَفُ عَلَيْهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ ، وَكَذَا نَذْرُ صَلَاةٍ فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ حَيْضٍ فَلَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ لِمَعْنًى فِيهِ كَنَذْرِ صَوْمِ لَيْلَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ صَوْمٍ .
( وَمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ مَعْصُومٍ حَتَّى نَفْسِهِ فَ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةُ ) يَمِينٍ فَقَطْ لِحَدِيثِ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } رَوَاهُ سَعِيدٌ وَكَالْيَمِينِ لِحَدِيثِ { النَّذْرُ حَلْقَةٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } ( وَتَتَعَدَّدُ ) كَفَّارَةٌ عَلَى نَذْرِ ذَبْحِ وَلَدِهِ ( بِتَعَدُّدِهِ ) وَلِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ ( مَا لَمْ يَنْوِ )

بِنَذْرِهِ وَلَدًا ( مُعَيَّنًا ) بِذَبْحِهِ فَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَكَذَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ بَعْدَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ خِصَالًا كَثِيرَةً أَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ .
النَّوْعُ ( السَّادِسُ نَذْرُ تَقَرُّبٍ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَصَدَقَةٍ ) مِمَّا لَا يَضُرُّهُ وَلَا عِيَالَهُ وَلَا غَرِيمَهُ ( وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ) وَزِيَارَةِ أَخٍ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ ( بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ مُطْلَقًا ) أَيْ : غَيْرِ مُعَلَّقٍ ( بِشَرْطٍ أَوْ عُلِّقَ بِشَرْطِ ) وُجُودِ ( نِعْمَةٍ ) يَرْجُوهَا ( أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ ) يَخَافُهَا ( كَ ) قَوْلِ ( إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلِمَ مَالِي ) لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا ( أَوْ حَلَفَ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ كَ ) قَوْلِهِ ( وَاَللَّهِ لَئِنْ سَلِمَ مَالِي لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا ، فَوُجِدَ شَرْطُهُ لَزِمَهُ ) الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ نَصًّا .
وَكَذَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا .
ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ لِعُمُومِ حَدِيثِ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَذَمَّ تَعَالَى الَّذِينَ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ .
فَقَالَ { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ أَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } إلَى قَوْلِهِ - { بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ }

وَمَنْ نَذَرَ طَاعَةً وَمَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ لَزِمَهُ فِعْلُ الطَّاعَةِ فَقَطْ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرُوهُ فَلْيَجْلِسْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ : وَيُكَفِّرُ لِلْمَتْرُوكِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَلَوْ خِصَالًا كَثِيرَةً لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَاحِدٌ

( وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ ) أَيْ مَا نَذَرَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَفِعْلُ مَا نَذَرَهُ مِنْ الطَّاعَةِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : قَبْلَ وُجُودِ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ كَإِخْرَاجِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ قَبْلَ الْحِنْثِ ( وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ ) الصَّدَقَةُ ( بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِأَلْفٍ وَنَحْوِهِ ) مِنْ الْأَعْدَادِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَلْفُ وَنَحْوُهُ ( كُلُّ مَالِهِ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ ) مُتَعَلِّقٌ بِنَذْرٍ ( أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ ) يَوْمَ نَذَرَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا كَفَّارَةَ نَصًّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ { يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ حِينَ قَالَ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي وَأُسَاكِنُكَ وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ " أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ أَتَى بِمَا يَقْتَضِي إيجَابَ الصَّدَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ الْإِجْزَاءُ غَالِبًا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبَاتِ وَلَوْ كَانَ مُخَيَّرًا بِإِرَادَةِ الصَّدَقَةِ لَمَّا لَزِمَهُ شَيْءٌ يُجْزِئُ عَنْهُ بَعْضُهُ

( وَ ) لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ ( بِبَعْضٍ ) مِنْ مَالِهِ ( مُسَمًّى ) كَنِصْفِهِ أَوْ أَلْفٍ وَهُوَ بَعْضُ مَالِهِ ( لَزِمَهُ ) مَا سَمَّاهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ النُّذُورِ ( وَإِنْ نَوَى ) بِنَذْرِهِ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ شَيْئًا ( ثَمِينًا ) مِنْ مَالِهِ ( أَوْ ) نَوَى ( مَالًا دُونَ مَالٍ أُخِذَ بِنِيَّتِهِ ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ تُسَنَّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِأَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ وَغَرِيمِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ بِأَنْ كَانَ لَهُ لَجَاجٌ أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ ( وَإِنْ نَذَرَهَا بِمَالٍ وَنِيَّتُهُ أَلْفٌ يُخْرِجُ مَا شَاءَ ) مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمَا نَوَاهُ زِيَادَةٌ عَمَّا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ وَالنَّذْرُ لَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ ( فَيَصْرِفُهُ لِلْمَسَاكِينِ ) وَيُجْزِئُ لِوَاحِدٍ ( كَ ) نَذْرِ ( صَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ ) فَإِنْ عُيِّنَتْ لِزَيْدٍ مَثَلًا لَزِمَ دَفْعُهَا إلَيْهِ ( وَلَا يُجْزِيهِ ) أَيْ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ بِمَالٍ ( إسْقَاطُ دَيْنٍ ) عَنْ مَدِينِهِ وَلَوْ فَقِيرًا .
قَالَ أَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ أَيْ : لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَمْلِيكٌ ، وَهَذَا إسْقَاطٌ كَالزَّكَاةِ

( وَمَنْ حَلَفَ ) لَا رَدَدْت سَائِلًا ( أَوْ نَذَرَ لَا رَدَدْت سَائِلًا فَ ) هُوَ ( كَمَنْ حَلَفَ ) عَلَى الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ ( أَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَيُجْزِيهِ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ ) أَيْ : الْحَالِفِ أَوْ النَّاذِرِ مِنْ نَحْوِ كَسْبِهِ ( إلَّا مَا يَحْتَاجُهُ ) لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالٍ ( فَ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) لِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ نَذَرَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تَحْصُلَ لَهُ فَوْقَ مَا يَحْتَاجُهُ ( تَصَدَّقَ بِثُلُثِ الزَّائِدِ ) عَنْ حَاجَتِهِ ( وَحَبَّةِ بُرٍّ وَنَحْوِهَا ) كَأَرُزَّةٍ وَشَعِيرَةٍ ( لَيْسَتْ سُؤَالَ السَّائِلِ ) اعْتِبَارٌ بِالْمَقَاصِدِ .
قُلْت وَحَدِيثِ { اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ } يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ نِصْفِ التَّمْرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَكْثَرَ لَا أَقَلَّ

( وَ ) مَنْ قَالَ ( إنْ مَلَكْت مَالَ فُلَانٍ فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهِ فَمَا مَلَكَهُ فَ ) هُوَ ( كَمَالِهِ ) أَيْ : النَّاذِرِ فَيُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ

( وَمَنْ حَلَفَ فَقَالَ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ ) لَا فَعَلْت كَذَا ( فَحَنِثَ فَ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) كَالْحَلِفِ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ .

فَصْلٌ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ شَهْرُ ( رَمَضَانَ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ) لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَقْبَلُ صَوْمَ غَيْرِهِ وَأَيَّامُ النَّهْيِ لَا تَقْبَلُ صَوْمَ النَّذْرِ كَاللَّيْلِ فَلَا كَفَّارَةَ بِفِطْرِهَا وَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ ( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ) كَالْمُحَرَّمِ ( فَلَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَ ) عَلَيْهِ ( الْقَضَاءُ ) لِوُجُوبِهِ بِالنَّذْرِ كَرَمَضَانَ ( مُتَتَابِعًا ) لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِالشَّهْرِ إذْ الْقَضَاءُ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ فِيمَا يُمْكِنُ .
( وَ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ ( وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ ) أَيْ : الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ ( لَمْ يُجْزِئْهُ ) كَصَوْمِ شَعْبَانَ عَنْ رَمَضَانَ الَّذِي بَعْدَهُ ( وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ ) يَوْمًا فَأَكْثَرَ ( لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ شَهْرًا مِنْ يَوْمِ فِطْرِهِ ) لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ وَلَوْ بَنَى عَلَى مَا مَضَى لَبَطَلَ التَّتَابُعُ ( وَكَفَّرَ ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فِيمَا يَصُومُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ .
( وَ ) إنْ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ ( لِعُذْرٍ ) كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَيْضٍ ( بَنَى ) عَلَى مَا صَامَهُ ( وَقَضَى مَا أَفْطَرَهُ مُتَتَابِعًا مُتَّصِلًا بِتَمَامِهِ وَكَفَّرَ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ جُنَّهْ ) أَيْ : الشَّهْرُ الَّذِي نَذَرَ صَوْمَهُ ( كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ ) وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فِيهِ كَرَمَضَانَ ( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَأَطْلَقَ ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ ( لَزِمَهُ التَّتَابُعُ ) لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّهْرِ يَقْتَضِيهِ سَوَاءٌ صَامَ شَهْرًا هِلَالِيًّا أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالْعَدَدِ .
( وَإِنْ قَطَعَهُ ) أَيْ : الصَّوْمَ ( بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَهُ ) لِئَلَّا يَفُوتَ التَّتَابُعُ ( وَ ) إنْ قَطَعَهُ لِعُذْرٍ يُخَيَّرُ ( بَيْنَهُ ) أَيْ : الِاسْتِئْنَافِ ( بِلَا كَفَّارَةٍ ) لِفِعْلِهِ الْمَنْذُورَ عَلَى وَجْهِهِ ( وَبَيْنَ الْبِنَاءِ ) عَلَى مَا مَضَى ( وَيُتِمُّ ثَلَاثِينَ ) يَوْمًا ( وَيُكَفِّرُ ) كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ

بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ ( وَكَذَا ) لَوْ نَذَرَ صَوْمَ ( سَنَةٍ فِي ) لُزُومِ ( تَتَابُعٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَصُومُ ) مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ ( اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ وَ ) سِوَى ( أَيَّامِ النَّهْيِ ) أَيْ : يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِانْصِرَافِ نَذْرِهِ إلَى صَوْمِ سَنَةٍ كَامِلَةٍ بِالنَّذْرِ ( وَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَيَقْضِي ) عِوَضَ رَمَضَانَ وَأَيَّامِ النَّهْيِ .
( وَ ) إنْ نَذَرَ صَوْمَ ( سَنَةٍ مِنْ الْآنَ أَوْ ) نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ ( مِنْ وَقْتِ كَذَا فَ ) كَنَذْرِ صَوْمِ سَنَةٍ ( مُعَيَّنَةٍ ) فَلَا يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَأَيَّامُ النَّهْيِ فَلَا يَقْضِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَوَّلِهَا تَعْيِينٌ لَهَا قَالَ تَعَالَى { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا } فَإِذَا عَيَّنَ أَوَّلَهَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا انْتِهَاءَ الثَّانِي عَشَرَ

( وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ لَزِمَهُ ) كَسَائِرِ النُّذُورِ إذْ جِنْسُ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَشْرُوعٌ ( فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ ) أَيْ : بِلَا قَضَاءٍ ( بِغَيْرِ صَوْمٍ ) لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَغْرِقٌ لِلصَّوْمِ الْمَنْذُورِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهِ إلَّا بِتَرْكِ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ كَفَّارَةً فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى التَّسَلْسُلِ وَتَرْكِ الْمَنْذُورِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ ( وَلَا يَدْخُلُ ) فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ ( رَمَضَانُ وَ ) لَا ( يَوْمُ نَهْيٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَقْضِي فِطْرَهُ بِهِ ) أَيْ : بِرَمَضَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ كَتَقْدِيمِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْذُورَةِ وَيُكَفِّرُ بِفِطْرِهِ بِرَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ ( وَيُصَامُ لِظِهَارٍ ) إذَا عَدِمَ الْمُظَاهِرُ الرَّقَبَةَ ( وَنَحْوِهِ ) كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْقَتْلِ ( مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ الدَّهْرِ الْمَنْذُورِ صَوْمُهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ ( وَيُكَفِّرُ مَعَ صَوْمِ ظِهَارٍ وَنَحْوِهِ ) لِأَنَّهُ سَبَبُهُ

( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ ) كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ ( فَوَافَقَ ) يَوْمُ نَذْرِهِ ( عِيدًا أَوْ حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا ) أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ أَفْطَرَ وُجُوبًا لِتَحْرِيمِ صَوْمِهَا ( وَقَضَى ) نَذْرَهُ لِانْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ ( وَكَفَّرَ ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ

( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ ) فُلَانٌ ( لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) أَيْ : النَّاذِرِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ .
( وَ ) إنْ قَدِمَ ( نَهَارًا وَهُوَ ) أَيْ : النَّاذِرُ ( صَائِمٌ وَقَدْ بَيَّتَ النِّيَّةَ لِخَبَرٍ سَمِعَهُ صَحَّ ) صَوْمُهُ ( وَأَجْزَأَهُ ) لِوَفَائِهِ بِنَذْرِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ بَيَّتَ النِّيَّةَ لِخَبَرٍ سَمِعَهُ ( أَوْ كَانَ مُفْطِرًا أَوْ وَافَقَ قُدُومَهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ ) وَافَقَ قُدُومَهُ ( يَوْمَ عِيدٍ أَوْ ) وَافَقَ قُدُومَهُ يَوْمَ ( حَيْضِ ) نَاذِرَةٍ ( قَضَى وَكَفَّرَ ) لِأَنَّهُ نَذْرٌ مُنْعَقِدٌ لَمْ يَفِ بِهِ كَسَائِرِ النُّذُورِ ( وَإِنْ وَافَقَ قُدُومَهُ ) أَيْ : فُلَانٍ ( وَهُوَ ) أَيْ : النَّاذِرُ ( صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَتَمَّهُ ) أَيْ : لِوُجُوبِهِ ( وَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ وَيَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ كَصَائِمٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ ) فِي ( كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ ) فَيُتِمُّهُ وَيَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ ( وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ ) أَيْ : يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ ( وَهُوَ ) أَيْ : النَّاذِرُ ( مَجْنُونٌ فَلَا قَضَاءَ ) عَلَيْهِ ( وَلَا كَفَّارَةَ ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ فِيهِ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَجُنَّهُ ( وَنَذَرَ اعْتِكَافَهُ ) فِيمَا تَقَدَّمَ ( كَ ) نَذْرِ ( صَوْمِهِ ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ

( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَلَوْ ) كَانَتْ ( ثَلَاثِينَ لَمْ يَلْزَمْهُ تَتَابُعُ ) صَوْمِهَا نَصًّا لِأَنَّ الْأَيَّامَ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى التَّتَابُعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ( إلَّا بِشَرْطٍ ) بِأَنْ يَقُولَ مُتَتَابِعَةٌ فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِنَذْرِهِ ( أَوْ ) إلَّا ( بِنِيَّةِ ) التَّتَابُعِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ التَّلَفُّظِ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ تَفْرِيقَهَا لَزِمَهُ فِي الْأَقْيَسِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ

( وَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُتَتَابِعًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ) كَشَهْرٍ ( فَأَفْطَرَ ) فِيهِ ( لِمَرَضٍ يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ ) كَخَوْفِهِ بِصَوْمِهِ تَلَفًا ( أَوْ ) أَفْطَرَتْ فِيهِ امْرَأَةٌ ( لِحَيْضٍ خُيِّرَ ) نَاذِرٌ ( اسْتِئْنَافَهُ ) أَيْ : الصَّوْمِ بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ مِنْ أَوَّلِهِ ( وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ ( وَبَيْنَ الْبِنَاءِ ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَوْمِهِ ( وَيُكَفِّرُ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ ( وَإِنْ ) أَفْطَرَ فِيهِ ( لِشَهْرٍ أَوْ مَا ) أَيْ : شَيْءٍ ( يُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ ) كَمَرَضٍ يَجُوزُ مَعَهُ الْفِطْرُ ( لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ ) صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ يُخَيَّرُ بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابِ لِعَدَمِ تَفْرِيقِهِمْ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا الْأَخِيرُ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْمَرَضِ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ لَا يَقْطَعُهُ .
( وَ ) إنْ أَفْطَرَ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُتَتَابِعًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ( لِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ ) تَدَارُكًا لِمَا تَرَكَهُ مِنْ التَّتَابُعِ الْمَنْذُورِ بِلَا عُذْرٍ ( بِلَا كَفَّارَةٍ ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ ( وَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا فَعَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ) أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ حَمْلًا لِلْمَنْذُورِ عَلَى الْمَشْرُوعِ وَسَبَبُ الْكَفَّارَةِ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَسَبَبُ الْإِطْعَامِ الْعَجْزُ عَنْ وَاجِبٍ بِالصَّوْمِ فَاخْتَلَفَ السَّبَبَانِ وَاجْتَمَعَا فَلَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ ( أَوْ نَذَرَهُ ) أَيْ : الصَّوْمَ ( حَالَ عَجْزِهِ ) عَنْهُ لِمَا سَبَقَ ( أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ) وَعُلِمَ مِنْهُ انْعِقَادُ نَذْرِهِ إذَنْ لِحَدِيثِ {

مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } وَلِأَنَّ الْعَجْزَ إنَّمَا هُوَ عَنْ فِعْلِ الْمَنْذُورِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَالَ عَقْدِ النَّذْرِ وَيَسْتَمِرُّ أَوْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ

( وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَحْوَهَا ) كَجِهَادٍ ( وَعَجَزَ ) عَنْهُ ( فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ إنْ عَجَزَ لِعَارِضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَرَضٍ انْتَظَرَ وَلَا كَفَّارَةَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَجْزُهُ حَتَّى صَارَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ فَكَمَا تَقَدَّمَ

( وَ ) إنْ نَذَرَ ( حَجًّا لَزِمَهُ ) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ ( فَإِنْ لَمْ يُطِقْهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ حُجَّ عَنْهُ ) كَمَنْ عَجَزَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَطْلَقَ بَعْضَ مَا نَذَرَهُ كَأَنْ نَذَرَ حَجَّاتٍ وَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا ( أَتَى بِمَا يُطِيقُهُ وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي ) الَّذِي لَمْ يُطِقْهُ ( وَمَعَ عَجْزِهِ عَنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ حَالَ نَذْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ ) شَيْءٌ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ ( ثُمَّ إنْ وَجَدَهُمَا ) أَيْ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ ( لَزِمَهُ ) بِالنَّذْرِ السَّابِقِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ مَعَ الْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَإِنْ نَذَرَ ) مُكَلَّفٌ ( صَوْمًا ) وَأَطْلَقَ ( أَوْ ) نَذَرَ ( صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ ) كَنِصْفِهِ ( لَزِمَهُ ) صَوْمُ ( يَوْمٍ ) تَامٍّ ( بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الصَّوْمِ ( وَنَذَرَ صَوْمَ لَيْلَةٍ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا كَفَّارَةَ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ كَنَذْرٍ مُسْتَحِيلٍ ( وَكَذَا نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ أَتَى فِيهِ بِمُنَافٍ ) لِلصَّوْمِ نَحْوِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ

( وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً ) وَأَطْلَقَ ( ف ) عَلَيْهِ ( رَكْعَتَانِ قَائِمًا لِقَادِرٍ ) عَلَى قِيَامٍ ( لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئ فِي فَرْضٍ ) وَلَوْ حَلَفَ لَيُوتِرَنَّ اللَّيْلَةَ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَةٌ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّهَا أَقَلُّهُ .
( وَ ) إنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّي ( أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ أَطْلَقَ ) فَلَمْ يَقُلْ بِتَسْلِيمَةٍ وَلَا تَسْلِيمَتَيْنِ ( يُجْزِئُ ) أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ( بِتَسْلِيمَةٍ كَعَكْسِهِ ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ ( وَلِمَنْ نَذَرَ صَلَاةً جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا ) لِإِتْيَانِهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا نَذَرَهُ وَظَاهِرِهِ وَلَا كَفَّارَةَ

( وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ ) إلَى ( مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ ) كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ ( أَوْ ) إلَى ( حَرَمِهَا وَأَطْلَقَ ) فَلَمْ يَقُلْ فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا غَيْرِهِ ( أَوْ قَالَ غَيْرَ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ ) فِي ( عُمْرَةٍ ) حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ وَإِلْغَاءً لِإِرَادَتِهِ غَيْرَهُ ( مِنْ مَكَانِهِ ) أَيْ : النَّذْرِ أَيْ : دُوَيْرَةٍ أَهْلِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ وَ ( لَا ) يَلْزَمُهُ ( إحْرَامٌ قَبْلَ مِيقَاتِهِ ) كَحَجِّ الْفَرْضِ ( مَا لَمْ يَنْوِ مَكَانَا بِعَيْنِهِ ) لِلْمَشْيِ مِنْهُ أَوْ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ لِعُمُومِ حَدِيثِ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } .
قُلْت مُقْتَضَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ إحْرَامٌ بِحَجٍّ قَبْلَ مِيقَاتِهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَهُ لَا يَفِي بِهِ وَيُكَفِّرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ مَشْرُوعٌ وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ تَقْدِيمُهُ ( أَوْ ) يَنْوِي بِنَذْرِهِ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ( إتْيَانُهُ لَا حَقِيقَةَ الْمَشْيِ ) فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ لِحُصُولِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَوْضِعٍ خَارِجَ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ وَمَوَاقِيتِ إحْرَامٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالْكَفَّارَةِ ( وَإِنْ رَكِبَ ) مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ( لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ ) فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ( أَوْ نَذَرَ الرُّكُوبَ ) لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ( فَمَشَى ) إلَيْهِ .
( فَ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) لِحَدِيثِ { كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ } وَالْمَشْيُ أَوْ الرُّكُوبُ لَا يُوجِبُهُ الْإِحْرَامُ لِيَجِبَ بِهِ دَمٌ ( وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ) الْمُنَوَّرَةِ ( أَوْ ) إلَى الْمَسْجِدِ ( الْأَقْصَى لَزِمَهُ ذَلِكَ ) أَيْ : الْمَشْيُ إلَيْهِ .
( وَ ) لَزِمَتْهُ ( الصَّلَاةُ فِيهِ ) رَكْعَتَيْنِ إذْ الْقَصْدُ بِالنَّذْرِ الْقُرْبَةُ وَالطَّاعَةُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ

فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ نَذْرُهُمْ كَنَذْرِ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَيْثُ وَجَبَ بِهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ نَذَرَهَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَإِنْ نَذَرَهَا فِي الْأَقْصَى أَجْزَأَتْهُ فِيهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَتَقَدَّمَ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ دَلِيلُ ذَلِكَ ( وَإِنْ عَيَّنَ ) بِنَذْرِهِ أَنْ يَأْتِيَ ( مَسْجِدًا فِي غَيْرِ حَرَمٍ ) أَيْ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ لِحَدِيثِ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } فَإِنْ جَاءَهُ ( لَزِمَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ رَكْعَتَانِ ) لِمَا سَبَقَ

( وَإِنْ نَذَرَ ) عِتْقَ ( رَقَبَةٍ فَ ) عَلَيْهِ عِتْقُ ( مَا يُجْزِي عَنْ وَاجِبٍ ) فِي نَحْوِ ظِهَارٍ وَتَقَدَّمَ حَمْلًا لِلنَّذْرِ عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا ( إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهَا ) أَيْ : الرَّقَبَةَ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةِ أَوْ سَالِمٍ أَوْ يَنْوِيهِ ( وَيُجْزِئُهُ مَا عَيَّنَهُ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ سِوَاهُ ( لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَنْذُورُ ) الْمُعَيَّنُ ( أَوْ أَتْلَفَهُ نَاذِرٌ قَبْلَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا عِتْقٍ ) نَصًّا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ( وَعَلَى مُتْلِفِ ) الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ قَبْلَهُ ( غَيْرِهِ ) أَيْ : النَّاذِرِ ( قِيمَتُهُ لَهُ ) أَيْ : النَّاذِرِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ

( وَ ) مَنْ قَالَ ( إنْ مَلَكْت عَبْدَ زَيْدٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ ) بِذَلِكَ ( أُلْزِمَ بِعِتْقِهِ إذَا مَلَكَهُ ) لِأَنَّهُ نَذْرٌ تَبَرَّرَ وَإِنْ كَانَ فِي لَجَاجٍ وَغَضَبٍ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ

( وَمَنْ نَذَرَ طَوَافًا أَوْ سَعْيًا فَأَقَلُّهُ ) أَيْ : الْمُجْزِئِ ( أُسْبُوعٌ ) حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا .
( وَ ) مَنْ نَذَرَ طَوَافًا أَوْ سَعْيًا ( عَلَى أَرْبَعٍ فَ ) عَلَيْهِ ( طَوَافَانِ أَوْ سَعْيَانِ ) أَحَدُهُمَا عَنْ يَدَيْهِ وَالْآخَرُ عَنْ رِجْلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الطَّوَافِ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَبْشَةَ بِنْتِ مَعْدِي كَرِبَ حِينَ قَالَتْ { يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَبْوًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُوفِي عَلَى رِجْلَيْكِ سَبْعَيْنِ ، سَبْعًا عَنْ يَدَيْكِ وَسَبْعًا عَنْ رِجْلَيْكِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ مِثْلُهُ وَقِيسَ عَلَيْهِ السَّعْيُ

( وَمَنْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَالصَّلَاةِ عُرْيَانًا أَوْ الْحَجِّ حَافِيًا حَاسِرًا وَنَحْوَهُ ) كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ حَرِيرٍ ( وَفَّى بِهَا ) أَيْ : الطَّاعَةِ الْمَنْذُورَةِ ( عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ) كَمَا لَوْ أَطْلَقَ ( وَتُلْغَى تِلْكَ الصِّفَةُ ) لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَحَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا ، قَالَ : فَمُرُوهَا فَلْتَخْتَمِرْ .
وَمَرَّ بِرَجُلَيْنِ مَقْرُونَيْنِ فَقَالَ : أَطْلِقَا قِرَانَكُمَا } ( وَيُكَفِّرُ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ النَّذْرِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَإِنْ أَفْسَدَ حَجًّا نَذَرَهُ مَاشِيًا قَضَاهُ كَذَلِكَ وَكَذَا لَوْ فَاتَهُ وَيَسْقُطُ لِفَوَاتِهِ تَوَابِعَ الْوُقُوفِ مِنْ مَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَرَمْيِ جِمَارٍ وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ وَيَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ مَاشِيًا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُ ( وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِوَعْدٍ ) نَصًّا وَيَحْرُمُ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } أَيْ : لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَالنَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرَةِ حَصْرٌ بِالْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَحْدَهَا فَتَخْتَصُّ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرُهَا بِالتَّحْرِيمِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً .
هَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ مِنْ الْآيَةِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَهُوَ مِنْ قَوْلِنَا مُعَلِّقًا الْمَحْذُوفَ كَقَوْلِك لَا تَخْرُجَنَّ إلَّا ضَاحِكًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ وَالْخُرُوجِ .
هَذَا حَاصِلٌ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِرُمَّتِهِ فِي أَصْلِهِ .

قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَبَدَأَ بِأَحْكَامِهَا قَبْلَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ( وَهِيَ ) أَيْ : الْفُتْيَا اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَفْتَى يُفْتِي إفْتَاءً ( تَبَيَّنَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ ) لِلسَّائِلِ عَنْهُ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَهَابُونَ الْفُتْيَا كَثِيرًا وَيُشَدِّدُونَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَهَا حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَعْيَانِ عَلَى مَنْ يَهْجُمُ عَلَى الْجَوَابِ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى فِيهِ وَقَالَ إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي حِفْظُ الْأَدَبِ مَعَ الْمُفْتِي وَيُجِلُّهُ وَيُعَظِّمُهُ وَلَا يَفْعَلُ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَوَامّ بِهِ كَإِيمَاءٍ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَقُولُ لَهُ مَا مَذْهَبُ إمَامِك فِي كَذَا أَوْ مَا تَحْفَظُ فِي كَذَا أَوْ أَفْتَانِي فُلَانٌ غَيْرُك بِكَذَا وَكَذَا قُلْت أَنَا وَإِنْ كَانَ جَوَابُك مُوَافِقًا فَاكْتُبْ وَإِلَّا فَلَا تَكْتُبُ لَكِنْ إنْ عَلِمَ مُفْتٍ غَرَضَ سَائِلٍ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَ بِغَيْرِهِ وَلَا يَسْأَلَهُ عِنْدَ هَمٍّ أَوْ ضَجَرٍ أَوْ قِيَامٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يُطَالِبُ بِالْحُجَّةِ ( وَلَا يَلْزَمُ ) الْمُفْتِيَ ( جَوَابُ مَا لَمْ يَقَعْ ) رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( لَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ ) وَلَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ عَنْ الصَّحَابَةِ " مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ " وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ " وَفِي لَفْظٍ { إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ذَلِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا

( وَلَا ) يَلْزَمُ جَوَابُ ( مَا لَا يَحْتَمِلُهُ سَائِلٌ ) قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيٌّ " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " وَفِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ }

( وَلَا ) يَلْزَمُ جَوَابُ ( مَا لَا نَفْعَ فِيهِ ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعِكْرِمَةَ " مَنْ سَأَلَك عَمَّا لَا يَعْنِيهِ فَلَا تُفْتِهِ " وَسَأَلَ مُهَنَّا أَحْمَدَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَغَضِبَ وَقَالَ " خُذْ وَيْحَك فِيمَا تَنْتَفِعُ بِهِ وَإِيَّاكَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمُحْدَثَةَ وَخُذْ فِيمَا فِيهِ حَدِيثٌ "

( وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ ) مِنْ إبَاحَةٍ أَوْ حَظْرٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى الْخِلَافِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ

( وَيَحْرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ ) فِي الْإِفْتَاءِ لِئَلَّا يَقُولَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( تَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ ) أَيْ التَّسَاهُلُ فِي الْإِفْتَاءِ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ ( وَيُقَلَّدُ ) الْمُجْتَهِدُ ( الْعَدْلُ وَلَوْ مَيْتًا ) لِبَقَاءِ قَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَكَالْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ بِمَوْتِهِ .
.
قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَذَاهِبُ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا ( وَيُفْتِي مُجْتَهِدٌ فَاسِقٌ نَفْسَهُ ) فَقَطْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ عَلَى مَا يَقُولُ .

وَفِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الصَّوَابُ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْفَاسِقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ دَاعِيًا إلَى بِدْعَتِهِ

( وَ ) يَجُوزُ أَنْ ( يُقَلِّدَ عَامِّيٌّ مَنْ ظَنَّهُ عَالِمًا ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أُنْثَى أَوْ أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَكَذَا مَنْ رَآهُ مُنْتَصِبًا لِلْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ مُعَظَّمًا لِأَنَّهُ دَلِيلُ عِلْمِهِ ( لَا إنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَهُ لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ .
قُلْت وَفِيهِ حَرَجٌ كَبِيرٌ خُصُوصًا السَّائِلُ الْغَرِيبُ وَتَقَدَّمَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ

( وَلِمُفْتٍ رَدُّ الْفُتْيَا إنْ ) خَافَ غَائِلَتَهَا أَوْ ( كَانَ بِالْبَلَدِ ) أَهْلٌ لِلْفُتْيَا ( عَالِمٌ قَائِمٌ مَقَامَهُ ) لِفِعْلِ السَّلَفِ وَلِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْإِفْتَاءِ إذَنْ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ بِالْبَلَدِ عَالِمٌ يَقُومُ مَقَامَهُ ( لَمْ يَجُزْ ) لَهُ رَدُّ الْفُتْيَا لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ

( كَ ) مَا لَا يَجُوزُ ( قَوْلُ حَاكِمٍ لِمَنْ ارْتَفَعَ إلَيْهِ ) فِي حُكُومَةٍ ( امْضِ إلَى غَيْرِي ) وَلَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لِأَنَّ تَدَافُعَ الْحُكُومَاتِ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ

( وَيَحْرُمُ ) عَلَى مُفْتٍ ( إطْلَاقُ الْفُتْيَا فِي اسْمٍ مُشْتَرَكٍ ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا ( فَمَنْ سُئِلَ أَيُؤْكَلُ ) أَوْ يُشْرَبُ أَوْ نَحْوُهُ ( بِرَمَضَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ ) الْفَجْرُ ( الْأَوَّلُ أَوْ ) الْفَجْرُ ( الثَّانِي ) وَمِثْلُهُ مَا اُمْتُحِنَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ فَقَصَّرَهُ وَجَحَدَهُ هَلْ لَهُ أُجْرَةٌ إنْ عَادَ وَسَلَّمَهُ لِرَبِّهِ فَقَالَ إنْ كَانَ قَصَّرَهُ قَبْلَ جُحُودِهِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ جُحُودِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ وَمِثْلُهُ مَنْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ رِطْلِ تَمْرٍ بِرِطْلِ تَمْرٍ هَلْ يَصِحُّ ؟ وَجَوَابُهُ إنْ تَسَاوَيَا كَيْلًا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ التَّنْبِيهُ عَلَى احْتِمَالٍ بَعِيدٍ وَمِثْلُهُ شُرُوطُ إرْثٍ وَمَوَانِعُهُ وَنَحْوُهَا وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّ الْمُفْتِي لِإِمْلَائِهِ وَتَهْذِيبِهِ

( وَلَهُ ) أَيْ الْمُفْتِي ( تَخْيِيرُ مَنْ اسْتَفْتَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ ) بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيَتَخَيَّرُ ) مُسْتَفْتٍ ( وَإِنْ لَمْ يُخَيِّرْهُ ) مُفْتٍ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ بِالْأَخْذِ بِقَوْلٍ مُعَيَّنٍ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ ( وَلَا ) يَجُوزُ ( لِمَنْ يَنْتَسِبُ لِمَذْهَبِ إمَامٍ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ ) لِإِمَامَةٍ أَوْ وَجْهَيْنِ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ بِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَدِلَّةِ أَوْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَيَعْمَلُ بِهِ

( وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مُفْتِيًا ) وَاحِدًا ( لَزِمَ أَخْذُهُ بِقَوْلِهِ ) كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ حَاكِمٌ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْتِزَامِهِ وَلَا سُكُونِ نَفْسِهِ إلَى صِحَّتِهِ ( وَكَذَا مُلْتَزَمُ قَوْلِ مُفْتٍ وَثَمَّ غَيَّرَهُ ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لَوْ أَفْتَى الْمُقَلِّدَ مُفْتٍ وَاحِدٌ وَعَمِلَ بِهِ الْمُقَلِّدُ لَزِمَهُ قَطْعًا وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا إجْمَاعًا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ .
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ هَذَا الْأَشْهَرُ

( وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ مَفْضُولٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ ) مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ .
وَفِيهِ الْأَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ الْمَفْضُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ يُفْتِي مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ بِلَا نَكِيرٍ خُصُوصًا وَالْعَامِّيُّ يَقْصُرُ عَنْ التَّرْجِيحِ وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ .
وَقَدْ ذَمَّ تَعَالَى التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ : { إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } الْآيَةَ .
وَهِيَ فِيمَا يُطْلَبُ لِلْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُ فِي الْفُرُوعِ

( وَالْقَضَاءُ ) لُغَةً إحْكَامُ الشَّيْءِ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } وَبِمَعْنَى أَوْجَبَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } وَبِمَعْنَى إمْضَاءِ الْحُكْمِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } أَيْ : أَمْضَيْنَا وَأَنْهَيْنَا وَسُمِّيَ الْحَاكِمُ قَاضِيًا لِأَنَّهُ يُمْضِي الْأَحْكَامَ وَيُحْكِمُهَا أَوْ لَا يُجَابِهُ الْحُكْمَ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ .
وَاصْطِلَاحًا ( تَبَيُّنُهُ ) أَيْ : الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ( وَالْإِلْزَامُ بِهِ وَفَصْلُ الْحُكُومَاتِ ) أَيْ الْخُصُومَاتِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى : { يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى } وَقَوْلُهُ { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَصْبِ الْقَضَاءِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْقَضَاءُ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِأَنَّ أَمْرَ النَّاسِ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِ ( كَالْإِمَامَةِ ) وَالْجِهَادِ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الْحَقَّ فِيهِ وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهَا دِينًا وَقُرْبَةً فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ بَعْضِهِمْ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا وَمِنْ فِعْلِ مَا يُمَكِّنُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ ( فَ ) يَجِبُ ( عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ ( قَاضِيًا ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْإِمَامِ تَوَلِّي الْخُصُومَاتِ وَالنَّظَرِ فِيهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ الْحُقُوقُ بِتَوَقُّفِ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ عَلَى السَّفَرِ لِلْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ

وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْقُضَاةَ لِلْأَمْصَارِ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا وَبَعَثَ مُعَاذًا قَاضِيًا أَيْضًا وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَضَاءَ الْكُوفَةِ وَوَلَّى كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَكَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ يَأْمُرُهُمَا بِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فِي الشَّامِ .
( وَ ) عَلَى الْإِمَامِ أَنْ ( يَخْتَارَ لِذَلِكَ ) أَيْ : نَصْبِ الْقُضَاةِ ( أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا ) لِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَحَرِّي الْأَصْلَحِ لَهُمْ ( وَيَأْمُرُهُ ) أَيْ : الْإِمَامُ إذَا وَلَّاهُ ( بِالتَّقْوَى ) لِأَنَّهَا رَأْسُ الْأَمْرِ وَمِلَاكُهُ .
( وَ ) يَأْمُرُهُ ( بِتَحَرِّي الْعَدْلِ ) أَيْ : إعْطَاءِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ بِلَا مَيْلٍ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقَضَاءِ ( وَ ) يَأْمُرُهُ ( أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ : نَاحِيَةٌ مِنْ عَمَلِهِ ( أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُهُمْ ) عِلْمًا وَوَرَعًا لِحَدِيثِ { مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَوَلَّى رَجُلًا وَهُوَ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ

( وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ ) لِلْقَضَاءِ ( إذَا طُلِبَ ) لَهُ ( وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ إذَنْ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ حُقُوقُ النَّاسِ فَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ لَهُ أَوْ وُجِدَ مَوْثُوقٌ بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الدُّخُولُ فِيهِ ( إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ ) الدُّخُولُ فِي الْقَضَاءِ ( عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ ) فَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ الدُّخُولُ فِيهِ لِحَدِيثِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } ( وَمَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ ) مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ ( الْأَفْضَلُ ) لَهُ ( أَنْ لَا يُجِيبَ ) إذَا طُلِبَ لِلْقَضَاءِ ؛ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ وَدَفْعًا لِلْخَطَرِ وَاتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَالتَّوَقِّي لَهُ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا حُبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَلَكٌ آخِذٌ بِقَفَاهُ حَتَّى يُوقِعَهُ عَلَى جَهَنَّمَ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى اللَّهِ فَإِنْ قَالَ أَلْقِهِ أَلْقَاهُ فِي مَهْوًى فَهَوَى أَرْبَعِينَ خَرِيفًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ

( وَكُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ ) أَيْ الْقَضَاءِ ( إذَا ) أَيْ : مَعَ وُجُودِ صَالِحٍ لَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا " { مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ } " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا " { إنَّا وَاَللَّهِ لَا نُوَلِّي هَذَا الْعَمَلَ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرِيصًا عَلَيْهِ } " ( وَيَحْرُمُ بَذْلُ مَالٍ فِيهِ ) أَيْ : الْقَضَاءِ .
( وَ ) يَحْرُمُ عَلَى مَنْ بُذِلَ لَهُ الْمَالُ فِي الْقَضَاءِ ( أَخْذُهُ ) وَهُوَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( طَلَبُهُ ) أَيْ : الْقَضَاءِ ( وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ ) أَيْ : صَالِحٌ لَهُ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَهْلًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لِلْمُبَاشِرِ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاشِرُهُ أَهْلًا جَازَ لِلْأَهْلِ طَلَبُهُ بِلَا مَالٍ وَيَحْرُمُ الدُّخُولُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ وَالشَّفَاعَةُ لَهُ وَإِعَانَتُهُ عَلَى التَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ

( وَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ ) مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ يُوَلَّى مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَاشْتُهِرَ وَتَكَرَّرَ وَلَمْ يُنْكَرْ .
( وَ ) تَصِحُّ تَوْلِيَةُ ( حَرِيصٍ عَلَيْهَا ) بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِ لَكِنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ

( وَ ) يَصِحُّ ( تَعْلِيقُ وِلَايَةِ قَضَاءٍ ) وَتَعْلِيقُ وِلَايَةِ ( إمَارَةِ ) بَلَدٍ أَوْ جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ ( بِشَرْطٍ ) نَحْوِ قَوْلِ الْإِمَامِ : إنْ مَاتَ فُلَانٌ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرُ فَفُلَانٌ عِوَضُهُ لِحَدِيثِ " { أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ }

( وَشُرِطَ لِصِحَّتِهَا ) أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ ( كَوْنُهَا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ ) أَيْ : الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَا يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ( وَأَنْ يَعْرِفَ ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي الْقَضَاءِ ( أَنَّ الْمُوَلَّى ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ ) لِأَنَّ الْجَهْلَ بِصَلَاحِيَتِهِ كَالْعِلْمِ بِعَدَمِهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ سَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ ( وَتَعَيَّنَ مَا يُوَلِّيه ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي الْقَضَاءِ ( الْحُكْمَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ ) أَيْ : مَا يَجْمَعُ بِلَادًا أَوْ قُرًى مُتَفَرِّقَةً كَمِصْرِ وَنَوَاحِيهَا وَبَلَدًا كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِيَعْلَمَ مَحَلَّ وِلَايَتِهِ فَيَحْكُمَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَبَعَثَ عُمَرُ فِي كُلِّ مِصْرٍ قَاضِيًا وَالِيًا ( وَمُشَافَهَتُهُ بِهَا ) أَيْ : الْوِلَايَةِ إنْ كَانَ بِمَجْلِسِهِ ( أَوْ مُكَاتَبَتُهُ ) بِالْوِلَايَةِ إنْ كَانَ غَائِبًا كَالْوَكَالَةِ فَيَكْتُبُ لَهُ الْإِمَامُ عَهْدًا بِمَا وَلَّاهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ لِلْيَمَنِ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّي قَدْ بَعَثْت إلَيْكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا وَعَبْدَ اللَّهِ قَاضِيًا فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا ( وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَيْهِمَا ) أَيْ : التَّوْلِيَةِ إنْ بَعُدَ مَا وَلَّاهُ فِيهِ عَنْ بَلَدِ الْإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَيَكْتُبُ الْعَهْدَ وَيَقْرَأُ عَلَى الْعَدْلَيْنِ وَيَقُولُ الْمُوَلِّي لَهُمَا اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ وَلَّيْت فُلَانًا قَضَاءَ كَذَا وَتَقَدَّمْت إلَيْهِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْعَهْدُ لِيَمْضِيَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَيُقِيمَا لَهُ الشَّهَادَةَ هُنَاكَ ( أَوْ اسْتِفَاضَتُهَا ) أَيْ : الْوِلَايَةِ ( إذَا كَانَ بَلَدُ الْإِمَامِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونُ ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ بِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةُ مَعْنَاهُ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي وُلِّيَ فِيهِ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ آكَدُ مِنْ

الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ وَالْمَوْتُ فَلَا حَاجَةَ مَعَهَا إلَى الشَّهَادَةِ وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوِلَايَةِ ( عَدَالَةُ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَعَذُّرِ التَّوْلِيَةِ

( وَأَلْفَاظُهَا ) أَيْ : التَّوْلِيَةِ ( الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ : وَلَّيْتُك الْحُكْمَ وَقَلَّدْتُك ) الْحُكْمَ ( وَفَوَّضْت ) إلَيْك الْحُكْمَ ( وَرَدَدْت ) إلَيْكَ الْحُكْمَ ( وَجَعَلْت إلَيْكَ الْحُكْمَ وَاسْتَخْلَفْتُك ) فِي الْحُكْمِ ( وَاسْتَنْبَتُك فِي الْحُكْمِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهَا ) أَيْ : أَحَدُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ السَّبْعَةِ ( وَقَبِلَ مُوَلًّى ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( حَاضِرٌ بِالْمَجْلِسِ ) انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ( أَوْ ) قَبِلَ التَّوْلِيَةَ ( غَائِبٌ ) عَنْ الْمَجْلِسِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ بُلُوغِ الْوِلَايَةِ بِهِ ( أَوْ شَرَعَ الْغَائِبُ فِي الْعَمَلِ انْعَقَدَتْ ) لِدَلَالَةِ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْقَبُولِ كَالْوَكَالَةِ ( وَالْكِنَايَةُ ) مِنْ أَلْفَاظِ التَّوْلِيَةِ ( نَحْوُ اعْتَمَدْت ) عَلَيْك ( أَوْ عَوَّلْت عَلَيْك أَوْ وَكَّلْت ) إلَيْكَ ( أَوْ اسْتَنَدْت إلَيْكَ لَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ بِهَا ) أَيْ الْكِنَايَةِ ( إلَّا بِقَرِينَةٍ نَحْوُ فَاحْكُمْ ) أَوْ اقْضِ فِيهِ ( أَوْ فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْت عَلَيْك فِيهِ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الْوِلَايَةَ وَغَيْرَهَا كَالْأَخْذِ بِرَأْيِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا تَنْصَرِفُ إلَى التَّوْلِيَةِ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَنْفِي الِاحْتِمَالَ

( وَإِنْ قَالَ ) مَنْ لَهُ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ ( مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي بَلَدِ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَدْ وَلَّيْته لَمْ تَنْعَقِدْ ) الْوِلَايَةُ ( لِمَنْ نَظَرَ لِجَهَالَتِهِ ) حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ بِالْوِلَايَةِ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ ( وَإِنْ قَالَ وَلَّيْت فُلَانًا وَفُلَانًا فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي انْعَقَدَتْ ) الْوِلَايَةُ ( لَهُمَا ) جَمِيعًا بِقَوْلِهِ وَلَّيْت فُلَانًا وَفُلَانًا ( وَيَتَعَيَّنُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا ) بِالنَّظَرِ بِقَوْلِهِ مَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي .

فَصْلٌ وَتُفِيدُ وِلَايَةُ حُكْمٍ عَامَّةٍ أَيْ لَمْ تُفِدْ بِحَالٍ دُونَ أُخْرَى ( النَّظَرَ فِي أَشْيَاءَ وَالْإِلْزَامَ بِهَا ) أَيْ : بِأَشْيَاءَ وَهِيَ ( فَصْلُ الْحُكُومَةِ وَأَخَذَ الْحَقِّ ) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ ( وَدَفْعُهُ لِرَبِّهِ وَالنَّظَرُ فِي مَالِ يَتِيمٍ وَ ) مَالِ ( مَجْنُونٍ وَ ) مَالِ ( سَفِيهٍ ) لَا وَلِيَّ لَهُمْ غَيْرُهُ ( وَ ) مَالِ ( غَائِبٍ وَالْحَجْرُ لِسَفَهٍ وَ ) وَالْحَجْرُ ( لِفَلَسٍ وَالنَّظَرُ فِي وُقُوفِ عَمَلِهِ لِتَجْرِيَ عَلَى شَرْطِهَا وَ ) النَّظَرُ ( فِي مَصَالِحِ طُرُقِ عَمَلِهِ وَأَفْنِيَتِهِ ) جَمْعُ فِنَاءٍ مَا اتَّسَعَ أَمَامَ دُورِ عَمَلِهِ ( وَتَنْفِيذُ الْوَصَايَا وَتَزْوِيجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ) مِنْ النِّسَاءِ ( وَتَصَفُّحُ ) حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ لِيَسْتَبْدِلَ بِمَنْ ( يُثْبِتُ جَرَّ حَدٍّ وَإِقَامَةَ حَدٍّ وَ ) إقَامَةَ ( إمَامَةِ جُمُعَةٍ وَ ) إمَامَةِ ( عِيدٍ مَا لَمْ يُخَصَّا بِإِمَامٍ ) فَيُقِيمُهَا عَمَلًا عَلَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ ( وَجِبَايَةُ خَرَاجٍ وَ ) جِبَايَةُ ( زَكَاةٍ مَا لَمْ يُخَصَّا ) أَيْ : الْخَرَاجُ وَالزَّكَاةُ ( بِعَامِلٍ ) يَجْبِيهِمَا كَالْأَذَانِ وَ ( لَا ) تُفِيدُ وِلَايَةُ ( حُكْمِ الِاحْتِسَابِ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ وَإِلْزَامُهُمْ بِالشَّرْعِ ) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَوَلِّي الْقَاضِي لِذَلِكَ

( وَلَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( طَلَبُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَحُلَفَائِهِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَفَرَضَ لَهُ رِزْقًا وَرَزَقَ شُرَيْحًا فِي كُلِّ شَهْرٍ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَعَثَ إلَى الْكُوفَةِ عَمَّارًا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَرِزْقُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ شَاةٍ نِصْفُهَا لِعَمَّارٍ وَنِصْفُهَا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَاضِيَهُمْ وَمُعَلِّمَهُمْ وَكَتَبَ إلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الشَّامِ أَنْ اُنْظُرَا رِجَالًا مِنْ صَالِحِي مَنْ قَبْلَكُمْ فَاسْتَعْمِلُوهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ وَأَوْسِعُوا عَلَيْهِمْ وَارْزُقُوهُمْ وَاكْفُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى " ( حَتَّى مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْفَرْضُ لَهُمْ لَتَعَطَّلَ الْقَضَاءُ وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَرَضُوا لَهُ رِزْقًا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ

( فَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ ) أَيْ : الْقَاضِي ( شَيْءٌ ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( وَلَيْسَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ ) وَيَكْفِي عِيَالَهُ ( وَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إلَّا بِجُعْلٍ جَازَ ) لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ لَا الْأُجْرَةِ قَالَ عُمَرُ لَا يَنْبَغِي لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَخْتَصُّ بِهِ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ أَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ أَيْضًا ( لَا مَنْ تَعَيَّنَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ ) فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَى الْإِفْتَاءِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِأَنْ كَانَ بِالْبَلَدِ عَالِمٌ يَقُومُ مَقَامَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِفَايَةٌ جَازَ ( وَمَنْ أَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) مِنْ الْمُفْتِينَ ( لَمْ يَأْخُذْ ) مِنْ مُسْتَفْتٍ ( أُجْرَةً لِفُتْيَاهُ وَلَا لِخَطِّهِ ) اكْتِفَاءً بِمَا يَأْخُذْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .

فَصْلٌ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ ( أَنْ يُوَلِّيَهُ ) أَيْ الْقَاضِيَ ( عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ ) بِأَنْ يُوَلِّيَهُ سَائِرَ الْأَحْكَامِ بِسَائِرِ الْبِلَادِ .
( وَ ) يَجُوزُ ( أَنْ يُوَلِّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهَا أَوْ ) خَاصًّا ( فِيهَا فَيُوَلِّيهِ عُمُومَ النَّظَرِ ) بِمَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ ( أَوْ ) يُوَلِّيهِ ( خَاصًّا ) كَعُقُودِ الْأَنْكِحَةِ مَثَلًا ( بِمَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي مُقِيمٍ بِهَا ) أَيْ : تِلْكَ الْمَحَلَّةِ ( وَ ) فِي ( طَارِئٍ إلَيْهَا ) مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ أَهْلِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلِذَلِكَ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ مِنْ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ لِأَهْلِ الْحَرَمِ ( فَقَطْ ) فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيمَنْ لَيْسَ مُقِيمًا بِهَا وَلَا طَارِئًا إلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ ( لَكِنْ لَوْ أَذِنَتْ لَهُ ) امْرَأَةٌ ( فِي تَزْوِيجِهَا ) وَهُوَ فِي عَمَلِهِ ( فَلَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ عَمَلِهِ لَمْ يَصِحَّ ) تَزْوِيجُهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ ( كَمَا لَوْ أَذِنَتْ لَهُ ) فِي تَزْوِيجِهَا ( وَهِيَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ ثُمَّ ) زَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ ( دَخَلَتْ إلَى عَمَلِهِ ) فَلَا يَصِحُّ إذْ لَا أَثَرَ لِإِذْنِهَا بِغَيْرِ عَمَلِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا ، إذَنْ كَمَا لَوْ لَمْ تَدْخُلْ إلَى عَمَلِهِ بَعْدَ إذْنِهَا لَهُ

( وَلَا يَسْمَعُ ) قَاضٍ ( بَيِّنَةً فِي غَيْرِ عَمَلِهِ وَهُوَ ) أَيْ : عَمَلُهُ ( مَحَلُّ ) نُفُوذِ ( حُكْمِهِ ) فَمَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِمَجْلِسٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ إلَّا فِيهِ وَلَا يَسْمَعُ بَيِّنَةً إلَّا فِيهِ وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ فِي غَيْرِ عَمَلِ قَاضٍ إذَا دَخَلْت فِي عَمَلِهِ فَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي تَزْوِيجِي وَنَحْوِهِ ، وَزَوَّجَهَا ، وَقَدْ دَخَلَتْ فِي عَمَلِهِ صَحَّ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِذْنِ بِالشَّرْطِ كَالْوَكَالَةِ ( وَتَجِبُ إعَادَةُ الشَّهَادَةِ ) إذَا سَمِعَهَا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ ( فِيهِ ) أَيْ : فِي عَمَلِهِ ( كَتَعْدِيلِهَا ) أَيْ : الْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْمَعُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ فَإِنْ سَمِعَهُ فِي غَيْرِهِ أَعَادَهُ فِيهِ كَالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ عَمَلِهِ كَسَمَاعِهِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ ( أَوْ يُوَلِّيهِ ) أَيْ يُوَلِّي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِيهِ الْقَاضِيَ ( الْحُكْمَ فِي الْمَدِينَاتِ خَاصَّةً أَوْ ) يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ ( فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ أَوْ يَجْعَلُ ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِيهِ ( إلَيْهِ ) أَيْ : الْقَاضِي ( عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا ) فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ أَوْ فِي بَلَدٍ خَاصٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَمَلَكَ الِاسْتِنَابَةَ فِي جَمِيعِهِ وَبَعْضِهِ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَسْتَنِيبُ أَصْحَابَهُ كُلًّا فِي شَيْءٍ ، فَوَلِيَ عُمَرُ الْقَضَاءَ وَبَعَثَ عَلِيًّا قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ ، وَكَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَهُ فِي جَمْعِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا .
وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ "

( وَلَهُ ) أَيْ : الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ ( أَنْ يُوَلِّيَ ) قَاضِيًا ( مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ ) فَإِنْ نَهَاهُ عَنْ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةٍ فَفِي الرِّعَايَةِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ

( وَ ) لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ ( قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ بِبَلَدٍ ) وَاحِدٍ ( وَإِنْ اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا ) لِأَنَّ الْغَرَضُ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَإِيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ فَأَشْبَهَ الْقَاضِيَ وَخُلَفَاءَهُ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ ( وَيُقَدَّمُ قَوْلُ طَالِبٍ ) إذَا تَنَازَعَ خَصْمَانِ وَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْحُكْمَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَيُقَدَّمُ مُدَّعٍ ( وَلَوْ عِنْدَ نَائِبٍ ) وَالْآخَرُ عِنْدَ مُسْتَنِيبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَى حَقٌّ لِلْمُدَّعِي ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) أَيْ : الْخَصْمَانِ فِي الطَّلَبِ ( كَمُدَّعِيَيْنِ اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ بَاقٍ فَأَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ ) يُقَدَّمُ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى كُلْفَةِ الْمُضِيِّ لِلْأَبْعَدِ ( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَى الْحَاكِمَانِ أَيْضًا فِي الْقُرْبِ يُقَدَّمُ مِنْ الْحَاكِمَيْنِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ ( الْقُرْعَةُ ) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا .

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْقَضَاءُ لِوَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } وَالْحَقُّ لَا يَتَعَيَّنُ فِي مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ وَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْحَقُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ فَإِنْ قَلَّدَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بَطَلَ الشَّرْطُ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ قَالَ يَعْنِي كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا قَالَ وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامِهِ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ وَأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ

( وَإِنْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ عَزَلَ ) الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ ( الْمُوَلَّى بِفَتْحِهَا مَعَ صَلَاحِيَتِهِ ) لِلْقَضَاءِ ( لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا الْإِمَامُ ) إذْ تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ الْقَاضِيَ عَقْدٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَبْطُلْ لِزَوَالِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ إبْطَالَهُ كَعُقْدَةِ النِّكَاحِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ وَلِأَنَّ الْخُلَفَاءَ وَلَّوْا حُكَّامًا فِي زَمَانِهِمْ فَلَمْ يَنْعَزِلُوا بِمَوْتِهِمْ وَلِمَا فِي عَزْلٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِتَعَطُّلِ الْأَحْكَامِ وَتَوَقُّفِهَا إلَى أَنْ يُوَلَّى الثَّانِي ( وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ قَاضِيًا فَعَزَلَ نُوَّابَهُ أَوْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ انْعَزَلُوا ) لِأَنَّهُمْ نُوَّابُهُ كَالْوُكَلَاءِ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَاضِيًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَايَا النَّاسِ وَأَحْكَامُهُمْ عِنْدَهُ وَعِنْدَ نُوَّابِهِ بِالْبُلْدَانِ فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ( وَكَذَا وَالٍ وَمُحْتَسِبٌ وَأَمِير جِهَادٍ وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْ نُصِّبَ لِجِبَايَةِ مَالٍ ) كَخَرَاجٍ ( وَصَرْفِهِ ) إذَا وَلَّاهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِهِ وَلَا مَوْتِهِ لِأَنَّهَا عُقُودٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ

( وَلَا يَبْطُلُ مَا فَرَضَهُ فَارِضٌ ) مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَأُجْرَةِ مَسْكَنٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ وَعَطَاءٍ مِنْ دِيوَانٍ لِمَصْلَحَةٍ ( فِي الْمُسْتَقْبَلِ ) إذَا مَاتَ مَنْ فَرَضَهُ أَوْ عُزِلَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ تَغْيِيرُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ

( وَمَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ ) مِنْ إمَامٍ وَقَاضٍ وَوَالٍ وَمُحْتَسِبٍ وَنَحْوِهِمْ ( انْعَزَلَ ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ إنْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَ ( لَا ) يَنْعَزِلُ قَاضٍ ( بِعَزْلٍ قَبْلَ عِلْمِهِ ) لِتَعَلُّقِ قَضَايَا النَّاسِ وَأَحْكَامِهِمْ بِهِ فَيَشُقُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ

( وَمَنْ أُخْبِرَ بِمَوْتِ ) نَحْوِ قَاضٍ ( مُوَلًّى بِبَلَدٍ وَوَلَّى غَيْرَهُ فَبَانَ حَيًّا لَمْ يَنْعَزِلْ ) وَكَذَا مَنْ أَنْهَى شَيْئًا فَوُلِّيَ بِسَبَبِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُ لِأَنَّهَا كَالْمُعَلَّقَةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِنْهَاءِ .

فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَاضِي وَهِيَ عَشَرَةٌ ( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ قَاضٍ بَالِغًا عَاقِلًا ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ تَحْتَ وِلَايَةِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ وَالِيًا عَلَى غَيْرِهِ ( ذَكَرًا ) لِحَدِيثِ ( { مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } ) وَلِأَنَّهَا ضَعِيفَةُ الرَّأْي نَاقِصَةُ الْعَقْلِ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْحُضُورِ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَلَمْ يُوَلِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ امْرَأَةً قَضَاءً ( حُرًّا ) كُلُّهُ لِأَنَّ غَيْرَهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ مَشْغُولٌ بِحُقُوقِ سَيِّدِهِ ( مُسْلِمًا عَدْلًا وَلَوْ تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ ) نَصًّا فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَجِبُ التَّبْيِينُ عِنْدَ حُكْمِهِ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ أَوْ الْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا ( سَمِيعًا ) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ ( بَصِيرًا ) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُمَيِّزُ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا الْمُقِرَّ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ ( مُتَكَلِّمًا ) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِالْحُكْمِ وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعُ النَّاسِ إشَارَتَهُ ( مُجْتَهِدًا ) ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ } .
( وَلَوْ ) كَانَ اجْتِهَادُهُ ( فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ لِلضَّرُورَةِ ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ وَاخْتَارَ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرِّعَايَةِ أَوْ مُقَلِّدًا .
وَفِي الْإِنْصَافِ قُلْت وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ أَحْكَامُ النَّاسِ انْتَهَى .
وَفِي الْإِفْصَاحِ الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ وَفِي خُطْبَةِ الْمُغْنِي النِّسْبَةُ إلَى إمَامٍ فِي الْفُرُوعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ

رَحْمَةٌ وَاتِّفَاقَهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ ( فَيُرَاعِي ) الْمُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ ( أَلْفَاظَ إمَامِهِ وَمُتَأَخِّرَهَا وَيُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ ) أَيْ : فِي كَوْنِ ذَلِكَ لَفْظَ إمَامِهِ فِي الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِهِ ( وَيَحْكُمُ بِهِ وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ ) لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الظَّاهِرِ مِنْهُ وَيَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفَتْوَى بِالْهَوَى إجْمَاعًا وَبِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إجْمَاعًا قَالَ شَيْخُنَا ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ وَتَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُوَلَّى لِعَدَمٍ أَنْفَعُ الْفَاسِقَيْنِ وَأَقَلُّهُمَا شَرًّا وَأَعْدَلُ الْمُقَلِّدَيْنِ وَأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ انْتَهَى .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيَّ الْوِلَايَةُ أُنْثَى تَصْغُرُ وَتَكْبُرُ بِوَلِيِّهَا كَمَطِيَّةٍ تَحْسُنُ وَتَقْبُحُ بِمُمْتَطِيهَا فَالْأَعْمَالُ بِالْعُمَّالِ كَمَا أَنَّ النِّسَاءَ بِالرِّجَالِ وَالصُّدُورُ مَجَالِسُ ذَوِي الْكَمَالِ وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ : الْقَاضِي ( كَاتِبًا ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أُمِّيًّا وَهُوَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ الْكِتَابَةُ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ ( وَرِعًا أَوْ زَاهِدًا أَوْ يَقِظًا أَوْ مُثْبِتًا لِلْقِيَاسِ أَوْ حَسَنَ الْخُلُقِ ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ .
( وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ كَذَلِكَ ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ كَالْأَسَنِّ إذَا سَاوَى الشَّابَّ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ ( وَمَا يَمْنَعُ التَّوْلِيَةَ ابْتِدَاءً ) كَالْجُنُونِ وَالْفِسْقِ وَالصَّمَمِ وَالْعَمَى ( يَمْنَعُهَا دَوَامًا ) فَيَنْعَزِلُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ وَنَحْوِهَا لِفَقْدِ شَرْطِ التَّوْلِيَةِ ( إلَّا فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ) وَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ ) حَتَّى عَمِيَ أَوْ طَرِشَ ( فَإِنَّ وِلَايَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ ) لِأَنَّ

فَقْدَهُمَا لَيْسَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الِاجْتِهَادِ وَالْحُكْمُ يَسْتَنِدُ إلَى حَالِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ فِي حَالٍ يَسْمَعُ فِيهِ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ وَيُمَيِّزُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْفِسْقِ وَالْجُنُونِ وَالرِّدَّةِ وَنَحْوِهَا ( وَيَتَعَيَّنُ عَزْلُهُ ) أَيْ : الْقَاضِي ( مَعَ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ الْقَضَاءَ ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى إقَامَةِ غَيْرِهِ ( وَيَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَبْدٌ إمَارَةَ سَرِيَّةٍ وَقَسْمَ صَدَقَةٍ وَ ) قَسْمَ ( فَيْءٍ وَإِمَامَةَ صَلَاةٍ ) غَيْرَ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ ( وَالْمُجْتَهِدُ ) مِنْ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ وُسْعَهُ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ( مَنْ يَعْرِفُ مِنْ الْكِتَابِ ) أَيْ : كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
( وَ ) مِنْ ( السُّنَّةِ ) أَيْ : سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْحَقِيقَةَ ) أَيْ : اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ ( وَالْمَجَازَ ) أَيْ : اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلَ الْعَلَاقَةِ ( وَالْأَمْرَ ) أَيْ : اقْتِضَاءَ الطَّلَبِ ( وَالنَّهْيَ ) أَيْ : اقْتِضَاءَ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ لَا يَقُولُ كُفَّ ( وَالْمُجْمَلَ ) أَيْ : مَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ .
( وَالْمُبَيَّنَ ) أَيْ : الْمُخْرَجَ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ الْوُضُوحِ وَالتَّجَلِّي ( وَالْمُحْكَمَ ) أَيْ : اللَّفْظَ الْمُتَّضِحَ الْمَعْنَى ( وَالْمُتَشَابِهَ ) مُقَابِلُهُ أَمَّا الِاشْتِرَاكُ أَوْ ظُهُورُ شَبِيهٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ أَوَائِلَ السُّوَرِ ( وَالْعَامَّ ) مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ( وَالْخَاصَّ ) مُقَابِلُهُ ( وَالْمُطْلَقَ ) مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ ( وَالْمُقَيَّدَ ) مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى .
( وَالنَّاسِخَ ) أَيْ الرَّافِعُ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ( وَالْمَنْسُوخَ ) أَيْ : مَا نُسِخَ حُكْمُهُ شَرْعًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ شَرْعًا ( وَالْمُسْتَثْنَى ) أَيْ : الْمُخْرَجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا ( وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ) وَيَعْرِفُ ( صَحِيحَ السُّنَّةِ ) أَيْ : مَا نَقَلَهُ

الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ قَادِحَةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْحَسَنَ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ ( وَسَقِيمُهَا ) أَيْ : السُّنَّةِ وَهُوَ مَا لَا تُوجَدُ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ كَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُنْكَرِ وَالشَّاذِّ وَنَحْوِهَا .
( وَ ) يَعْرِفُ ( مُتَوَاتِرَهَا ) أَيْ : مَا نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مِثْلِهِمْ إلَى انْتِهَاءِ إسْنَادِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ بَلْ يُسْتَدَلُّ بِحُصُولِ الْعِلْمِ عَلَى حُصُولِ الْعَدَدِ وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَنْهُ ضَرُورِيٌّ ( وَ ) يَعْرِفُ ( آحَادَهَا ) أَيْ : السُّنَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا رَاوِيهِ وَاحِدٌ بَلْ مَا لَمْ يَبْلُغْ التَّوَاتُرَ فَهُوَ آحَادٌ .
( وَ ) يَعْرِفُ ( مُسْنَدَهَا ) أَيْ : السُّنَّةِ أَيْ : مَا اتَّصَلَ إسْنَادُهُ مِنْ رَاوِيهِ إلَى مُنْتَهَاهُ وَيُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي الْمَرْفُوعِ .
( وَ ) يَعْرِفُ ( الْمُنْقَطِعَ ) مِنْ السُّنَّةِ وَهُوَ مَا لَا يَتَّصِلُ سَنَدُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الِانْقِطَاعُ ( مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ ) فَقَطْ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ حِفْظُ الْقُرْآنِ بَلْ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ نَقَلَهُ الْمُعْظَمُ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ هُوَ مَنْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ بِدَلِيلِهِ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ وَلِكُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ دَلَالَةٌ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ لِتُعْرَفَ دَلَالَتُهُ وَوَقَفَ الِاجْتِهَادُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ .
( وَ ) يَعْرِفُ ( الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ ) لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ لِئَلَّا يَقُولَ فِيهِ قَوْلًا يَخْرُجُ عَنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ .
( وَ ) يَعْرِفُ ( الْقِيَاسَ ) وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ ( وَ ) يَعْرِفُ ( شُرُوطَهُ ) أَيْ : الْقِيَاسِ لِيَرُدَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ إلَى أَصْلِهِ .
( وَ ) يَعْرِفُ ( كَيْفَ يَسْتَنْبِطُ ) الْأَحْكَامَ مِنْ أَدِلَّتِهَا وَمَحَلُّ بَسْطِ ذَلِكَ كُتُبُ

أُصُولِ الْفِقْهِ .
( وَ ) يَعْرِفُ ( الْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْيَمَنِ ( وَمَا يُوَالِيهِمْ ) أَيْ : وَمَنْ يُوَالِي هَذِهِ الْبِلَادَ مِنْ الْعَرَبِ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْإِعْرَابُ وَالْأَلْفَاظُ الْعَرَبِيَّةُ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصُهَا بِأَحْوَالٍ هِيَ الْإِعْرَابُ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ لِيَعْرِفَ بِذَلِكَ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَصْنَافِ عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( فَمَنْ عَرَفَ أَكْثَرَ ذَلِكَ فَقَدْ صَلَحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِذَلِكَ لِشُبْهَةٍ أَوْ إشْكَالٍ لَكِنْ يَكْفِيهِ مَعْرِفَةُ وُجُوهِ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ وَكَيْفِيَّةِ أَخْذِ الْأَحْكَامِ مِنْ لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا وَزَادَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَيَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ وَاسْتِصْحَابَ الْحَالِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى إبْطَالِ شُبَهِ الْمُخَالِفِ وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مَذْهَبِهِ .

فَصْلٌ وَإِنْ حَكَّمَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ ( اثْنَانِ ) فَأَكْثَرَ ( بَيْنَهُمَا ) رَجُلًا ( صَالِحًا لِلْقَضَاءِ ) بِأَنْ اتَّصَفَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ الْقَاضِي وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْعَشْرُ صِفَاتٍ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْقَاضِي لَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحَكِّمُ الْخَصْمَانِ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمَا ( نَفَذَ حُكْمُهُ فِي كُلِّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ وَلَّاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ { : إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ : إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ .
قَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا ، فَمَنْ أَكْبَرُ وَلَدِكَ ؟ قَالَ : شُرَيْحٌ .
قَالَ : فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ } " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا " { مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضَيَا بِهِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَلْعُونٌ } " وَتَحَاكَمَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَاضِيًا ( لَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ : الْمُتَحَاكِمَيْنِ ( الرُّجُوعُ ) عَنْ تَحْكِيمِهِ ( قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ تَصَرُّفِ وَكِيلِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ وَلَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِحُكْمِهِ وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ قَبُولُهُ وَكِتَابُهُ كَكِتَابِ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا بِالرِّضَا بِحُكْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يَجْحَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا أَنَّهُ حُكْمُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .
وَفِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مُتَقَدِّمُو الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْوَسَاطَاتِ وَالصُّلْحِ عِنْدَ الْغَوْرَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ .

الْأَدَبُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ يُقَالُ أَدُبَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا أَيْ : صَارَ أَدِيبًا فِي خُلُقٍ وَعِلْمٍ ( وَهُوَ أَخْلَاقُهُ الَّتِي يَنْبَغِي ) لَهُ ( التَّخَلُّقُ بِهَا وَالْخُلُقُ ) بِالضَّمِّ ( صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ ) أَيْ : بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَوْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ تَأْخُذَ بِهِ نَفْسُهُ أَوْ أَعْوَانُهُ مِنْ الْآدَابِ وَالْقَوَانِينِ الَّتِي تَضْبِطُ أُمُورَ الْقُضَاةِ وَتَحْفَظُهُمْ عَنْ الْمَيْلِ ( يُسَنُّ كَوْنُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( قَوِيًّا بِلَا عُنْفٍ ) لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ الظَّالِمُ ( لَيِّنًا بِلَا ضَعْفٍ ) لِئَلَّا يَهَابَهُ الْمُحِقُّ ( حَلِيمًا ) لِئَلَّا يَغْضَبَ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمِ فَيَمْنَعُهُ الْحُكْمَ ( مُتَأَنِّيًا ) مِنْ التَّأَنِّي وَهُوَ ضِدُّ الْعَجَلَةِ لِئَلَّا تُؤَدِّيَ عَجَلَتُهُ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي ( مُتَفَطِّنًا ) لِئَلَّا يُخْدَعَ مِنْ بَعْضِ الْخُصُومِ لِغِرَّةٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ : عَالِمًا بِلُغَاتِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ ( عَفِيفًا ) أَيْ : كَافًّا نَفْسَهُ عَنْ الْحَرَامِ لِئَلَّا يَطْمَعَ فِي مَيْلِهِ بِأَطْمَاعِهِ ( بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى تَكْمُلَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ : عَفِيفٌ حَلِيمٌ عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ يَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَتَتَّضِحُ لَهُ طَرِيقُهُ

( وَ ) يُسَنُّ ( سُؤَالُهُ إنْ وَلِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ عَنْ عُلَمَائِهِ ) لِيُشَاوِرَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ وَيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى قَضَائِهِ ( وَ ) عَنْ ( عُدُولِهِ ) لِاسْتِنَادِ أَحْكَامِهِ إلَيْهِمْ وَثُبُوتِ الْحُقُوقِ عِنْدَهُ بِهِمْ فَيَقْبَلُ أَوْ يَرُدُّ مَنْ يَرَاهُ لِذَلِكَ أَهْلًا وَلِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُمْ

( وَ ) يُسَنُّ ( إعْلَامُهُمْ ) بِأَنْ يُنْفِذَ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يُعْلِمُهُمْ ( يَوْمَ دُخُولِهِ ) الْبَلَدَ ( لِيَتَلَقَّوْهُ ) لِأَنَّهُ أَوْقَعُ لَهُ فِي النُّفُوسِ وَأَعْظَمُ لِحِشْمَتِهِ ( مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَلَقِّيهِ ) لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَقَامِهِ ( وَ ) يُسَنُّ ( دُخُولُهُ ) بَلَدًا وَلِيَ الْحُكْمَ فِيهِ ( يَوْمَ اثْنَيْنِ أَوْ ) يَوْمَ ( خَمِيسٍ أَوْ ) يَوْمَ ( سَبْتٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي الْهِجْرَةِ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَذَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقَالَ " { بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي سَبْتِهَا وَخَمِيسِهَا } " وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَهَا ( ضَحْوَةً ) تَفَاؤُلًا لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ ( لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ ) أَيْ : أَحْسَنَهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْجَمَالَ وَقَالَ : " { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } " لِأَنَّهَا مَجَامِعُ النَّاسِ وَهُنَا يَجْتَمِعُ مَا لَا يَجْتَمِعُ فِي الْمَسَاجِدِ فَهُوَ أَوْلَى بِالزِّينَةِ ( وَكَذَا أَصْحَابُهُ ) لِأَنَّهُ أَعْظَمُ لَهُ وَلَهُمْ فِي النُّفُوسِ ( وَلَا يَتَطَيَّرُ ) أَيْ : لَا يَتَشَاءَمُ ( وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ وَيَنْهَى عَنْ الطِّيَرَةِ

( فَيَأْتِي الْجَامِعَ فَيُصَلِّيَ ) فِيهِ ( رَكْعَتَيْنِ ) تَحِيَّتَهُ ( وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلًا ) الْقِبْلَةَ لِأَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ ( وَيَأْمُرُ ) الْقَاضِي ( بِعَهْدِهِ فَيُقْرَأُ عَلَى النَّاسِ ) لِيَعْلَمُوا تَوْلِيَتَهُ وَاحْتِفَاظَ الْإِمَامِ عَلَى اتِّبَاعِ الْأَحْكَامِ وَقَدْرَ الْمُوَلَّى بِفَتْحِ اللَّامِ عِنْدَهُ وَحُدُودَ وِلَايَتِهِ وَمَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهِ .
( وَ ) يَأْمُرُ بِمَنْ يُنَادِيهِمْ بِيَوْمِ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ لِيَعْلَمَهُ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَيَأْتِيَ فِيهِ ( وَيُقِلُّ مِنْ كَلَامِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ ) لِلْكَلَامِ لِأَنَّهُ أَهْيَبُ ( ثُمَّ يَمْضِي إلَى مَنْزِلِهِ ) الْمُعَدِّ لَهُ لِيَسْتَرِيحَ

( وَيُنْفِذُ ) أَيْ : يَبْعَثُ ثِقَةً ( لِيَتَسَلَّمَ دِيوَانَ الْحُكْمِ ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَهُوَ الدَّفْتَرُ الْمُعَدُّ لِكَتْبِ الْوَثَائِقِ وَالسِّجِلَّاتِ وَالْوَدَائِعِ ( مِمَّنْ كَانَ قَاضِيًا قَبْلَهُ ) لِأَنَّهُ الْأَسَاسُ الَّذِي يَبْنِي عَلَيْهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَقَدْ صَارَتْ إلَيْهِ ( وَيَأْمُرُ كَاتِبًا ثِقَةً يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ ) احْتِيَاطًا ( ثُمَّ يَخْرُجُ يَوْمَ الْوَعْدِ ) أَيْ : الَّذِي وَعَدَ النَّاسِ بِالْجُلُوسِ فِيهِ لِلْحُكْمِ ( بِأَعْدَلِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ غَضْبَانَ وَلَا جَائِعٍ وَلَا حَاقِنٍ وَلَا مَهْمُومٍ بِمَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْفَهْمِ ) لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِقَلْبِهِ وَأَبْلَغُ فِي تَيَقُّظِهِ لِلصَّوَابِ ( فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ وَلَوْ صَبِيًّا ) لِأَنَّهُ إمَّا رَاكِبٌ أَوْ مَاشٍ وَالسُّنَّةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ ( ثُمَّ ) يُسَلِّمُ ( عَلَى مَنْ بِمَجْلِسِهِ ) لِحَدِيثِ " { مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ } " ( وَيُصَلِّي إنْ كَانَ بِمَسْجِدٍ تَحِيَّتَهُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ نَهْيٍ كَغَيْرِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مَسْجِدًا ( خُيِّرَ ) بَيْنَ الصَّلَاةِ وَتَرْكِهَا كَسَائِرِ الْمَجَالِسِ ( وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ ) لِيَنَالَ ثَوَابَهَا ( وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ نَحْوِهِ ) يَخْتَصُّ بِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ جُلَسَائِهِ لِأَنَّهُ أَهْيَبُ لَهُ لِأَنَّهُ مَقَامٌ عَظِيمٌ يَجِبُ فِيهِ إظْهَارُ الْحُرْمَةِ تَعْظِيمًا لِلشَّرْعِ ( وَيَدْعُو ) اللَّهَ تَعَالَى ( بِالتَّوْفِيقِ ) لِلْحَقِّ ( وَالْعِصْمَةِ ) مِنْ زَلَلِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِأَنَّهُ مَقَامُ خَطَرٍ وَكَانَ مَنْ دُعَاءِ عُمَرَ اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا وَوَفِّقْنِي لِاتِّبَاعِهِ وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَوَفِّقْنِي لِاجْتِنَابِهِ ( مُسْتَعِينًا ) أَيْ : طَالِبًا الْمَعُونَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ( مُتَوَكِّلًا ) أَيْ : مُفَوِّضًا أَمْرَهُ إلَيْهِ ( وَيَدْعُو سِرًّا ) لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ وَأَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ ( وَلْيَكُنْ مَجْلِسُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَأَذَّى

فِيهِ بِشَيْءٍ ) لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بَالُهُ بِمَا يُؤْذِيهِ ( فَسِيحًا كَجَامِعٍ ) فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِيهِ بِلَا كَرَاهَةٍ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ فِي الْمَسْجِدِ .
قَالَ مَالِكٌ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْحُكْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَغْتَسِلُ وَالْحَائِضُ تُوَكِّلُ أَوْ تَأْتِي الْقَاضِيَ فِي مَنْزِلِهِ ( وَيَصُونُهُ ) أَيْ : الْمَسْجِدَ ( عَمَّا يُكْرَهُ فِيهِ ) مِنْ نَحْوِ رَفْعِ صَوْتٍ ( وَكَدَارٍ وَاسِعَةٍ وَسْطَ الْبَلَدِ إنْ أَمْكَنَ ) لِتَسْتَوِيَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي الْمُضِيِّ إلَيْهِ

( وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا بِلَا عُذْرٍ إلَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ شَاءَ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ مَرْفُوعًا " { مَا مِنْ إمَامٍ أَوْ وَالٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُمَا رُبَّمَا مَنَعَا ذَا الْحَاجَةِ لِغَرَضِ النَّفْسِ أَوْ غَرَضِ الْحُطَامِ

( وَيُعْرَضُ الْقَصَصُ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ سَابِقٍ ) لِسَبْقِهِ إلَى مُبَاحٍ وَفِي مَعْنَاهُ الْمُعَلِّمُ إذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ الطَّلَبَةُ وَ ( لَا ) يُقَدَّمُ سَابِقٌ ( فِي أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ ) لِئَلَّا يَسْتَوْعِبَ الْمَجْلِسَ فَيَضُرَّ بِغَيْرِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي حَكَمَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتَبِرُ الْأَوَّلَ فِي الدَّعْوَى لَا فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَيُقْرِعُ ) بَيْنَهُمْ ( إنْ حَضَرُوا دَفْعَةً ) وَاحِدَةً ( وَتَشَاحُّوا ) فِي التَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا

( وَ ) يَجِبُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : الْقَاضِي ( الْعَدْلُ بَيْنَ مُتَحَاكِمَيْنِ ) تَرَافَعَا إلَيْهِ ( فِي لَحْظِهِ ) أَيْ مُلَاحَظَتِهِ ( وَلَفْظِهِ ) أَيْ كَلَامِهِ لَهُمَا ( وَمَجْلِسِهِ وَدُخُولٍ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا ) عَلَيْهِ ( فَيَرُدُّ ) عَلَيْهِ ( وَلَا يَنْتَظِرُ سَلَامَ الثَّانِي ) لِوُجُوبِ الرَّدِّ فَوْرًا ( وَإِلَّا الْمُسْلِمُ ) إذَا تَرَافَعَ إلَيْهِ ( مَعَ كَافِرٍ فَيُقَدَّمُ ) الْمُسْلِمُ ( دُخُولًا ) عَلَى الْقَاضِي ( وَيُرْفَعُ جُلُوسًا ) لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ تَعَالَى : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ } وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا " { مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَفْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْآخَرِ } " .
وَفِي رِوَايَةٍ " وَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي النَّظَرِ وَالْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ " وَلِأَنَّهُ إذَا مَيَّزَ أَحَدَهُمَا حَصَرَ الْآخَرِ وَانْكَسَرَ وَرُبَّمَا لَمْ تَقُمْ حُجَّتُهُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ظُلْمِهِ

( وَلَا يُكْرَهُ قِيَامُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( لِلْخَصْمَيْنِ ) فَإِذَا قَامَ لِأَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَقُومَ لِلْآخَرِ

( وَيَحْرُمُ أَنْ يُسَارَّ أَحَدَهُمَا أَوْ يُلَقِّنَهُ حُجَّةً أَوْ يُضَيِّفَهُ ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ وَكَسْرِ قَلْبِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ أَلَك خَصْمٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَحَوَّلْ عَنَّا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " { لَا تُضَيِّفُوا أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَّا وَخَصْمُهُ مَعَهُ } ) ( أَوْ يُعَلِّمَهُ كَيْفَ يَدَّعِي إلَّا أَنْ يَتْرُكَ مَا يَلْزَمُ ذِكْرُهُ ) فِي الدَّعْوَى ( كَشَرْطِ عَقْدٍ وَ ) سَبَبِ إرْثٍ وَ ( نَحْوِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ ) ضَرُورَةً تَحْرِيرًا لِلدَّعْوَى وَلَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ وَأَكْثَر الْخُصُومِ لَا يَعْلَمُهُ وَلِيَتَّضِح لِلْقَاضِي وَجْهُ الْحُكْمِ

( وَلَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( أَنْ يَزِنَ ) عَنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِخَصْمِهِ ( وَ ) لَهُ أَنْ ( يَشْفَعَ لَهُ ) عِنْدَ خَصْمِهِ ( لِيَضَعَ عَنْ خَصْمِهِ شَيْئًا ) لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ حَسَنَةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا } وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّهُ { تَقَاضَى ابْنَ أُبَيٍّ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى يَا كَعْبُ فَقُلْت لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ .
قَالَ قَدْ فَعَلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : قُمْ فَاقْضِهِ } .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ ( أَوْ ) أَيْ : وَيَجُوزُ أَنْ يَشْفَعَ ( لِيُنْظِرَهُ ) أَيْ : يُمْهِلَ الْمَدِينَ بِدَيْنِهِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْوَضْعِ

( وَ ) لِلْقَاضِي ( أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ ) كَقَوْلِهِ ارْتَشَيْت عَلَيَّ أَوْ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرٍ وَحَبْسٍ وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ ( وَلَوْ لَمْ يُثْبِتْهُ ) أَيْ : افْتِيَاتَهُ عَلَيْهِ ( بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِثْبَاتِ جَرْحًا وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَرِيعَةً لِلِافْتِيَاتِ ( وَ ) لَهُ ( أَنْ يَنْتَهِرَهُ إذَا الْتَوَى ) عَنْ الْحَقِّ لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ

( وَيُسَنُّ ) لِلْقَاضِي ( أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ فُقَهَاءَ الْمَذَاهِبِ وَمُشَاوَرَتُهُمْ فِيمَا يَشْكُلُ ) إنْ أَمْكَنَ وَسُؤَالُهُمْ إذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ لِيَذْكُرُوا جَوَابَهُمْ وَأَدَاتَهُمْ فِيهَا فَإِنَّهُ أَسْرَعُ لِاجْتِهَادِهِ وَأَقْرَبُ لِصَوَابِهِ قَالَ تَعَالَى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَغَنِيٌّ عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحَاكِمُ بَعْدَهُ ( فَإِنْ اتَّضَحَ ) لَهُ الْحُكْمُ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) يَتَّضِحْ لَهُ الْحُكْمُ ( أَخَّرَهُ ) حَتَّى يَتَّضِحَ ( فَلَوْ حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ لَمْ يَصِحَّ ) حُكْمُهُ ( وَلَوْ أَصَابَ الْحَقَّ ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ

( وَيَحْرُمُ ) عَلَيْهِ ( تَقْلِيدُ غَيْرِهِ ) وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ ( أَعْلَمَ ) مِنْهُ كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقِبْلَةِ نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ لَا تُقَلِّدْ أَمْرَك أَحَدًا وَعَلَيْك بِالْأَثَرِ وَقَالَ أَحْمَدُ لِلْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ وَلَا تُقَلِّدْ دِينَكَ الرِّجَالَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْلَمُوا أَنْ يَغْلَطُوا

( وَ ) يَحْرُمُ عَلَى قَاضٍ ( الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَان كَثِيرًا ) لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا " { لَا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَضَبٍ يَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ فَهْمَ الْحُكْمِ ( أَوْ ) أَيْ : وَيَحْرُمُ أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ ( حَاقِنٌ أَوْ فِي شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ ) فِي شِدَّةِ ( عَطَشٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ مَلَلٍ أَوْ كَسَلٍ أَوْ نُعَاسٍ أَوْ بَرْدٍ مُؤْلِمٍ أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْفِكْرَ الْمُوصِلَ إلَى إصَابَةِ الْحَقِّ غَالِبًا ( وَإِنْ خَالَفَ ) وَحَكَمَ وَهُوَ غَضْبَان وَنَحْوُهُ ( فَأَصَابَ الْحَقَّ نَفَذَ ) حُكْمُهُ وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ ( وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَضَاءُ مَعَ ذَلِكَ ) أَيْ : الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ لِحَدِيثِ مُخَاصَمَةِ الْأَنْصَارِيِّ وَالزُّبَيْرِ فِي الشِّرَاجِ الْحُرَّةِ لَمَّا قَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ : " اسْبِقْ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجِدَارِ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْغَضَبُ الْحُكْمَ ( لِأَنَّهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ غَلَطٌ يُقَرُّ ) أَيْ : يُقِرُّهُ اللَّهُ تَعَالَى ( عَلَيْهِ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا فِي حُكْمٍ ) بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ ، وَقَوْلُهُ فِي حُكْمٍ احْتِرَازٌ عَمَّا وَقَعَ لَمَّا { مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلَحَ حَالُهُ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ

( وَيَحْرُمُ ) عَلَى الْحَاكِمِ ( قَبُولُهُ رِشْوَةً ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ } " .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِي الْحُكْمِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَزَادَ : وَالرَّائِشَ .
وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْتَشِي لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ يُوقِفَ الْحُكْمَ عَنْ الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ عَلَى حَاكِمٍ قَبُولُ ( هَدِيَّةٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا " { هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا غَالِبًا اسْتِمَالَةُ الْحَاكِمِ لِيَعْتَنِيَ بِهِ فِي الْحُكْمِ فَتُشْبِهُ الرِّشْوَةَ ( إلَّا ) الْهَدِيَّةَ ( مِمَّنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكُومَةٌ فَيُبَاحُ ) لَهُ أَخْذُهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ ( كَ ) مَا يُبَاحُ ( لِمُفْتٍ ) أَخْذُ الْهَدِيَّةِ ( وَرَدُّهَا ) أَيْ : الْهَدِيَّةِ مِنْ الْحَاكِمِ ( أَوْلَى ) .
وَقَالَ الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنَزُّهُ عَنْهَا ( فَإِنْ خَالَفَ ) الْحَاكِمُ فَأَخَذَ الرِّشْوَةَ أَوْ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حُرِّمَتْ ( رُدَّتَا لِمُعْطٍ ) لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ أَخَذَهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْمَأْخُوذِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ

( وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( وَشِرَاؤُهُ إلَّا بِوَكِيلٍ لَا يُعْرَفُ بِهِ ) أَيْ : أَنَّهُ وَكِيلُهُ لِئَلَّا يُحَابِيَ وَالْمُحَابَاةُ كَالْهَدِيَّةِ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( وَلَا لِوَالٍ أَنْ يَتَّجِرَ ) لِحَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ الْمَالِكِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا " { مَا عَدَلَ وَالٍ اتَّجَرَ فِي رَعِيَّتِهِ أَبَدًا } " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى التِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَكْفِيهِ لَمْ تُكْرَهْ لَهُ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَصَدَ السُّوقَ لِيَتَّجِرَ فِيهِ حَتَّى فَرَضُوا لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَلِوُجُوبِ الْقِيَامِ بِعِيَالِهِ فَلَا يَتْرُكُهُ لِوَهْمِ مَضَرَّةٍ .

( وَتُسَنُّ لَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشَهَادَةُ الْجَنَائِزِ وَتَوْدِيعُ غَازٍ وَحَاجٍّ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ ) ذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرَبِ وَفِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ وَلَهُ حُضُورُ بَعْضِ ذَلِكَ وَتَرْكُ بَعْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِتَحْصِيلِ الْأَجْرِ وَالْقُرْبَةِ ، بِخِلَافِ الْوَلَائِمِ فَإِنَّهُ يُرَاعِي فِيهَا حَقَّ الدَّاعِي فَيَنْكَسِرُ فِيهَا قَلْبُ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ إذَا أَجَابَ غَيْرَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقَاضِي ( فِي دَعَوَاتِ ) الْوَلَائِمِ ( كَغَيْرِهِ ) ؛ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْضُرُهَا وَأَمَرَ بِحُضُورِهَا وَقَالَ : وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَمَتَى كَثُرَتْ وَازْدَحَمَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا ( وَلَا يُجِيبُ قَوْمًا وَيَدَعُ قَوْمًا بِلَا عُذْرٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا عُذْرٌ كَمُنْكَرٍ أَوْ بُعْدِ مَكَان أَوْ اشْتَغَلَ بِهَا زَمَنًا طَوِيلًا دُونَ الْأُخْرَى أَجَابَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِهَا .

( وَيُوصِي ) الْقَاضِي وُجُوبًا ( الْوُكَلَاءَ وَالْأَعْوَانَ بِبَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ وَقِلَّةِ الطَّمَعِ ) لِئَلَّا يَضُرُّوا بِالنَّاسِ ( وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخًا أَوْ كُهُولًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ ) ، لِيَكُونُوا أَقَلَّ شَرًّا ، فَإِنَّ الشَّبَابَ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ وَالْحَاكِمُ تَأْتِيهِ النِّسَاءُ وَفِي اجْتِمَاعِ الشَّبَابِ بِهِنَّ مَفْسَدَةٌ

( وَيُبَاحُ ) لِقَاضٍ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ ( أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَكْتَبَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرَهُمَا } وَلِكَثْرَةِ اشْتِغَالِ الْحَاكِمِ بِنَفْسِهِ وَنَظَرِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي الْكِتَابَةِ بِنَفْسِهِ ( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ ) أَيْ : كَاتِبِ الْقَاضِي ( مُسْلِمًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } وَقَالَ عُمَرُ : لَا تُؤَمِّنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ ، وَلَا تُقَرِّبُوهُمْ وَقَدْ أَبْعَدَهُمْ اللَّهُ ، وَلَا تُعِزُّوهُمْ وَقَدْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ ( عَدْلًا ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أَمَانَةٍ ، ( وَيُسَنُّ كَوْنُهُ حَافِظًا عَالِمًا ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى أَمْرِهِ ، وَكَوْنُهُ حُرًّا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ، وَكَوْنُهُ جَيِّدَ اللَّحْظِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَكَوْنُهُ عَارِفًا قَالَهُ فِي الْكَافِي ، لِئَلَّا يُفْسِدَ مَا يَكْتُبُهُ بِجَهْلِهِ ، ( وَيَجْلِسُ ) الْكَاتِبُ ( بِحَيْثُ يُشَاهِدُ ) الْقَاضِي ( مَا يَكْتُبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِإِمْلَائِهِ عَلَيْهِ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ ، ( وَيَجْعَلُ ) الْقَاضِي ( الْقِمَطْرَ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ ( ، وَهُوَ مَا يَجْمَعُ فِيهِ الْقَضَايَا مَخْتُومًا بَيْنَ يَدَيْهِ ) لِيُحْفَظَ عَنْ التَّغْيِيرِ

( وَيُسَنُّ حُكْمُهُ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ ) لِيَسْتَوْفِيَ بِهِمْ الْحُقُوقَ ، وَتَثْبُتَ بِهِمْ الْحُجَجُ وَالْمَحَاضِرُ

( وَيَحْرُمُ ) عَلَى قَاضٍ ( تَعْيِينُهُ قَوْمًا بِالْقَبُولِ ) أَيْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ لِوُجُوبِ قَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ

( وَلَا يَصِحُّ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( عَلَى عَدُوِّهِ ) كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ( بَلْ يُفْتِي عَلَى عَدُوِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِي الْفُتْيَا بِخِلَافِ الْقَضَاءِ ، ( وَلَا ) يَصِحُّ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ( لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ ) كَزَوْجَتِهِ وَعَمُودَيْ نَسَبِهِ كَالشَّهَادَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ وَالِدَيْهِ أَوْ بَيْنَ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، فَإِنْ عَرَضَتْ لِلْقَاضِي أَوْ لِمَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ حُكُومَةٌ تَحَاكَمَا إلَى بَعْضِ خُلَفَائِهِ أَوْ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ ، فَإِنَّ عُمَرَ حَاكَمَ أُبَيًّا إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَحَاكَمَ رَجُلًا عِرَاقِيًّا إلَى شُرَيْحٍ ، وَحَاكَمَ عَلِيٌّ رَجُلًا يَهُودِيًّا إلَى شُرَيْحٍ ، وَحَاكَمَ عُثْمَانُ طَلْحَةَ إلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، ( وَلَهُ اسْتِخْلَافُهُمْ ) أَيْ لِلْقَاضِي اسْتِنَابَةُ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَنَحْوِهِمَا عَنْهُ فِي الْحُكْمِ مَعَ صَلَاحِيَتِهِمْ كَغَيْرِهِمْ ( كَحُكْمِهِ ) أَيْ : يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ ( لِغَيْرِهِمْ ) أَيْ : لِغَيْرِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ ( بِشَهَادَتِهِمْ ) كَأَنْ حَكَمَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِشَهَادَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ ، ( وَ ) كَحُكْمِهِ ( عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ ، فَيَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِمْ كَشَهَادَتِهِ عَلَيْهِمْ ) .

( فَصْلٌ وَيُسَنُّ لِقَاضٍ أَنْ يَبْدَأَ بِ ) النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَقَاءَ فِيهِ ، ( فَيُنْفِذَ ثِقَةً ) إلَى الْحَبْسِ فَ ( يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ و ) أَسْمَاءَ ( مَنْ حَبَسَهُمْ وَفِيمَ ذَلِكَ ) ؟ أَيْ حَبْسُهُمْ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ النَّظَرُ فِي حَالِ الْأَوَّلِ لَوْ كُتِبُوا فِي رُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَيُخْرِجُ وَاحِدَةً مِنْ الرِّقَاعِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْقُرْعَةِ ، ( ثُمَّ يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ ) أَيْ : الْمَحْبُوسِينَ فِي يَوْمِ كَذَا ، فَمَنْ لَهُ خَصْمٌ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِحُضُورِهِمْ مِنْ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِمْ ، ( فَإِذَا جَلَسَ ) الْقَاضِي ( لِوَعْدِهِ ) نَظَرَ ابْتِدَاءً فِي رِقَاعِ الْمَحْبُوسِينَ فَتُخْرَجُ رُقْعَةٌ مِنْهَا وَيُقَالُ : هَذِهِ رُقْعَةُ فُلَانٍ فَمَنْ خَصْمُهُ ؟ ( فَمَنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ نَظَرَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ) الْمَحْبُوسُ ( حُبِسَ لِتُعَدَّلَ الْبَيِّنَةُ ) أَيْ : بَيِّنَةُ خَصْمِهِ عَلَيْهِ ( فَإِعَادَتُهُ ) إلَى الْحَبْسِ ( مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَبْسِهِ فِي ذَلِكَ ) ، وَالْأَصَحُّ حَبْسُهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ حَدٍّ فَيُعَادُ لِلْحَبْسِ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُ خَصْمِهِ ) أَيْ : الْمَحْبُوسِ ( فِي أَنَّهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( حَبَسَهُ بَعْدَ تَكْمِيلِ بَيِّنَتِهِ وَ ) بَعْدَ ( تَعْدِيلِهَا ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا حَبَسَهُ لِحَقٍّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ، ( وَإِنْ ذَكَرَ ) مَحْبُوسٌ أَنَّهُ ( حَبَسَهُ بِقِيمَةِ كَلْبٍ أَوْ خَمْرِ ذِمِّيٍّ وَصَدَّقَهُ غَرِيمٌ ) فِي ذَلِكَ ( خَلَّى ) سَبِيلَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ غَرِيمَهُ وَقَالَ : بَلْ بِحَقٍّ وَاجِبٍ غَيْرِ هَذَا فَقَوْلَهُ : لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ( وَإِنْ بَانَ حَبْسُهُ فِي تُهْمَةٍ أَوْ تَعْزِيرٍ كَافْتِيَاتٍ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ وَنَحْوَهُ ) كَكَوْنِهِ غَائِبًا ( خَلَّاهُ ) أَيْ : أَطْلَقَهُ ، ( أَوْ أَبْقَاهُ ) فِي الْحَبْسِ ( بِقَدْرِ مَا يَرَى ) بِحَسْبِ اجْتِهَادِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ (

فَإِطْلَاقُهُ ) أَيْ : الْمَحْبُوسِ

( وَإِذْنُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( وَلَوْ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَ ) فِي ( نَفَقَةٍ لِيَرْجِعَ ) قَاضِي الدَّيْنِ وَالْمُنْفِقُ حُكْمٌ ، .
( وَ ) إذْنُهُ فِي ( وَضْعِ مِيزَابٍ وَ ) وَضْعِ ( بِنَاءٍ ) مِنْ جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ بِدَرْبٍ نَافِذٍ بِلَا ضَرَرٍ حُكْمٌ ، فَيُمْنَعُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ كَإِذْنِ الْجَمِيعِ ، ( وَ ) إذْنُهُ ( فِي غَيْرِهِ ) كَوَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارِ جَارٍ بِشَرْطِهِ حُكْمٌ ، ( وَأَمْرُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ ) حُكْمٌ ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْمُحْتَسِبِ ، ( وَقُرْعَتُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ إنْ كَانَ ) ثَمَّ خِلَافٌ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ فَعَقَدَ أَوْ فَسَخَ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمِهِ بِصِحَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ .
( وَكَذَا نَوْعٌ مِنْ فِعْلِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( كَتَزْوِيجِهِ يَتِيمَةً ) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ ( وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ ) مَوْصُوفَةٍ بِمَا يَكْفِي فِي سَلَمٍ لِقَضَاءِ دَيْنِ غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ ( وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ ) ، حَيْثُ رَآهُ وَفَسْخٍ لِعُنَّةٍ وَعَيْبٍ وَنَحْوَهُ ، فَهُوَ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ إنْ كَانَ ، وَكَذَا نَصْبُهُ لِنَحْوِ مِيزَابٍ لِنَصْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيزَابَ الْعَبَّاسِ ، .
وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُهُ لِأَرْضِ الْعَنْوَةِ لِمَصْلَحَةٍ وَتَرْكُهُ لَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لَهَا عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي ، ( وَحُكْمُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( بِشَيْءٍ ) كَبَيْعِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ( حُكْمٌ بِلَازِمِهِ ) أَيْ الشَّيْءَ الْمَحْكُومَ بِهِ وَهُوَ بُطْلَانُ الْعِتْقِ فِي الْمِثَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ فَلَا يَحْكُمُ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِحُكْمِهِ .
( وَإِقْرَارُهُ ) أَيْ الْقَاضِي مُكَلَّفًا ( غَيْرَهُ عَلَى فِعْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ) أَيْ فِي صِحَّتِهِ أَوْ حِلِّهِ لَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّتِهِ أَوْ حِلِّهِ إنَّهُ الْإِقْرَارُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ ، ( وَثُبُوتِ شَيْءٍ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي كَوَقْفٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (

لَيْسَ حُكْمًا بِهِ ) ، بِخِلَافِ إثْبَاتِ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَأَهْلِيَّةِ وَصِيَّةٍ فَهُوَ حُكْمٌ عَلَى مَا يَأْتِي ، وَكَذَا ثُبُوتُ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَفَرْضِهِ مَهْرَ مِثْلٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ أُجْرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَتَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ ) قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ ، ( وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ التَّنْفِيذَ حُكْمٌ ، بَلْ قَدْ فُسِّرَ فِي الشَّرْحِ التَّنْفِيذُ بِالْحُكْمِ فِي مَوْضِعٍ .
وَفِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ نَفْسُ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ ، لَكِنْ لَوْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ إنْفَاذُهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ فَلَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ كَغَيْرِهِ ، ( وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ ) أَيْ الْأَصْحَابِ ( أَنَّهُ ) أَيْ التَّنْفِيذَ ( عَمَلٌ بِالْحُكْمِ ) الْمُنَفَّذِ ( وَإِجَازَةٌ لَهُ وَإِمْضَاءٌ كَتَنْفِيذِ ) الْوَارِثِ ( الْوَصِيَّةَ ) حَيْثُ تَوَقَّفَتْ عَلَى الْإِجَازَةِ .
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِالْمَحْكُومِ بِهِ ، إذْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ ، وَهُوَ مُحَالٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِمْضَاءٌ لَهُ كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَإِجَازَةٌ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ يُجِيزُ هَذَا الْمَحْكُومَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِحُرْمَةِ الْحُكْمِ ، وَإِنْ كَانَ حَبَسَ ذَلِكَ الْمَحْكُومَ بِهِ غَيْرُهُ انْتَهَى .
وَذَكَرَ ابْنُ الْفَرَسِ الْحَنَفِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ : أَنَّ التَّنْفِيذَ حُكْمٌ إنْ كَانَ التَّرَافُعُ عَنْ خُصُومَةٍ ، وَأَنَّ الْحَادِثَةَ الشَّخْصِيَّةَ الْوَاحِدَةَ يَجُوزُ شَرْعًا أَنْ تَتَوَارَدَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَدِّدَةُ الْمُتَّفِقَةُ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ .
وَأَمَّا التَّنْفِيذُ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فَمَعْنَاهُ إحَاطَةُ الْقَاضِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرَضٍ عَلَيْهِ ، وَيُسَمَّى اتِّصَالًا وَيُتَجَوَّزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ

( وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ قَطْعًا ) ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا وَاعْتَرَفَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ، حَتَّى يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ بَاعَهُ الْعَيْنَ الْمَذْكُورَةَ وَهُوَ مَالِكٌ ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ .
( وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( حُكْمٌ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّابِتَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) كَالْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ ، ( فَالدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ ) مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ( الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُوجَبِهِ كَسَائِرِ آثَارِهِ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ أَقْوَى مُطْلَقًا لِسَعَتِهِ وَتَنَاوُلِهِ الصِّحَّةَ وَآثَارَهَا .
( وَ ) الدَّعْوَى ( غَيْرُ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذَلِكَ ) أَيْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ الْعَيْنَ فَقَطْ ( الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ لَيْسَ حُكْمًا بِهَا ) أَيْ : الصِّحَّةِ ، إذْ مُوجَبُ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ حُصُولُ صُورَةِ بَيْعٍ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَشْتَمِلْ الدَّعْوَى عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ ؛ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِلْبَائِعِ مِلْكًا وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ .
لَا يُقَالُ : هُوَ أَيْضًا فِي الْأُولَى لَمْ يَدَّعِ الصِّحَّةَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا ؟ لِأَنَّ دَعْوَاهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فَهِيَ وَاقِعَةٌ ضِمْنًا ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودُ الْمُشْتَرِي .
( وَقَالَ بَعْضُهُمْ ) هُوَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ : ( الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ ) أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَوْلَيْنِ كَانَا أَوْ فِعْلَيْنِ ، أَوْ صِيغَةِ الْوَقْفِ أَوْ الْعِتْقِ كَذَلِكَ ، ( وَأَهْلِيَّةَ الْمُتَصَرِّفِ ) مِنْ بَائِعٍ وَوَاقِفٍ وَنَحْوِهِمَا ، ( وَيَزِيدُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ كَوْنُهُ

تَصَرُّفُهُ فِي مَحَلِّهِ ) بِأَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ ، ( وَقَالَهُ ) السُّبْكِيُّ ( أَيْضًا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ هُوَ الْأَثَرُ ) أَيْ : الْحُكْمُ بِالْأَثَرِ ( الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّفْظُ ) أَيْ : يَتَرَتَّبُ عَلَى صِيغَةِ الْعَاقِدِ ، ( وَ ) الْحُكْمُ ( بِالصِّحَّةِ كَوْنُ اللَّفْظِ ) أَيْ الصِّيغَةِ ( بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ ) مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ ، فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ ، لَا حُكْمٌ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ، ( وَهُمَا ) أَيْ : الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ ( مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ لِشُرُوطٍ ) أَيْ : شُرُوطِ الْعَقْدِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ ، فَهُوَ حُكْمٌ بِالْمُوجَبِ .
( وَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ كَالْحُكْمِ بِمُوجَبِهِ ) ، إذْ مَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُقِرِّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ أَثَرُ إقْرَارِهِ ، وَلَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ ، نَقَلَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ وَقَالَ : وَلَا يَظْهَرُ لِهَذَا مَعْنًى فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَقَدْ رَجَعَ الشَّيْخُ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ ( وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَشْمَلُ الْفَسَادَ انْتَهَى ) ، هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ الْقَائِلِ : إنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا فَائِدَة لَهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَكَمْت بِصِحَّتِهِ إنْ كَانَ صَحِيحًا وَبِفَسَادِهِ إنْ كَانَ فَاسِدًا ، فَهُوَ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مُوجَبَهُ هِيَ آثَارُهُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ، وَالْفَسَادُ لَيْسَ مِنْهَا فَلَا يَشْمَلُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ ، قَالَ ( الْمُنَقَّحُ : وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالُوا ) أَيْ الْأَصْحَابُ : ( الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَقْدِ ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ مَنْ يَرَاهُ فَلَيْسَ لِشَافِعِيٍّ سَمَاعُ دَعْوَى الْوَاقِفِ فِي إبْطَالِ

الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى النَّفْسِ ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ مُوجَبٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ كَكَوْنِ الْمَوْقُوفِ مَرْهُونًا مَثَلًا .
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي رِسَالَةٍ لَهُ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِهِ فُرُوقًا بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ مَعَ مُنَاقَشَتِهِ لَهُ ، وَذَكَرَ مُلَخَّصَ مَا اخْتَارَهُ غَيْرَ مَا سَبَقَ مِنْهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا لِلْإِتْيَانِ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ آثَارِهَا ، فَإِنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ مُقْتَضَاهُ ، وَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ مُوجَبٍ بِخِلَافِ لَفْظِ الصِّحَّةِ ؛ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْآثَارَ بِالتَّضَمُّنِ لَا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَعْلَى ، وَهُوَ خِلَافُ الِاصْطِلَاحِ ، وَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بَعْدُ ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهِ مَنْعَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ صَارَ مَحْكُومًا بِعَدَمِ بَيْعِهِ فِي وَقْتِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَ مُكَلَّفٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى تَزْوِيجِهِ بِهَا وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ حَنَفِيٌّ أَوْ مَالِكِيٌّ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا وَبَادَرَ شَافِعِيٌّ وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ نَفَذَ حُكْمُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَوْ تَزَوَّجَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ إلَى الْآنَ فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ ؟ ، وَمِنْهَا إذَا كَانَ الصَّادِرُ صَحِيحًا بِاتِّفَاقٍ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مُوجَبِهِ ، فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالصِّحَّةِ ، وَلَوْ حَكَمَ فِيهِ بِالْمُوجَبِ امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالْمُوجَبِ ، وَلَا بَأْسَ بِهَذَا الْفَرْقِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ جَاءَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِمُوجَبِهِ فَمَتَى لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ فَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ عِنْدَهُ عِنْدَ

مَجِيءِ وَقْتِهِ .
وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَقْوَى كَمَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ شِرَاءِ دَارٍ فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِشُفْعَتِهَا لِلْجَارِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الشَّافِعِيُّ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَمْنَعْ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِبَيْعِهِ بَعْدُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجَبِهِ ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ إجَارَةٍ ثُمَّ مَاتَ مُؤَجِّرٌ فَلِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُهَا بِالْمَوْتِ ، وَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِمُوجَبِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهَا الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ لِلْوَرَثَةِ .
وَنَازَعَ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا بِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ .
وَلَوْ وَجَّهَ الْحُكْمَ إلَيْهِ فَقَالَ : حَكَمْتُ بِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا ، وَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ ؟ قُلْت : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ هُوَ مَعْنَى لُزُومِهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ مُنْذُ تَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ ، فَهُوَ كَمَنْعِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيّ بِلَا فَرْقٍ .
ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ ضَابِطًا وَهُوَ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إنْ كَانَ صِحَّةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَكَانَتْ لَوَازِمُهُ لَا تَتَرَتَّبُ إلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ ، كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ رَافِعًا لِخِلَافٍ وَاسْتَوَيَا حِينَئِذٍ .
وَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ الْآثَارَ وَاللَّوَازِمَ كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ غَيْرَ رَافِعٍ لِلْخِلَافِ ، وَكَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ رَافِعًا وَقَوِيَ الْمُوجَبُ حِينَئِذٍ ، وَإِنْ كَانَتْ آثَارُهُ تَتَرَتَّبُ مَعَ فَسَادِهِ قَوِيَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ ، لَكِنْ لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ وَقْفٍ شُرِطَ فِيهِ التَّغْيِيرُ وَالزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ ، فَهَلْ

لِلشَّافِعِيِّ الْمُبَادَرَةُ بَعْدَ التَّغْيِيرِ إلَى الْحُكْمِ بِإِبْطَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ ؟ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ وَالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِهِ يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ لِلْوَاقِفِ فِي التَّغْيِيرِ ، فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ مِنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ مَنْعُهُ .
قَالَ : وَقَدْ تَحَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَالصِّحَّةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُتَوَجِّهٌ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ صَرِيحًا وَإِلَى آثَارِهِ تَضَمُّنًا ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْآثَارِ صَرِيحًا وَإِلَى نَفْسِ الْعَقْدِ تَضَمُّنًا ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا عَلَى مَا بَحَثْتُهُ مِنْ تَوَجُّهِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجَمِيعِ آثَارِهِ صَرِيحًا ، فَإِنَّ الصِّحَّةَ مِنْ مُوجَبِهِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ أَقْوَى مُطْلَقًا لِسَعَتِهِ وَتَنَاوُلِهِ الصِّحَّةَ وَآثَارَهَا .

ثُمَّ رَجَعَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَمْرِ الْمَحَابِيسِ فَقَالَ : ( وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ خَصْمَهُ وَأَنْكَرَهُ ) الْمَحْبُوسُ بِأَنْ قَالَ حُبِسْتُ ظُلْمًا ، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ وَلَا خَصْمَ لِي ( نُودِيَ بِذَلِكَ ) فِي الْبَلَدِ ، قَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَمَنْ تَبِعَهُ : ثَلَاثًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا .
وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ يُشْتَهَرُ بِذَلِكَ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْغَرِيمَ إنْ كَانَ غَائِبًا ، وَمَنْ لَمْ يُقَيِّدْ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُنَادَى عَلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَرِيمٌ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ غَالِبًا فِي ثَلَاثٍ : فَالْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ ، ( فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ ) خَصْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ( خَلَّفَهُ ) أَيْ الْمَحْبُوسَ ( حَاكِمٌ وَخَلَّاهُ ) أَيْ أَطْلَقَهُ ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ لَظَهَرَ ، ( وَمَعَ غَيْبَةِ خَصْمِهِ ) الْمَعْرُوفِ ( يَبْعَثُ إلَيْهِ ) لِيَحْضُرَ لِلْبَحْثِ عَنْ أَمْرِ الْمَحْبُوسِ ، ( وَمَعَ جَهْلِهِ أَوْ تَأَخُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ يُخَلَّى ) سَبِيلَهُ ، ( وَالْأَوْلَى ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ( بِكَفِيلٍ ) احْتِيَاطًا .
قُلْت : وَلَعَلَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَبْسَهُ بِدَيْنٍ شَرْعِيٍّ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُهُ إلَّا إذَا أَدَّى أَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ كَمَا فِي بَابِ الْحَجْرِ .

فَصْلٌ ثُمَّ إذَا تَمَّ أَمْرُ الْمَحْبُوسِ ( يُنْظَرُ فِي أَمْرِ أَيْتَامٍ وَمَجَانِينَ وَوُقُوفٍ وَوَصَايَا لَا وَلِيَّ لَهُمْ ) أَيْ : الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ ( وَلَا نَاظِرَ ) لِلْوَقْفِ وَالْوَصَايَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا حِفْظُهَا وَصَرْفُهَا فِي وُجُوهِهَا ، فَلَا يَجُوزُ إهْمَالُهَا ، وَلَا نَظَرَ لَهُ مَعَ الْوَلِيِّ أَوْ النَّاظِرِ الْخَاصِّ ، لَكِنْ لَهُ الِاعْتِرَاضُ إنْ فَعَلَ مَا لَا يُسَوَّغُ ، ( فَلَوْ نَفَّذَ ) الْقَاضِي ( الْأَوَّلُ وَصِيَّةَ مُوصًى إلَيْهِ أَمْضَاهَا ) الْقَاضِي ( الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُنَفِّذْهَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَهْلِيَّتِهِ وَبَرَاعَتِهِ ، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالٌ بِفِسْقٍ أَوْ ضَعْفٍ ضَمَّ إلَيْهِ قَوِيًّا أَمِينًا يُعِينُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ نَظَرَ الثَّانِي فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا أَمِينًا أَقَرَّهُ ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا ضَعِيفًا ضَمَّ إلَيْهِ قَوِيًّا أَمِينًا ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا عَزَلَهُ وَأَقَامَ غَيْرَهُ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَقَالَ : وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ يَنْظُرُ عَلَيْهِ ا .
هـ .
وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَصَرَّفَ أَوْ فَرَّقَ الْوَصِيَّةَ ، وَهُوَ أَهْلٌ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُمْ بَالِغِينَ عَاقِلِينَ مُعَيَّنِينَ صَحَّ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ لِبَعْضِهِمْ حُقُوقَهُمْ ، ( فَدَلَّ ) وُجُوبُ إمْضَاءِ الثَّانِي عَلَى مَا نَفَّذَهُ الْأَوَّلُ مِنْ وَصِيَّةِ مُوصًى إلَيْهِ ( أَنَّ إثْبَاتَ ) حَاكِمٍ ( صِفَةً كَعَدَالَةِ وَجَرْحِ وَأَهْلِيَّةِ مُوصًى إلَيْهِ وَنَحْوَهُ ) كَأَهْلِيَّةِ نَاظِرِ وَقْفٍ وَحَضَانَةٍ ( حُكْمٌ يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ ) آخَرَ فَيُمْضِيه ، وَلَا يَنْقُضُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحَالُ ، ( وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ لِلْأَطْفَالِ أَوْ الْوَصَايَا الَّتِي لَا وَصِيَّ لَهَا وَنَحْوِهِ ) كَنِظَارَةِ أَوْقَافٍ لَا شَرْطَ فِيهَا ( بِحَالِهِ أَقَرَّهُ ) ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِ كَحُكْمِهِ فَلَيْسُوا كَنُوَّابِهِ فِي الْحُكْمِ ، ( وَمَنْ

فَسَقَ عَزَلَهُ ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ ( وَيُضَمُّ إلَى ضَعِيفٍ ) قَوِيًّا ( أَمِينًا ) لِيُعِينَهُ ، ( وَلَهُ إبْدَالُهُ ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ ، ( وَ ) لَهُ ( النَّظَرُ فِي حَالِ قَاضٍ قَبْلَهُ وَلَا يَجِبُ ) عَلَيْهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ أَحْكَامِهِ

( وَيَحْرُمُ أَنْ يَنْقُضَ مِنْ حُكْمِ ) قَاضٍ ( صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ ) شَيْئًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ ، وَإِلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ أَصْلًا ( غَيْرَ مَا ) أَيْ حُكْمٍ ( خَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ ) خَالَفَ نَصَّ ( سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ ، أَوْ ) خَالَفَ نَصَّ سُنَّةِ ( آحَادٍ كَ ) الْحُكْمِ ( بِقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَ ) كَالْحُكْمِ بِ ( جَعْلِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ ) بِفَلَسٍ ( أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ ) فَيُنْتَقَضُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ شَرْطَهُ ، إذْ شَرْطُ الِاجْتِهَادِ عَدَمُ النَّصِّ لِخَبَرِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ؛ وَلِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، ( أَوْ ) خَالَفَ ( إجْمَاعًا قَطْعِيًّا ) فَيُنْقَضُ ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ ، ( أَوْ ) خَالَفَ ( مَا يَعْتَقِدُهُ ) بِأَنْ حَكَمَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ ( فَيَلْزَمُ نَقْضُهُ ) لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَهُ ، فَإِنْ اعْتَقَدَهُ صَحِيحًا وَقْتَ الْحُكْمِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ لَمْ يُنْقَضْ ، لِقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشَرَّكَةِ حَيْثُ أَسْقَطَ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ شَرَكَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ بَعْدُ ، وَقَالَ : تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ عَلَى مَا نَقْضِي ، وَقَضَى فِي إرْثِ الْجَدِّ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِمِثْلِهِ ، وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ عُمِلَ بِالْأَخِيرِ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ مَا قَبْلَهُ .

( وَلَا يُنْقَضُ حُكْمٌ بِتَزْوِيجِهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ ( نَفْسَهَا ) وَلَوْ مَعَ حُضُورِ وَلِيِّهَا لِاخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ فِي صِحَّتِهِ وَحَدِيثُ " { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ } " تَقَدَّمَ مَا فِيهِ

( وَلَا ) يُنْقَضُ حُكْمٌ ( لِمُخَالَفَةِ قِيَاسٍ ) ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ

( وَلَا ) يُنْقَضُ حُكْمٌ ( لِعَدَمِ عِلْمِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ ) الْمَحْكُومِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ حَيْثُ وَافَقَ الشَّرْعَ وَ

( لَا ) يُنْقَضُ حُكْمُ قَاضٍ ( إنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ ) وَجَهِلَ عِلْمَهُ بِبَيِّنَةٍ تُقَابِلُهَا ، ( أَوْ ) حَكَمَ بِبَيِّنَةِ ( دَاخِلٍ وَجَهِلَ عِلْمَهُ ) بِسَبَبِ بَيِّنَةٍ ( تُقَابِلُهَا ) ، حَيْثُ وَقَعَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ ( وَمَا قُلْنَا إنَّهُ يُنْقَضُ فَالنَّاقِضُ لَهُ حَاكِمُهُ إنْ كَانَ ) مَوْجُودًا ، ( فَيَثْبُتُ ) عِنْدَهُ ( السَّبَبُ ) الْمُقْتَضِي لِنَقْضِهِ ، ( وَيَنْقُضُهُ ) وُجُوبًا ( وَلَا يُعْتَبَرُ ) لِصِحَّةِ نَقْضِهِ ( طَلَبُ رَبِّ الْحَقِّ ) نَقْضَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَلَهُ تَعَالَى

( وَيَنْقُضُهُ ) أَيْ الْحُكْمَ حَاكِمُهُ ( إنْ بَانَ مِمَّنْ شَهِدَ عِنْدَهُ مَا ) أَيْ شَيْءٍ ( لَا يَرَى ) الْحَاكِمُ ( مَعَهُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ) كَكَوْنِ الشَّاهِدِ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبٍ مَشْهُودٍ لَهُ .
( وَكَذَا كُلُّ مَا صَادَفَ مَا حَكَمَ بِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ) صِفَةٌ لِمَا الْأَوْلَى أَيْ لَا يَرَى الْقَاضِي الْحُكْمَ مَعَهُ كَبَيْعِ عَبْدٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَنْذُورٌ عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ ، ( وَلَمْ يَعْلَمْهُ ) قَاضٍ عِنْدَ حُكْمِهِ فَيَنْقُضُهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ

( وَتُنْقَضُ أَحْكَامُ مَنْ ) أَيْ قَاضٍ حَكَمَ ( لَا يَصْلُحُ ) لِلْحُكْمِ لِفَقْدِ بَعْضِ الشُّرُوطِ ، ( وَإِنْ وَافَقَتْ الصَّوَابَ ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ الضَّرُورَةِ ، وَلَا يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِمْ مَا وَافَقَ كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ .

فَصْلٌ وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ أَيْ الْقَاضِيَ ( عَلَى خَصْمِ الْبَلَدِ ) الَّذِي بِهِ الْقَاضِي أَيْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُحْضِرَهُ لَهُ ( بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ ( تَتْبَعُهُ التُّهْمَةُ لَزِمَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( إحْضَارُهُ ) أَيْ الْخَصْمِ ، ( وَلَوْ لَمْ يُحَرِّرْ ) الْمُسْتَعْدِي ( الدَّعْوَى ) نَصًّا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُقُوقُ وَيَقْوَى الظُّلْمُ ، وَقَدْ يَثْبُتُ حَقُّ الْأَدْنَى عَلَى الْأَرْفَعِ مِنْهُ لِنَحْوِ غَصْبٍ أَوْ شِرَاءٍ وَلَا يُوفِيهِ ثَمَنَهُ أَوْ إيدَاعٍ أَوْ إعَارَةٍ ، وَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ ذَهَبَ حَقُّهُ ، وَهَذَا أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ ، فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ فِيهِ وَقَدْ حَضَرَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَحَضَرَ عُمَرُ وَآخَرُ عِنْدَ شُرَيْحٍ ، وَلِلْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ إنْ كَرِهَ الْحُضُورَ

( وَمَنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ ) لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ ( أَوْ ) طَلَبَهُ ( حَاكِمٌ حَيْثُ يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ ) إلَيْهِ ، وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَخَلُّفِهِ فَإِنَّ حَضَرَ ( وَإِلَّا أَعْلَمَ ) الْقَاضِي ( الْوَلِيَّ بِهِ ) أَيْ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْحُضُورِ لِيُحْضِرَهُ ، ( وَمَنْ حَضَرَ ) بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ ( فَلَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( تَأْدِيبُهُ ) عَلَى امْتِنَاعِهِ ( بِمَا يَرَاهُ ) مِنْ انْتِهَارٍ أَوْ ضَرْبٍ

( وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا ) أَيْ الدَّعْوَى فِيمَا إذَا اسْتَعْدَى ( عَلَى حَاكِمٍ مَعْزُولٍ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ ) مِنْ ذَوِي الْمَنَاصِبِ كَالْخَلِيفَةِ وَالْعَالِمِ الْكَبِيرِ وَالشَّيْخِ الْمَتْبُوعِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الِابْتِذَالِ ، ( ثُمَّ يُرَاسِلُهُ ) الْقَاضِي إذَا حَرَّرَ بِدَعْوَى فَذَكَرَ دَيْنًا عَنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ رِشْوَةٍ ، ( فَإِنَّ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ ) لِمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَحْتَجْ لِحُضُورِهِ ، ( وَإِلَّا أَحْضَرَهُ ) كَغَيْرِهِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ خَصْمُهُ وَيَسْأَلُ سُؤَالَهُ عَلَى مَا يَأْتِي مُفَصَّلًا ، فَإِنْ قَالَ : حُكِمَ عَلَيَّ بِفَاسِقَيْنِ وَنَحْوِهِمَا ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شِكَايَةَ أَحَدٍ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ

( وَلَا يُعْتَبَرُ لِإِحْضَارِ مَنْ ) أَيْ امْرَأَةٍ ( تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا ) إذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهَا ( مَحْرَمٌ ) لَهَا يَخْرُجُ مَعَهَا نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا سَفَرَ ( وَغَيْرُ الْبَرْزَةِ ) وَهِيَ الْمُخَدَّرَةُ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا إذَا اُسْتُعْدِيَ عَلَيْهَا ( تُوَكِّلُ كَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ ، ( وَإِنْ وَجَبَتْ ) عَلَيْهَا ( يَمِينٌ أَرْسَلَ ) الْحَاكِمُ ( مَنْ ) أَيْ أَمِينًا مَعَهُ شَاهِدَانِ ( يُحَلِّفُهَا ) بِحَضْرَتِهِمَا

( وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِمُوَسَّعٍ ) مِنْ عَمَلِ الْقَاضِي ( لَا حَاكِمَ بِهِ بَعَثَ ) الْقَاضِي ( إلَى مَنْ ) أَيْ ثِقَةٍ ( يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ ، ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَنْ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَقْبَلَاهُ ( حَرَّرَ ) الْقَاضِي ( دَعْوَاهُ ) أَيْ الْمُسْتَعْدِي لِئَلَّا يَكُونَ مَا يَدَّعِيهِ لَيْسَ حَقًّا كَشُفْعَةِ جِوَارٍ وَقِيمَةِ كَلْبٍ ، ( ثُمَّ أَحْضَرَهُ ) الْقَاضِي وَلَوْ بَعُدَ مَكَانُهُ إذَا كَانَ ( بِعَمَلِهِ ) لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِلْحَاقُ الْمَشَقَّةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِمَنْ يُنْفِذُهُ الْحَاكِمُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِعَمَلِ الْقَاضِي لَمْ يُعَدَّ عَلَيْهِ

( وَمَنْ ادَّعَى قِبَلَ إنْسَانٍ شَهَادَةً لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ ، وَلَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْلِفْ ) خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ

( وَمَنْ قَالَ لِحَاكِمٍ : حَكَمْتَ عَلَيَّ ) بِشَهَادَةِ ( فَاسِقَيْنِ عَمْدًا فَأَنْكَرَ ) الْقَاضِي ( لَمْ يَحْلِفْ ) لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَى إبْطَالِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ بِذَلِكَ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ ، وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَجِبُ لِلتُّهْمَةِ وَالْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا

( وَإِنْ قَالَ ) قَاضٍ ( مَعْزُولٌ عَدْلٌ ) لَا يُتَّهَمُ : كُنْتُ ( حَكَمْتُ فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا ) وَبَيَّنَهُ ( وَهُوَ مِمَّنْ يَسُوغُ الْحُكْمُ لَهُ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الْقَاضِي وَنَحْوَهُ ( قُبِلَ ) قَوْلُهُ نَصًّا ، ( وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ ) الْقَاضِي ( مُسْتَنَدَهُ ) فِي حُكْمِهِ مِنْ نَحْوِ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، ( وَلَوْ أَنَّ الْعَادَةَ تَسْتَحِيلُ أَحْكَامَهُ وَضَبْطَهَا بِشُهُودٍ ) ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَوَصَلَ إلَيْهِ كِتَابُهُ بَعْدَ عَزْلِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ أَشْبَهَ إخْبَارَهُ حَالَ وِلَايَتِهِ ( قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ) وَهُوَ الْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ : ( مَا لَمْ يَشْتَمِلْ ) قَوْلُهُ ( عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ ) آخَرَ فَلَا يُقْبَلُ إذْنٌ ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ عَلَى نَفْسِهِ فَأَخْبَرَ حَنْبَلِيٌّ أَنَّهُ حَكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِرُجُوعِهِ ، لَمْ يَقْبَلْ الْمُحِبُّ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ ، ( وَحَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ ) هُوَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ قَالَ : هَذَا تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَهُوَ حَسَنٌ

( فَإِنْ أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمًا بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ ، وَلَوْ ) كَانَ الْإِخْبَارُ ( فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا ) أَيْ الْحَاكِمَيْنِ ( قَبِلَ وَعَمِلَ بِهِ ) الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ ( إذَا بَلَغَ عَمَلَهُ ) كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بَعْدَ عَزْلِهِ وَأَوْلَى ، وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِلْمُخْبَرِ بِفَتْحِ الْبَاءِ - أَنْ يَعْمَلَ بِإِخْبَارِ الْآخَرِ ( مَعَ حُضُورِ الْمُخْبِرِ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ ، ( وَهُمَا ) أَيْ الْمُخْبَرُ وَالْمُخْبِرُ ( بِعَمَلِهِمَا ) إذَا أَخْبَرَهُ ( بِالثُّبُوتِ ) عِنْدَهُ بِلَا حُكْمٍ ؛ لِأَنَّهُ كَنَقْلِ الشَّهَادَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ وَأَخْبَرَهُ بِهِ أَوْ كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَمَلِهِمَا .
( وَكَذَا إخْبَارُ أَمِيرِ جِهَادٍ وَأَمِينِ صَدَقَةٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ ) بَعْدَ عَزْلٍ بِأَمْرٍ صَدَرَ مِنْهُ حَالَ وِلَايَتِهِ ، فَيُقْبَلُ مِنْهُ حَيْثُ يُقْبَلُ فِي وِلَايَتِهِ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : كُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ أَمْرٍ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ

أَيْ كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ ( طَرِيقُ كُلِّ شَيْءٍ ) حُكْمٍ أَوْ غَيْرِهِ ، ( مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِ ) أَيْ الشَّيْءِ ( وَالْحُكْمُ ) لُغَةً الْمَنْعُ .
وَاصْطِلَاحًا ( الْفَصْلُ ) أَيْ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ أَوْ الْإِلْزَامُ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ كَعَقْدٍ رُفِعَ إلَيْهِ فَحَكَمَ بِهِ بِلَا خُصُومَةٍ ، وَسُمِّيَ الْقَاضِي حَاكِمًا ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الظَّالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ ( إذَا حَضَرَ إلَيْهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( خَصْمَانِ ) اُسْتُحِبَّ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ } وَقَالَ عَلِيٌّ حِينَ خَاصَمَ الْيَهُودِيَّ فِي دِرْعِهِ إلَى شُرَيْحٍ : " لَوْلَا أَنَّ خَصْمِي يَهُودِيٍّ لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك " ؛ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِلْحَاكِمِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا جَلَسَا ( فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يُبْدَأَ ) خَصْمُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُبْدَأَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِالدَّعْوَى ، ( وَ ) لَهُ ( أَنْ يَقُولَ : أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا ، ( وَمَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى ) مِنْهُمَا ( قَدَّمَهُ ) أَيْ قَدَّمَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِتَرَجُّحِهِ بِالسَّبْقِ ، فَإِنْ قَالَ خَصْمُهُ : أَنَا الْمُدَّعِي لَمْ يَلْتَفِتْ الْحَاكِمُ إلَيْهِ ، وَقَالَ لَهُ : أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ ثُمَّ اُدْعُ بَعْدُ مَا شِئْتَ ، ( ثُمَّ ) إنْ ادَّعَيَا مَعًا قُدِّمَ ( مَنْ قُرِعَ ) أَيْ : خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الْمُسْتَحِقَّ ( فَإِذَا انْتَهَتْ حُكُومَتُهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( ادَّعَى الْآخَرُ ) لِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ حَقَّهُ

( وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى مَقْلُوبَةٌ ) نَحْوُ أَدَّعِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيَّ دِينَارًا مَثَلًا فَاسْتَحْلِفْنِي لَهُ أَنَّهُ يَطْلُبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَانْقَلَبَ فِيهَا الْقَصْدُ الْمُعْتَادُ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَسَمِعَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتَنْبَطَهَا

( وَلَا ) تُسْمَعُ دَعْوَى ( حِسْبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَعِبَادَةٍ ) مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحْوِهَا ( وَحَدِّ ) زِنًا أَوْ شُرْبٍ ( وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَنَحْوِهِ ) كَجَزَاءِ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمًا أَوْ فِي الْحَرَمِ ، ( وَتُسْمَعُ ) بِلَا دَعْوَى ( بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَبِعِتْقٍ وَلَوْ أَنْكَرَ مَعْتُوقٌ ) لِعِتْقِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَا تُسْمَعُ بِطَلَاقٍ

( وَ ) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى ( بِحَقٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَوَقْفٍ ) عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ ( وَوَصِيَّةٍ عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى خَصْمٍ ) فِي جِهَةِ ذَلِكَ ، ( وَ ) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بِلَا دَعْوَى ( بِوَكَالَةٍ وَإِسْنَادٍ بِوَصِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ ) وَلَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ

( وَ ) لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ ( بِحَقِّ ) ذِمِّيٍّ ( مُعَيَّنٍ قَبْلَ دَعْوَاهُ ) بِحَقِّهِ وَتَحْرِيرِهَا ، ( وَلَا تُسْمَعُ يَمِينُهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( إلَّا بَعْدَهَا ) أَيْ الدَّعْوَى ( وَبَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ إنْ كَانَ ) حَيْثُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، ( وَأَجَازَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا سَمَاعَهَا ) أَيْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ ( لِحِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثَّبَاتِ بِلَا خَصْمٍ ) ، وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ ( وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ ) ، أَيْ نُصِبَ لِيُنَازِعَ صُورَةً ( قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَعَلَى أَصْلِنَا ) أَيْ قَاعِدَتِنَا ، ( وَ ) عَلَى ( أَصْلِ مَالِكٍ إمَّا أَنْ تَثْبُتَ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَهَا وَيَحْكُمَ بِلَا خَصْمٍ وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَ ) بَعْضُ ( الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَوَاضِعَ ؛ لِأَنَّا نَسْمَعُهَا عَلَى غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ نَحْوِهِ ) كَمَيِّتٍ ( فَ ) سَمَاعُهَا ( مَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَثَلًا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ لَا يَدَّعِي وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ الْحُكْمُ لِخَوْفِ خَصْمٍ ) مُسْتَقْبَلٍ ( وَحَاجَةِ النَّاسِ خُصُوصًا فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعِهِ ) ، أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالْخِلَافِ ، قَالَ ( الْمُقْنِعُ : وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا يَقَعُ مِنْ عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ يُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ وَتَشْهَدُ بِهِ الْبَيِّنَةُ ، فَيُحْكَمُ بِهِ بِلَا خَصْمٍ ( وَهُوَ قَوِيٌّ ) أَيْ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ .
قُلْت : وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعًا .

فَصْلٌ وَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِالْقَلِيلِ ، وَلَوْ لَمْ تَتْبَعْهُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ الِاسْتِعْدَاءِ لِلْمَشَقَّةِ ، ( وَيُشْتَرَطُ ) لِصِحَّةِ الدَّعْوَى شُرُوطٌ أَحَدُهَا ( تَحْرِيرُهَا ) يُرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { إنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ } ) وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ تَحْرِيرِهَا ، ( فَلَوْ كَانَتْ ) الدَّعْوَى ( بِدَيْنٍ عَلَى مَيْتٍ ذَكَرَ مَوْتَهُ وَحَرَّرَ الدَّيْنَ ) ، فَإِنْ كَانَ أَثْمَانًا ذَكَرَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَقَدْرَهُ ( وَ ) حَرَّرَ ( التَّرِكَةَ ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَفِي الْمُغْنِي أَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ مُورِثِهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ .
وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَارِثٍ فِي عَدَمِ التَّرِكَةِ بِيَمِينِهِ ، وَيَكْفِيه أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ شَيْءٌ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخَلِّفُ شَيْئًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ .

( وَ ) الشَّرْطُ الثَّانِي ( كَوْنُهَا ) أَيْ الدَّعْوَى ( مَعْلُومَةً ) أَيْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لِيَتَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنْ الْإِلْزَامِ بِهِ إذَا ثَبَتَ ، ( إلَّا فِي وَصِيَّةٍ ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِدَابَّةٍ أَوْ شَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، ( وَ ) إلَّا فِي ( إقْرَارٍ ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمُجْمَلٍ فَتَصِحُّ ، وَإِذَا ثَبَتَ طُولِبَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالْبَيَانِ ، ( وَ ) إلَّا فِي ( خُلْعٍ ) أَوْ طَلَاقٍ ( عَلَى مَجْهُولٍ ) كَأَنْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى دَوَابِّهَا فَأَجَابَهَا وَتَنَازَعَا .
قُلْت : وَكَذَا جَعْلُهُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ ، إذَا سَمَّى مَجْهُولًا لِصِحَّتِهِ كَمَا سَبَقَ ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ مَعَ جَهَالَتِهِ ، ( فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( عَنْ دَعْوَى بِوَرَقَةٍ ادَّعَى بِمَا فِيهَا ) وَلَوْ وَثِيقَةً حَتَّى يُثْبِتَهُ .

الشَّرْطُ الثَّالِثُ : كَوْنُ الدَّعْوَى ( مُصَرَّحًا بِهَا ، فَلَا يَكْفِي ) قَوْلُ مُدَّعٍ ( لِي عِنْدَهُ كَذَا حَتَّى يَقُولَ : وَأَنَا مُطَالِبٌ بِهِ ) ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَكْفِي الظَّاهِرُ ، ( وَلَا ) يَكْفِي قَوْلُ مُدَّعٍ ( أَنَّهُ أَقَرَّ لِي بِكَذَا ، وَلَوْ ) كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ ( مَجْهُولًا ، حَتَّى يَقُولَ ) مُدَّعٍ : ( وَأُطَالِبُهُ بِهِ أَوْ ) أُطَالِبُهُ ( بِمَا يُفَسِّرُهُ بِهِ )

الشَّرْطُ الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى ( مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِّ فَلَا تَصِحُّ ) الدَّعْوَى بِدَيْنٍ ( مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَبَ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ ( وَتَصِحُّ ) الدَّعْوَى ( بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ ) لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِهَا ، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَثَرُهَا .

الشَّرْطُ الْخَامِسُ : أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى ( مُنْفَكَّةً عَمَّا يُكَذِّبُهَا ، فَلَا تَصِحُّ ) الدَّعْوَى عَلَى شَخْصٍ ( بِأَنَّهُ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَسَنَةٌ دُونَهَا وَنَحْوُهُ ) كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ كَذَا وَنَحْوَهُ مُنْفَرِدًا بِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِيهِ أَوْ انْفَرَدَ بِهِ فَلَا تُسْمَعُ الثَّانِيَةُ ، وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي غَلِطْتُ أَوْ كَذَبْتُ فِي الْأُولَى ، وَإِنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ ، فَإِنْ ذَكَرَ تَلَقِّيهِ مِنْهُ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا

وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى ( ذِكْرُ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ) لِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُدَّعِي

( وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ مُدَّعًى بِهِ ) إنْ حَضَرَ ( بِالْمَجْلِسِ ) لِنَفْيِ اللَّبْسِ بِالتَّعْيِينِ ، .
( وَ ) يُعْتَبَرُ ( إحْضَارُ عَيْنٍ ) مُدَّعًى بِهَا إنْ كَانَتْ ( بِالْبَلَدِ لِتُعَيَّنَ ) بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ نَفْيًا لِلَّبْسِ ، ( وَيَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ مِثْلَهَا ) أَنْ يُحْضِرَهُ وَيُوَكِّلَ بِهِ حَتَّى يَفْعَلَ ، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِغَصْبِ نَحْوِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا ، وَأَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ عَبْدًا كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْغَصْبَ وَقَالَ : الْعَبْدُ مِلْكِي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِحْضَارِهِ لِتَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ .
( وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا ) أَيْ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا ( بِيَدِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا ( بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ ، حُبِسَ حَتَّى يُحْضِرَهَا ) لِتَقَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهَا ( أَوْ ) حَتَّى ( يَدَّعِيَ تَلَفَهَا فَيُصَدَّقَ لِلضَّرُورَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ( وَتَكْفِي الْقِيمَةُ ) بِأَنْ يَقُولَ مُدَّعٍ : قِيمَتُهَا كَذَا حَيْثُ تَلِفَتْ ، ( وَإِنْ كَانَتْ ) الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا ( غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ أَوْ ) كَانَتْ ( تَالِفَةً أَوْ ) كَانَتْ ( فِي الذِّمَّةِ ، وَلَوْ غَيْرَ مِثْلِيَّةٍ ) كَالْمَبِيعِ فِي الذِّمَّةِ بِالصِّفَةِ وَكَوَاجِبِ الْكِسْوَةِ ( وَصَفَهَا ) مُدَّعٍ ( كَسَلَمٍ ) بِأَنْ يَذْكُرَ مَا يَضْبِطُهَا مِنْ الصِّفَاتِ ، ( وَالْأَوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهَا أَيْضًا ) أَيْ مَعَ وَصْفِهَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ يَذْكُرُ قِيمَةَ غَيْرِ مِثْلِيٍّ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ، ( وَ يَكْفِي ) فِي الدَّعْوَى بِنَقْدٍ ( ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) إنْ اتَّحَدَ ، .
( وَ ) ذِكْرُ ( قِيمَةِ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ سَلَمٌ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ صِفَاتِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ ذَكَرَ مَوْضِعَهُ وَحُدُودَهُ ، .
( وَ ) تَكْفِي ( شُهْرَةُ عَقَارٍ عِنْدَهُمَا ) أَيْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ( وَ ) عِنْدَ ( حَاكِمٍ عَنْ تَحْدِيدِهِ ) لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ

( وَلَوْ قَالَ ) مُدَّعٍ : ( أُطَالِبُهُ بِثَوْبٍ غَصَبَنِيهِ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَرُدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَ إلَّا ) يَكُنْ بَاقِيًا ، ( فَقِيمَتُهُ أَوْ ) قَالَ أُطَالِبُهُ : ( بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَخَذَهُ مِنِّي لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ وَأَبَى رَدَّهُ وَإِعْطَاءَ ثَمَنِهِ فَيُعْطِينِيهَا ) أَيْ الْعِشْرِينَ ( إنْ كَانَ بَاعَهُ أَوْ ) يُعْطِينِي ( الثَّوْبَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ ) يُعْطِينِي ( قِيمَتَهُ ) الْعَشَرَةَ ، ( إنْ كَانَ تَلِفَ صَحَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحًا ) مِنْ الْقُضَاةِ مَعَ تَرْدِيدِ الدَّعْوَى لِلْحَاجَةِ

( وَمَنْ ادَّعَى عَقْدًا ، وَلَوْ غَيْرَ نِكَاحٍ ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ( ذَكَرَ شُرُوطَهُ ) لِلِاخْتِلَافِ فِي الشُّرُوطِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ مَعَ جَهْلِهِ بِهَا

( لَا إنْ ادَّعَى ) زَوْجٌ ( اسْتِدَامَةَ الزَّوْجِيَّةِ ) ، فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَقْدًا ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي خُرُوجَهَا عَنْ طَاعَتِهِ ( وَيَجْزِي عَنْ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ ) الْمُدَّعِي نِكَاحَهَا ، ( إنْ غَابَتْ ذِكْرُ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ ) أَيْ النِّكَاحَ ( الْمَرْأَةُ وَادَّعَتْ مَعَهُ ) أَيْ النِّكَاحِ ( نَفَقَةً أَوْ مَهْرًا وَنَحْوَهُمَا ) كَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ ( سُمِعَتْ دَعْوَاهَا ) ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقًّا لَهَا تُضِيفُهُ إلَى سَبَبٍ أَشْبَهَ سَائِرَ الدَّعَاوَى ، ( وَإِلَّا ) تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ ( فَلَا ) تُسْمَعُ دَعْوَاهَا ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا بِحَقٍّ لِغَيْرِهَا

( وَمَتَى جَحَدَ ) الزَّوْجُ ( الزَّوْجِيَّةَ وَنَوَى بِهِ ) أَيْ بِجَحْدِهِ ( الطَّلَاقَ ، لَمْ تَطْلُقْ ) بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ النِّكَاحَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ وَلَا يَكُونُ جُحُودُهُ طَلَاقًا وَلَوْ نَوَاهُ ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ هُنَا لِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا لِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ لِعَدَمِ عَقْدٍ أَوْ لِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ

( وَمَنْ ادَّعَى قَتْلَ مُوَرِّثِهِ ذَكَرَ الْمُدَّعِي ( الْقَتْلَ وَكَوْنُهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً وَيَصِفُهُ ) لِاخْتِلَافِ الْحَالِ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ، .
( وَ ) ذَكَرَ ( أَنَّ الْقَاتِلَ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ أَنَّهُ شُورِكَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ

( وَلَوْ قَالَ ) مُدَّعٍ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( قَدَّهُ ) أَيْ مُوَرِّثُهُ ( نِصْفَيْنِ وَكَانَ حَيًّا ) حِينَ قَدَّهُ ( أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ وَهُوَ حَيٌّ ) فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ ( صَحَّ ) ، فَيُطَالِبُ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ

( وَإِنْ ادَّعَى ) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ ( إرْثًا ذَكَرَ سَبَبَهُ ) وُجُوبًا لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْإِرْثِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَكَذَا الدَّعْوَى

( وَإِنْ ادَّعَى مُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ قَوَّمَهُ بِ ) النَّقْدِ ( الْآخَرِ ) ، فَإِنْ ادَّعَى مُحَلًّى بِذَهَبٍ قَوَّمَهُ بِفِضَّةٍ وَإِنْ ادَّعَى مُحَلًّى بِفِضَّةٍ قَوَّمَهُ بِذَهَبٍ لِئَلَّا يُفْضِيَ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ إلَى الرِّبَا .
قُلْت : وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مَصُوغًا مِنْ أَحَدِهِمَا صِيَاغَةً مُبَاحَةً تَزِيدُ بِهَا قِيمَتُهُ عَنْ وَزْنِهِ أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ ، .
( وَ ) إنْ ادَّعَى مُحَلًّى ( بِهِمَا ) أَيْ مَصُوغًا مِنْهُمَا مُبَاحًا تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَنْ وَزْنِهِ ، ( فَبِأَيِّهِمَا ) أَيْ النَّقْدَيْنِ ( شَاءَ ) يُقَوَّمُ ( لِلْحَاجَةِ ) أَيْ انْحِصَارِ الثَّمَنِيَّةِ فِيهِمَا فَإِذَا ثَبَتَ أَعْطَى عُرُوضًا .

فَصْلٌ وَإِذَا حَرَّرَهَا الْمُدَّعِي أَيْ الدَّعْوَى ( فَلِلْحَاكِمِ سُؤَالُ خَصْمِهِ ) عَنْهَا ، ( وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ ) الْمُدَّعِي الْحَاكِمَ ( سُؤَالَهُ ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لِلْقَاضِي : اسْأَلْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إحْضَارَهُ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ إنَّمَا تُرَادُ لِذَلِكَ ، ( فَإِنْ أَقَرَّ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى ( لَمْ يَحْكُمْ لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِسُؤَالِهِ ) الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ الْحَاكِمُ إلَّا بِمَسْأَلَةٍ ، فَإِنْ سَأَلَهُ قَالَ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ : أَخْرِجْ لَهُ مِنْ حَقِّهِ أَوْ قَضَيْتُ عَلَيْكَ لَهُ أَوْ أَلْزَمْتُك بِحَقِّهِ أَوْ حَكَمْت عَلَيْك بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ .
( وَإِنْ أَنْكَرَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الدَّعْوَى ( بِأَنْ قَالَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( لِمُدَّعٍ قَرْضًا أَوْ ) لِمُدَّعٍ ( ثَمَنًا : مَا أَقْرَضَنِي أَوْ ) قَالَ : ( مَا بَاعَنِي أَوْ ) قَالَ : ( مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ أَوْ قَالَ : لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ صَحَّ الْجَوَابُ ) لِنَفْيِهِ عَيْنَ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لَهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ كُلَّ حَقٍّ ( مَا لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِسَبَبِ الْحَقِّ ) ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ : مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَمَا بَعْدَهُ جَوَابًا ، فَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا عَلَى مُعْتَرِفٍ بِزَوْجِيَّتِهَا فَقَالَ : لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ قَرْضًا فَاعْتَرَفَ بِهِ وَقَالَ : لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لِثُبُوتِ سَبَبٍ الْحَقُّ ، وَالْأَصْلُ : بَقَاؤُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مُزِيلُهُ ، ( وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ ) مَرِيضَةٌ ( بِمَرَضِهَا ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ ( أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ) عَلَى زَوْجِهَا ، ( لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهَا ذَلِكَ

( إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ ) نَصًّا نَقَلَهُ مُهَنَّا ، ( أَوْ ) أَنَّهَا ( أَسْقَطَتْهُ عَنْهُ فِي الصِّحَّةِ ) يَعْنِي فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ

( وَ ) لَوْ قَالَ مُدَّعٍ لِمُدَّعًى عَلَيْهِ : ( لِي عَلَيْك مِائَةٌ ) أُطَالِبُك بِهَا ( فَقَالَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لَيْسَ لَك ) عَلَيَّ ( مِائَةٌ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، ( وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْمِائَةِ لَا يَنْفِي مَا دُونَهَا ( كَيَمِينٍ ) ، فَيَحْلِفُ إذَا وُجِّهَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْمِائَةِ ، ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( عَمَّا دُونَ الْمِائَةِ ) بِأَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِائَةً وَنَكَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ : وَلَا شَيْءَ مِنْهَا ( حُكِمَ عَلَيْهِ ) بِالنُّكُولِ ( بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا ) مِنْ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ

( وَمَنْ أَجَابَ مُدَّعِيَ اسْتِحْقَاقِ مَبِيعٍ بِقَوْلِهِ هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ زَيْدٍ ) مَثَلًا ( وَهُوَ مِلْكُهُ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ رُجُوعَهُ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى بَائِعِهِ ( بِثَمَنِ ) الْمَبِيعِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا أَثْبَتَهُ رَبُّهُ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ : وَهُوَ الصَّوَابُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى مِلْكِهِ فِي الظَّاهِرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى .
وَالثَّانِي : هُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمَتْنِ فِي الْغَصْبِ تَبَعًا لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ ( كَمَا لَوْ أَجَابَ ) مُشْتَرٍ ( بِمُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ ) أَنَّهُ لَهُ ( أَوْ اُنْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ سَابِقٍ ) عَلَى شِرَائِهِ ، فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ، ( أَوْ ) اُنْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ ( مُطْلَقٍ ) عَنْ التَّارِيخِ فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ

( وَلَوْ قَالَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( لِمُدَّعٍ دِينَارًا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً صَحَّ الْجَوَابُ ، وَيَعُمُّ الْحَبَّاتِ ) أَيْ حَبَّاتِ الدِّينَارِ ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَيَعُمُّ ( مَا لَمْ يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ ) أَيْ مَا دُونَهَا ( مِنْ بَابِ الْفَحْوَى ) ، أَوْ يَعُمُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ نَفْيُ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنْ الدِّينَارِ ، وَلَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ شَيْءٍ فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ وَإِنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ الشَّيْءِ وَلَوْ قَالَ لَهُ لَك عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْكَ دِرْهَمٌ وَلَا دَانِقٌ وَإِنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفٌ قُبِلَ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرَ ، وَلَوْ قَالَ : لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ صَحَّ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَزَجِيُّ

( وَلِمُدَّعٍ ) أَنْكَرَ خَصْمُهُ ( أَنْ يَقُولَ : لِي بَيِّنَةٌ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُهَا ( وَلِلْحَاكِمِ ) إنْ لَمْ يَقُلْ الْمُدَّعِي ذَلِكَ ( أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَلَك بَيِّنَةٌ ؟ ) لِمَا رُوِيَ " { أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضْرَمِيٌّ وَكِنْدِيٌّ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي فَقَالَ الْكِنْدِيُّ : هِيَ أَرْضِي وَفِي يَدِي فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ : أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَقَالَ : لَا قَالَ : فَلَكَ يَمِينُهُ } وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ .
( فَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ ) سَأَلَهُ حَاكِمٌ : أَلَك بَيِّنَةٌ فَقَالَ : ( نَعَمْ قَالَ لَهُ ) الْحَاكِمُ : ( إنْ شِئْت فَأَحْضِرْهَا فَإِذَا أَحْضَرَهَا لَمْ يَسْأَلْهَا ) الْحَاكِمُ عَمَّا عِنْدَهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِهِ ، ( وَلَمْ يُلَقِّنْهَا ) الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ بَلْ إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي سُؤَالَهُ الْبَيِّنَةَ قَالَ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلْيَذْكُرْهَا إنْ شَاءَ وَلَا يَقُولُ لَهُمَا : اشْهَدَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ : مَا أَنَا دَعَوْتُكُمَا وَلَا أَنْهَاكُمَا أَنْ تَرْجِعَا وَمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ غَيْرُكُمَا وَإِنِّي بِكُمَا أَقْضِي الْيَوْمَ وَبِكُمَا أَتَّقِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ( فَإِذَا شُهِدَتْ ) عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ ( سَمِعَهَا وَ حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( تَرْدِيدُهَا ، وَيُكْرَهُ ) لَهُ ( تَعَنُّتُهَا ) أَيْ طَلَبُ زِلَّتِهَا ( وَانْتِهَارُهَا ) أَيْ زَجْرُهَا لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْكِتْمَانِ ، ( وَلَا ) يُكْرَهُ ( قَوْلُهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( لِمُدَّعًى عَلَيْهِ أَلَك فِيهَا دَافِعٌ أَوْ مَطْعَنٌ ) ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قَوْلُهُ قَدْ شَهِدَا عَلَيْك فَإِنْ كَانَ لَكَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ لِي ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِمَا إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا ، ( فَإِنْ لَمْ يَأْتِ ) بِقَادِحٍ ( وَاتَّضَحَ ) لِلْحَاكِمِ ( الْحُكْمُ وَكَانَ الْحَقُّ

لِمُعَيَّنٍ وَسَأَلَهُ ) أَيْ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ ( لَزِمَهُ ) الْحُكْمُ فَوْرًا وَلَا يَحْكُمُ بِدُونِ سُؤَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَيَحْرُمُ ) الْحُكْمُ ( وَلَا يَصِحُّ مَعَ عِلْمِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( بِضِدِّهِ ) أَيْ ضِدِّ مَا يَعْلَمُهُ ، بَلْ يَتَوَقَّفُ ( أَوْ مَعَ لَبْسٍ قَبْلَ الْبَيَانِ ) وَيَأْمُرُ بِالصُّلْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ } وَمَعَ عِلْمِهِ بِضِدِّهِ أَوْ اللَّبْسِ لَمْ يُرِهِ شَيْئًا يَحْكُمُ بِهِ

( وَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ ) وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ طَلَبَ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالِاتِّفَاقِ ، ( وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُ حَكَمْت بِكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ ) مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ ، فَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ ( وَلَهُ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ غَيْرُهُ ) نَصًّا نَقَلَهُ حَرْبٌ ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ ، فَجَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِمَا إذَا سَمِعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا " { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ، وَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
فَجَعَلَ مُسْتَنَدَ قَضَائِهِ مَا يَسْمَعُهُ لَا غَيْرُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَبِسَمَاعِهِ أَوْلَى ، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ وَ ( لَا ) يَحْكُمُ قَاضٍ ( بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةِ ( وَلَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ ) لِلْخَبَرِ وَلِقَوْلِ الصِّدِّيقِ : " لَوْ رَأَيْت حَدًّا عَلَى رَجُلٍ لَمْ آخُذْهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ " وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي يُؤَدِّي إلَى تُهْمَتِهِ وَحُكْمِهِ بِمَا يَشْتَهِي مَعَ الْإِحَالَةِ عَلَى عِلْمِهِ ، لَكِنْ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ لِلْحَاكِمِ عَلَى سَمَاعِهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَظْهَرِ الْبَيِّنَاتِ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْحَاكِمِ تُهْمَةٌ إذَا اسْتَنَدَ إلَيْهَا فَحُكْمُهُ بِهَا حُكْمٌ بِحُجَّةٍ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ .
ذَكَرَهُ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ ( إلَّا عَلَى ) رِوَايَةٍ ( مَرْجُوحَةٍ ) قَالَ ( الْمُنَقَّحُ : وَقَرِيبٌ مِنْهَا ) أَيْ

مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ ، بَلْ هِيَ مِنْ أَفْرَادِهَا ( الْعَمَلُ ) أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ بِصُورَةٍ تُسَمَّى ( بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ ، بِأَنْ يُوَلِّيَ الشَّاهِدَ الْبَاقِي ) مِنْ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ رَفِيقِهِ ( الْقَضَاءَ لِلْعُذْرِ ) فَيَقْضِي بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ ، ( وَقَدْ عَمِلَ بِهِ ) أَيْ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ ( كَثِيرٌ مِنْ حُكَّامِنَا وَأَعْظَمُهُمْ الشَّارِحُ ) أَيْ شَارِحُ الْمُقْنِعِ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى حَاكِمٍ بِحُكْمٍ وَتَنْفِيذٍ ، ( وَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةِ بَيِّنَةٍ وَجَرْحِهَا ) بِغَيْرِ خِلَافٍ ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ الْمُزَكِّينَ أَوْ جَرْحِهِمْ ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمٍ فِي ذَلِكَ لَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْ الْمُزَكِّينَ إلَى مُزَكِّينَ ثُمَّ يَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى مُزَكِّينَ وَهَكَذَا

( وَمَنْ جَاءَ ) مِنْ الْمُدَّعِينَ ( بِبَيِّنَةٍ فَاسِقَةٍ اسْتَشْهَدَهَا الْحَاكِمُ ) لِئَلَّا يَفْضَحَهَا ، ( وَقَالَ ) لِمُدَّعٍ ( زِدْنِي شُهُودًا ) وَلَمْ يَقْبَلْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } .

فَصْلٌ وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَكَذَا تُعْتَبَرُ بَاطِنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَوْلِهِ : { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } وَقَوْلِهِ : { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ كَذِبُهُ ( إلَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ ) فَتَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا فَلَا يَبْطُلُ لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ ، وَتَقَدَّمَ وَاخْتَارَ الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ : تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ لِقَبُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَوْلِ عُمَرَ : الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ ؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ خَفِيٌّ سَبَبُهُ الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلُهُ الْإِسْلَامُ ، فَإِذَا وُجِدَ اكْتَفِي بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ ، فَإِنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَالْعَمَلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، وَقَوْلُهُمْ : ظَاهِرُ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ مَمْنُوعٌ ، بَلْ الظَّاهِرُ عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إظْهَارُ الطَّاعَةِ وَإِسْرَارُ الْمَعْصِيَةِ ، وَقَوْلُ عُمَرَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا : لَسْتُ أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمَا ، وَالْأَعْرَابِيُّ الَّذِي قَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ صَحَابِيٌّ وَهُمْ عُدُولٌ

( وَ ) يُعْتَبَرُ ( فِي مُزَكُّونً مَعْرِفَةُ حَاكِمٍ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَكَوْنِهِ جَارًا لَهُمَا ، ( وَ ) يُعْتَبَرُ ( مَعْرِفَتُهُمْ ) أَيْ الْمُزَكِّينَ ( كَذَلِكَ ) أَيْ كَالْمَعْرِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ( لِمَنْ يُزَكُّونَ ) هـ مِنْ الشُّهُودِ

( وَيَكْفِي ) فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا : ( أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ ) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ : أَرْضَاهُ لِي وَعَلَيَّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ قَبُولُهُ عَلَى مُزَكِّيهِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ : لَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا ( وَبَيِّنَةٌ بِجَرْحٍ مُقَدَّمَةٌ ) عَلَى بَيِّنَةٍ بِتَعْدِيلٍ ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ خَفِيٍّ عَلَى الْعَدْلِ وَشَاهِدُ الْعَدَالَةِ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِحَ مُثْبِتٌ لِجَرْحٍ وَالْمُعَدِّلَ نَافٍ لَهُ ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَإِذَا عَصَى فِي بَلَدِهِ فَانْتَقَلَ مِنْهُ فَجَرَّحَهُ اثْنَانِ فِي بَلَدِهِ وَعَدَّلَهُ اثْنَانِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ ، قُدِّمَتْ التَّزْكِيَةُ وَيَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ بِخِلَافِ الْجَرْحِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : ( وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ ) لِشَاهِدٍ عَلَيْهِ تَعْدِيلٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِ لِحَقِّهِ ؛ وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ بِعَدَالَتِهِ إقْرَارٌ بِمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ

( أَوْ تَصْدِيقُهُ ) أَيْ الْخَصْمِ ( لِلشَّاهِدِ ) عَلَيْهِ ( تَعْدِيلٌ لَهُ ) فَيُؤْخَذُ بِتَصْدِيقِهِ الشَّاهِدَ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدُونِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ ، ( وَلَا تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِ مُزَكٍّ : أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَقَطْ ، وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً ) بِأَنْ شَهِدَ فَعُدِّلَ ثُمَّ شَهِدَ فِي قَضِيَّةٍ أُخْرَى ( لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْهَا ) أَيْ الْعَدَالَةِ ( مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ ) بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَتَغَيَّرُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ ، فَإِنْ لَمْ تَطُلْ عُرْفًا لَمْ يَبْحَثْ عَنْ عَدَالَتِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهَا

( وَمَتَى ارْتَابَ ) الْحَاكِمُ ( مِنْ عَدْلَيْنِ لَمْ يَخْتَبِرْ قُوَّةَ ضَبْطِهِمَا وَ ) قُوَّةَ ( دِينِهِمَا لَزِمَهُ الْبَحْثُ ) عَمَّا شَهِدَا بِهِ ( بِسُؤَالِ كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( مُنْفَرِدًا عَنْ كَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِ ) ، بِأَنْ يَقُولَ : هَلْ رَأَيْتَ مَا شَهِدْتَ بِهِ أَوْ أَخْبَرْتَ بِهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَكَ بِهِ ؟ ( وَمَتَى ) تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ ؟ لِيَذْكُرَ تَارِيخَ التَّحَمُّلِ ( وَأَيْنَ ) تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ أَفِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ بَيْتٍ وَنَحْوِهِ ؟ ( وَ ) يَسْأَلُهُ ( هَلْ تَحَمَّلَ ) الشَّهَادَةَ ( وَحْدَهُ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ حِينَ التَّحَمُّلِ ؟ ( أَوْ ) كَانَ ( مَعَ صَاحِبِهِ ؟ فَإِنْ اتَّفَقَا ) فِي جَوَابِهِمَا عَنْ ذَلِكَ ( وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا ) لِحَدِيثِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : " كُنْت عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَ لَهُ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ : وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَقَدْ كَذَبَا عَلَيَّ وَكَانَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " { إنَّ الطَّيْرَ لَتَخْفِقُ بِأَجْنِحَتِهَا وَتَرْمِي بِمَا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } " فَإِنْ صَدَقْتُمَا فَاثْبُتَا وَإِنْ كَذَبْتُمَا فَغَطِّيَا رُءُوسَكُمَا وَانْصَرِفَا ، فَغَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَانْصَرَفَا .
( فَإِنَّ ثَبَتَا ) بَعْدَ وَعْظِهِمَا ( حَكَمَ ) بِشَهَادَتِهِمَا بِسُؤَالِ مُدَّعٍ ، ( وَإِلَّا ) يَثْبُتَا ( لَمْ يَقْبَلْهُمَا ) قَالَ أَحْمَدُ : يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهِ كُلَّ قَلِيلٍ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ

( وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً ) بِدَعْوَاهُ ( وَسَأَلَ حَبْسَ خَصْمِهِ ) فِي غَيْرِ حَدٍّ حَتَّى تُزَكَّى بَيِّنَتُهُ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَيُقَالُ لَهُ : إنْ جِئْتَ بِالْمُزَكِّينَ فِيهَا وَإِلَّا أَطْلَقْنَاهُ ( أَوْ ) أَقَامَ بَيِّنَةً لَهُ وَسَأَلَ ( كَفِيلًا بِهِ ) أَيْ بِخَصْمِهِ ( فِي غَيْرِ حَدٍّ ) حَتَّى تُزَكَّى شُهُودُهُ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، ( أَوْ ) أَقَامَ بَيِّنَةً وَسَأَلَ ( جَعْلَ مُدَّعًى بِهِ ) مِنْ عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ ( بِيَدِ عَدْلٍ حَتَّى تُزَكَّى ) بَيِّنَتُهُ ، أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ( أَوْ أَقَامَ ) مُدَّعٍ ( شَاهِدًا ) عَلَى خَصْمِهِ ( بِمَالٍ وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ أُجِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَحْثِ فِيهَا ، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ، بَلْ فِي حَبْسِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُدَّعِي إحْضَارُ الْمُزَكِّينَ أَوْ الشَّاهِدِ الثَّانِي فِيهَا غَالِبًا

وَ ( لَا ) يُحْبَسُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ( إنْ أَقَامَهُ ) أَيْ الشَّاهِدَ مُدَّعٍ ( بِغَيْرِ مَالٍ ) وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ ، ( فَإِنْ جَرَحَهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةَ ( الْخَصْمُ أَوْ أَرَادَ جَرْحَهَا كُلِّفَ ) الْخَصْمُ ( بِهِ ) أَيْ الْجَرْحِ ( بَيِّنَةً ) لِحَدِيثِ : الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ( وَيُنْظَرُ لِجَرْحٍ وَإِرَادَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِقَوْلِ عُمَرَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : وَاجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ ، فَإِنَّ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذْتُ لَهُ حَقَّهُ ، وَإِلَّا اسْتَحْلَلْت الْقَضِيَّةَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ أَنْفَى لِلشَّكِّ وَأَجْلَى لِلْفَهْمِ ( وَيُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي ) فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ لِئَلَّا يَهْرَبَ فَيَضِيعَ حَقُّهُ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا ، ( فَإِنْ أَتَى بِهَا ) أَيْ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عُمِلَ بِهَا ، ( وَإِلَّا ) يَأْتِ بِهَا فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ ( حُكِمَ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ مُدَّعَاهُ مِنْ الْجَرْحِ

( وَلَا يُسْمَعُ جَرْحٌ لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ بِذِكْرِ قَادِحٍ فِيهِ عَنْ رُؤْيَةٍ ) كَقَوْلِهِ : رَأَيْته يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ رَأَيْتُهُ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا وَنَحْوَهُ أَوْ سَمِعْته يَقْذِفُ وَنَحْوَهُ ( أَوْ اسْتِفَاضَةٍ ) بِأَنْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ ذَلِكَ ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَشَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ فَقَدْ يُجَرِّحُهُ بِمَا لَا يَرَاهُ الْقَاضِي جَرْحًا ( وَيُعَرِّضُ جَارِحٌ بِزِنًا ) أَوْ لِوَاطٍ ، ( فَإِنْ صَرَّحَ وَلَمْ تَكْمُلْ بَيِّنَتُهُ ) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ ثَلَاثَةٌ ( حُدَّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةَ

وَإِنْ أَقَامَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِهَذَا الْمُدَّعَى بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهَا إذَا رُدَّتْ لِفِسْقٍ لَمْ تُقْبَلْ مَرَّةً ثَانِيَةً

( وَإِنْ جَهِلَ حَاكِمٌ لِسَانَ خَصْمٍ تَرْجَمَ لَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ عَنْ الْخَصْمِ ( مَنْ يَعْرِفُهُ ) أَيْ لِسَانَ الْخَصْمِ قَالَ أَبُو جَمْرَةَ : كُنْت أُتَرْجِمُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ قَالَ : حَتَّى كُنْت أَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتُبَهُ وَأَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إذَا كَتَبُوا إلَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ ( وَلَا يُقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَ ) فِي ( جَرْحٍ وَ ) فِي ( تَعْدِيلٍ وَ ) فِي ( رِسَالَةٍ ) أَيْ مَنْ يُرْسِلُهُ الْحَاكِمُ يَبْحَثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ ، ( وَ ) فِي ( تَعْرِيفٍ عِنْدَ حَاكِمٍ ) وَأَمَّا التَّعْرِيفُ عِنْدَ شَاهِدٍ فَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ ( فِي ) حَدِّ ( زِنًا ) وَلِوَاطٍ ، ( إلَّا أَرْبَعَةُ ) رِجَالٍ عُدُولٍ كَشُهُودِ الْأَصْلِ ، ( و ) لَا يُقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا ( فِي غَيْرِ مَالٍ ) كَنِكَاحٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَقَذْفٍ وَقِصَاصٍ ( إلَّا رَجُلَانِ وَ ) لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ ( فِي مَالٍ إلَّا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) ؛ لِأَنَّ نَقْلَ مَا يَخْفَى عَلَى الْحَاكِمِ بِمَا يَسْتَنِدُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ ( ؛ وَذَلِكَ شَهَادَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ ) أَيْ فِيمَنْ يُتَرْجِمُ أَوْ يُجَرِّحُ أَوْ يُعَدِّلُ أَوْ يُرْسِلُ أَوْ يُعَرِّفُ ، ( وَفِيمَنْ رَتَّبَهُ حَاكِمٌ يَسْأَلُ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جَرْحٍ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ ) الْآتِيَةُ

( وَتَجِبُ الْمُشَافَهَةُ ) فِيمَنْ يُعَدِّلُ أَوْ يُجَرِّحُ وَنَحْوَهُ فَلَا تَكْفِي كِتَابَتُهُ أَنَّهُ عَدْلٌ أَوْ ضِدُّهُ وَنَحْوُهُ كَالشَّهَادَةِ ، وَإِذَا رَتَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَصَنَائِعَهُمْ وَمَعَايِشَهُمْ وَمَوْضِعَ مَسَاكِنِهِمْ وَصَلَاتَهُمْ ؛ لِيَسْأَلَ عَنْهُمْ أَهْلَ سُوقِهِمْ وَمَسْجِدِهِمْ وَجِيرَانَهُمْ وَكَتَبَ حِلَاهُمْ كَأَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَنْزَعَ أَوْ أَغَمَّ أَشْهَلَ أَوْ أَكْحَلَ أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ أَفْطَسَ رَقِيقِ الشَّفَتَيْنِ أَوْ غَلِيظَهُمَا طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ أَوْ رَبْعَةٍ وَنَحْوِهِ لِلتَّمْيِيزِ ، وَيَكْتُبُ الْمَشْهُودَ لَهُ وَعَلَيْهِ وَقَدْرَ الْحَقِّ فَيَكْتُبُ لِكُلٍّ مِمَّنْ يُرْسِلُهُ رُقْعَةً بِذَلِكَ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ لِئَلَّا يُسْتَمَالُوا بِنَحْوِ هَدِيَّةٍ وَأَنْ لَا يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْعَصَبِيَّةِ ، وَأَنْ يَكُونُوا أَصْحَابَ عِفَّةٍ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ الْوَافِرَةِ بَرَاءً مِنْ الشَّحْنَاءِ وَالْبَغْضَاءِ فَإِذَا رَجَعُوا فَأَخْبَرَ اثْنَانِ بِالْعَدَالَةِ قَبِلَ الشَّهَادَةَ ، وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ رَدَّهَا ، وَإِنْ أَخْبَرَ أَحَدَهُمَا بِالْجَرْحِ وَالْآخَرُ بِالْعَدَالَةِ بَعَثَ آخَرَيْنِ ، فَإِنْ عَادَا وَأَخْبَرَا بِالتَّعْدِيلِ تَمَّتْ بَيِّنَتُهُ وَسَقَطَ الْجَرْحُ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَمْ تَتِمَّ وَإِنْ أَخْبَرَا بِالْجَرْحِ ثَبَتَ وَسَقَطَ التَّعْدِيلُ

( وَمَنْ نُصِبَ لِلْحُكْمِ فِي جَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ أَوْ ) نُصِبَ ل ( سَمَاعِ بَيِّنَةٍ قَنَعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْحُكَّامِ

( وَمَنْ سَأَلَهُ حَاكِمٌ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ أَخْبَرَ ) وُجُوبًا بِالْوَاقِعِ ، ( وَإِلَّا ) يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ ( لَمْ يَجِبْ ) عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ .

فَصْلٌ وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَا لِي بَيِّنَةٌ فَقَوْلُ مُنْكِرٍ بِيَمِينِهِ إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ ( أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ ، فَقَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ ) لِعِصْمَتِهِ ( فَيُعْلِمُهُ ) أَيْ الْمُدَّعِيَ ( حَاكِمٌ بِذَلِكَ ) أَيْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ خَصْمِهِ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ : " { أَنَّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ : إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي ، وَقَالَ الْكِنْدِيُّ أَرْضِي وَفِي يَدِي لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ .
فَقَالَ : إنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ قَالَ : لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ

( فَإِنْ سَأَلَ ) الْمُدَّعِي ( إحْلَافه ) أَيْ الْمُنْكِرِ ، ( وَلَوْ عُلِمَ ) وَقْتَ إحْلَافه ( عَدَمُ قُدْرَتِهِ ) أَيْ الْمُنْكِرِ ( عَلَى حَقِّهِ ، وَيُكْرَهُ ) لَهُ إحْلَافه إذَنْ لِئَلَّا يَضْطَرَّهُ إلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَبْسِ إذَا أَقَرَّ لِعُسْرَتِهِ ، ( أُحْلِفَ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ ) نَصًّا لَا عَلَى صِفَةِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ ، .
( وَ ) إذَا حَلَفَ ( خَلَّى ) سَبِيلَهُ لِانْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ : " { لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ } "

( وَتَحْرُمُ دَعْوَاهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( ثَانِيًا وَتَحْلِيفُهُ ) أَيْضًا ( كَبَرِيءٍ ) أَيْ كَمَا تَحْرُمُ دَعْوَاهُ عَلَى بَرِيءٍ وَتَحْلِيفُهُ ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ

( وَلَا يُعْتَدُّ بِيَمِينِ ) مُنْكِرٍ ( إلَّا ) إذَا كَانَتْ ( بِأَمْرِ حَاكِمٍ ) وَ ( سُؤَالِ مُدَّعٍ طَوْعًا ) فَإِنْ حَلَفَ بِلَا أَمْرِ حَاكِمٍ أَوْ حَلَّفَهُ حَاكِمٌ بِلَا سُؤَالِ مُدَّعٍ أَوْ بِسُؤَالِهِ كُرْهًا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْيَمِينُ ، فَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِمَ إعَادَتَهَا أَعَادَهَا

( وَلَا يَصِلُهَا ) أَيْ الْيَمِينَ مُنْكِرٌ ( بِاسْتِثْنَاءٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ حُكْمَهَا قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَكَذَا بِمَا لَا يُفْهَمُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَاكِمُ الْمُحَلِّفُ لَهُ

( وَتَحْرُمُ تَوْرِيَةٌ ) فِي حَلِفٍ ، وَهِيَ إطْلَاقُ لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ وَيُرَادُ الْبَعِيدُ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةٍ خَفِيَّةٍ ، ( وَ ) يَحْرُمُ ( تَأْوِيلٌ ) فِي حَلِفٍ بِأَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ ، ( إلَّا لِ ) حَالِفٍ ( مَظْلُومٍ ) فَتَجُوزُ لَهُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ

( وَ ) يَحْرُمُ ( حَلِفُ مُعْسِرٍ خَافَ حَبْسًا ) إنْ أَقَرَّ بِمَا عَلَيْهِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ وَلَوْ نَوَى ) لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ ( السَّاعَةَ ) ، لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا خَافَ حَبْسًا أَوْ لَا .
نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ خَافَ حَبْسًا

( وَ ) يَحْرُمُ حَلِفُ ( مَنْ عَلَيْهِ ) دَيْنٌ ( مُؤَجَّلٌ أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ ) فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ ، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ السَّاعَةَ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ

( وَلَا يَحْلِفُ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ ( فِي ) شَيْءٍ ( مُخْتَلَفٍ فِيهِ ، لَا يَعْتَقِدُهُ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ حَقًّا ( نَصًّا وَحَمَلَهُ ) أَيْ النَّصِّ ( الْمُوَفَّقُ عَلَى الْوَرَعِ ) دُونَ التَّحْرِيمِ ، ( وَنُقِلَ عَنْهُ ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ( لَا يُعْجِبُنِي ) أَيْ أَنْ يَحْلِفَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَعْتَقِدُهُ نَحْوَ إنْ بَاعَ شَافِعِيٌّ لَحْمَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لِحَنْبَلِيٍّ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ، فَطَالَبَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ مُجِيبًا : لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ ( وَتَوَقَّفَ ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ ( فِيهَا ) أَيْ الْيَمِينِ ( فِيمَنْ عَامَلَ بِحِيلَةٍ ) رِبَوِيَّةٍ ( كَعِينَةٍ ) إذَا أَنْكَرَ الْآخِذُ الزِّيَادَةَ وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهَا هَلْ يَحْلِفُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ فَإِنْ أَمْسَكَ مُدَّعٍ عَنْ إحْلَاف خَصْمِهِ الْمُنْكِرِ ثُمَّ أَرَادَ إحْلَافه بِالدَّعْوَى السَّابِقَةِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا

وَ ( لَوْ أُبْرِئَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( مِنْهَا ) أَيْ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ لَهُ مُدَّعٍ : أَبْرَأْتُك مِنْ الْيَمِينِ ( بَرِئَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهَا ( فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ) فَقَطْ ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَيْهَا لِإِسْقَاطِهِ ( ، فَلَوْ جَدَّدَهَا ) أَيْ اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ ، فَأَنْكَرَ ( وَطَلَبَ ) الْمُدَّعِي ( الْيَمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ) لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَحْلِفْ مَرَّةً أُخْرَى

( وَمَنْ ) أَنْكَرَ فَوُجِّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ( فَلَمْ يَحْلِفْ ) وَامْتَنَعَ ( قَالَ لَهُ حَاكِمٌ : إنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ ) نَصًّا ، ( وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ ) أَيْ قَوْلِهِ : إنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ ( ثَلَاثًا ) قَطْعًا لِحُجَّتِهِ ، ( فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ ) الْقَاضِي ( بِشَرْطِهِ ) أَيْ بِأَنْ يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ لِحَدِيثِ " { شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ } " حَيْثُ حُصِرَ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَلَمْ تُشْرَعْ لِغَيْرِهِ .
وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ بَاعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا وَادَّعَى عَلَيْهِ زَيْدٌ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَأَنْكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ ، فَتَحَاكَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ : احْلِفْ أَنَّك مَا عَلِمْت بِهِ عَيْبًا فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ " ، ( وَهُوَ ) أَيْ النُّكُولُ ( كَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ ) بِمُوجَبِ الدَّعْوَى عَلَى نَاكِلٍ ( لَا كَإِقْرَارٍ ) ؛ لِأَنَّ النَّاكِلَ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ مُتَوَرِّعٌ عَنْ الْيَمِينِ ، فَلَا يُقَالُ : إنَّهُ مُقِرٌّ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَيُجْعَلُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ نُكُولِهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ ، وَأَيْضًا الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَشَهَادَةٌ لِلْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُقِرًّا شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِسُكُوتِهِ ؟ ( وَلَا كَبَذْلٍ ) لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ وَتَبَرُّعٌ ، وَالنَّاكِلُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ ، فَلَوْ كَانَ النُّكُولُ بَدَلًا لَاعْتُبِرَ خُرُوجُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَحَيْثُ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَذْلِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ ، وَنُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ

الصَّادِقَةِ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى خَصْمِهِ .
( لَكِنْ لَا يُشَارِكُ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ ) أَيْ النُّكُولِ ( عَلَى مَحْجُورٍ ) عَلَيْهِ ( لِفَلَسٍ غُرَمَاءَهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ الثَّابِتِ حَقُّهُمْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، لِاحْتِمَالِ تَوَاطُؤِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ لِيَقْطَعَا بِذَلِكَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْحَجْرِ .

( وَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ ) سُئِلَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ : ( لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً ثُمَّ أَتَى بِهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ سُمِعَتْ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا ، وَنَفْيُ الْعِلْمِ لَا يَنْفِيهَا فَلَا تَكْذِيبَ لِنَفْسِهِ ( أَوْ قَالَ مُدَّعٍ ) سُئِلَ عَنْ بَيِّنَةٍ لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً فَقَالَ ( عَدْلَانِ : نَحْنُ نَشْهَدُ لَك فَقَالَ : هَذِهِ بَيِّنَتِي سُمِعَتْ ) لِمَا سَبَقَ

وَ ( لَا ) تُسْمَعُ ( إنْ قَالَ ) مُدَّعٍ ( مَا لِي بَيِّنَةٌ ثُمَّ أَتَى بِهَا ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا ( أَوْ قَالَ : ) مَنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ ( كَذَبَ شُهُودِي أَوْ قَالَ ) الْمُدَّعِي : ( كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ زُورٌ ، وَ ) فَهِيَ ( بَاطِلَةٌ أَوْ ، فَلَا حَقَّ لِي فِيهَا ) ، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بَعْدُ لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ ، ( وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الْمُدَّعَى ، فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ

( وَلَا تُرَدُّ ) الْبَيِّنَةُ ( بِذِكْرِ السَّبَبِ ) إذَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ ، لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ إذَنْ ، ( بَلْ ) تُرَدُّ ( بِذِكْرِ سَبَبٍ ذَكَرَ الْمُدَّعِي ) فِي دَعْوَاهُ سَبَبًا ( غَيْرَهُ ) كَأَنْ طَالَبَهُ بِأَلْفٍ قَرْضًا فَأَنْكَرَهُ ، فَشَهِدَتْ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ غَصْبٍ لِلتَّنَافِي ، ( وَمَعْنَى شَهِدَتْ ) بَيِّنَةٌ ( بِغَيْرِ مُدَّعًى بِهِ ) كَأَنْ ادَّعَى دِينَارًا فَشَهِدَتْ بِدَرَاهِمَ أَوْ فِضَّةً ، فَشَهِدَتْ بِفُلُوسٍ أَوْ بِغَصْبِ فَرَسٍ ، فَشَهِدَتْ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ ، ( فَهُوَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( مُكَذِّبٌ لَهَا ) أَيْ لِشَهَادَتِهَا نَصًّا فَلَا تُسْمَعُ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ إنْ قَالَ : أَسْتَحِقُّهُ وَمَا شَهِدُوا بِهِ ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْت بِأَحَدِهِمَا لِأَدَّعِيَ الْآخَرَ وَقْتًا آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ ثُمَّ شَهِدُوا بِهِ قُبِلَتْ

( وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا أَنَّهُ لَهُ ) أَيْ يَمْلِكُهُ ( الْآنَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ ) إنْ شَهِدَتْ ( أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ أَوْ ) أَنَّهُ كَانَ ( فِي يَدِهِ ) أَمْسِ لِعَدَمِ التَّطَابُقِ ، ( حَتَّى تُبَيِّنَ ) الْبَيِّنَةُ ( سَبَبَ يَدِ الثَّانِي نَحْوِ غَاصِبَةٍ ) أَوْ مُسْتَعِيرَةٍ ، ( بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْيَدِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ) .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : إنْ قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا قَبْلُ وَقَالَ : لَا يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ : إنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ ، بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُ الْحَقِّ ، وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ فَادَّعَى رَجُلٌ بِمَثْبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى مَوْتِهِ ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ لَا يُنْتَزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَيْنِ تَعَارَضَا وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمَا الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةَ وَلَوْ فُتِحَ هَذَا لَانْتُزِعَ كَثِيرٌ مِنْ عَقَارَاتِ النَّاسِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، وَقَالَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وَارِثٍ ؛ لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَآخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ

( وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَأَقَرَّ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ ) مَا أَقَرَّ بِهِ ( إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ) لِحَدِيثِ " { لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ } " ( وَالدَّعْوَى ) بَاقِيَةٌ ( بِحَالِهَا ) نَصًّا فَلَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهَا أَوْ تَحْلِيفُهُ

( وَإِنْ سَأَلَ ) مُدَّعٍ لَهُ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ ( إحْلَافَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، ( وَلَا يُقِيمُهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةَ ( فَحَلَفَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( كَانَ لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( إقَامَتُهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِحْلَافِ كَمَا لَوْ غَابَتْ عَنْ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ لِمُدَّعٍ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْمَالِ وَأَقَامَهُ ، عَرَّفَهُ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقَّ فَإِنْ قَالَ : لَا أَحْلِفُ وَرَضِيَ بِيَمِينِهِ اسْتَحْلَفَ لَهُ وَانْقَطَعَ النِّزَاعُ ، كَأَنْ عَادَ الْمُدَّعِي وَقَالَ : أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِي لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ نَقْلُهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِعْلُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ ، وَقَطَعَ فِي الْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَالْمُنْصِفِ فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ يُسْتَحْلَفُ ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ حَلِفِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَبَذَلَ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ ، وَإِنْ وَجَدَ مُدَّعٍ مَعَ شَاهِدِهِ آخَرَ فَشَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِحَقٍّ كَمُلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَضَى لَهُ بِهَا

( وَإِنْ قَالَ ) مُدَّعٍ : ( لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ فَإِنْ كَانَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا ) أَيْ الْبَيِّنَةُ أَوْ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ لِحَدِيثِ : " شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ " وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَإِمْكَانَ فَصْلِ الْخُصُومَةِ بِالْبَيِّنَةِ ، فَلَمْ يُشْرَعْ غَيْرُهَا مَعَ إرَادَةِ مُدَّعٍ إقَامَتَهَا وَحُضُورَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَدَلِهَا كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا ، ( وَإِلَّا ) تَكُنْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً بِالْمَجْلِسِ ( فَلَهُ ذَلِكَ ) أَيْ تَحْلِيفُهُ ثُمَّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ : الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ، وَيَلْزَمُ مَنْ صَدَّقَ الْبَيِّنَةَ فُجُورُ الْيَمِينِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَتَكُونُ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ وَجَبَ فِيهَا الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا قَبْلَ الْيَمِينِ

( وَإِنْ سَأَلَ ) مُدَّعٍ ( مُلَازَمَتَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( حَتَّى يُقِيمَهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةَ ( أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ ) حَيْثُ أَمْكَنَ إحْضَارُهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ إقَامَتِهَا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَتْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إحْضَارُهَا فَإِنْ إلْزَامَهُ الْإِقَامَةَ إلَى حُضُورِهَا يَحْتَاجُ إلَى حَبْسٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ( فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا ) الْمُدَّعِي أَيْ الْبَيِّنَةَ ( فِيهِ ) أَيْ الْمَجْلِسِ ( صَرَفَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا مُلَازَمَةَ لِغَرِيمِهِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ وَلَا يُقِيمُ بِهِ كَفِيلًا ، وَلِئَلَّا يَتَمَكَّنَ كُلُّ ظَالِمٍ مِنْ حَبْسِ مَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ بِلَا حَقٍّ .
( وَإِنْ سَأَلَهَا ) أَيْ الْمُدَّعِي أَيْ مُلَازَمَةَ خَصْمِهِ ( حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ مَعَ غَيْبَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ ) مَعَ ( بُعْدِهَا ) بِضَمِّ الْبَاءِ ، ( أُجِيبَ ) لِئَلَّا يَذْهَبَ الْخَصْمُ وَلَا يُمْكِنُ إقَامَتُهَا إلَّا بِحَضْرَتِهِ

( وَإِنْ سَكَتَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ) بِأَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّعْوَى وَلَمْ يُنْكِرْهَا ( أَوْ قَالَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : ( لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ أَوْ ) قَالَ : ( لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ وَلَا بَيِّنَةَ ) لِمُدَّعٍ بِدَعْوَاهُ ، ( قَالَ الْحَاكِمُ ) لِمُدَّعًى عَلَيْهِ : ( إنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ ) بِالنُّكُولِ ( وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا ) فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ نَاكِلٌ عَمَّا تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْهُ كَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ

( وَلَوْ قَالَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى أَلْفًا ( إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا بِرَهْنِ كَذَا لِي بِيَدِك أَجَبْتُك ) وَإِلَّا فَلَا حَقَّ عَلَيَّ ، فَجَوَابٌ صَحِيحٌ ( أَوْ ) قَالَ : ( إنْ ادَّعَيْتَ هَذَا ) الْأَلْفَ ( ثَمَنَ كَذَا بِعْتَنِيهِ وَلَمْ أَقْبِضْهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ ( فَنَعَمْ ، وَإِلَّا ) تَدَّعِهِ كَذَلِكَ ( فَلَا حَقَّ ) لَكَ ( عَلَيَّ فَجَوَابٌ صَحِيحٌ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ عَلَى قَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ بِنُكُولِهِ فِيمَا سِوَاهُ ( لَا إنْ قَالَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِهِ : ( لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ ) فَلَيْسَ جَوَابًا صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ وَلَيْسَ هَذَا وَاحِدًا مِنْهُمَا

( وَإِنْ قَالَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى ( لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ ) ، وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ أُنْظِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي فِيهَا ؛ لَإِمْكَانَ مَا يَدَّعِيه ، وَتَكْلِيفُهُ الْإِقْرَارَ فِي الْحَالِ إلْزَامٌ لَهُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ أَوْ يَخَافُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ كَاذِبًا ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَيُقِرُّ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَوَجَبَ إنْظَارُهُ مَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي إنْظَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ .

( أَوْ ) قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ( بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى ) عَلَيْهِ ( بَيِّنَةُ قَضِيَّتِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ، وَلِي بَيِّنَةٌ بِقَضَائِهِ ( أَوْ ) قَالَ : ( أَبْرَأَنِي ) مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ ( وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ ) أَيْ إبْرَائِهِ ( وَسَأَلَهُ الْإِنْظَارَ لَزِمَ إنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ فِي الْحَالِ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ وَإِنْظَارَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ بِلَا ضَرُورَةٍ ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ، ( وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ ) زَمَنَ الْإِنْظَارِ لِئَلَّا يَهْرَبَ ، وَظَاهِرُهُ لَا يَحْبِسُهُ وَعَمَلُ الْحَاكِمُ عَلَى خِلَافِهِ .
( وَلَا يُنْظَرُ إنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ دَعْوَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الدَّفْعِ ، ( فَإِنْ عَجَزَ ) مُدَّعِي الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِنْظَارِ ( حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ ، ( وَاسْتَحَقَّ ) مَا ادَّعَى بِهِ ( فَإِنْ نَكِلَ ) عَنْ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ ( حُكِمَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ ( وَصُرِفَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَنْ مُنْكِرٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَنَكِلَ عَنْهَا ، فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَمَا لَوْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً

( هَذَا ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إنْظَارِ مُدَّعِي الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ إنْ أَحْضَرَهَا بِذَلِكَ ، ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَنْكَرَ سَبَبَ الْحَقِّ ) ابْتِدَاءً ( ، فَأَمَّا إنْ ) كَانَ ( أَنْكَرَهُ ثُمَّ ثَبَتَ فَادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءَ ) مُدَّعٍ لَهُ ( سَابِقًا عَلَى ) زَمَنِ ( إنْكَارِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْهُ قَرْضٌ أَوْ ثَمَنُ مَبِيعٍ فَقَالَ مَا اقْتَرَضْت مِنْهُ ، وَمَا اشْتَرَيْت مِنْهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ اقْتَرَضَ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ قَضَيْته أَوْ أَبْرَأَنِي قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ ، ( لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ .
( وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الْحَقِّ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً بَعْدَ إنْكَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ كَالْإِقْرَارِ بِهِ فَيَكُونُ قَاضِيًا لِمَا هُوَ مُقِرٌّ بِهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهِ كَغَيْرِ الْمُنْكِرِ ، وَإِبْرَاءُ الْمُدَّعِي بَعْدَ إنْكَارِهِ إقْرَارٌ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَا تَنَافِيَ

( وَإِنْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ ) جَوَابًا لِمُدَّعِيهَا ( كَانَتْ بِيَدِك ) أَمْسِ ( أَوْ ) كَانَتْ ( لَك أَمْسِ لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( إثْبَاتُ سَبَبِ زَوَالِ يَدِهِ ) أَيْ : الْمُدَّعِي عَنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَى بِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْيَدِ أَوْ الْمِلْكِ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ حَلَفَ مُدَّعٍ عَلَى بَقَائِهِ وَأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ بِوَجْهٍ وَأَخَذَهَا .

فَصْلٌ وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا بِيَدِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهَا ( فَأَقَرَّ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( بِهَا ) أَيْ الْعَيْنِ ( لِحَاضِرٍ مُكَلَّفٍ ) غَيْرِ الْمُدَّعِي ، ( جُعِلَ ) الْمُقَرُّ لَهُ ( الْخَصْمَ فِيهَا ) لِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْيَدِ بِنِيَابَةِ يَدِهِ عَنْ يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ قَالَ : أَنَا مُسْتَأْجِرٌ مِنْهُ أَوْ مُسْتَعِيرٌ أَوْ لَا ، وَحَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِمُدَّعٍ ( فَإِنْ نَكِلَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ ( أُخِذَ مِنْهُ ) لِلْمُدَّعِي ( بَدَلُهَا ) كَإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا لِغَيْرِهِ ، ( ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ ) أَيْ الْمُقِرَّ ( الْمُقَرُّ لَهُ ) بِالْعَيْنِ أَنَّهَا مِلْكُهُ ( فَهُوَ ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ ( كَأَحَدِ مُدَّعِيَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ أَقَرَّ لَهُ الثَّالِثُ عَلَى مَا يَأْتِي ) فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ

( وَإِنْ قَالَ ) مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ ( لَيْسَتْ لِي ، وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ ) وَجُهِلَ لِمَنْ هِيَ سُلِّمَتْ لِمُدَّعٍ ، ( أَوْ قَالَ : ذَلِكَ ) أَيْ لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ ( الْمُقَرُّ لَهُ ، وَجُهِلَتْ لِمَنْ هِيَ سُلِّمَتْ لِمُدَّعٍ ) بِلَا يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهَا وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا ، ( فَإِنْ كَانَ ) مُدَّعِيهَا ( اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا عَلَيْهَا ) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَخَذَهَا وَحَلَفَ لِصَاحِبِهِ ، ( وَإِنْ عَادَ ) الْمُقِرُّ بِالْعَيْنِ ( ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ ) ادَّعَاهَا ( الثَّالِثُ ) غَيْرُ مُدَّعِيهَا وَغَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا لَمْ يُقْبَلْ ، ( أَوْ عَادَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ ) الْعَيْنَ ( وَلَوْ قَبْلَ ذَلِكَ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمُقِرُّ لِنَفْسِهِ ( لَمْ يُقْبَلْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِهَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ : هِيَ لِفُلَانٍ أَوْ بِقَوْلِهِ : لَيْسَتْ لِي ، وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْيٌ لَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ خِلَافُهُ

( وَإِنْ أَقَرَّ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ ( بِهَا لِغَائِبٍ ) عَنْ الْبَلَدِ ( أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ ) مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ ( وَلِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ ) شَهِدَتْ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ ، ( فَهِيَ ) أَيْ الْعَيْنُ ( لَهُ ) لِتَرَجُّحِ جَانِبِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَسُمِعَتْ لِإِزَالَةِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ ( بِلَا يَمِينٍ ) اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ لِخَبَرِ : " { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ ( فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا ) أَيْ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا ( لِمَنْ سَمَّاهُ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا ( لَمْ يَحْلِفْ ) اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ ، وَسُمِعَتْ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ ، وَلَا يُقْضَى بِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْغَائِبِ وَلَمْ يَدَعْهَا هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ ، قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ ، .
وَفِي الْإِقْنَاعِ ( وَإِلَّا ) يُقِمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ لِمَنْ سَمَّاهُ ( اُسْتُحْلِفَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لِمُدَّعِيهَا ، وَأُقِرَّتْ بِيَدِهِ لِانْدِفَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِالْيَمِينِ ، ( فَإِنْ نَكِلَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ ( غَرِمَ بَدَلَهَا ) أَيْ مِثْلَ الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوَّمَةً ( لِمُدَّعٍ ) لِمَا سَبَقَ

( فَإِنْ كَانَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَانِ لَهَا ( اثْنَيْنِ ) كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي جَمِيعَهَا ( فَ ) عَلَى نَاكِلٍ ( بَدَلَانِ ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلٌ ، ( وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا ) مُدَّعًى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ ( لِمَجْهُولٍ ) بِأَنْ قَالَ : هِيَ لِإِنْسَانٍ لَا أُسَمِّيه وَلَا أَعْرِفُهُ ( قَالَ لَهُ حَاكِمٌ : عَرِّفْهُ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْك ) بِالنُّكُولِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لِمَجْهُولٍ عُدُولٌ عَنْ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْخَصْمَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيُقَالُ لَهُ : إمَّا أَنْ تُعَيِّنَهُ لِتَنْتَقِلَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ أَوْ تَدَّعِيَهَا لِنَفْسِك لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ مَعَكَ أَوْ تُقِرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْك ؛ فَإِنْ عَيَّنَ الْمَجْهُولَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِهَا ، ( فَإِنْ عَادَ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ جَوَابِهِ أَوَّلًا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَدَعْوَاهَا ثَانِيًا لِنَفْسِهِ مُخَالِفَةٌ لِدَعْوَاهُ الْأُولَى .

( فَصْلٌ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ ) عَنْ الْبَلَدِ ( مَسَافَةَ قَصْرٍ بِغَيْرِ عَمَلِهِ ) الْقَاضِي الْمُدَّعَى عِنْدَهُ ( أَوْ ) ادَّعَى عَلَى ( مُسْتَتِرٍ إمَّا بِالْبَلَدِ أَوْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ ) عَلَى ( مَيِّتٍ أَوْ ) عَلَى ( غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ ) ، وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِيهِ ( سُمِعَتْ وَحُكِمَ بِهَا ) بِشَرْطِهِ لِحَدِيثِ هِنْدٍ قَالَتْ : " { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي .
قَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَقَضَى لَهَا .
وَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا .
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ : { إذَا تَقَاضَى إلَيْكَ رَجُلَانِ فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا تَقْضِي } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ ، وَالْحَاضِرُ يُفَارِقُ الْغَائِبَ فَلَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُ بِغَيْرِ عَمَلِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلِهِ أَحْضَرَهُ لِيَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ هَكَذَا فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَالِاخْتِيَارَاتِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ .
وَأَمَّا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُسْتَتِرِ فَلِتَعَذُّرِ حُضُورِهِ كَالْغَائِبِ ، بَلْ أَوْلَى ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ بِخِلَافِ الْمُتَوَارِي .
وَرَوَى حَرْبٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : " { كَانَ الْخَصْمَانِ إذَا اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَذَ الْمَوْعِدُ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوَفِّ الْآخَرُ قَضَى لِلَّذِي وَفَّى } وَلِئَلَّا يُجْعَلَ الِاسْتِتَارُ وَسِيلَةً إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَكَذَا الْمَيْتُ وَالصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْغَائِبِ

وَ ( لَا ) تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوَهُ ( فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْضَى فِي سَرِقَةٍ ) ثَبَتَتْ عَلَى غَائِبٍ ( بِغُرْمٍ ) مَالٍ مَسْرُوقٍ ( فَقَطْ ) دُونَ قَطْعٍ لِحَدِيثِ " { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ( وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَحْكُومِ لَهُ عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ ( يَمِينٌ عَلَى بَقَاءِ حَقٍّ ) فِي ذِمَّةِ غَائِبٍ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ لِحَدِيثِ : " { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } فَحَصَرَ الْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَلَا يَجِبُ مَعَهَا الْيَمِينُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ ( إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ ) قَالَ ( الْمُنَقَّحُ : وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ ا .
هـ ) لِفَسَادِ أَحْوَالِ غَالِبِ النَّاسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْفَى مَا شَهِدَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ مَلَّكَهُ الْعَيْنَ الَّتِي شَهِدَتْ لَهُ بِهَا الْبَيِّنَةُ ، ( ثُمَّ إذَا كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَرَشَدَ ) بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ ، ( أَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ أَوْ ظَهَرَ الْمُسْتَتِرُ فَ ) هُوَ ( عَلَى حُجَّتِهِ ) إنْ كَانَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَصْلِ الْحَقِّ لَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْقِطُ الْحَقَّ ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَفَ عَلَى حُضُورِهِ ، وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ ، بَلْ يُخْبِرُهُ الْحَاكِمُ بِالْحَالِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ

( فَإِنْ جَرَّحَ ) مَحْكُومٌ عَلَيْهِ ( الْبَيِّنَةَ بِأَمْرٍ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا ) بِأَنْ جَرَّحَهَا ، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا قَبْلَهُ ( لَمْ يُقْبَلْ ) تَجْرِيحُهُ ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يُبْطِلُهَا ، وَإِذَا أَطْلَقَ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ ، فَلَا الْحُكْمُ يَبْطُلُ لِجَوَازِ حُدُوثِ الْجَرْحِ بَعْدَهُ ، ( وَإِلَّا ) بَانَ جَرْحُهَا بِأَمْرٍ قَبْلَ الْحُكْمِ ( قُبِلَ ) تَجْرِيحُهُ وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحُكْمِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ

( وَالْغَائِبُ دُونَ ذَلِكَ ) أَيْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( لَمْ تُسْمَعْ دَعْوًى ) عَلَيْهِ ( وَلَا بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ ) مَجْلِسَ الْحُكْمِ ( كَحَاضِرٍ ) ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ السَّابِقِ ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ سُؤَالُهُ فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ ( إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ ) الْحَاضِرُ بِالْبَلَدِ أَوْ الْغَائِبُ دُونَ الْمَسَافَةِ عَنْ الْحُضُورِ ، ( فَيَسْمَعَهُمَا ) أَيْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ، ( ثُمَّ إنْ ) كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ عَلَى الْغَائِبِ عَيْنًا سَلَّمَهَا الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ، فَإِنْ ( وَجَدَ ) الْحَاكِمُ ( لَهُ مَالًا وَفَّاهُ ) دَيْنَهُ ( مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ظُلْمٌ لَهُ ، ( وَإِلَّا ) يَجِدْ لِلْغَائِبِ مَالًا ( قَالَ لِلْمُدَّعِي ؛ إنْ عَرَفْتَ لَهُ ) أَيْ الْغَائِبِ ( مَالًا وَثَبَتَ عِنْدِي ) أَنَّهُ مَالُهُ ( وَفَّيْتُك مِنْهُ ) دَيْنَك

( وَالْحُكْمُ لِلْغَائِبِ لَا يَصِحُّ ) لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ ، ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِغَائِبٍ ( تَبَعًا ) لِمُدَّعٍ حَاضِرٍ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ ( كَمَنْ ادَّعَى مَوْتَ أَبِيهِ ) أَوْ ادَّعَاهُ وَكِيلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ ( عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ أَوْ غَيْرِ رَشِيدٍ وَلَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( عِنْدَ فُلَانٍ عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ فَثَبَتَ ) الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى فُلَانٍ ( بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ) أَوْ نُكُولٍ ، ( أَخَذَ الْمُدَّعِي ) أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ ( نَصِيبَهُ وَ ) أَخَذَ ( الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْآخَرَ ) الْغَائِبِ أَوْ غَيْرِ الرَّشِيدِ ، فَيَجْعَلُهُ بِيَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً أَوْ يُكْرِيهِ لَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُكْرَى أَوْ يَحْفَظُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي يَدِ الْغَرِيمِ أَوْ ذِمَّتِهِ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ بِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ أَوْ عَزْلِ الْحَاكِمِ وَتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِ .
وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْنُ الطَّلَبِ بِضَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ طَعْنٌ عَلَى الشُّهُودِ ، وَتُعَادُ الْبَيِّنَةُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا يَكُونُ الْحُكْمُ لِلْغَائِبِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ ( وَكَالْحُكْمِ بِوَقْفٍ يَدْخُلُ فِيهِ ) أَيْ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَقْفِ ( مَنْ لَمْ يُخْلَقْ ) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ( تَبَعًا ) لِلْمَحْكُومِ لَهُ الْآنَ ، ( وَكَإِثْبَاتِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الْوَكَالَةَ فِي غَيْبَةِ ) الْوَكِيلِ ( الْآخَرِ فَتَثْبُتُ لَهُ ) أَيْ الْغَائِبِ ( تَبَعًا ) ، فَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ .
( وَسُؤَالُ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ الْحَجْرَ ) عَلَى الْمُفْلِسِ ( كَ ) سُؤَالِ ( الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْغُرَمَاءِ ( فَالْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى عَدَدٍ ) مَحْكُومٍ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ ( أَوْ ) عَلَى ( أَعْيَانٍ ) مَحْكُومٍ بِهَا ( كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي ) الْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِ ( الْمُشَرَّكَةِ ) وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدَاهَا وَعَصَبَةٌ شَقِيقٌ ( الْحُكْمُ فِيهَا لِوَاحِدٍ أَوْ ) الْحُكْمُ ( عَلَيْهِ يَعُمُّهُ ) أَيْ الْمَحْكُومَ لَهُ أَوْ

عَلَيْهِ .
( وَ ) يَعُمُّ ( غَيْرَهُ ) فَإِذَا حُكِمَ لِأَحَدِ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ بِالتَّشْرِيكِ كَانَ حُكْمًا لَهُ وَلِبَاقِيهِمْ بِذَلِكَ ، وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ فَكَذَلِكَ .
( وَحُكْمُهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( لِ ) أَهْلِ ( طَبَقَةٍ ) فِي وَقْفٍ ( حُكْمٌ لِ ) أَهْلِ الطَّبَقَةِ ( الثَّانِيَةِ ) بِهِ ( إنْ كَانَ الشَّرْطُ وَاحِدًا ) غَيْرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ، ( ثُمَّ مَنْ أَبْدَى ) مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ فَمَا بَعْدَهَا ( مَا ) أَيْ أَمْرًا ( يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى ( لَوْ عَلِمَهُ فَلِثَانٍ ) أَيْ الْمُبْدِي لِذَلِكَ الْأَمْرِ ( الدَّفْعُ بِهِ ) كَالْأَوَّلِ لَوْ عَلِمَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَطْنٍ يَتَلَقَّاهُ عَنْ وَاقِفِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ وَيَبِيعُ مَالَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لِلْغَائِبِ ، وَأَعْلَى طُرُقِهِ الْبَيِّنَةُ فَيَكُونُ مِنْ الدَّعْوَى لِلْغَائِبِ تَبَعًا أَوْ مُطْلَقًا لِلْحَاجَةِ إلَى إيفَاءِ الْحَاضِرِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَائِبِ .

فَصْلٌ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحُكْمٍ فَصَدَّقَهُ الْحَاكِمُ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ ( قُبِلَ ) قَوْلُ الْحَاكِمِ ( وَحْدَهُ ) فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَدْلًا ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ بِالْحُكْمِ ، وَيُلْزِمُ خَصْمَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ حُكْمًا بِالْعِلْمِ بَلْ إمْضَاءٌ لِلْحُكْمِ السَّابِقِ ( كَقَوْلِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( ابْتِدَاءً : حَكَمْت بِكَذَا ) فَيُقْبَلُ مِنْهُ ، ( وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ ) أَيْ الْحُكْمَ حَاكِمٌ ( فَشَهِدَ بِهِ ) أَيْ بِحُكْمِهِ ( عَدْلَانِ ) فَقَالَا لِلْحَاكِمِ : نَشْهَدُ عِنْدَكَ أَنَّكَ حَكَمْتَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا ( قَبِلَهُمَا ) الْحَاكِمُ ( وَأَمْضَاهُ ) أَيْ حُكْمَهُ ( لِقُدْرَتِهِ عَلَى إمْضَائِهِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمٍ غَيْرِهِ قَبِلَهُمَا ، فَكَذَا إذَا شَهِدَا بِحُكْمِهِ نَفْسَهُ ، وَإِنْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ لَمْ يَقْبَلْهُمَا وَلَمْ يُمْضِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَالْيَقِينُ أَقْوَى ( بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ شَهَادَتَهُ فَشَهِدَا ) أَيْ الْعَدْلَانِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ النَّاسِي لِشَهَادَتِهِ ( بِهَا ) بِأَنْ قَالَا : نَشْهَدُ أَنَّك شَهِدْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا ، فَلَا يُشْهَدُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ شَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا يُمْضِيهَا الْحَاكِمُ ، فَفَارَقَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ ( وَكَذَا ) أَيْ كَشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عِنْدَ حَاكِمٍ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا فِي إمْضَاءِ مَا شَهِدَا بِهِ ( إنْ شَهِدَا ) عِنْدَهُ ( أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَكَ بِكَذَا ) ، فَيَقْبَلُهُمَا وَيُمْضِي مَا شَهِدَا بِهِ كَمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْحَقِّ نَفْسِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِحُكْمِهِ ) وَلَا بِأَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ بِشَيْءٍ ( أَحَدٌ ) يَعْنِي عَدْلَيْنِ ( وَوَجَدَهُ ) أَيْ حُكْمَهُ مَكْتُوبًا ، ( وَلَوْ فِي قِمْطَرَةٍ تَحْتَ خَتْمِهِ ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ كَحُكْمِ غَيْرِهِ ، وَلِجَوَازِ أَنْ يُزَوَّرَ عَلَيْهِ وَعَلَى خَطِّهِ وَخَتْمِهِ ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ .
( أَوْ )

وَجَدَ شَاهِدٌ ( شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ وَتَيَقَّنَهُ ) أَيْ الْخَطَّ ( وَلَمْ يَذْكُرْهُ ) أَيْ الْمَشْهُودَ بِهِ ( لَمْ يَعْمَلْ بِهِ ) أَيْ مَا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ نَصًّا ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زُوِّرَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كَثِيرًا ( كَ ) وُجْدَانِ ( خَطِّ أَبِيهِ بِحُكْمٍ ) لِأَبِيهِ ، فَلَيْسَ لَهُ إنْفَاذُهُ ، ( أَوْ ) وِجْدَانِ خَطِّ أَبِيهِ بِ ( شَهَادَةٍ ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ ، كَشَهَادَةِ غَيْرِهِ إذَا وَجَدَهَا بِخَطِّهِ وَلَوْ تَيَقَّنَهُ ( إلَّا عَلَى ) قَوْلٍ ( مَرْجُوحٍ ) .
قَالَ ( الْمُنَقَّحُ : وَهُوَ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ) قَالَ الْمُوَفَّقُ : وَهَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي قِمْطَرَةٍ تَحْتَ خَتْمِهِ لَمْ يُحْتَمَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا ، ( وَمَنْ تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ ) الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا ( أَوْ يَعْتَمِدُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ يَتَجَوَّزُ بِذَلِكَ ) أَيْ يَتَسَاهَلُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ( لَمْ يَجُزْ ) لِلْحَاكِمِ الْمُتَحَقِّقِ لِذَلِكَ ( قَبُولُ شَهَادَتِهِ ) كَمُغَفَّلٍ ، ( وَإِلَّا ) يَتَحَقَّقُ الْحَاكِمُ مِنْهُ ذَلِكَ ( حَرُمَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ ) لِقَدْحِهِ فِيهِ .
( وَلَا يَجِبُ ) عَلَى الشَّاهِدِ ( أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصِّفَةِ ) الَّتِي شَهِدَ بِهَا أَيْ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا شَهِدَ اعْتَمَدَ عَلَى خَطِّهِ

( وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ ) أَيْ يُحِيلُهُ ( عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا ) وَلَوْ عَقْدًا أَوْ فَسْخًا ، لِحَدِيثِ : " { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ .
فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ : " زَوْجَاكِ شَاهِدَاك " إنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَضَافَ التَّزْوِيجَ إلَى الشَّاهِدَيْنِ لَا إلَى حُكْمِهِ ، وَلَمْ يُجِبْهَا إلَى التَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ طَعْنًا عَلَى الشُّهُودِ وَاللِّعَانُ تَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَةُ لَا بِصِدْقِ الزَّوْجِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ

( فَمَتَى عَلِمَهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةَ ( حَاكِمٌ كَاذِبَةً لَمْ يَنْفُذْ ) حُكْمُهُ بِهَا ( حَتَّى وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَفَسْخٍ ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا ، ( فَمَنْ حَكَمَ لَهُ ) حَاكِمٌ ( بِبَيِّنَةِ زُورٍ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ ) لَمْ تَحِلَّ لَهُ بَاطِنًا ( فَ ) إنْ ( وَطِئَ مَعَ الْعِلْمِ ) أَيْ عِلْمِهِ بِالْحَالِ ( فَكَزِنًا ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِذَلِكَ ، وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهَا بِأَنْ أَكْرَهَهَا ، فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ دُونَهَا ، ( وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ ) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَعَدَمِهِ .
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ : لَا يَصِحُّ لِإِفْضَائِهَا إلَى وَطْئِهَا مِنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا : بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَالْآخَرُ : بِحُكْمِ الْبَاطِنِ .
( وَإِنْ حَكَمَ ) حَاكِمٌ ( بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودِ زُورٍ ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا وَيُكْرَهُ لَهُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا ظَاهِرًا ) ؛ لِأَنَّهُ طَعْنٌ عَلَى الْحَاكِمِ ( وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ بِالْحَالِ ) مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِبَقَائِهَا فِي عِصْمَةِ الْأَوَّلِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَحَلَّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ نِكَاحُهَا ، ( وَمَنْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ ) حَكَمَ ( عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ عَمِلَ ) الْمُجْتَهِدُ ( بَاطِنًا بِالْحُكْمِ ) لَهُ أَوْ عَلَيْهِ كَمَا يَعْمَلُ بِهِ ظَاهِرًا لِرَفْعِهِ الْخِلَافَ

( وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ لَحْمًا مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ ) عَمْدًا ( فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ ) أَيْ الْبَيْعِ حَاكِمٌ ( شَافِعِيٌّ نَفَذَ ) حُكْمُهُ ؛ فَيَدْخُلُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا ، وَكَذَا إنْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ بِشُفْعَةِ جِوَارٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْإِمَامِ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ ، فَلَيْسَ أَنْ يَطْلُبَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِشُفْعَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَهُوَ فِي حَالِ طَلَبِهِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طَلَبِ شَيْءٍ وَبَيْنَ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ قَالَ : لَكِنْ لَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَهُ أَوْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ بِحُكْمٍ أَوْ قَسَمٍ فَهُنَا يُتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ ثُمَّ قَالَ : وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ

( وَإِنْ رَدَّ حَاكِمٌ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِ ) رُؤْيَةِ هِلَالِ ( رَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ ) ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِعَدَالَتِهِ ، وَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ ( كَ ) رَدِّ شَهَادَةٍ ( بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ ) فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ ، .
( وَ ) عَدَمُ التَّأْثِيرِ بِرَدِّ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ ( أَوْلَى ) مِنْ عَدَمِهِ بِرَدِّهَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ؛ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَاكِمَ ( لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ وَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ رَدُّ شَهَادَتِهِ بِرَمَضَانَ ( فَتْوَى فَلَا يُقَالُ : حُكِمَ بِكَذِبِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ ) أَيْ الْهِلَالَ

( وَلَوْ رُفِعَ إلَيْهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ ) كَنِكَاحِ امْرَأَةٍ نَفْسَهَا ( لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ ) صِفَةٌ لِحُكْمٍ بِأَنْ لَمْ يُخَالِفْ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا ( لِيُنَفِّذَهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِرُفِعَ ، ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْحَاكِمَ ( تَنْفِيذُهُ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ ) أَيْ الْحُكْمَ صَحِيحًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ لِذَلِكَ .
( وَكَذَا إنْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ وَتَزْوِيجِهِ يَتِيمَةً ) وَحُكْمِهِ عَلَى غَائِبٍ أَوْ بِالثُّبُوتِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَنَحْوِهِ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ حُكْمٌ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِهِ .
وَفِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ نَفْسُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْحُكْمِ ، لَكِنْ إنْ أَنْفَذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ إنْفَاذُهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ فَلَزِمَ تَنْفِيذُهُ كَغَيْرِهِ ا .
هـ .
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّنْفِيذَ حُكْمٌ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ

( وَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( فَقَطْ ) دُونَ غَيْرِهِ ، بِأَنْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَ غَيْرِهِ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ ، ( وَأَقَرَّا ) أَيْ الْخَصْمَانِ ( بِأَنَّ ) حَاكِمًا ( نَافِذَ الْحُكْمِ ) كَحَنَفِيٍّ ( حَكَمَ بِصِحَّتِهِ ) أَيْ يَكُونُ : ذَلِكَ الْعَقْدُ صَحِيحًا ( فَلَهُ إلْزَامُهُمَا ذَلِكَ ) الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَقَرَّا بِهِ فَلَزِمَهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّا بِغَيْرِهِ ، ( وَلَهُ رَدُّهُ ) أَيْ قَوْلِهِمَا ( وَالْحُكْمُ ) عَلَيْهِمَا ( بِمَذْهَبِهِ ) مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ

( وَمَنْ قَلَّدَ مُجْتَهِدًا فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ لَمْ يُفَارِقْ ) زَوْجَتَهُ ( بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي قَلَّدَهُ فِي صِحَّتِهِ ، ( كَحُكْمٍ ) أَيْ كَمَا لَوْ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ مُجْتَهِدٌ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَلَا يُفَارِقُ ( بِخِلَافِ مُجْتَهِدٍ نَكَحَ ) امْرَأَةً بِعَقْدٍ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى صِحَّتِهِ ، ( ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ ) أَيْ مَا أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِرَاقُ زَوْجَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا ، ( وَلَا يَلْزَمُ ) مُجْتَهِدًا قَلَّدَهُ عَامِّيٌّ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ( إعْلَامُ الْمُقَلِّدِ ) لَهُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ ( بِتَغَيُّرِهِ ) أَيْ : الِاجْتِهَادِ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفِرَاقُ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ مَنْ قَلَّدَهُ

( وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ فِي حُكْمِهِ ( فِي إتْلَافٍ بِمُخَالَفَةِ ) دَلِيلٍ ( قَاطِعٍ ) لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، ( أَوْ ) بَانَ ( خَطَأُ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا ) لِلْفُتْيَا بِإِتْلَافٍ كَقَتْلٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّاهُ رِدَّةً أَوْ قَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا أَوْ جَلْدٍ بِشُرْبٍ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ جَلْدٌ كَشَارِبٍ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ حَدَّهُ فَمَاتَ ، ( ضَمِنَا ) أَيْ الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِمَا كَمَا لَوْ بَاشَرَاهُ .

فَصْلٌ وَمَنْ غَصَبَهُ إنْسَانٌ مَالًا جَهْرًا ( أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ ) أَيْ عَيْنُ مَالِ غَيْرِهِ ، ( فَلَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مَالُهُ جَهْرًا ( أَخْذُ قَدْرِ ) مَالِهِ ( الْمَغْصُوبِ ) مِنْ مَالِ غَاصِبٍ ( جَهْرًا ) كَمَا فَعَلَ ، ( وَ ) لِرَبِّ الْعَيْنِ الَّتِي عِنْدَ غَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ ( عَيْنَ مَالِهِ ) مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ ( وَلَوْ قَهْرًا ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : مَا لَمْ يُفْضِ إلَى فِتْنَةٍ إلَّا ( أَخَذَ قَدْرِ دَيْنِهِ ) الَّذِي لَهُ بِذِمَّةِ غَيْرِهِ ( مِنْ مَالِ مَدِينٍ تَعَذَّرَ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْهُ بِحَاكِمٍ لِجَحْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَسُكَّانِ بَوَادٍ يَتَعَذَّرُ إحْضَارُ الْخُصُومِ مِنْهَا نَصًّا لِحَدِيثِ : " { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِلَا إذْنِهِ خِيَانَةٌ لَهُ .
وَحَدِيثِ : " { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ تَرَاضٍ ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا رَبِّهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : لَا آخُذُ حَقِّي إلَّا مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ غَيْرِهِ ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ بَقِيَ وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَقَاصَّا ( إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذَ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ ) فَيَأْخُذُهُ وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ ، ( أَوْ مَنَعَ زَوْجٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ ) كَقَرِيبٍ وَمُعْتِقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَمَوْلَاهُ ( مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَالْكِسْوَةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ ، لَهُ الْأَخْذُ لِحَدِيثِ هِنْدٍ وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّيْنِ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَيْ فَتَشُقُّ الْمُحَاكَمَةُ وَالْمُخَاصَمَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ .
وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قِيَامَ الزَّوْجَةِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ

فَكَأَنَّ الْحَقَّ صَارَ مَعْلُومًا بِعِلْمِ قِيَامِ مُقْتَضِيهِ ، وَأَيْضًا فَالْمَرْأَةُ تَنْبَسِطُ فِي مَالِ الزَّوْجِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَأَثَّرَ فِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْحَقِّ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَيْضًا النَّفَقَةُ تُرَدُّ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ وَلَا صَبْرَ عَنْهَا ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَخْذُ نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، ( وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ ) وَاحِدٍ ( مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الْآخَرِ فِضَّةً ، ( فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا ) دَيْنَ صَاحِبِهِ ( فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ ) دَيْنَ الْجَاحِدِ لِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَرَاضَيَا فَإِنَّ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ تَقَاصَّا .

بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُكَاتَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ بِلْقِيسَ : { إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ؛ } وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ ، وَكَاتَبَ وُلَاتَهُ وَعُمَّالَهُ وَسُعَاتَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَالطَّلَبُ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالشُّهُودِ وَرُبَّمَا كَانُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِهِ فَيَتَعَذَّرُ الْإِثْبَاتُ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ

( وَيُقْبَلُ ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ( فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ وَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ( حَتَّى ) فِي ( مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ كَقَوَدٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَنَسَبٍ وَنِكَاحٍ وَتَوْكِيلٍ وَإِيصَاءٍ فِي غَيْرِ مَالٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ ، وَ ( لَا ) يُقْبَلُ ( فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ زِنًا وَ ) حَدِّ ( شُرْبٍ ) مُسْكِرٍ ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ ، وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا ( وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ) أَيْ كَوْنِهِ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدٍّ لَلَهُ تَعَالَى ( ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي ) إلَى الْقَاضِي ( حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ ) الْقَاضِي ( عَلَى شَهَادَةِ ) مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ .

( وَذَكَرُوا ) أَيْ الْأَصْحَابُ ( فِيمَا إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ( أَنَّهُ أَصْلٌ ) لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ( وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ ) لَهُ ( فَلَا يَسُوغُ نَقْضُ حُكْمٍ مَكْتُوبٍ إلَيْهِ بِإِنْكَارِ ) الْقَاضِي ( الْكَاتِبِ ) كِتَابَهُ ، ( وَلَا يَقْدَحُ ) إنْكَارُهُ ( فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ ) كَإِنْكَارِ شُهُودِ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ ( بَلْ يَمْنَعُ إنْكَارُهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِكِتَابَةٍ ( الْحُكْمَ ) مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ قَبْلَ حُكْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( كَمَا يَمْنَعُهُ ) أَيْ الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ( رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ ) قَبْلَ الْحُكْمِ ، ( فَدَلَّ ) مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ ( فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ) ، وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا ( أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ أَصْلًا لِفَرْعٍ ) آخَرَ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ .

( وَيُقْبَلُ ) كِتَابُ الْقَاضِي ( فِيمَا حَكَمَ بِهِ ) الْكَاتِبُ ( لِيُنْفِذَهُ ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ، ( وَإِنْ كَانَا ) أَيْ الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ( بِبَلَدٍ وَاحِدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ .

وَ ( لَا ) يُقْبَلُ ( فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ) أَيْ الْكَاتِبِ ( لِيَحْكُمَ بِهِ ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ تَقَبُّلُ شَهَادَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ .

( وَلَا ) يُقْبَلُ ( إذَا سَمِعَ ) الْكَاتِبُ ( الْبَيِّنَةَ وَجَعَلَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْآخَرِ ) الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ ) ، فَيَجُوزُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ كَشَهَادَةِ الْفَرْعِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ وَلَوْ كَانَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ لَا يَرَى جَوَازَ الْحُكْمِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِخَبَرٍ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَالَ : وَلِلْحَاكِمِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ الثُّبُوتُ الْحُكْمُ بِهِ إذَا كَانَ يَرَى صِحَّتَهُ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيُتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ ، فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنْفِذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ بَلْ قَالَ ثَبَتَ هَكَذَا فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ ، وَقَالَ : وَلِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَمَعَ قُرْبِهَا الْخِلَافُ .

( وَلَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ( أَنْ يَكْتُبَ إلَى ) قَاضٍ ( مُعَيَّنٍ وَ ) أَنْ يَكْتُبَ ( إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ ) الْكِتَابُ ( مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ ) وَحُكَّامِهِمْ بِلَا تَعْيِينٍ ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ كِتَابُ حَاكِمٍ مِنْ وِلَايَتِهِ وَصَلَ إلَى حَاكِمٍ فَلَزِمَ قَبُولُهُ كَمَا لَوْ كَانَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ

( وَيُشْتَرَطُ لِقَبُولِهِ ) أَيْ كِتَابِ الْقَاضِي وَالْعَمَلِ بِهِ ، ( أَنْ يَقْرَأَ ) الْكِتَابَ ( عَلَى عَدْلَيْنِ وَيَعْتَبِرَ ضَبْطَهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ ) مِنْهُ ( فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ نَصًّا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( ثُمَّ يَقُولَ ) الْقَاضِي لِلْكَاتِبِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا : ( هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ ) أَوْ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ ( وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِمَا ) أَيْ الْعَدْلَيْنِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِمَا ، ( فَإِذَا وَصَلَا ) بِالْكِتَابِ إلَى عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( دَفَعَاهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقَالَا : نَشْهَدُ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْكِتَابَ ( كِتَابُ ) الْقَاضِي ( فُلَانٍ إلَيْكَ كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ ) وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كَتَعْيِينِ شُهُودِ الْأَصْلِ أَيْ : فَيُشْتَرَطُ ( وَالِاحْتِيَاطُ خَتْمُهُ بَعْدَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمَا ) صَوْنًا لِمَا فِيهِ .
( وَلَا يُشْتَرَطُ ) الْخَتْمُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا عَلَى الْخَتْمِ .
وَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا إلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ فَاتَّخَذَ الْخَاتَمَ ، وَاقْتِصَارُهُ أَوَّلًا عَلَى الْكِتَابِ دُونَ الْخَتْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِيَقْرَأَ كِتَابَهُ ، ( وَلَا ) يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ ( قَوْلُهُمَا ) أَيْ الْعَدْلَيْنِ ( وَقُرِئَ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ ) اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ ، ( وَلَا قَوْلُ كَاتِبٍ : اشْهَدَا عَلَيَّ ) بِمَا فِيهِ كَسَائِرِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ الشَّهَادَةَ ، ( وَإِنْ أَشْهَدَهُمَا ) أَيْ : الْعَدْلَيْنِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : الْكِتَابِ ( مَدْرُوجًا مَخْتُومًا لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِالشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَار فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ ؛ وَلِأَنَّ الْخَطَّ يَشْتَبِهُ وَكَذَا الْخَتْمُ فَيُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ

( وَكِتَابُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ ) كِتَابُهُ ( بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ ) بِغَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ

( وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( فِي حَيَوَانٍ بِالصِّفَةِ اكْتِفَاءً بِهَا ) أَيْ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ كَالدَّيْنِ ( كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ ) بِالصِّفَةِ فَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مَجِيءُ إنْسَانٍ بِصِفَتِهِ فَيَقُولُ : أَنَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَ ( لَا ) تَكْفِي الصِّفَةُ فِي الْمَشْهُودِ ( لَهُ ) بِأَنْ يَقُولَا : نَشْهَدُ لِشَخْصٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا لِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ دَعْوَاهُ ، ( فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ ) أَيْ الْعَبْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ ( فِي صِفَتِهِ ) ، بِأَنْ زَالَ اللَّبْسُ لِعَدَمِ مَا يُشَارِكُ فِي صِفَتِهِ ( أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِهِ ( بِكَفِيلٍ مَخْتُومًا عُنُقُهُ ) أَيْ : الْعَبْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ نَحْوَ خَيْطٍ وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ شَمْعٍ ، ( فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ ) لِزَوَالِ الْإِشْكَالِ ( وَيَقْضِي لَهُ بِهِ وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا ) آخَرَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي سَلَّمَهُ لَهُ بِكَفِيلٍ لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ مِنْ الطَّلَبِ بِهِ بَعْدُ ، ( وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ ) بِأَنْ قَالَ الشُّهُودُ : إنَّهُ لَيْسَ الْمَشْهُودَ بِهِ ( فَ ) هُوَ فِي يَدِهِ ( كَمَغْصُوبٍ ) لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
( وَلَا يَحْكُمُ ) الْقَاضِي ( عَلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ ) بِأَنْ قَالَا : نَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْ هَذَا كَذَا ( حَتَّى يُسَمَّى ) وَيُنْسَبَ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ ( أَوْ ) حَتَّى ( تَشْهَدَ ) الْبَيِّنَةُ ( عَلَى عَيْنِهِ ) لِيَزُولَ اللَّبْسُ ، ( وَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ ) إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( وَأَحْضَرَ الْخَصْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ فَقَالَ : مَا أَنَا بِالْمَذْكُورِ ) فِي الْكِتَابِ ( قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ( فَإِنْ نَكِلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( قُضِيَ عَلَيْهِ ) بِنُكُولِهِ

، ( وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ ثَبَتَ ) اسْمُهُ وَنَسَبُهُ ( بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ بِالْبَلَدِ ) شَخْصًا ( آخَرَ كَذَلِكَ ) أَيْ يُسَاوِيه فِي اسْمِهِ وَنَسَبِهِ ، ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ ( مَيِّتًا يَقَعُ بِهِ إشْكَالٌ فَيَتَوَقَّفُ ) الْحُكْمُ ( حَتَّى يُعْلَمَ الْخَصْمُ ) مِنْهُمَا ، فَيُحْضِرُ الْقَاضِي الْمُسَاوِيَ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَيَسْأَلُهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ أَلْزَمَهُ وَتَخَلَّصَ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَّفَ الْحُكْمَ وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ بِمَا حَصَلَ مِنْ اللَّبْسِ حَتَّى يُرْسِلَ الشَّاهِدَيْنِ فَيَشْهَدَا عِنْدَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، فَيَلْزَمُهُ الْحَقُّ وَإِنْ كَانَ الْمَيْتُ لَا يَقَعُ بِهِ الْتِبَاسٌ فَلَا أَثَرَ لَهُ

( وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَضُرَّ ) أَيْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولَ كِتَابِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ ( كَ ) مَوْتِ ( بَيِّنَةِ أَصْلٍ ) فَيَحْكُمُ بِشُهُودِ الْفَرْعِ ، ( وَإِنْ فَسَقَ ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ ( فَ ) فِسْقُهُ ( بِقَدْحٍ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ أَصْلٌ وَبَقَاءُ عَدَالَةِ الْأَصْلِ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ بِشَاهِدَيْ الْفَرْعِ ( خَاصَّةً ) أَيْ : دُونَ مَا حَكَمَ بِهِ الْكَاتِبُ ، وَكَتَبَ بِهِ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ فِيهِ فَلِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُنْقَضُ بِفِسْقِهِ ، ( وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ ) الْكِتَابُ مِنْ الْحُكَّامِ ( الْعَمَلُ بِهِ ) أَيْ الْكِتَابِ ، ( تَغَيَّرَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ) الْكِتَابُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( أَوْ لَا اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ضَاعَ ) الْكِتَابُ ( أَوْ انْمَحَى ) وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِهِمَا ، وَقِيَاسُهُ لَوْ حَمَلَهُ الشَّاهِدَانِ إلَى غَيْرِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَشَهِدَا عِنْدَهُ عَمِلَ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ خَلِيفَةَ الْكَاتِبِ فَمَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ انْعَزَلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ كَوُكَلَائِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ

( وَلَوْ شَهِدَا ) أَيْ حَامِلَا الْكِتَابِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( بِخِلَافِ مَا فِيهِ ) أَيْ الْكِتَابِ ( قُبِلَ ) مَا شَهِدَا بِهِ ( اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ ) بِمَا أَشْهَدَهُمَا بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى نَفْسِهِ ، ( وَمَتَى قَدِمَ الْخَصْمُ الْمُثْبَتُ عَلَيْهِ ) الْحَقُّ عِنْدَ الْكَاتِبِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ( بَلَدَ الْكَاتِبِ فَلَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْخَصْمِ بِالْحَقِّ ( بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ ) عَلَيْهِ ، إذَا سَأَلَهُ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ لِسَبْقِ الشَّهَادَةِ .

فَصْلٌ وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَاتِبِ مِنْ الْحَقِّ ( فَسَأَلَهُ ) أَيْ الْحَاكِمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ ( أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا جَرَى ) عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِهِ عَلَيْهِ ( لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ ) الْقَاضِي ( الْكَاتِبُ ) ثَانِيًا ، أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِضَرُورَةٍ ؛ لِأَنَّهُ رُبَمَا لَقِيَهُ الْخَصْمُ فِي بَلَدِ الْكَاتِبِ فَطَالَبَهُ بِالْحَقِّ مَرَّةً أُخْرَى ، ( أَوْ ) سَأَلَهُ ( مَنْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ ) عِنْدَ الْحَاكِمِ ( كَمَنْ أَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ ) الْحَاكِمُ ( أَوْ ) سَأَلَ ( مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عِنْدَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( أَنْ يَشْهَدَ لَهُ ) عَلَيْهِ ( بِمَا جَرَى مِنْ بَرَاءَةٍ أَوْ ثُبُوتٍ مُجَرَّدٍ أَوْ ) ثُبُوتٍ ( مُتَصَلٍّ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ مُتَّصِلٍ بِحُكْمٍ وَتَنْفِيذٍ ، أَوْ ) سَأَلَ ( الْحُكْمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَجَابَهُ ) سَوَاءٌ ثَبَتَ حَقُّهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ طُولِ الزَّمَنِ عَلَى الْحَقِّ فَإِذَا أَرَادَ رَبُّهُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ حُجَّةٌ ، وَرُبَمَا نَسِيَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ أَوْ يُطَالِبُهُ الْغَرِيمُ فِي صُورَةِ الْبَرَاءَةِ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَهُ إذَا نَسِيَ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ

( وَإِنْ سَأَلَهُ ) أَيْ سَأَلَ الْخَصْمُ الْحَاكِمَ ( مَعَ الْإِشْهَادِ ) بِمَا جَرَى مِمَّا تَقَدَّمَ ( كِتَابَةً ، وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ ) وَلَوْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَرَقٌ مُعَدٌّ لِذَلِكَ ( لَزِمَهُ ) إجَابَتُهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ ( كَ ) كِتَابَةِ ( سَاعٍ بِأَخْذِ زَكَاةٍ ) لِئَلَّا يَطْلُبَهُ بِهَا سَاعٍ آخَرُ ، وَكَذَا مُعَشِّرُ أَمْوَالِ تُجَّارِ حَرْبٍ وَذِمَّةٍ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ دَفْعُ وَثِيقَةٍ بِهِ إذَا اسْتَوْفَاهُ ، بَلْ الْإِشْهَادُ بِاسْتِيفَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَمَا خَرَجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحَقًّا فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ بِحَقِّهِ وَكَذَا بَائِعُ عَقَارٍ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ كِتَابِ ابْتِيَاعِهِ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَهُ عِنْدَ الدَّرَكِ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .
( وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى سِجِلًّا ) وَالسِّجِلُّ لُغَةً : الْكِتَابُ وَالْآنَ الدَّفْتَرُ تَنْزِلُ فِيهِ الْوَقَائِعُ وَالْوَثَائِقُ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى ( مَحْضَرًا ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ ، وَالْمَحْضَرُ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِهِ ، ( وَالْأَوْلَى جَعْلُ السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ نُسْخَةٍ يَدْفَعُهَا ) الْحَاكِمُ ( إلَيْهِ ) أَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ تَكُونُ وَثِيقَةً بِيَدِهِ ، ( وَ ) النُّسْخَةِ ( الْأُخْرَى ) تُجْعَلُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا عِنْدَ ضَيَاعِ مَا بِيَدِ الْخَصْمِ أَوْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ ( وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ الْقَاضِيَ ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ اهْتِمَامًا وَتَعْظِيمًا ( فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ) وَيَذْكُرُ مَا يُمَيِّزُهُ ( قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامُ عَلَى ) مَدِينَةَ .
( كَذَا وَإِنْ كَانَ ) الْقَاضِي ( نَائِبًا كَتَبَ خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلَانِ ) بْنِ فُلَانٍ ( قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامُ ) عَلَى كَذَا ( فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ بِمَوْضِعِ

كَذَا مُدَّعٍ ) هُوَ فَاعِلُ حَضَرَ ، وَ ( ذَكَرَ أَنَّهُ أَتَى فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ أَوْ أَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ) ، وَمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ ، وَذَكَرَ : ( وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْجَدُّ بِلَا حَاجَةٍ ) إلَيْهِ بِأَنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ ، ( وَالْأَوْلَى ذِكْرُ حِلْيَتِهِمَا ) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَإِنْ جَهِلَهُمَا ) دَفْعًا لِلْإِنْكَارِ ، وَمَعَ الْعِلْمِ لَا حَاجَةَ لِلتَّحْلِيَةِ ( فَادَّعَى ) فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ( عَلَيْهِ كَذَا فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ فَأَنْكَرَ فَقَالَ ) الْقَاضِي ( لِلْمُدَّعِي : أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ : نَعَمْ فَأَحْضَرَهَا وَسَأَلَهُ سَمَاعَهَا فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لِلْمُدَّعِي .
( وَسَأَلَ ) مِنْ الْحَاكِمِ ( تَحْلِيفَهُ فَحَلَّفَهُ وَإِنْ نَكِلَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ عَنْ الْجَوَابِ ، ( ذَكَرَهُ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِنُكُولِهِ وَسَأَلَهُ ) أَيْ الْحَاكِمَ خَصْمُهُ ( كِتَابَةَ مَحْضَرٍ ) بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا ( فَأَجَابَهُ ) الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ ، وَجَرَى ذَلِكَ ( فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ مِنْ سَنَةِ كَذَا ، وَيُعْلِمُ ) الْقَاضِي ( فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْإِحْلَافِ ) عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ ( جَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي ) شَهَادَةِ ( الْبَيِّنَةِ شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا ) مِنْ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يُقَالُ عَادَةُ : بَلَدِهِ أَوْلَى لِسُهُولَةِ فَهْمِ مَعْنَاهَا ( ، وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( لَمْ يُحْتَجْ ) أَنْ يُقَالَ ( فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ ) لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِكُلِّ مَوْضِعٍ ، وَإِنْ كَتَبَ وَأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدَانِ كَانَ آكَدَ ( ، وَأَمَّا السِّجِلُّ فَ ) هُوَ ( لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ، وَالْحُكْمِ بِهِ .
وَصِفَتُهُ ) أَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ ) ابْنُ فُلَانٍ ( كَمَا تَقَدَّمَ ) أَوَّلَ

الْمَحْضَرِ ( مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ ، وَيَذْكُرُهُمَا إنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ وَإِلَّا ) يَكُونَا مَعْرُوفَيْنِ قَالَ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ : جَازَ حُضُورُهُمَا وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعْرِفَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِقْرَارَهُ طَوْعًا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَجَوَازًا مَرَّةً بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ ، ( فِي كِتَابٍ نَسَخْتُهُ كَذَا أَوْ يَنْسَخُ الْكِتَابَ الْمُثْبِتَ أَوْ الْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ ، فَإِذَا فَرَغَ ) مِنْ نَسْخِهِ ( قَالَ : وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ ، وَ ) سَأَلَ ( الْإِشْهَادَ بِهِ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي وَيَنْسُبُهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ خَصْمُهُ ) الْحَاضِرُ مَعَهُ ( بِحُجَّةٍ ، وَجَعَلَ ) الْقَاضِي ( كُلَّ ذِي حُجَّةٍ ) فِي ذَلِكَ ( عَلَى حُجَّتِهِ ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَرَّخِ أَعْلَاهُ ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ نُسْخَةٍ تَكُونُ بِدِيوَانِ الْحُكْمِ وَنُسْخَةٍ يَأْخُذُهَا مَنْ كَتَبَهَا لَهُ لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ وَثِيقَةً بِمَا أَنْفَذَهُ ، أَوْ يَكْتُبُ ذَلِكَ ) لِيَعْلَمَ أَنَّهَا نُسْخَةٌ أُخْرَى .
وَهَذَا كُلُّهُ اصْطِلَاحُ نَسْخٍ ( وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ ) فِي السِّجِلِّ ( بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ جَازَ ) ذَلِكَ ( لِجَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ) بِشَرْطِهِ ، وَوَصْفِهِ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ذَكَرَهَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الشَّارِحِ ، ( وَيَضُمُّ ) الْقَاضِي وَالشَّاهِدُ ( مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ مَحْضَرٍ وَسِجِلٍّ وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُجْتَمَعِ ( مَحَاضِرُ كَذَا مِنْ وَقْتِ كَذَا ) لِسُهُولَةِ الْكَشْفِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ .

بَابُ الْقِسْمَةِ بِكَسْرِ الْقَافِ : اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَسَمْتُ الشَّيْءَ جَعَلْتَهُ أَقْسَامًا وَالْقِسْمُ : بِكَسْرِ الْقَافِ النَّصِيبُ الْمَقْسُومُ وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ وَقَاسَمَهُ الْمَالَ وَتَقَاسَمَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ ، وَعُرْفًا ( تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ عَنْ بَعْضٍ وَإِفْرَازُهَا عَنْهَا ) وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } وَقَوْلِهِ : { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وَحَدِيثِ : " { إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ } " وَقَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَذُكِرَتْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يَقَعُ بِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ وَيُقَاسِمُ بِنَصِيبِهِ ، ( وَهِيَ ) أَيْ الْقِسْمَةُ ( نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ تَرَاضٍ ) بِأَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ ( وَتَحْرُمُ ) الْقِسْمَةُ ( فِي مُشْتَرَكٍ لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِضَرَرٍ ) عَلَى الشُّرَكَاءِ أَوْ أَحَدِهِمْ لِحَدِيثِ : " { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } .
" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
قَالَ الثَّوْرِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طُرُقٌ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا ( أَوْ بِرَدِّ عِوَضٍ ) مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَا ( كَحَمَّامٍ وَدُورٍ صِغَارٍ ) بِحَيْثُ يَتَعَطَّلُ الِانْتِفَاعُ بِهَا ، إذَا قُسِّمَتْ أَوْ يَقِلُّ .
( وَ ) كَ ( شَجَرٍ مُفْرَدٍ وَأَرْضٍ بِبَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ وَنَحْوُهُ ) كَمَعْدِنٍ ، ( وَلَا تَتَعَدَّلُ بِأَجْزَاءٍ ) أَيْ بِجَعْلِهَا أَجْزَاءً ( وَلَا بِقِيمَةٍ إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا إمَّا ضَرَرٌ أَوْ رَدُّ عِوَضٍ ، وَكِلَاهُمَا لَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ ، ( وَحُكْمُ هَذِهِ ) الْقِسْمَةِ ( كَبَيْعٍ يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ ) أَيْ الْبَيْعِ خَاصَّةً ( لِمَالِك ) النَّصِيبِ ، إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ( وَوَلِيِّهِ ) ، إنْ كَانَ كَذَلِكَ ( خَاصَّةً ) لِمَا فِيهَا مِنْ الرَّدِّ ، وَبِهِ تَصِيرُ بَيْعًا لِبَذْلِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ

لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ قَالَ الْمَجْدُ : الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي فِيمَا فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ أَنَّهُ بَيْعٌ فِيمَا يُقَابِلُ الرَّدَّ وَإِفْرَازٌ فِي الْبَاقِي ا .
هـ .
فَلَا يَفْعَلَهَا الْوَلِيُّ إلَّا إنْ رَآهَا مَصْلَحَةً وَإِلَّا فَلَا كَبَيْعِ عَقَارِ مُوَلِّيهِ .

( وَلَوْ ) كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِنَاءٌ أَعْلَى وَبِنَاءٌ أَدْنَى فَ ( قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا آخُذُ الْأَدْنَى ) أَيْ الْأَسْفَلَ ( وَيَبْقَى لِي فِي الْأَعْلَى تَتِمَّةُ حِصَّتِي ، فَلَا إجْبَارَ ) لِشَرِيكِهِ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ شَرِيكِهِ مِنْ الْأَدْنَى بِغَيْرِ رِضَاهُ

( وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ إلَى بَيْعٍ فِيهَا ) أَيْ قِسْمَةِ التَّرَاضِي ( أُجْبِرَ ) شَرِيكُهُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ ( فَإِنْ أَبَى ) أَيْ امْتَنَعَ شَرِيكُهُ مِنْ بَيْعٍ مَعَهُ ( بِيعَ ) أَيْ بَاعَهُ حَاكِمٌ ( عَلَيْهِمَا ، وَقُسِمَ الثَّمَنُ ) بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا نَصًّا ، ( وَكَذَا لَوْ طَلَبَ ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( الْإِجَارَةَ ) أَيْ أَنْ يُؤَجِّرَ شَرِيكُهُ مَعَهُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي ، فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ ، ( وَلَوْ ) شَرِيكًا ( فِي وَقْفٍ ) ، فَإِنْ أَبَى أَجَّرَهُ حَاكِمٌ عَلَيْهِمَا ، وَقَسَّمَ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا

( وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِهَا ) أَيْ الْقِسْمَةِ سَوَاءً انْتَفَعُوا بِهِ مَقْسُومًا أَوْ لَا ، إذْ نَقْصُ قِيمَتِهِ ضَرَرٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا ، ( وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( بِالضَّرَرِ كَرَبِّ ثُلُثٍ مَعَ رَبِّ ثُلُثَيْنِ ) وَتَضَرَّرَ بِهَا رَبُّ الثُّلُثِ وَحْدَهُ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ ، ( فَ ) لَا إجْبَارَ ( كَمَا لَوْ تَضَرَّرُوا ) وَلَوْ طَلَبَهَا الْمُتَضَرِّرُ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ؛ وَلِأَنَّ طَلَبَهَا مِنْ الْمُتَضَرِّرِ سَفَهٌ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ

( وَمَا تَلَاصَقَ مِنْ دُورٍ ) مُشْتَرَكَةٍ ( وَ ) مِنْ ( عَضَائِدَ ) جَمْعُ عِضَادَةٍ مَا يُصْنَعُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهِ مِنْ السَّوَّاقِي ذَوَاتِ الْكَتِفَيْنِ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ هِيَ كَالدَّكَاكِينِ اللِّطَافِ الضَّيِّقَةِ ( وَأَفْرِحَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ كَمُتَفَرِّقٍ فَيُعْتَبَرُ الضَّرَرُ ) وَعَدَمُهُ ( فِي كُلِّ عَيْنٍ ) مِنْهُ ( عَلَى انْفِرَادِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا يَخْتَصُّ بِاسْمٍ وَصُورَةٍ ، وَلَوْ بِيعَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِمَالِكِ الْأُخْرَى

( وَمِنْ بَيْنِهِمَا عَبِيدٌ أَوْ بَهَائِمُ أَوْ ثِيَابٌ وَنَحْوِهَا ) كَأَوَانٍ ( مِنْ جِنْسٍ ) أَيْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَأَنْ تَكُونَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ نَوْبَةً أَوْ حَبَشًا وَنَحْوَهُ ، وَالْبَهَائِمُ كُلُّهَا إبِلًا أَوْ بَقَرًا وَنَحْوَهُ ، وَالثِّيَابُ كُلُّهَا مِنْ كَتَّانٍ وَنَحْوِهِ ، وَالْأَوَانِي كُلُّهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ زُجَاجٍ وَنَحْوِهِ ( ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا قَسْمَهَا أَعْيَانَا بِأَنْ يَقُولَ بِالْقِيمَةٍ ، وَيَأْبَى شَرِيكُهُ ( أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ إنْ تَسَاوَتْ الْقِيَمُ ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : " { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً } .
وَهَذِهِ قِسْمَةٌ لَهُمْ ؛ وَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا بِلَا ضَرَرٍ وَلَا رَدِّ عِوَضٍ أَشْبَهَتْ الْأَرْضَ ، ( وَإِلَّا ) تَكُنْ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيَمِ ( فَلَا ) يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ ( كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الثِّيَابِ قُطْنًا وَبَعْضُهَا كَتَّانًا وَنَحْوَهُ .
( وَآجُرٌّ ) مُبْتَدَأٌ وَهُوَ اللَّبِنُ الْمَشْوِيُّ ( وَلَبِنٌ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَشْوِيِّ .
وَالْحَالُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ( مُتَسَاوِي الْقَوَالِبِ ) كِبَرًا وَصِغَرًا ( مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ ) خَبَرٌ لِلتَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ ، ( وَ ) آجُرٌّ وَلَبِنٌ ( مُتَفَاوِتُهَا ) أَيْ الْقَوَالِبِ ( مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ ) بِالْقِيمَةِ

( وَمِنْ بَيْنِهِمَا حَائِطٌ أَوْ ) بَيْنَهُمَا ( عَرْصَةُ حَائِطٍ وَهِيَ الَّتِي ) كَانَ بِهَا حَائِطٌ وَصَارَتْ ، ( لَا بِنَاءَ فِيهَا وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( قِسْمَةً ) أَيْ قَسْمَ الْحَائِطِ أَوْ عَرْصَتِهِ ، ( وَلَوْ ) طَلَبَ الْقَسْمَ ( طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْحَائِطِ قِطْعَةٌ مِنْ أَسْفَلِهَا إلَى أَعْلَاهَا فِي كَمَالِ عَرْضِ الْحَائِطِ ، وَأَبَى شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ لَمْ يُجْبَرْ ، ( أَوْ ) طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ ( الْعَرْصَةِ عَرْضًا وَلَوْ وَسِعَتْ حَائِطَيْنِ ) وَأَبَى شَرِيكُهُ ( لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مَبْنِيًّا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ عَرْضًا فِي كَمَالِ طُولِهِ بِدُونِ نَقْضِهِ لِيَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ .
وَلَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ وَلَا طُولًا فِي تَمَامِ الْعَرْضِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ الْحَائِطِ يُنْتَفَعُ بِهَا عَلَى حِدَتِهَا وَالنَّفْعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ ، فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى تَرْكِ انْتِفَاعِهِ بِمَكَانِ مِنْهُ وَأَخْذِ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَا دَارَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ ، فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِجَمِيعِهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَبْنِيٍّ فَهُوَ يُرَادُ لِذَلِكَ كَالْمَبْنِيِّ ( كَمَنْ بَيْنَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ طَلَبَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( جَعْلَ السُّفْلِ لِوَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ، .
( وَ ) جَعْلَ ( الْعُلُوِّ لِآخَرَ ) وَامْتَنَعَ شَرِيكُهُ فَلَا إجْبَارَ ؛ لِاخْتِلَافِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ فِي الِانْتِفَاعِ وَالِاسْمِ ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِ كَدَارَيْنِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا جَعْلَ كُلِّ دَارٍ لِوَاحِدٍ ، وَأَبَى الْآخَرُ ، وَلِأَنَّهُ طَلَبَ نَقْلَ حَقِّهِ مِنْ عَيْنٍ إلَى أُخْرَى بِغَيْرِ رِضَا شَرِيكِهِ ، ( أَوْ ) طَلَبَ أَحَدُهُمَا ( قَسْمَ سُفْلٍ لَا ) قَسْمَ ( عُلُوٍّ أَوْ عَكْسِهِ ) ، بِأَنْ طَلَبَ قَسْمَ عُلُوٍّ لَا سُفْلٍ ، ( أَوْ ) طَلَبَ قَسْمَ ( كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ ( عَلَى

حِدَةٍ ) وَأَبَى الْآخَرُ فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ ، ( وَإِنْ طَلَبَ ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( قَسْمَهُمَا ) أَيْ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ ( مَعًا ، وَلَا ضَرَرَ ) وَلَا رَدَّ عِوَضٍ ( وَجَبَ ) الْقَسْمُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ .
( وَعُدِّلَ ) الْقَسْمُ فِي ذَلِكَ ( بِالْقِيمَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَ ( لَا ) يُجْعَلُ ( ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْ عُلُوٍّ ) أَوْ عَكْسِهِ ( وَلَا ذِرَاعٌ ) مِنْ سُفْلٍ ( بِذِرَاعٍ ) مِنْ عُلُوٍّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا

( وَلَا إجْبَارَ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ ) بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِمَكَانٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالزَّمَانِ بِأَخْذِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا تَسْوِيَةَ لِتَأَخُّرِ حَقِّ الْآخَرِ

( وَإِنْ اقْتَسَمَاهَا ) أَيْ الْمَنَافِعَ ( بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ صَحَّ ) ذَلِكَ ( جَائِزًا ) غَيْرَ لَازِمٍ ، سَوَاءٌ عَيَّنَا مُدَّةً أَوْ لَا كَالْعَارِيَّةِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ ( فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ ) أَيْ أُجْرَةَ مِثْلِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُدَّةَ انْتِفَاعِهِ .
( وَنَفَقَةُ الْحَيَوَانِ ) إذَا تَهَايَأَهُ الشَّرِيكَانِ ( مُدَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ ) أَيْ فِي زَمَنِ نَوْبَتِهِ فِي الْمُهَايَأَةِ ( عَلَيْهِ ) لِتَرَاضِيهِمَا بِالْمُهَايَأَةِ ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ فِي مُدَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ غَيْرَ النَّارِ فِي وَجْهٍ كَاللُّقَطَةِ وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ .
قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ

( وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا دُونَ زَرْعٍ ) وَأَبَى الْآخَرُ أُجْبِرَ ، وَ ( قُسِمَتْ كَخَالِيَةٍ ) مِنْ الزَّرْعِ إذْ الزَّرْعُ فِيهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا أَوْ قَصْلًا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبِّ

( وَ ) إنْ طَلَبَ قَسْمَ الْأَرْضِ ( مَعَهُ ) أَيْ الزَّرْعِ ( أَوْ ) طَلَبَ قَسْمَ ( الزَّرْعِ دُونَهَا ) أَيْ الْأَرْضِ ( لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ ) أَمَّا فِي الْأُولَى ؛ فَلِأَنَّ الزَّرْعَ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ عَنْهَا فَلَا يُقْسَمُ مَعَهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ تَعْدِيلَ الزَّرْعِ بِالسِّهَامِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ؛ لِأَنَّ مِنْهُ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ ، فَإِذَا أُرِيدَتْ قِسْمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ الْكَثِيرِ مِنْ الرَّدِيءِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلِيلِ مِنْ الْجَيِّدِ .
فَصَاحِبُ الرَّدِيءِ يَنْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ لِوُجُوبِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى حَصَادِهِ

( وَإِنْ تَرَاضَيَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ ( عَلَى أَحَدِهِمَا ) أَيْ قَسْمِ الْأَرْضِ مَعَ الزَّرْعِ أَوْ الزَّرْعِ وَحْدَهُ ( وَالزَّرْعُ قَصِيلٌ ) لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ ، جَازَ ( أَوْ ) الزَّرْعُ ( قُطْنٌ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا ، وَلَا مَحْذُورَ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ إذَنْ .
وَالْمُرَادُ بِالْقُطْنِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَالٍ يَكُونُ فِيهَا مَوْزُونًا ، وَإِلَّا فَكَالْحَبِّ الْمُشْتَدِّ ، ( وَإِنْ كَانَ ) الزَّرْعُ ( بَذْرًا أَوْ سُنْبُلًا مُشْتَدَّ الْحَبِّ فَلَا ) يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ حَبٍّ يَجِبُ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي وَهُوَ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ ، ( وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ نَهْرٌ وَقَنَاةٌ ، أَوْ عَيْنُ مَاءٍ .
( فَالنَّفَقَةُ ) عَلَى ذَلِكَ ( لِحَاجَتِهِمَا ) إلَيْهَا ( بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا ) كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، ( وَالْمَاءُ ) بَيْنَهُمَا ( عَلَى قَدْرِ مَا شَرَطَاهُ عِنْدَ الِاسْتِخْرَاجِ ) لِحَدِيثِ " { الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ } وَلِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ مُبَاحٌ .
فَكَانَ عَلَى مَا شَرَطَا كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي اصْطِيَادٍ أَوْ احْتِشَاشٍ .
وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ وَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُ التَّفَاضُلِ فِي الْمَاءِ ، وَتَقَدَّمَ ( وَلَهُمَا قِسْمَتُهُ ) أَيْ الْمَاءِ ( بِمُهَايَأَةٍ بِزَمَنٍ ) لِلتَّسَاوِي غَالِبًا عَادَةً ، ( أَوْ ) قِسْمَتُهُ ( بِنَصْبِ خَشَبَةٍ أَوْ ) نَصْبِ ( حَجَرٍ مُسْتَوٍ فِي مُصْطَدَمِ الْمَاءِ فِيهِ ) أَيْ الْمَنْصُوبِ ( ثُقْبَانِ بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَقَسْمِ الْأَرْضِ بِالتَّعْدِيلِ ، ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( سَقْيُ أَرْضٍ لَا شِرْبَ ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ ( لَهَا مِنْهُ بِنَصِيبِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27