كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( وَيَرِثَانِهِ ) جَمِيعًا ( إرْثَ أَبٍ ) وَاحِدٍ ( وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبِلَا ) الْوَصِيَّةَ لَهُ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أَبٍ وَاحِدٍ ، وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَيَا لَهُ وَنَحْوَهُ أَوْ زَوَّجَاهُ ( وَإِنْ خَلَّفَ ) مُلْحَقٌ بِاثْنَيْنِ ( أَحَدَهُمَا فَلَهُ ) أَيْ : الْمُخَلَّفُ مِنْهُمَا ( إرْثُ أَبٍ كَامِلٍ وَنَسَبُهُ ) مَعَ ذَلِكَ ( ثَابِتٌ مِنْ الْمَيِّتِ ) لَا يُزِيلُهُ شَيْءٌ ، كَمَا أَنَّ الْجَدَّةَ إذَا انْفَرَدَتْ أَخَذَتْ مَا تَأْخُذُهُ الْجَدَّاتُ .
وَالزَّوْجَةُ وَحْدَهَا تَأْخُذُ مَا تَأْخُذُهُ الزَّوْجَاتُ ( وَلِأُمَّيْ أَبَوَيْهِ ) إذَا مَاتَ وَخَلَفَهُمَا ( مَعَ أُمِّ أُمٍّ ) وَعَاصِبٍ ( نِصْفُ سُدُسٍ ) لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَدَّةٍ لِأَبٍ ( وَلَهَا ) أَيْ : أُمِّ أُمِّهِ ( نِصْفُهُ ) أَيْ : السُّدُسِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعَ أُمِّ أَبٍ وَاحِدٍ ( وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ ) الْقَافَةُ ( بِأَكْثَرَ ) مِنْ اثْنَيْنِ فَيَلْحَقُ بِهِمْ ، وَإِنْ كَثَرُوا ، ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُلْحِقَ بِالِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا جَازَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ أَكْثَرَ ( ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ ) وَقَدْ ادَّعَاهُ الِاثْنَانِ فَأَكْثَرُ ضَاعَ نَسَبُهُ .
فَإِنْ وُجِدَتْ وَلَوْ بَعِيدَةً ذَهَبُوا إلَيْهَا ( أَوْ نَفَتْهُ ) الْقَافَةُ عَمَّنْ ادَّعَيَاهُ أَوْ ادَّعَوْهُ ( أَوْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ ) عَلَى الْقَافَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ ( اخْتَلَفَ ) فِيهِ ( قَائِفَانِ ) فَأَلْحَقَهُ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ ( أَوْ ) اخْتَلَفَ قَائِفَانِ ( اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ ) مِنْ الْقَافَةِ ، بِأَنْ قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ : هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، وَثَلَاثَةٌ : هُوَ ابْنُ عَمْرٍو ( ضَاعَ نَسَبُهُ ) ؛ لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ وَلِأَمْرٍ مُرَجِّحٍ لِبَعْضِ مَنْ يَدَّعِيهِ .
أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُدَّعَ نَسَبُهُ .
وَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمْ بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ .
وَإِنْ ادَّعَى نَسَبَ اللَّقِيطِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أُلْحِقَ بِهِمَا جَمِيعًا لِعَدَمِ التَّنَافِي .
؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا بِنِكَاحٍ بَيْنَهُمَا أَوْ وَطْءِ

شُبْهَةٍ ( وَيُؤْخَذُ بِ ) قَوْلِ قَائِفَيْنِ ( اثْنَيْنِ خَالَفَهُمَا ) قَائِفٌ ( ثَالِثٌ ) نَصًّا ( كَبَيْطَارَيْنِ ) خَالَفَهُمَا بَيْطَارٌ فِي عَيْبٍ ، ( وَ ) كَ ( طَبِيبَيْنِ ) خَالَفَهُمَا طَبِيبٌ ( فِي عَيْبٍ ) قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ : وَيَثْبُتُ النَّسَبُ ( وَلَوْ رَجَعَ عَنْ دَعْوَاهُ ) النَّسَبَ ( مَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ الْقَافَةُ لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ ( وَمَعَ عَدَمِ إلْحَاقِهَا ) أَيْ : الْقَافَةِ ( بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ ) مُدَّعِيَيْنِ لِنَسَبِهِ ( فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا ) عَنْ دَعْوَاهُ ( يُلْحَقُ بِالْآخَرِ ) لِزَوَالِ الْمُعَارَضَةِ وَلَا يَضِيعُ نَسَبُهُ ( وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ ( وَهُوَ كَحَاكِمٍ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَقُولُ ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ .
فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ أَلْحَقَهُ بِآخَرَ كَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَهُ جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَنْقَضِي بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ عَادَ فَأَلْحَقَهُ بِآخَرَ .
وَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ حُكِمَ لَهُ بِهِ وَسَقَطَ قَوْلُ الْقَائِفِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ فَيَسْقُطُ بِوُجُودِ الْأَصْلِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ ( وَشَرْطُ كَوْنِهِ ) أَيْ : الْقَائِفِ ( ذَكَرًا ) ؛ لِأَنَّ الْقَافَةَ حُكْمٌ مُسْتَنِدُهَا النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ .
فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الذُّكُورَةُ كَالْقَضَاءِ ( عَدْلًا ) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَعُلِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ إسْلَامِهِ بِالْأَوْلَى ( حُرًّا ) ؛ لِأَنَّهُ كَحَاكِمٍ ( مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ وَطَرِيقَةِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ .
وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ

( وَكَذَا ) أَيْ : كَاللَّقِيطِ ( إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً ) بِلَا زَوْجٍ ( بِشُبْهَةٍ ) فِي طُهْرٍ ( أَوْ ) وَطِئَا ( أَمَتَهُمَا ) الْمُشْتَرَكَةَ ( فِي طُهْرٍ أَوْ ) وَطِئَ ( أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ زَوْجَةً ) لِآخَرَ ( أَوْ سُرِّيَّةً لِآخَرَ ) هِيَ فِرَاشٌ لَهُ ( وَ ) قَدْ ( أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا ) أَيْ : الْوَاطِئَيْنِ فَيَرَى الْقَافَةُ .
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : سَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ أَوْ جَحَدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا .
وَقَدْ ثَبَتَ الِافْتِرَاشُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَشَرَطَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ ، فَعَلَى قَوْلِهِ إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ اخْتَصَّ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ .
وَبِقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ جَزَمَ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُقْنِعِ .
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي شَرْحِهِ ( وَلَيْسَ لِزَوْجٍ ) وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَ ( أُلْحِقَ بِهِ ) الْوَلَدُ بِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ لَهُ وَجَحْدِهِ ( اللِّعَانَ لِنَفْيِهِ ) لِعَدَمِ شَرْطِهِ .
وَهُوَ سَبْقُ الْقَذْفِ .

كِتَابُ الْوَقْفِ مَصْدَرُ وَقَفَ الشَّيْءَ إذَا حَبَسَهُ وَأَحْبَسَهُ ، وَأَوْقَفَهُ لُغَةٌ شَاذَّةٌ كَأَحْبَسَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَمْ يُحَبِّسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا حَبَّسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ .
وَهُوَ مِنْ الْقُرَبِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أَصَبْتُ مَالًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهِ ؟ قَالَ : إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ .
قَالَ : فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ } وَفِي لَفْظٍ " غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ جَابِرٌ " لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو مَقْدِرَةٍ إلَّا وَقَفَ " وَهُوَ شَرْعًا ( تَحْبِيسُ مَالِكٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِتَحْبِيسٍ عَلَى أَنَّهُ مُبَيِّنٌ لَهُ ، أَيْ : إمْسَاكِ الْمَالِ عَنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ مَالِكِهِ ( وَغَيْرُهُ فِي رَقَبَتِهِ ) بِشَيْءٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ( يَصْرِفُ رِيعَهُ ) أَيْ : غَلَّةَ الْمَالِ وَثَمَرَتَهُ وَنَحْوهَا بِسَبَبِ تَحْبِيسِهِ ( إلَى جِهَةِ بِرٍّ ) يُعَيِّنُهَا وَاقِفُهُ ( تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ) بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْقُرْبَةَ .
وَهَذَا الْحَدُّ لِصَاحِبِ الْمُطْلِعِ ، وَتَبِعَهُ الْمُنَقِّحُ عَلَيْهِ وَتَابَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ .
وَاسْتَظْهَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ قَوْلَهُ

" تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى " إنَّمَا هُوَ فِي وَقْفٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ عَلَى غَيْرِهِ تَوَدُّدًا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ خَشْيَةَ بَيْعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِتْلَافِ ثَمَنِهِ ، أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِ ، أَوْ رِيَاءٍ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ وَقْفٌ لَازِمٌ لَا ثَوَابَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَغِ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ مُكَاتَبٍ وَسَفِيهٍ ، وَلَا وَقْفُ نَحْوِ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ ، وَلَا نَحْوِ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ إلَّا الْمَاءُ وَيَأْتِي

وَأَرْكَانُهُ : وَاقِفٌ ، وَمَوْقُوفٌ ، وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ ، وَالصِّيغَةُ .
وَهِيَ فِعْلِيَّةٌ وَقَوْلِيَّةٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ : ( وَيَحْصُلُ ) الْوَقْفُ حُكْمًا ( بِفِعْلٍ مَعَ ) شَيْءٍ ( دَالٍّ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْوَقْفِ ( عُرْفًا ) لِمُشَارَكَتِهِ الْقَوْلَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ( كَأَنْ يَبْنِي بُنْيَانًا عَلَى هَيْئَةِ مَسْجِدٍ وَيَأْذَنَ إذْنًا عَامًّا فِي الصَّلَاةِ فِيهِ ) وَلَوْ بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ أَوْ التَّأْذِينِ أَوْ كِتَابَةِ لَوْحٍ بِالْإِذْنِ أَوْ الْوَقْفِ .
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ .
وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ بَيْتَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَذَّنَ فِيهِ وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ .
نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ .
أَيْ : لَا أَثَرَ لِنِيَّةٍ خِلَافَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ ( حَتَّى لَوْ كَانَ ) مَا بَنَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ ( سُفْلَ بَيْتِهِ أَوْ عُلْوَهُ أَوْ وَسَطَهُ ) فَيَصِحُّ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِطْرَاقًا كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ( وَيَسْتَطْرِقُ ) إلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ وَأَطْلَقَ ( أَوْ ) يَبْنِي ( بَيْتًا ) يَصْلُحُ ( لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ تَطَهُّرٍ وَيَشْرَعُهُ ) أَيْ : يَفْتَحُ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ ( أَوْ يَجْعَلُ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأْذَنُ ) لِلنَّاسِ ( إذْنًا عَامًّا بِالدَّفْنِ فِيهَا ) بِخِلَافِ الْإِذْنِ الْخَاصِّ .
فَقَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يُفِيدُ دَلَالَةَ الْوَقْفِ .
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ .
وَأَشَارَ إلَى الصِّيغَةِ الْقَوْلِيَّةِ بِقَوْلِهِ : ( وَ ) يَحْصُلُ بِ ( قَوْلٍ ) وَكَذَا إشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ أَخْرَسَ ، ( وَصَرِيحُهُ : وَقَفْتُ وَحَبَسْتُ وَسَبَّلْتُ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّرْعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَسَبَّلْتَ ثَمَرَهَا } فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَقْفِ كَلَفْظِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ ، وَإِضَافَةُ التَّحْبِيسِ إلَى الْأَصْلِ وَالتَّسْبِيلِ إلَى الثَّمَرَةِ لَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فِي الْمَعْنَى ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مُحَبَّسَةٌ أَيْضًا

عَلَى مَا شُرِطَ صَرْفُهَا إلَيْهِ .
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَقَدْ سَبَقَ لَهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَقْفِ ، فَلَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِهَا إلَّا بِقَيْدٍ يُخْرِجُهَا عَنْ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ .
وَلِهَذَا كَانَتْ كِنَايَةً فِيهِ .
وَفِي جَمْعِ الشَّارِعِ بَيْنَ لَفْظَتَيْ التَّحْبِيسِ وَالتَّسْبِيلِ تَبْيِينٌ لَحَالَتَيْ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ ، فَإِنْ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ ابْتِدَاءُ تَحْبِيسِهِ ، وَدَوَامًا تَسْبِيلُ مَنْفَعَتِهِ .
وَلِهَذَا حَدَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْوَقْفَ بِأَنَّهُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ ، ( وَكِنَايَتُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( تَصَدَّقْتُ وَحَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ ) لِعَدَمِ خُلُوصِ كُلٍّ مِنْهَا عَنْ الِاشْتِرَاكِ .
فَالصَّدَقَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، وَالتَّحْرِيمُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ ، وَالتَّأْبِيدُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُرَادُ تَأْبِيدُهُ مِنْ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ ( وَلَا يَصِحُّ ) الْوَقْفُ ( بِهَا ) مُجَرَّدَةً عَمَّا يَصْرِفُهَا إلَيْهِ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فِيهِ ، لِأَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ ( إلَّا بِنِيَّةِ ) الْوَقْفِ فَمَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ نَوَى بِهَا الْوَقْفَ لَزِمَهُ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهَا بِالنِّيَّةِ صَارَتْ ظَاهِرَةً فِيهِ وَإِنْ قَالَ : مَا أَرَدْتُ بِهَا الْوَقْفَ قُبِلَ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ ، ( أَوْ قَرَنَهَا ) أَيْ : الْكِنَايَةَ فِي اللَّفْظِ ( بِأَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ ) وَهِيَ : الصَّرَائِحُ الثَّلَاثُ وَالْكِنَايَتَانِ ( كَ ) قَوْلِهِ ( تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَوْ ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً ( مُحَبَّسَةً أَوْ ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً ( مُسَبَّلَةً أَوْ ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً ( مُحَرَّمَةً أَوْ ) تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً ( مُؤَبَّدَةً أَوْ ) قَرَنَ الْكِنَايَةَ ( بِحُكْمِ الْوَقْفِ كَ ) قَوْلِهِ : تَصَدَّقْتُ بِهِ صَدَقَةً ( لَا تُبَاعُ أَوْ ) صَدَقَةً ( لَا تُوهَبُ أَوْ ) صَدَقَةً ( لَا تُورَثُ أَوْ ) تَصَدَّقْتُ بِدَارِي ( عَلَى قَبِيلَةِ ) كَذَا ( أَوْ ) عَلَى (

طَائِفَةِ كَذَا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ فَانْتَفَتْ الشَّرِكَةُ .
وَكَذَا تَصَدَّقْتُ بِأَرْضِي أَوْ دَارِي عَلَى زَيْدٍ وَالنَّظَرُ لِي أَيَّامَ حَيَاتِي ، أَوْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو ، أَوْ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَنَحْوِهِ ( فَلَوْ قَالَ : تَصَدَّقْتُ بِدَارِي عَلَى زَيْدٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَرَدْتُ الْوَقْفَ وَأَنْكَرَ زَيْدٌ ) إرَادَةَ الْوَقْفِ وَأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا بِمَا أَرَادَ قُبِلَ قَوْلُ زَيْدٍ ، وَ ( لَمْ تَكُنْ وَقْفًا ) لِمُخَالَفَةِ قَوْلِ الْمُتَصَدِّقِ لِلظَّاهِرِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : فَيُعَايَا بِهَا .

( فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ ) أَيْ : الْوَقْفِ ( أَرْبَعَةٌ ) أَحَدُهَا ( مُصَادَفَتُهُ عَيْنًا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا ) انْتِفَاعًا ( عُرْفًا كَإِجَارَةٍ ) بِأَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ ، مَقْصُودًا مُتَقَوِّمًا يُسْتَوْفَى ( مَعَ بَقَائِهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ لِيَكُونَ صَدَقَةً جَارِيَةً .
وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيمَا لَا تَبْقَى عَيْنُهُ ( أَوْ ) مُصَادَفَةُ الْوَقْفِ ( جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ الْمُتَّصِفَةِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ عُمَرَ قَالَ : الْمِائَةُ سَهْمِ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ مُفْرَدًا ، فَجَازَ عَلَيْهِ مُشَاعًا كَالْبَيْعِ .
وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا .
قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : ثُمَّ يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ .
ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيَّنَةٌ هُنَا لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ .
وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ( مَنْقُولَةً ) كَانَتْ ( كَحَيَوَانٍ ) كَوَقْفِ فَرَسٍ عَلَى الْغُزَاةِ أَوْ عَبْدٍ لِخِدْمَةِ الْمَرْضَى .
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : لَوْ وَقَفَ نِصْفَ عَبْدِهِ صَحَّ وَلَمْ يَسْرِ إلَى بَقِيَّتِهِ ( وَأَثَاثٍ ) كَبِسَاطٍ يَقِفُهُ لِيَفْرِشَهُ بِمَسْجِدٍ ( وَسِلَاحٍ ) كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ قَوْسٍ يَقِفُهُ عَلَى الْغُزَاةِ ( وَحُلِيٍّ ) يَقِفُهُ ( عَلَى لُبْسٍ وَعَارِيَّةٍ ) لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ .
فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ قَطَعَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَالْإِقْنَاعِ ( أَوْ لَا ) أَيْ : أَوْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَنْقُولَةً ( كَعَقَارٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ حَسَنَاتٌ }

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ الْخَطَّابِيِّ : الْأَعْتَادُ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكُوبِ وَسِلَاحٍ وَآلَةِ الْجِهَادِ ، وَلِحَدِيثِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ نَافِعٍ " { أَنَّ حَفْصَةَ ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ } وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا وَقَفَ عَقَارًا مَشْهُورًا لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ حُدُودِهِ نَصًّا وَ ( لَا ) يَصِحُّ الْوَقْفُ إنْ صَادَفَ ( ذِمَّةً كَدَارٍ وَعَبْدٍ ) وَلَوْ مَوْصُوفًا ( وَ ) صَادَفَ ( مُبْهَمًا كَأَحَدِ هَذَيْنِ ) الْعَبْدَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا ، لِأَنَّهُ نَقْلُ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ ، فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ .
وَكَذَا لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْفَعَةٍ .
وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مُصَادَفَتُهُ عَيْنًا "

( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ ( مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَأُمِّ وَلَدٍ وَكَلْبٍ ) وَلَوْ لِنَحْوِ صَيْدٍ ( وَمَرْهُونٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَالْوَقْفُ تَصَرُّفٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ( أَوْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَمَطْعُومٍ ) وَمَشْرُوبِ غَيْرِ مَاءٍ ( وَمَشْمُومٍ ) لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ، بِخِلَافِ نَدٍّ وَصَنْدَلٍ وَقِطَعِ كَافُورٍ .
فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لِشَمِّ مَرِيضٍ وَغَيْرِهِ .
( وَ ) كَ ( أَثْمَانٍ ) وَلَوْ لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ ( كَقِنْدِيلٍ مِنْ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ ) كَحَلَقَةِ فِضَّةٍ تُجْعَلُ فِي بَابِهِ وَوَقْفُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِيُنْتَفَعَ بِاقْتِرَاضِهَا ، لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ .
لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ ، فَيُزَكِّي النَّقْدَ رَبُّهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ( إلَّا تَبَعًا كَفَرَسٍ ) وُقِفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( بِلِجَامٍ وَسَرْجٍ مُفَضَّضَيْنِ ) فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ .
فَإِنْ بِيعَتْ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ فَحَسَنٌ .
لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا .
أَشْبَهَ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ إذَا عَطِبَ .
وَلَا تُصْرَفُ فِي نَفَقَةِ الْفَرَسِ نَصًّا ، لِأَنَّهُ صَرْفٌ لَهَا إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا .
وَفِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلِاخْتِيَارَاتِ : تُصْرَفُ فِي نَفَقَتِهِ .
وَكَذَا لَوْ وَقَفَ حُلِيًّا وَأَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ .

الشَّرْطُ ( الثَّانِي : كَوْنُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( عَلَى بِرٍّ ) مُسْلِمًا كَانَ الْوَاقِفُ أَوْ ذِمِّيًّا نَصًّا ( كَ ) الْوَقْفِ عَلَى ( الْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ ) لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ .
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بِرٍّ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي شُرِعَ لِأَجْلِهِ .
فَلَا يَصِحُّ عَلَى طَائِفَةِ الْأَغْنِيَاءِ .
وَلَا عَلَى طَائِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَلَا عَلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ ( وَيَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ ) أَوْ طَائِفَةٍ .
كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ( وَعَكْسِهِ ) أَيْ وَيَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ " وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) كَانَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ( أَجْنَبِيًّا ) مِنْ الْوَاقِفِ ( وَيَسْتَمِرُّ ) الْوَقْفُ ( لَهُ ) أَيْ الذِّمِّيِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( إذَا أَسْلَمَ وَيَلْغُو شَرْطُهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( مَا دَامَ كَذَلِكَ ) أَيْ ذِمِّيًّا لِئَلَّا يَخْرُجَ الْوَقْفُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ الْوَقْفُ ( عَلَى كَنَائِسَ ) جَمْعُ كَنِيسَةٍ مُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ أَوْ النَّصَارَى أَوْ الْكُفَّارِ .
قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ( أَوْ ) عَلَى ( بُيُوتِ نَارٍ ) تَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ ( أَوْ ) عَلَى ( بِيَعٍ ) جَمْعُ بِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُتَعَبَّدِ النَّصَارَى ( وَنَحْوِهَا ) كَصَوَامِعِ الرُّهْبَانِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا ( مِنْ ذِمِّيٍّ ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَإِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى إظْهَارِ الْكُفْرِ ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ دِينِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِفَقْرِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ وَنَحْوِهِمَا .
وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصَارَى وَقَفُوا عَلَى الْبِيعَةِ ضِيَاعًا كَثِيرَةً وَمَاتُوا وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى : فَلَهُمْ أَخْذُهَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهمْ .
وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا عَلَى مَنْ يَعْمُرُهَا لِأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْظِيمِهَا ( بَلْ ) يَصِحُّ الْوَقْفُ ( عَلَى الْمَارِّ بِهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ) لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُجْتَازِينَ وَصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْقُرْبَةِ ، فَإِنْ خُصَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِوَقْفٍ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ .
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِهِ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ

( وَلَا ) يَصِحُّ الْوَقْفُ ( عَلَى كُتُبِ ) أَيْ كِتَابَةِ ( التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) أَوْ كِتَابَةِ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ، لِكَوْنِهَا مَنْسُوخَةً مُبَدَّلَةً .
وَلِذَلِكَ { غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَقَالَ : أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً ؟ لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي } قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَيَلْحَقُ فِي ذَلِكَ كُتُبُ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا ( أَوْ ) عَلَى ( حَرْبِيٍّ أَوْ ) عَلَى ( مُرْتَدٍّ ) فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إتْلَافُهُمَا .
وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهِمَا .
وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا .

وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَهُمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ جِهَةُ بِرٍّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَمَّاعًا لِلْمَالِ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبًا أَوْ فَاسِقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ لِأَنَّهَا آدَابٌ وَضْعِيَّةٌ ، يَعْنِي قَدْ اُصْطُلِحَ عَلَى وَضْعِهَا .
وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْحَارِثِيُّ الْفَقْرَ .

وَيَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ عَلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا .
وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا وَإِصْلَاحِهَا لَا لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ وَالتَّعْلِيقُ وَكَنْسُ الْحَائِطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَأَبْطَلَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقْفَ سُتُورٍ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ .
لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ .
ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ .
وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يَسْتُرُ .
لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ كَالطَّوَافِ .

وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى قُطَّاعِ طَرِيقٍ وَلَا الْمَغَانِي وَلَا الْمُتَمَسْخِرِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ حَيْثُ الْجِهَةُ .
وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنٍ مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّهُ لَوْ زَالَ ذَلِكَ الْوَصْفُ ، وَيَلْغُو شَرْطُهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ

( وَلَا ) يَصِحُّ الْوَقْفُ ( عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَلَى نَفْسِهِ ) نَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو طَالِبٍ : مَا سَمِعْتُ بِهَذَا .
وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ لِلَّهِ .
وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ .
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ ( وَيَنْصَرِفُ ) الْوَقْفُ ( إلَى مَنْ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ ) فَمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ صُرِفَ فِي الْحَالِ إلَى أَوْلَادِهِ أَوْ الْفُقَرَاءِ ، لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ .
فَكَأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً .
فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ نَفْسِهِ فَمِلْكُهُ بِحَالٍ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ ( وَعَنْهُ يَصِحُّ ) الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ ) فِي التَّنْقِيحِ ( اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ) مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَارِثِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ .
وَمَالَ إلَيْهِ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ .
وَقَدَّمَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْفَائِقِ وَالْمَجْدِ فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ ( وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ) فِي زَمَنِنَا وَقَبْلَهُ عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ ( وَهُوَ أَظْهَرُ ) .
وَفِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ .
وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ .
وَفِي الْفُرُوعِ : وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا .
وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِي الْبَاطِنِ الْخِلَافُ

( وَإِنْ وَقَفَ ) شَيْئًا ( عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهُ ) كُلَّهَا ( أَوْ ) اسْتَثْنَى ( بَعْضَهَا لَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ ( أَوْ ) اسْتَثْنَى غَلَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا ( لِوَلَدِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ صَحَّ ( أَوْ ) اسْتَثْنَى ( الْأَكْلَ ) مِنْهُ ( أَوْ ) اسْتَثْنَى ( الِانْتِفَاعَ ) لِنَفْسِهِ ( أَوْ لِأَهْلِهِ أَوْ ) اشْتَرَطَ أَنَّهُ ( يُطْعِمُ صَدِيقَهُ ) مِنْهُ ( مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ ) الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ .
احْتَجَّ أَحْمَدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ { إنَّ فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ } وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ لَمَّا وَقَفَ " لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ " وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ ، ثُمَّ بِنْتِهِ حَفْصَةَ ثُمَّ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ .
فَكَذَا هُنَا ( فَلَوْ مَاتَ ) مَنْ اسْتَثْنَى نَفْعَ مَا وَقَفَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ( فِي أَثْنَائِهَا فَ ) الْبَاقِي مِنْهَا ( لِوَرَثَتِهِ ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فِيهَا ( وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا ) أَيْ الْمُدَّةِ الْمُسْتَثْنَى النَّفْعُ فِيهَا مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ .
وَغَيْرِهِ كَالْمُسْتَثْنَى فِي الْبَيْعِ قُلْتُ : وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إجَارَةِ مَا شَرَطَ سُكْنَاهَا لِنَحْوِ بَيْتِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ خَطِيبٍ أَوْ إمَامٍ

( وَمَنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ تَنَاوَلَ ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ ( مِنْهُ ) لِوُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ فِيهِ

( وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ بِئْرًا أَوْ مَدْرَسَةً لِلْفُقَهَاءِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ ) أَيْ نَوْعٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالْحَنَابِلَةِ أَوْ الشَّافِعِيَّةِ ( أَوْ ) وَقَفَ ( رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ ) وَنَحْوَهُ ( مِمَّا يَعُمُّ فَهُوَ ) أَيْ الْوَاقِفُ ( كَغَيْرِهِ ) فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عُثْمَانَ سَبَّلَ بِئْرَ رُومَةَ وَكَانَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ " وَالصُّوفِيُّ الْمُتَبَتِّلُ لِلْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ .
وَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَمُلَازَمَةُ غَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ قَوْلًا وَفِعْلًا .
وَأَنْ يَكُونَ قَانِعًا بِالْكِفَايَةِ مِنْ الرِّزْقِ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ ، لَا لُبْسُ خِرْقَةٍ أَوْ لُزُومُ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي اللِّبْسَةِ وَنَحْوِهَا .
ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ

الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ : كَوْنُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( عَلَى مُعَيَّنٍ ) مِنْ جِهَةٍ أَوْ شَخْصٍ ( يَمْلِكُ ) مِلْكًا ( ثَابِتًا ) كَزَيْدٍ أَوْ مَسْجِدِ كَذَا .
لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ .
فَلَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ .
وَلِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي الدَّوَامَ وَمَنْ مِلْكُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ تَجُوزُ إزَالَتُهُ ( فَلَا يَصِحُّ ) الْوَقْفُ ( عَلَى مَجْهُولٍ ، كَرَجُلٍ ) لِصِدْقِهِ بِكُلِّ رَجُلٍ ( وَ ) كَ ( مَسْجِدٍ ) فَلَا يَصِحُّ ، لِصِدْقِهِ بِكُلِّ مَسْجِدٍ ( أَوْ ) عَلَى ( مُبْهَمٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ ) الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لِتَرَدُّدِهِ .
كَبِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ

( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ ( لَا يَمْلِكُ كَقِنٍّ ) وَمُدَبَّرٍ ( وَأُمِّ وَلَدٍ وَمَلَكٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ ( وَبَهِيمَةٍ ) لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ .
فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ .
وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ عُيِّنَ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ

( وَ ) لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ .
لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ إذْنٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ .
وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ ( كَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي أَوْ ) عَلَى مَنْ سَيُولَدُ ( لِفُلَانٍ ) فَلَا يَصِحُّ أَصَالَةً ( بَلْ ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ ( تَبَعًا ، كَ ) قَوْلِ وَاقِفٍ : وَقَفْتُ كَذَا ( عَلَى أَوْلَادِي ) ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا ( وَفِيهِمْ ) أَيْ أَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ ( حَمْلٌ ) فَيَشْمَلُهُ ، كَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ تَبَعًا ( فَيَسْتَحِقُّ ) الْحَمْلُ ( بِوَضْعٍ .
وَكُلُّ حَمْلٍ مِنْ أَهْلِ وَقْفٍ : مِنْ ثَمَرِ وَزَرْعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ ) لِشَجَرٍ وَأَرْضٍ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ نَصًّا ، قِيَاسًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْعَقْدِ ( وَكَذَا مَنْ قَدِمَ إلَى ) مَكَان ( مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ( أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى مِثْلِهِ ) فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرِ وَزَرْعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُشْتَرٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لِكُلِّ زَمَنٍ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فَيَكُونُ لَهُ بِقِسْطِهِ ) وَقِيَاسُهُ عَلَى مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ كَالْجُعْلِ عَلَى اشْتِغَالِ مَنْ هُوَ فِي الْمَدْرَسَةِ عَامًا .
فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ السَّنَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا فَيَأْخُذَ جَمِيعَ الْوَقْفِ وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِي السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ .
فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا .
وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ وَمَقَاصِدِهَا انْتَهَى .
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يَسْتَحِقُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ مَغَلِّهِ .
وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ ( أَوْ يَمْلِكُ لَا ثَابِتًا كَمُكَاتَبٍ ) فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ .
وَيَصِحُّ وَقْفُهُ .
فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا فِي

الْإِقْنَاعِ .

الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ : أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا ) أَيْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَلَا مُوَقَّتٍ وَلَا مَشْرُوطٍ فِيهِ خِيَارٌ ، أَوْ نَحْوِهِ ( فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ لِابْتِدَائِهِ كَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ فَهَذَا وَقْفٌ عَلَيْهِ ، أَوْ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَهَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَنَحْوِهِ ، أَوْ لِانْتِهَائِهِ كَدَارِي وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ إلَى أَنْ يَحْضُرَ عَمْرٌو أَوْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يَبِنْ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ .
فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ كَالْهِبَةِ

( إلَّا ) إنْ عَلَّقَ وَاقِفُ الْوَقْفِ ( بِمَوْتِهِ ) كَقَوْلِهِ : هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي .
فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : قِفُوا دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَّى ، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ " هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ .
أَنَّ ثَمَغًا صَدَقَةٌ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا .
وَوَقْفُهُ هَذَا كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتُهِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ .
فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ .
لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْحَيَاةِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ وَ " ثَمَغٌ " بِالْفَتْحِ : مَالٌ بِالْمَدِينَةِ لِعُمَرَ وَقَفَهُ .
قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ، أَيْ فَتْحِ الْمِيمِ ( وَيَلْزَمُ ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ ( مِنْ حِينِهِ ) أَيْ حِينِ صُدُورِهِ مِنْهُ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ : إنَّ الْمُدَبَّرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ .
وَهَذَا شَيْءٌ وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ مَسَاكِينَ فَكَيْفَ يُحْدِثُ بِهِ شَيْئًا ؟ قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَالْفَرْقُ عُسْرٌ جِدًّا ( وَيَكُونُ ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) أَيْ مَال الْوَاقِفِ .
لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لَزِمَ .
وَإِنْ زَادَ لَزِمَ فِي الثُّلُثِ وَوَقَفَ الْبَاقِي عَلَى الْإِجَازَةِ

( وَشَرْطُ بَيْعِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ مَتَى شَاءَ الْوَاقِفُ ( أَوْ ) شَرْطُ ( هِبَتِهِ مَتَى شَاءَ أَوْ ) شَرْطُ ( خِيَارٍ فِيهِ أَوْ ) شَرْطُ ( تَوْفِيَتِهِ ) كَقَوْلِهِ : هُوَ وَقْفٌ يَوْمًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهُ ( أَوْ ) شَرْطُ ( تَحْوِيلِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ، كَ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى جِهَةِ كَذَا عَلَى أَنْ أُحَوِّلَهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ بِأَنْ أَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شِئْتُ ( مُبْطِلٌ ) لِلْوَقْفِ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلُزُومِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( إخْرَاجُهُ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ ( عَنْ يَدِهِ ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ عُمَرَ .
فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ وَقْفَهُ كَانَ بِيَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ .
فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ كَالْعِتْقِ ، وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ .
وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ .
فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ .
فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ يَدِهِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى .
قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالْآبَارُ وَنَحْوُهَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ إلَى الْمُعَيَّنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، إذَا قِيلَ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِ ، وَإِلَّا فَإِلَى النَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ

( وَلَا ) يُشْتَرَطُ ( فِيمَا ) وُقِفَ ( عَلَى ) شَخْصٍ ( مُعَيَّنٍ قَبُولُهُ ) لِلْوَقْفِ .
لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ .
أَشْبَهَ الْعِتْقَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَبَيْنَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ : أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُعَيَّنِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ .
فَالْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِهِمْ إلَّا أَنَّهُ مُرَتَّبٌ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ قَبُولٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ وَالْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ قَبُولٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى

( وَلَا يَبْطُلُ ) وَقْفٌ عَلَى مُعَيَّنٍ ( بِرَدِّهِ ) لِلْوَقْفِ ، فَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ وَعَدَمُهُمَا سَوَاءٌ

( وَيَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ ) مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ لَهُ ، لِأَنَّ تَعْيِينَهُ لَهَا صَرْفٌ لَهَا عَمَّا سِوَاهَا ( فَلَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ ) وَلَا الْغُسْلُ وَنَحْوُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ .
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ اتِّبَاعُ تَعْيِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي الْفَرَسِ الْحَبِيسِ : لَا يُعِيرُهُ وَلَا يُؤَجِّرُهُ إلَّا لِنَفْعِ الْفَرَسِ .
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْكَبَهُ فِي حَاجَتِهِ إلَّا لِتَأْدِيبِهِ وَجَمَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَرِفْعَةً لَهُمْ .
أَوْ غَيْظِهِ لِلْعَدُوِّ .
وَيَجُوزُ رُكُوبُهُ لِعَلَفِهِ وَسَقْيِهِ .
وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا بُسُطِهِ لِمُنْتَظِرِ جِنَازَةٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَ ) وَقْفُ ( مُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ ) فَقَطْ كَوَقْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ ( يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ ) فَيُصْرَفُ لِوَالِدِهِ فِي الْحَالِ ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ ( وَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ ) كَوَقْفِهِ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَبْدِهِ ثُمَّ الْمَسَاكِينِ يُصْرَفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ( إلَى مَنْ بَعْدَهُ ) فِي الْمِثَالِ بَعْدَ زَيْدٍ لِلْمَسَاكِينِ ، لِأَنَّا لَمَّا صَحَّحْنَا الْوَقْفَ مَعَ ذِكْرِ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَقَدْ أَلْغَيْنَاهُ لِتَعَذُّرِ التَّصْحِيحِ مَعَ اعْتِبَارِهِ ( وَ ) يَنْصَرِفُ مُنْقَطِعٌ ( لِآخَرَ ) كَعَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو ، ثُمَّ عُبَيْدٍ ، أَوْ الْكَنِيسَةِ ( بَعْدَ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ) إلَى وَرَثَتِهِ حِينَ الِانْقِطَاعِ نَسَبًا عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ وَقْفًا وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ .
( وَ ) يَصْرِفُ ( مَا وَقَفَهُ وَسَكَتَ ) بِأَنْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَلَمْ يُسَمِّ مَصْرِفًا ( إلَى وَرَثَتِهِ ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ ، فَيُحْمَلُ عَلَى مُقْتَضَاهُ .
وَلَا يَضُرُّ تَرْكُهُ ذِكْرَ مَصْرِفِهِ .
لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إذَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَيْهِ .
وَعُرْفُ

الْمَصْرِفِ هُنَا أَوْلَى الْجِهَاتِ بِهِ ، وَوَرَثَتُهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِبِرِّهِ .
فَكَأَنَّهُ عَيَّنَهُمْ لِصَرْفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ جِهَةً بَاطِلَةً كَالْكَنِيسَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا جِهَةً صَحِيحَةً فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يُفِيدُ مَصْرِفَ الْبِرِّ لِخُلُوِّ اللَّفْظِ عَنْ الْمَانِعِ مِنْهُ بِخِلَافِ تَعْيِينِهَا ( نَسَبًا ) لَا وَلَاءً وَلَا نِكَاحًا ( عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ ) مِنْ الْوَاقِفِ ( وَقْفًا ) عَلَيْهِمْ .
فَلَا يَمْلِكُونَ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَصْرِفًا ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ ( وَيَقَعُ الْحَجْبُ بَيْنَهُمْ ) أَيْ وَرَثَةِ الْوَاقِفِ فِيهِ ( كَ ) وُقُوعِهِ فِي ( إرْثٍ ) قَالَهُ الْقَاضِي ، فَلِلْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ الثُّلُثُ وَلَهُ الْبَاقِي ، وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَلَهُ مَا بَقِيَ .
وَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ قَاسَمَهُ .
وَإِنْ كَانَ أَخٌ وَعَمٌّ انْفَرَدَ بِهِ الْأَخُ وَإِنْ كَانَ عَمٌّ وَابْنُ عَمٍّ انْفَرَدَ بِهِ الْعَمُّ ( فَإِنْ عَدِمُوا ) أَيْ وَرَثَةُ الْوَاقِفِ نَسَبًا ( فَ ) هُوَ ( لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) وَقْفًا عَلَيْهِمْ .
لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْوَقْفِ الثَّوَابُ الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ .
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَقَارِبُ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَى .
فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا فَالْمَسَاكِينُ أَهْلٌ لِذَلِكَ ( وَنَصُّهُ ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدُ يُصْرَفُ ( فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ) فَيَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ

( وَمَتَى انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا ( وَالْوَاقِفُ حَيٌّ رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا ) أَيْ مَتَى قُلْنَا يَرْجِعُ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَقْفًا وَكَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا .
وَكَذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَنْسَالِهِمْ أَبَدًا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ ، فَتُوُفِّيَ أَحَدُ أَوْلَادِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ ، وَالْأَبُ الْوَاقِفُ حَيٌّ ، رَجَعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ ( وَيَعْمَلُ فِي ) وَقْفٍ ( صَحِيحٍ وَسَطٍ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَالْآخَرِ .
كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى عَبِيدِهِ ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ الْكَنِيسَةِ ( بِالِاعْتِبَارَيْنِ ) فَيُصْرَفُ فِي الْحَالِ لِزَيْدٍ وَبَعْدَهُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ نَسَبًا لِمَا تَقَدَّمَ

( وَيَمْلِكُهُ ) أَيْ الْوَقْفَ ( مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ ) إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لِأَنَّ الْوَقْفَ سَبَبُ نَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَالِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ .
وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَمَا كَانَ لَازِمًا وَلَمَا زَالَ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ ، كَالْعَارِيَّةِ .
وَيُفَارِقُ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْمَعْتُوقُ عَنْ الْمَالِيَّةِ وَامْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ كَأُمِّ الْوَلَدِ ( فَيَنْظُرُ فِيهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( هُوَ ) أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا ( أَوْ وَلِيُّهُ ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالطَّلْقِ ( وَيَتَمَلَّكُ ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ أَرْضًا غُصِبَتْ وَزُرِعَتْ ( زَرْعَ غَاصِبٍ ) بِنَفَقَتِهِ ، وَهِيَ مِثْلُ بَذْرِهِ وَعِوَضُ لَوَاحِقِهِ كَمَالِكِ الْأَرْضِ الطَّلْقِ

( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ ( أَرْشُ خَطَئِهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ إنْ كَانَ قِنًّا فَجَنَى كَمَا يَلْزَمُ سَيِّدَ الْأَمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فِدَاؤُهَا فَيَفْدِيهِ بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَتِهِ وَكَذَا لَوْ جَنَى عَمْدًا يُوجِبُ الْمَالَ أَوْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ .
( وَ ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ( فِطْرَتُهُ ) أَيْ الْقِنِّ الْمَوْقُوفِ .
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي

( وَ ) يَلْزَمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ( زَكَاتُهُ ) لَوْ كَانَ إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا سَائِمَةً ، وَيُخْرِجُ مِنْ غَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ .
وَاخْتَارَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ لَا يَجِبُ زَكَاتُهُ لِضَعْفِ الْمِلْكِ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّةِ شَجَرٍ وَأَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ بِشَرْطِهِ ، وَيَخْرُجُ مِنْ عَيْنِ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ

( وَيُقْطَعُ سَارِقُهُ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ

( وَلَا يَتَزَوَّجُ ) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَمَةً ( مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُجَامِعُ النِّكَاحَ .
فَإِنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِلْمِلْكِ ( وَلَا يَطَؤُهَا ) أَيْ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَهَا نَاقِصٌ وَلَا يُؤْمَنُ حَمْلُهَا ، فَتَنْقُصُ أَوْ تَتْلَفُ وَتَخْرُجُ عَنْ الْوَقْفِ بِأَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( تَزْوِيجُهَا ) لِمِلْكِهِ لَهَا ( إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ) أَيْ يَشْتَرِطْهُ وَاقِفٌ ( لِغَيْرِهِ ) وَيَجِبُ بِطَلَبِهَا .
( وَ ) لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ الْأَمَةُ ( أَخْذُ مَهْرِهَا ) إنْ زَوَّجَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَهْرُ ( لِوَطْءِ شُبْهَةٍ ) لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا كَالْأُجْرَةِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ .
وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ .
وَهَذِهِ كُلُّهَا فَوَائِدُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ ، وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَتَأْتِي

( وَوَلَدُهَا ) أَيْ الْمَوْقُوفَةِ ( مِنْ ) وَطْءِ ( شُبْهَةٍ حُرٌّ ) وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ رَقِيقًا إنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِمَنْ وَلَدَهُ مِنْهَا حُرٌّ ، لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ ( وَعَلَى وَاطِئٍ قِيمَتُهُ ) أَيْ الْوَلَدِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّةً بِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ يَوْمَ وَضْعِهِ حَيًّا ( تُصْرَفُ ) قِيمَتُهُ ( فِي ) شِرَاءِ ( مِثْلِهِ ) يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ .
( وَ ) وَلَدُهَا ( مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا وَقْفٌ ) تَبَعًا لِأُمِّهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَكَكَسْبِهَا .
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ الزَّوْجِ حُرِّيَّتَهُ .
وَفِيهِ هُنَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ عِتْقَهُ بِالتَّصْرِيحِ فَلَا يَمْلِكُ شَرْطَهُ

( وَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ ) عَلَى مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ( بِوَطْئِهِ ) أَمَّا انْتِفَاءُ الْحَدِّ فَلِلشُّبْهَةِ .
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ لَهُ ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ ( وَوَلَدُهُ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفَةِ ( حُرٌّ ) لِلشُّبْهَةِ ( وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ) أَيْ الْوَلَدِ يَوْمَ وَضْعِهِ حَيًّا لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ عَلَى مَنْ يَئُولُ إلَيْهِ الْوَقْفُ بَعْدَهُ ( تُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ ) لِأَنَّهَا بَدَلُهُ

( وَتُعْتَقُ ) الْمُسْتَوْلَدَةُ مِمَّنْ هِيَ وَقْفٌ عَلَيْهِ ( بِمَوْتِهِ ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لِوِلَادَتِهَا مِنْهُ وَهُوَ مَالِكُهَا ( وَتَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ ( يَشْتَرِي بِهَا ) أَيْ بِقِيمَتِهَا مِثْلَهَا .
( وَ ) يَشْتَرِي ( بِقِيمَةٍ وَجَبَتْ بِتَلَفِهَا أَوْ ) تَلَفِ ( بَعْضِهَا مِثْلُهَا ) يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا ( أَوْ ) يُشْتَرَى بِذَلِكَ ( شِقْصٌ ) مِنْ أَمَةٍ إنْ تَعَذَّرَ شِرَاءُ أَمَةٍ كَامِلَةٍ ( يَصِيرُ ) مَا يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ أَوْ بَعْضِهَا ( وَقْفًا بِالشِّرَاءِ ) لِيَنْجَبِرَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي مَا فَاتَهُمْ

( وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ ) رَقِيقٍ مَوْقُوفٍ يُحَالُ ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَئُولُ إلَيْهِ الْوَقْفُ بِهِ ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ وَفِي الْقَوْلِ بِنُفُوذِ عِتْقِهِ إبْطَالٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ مَوْقُوفٍ فَأَعْتَقَهُ مَالِكُهُ صَحَّ فِيهِ وَلَمْ يَسْرِ إلَى الْبَعْضِ الْمَوْقُوفِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلِئَلَّا يُعْتَقَ بِالسِّرِّ أَوْلَى

( وَإِنْ قُطِعَ ) جُزْءٌ مِنْ رَقِيقٍ مَوْقُوفٍ عُدْوَانًا ( فَلَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( الْقَوَدُ ) لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ( وَإِنْ عَفَا ) أَيْ الرَّقِيقُ الْمَقْطُوعُ عَنْ النُّقُودِ أَوْ كَانَ الْقَطْعُ لَا يُوجِبُ قَوَدًا ( فَأَرْشُهُ ) يُصْرَفُ ( فِي مِثْلِهِ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا اُشْتُرِيَ بِهِ شِقْصٌ مِنْ مِثْلِهِ ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ .
فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ فِي مِثْلِهِ

( وَإِنْ قُتِلَ ) رَقِيقٌ مَوْقُوفٌ ( وَلَوْ ) كَانَ قَتْلُهُ ( عَمْدًا ) مَحْضًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ ( فَ ) الْوَاجِبُ بِذَلِكَ ( قِيمَتُهُ ) دُونَ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ

( وَلَا يَصِحُّ عَفْوُ ) الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( عَنْهَا ) أَيْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَطْنِ الثَّانِي بِهِ تَعَلُّقًا لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا مِنْهُ فَيَعْفُو عَنْهُ

( وَ ) إنْ قُتِلَ الْمَوْقُوفُ ( قَوَدًا ) بِأَنْ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا فَقَتَلَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قِصَاصًا ( بَطَلَ الْوَقْفُ ) كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ .
( وَلَا ) يَبْطُلُ الْوَقْفُ ( إنْ قُطِعَ ) عُضْوٌ مِنْهُ قِصَاصًا كَمَا لَوْ سَقَطَ بِأَكْلَةٍ

( وَيَتَلَقَّاهُ ) أَيْ الْوَقْفَ ( كُلُّ بَطْنٍ ) مِنْهُمْ ( عَنْ وَاقِفِهِ ) لَا عَنْ الْبَطْنِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهِ مِنْ حِينِهِ .
فَمَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِ نَسْلِهِ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ طَبَقَةٍ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِ مَنْ فَوْقَهَا ( فَإِذَا امْتَنَعَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ) حَالَ اسْتِحْقَاقِهِمْ ( عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدٍ ) لَهُمْ بِالْوَقْفِ ( لِثُبُوتِ الْوَقْفِ فَلِمَنْ بَعْدَهُمْ ) مِنْ الْبُطُونِ وَلَوْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْوَقْفِ ( الْحَلِفُ ) مَعَ الشَّاهِدِ بِالْوَقْفِ لِثُبُوتِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ( وَأَرْشُ جِنَايَةِ وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ ) كَرَقِيقٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ جَنَى ( خَطَأٌ فِي كَسْبِهِ ) أَيْ الْجَانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ ، وَلِتَعَذُّرِ تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ .

( فَصْلٌ وَيُرْجَعُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ) فِي أُمُورِ الْوَقْفِ ( إلَى شَرْطِ وَاقِفٍ ) كَشَرْطِهِ لِزَيْدٍ كَذَا وَلِعَمْرٍو كَذَا لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ شُرُوطًا ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ اتِّبَاعُهَا لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِهَا فَائِدَةٌ وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَقْفِ مُفَوَّضٌ إلَى وَاقِفِهِ فَاتَّبَعَ شَرْطَهُ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ الشَّرْطِ الصَّرِيحِ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ ( اسْتِثْنَاءٌ ) فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ زَيْدٍ أَوْ قَبِيلَةِ كَذَا إلَّا بَكْرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ ( وَ ) مِثْلُ الشَّرْطِ ( مُخَصَّصٌ مِنْ صِفَةٍ ) كَالْفُقَهَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ قَبِيلَةِ كَذَا ، فَيَخْتَصُّ بِهِمْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ ( وَ ) مِثْلُهُ مُخَصَّصٌ مِنْ ( عَطْفِ بَيَانٍ ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّعْتَ فِي إيضَاحِ مَنْعُوتِهِ وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ .
فَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي أَوْلَادِهِ مَنْ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٌ غَيْرُهُ اخْتَصَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ .
( وَ ) مِثْلُهُ مُخَصَّصٌ مِنْ ( تَوْكِيدٍ ) كَوَقْفِهِ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ نَفْسِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ ( وَ ) مِثْلُهُ مُخَصِّصٌ مِنْ ( بَدَلٍ ) فَمَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ .
وَقَالَ وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي دَخَلَ الثَّلَاثَةُ الْمُسَمَّوْنَ فَقَطْ وَأَوْلَادُ الْأَرْبَعَةِ ، لِأَنَّهُ أَبْدَلَ بَعْضَ الْوَلَدِ وَهُوَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ مِنْ اللَّفْظِ الْمُتَنَاوَلِ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ وَلَدِي ، وَبَدَلُ الْبَعْضِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } لَمَّا خَصَّ الْمُسْتَطِيعَ بِالذِّكْرِ اخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِهِ وَلَوْ قَالَ ضَرَبْتُ زَيْدًا رَأْسَهُ اخْتَصَّ الضَّرْبُ بِالرَّأْسِ وَهَكَذَا بِخِلَافِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأْكِيدَهُ لَا تَخْصِيصَهُ .
وَلَوْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَشْمَلُ وَلَدَ وَلَدِهِ ( وَنَحْوِهِ )

أَيْ مَا تَقَدَّمَ كَتَقْدِيمِ الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَالسَّاكِنِ مِنْهُمْ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِلَا أُجْرَةِ فُلَانٍ ( وَ ) كَذَا مُخَصِّصٌ ( جَارٌّ ) وَمَجْرُورٌ ( نَحْوُ عَلَى أَنَّهُ وَبِشَرْطِ أَنَّهُ وَنَحْوُهُ ) كَقَوْلِهِ : لَكِنْ إنْ كَانَ كَذَا فَكَذَا ( فَلَوْ تَعَقَّبَ ) الشَّرْطُ وَنَحْوَهُ ( جُمَلًا عَادَ إلَى الْكُلِّ ) لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ لَهُ بِإِحْدَاهَا .
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فَعَوْدُ الصِّفَةِ لِلْكُلِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً أَوْ مُتَأَخِّرَةً .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ مُتَوَسِّطَةً وَالْمُخْتَارُ رُجُوعُهَا إلَى مَا وَلِيَتْهُ

( وَ ) يَرْجِعُ إلَى شَرْطِ وَاقِفٍ ( فِي عَدَمِ إيجَارِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( أَوْ قَدْرِ مُدَّتِهِ ) أَيْ الْإِيجَارِ فَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَبَدًا أَوْ مُدَّةَ كَذَا عُمِلَ بِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ

( وَ ) يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى شَرْطِ وَاقِفٍ ( فِي قِسْمَتِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ كَجَعْلِهِ لِوَاحِدٍ النِّصْفَ وَلِآخَرَ الثُّلُثَ وَلِآخَرَ السُّدُسَ وَنَحْوَهُ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَالشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا إذَا لَمْ يُفِضْ ذَلِكَ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ

( وَ ) يَرْجِعُ إلَى شَرْطِ وَاقِفٍ فِي ( تَقْدِيمِ بَعْضِ أَهْلِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( كَ ) قَوْلِهِ : وَقَفْتُ ( عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَيَبْدَأُ بِالدَّفْعِ إلَى زَيْدٍ ، أَوْ ) وَقَفْتُ ( عَلَى طَائِفَةِ كَذَا وَيَبْدَأُ بِالْأَصْلَحِ وَنَحْوِهِ ) كَالْأَفْقَهِ أَوْ الْأَدْيَنِ أَوْ الْمَرِيضِ أَوْ الْفَقِيرِ ( وَ ) يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي ( تَأْخِيرٍ ) وَهُوَ ( عَكْسُهُ ) أَيْ التَّقْدِيمِ كَقَوْلِهِ يُعْطِي مِنْهُمْ أَوَّلًا مَا سِوَى فُلَانٍ كَذَا ثُمَّ مَا فَضَلَ لِفُلَانٍ فَلَيْسَ لِلْمُؤَخَّرِ إلَّا مَا فَضَلَ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَ

( وَ ) يَرْجِعُ إلَى شَرْطِهِ فِي ( تَرْتِيبٍ كَجَعْلِ اسْتِحْقَاقِ بَطْنٍ مُرَتَّبًا عَلَى آخَرَ ) كَعَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ( فَالتَّقْدِيمُ بَقَاءُ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُؤَخَّرِ عَلَى صِفَةٍ إنَّ لَهُ مَا فَضَلَ وَإِلَّا ) يَفْضُلْ شَيْءٌ ( سَقَطَ وَالتَّرْتِيبُ عَدَمُهُ ) أَيْ الِاسْتِحْقَاقِ ( مَعَ وُجُودِ الْمُقَدَّمِ ) وَكَذَا يَرْجِعُ إلَى شَرْطِهِ فِي جَمْعٍ وَتَسْوِيَةٍ كَ وَقَفْتُ عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِي يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ( وَ ) يَرْجِعُ إلَى شَرْطِهِ ( فِي إخْرَاجِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ) مُطْلَقًا ( أَوْ بِصِفَةٍ ) كَإِخْرَاجِ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ الْبَنَاتِ وَنَحْوِهِ ( وَإِدْخَالِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْوَقْفِ مُطْلَقًا ، كَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي أُدْخِلُ مَنْ أَشَاءُ مِنْهُمْ وَأُخْرِجُ مَنْ أَشَاءُ مِنْهُمْ ( أَوْ ) إدْخَالُهُ ( بِصِفَةٍ ) كَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي الْفُقَرَاءِ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ مَنْ افْتَقَرَ بَعْدَ الْآنَ مِنْهُمْ

وَ ( لَا ) يَصِحُّ شَرْطُ ( إدْخَالِ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ ) كَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأُدْخِلُ مَنْ أَشَاءُ مَعَهُمْ ( كَشَرْطِ تَغْيِيرِ شَرْطٍ ) فَلَا يَصِحُّ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ فَأَفْسَدَهُ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُنْتَفَعَ بِهِ بِخِلَافِ إدْخَالِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِصِفَةٍ ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حَقًّا فِي الْوَقْفِ إذَا اتَّصَفَ بِإِرَادَةِ إعْطَائِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَقًّا إذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ .
وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ فِيمَا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلتَّنْقِيحِ

( وَ ) يَرْجِعُ إلَى شَرْطِ وَاقِفِهِ ( فِي نَاظِرِهِ ) لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ وَقْفَهُ إلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْي مِنْ أَهْلِهَا .
( وَ ) فِي ( إنْفَاقٍ عَلَيْهِ ) إنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ إذَا خَرِبَ ، بِأَنْ يَقُولَ : يُنْفَقُ عَلَيْهِ أَوْ يُعَمَّرُ مِنْ جِهَةِ كَذَا .
( وَ ) فِي ( سَائِرِ ) أَيْ بَاقِي ( أَحْوَالِهِ ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِوَقْفِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُتْبَعَ فِيهِ شَرْطُهُ ( كَ ) مَا لَوْ شَرَطَ ( أَنْ لَا يَنْزِلَ فِيهِ فَاسِقٌ وَلَا شِرِّيرٌ وَلَا مُتَجَوَّه وَنَحْوُهُ ) كَذِي بِدْعَةٍ فَيُعْمَلُ بِهِ

( وَإِنْ خَصَّصَ ) وَاقِفٌ ( مَقْبَرَةً أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَدْرَسَةً أَوْ ) خَصَّصَ ( إمَامَتَهَا ) أَوْ إمَامَةَ مَسْجِدٍ ( بِأَهْلِ مَذْهَبٍ أَوْ ) بِأَهْلِ ( بَلَدٍ أَوْ بِقَبِيلَةٍ تَخَصَّصَتْ ) بِهِمْ عَمَلًا بِشَرْطِهِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ تَخْصِيصُ شَرْطِ وَاقِفِ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهِ ( الْمُصَلِّينَ ) بِهَا بِذِي مَذْهَبٍ فَلَا تَخْتَصُّ بِهِمْ ، وَلِغَيْرِهِمْ الصَّلَاةُ بِهَا لِعَدَمِ التَّزَاحُمِ .
وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُرَادُ لَهُ ( وَلَا ) يَصِحُّ تَخْصِيصُ ( الْإِمَامَةِ بِذِي مَذْهَبٍ مُخَالِفٍ لِظَاهِرِ السُّنَّةِ ) لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ أَوْ تَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ السُّنَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى

( وَلَوْ جُهِلَ شَرْطُهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ بِأَنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْوَقْفِ دُونَ شَرْطِهِ ( عُمِلَ بِعَادَةٍ جَارِيَةٍ ثُمَّ بِعُرْفٍ ) لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ وَالْعُرْفَ الْمُسْتَقِرَّ فِي الْوَقْفِ يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدُلُّ لَفْظُ الِاسْتِفَاضَةِ .
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ وَجُهِلَ اسْمُهُ أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ .
ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةٌ وَلَا عُرْفٌ بِبَلَدِ الْوَاقِفِ كَمَنْ بِبَادِيَةٍ ( فَالتَّسَاوِي ) فَيُسَاوِي فِيهِ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ لِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ دُونَ التَّفْضِيلِ

( فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ ) الْوَاقِفُ ( نَاظِرًا ) لِوَقْفِهِ أَوْ شَرَطَهُ لِمُعَيَّنٍ فَمَاتَ ( فَ ) نَظَرُهُ ( لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَحْصُورِ ، كُلٌّ ) مِنْهُمْ يَنْظُرُ ( عَلَى حِصَّتِهِ ) عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَغَلَّتُهُ لَهُ .
وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَظِّهِ فَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَتَقَدَّمَ

( وَغَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ الْوَقْفِ عَلَى مَحْصُورٍ ( كَ ) الْمَوْقُوفِ ( عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ ) كَالْفُقَرَاءِ فَنَظَرُهُ ( لِحَاكِمِ ) بَلَدِ الْمَوْقُوفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ .
وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ ( وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ ) مِنْ الْوَاقِفِينَ ( لِلْحَاكِمِ ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ بِكَوْنِهِ شَافِعِيًّا أَوْ حَنَفِيًّا وَنَحْوَهُ ( شَمِلَ ) لَفْظُ الْحَاكِمِ ( أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَاقِفِ أَمْ لَا ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا .
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
وَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَتَعَدَّدَ الْحُكَّامُ فَأَفْتَى الشَّيْخُ نَصْرُ اللَّهِ الْحَنْبَلِيُّ وَالشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ : أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِلسُّلْطَانِ يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ لِذَلِكَ

( وَلَوْ فَرَضَهُ ) أَيْ النَّظَرَ ( حَاكِمٌ ) لِإِنْسَانٍ ( لَمْ يَجُزْ لِ ) حَاكِمٍ ( آخَرَ نَقْضُهُ ) لِأَنَّهُ كَنَقْضِ حُكْمِهِ ( وَلَوْ وَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ حَاكِمَيْنِ ( النَّظَرَ ) عَلَى وَقْفٍ لَا نَاظِرَ لَهُ ( شَخْصًا ) وَتَنَازَعَ الشَّخْصَانِ ( قَدَّمَ وَلِيُّ الْأَمْرِ ) أَيْ السُّلْطَانُ ( أَحَقَّهُمَا ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا .
فَلَا يَتَعَدَّى بِهِ إلَى غَيْرِهِمَا وَلَا يَشْتَرِكَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا وُلِّيَ لِيَنْظُرَ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ فَكَانَ أَحَقُّهُمَا بِذَلِكَ أَوْلَى .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِلنَّاظِرِ ثُمَّ الْحَاكِمِ تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ ، فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ .
وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيمِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ بِهِ ، وَلَا بِمَا يُشْبِهُهُ وَلَوْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ .
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ ، وَجُعِلَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ كَالْقَيِّمِ بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ قَالَ وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِوَظِيفَةِ غَيْرِهِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَقُومُ بِهَا إذَا لَمْ يَنُبْ الْأَوَّلُ وَيَلْتَزِمْ بِالْوَاجِبِ .
وَيَجِبُ أَنْ يُوَلِّيَ فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقَّ شَرْعًا ، وَأَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ وَاجِبٍ .

( فَصْلٌ وَشُرِطَ فِي نَاظِرٍ ) مُطْلَقًا ( إسْلَامٌ ) إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْإِسْلَامِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَافِرٍ فَلَهُ النَّظَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا تَقَدَّمَ يَنْظُرُ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ وَلِيُّهُ .
وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
( وَ ) شُرِطَ فِيهِ ( تَكْلِيفٌ ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَنْظُرُ فِي مِلْكِهِ الْمُطْلَقِ فَفِي الْوَقْفِ أَوْلَى وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ كَانَ النَّظَرُ لِوَلِيِّهِ .
( وَ ) شُرِطَ فِيهِ ( كِفَايَةٌ لِتَصَرُّفٍ وَخِبْرَةٌ ) أَيْ عِلْمٌ ( بِهِ ) أَيْ التَّصَرُّفِ ( وَقُوَّةٌ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ النَّاظِرُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ ( وَيُضَمُّ لِضَعِيفٍ ) تَعَيَّنَ كَوْنُهُ نَاظِرًا بِشَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ كَوْنِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ ( قَوِيٌّ أَمِينٌ ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ ( وَ ) شُرِطَ ( فِي ) نَاظِرٍ ( أَجْنَبِيٍّ ) أَيْ غَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ زِيَادَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ إنْ كَانَتْ ( وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ ) كَوَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاقِفُهُ نَاظِرًا فَوَّضَهُ الْحَاكِمُ لِشَخْصٍ ( أَوْ ) كَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ ( نَاظِرٍ ) بِجَعْلِ الْوَاقِفِ لَهُ ذَلِكَ أَوْ بِدُونِهِ إنْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ ( عَدَالَةً ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَاشْتُرِطَ لَهَا الْعَدَالَةُ كَالْوِلَايَةِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ

( فَإِنْ ) فَوَّضَ إلَيْهِ مَعَ عَدَالَتِهِ ثُمَّ ( فَسَقَ ) بَعْدُ ( عُزِلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَنَافَاهَا الْفِسْقُ ( وَ ) إنْ وَلِيَ النَّظَرَ أَجْنَبِيٌّ ( مِنْ وَاقِفٍ ) بِأَنْ شَرَطَ لَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ ( فَاسِقٌ أَوْ ) وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ ( فَسَقَ يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ ) لِحِفْظِ الْوَقْفِ وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ .
وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ مِنْهُ أُزِيلَتْ وِلَايَتُهُ فَإِنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ أَهَمُّ مِنْ إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَيْهِ

( وَإِنْ كَانَ ) النَّظَرُ ( لِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ بِجَعْلِهِ ) أَيْ الْوَاقِفِ النَّظَرَ ( لَهُ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( أَوْ لِكَوْنِهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( أَحَقَّ ) بِالنَّظَرِ ( لِعَدَمِ ) تَعْيِينِ ( غَيْرِهِ فَهُوَ ) أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ( أَحَقُّ ) بِالنَّظَرِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً رَشِيدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، بَلْ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرًا ( وَلَوْ شَرَطَهُ ) أَيْ النَّظَرَ ( وَاقِفٌ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ ) إيَّاهُ ( بِلَا شَرْطٍ ) كَإِخْرَاجِ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ

( وَإِنْ شَرَطَهُ ) أَيْ النَّظَرَ وَاقِفٌ ( لِنَفْسِهِ ) فَقَطْ ( ثُمَّ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ أَسْنَدَهُ أَوْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى غَيْرِهِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( عَزْلُهُ ) أَيْ الْمَجْعُولِ لَهُ أَوْ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ أَوْ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ .
لِأَنَّهُ نَائِبُهُ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ ( وَلِنَاظِرٍ بِأَصَالَةٍ كَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ) إنْ كَانَ مُعَيَّنًا ( وَحَاكِمٍ ) فِي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ نَاظِرًا عَلَيْهِ ( نُصِّبَ ) وَكِيلٌ عَنْهُ ( وَعُزِلَ ) لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ .
أَشْبَهَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَتَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ .
وَ ( لَا ) يَجُوزُ ذَلِكَ لِ ( نَاظِرٍ بِشَرْطٍ ) لِأَنَّ نَظَرَهُ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَشْرِطْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ نَاظِرٌ بِشَرْطٍ فِي حَيَاةِ وَاقِفٍ لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ نَصْبَ غَيْرِهِ مُطْلَقًا بِدُونِ شَرْطٍ وَانْتَقَلَ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَإِلَيْهِ ( وَلَا يُوصِي ) نَاظِرٌ بِشَرْطٍ ( بِهِ ) أَيْ النَّظَرِ نَصًّا ( بِلَا شَرْطِ ) وَاقِفٍ .
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ بِالشَّرْطِ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْإِيصَاءُ لَهُ ، فَإِنْ وَصَّى لَهُ بِهِ مَلَكَهُ

( وَلَوْ أَسْنَدَ ) النَّظَرَ ( لِاثْنَيْنِ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا ) بِدُونِ الْآخَرَ ( بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ ) كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ عَنْ وَاحِدٍ ( وَإِنْ شَرَطَ ) وَاقِفٌ النَّظَرَ ( لِكُلٍّ مِنْهُمَا ) بِأَنْ قَالَ : جَعَلْتُ النَّظَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحَّ ( أَوْ ) جَعَلَ ( التَّصَرُّفَ لِوَاحِدٍ وَ ) جَعَلَ ( الْيَدَ لِآخَرَ ) صَحَّ ( أَوْ ) جَعَلَ ( عِمَارَتَهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( لِوَاحِدٍ وَ ) جَعَلَ ( تَحْصِيلَ رِيعِهِ لِآخَرَ صَحَّ ) وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا شَرَطَ لَهُ لِوُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَى شَرْطِهِ

( وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ نَاظِرٍ خَاصٍّ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ مَعَ حُضُورِهِ فَيُقَرِّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ .
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ .
وَلَا حُجَّةَ فِي تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مَعَ الْبُعْدِ لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ ، فَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ .
انْتَهَى فَعَلَيْهِ لَوْ وَلَّى النَّاظِرُ الْغَائِبُ إنْسَانًا وَالْحَاكِمُ آخَرَ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَوْلِيَةً ( لَكِنْ لَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( النَّظَرُ الْعَامُّ فَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ ) أَيْ النَّاظِرِ الْخَاصِّ ( إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ ) فِعْلُهُ ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( ضَمُّ أَمِينٍ ) إلَى نَاظِرٍ خَاصٍّ ( مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ ) مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ وَاسْتِصْحَابِ يَدِ مَنْ أَرَادَهُ الْوَاقِفُ ( وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ عَلَى ) نَاظِرٍ ( أَمِينٍ ) وَلَّاهُ الْوَاقِفُ وَلَهُمْ مَسْأَلَتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَى عِلْمِهِ مِنْ أَمْرِ وَقْفِهِمْ حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُهُ فِيهِ ( وَلَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِانْتِسَاخِ كِتَابِ الْوَقْفِ ) لِيَكُونَ بِأَيْدِيهِمْ وَثِيقَةً لَهُمْ ( وَلِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَصْلَحَةٍ كَشِرَائِهِ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ فِي قَرْضِهِ مَالًا كَوَلِيٍّ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ النَّاظِرِ حَاكِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( نَصْبُ مُسْتَوْفٍ لِلْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةٌ إلَّا بِهِ ) فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَتَمَّتْ الْمَصْلَحَةُ بِدُونِهِ لِقِلَّةِ الْعُمَّالِ وَمُبَاشَرَتِهِ الْحِسَابَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَصْبُهُ .

( فَصْلٌ وَوَظِيفَتُهُ ) أَيْ النَّاظِرِ ) ( حِفْظُ وَقْفٍ وَعِمَارَتُهُ وَإِيجَارُهُ وَزَرْعُهُ وَمُخَاصَمَةٌ فِيهِ وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحِ ) نَحْوِ مَائِلٍ وَمُنْكَسِرٍ ( وَإِعْطَاءُ مُسْتَحِقٍّ وَنَحْوِهِ ) كَشِرَاءِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ شَرَطَهُ وَاقِفٌ مِنْ رِيعِهِ ، لِأَنَّ النَّاظِرَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْوَقْفَ ، وَحِفْظَهُ ، وَحِفْظَ رِيعِهِ وَتَنْفِيذَ شَرْطِ وَاقِفِهِ ، وَطَلَبُ الْحَظِّ فِيهِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا ، فَكَانَ ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ ( وَلَهُ ) أَيْ النَّاظِرِ ( وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْوَقْفِ وَرِيعِهِ .
( وَ ) لَهُ ( التَّقْرِيرُ فِي وَظَائِفِهِ ) لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِ .
قُلْتُ : فَإِنْ طَلَبَ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا سَقَطَ حَقُّهُ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ وَقَرَّرَ الْحَاكِمُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ كَوَلِيِّ النِّكَاحِ إذَا عَضَلَ ( وَمَنْ قُرِّرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فِي وَظِيفَةٍ ( عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ حَرُمَ ) عَلَى نَاظِرٍ وَغَيْرِهِ ( صَرْفُهُ ) عَنْهَا ( بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ ) كَتَعْطِيلِهِ الْقِيَامَ بِهَا ، وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ .
وَلَوْ عَيَّنَهُ وَاقِفٌ .
وَلَوْ تَصَادَقَ مُسْتَحِقُّونَ لِوَقْفٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَصَارِفِهِ وَمَقَادِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فِيهِ وَنَحْوِهِ .
ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ وَقْفٍ مُنَافٍ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّصَادُقُ عُمِلَ بِمَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَغَا مَا فِي التَّصَادُقِ .
أَفْتَى بِهِ ابْنُ رَجَبٍ .
وَإِنْ حَكَمَ بِمَحْضَرِ وَقْفٍ فِيهِ شُرُوطُهُ ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابٌ وَقَفَ فِيهِ مَا يُنَافِي الْمَحْضَرَ الْمَذْكُورَ وَجَبَ ثُبُوتُ كِتَابِ الْوَقْفِ إنْ أَمْكَنَ وَالْعَمَلُ بِهِ ( وَلَوْ أَجَّرَهُ ) أَيْ الْوَقْفَ ( نَاظِرٌ بِأَنْقَصَ ) مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ صَحَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ ( وَضَمِنَ ) النَّاظِرُ ( النَّقْصَ ) الَّذِي لَا يُتَغَابَنُ بِهِ عَادَةً إنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَهُ .
لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْره عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ ، فَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ بِعَقْدِهِ كَالْوَكِيلِ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِيمَا

هُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَهُوَ ) أَيْ الْغَرْسُ أَوْ الْبِنَاءُ ( لَهُ ) أَيْ لِغَارِسِهِ أَوْ بَانِيهِ ( مُحْتَرَمٌ ) فَلَيْسَ لِأَحَدٍ طَلَبُهُ بِقَلْعِهِ لِمِلْكِهِ لَهُ وَلِأَصْلِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) غَارِسٌ أَوْ بَانٍ ( شَرِيكًا ) فِي الْوَقْفِ بِأَنْ كَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ فَغَرَسَ فِيهِ أَحَدُهُمْ أَوْ بَنَى فَغَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ لَهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ ( أَوْ ) كَانَ ( لَهُ النَّظَرُ فَقَطْ ) فَغَرَسَ أَوْ بَنَى فِي الْوَقْفِ ( فَ ) غَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ لَهُ ( غَيْرُ مُحْتَرَمٍ ) أَيْ فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بِغَيْرِ رِضَا أَهْلِ الْوَقْفِ ( وَيَتَوَجَّهُ ) إنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَوْ نَاظِرٌ فِي وَقْفٍ أَنَّهُ لَهُ ( إنْ أَشْهَدَ ) أَنَّ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ لَهُ ( وَإِلَّا ) يُشْهِدْ بِذَلِكَ ( فَ ) هُمَا ( لِلْوَقْفِ ) لِثُبُوتِ يَدِ الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا ( وَلَوْ غَرَسَهُ ) أَوْ بَنَاهُ ( لِلْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَ ) هُوَ ( وَقْفٌ .
وَيَتَوَجَّهُ فِي غَرْسِ أَجْنَبِيٍّ ) وَبِنَائِهِ ( أَنَّهُ لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ ) وَالتَّوْجِيهَانِ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يَدُ الْوَقْفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا ، كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهَا لَهُ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ ، وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ وَيَدُ أَهْلِ عَرْصَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَابِتَةٍ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ ( وَيُنْفَقُ عَلَى ) مَوْقُوفٍ ( ذِي رُوحٍ ) كَرَقِيقٍ وَخَيْلٍ ( وَمِمَّا عَيَّنَ وَاقِفٌ ) أَنْ يُنْفَقَ مِنْهُ عَلَيْهِ رُجُوعًا لِشَرْطِهِ ( فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ ) وَاقِفُهُ مَحَلًّا لِنَفَقَتِهِ ( فَ ) نَفَقَتُهُ ( مِنْ غَلَّتِهِ ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ ( فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ) لَهُ غَلَّةٌ لِضَعْفِهِ وَنَحْوِهِ ( ف ) نَفَقَتُهُ ( عَلَى مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ مُعَيَّنٍ ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ .
فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ

عَلَيْهِ لِعَجْزٍ أَوْ غَيْبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ( بِيعَ ) الْمَوْقُوفُ ( وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي عَيْنِ مِثْلِهِ تَكُونُ وَقْفًا ) مَكَانَهُ ( لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ ) إنْ لَمْ يُمْكِنْ إيجَارُهُ ( فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَارُهُ كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ أُوجِرَ ) مُدَّةً ( بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ ) لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى بَيْعِهِ لِذَلِكَ ( وَنَفَقَةُ مَا ) أَيْ حَيَوَانٍ مَوْقُوفٍ ( عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ ) كَالْمَرْضَى وَالْمَسَاجِدِ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ هُنَا مِنْ الْمَصَالِحِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( بِيعَ ) الْمَوْقُوفُ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى ( كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ إذَا تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إنْ أَمْكَنَتْ إجَارَتُهُ أُجِّرَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ .
وَإِنْ مَاتَ رَقِيقٌ مَوْقُوفٌ فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَوْقُوفُ ( عَقَارًا ) وَاحْتَاجَ لِعِمَارَةٍ ( لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ بِلَا شَرْطٍ ) وَاقِفٍ مُطْلَقًا ( كَالطَّلْقِ ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَعَمَّرَهُ بِاخْتِيَارِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : تَجِبُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ بِحَسَبِ الْبُطُونِ ( فَإِنْ شَرَطَهَا ) أَيْ الْعِمَارَةَ وَاقِفٌ ( عُمِلَ بِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ ( مُطْلَقًا ) عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ ( وَمَعَ إطْلَاقِهَا ) أَيْ الْعِمَارَةِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يُعَمِّرَ مِنْ رِيعِهِ مَا انْهَدَمَ ( تُقَدَّمُ ) أَيْ الْعِمَارَةُ ( عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : مَا لَمْ يُفْضِ ) تَقْدِيمُهَا ( إلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ ( حَسَبَ الْإِمْكَانَ ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْوَقْفُ أَوْ مَصَالِحُهُ ( وَلَوْ احْتَاجَ خَانٌ مُسَبَّلٌ أَوْ ) احْتَاجَتْ ( دَارٌ مَوْقُوفَةٌ لِسُكْنَى حَاجٍّ أَوْ ) سُكْنَى ( غُزَاةٍ وَنَحْوِهِمْ ) كَأَبْنَاءِ سَبِيلٍ ( إلَى مَرَمَّةٍ أُوجِرَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ جُزْءًا (

بِقَدْرِ ذَلِكَ ) أَيْ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَرَمَّةِ لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ ( وَتَسْجِيلِ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْوَقْفِ ) كَالْعَادَةِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ

( فَصْلٌ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ ) كَاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( ثُمَّ ) عَلَى ( الْمَسَاكِينِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ رُدَّ نَصِيبُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ ( عَلَى مَنْ بَقِيَ ) مِنْهُمْ لِأَنَّهُ مِمَّنْ وُقِفَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَاسْتِحْقَاقُ الْمَسَاكِينِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِ مَنْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ بِثُمَّ ( فَلَوْ مَاتَ الْكُلُّ فَ ) هُوَ ( لِلْمَسَاكِينِ ) لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ لَهُمْ ( وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ ( مَآلَ ) بِأَنْ قَالَ : هَذَا وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍ وَبَكْرٍ وَسَكَتَ ( فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ صُرِفَ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِي ) كَاَلَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ ( ثُمَّ إنْ مَاتُوا جَمِيعًا صُرِفَ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ ) لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ نَسَبًا عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ وَقْفًا فَإِنْ عَدِمُوا فَلِلْمَسَاكِينِ ( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى وَلَدِهِ ) ثُمَّ الْمَسَاكِينِ ( أَوْ ) وَقَفَ عَلَى ( وَلَدِ غَيْرِهِ ) كَعَلَى وَلَدِ زَيْدٍ ( ثُمَّ الْمَسَاكِينِ دَخَلَ ) الْأَوْلَادُ ( الْمَوْجُودُونَ ) حَالَ الْوَقْفِ وَلَوْ حَمْلًا ( فَقَطْ ) نَصًّا ( الذُّكُورُ ) مِنْهُمْ ( وَالْإِنَاثُ ) وَالْخَنَاثَى لِأَنَّ اللَّفْظَ يَشْمَلُهُمْ إذْ الْوَلَدُ مَصْدَرٌ أُرِيدَ مِنْهُ اسْمُ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمَوْلُودُ ( بِالسَّوِيَّةِ ) لِأَنَّهُ شِرْكٌ بَيْنَهُمْ ، وَإِطْلَاقُ التَّشْرِيكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ وَكَوَلَدِ الْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ .
وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْفِيٌّ بِلِعَانٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ كَوَلَدِ زِنًا .
وَعَنْهُ يَدْخُلُ وَلَدٌ حَدَثٌ بِأَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْوَقْفِ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَاخْتَارَهُ فِي الْإِقْنَاعِ .
( وَ ) دَخَلَ ( وَلَدُ الْبَنِينَ ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ ( وُجِدُوا حَالَةَ الْوَقْفِ أَوْ لَا كَوَصِيَّةٍ ) لِوَلَدِ فُلَانٍ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُ الْمَوْجُودُونَ حَالَةَ الْوَصِيَّةِ وَأَوْلَادُ بَنِيهِ وُجِدُوا حَالَةَ

الْوَصِيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا مَنْ وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ .
هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْوَلَدَ دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ ، فَالْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ إذَا خَلَا عَنْ قَرِينَةٍ يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيُفَسَّرُ بِمَا يُفَسَّرُ بِهِ ، وَلِأَنَّ وَلَدَ ابْنِهِ وَلَدٌ لَهُ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { يَا بَنِي إسْرَائِيلَ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا } وَقَالَ { نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ } وَالْقَبَائِلُ كُلُّهَا تُنْسَبُ إلَى جُدُودِهَا .
وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَقُلْ : عَلَى وَلَدِي لِصُلْبِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي الَّذِينَ يَلُونَنِي .
فَإِنْ قَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ بِلَا خِلَافٍ ( وَيَسْتَحِقُّونَهُ مُرَتَّبًا ) بَعْدَ آبَائِهِمْ فَيَحْجُبُ أَعْلَاهُمْ أَسْفَلَهُمْ ( كَ ) قَوْلِهِ : وَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي ( بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ) أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ، أَوْ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَنَحْوَهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً ، كَوَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ ، أَوْ يَأْتِي بِمَا يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ ، كَعَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَلَا تَرْتِيبَ ( وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ ) فِي الْوَقْفِ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ ، بَلْ إلَى آبَائِهِمْ .
قَالَ تَعَالَى : { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } وَقَالَ الشَّاعِرُ : بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ } وَنَحْوُهُ فَمِنْ خَصَائِصِهِ انْتِسَابُ أَوْلَادِ فَاطِمَةَ إلَيْهِ

( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى عَقِبِهِ أَوْ ) وَقَفَ عَلَى ( نَسْلِهِ أَوْ ) ( وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ ) وَقَفَ عَلَى ( ذُرِّيَّتِهِ لَمْ يَدْخُلْ ) فِيهِمْ ( وَلَدُ بَنَاتٍ ) وَلَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ الْوَقْفِ ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ ( إلَّا بِقَرِينَةٍ كَ ) قَوْلِهِ ( مَنْ مَاتَ ) عَنْ وَلَدٍ ( فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ ) كَقَوْلِهِ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانَةَ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَنَحْوِهِ ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِوَلَدِ الذَّكَرِ سَهْمَيْنِ وَلِوَلَدِ الْأُنْثَى سَهْمًا وَنَحْوِهِ .
وَأَصْلُ النَّسْلِ مِنْ النَّسَالَةِ وَهُوَ شَعْرُ الدَّابَّةِ إذَا سَقَطَ عَنْ جَسَدِهَا ، وَالذُّرِّيَّةُ مِنْ ذَرَأَ إذَا زَرَعَ قَالَ الشَّاعِرُ : شَقَقْتَ الْقَلْبَ ثُمَّ ذَرَأْتَ فِيهِ .
أَوْ مِنْ ذَرَّ إذَا طَلَعَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ ( وَ ) مَنْ وَقَفَ ( عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ) أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا ، الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَنَحْوُهُ ، أَوْ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ ( فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى مِثْلِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ .
فَيُتَّبَعُ فِيهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ ( فَلَوْ قَالَ وَمَنْ مَاتَ ) مِنْهُمْ ( عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ) فَهُوَ دَلِيلُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى التَّشْرِيكَ لَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ وَلَوْ جَعَلْنَا لِوَلَدِ الِابْنِ سَهْمًا كَأَبِيهِ ثُمَّ دَفَعْنَا إلَيْهِ سَهْمَ أَبِيهِ صَارَ لَهُ سَهْمَانِ وَلِغَيْرِهِ سَهْمٌ وَهُوَ يُنَافِي التَّسْوِيَةَ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَفْضِيلِ وَلَدِ الِابْنِ عَلَى الِابْنِ .
وَالظَّاهِرُ مِنْ مُرَادِ الْوَاقِفِ خِلَافُهُ فَيَكُونُ تَرْتِيبًا بَيْنَ كُلِّ وَلَدٍ وَوَالِدِهِ فَإِذَا مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مَنْ لَهُ وَلَدٌ ( اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ نَصِيبَهُ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ ) سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَحَدٌ أَمْ لَا .
فَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ

عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةً وَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِلْآخَرِينَ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ كَانَ النِّصْفُ لِوَلَدِهِ فَإِذَا مَاتَ الثَّانِي عَنْ وَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ فَنَصِيبُهُ لَهُمْ ( وَ ) إنْ أَتَى الْوَاقِفُ ( بِالْوَاوِ ) بِأَنْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ كَانَتْ الْوَاوُ ( لِلِاشْتِرَاكِ ) لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَيَشْتَرِكُونَ فِيهِ بِلَا تَفْضِيلٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ ( وَ ) إنْ قَالَ ( عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَالْوَقْفُ مُرَتَّبٌ ) كَالْأَمْثِلَةِ قَبْلَ الْأَخِيرِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ ( فَهُوَ ) أَيْ نَصِيبُهُ ( لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ ) أَيْ الْمَيِّتُ ( مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ) الْمُسْتَحَقِّينَ لَهُ دُونَ بَاقِي الْبُطُونِ ، وَدُونَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ فِي الْوَقْفِ .
فَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ .
وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ وَالثَّانِي عَنْ ابْنَيْنِ ، وَبَقِيَ الثَّالِثُ وَلَهُ ابْنٌ فَأَكْثَرُ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَنْ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الْمَيِّتِ أَوَّلًا وَبَنِي عَمِّهِ الْحَيِّ .
فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ .
وَلِابْنِ عَمِّهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ دُونَ عَمِّهِ الْحَيِّ وَأَوْلَادِهِ ( وَكَذَا إنْ كَانَ ) الْوَقْفُ ( مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبُطُونِ ) لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَخُصَّ بِنَصِيبِهِ أَهْلَ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ لِهَذَا الشَّرْطِ فَائِدَةٌ : وَالظَّاهِرُ : أَنَّهُ قَصَدَ شَيْئًا يُفِيدُ .
( فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ( فَكَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا تَظْهَرُ بِهِ فَائِدَتُهُ ( فَيَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ ) مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ( فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِرَاكِ ) لِأَنَّ التَّشْرِيكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ .
وَتَخْصِيصُ بَعْضِ الْبُطُونِ يُفْضِي إلَى عَدَمِهَا (

وَيَخْتَصُّ ) الْبَطْنُ ( الْأَعْلَى بِهِ ) أَيْ بِنَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ ( فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ ) لِأَنَّ الْوَاقِفَ رَتَّبَ فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ ، حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْوَقْفُ ( عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ) كَمَا لَوْ قَالَ : وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ( عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ اخْتَصَّ بِهِ الْأَعْلَى ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعَةُ بَنِينَ فَوَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ دُونَ الرَّابِعِ ، وَقَالَ : عَلَى أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ .
فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ .
فَنَصِيبُهُ بَيْنَ أَخَوَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ دُونَ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ أَشْبَهَ ابْنَ عَمِّهِمْ ، وَحَيْثُ كَانَ نَصِيبُ مَيِّتٍ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ ( فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إخْوَتُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوِهِمْ ) كَبَنِي بَنِي بَنِي عَمِّ أَبِي أَبِيهِ لِأَنَّهُمْ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْقُرْبِ إلَى الْجَدِّ الَّذِي يَجْمَعُهُمْ .
وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ( إلَّا أَنْ يَقُولَ ) الْوَاقِفُ ( يُقَدَّمُ ) مِنْهُمْ ( الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْمُتَوَفَّى وَنَحْوِهِ ) كَقَوْلِهِ : إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ ( فَيَخْتَصُّ بِالْأَقْرَبِ ) فَلَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ فَمُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ : يُقَدَّمُ الشَّقِيقُ فِيمَا إذَا قَالَ : يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، وَبِالْإِخْوَةِ إذَا قَالَ : لِإِخْوَتِهِ ( وَلَيْسَ مِنْ الدَّرَجَةِ مَنْ هُوَ أَعْلَى ) مِنْ الْمَيِّتِ كَعَمِّهِ ( أَوْ أَنْزَلُ مِنْهُ ) كَابْنِ أَخِيهِ ( وَالْحَادِثُ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْآيِلِ نَصِيبُهُ إلَيْهِمْ .
كَالْمَوْجُودِينَ حِينَهُ ) أَيْ الْمَوْتِ ( فَيُشَارِكُهُمْ ) لِوُجُودِ الْوَصْفِ فِيهِ ( وَعَلَى هَذَا ) الْقَوْلِ ، وَهُوَ مُشَارَكَةُ الْحَادِثِ لِلْمَوْجُودِينَ ( لَوْ حَدَثَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْ الْمَوْجُودِينَ وَشَرَطَ ) الْوَاقِفُ ( اسْتِحْقَاقَ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى .
أَخَذَهُ مِنْهُمْ ) أَيْ أَخَذَ الْحَادِثُ مَا آلَ إلَى النَّازِلِينَ عِنْدَ عَدَمِهِ ، عَمَلًا بِالشَّرْطِ .
فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ، وَمَاتَ أَوْلَادُهُ ، وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِهِمْ ، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ أَخَذَ الْوَقْفَ مِنْ أَوْلَادِ إخْوَتِهِ

( وَ ) مَنْ قَالَ : وَقَفْتُ هَذَا ( عَلَى وَلَدِي ) بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ ( فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِي ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ كَانَ ) الْوَقْفُ ( عَلَى ) الْوَلَدَيْنِ ( الْمُسَمَّيَيْنِ وَ ) عَلَى ( أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ الثَّالِثِ ) لِدُخُولِهِ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ ( دُونَهُ ) أَيْ الثَّالِثِ .
فَلَا يَدْخُلُ عَمَلًا بِالْبَدَلِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : الْمَنْصُوصُ : دُخُولُ الْجَمِيعِ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ .
( وَ ) إنْ قَالَ : وَقَفْتُ ( عَلَى زَيْدٍ وَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ .
كَانَ ) الْوَقْفُ ( بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ ) لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ : فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ : عَلَى دُخُولِهِمْ فِيهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَوَقُّفِ اسْتِحْقَاقِ الْمَسَاكِينِ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ فَائِدَةٌ .
( وَ ) إنْ قَالَ : وَقَفْتُ ( عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ ، ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ ، عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لَهُ ) هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْوَاقِفِ ( فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَتَرَكَ بِنْتًا ثُمَّ مَاتَتْ ) الْبِنْتُ ( عَنْ وَلَدٍ .
فَلَهُ مَا اسْتَحَقَّتْهُ ) أُمُّهُ ( قَبْلَ مَوْتِهَا ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ لَا ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ .
لِأَنَّهُ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ .
وَالِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا مَشْرُوطٌ لِوَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ الْبُطُونِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ الْبِنْتِ مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِابْنِ عَمِّهَا ( وَلَوْ قَالَ ) وَاقِفٌ ( وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ .
ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ عَمَّنْ لَمْ يُعْقِبْ ) مِنْ إخْوَتِهِ .
ثُمَّ نَسْلِهِمْ ( وَمَنْ أَعْقَبَ ثُمَّ انْقَطَعَ

عَقِبُهُ ) أَيْ ذُرِّيَّتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ ، وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ .
فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَطْعًا ( وَيَصِحُّ ) أَنْ يَقِفَ ( عَلَى وَلَدِهِ وَمَنْ يُولَدُ لَهُ ) نَصًّا .
كَعَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَبَدًا لِدُخُولِهِمْ تَبَعًا

( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى بَنِيهِ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَ ) هُوَ ( لِلذُّكُورِ خَاصَّةً ) لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ وُضِعَ لِذَلِكَ حَقِيقَةً .
قَالَ تَعَالَى { أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ } وَقَالَ تَعَالَى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ } وَإِنْ وَقَفَ عَلَى بَنَاتِهِ اخْتَصَّ بِهِنَّ .
وَلَا يَدْخُلُ الْخُنْثَى فِي الْبَنِينَ وَلَا الْبَنَاتِ إلَّا إنْ اتَّضَحَ ( وَإِنْ كَانُوا ) أَيْ بَنُو فُلَانٍ ( قَبِيلَةً ) كَبَنِي هَاشِمٍ وَتَمِيمٍ ( دَخَلَ نِسَاؤُهُمْ ) لِأَنَّ اسْمَ الْقَبِيلَةِ يَشْمَلُ ذَكَرَهَا وَأُنْثَاهَا رُوِيَ " أَنَّ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قُلْنَ : نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَا حَبَّذَا مُحَمَّدًا مِنْ جَارِ ( دُونَ أَوْلَادِهِنَّ ) أَيْ نِسَاءِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ ( مِنْ ) رِجَالِ ( غَيْرِهِمْ ) لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُنْسَبُونَ لِآبَائِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَلَا يَدْخُلُ مَوَالِيهِمْ .
لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ حَقِيقَةً كَمَا لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ نَصًّا ، لِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي ( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى عِتْرَتِهِ أَوْ عَشِيرَتِهِ فَكَمَا ) لَوْ وَقَفَ ( عَلَى قَبِيلَتِهِ ) قَالَ فِي الْمُقْنِعِ : الْعِتْرَةُ هِيَ الْعَشِيرَةُ انْتَهَى لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ فِي مَحْفِلِ الصَّحَابَةِ " نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ " وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ .
وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ

( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى قَرَابَتِهِ أَوْ قَرَابَةِ زَيْدٍ فَ ) هُوَ ( لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَبِيهِ ) وَهُمْ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ ( وَ ) أَوْلَادُ ( جَدِّهِ ) وَهُمْ أَبُوهُ وَأَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ ( وَ ) أَوْلَادُ ( جَدِّ أَبِيهِ ) وَهُمْ جَدُّهُ وَأَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُ أَبِيهِ فَقَطْ .
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى } فَلَمْ يُعْطِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا .
وَإِنَّمَا أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَلَمْ يُعْطِ قَرَابَتَهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ وَهُمْ بَنُو زُهْرَةَ شَيْئًا مِنْهُ .
وَيُسَوِّي بَيْنَ مَنْ يُعْطِي مِنْهُمْ .
فَلَا يُفَضِّلُ أَعْلَى وَلَا فَقِيرًا وَلَا ذَكَرًا عَلَى مَنْ سِوَاهُ .
( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ ) عَلَى ( قَوْمِهِ أَوْ ) عَلَى ( نِسَائِهِ أَوْ ) عَلَى ( آلِهِ أَوْ ) عَلَى ( أَهْلِهِ كَعَلَى قَرَابَتِهِ ) أَمَّا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِي وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي } فَجُعِلَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ عِوَضًا عَنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ فَكَانَ ذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هُمْ أَهْلَ بَيْتِهِ .
احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .
وَيُقَاسُ عَلَيْهِمْ الْبَاقِي .
وَقَالَ ابْنُ الْجَعْدِ : الْقَوْمُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ ، سُمُّوا قَوْمًا لِقِيَامِهِمْ بِالْأُمُورِ

( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ فَ ) هُوَ ( لِكُلِّ قَرَابَةٍ لَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ ( مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ ) عَصَبَةً كَانُوا كَالْآبَاءِ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ أَوْ لَا ، كَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْعَمِّ .
( وَ ) لِكُلِّ قَرَابَةٍ مِنْ جِهَةِ ( الْأُمَّهَاتِ ) كَأُمِّهِ وَأَبِيهَا وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ وَإِنْ عَلَوْا ( وَ ) لِكُلِّ قَرَابَةٍ مِنْ جِهَةِ ( الْأَوْلَادِ ) كَابْنِهِ وَبِنْتِهِ وَأَوْلَادِهِمْ .
لِأَنَّ الرَّحِمَ يَشْمَلُهُمْ ( وَ ) إنْ قَالَ : وَقَفْتُ ( عَلَى الْأَيَامَى أَوْ ) عَلَى ( الْعُزَّابِ فَ ) هُوَ ( لِمَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ .
قَالَ تَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } وَيُقَالُ : رَجُلٌ عَزَبٌ وَامْرَأَةٌ عَزَبٌ .
قَالَ ثَعْلَبٌ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَزَبًا بِالِانْفِرَادِ .
وَكُلُّ شَيْءٍ انْفَرَدَ فَهُوَ عَزَبٌ .
وَذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ : أَعْزَبُ .
وَرُدَّ بِأَنَّهَا لُغَةٌ .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { وَكُنْتُ شَابًّا أَعْزَبَ } وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهِ ( وَالْأَرَامِلِ ) جَمْعُ أَرْمَلَةٍ ( النِّسَاءُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ) نَصًّا .
لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ النَّاسِ ( وَبِكْرٌ وَثَيِّبٌ وَعَانِسٌ ) أَيْ مَنْ بَلَغَ حَدَّ التَّزْوِيجِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ ( أُخُوَّةٌ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ ( وَعُمُومَةٌ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى ) وَالرَّهْطُ لُغَةً : مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ .
وَالْجَمْعُ أَرْهُطٌ وَأَرْهَاطٌ وَأَرَاهِطُ وَأَرَاهِيطُ .
وَفِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ : الرَّهْطُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ .
وَكَذَا قَالَ : النَّفَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ .
قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ

( وَإِنْ وَقَفَ أَوْ وَصَّى ) بِشَيْءٍ ( لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ ) لِ ( قَرَابَتِهِ أَوْ إخْوَتِهِ وَنَحْوِهِمْ ) كَأَعْمَامِهِ وَجِيرَانِهِ ( لَمْ يَدْخُلْ ) فِيهِمْ ( مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ ) أَيْ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي .
لِأَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ .
وَلَمْ تَشْمَلْ الْمُخَالِفَ لِلدِّينِ فَكَذَا هُنَا .
وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ( إلَّا ) بِنَصٍّ عَلَى دُخُولِهِمْ أَوْ ( بِقَرِينَةٍ ) تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِمْ .
فَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُخَالِفِينَ لِدِينِهِ دَخَلُوا كُلُّهُمْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى رَفْعِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ .
فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ عَلَى دِينِهِ وَالْبَاقُونَ يُخَالِفُونَهُ ، فَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ وَجَزَمَ فِي الْإِقْنَاعِ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ .
لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا

( وَ ) مَنْ وَقَفَ ( عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقٍ ) أَعْتَقُوهُ ( وَ ) لَهُ مَوَالٍ ( مِنْ أَسْفَلَ ) أَعْتَقَهُمْ ( تَنَاوَلَ ) اللَّفْظُ ( جَمِيعَهُمْ ) وَاسْتَوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ إنْ لَمْ يَفْضُلْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ ( وَمَتَى عَدِمَ ) أَيْ انْقَرَضَ ( مَوَالِيهِ فَ ) الْوَقْفُ ( لِعَصَبَتِهِمْ ) أَيْ عَصَبَةِ مَوَالِيهِ .
لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ ( وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ ) حِينَ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ ( فَ ) الْوَقْفُ ( لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ ) لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُمْ مَجَازًا مَعَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ .
فَإِنْ كَانَ لَهُ إذْ ذَاكَ مَوَالٍ فَانْقَرَضُوا لَمْ يَرْجِعْ الْوَقْفُ لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ غَيْرَهُمْ .
فَلَا يَعُودُ إلَيْهِمْ إلَّا بِعَقْدٍ وَلَمْ يُوجَدْ .
( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ ) كَبَنِيهِ أَوْ إخْوَتِهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ ، وَلَيْسُوا قَبِيلَةً أَوْ مَوَالِيهِ أَوْ مَوَالِي فُلَانٍ ( وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ ) بِالْوَقْفِ ( وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ ) فِيهِ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ ذَلِكَ .
وَإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ ( كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ ) بِشَيْءٍ .
وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } ( وَلَوْ أَمْكَنَ ) التَّعْمِيمُ ( ابْتِدَاءً ثُمَّ تَعَذَّرَ ) لِكَثْرَةِ أَهْلِهِ ( كَوَقْفِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عَمَّمَ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ ، وَسَوَّى بَيْنَهُمْ ) وُجُوبًا .
لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَالتَّسْوِيَةَ كَانَا وَاجِبَيْنِ فِي الْجَمِيعِ .
فَإِذَا تَعَذَّرَا فِي بَعْضٍ وَجَبَا فِيمَا لَمْ يَتَعَذَّرَا فِيهِ كَوَاجِبٍ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنِ الْوَقْفُ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ ، كَقُرَيْشٍ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَجِبْ تَعْمِيمُهُمْ لِتَعَذُّرِهِ .
وَ ( جَازَ التَّفْضِيلُ ) بَيْنَهُمْ .
لِأَنَّهُ إذَا جَازَ حِرْمَانُ بَعْضِهِمْ جَازَ تَفْضِيلُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ .
( وَ ) جَازَ ( الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ ) مِنْهُمْ .
لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ

عَدَمُ مُجَاوَزَةِ الْجِنْسِ .
وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالدَّفْعِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَالزَّكَاةِ ( إنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى جَمْعٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ ، بِخِلَافِ مَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَعَذَّرَ كَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَصَارُوا قَبِيلَةً .
فَيُعَمَّمُ مَنْ أَمْكَنَ وَيُسَوِّي بَيْنَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ ) عَلَى ( الْمَسَاكِينِ تَنَاوَلَ الْآخَرَ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى إذَا اجْتَمَعَا فِي الذِّكْرِ ( وَلَا يَدْفَعُ إلَى وَاحِدٍ ) مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِمْ ( أَكْثَرَ مِمَّا يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ إنْ كَانَ ) الْوَقْفُ ( عَلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهَا ) أَيْ الزَّكَاةِ ، كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الرِّقَابِ أَوْ الْغَارِمِينَ أَوْ الْغُزَاةِ .
لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا .
فَيُعْطَى فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ عَائِلَتِهِمَا سَنَةً .
وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ مَا يَقْضِيَانِ بِهِ دَيْنَهُمَا .
وَهَكَذَا ( وَمَنْ وَجَدَ فِيهِ صِفَاتٍ ) كَفَقِيرٍ هُوَ ابْنُ سَبِيلٍ وَغَارِمٍ ( اسْتَحَقَّ بِهَا ) أَيْ بِصِفَاتِهِ فَيُعْطِي مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَيُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ وَتَمَامُ كِفَايَتِهِ مَعَ عَائِلَتِهِ سَنَةً كَالزَّكَاةِ ( وَمَا يَأْخُذُ الْفُقَهَاءُ مِنْهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ( كَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ .
وَكَذَا الْمَوْقُوفُ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمُوصَى بِهِ أَوْ الْمَنْذُورِ لَهُ ( لَا كَجُعْلٍ وَلَا كَأُجْرَةٍ ) فَلَا يُنْقَصُ بِهِ الْأَجْرُ مَعَ الْإِخْلَاصِ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِشَرْطٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ انْتَهَى .
وَهَذَا فِي الْأَوْقَافِ الْحَقِيقِيَّةِ .
أَمَّا الْأَوْقَافُ الَّتِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَأَوْقَافِ السَّلَاطِينِ فَيَجُوزُ لِمَنْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ التَّنَاوُلُ مِنْهَا .
وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَشْرُوطَ ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ بِالْمُوَافَقَةِ لِبَعْضِ الْمُعَامِرِينَ لَهُ .

وَأَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ

( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى الْقُرَّاءِ فَلِلْحُفَّاظِ ) لِلْقُرْآنِ ( وَعَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ .
فَلِمَنْ عَرَفَهُ ) وَلَوْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ ( وَعَلَى الْعُلَمَاءِ .
فَلِحَمَلَةِ الشَّرْعِ ) وَلَوْ أَغْنِيَاءَ .
وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فُقَهَاءَ وَمُتَفَقِّهَةً كَعُلَمَاءَ .
( وَ ) إنْ وَقَفَ ( عَلَى سُبُلِ الْخَيْرِ .
فَلِمَنْ أَخَذَ مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ ) كَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَعَلَى أَعْقَلِ النَّاسِ تَوَجَّهَ أَنَّهُمْ الزُّهَّادُ .
وَذَكَره فِي الْفُرُوعِ .
وَالزُّهْدُ تَرْكُ فُضُولِ الْعَيْشِ وَمَا لَيْسَ بِضَرُورَةٍ فِي بَقَاءِ النَّفْسِ .
وَعَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
وَإِنْ جَعَلَ وَقْفَهُ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ شَمِلَ الْقُرَبَ كُلَّهَا .
وَأَفْضَلُهَا الْغَزْوُ وَيَبْدَأُ بِهِ نَصًّا .
وَيُعْطِي مَنْ صَارَ مُسْتَحِقًّا قَبْلَ الْقِسْمَةِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى فِي السَّبِيلِ : يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ الشُّرْبُ مِنْهُ ( وَيَشْمَلُ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ ) كَالْمُسْلِمِينَ ( وَضَمِيرُهُ الْأُنْثَى ) تَغْلِيبًا ( لَا عَكْسُهُ ) فَلَا يَشْمَلُ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ كَالْمُسْلِمَاتِ الْمُذَكَّرِ

( وَ ) إنْ وَقَفَ لِيَصْرِفَ وَقْفَهُ ( لِجَمَاعَةٍ أَوْ لِجَمْعٍ مِنْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ فَلِثَلَاثَةٍ ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالِ ( وَيُتَمِّمُ ) الْجَمْعَ ( مِمَّا بَعْدَ الدَّرَجَةِ الْأُولَى ) إنْ لَمْ يَبْلُغْ أَهْلُهَا الثَّلَاثَةَ ، بِأَنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَأَوْلَادُ ابْنٍ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ يُضَمُّ لِابْنَيْنِ وَيُعْطُونَ الْوَقْفَ .
ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ ( وَشَمِلَ أَهْلَ الدَّرَجَةِ وَإِنْ كَثَرُوا ) فَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ بَنِينَ وُزِّعَ الرِّيعُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِهِمْ ( وَوَصِيَّةٌ كَوَقْفٍ ) فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى لَفْظِ الْمُوصِي كَمَا يَرْجِعُ فِي الْوَقْفِ إلَى لَفْظِ وَاقِفِهِ ( لَكِنَّهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةَ ( أَعَمُّ ) مِنْ الْوَقْفِ عَلَى مَا يَأْتِي .
فَيَصِحُّ لِمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمَا .

( فَصْلٌ .
وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ .
أَشْبَهَ الْعِتْقَ .
وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَا ، حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ لَا .
لِحَدِيثِ { لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ ( لَا يُفْسَخُ ) الْوَقْفُ ( بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ ( وَلَا يُبَاعُ ) فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ .
وَلَا يَصِحُّ وَلَا الْمُنَاقَلَةُ بِهِ ( إلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ ) مِنْهُ ( بِخَرَابٍ وَلَمْ يُوجَدْ ) فِي رِيعِ الْوَقْفِ ( مَا يَعْمُرُ بِهِ ) فَيُبَاعُ ( أَوْ ) تَتَعَطَّلُ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْخِرَابِ ، كَخَشَبٍ تَشَعَّثَ وَخِيفَ سُقُوطُهُ نَصًّا ( وَلَوْ كَانَ ) الْوَقْفُ ( مَسْجِدًا ) وَتَعَطَّلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ ( بِضِيقِهِ عَلَى أَهْلِهِ ) نَصًّا .
قَالَ فِي الْمُغْنِي .
وَلَمْ تُمْكِنْ تَوْسِعَتُهُ فِي مَوْضِعِهِ ( أَوْ ) كَانَ تَعْطِيلُ نَفْعِهِ ( بِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ ) وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ : يُحَوَّلُ الْمَسْجِدُ خَوْفًا مِنْ اللُّصُوصِ ، وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُهُ قَذَرًا .
قَالَ الْقَاضِي : يَعْنِي إذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَيُبَاعُ ( أَوْ ) كَانَ الْوَقْفُ ( حَبِيسًا لَا يَصْلُحُ لِغَزْوٍ فَيُبَاعُ ) لِأَنَّ الْوَقْفَ مُؤَبَّدٌ .
فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْبِيدُهُ بِعَيْنِهِ اسْتَبْقَيْنَا الْغَرَضَ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ عَلَى الدَّوَامِ فِي عَيْنٍ أُخْرَى .
وَاتِّصَالُ الْإِبْدَالِ يَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ .
وَجُمُودُنَا عَلَى الْعَيْنِ مَعَ تَعَطُّلِهَا تَضْيِيعٌ لِلْغَرَضِ ، كَذَابِحِ الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ فِي مَوْضِعِهِ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِمَوْضِعٍ آخَرَ .
فَلَمَّا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ بِالْكُلِّيَّةِ اسْتَوْفَى مِنْهُ مَا أَمْكَنَ .
وَقَوْلُهُ " فَيُبَاعُ " أَيْ وُجُوبًا ، كَمَا مَالَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ .
وَنُقِلَ مَعْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالْمُوَفَّقِ

وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ

( وَلَوْ شَرَطَ ) وَاقِفُهُ ( عَدَمَ بَيْعِهِ وَشَرْطُهُ ) إذْنٌ ( فَاسِدٌ ) نَصًّا وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ ( وَ ) حَيْثُ بِيعَ وَقْفٌ بِشَرْطِهِ فَإِنَّهُ ( يُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ ) إنْ أَمْكَنَ ( أَوْ ) فِي ( بَعْضِ مِثْلِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ الْخَرَابِ ( لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ ) لِأَنَّهُ حَيْثُ جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ فَالْبَعْضُ أَوْلَى ( إنْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ ) فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ ( إنْ كَانَ الْوَقْفُ ( عَيْنَيْنِ ) كَدَارَيْنِ خَرِبَتَا فَتُبَاعُ إحْدَاهُمَا لِتُعَمَّرَ بِهَا الْأُخْرَى ( أَوْ ) كَانَ ( عَيْنًا ) وَاحِدَةً ( وَلَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ ) بِالتَّشْقِيصِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ إذَنْ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ ( بِيعَ الْكُلُّ ) كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ أَوْ حَاجَةِ صَغِيرٍ ، بَلْ هَذَا أَسْهَل لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ

( وَلَا يُعَمَّرُ وَقْفٌ مِنْ آخَرَ ) وَلَوْ عَلَى جِهَتِهِ ( وَأَفْتَى ) الشَّيْخُ ( عُبَادَةَ ) مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا ( بِجَوَازِ عِمَارَةٍ مِنْ رِيعٍ ) وَقْفٍ ( آخَرَ عَلَى جِهَتِهِ ) قَالَ ( الْمُنَقِّحِ : وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ) .
وَفِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ قَوِيٌّ ، بَلْ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ .
لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا : يَعْنِي ابْنَ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ : إنَّ كَلَامَهُ فِي الْفُرُوعِ أَظْهَرُ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : وَمَا عَدَا الْمَسْجِدَ مِنْ الْأَوْقَافِ يُبَاعُ بَعْضُهُ لِإِصْلَاحِ مَا بَقِيَ ( وَيَجُوزُ نَقْضُ مَنَارَةِ مَسْجِدٍ وَجَعْلُهَا فِي حَائِطِهِ لِتَحْصِينِهِ ) نَصًّا مِنْ نَحْوِ كِلَابٍ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ .
( وَ ) يَجُوزُ ( اخْتِصَارُ آنِيَةٍ ) مَوْقُوفَةٍ ، كَقُدُورٍ وَقِرَبٍ وَنَحْوِهِمَا .
إذَا تَعَطَّلَتْ ( وَإِنْفَاقُ الْفَضْلِ ) مِنْهَا ( عَلَى الْإِصْلَاحِ ) فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاخْتِصَارُ اُحْتُمِلَ جَعْلُهَا نَوْعًا آخَرَ مِمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْأَوَّلِ ، وَاحْتُمِلَ أَنْ تُبَاعَ وَتُصْرَفَ فِي آنِيَةٍ مِثْلِهَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَقِبَهُ : وَهُوَ الصَّوَابُ ( و يَبِيعُهُ ) أَيْ الْوَقْفَ حَيْثُ جَازَ بَيْعُهُ ( حَاكِمٌ إنْ كَانَ ) الْوَقْفُ ( عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ ) كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَنَحْوِهَا .
لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِعَقْدٍ لَازِمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا ، فَتَوَقَّفَ عَلَى الْحَاكِمِ ، كَالْفُسُوخِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ .
بَلْ كَانَ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ مَنْ يَؤُمُّ أَوْ يُؤَذِّنُ أَوْ يَقُومُ بِهَذَا الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ ( فَ ) يَبِيعُهُ ( نَاظِرٌ خَاصٌّ ) إنْ كَانَ ( وَالْأَحْوَطُ إذَنْ حَاكِمٌ لَهُ ) لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعَ عَلَى مَنْ سَيَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ .
أَشْبَهَ الْبَيْعَ عَلَى الْغَائِبِ ( وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ الْبَدَلِ ) لِجِهَةِ الْوَقْفِ ( يَصِيرُ وَقْفًا كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ وَ ) بَدَلِ ( رَهْنٍ أُتْلِفَ ) لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ ، وَشِرَاءُ الْوَكِيلِ

يَقَعُ لِمُوَكِّلِهِ .
فَكَذَا هُنَا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْجِهَةِ الْمُشْتَرَى لَهَا ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا وَقْفًا ( وَالِاحْتِيَاطُ وَقْفُهُ ) لِئَلَّا يَنْقُضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَا يَرَى وَقْفَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ

( تَتِمَّةٌ ) فِي الْفُنُونِ لَا بَأْسَ بِتَغْيِيرِ حِجَارَةِ الْكَعْبَةِ إنْ عَرَضَ لَهَا مَرَمَّةٌ لِأَنَّ كُلَّ عَصْرٍ احْتَاجَتْ فِيهِ إلَيْهِ قَدْ فُعِلَ ، وَلَمْ يَظْهَرْ نَكِيرٌ وَلَوْ تَعَيَّنَتْ الْآيَةُ لَمْ يَجُزْ كَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَلَا يَنْتَقِلُ النُّسُكُ مَعَهُ ، كَآيِ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْ سُورَةٍ هِيَ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ إلَّا بِنَصٍّ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { ضَعُوهَا فِي سُورَةِ كَذَا } قَالَ : وَلِهَذَا حَسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّة التَّغْيِيرِ فِي إدْخَالِ الْحَجَرِ إلَى الْبَيْتِ .
وَيُكْرَهُ نَقْلُ حِجَارَتِهَا عِنْدَ عِمَارَتِهَا إلَى غَيْرِهَا .
كَمَا لَا يَجُوزُ ضَرْبُ تُرَابِ الْمَسَاجِدِ لَبِنًا فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّى أَبْنِيَتُهَا زِيَادَةً عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ عُلُوِّهَا وَإِنَّهُ يُكْرَهُ الصَّكُّ فِيهَا وَفِي أَبْنِيَتِهَا إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ الْبِنَاءُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ .
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا الْمُعَارَضُ فِي زَمَنِهِ لَفَعَلَهُ كَمَا فِي خَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّوَابِ لِأَجْلِ قَالَةِ النَّاسِ .
وَرَأَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ تَرْكُهُ أَوْلَى لِئَلَّا يَصِيرَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ

( وَفَضْلُ غَلَّةٍ مَوْقُوفٌ عَلَى مُعَيَّنٍ ) كَزَيْدٍ أَوْ وَلَدِهِ ( اسْتِحْقَاقُهُ مُقَدَّرٌ ) بِأَنْ قَالَ : يُعْطِي مِنْ رِيعِهِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَرِيعُهُ أَكْثَرُ ( يَتَعَيَّنُ إرْصَادُهُ ) أَيْ الْفَضْلُ لِأَنَّهُ رُبَمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ بَعْدُ ( وَمَنْ وَقَفَ عَلَى ثَغْرٍ فَاخْتَلَّ ) الثَّغْرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ( صَرَفَ ) مَا وَقَفَ عَلَيْهِ ( فِي ثَغْرٍ مِثْلِهِ وَعَلَى قِيَامِهِ ) أَيْ الثَّغْرِ ( مَسْجِدٌ وَرِبَاطٌ وَنَحْوُهُمَا ) كَسِقَايَةٍ .
فَإِذَا تَعَذَّرَ الصَّرْفُ فِيهَا صَرَفَ فِي مِثْلِهَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ حَسَبَ الْإِمْكَانَ ( وَنَصَّ ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ ( فِي مَنْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ فَانْحَرَفَ الْمَاءُ بِرَصْدٍ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ ) أَيْ الْمَاءُ إلَى الْقَنْطَرَةِ فَيَصْرِفُ عَلَيْهَا مَا وَقَفَ عَلَيْهَا ( وَمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَسْجِدًا كَانَ أَوْ رِبَاطًا وَنَحْوَهُ ( مِنْ حُصْرِ وَزَيْتٍ وَمَغَلٍّ وَأَنْقَاضٍ وَآلَةٍ ) جَدِيدَةٍ ( وَثَمَنِهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنْ بِيعَتْ ( يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي مِثْلِهِ ) فَإِنْ فَضَلَ عَنْ مَسْجِدٍ صُرِفَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى رِبَاطٍ فَفِي رِبَاطٍ .
( وَ ) يَجُوزُ صَرْفُهُ ( إلَى فَقِيرٍ ) نَصًّا .
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ الْحَجَبِيَّ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِخِلْقَانِ الْكَعْبَةِ .
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ : أَنَّ عَائِشَةَ أَمَرَتْهُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ مَالُ اللَّهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَصْرِفٌ فَجَازَ صَرْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ .
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ صَرْفِهِ فِي مِثْلِهِ وَفِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ وَبِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رِيعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ قَالَ : وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ رِيعَهُ يَفْضُلُ عَنْهُ دَائِمًا وَجَبَ صَرْفُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فَسَادٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ إعْطَائِهِ فَرْقَ مَا قَدَّرَهُ لَهُ وَالْوَاقِفِ .
لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَكَلَامُ غَيْرِهِ مَعْنَاهُ .
وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ

( وَيَحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ ) بِمَسْجِدٍ وَلَوْ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ .
لِأَنَّ الْبُقْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( غَرْسُ شَجَرَةٍ بِمَسْجِدٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ حَفَرَ الْبِئْرَ أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَةَ ( طُمَّتْ ) الْبِئْرُ نَصًّا ( وَقُلِعَتْ ) الشَّجَرَةُ نَصًّا .
قَالَ أَحْمَدُ : غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقِّ ظَالِمٍ غَرَسَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ .
وَظَاهِرُهُ : أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ قَلْعُهَا بِوَاحِدٍ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ : أَنَّهُ لِلْإِمَامِ ( فَإِنْ لَمْ تُقْلَعْ ) الشَّجَرَةُ وَأَثْمَرَتْ ( فَثَمَرَتُهَا لِمَسَاكِينِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَالْأَقْرَبُ حِلُّهُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاكِينِ ( وَإِنْ غُرِسَتْ ) الشَّجَرَةُ ( قَبْلَ بِنَائِهٍ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ( وَوُقِفَتْ ) الشَّجَرَةُ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْمَسْجِدِ ( فَإِنْ عَيَّنَ ) الْوَاقِفُ ( مَصْرِفَهَا ) بِأَنْ قَالَ : تُصْرَفُ ثَمَرَتُهَا فِي حُصْرٍ أَوْ زَيْتٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِ ( عُمِلَ بِهِ ) أَيْ بِمَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ ( وَإِلَّا ) يُعَيَّنْ مَصْرِفُهَا ( فَكَ ) وَقْفٍ ( مُنْقَطِعٍ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهَا ( وَيَجُوزُ رَفْعُ مَسْجِدٍ أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ ) أَيْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ ( ذَلِكَ ) أَيْ رَفْعَهُ ( وَجَعْلَ سُفْلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ ) يُنْتَفَعُ بِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَ ( لَا ) يَجُوزُ ( نَقْلُهُ ) أَيْ الْمَسْجِدِ إلَى مَكَان غَيْرِ مَكَانَهُ الْأَوَّلِ وَلَوْ خَرِبَ ( مَعَ إمْكَانَ عِمَارَتِهِ ) وَلَوْ ( دُونَ ) الْعِمَارَةِ ( الْأُولَى ) بِحَسَبِ النَّمَاءِ .
قَالَهُ فِي الْفُنُونِ .
وَغَلِطَ جَمَاعَةٌ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ .
وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمَسْجِدِ وَلَا مِحْرَابِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ .
وَمَنْ جَعَلَ سُفْلَ بَيْتِهِ مَسْجِدًا انْتَفَعَ بِسَطْحِهِ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا .
وَأَنَّهُ جَعَلَ السَّطْحَ مَسْجِدًا انْتَفَعَ بِأَسْفَلِهِ .
لِأَنَّ السَّطْحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى سُفْلٍ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ يَخْرُجُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ وَاقِفِي الْمَسَاجِدِ مِنْ الْبُيُوتِ

الَّتِي بِجَوَانِبِهِ ، وَبَعْضُهَا عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْمَسْجِدِيَّةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمَهُ .

بَابُ الْهِبَةِ وَأَصْلُهَا مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ أَيْ مُرُورِهِ يُقَالُ : وَهَبْتُ لَهُ وَهْبًا بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا وَهِبَةً وَهُوَ وَاهِبٌ وَوَهَّابٌ وَوَهُوبٌ وَوَهَّابَةٌ وَالِاسْمُ الْمُوهِبُ وَالْمَوْهِبَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ فِيهِمَا ، وَالِاتِّهَابُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُهَا وَتَوَاهَبُوا وَهَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَهِيَ شَرْعًا ( تَمْلِيكُ ) خَرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةُ ( جَائِزِ التَّصَرُّفِ ) أَيْ : مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ ( مَالًا مَعْلُومًا ) خَرَجَ بِهِ الْكَلْبُ وَنَحْوُهُ ( مَعْلُومًا ) يَصِحُّ بَيْعُهُ ( أَوْ ) مَالًا ( مَجْهُولًا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ ) كَدَقِيقٍ اخْتَلَطَ بِدَقِيقٍ لِآخَرَ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مِلْكَهُ مِنْهُ فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ لِلْحَاجَةِ .
وَفِي الْكَافِي تَصِحُّ هِبَةُ ذَلِكَ وَكَلْبٌ وَنَجَاسَةٌ يُبَاحُ نَفْعُهُمَا ( مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْدُومِ كَمَا تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ شَجَرَتُهُ ، وَلَا هِبَةُ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَآبِقٍ وَشَارِدٍ كَبَيْعِهِ ( غَيْرَ وَاجِبٍ ) عَلَى مُمَلِّكٍ .
فَلَا تُسَمَّى نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَنَحْوِهِمَا هِبَةً لِوُجُوبِهَا ( فِي الْحَيَاةِ ) خَرَجَ الْوَصِيَّةُ ( بِلَا عِوَضٍ ) فَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَبَيْعٌ وَيَأْتِي ( بِمَا يُعَدُّ هِبَةً ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَإِرْسَالِ هَدِيَّةٍ وَدَفْعِ دَرَاهِمَ لِفَقِيرٍ ، وَنَحْوِهِ ( عُرْفًا ) لِمُعَاطَاةٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِلَا عِوَضٍ ( فَمَنْ قَصَدَ بِإِعْطَاءٍ ) لِغَيْرِهِ ( ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَ ) الْمَدْفُوعُ ( صَدَقَةٌ وَ ) مَنْ قَصَدَ بِإِعْطَائِهِ ( إكْرَامًا وَتَوَدُّدًا وَنَحْوَهُ ) كَمَحَبَّةٍ فَالْمَدْفُوعُ ( هَدِيَّةٌ وَإِلَّا ) يَقْصِدُ بِإِعْطَائِهِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ ( فَ ) الْمَدْفُوعُ ( هِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ ) أَيْ : تُسَمَّى بِذَلِكَ فَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقَةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَحْثُوثٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {

تَهَادُوا تَحَابُّوا } وَمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّدَقَةِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تُقْبَلُ هَدِيَّةُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي الْمُشْرِكِ أَلَيْسَ يُقَالُ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ وَقَبِلَ وَقَدْ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ( وَيَعُمُّ جَمِيعَهَا ) أَيْ : الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْهِبَةِ ( لَفْظُ الْعَطِيَّةِ ) لِشُمُولِهِ لَهَا ( وَقَدْ يُرَادُ بِعَطِيَّةٍ الْهِبَةِ ) أَيْ : الْمَوْهُوبُ ( فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ) كَمَا يَأْتِي

( وَمَنْ أَهْدَى لِيُهْدَى لَهُ أَكْثَرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ) لِحَدِيثِ الْمُسْتَفْزِزُ يُثَابُ مِنْ هِبَةٍ ( لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ } وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْحِرْصِ وَالْمِنَّةِ

( وَوِعَاءُ هَدِيَّةٍ كَهِيَ ) فَلَا يُرَدُّ ( مَعَ عُرْفٍ ) كَقَوْصَرَةِ التَّمْرِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ رَدَّهُ ( وَكُرِهَ رَدُّ هِبَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ ) ؛ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { لَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ } وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ : الْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَنْهُ يَجِبُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الزَّكَاةِ لِلْخَبَرِ

( وَيُكَافِئُ ) الْمُهْدَى لَهُ ( أَوْ يَدْعُو ) لَهُ .
وَفِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ دَعَا لَهُ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَكَى أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى عَنْ وَهْبٍ قَالَ تَرْكُ الْمُكَافَأَةِ مِنْ التَّطْفِيفِ وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ ( إلَّا إذَا عَلِمَ ) الْمُهْدَى لَهُ ( أَنَّهُ ) أَيْ : الْمُهْدِي ( أَهْدَى حَيَاءً فَيَجِبُ الرَّدُّ ) أَيْ : رَدُّ هَدِيَّتِهِ إلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ فِي الْآدَابِ : وَهُوَ قَوْلٌ : حَسَنٌ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ فِي الْعُقُودِ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَةٌ

( وَإِنْ شُرِطَ فِيهَا ) أَيْ : الْهِبَةِ عِوَضٌ مَعْلُومٌ صَحَّ نَصًّا كَشَرْطِهِ فِي عَارِيَّةٍ ( وَصَارَتْ بَيْعًا ) بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي عَارِيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ عِوَضٌ مَعْلُومٌ فَتَصِيرُ إجَارَةً

( وَإِنْ شُرِطَ ) فِي هِبَةٍ ( ثَوَابٌ مَجْهُولٌ لَمْ تَصِحَّ ) كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَحُكْمُهَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَتُرَدُّ بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ زَوَائِدُهَا ضَمِنَهَا بِبَدَلِهَا فَإِنْ أُطْلِقَتْ الْهِبَةُ لَمْ تَقْتَضِ عِوَضًا سَوَاءٌ كَانَتْ لِمِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَقَوْلُ عُمَرَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا خَالَفَهُ ابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ

وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ : الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فِي شَرْطِ عِوَضٍ فِي الْهِبَةِ فَقَوْلٌ مُنْكَرٌ لَهُ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصَّادِرِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ وَهَبْتَنِي مَا بِيَدِي فَقَالَ مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ قَبْلُ بَلْ بِعْتُكَهُ وَلَا هِبَةَ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ مِنْ دَعْوَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ وَلَا هِبَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَيْعَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا

وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِعَقْدٍ وَتُمْلَكُ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ بِعَقْدٍ أَيْ : إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَالْقَبْضُ مُعْتَبَرٌ لِلُزُومِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا لِانْعِقَادِهَا وَإِنْشَائِهَا حَكَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْمُغْنِي وَالِانْتِصَارِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ فِي الشَّرْحِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ كَالْإِيجَابِ فِي غَيْرِهَا وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ فِيهَا مُرَاعًى فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَبُولِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ النَّمَاءُ وَالْفِطْرَةُ

فَيَصِحُّ تَصَرُّفُ مَوْهُوبٍ لَهُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ قَبْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَالنَّمَاءُ لِلْمُتَّهِبِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَبِيعُ بِخِيَارٍ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ زَمَنَهُ فَهُنَا أَوْلَى وَلِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ

وَتَصِحُّ هِبَةٌ وَتَمَلُّكٌ بِمُعَاطَاةٍ بِفِعْلٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُهْدِي وَيُهْدَى إلَيْهِ وَيُعْطِي وَيُعْطَى لَهُ وَأَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ لَفْظُ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ وَلَا أَمْرٍ بِهِ وَلَا بِتَعْلِيمِهِ لِأَحَدٍ وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ نَقْلًا مَشْهُورًا { وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى بَعِيرٍ لِعُمَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بِعْنِيهِ فَقَالَ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَلَمْ يُنْقَلْ قَبُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ وَلَا قَبُولُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الرِّضَا بِنَقْلِ الْمِلْكِ تَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَتَجْهِيزُ بِنْتِهِ بِجِهَازٍ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَمْلِيكٌ لِوُجُودِ الْمُعَاطَاةِ بِالْفِعْلِ وَهِيَ أَيْ : الْهِبَةُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي تَرَاخِي قَبُولٍ عَنْ إيجَابٍ وَفِي تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا كَاسْتِثْنَاءِ وَاهِبٍ نَفْعَ مَوْهُوبٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَبَيْعٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ .
( وَ ) يَحْصُلُ قَبُولٌ هُنَا وَفِي وَصِيَّةٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَالٍّ عَلَى الرِّضَا لِمَا تَقَدَّمَ

وَقَبْضُهَا أَيْ : الْهِبَةُ كَ قَبْضِ مَبِيعٍ فَفِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ أَوْ مَذْرُوعٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ زَرْعٍ وَفِيمَا يُنْقَلُ بِنَقْلِهِ وَمَا يُتَنَاوَلُ بِتَنَاوُلِهِ وَمَا عَدَاهُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُ هِبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ وَاهِبٍ فِيهِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى وَاهِبٍ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَأَصْلِ الْعَقْدِ وَكَالرَّهْنِ

وَلَهُ أَيْ : الْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ وَفِي إذْنٍ فِي قَبْضِهَا قَبْلَهُ أَيْ : الْقَبْضِ وَلَوْ بَعْدَ تَصَرُّفِ مُتَّهِبٍ

وَيَبْطُلُ إذْنُ وَاهِبٍ فِي قَبْضِ هِبَةٍ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَيْ : الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ كَالْوَكَالَةِ وَإِنْ مَاتَ وَاهِبٌ قَبْلَ قَبْضِ هِبَتِهِ وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ أَوَّلًا فَوَارِثُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي إذْنٍ فِي قَبْضٍ وَ فِي رُجُوعٍ فِي هِبَتِهِ لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ يَئُولَ إلَى اللُّزُومِ كَالرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ خِيَارٌ بِخِلَافٍ نَحْوِ الْوَكَالَةِ

وَتَلْزَمُ هِبَةٌ بِقَبْضٍ بِإِذْنِ وَاهِبٍ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِعَائِشَةَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ يَا بُنَيَّةُ إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُذَاذَ عِشْرِينَ وُسْقًا وَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ وَحُزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ لَا نِحْلَةَ إلَّا نِحْلَةٌ يُجَوِّزُهَا الْوَلَدُ دُونَ الْوَالِدِ وَكَالطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِي أَكْلِهِ كَمَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ بِعَقْدٍ فِيمَا بِيَدِ مُتَّهِبٍ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ أَوْ مَضْمُونَةً كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ وَلَا يُحْتَاجُ لِمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ مُسْتَدَامٌ فَأَغْنَى عَنْ الِابْتِدَاءِ

وَتَبْطُلُ هِبَةٌ بِمَوْتِ مُتَّهِبٍ بَعْدَ عَقْدٍ وَقَبْلَ قَبْضٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَا إذَا مَاتَ مَنْ أُوجِبَ لَهُ بَيْعٌ قَبْلَ قَبُولِهِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ فَلَوْ أَنْفَذَهَا أَيْ : الْهِبَةَ وَاهِبٌ مَعَ رَسُولِهِ أَيْ : الْوَاهِبِ ثُمَّ مَاتَ مَوْهُوبٌ لَهُ أَيْ : الْمُرْسَلُ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ بِمَوْتِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ { لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَ لَهَا إنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقِيَ مِسْكٍ وَلَا أَرَى النَّجَاشِيَّ إلَّا قَدْ مَاتَ وَلَا أَرَى هَدِيَّتِي إلَّا مَرْدُودَةً عَلَيَّ فَإِنْ رُدَّتْ فَهِيَ لَكِ قَالَتْ فَكَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدَّتْ إلَيْهِ هَدِيَّتُهُ فَأَعْطَى كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيَّةً مِنْ مِسْكٍ وَأَعْطَى أُمَّ سَلَمَةَ بَقِيَّةَ الْمِسْكِ وَالْحُلَّةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَاهِبٌ وَمَتَى بَلَّغَ الرَّسُولُ مَوْتَهُ أَيْ : مَوْتَ الْوَاهِبِ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقٍ فَلَيْسَ لَهُ حَمْلُهَا إلَى الْمُهْدَى إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَارِثُ وَهِيَ ابْتِدَاءُ هِبَةٍ مِنْهُ لِبُطْلَانِ الْهِبَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْقَبُولِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ وَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ إنْ كَانَتْ مَعَ رَسُولٍ مَوْهُوبٍ لَهُ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ قَبْضَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَقَبْضِهِ فَيَكُونُ الْمَوْتُ بَعْدَ لُزُومِهَا بِالْقَبْضِ فَلَا يُؤَثِّرُ

وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لِحَمْلٍ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا وَالْهِبَةُ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ

( وَيَقْبَلُ وَيَقْبِضُ لِصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ) وَسَفِيهٍ وُهِبَ لَهُمْ شَيْءٌ ( وَلِيٌّ ) وَهُوَ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ لِأَنَّهُ قَبُولٌ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ حَظٌّ فَكَانَ إلَى الْوَلِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنْ عُدِمَ الْوَلِيُّ فَمَنْ يَلِيهِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِئَلَّا يَضِيعَ وَتَهْلَكَ وَيَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ قَبْضُ مَأْكُولٍ يُدْفَعُ مِثْلُهُ لِلصَّغِيرِ

فَإِنْ وَهَبَ هُوَ أَيْ : الْوَلِيُّ لِمُوَلِّيهِ وَكَّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ الْهِبَةَ مِنْهُ إنْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ وَيَقْبِضُ هُوَ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ لِلصَّبِيِّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لِلصَّبِيِّ وَيَقْبِضُ لَهُ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَا يَحْتَاجُ أَبٌ وَهَبَ مُوَلِّيَهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ إلَى تَوْكِيلٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْأَبَ وَغَيْرَهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ هُنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصْدُرُ مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْهِ كَالْأَبِ وَصَرِيحُ كَلَامِ الْمُغْنِي وَالْإِنْصَافِ أَنَّ تَوْكِيلَ غَيْرِ الْأَبِ يَكُونُ فِي الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْقَبُولِ فَقَطْ وَيَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبْضُ مِنْ الْوَاهِبِ

وَمَنْ أَبْرَأَ مَدِينَهُ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ وَهَبَهُ أَيْ : الدَّيْنَ لِمَدِينِهِ أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ : أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ أَوْ تَرَكَهُ لَهُ أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَيْ : الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَيْ : الْمَدِينِ أَوْ عَفَا عَنْهُ أَيْ : الدَّيْنَ صَحَّ ذَلِكَ جَمِيعُهُ وَكَانَ مُسْقِطًا لِلدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْطَيْتُكَهُ وَإِنَّمَا صَحَّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ انْصَرَفَ إلَى مَعْنَى الْإِبْرَاءِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً لَمْ يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَةٌ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الزَّكَاةِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِهِ أَيْ : الدَّيْنِ أَوْ اعْتَقَدَ رَبُّ دَيْنٍ مُسْقِطٍ لَهُ عَدَمَهُ أَيْ : الدَّيْنِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ أَوْ نَحْوَهُ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ

وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَنَحْوُهُ إنْ عَلَّقَهُ رَبُّ دَيْنٍ بِشَرْطٍ نَصًّا فِي إنْ مِتَّ بِفَتْحِ التَّاءِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ وَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ بِضَمِّ التَّاءِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِلْمَدِينِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَيَبْرَأُ مَدِينٌ بِإِبْرَاءِ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ بِأَحَدِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ مُنَجَّزًا وَلَوْ رَدَّ الْمَدِينُ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ هِبَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ ( أَوْ ) أَيْ : وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مُنَجَّزًا وَلَوْ جَهِلَ رَبُّ الدَّيْنِ قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا إنْ عَلِمَهُ مَدِينٌ فَقَطْ وَكَتَمَهُ مِنْ رَبِّ دَيْنٍ خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ إنْ عَلِمَهُ رَبُّ الدَّيْنِ لَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ وَهُوَ إذْنٌ كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ

وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مَعَ إبْهَامِ الْمَحَلِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ الْإِبْرَاءُ كَ أَبْرَأْتُ أَحَدَ غَرِيمَيْ أَوْ أَبْرَأْتُ غَرِيمِي هَذَا مِنْ أَحَدِ دَيْنَيْ كَ وَهَبْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ كَفَلْتُ أَحَدَ الدَّيْنَيْنِ

وَمَا صَحَّ بَيْعُهُ مِنْ الْأَعْيَانِ صَحَّتْ هِبَتُهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ فَتَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَيَجُوزُ نَقْلُ الْيَدِ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَيْسَ هِبَةً حَقِيقَةً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَظْهَرُ لِي صِحَّةُ هِبَةِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا

وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ نَفْعِهِ أَيْ : الْمَوْهُوبِ فِيهَا أَيْ : الْهِبَةِ عِنْدَ عَقْدِهَا زَمَنًا مُعَيَّنًا نَحْوَ شَهْرٍ وَسَنَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ

وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُعْتَبَرُ لِقَبْضِ مُشَاعٍ يُنْقَلُ أَيْ : لِجَوَازِهِ أَوْ انْتِفَاءِ ضَمَانِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ أَذِنَ شَرِيكٌ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَتَكُونُ حِصَّتُهُ أَيْ : الشَّرِيكِ وَدِيعَةً مَعَ قَابِضٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فَإِنْ أَبَى شَرِيكٌ تَسْلِيمَ نَصِيبِهِ قِيلَ لِمُتَّهَبٍ وَكِّلْ شَرِيكَكَ فِي قَبْضِهِ لَكَ فَإِنْ أَبَى نَصَّبَ حَاكِمٌ مَنْ يَكُونُ بِيَدِهِ لَهُمَا فَيَنْقُلُهُ فَيَحْصُلُ الْقَبْضُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ وَيَتِمُّ بِهِ عَقْدُ شَرِيكِهِ فِيهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَيْ : الْقَابِضُ فِي التَّصَرُّفِ أَيْ الِانْتِفَاعِ بِمَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَوْهُوبُ مَجَّانًا بِلَا عِوَضٍ فَحِصَّةُ الشَّرِيكِ مَضْمُونَةٌ كَعَارِيَّةٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِأُجْرَةٍ فَنَصِيبُ شَرِيكِهِ أَمَانَةٌ كَأُجْرَةٍ فَإِنْ قَالَ اسْتَعْمِلْهُ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِ فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَا ضَمَانَ فِيهَا

وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَجْهُولٍ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ نَصًّا لِأَنَّهُ كَحَمْلٍ فِي بَطْنٍ وَلَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فَلَمْ تَصِحَّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْبَيْعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ صَحَّتْ هِبَتُهُ كَالصُّلْحِ عَنْهُ لِلْحَاجَةِ

وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا فِي ذِمَّةِ مَدِينٍ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَمَغْصُوبٍ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ أَوْ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ كَبَيْعِهِ

وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا أَيْ : الْهِبَةِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مَوْتِ الْوَاهِبِ فَيَصِحُّ وَتَكُونُ وَصِيَّةً لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَوَعْدٌ لَا هِبَةٌ وَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِيهَا كَأَنْ لَا يَبِيعَهَا الْمُتَّهَبُ أَوْ لَا يَهَبَهَا وَنَحْوَهُمَا كَلَا يَلْبِسُ الثَّوْبَ الْمَوْهُوبَ وَتَصِحُّ هِيَ أَيْ الْهِبَةُ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْسَرَ

وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مُؤَقَّتَةً كَ وَهَبْتُكَهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِانْتِهَاءِ الْهِبَةِ فَلَا تَصِحُّ مَعَهُ كَالْبَيْعِ إلَّا فِي الْعُمْرَى فَتَصِحُّ مَعَ التَّوْقِيتِ بِالْعُمْرِ لِأَنَّهُ شَرْطُ رُجُوعِهَا هُنَا عَلَى غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ وَارِثُهُ بِخِلَافِ التَّوْقِيتِ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ وَمَعْنَاهَا شَرْطُ الْوَاهِبِ عَلَى الْمُتَّهِبِ عَوْدَ مَوْهُوبٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَيْ : الْمَوْهُوبِ لَهُ سُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَقْيِيدِهَا بِالْعُمْرِ كَ أَعْمَرْتُكَ أَوْ أَرْقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْفَرَسَ أَوْ هَذِهِ الْأَمَةَ يُقَالُ أَعْمَرْتُهُ وَعَمَّرْتُهُ مُشَدَّدًا إذَا جَعَلْتُ لَهُ الدَّارَ مُدَّةَ عُمُرِكَ أَوْ عُمُرِهِ وَأَرْقَبْتُكَ أَعْطَيْتُكَ وَنَصُّهُ أَيْ : أَحْمَدَ فِيمَنْ يَعْمُرُ أَمَةً لَا يَطَؤُهَا نَقَلَهُ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ وَحَمَلَ أَيْ : حَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَرَعِ لِأَنَّ الْوَطْءَ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْعُمْرَى وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَرَ لَهُ وَطْأَهَا لِهَذَا وَبَعَّدَهُ ابْنُ رَجَبٍ قَالَ وَالصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى أَوْ مَا بَقِيت أَوْ أَعْطَيْتُكَهَا عُمُرَكَ أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى أَوْ مَا بَقِيت فَتَصِحُّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَالنَّهْيُ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ بِنُفُوذِهَا لِلْمُعْمَرِ وَالْمُرْقَبِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَتَكُونُ لِمُعْطِي وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ إنْ كَانُوا لِلْخَبَرِ كَتَصْرِيحِهِ أَيْ : الْمُعْمِرِ بِأَنَّ الْعُمْرَى بَعْدَ مَوْتِ مُعْمَرٍ لِوَرَثَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَإِلَّا يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ نَصًّا كَسَائِرِ الْمَالِ

الْمُخَلَّفِ وَإِنْ أَضَافَهَا لِعُمْرِ غَيْرِهِ كَوَهَبْتُكَهَا عُمْرَ زَيْدٍ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الْعُمْرَى

وَإِنْ شَرَطَ وَاهِبٌ عَلَى مَوْهُوبٍ لَهُ رُجُوعَهَا أَيْ : الْهِبَةِ بِلَفْظِ إرْقَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمُعْمِرٍ أَيْ وَاهِبٍ عِنْدَ مَوْتِهِ مُطْلَقًا أَوْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ أَيْ الْوَاهِبِ إنْ مَاتَ مَوْهُوبٌ لَهُ قَبْلَهُ أَيْ : الْوَاهِبِ أَوْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَى غَيْرِهِ كَوَرَثَةِ وَاهِبٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْهُوبٍ لَهُ وَهَذِهِ هِيَ الرُّقْبَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ الرُّقْبَى هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ لِفُلَانٍ أَوْ رَاجِعَةٌ إلَيَّ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ أَوْ شَرَطَ وَاهِبٌ رُجُوعَهَا مُطْلَقًا أَيْ : بِلَا تَقْيِيدٍ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى آخَرِهِمَا مَوْتًا لَغَا الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ لِمُعْمَرٍ اسْمِ مَفْعُولٍ وَبَعْدَهُ لِوَرَثَتِهِ كَالْأَوَّلِ أَيْ : كَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَغَا وَصَحَّ الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَأَمَّا قَوْلُ جَابِرٍ إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَأَمَّا إذَا قَالَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ نَفْسِهِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَلَا يَصِحُّ إعْمَارُ الْمَنَافِعِ وَلَا إرْقَابُهَا فَلَوْ قَالَ مَنَحْتُكَهُ عُمُرَكَ فَعَارِيَّةٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَحَهُ النَّاقَةَ : جَعَلَ لَهُ وَبَرَهَا وَلَبَنَهَا وَوَلَدَهَا وَهِيَ الْمِنْحَةُ وَالْمَنِيحَةُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ عَنْ بَيْتِهِ سُكْنَاهُ لَكَ عُمُرَكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَنْ بُسْتَانِهِ وَنَحْوُهُ غَلَّتُهُ لَكَ عُمُرَكَ وَعَنْ قِنِّهِ خِدْمَتُهُ لَكَ عُمُرَكَ عَارِيَّةٌ لَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا تَلْزَمُ إلَّا فِي قَدْرِ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ

فَصْلٌ وَيَجِبُ عَلَى وَاهِبٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى تَعْدِيلٌ بَيْنَ مَنْ يَرِثُ مِنْ وَاهِبٍ بِقَرَابَةٍ مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ كَآبَاءٍ وَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ وَبَنِيهِمْ وَنَحْوِهِمْ فِي هِبَةِ شَيْءٍ غَيْرِ تَافِهٍ نَصًّا حَتَّى لَوْ زَوَّجَ بَعْضَ بَنَاتِهِ وَجَهَّزَهَا أَوْ بَعْضَ بَنِيهِ وَأَعْطَى عَنْهُ الصَّدَاقَ وَالتَّعْدِيلُ الْوَاجِبُ لِكَوْنِهَا أَيْ : الْهِبَةِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ نَصًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ .
قَالَ { قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ لِبَشِيرٍ أَعْطِ ابْنِي غُلَامًا وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ ابْنَةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي ، فَقَالَ : أَلَهُ إخْوَةٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ قَالَ : أَوَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَقَالَ فِيهِ لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ إنَّ لِبَنِيكَ عَلَيْكَ مِنْ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ { اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ } .
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ } فَأَمَرَ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ وَسَمَّى تَخْصِيصَ بَعْضِهِمْ : جَوْرًا وَالْجَوْرُ حَرَامٌ وَقِيسَ عَلَى الْأَوْلَادِ بَاقِي الْأَقَارِبِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوَالِي وَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْلِمٍ التَّعْدِيلُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذِّمِّيِّينَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَّا فِي نَفَقَةٍ فَتَجِبُ الْكِفَايَةُ دُونَ التَّعْدِيلِ نَصًّا لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ وَلَهُ أَيْ : الْمُعْطِي التَّخْصِيصُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ أَقَارِبِهِ بِإِذْنِ الْبَاقِي مِنْهُمْ لِانْتِفَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْقَطِيعَةِ إذَنْ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْمَنْعِ وَكَذَا التَّفْضِيلُ فَإِنْ خَصَّ بَعْضَ أَقَارِبِهِ الْوَارِثِينَ بِشَيْءٍ أَوْ

فَضَّلَ بَعْضَهُمْ بِلَا إذْنِ الْبَاقِي ( رَجَعَ ) فِيمَا خَصَّ بِهِ بَعْضَهُمْ أَوْ فَضَّلَهُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ ( أَوْ أَعْطَى ) الْبَاقِيَ ( حَتَّى يُسَوَّوْا ) بِمَنْ خَصَّهُ أَوْ فَضَّلَهُ نَصًّا وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ .
لِأَنَّهُ تَدَارُكٌ لِلْوَاجِبِ .
وَيَجُوزُ لِلْأَبِ تَمْلِيكُهُ بِلَا حِيلَةٍ ، قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ ( فَإِنْ مَاتَ ) مُعْطٍ ( قَبْلَهُ ) أَيْ التَّعْدِيلِ ( وَلَيْسَتْ ) الْعَطِيَّةُ ( فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ) أَيْ : الْمُعْطِي الْمَخُوفِ ( ثَبَتَتْ لِآخِذٍ ) فَلَا رُجُوعَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِ نَصًّا .
لِخَبَرِ الصِّدِّيقِ .
وَكَمَا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ انْفَرَدَ .
فَإِنْ كَانَتْ بِمَرَضِهِ الْمَخُوفِ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ الْبَاقِي وَيَأْتِي ( وَتَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَخْصِيصٍ أَوْ تَفْضِيلٍ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً إنْ عَلِمَ ) الشَّاهِدُ بِهِ .
لِحَدِيثِ ( لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ ) وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ) فَهُوَ تَهْدِيدٌ .
كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى بَشِيرٌ لَبَادَرَ إلَى الِامْتِثَالِ وَلَمْ يَرُدَّ الْعَطِيَّةَ ( وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ عِنْدَهُ ) أَيْ : الشَّاهِدِ .
فَتَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَشْهَدُ وَهُوَ أَظْهَرُ .
قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ

( وَتُبَاحُ قِسْمَةُ مَالِهِ بَيْنَ وَارِثِهِ ) عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِ الْجَوْرِ فِيهَا ( وَيُعْطَى ) وَارِثٌ ( حَادِثٌ حِصَّتَهُ ) مِمَّا قُسِّمَ ( وُجُوبًا ) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ الْوَاجِبُ

( وَسُنَّ أَنْ لَا يُزَادَ ذَكَرٌ عَلَى أُنْثَى ) مِنْ أَوْلَادٍ وَإِخْوَةٍ وَنَحْوِهِمْ ( فِي وَقْفٍ ) عَلَيْهِمْ .
لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ ( وَيَصِحُّ ) مِنْ مَرِيضِ مَرَضَ مَوْتٍ مَخُوفٍ ( وَقْفُ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ ) أَيْ : الْوَرَثَةِ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ .
وَبِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ أَيْ مُطْلَقًا .
فَلَوْ وَقَفَ دَارًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَبِنْتِهِ بِالسَّوِيَّةِ فَرْدًا .
فَثُلُثُهَا وَقْفٌ بَيْنَهُمَا لَا يَحْتَاجُ لِإِجَازَةٍ بِالسَّوِيَّةِ وَثُلُثَاهَا مِيرَاثٌ ، وَإِنْ رَدَّ الِابْنُ وَحْدَهُ فَلَهُ ثُلُثَا الثُّلُثَيْنِ إرْثًا .
وَلِلْبِنْتِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا .
وَإِنْ رَدَّتْ الْبِنْتُ وَحْدَهَا فَلَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا .
وَلِلِابْنِ نِصْفُهُمَا وَقْفًا وَسُدُسُهُمَا إرْثًا لِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ .
وَكَذَا لَوْ رَدَّ التَّسْوِيَةَ فَقَطْ دُونَ أَصْلِ الْوَقْفِ وَلِلْبِنْتِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا .
وَ ( لَا ) يَنْفُذُ ( وَقْفُ مَرِيضٍ وَ ) لَوْ كَانَ وَقْفُهُ ( عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِ ) جُزْءٍ ( زَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ ) أَيْ : ثُلُثِ مَالِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ ، بَلْ يَقِفُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : وَلَوْ ) وَقَفَ ذَلِكَ ( حِيلَةً كَ ) وَقْفِ نَحْوِ مَرِيضٍ ( عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْوَارِثِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ وَبُطْلَانِهَا

( وَلَا ) يَصِحُّ ( رُجُوعُ وَاهِبٍ ) فِي هِبَتِهِ ( بَعْدَ قَبْضٍ ) وَلَوْ نُقُوطًا أَوْ حُمُولَةً فِي نَحْوِ عُرْسٍ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ لِلُزُومِهَا بِهِ ( وَيَحْرُمُ ) الرُّجُوعُ بَعْدَهُ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ عَوَّضَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُعَوِّضْ ، لِأَنَّ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي ثَوَابًا ( إلَّا مَنْ وَهَبَتْ زَوْجَهَا ) شَيْئًا ( بِمَسْأَلَتِهِ ) إيَّاهَا ( ثُمَّ ضَرَّهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَتَزْوِيجٍ عَلَيْهَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : إذَا وَهَبَتْ لَهُ مَهْرَهَا فَإِنْ كَانَ سَأَلَهَا ذَلِكَ رَدَّهُ إلَيْهَا رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ .
لِأَنَّهَا لَا تَهَبُ إلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ أَوْ إضْرَارًا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلَهَا وَتَبَرَّعَتْ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَغَيْرُ الصَّدَاقِ كَالصَّدَاقِ ( وَ ) إلَّا ( الْأَبُ ) لِحَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَسَوَاءٌ أَرَادَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ بِالرُّجُوعِ أَوْ لَا .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَافِرًا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْوَلَدُ .
وَمَنَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَنْ .
وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِهَا ( وَلَوْ تَعَلَّقَ بِمَا وَهَبَهُ ) الْأَبُ لِوَلَدِهِ ( حَقٌّ كَفَلَسٍ ) بِأَنْ أَفْلَسَ الْوَالِدُ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ .
وَفِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ( أَوْ ) تَعَلَّقَ بِهِ ( رَغْبَةً كَتَزْوِيجٍ ) بِأَنْ زُوِّجَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ رَغْبَةً فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَالرُّجُوعُ فِي الصَّدَقَةِ كَالْهِبَةِ ( إلَّا إذَا وَهَبَهُ ) أَيْ : وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ ( سُرِّيَّةً لِلْإِعْفَافِ ) فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا ( وَلَوْ اسْتَغْنَى ) الِابْنُ عَنْهَا بِتَزَوُّجِهِ أَوْ

شِرَائِهِ غَيْرَهَا وَنَحْوِهِ .
وَإِنْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ نَصًّا لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ ( أَوْ ) أَيْ : وَإِلَّا ( إذَا أَسْقَطَ ) الْأَبُ ( حَقَّهُ مِنْهُ ) أَيْ : الرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ فَيَسْقُطُ ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مُجَرَّدُ حَقِّهِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَرْأَةِ لِإِثْمِهِ بِالْعَضْلِ ( وَلَا يَمْنَعُهُ ) أَيْ : الرُّجُوعَ ( نَقْصُ ) عَيْنٍ مَوْهُوبَةٍ بِيَدِ وَلَدٍ سَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا أَوْ ذَاتُهَا بِتَآكُلِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا أَوْ جُنِيَ عَلَيْهَا أَوْ جَنَى فَتَعَلَّقَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ وَنَحْوِهِ .
فَإِنْ رَجَعَ فَأَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْأَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنِ لَهُ ، وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ لِلِابْنِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَمْنَعُهُ ( زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ ) كَوَلَدٍ وَثَمَرَةٍ وَكَسْبٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ ( وَهِيَ ) أَيْ الزِّيَادَةُ ( لِلْوَلَدِ ) لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ ، وَلَا تُتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ فَكَذَا هُنَا ( إلَّا إذَا حَمَلَتْ الْأَمَةُ ) الْمَوْهُوبَةُ لِلْوَلَدِ ( وَوَلَدَتْ ) عِنْدَهُ ( فَيُمْنَعُ ) الرُّجُوعُ ( فِي الْأُمِّ ) الْمَوْهُوبَةِ لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا ( وَتَمْنَعُهُ ) أَيْ : الرُّجُوعَ لِزِيَادَةٍ ( الْمُتَّصِلَةُ ) كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَمْلٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهَا إنْمَاءُ مِلْكِهِ وَلَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ .
فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهَا كَالْمُنْفَصِلَةِ .
وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِيهَا امْتَنَعَ فِي الْأَصْلِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَضَرَرِ التَّشْقِيصِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ رَضِيَ بِبَذْلِ الزِّيَادَةِ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَإِنْ زَادَ بِبُرْئِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صَمَمٍ مُنِعَ الرُّجُوعُ كَسَائِرِ الزِّيَادَاتِ ( وَيُصَدَّقُ أَبٌ فِي عَدَمِهَا ) أَيْ : الزِّيَادَةِ .

لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَهَا .
وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا .
( وَ ) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ( رَهْنُهُ ) اللَّازِمُ لِمَا وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ .
لِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِضْرَارًا بِهِ ( إلَّا أَنْ يَنْفَكَّ ) الرَّهْنُ بِوَفَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ إذَنْ ، لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ لَمْ يَزُلْ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ .
( وَ ) تَمْنَعُ الرُّجُوعَ ( هِبَةُ الْوَالِدِ ) مَا وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ ( لِوَلَدِهِ ) لِأَنَّ فِي رُجُوعِ الْأَوَّلِ إبْطَالًا لِمِلْكِ غَيْرِ ابْنِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ( إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ ) أَيْ : الثَّانِي فِي هِبَتِهِ لِابْنِهِ فَلِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ إذَنْ لِعَوْدِ الْمِلْكِ إلَيْهِ بِالسَّبَبِ ) الْأَوَّلِ ( وَ ) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ( بَيْعُهُ ) أَيْ : الْوَلَدِ لِمَا وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ ، وَكَذَا هِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَنَحْوُهُ ، مِمَّا يَنْقُلُ الْمِلْكَ أَوْ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالِاسْتِيلَاءِ .
وَكَذَا لَا رُجُوعَ لَهُ فِي دَيْنٍ أَبْرَأَ وَلَدَهُ مِنْهُ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَبَاحَهَا لَهُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا كَسُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهَا ( إلَّا أَنْ يَرْجِعَ ) الْمَبِيعُ ( إلَيْهِ ) أَيْ : إلَى الْوَلَدِ ( بِفَسْخٍ أَوْ فَلَسِ مُشْتَرٍ ) فَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ إذَنْ لِعَوْدِهِ لِلْوَلَدِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ .
أَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْوَلَدُ أَوْ اتَّهَبَهُ وَنَحْوَهُ فَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ فِيهِ .
لِأَنَّهُ عَادَ لِلْوَلَدِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ فَلَمْ يَمْلِكْ إزَالَتَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْهُوبًا .
وَ ( لَا ) يُمْنَعُ رُجُوعُ الْأَبِ فِي رَقِيقٍ وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ ( إنْ دَبَّرَهُ ) الْوَلَدُ ( أَوْ كَاتَبَهُ ) لِأَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ .
أَشْبَهَا مَا لَوْ زَوَّجَهُ أَوْ آجَرَهُ ( وَيُمَلِّكُهُ ) أَيْ : الْأَبُ الرَّقِيقَ الَّذِي رَجَعَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَاتَبَهُ وَلَدُهُ ( مُكَاتَبًا ) لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ كِتَابَتِهِ .
فَكَذَا مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ وَكَذَا إجَارَةٌ وَتَزْوِيجٌ وَنَحْوُهُمَا .
وَمَا أَخَذَهُ

الْوَلَدُ مِنْ دَيْنِ كِتَابَةٍ أَوْ مَهْرِ أَمَةٍ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ أَبُوهُ .
وَمَا حَلَّ بَعْدَ رُجُوعِ أَبٍ فَلَهُ .
وَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَطْءُ الْأَمَةِ إنْ لَمْ تَحْمِلْ مِنْ الِابْنِ وَلَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ وَلَا الْمُزَارَعَةُ عَلَى أَرْضٍ مَوْهُوبَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٌ عَلَى شَجَرٍ مَوْهُوبٍ وَنَحْوُهُ

( وَلَا يَصِحُّ رُجُوعٌ إلَّا بِقَوْلٍ ) نَحْوَ رَجَعْتُ فِي هِبَتِي ، أَوْ ارْتَجَعْتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا أَوْ عُدْتُ فِيهَا .
لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ يَقِينًا ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ صَرِيحُ الرُّجُوعِ .
فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ بِالْقَوْلِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ نَوَى بِهِ الرُّجُوعَ .

فَصْلٌ وَلِأَبٍ حُرٍّ مُحْتَاجٍ وَغَيْرِهِ تَمَلُّكُ مَا شَاءَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِعِلْمِهِ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى رَاضِيًا أَوْ سَاخِطًا .
لِحَدِيثِ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مُطَوَّلًا .
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ وَزَادَ { إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ } أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ قَالَا { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا وَلِأَبِي مَالٌ وَعِيَالٌ وَأَبِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } رَوَاهُ سَعِيدٌ ( مَا لَمْ يَضُرَّهُ ) أَيْ : يَضُرُّ الْأَبُ وَلَدَهُ بِمَا يَتَمَلَّكُهُ مِنْهُ .
فَإِنْ ضَرَّهُ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ حَاجَةُ الْوَلَدِ بِهِ كَآلَةِ حِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَتَمَلَّكْهُ .
لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَيْنِهِ .
فَلَأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ أَوْلَى .
وَكَذَا لَا يَتَمَلَّكُهُ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ رَهْنٍ أَوْ فَلَسٍ .
ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ

( إلَّا سُرِّيَّتَهُ ) أَيْ : أَمَةُ الِابْنِ الَّتِي وَطِئَهَا فَلَيْسَ لِأَبِيهِ تَمَلُّكُهَا ( وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ نَصًّا ( أَوْ ) إلَّا إذَا تَمَلَّكَ الْأَبُ ( لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ ) فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ نَصًّا .
لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْآخَرِ أَوْلَى ( أَوْ ) إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّمَلُّكُ ( بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا ) الْمَخُوفِ .
فَلَا يَصِحُّ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْإِرْثِ .
وَلَيْسَ لِلْأُمِّ وَلَا لِلْجَدِّ التَّمَلُّكُ مِنْ مَالِهِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَقَارِبِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَيْسَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ .
قَالَ الْإِنْصَافُ : وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ .
وَقَالَ أَيْضًا : الْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَبَ الْمُسْلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا

( وَيَحْصُلُ ) تَمَلُّكَ أَبٍ ( بِقَبْضِ ) مَا تَمَلَّكَهُ نَصًّا ( مَعَ قَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ أَوْ قَرِينَةٌ .
لِأَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ لِتَمَلُّكٍ وَغَيْرِهِ ، فَاعْتُبِرَ مَا يُعَيِّنُ وَجْهَ الْقَبْضِ

( فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ ) أَيْ : الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : الْقَبْضِ ( وَلَوْ ) كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ( عِتْقًا ) نَصًّا ، لِتَمَامِ مِلْكِ الِابْنِ عَلَى مَالِهِ .
وَإِنَّمَا لِلْأَبِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ كَالْعَيْنِ الَّتِي وَهَبَهَا لَهُ

( وَلَا يَمْلِكُ ) الْأَبُ ( إبْرَاءَ نَفْسِهِ ) مِنْ دَيْنٍ لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ كَإِبْرَائِهِ لِغَرِيمِهِ وَقَبْضِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَمْلِكْهُ ( وَلَا ) يَمْلِكُ الْأَبُ إبْرَاءَ ( غَرِيمِ وَلَدِهِ وَلَا قَبْضِهِ ) أَيْ : دَيْنِ وَلَدِهِ ( مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ ( لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُهُ ) أَيْ : الدَّيْنَ ( إلَّا بِقَبْضِهِ ) مِنْ غَرِيمِهِ وَنَحْوِهِ ( وَلَوْ أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِهِ ) أَيْ : دَيْنِ وَلَدِهِ مِنْ غَرِيمِهِ ( وَأَنْكَرَ الْوَلَدُ ) أَوْ أَقَرَّ ( رَجَعَ ) الْوَلَدُ ( عَلَى غَرِيمِهِ ) بِدَيْنِهِ لِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ .
( وَ ) رَجَعَ ( الْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ .
لِأَنَّ أَخْذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ

( وَإِنْ أَوْلَدَ ) الْأَبُ ( جَارِيَةَ وَلَدِهِ ) قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ( صَارَتْ لَهُ ) أَيْ : لِلْأَبِ ( أُمَّ وَلَدٍ ) لِأَنَّ إحْبَالَهُ لَهَا يُوجِبُ نَقْلَ مِلْكِهَا إلَيْهِ .
فَصَادَفَ وَطْؤُهُ مِلْكًا .
فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ ( وَوَلَدُهُ ) أَيْ : الْأَبِ مِنْ أَمَةِ وَلَدِهِ ( حُرٌّ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ ) لِوَلَدِهِ رَبِّ الْجَارِيَةِ الَّتِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ بِعُلُوقِهَا .
فَهِيَ إنَّمَا أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِ الْأَبِ ( وَلَا مَهْرَ ) عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ .
لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا .
وَإِيجَابُ قِيمَتِهَا لِلْوَلَدِ كَمَا يَأْتِي ، فَهُوَ كَالْإِتْلَافِ .
فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْمَهْرُ ( وَلَا حَدَّ ) عَلَى أَبٍ بِوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ لِحَدِيثِ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } ( وَيُعَزَّرُ ) الْأَبُ لِوَطْئِهِ الْمُحَرَّمِ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : الْأَبِ بِإِحْبَالِ جَارِيَةِ وَلَدِهِ ( قِيمَتُهَا ) لِوَلَدِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ .
لَكِنْ لَيْسَ لَهُ طَلَبُهُ بِهَا كَمَا يَأْتِي ( وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا ) أَيْ : أَمَةِ الْوَلَدِ الَّتِي أَحْبَلَهَا أَبُوهُ ( إنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَهَا وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا ) الِابْنُ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ .
فَلَيْسَتْ مَحَلًّا لِتَمَلُّكِهِ ( فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ ) إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ نَصًّا ( وَمَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَوَلَدُهُ قِنٌّ .
وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ حُدَّ ) لِأَنَّ الِابْنَ لَيْسَ لَهُ تَمَلُّكٌ عَلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ .
فَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْوَطْءِ

( وَلَيْسَ لِوَلَدٍ وَلَا ) لِ ( وَرَثَتِهِ ) أَيْ : الْوَلَدِ ( مُطَالَبَةُ أَبٍ بِدَيْنٍ ) كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ مَبِيعٍ ( أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ ) كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ حَرَقَهُ لِوَلَدِهِ ( أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ ) عَلَى وَلَدِهِ ، وَكَقَلْعِ سِنِّهِ وَقَطْعِ طَرْفِهِ ( وَلَا ) بِشَيْءٍ ( غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لِلِابْنِ عَلَيْهِ ) كَأُجْرَةِ أَرْضٍ زَرَعَهَا أَوْ دَارٍ سَكَنَهَا وَنَحْوِهِ .
لِحَدِيثِ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } ( إلَّا بِنَفَقَتِهِ ) أَيْ : الْوَلَدِ ( الْوَاجِبَةِ ) عَلَى أَبِيهِ لِفَقْرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ تَكَسُّبٍ .
قَالَ فِي الْوَجِيزِ .
لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا وَحَبْسُهُ عَلَيْهَا ( وَ ) إلَّا ( بِعَيْنِ مَالٍ لَهُ ) أَيْ : الْوَلَدِ ( بِيَدِهِ ) أَيْ : الْأَبِ فَيُطَالِبُهُ الْوَلَدُ وَوَرَثَتُهُ بِعَيْنِ مَالٍ لَهُ بِيَدِهِ ( وَيَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ ) أَيْ : لِلْوَلَدِ فِي ذِمَّةِ وَالِدِهِ ( الدَّيْنُ ) مِنْ ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ وَقَرْضٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ ( وَإِنْ وَجَدَ ) الْوَلَدُ ( عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ ) لِأَبِيهِ ( وَنَحْوَهُ ) كَالْغَصْبِ ( بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ ) أَيْ الْوَلَدِ الَّذِي بَاعَ أَبَاهُ أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالِدُهُ ( أَخْذُهُ ) أَيْ : أَخْذُ ذَلِكَ الْقَرْضِ أَوْ الْمَبِيعِ ، حَيْثُ جَازَ الرُّجُوعُ أَوْ الْمَغْصُوبُ دُونَ بَقِيَّةِ وَرَثَةِ الْأَبِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) الْوَلَدُ ( انْتَقَدَ ثَمَنَهُ ) مِنْ أَبِيهِ .
وَقَدْ أَوْضَحْتُ مَا فِي ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ وَالشَّرْحِ ( وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ ) أَيْ : الْوَلَدِ ( الَّذِي عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ ) أَيْ : الْأَبِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ عَلَيْهِ ( بَلْ ) تَسْقُطُ ( جِنَايَتُهُ ) أَيْ : الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ أَيْ : أَرْشُهَا .
فَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : أَنَّ الْجِنَايَةَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى مَالٍ أَوْ نَفْسِ الْوَلَدِ .
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِمَا كَوْنُ الْأَبِ أَخَذَ عَنْ هَذَا عِوَضًا .
بِخِلَافِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ

بِمَوْتِهِ أَيْضًا دَيْنُ الضَّمَانِ إذَا ضَمِنَ غَرِيمَ وَلَدِهِ ( وَمَا قَضَاهُ ) الْأَبُ ( فِي مَرَضِهِ ) لِوَلَدِهِ مِنْ دَيْنِهِ عَلَيْهِ ( أَوْ وَصَّى ) الْأَبُ ( بِقَضَائِهِ ) مِنْ دَيْنِ وَلَدِهِ ( فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ .

فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ وَمُحَابَاتِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( وَعَطِيَّةُ مَرِيضٍ ) مَرَضًا ( غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَوْ ) كَانَ مَرَضُهُ ( مَخُوفًا أَوْ ) كَانَ مَرَضُهُ ( غَيْرَ مَخُوفٍ كَصُدَاعٍ ) أَيْ : وَجَعِ رَأْسٍ ( وَ ) كَ ( وَجَعِ ضِرْسٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَحُمَّى يَوْمٍ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
وَكَإِسْهَالٍ يَسِيرٍ بِلَا دَمٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا بِأَنْ لَا يُمْكِنَ مَنْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ ، وَإِلَّا كَانَ مَخُوفًا وَلَوْ سَاعَةً ( وَلَوْ صَارَ مَخُوفًا وَمَاتَ بِهِ كَ ) عَطِيَّةِ ( صَحِيحٍ ) تَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ .
لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا يُخَافُ مِنْهَا فِي الْعَادَةِ وَاعْتِبَارًا بِحَالِ الْعَطِيَّةِ

( وَ ) عَطِيَّةُ مَرِيضٍ ( فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ كَالْبِرْسَامِ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ .
وَهُوَ بُخَارٌ يَرْتَقِي إلَى الرَّأْسِ يُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ فَيَخْتَلُّ بِهِ الْعَقْلُ .
وَقَالَ عِيَاضٌ : هُوَ وَرَمٌ فِي الدِّمَاغِ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَيَهْذِي ( وَذَاتِ الْجَنْبِ ) قُرُحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ ( وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ ) لِأَنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ فَتَذْهَبُ الْقُوَّةُ ( وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارِكِ ) أَيْ : الْإِسْهَالِ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ وَلَوْ كَانَ سَاعَةً لِأَنَّ مَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ أَسْرَعَ فِي هَلَاكِهِ ، وَكَذَا إسْهَالٌ مَعَهُ دَمٌ ، لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْقُوَّةَ ( وَالْفَالِجِ ) دَاءٌ مَعْرُوفٌ ( فِي ابْتِدَائِهِ .
وَالسِّلِّ ) بِكَسْرِ السِّينِ دَاءٌ مَعْرُوفٌ ( فِي انْتِهَائِهِ .
وَمَا قَالَ عَدْلَانِ ) لَا وَاحِدٌ وَلَوْ عُدِمَ غَيْرُهُ ( مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ إنَّهُ مَخُوفٌ ) كَوَجَعِ الرِّئَةِ وَالْقُولَنْجِ ، وَهُوَ مَعَ الْحُمَّى أَشَدُّ خَوْفًا .
وَكَذَا الطَّاعُونُ وَهَيَجَانُ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ ( كَوَصِيَّةٍ ) تُنَفَّذُ فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ لِأَجْنَبِيٍّ .
وَتَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ .
وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ ( وَلَوْ ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ ( عِتْقًا ) لِبَعْضٍ وَكَذَا عَفْوُهُ عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ ( أَوْ مُحَابَاةً ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ، وَهِيَ أَنْ يُسَامِحَ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ الْآخَرَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِبَعْضِ مَا يُقَابِلُ الْعِوَضَ كَأَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ ( لَا ) إنْ كَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْمَرِيضِ ( كِتَابَةً ) لِرَقِيقِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمُحَابَاةٍ ( أَوْ ) كَانَ ( وَصِيَّةٍ بِهَا ) أَيْ : كِتَابَتِهِ ( بِمُحَابَاةٍ ) فَالْمُحَابَاةُ فِيهِمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
هَذَا مُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَعَارَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ كَلَامَ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَالْفُرُوعِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ .
وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكِتَابَةَ نَفْسَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ هَلْ هِيَ

كَالْوَصِيَّةِ فَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ .
فَكَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ ؟ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ .
وَقَالَ : وَلَمْ أَعْلَمْ أَيْضًا مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْحَارِثِيِّ .
قُلْتُ : هُوَ أَيْضًا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَهُ كَكَلَامِ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ .
وَهُوَ وَاضِحٌ ( وَإِطْلَاقُهَا ) أَيْ : إذَا أَوْصَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فُلَانًا وَأَطْلَقَ فَإِنَّهُ يُكَاتَبُ ( بِقِيمَتِهِ ) جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقِّهِ .
( وَ ) الْأَمْرَاضُ ( الْمُمْتَدَّةُ كَالسِّلِّ ) لَا فِي حَالِ انْتِهَائِهِ ( وَالْجُذَامِ وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ إنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَمَخُوفَةٌ .
وَإِلَّا فَلَا ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْفِرَاشِ يُخْشَى تَلَفُهُ .
أَشْبَهَ صَاحِبَ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ لِلْمَوْتِ ( وَكَمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ مَنْ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ وَقْتَ حَرْبٍ ) أَيْ اخْتِلَاطِ الطَّائِفَتَيْنِ لِلْقِتَالِ ( وَكُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُكَافِئٌ ) لِلْأُخْرَى ( أَوْ ) كَانَ الْمُعْطِي ( مِنْ ) الطَّائِفَةِ ( الْمَقْهُورَةِ ) لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ إذَنْ كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ تَبَيَّنَ دِينَ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ لَا ( وَمَنْ بِاللُّجَّةِ ) بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ : لُجَّةِ الْبَحْرِ ( عِنْدَ الْهَيَجَانِ ) أَيْ : ثَوَرَانِ الْبَحْرِ بِرِيحٍ عَاصِفٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ ) لِخَوْفِهِ ( أَوْ قُدِّمَ لِقَتْلٍ ) قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ لِظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ ( أَوْ حُبِسَ لَهُ ) أَيْ : الْقَتْلِ ( وَأَسِيرٌ عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُ الْقَتْلُ ) لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ ( وَجَرِيحٌ ) جُرْحًا ( مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا جُرِحَ سَقَاهُ الطَّبِيبُ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ ( اعْهَدْ إلَى النَّاسِ .
فَعَهِدَ إلَيْهِمْ وَوَصَّى ) وَعَلِيٌّ بَعْدَ ضَرْبِ ابْنِ مُلْجِمٍ لَهُ أَوْصَى وَأَمَرَ وَنَهَى .
فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَقْلُهُ

فَلَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ بَلْ وَلَا لِكَلَامِهِ ( وَحَامِلٌ عِنْدَ مَخَاضٍ ) أَيْ : طَلْقٍ نَصًّا ( مَعَ أَلَمٍ حَتَّى تَنْجُوَ ) مِنْ نِفَاسِهَا .
لِأَنَّهَا قَبْلَ ضَرْبِ الْمَخَاضِ لَا تَخَافُ الْمَوْتَ .
فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ الْمَرَضِ الْمُمْتَدِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ .
فَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ وَالْمَشِيمَةُ وَحَصَلَ هُنَاكَ وَرَمٌ أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ ، أَوْ رَأَتْ دَمًا كَثِيرًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْجُ بَعْدُ .
وَالسِّقْطُ كَالْوَلَدِ التَّامِّ .
وَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ ( وَكَمَيِّتِ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ ) أَيْ : أَمْعَاؤُهُ .
فَلَا يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِ لَا خَرْقِهَا وَقَطْعِهَا فَقَطْ أَوْ خُرُوجِهَا بِلَا إبَانَةٍ .
وَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ : إنْ خَرَجَتْ حُشْوَتُهُ وَلَمْ تَبِنْ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ وَرِثَهُ .
وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ يَرِثُهُ .
لِأَنَّ الْمَوْتَ زَهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَلِأَنَّ الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُورَثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ .
وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ أُثْبِتَ مِنْ حَيَاةِ هَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ ذُبِحَ لَيْسَ كَمَيِّتٍ مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ

( وَلَوْ عَلَّقَ صَحِيحٌ عِتْقَ قِنِّهِ ) عَلَى شَرْطٍ ( فَوُجِدَ ) الشَّرْطُ ( فِي مَرَضِهِ ) أَيْ : مَرَضِ مَوْتِهِ ( الْمَخُوفِ ( فَ ) الْعِتْقُ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ ( وَتُقَدَّمُ عَطِيَّةٌ اجْتَمَعَتْ مَعَ وَصِيَّةٍ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا مَعَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ ) لَهُمَا .
لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ ( وَإِنْ عَجَزَ ) الثُّلُثُ ( عَنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنَجَّزَةِ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ ) مِنْهَا ( فَالْأَوَّلِ ) عِتْقًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ .
لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمُنَجَّزَةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي .
فَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ لَزِمَتْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ .
فَلَوْ شَارَكَتْهَا الثَّانِيَةُ لَمَنَعَ ذَلِكَ لُزُومَهَا فِي حَقِّ الْمُعْطِي .
لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ بَعْضِهَا بِعَطِيَّةٍ أُخْرَى ( فَإِنْ وَقَعَتْ ) الْعَطَايَا الْمُنَجَّزَةُ ( دَفْعَةً ) وَاحِدَةً كَأَنْ قَبِلَهَا الْكُلُّ مَعًا أَوْ وَكَّلُوا وَاحِدًا قَبِلَ لَهُمْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ( قُسِّمَ ) الثُّلُثُ ( بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ ) لِتَسَاوِي أَهْلِهَا فِي اسْتِحْقَاقِهَا لِحُصُولِهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ ( وَلَا يُقَدَّمُ عِتْقٌ ) عَلَى غَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ

( وَأَمَّا مُعَاوَضَتُهُ ) أَيْ : الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ( بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَتَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَلَوْ ) كَانَتْ ( مَعَ وَارِثٍ ) لِعَدَمِ الْمُحَابَاةِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا كَمَا لَوْ وَقَعَتْ مَعَ غَيْرِ وَارِثٍ ( وَإِنْ حَابَى ) مَرِيضٌ ( وَارِثَهُ ) فِي نَحْوِ بَيْعٍ ( بَطَلَتْ ) الْمُعَاوَضَةُ ( فِي قَدْرِهَا ) أَيْ : الْمُحَابَاةِ لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ .
وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ لِوَارِثٍ بِغَيْرِ إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ ( وَصَحَّتْ ) الْمُعَاوَضَةُ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ : غَيْرِ قَدْرِ الْمُحَابَاةِ ( بِقِسْطِهِ ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ الْمُحَابَاةُ .
وَهِيَ فِي غَيْرِ قَدْرِهَا مَفْقُودَةٌ .
فَلَوْ بَاعَ لِوَارِثِهِ شَيْئًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَشَرَةٍ فَلَمْ يُجِزْ بَاقِي الْوَرَثَةِ .
صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ بِالْعَشَرَةِ وَالثُّلُثَانِ كَعَطِيَّةٍ ( وَلَهُ الْفَسْخُ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ إلَّا إنْ كَانَ لَهُ ) أَيْ الْوَارِثِ الْمُشْتَرِي ( شَفِيعٌ وَأَخَذَهُ ) أَيْ : مَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ مِنْ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ بِالشُّفْعَةِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ إذَنْ ( وَلَوْ حَابَى ) الْمَرِيضُ ( أَجْنَبِيًّا ) وَخَرَجَتْ الْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ ( وَشَفِيعُهُ وَارِثٌ أَخَذَ بِهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ ( حِيلَةً ) عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ ( لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ ) أَشْبَهَ مَا لَوْ انْتَقَلَ الشِّقْصُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ مِنْ غَيْرِ الْمُوَرِّثِ وَكَمَا لَوْ وَصَّى لِغَرِيمِ وَارِثِهِ

( وَإِنْ آجَرَ ) مَرِيضٌ ( نَفْسَهُ وَحَابَى الْمُسْتَأْجِرَ صَحَّ ) الْعَقْدُ ( مَجَّانًا ) بِلَا رَدِّ مُسْتَأْجِرٍ لِشَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ أَوْ الْعَمَلِ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ .
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَجِّرْ نَفْسَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ ( وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُهُ ) أَيْ : مَالِ الْمُعْطِي فِي الْمَرَضِ ( عِنْدَ مَوْتٍ ) لَا عِنْدَ عَطِيَّةٍ أَوْ مُحَابَاةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ عِتْقٍ

( فَلَوْ أَعْتَقَ ) مَرِيضٌ ( مَا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَا يَخْرُجُ ) الْعَتِيقُ ( مِنْ ثُلُثِهِ تَبَيُّنًا عَتَقَهُ كُلَّهُ ) لِخُرُوجِهِ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ( وَإِنْ ) أَعْتَقَهُ ثُمَّ ( لَزِمَهُ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ ) أَيْ الْعَتِيقَ ( لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا ، وَحُكْمُ هِبَتِهِ كَعِتْقِهِ .
وَلَا يَبْطُلُ تَبَرُّعُهُ بِإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ نَصًّا .
وَفِي الِانْتِصَارِ : لَهُ لُبْسُ نَاعِمٍ وَأَكْلُ طَيِّبٍ لِحَاجَتِهِ .
وَإِنْ فَعَلَهُ لِتَفْوِيتِ الْوَرَثَةِ مُنِعَ .

فَصْلٌ تُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا ( أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا ) أَيْ : الْعَطَايَا لِمَا تَقَدَّمَ ( وَالْوَصِيَّةُ يُسَوَّى بَيْنَ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَوُجِدَ دَفْعَةً وَاحِدَةً ( الثَّانِي : لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْعَطِيَّةِ ) بَعْدَ لُزُومِهَا بِالْقَبْضِ وَإِنْ كَثُرَتْ .
لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لَا لِحَقِّهِ .
فَلَمْ يَمْلِكْ إجَازَتَهَا وَلَا رَدَّهَا ( بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ) فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا .
لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِهَا مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ ( الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبُولُ عَطِيَّةٍ عِنْدَهَا ) لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَاعْتُبِرَتْ شُرُوطُهُ وَقْتَ وُجُودِهِ ( وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهَا ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ .
فَلَا حُكْمَ لِقَبُولِهَا وَلَا رَدِّهَا قَبْلَهُ ( الرَّابِعُ : أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي عَطِيَّةٍ مِنْ حِينِهَا ) أَيْ : حِينِ وُجُودِهَا بِشُرُوطِهَا ( مُرَاعًى ) لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ هَذَا مَرَضُ الْمَوْتِ أَوْ لَا ، وَلَا نَعْلَمُ هَلْ يَسْتَفِيدُ مَالًا أَوْ يَتْلَفُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ ؟ ( فَإِذَا ) مَاتَ وَ ( خَرَجَتْ ) الْعَطِيَّةُ ( مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتٍ تَبَيُّنًا ) إذَنْ ( أَنَّهُ ) أَيْ : الْمِلْكَ ( كَانَ ثَابِتًا ) مِنْ حِينِ الْعَطِيَّةِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ

( فَلَوْ أَعْتَقَ ) مَرِيضٌ قِنًّا فِي مَرَضِهِ فَكَسَبَ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ ( أَوْ وَهَبَ ) مَرِيضٌ ( قِنًّا فِي مَرَضِهِ فَكَسَبَ ) كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ( ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ فَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَكَسْبُ مُعْتَقٍ لَهُ ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا مِنْ حِينِ الْعِتْقِ ، فَكَسْبُهُ لَهُ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ ( وَ ) كَسْبُ ( مَوْهُوبٍ لِمَوْهُوبٍ لَهُ ) لِأَنَّ الْكَسْبَ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ لِمَوْهُوبٍ لَهُ ( وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ ) أَيْ : الْعَتِيقِ أَوْ الْمَوْهُوبِ مِنْ الثُّلُثِ دُونَ بَقِيَّتِهِ ( فَلَهُمَا ) أَيْ : الْعَتِيقِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ ( مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِهِ ) أَيْ : قَدْرِ الْبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ الثُّلُثِ .
فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ رُبْعُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ رُبْعُ كَسْبِهِ وَبَاقِيهِ لِوَرَثَتِهِ .
وَإِنْ كَانَ نِصْفَهُ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ وَهَكَذَا وَيُفْضِي إلَى الدَّوْرِ

( فَلَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ قِنًّا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَكَسَبَ ) الْعَتِيقُ ( مِثْلَ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ) فَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ مِنْ حِينِ عِتْقِهِ وَبَاقِيهِ لِسَيِّدِهِ .
فَيَزِيدُ بِهِ مَالُ السَّيِّدِ وَتَزْدَادُ الْحُرِّيَّةُ لِذَلِكَ وَيَزْدَادُ حَقُّهُ مِنْ كَسْبِهِ .
فَيَنْقُصُ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ مِنْ الْكَسْبِ .
وَيَنْقُصُ بِذَلِكَ قَدْرُ الْمُعْتَقِ مِنْهُ فَيُسْتَخْرَجُ بِالْجَبْرِ ( فَ ) يُقَالُ ( قَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلُهُ ( وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ ) مِنْهُ وَمِنْ كَسْبِهِ ، لِأَنَّ لَهُمْ مِثْلَيْ مَا عَتَقَ مِنْهُ .
وَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَى الْمُكْتَسِبِ مَا كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ لَا مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ فَيَكُونُ لِلْمُكْتَسِبِ شَيْئَانِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ مِنْهُ وَمِنْ كَسْبِهِ ( فَصَارَ ) الْمُكْتَسِبُ ( وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا ) أَيْ : نِصْفُ الْمُكْتَسِبِ وَنِصْفُ كَسْبِهِ .
فَلَوْ كَانَ الْقِنُّ فِي الْمِثَالِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَكَسَبَ مِائَةً فَالشَّيْءُ خَمْسُونَ ( وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَارَ لَهُ شَيْئَانِ ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلَاهُ ( وَعَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ ) فَيُقَسَّمُ هُوَ وَكَسْبُهُ أَخْمَاسًا ( يُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي ) وَهُوَ خُمُسَاهُ وَخُمُسَا كَسْبِهِ ( لِلْوَرَثَةِ ) وَإِنْ كَسَبَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ قِيمَتِهِ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مِنْ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ وَلَهُ ثُلُثَا كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ الثُّلُثُ مِنْهُ وَمِنْ كَسْبِهِ ( وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلُ نِصْفِهِ ( وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ ) فَالْأَشْيَاءُ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ ، اُبْسُطْهَا أَنْصَافًا تَكُنْ سَبْعَةً لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا ( فَيُعْتَقُ

ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ ) فَلَهُمْ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَكَسَبَ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ فَاجْعَلْ لَهُ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مِائَةُ شَيْءٍ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ وَلِلْوَرَثَةِ مِائَتَا شَيْءٍ .
فَيُعْتَقُ مِنْهُ مِائَةُ جُزْءٍ وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِمِائِةٍ وَتِسْعَةِ أَجْزَاءٍ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ ( وَفِي هِبَةٍ ) يَكُونُ ( لِمَوْهُوبٍ لَهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ ) مِنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ ( وَبِقَدْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ ) وَإِنْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ وَكَسْبُهُ صُرِفَا فِي الدَّيْنِ ، وَلَا عِتْقَ وَلَا هِبَةَ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى التَّبَرُّعِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُمَا الدَّيْنُ صَرَفَ مِنْ قِيمَتِهِ وَكَسْبِهِ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَمَا بَقِيَ مِنْهُمَا قُسِّمَ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْقِنِّ الْكَامِلِ وَكَسْبِهِ .
فَلَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَكَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِهِ صُرِفَ فِيهِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ كَسْبِهِ وَقُسِّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْعَتِيقِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ نِصْفَيْنِ

( وَإِنْ أَعْتَقَ ) الْمَرِيضُ ( أَمَةً ) لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا ( ثُمَّ وَطِئَهَا ) بِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً ( وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا فَكَمَا لَوْ كَسَبَتْهُ يُعْتَقُ ) مِنْهَا ( ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا ) سُبُعٌ بِمِلْكِهَا لَهُ فِي نَفْسِهَا بِحَقِّهَا مِنْ مَهْرِهَا .
وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَسُبْعَانِ بِإِعْتَاقِ الْمَيِّتِ .
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : لَكِنَّ فِي التَّشْبِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَسْبَ يَزِيدُ بِهِ مِلْكُ السَّيِّدِ .
وَذَلِكَ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْعِتْقِ ، وَالْمَهْرُ يُنْقِصُهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي نُقْصَانَ الْعِتْقِ ( وَلَوْ وَهَبَهَا ) الْمَرِيضُ ( لِمَرِيضٍ آخَرَ لَا مَالَ لَهُ ) أَيْضًا ( فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ ) وَمَاتَا ( صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ بِ ) الْهِبَةِ ( الثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ بَقِيَ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ ثُلُثَا شَيْءٍ وَلِ ) وَرَثَةِ ( الْأَوَّلِ شَيْئَانِ ) فَاضْرِبْ الشَّيْئَيْنِ وَالثُّلُثَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ لِيَزُولَ الْكَسْرُ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ تَعْدِلُ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ ( فَلَهُمْ ) أَيْ : وَرَثَةِ الْأَوَّلِ ( ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ) سِتَّةٌ ( وَلِوَرَثَةِ الثَّانِي رُبْعُهَا ) شَيْئَانِ .
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِصِحَّةِ الْهِبَةِ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَصِحَّةِ هِبَةِ الثَّانِي فِي ثُلُثِ الثُّلُثِ ، فَتَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ ، أَسْقِطْ السَّهْمَ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ الثَّانِيَةُ تَبْقَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ

( وَإِنْ بَاعَ ) الْمَرِيضُ ( قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ) الْقَفِيزُ ( ثَلَاثِينَ ) دِرْهَمًا ( بِقَفِيزٍ ) مِنْ جِنْسِهِ ( يُسَاوِي عَشَرَةَ ) دَرَاهِمَ ( وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَأَسْقِطْ قِيمَةَ الرَّدِيءِ ) عَشَرَةً ( مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ ) ثَلَاثِينَ ( ثُمَّ اُنْسُبْ الثُّلُثَ إلَى الْبَاقِي ) بَعْدَ إسْقَاطِهِ قِيمَةَ الرَّدِيءِ ( وَهُوَ ) أَيْ الثُّلُثُ ( عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ ) الَّتِي هِيَ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ ( تَجِدْهُ ) أَيْ : الثُّلُثَ ( نِصْفَهَا ) أَيْ : الْعِشْرِينَ ( فَيَصِحُّ ) الْبَيْعُ ( فِي نِصْفِ ) الْقَفِيزِ ( الْجَيِّدِ وَبِنِصْفِ ) الْقَفِيزِ ( الرَّدِيءِ وَيَبْطُلُ ) الْبَيْعُ ( فِيمَا بَقِيَ ) بَعْدَ نِصْفِهِمَا ( لِئَلَّا يُفْضِيَ ) تَصْحِيحُ الْبَيْعِ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ الْآخَرِ ( إلَى رِبَا الْفَضْلِ ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ ( فَلَوْ لَمْ يُفْضِ ) إلَى رِبًا ( كَعَبْدٍ ) بَاعَهُ الْمَرِيضُ ( يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَبْدٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ( صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ ) أَيْ : الْعَبْدِ الْمُسَاوِي ثَلَاثِينَ ( بِالْعَشَرَةِ ) أَيْ : بِالْعَبْدِ الْمُسَاوِي لَهَا ( وَالثُّلُثَانِ ) مِنْ الْعَبْدِ الْمُسَاوِي ثَلَاثِينَ ( كَالْهِبَةِ ) لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لَهُمَا ( لِلْمُبْتَاعِ نِصْفَهُمَا لَا إنْ كَانَ ) الْمُبْتَاعُ ( وَارِثًا ) لِلْمَرِيضِ وَلَهُ الْخِيَارُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ فَسَخَ وَطَلَبَ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ أَوْ طَلَبَ الْإِمْضَاءَ فِي الْكُلِّ ، وَتَكْمِيلَ حَقِّ الْوَرَثَةِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ( وَإِنْ أَقَالَ مَنْ ) أَيْ : مَرِيضُ مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ( أَسْلَفَهُ ) أَيْ : أَسْلَمَهُ ( عَشَرَةَ ) دَرَاهِمَ مَثَلًا ( فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقِيمَتِهِ ) أَيْ : الْكُرِّ ( عِنْدَ الْإِقَالَةِ ثَلَاثُونَ ) مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ ، وَلَا مِلْكَ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ ( صَحَّتْ ) الْإِقَالَةُ ( فِي نِصْفِهِ ) أَيْ : الْكُرِّ ( بِخَمْسَةٍ ) مِنْ الْعَشَرَةِ وَبَطَلَتْ فِي الْبَاقِي لِئَلَّا يُفْضِيَ صِحَّتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ بِزِيَادَةٍ إلَّا إنْ كَانَ الْمُسْلَمُ

إلَيْهِ وَارِثًا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ .
فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي شَيْءٍ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ لِوَارِثٍ

( وَإِنْ أَصْدَقَ ) الْمَرِيضُ ( امْرَأَةً عَشَرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا ) أَيْ : الْمَرْأَةِ ( خَمْسَةٌ فَمَاتَتْ ) تَحْتَهُ فَوَرِثَهَا ( ثُمَّ مَاتَ ) وَلَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَ مَا أَصْدَقَهَا دَخَلَهَا الدَّوْرُ ( فَ ) يُقَالَ ( لَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ ) الَّتِي هِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا .
( وَ ) لَهَا ( شَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ ) بَقِيَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ خَمْسَةُ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ ( رَجَعَ إلَيْهِ ) أَيْ : الزَّوْجِ ( نِصْفُهُ ) أَيْ : الَّذِي لَهَا وَهُوَ الْخَمْسَةُ وَشَيْءٌ ( بِمَوْتِهَا ) وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَنِصْفُ شَيْءٍ ( صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ) لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ إلَّا شَيْئًا ، وَوَرِثَ اثْنَيْنِ وَنِصْفًا وَنِصْفَ شَيْءٍ ( يَعْدِلُ ) ذَلِكَ ( شَيْئَيْنِ اُجْبُرْهَا ) أَيْ السَّبْعَةَ وَنِصْفًا إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ( بِنِصْفِ شَيْءٍ ) بِأَنْ تُقَدِّرَ إضَافَةَ نِصْفِ شَيْءٍ إلَى ذَلِكَ فَتَصِيرُ سَبْعَةً وَنِصْفًا تَامَّةً ( وَقَابِلِ ) الْجَبْرَ بِتَقْدِيرِ إضَافَةِ نِصْفِ شَيْءٍ عَلَى الشَّيْئَيْنِ فَتَصِيرُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا ( مَخْرَجُ الشَّيْءِ ثَلَاثَةٌ ) لِأَنَّ السِّتَّةَ تُقَابِلُ شَيْئَيْنِ وَالْوَاحِدُ وَنِصْفٌ تَكْمِلَةُ السَّبْعَةِ وَنِصْفٌ تُقَابِلُ نِصْفَ شَيْءٍ ( فَلِوَرَثَتِهِ ) أَيْ : الزَّوْجِ ( سِتَّةٌ ) لِأَنَّ لَهُمْ شَيْئَيْنِ ( وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ ) لِأَنَّهُ كَانَ لَهَا خَمْسَةٌ وَشَيْءٌ ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ رَجَعَ إلَى وَرَثَتِهِ نِصْفُهَا ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ ( وَإِنْ مَاتَ ) زَوْجُهَا ( قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ ) أَيْ : وَرِثَتْ فَرْضَهَا مِنْهُ بِالزَّوْجِيَّةِ ( وَسَقَطَتْ الْمُحَابَاةُ ) أَيْ بَطَلَتْ نَصًّا إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ .
فَإِنْ لَمْ تَرِثْهُ لِنَحْوِ مُخَالَفَةٍ فِي دَيْنٍ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَثُلُثُ مَا حَابَاهَا بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَ ذَلِكَ

( وَمَنْ وَهَبَ زَوْجَتَهُ كُلَّ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ ) ثُمَّ مَاتَ ( فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَلِوَرَثَتِهَا خُمُسُهُ ) وَطَرِيقُهُ : أَنْ تَقُولَ : صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ ذَلِكَ شَيْئَيْنِ .
فَإِذَا جَبَرْتَ وَقَابَلْتَ خَرَجَ الشَّيْءُ خُمُسَ الْمَالِ وَهُوَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ ، فَحَصَلَ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَلِوَرَثَتِهَا خُمُسُهُ .
وَوَجْهُ إفْضَائِهِ إلَى الدَّوْرِ : أَنَّا تَبَيَّنَّا بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ لِغَيْرِ وَارِثٍ .
فَتَصِحُّ فِي ثُلُثِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ صَحَّتْ فِي قَدْرٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْمِيرَاثِ فَيَزِيدُ ثُلُثُهُ بِذَلِكَ .
وَإِذَا زَادَ ثُلُثُهُ زَادَ الْقَدْرُ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ فَيَدُورُ ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمِيرَاثُ ، وَلَا يُعْلَمُ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ .

فَصْلٌ وَلَوْ أَقَرَّ مَرِيضٌ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ أَوْ ابْنَ ابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوَهُ فِي مَرَضِهِ مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ( أَنَّهُ أَعْتَقَ ابْنَ عَمِّهِ أَوْ نَحْوَهُ فِي صِحَّتِهِ ) عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَوَرِثَهُ ( أَوْ مَلَكَ ) الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ ( مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ) كَأَخِيهِ وَابْنِهِ ( بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ) لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ ، إذْ التَّبَرُّعُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَطِيَّةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّسَبُّبِ إلَيْهِ .
وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا .
وَالْعِتْقُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ ، فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشَّرْعِ فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لَيْسَ بِعَطِيَّةٍ وَلَا إتْلَافٍ لِمَالِهِ .
وَإِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلٌ لِشَيْءٍ تَلِفَ بِتَحْصِيلِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ فِي ثَمَنِهِ ( وَوَرِثَ ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ .
وَلَيْسَ ذَلِكَ وَصِيَّةً وَإِلَّا لَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ .

( فَلَوْ اشْتَرَى ) الْمَرِيضُ ( ابْنَهُ وَنَحْوَهُ ) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ ( بِمِائَةٍ وَ ) ابْنُهُ وَنَحْوُهُ ( يُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ ) الصَّادِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِلْمَرِيضِ وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ ( مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ) أَيْ : لَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي التَّرِكَةِ وَلَا عَلَيْهَا وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ إنْ خَرَجَ ثَمَنُهُ مِنْ الثُّلُثِ ( وَالثَّمَنُ ) الَّذِي هُوَ الْمِائَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ ( وَثَمَنُ كُلِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ إذَا اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) لِأَنَّهُ عَتَقَ فِي الْمَرَضِ فَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ أَجْنَبِيًّا فَلَوْ كَانَ ابْنًا وَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَلَهُ غَيْرُهُ ابْنٌ حُرٌّ وَأَلْفَانِ عَتَقَ وَشَارَكَ أَخَاهُ فِي الْأَلْفَيْنِ ( وَيَرِثُ ) مِنْ الْمَرِيضِ ذُو رَحِمِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ وَعَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ أَشْبَهَ غَيْرَهُ

( فَلَوْ اشْتَرَى ) الْمَرِيضُ ( أَبَاهُ بِكُلِّ مَالِهِ ) وَمَاتَ ( وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ ) بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ ( عَلَى الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ ) أَيْ : الثُّلُثِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِسَبَبِ عِتْقِهِ ( وَوَرِثَ ) الْأَبُ ( بِثُلُثِهِ الْحُرِّ مِنْ نَفْسِهِ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَرْقُوقِ ) لِأَنَّ فَرْضَهُ السُّدُسُ لَوْ كَانَ تَامَّ الْحُرِّيَّةِ فَلَهُ بِثُلُثِهَا ثُلُثُ السُّدُسِ ( وَلَا وَلَاءَ ) لِأَحَدٍ ( عَلَى هَذَا الْجُزْءِ ) الَّذِي وَرِثَهُ مِنْ نَفْسِهِ ( وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ ) وَهِيَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَبِ وَثُلُثَا سُدُسِهِ ( تَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ ) بِمِلْكِهِ لَهَا مِنْ جَدِّهِ ( وَلَهُ وَلَاؤُهَا ) لِعِتْقِهَا عَلَيْهِ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ تِسْعَةٌ مِنْهَا وَهِيَ الثُّلُثُ تَعْتِقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهَا ، وَسَهْمٌ مِنْهَا يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَهُوَ ثُلُثُ سُدُسِ الثُّلُثَيْنِ ، وَيَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا يَرِثُهَا الِابْنُ تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَهُ وَلَاؤُهَا ( وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمَرِيضُ أَبَاهُ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ( تِسْعَةَ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهُ ) أَيْ الْأَبِ ( سِتَّةٌ تَحَاصَّا ) أَيْ : الْبَائِعُ وَالْأَبُ فِي ثُلُثِ التِّسْعَةِ ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرِيضِ لِأَبِيهِ مُقَارَنٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَطِيَّةٌ مُنْجَزَةٌ فَتَحَاصَّا لِتَقَارُنِهِمَا ( فَكَانَ ثُلُثُ الثُّلُثِ ) وَهُوَ دِينَارٌ ( لِلْبَائِعِ مُحَابَاةً وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ عِتْقًا يُعْتَقُ بِهِ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ ) مِنْ الْمُحَابَاةِ ( دِينَارَيْنِ ) لِبُطْلَانِهَا فِيهِمَا ( وَيَكُونُ ثُلُثَا ) رَقَبَةِ ( الْأَبِ مَعَ الدِّينَارَيْنِ ) اللَّذَيْنِ رَدَّهُمَا الْبَائِعُ ( مِيرَاثًا ) يَرِثُ مِنْهُ الْأَبُ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ ثُلُثَ سُدُسِ ذَلِكَ ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بَاقِي جَدِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَكَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلِابْنِ وَلَيْسَ عَلَى الْقَوَاعِدِ

( وَإِنْ عَتَقَ ) مَنْ اشْتَرَاهُ الْمَرِيضُ مِنْ أَقَارِبِهِ ( عَلَى وَارِثِهِ ) دُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَخًا لِابْنِ عَمِّهِ الْوَارِثِ لَهُ فَاشْتَرَاهُ ( صَحَّ ) شِرَاؤُهُ ( وَعَتَقَ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى أَخِيهِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِإِرْثِهِ لَهُ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ فَلَا يَرِثُ مَعَهُ

( وَإِنْ دَبَّرَ ) الْمَرِيضُ ( ابْنَ عَمِّهِ وَنَحْوَهُ ) كَابْنِ عَمِّ أَبِيهِ ( عَتَقَ ) بِمَوْتِهِ ( وَلَمْ يَرِثْ ) مِنْهُ .
لِأَنَّ الْإِرْثَ قَارَنَ الْحُرِّيَّةَ وَلَمْ يَسْبِقْهَا .
فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِرْثِ حِينَئِذٍ .
( وَ ) إنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوَهُ ( أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي ) ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ ( عَتَقَ ) ابْنُ عَمِّهِ وَنَحْوُهُ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ ( وَوَرِثَ ) لِسَبْقِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ ( بِخِلَافِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ ) كَقِنٍّ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ إنْ مَاتَ أَخُوكَ الْحُرُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَإِذَا مَاتَ أَخُوهُ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَالَ الْإِرْثِ ( وَلَيْسَ عِتْقُهُ ) أَيْ : الْمَقُولِ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي ( وَصِيَّةً لَهُ ) حَتَّى تَكُونَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ .
فَتَبْطُلُ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ

( وَلَوْ أَعْتَقَ ) الْمَرِيضُ ( أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ ) ثُمَّ مَاتَ ( وَرِثَتْهُ ) نَصًّا حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ ( وَتَعْتِقُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ ) لِحُرِّيَّتِهِ التَّامَّةِ ( وَإِلَّا ) تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ( عَتَقَ ) مِنْهَا ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ : الثُّلُثِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ ( وَبَطَلَ النِّكَاحُ ) لِظُهُورِ أَنَّهُ نَكَحَ مُبَعَّضَةً يَمْلِكُ بَعْضَهَا وَالنِّكَاحُ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ

( وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا مِائَتَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ الْعِتْقُ ) وَالنِّكَاحُ ( وَلَمْ تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا ) لِأَنَّهَا إنْ اسْتَحَقَّتْ الصَّدَاقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ سِوَى قِيمَةِ الْأَمَةِ الْمُقَدَّرِ بَقَاؤُهَا فَلَا يُنَفَّذُ الْعِتْقُ فِي كُلِّهَا .
وَإِذَا بَطَلَ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ النِّكَاحُ فَيَبْطُلُ الصَّدَاقُ .
وَإِنْ أَعْتَقَهَا وَأَصْدَقَ الْمِائَتَيْنِ غَيْرَهَا وَمَاتَ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مَالٌ صَحَّ الْإِصْدَاقُ وَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثَيْ الْأَمَةِ ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْمَوْتِ ، وَكَذَا إنْ تَلِفَتْ الْمِائَتَانِ حَالَ مَوْتِهِ

( وَلَوْ تَبَرَّعَ ) الْمَرِيضُ ( بِثُلُثِهِ ) فِي الْمَرَضِ ( ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ وَنَحْوَهُ ) كَأُمِّهِ وَأَخِيهِ ( مِنْ الثُّلُثَيْنِ صَحَّ الشِّرَاءُ ) لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ ( وَلَا عِتْقَ ) لِمَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَرَثَةِ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ ( فَإِذَا مَاتَ ) الْمَرِيضُ ( عَتَقَ ) الْأَبُ وَنَحْوُهُ ( عَلَى وَارِثِ ) الْمَرِيضِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْأَبُ وَنَحْوُهُ ( مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ) أَيْ : وَارِثِ الْمَرِيضِ لِمِلْكِهِ لَهُ بِإِرْثِهِ ( وَلَا إرْثَ ) لِلْعِتْقِ إذَنْ ( لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ فِي حَيَاتِهِ ) بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَمِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ حُرِّيَّةُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَإِنْ تَبَرَّعَ الْمَرِيضُ بِمَالٍ أَوْ عِتْقٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَبْطُلْ تَبَرُّعُهُ وَلَا عِتْقُهُ .
وَإِنْ ادَّعَى الْمُتَّهَبُ أَوْ الْعَتِيقُ صُدُورَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ الصِّحَّةَ فَقَوْلُهُمْ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي الْعِتْقِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُتَّهَبُ : وَهَبَنِي زَمَنَ كَذَا صَحِيحًا فَأَنْكَرُوا صِحَّتَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ قُبِلَ قَوْلُ الْمُتَّهَبِ .
ذَكَرَهُمَا فِي الْفُرُوعِ .

وَمَا لَزِمَ الْمَرِيضَ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَإِسْقَاطُهُ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ أَوْ جِنَايَةِ رَقِيقِهِ وَمَا عَاوَضَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَمَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ .
وَكَذَا النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَشِرَاءُ جَارِيَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلَوْ كَثِيرَةَ الثَّمَنِ بِثَمَنِ مِثْلِهَا .
وَالْأَطْعِمَةُ الَّتِي لَا يَأْكُلُ مِثْلُهُ مِثْلَهَا فَيَجُوزُ وَيَصِحُّ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ أَصِيهِ إذَا وَصَلْتُهُ .
لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَصَلَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَمْرِ مَمَاتِهِ .
وَوَصَّى وَأَوْصَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ .
وَالِاسْمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِصَايَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ لُغَةً : الْأَمْرُ .
قَالَ تَعَالَى : { وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } وَقَالَ { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } وَشَرْعًا ( الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ ) كَوَصِيَّتِهِ إلَى مَنْ يُغَسِّلُهُ أَوْ يُصَلِّي عَلَيْهِ إمَامًا ، أَوْ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِغَارِ أَوْلَادِهِ أَوْ يُزَوِّجَ بَنَاتِهِ وَنَحْوِهِ .
وَقَدْ وَصَّى أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
وَوَصَّى بِهَا عُمَرُ لِأَهْلِ الشُّورَى .
وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ : " أَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَكَانَ يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ مِنْ مَالِهِ " وَقَوْلُهُ : بَعْدَ الْمَوْتِ : مُخْرِجٌ لِلْوَكَالَةِ .
( وَ ) الْوَصِيَّةُ ( بِمَالٍ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ } الْآيَةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ

( وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةِ ( الْقُرْبَةُ ) لِصِحَّتِهَا لِمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيّ بِدَارِ حَرْبٍ كَالْهِبَةِ .

وَفِي التَّرْغِيبِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاءِ

وَفِي التَّبْصِرَةِ إنْ أَوْصَى لِمَا لَا مَعْرُوفَ فِيهِ وَلَا بِرَّ ، كَكَنِيسَةٍ أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ لَمْ تَصِحَّ ( وَتَصِحُّ ) الْوَصِيَّةُ ( مُطْلَقَةً ) كَوَصَّيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا .
( وَ ) تَصِحُّ ( مُقَيَّدَةً ) كَإِنْ مِتَّ فِي مَرَضِي أَوَعَامِي هَذَا فَلِزَيْدٍ كَذَا .
لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فَمَلَكَ تَعْلِيقَهُ كَالْعِتْقِ

وَ أَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ : مُوصٍ وَوَصِيَّةٌ وَمُوصًى بِهِ وَمُوصًى لَهُ .
وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ( مِنْ مُكَلَّفٍ لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ ) فَإِنْ عَايَنَهُ لَمْ تَصِحَّ .
لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ مَلَكَ الْمَوْتِ ، أَوْمَا دَامَ مُكَلَّفًا أَوْ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ؟ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ : وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ .
وَالصَّوَابُ تُقْبَلُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا .
.
وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ " { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمَلُ الْغِنَى .
وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ : لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا .
وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ } " قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إمَّا مِنْ عِنْدَهُ أَوْ حِكَايَةٍ عَنْ الْخَطَّابِيِّ : وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ ، إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ ( وَلَوْ ) كَانَ مُوصٍ ( كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا ) أَوْ امْرَأَةً أَوْ قِنًّا فِيمَا عَدَا الْمَالَ .
وَفِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ .
فَلَا وَصِيَّةَ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ ، وَكَذَا مُكَاتَبٌ وَنَحْوُهُ ( أَوْ أَخْرَسَ ) بِإِشَارَةٍ لِصِحَّةِ هِبَتِهِمْ فَوَصِيَّتُهُمْ أَوْلَى .
وَ ( لَا ) تَصِحُّ إنْ كَانَ مُوصٍ ( مُعْتَقَلًا لِسَانُهُ بِإِشَارَةٍ ) وَلَوْ مَفْهُومَةً نَصًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ نُطْقِهِ .
أَشْبَهَ النَّاطِقَ ( أَوْ ) كَانَ ( سَفِيهًا ) وَوَصَّى ( بِمَالٍ ) فَتَصِحُّ لِتَمَحُّضِهَا نَفْعًا لَهُ بِلَا ضَرَرٍ كَعِبَادَاتِهِ .
وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَلَا إضَاعَةَ فِيهَا لَهُ .
لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ فَمَالُهُ لَهُ .
وَإِنْ مَاتَ فَلَهُ ثَوَابُهُ ، وَهُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ .
وَ ( لَا ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ سَفِيهٍ ( عَلَى وَلَدِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَوَصِيُّهُ أَوْلَى ( وَلَا ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ

مُوصٍ إنْ كَانَ ( سَكْرَانَ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَاقِلٍ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ .
وَطَلَاقُهُ إنَّمَا وَقَعَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ ( أَوْ ) كَانَ ( مُبَرْسَمًا ) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ .
لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ .
أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ .
وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ .
فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا وَوَصَّى فِي إفَاقَتِهِ صَحَّتْ .
( وَ ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ( مِنْ مُمَيِّزٍ ) يَعْقِلُهَا لِتَمَحُّضِهَا نَفْعًا لَهُ كَإِسْلَامِهِ وَصَلَاتِهِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهَا بَعْدَ غِنَاهُ مِنْ مَالهِ ، فَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ وَلَا أُخْرَاهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ .
وَ ( لَا ) تَصِحُّ مِنْ ( طِفْلٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْوَصِيَّةَ ، وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ ( بِلَفْظٍ ) مَسْمُوعٍ مِنْ الْمُوصِي بِلَا خِلَافٍ ( وَبِخَطٍّ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ ( ثَابِتٍ ) أَنَّهُ خَطُّ مُوصٍ ( بِإِقْرَارِ وَرَثَةٍ أَوْ ) إقَامَةِ ( بَيِّنَةٍ ) أَنَّهُ خَطُّهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ : ثُبُوتُ الْخَطِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَمَلٌ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعَمَلِ طَرِيقُهَا الرُّؤْيَةُ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ .
وَالْمُقَدَّمُ الْأَوَّلُ .
وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا .
وَلِهَذَا صَحَّ تَعْلِيقُهَا .
وَ ( لَا ) تَصِحُّ ( إنْ خَتَمَهَا ) مُوصٍ ( وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا ) مَخْتُومَةً وَلَمْ يُعْلِمْ الشَّاهِدَ مَا فِيهَا ( وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةَ ( بِخَطِّهِ ) أَيْ الْمُوصِي .
لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمَا فِيهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا فِيهَا ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي .
فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا خَطُّهُ عُمِلَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ .
وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِوَصِيَّةٍ ثَبَتَتْ بِشَهَادَةٍ أَوْ إقْرَارِ وَرَثَةٍ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا .
لِأَنَّ حُكْمَهَا لَا يَزُولُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ

وَالشَّكِّ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ .
وَالْأَوْلَى كِتَابَتُهَا وَالْإِشْهَادُ عَلَى مَا فِيهَا لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا .
وَعَنْ أَنَسٍ " كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ : يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ .
فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ

( وَتُسَنُّ ) الْوَصِيَّةُ .
( لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } فَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ .
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّركَ وَأُزَكِّيَكَ } " ( وَهُوَ ) أَيْ الْخَيْرُ ( الْمَالُ الْكَثِيرُ عُرْفًا ) فَلَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ ( بِخُمْسِهِ ) أَيْ خُمْسِ مَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِ تُسَنُّ .
رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ " رَضِيتُ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِنَفْسِهِ " يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ }

( لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ ) غَيْرِ وَارِثٍ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } " وَقَوْلِهِ { وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى } وَكَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ فَقِيرٌ وَتَرَكَ خَيْرًا ( فَ ) الْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِي ( لِمِسْكِينٍ وَعَالِمٍ ) فَقِيرٍ ( وَدَيِّنٍ ) فَقِيرٍ ( وَنَحْوِهِمْ ) كَابْنِ سَبِيلٍ وَغَازٍ

( وَتُكْرَهُ ) وَصِيَّةٌ ( لِفَقِيرٍ ) أَيْ مِنْهُ إنْ كَانَ ( لَهُ وَرَثَةٌ ) قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : إلَّا مَعَ غِنَى الْوَرَثَةِ ) وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ .
رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ

( وَتَصِحُّ ) الْوَصِيَّةُ ( مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ ) مُطْلَقًا ( بِجَمِيعِ مَالِهِ ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَارِثِ وَهُوَ مَعْدُومٌ

( فَلَوْ وَرِثَهُ ) أَيْ الْمُوصِي ( زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ وَرَدَّهَا ) أَيْ رَدَّ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ الْوَصِيَّةَ ( بِالْكُلِّ ) أَيْ بِكُلِّ الْمَالِ ( بَطَلَتْ ) الْوَصِيَّةُ ( فِي قَدْرِ فَرْضِهِ ) أَيْ الرَّادِّ ( مِنْ ثُلُثَيْهِ ) أَيْ الْمَالِ .
فَإِنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا بَطَلَتْ فِي الثُّلُثِ .
لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ .
وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَةَ بَطَلَتْ فِي السُّدُسِ لِأَنَّ لَهَا رُبْعَ الثُّلُثَيْنِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا .

وَالثُّلُثُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَأْخُذَانِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضِهِمَا ( فَيَأْخُذُ وَصِيٌّ الثُّلُثَ ثُمَّ ) يَأْخُذُ ( ذُو الْفَرْضِ ) زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( فَرْضَهُ مِنْ ثُلُثَيْهِ ) أَيْ الْمَالِ ( ثُمَّ تُتَمَّمُ ) الْوَصِيَّةُ ( مِنْهُمَا ) لِمُوصًى لَهُ .
لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمُوصٍ وَارِثٌ زَوْجًا أَوْ غَيْرَهُ مُطْلَقًا

( وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ( لِلْآخَرِ ) بِكُلِّ مَالِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ ( كُلُّهُ ) أَيْ كُلُّ الْمَالِ فَيَأْخُذُ جَمِيعَهُ ( إرْثًا وَوَصِيَّةً ) كَمَا تَقَدَّمَ ( وَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ بِلَا بَيِّنَةٍ ذِكْرُهُ ) أَيْ الْحَقِّ سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ لِئَلَّا يَضِيعَ

( وَتَحْرُمُ ) الْوَصِيَّةُ ( مِمَّنْ يَرِثُهُ غَيْرُ زَوْجٍ أَوْ ) غَيْرُ ( زَوْجَةٍ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ ) نَصًّا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ .
أَمَّا تَحْرِيمُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ { فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ : أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ ؟ قَالَ : لَا .
قَالَ فَالشَّطْرُ ؟ قَالَ لَا .
قَالَ : فَالثُّلُثُ .
قَالَ : الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ } الْحَدِيثِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ فَلِحَدِيثِ " { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ( وَتَصِحُّ ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ ( وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا " { لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ } " وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا " { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ } " رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَلِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ .
فَإِذَا رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ نَفَذَ .
وَتَصِحُّ لِوَلَدِ وَارِثِهِ .
فَإِنْ قَصَدَ نَفْعَ الْوَارِثِ لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى

( وَلَوْ وَصَّى ) مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ ( لِكُلِّ وَارِثٍ ) مِنْهُمْ ( بِمُعَيَّنٍ ) مِنْ مَالِهِ ( بِقَدْرِ وَارِثِهِ ) صَحَّ .
أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ .
فَلَوْ وَرِثَهُ ابْنُهُ وَبِنْتُهُ فَقَطْ .
وَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَمَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَوَصَّى لِابْنِهِ بِالْعَبْدِ وَلِابْنَتِهِ بِالْأَمَةِ صَحَّ .
لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ لِصِحَّةِ مُعَاوَضَةِ الْمَرِيضِ بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا جَمِيعَ مَالِهِ بِثَمَنٍ مِثْلَهُ وَلَوْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ جَمِيعَ الْمَالِ

( أَوْ ) وَصَّى ( بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ ( صَحَّ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَجَازَ ذَلِكَ بَاقِي الْوَرَثَةِ أَوْ رَدُّوهُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ نَصًّا .
لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ بِهِ ( وَكَذَا وَقْفٌ زَائِدٌ ) عَلَى الثُّلُثِ ( أُجِيزَ ) فَيَنْفُذُ فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ لَمْ يَنْفُذْ الزَّائِدُ ( وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا ) وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ .
لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَدَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ .
فَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ

( وَمَنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِوَصَايَاهُ أُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ ( بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ وَإِنْ ) كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ ( عِتْقًا ) كَتَسَاوِيهِمْ فِي الْأَصْلِ وَتَفَاوُتِهِمْ فِي الْمِقْدَارِ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ .
فَلَوْ وَصَّى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ وَلِثَالِثٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ ، وَبِثَلَاثِينَ لِفِدَاءِ أَسِيرٍ وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ .
وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةً وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْوَصَايَا ثَلَاثُمِائَةٍ نُسِبَتْ مِنْهَا الثُّلُثُ فَهُوَ ثُلُثُهَا .
فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثَ وَصِيَّتِهِ

( وَإِنْ أَجَازَهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةَ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ ( وَرِثَهُ بِلَفْظِ إجَازَةٍ ) كَ أَجَزْتُهَا ( أَوْ ) بِلَفْظِ ( إمْضَاءٍ ) كَأَمْضَيْتُهَا ( أَوْ ) بِلَفْظِ ( تَنْفِيذٍ ) كَنَفَّذْتُهَا ( لَزِمَتْ ) الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَزِمَتْ بِإِجَازَتِهَا كَمَا تَبْطُلُ بِرَدِّهِمْ ( وَهِيَ ) أَيْ الْإِجَازَةُ ( تَنْفِيذٌ ) لِمَا وَصَّى بِهِ الْمَوْرُوثُ لَا ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَ ( لَا يَثْبُتُ لَهَا ) أَيْ الْإِجَازَةِ ( أَحْكَامُ هِبَةٍ فَلَا يَرْجِعُ أَبٌ ) وَارِثٌ مِنْ مُوصٍ ( أَجَازَ ) وَصِيَّةً لِابْنِهِ .
لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ .
وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ لِمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ لِابْنِهِ ( وَلَا يَحْنَثُ بِهَا ) أَيْ الْإِجَازَةِ ( مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهِبَةٍ ( وَوَلَاءُ عِتْقٍ ) مِنْ مُورِثٍ ( مُجَازٌ ) أَيْ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ تَنْجِيزًا ، كَأَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَاتَ ، أَوْ مُوصًى بِهِ كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ .
فَعِتْقُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْهِ .
فَإِذَا أَجَازُوهُ نَفَذَ .
وَوَلَاؤُهُ ( لِمُوصٍ تَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ ) لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ .
وَالْإِجَازَةُ لِتَنْفِيذِ فِعْلِهِ ( وَتَلْزَمُ ) الْإِجَازَةُ ( بِغَيْرِ قَبُولٍ ) مُجَازٍ لَهُ ( وَ ) بِغَيْرِ ( قَبْضٍ وَلَوْ ) كَانَتْ الْإِجَازَةُ ( مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ ) لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لَا تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ .
( وَ ) تَلْزَمُ الْإِجَازَةُ ( مَعَ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمُجَازِ ( وَقْفًا عَلَى مُجِيزِهِ ) وَلَوْ قُلْنَا : لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِ الْوَاقِفِ .
لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مَنْسُوبًا لِلْمُجِيزِ .
إنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لَهُ .
( وَ ) تَلْزَمُ الْإِجَازَةُ ( مَعَ جَهَالَةِ الْمُجَازِ ) لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ غَيْرِهِ ( وَيُزَاحَمُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِ ) قَدْرِ ( مُجَاوِزٍ لِثُلُثِهِ الَّذِي لَمْ يُجَاوِزُهُ ) كَأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالثُّلُثِ وَلِعَمْرٍو

بِالنِّصْفِ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ لِعَمْرٍو خَاصَّةً فَيُزَاحِمُهُ زَيْدٌ بِنِصْفٍ كَامِلٍ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ لِزَيْدٍ خُمُسَاهُ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ ( لِقَصْدِهِ ) أَيْ الْمُوصِي ( تَفْضِيلَهُ كَجَعْلِهِ الزَّائِدَ لِثَالِثٍ ) بِأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالثُّلُثِ وَلِبَكْرٍ بِالسُّدُسِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ ، ثُمَّ يُكْمِلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ فِي الْأُولَى نِصْفُهُ .
وَمَنْ قَالَ : الْإِجَازَةُ عَطِيَّةٌ عَكَسَ الْأَحْكَامَ الْمُتَقَدِّمَةَ .
وَقَالَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ : إنَّمَا يُزَاحِمُهُ بِثُلُثٍ خَاصَّةً لِأَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُكْمِلُ إذْ الزِّيَادَةُ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ تَتَلَقَّ مِنْ الْمَيِّتِ فَلَا يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا .
فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ يُكْمِلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالْإِجَازَةِ ( لَكِنْ لَوْ أَجَازَ مَرِيضٌ ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ .
قُلْتُ : وَكَذَا مَنْ أَلْحَقَ بِهِ وَصِيَّةً تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ ( فَ ) إجَازَتُهُ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) لِتَرْكِهِ حَقًّا مَالِيًّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ( كَمُحَابَاةِ صَحِيحٍ فِي بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ ) بِأَنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا ( ثُمَّ مَرِضَ ) الْبَائِعُ ( زَمَنَهُ ) أَيْ فِي الشَّهْرِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لَهُ وَلَمْ يَخْتَرْ فَسْخَ الْبَيْعِ حَتَّى لَزِمَ .
فَإِنَّ الْعِشْرِينَ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِهَا بِالْفَسْخِ فَتَعُودُ لِوَرَثَتِهِ .
فَلَمَّا لَمْ يَفْسَخْ كَانَ كَأَنَّهُ اخْتَارَ وُصُولَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي .
أَشْبَهَ عَطِيَّتَهُ فِي مَرَضِهِ ( وَ ) كَ ( إذْنِ ) مَرِيضٍ ( فِي قَبْضِ هِبَةٍ ) وَهَبَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ ، لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَ ( لَا ) تُعْتَبَرُ مُحَابَاةٌ فِي ( خِدْمَتِهِ ) مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ بِدُونِ أَجْرِ مِثْلِهِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَمْضَاهَا بَلْ

مُحَابَاتُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ .
لِأَنَّ تَرْكَهُ الْفَسْخَ إذَنْ لَيْسَ بِتَرْكِ مَالٍ ( وَالِاعْتِبَارُ بِكَوْنِ مَنْ وَصَّى ) لَهُ بِوَصِيَّةٍ ( أَوْ وَهَبَ لَهُ ) هِبَةً مِنْ مَرِيضٍ ( وَارِثًا أَوْ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ ) أَيْ مَوْتِ مُوصٍ وَوَاهِبٍ .
فَمَنْ وَصَّى لِأَحَدِ إخْوَتِهِ أَوْ وَهَبَهُ فِي مَرَضِهِ ، فَحَدَثَ لَهُ وَلَدٌ صَحَّتَا إنْ خَرَجَتَا مِنْ الثُّلُثِ ، لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِوَارِثٍ .
وَإِنْ وَصَّى أَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ أَخَاهُ وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَهُ وَقَفْنَا عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ .
( وَ ) الِاعْتِبَارُ ( بِإِجَازَةِ ) وَصِيَّةٍ أَوَعَطِيَّةً ( أَوْ رَدٍّ ) لِأَحَدِهِمَا ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْمَوْتِ ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ رَدٍّ أَوْ إجَازَةٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ هُوَ وَقْتُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ ، وَالْعَطِيَّةُ فِي مَعْنَاهَا ( وَمَنْ أَجَازَ ) مِنْ وَرَثَةِ عَطِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَكَانَتْ جُزْءًا ( مُشَاعًا ) كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثَيْنِ ( ثُمَّ قَالَ : إنَّمَا أَجَزْتُ ) ذَلِكَ ( لِأَنِّي ظَنَنْتُهُ ) أَيْ الْمَالَ الْمُخَلَّفَ ( قَلِيلًا ) ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَثِيرٌ ( قُبِلَ ) قَوْلُهُ ذَلِكَ ( بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ .
وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ( وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ ) لِإِجَازَتِهِ مَا فِي ظَنِّهِ .
فَإِذَا كَانَ الْمَالُ أَلْفًا وَظَنَّهُ ثَلَاثَمِائِةٍ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ .
فَقَدْ أَجَازَ السُّدُسَ وَهُوَ خَمْسُونَ فَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ مَعَ ثُلُثِ الْأَلْفِ فَلِمُوصًى لَهُ ثَلَاثُمِائِةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ ) الْمُخَلَّفُ ( ظَاهِرًا لَا يَخْفَى ) عَلَى الْمُجِيزِ ( أَوْ تَقُومُ ) بِهِ ( بَيِّنَةٌ ) عَلَى الْمُجِيزِ ( بِعِلْمِهِ بِقَدْرِهِ ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمُجَازُ مِنْ عَطِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ( عَيْنًا ) كَعَبْدٍ مُعَيَّنٍ ( أَوْ ) كَانَ ( مَبْلَغًا مَعْلُومًا ) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ ( أَوْ قَالَ ) مُجِيزُهُ ( ظَنَنْتُ الْبَاقِي ) بَعْدَهُ ( كَثِيرًا لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ .
فَلَا

رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَإِنْ قَالَ : ظَنَنْتُ قِيمَتَهُ أَلْفًا فَبَانَ أَكْثَرَ قُبِلَ وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، وَقَالَ : وَإِنْ أَجَازَ وَقَالَ : أَرَدْتُ أَصْلَ الْوَصِيَّةِ قُبِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ وَمَا وَصَّى بِهِ لِغَيْرِ مَحْصُورٍ كَفُقَرَاءَ أَوْ غُزَاةٍ وَبَنِي هَاشِمٍ ) ( أَوْ ) وَصَّى بِهِ لِ ( مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ ) كَثَغْرٍ وَرِبَاطٍ وَحَجٍّ ( لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ ) لِتَعَذُّرِهِ فَتَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ بَلْ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ وَلَوْ عَدَدًا يُمْكِنُ حَصْرُهُ ( اُشْتُرِطَ ) قَبُولُهُ ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لَهُ كَالْهِبَةِ .
وَلَا يَتَعَيَّنُ الْقَبُولُ بِاللَّفْظِ .
بَلْ يَجْزِي مَا قَامَ مَقَامَهُ كَأَخْذٍ وَمَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا .
وَفِي الْمُغْنِي وَطْؤُهُ قَبُولٌ كَرَجْعَةٍ وَبَيْعِ خِيَارٍ وَيَجُوزُ فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا ( وَمَحَلُّهُ ) أَيْ الْقَبُولِ ( بَعْدَ الْمَوْتِ ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ قَبْلَهُ ( وَيَثْبُتُ مِلْكُ مُوصًى لَهُ مِنْ حِينِهِ ) أَيْ الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ عَيْنٍ لِمُعَيَّنٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَلَمْ يَسْبِقْ الْمِلْكُ الْقَبُولَ ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ .
وَلِأَنَّ الْقَبُولَ مِنْ تَمَامِ السَّبَبِ ، وَالْحُكْمُ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبَهُ ( فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْقَبُولِ بِبَيْعٍ وَلَا رَهْنٍ وَلَاهِبَةٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا غَيْرِهَا لِعَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا ( وَمَا حَدَثَ ) مِنْ عَيْنٍ مُوصًى بِهَا بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ وَقَبْلَ قَبُولِ مُوصًى لَهُ بِهَا ( مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ ) كَكَسْبٍ وَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ ( فَ ) هُوَ ( لِوَرَثَةِ ) أَيْ وَرَثَةِ مُوصٍ لِمِلْكِهِمْ الْعَيْنَ حِينَئِذٍ ( وَيَتْبَعُ ) الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا نَمَاءٌ ( مُتَّصِلٌ ) كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ

( وَإِنْ كَانَتْ ) الْوَصِيَّةُ ( بِأَمَةٍ فَأَحْبَلَهَا وَارِثٌ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ ( صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ لَهَا ( وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى قِيمَتُهَا لِلْوَصِيِّ لَهُ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِهَا إذَا قَبِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ( كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا ) لِثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ لَهُ فِيهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي .
وَالِاسْتِيلَادُ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ .
وَلِذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ وَإِنْ لَمْ يُنَفَّذْ إعْتَاقُهُمَا .
وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى الْوَارِثُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الْقَبُولِ ثُمَّ قَبِلَ مُوصًى لَهُ فَكَبِنَاءِ مُشْتَرٍ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَغَرْسِهِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ

( وَإِنْ وَصَّى لَهُ ) أَيْ الْحُرِّ ( بِزَوْجَتِهِ ) الْأَمَةِ ( فَأَحْبَلَهَا وَوَلَدَتْ قَبْلَهُ ) أَيْ الْقَبُولِ .
وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحْبَلَهَا فَقَطْ ( لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ ) لِزَوْجِهَا الْمُوصَى ( لَهُ ) بِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ حِينَ أَحْبَلَهَا ( وَوَلَدُهُ ) الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهَا ( رَقِيقٌ ) إنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ

( وَ ) إنْ وَصَّى لِحُرٍّ ( بِأَبِيهِ ) الرَّقِيقِ ( فَمَاتَ ) مُوصًى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ وَ ( قَبْلَ قَبُولِهِ ) الْوَصِيَّةَ ( فَقَبِلَ ابْنُهُ ) أَيْ ابْنُ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بِجَدِّهِ ( عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ لِمِلْكِ ابْنِ ابْنِهِ لَهُ إذَنْ ( وَلَمْ يَرِثْ ) الْعَتِيقُ مِنْ ابْنِهِ الْمَيِّتِ ، لِحُدُوثِ حُرِّيَّتِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ الْمِيرَاثُ لِغَيْرِهِ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِابْنِ أَخِيهِ فَمَاتَ قَبْلَ قَبُولِهِ فَقَبِلَ ابْنُهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ ، لِأَنَّهُ تَلَقَّى الْوَصِيَّةَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي لَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَبِيهِ مِلْكٌ فِي الْمُوصَى بِهِ .
وَكَذَا لَا تُقْضَى دُيُونُ مُوصًى لَهُ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ وَقَبْلَ قَبُولٍ مِنْ وَصِيَّةٍ قَبِلَهَا وَارِثُهُ

( وَعَلَى وَارِثٍ ضَمَانُ عَيْنٍ ) لَا دَيْنٍ ( حَاضِرَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مُورِثِهِ ) إنْ تَلِفَتْ ، بِمَعْنَى أَنَّهَا تُحْتَسَبُ عَلَى الْوَرَثَةِ ، وَلَا يَنْقُصُ بِتَلَفِهَا ثُلُثٌ أَوْصَى بِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ فِي رَجُلٍ تَرَكَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةً وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِالْعَبْدِ فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ وَجَبَ دَفْعُ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ وَذَهَبَتْ دَنَانِيرُ الْوَرَثَةِ انْتَهَى .
لِأَنَّ مِلْكَهُمْ اسْتَقَرَّ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ ، إذْ هُوَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ .
وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِالْبَدَلِ عَلَى أَحَدٍ .
فَأَشْبَهَ مَا فِي يَدِ الْمُودَعِ وَنَحْوِهِ .
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً أَوْ حَاضِرَةً وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَبْضِهَا لَمْ تُحْتَسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ

وَ ( لَا ) يَكُونُ عَلَى وَارِثٍ ( سَقْيُ ثَمَرَةٍ مُوصًى بِهَا ) لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَ هَذِهِ الثَّمَرَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ

( وَإِنْ مَاتَ مُوصًى لَهُ قَبْلَ مُوصٍ بَطَلَتْ ) الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ صَادَفَتْ الْمُعْطَى مَيِّتًا ، فَلَمْ تَصِحَّ كَهِبَتِهِ لِمَيِّتٍ .
وَ ( لَا ) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ مَاتَ مُوصًى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ ( إنْ كَانَتْ ) الْوَصِيَّةُ ( بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ) لِبَقَاءِ اشْتِغَالِ الذِّمَّةِ حَتَّى يُؤَدِّي الدَّيْنَ

( وَإِنْ رَدَّهَا ) أَيْ رَدَّ مُوصًى لَهُ الْوَصِيَّةَ ( بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ الْمُوصِي ( فَإِنْ كَانَ ) رَدُّهُ ( بَعْدَ قَبُولِهِ ) الْوَصِيَّةَ ( لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ قَبَضَهَا أَوْ لَا ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَهُمَا ، لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا بِالْقَبُولِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ رَدُّهُ لِلْوَصِيَّةِ بَعْدَ قَبُولِهَا بِأَنْ رَدَّهَا قَبْلَهُ ( بَطَلَتْ ) الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَالٍ يَمْلِكُ قَبُولَهُ وَأَخْذُهُ .
أَشْبَهَ عَفْوَ الشَّفِيعِ عَنْ شُفْعَتِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ .
وَيَحْصُلُ رَدُّهَا بِقَوْلِهِ : رَدَدْتُ ، أَوْ لَا أَقْبَلُ وَنَحْوُهُ ، وَتَرْجِعُ لِلْوَرَثَةِ كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَكُنْ .
وَإِنْ عَيَّنَ بِالرَّدِّ وَاحِدًا وَقَصَدَ تَخْصِيصَهُ بِالْمَرْدُودِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لِجَمِيعِهِمْ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ ( وَإِنْ امْتَنَعَ ) مُوصًى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ ( مِنْ قَبُولٍ وَرَدٍّ ) لِلْوَصِيَّةِ ( حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَسَقَطَ حَقُّهُ ) مِنْ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ قَبُولِهِ ( وَإِنْ مَاتَ ) مُوصًى لَهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْمُوصِي ( وَقَبْلَ رَدٍّ وَقَبُولٍ ) لِلْوَصِيَّةِ ( قَامَ وَارِثُهُ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ ( مَقَامَهُ ) فِي رَدٍّ وَقَبُولٍ .
لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُوَرِّثِ ، فَيَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، لِحَدِيثِ " { مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ } " وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ .
فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً وَقَبِلَ بَعْضُهُمْ وَرَدَّ بَعْضُهُمْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ .
فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَعَلَ وَلِيُّهُ الْأَحَظَّ .

فَصْلٌ وَإِنْ قَالَ مُوصِي رَجَعْتُ فِي وَصِيَّتِي ، أَوْ قَالَ أَبْطَلْتُهَا وَنَحْوَهُ كَ رَدَدْتُهَا أَوْ غَيَّرْتُهَا أَوْ فَسَخْتُهَا ( بَطَلَتْ ) لِقَوْلِ عُمَرَ " يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ " وَالْعِتْقُ كَغَيْرِهِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى صِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ

( وَإِنْ قَالَ ) مُوصٍ ( فِي مُوصًى بِهِ : هَذَا لِوَرَثَتِي ) أَوْ فِي مِيرَاثِي ( أَوْ ) قَالَ ( مَا وَصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو فَ ) هُوَ ( رُجُوعٌ ) عَلَى الْوَصِيَّةِ الْأُولَى لِمُنَافَاتِهِ لَهَا ( وَإِنْ ) وَصَّى بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ ( وَصَّى بِهِ لِآخَرَ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ) أَيْ مَا وَصَّيْتُ بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو ( فَ ) لِلْمُوصَى بِهِ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِهِ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا .
كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ ( وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا ( قَبْلَ ) مَوْتِ ( مُوصٍ ) كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ ( أَوْ ) تَأَخَّرَ مَوْتُهُمَا عَنْ مَوْتِ مُوصٍ وَ ( رَدَّ ) أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ ( بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْآخَرُ ( كَانَ الْكُلُّ ) أَيْ كُلُّ الْمُوصَى بِهِ ( لِلْآخَرِ ) الَّذِي قَبِلَ الْوَصِيَّةَ ( لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ ) كَمَا لَوْ وَصَّى لِكُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ أَوْ رَدَّ وَقَبِلَ الْآخَرُ وَإِنْ أُجِيزَتْ وَصِيَّتُهُ فَيَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ .
وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ ثُمَّ بِثُلُثَيْهِ لِآخَرَ فَمُتَغَايِرَانِ وَفِي الرَّدِّ يُقَسِّمُ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ

( وَإِنْ بَاعَهُ ) أَيْ بَاعَ مُوصٍ مُوصًى بِهِ ( أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْجَبَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ ) بِأَنْ قَالَ لِإِنْسَانٍ : بِعْتُكَهُ أَوْ وَهَبْتُكَهُ ( وَلَمْ يَقْبَلْ ) مَقُولٌ لَهُ ذَلِكَ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَإِيجَابِ الْهِبَةِ فَرُجُوعٌ ( أَوْ عَرَضَهُ لَهُمَا ) أَيْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَرُجُوعٌ ( أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ أَوْ عِتْقِهِ ) أَيْ مَا وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ مِنْ رَقِيقِهِ بِأَنْ قَالَ : أَعْطُوهُ لِزَيْدٍ ثُمَّ قَالَ أَعْتِقُوهُ ( أَوْ ) وَصَّى بِ ( هِبَتِهِ أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ : هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَرُجُوعٌ ( أَوْ كَاتَبَهُ ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ ( أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ خَلَطَهُ ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ مِنْ نَحْوِ زَيْتٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقٍ ( بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ ) مِنْهُ ( وَلَوْ ) كَانَ مُوصًى بِهِ ( صُبْرَةً ) فَخَلَطَهَا ( بِغَيْرِهَا أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ ) الْمُوصَى بِهِ ( أَوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا ، أَوْ ضَرَبَ النَّقْرَةَ دَرَاهِمَ ، أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ بَنَى ) الْحَجَرَ أَوْ الْآجُرَّ الْمُوصَى بِهِ ( أَوْ غَرَسَ ) نَوًى مُوصًى بِهِ فَصَارَ شَجَرًا ( أَوْ نَجَّرَ الْخَشَبَةَ بَابًا ) أَوْ كُرْسِيًّا أَوْ دُولَابًا وَنَحْوَهُ ( أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ أَوْ جَعَلَهَا حَمَّامًا أَوْ نَحْوَهُ فَرُجُوعٌ ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ لِاخْتِيَارِهِ الرُّجُوعَ ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ السَّفِينَةَ وَصَارَ اسْمُهَا خَشَبًا ( لَا إنْ جَحَدَهَا ) أَيْ جَحَدَ الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ فَلَيْسَ رُجُوعًا لِأَنَّهَا عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ( أَوْ آجَرَ ) مُوصٍ عَيْنًا مُوصًى بِهَا ( أَوْ زَوَّجَ ) رَقِيقًا مُوصًى بِهِ ( أَوْ زَرَعَ ) أَرْضًا مُوصًى بِهَا فَلَيْسَ رُجُوعًا .
فَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَاهَا فَرُجُوعٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَيُشْعِرُ بِالصَّرْفِ عَنْ الْأَوَّلِ .
ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ .
وَيُمْكِنُ إدْخَالُهَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ : أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ ( أَوْ وَطِئَ

) أَمَةً مُوصًى بِهَا ( وَلَمْ تَحْمِلْ ) مِنْ وَطْئِهِ ( أَوْ لَبِسَ ) ثَوْبًا مُوصًى بِهِ ( أَوْ سَكَنَ مُوصًى بِهِ ) مِنْ دَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ بَيْت شَعْرٍ وَنَحْوِهِ ، فَلَيْسَ رُجُوعًا لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ وَلَمْ يَمْنَعْ التَّسْلِيمَ كَغَسْلِ ثَوْبٍ مُوصًى بِهِ ، أَوْ كَنْسِ دَارٍ مُوصًى بِهَا ، أَوْ عَلَّمَ رَقِيقًا مُوصًى بِهِ صَنْعَةً ( أَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ فَتَلِفَ ) مَالُهُ الَّذِي كَانَ يَمْلِكُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ بِإِتْلَافِهِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا ( أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا ) غَيْرَهُ فَلَيْسَ رُجُوعًا ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ حِينَ الْمَوْتِ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيهَا ( أَوْ ) كَانَتْ الْوَصِيَّةُ ( بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا ) أَيْ الصُّبْرَةَ ( وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا ) مِمَّا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ فَلَيْسَ رُجُوعًا ، لِأَنَّ الْقَفِيزَ كَانَ مُشَاعًا وَبَقِيَ عَلَى إشَاعَتِهِ ( وَزِيَادَةُ مُوصٍ فِي دَارٍ ) بَعْدَ وَصِيَّةٍ بِهَا ( لِلْوَرَثَةِ ) لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِهَا حِينِهَا ( لَا الْمُنْهَدِمِ ) مِنْ دَارٍ إذَا أَعَادَهُ مُوصٍ ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَلْ لِمُوصًى لَهُ بِهَا لِدُخُولِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِوُجُودِهِ حِينِهَا

( وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ ) بِنَحْوِ عَبْدٍ ( ثُمَّ قَالَ : إنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلَهُ ) مَا وَصَّيْتُ بِهِ لِزَيْدٍ ( فَقَدِمَ ) عَمْرٌو ( بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ فَ ) الْمُوصَى بِهِ لِزَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو ، لِانْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قُدُومِهِ وَانْتِقَالِهِ لِزَيْدٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ إذْ ذَاكَ وَمَا يَمْنَعُهُ .
فَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُ الشَّرْطِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا بِشَرْطٍ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فِي حَيَاةِ مُوصٍ كَانَ لَهُ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : بِلَا نِزَاعٍ ( وَيُخْرِجُ وَصِيٌّ ) أَيْ مُوصًى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ( فَوَارِثٌ ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ أَبَى ( فَحَاكِمٌ الْوَاجِبَ ) عَلَى مَيِّتٍ مِنْ دَيْنٍ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ تَخْيِيرٍ ) وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ( مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَخْرُجْ ، أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ ( وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } ( فَإِنْ وَصَّى مَعَهُ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( بِتَبَرُّعٍ ) مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مُشَاعٍ ( اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ ) الَّذِي تُعْتَبَرُ مِنْهُ التَّبَرُّعَاتُ ( مِنْ ) الْمَالِ ( الْبَاقِي ) بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ .
فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ أَرْبَعِينَ وَالدَّيْنُ عَشَرَةً وَوَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ دَفَعَ الدَّيْنَ أَوَّلًا ثُمَّ دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ عَشَرَةً لِأَنَّهَا ثُلُثُ الْبَاقِي .
وَعُلِمَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ " { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَحِكْمَةُ تَقْدِيمِهَا بِالذِّكْرِ فِي الْآيَةِ مَشَقَّةُ إخْرَاجِهَا عَلَى الْوَارِثِ فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ " أَوْ " الَّتِي لِلتَّسْوِيَةِ أَيْ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا

( وَإِنْ قَالَ ) مَنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَوَصَّى بِتَبَرُّعٍ ( أَخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي بُدِئَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ مِنْ الثُّلُثِ لِمَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ الْوَاجِبِ ( فَمَا فَضَلَ مِنْهُ فَ ) هُوَ ( لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ ) عَمَلًا بِوَصِيَّتِهِ ( وَإِلَّا ) يَفْضُلُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَعْدَ الْوَاجِبِ ( بَطَلَتْ ) الْوَصِيَّةُ بِالتَّبَرُّعِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْهَا .

( بَابُ الْمُوصَى لَهُ ) وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ ( تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ ) مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ ، أَوْ لَا كَالْفُقَرَاءِ ( وَكَافِرٍ مُعَيَّنٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ : إنَّ ذَلِكَ هُوَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ ( وَلَوْ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا ) كَالْهِبَةِ .
فَلَا تَصِحُّ لِعَامَّةِ النَّصَارَى أَوْ نَحْوِهِمْ لَكِنْ لَوْ وَصَّى لِكَافِرٍ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوَسِلَاحً أَوْ حَدِّ قَذْفٍ لَمْ تَصِحَّ وَبِعَبْدٍ كَافِرٍ فَأَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ بَطَلَتْ وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْكَافِرُ مِلْكًا عَلَى مُسْلِمٍ

( وَ ) تَصِحُّ وَصِيَّةٌ ( لِمُكَاتَبِهِ وَمُكَاتَبِ وَارِثِهِ ك ) مَا تَصِحُّ لِمُكَاتَبِ ( الْأَجْنَبِيِّ ) مِنْ مُوصٍ ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ ، فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَسَوَاءٌ وَصَّى لَهُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ كَثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ أَوْ بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ وَفَرَسٍ ، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ مَالَ الْمُكَاتَبِ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ

( وَ ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ( لِأُمِّ وَلَدِهِ ) لِأَنَّهَا حُرَّةٌ عِنْدَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ وَ ( كَوَصِيَّتِهِ أَنَّ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ ) مَثَلًا ( وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا ) أَيْ حَاضِنَةً لِوَلَدِهَا مِنْهُ

( وَإِنْ شَرَطَ ) فِي وَصِيَّتُهُ ( عَدَمَ تَزْوِيجِهَا ) أَيْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ ( فَفَعَلَتْ ) أَيْ وَافَقَتْ عَلَيْهِ ( وَأَخَذَتْ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ رَدَّتْ مَا أَخَذَتْ ) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِفَوَاتِ شَرْطِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِ أَمَةٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَمَاتَ ، فَقَالَتْ لَا أَتَزَوَّجُ عَتَقَتْ .
فَإِذَا تَزَوَّجَتْ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبَحَثَ فِيهِ الْحَارِثِيُّ .
وَذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ .
وَإِنْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ مَالًا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَزَوَّجَتْ رَدَّتْ الْمَالَ إلَى وَرَثَتِهِ نَصًّا .
وَإِنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا رَدَّهُ إذَا تَزَوَّجَ

( وَ ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ( لِمُدَبَّرِهِ ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا عِنْدَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ كَأُمِّ وَلَدِهِ ( فَإِنْ ضَاقَ ثُلُثُهُ ) أَيْ الْمُخَلَّفِ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمُدَبَّرِ ( وَعَنْ وَصِيَّتِهِ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِهِ ( بُدِئَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ ثُلُثِهِ ( بِعِتْقِهِ ) فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهَا

( وَ ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ( لِقِنِّهِ ) أَيْ رَقِيقِهِ غَيْرِ مُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ( بِمُشَاعٍ ) مِنْ مَالٍ ( كَثُلُثٍ ) وَرُبْعٍ .
( وَ ) يَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِقِنِّهِ ( بِنَفْسِهِ وَرَقَبَتِهِ ) أَيْ الْقِنِّ ، بِأَنْ يَقُولَ : أَوْصَيْتُ لَكَ بِنَفْسِكَ أَوْ بِرَقَبَتِكَ كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعِتْقِهِ وَ ( يَعْتِقُ ) كُلُّهُ ( بِقَبُولِهِ إنْ خَرَجَ ) كُلُّهُ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) لِأَنَّ الْقِنَّ يَدْخُلُ فِي الْجُزْءِ الْمُشَاعِ فَيَمْلِكُ الْجُزْءَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِقَبُولِهِ ، فَيَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ يَسْرِي الْعِتْقُ لِبَقِيَّتِهِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ ( وَإِلَّا ) يَخْرُجُ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ بَلْ بَعْضُهُ ( فَ ) إنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَ بَاقِيهِ .
فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ سِوَاهُ خَمْسُونَ عَتَقَ نِصْفُهُ ( وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ ) أَيْ الثُّلُثِ مَثَلًا ( وَفَضَلَ ) مِنْهُ ( شَيْءٌ ) بَعْدَ عِتْقِهِ ( أَخَذَهُ ) فَلَوْ وَصَّى لَهُ بِالثُّلُثِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ سِوَاهُ خَمْسُمِائَةٍ عَتَقَ وَأَخَذ مِائَةً لِأَنَّهَا تَمَامُ الثُّلُثِ الْمُوصَى بِهِ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِرُبْعِ الْمَالِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ سِوَاهُ ثَمَانِمِائَةٍ عَتَقَ وَأَعْطَى مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ تَمَامَ الرُّبْعِ .
وَإِنْ وَصَّى لِقِنِّهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ كَثُلُثِهِ وَرُبْعِهِ وَخَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مَا وَصَى لَهُ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَفِي بَقِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ .
وَ ( لَا ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ ( بِمُعَيَّنٍ ) لَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ كَدَارٍ وَفُرُشٍ وَثَوْبٍ وَقِنِّ غَيْرِهِ وَمِائَةٍ مِنْ مَالٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ شَيْءٌ فِيمَا وَصَّى لَهُ بِهِ .
فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ .
وَإِذَا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ آلَ إلَى الْوَرَثَةِ ، وَكَانَ مَا وَصَّى بِهِ لَهُ لَهُمْ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمَيِّتَ وَصَّى لِوَرَثَتِهِ بِمَا يَرِثُونَهُ فَتَلْغُو الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ

فَائِدَتِهَا ( وَلَا ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ( لِقِنِّ غَيْرِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لِحَجَرٍ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي التَّنْقِيحِ .
وَفِي الْمُقْنِعِ .
وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ لِسَيِّدِهِ بِقَبُولِ الْقِنِّ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ

( وَلَا ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ( لِحَمْلٍ إلَّا إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ حِينَهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةِ ( بِأَنْ تَضَعَهُ ) الْأُمُّ ( حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ) مِنْ الْوَصِيَّةِ ( إنْ لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ فِرَاشًا ) لِزَوْجٍ ( أَوْ ) سَيِّدٍ أَوْ تَضَعُهُ لِأَقَلَّ ( مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) فِرَاشًا كَانَتْ أَوْ لَا ( مِنْ حِينِهَا ) فَتَصِحُّ لِأَنَّهَا تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا وَالْوَصِيَّةُ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، وَلِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْمِيرَاثِ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بَطَلَتْ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا حِينَ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ مَاتَ بِعَارِضٍ مِنْ ضَرْبِ بَطْنٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ لِمَعْدُومٍ ( وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِهِ ) أَيْ الْحَمْلِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا تَصِحُّ إلَّا إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَ ) إنْ قَالَ مُوصٍ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ ( إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ ذَكَرٌ فَلَهُ كَذَا ) أَيْ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا مَثَلًا ( وَإِنْ كَانَ ) فِي بَطْنِكِ ( أُنْثَى فَ ) لَهَا ( كَذَا ) أَيْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا مَثَلًا ( فَكَانَا ) أَيْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَطْنِهَا ذَكَرٌ وَأُنْثَى بِوِلَادَتِهَا لَهُمَا ( فَلَهُمَا ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( مَا شَرَطَ ) لَهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ( وَلَوْ كَانَ قَالَ ) لَهَا ( إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِكِ ) أَوْ حَمْلُكِ ذَكَرًا فَلَهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهَا كَذَا فَكَانَا ( فَلَا ) شَيْءَ لَهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْضُ مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ حَمْلِهَا لَا كُلَّهُ .
وَإِنْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَالْوَصِيَّةُ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُمَا شَيْئًا بَعْدَ وِلَادَتِهِمَا .
وَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا فَعَلَى مَا قَالَهُ كَالْوَقْفِ ، وَالْخُنْثَى لَهُ مَا لِلْأُنْثَى حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ .
ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي (

وَطِفْلٌ : مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ ) وَظَاهِرُهُ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ( وَصَبِيٌّ وَغُلَامٌ وَيَافِعٌ وَيَتِيمٌ : مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ) فَتُطْلَقُ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ وِلَادَتِهِ إلَى بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الطِّفْلِ فَإِلَى تَمَيُّزِهِ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الصَّبِيُّ كَالْغُلَامِ ( وَلَا يَشْمَلُ الْيَتِيمُ وَلَدَ زِنًا ) لِأَنَّ الْيَتِيمَ مَنْ فَقَدَ الْأَبَ بَعْدَ وُجُودِهِ ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ ( وَمُرَاهِقٌ مَنْ قَارَبَهُ ) أَيْ الْبُلُوغَ .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَرَاهَقَ الْغُلَامُ قَارَبَ الْحُلُمَ ( وَشَابٌّ وَفَتًى مِنْهُ ) أَيْ الْبُلُوغِ ( إلَى ثَلَاثِينَ ) سَنَةً ( وَكَهْلٌ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثِينَ ( إلَى خَمْسِينَ سَنَةً .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ ) الْكَهْلُ مَنْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَرُئِيَتْ لَهُ بَجَالَةٌ أَوْ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إلَى إحْدَى وَخَمْسِينَ انْتَهَى وَالْبُجَالَةُ مَصْدَرُ بَجُلَ كَعَظُمَ ( وَشَيْخٌ مِنْهَا ) أَيْ الْخَمْسِينَ ( إلَى سَبْعِينَ ثُمَّ ) مَنْ جَاوَزَهَا ( هَرِمَ ) إلَى آخِرِ عُمْرِهِ

( وَإِنْ قَتَلَ وَصِيٌّ مُوصِيًا ) قَتْلًا مَضْمُونًا وَلَوْ خَطَأً ( بَطَلَتْ ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَهُوَ آكَدُ مِنْهَا فَهِيَ أَوْلَى .

و ( لَا ) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ( إنْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَوْصَى ) الْمَجْرُوحُ ( لَهُ ) أَيْ لِجَارِحِهِ ( فَمَاتَ ) الْمَجْرُوحُ ( مِنْ الْجُرْحِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْجُرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا فَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا ( وَكَذَا فَعَلَ مُدَبَّرٌ بِسَيِّدِهِ ) فَإِنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ بَعْدَ أَنْ دَبَّرَهُ بَطَلَ وَإِنْ جَرَحَ سَيِّدَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ وَمَاتَ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ

( وَتَصِحُّ ) الْوَصِيَّةُ ( لِصِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ ) كَالْفُقَرَاءِ وَالْغُزَاةِ .
( وَ ) تَصِحُّ ( لِجَمِيعِهَا ) أَيْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ( وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ ( قَدْرَ مَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ ) حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ .
وَلَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ وَلَا التَّسْوِيَةُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الزَّكَاةِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ كَالزَّكَاةِ ، وَالْأَقْوَى أَنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ ثَمَنًا .
قَالَ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ الصِّنْفِ انْتَهَى .
وَيُسْتَحَبُّ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ وَتَعْمِيمُ أَقَارِبِ مُوصٍ وَلَا يُعْطِي إلَّا الْمُسْتَحِقَّ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ

( وَ ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ( لِكُتُبِ قُرْآنٍ وَعِلْمٍ ) لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا فَصَحَّ الصَّرْفُ فِيهِ كَالصَّدَقَةِ

( وَ ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِ ( مَسْجِدٍ ) كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ ( وَتُصْرَفُ فِي مَصْلَحَتِهِ ) لِأَنَّهُ الْعُرْفُ وَيَبْدَأُ النَّاظِرُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ بِاجْتِهَادِهِ .
فَإِنْ قَالَ إنْ مِتَّ فَبَيْتِي لِلْمَسْجِدِ أَوْ فَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ مَالِي ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ : يَتَوَجَّهُ صِحَّتُهُ

( وَ ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ( لِفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْفَرَسُ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ صَرْفِ مُوصًى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ ( رُدَّ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( مُوصًى بِهِ أَوْ بَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ ) لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ وَصَّى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ فَرَدَّهُ ، وَلَا يُصْرَفُ فِي فَرَسٍ حَبِيسٍ آخَرَ نَصًّا ( كَوَصِيَّةٍ بِعِتْقِ عَبْدِ زَيْدٍ فَتَعَذَّرَ ) عِتْقُهُ لِمَوْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَثَمَنُهُ لِلْوَرَثَةِ ( أَوْ ) وَصِيَّتُهُ بِ ( شِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ لِيُعْتَقَ عَنْهُ أَوْ ) بِشِرَاءِ ( عَبْدِ زَيْدٍ بِهَا ) أَيْ الْأَلْفِ ( فَاشْتَرَوْهُ ) أَيْ عَبْدَ زَيْدٍ بِدُونِ الْأَلْفِ ( أَوْ ) اشْتَرَوْا ( عَبْدًا يُسَاوِيهَا ) أَيْ الْأَلْفَ ( بِدُونِهَا ) فَالْفَاضِلُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُمْ .
وَإِذَا أَرَادَ الْمُوصِي تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ أَوْ الْفَرَسِ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ .
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ

( وَإِنْ وَصَّى ) بِشَيْءٍ ( فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ صُرِفَ فِي الْقُرَبِ ) جَمِيعِهَا لِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ ( وَيَبْدَأُ ) مِنْهَا ( بِالْغَزْوِ ) نَصًّا .
لِقَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ : لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْقُرَبِ

( وَلَوْ قَالَ ) مُوصٍ لِوَصِيِّهِ ( ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ تَعَالَى ) أَوْ حَيْثُ يُرِيكَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَلَهُ صَرْفُهُ فِي أَيْ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ ) رَأَى وَضْعَهُ فِيهَا عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ ( وَالْأَفْضَلُ صَرْفُهُ إلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ ) أَيْ الْمُوصِي غَيْرِ الْوَارِثِينَ ، لِأَنَّهُ فِيهِمْ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي أَقَارِبُ مِنْ النَّسَبِ ( فَ ) إلَى ( مَحَارِمِهِ مِنْ الرَّضَاعِ ) كَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ( فَ ) إلَى ( جِيرَانِهِ ) وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ إلَى مَا يَرَاهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالتَّحَكُّمِ

( وَإِنْ وَصَّى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ صُرِفَ ) الْأَلْفُ ( مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ ) الْحَجُّ ( تَطَوُّعًا فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى رَاكِبًا ) كَانَ الْحَاجُّ عَنْ الْمُوصِي ( أَوْ رَاجِلًا يَدْفَعُ إلَى كُلٍّ ) مِنْ الرَّاكِبِ وَالرَّاجِلِ ( قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ ) فَقَطْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَصْرِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَاقْتَضَى عِوَضَ الْمِثْلِ كَالتَّوْكِيلِ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ ( حَتَّى يَنْفُذَ ) الْأَلْفُ الْمُوصَى بِهِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّهُ وَصَّى بِجَمِيعِهِ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِيهَا كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ( فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْأَلْفُ ) أَنْ يَحُجَّ بِهِ مِنْ بَلَدِ مُوصٍ ( أَوْ ) لَمْ تَكْفِ ( الْبَقِيَّة ) مِنْهُ إنْ صَرَفَ مِنْهُ فِي حَجِّهِ أَوْ أَكْثَرَ وَبَقِيَ شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ مِنْ بَلَدِ مُوصٍ ( حَجَّ بِهِ ) أَيْ الْأَلْفِ أَوْ الْبَاقِي ( مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ) نَصًّا لِأَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ صَرْفَهُ فِي الْحَجِّ فَصَرْفُهُ فِيهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانَ ( وَلَا يَصِحُّ حَجُّ وَصِيٍّ بِإِخْرَاجِهَا ) أَيْ نَفَقَةِ الْحَجِّ نَصًّا لِأَنَّهُ مُنَفَّذٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ : تَصَدَّقْ عَنِّي بِكَذَا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِصَرْفِهِ فِي الْغَزْوِ ( وَلَا ) يَصِحُّ حَجُّ ( وَارِثٍ ) بِهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَظْهَرُ مِنْ غَرَضِ مُوصٍ ( وَإِنْ قَالَ ) يَحُجُّ عَنِّي ( حَجَّةً بِأَلْفٍ دَفَعَ الْكُلَّ إلَى مَنْ يَحُجُّ ) بِهِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ ( فَإِنْ عَيَّنَهُ ) أَيْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ : يَحُجُّ عَنِّي زَيْدٌ حَجَّةً بِأَلْفٍ ( فَأَبَى ) زَيْدٌ ( الْحَجَّ بَطَلَتْ ) الْوَصِيَّةُ ( فِي حَقِّهِ ) أَيْ بَطَلَ تَعْيِينُهُ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ فِيهَا حَقٌّ لِلْحَجِّ وَحَقٌّ لِلْمُوصَى لَهُ ، فَإِذَا رَدَّ بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ ، كَقَوْلِهِ : بِيعُوا عَبْدِي لِفُلَانٍ وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ .
وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ الْمُوصَى لَهُ بِفَرَسٍ فِي السَّبِيلِ عَلَى الْخُرُوجِ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ( وَيَحُجُّ عَنْهُ ) ثِقَةٌ سِوَى الْمُعَيَّنِ الرَّادِّ ( بِأَقَلَّ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَفَقَةٍ ) مِثْلِهِ

.
وَحِينَئِذٍ فَالنَّائِبُ أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيهِ لِيَحُجَّ مِنْهُ .
وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ ( أَوْ ) مِنْ ( أُجْرَةٍ ) إنْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِلْحَجِّ ( وَالْبَقِيَّةُ ) أَيْ بَقِيَّةُ أَلْفٍ بَعْدَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ أَوْ أُجْرَةٍ ( لِلْوَرَثَةِ ) لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ بِامْتِنَاعِ الْمُعَيَّنِ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ فَرَدَّ الْوَصِيَّةَ ( فِي ) حَجِّ ( فَرْضٍ وَنَفْلٍ ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ) الْمُعَيَّنُ مِنْ الْحَجِّ ( أَعْطَى الْأَلْفَ ) لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِالزِّيَادَةِ بِشَرْطِ حَجِّهِ .
وَقَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلْحَجِّ فَوَجَبَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا قَالَ مُوصٍ ( وَحُسِبَ الْفَاضِلُ ) مِنْ الْأَلْفِ ( عَنْ نَفَقَةِ مِثْلٍ ) لِتِلْكَ الْحَجَّةِ ( فِي فَرْضٍ ) مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَرِّعُ بِهِ وَنَفَقَةُ الْمِثْلِ فِيهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ ( وَ ) حُسِبَ ( الْأَلْفُ ) جَمِيعُهُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ ( فِي ) حَجِّ ( نَفْلٍ مِنْ الثُّلُثِ ) لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ الْحَجِّ عَنْهُ وَلَا يُعْطَى إلَّا أَيَّامَ الْحَجِّ نَصًّا

( وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ بِأَلْفٍ فَأَعْتَقُوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( نَسَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ لَزِمَهُمْ عِتْقُ ) نَسَمَةٍ ( أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ ) حَيْثُ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الْأَلْفَ تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ ( وَإِنْ قَالَ ) مُوصٍ : أَعْتِقُوا ( أَرْبَعَةً ) أَرِقَّاءَ ( بِكَذَا ) أَيْ أَلْفٍ مَثَلًا ( جَازَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يُسَمِّ ) لِكُلِّ وَاحِدٍ ( ثَمَنًا مَعْلُومًا ) نَصًّا .
فَإِنْ عَيَّنَهُ وَجَبَ عَلَى مَا قَالَهُ

( وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدِ زَيْدٍ وَصِيَّةً ) لَهُ ، بِأَنْ قَالَ يُشْتَرَى عَبْدُ زَيْدٍ وَيُعْتَقُ وَيُعْطَى مِائَةٌ ( فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ أَخَذَ الْعَبْدُ الْوَصِيَّةَ ) بِالْمِائَةِ لِأَنَّ الْمُوصِي قَدْ أَوْصَى بِوَصِيَّتَيْنِ عِتْقِهِ وَإِعْطَائِهِ الْمِائَةَ ، فَإِذَا فَاتَ عِتْقُهُ لِسَبْقِ سَيِّدِهِ بِهِ بَقِيَتْ الْأُخْرَى ( وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ مِثْلِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ ) نَفَذَ ذَلِكَ إنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ ( اُشْتُرِيَ ) عَبْدٌ ( بِثُلُثِهِ ) أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ ( إنْ لَمْ يَخْرُجْ ) الْأَلْفُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ

( وَلَوْ وَصَّى بِشِرَاءِ فَرَسٍ لِلْغَزْوِ بِمُعَيَّنٍ ) كَأَلْفٍ ( وَ ) وَصَّى ( بِمِائَةٍ نَفَقَةً لَهُ ) أَيْ الْفَرَسِ ( فَاشْتُرِيَ ) الْفَرَسُ ( بِأَقَلَّ مِنْهُ ) أَيْ الْأَلْفِ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُ الْأَلْفَ وَالْمِائَةَ ( فَبَاقِيهِ ) أَيْ الْأَلْفِ ( نَفَقَةٌ ) لِلْفَرَسِ مَعَ الْمِائَةِ نَصًّا ( لَا إرْثَ ) لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْأَلْفَ وَالْمِائَةَ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفَرَسُ ، فَهُمَا مَالٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ لِلثَّمَنِ وَبَعْضُهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِ ، وَتَقْدِيرُ الثَّمَنِ لِتَحْصِيلِ صِفَةٍ ، فَإِذَا حَصَلَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ فَيَخْرُجُ الثَّمَنُ مِنْ الْمَالِ وَمَا بَقِيَ لِلنَّفَقَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَاشْتَرَوْا مَا يُسَاوِيهِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَا مَصْرِفَ لَهُ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا

( وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ ) بِكَسْرِ السِّينِ ( فَ ) الْمُوصَى بِهِ ( لِأَهْلِ زُقَاقِهِ ) أَيْ الْمُوصِي بِضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ دَرْبُهُ ، سُمِّيَ سِكَّةً لِاصْطِفَافِ الْبُيُوتِ بِهِ .
وَكَانَتْ الدُّرُوبُ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ تُسَمَّى سِكَكًا ، فَيَسْتَحِقُّ مَنْ كَانَ سَاكِنًا بِهِ ( حَالَ الْوَصِيَّةِ ) نَصًّا .
لِأَنَّهُ قَدْ يَلْحَظُ أَعْيَانَ سُكَّانِهَا الْمَوْجُودِينَ لِحَصْرِهِمْ .
( وَ ) إنْ وَصَّى ( لِجِيرَانِهِ تَنَاوَلَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { الْجَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا } وَجَارُ الْمَسْجِدِ مَنْ سَمِعَ أَذَانَهُ ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي حَدِيثٍ " { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } " قَالَ " مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ " وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ وُجِدَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ كَمَنْ وُجِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ

( وَ ) إنْ وَصَّى ( لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ ، أَوْ ) وَصَّى ( لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ ، أَوْ ) وَصَّى ( لِأَقْرَبِهِمْ ) بِهِ ( رَحِمًا وَلَهُ ) أَيْ الْمُوصِي ( أَبٌ وَابْنٌ ، أَوْ ) لَهُ ( جَدٌّ وَأَخٌ ) لِغَيْرِ أُمٍّ ( فَهُمَا سَوَاءٌ ) حَيْثُ لَمْ يَرِثَا لِمَانِعٍ أَوْ أُجِيزَا ، لِأَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَالْجَدُّ وَالْأَخُ يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ ( وَأَخٌ مِنْ أَبٍ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ إنْ دَخَلَ ) الْأَخُ لِأُمٍّ ( فِي الْقَرَابَةِ سَوَاءٌ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ .
وَالْمَذْهَبُ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ أُمٍّ فِي الْقَرَابَةِ ( وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أَحَقُّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْأَخِ لِأَبٍ فَقَطْ وَالْأَخُ لِأُمٍّ فَقَطْ .
لِأَنَّ مَنْ لَهُ قَرَابَتَانِ أَقْرَبُ مِمَّنْ لَهُ قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ ( وَالْإِنَاثُ كَالذُّكُورِ فِيهَا ) أَيْ فِي الْقَرَابَةِ ، فَالِابْنُ وَالْبِنْتُ سَوَاءٌ ، وَالْأَخُ وَالْأُخْتُ سَوَاءٌ ، وَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الِابْنِ وَمِنْ الْجَدِّ وَمِنْ الْإِخْوَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ أَنَّ ابْنَ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ .
قَالَ : وَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ وَلَدَهُ إلَّا الْجَدَّ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى بَنِي إخْوَتِهِ ، وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لِأَبَوَيْنِ

( فَصْلٌ .
وَلَا تَصِحُّ ) الْوَصِيَّةُ ( لِكَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ ) أَوْ مَكَانٍ مِنْ أَمَاكِنِ الْكُفْرِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِبِنَائِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ .
لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ ، كَوَصِيَّتِهِ بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ لِلْفُجُورِ أَوْ بِشِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مُسْلِمًا كَانَ الْمُوصِي أَوْ كَافِرًا .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ أَوْصَى بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ صَحَّ .
لِأَنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهِمْ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ ( أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ ) فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مَنْسُوخَانِ وَفِيهِمَا تَبْدِيلٌ وَالِاشْتِغَالُ بِهِمَا غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ { غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ شَيْئًا مَكْتُوبًا مِنْ التَّوْرَاةِ } ( أَوْ مَلَكٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ ( أَوْ مَيِّتٍ ) فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لِحَجَرِ وَكَذَا لِجِنِّيٍّ ( وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ ) أَيْ مَيِّتٍ ( يَعْلَمُ ) مُوصٍ ( مَوْتَهُ ) حَالَ الْوَصِيَّةِ ( أَوْ لَا ) يَعْلَمُهُ ( وَ ) لِ ( حَيٍّ ) بِأَنْ وَصَّى لِعَبْدِهِ مَثَلًا لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَزَيْدٌ مَيِّتٌ ( فَلِلْحَيِّ النِّصْفُ ) مِنْ الْمُوصَى بِهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِمَا .
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ الْحَيِّ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمُعَارِضِ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ لِحَيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ( وَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ بَهِيمَةٍ ) لِاسْتِحَالَتِهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27