كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةٌ مَا أَتْلَفُوهُ ) عَلَى أَهْلِ عَدْلٍ حَالَ حَرْبٍ ( كَ ) مَا لَا يَضْمَنُ ( أَهْلُ عَدْلٍ ) مَا أَتْلَفُوهُ لِبُغَاةٍ حَالَ حَرْبٍ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُضَمِّنْ الْبُغَاةَ مَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ ، مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُقَادُ وَاحِدٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وُجِدَ .
ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مُحْتَجًّا بِهِ ( وَيَضْمَنَانِ ) أَيْ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةُ ( مَا أَتْلَفَاهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ ) أَيْ يَضْمَنُ كُلٌّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فِي غَيْرِ حَرْبٍ ؛ لِإِتْلَافِهِ مَعْصُومًا بِلَا حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةِ دَفْعٍ

( وَمَا أَخَذُوا ) أَيْ الْبُغَاةُ ( حَالَ امْتِنَاعِهِمْ ) عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ ، أَيْ : حَالَ شَوْكَتِهِمْ ( مِنْ زَكَاةٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ اُعْتُدَّ بِهِ ) لِدَافِعِهِ إلَيْهِمْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا إذَا ظَفِرَ بِهِ أَهْلُ الْعَدْلِ لِأَنَّ عَلِيًّا لِمَا ظَفِرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَاهُ الْبُغَاةُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَأْتِيهِمْ سَاعِي نَجْدَةَ الْحَرُورِيُّ فَيَدْفَعُونَ إلَيْهِ زَكَاتَهُمْ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى الرَّعَايَا

( وَيُقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ ) مِمَّنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ( دَعْوَى دَفْعِ زَكَاةٍ إلَيْهِمْ ) أَيْ الْبُغَاةِ كَدَعْوَى دَفْعِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَ ( لَا ) تُقْبَلُ دَعْوَى دَفْعِ ( خَرَاجٍ ) إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ( وَلَا ) دَعْوَى دَفْعِ ( جِزْيَةٍ ) إلَيْهِمْ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّفْعِ

( وَهُمْ ) أَيْ : الْبُغَاةُ ( فِي شَهَادَتِهِمْ وَ ) فِي ( إمْضَاءِ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ ) لِأَنَّ التَّأْوِيلَ السَّائِغَ فِي الشَّرْعِ لَا يُفَسَّقُ بِهِ الذَّاهِبُ إلَيْهِ أَشْبَهَ الْمُخْطِئَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي فَرْعٍ فَيَقْضِي بِشَهَادَةِ عُدُولِهِمْ وَلَا يَنْقُضُ حُكْمَ حَاكِمِهِمْ إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ قَبُولُ كِتَابِهِ وَإِمْضَاؤُهُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَأَهْلُ الْبِدَعِ إذَا خَرَجُوا عَنْ الْإِمَامِ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ وَلَا يَنْفُذُ لِقَضَائِهِمْ حُكْمٌ لِفِسْقِهِمْ

( وَإِنْ اسْتَعَانُوا ) أَيْ الْبُغَاةُ ( بِأَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ أَهْلِ عَهْدٍ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ وَصَارُوا كُلُّهُمْ أَهْلَ حَرْبٍ ) لِقِتَالِهِمْ لَنَا كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِهِ ( إلَّا إنْ ادَّعَوْا ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ( شُبْهَةً كَ ) ظَنِّ ( وُجُوبِ إجَابَتِهِمْ ) أَيْ : الْبُغَاةِ لِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ وَقَالُوا لَا نَعْلَمُ الْبُغَاةَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ أَهْلَ الْعَدْلِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْقِتَالُ مَعَهُمْ وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُ النَّقْضِ ( وَيَضْمَنُونَ ) أَيْ : أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ( مَا أَتْلَفُوهُ ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ ( مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ ) كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِإِتْلَافِهِ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالتَّضْمِينُ يُنَافِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَعَدَاوَتُهُمْ قَائِمَةٌ مَا دَامُوا كَذَلِكَ فَلَا ضَرَرَ فِي تَضْمِينِهِمْ

( وَإِنْ اسْتَعَانُوا ) أَيْ الْبُغَاةُ ( بِأَهْلِ حَرْبٍ وَأَمَّنُوهُمْ فَ ) أَمَانُهُمْ ( كَعَدَمِهِ ) لِأَنَّهُمْ عَقَدُوهُ عَلَى قِتَالِنَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِعِصْمَتِهِمْ فَيُبَاحُ قَتْلُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ ( إلَّا أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى بُغَاةٍ ) لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُمْ فَلَا يَغْدِرُونَهُمْ .

فَصْلٌ وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ كَتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ وَسَبِّ الصَّحَابَةِ ( وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ ) أَيْ : لَمْ يَجْتَمِعُوا لِلْحَرْبِ ( لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا " كَانَ يَخْطُبُ فَقَالَ مَنْ بِبَابِ الْمَسْجِدِ : لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ ؛ تَعْرِيضًا لِلرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ مِنْ تَحْكِيمِهِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ثُمَّ قَالَ : لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ : لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا ، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ " ( وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ ) فِي ضَمَانِ نَفْسٍ وَمَالٍ وَوُجُوبِ حَدٍّ لِلُزُومِ الْإِمَامِ الْحُكْمَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي قَبْضَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلَا اعْتِبَارٍ لِاعْتِقَادِهِ فِيهِ ( وَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ إمَامٍ أَوْ ) بِسَبِّ ( عَدْلٍ أَوْ عَرَّضُوا بِهِ ) أَيْ : بِسَبِّ إمَامٍ أَوْ عَدْلٍ ( عُزِّرُوا ) كَغَيْرِهِمْ

( وَمَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةِ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ) وَأَمْوَالَهُمْ ( بِتَأْوِيلٍ فَ ) هُمْ ( خَوَارِجُ بُغَاةٌ فَسَقَةٌ ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : نُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ عَلَى عَدَمِ كُفْرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا كَفَّرَ الْجَهْمِيَّةَ لَا أَعْيَانَهُمْ ، قَالَ : وَطَائِفَةٌ تَحْكِي عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا حَتَّى الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُفَضِّلَةِ لِعَلِيٍّ ( وَعَنْهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الَّذِينَ كَفَّرُوا أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِتَأْوِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ ( كُفَّارٌ ) قَالَ ( الْمُنَقَّحُ وَهُوَ أَظْهَرُ ) .
انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَاَلَّذِي نَدِينُ لِلَّهِ بِهِ .
انْتَهَى .
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ عَنْ { أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْإِسْلَامِ : الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ فَقَالَ لَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ } وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ مَنْ قَالَ عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَفَرَ

( وَإِنْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِلْعَصَبِيَّةِ أَوْ ) طَلَبِ ( رِئَاسَةٍ فَ ) هُمَا ( ظَالِمَتَانِ تَضْمَنُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الْأُخْرَى ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْمُتْلِفِ ( وَضَمِنَتَا ) أَيْ : الطَّائِفَتَانِ ( سَوَاءٌ مَا جُهِلَ مُتْلِفُهُ ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ ( كَمَا لَوْ قُتِلَ دَاخِلٌ بَيْنَهُمَا لِصُلْحٍ وَجُهِلَ قَاتِلُهُ ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ ، وَإِنْ عُلِمَ كَوْنُهُ مِنْ طَائِفَةٍ بِعَيْنِهَا وَجُهِلَ عَيْنُهُ ضَمِنَتْهُ وَحْدَهَا بِخِلَافِ الْمَقْتُولِ فِي زِحَامِ جَامِعٍ أَوْ طَوَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَدٍّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .

بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ ( وَهُوَ ) لُغَةً الرَّاجِعُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } وَشَرْعًا ( مَنْ كَفَرَ وَلَوْ ) كَانَ ( مُمَيِّزًا ) بِنُطْقٍ أَوْ اعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ شَكٍّ ( طَوْعًا وَلَوْ ) كَانَ ( هَازِلًا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَوْ ) كَانَ إسْلَامُهُ ( كُرْهًا بِحَقٍّ ) كَمَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إذَا قُوتِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ ، وَوَلَدِ مُسْلِمَةٍ مِنْ كَافِرٍ إذَا أُكْرِهَ عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَنَطَقَ بِهِمَا ثُمَّ ارْتَدَّ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا .
.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَغَيْرِهِمْ وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ .
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ { أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَبَلَغَ أَمْرُهَا النَّبِيَّ فَأَمَرَ أَنْ تُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ } وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلِيَّةُ ، لِأَنَّهُ قَالَ حِينَ رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً وَكَانَتْ كَافِرَةً أَصْلِيَّةً ، وَيُخَالِفُ الْكُفْرُ الْأَصْلِيُّ الطَّارِئَ ؛ إذْ الْمَرْأَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ بِضَرْبٍ وَلَا حَبْسٍ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ

( فَمَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ ) أَوْ صَدَّقَ مَنْ ادَّعَاهَا كَفَرَ ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وَلِحَدِيثِ { لَا نَبِيَّ بَعْدِي } .
وَفِي الْخَبَرِ { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ } ( أَوْ أَشْرَكَ ) أَيْ كَفَرَ ( بِاَللَّهِ تَعَالَى ) كَفَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } ( أَوْ سَبَّهُ ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى ( أَوْ ) سَبَّ ( رَسُولًا لَهُ أَوْ مَلَكًا ) لَهُ كَفَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُبُّهُ إلَّا وَهُوَ جَاحِدٌ بِهِ ( أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى ( أَوْ ) جَحَدَ ( وَحْدَانِيَّتَهُ أَوْ ) جَحَدَ ( صِفَةً ) ذَاتِيَّةً لَهُ تَعَالَى كَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ كَفَرَ ( أَوْ ) جَحَدَ ( رَسُولًا ) مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ ثَبَتَ تَوَاتُرُ الْآحَادِ كَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ ( أَوْ ) جَحَدَ ( كِتَابًا أَوْ مِلْكًا لَهُ ) أَيْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرُّسُلِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِمْ كَفَرَ ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ جَحْدُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَجَحْدِ الْكُلِّ ( أَوْ ) جَحَدَ الْبَعْثَ أَوْ ( وُجُوبَ عِبَادَةٍ مِنْ ) الْعِبَادَاتِ ( الْخَمْسِ ) الْمُشَارِ إلَيْهَا بِحَدِيثِ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } ( وَمِنْهَا ) أَيْ : مِثْلُهَا ( الطَّهَارَةُ ) فَيَكْفُرُ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا وُضُوءًا كَانَتْ أَوْ غُسْلًا أَوْ تَيَمُّمًا ( أَوْ ) جَحَدَ ( حُكْمًا ظَاهِرًا ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ فَرْضِ السُّدُسِ لِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ ( مُجْمَعًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا ) لَا سُكُوتِيًّا لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً ( كَ ) جَحْدِ ( تَحْرِيمِ زِنًا أَوْ ) جَحْدِ تَحْرِيمِ ( لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ ) جَحْدِ ( حِلِّ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ ) كَلَحْمِ مُذَكَّاةِ بَهِيمَةِ

الْأَنْعَامِ وَالدَّجَاجِ ( أَوْ شَكٍّ فِيهِ ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ زِنًا وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ فِي حِلِّ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ ( وَمِثْلُهُ لَا يَجْهَلُهُ ) لِكَوْنِهِ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ( أَوْ ) كَانَ ( يَجْهَلُهُ ) مِثْلُهُ ( وَعَرَفَ ) حُكْمَهُ ( وَأَصَرَّ ) عَلَى الْجَحْدِ أَوْ الشَّكِّ كَفَرَ ؛ لِمُعَانَدَتِهِ لِلْإِسْلَامِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ قَبُولِ الْأَحْكَامِ غَيْرَ قَابِلٍ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَيْ : لَا شُبْهَةَ فِيهِ نَحْوُ اسْتِحْلَالِ الْخَوَارِجِ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُونَهُمْ لِادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ كَمَا .
قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ يَمْدَحُ ابْنَ مُلْجَمٍ لِقَتْلِهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا إلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانَا إنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ أَوْفَى الْبَرِّيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانَا .
بِخِلَافِ مَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ بِلَا تَأْوِيلٍ ( أَوْ سَجَدَ لِكَوْكَبٍ ) كَشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ ( أَوْ ) سَجَدَ لِ ( نَحْوِهِ ) كَصَنَمٍ كَفَرَ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ ) كَفَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } قَالَ فِي الْمُغْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْتَفَى مِنْ الْهَازِئِ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُؤَدَّبَ أَدَبًا يَزْجُرُهُ عَنْ ذَلِكَ ( أَوْ امْتَهَنَ الْقُرْآنَ ) كِتَابَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ( أَوْ ادَّعَى اخْتِلَافَهُ ) أَوْ اخْتِلَاقَهُ ( أَوْ ) ادَّعَى ( الْقُدْرَةَ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ كَفَرَ ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا

كَثِيرًا } وَقَوْلِهِ : { قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } الْآيَةَ وَقَوْلِهِ : { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ أَوْ حُدُوثَ الصَّانِعِ أَوْ سَخِرَ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ

( وَلَا ) يَكْفُرُ ( مَنْ حَكَى كُفْرًا سَمِعَهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ ) وَمَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ كُفْرٍ مِنْ لُبْسِ غِيَارٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ وَتَعْلِيقِ صَلِيبٍ بِصَدْرِهِ حَرُمَ وَلَمْ يَكْفُرْ قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ ( وَإِنْ تَرَكَ ) مُكَلَّفٌ ( عِبَادَةً مِنْ ) الْعِبَادَاتِ ( الْخَمْسِ تَهَاوُنًا ) مَعَ إقْرَارِهِ بِوُجُوبِهَا ( لَمْ يَكْفُرْ ) سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهَا أَبَدًا أَوْ عَلَى تَأْخِيرِهَا إلَى زَمَنٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ مُعَاذٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَّا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ : إذَنْ يَتَّكِلُوا فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا { خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلَوْ كَفَرَ بِذَلِكَ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي مَشِيئَةِ الْغُفْرَانِ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ ( إلَّا بِالصَّلَاةِ أَوْ بِشَرْطٍ ) لَهَا ( أَوْ رُكْنٍ لَهَا مُجْمَعٍ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ لَهَا ( إذَا اُدُّعِيَ ) أَيْ : دَعَاهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ( إلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ ) الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ شَرْطِهَا أَوْ رُكْنِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ( وَامْتَنَعَ ) مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَ الصَّلَاةِ الَّتِي دُعِيَ لَهَا فَيُكَفَّرُ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِهِ بَعْدَ دُعَاءِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ شَبَهًا بِالْخُرُوجِ عَنْ حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ ( وَيُسْتَتَابُ كَمُرْتَدٍّ ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا ( فَإِنْ ) تَابَ بِفِعْلِهَا خَلَّى سَبِيلَهُ (

وَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ ) كُفْرًا ( بِشَرْطِهِ ) وَهُوَ الِاسْتِتَابَةُ وَدِعَايَةُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَهُ ( وَيُقْتَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ مِنْ الصَّلَاةِ وَشَرْطِهَا وَرُكْنِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ ( حَدًّا ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ

( فَمَنْ ارْتَدَّ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا ) ( وَلَوْ أُنْثَى دُعِيَ ) إلَى الْإِسْلَامِ ( وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا ) لِحَدِيثِ أُمِّ مَرْوَانَ وَتَقَدَّمَ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : هَلْ كَانَ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ قَالَ نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَقَالَ مَا فَعَلْتُمْ بِهِ قَالَ : قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ قَالَ عُمَرُ : فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَأَسْقَيْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ أَوْ يُرَاجِعُ اللَّهَ ، اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي " وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الِاسْتِتَابَةُ لِمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِقَتْلِهِ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَيَنْبَغِي أَنْ يَضِيقَ عَلَيْهِ ) مُدَّةَ الِاسْتِتَابَةِ ( وَيُحْبَسَ ) لِقَوْلِ عُمَرَ فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَأَسْقَيْتُمُوهُ وَلِئَلَّا يَلْحَقَ بِدَارِ حَرْبٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَ دِعَايَتَهُ لَعَلَّهُ يُرَاجِعُ دِينَهُ ( فَإِنْ تَابَ لَمْ يُعَزَّرْ ) وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ ( وَإِنْ أَصَرَّ ) عَلَى رِدَّتِهِ ( قُتِلَ بِالسَّيْفِ ) وَلَا يُحْرَقُ بِالنَّارِ لِحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } وَحَدِيثِ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوهُ بِعَذَابِ اللَّهِ - يَعْنِي النَّارَ - } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد ( إلَّا رَسُولَ كُفَّارٍ ) فَلَا يُقْتَلُ وَلَوْ مُرْتَدًّا ( بِدَلِيلِ رَسُولِ مُسَيْلِمَةَ ) حَارَبَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقُتِلَ عَلَى يَدِ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَكَانَ وَحْشِيًّا يَقُولُ قَتَلْت خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ : جَاهِلِيَّتِهِ وَشَرَّهَا فِي الْإِسْلَامِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ - بِكَسْرِ اللَّامِ -

وَرَسُولَاهُ وَهُمَا ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ جَاءَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقْتُلْهُمَا

( وَلَا يَقْتُلُهُ ) أَيْ الْمُرْتَدَّ ( إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ) حُرًّا كَانَ الْمُرْتَدُّ أَوْ عَبْدًا ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ إلَى الْإِمَامِ كَرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ { أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } لِأَنَّ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ لِكُفْرِهِ لَا حَدًّا ( فَإِنْ قَتَلَهُ ) أَيْ الْمُرْتَدَّ ( غَيْرُهُمَا ) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ أَحَدِهِمَا ( أَسَاءَ وَعُزِّرَ ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ( وَلَا ضَمَانَ ) بِقَتْلِ مُرْتَدٍّ ( وَلَوْ كَانَ ) قَتْلُهُ ( قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِ ) لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ وَرِدَّتُهُ أَبَاحَتْ دَمَهُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ الضَّمَانُ بِدَلِيلِ نِسَاءِ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ ( إلَّا أَنْ يَلْحَقَ ) الْمُرْتَدُّ ( بِدَارِ الْحَرْبِ فَ ) يَجُوزُ ( لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ وَأَخْذُ مَا مَعَهُ ) مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا

( وَمَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كُفْرَهُ كَدَعْوَاهُ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا ) وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ وَيَتَخَرَّصُ ( فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَهُوَ تَشْدِيدٌ ) وَتَأْكِيدٌ نَقَلَ حَنْبَلٌ : كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ( لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ ) انْتَهَى .
وَقِيلَ : كُفْرُ نِعْمَةٍ وَقَالَهُ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ .
.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَقِيلَ : قَارَبَ الْكُفْرَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ " مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ " أَيْ : جَحَدَ تَصْدِيقَهُ بِكَذِبِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى هَذَا إذَا اعْتَقَدَ تَصْدِيقَهُمْ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ كُفْرًا حَقِيقَةً انْتَهَى .
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ : وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّى الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ النُّصُوصِ تَوَرُّعًا وَيُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ

( وَيَصِحُّ إسْلَامُ مُمَيِّزٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( يَعْقِلُهُ ) أَيْ الْإِسْلَامَ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبُّهُ لَا شَرِيك لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً .
لِأَنَّ { عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ وَمِنْ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ وَمَنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ .
وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ لِمَا صَحَّ ذَلِكَ لَهُ .
وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ : سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طَرًّا صَبِيًّا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلُمِي .
وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَصَحَّتْ مِنْ الصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، وَكَوْنِهِ يُوجَبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ لِأَنَّهَا نَفْعٌ لَهُ وَكَذَا إيجَابُهُ عَلَيْهِ نَفَقَةَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ ، وَحِرْمَانُ مِيرَاثِهِ قَرِيبَهُ الْكَافِرَ .
لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ مَجْبُورٌ بِمِيرَاثِهِ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَسُقُوطِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ ثُمَّ إنَّهُ ضَرَرٌ مَغْمُورٌ فِي جَنْبٍ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ .
( وَ ) تَصِحُّ ( رِدَّتُهُ ) أَيْ الْمُمَيِّزِ كَإِسْلَامِهِ ( فَإِنْ أَسْلَمَ ) مُمَيِّزٌ يَعْقِلُهُ ( حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ ) صَوْنًا لَهُ لِضَعْفِ عَقْلِهِ فَرُبَّمَا أَفْسَدُوهُ ( فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ) إسْلَامِهِ ( لَمْ أُرِدْ مَا قُلْته فَكَمَا لَوْ ارْتَدَّ ) أَيْ : لَمْ يَبْطُلْ إسْلَامُهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَكُونُ كَالْبَالِغِ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ

( وَلَا يُقْتَلُ هُوَ ) أَيْ : الْمُمَيِّزُ حَيْثُ ارْتَدَّ ( وَ ) لَا ( سَكْرَانُ ارْتَدَّا حَتَّى يُسْتَتَابَا ) أَيْ : الصَّغِيرُ ( بَعْدَ بُلُوغِهِ وَ ) السَّكْرَانُ بَعْدَ ( صَحْوِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِأَنَّ الْبُلُوغَ وَالصَّحْوَ أَوَّلُ زَمَنٍ صَارَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ حَتَّى يَحْتَلِمَ لِلْخَبَرِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ فِي حَالِ سُكْرِهِ ( وَإِنْ مَاتَ ) مَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ ( فِي سُكْرٍ ) أَيْ : قَبْلَ أَنْ يَصْحُوَ مَاتَ كَافِرًا لِمَوْتِهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ فَلَا يَرِثُهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ مَعَنَا ( أَوْ ) مَاتَ مُمَيِّزًا ارْتَدَّ ( قَبْلَ بُلُوغٍ ) وَقَبْلَ تَوْبَتِهِ ( مَاتَ كَافِرًا ) لِمَوْتِهِ فِي الرِّدَّةِ

( وَلَا تُقْبَلُ فِي ) أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَتَرْكِ قَتْلٍ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ تَوْرِيثٍ وَنَحْوِهَا ( تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } وَالزِّنْدِيقُ لَا يُعْلَمُ تَبَيُّنُ رُجُوعِهِ وَتَوْبَتِهِ .
لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِي الْكُفْرَ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ ( وَلَا ) تُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا تَوْبَةُ ( مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } وَقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } وَالِازْدِيَادُ يَقْتَضِي كُفْرًا مُتَجَدِّدًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ تَكْرَارَ رِدَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْإِسْلَامِ ( أَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ) أَيْ صَرِيحًا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِعِظَمِ ذَنْبِهِ جِدًّا فَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ ( أَوْ ) سَبَّ ( رَسُولًا أَوْ مَلَكًا لَهُ ) أَيْ لِلَّهِ تَعَالَى ( صَرِيحًا أَوْ انْتَقَصَهُ ) أَيْ : اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ أَوْ وَاحِدًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا ) تُقْبَلُ تَوْبَةُ ( سَاحِرٍ مُكَفَّرٍ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مُشَدَّدَةً ( بِسِحْرِهِ ) كَاَلَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ .
لِحَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
فَسَمَّاهُ حَدًّا وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا فِي عِلْمِ إخْلَاصِهِ فِي تَوْبَتِهِ لِأَنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ .
وَقَوْلُهُ فِي الدُّنْيَا عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مُخْلِصًا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ

لِعُمُومِ حَدِيثِ { التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ } ( وَمَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ ) مِنْ نَفْسِهِ ( وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَ ) هُوَ فِي تَوْبَتِهِ مِنْ فِسْقِهِ ( كَزِنْدِيقٍ فِي تَوْبَتِهِ ) مِنْ كُفْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ إظْهَارِ الْخَيْرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَنَحْوُهَا .

فَصْلٌ وَتَوْبَةُ مُرْتَدٍّ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ( وَ ) تَوْبَةُ ( كُلِّ كَافِرٍ ) مِنْ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ ( إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ) أَيْ : قَوْلِهِ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، أَوْ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَنِيسَةَ فَإِذَا هُوَ بِيَهُودِيٍّ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ التَّوْرَاةَ فَقَرَأَ حَتَّى إذَا أَتَى عَلَى صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ فَقَالَ : هَذِهِ صِفَتُك وَصِفَةُ أُمَّتِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لُوا أَخَاكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِحَدِيثِ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } وَإِذَا ثَبَتَ بِهِمَا إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَ الْإِسْلَامَ اسْمًا لِلْخَمْسَةِ فِي حَدِيثِ " أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ " أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْرِفَ الشَّارِعُ حَقِيقَةً وَيَجْعَلَ بَعْضَ أَجْزَائِهَا بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحُكْمِ فَفُرِّقَ بَيْنَ النَّظَرِ فِي الشَّيْء مِنْ حَيْثُ بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ مَعْرِفَةُ مَا يُجْزِئُ مِنْهُ ( مَعَ إقْرَارِ ) مُرْتَدٍّ ( جَاحِدٍ لِفَرْضٍ أَوْ ) جَاحِدٍ لِ ( تَحْلِيلِ ) حَلَالٍ ( أَوْ ) جَاحِدٍ ( لِتَحْرِيمِ ) حَرَامٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) جَاحِدِ ( نَبِيٍّ ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ( أَوْ ) جَاحِدِ ( كِتَابٍ ) مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى ( أَوْ ) جَاحِدِ مَلَكٍ أَوْ جَاحِدِ ( رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَيْرِ الْعَرَبِ بِمَا جَحَدَهُ ) مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُفْرَهُ بِجَحْدِهِ مِنْ حَيْثُ التَّكْذِيبُ فَلَا بُدَّ مِنْ إتْيَانِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهُ .
( أَوْ قَوْلِهِ أَنَا مُسْلِمٌ فَهُوَ تَوْبَةٌ أَيْضًا لِلْمُرْتَدِّ وَلِكُلِّ كَافِرٍ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ

بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا تَضَمَّنَ الشَّهَادَتَيْنِ كَانَ مُخْبِرًا بِهِمَا ) وَعَنْ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ قَالَ { : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ : أَسْلَمْتُ ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا ؟ قَالَ : لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْته فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَهَا } وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : { أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنِّي مُسْلِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ كُنْتَ قُلْتَ وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَيُحْتَمَل أَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ أَوْ مَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَرِيضَةٍ وَنَحْوَ هَذَا فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ ( وَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ ) أَيْ الْكَافِرِ ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ) أَيْ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ( وَلَوْ مِنْ مُقِرٍّ بِهِ ) أَيْ : التَّوْحِيدِ .
لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَا تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِالتَّوْحِيدِ كَعَكْسِهِ فَلَا يَكْفِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قُلْ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةً ، أَشْهَدُ لَك بِهَا عِنْدَ اللَّهِ } فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ

( وَمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ وَلَوْ ) شُهِدَ أَنَّ رِدَّتَهُ ( بِجَحْدِ ) تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ( فَأَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ) وَلَمْ يُنْكِرْ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ ( لَمْ يُكْشَفْ عَنْ شَيْء ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ مَعَ ثُبُوتِ إسْلَامِهِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ ( فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ ) مِنْ الرِّدَّةِ ( لِصِحَّتِهِمَا ) أَيْ : الشَّهَادَتَيْنِ ( مِنْ مُسْلِمٍ وَمِنْهُ ) أَيْ : الْمُرْتَدِّ ( بِخِلَافِ تَوْبَتِهِ مِنْ بِدْعَةٍ ) فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِهَا .
لِأَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ لَا يَعْتَقِدُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ بِدْعَةً

( وَيَكْفِي جَحْدُهُ ) أَيْ الْمُرْتَدِّ ( الرِّدَّةَ أَقَرَّ بِهَا ) وَلَمْ يُشْهَدْ بِهَا عَلَيْهِ كَرُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ بِحَدٍّ وَ ( لَا ) يَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ ( إنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِهَا ) أَيْ : الرِّدَّةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ أَوْ مَا يَتَضَمَّنهُمَا وَإِلَّا اُسْتُتِيبَ إِن قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ثُمَّ قُتِلَ لِأَنَّ جَحْدَهُ الرِّدَّةَ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ فَلَا يُقْبَلُ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى

( وَإِنْ شَهِدَ ) اثْنَانِ عَلَى مُسْلِمٍ ( أَنَّهُ كَفَرَ ) وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةً ( فَادَّعَى الْإِكْرَاهَ ) عَلَى مَا قَالَ مَثَلًا ( قُبِلَ ) مِنْهُ ذَلِكَ ( مَعَ قَرِينَةٍ ) دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ كَحَبْسٍ وَقَيْدٍ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِكْرَاهِ وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ ( فَقَطْ ) فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ مِنْهُ بِلَا قَرِينَةٍ .
لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ( وَلَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ ) بِأَنَّهُ نَطَقَ ( بِكَلِمَةِ كُفْرٍ ) كَقَوْلِهِ : هُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ ( فَادَّعَاهُ ) أَيْ الْإِكْرَاهَ عَلَيْهَا ( قُبِلَ ) قَوْلُهُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : مَعَ قَرِينَةٍ وَعَدَمِهَا .
لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ .
وَتَقَدَّمَ لَا يُكَفَّرُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ }

( وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى إقْرَارٍ بِإِسْلَامٍ ) فَأَقَرَّ بِهِ ( لَمْ يَصِحَّ ) إقْرَارُهُ بِهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ فَحُكْمُهُ كَالْكُفَّارِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى دِينِ الْكُفَّارِ لَمْ يُقْتَلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ } وَإِنْ قَصَدَ الْإِسْلَامَ لَا دَفْعَ الْإِكْرَاهِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَثُبُوتِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ فَمُسْلِمٌ .

( وَقَوْلُ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ ) بِرِدَّةٍ ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ ) قَوْلُهُ ( أَنَا مُسْلِمٌ تَوْبَةٌ ) كَمَنْ اعْتَرَفَ بِالرِّدَّةِ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ .

( وَإِنْ كَتَبَ كَافِرٌ الشَّهَادَتَيْنِ صَارَ مُسْلِمًا ) لِأَنَّ الْخَطَّ كَاللَّفْظِ ( وَلَوْ قَالَ الْكَافِرُ أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ صَارَ مُسْلِمًا ) بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ ( فَلَوْ ) عَادَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ كَتَبَهُمَا أَوْ تَلَفَّظَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا قَالَهُ أَوْ كَتَبَهُ وَ ( قَالَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ أَوْ ) قَالَ ( لَمْ أَعْتَقِدْهُ ) أَيْ : الْإِسْلَامَ ( أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَدْ عُلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَا يُخَلَّى وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .

( وَإِنْ قَالَ : أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ) لِحَدِيثِ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ "

( وَ ) مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ ( أَسْلِمْ وَخُذْ ) مِنِّي ( أَلْفًا وَنَحْوَهُ ) كَفَرَسٍ أَوْ بَعِيرٍ ( فَأَسْلَمَ فَلَمْ يُعْطِهِ ) مَا وَعَدَهُ ( فَأَبَى الْإِسْلَامَ قُتِلَ ) بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعِدْهُ ( وَيَنْبَغِي ) لِمَنْ وَعَدَهُ ( أَنْ يَفِيَ ) بِوَعْدِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ .
وَخُلْفُ الْوَعْدِ مِنْ آيَاتِ النِّفَاقِ قَالَ الْخَطَّابِيِّ : وَلَمْ يُشَارِطْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلَّفَةَ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَيُعْطِيَهُمْ جُعْلًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ عَطَايَا بِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُهُمْ

( وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ) الصَّلَوَاتِ ( الْخَمْسِ ) كَعَلَى صَلَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ ( قُبِلَ مِنْهُ ) الْإِسْلَامُ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ ( وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ ) كُلِّهَا كَغَيْرِهِ

( وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدٌّ فَأَقَامَ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَهَا ) أَيْ رِدَّتِهِ ( حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ) وَأُعْطِيَ مِيرَاثُهُ لِحَدِيثِ " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا " الْخَبَرَ وَتَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ حَرْبٍ بِخِلَافِ أَدَاءِ زَكَاةٍ وَحَجٍّ وَصَوْمٍ ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا .
وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فِي الصَّلَاةِ لَهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِصَلَاةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْكُفَّارِ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ قِبْلَتَنَا وَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَتَكُونُ رِدَّتُهُ بِجَحْدِ فَرِيضَةٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ .
قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ .

( وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ مُرْتَدٍّ ) بِرِدَّتِهِ فَإِذَا أَحْصَنَ فِي إسْلَامِهِ ثُمَّ زَنَى فِي إسْلَامِهِ أَوْ رِدَّتِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الرَّجْمُ وَلَوْ تَابَ ، وَكَذَا إحْصَانُ قَذْفٍ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ طَلَبٍ

( وَلَا ) تَبْطُلُ ( عِبَادَةٌ فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ ) وَلَا صُحْبَةَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إذَا تَابَ ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
} وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْهَا بِفِعْلِهَا عَلَى وَجْهِهَا كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَطَلَتْ لِلْآيَةِ

فَصْلُ ، وَمَنْ ارْتَدَّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ مَالِهِ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ كَزِنَا الْمُحْصَنِ وَكَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ ( وَيَمْلِكُ ) مُرْتَدٌّ ( بِتَمَلُّكٍ ) مِنْ هِبَةٍ وَاحْتِشَاشٍ وَنَحْوِهِمَا كَغَيْرِهِ ( وَيُمْنَعُ ) مُرْتَدٌّ ( التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ ) كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ ( وَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ ، وَلَوْ جَنَاهَا بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ فِي فِئَةٍ ) أَيْ : جَمَاعَةٍ ( مُرْتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ تَحْتَ حُكْمِنَا بِخِلَافِ الْبُغَاةِ ( وَيُنْفَقُ مِنْهُ ) أَيْ : مَالِ الْمُرْتَدِّ ( عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ شَرْعًا كَالدَّيْنِ ( فَإِنْ أَسْلَمَ ) الْمُرْتَدُّ فَمَالُهُ لَهُ ( وَإِلَّا ) يُسْلِمْ بِأَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا ( صَارَ ) مَالُهُ ( فَيْئًا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا ) لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ ( وَإِنْ لَحِقَ ) مُرْتَدٌّ ( بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ ) مِنْ مَالِهِ ( كَحَرْبِيٍّ ) يُبَاحُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ وَأَخَذُ مَا مَعَهُ دَفْعًا لِفَسَادِهِ وَلِزَوَالِ الْعَاصِمِ لِلْمَالِكِ وَهُوَ دَارُ الْإِسْلَامِ .
( وَ ) أَمَّا ( مَا بِدَارِنَا ) مِنْ مَالٍ فَهُوَ فَيْءٌ ( مِنْ حِينِ مَوْتِهِ ) وَمَا دَامَ حَيًّا فَمِلْكُهُ عَلَيْهِ بَاقٍ ، لِأَنَّ حِلَّ دَمِهِ لَا يُوجِبُ تَوْرِيثَ مَالِهِ كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ الْحَاكِمُ بِمَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ

( وَلَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُمْ ) أَيْ الْمُرْتَدِّينَ كَالدُّرُوزِ ( فَ ) هُمْ كَأَهْلِ ( دَارِ حَرْبٍ يُغْنَمُ مَالُهُمْ وَ ) يُغْنَمُ ( وَلَدٌ حَدَثَ ) مِنْهُمْ ( بَعْدَ الرِّدَّةِ ) وَعَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ رُبَّمَا أَغْرَى أَمْثَالَهُمْ بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ ، وَقَاتَلَ الصِّدِّيقُ بِجَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَإِذَا قَاتَلَهُمْ قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَيُقْتَلُ مُدْبِرُهُمْ وَيُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ

( وَيُؤْخَذُ مُرْتَدٌّ بِحَدٍّ ) أَيْ : مَا يُوجِبُهُ كَزِنًا وَقَذْفٍ وَسَرِقَةٍ ( أَتَاهُ فِي رِدَّتِهِ ) وَإِنْ أَسْلَمَ نَصًّا لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تَزِيدُهُ إلَّا تَغْلِيظًا

وَ ( لَا ) يُؤْخَذُ ( بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ فِيهَا ) أَيْ الرِّدَّةِ ( مِنْ عِبَادَةٍ ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَلَمْ يَأْمُرْ الصِّدِّيقُ الْمُرْتَدِّينَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمْ وَكَالْحَرْبِيِّ

( وَإِنْ لَحِقَ زَوْجَانِ مُرْتَدَّانِ بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يُسْتَرَقَّا ) وَلَا أَحَدُهُمَا ، لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ بَلْ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ ( وَلَا ) يُسْتَرَقُّ ( مِنْ وَلَدِهِمَا ) أَيْ : الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ رِدَّةٍ إذَا ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ حَرْبٍ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يُسْتَرَقُّ ( حَمْلٌ ) مِنْهُمَا حَمَلَتْ بِهِ ( قَبْلَ رِدَّةٍ ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَلَا يَتْبَعُهُمَا فِي الرِّدَّةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو ، ثُمَّ إنْ ثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ كِبَرِهِمْ فَمُسْلِمُونَ ( وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ قُتِلَ ) بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ كَآبَائِهِمْ ( وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ ) الْوَلَدِ ( الْحَادِثِ فِيهَا ) أَيْ رِدَّةِ زَوْجَيْنِ لَحِقَا بِدَارٍ حَرْبٍ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ نَصًّا ( وَ ) يَجُوزُ أَنْ ( يُقَرَّ عَلَى كُفْرٍ بِجِزْيَةٍ ) كَأَوْلَادِ الْحَرْبِيِّينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ انْتَهَى .

فَصْلٌ فِي السِّحْرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ فَاعِلُهُ أَوْ يَكْتُبُهُ أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ مَسْحُورٍ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ ، وَلَهُ حَقِيقَةٌ فَمِنْهُ مَا يَقْتُلُ وَمِنْهُ مَا يُمْرِضُ وَمِنْهُ مَا يَأْخُذُ الرَّجُلَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ وَطْئِهَا ، وَمِنْهُ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، وَمَا يُبَغِّضُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ وَيُحَبِّبُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } - إلَى قَوْلِهِ - { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } .
وَحَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ سُحِرَ حَتَّى أَنَّهُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ } .
.
وَرُوِيَ مِنْ أَخْبَارِ السَّحَرَةِ مَا لَمْ يُمْكِنْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَا يَأْتُونَ بِهِ ، فَلَا يَنْتَهِي إلَى أَنْ تَسْعَى الْعَصَا وَالْحِبَالُ ، وَيُحَرَّمُ تَعَلُّمُ السِّحْرِ وَتَعْلِيمُهُ ( وَسَاحِرٌ يَرْكَبُ الْمَكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ ) كَمُدَّعِي أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ ( كَافِرٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } - أَيْ مَا كَانَ سَاحِرًا كَفَرَ بِسِحْرِهِ - { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } .
وَقَوْلِهِ : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } أَيْ : لَا تَتَعَلَّمْهُ فَتَكْفُرْ بِذَلِكَ ( كَمُعْتَقِدٍ حِلَّهُ ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .

وَ ( لَا ) يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ ( مَنْ سَحَرَ بِأَدْوِيَةٍ وَتَدْخِينٍ وَسَقْيٍ شَيْئًا يَضُرُّ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُزِيلُهَا ( وَيُعَزَّرُ ) سَاحِرٌ بِذَلِكَ ( بَلِيغًا ) لِيَنْكَفَّ هُوَ وَمِثْلُهُ عَنْهُ ( وَلَا ) يَكْفُرُ ( مَنْ يُعَزِّمُ عَلَى الْجِنِّ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا وَتُطِيعُهُ ) وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ ( وَلَا ) يَكْفُرُ ( كَاهِنٌ ) أَيْ : مَنْ لَهُ رِدْءٌ مِنْ الْجِنِّ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ ( وَلَا ) يَكْفُرُ ( عَرَّافٌ ) أَيْ مِنْ يَحْدُسُ أَوْ يَتَخَرَّصُ ( وَلَا ) يَكْفُرُ ( مُنَجِّمٌ ) أَيْ : نَاظِرٌ فِي النُّجُومِ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْحَوَادِثِ فَإِنْ أَوْهَمَ قَوْمًا بِطَرِيقَتِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ .
( وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرٌ كِتَابِيٌّ ) نَصًّا ( أَوْ ) سَاحِرٌ ( نَحْوُهُ ) كَمَجُوسِيٍّ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا فَيُقْتَلُ قِصَاصًا ، { لِأَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ } ، وَلِأَنَّ كُفْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ سِحْرِهِ وَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ ، وَالْأَخْبَارُ فِي سَاحِرِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَفَرَ بِسِحْرِهِ ( وَمُشَعْبِذٌ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الشَّرْطِ ( وَقَائِلٍ بِزَجْرِ طَيْرٍ وَضَارِبٌ بِحَصًى أَوْ ) ضَارِبٌ بِ ( شَعِيرٍ وَ ) ضَارِبٌ بِ ( قِدَاحٍ ) جَمْعُ قِدْحٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ : السَّهْمُ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَالنَّظَرُ فِي أَكْتَافِ الْأَلْوَاحِ ( إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إبَاحَتَهُ ) أَيْ : فَعَلَ مَا سَبَقَ ( وَ ) لَمْ يَعْتَقِدْ ( أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ عُزِّرَ ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً ( وَيُكَفُّ عَنْهُ وَإِلَّا ) بِأَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ ( كَفَرَ ) فَيُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ( وَيَحْرُمُ طَلْسَمٌ ) بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ ( وَ ) يَحْرُمُ ( رُقْيَةٌ بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ صِحَّةَ مَعْنَاهُ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبًّا وَكُفْرًا وَكَذَا

يُحَرَّمَانِ بِاسْمِ كَوْكَبٍ وَمَا وُضِعَ عَلَى نَجْمٍ مِنْ صُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا .

( وَيَجُوزُ الْحَلُّ ) أَيْ : حَلُّ السِّحْرِ بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْأَقْسَامِ وَالْكَلَامِ الَّذِي لَا بَأْسَ بِهِ .
وَيَجُوزُ حَلُّهُ أَيْضًا ( بِسِحْرٍ ضَرُورَةً ) أَيْ : لِأَجَلِ الضَّرُورَةِ ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهُ وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيهِ مَسْحُورَةً فَيُطْلِقُهُ عَنْهَا ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ .
قَالَ الْخَلَّالُ : إنَّمَا كَرِهَ فِعَالَهُ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا .

( وَالْكُفَّارُ وَأَطْفَالُهُمْ ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بَدَلٌ مِنْ الْكُفَّارِ ( وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ ( مَجْنُونًا مَعَهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ أَيْ : آبَائِهِ ( عَلَى النَّارِ ) تَبَعًا لَهُمْ .
وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ مَجْنُونًا .
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَكْلِيفَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لِلْأَخْبَارِ .

( وَمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ فَ ) هُوَ ( مَعَ أَبَوَيْهِ كَافِرَيْنِ ) كَانَا ( أَوْ مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ أَسْلَمَا بَعْدَ مَا بَلَغَ ) نَصًّا .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُمَا ، أَيْ : مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ ، وَمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَذُكِرَ فِي الْفُنُونِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُعَاقَبُ وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَتْ شَرْعًا نَصًّا ، وَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ وَيَجِبُ قَبْلَهَا النَّظَرُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ ، فَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِغَيْرِهِ وَلَا يَقَعَانِ ضَرُورَةً

( وَاحِدُهَا طَعَامٌ ، وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ ) قَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهْرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } ( وَأَصْلُهَا الْحِلُّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } وَقَوْلِهِ : { كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا } وَقَوْلِهِ : { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } ( فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ ) لَا نَجِسٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ ( لَا مَضَرَّةَ فِيهِ ) بِخِلَافِ نَحْوِ : سُمُومٍ ( حَتَّى الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَقِشْرِ بَيْضٍ وَقَرْنِ حَيَوَانٍ مُذَكًّى إذَا دُقَّا وَنَحْوِهِ

( وَيَحْرُمُ نَجِسٌ كَدَمٍ وَمَيْتَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } ( وَ ) يَحْرُمُ ( مُضِرٌّ كَسُمٍّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } وَالسُّمُّ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا ، وَلِذَا عُدَّ مُطْعِمُهُ لِغَيْرِهِ قَاتِلًا .
وَفِي الْوَاضِحِ الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّمَّ نَجِسٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ وَنَحْوِ السَّقَمُونْيَا وَالزَّعْفَرَانِ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ ، وَيَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ لِقِلَّةٍ أَوْ إضَافَةِ مَا يُصْلِحُهُ ( وَ ) يَحْرُمُ ( مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ حُمُرٌ أَهْلِيَّةٌ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ " { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَفِيلٍ ) قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ هُوَ مِنْ أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : هُوَ مَسْخٌ ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِهَا نَابًا ، وَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } .
( وَ ) يَحْرُمُ ( مَا يَفْتَرِسُ بِنَابِهِ ) أَيْ يَنْهَشُ ( كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَفَهْدٍ وَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَقِرْدٍ وَدُبٍّ وَنِمْسٍ وَابْنِ آوَى وَابْنِ عِرْسٍ وَسِنَّوْرٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ بَرِّيًّا ، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ التَّفَّة لِلْحَدِيثَيْنِ ( وَثَعْلَبٌ وَسِنْجَابٌ وَسَمُّورٌ وَفَنَكٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ لِأَنَّهَا مِنْ السِّبَاعِ ذَوَاتِ النَّابِ ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ ( سِوَى ضَبُعٍ ) لِعُمُومِ الرُّخْصَةِ فِيهِ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ .
قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ " مَا زَالَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ الضَّبُعَ لَا تَرَى بِأَكْلِهِ بَأْسًا " وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ قُلْت هِيَ صَيْدٌ ؟ قَالَ نَعَمْ .
} احْتَجَّ بِهِ

أَحْمَدُ .
.
وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ تُؤَدِّي ذَلِكَ .
وَرَوَى بَعْضَهَا أَبُو دَاوُد وَبَعْضَهَا التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا يُخَصِّصُ النَّهْيَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ : وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ ؟ } فَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ يَنْفَرِدُ بِهِ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ إنْ عُرِفَ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَكَالْجَلَّالَةِ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( مِنْ طَيْرٍ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ كَعُقَابٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينِ وَحِدَأَةٍ وَبُومَةٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } وَحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَرْفُوعًا { حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَهُوَ مُخَصِّصُ عُمُومَ الْآيَاتِ .
( وَ ) يَحْرُمُ مِنْ طَيْرٍ ( مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَنِسْرٍ وَرَخَمٍ وَلَقْلَقٍ ) طَائِرٌ نَحْوِ الْإِوَزَّة طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ ( وَعَقْعَقٍ وَهُوَ الْقَاقُ ) طَائِرٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ ( وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ ) قَالَ عُرْوَةُ وَمَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسِقًا وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ .
وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ قَتْلَ الْغُرَابِ بِالْحَرَمِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ .
( وَ ) يَحْرُمُ كُلُّ ( مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ ذَوُو الْيَسَارِ ) وَهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُمْ أُولُو النُّهَى وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ وَخُوطِبُوا بِهِ وَبِالسُّنَّةِ فَرَجَعَ فِي مُطْلَقِ أَلْفَاظِهِمَا إلَى عُرْفِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الْجُفَاةِ

مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي لِأَنَّهُمْ - لِلْمَجَاعَةِ - يَأْكُلُونَ كُلَّ مَا وَجَدُوهُ ( كَوَطْوَاطٍ وَيُسَمَّى خُفَّاشًا وَخُشَافًا ) قَالَ أَحْمَدُ وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُشَافَ ؟ ( وَفَأْرٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ ( وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَذُبَابٍ وَنَحْوِهَا ) كَفَرَاشٍ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ غَيْرُ مُسْتَطَابَةٍ وَلِحَدِيثِ " إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ " حَيْثُ أَمَرَ بِطَرْحِهِ وَلَوْ جَازَ أَكْلُهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِطَرْحِهِ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالصُّرَدُ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ طَائِرٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ يَصْطَادُ الْعَصَافِيرَ وَهُوَ أَوَّلُ طَائِرٍ صَامَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْجَمْعُ صِرْدَانُ بِكَسْرِ الصَّادِ كَجُرْذٍ وَجُرْذَانٍ وَهُوَ الْفَأْرَةُ أَوْ الذَّكَرُ مِنْهَا ( وَغُدَافٍ ) وَهُوَ غُرَابُ الْغَيْطِ ( وَ خُطَّافٍ ) طَائِرٌ أَسْوَدُ مَعْرُوفٌ ( وَقُنْفُذٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { ذُكِرَ الْقُنْفُذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هُوَ خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ النَّيْصُ ( وَحَيَّةٍ وَحَشَرَاتٍ ) كَدِيدَانٍ وَجِعْلَانٍ وَبَنَاتِ وَرْدَانِ وَخَنَافِسَ وَوَزَغٍ وَحِرْبَاءَ وَعَقْرَبٍ وَجُرْدَانَ وَخُلْدٍ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ كَالسَّمَكَةِ تَسْكُنُ الْبَرَّ إذَا رَأَتْ الْإِنْسَانَ غَابَتْ فَهِيَ حَرَامٌ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( كُلُّ مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِقَتْلِهِ ) كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ ( أَوْ نَهَى عَنْهُ ) أَيْ : قَتْلِهِ وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَ ) يَحْرُمُ ( مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ كَبَغْلٍ ) مُتَوَلِّدٍ مِنْ خَيْلٍ وَحُمُرٍ أَهْلِيَّةٍ وَكَحِمَارٍ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ .
( وَ ) كَ (

سِمْعٍ ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ( وَلَدِ ضَبُعٍ ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَجَمْعُهُ ضِبَاعٌ ( مِنْ ذِئْبٍ وَعِسْبَارٍ وَلَدِ ذِئْبَةٍ مِنْ ضِبْعَانِ ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَجَمْعُهُ ضُبَاعِينَ كَمَسَاكِينَ ذَكَرُ الضُّبَاعِ فَهُوَ عَكْسُ السِّمْعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَمَيَّزَ كَحَيَوَانٍ مِنْ نَعْجَةٍ وَكَلْبٍ نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ وَعُلِمَ مِنْهُ حِلُّ بَغْلٍ تَوَلَّدَ بَيْنَ خَيْلٍ وَحُمُرٍ وَحْشِيَّةٍ وَنَحْوِهِ

( وَمَا يَجْهَلُهُ الْعَرَبُ ) مِنْ الْحَيَوَانِ ( وَلَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ ) بِالْحِجَازِ فَإِنْ أَشْبَهَ مُحَرَّمًا أَوْ حَلَالًا أُلْحِقَ بِهِ ( وَلَوْ أَشْبَهَ ) حَيَوَانًا ( مُبَاحًا ) وَحَيَوَانًا ( مُحَرَّمًا غُلِّبَ التَّحْرِيمُ ) احْتِيَاطًا لِحَدِيثِ { دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ } وَقَالَ أَحْمَدُ : كُلُّ شَيْءٍ اُشْتُبِهَ عَلَيْكَ فَدَعْهُ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا بِالْحِجَازِ فَمُبَاحٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً } الْآيَةَ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ

( وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ كَذُبَابِ بَاقِلَّا وَدُودِ خَلٍّ وَنَحْوِهِمَا ) كَدُودِ جُبْنٍ وَنَبْقٍ ( يُؤْكَلُ ) جَوَازًا ( تَبَعًا لَا أَصْلًا ) أَيْ : لَا مُنْفَرِدًا وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْبَاقِلَاءِ الْمُدَوِّدَةِ تَجَنُّبُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْهُ فَأَرْجُو ، وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ لَا بَأْسَ بِهِ ( وَمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْمَأْكُولَيْنِ مَغْصُوبٌ فَكَأُمِّهِ ) فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَغْصُوبَةً لَمْ تَحِلَّ هِيَ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَوْلَادِهَا لِغَاصِبٍ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ الْفَحْلَ وَالْأُمُّ مِلْكٌ لِلْغَاصِبِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَوْلَادِهَا .

فَصْلٌ وَيُبَاحُ مَا عَدَا هَذَا الْمُتَقَدِّمَ تَحْرِيمُهُ لِعُمُومِ نُصُوصِ الْإِبَاحَةِ ( كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } ( وَالْخَيْلِ ) كُلِّهَا عِرَابِهَا وَبَرَاذِينِهَا نَصًّا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَتْ أَسْمَاءُ { نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَحَدِيثُ خَالِدٍ مَرْفُوعًا { حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا } فَقَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ ( وَ ) كَ ( بَاقِي الْوَحْشِ كَزَرَافَةٍ ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْبَعِيرَ لَكِنَّ عُنُقَهَا أَطْوَلُ مِنْ عُنُقِهِ وَجِسْمَهَا أَلْطَفُ مِنْ جِسْمِهِ وَيَدَاهَا أَطْوَلُ مِنْ رِجْلَيْهَا لِعُمُومِ النُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ وَاسْتِطَابَتِهَا .
( وَ ) كَ ( أَرْنَبٍ ) أَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ { أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِوَرِكِهَا أَوْ قَالَ فَخِذِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَوَبْرٍ ) لِأَنَّهَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَمُسْتَطَابٍ يَأْكُلُ النَّبَاتَ كَالْأَرْنَبِ ( وَيَرْبُوعٍ ) نَصًّا لِحُكْمِ عُمَرَ فِيهِ بِجَفْرَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ( وَبَقَرِ وَحْشٍ ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا كَأَيْلٍ وثيتل وَوَعَلٍ وَمَهَا ( وَحُمُرِهِ ) أَيْ : الْوَحْشِ ( وَضَبٍّ ) رُوِيَ حِلُّهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ { كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يُهْدَى إلَى أَحَدِنَا ضَبٌّ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ دَجَاجَةٍ وَأَكَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَظِبَاءٍ ) وَهِيَ الْغِزْلَانُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا

لِأَنَّهَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ .
( وَبَاقِي الطَّيْرِ كَنَعَامٍ وَدَجَاجٍ وَطَاوُوسٍ وَبَبَّغَاءَ ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ( وَهِيَ الدُّرَّةُ وَزَاغٍ ) طَائِرٌ صَغِيرٌ أَغْبَرُ ( وَغُرَابِ زَرْعٍ ) يَطِيرُ مَعَ الزَّاغِ يَأْكُلُ الزَّرْعَ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلِ لِأَنَّ مَرْعَاهُمَا الزَّرْعُ أَشْبَهَا الْحَجَلَ وَكَالْحَمَامِ بِأَنْوَاعِهِ مِنْ فَوَاخِتَ وَقَمَارِيٍّ وَجَوَازِلَ وَرَقَطِيٍّ وَدُقَاسٍ وَحَجَلٍ وَقَطَا وَحُبَارَى قَالَ سَفِينَةُ { أَكَلْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبَارَى } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَعَصَافِيرَ وَقَنَابِرَ وَكَرْكِيٍّ وَبَطٍّ وَإِوَزٍّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يَلْتَقِطُ الْحَبَّ أَوْ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ أَكْلَهُ مُسْتَطَابٌ فَيَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى : { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ } ( وَيَحِلُّ كُلُّ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ : { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ ( غَيْرَ ضُفْدَعٍ ) فَيَحْرُمُ نَصًّا وَاحْتُجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَلِاسْتِخْبَاثِهَا فَتَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } ( وَ ) غَيْرَ ( حَيَّةٍ ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُسْتَخْبَثَاتِ ( وَ ) غَيْرَ ( تِمْسَاحٍ ) نَصًّا لِأَنَّ لَهُ نَابًا يَفْتَرِسُ بِهِ وَيُؤْكَلُ الْقِرْشُ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَإِنْسَانِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ " أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَكِبَ عَلَى سَرْجٍ عَلَيْهِ مِنْ جُلُودِ كَلْبِ الْمَاءِ "

( وَتَحْرُمُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا نَجَاسَةٌ وَ ) يَحْرُمُ ( لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَنَهَى عَنْ رُكُوبِ جَلَّالَةِ الْإِبِلِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرْبِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَبَيْضُهَا كَلَبَنِهَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ لَمْ تَحْرُمْ وَلَا لَبَنُهَا وَلَا بَيْضُهَا ( حَتَّى تُحْبَسَ ثَلَاثًا ) مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا يَحْبِسُهَا ثَلَاثًا ( وَتُطْعَمُ الطَّاهِرَ فَقَطْ ) لِزَوَالِ مَانِعِ حِلِّهَا ( وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيُبَاحُ أَنْ يَعْلِفَ النَّجَاسَةَ مَا لَا يُذْبَحُ ) قَرِيبًا ( أَوْ ) لَا ( يَحْلِبُ قَرِيبًا ) نَصًّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْمَرْعَى عَلَى اخْتِيَارِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا تَعْلِفُ النَّجَاسَةَ

قَالَهُ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ ( وَمَا سُقِيَ ) مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ بِنَجِسٍ ( أَوْ سُمِّدَ ) أَيْ جُعِلَ فِيهِ السَّمَادُ أَيْ السِّرْجِينُ بِرَمَادٍ ( بِنَجِسٍ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ مُحَرَّمٌ ) نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { كُنَّا نُكْرِي أَرَاضِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا بِعُذْرَةِ النَّاسِ } وَلَوْلَا تَأْثِيرُ ذَلِكَ لِمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ وَلِأَنَّهُ تَتَرَبَّى أَجْزَاؤُهُ بِالنَّجَاسَةِ كَالْجَلَّالَةِ وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا أَيْ : يَسْرِقُوهَا ( حَتَّى يُسْقَى ) الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : النَّجَسِ الَّذِي سُقِيَهُ أَوْ سُمِّدَ بِهِ ( بِ ) مَاءٍ ( طَاهِرٍ ) أَيْ : طَهُورٍ ( يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ ) فَيَطْهُرُ وَيَحِلُّ كَالْجَلَّالَةِ إذَا حُبِسَتْ وَأُطْعِمَتْ الطَّاهِرَاتِ

( وَيُكْرَهُ أَكْلُ تُرَابٍ وَفَحْمٍ وَطِينٍ ) لَا يُتَدَاوَى بِهِ لِضَرَرِهِ نَصًّا بِخِلَافِ الْأَرْمِنِيِّ لِلدَّوَاءِ ( وَ ) أَكْلُ ( غُدَّةٍ وَأُذُنِ قَلْبٍ ) نَصًّا قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الْغُدَّةِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ

( وَ ) يُكْرَهُ أَكْلُ ( بَصَلٍ وَثُومٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَكُرَّاثٍ وَفُجْلٍ ( مَا لَمْ يُنْضَجْ بِطَبْخٍ ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ

( وَ ) يُكْرَهُ أَكْلُ ( حَبٍّ دِيسَ بِحُمُرٍ ) أَهْلِيَّةٍ نَصًّا وَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدُوسُوهُ بِهَا وَقَالَ حَرْبٌ كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى ، وَلَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُغْسَلَ

( وَ ) يُكْرَهُ ( مُدَاوَمَةُ أَكْلِ لَحْمٍ ) لِأَنَّهُ يُورِثُ قَسْوَةً

( وَ ) يُكْرَهُ ( مَاءُ بِئْرٍ بَيْنَ قُبُورٍ وَبَقْلُهَا وَشَوْكِهَا ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ كَمَاءٍ سُمِّدَ بِنَجَسٍ وَالْجَلَّالَةِ

وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( لَحْمٌ نِيءٌ وَمُنْتِنٍ ) نَصًّا

وَيَحْرُمُ تِرْيَاقٌ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ أَوْ الْحُمُرِ وَتَدَاوٍ بِأَلْبَانِ حُمُرٍ وَكُلُّ مُحَرَّمٍ غَيْرُ بَوْلِ إبِلٍ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْجُبْنِ فَقَالَ : يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَقِيلَ لَهُ عَنْ الْجُبْنِ الَّذِي تَصْنَعُهُ الْمَجُوسِ فَقَالَ مَا أَدْرِي وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُبْنِ وَقِيلَ لَهُ يُعْمَلُ فِيهِ إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ فَقَالَ سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكُلُوا " .

نَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَوْ مَرَضًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ أَيْ : بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلِكُ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ ( أَكَلَ وُجُوبًا ) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } قَالَ مَسْرُوقٌ مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ ( مِنْ غَيْرِ سُمٍّ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يَضُرُّ ( مِنْ مُحَرَّمٍ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ ) أَيْ : بَقِيَّةُ رُوحِهِ أَوْ قُوَّتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَقَوْلِهِ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( فَقَطْ ) أَيْ : لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ فَلَيْسَ لَهُ الشِّبَعُ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ تَحِلَّ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ ) كَسَفَرٍ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِوَاطٍ وَنَحْوِهِ ( فَإِنْ كَانَ فِيهِ ) أَيْ : السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ ( وَلَمْ يَتُبْ فَلَا ) أَيْ : فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ أَكْلَهَا رُخْصَةٌ وَالْعَاصِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ }

( وَلَهُ ) أَيْ الْمُضْطَرِّ فِي غَيْرِ سَفَرٍ مُحَرَّمٍ ( التَّزَوُّدُ إنْ خَافَ ) الْحَاجَةَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إنْ خَافَ عَطَشًا بِاسْتِعْمَالِهِ وَأَوْلَى

( وَيَجِبُ ) عَلَى مُضْطَرٍّ ( تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَلَى أَكْلِهِ ) الْمُحَرَّمَ نَصًّا وَقَالَ لِلسَّائِلِ قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَكَ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ فَإِنْ تَوَقَّفَ قَالَ مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ

( وَإِنْ وَجَدَ ) مُضْطَرٌّ ( مَيْتَةً وَطَعَامًا مَا يَجْهَلُ مَالِكَهُ ) قَدَّمَ الْمَيْتَةَ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ اللَّهِ .
وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ بِعَيْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا قَدَّمَ أَكْلَهُ عَلَى الْمَيْتَةِ ( أَوْ ) وَجَدَ مُضْطَرٌّ مُحَرَّمًا ( مَيْتَةً وَصَيْدًا حَيًّا أَوْ ) وَجَدَ مَيْتَةً وَ ( بَيْضَ صَيْدٍ سَلِيمًا ) أَيْ الْبَيْضَ ( وَهُوَ مُحَرَّمٌ قَدَّمَ الْمَيْتَةَ ) لِأَنَّ فِيهَا جِنَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ( وَيُقَدِّمُ ) مُضْطَرٌّ ( عَلَيْهَا ) أَيْ : الْمَيْتَةِ ( لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٍ ) خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَمَيَّزُ ذَبْحُ الْمُحَرَّمِ بِالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُذَكًّى ( وَيُقَدِّمُ ) مُضْطَرٌّ مُحَرَّمًا ( عَلَى صَيْدٍ حَيٍّ طَعَامًا يَجْهَلُ مَالِكَهُ ) إنْ لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً بِشَرْطِ ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ لَهُ فِي حَالِ بَيْعِ مَالِكِهِ لَهُ وَنَحْوِهِ فَهُوَ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ الصَّيْدِ إذْ لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ بِحَالٍ

( وَيُقَدِّمُ مُضْطَرٌّ مُطْلَقًا ) مُحْرِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( مَيْتَةً مُخْتَلَفًا فِيهَا ) كَمَتْرُوكَةِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ ثَعْلَبٍ ذُبِحَ ( عَلَى ) مَيْتَةٍ ( مُجْمَعٍ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُبَاحَةٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ ) فَهِيَ أَحَقُّ ( وَيَتَحَرَّى ) مُضْطَرٌّ ( فِي مُذَكَّاةٍ اشْتَبَهَتْ بِمَيْتَةٍ ) لِأَنَّهُ غَايَةُ مَقْدُورِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا ، وَيَكُفُّ عَنْهُمَا قَادِرٌ عَلَى غَيْرِهِمَا حَتَّى يَعْلَمَ الْمُذَكَّاةَ

( وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ ( إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ فَرَبُّهُ الْمُضْطَرُّ أَوْ الْخَائِفُ أَنْ يُضْطَرَّ أَحَقُّ بِهِ ) لِمُسَاوَاتِهِ الْآخَرِ فِي الِاضْطِرَارِ وَانْفِرَادِهِ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ : رَبِّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ ( إيثَارُهُ ) أَيْ : غَيْرِهِ بِهِ لِئَلَّا يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ .
وَفِي الْهَدْيِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ يَجُوزُ وَإِنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وَلِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ وَعُدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ لِعِلْمِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ رَبُّ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا وَلَا خَائِفًا أَنْ يُضْطَرَّ ( لَزِمَهُ ) أَيْ : رَبَّ الطَّعَامِ ( بَذْلُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ ) أَيْ : الْمُضْطَرِّ ( فَقَطْ ) لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ لِمَعْصُومٍ مِنْ الْهَلَكَةِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ ( بِقِيمَتِهِ ) أَيْ : الطَّعَامِ نَصًّا لَا مَجَّانًا ( وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ ) لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ ( فَإِنْ أَبَى ) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ ( أَخَذُهُ ) مُضْطَرٌّ ( بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ بِالْأَسْهَلِ أَخَذَهُ مِنْهُ ( قَهْرًا ) لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ ( وَيُعْطِيهِ عِوَضَهُ ) أَيْ : مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَوَاتُ الْعَيْنِ وَالْبَدَلِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ مُتَقَوِّمٍ ( يَوْمَ أَخْذِهِ ) لِأَنَّهُ وَقْتُ تَلَفِهِ ( فَإِنْ مَنَعَهُ ) رَبُّ الطَّعَامِ مِنْ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ ( فَلَهُ ) أَيْ : الْمُضْطَرِّ ( قِتَالُهُ عَلَيْهِ ) لِكَوْنِهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ يَمْنَعُهُ ( فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ ) لِقَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ( بِخِلَافِ عَكْسِهِ ) بِأَنْ قُتِلَ رَبُّ الطَّعَامِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُضْطَرُّ أَشْبَهَ الصَّائِلَ ( وَإِنْ مَنَعَهُ

) أَيْ : الطَّعَامَ مِنْ الْمُضْطَرِّ رَبُّهُ ( إلَّا بِمَا فَوْقَ الْقِيمَةِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِذَلِكَ ) الَّذِي طَلَبَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ ( كَرَاهَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا دَمٌ أَوْ عَجْزًا عَنْ قِتَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ : الْمُضْطَرَّ ( إلَّا الْقِيمَةُ ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ وَالزَّائِدِ أُكْرِهَ عَلَى الْتِزَامِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ بِهِ

( وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَ ) كَانَ ( عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَ ) كَانَ ( لَهُ طَلَبُ ذَلِكَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }

وَمَتَى وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيه لَمْ يُبَحْ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَلَا الْعُدُولُ إلَى الْمَيْتَةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يُسَمَّ فِيهِ أَوْ كَانَ الطَّعَامُ مِمَّا يَضُرُّ أَكْلُهُ

وَإِذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ مَجَاعَةٍ وَعِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ فَقَطْ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ شَيْءٍ مِنْهُ لِلْمُضْطَرِّينَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ كَرْهًا لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الضَّرُورَةِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْدَفِعَ عَنْ الْمُضْطَرِّينَ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ فَقَطْ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ غَرِيقٍ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ

( وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ) أَيْ : الْمَالِ كَثِيَابٍ لِدَفْعِ بَرْدٍ وَمَقْدَحَةِ وَنَحْوِهَا وَدَلْوٍ وَحَبْلٍ لِاسْتَقَاءَ مَاءٍ ( وَجَبَ ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ ( بَذْلُهُ ) لِمَنْ اُضْطُرَّ لِنَفْعِهِ ( مَجَّانًا ) بِلَا عِوَضٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ عَلَى مَنْعِهِ بِقَوْلِهِ { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لَا يُذَمُّ عَلَى مَنْعِهِ وَمَا وَجَبَ فِعْلُهُ لَا يَقِفُ عَلَى بَذْلِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَلِرَبِّهَا مَنْعُهَا بِدُونِ عِوَضٍ وَلَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ وَمَحَلُّ وُجُوبِ بَذْلِ نَحْوِ مَاعُونٍ ( مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ ) أَيْ : رَبِّهِ ( إلَيْهِ ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِتَمَيُّزِهِ بِالْمِلْكِ

( وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) مِنْ مُضْطَرِّينَ ( إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ ) وَمُرْتَدٍّ ( فَلَهُ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ أَشْبَهَ السِّبَاعَ وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَيْتًا

وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ ( أَكْلُ مَعْصُومٍ مَيِّتٍ ) وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ كَالْحَيِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ لِحَدِيثِ { كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ } وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا

( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ ( عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ نَفْسِهِ ) لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَوْجُودٍ لِتَحْصِيلِ مَوْهُومٍ

وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ مَعْصُومٍ وَأَكْلُهُ وَإِتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ مِثْلِهِ .

فَصْلٌ وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ وَلَا نَاظِرَ لَهُ أَيْ : حَارِسَ ( فَلَهُ أَكْلٌ ) مِنْهَا سَاقِطَةً كَانَتْ أَوْ بِشَجَرِهَا ( وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ ) إلَى أَكْلِهَا ( مَجَّانًا ) بِلَا عِوَضٍ عَمَّا يَأْكُلُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي زَيْنَبَ التَّمِيمِيُّ قَالَ : " سَافَرْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بَرْزَةَ فَكَانُوا يَمُرُّونَ بِالثِّمَارِ فَيَأْكُلُونَ فِي أَفْوَاهِهِمْ " وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ عُمَرُ يَأْكُلُ وَلَا يَتَّخِذُ خُبْنَةً وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَا يَحْمِلُهُ فِي حِضْنِهِ وَكَوْنُ سَعْدٍ أَبَى الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ غِنًى عَنْهُ أَوْ تَوَرُّعًا فَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ مَحُوطًا لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ إلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَهُوَ حِرْزٌ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَلَا بَأْسَ وَكَذَا إنْ كَانَ ثَمَّ حَارِسٌ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ بِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ

وَ ( لَا ) يَجُوزُ ( صُعُودُ شَجَرِهِ ) أَيْ الثَّمَرِ ( وَلَا ضَرْبُهُ أَوْ رَمْيُهُ بِشَيْءٍ ) نَصًّا وَلَوْ كَانَ الْبُسْتَانُ غَيْرَ مَحُوطٍ وَلَا حَارِسَ لِحَدِيثِ الْأَثْرَمِ { وَكُلْ مَا وَقَعَ أَشْبَعَكَ اللَّهُ وَأَرْوَاكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ وَالرَّمْيَ يُفْسِدُ الثَّمَرَ ( وَلَا يَحْمِلُ ) مِنْ الثَّمَرِ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَلَا تَتَّخِذْ خُبْنَةً

( وَلَا يَأْكُلُ ) أَحَدٌ ( مِنْ ) ثَمَرٍ ( مُجْنًى مَجْمُوعٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ ) بِأَنْ كَانَ مُضْطَرًّا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ ( وَكَذَا ) أَيْ : كَثَمَرَةِ الشَّجَرِ ( زَرْعٌ قَائِمٌ ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَكْلِ الْفَرِيكِ .
( وَ ) كَذَا ( شُرْبُ لَبَنِ مَاشِيَةٍ ) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَسْتَحْلِبْ وَيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ( وَأَلْحَقَ جَمَاعَةٌ ) وَهُوَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ ( بِذَلِكَ ) الزَّرْعِ الْقَائِمِ ( بَاقِلَّا وَحِمْصًا أَخْضَرَيْنِ ) وَشَبَهَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَهُوَ قَوِيٌّ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ .
وَهُوَ حَسَنٌ بِخِلَافِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِأَكْلِهِ .

( وَيَلْزَمُ مُسْلِمًا ) لَا ذِمِّيًّا لِمَفْهُومِ حَدِيثِ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ } ( ضِيَافَةُ مُسْلِمٍ ) لَا ذِمِّيٍّ ( مُسَافِرٍ ) لَا مُقِيمٍ ( فِي قَرْيَةٍ ) لَا مِصْرٍ ( يَوْمًا وَلَيْلَةً قَدْرَ كِفَايَتِهِ مَعَ أُدْمٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ .
قَالُوا : وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ .
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : كَيْفَ يُؤْثِمُهُ ؟ قَالَ : يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَقْرِيهِ } وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : { قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا فَمَا تَرَى ؟ فَقَالَ إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الضِّيَافَةُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْأَخْذِ وَاخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ وَبِالْمُسَافِرِ لِقَوْلِ عُقْبَةَ إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ وَبِأَهْلِ الْقُرَى لِقَوْلِهِ : بِقَوْمٍ .
وَالْقَوْمُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمَاعَاتِ دُونَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَى الضِّيَافَةِ وَالْإِيوَاءِ لِبُعْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِخِلَافِ الْمِصْرِ فَفِيهِ السُّوقُ وَالْمَسَاجِدُ .
( وَ ) يَجِبُ عَلَيْهِ ( إنْزَالُهُ ) أَيْ : الضَّيْفِ ( بِبَيْتِهِ مَعَ عَدَمِ مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ ) كَخَانٍ وَرِبَاطٍ يَنْزِلُ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِيوَاءِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ( فَإِنْ أَبَى ) الْمُضِيفُ الضِّيَافَةَ ( فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ بِهِ ) أَيْ : بِمَا وَجَبَ لَهُ ( عِنْدَ الْحَاكِمِ ) لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ

أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) عَلَى ضَيْفٍ مَنَعَهُ مُضِيفٌ حَقَّهُ طَلَبُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ ( جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ ) بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ ( وَتُسْتَحَبُّ ) الضِّيَافَةُ ( ثَلَاثًا ) أَيْ : ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا وَالْمُرَادُ يَوْمَانِ مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ( وَمَا زَادَ ) عَلَيْهَا ( فَ ) هُوَ ( صَدَقَةٌ ) لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ ( وَلَيْسَ لِضِيفَانٍ قِسْمَةُ طَعَامٍ قُدِّمَ لَهُمْ ) لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ وَلِلضَّيْفِ الشُّرْبُ مِنْ إنَاءِ رَبِّ الْبَيْتِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ بِمِرْحَاضِهِ بِلَا إذْنِهِ لَفْظًا كَطَرْقِ بَابِهِ وَحَلَقَتِهِ

( وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَ ) هُوَ ( مُبْتَدِعٌ ) مَذْمُومٌ قَالَ تَعَالَى : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ } فَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ كَطَيِّبٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا بِدَعَ ( وَمَا نُقِلَ ) أَيْ : نَقَلَهُ وُعَّاظُ الْعِرَاقِ ( عَنْ ) إمَامِنَا ( أَحْمَدَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ ) أَكْلِ ( الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِلْبِطِّيخِ ( فَكَذِبٌ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى أَحْمَدَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .

وَهِيَ تَمَامُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ الذَّكَاةُ فِي السِّنِّ أَيْ : تَمَامِهِ سُمِّيَ الذَّبْحُ ذَكَاةً لِأَنَّهُ إتْمَامُ الزُّهُوقِ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى : { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } أَيْ : أَدْرَكْتُمُوهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ فَأَتْمَمْتُمُوهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الذَّبْحِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ جُرْحٍ سَابِقٍ أَوْ ابْتِدَاءٍ ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ يُقَالُ ذَكَّى الشَّاةَ وَنَحْوَهَا تَذْكِيَةً أَيْ : ذَبَحَهَا وَالِاسْمُ الذَّكَاةُ وَالْمَذْبُوحُ ذَكِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ( وَهِيَ ) أَيْ : الذَّكَاةُ شَرْعًا ( ذَبْحُ ) حَيَوَانٍ ( أَوْ نَحْرُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مُبَاحٌ أَكْلُهُ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لَا جَرَادٌ وَنَحْوُهُ ) كَالدُّبَّاءِ ( بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ أَوْ عَقْرُ مُمْتَنِعٍ ) لِأَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَمَا لَمْ يُذَكَّ فَهُوَ مَيْتَةٌ فَذَبْحُ نَحْوِ كَلْبٍ وَسَبُعٍ لَا يُسَمَّى ذَكَاةً .

( وَيُبَاحُ جَرَادٌ وَنَحْوُهُ ) بِدُونِهَا ( وَ ) يُبَاحُ ( سَمَكٌ وَمَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ بِدُونِهَا ) أَيْ الذَّكَاةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَسَوَاءٌ مَاتَ الْجَرَادُ بِسَبَبٍ كَكَبْسِهِ وَتَغْرِيقِهِ أَوْ لَا ، وَلَا بَيْنَ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ مَا صَادَهُ مَجُوسِيٌّ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ وَصَادَهُ غَيْرُهُ .

وَ ( لَا ) يُبَاحُ ( مَا يَعِيشُ فِيهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( وَفِي بَرٍّ ) كَسُلَحْفَاةٍ وَكَلْبِ مَاءٍ ( إلَّا بِهَا ) أَيْ : الذَّكَاةِ قَالَ أَحْمَدُ كَلْبُ الْمَاءِ نَذْبَحُهُ وَلَا أَرَى بَأْسًا بِالسُّلَحْفَاةِ إذَا ذُبِحَ إلْحَاقًا لِذَلِكَ بِحَيَوَانِ الْبَرِّ لِكَوْنِهِ يَعِيشُ فِيهِ احْتِيَاطًا .

( وَيَحْرُمُ بَلْعُ سَمَكٍ حَيًّا ) ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا ( وَكُرِهَ شَيُّهُ ) أَيْ السَّمَكِ ( حَيًّا ) لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِسُرْعَةٍ ( لَا ) شَيُّ ( جَرَادٍ ) حَيًّا لِأَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ وَفِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كَعْبًا كَانَ مُحْرِمًا فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلُ جَرَادٍ فَنَسِيَ وَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ فَأَلْقَاهُمَا فِي النَّارِ فَشَوَاهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ تَرْكَهَا فِي النَّارِ وَيَجُوزُ أَكْلُ سَمَكٍ وَجَرَادٍ فِيهَا بِأَنْ يُلْقَى أَوْ يُشْوَى بِلَا شَقِّ بَطْنٍ كَدُودِ فَاكِهَةٍ تَبَعًا .

( وَشُرُوطُ ) صِحَّةِ ( ذَكَاةٍ ) ذَبْحًا كَانَتْ أَوْ نَحْرًا أَوْ عَقْرَ الْمُمْتَنِعِ ( أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا كَوْنُ فَاعِلٍ ) لِذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ عَقْرٍ ( عَاقِلًا لِيَصِحَّ ) مِنْهُ ( قَصْدُ التَّذْكِيَةِ ) فَلَا يُبَاحُ مَا ذَكَّاهُ مَجْنُونٌ أَوْ طِفْلٌ لَمْ يُمَيِّزْ لِأَنَّهُمَا لَا قَصْدَ لَهُمَا كَمَا لَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بِسَيْفٍ فَقَطَعَ عُنُقَ شَاةٍ .
وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعَقْلُ كَالْغُسْلِ فَتَصِحُّ ذَكَاةُ عَاقِلٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( مُعْتَدِيًا ) كَغَاصِبٍ فَيُبَاحُ مَغْصُوبٌ ذَكَّاهُ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ لِرَبِّهِ وَغَيْرُهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ نَصًّا ( أَوْ ) كَانَ ( مُكْرَهًا ) بِأَنْ أَكْرَهَ مَالِكٌ عَاقِلًا عَلَى ذَكَاةٍ نَحْوِ شَاتِهِ فَذَكَّاهَا أَوْ أُكْرِهَ رَبُّهَا عَلَى ذَلِكَ فَفَعَلَهُ ( أَوْ ) كَانَ ( مُمَيِّزًا ) فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَالْبَالِغِ ( أَوْ ) كَانَ ( قِنًّا ) فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَالْحُرِّ ( أَوْ ) كَانَ ( أُنْثَى ) وَلَوْ حَائِضًا ( أَوْ ) كَانَ ( جُنُبًا ) لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ : لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَأَمَرَ مَنْ سَأَلَهُ وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فَفِيهِ إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ .
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْهَا وَفِيهِ أَيْضًا إبَاحَةُ الذَّبْحِ بِالْحَجَرِ وَمَا خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَحِلُّ مَا يَذْبَحُهُ غَيْرُ مَالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِبَاحَةُ ذَبْحِهِ عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ .
وَكَذَا حِلُّ ذَكَاةِ الْأَقْلَفِ وَالْفَاسِقِ ( أَوْ ) كَانَ ( كِتَابِيًّا وَلَوْ حَرْبِيًّا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ

أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ " وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ( أَوْ ) كَانَ الْكِتَابِيُّ ( مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَ ( لَا ) تَحِلُّ ذَبِيحَةُ ( مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرَ كِتَابِيٍّ ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ( وَلَا ) ذَبِيحَةُ ( وَثَنِيٍّ وَلَا مَجُوسِيٍّ وَلَا زِنْدِيقٍ وَلَا مُرْتَدٍّ ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةُ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ دِمَائِهِمْ فَلَمَّا غُلِّبَ التَّحْرِيمُ فِيهَا غُلِّبَ عَدَمُ الْكِتَابِ فِي تَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ( وَلَا ) تَحِلُّ ذَبِيحَةُ ( سَكْرَانٍ ) لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ ( فَلَوْ احْتَكَّ ) حَيَوَانٌ ( مَأْكُولٌ بِمُحَدَّدٍ بِيَدِهِ ) أَيْ : السَّكْرَانِ أَوْ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّذْكِيَةَ فَانْقَطَعَ بِانْحِكَاكِهِ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ ( لَمْ يَحِلَّ ) لِعَدَمِ قَصْدِ التَّذْكِيَةِ وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ فِي التَّذْكِيَةِ ( قَصْدُ الْأَكْلِ ) اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ التَّذْكِيَةِ لِتَضَمُّنِهَا إيَّاهَا .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي الْآلَةُ ) بِأَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ بِمُحَدَّدٍ يَقْطَعُ أَيْ : يَنْهَرُ الدَّمُ بِحَدِّهِ ( فَتَحِلُّ ) الذَّكَاةُ ( بِكُلِّ مُحَدَّدٍ حَتَّى حَجَرٍ وَقَصَبٍ وَخَشَبٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَظْمٍ غَيْرَ سِنٍّ وَظُفُرٍ ) نَصًّا لِحَدِيثِ { مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُحَدَّدُ ( مَغْصُوبًا ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ قَطْعُ حُلْقُومٍ ) أَيْ : مَجْرَى النَّفَسِ ( وَمَرِيءٍ ) بِالْمَدِّ أَيْ : مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْغَلْصَمَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ دُونَهَا وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ قَطْعُ ( شَيْءٍ غَيْرِهِمَا ) لِأَنَّهُ قَطْعٌ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ مَا لَا يَعِيشُ

الْحَيَوَانُ مَعَ قَطْعِهِ أَشْبَهَ قَطْعَهُمَا مَعَ الْوَدَجَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ ( وَلَا ) يُشْتَرَطُ ( إبَانَتُهُمَا ) أَيْ : الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ بِالْقَطْعِ ( وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ ) أَيْ : الذَّابِحِ ( إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ ) كَمَا لَوْ لَمْ يَرْفَعْهُمَا فَإِنْ تَرَاخَى وَوَصَلَ الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَأَتَمَّهَا لَمْ يَحِلَّ ( وَالسُّنَّةُ نَحْرُ إبِلٍ بِطَعْنٍ بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهَا ) وَهِيَ الْوَهْدَةُ بَيْنَ أَصْلِ الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ ( وَ ) السُّنَّةُ ( ذَبْحُ غَيْرِهَا ) أَيْ : الْإِبِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } وَثَبَتَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بَدَنَةً وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَمَنْ عَكَسَ ) أَيْ : ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ غَيْرَهَا ( أَجْزَأَهُ ) ذَلِكَ لِحَدِيثِ { أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ } وَقَالَتْ أَسْمَاءُ { نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ } وَعَنْ عَائِشَةَ { نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً } ( وَذَكَاةُ مَا عُجِزَ عَنْهُ كَوَاقِعٍ فِي بِئْرٍ وَمُتَوَحِّشٍ بِجَرْحِهِ حَيْثُ كَانَ ) أَيْ : فِي أَيْ : مَوْضِعٍ أَمْكَنَ جَرْحُهُ فِيهِ مِنْ بَدَنِهِ .
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ .
قَالَ { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَّ بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرُ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ كَذَا } .
وَفِي لَفْظٍ " فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاعْتِبَارُ

الْحَيَوَانِ بِحَالِ الذَّكَاةِ لَا بِأَصْلِهِ بِدَلِيلِ الْوَحْشِيِّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ وَالْمُتَرَدِّي إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَذْكِيَتِهِ يُشْبِهُ الْوَحْشِيَّ فِي الْعَجْزِ عَنْ تَذْكِيَتِهِ ( فَإِنْ أَعَانَهُ ) أَيْ : الْجَارِحَ عَلَى قَتْلِهِ ( غَيْرُهُ كَكَوْنِ رَأْسِهِ ) أَيْ : الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ بِئْرٍ ( بِمَاءٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ ( لَمْ يَحِلَّ ) لِحُصُولِ قَتْلِهِ بِمُبِيحٍ وَحَاظِرٍ فَغُلِّبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي ذَبْحِهِ ( وَمَا ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ وَلَوْ عَمْدًا إنْ أَتَتْ الْآلَةُ ) الَّتِي ذُبِحَ بِهَا مِنْ نَحْوِ سِكِّينٍ ( عَلَى مَحَلِّ ذَبْحِهِ ) أَيْ : الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ( وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ ) لِبَقَاءِ الْحَيَاةِ مَعَ الْجَرْحِ فِي الْقَفَا وَإِنْ كَانَ غَائِرًا مَا لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَكَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إذَا أُدْرِكْت وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذُبِحَتْ حَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ مَعَ ذَلِكَ غَالِبًا ( وَإِلَّا ) تَأْتِ الْآلَةُ عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ( فَلَا ) يَحِلُّ وَتُعْتَبَرُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ بِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ .
فَإِنْ شُكَّ هَلْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ ؟ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاء ذَلِكَ لِحِدَّةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ حَلَّ وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ كَالَّةً وَأَبْطَأَ قَطْعُهُ وَطَالَ تَعْذِيبُهُ لَمْ يُبَحْ .
( وَلَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ ) أَيْ : الْمَأْكُولِ مُرِيدًا بِذَلِكَ تَذْكِيَتَهُ ( حَلَّ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِيمَنْ ضَرَبَ وَجْهَ ثَوْرٍ بِالسَّيْفِ تِلْكَ ذَكَاةٌ وَأَفْتَى بِأَكْلِهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا .
وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ قَطْعُ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ مَعَ الذَّبْحِ ( وَ ) حَيَوَانٌ ( مُلْتَوٍ عُنُقُهُ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ ) لِلْعَجْزِ عَنْ الذَّبْحِ فِي مَحَلِّهِ كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ ( وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ ) مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ ( مِنْ مُنْخَنِقَةٍ )

الَّتِي تُخْنَقُ فِي حَلْقِهَا ( وَمَوْقُوذَةٍ ) أَيْ : مَضْرُوبَةٍ حَتَّى تُشْرِفَ عَلَى الْمَوْتِ ( وَمُتَرَدِّيَةٍ ) أَيْ : وَاقِعَةٍ مِنْ عُلْوٍ كَجَبَلٍ وَحَائِطٍ وَسَاقِطَةٍ فِي نَحْوِ بِئْرٍ ( وَنَطِيحَةٍ ) بِأَنْ نَطَحَتْهَا نَحْوُ بَقَرَةٍ ( وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ ) أَيْ : حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ بِأَنْ أَكَلَ بَعْضَهَا نَحْوُ نَمِرٍ أَوْ ذِئْبٍ ( وَمَرِيضَةٍ وَمَا صِيدَ بِشَبَكَةٍ أَوْ شَرَكٍ أَوْ أُحْبُولَةٍ أَوْ فَخٍّ ) فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدٍّ لَا يَعِيشُ مَعَهُ ( أَوْ أَنْقَذَهُ ) أَيْ : حَيَوَانٌ ( مِنْ مُهْلِكَةٍ ) وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ ( فَذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ تُمْكِنُ زِيَادَتُهَا عَلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ حَلَّ ) أَكْلُهُ .
وَلَوْ انْتَهَى قَبْلَ الذَّبْحِ إلَى حَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مَعَهُ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَحَرُّكِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } مَعَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَسْبَابٌ لِلْمَوْتِ ( وَالِاحْتِيَاطُ ) أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا ذُبِحَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا ( مَعَ تَحَرُّكِهِ وَلَوْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ ) أَيْ : تَحَرُّكِهِ وَضَرْبِ الْأَرْضِ بِهِ ( وَنَحْوِهِ ) كَتَحْرِيكِ أُذُنِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ( وَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الذَّبْحِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ ذَبْحِهِ دَلَّ عَلَى إمْكَانِ الزِّيَادَةِ قَبْلَهُ ) فَيَحِلُّ نَصًّا وَمَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ لَا يَحِلُّ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : وَعِنْدِي أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا ظُنَّ بَقَاؤُهَا زِيَادَةً عَلَى أَمَدِ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ سِوَى أَمَدِ الذَّبْحِ ( وَمَا قُطِعَ حُلْقُومُهُ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَنَحْوُهَا ) مِمَّا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ ( فَوُجُودُ حَيَاتِهِ كَعَدَمِهَا ) فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةٍ .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ حَرَكَةِ يَدِهِ ) أَيْ : الذَّابِحِ ( بِذَبْحٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } وَالْفِسْقُ الْحَرَامُ وَذَكَرَ

جَمَاعَةٌ : وَعِنْدَ الذَّبْحِ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَوْ فَصَلَ بِكَلَامٍ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَاخْتُصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ .
( وَيُجْزِي ) أَنْ يُسَمِّيَ ( بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَلَوْ أَحْسَنَهَا ) أَيْ : الْعَرَبِيَّةَ .
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيَاسُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ .
فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَفْظُهُ .
( وَ ) يُجْزِي ( أَنْ يُشِيرَ أَخْرَسُ ) بِالتَّسْمِيَةِ بِرَأْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ إلَى السَّمَاءِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِ النَّاطِقِ ( وَيُسَنُّ مَعَهُ ) أَيْ : مَعَ قَوْلِ بِسْمِ اللَّهِ ( التَّكْبِيرُ ) لِمَا ثَبَتَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ذَبَحَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ } وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَ بِسْمِ اللَّهِ يُجْزِيهِ وَ ( لَا ) يُسَنُّ ( الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) عِنْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ وَلَا تَلِيقُ بِالْمَقَامِ كَزِيَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( وَمَنْ بَدَا لَهُ ذَبْحُ غَيْرِ مَا سَمَّى عَلَيْهِ ) بِأَنْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ مَثَلًا ثُمَّ أَرَادَ ذَبْحَ غَيْرِهَا ( أَعَادَ التَّسْمِيَةَ ) فَإِنْ ذَبَحَ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ ( وَتَسْقُطُ ) التَّسْمِيَةُ ( سَهْوًا لَا جَهْلًا ) لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ } أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ وَلِحَدِيثِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ } وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمْدِ جَمْعًا بَيْنَ الْإِخْبَارِ .
وَمَتَى لَمْ يُعْلَمْ هَلْ سَمَّى الذَّابِحُ أَوْ لَا فَالذَّبِيحَةُ حَلَالٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوا قَالَ سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا } رَوَاهُ

الْبُخَارِيُّ ( وَيَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرَكَهَا ) أَيْ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ ( إنْ حَرُمَتْ ) بِأَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا قَالَ فِي النَّوَادِرِ لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ لِحِلِّهَا لَهُ .
وَفِي الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ ( وَمَنْ ذَكَرَ ) عِنْدَ الذَّبْحِ ( مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى اسْمَ غَيْرِهِ حَرُمَ ) عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شِرْكٌ ( وَلَمْ تَحِلَّ ) الذَّبِيحَةُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ .

فَصْلٌ وَذَكَاةُ جَنِينٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُحَرَّمِ كَجَنِينِ فَرَسٍ مِنْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَجَنِينِ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ ( خَرَجَ ) مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ الْمُذَكَّاةِ ( مَيِّتًا أَوْ مُتَحَرِّكًا كَ ) حَرَكَةِ ( مَذْبُوحٍ أَشْعَرَ ) أَيْ : نَبَتَ شَعْرُ الْجَنِينِ ( أَوْ لَا بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِاتِّصَالِ الْجَنِينِ بِأُمِّهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا أَشْبَهَ أَعْضَاءَهَا ( وَاسْتَحَبَّ ) الْإِمَامُ ( أَحْمَدُ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ( ذَبْحَهُ ) لِيَخْرُجَ دَمُهُ ( وَلَمْ يُبَحْ ) جَنِينٌ خَرَجَ ( مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ إلَّا بِذَبْحِهِ ) نَصًّا لِأَنَّهُ نَفْسٌ أُخْرَى وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِحَيَاتِهِ .
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ ذَكَاةُ أُمِّهِ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ .
وَالنَّصْبُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ عَلَى مَعْنَى ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ الْمَشْهُورَةِ ( لَا يُؤَثِّرُ ) جَنِينٌ ( مُحَرَّمُ ) الْأَكْلِ ( كَسَبُعٍ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ ) الْمُبَاحَةِ وَهِيَ الضَّبُعُ ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَلَا يَمْنَعُ حِلَّ مَتْبُوعِهِ ( وَمَنْ وَجَأَ بَطْنَ أُمِّ جَنِينٍ ) بِمُحَدَّدٍ ( مُسَمِّيًا فَأَصَابَ مَذْبَحَهُ ) أَيْ : الْجَنِينِ ( فَهُوَ مُذَكًّى ) لِوُجُودِ الذَّكَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ ( وَالْأُمُّ مَيِّتَةٌ ) لِفَوَاتِ شَرْطِ الذَّكَاةِ وَهُوَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَعَ الْقُدْرَةِ .

وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ بِالْكَالَّةِ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ

( وَ ) كُرِهَ ( حَدُّهَا ) أَيْ الْآلَةِ ( وَالْحَيَوَانُ يَرَاهُ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ وَأَنْ تُوَارَى عَنْ الْبَهَائِمِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ

( وَ ) كُرِهَ ( سَلْخُهُ ) أَيْ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ ( أَوْ كَسْرُ عُنُقِهِ قَبْلَ زُهُوقِ نَفْسِهِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى بِكَلِمَاتٍ مِنْهَا : لَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَسْرُ الْعُنُقِ إعْجَالٌ لِزُهُوقِ الرُّوحِ ، وَفِي مَعْنَاهُ السَّلْخُ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي حِلِّهَا لِتَمَامِ الذَّكَاةِ بِالذَّبْحِ

( وَ ) كُرِهَ ( نَفْخُ لَحْمٍ يُبَاعُ ) لِأَنَّهُ غِشٌّ

( وَسُنَّ تَوْجِيهُهُ ) أَيْ الْمُذَكَّى بِجَعْلِ وَجْهِهِ ( لِلْقِبْلَةِ ) فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا حَلَّ وَلَوْ عَمْدًا وَسُنَّ كَوْنُهُ ( عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَرِفْقٌ بِهِ وَحَمْلٌ عَلَى الْآلَةِ بِقُوَّةٍ وَإِسْرَاعٌ بِالشَّحْطِ ) أَيْ : الْقَطْعِ ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ }

( وَمَا ذُبِحَ فَغَرِقَ ) عِنْدَ ذَبْحِهِ ( أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلْوٍ ) كَجَبَلٍ أَوْ حَائِطٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ بِخِلَافِ طَائِرٍ ( أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتُلُ مِثْلُهُ لَمْ يَحِلَّ ) لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ يُعِينُ عَلَى زُهُوقِ رُوحِهِ فَيَحْصُلُ الزُّهُوقُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وَسَبَبٍ مُحَرَّمٍ ، فَغُلِّبَ التَّحْرِيمُ .
وَقَالَ الْأَكْثَرُ يَحِلُّ

( وَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ يَقِينًا كَذِي الظُّفُرِ ) أَيْ : مَا لَيْسَ بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ مِنْ إبِلٍ وَنَعَامَةٍ وَبَطٍّ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا لِوُجُودِ الذَّكَاةِ وَقَصْدُهُ حِلَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ( أَوْ ) ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ( ظَنًّا فَكَانَ ) كَمَا ظَنَّ ( أَوْ لَا ) أَيْ : أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا ظَنَّ ( كَحَالِ الرِّئَةِ ) وَهُوَ أَنَّ الْيَهُودَ إذَا وَجَدُوا رِئَةَ الْمَذْبُوحِ لَاصِقَةً بِالْأَضْلَاعِ امْتَنَعُوا عَنْ أَكْلِهِ زَاعِمِينَ التَّحْرِيمَ ، وَيُسَمُّونَهَا اللَّازِقَةَ ، وَإِنْ وَجَدُوهَا غَيْرَ لَاصِقَةٍ بِالْأَضْلَاعِ أَكَلُوهَا ( وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يَرَى الْكِتَابِيُّ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) ذَبَحَ كِتَابِيٌّ ( لِعِيدِهِ أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا إذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ ) نَصًّا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِهِمْ ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَصْدِهِ الذَّكَاةَ وَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ فَإِنْ ذَكَرَ عَلَيْهَا غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ أَوْ مَعَ اسْمِهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ( وَإِنْ ذَبَحَ ) كِتَابِيٌّ ( مَا يَحِلُّ لَهُ ) مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ( لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ وَهِيَ شَحْمُ الثَّرْبِ ) بِوَزْنِ فَلْسٍ أَيْ : الشَّحْمُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُغَشِّي الْكَرِشَ وَالْأَمْعَاءَ ( وَ ) شَحْمُ ( الْكُلْيَتَيْنِ ) وَاحِدُهَا كُلْيَةٌ أَوْ كُلْوَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ فِيهِمَا وَالْجَمْعُ كُلْيَاتٌ وَكُلًى وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } وَإِنَّمَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ الشَّحْمَانِ ( كَذَبْحِ حَنَفِيٍّ حَيَوَانًا ) مَأْكُولًا ( فَيَبِينُ حَامِلًا ) فَيَحِلُّ لَنَا جَنِينُهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ اعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ تَحْرِيمَهُ ( وَنَحْوِهِ ) كَذَبْحِ مَالِكِيٍّ فَرَسًا مُسَمِّيًا فَتَحِلُّ لَنَا ، وَإِنْ

اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهَا ( وَيَحْرُمُ عَلَيْنَا إطْعَامُهُمْ ) أَيْ : الْيَهُودِ ( شَحْمًا ) مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ ( مِنْ ذَبِيحَتِنَا لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ ) عَلَيْهِمْ نَصًّا لِثُبُوتِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ بِنَصٍّ كِتَابِنَا فَإِطْعَامُهُمْ مِنْهُ حَمْلٌ لَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَإِطْعَامٍ مُسْلِمٍ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ( وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ }

( وَيَحِلُّ ) حَيَوَانٌ ( مَذْبُوحٌ مَنْبُوذٌ بِمَحَلٍّ يَحِلُّ ذَبْحُ أَكْثَرَ أَهْلِهِ ) بِأَنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُسْلِمِينَ أَوْ كِتَابِيِّينَ ( وَلَوْ جُهِلَتْ تَسْمِيَةُ ذَابِحٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ .
وَتَقَدَّمَ وَتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى كُلِّ ذَابِحٍ لِيُعْلَمَ هَلْ سَمَّى أَوْ لَا

( وَيَحِلُّ مَا وُجِدَ بِبَطْنِ سَمَكٍ أَوْ ) بِبَطْنِ ( مَأْكُولٍ مُذَكًّى أَوْ ) وُجِدَ ( بِحَوْصَلَتِهِ أَوْ فِي رَوْثِهِ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ وَحَبٍّ ) أَمَّا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَلِحَدِيثِ { أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ } الْخَبَرَ وَأَمَّا الْحَبُّ ، فَلِأَنَّهُ طَعَامٌ طَاهِرٌ وُجِدَ فِي مَحَلٍّ طَاهِرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَ مُلْقًى ( وَيَحْرُمُ بَوْلُ ) حَيَوَانٍ ( طَاهِرٍ ) مَأْكُولٍ ( كَرَوْثٍ ) أَيْ : كَمَا يَحْرُمُ رَوْثُهُ كَغَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ رَجِيعٌ مُسْتَخْبَثٌ وَتَقَدَّمَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ إبِلٍ لِلْخَبَرِ .
وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ الذَّبِيحُ عَلَى الصَّحِيحِ :

وَهُوَ مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ .
وَشَرْعًا ( اقْتِنَاصُ حَيَوَانٍ حَلَالٍ مُسْتَوْحَشٍ طَبْعًا غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ ) وَلَا مَمْلُوكٍ فَاقْتِنَاصُ نَحْوِ ذِئْبٍ وَنَمِرٍ وَمَا نَدَّ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ .
وَمَا تَأَهَّلَ مِنْ نَحْوِ غِزْلَانٍ أَوْ مُلِكَ مِنْهَا لَيْسَ صَيْدًا ( وَالْمُرَادُ بِهِ ) أَيْ : الصَّيْدِ ( هُنَا الْمَصْيُودُ وَهُوَ حَيَوَانٌ مُقْتَنَصٌ ) بِفَتْحِ النُّونِ يَعْنِي اسْمَ مَفْعُولٍ ( حَلَالٌ إلَى آخِرِ الْحَدِّ ) أَيْ : مُتَوَحِّشَةٌ طَبْعًا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ ؛ وَلَا مَمْلُوكٍ وَهُوَ مُبَاحٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } وَقَوْلُهُ { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ { أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا بِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَخْبِرْنِي مَاذَا يَصْلُحُ لِي ؟ قَالَ : أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ ، فَكُلْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَيُبَاحُ ) الصَّيْدُ ( لِقَاصِدِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ( وَيُكْرَهُ ) الصَّيْدُ ( لَهْوًا ) لِأَنَّهُ عَبَثٌ ، فَإِنْ ظُلِمَ النَّاسُ فِيهِ بِالْعُدْوَانِ عَلَى زُرُوعِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَحَرَامٌ .
( وَهُوَ ) أَيْ : الصَّيْدُ ( أَفْضَلُ مَأْكُولٍ ) لِأَنَّهُ مِنْ اكْتِسَابِ الْحَلَالِ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ ( وَالزِّرَاعَةُ أَفْضَلُ مُكْتَسَبٍ ) لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ لِخَبَرِ { لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ

وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ } قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَأَفْضَلُ الْمَعَاشِ التِّجَارَةُ ( وَأَفْضَلُ التِّجَارَةِ التِّجَارَةُ فِي بَزٍّ وَعِطْرٍ وَزَرْعٍ وَغَرْسٍ وَمَاشِيَةٍ وَأَبْغَضُهَا فِي رَقِيقٍ وَحِرَفٍ ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِيهِمَا ( وَأَفْضَلُ الصِّنَاعَةِ خِيَاطَةٌ وَنَصَّ ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ ( إنَّ كُلَّ مَا نُصِحَ فِيهِ فَ ) هُوَ ( حَسَنٌ ) قَالَ الْمَرُّوذِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى لُزُومِ الصَّنْعَةِ لِلْخَبَرِ .
قَالَ أَحْمَدُ لَمْ أَرَ مِثْلَ الْغِنَى عَنْ النَّاسِ وَقَالَ فِي قَوْمٍ لَا يَعْمَلُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ : هَؤُلَاءِ مُبْتَدِعَةٌ ( وَأَرْدَؤُهَا ) أَيْ : الصِّنَاعَةِ ( حِيَاكَةٌ وَحِجَامَةٌ وَنَحْوُهُمَا ) كَقُمَامَةِ وَزُبَالَةٍ وَدَبْغٍ .
وَفِي الْحَدِيثِ { كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ } ( وَأَشَدُّهَا ) أَيْ : الصَّنَائِعِ ( كَرَاهَةً صَبْغٌ وَصِيَاغَةٌ وَحِدَادَةٌ وَنَحْوُهَا ) كَجِزَارَةِ لِمَا يَدْخُلُهَا مِنْ الْغِشِّ وَمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَالْمُرَادُ مَعَ إمْكَانِ مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهَا وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ

( وَمَنْ أَدْرَكَ ) صَيْدًا ( مَجْرُوحًا مُتَحَرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهَا ) أَيْ : بِتَذْكِيَتِهِ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ وَفِي حُكْمِ الْحَيِّ حَتَّى ( وَلَوْ خَشَى مَوْتَهُ ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَعَ وُجُودِ آلَتِهَا ، فَكَذَا مَعَ عَدَمِهَا كَسَائِرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ امْتَنَعَ ) صَيْدٌ جُرِحَ ( بِعَدْوِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا فَ ) هُوَ ( حَلَالٌ ) بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَذْكِيَتِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ مَيْتًا وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ ، لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْإِتْعَابَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ كَمَا لَوْ تَرَدَّى فِي مَاءٍ بَعْدَ جُرْحِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لَهَا ) أَيْ : لِتَذْكِيَتِهِ ( فَكَمَيِّتٍ ) يَحِلُّ ( بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا كَوْنُ صَائِدٍ أَهْلًا لِذَكَاةٍ ) أَيْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالصَّائِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكِّي .
( وَلَوْ ) كَانَ الصَّائِدُ ( أَعْمَى ) فَيَحِلُّ صَيْدُهُ كَذَكَاتِهِ ( فَلَا يَحِلُّ صَيْدٌ ) يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ بِخِلَافِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ ( شَارَكَ فِي قَتْلِهِ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ كَمَجُوسِيٍّ وَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَهُ ) أَيْ : بَيْنَ مَجُوسِيٍّ ( وَبَيْنَ كِتَابِيٍّ وَلَوْ ) قَتَلَهُ ( بِجَارِحَةٍ حَتَّى وَلَوْ أَسْلَمَ ) الْمَجُوسِيُّ وَنَحْوُهُ ( بَعْدَ إرْسَالِهِ ) أَيْ : الْجَارِحِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِرْسَالِ ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ سَبَبُ إبَاحَةٍ وَسَبَبُ تَحْرِيمٍ فَغُلِّبَ التَّحْرِيمُ ( وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَهُ ) أَيْ : الصَّيْدِ إلَّا ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ : أَحَدُ جَارِحَيْ الْمُسْلِمُ وَنَحْوَ الْمَجُوسِيُّ ( عَمِلَ بِهِ ) فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ مَقْتَلَهُ جَارِحٌ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ حَلَّ وَبِالْعَكْسِ لَا يَحِلُّ ( وَلَوْ أَثْخَنَهُ ) أَيْ : الصَّيْدَ ( كَلْبُ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَتَلَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ

حَرُمَ ) الصَّيْدُ ( وَيَضْمَنُهُ ) أَيْ : الْمَجُوسِيُّ ( لَهُ ) أَيْ : لِلْمُسْلِمِ بِقِيمَتِهِ مَجْرُوحًا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ ) لِصَيْدٍ ( فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَادَ عَدْوُهُ ) بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ لَهُ فَقَتَلَ صَيْدًا حَلَّ لِأَنَّ الصَّائِدَ هُوَ الْمُسْلِمُ ( أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى كَلْبِ مُسْلِمٍ ( كَلْبُ مَجُوسِيٍّ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ ) كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ لِانْفِرَادِ جَارِحِ الْمُسْلِمِ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ مَجُوسِيٌّ شَاةٌ فَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ ( أَوْ ذَبَحَ ) مُسْلِمٌ ( مَا ) أَيْ صَيْدًا ( أَمْسَكَهُ لَهُ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِهِ وَقَدْ جَرَحَهُ ) كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ جُرْحًا ( غَيْرَ مُوحٍ ) حَلَّ لِحُصُولِ ذَكَاتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ ( أَوْ ارْتَدَّ ) مُسْلِمٌ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَةِ سَهْمِهِ ( أَوْ مَاتَ ) الْمُسْلِمُ ( بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ حَلَّ ) الصَّيْدُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ .
( وَإِنْ رَمَى ) مُسْلِمٌ ( صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ) ثَانِيًا ( أَوْ ) رَمَاهُ ( آخَرُ فَقَتَلَهُ أَوْ أَوْحَاهُ ) الثَّانِي ( بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحِلَّ ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِذَبْحِهِ ( وَلِمُثْبِتِهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا ) عَلَى رَامِيهِ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ ( حَتَّى وَلَوْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَ ) الرَّامِي ( الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ ) كَحُلْقُومِهِ أَوْ قَلْبِهِ فَيَحِلُّ ( أَوْ ) يُصِيبُ الرَّامِي ( الثَّانِي مَذْبَحَهُ فَيَحِلُّ ) لِأَنَّهُ مُذَكًّى .
( وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ خَرْقِ جِلْدِهِ ) لِتَنْقِيصِهِ لَهُ وَإِنْ وَجَدَاهُ مَيِّتًا حَلَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ ( وَلَوْ كَانَ الْمَرْمِيُّ قِنًّا ) لِلْغَيْرِ ( أَوْ شَاةَ الْغَيْرِ ) أَيْ : غَيْرِ الرَّامِيَيْنِ ( وَلَمْ يُوحِيَاهُ وَسَرَيَا ) أَيْ : الْجُرْحَانِ ( فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ قِيمَتِهِ ) أَيْ : الْمَرْمِيِّ ( مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ مُشَارِكٌ فِي قَتْلِهِ بَعْدَ جَرْحِ الْأَوَّلِ لَهُ ( وَيُكَمِّلُهَا ) أَيْ :

قِيمَةَ الْمَرْمِيِّ حَالَ كَوْنِهِ ( سَلِيمًا الْأَوَّلِ ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِهِ وَلَا جِرَاحَةَ بِهِ حَالَ جِنَايَتِهِ ( وَصَيْدٌ قُتِلَ بِإِصَابَتِهِمَا ) أَيْ إصَابَةِ اثْنَيْنِ يَحِلُّ ذَبْحُهُمَا ( مَعًا ) أَيْ فِي آنٍ وَاحِدٍ ( حَلَالٌ بَيْنَهُمَا ) نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إصَابَتِهِ ( كَذَبْحِهِ ) أَيْ : الْمَأْكُولِ ( مُشْتَرِكَيْنِ ) فِي آنٍ وَاحِدٍ فَيَحِلُّ ( وَكَذَا ) لَوْ أَصَابَهُ ( وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا وَجُهِلَ قَاتِلُهُ ) مِنْهُمَا فَهُوَ حَلَالٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ بَعْدَ إصَابَةِ الْأَوَّلِ وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِهِ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ .
( فَإِنْ قَالَ ) الرَّامِي ( الْأَوَّلُ أَنَا أَثْبَتُّهُ ثُمَّ قَتَلْتَهُ أَنْتَ فَتَضْمَنُهُ فَقَالَ الْآخَرِ مِثْلَهُ لَمْ يَحِلَّ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ ( وَيَتَحَالَفَانِ ) أَيْ : يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ( وَلَا ضَمَانَ ) عَلَى أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ( وَإِنْ قَالَ ) الثَّانِي ( أَنَا قَتَلْتُهُ وَلَمْ تُثْبِتْهُ أَنْتَ ) فَيَحِلُّ لِي وَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَهُوَ ) أَيْ : الصَّيْدُ ( لَهُ ) وَحْدَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ امْتِنَاعِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى مُدَّعِي إثْبَاتِهِ لِاعْتِرَافِهِ بِالتَّحْرِيمِ .

فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّانِي لِحِلِّ صَيْدٍ وُجِدَ مَيْتًا أَوْ فِي حُكْمِهِ ( الْآلَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ ) أَحَدُهُمَا ( مُحَدَّدُ فَهُوَ كَآلَةِ ذَبْحٍ ) فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ( وَشَرْطُ جَرْحِهِ ) أَيْ : الصَّيْدِ ( بِهِ ) أَيْ : الْمُحَدَّدِ لِحَدِيثِ { مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ } وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا { إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقَتْ فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ( فَإِنْ قَتَلَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( بِثِقَلِهِ كَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَعَصَا وَبُنْدُقَةٍ وَلَوْ مَعَ شَدْخٍ أَوْ قَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ أَوْ بِعَرْضِ مِعْرَاضٍ وَهُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرَفِ ) وَرُبَّمَا جَعَلَ فِي رَأْسِهِ حَدِيدَةً ( وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُبَحْ ) أَكْلُهُ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ فَقَالَ إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَمَنْ نَصَبَ مِنْجَلًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ نَحْوَهُمَا ) كَخِنْجَرٍ ( مُسَمِّيًا حَلَّ مَا قَتَلَهُ ) ذَلِكَ ( بِجُرْحٍ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ نَاصِبٍ أَوْ رِدَّتِهِ ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ النَّصْبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّمْيِ بِالسَّهْمِ ( وَإِلَّا ) يَقْتُلُهُ ذَلِكَ بِجَرْحِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَ النَّصْبِ ( فَلَا ) يَحِلُّ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ ( وَالْحَجَرُ إنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ فَكَمِعْرَاضٍ ) يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ لَا بِعَرْضِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لَهُ حَدٌّ ( فَكَبُنْدُقَةٍ ) لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ ( وَلَوْ خَرَقَ ) لِأَنَّهُ وَقِيذٌ ( وَلَمْ يُبَحْ مَا قُتِلَ بِمُحَدَّدٍ فِيهِ سُمٌّ مَعَ احْتِمَالِ إعَانَتِهِ ) أَيْ : السُّمِّ ( عَلَى قَتْلِهِ ) أَيْ : الصَّيْدِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ( وَمَا رُمِيَ ) مِنْ صَيْدٍ ( فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلْوٍ أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ : الْوُقُوعُ مِنْ عُلْوٍ

وَالتَّرَدِّي فِي مَاءٍ وَوَطْءِ شَيْءٍ عَلَيْهِ ( يَقْتُلُ مِثْلُهُ لَمْ يَحِلَّ ) لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ { سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّيْدِ فَقَالَ : إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي : الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّرَدِّي وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ فِي ذَلِكَ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُهُ مِثْلُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْحَيَوَانِ خَارِجَ الْمَاءِ أَوْ كَانَ مِنْ طَيْرِهِ حَلَّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَقْتُلْهُ ( وَلَوْ ) كَانَ ذَلِكَ ( مَعَ إيحَاءِ جُرْحٍ ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَقِيَامِ الِاحْتِمَالِ ( وَإِنْ رَمَاهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( بِالْهَوَاءِ ) أَوْ ( عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ ) عَلَى ( حَائِطٍ فَسَقَطَ فَمَاتَ ) حَلَّ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ وَوُقُوعَهُ بِالْأَرْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَوْ حَرُمَ بِهِ أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَحِلَّ طَيْرٌ أَبَدًا ( أَوْ ) رَمَى صَيْدًا فَعَقَرَهُ ثُمَّ ( غَابَ مَا عَقَرَ أَوْ ) غَابَ مَا ( أُصِيبَ ) بِرَمْيِهِ ( يَقِينًا وَلَوْ ) كَانَ ذَلِكَ ( لَيْلًا ثُمَّ وَجَدَ ) الصَّيْدَ .
( وَلَوْ بَعْدَ يَوْمِهِ ) الَّذِي رَمَاهُ فِيهِ ( مَيْتًا حَلَّ ) لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ { سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضُنَا أَرْضُ صَيْدٍ فَيَرْمِي أَحَدُنَا الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَيَجِدُ فِيهِ سَهْمَهُ ؟ فَقَالَ : إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي لَفْظٍ قَالَ { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي الصَّيْدَ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ فَقَالَ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( كَمَا لَوْ وَجَدَهُ ) أَيْ : الصَّيْدَ ( بِفَمِ جَارِحِهِ أَوْ وَهُوَ يَعْبَثُ بِهِ أَوْ فِيهِ سَهْمُهُ ) فَيَحِلُّ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَذَلِكَ بِلَا أَثَرٍ

لِغَيْرِهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ مَوْتِهِ بِجَارِحِهِ أَوْ سَهْمِهِ ( وَلَا يَحِلُّ مَا ) أَيْ : صَيْدٌ ( وُجِدَ بِهِ أَثَرٌ آخَرَ ) لِغَيْرِ جَارِحِهِ أَوْ سَهْمِهِ ( يُحْتَمَلُ إعَانَتُهُ فِي قَتْلِهِ ) كَأَكْلِ سَبُعٍ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ " بِخِلَافِ أَثَرٍ لَا يَحْتَمِلُ الْإِعَانَةَ عَلَى ذَلِكَ كَأَكْلِ هِرٍّ ( وَمَا غَابَ ) مِنْ صَيْدٍ ( قَبْلَ عَقْرِهِ ) ثُمَّ وَجَدَهُ وَفِيهِ سَهْمُهُ ( أَوْ عَلَيْهِ جَارِحُهُ حَلَّ ) كَمَا لَوْ غَابَ بَعْدَ عَقْرِهِ .
( فَلَوْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ ) جَارِحًا ( آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ سَمَّى عَلَيْهِ ) أَوْ لَا لَمْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ .
قُلْتُ : أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( أَوْ ) وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ آخَرَ وَجَهِلَ هَلْ ( اسْتَرْسَلَ ) الْجَارِحَ الْآخَرُ ( بِنَفْسِهِ أَوْ لَا ) لَمْ يُبَحْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ الْحَظْرُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُبِيحَ وَإِرْسَالَ الْآلَةِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ وَلِذَلِكَ اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِهَا ( أَوْ جَهِلَ حَالَ مُرْسِلِهِ ) أَيْ : الْجَارِحِ الَّذِي وَجَدَهُ مَعَ جَارِحِهِ ( هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ أَوْ لَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْ : ) الْجَارِحَيْنِ ( قَتَلَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ لَمْ يُبَحْ ( أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ مَعًا أَوْ ) عَلِمَ ( أَنَّ مَنْ جَهِلَ هُوَ الْقَاتِلُ لَمْ يُبَحْ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ } وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ وَقَدْ شَكَّ فِي الْمُبِيحِ ( وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ ) فِي الْجَارِحِ الَّذِي وَجَدَهُ مَعَ جَارِحِهِ بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ مُرْسِلَهُ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ وَأَنَّهُ سَمَّى عَلَيْهِ عِنْدَ إرْسَالٍ ( حَلَّ ثُمَّ إنْ كَانَا ) أَيْ : الْجَارِحَانِ ( قَتَلَاهُ مَعًا ) أَيْ : فِي آنٍ وَاحِدٍ ( فَ ) الصَّيْدُ ( بَيْنَ صَاحِبَيْهِمَا أَيْ : الْجَارِحَيْنِ ) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ

لِأَحَدِهِمَا ( وَإِنْ قَتَلَهُ ) أَيْ : الصَّيْدَ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ : الْجَارِحَيْنِ ( فَ ) الصَّيْدُ ( لِصَاحِبِهِ ) أَيْ : الْجَارِحِ الْقَاتِلِ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ لَهُ ( وَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ ) فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ قَتَلَهُ الْجَارِحَانِ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَجُهِلَتْ عَيْنُهُ .
( فَإِنْ وُجِدَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ ) أَيْ : الصَّيْدِ ( فَ ) هُوَ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ : صَاحِبَيْ الْجَارِحَيْنِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ جَارِحَيْهِمَا قَتَلَاهُ ( وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ : الْجَارِحَيْنِ ( مُتَعَلِّقًا بِهِ ) أَيْ : الصَّيْدِ ( فَ ) هُوَ ( لِصَاحِبِهِ ) أَيْ : الْجَارِحِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الَّذِي قَتَلَهُ ( وَيَحْلِفُ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِهِ ) أَيْ : بِالصَّيْدِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَى الْآخَرِ ( وَإِنْ وُجِدَ ) أَيْ : الْجَارِحَانِ ( نَاحِيَةً ) مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ ( وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ ) أَيْ : الصَّيْدِ لِتَأَخُّرِ صُلْحِهِمَا ( بِيعَ ) أَيْ : بَاعَهُ الْحَاكِمُ ( وَاصْطَلَحَا عَلَى ثَمَنِهِ ) لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ( وَيَحْرُمُ عُضْوٌ أَبَانَهُ صَائِدٌ ) مِنْ صَيْدٍ ( بِمُحَدَّدٍ مِمَّا بِهِ ) أَيْ الْمُبَانِ مِنْهُ ( حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ ) لِحَدِيثِ { مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ } ( لَا إنْ مَاتَ ) الصَّيْدُ الْمُبَانُ مِنْهُ ( فِي الْحَالِ ) فَيَحِلُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا قُطِعَتْ مِنْ الْحَيِّ مَيْتَةٌ } إذَا قُطِعَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ تَمْشِي وَتَذْهَبُ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْمَوْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى الَّذِي يَذْبَحُ رُبَّمَا مَكَثَ سَاعَةً وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ وَكَمَا لَوْ قَدَّهُ الصَّائِدُ نِصْفَيْنِ ( أَوْ كَانَ ) الْمُبَانُ ( مِنْ حَوْتٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا تَحِلُّ مَيْتَةً لِأَنَّ

قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وَمَيْتَةُ السَّمَكِ مُبَاحَةٌ .
( وَإِنْ بَقِيَ ) الْمَقْطُوعُ مِنْ غَيْرِ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ ( مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ بِحِلِّهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ ( النَّوْعُ الثَّانِي ) مِنْ آلَةِ الصَّيْدِ ( جَارِحٌ فَيُبَاحُ مَا قَتَلَ ) جَارِحٌ ( مُعَلَّمٌ ) مِمَّا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَالْفُهُودِ وَالْكِلَابِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ مِنْ الطَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } الْآيَةَ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ وَكُلُّ طَيْرٍ تَعَلَّمَ الصَّيْدَ وَالْفُهُودُ وَالصُّقُورُ وَأَشْبَاهُهُمَا وَالْجَارِحُ لُغَةً الْكَاسِبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } أَيْ : كَسَبْتُمْ وَيُقَالُ فُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ أَيْ : كَاسِبُهُمْ ، وَمُكَلِّبِينَ مِنْ التَّكْلِيبِ وَهُوَ الْإِغْرَاءُ ( غَيْرُ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ ) نَصًّا ( فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ ) نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَقَالَ إنَّهُ شَيْطَانٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( اقْتِنَاؤُهُ ) وَتَعْلِيمُهُ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ وَالْحِلُّ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِكَوْنِهِ شَيْطَانًا وَمَا قَتَلَهُ الشَّيْطَانُ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ كَالْمُنْخَنِقَةِ ( وَيُبَاحُ قَتْلُهُ ) أَيْ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ نَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَتْلِ الْخِنْزِيرِ لَا بَأْسَ ( وَيَجِبُ قَتْلُ ) كَلْبٍ ( عَقُورٍ ) لِدَفْعِ شَرِّهِ عَنْ النَّاسِ ( لَا إنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ مِنْ وَلَدِهَا أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبَهُ ) فَلَا يُبَاحُ قَتْلُهَا بِذَلِكَ لِأَنَّ عَقْرَهَا لَيْسَ عَادَةً لَهَا ( بَلْ تُنْقَلُ ) بِأَوْلَادِهَا لِمَحَلٍّ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُرُورِ ( وَلَا يُبَاحُ قَتْلُ غَيْرِهِمَا ) أَيْ : الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَالْعَقُورِ ( ثُمَّ تَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ كَفَهْدٍ وَكَلْبٍ ) بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ( أَنْ يُسْتَرْسَلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ ) قَالَ فِي

الْمُغْنِي لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ وَمَعْنَاهُ فِي الْوَجِيزِ ( وَإِذَا أَمْسَكَ ) صَيْدًا ( لَمْ يَأْكُلْ ) مِنْهُ لِحَدِيثِ { فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ عَادَةَ الْمُعَلَّمَ أَنْ يَنْتَظِرَ صَاحِبَهُ لِيُطْعِمَهُ ( وَلَا ) يُعْتَبَرُ ( تَكَرُّرُ ذَلِكَ ) لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ صَنْعَةً أَشْبَهَ سَائِرَ الصَّنَائِعِ ( فَلَوْ أَكَلَ بَعْدَ ) أَنْ صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ( لَمْ يَخْرُجْ ) بِذَلِكَ ( عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا ) لِأَنَّ أَكْلَهُ إذَنْ قَدْ يَكُونُ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ ( وَلَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدٍ ) لِأَنَّهُ صَادَهُ حَالَ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحَرِّمُهُ ( وَلَمْ يُبَحْ مَا ) أَيْ : صَيْدٌ ( أُكِلَ مِنْهُ ) لِلْخَبَرِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } وَهَذَا إنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إنْ صَادَ بَعْدَ حِلِّ مَا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِمَّا أَكَلَ مِنْهُ لَا لِعَدَمِ تَعَلُّمِهِ بَلْ لِجُوعٍ أَوْ تَوَحُّشٍ .
( وَلَوْ شَرِبَ ) الصَّائِدُ ( دَمَهُ ) أَيْ : الصَّيْدِ ( لَمْ يَحْرُمْ ) بِذَلِكَ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ( وَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَمُ كَلْبٍ ) لِتَنَجُّسِهِ كَمَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ وَنَحْوَهُ ( وَتَعْلِيمُ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ( كَبَازٍ وَصَقْرٍ وَعُقَابٍ بِ ) أَمْرَيْنِ ( أَنْ يُسْتَرْسَلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَرْجِعَ إذَا دُعِيَ لَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ أَكَلَ الصَّقْرُ فَكُلْ " رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَهُ بِالْأَكْلِ وَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيمُهُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ ( وَيُعْتَبَرُ ) لِحِلِّ صَيْدِ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ ( جَرْحُهُ ) لِلصَّيْدِ لِأَنَّهُ آلَةُ الْقَتْلِ كَالْمُحَدَّدِ ( فَلَوْ قَتَلَهُ ) الْجَارِحُ أَيْ : الصَّيْدَ ( بِصَدْمٍ أَوْ خَنْقٍ لَمْ يُبَحْ ) لِعَدَمِ جَرْحِهِ كَالْمِعْرَاضِ إذَا قَتَلَ بِثِقَلِهِ .

فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّالِثُ قَصْدُ الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ السَّهْمَ أَوْ يَنْصِبَ نَحْوَ الْمِنْجَلِ أَوْ يُرْسِلَ الْجَارِحَ قَاصِدًا الصَّيْدَ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ أَمْرٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الدِّينُ فَاعْتُبِرَ لَهُ الْقَصْدُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ ( وَهُوَ إرْسَالُ الْآلَةِ لِقَصْدِ صَيْدٍ ) لِحَدِيثِ { إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ إرْسَالَ الْجَارِحِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ مَعَهُ ( فَلَوْ احْتَكَّ صَيْدٌ بِمُحَدَّدٍ ) فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَحِلَّ ( ( أَوْ سَقَطَ ) مُحَدَّدٌ عَلَى صَيْدٍ ( فَعَقَرَهُ بِلَا قَصْدٍ ) لَمْ يَحِلَّ ( أَوْ اسْتَرْسَلَ الْجَارِحُ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ زَجَرَهُ ) أَيْ : الْجَارِحَ رَبُّهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ ( مَا لَمْ يَزِدْ ) الْجَارِحُ ( فِي طَلَبِهِ ) أَيْ : الصَّيْدِ ( بِزَجْرِهِ ) فَيَحِلُّ حَيْثُ سَمَّى عِنْدَ زَجْرِهِ وَجَرَحَ الصَّيْدَ لِأَنَّ زَجْرَهُ أَثَّرَ فِي عَدْوِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ .
( وَمَنْ رَمَى هَدَفًا ) أَيْ مُرْتَفِعًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ أَوْ جَبَلٍ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ ( أَوْ ) رَمَى ( رَائِدًا صَيْدًا وَلَمْ يَرَهُ ) أَيْ : يَعْلَمْهُ لِحِلِّ صَيْدِ الْأَعْمَى إذَا عَلِمَهُ بِالْحِسِّ ( أَوْ ) رَمَى ( حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا ) فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ ( أَوْ ) رَمَى ( مَا عَلِمَهُ ) غَيْرَ صَيْدٍ ( أَوْ ) رَمَى مَا ( ظَنَّهُ غَيْرَ صَيْدٍ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ ) لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَصْدُ الصَّيْدِ ( وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ ) حَلَّ ( أَوْ ) رَمَى صَيْدًا ( وَاحِدًا ) مِنْ صُيُودٍ ( فَأَصَابَ عَدَدًا حَلَّ الْكُلُّ ) وَكَذَا جَارِحٌ ) أُرْسِلَ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَ غَيْرَهُ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلَ عَدَدًا فَيَحِلُّ الْجَمِيعُ نَصًّا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِقَصْدِ الصَّيْدِ فَحَلَّ مَا صَادَهُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى كِبَارٍ فَتَفَرَّقَتْ عَنْ صِغَارٍ أَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ

( وَمَنْ أَعَانَتْ رِيحُ مَا رَمَى بِهِ ) مِنْ سَهْمٍ ( فَقَتَلَ وَلَوْلَاهَا ) أَيْ : الرِّيحُ ( مَا وَصَلَ ) إلَيْهِمْ لَمْ يَحْرُمْ الصَّيْدُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْ الرِّيحِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَرَمْيُ السَّهْمِ لَهُ حُكْمُ الْحِلِّ ( أَوْ رَدَّهُ ) أَيْ : مَا رَمَى بِهِ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ سَهْمٍ ( حَجَرٌ أَوْ نَحْوُهُ ) عَلَى الصَّيْدِ ( فَقَتَلَ لَمْ يَحْرُمْ ) الصَّيْدُ لَمَا تَقَدَّمَ ( وَتَحِلُّ طَرِيدَةٌ وَهِيَ الصَّيْدُ بَيْنَ قَوْمٍ يَأْخُذُونَهُ قَطْعًا ) حَتَّى يُؤْتَى عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالطَّرِيدَةِ بَأْسًا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ ( وَمَا زَالَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهمْ ) قَالَ أَحْمَدُ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ يَقَعُ بَيْنَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ فَيَأْخُذُونَهُ قَطْعًا .
( وَكَذَا النَّادِ ) نَصًّا ( وَمَنْ أَثْبَتَ صَيْدًا مَلَكَهُ ) لِأَنَّهُ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ بِإِثْبَاتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فَإِنْ تَحَامَلَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ( وَيَرُدُّهُ آخِذُهُ ) لِمَنْ أَثْبَتَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ( وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ مَحَلَّ غَيْرِهِ ) غَيْرِ رَامِيهِ الَّذِي لَمْ يُثْبِتْهُ ( فَأَخَذَهُ رَبُّ الْمَحَلِّ ) مَلَكَهُ بِأَخْذُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ ( أَوْ وَثَبَ حُوتٌ فَوَقَعَ بِحِجْرِ شَخْصٍ وَلَوْ بِسَفِينَةٍ ) مَلَكَهُ بِذَلِكَ لِسَبْقِهِ إلَى مُبَاحٍ وَحِيَازَتِهِ لَهُ ( أَوْ دَخَلَ ظَبْيٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهَا وَ ) لَوْ ( جَهِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ ) مَلَكَهُ كَمَا لَوْ فَتَحَ حِجْرَهُ لِأَخْذِهِ فَإِنْ لَمْ يُغْلِقْ بَابَهَا عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ ( أَوْ فَرْخٌ فِي بُرْجِهِ طَائِرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ ) مَلَكَهُ صَاحِبُ الْبُرْجِ وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا لَهُ أَوْ مُسْتَعِيرًا لِحِيَازَتِهِ لَهُ ( وَفَرْخٌ ) طَيْرٌ ( مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِهَا ) نَصًّا كَالْوَلَدِ يَتْبَعُ أُمَّهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : وَلَوْ تَحَوَّلَ طَيْرٌ مِنْ بُرْجٍ زَيْدٍ إلَى بُرْجٍ عَمْرٍو لَزِمَ عَمْرًا رَدُّهُ وَإِنْ اخْتَلَطَ وَلَمْ

يَتَمَيَّزْ مُنِعَ عَمْرٌو مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ حَتَّى يَصْطَلِحَا وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرِ حَقَّهُ أَوْ وَهَبَهُ صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ ( أَوْ أَحْيَا أَرْضًا بِهَا كَنْزٌ مَلَكَهُ ) بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَنَقَلَهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الْفُرُوعِ قَالَ : فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَى .
وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ مِنْهَا وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْدِنِ الْجَامِدِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ ( كَنَصْبِ خَيْمَتِهِ ) لِذَلِكَ ( وَفَتْحِ حِجْرِهِ لِذَلِكَ ) أَيْ : لِلصَّيْدِ ( وَكَعَمَلِ بِرْكَةٍ لِ ) صَيْدِ ( سَمَكٍ ) فَمَا حَصَلَ مِنْهُ بِهَا مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ ( وَ ) كَنَصْبِ ( شَبَكَةٍ وَشَرَكٍ وَفَخٍّ ) نَصًّا ( وَ ) نَصْبِ ( مِنْجَلٍ ) لِصَيْدٍ ( وَحَبْسِ جَارِحٍ لِصَيْدٍ وَبِإِلْجَائِهِ ) أَيْ : الْجَارِحِ لِلصَّيْدِ ( لِمَضِيقٍ لَا يَفْلِتُ مِنْهُ ) فَيَمْلِكُ الصَّيْدَ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَثْبَتَهُ ( وَمَنْ وَقَعَ بِشَبَكَةِ صَيْدٍ فَذَهَبَ ) الصَّيْدُ ( بِهَا ) أَيْ : الشَّبَكَةِ ( فَصَادَهُ آخَرُ ) غَيْرُ صَاحِبِ الشَّبَكَةِ ( فَ ) الصَّيْدُ ( لِلثَّانِي ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ لِبَقَاءِ امْتِنَاعِهِ وَتُرَدُّ الشَّبَكَةُ لِرَبِّهَا وَكَذَا لَوْ وَقَعَ بِشَرَكٍ أَوْ فَخٍّ فَذَهَبَ بِهِ فَصَادَهُ آخَرُ وَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِالشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِمَّنْ يَقْصِدُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ أَمْسَكَهُ الصَّائِدُ مِنْ نَحْوِ شَبَكَةٍ وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْفَلَتْ مِنْهُ لَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِأَخْذِ غَيْرِهِ كَدَابَّةٍ شَرَدَتْ .
( وَإِنْ وَقَعَتْ سَمَكَةٌ بِسَفِينَةٍ لَا بِحِجْرِ أَحَدٍ ) مِمَّنْ فِيهَا ( فَ ) السَّمَكَةُ ( لِرَبِّهَا ) أَيْ : السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا لَكِنْ إنْ وَثَبَتْ السَّمَكَةُ بِفِعْلِ إنْسَانٍ لِقَصْدِ الصَّيْدِ فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ

السَّفِينَةِ وَدُونَ مَنْ وَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ فِيهَا لِأَنَّ الصَّائِدَ أَثْبَتَهَا بِذَلِكَ ( وَمَنْ حَصَلَ ) بِمِلْكِهِ صَيْدٌ لِمَدِّ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَوَحَّلَ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ ( أَوْ عَشَّشَ بِمِلْكِهِ صَيْدٌ أَوْ طَائِرٌ لَمْ يَمْلِكْهُ ) بِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ لِأَنَّ الدَّارَ وَنَحْوَهَا لَمْ تُعَدَّ لِلصَّيْدِ كَالْبِرْكَةِ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الِاصْطِيَادَ ( وَإِنْ سَقَطَ ) مِمَّا عَشَّشَ بِمِلْكِهِ ( يَرْمِي بِهِ فَلَهُ ) أَيْ : لِرَبِّ الْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّامِي مِنْ أَهْلِ الدَّارِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ دَارَهُمْ حَرِيمُهُمْ ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا .
وَفِي الْإِقْنَاعِ هُوَ لِرَامِيهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ ( وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ ) لِأَنَّهُ يَأْكُلُهَا فَيَصِيرُ كَالْجَلَّالَةِ وَكَرِهَ أَحْمَدُ الصَّيْدَ بِبَنَاتِ وَرْدَانَ وَقَالَ مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ وَكَذَا بِالضَّفَادِعِ وَقَالَ الضُّفْدَعُ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ ( وَيُكْرَهُ صَيْدُ ) الطَّيْرِ ( بَشْبَاشٍ وَهُوَ طَائِرٌ ) كَالْبُومَةِ ( تُخَيَّطُ عَيْنَاهُ وَيُرْبَطُ ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ ( وَ ) يُكْرَهُ أَنْ يُصَادَ صَيْدٌ ( مِنْ وَكْرِهِ ) لِخَوْفِ الْأَذَى وَ ( لَا ) يُكْرَهُ صَيْدُ ( الْفَرْخِ ) مِنْ وَكْرِهِ ( وَلَا ) يُكْرَهُ ( الصَّيْدُ لَيْلًا أَوْ بِمَا يُسْكِرُ ) الصَّيْدَ نَصًّا ( وَيُبَاحُ ) الصَّيْدُ ( بِشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَدِبْقٍ وَكُلِّ حِيلَةٍ ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ بِمِثْقَلٍ كَبُنْدُقٍ وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الرَّمْيَ بِبُنْدُقٍ مُطْلَقًا لِنَهْيِ عُثْمَانَ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ يُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ لَا لِلَّعِبِ وَ ( لَا ) يُبَاحُ الصَّيْدُ ( بِمَنْعِ مَاءٍ عَنْهُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ فَإِنْ فَعَلَ حَلَّ أَكْلُهُ .
( وَمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا وَقَالَ أَعْتَقْتُك أَوْ لَمْ يَقُلْ ) ذَلِكَ عِنْدَ إرْسَالٍ ( لَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ) ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا كَفِعْلِهِ ذَلِكَ بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (

وَكَانْفِلَاتِهِ ) أَيْ : الصَّيْدِ بِلَا إرْسَالٍ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا يَجُوزُ أَعْتَقْتُك فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى .
فَلَا يَمْلِكُهُ آخِذُهُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ ( بِخِلَافِ نَحْوِ كِسْرَةٍ أَعْرَضَ عَنْهَا فَ ) إنَّهُ ( يَمْلِكُهَا آخِذُهَا ) لِأَنَّهُ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ وَعَادَةُ النَّاسِ الْإِعْرَاضُ عَنْ مِثْلِهَا ( وَمَنْ وَجَدَ فِيمَا صَادَهُ عَلَامَةَ مِلْكٍ كَقِلَادَةٍ بِرَقَبَةٍ وَ ) كَ ( حَلْقَةٍ بِأُذُنٍ وَقَصِّ جَنَاحِ طَائِرٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ ) يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ بِاصْطِيَادِهِ لِلْقَرِينَةِ .

فَصْلٌ الشَّرْطُ الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ لَا مِنْ أَخْرَسَ ( عِنْدَ إرْسَالِ جَارِحَةٍ أَوْ ) عِنْدَ ( رَمْيٍ ) لِنَحْوِ سَهْمٍ أَوْ مِعْرَاضٍ أَوْ نَصْبِ نَحْوِ مِنْجَلٍ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَوْجُودُ مِنْ الصَّائِدِ فَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ ( كَمَا ) تُعْتَبَرُ ( فِي ذَكَاتِهِ ) وَتُجْزِي بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( إلَّا أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ هُنَا ) أَيْ : فِي الصَّيْدِ ( سَهْوًا ) لِنُصُوصِهِ الْخَاصَّةِ وَلِكَثْرَةِ الذَّبِيحَةِ فَيَكْثُرُ فِيهَا السَّهْوُ وَأَيْضًا الذَّبِيحَةُ يَقَعُ فِيهَا الذَّبْحُ فِي مَحَلِّهِ فَجَازَ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ ( وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمٌ يَسِيرٌ ) عُرْفًا لِلتَّسْمِيَةِ عَلَى الْإِرْسَالِ أَوْ الرَّمْيِ ( وَكَذَا ) لَا يَضُرُّ ( تَأْخِيرٌ كَثِيرٌ ) لِلتَّسْمِيَةِ ( فِي جَارِحٍ إذَا زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ ) إقَامَةً لِذَلِكَ مَقَامَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِهِ ( وَلَوْ سَمَّى عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ لَا إنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَرَمَى بِغَيْرِهِ ) فَلَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ لِمَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ اُعْتُبِرَتْ عَلَى آلَتِهِ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمَّى عَلَى سِكِّينٍ ثُمَّ أَلْقَاهَا وَذَبَحَ بِغَيْرِهَا ) لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ بِعَيْنِهَا وَتَقَدَّمَ لَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَإِنْ رَأَى قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ أَخَذَ شَاةٍ فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لَمْ تَحِلَّ وَلَوْ جَهْلًا لِأَنَّ الْجَاهِلَ يُؤَاخَذُ بِخِلَافِ النَّاسِي .

كِتَابُ الْأَيْمَانِ ( وَاحِدُهَا يَمِينٌ وَهِيَ الْقَسَمُ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ( وَالْإِيلَاءُ وَالْحَلِفُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ ) تَأْتِي وَأَصْلُ الْيَمِينِ الْيَدُ الْمَعْرُوفَةُ سُمِّيَ بِهَا الْحَلِفُ لِإِعْطَاءِ الْحَالِفِ يَمِينَهُ فِيهِ كَالْعَهْدِ وَالْمُعَاقَدَةِ ( فَالْيَمِينُ ) أَيْ الْحَلِفُ ( تَوْكِيدُ حُكْمٍ ) أَيْ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ ( بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ ) اسْمِ مَفْعُولٍ وَهُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ ( عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } ( وَهِيَ ) أَيْ : الْيَمِينُ ( وَجَوَابُهَا كَشَرْطٍ وَجَزَاءٍ ) وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } وَحَدِيثِ { إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

( وَالْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ إرَادَةُ تَحْقِيقِ خَبَرٍ ) أَيْ : حُكْمٍ يَصِحُّ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ ( فِيهِ ) أَيْ : الْمُسْتَقْبَلِ ( مُمْكِنٌ ) كَقِيَامٍ وَسَفَرٍ وَضَرْبٍ ( بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ ) نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأَقُومَنَّ أَوْ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ ( أَوْ ) الْحَثُّ عَلَى ( تَرْكِهِ ) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَزْنِي أَبَدًا ( وَالْحَلِفُ عَلَى ) شَيْءٍ ( مَاضٍ إمَّا بَرٌّ وَهُوَ الصَّادِقُ ) كَوَاللَّهِ لَا ضَرَبْتُ زَيْدًا صَادِقًا ( أَوْ غَمُوسٌ وَهُوَ الْكَاذِبُ ) وَيَأْتِي وَجْهُ التَّسْمِيَةِ ( أَوْ لَغْوٌ وَهُوَ مَا ) أَيْ : حَلِفٌ ( لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ ) فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَحَلِفِهِ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ

( وَالْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ الْحِنْثِ هِيَ ) الْيَمِينُ ( الَّتِي بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَ ) قَوْلِهِ ( وَاَللَّهِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَخَالِقِ الْخَلْقِ وَرَازِقِ ) الْعَالَمِينَ ( أَوْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْعَالِمِ بِكُلِّ شَيْءٌ ) وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ( وَالرَّحْمَنِ ) مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ اُدْعُوَا اللَّهَ أَوْ اُدْعُوَا الرَّحْمَنَ } الْآيَةَ فَجَعَلَ لَفْظَةَ اللَّهِ وَلَفْظَةَ الرَّحْمَنِ سَوَاءٌ فِي الدُّعَاءِ فَيَكُونَانِ سَوَاءٌ فِي الْحَلِفِ ( أَوْ ) اسْمِ اللَّهِ الَّذِي ( يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَنْوِ ) الْحَالِفُ ( الْغَيْرَ كَالرَّحِيمِ ) قَالَ تَعَالَى : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ( وَالْعَظِيمِ ) قَالَ تَعَالَى : { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } ( وَالْقَادِرِ ) لِقَوْلِهِمْ فُلَانٌ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ ( وَالرَّبِّ ) قَالَ تَعَالَى : { اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } ( وَالْمَوْلَى ) لِقَوْلِهِمْ الْمَوْلَى لِلْمُعْتَقِ ( وَالرَّازِقِ ) قَالَ تَعَالَى : { فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ } ( وَالْخَالِقِ ) قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي } ( وَنَحْوِهِ ) كَالسَّيِّدِ قَالَ تَعَالَى : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ } وَالْقَوِيِّ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } ( أَوْ ) الْيَمِينِ ( بِصِفَةٍ لَهُ ) تَعَالَى ( كَوَجْهِ اللَّهِ ) نَصًّا قَالَ تَعَالَى : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } ( وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ وَعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ وَحَقِّهِ وَأَمَانَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَلَوْ نَوَى مُرَادَهُ أَوْ مَقْدُورَهُ أَوْ مَعْلُومَهُ ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ صَارَ يَمِينًا بِذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى مَعَهُ ( وَإِنْ لَمْ يُضِفْهَا ) إلَى اسْمِهِ ( لَمْ تَكُنْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا صِفَتَهُ تَعَالَى ) فَتَكُونُ يَمِينًا

إذَا لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِضَافَةِ كَوُجُودِهَا ( وَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ أَوْ ) الَّذِي ( لَا يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَيْهِ ) تَعَالَى ( وَيَحْتَمِلُهُ كَالْحَيِّ وَالْوَاحِدِ وَالْكَرِيمِ فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ ) لِنِيَّتِهِ بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ كَالرَّحِيمِ وَالْقَادِرِ ( وَإِلَّا ) يَنْوِ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى ( فَلَا ) يَكُنْ يَمِينًا لِأَنَّ إطْلَاقَهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ تَعَالَى وَلَا نِيَّةَ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ : الْحَالِفِ مُبْتَدَأٌ ( وَاَيْمُ اللَّهِ ) يَمِينٌ كَقَوْلِهِ وَايْمُنُ اللَّهِ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ فَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ فَيَقُولُونَ وَيَمِينِ اللَّهِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ ( أَوْ ) قَوْلُهُ ( لَعَمْرُ اللَّهِ ) تَعَالَى ( يَمِينٌ ) خَبَرٌ كَالْحَلِفِ بِبَقَائِهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى : { لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } وَالْعَمْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا الْحَيَاةُ وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ الْمَفْتُوحُ خَاصَّةً وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا أَيْ : قَسَمِي ( لَاهًا اللَّهِ ) مَعَ قَطْعِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَوَصْلِهَا وَمَدِّهَا وَقَصْرِهَا فِيهِمَا فَلَيْسَ يَمِينًا ( إلَّا بِنِيَّةٍ ) فَيَكُونُ قَسَمًا لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ قَلِيلًا ( وَأَقْسَمْتُ ) بِاَللَّهِ ( أَوْ أُقْسِمُ ) بِاَللَّهِ ( وَشَهِدْتُ ) بِاَللَّهِ ( وَآلَيْت ) بِاَللَّهِ ( أَوْ آلَى ) بِاَللَّهِ ( وَقَسَمًا ) بِاَللَّهِ ( وَحَلِفًا ) بِاَللَّهِ ( وَآلِيَّةً ) بِاَللَّهِ ( وَشَهَادَةً ) بِاَللَّهِ ( وَعَزِيمَةً بِاَللَّهِ يَمِينٌ ) نَوَاهُ بِذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ .
قَالَ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِاَللَّهِ لَا فَعَلْتُ بِلَا قَسَمٍ

وَنَحْوِهِ كَانَ يَمِينًا فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهِ مَا يُؤَكِّدُهُ كَانَ أَوْلَى ( وَإِنْ نَوَى ) بِذَلِكَ ( خَبَرًا فِيمَا يَحْتَمِلُهُ ) كَقَوْلِهِ نَوَيْت بِأَقْسَمْت بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ الْخَبَرَ عَنْ يَمِينٍ سَبَقَ أَوْ بِقَسَمٍ وَنَحْوِهِ عَنْ يَمِينٍ سَأُوقِعُهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَيُقْبَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِهِ ( أَوْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا ) أَيْ : الْكَلِمَاتِ السَّابِقَةِ وَهِيَ أَقْسَمْتُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا ( كُلِّهَا وَلَمْ يَنْوِ يَمِينًا فَلَا ) تَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ أَقْسَمْتُ وَأُقْسِمُ وَمَا بَعْدَهُمَا يَحْتَمِلُ الْقَسَمَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ لِلْقَسَمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى

( وَالْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْمُصْحَفِ وَالْقُرْآنِ أَوْ سُورَةٍ ) مِنْهُ ( أَوْ بِآيَةٍ مِنْهُ يَمِينٌ ) لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَمَنْ حَلَفَ بِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ كَانَ حَالِفًا بِصِفَتِهِ تَعَالَى وَالْمُصْحَفُ يَتَضَمَّنُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي حَدِيثِ { لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ } وَقَالَتْ عَائِشَةُ : مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ ( فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ) لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ ( وَكَذَا ) الْحَلِفُ ( بِالتَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ ) كَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَهِيَ يَمِينٌ فِيهَا كَفَّارَةٌ .
لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ لِلْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا الْمُغَيَّرِ وَالْمُبَدَّلِ ، وَلَا تَسْقُطُ حُرْمَةُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ نَسَخَ الْحُكْمَ بِالْقُرْآنِ كَالْمَنْسُوخِ حُكْمُهُ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى .
انْتَهَى .

فَصْلٌ .
وَحُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ ( بَاءٌ ) وَهِيَ الْأَصْلُ ، وَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا حَرْفُ تَعْدِيَةٍ ( وَيَلِيهَا مُظْهَرٌ ) كَرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ .
( وَ ) يَلِيهَا ( مُضْمَرٌ ) كَاَللَّهِ أُقْسِمُ بِهِ ( وَ ) الثَّانِي ( وَاوٌ يَلِيهَا مُظْهَرٌ ) فَقَطْ كَوَاللَّهِ وَالنَّجْمِ وَهِيَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا .
( وَ ) الثَّالِثُ ( تَاءٌ ) وَأَصْلُهَا الْوَاوُ وَ ( يَلِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً ) نَحْوُ { تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } وَشَذَّ تَالرَّحْمَنِ وَ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَ تَرَبِّي وَنَحْوَهُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ادَّعَى مَنْ أَتَى بِأَحَدِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْقَسَمَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ .
( وَ ) قَوْلُهُ ( بِاَللَّهِ لِأَفْعَلَنَّ يَمِينٌ ) وَلَوْ قَالَ : أَرَدْت أَنِّي أَفْعَلُ بِمَعُونَةٍ اللَّهِ وَلَمْ أُرِدْ الْقَسَمَ لَمْ يُقْبَلْ وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَثِقْ ثُمَّ ابْتَدَأَ لِأَفْعَلَنَّ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ بَاطِنًا .
( وَ ) قَوْلُهُ ( أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ بِنِيَّةٍ ) فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ انْعَقَدَ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ : أَسْأَلُك ، وَإِنْ نَوَى السُّؤَالَ دُونَ الْيَمِينِ لَمْ يَنْعَقِدْ ( فَإِنْ أَطْلَقَ ) فَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا ( لَمْ يَنْعَقِدْ ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْيَمِينَ وَغَيْرَهُ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ ( وَيَصِحُّ قَسَمٌ بِغَيْرِ حَرْفِهِ كَ ) قَوْلِهِ ( اللَّهِ لِأَفْعَلَنَّ جَرًّا ) لِلِاسْمِ الْكَرِيمِ ( وَنَصْبًا ) لَهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ { كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اللَّهِ : مَا أَرَدْتَ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً } وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ { وَقَالَ لَهُ : اللَّهِ إنَّكَ قَتَلْتَهُ ؟ اللَّهِ إنِّي قَتَلْتُهُ } .
( فَإِنْ نَصَبَهُ ) أَيْ الْمُقْسَمَ بِهِ ( مَعَ وَاوِ ) الْقَسَمِ ( أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا أَوْ ) رَفَعَهُ ( دُونَهَا فَ ) ذَلِكَ ( يَمِينٌ )

لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَرِّ وَغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالْجَوَابِ إرَادَةُ الْيَمِينِ ( إلَّا أَنْ لَا يَنْوِيَهَا ) لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْإِعْرَابِ دَلِيلُ عَدَمِ قَصْدِ الْيَمِينِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ ( عَرَبِيٌّ ) أَيْ : مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَلَا تَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ لَا يَكُونُ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا هُوَ مُبْتَدَأٌ أَوْ عَطْفٌ عَلَى شَيْءٌ تَقَدَّمَ وَلَا يَكُونُ مَنْصُوبًا مَعَ الْوَاوِ إذْ لَا تَكُونُ إذًا إلَّا عَاطِفَةٌ فَعُدُولُهُ عَنْ الْجَرِّ ظَاهِرٌ فِي إرَادَتِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ .
لِأَنَّهُ لَاحِنٌ وَاللَّحْنُ لَا يُقَاوِمُ النِّيَّةَ كَلَحْنِهِ فِي الْقُرْآنِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا

( وَيُجَابُ قَسَمٌ فِي إيجَابٍ ) أَيْ إثْبَاتٍ ( بِإِنْ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ( خَفِيفَةٍ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } ( وَ ) بِإِنْ ( ثَقِيلَةٍ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } ( وَبِلَامٍ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } وَلَامٍ ( وَنُونَيْ تَوْكِيدٍ ) أَيْ : الثَّقِيلَةِ وَالْخَفِيفَةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى : { لِيُسْجَنَنَّ وَلْيَكُونَا مِنْ الصَّاغِرِينَ } ( وَبِقَدْ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } بَعْدَ { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ( وَبِبَلْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا } وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ فَقِيلَ : إنَّهُ لَمُعْجِزٌ وَقِيلَ غَيْرُهُ ( وَ ) يُجَابُ قَسَمٌ ( فِي نَفْيٍ بِمَا ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ } ( وَبِإِنْ بِمَعْنَاهَا ) أَيْ مَا النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْحُسْنَى } ( وَبِلَا ) النَّافِيَةِ كَقَوْلِهِ : وَآلَيْت لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ وَلَا مِنْ جَفَى حَتَّى تُلَاقِيَ مُحَمَّدَا ( وَتُحْذَفُ لَا ) مِنْ جَوَابِ قَسَمٍ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا ( كَنَحْوِ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ }

( وَيُكْرَهُ حَلِفٌ بِالْأَمَانَةِ ) لِحَدِيثِ { مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ

( كَ ) مَا يُكْرَهُ الْحَلِفُ ( بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

( وَيَحْرُمُ ) الْحَلِفُ ( بِذَاتِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ) غَيْرِ ( صِفَتِهِ ) تَعَالَى لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَهُوَ عَلَى التَّغْلِيظِ ( سَوَاءٌ أَضَافَهُ ) أَيْ : الْمَحْلُوفَ بِهِ ( إلَيْهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ ( وَمَخْلُوقُ اللَّهِ وَمَقْدُورُهُ وَمَعْلُومِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، أَوْ لَا ؛ كَقَوْلِهِ وَالْكَعْبَةِ ) وَالرَّسُولِ ( وَأَبِي ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ { لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا } قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ وَسَيِّئَةَ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشِّرْكِ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ ( وَلَا كَفَّارَةَ ) فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ حَنِثَ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ صِيَانَةً لِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ ( وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ ) مِنْ أَصْحَابِنَا ( إلَّا فِي ) حَلِفٍ ( بِ ) نَبِيِّنَا ( مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ .
لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصِيرُ بِهِمَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا .
وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَهُوَ وَالْأَشْهَرُ لَا تَجِبُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ

( وَيَجِبُ الْحَلِفُ لِإِنْجَاءِ مَعْصُومٍ مِنْ هَلَكَةٍ وَلَوْ نَفْسَهُ ) كَتَوَجُّهِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُحِقٌّ ( وَبِنَدْبِ ) الْحَلِفِ ( لِمَصْلَحَةٍ ) كَإِزَالَةِ حِقْدٍ وَإِصْلَاحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ وَدَفْعِ شَرٍّ وَهُوَ صَادِقٌ

( وَيُبَاحُ ) الْحَلِفُ ( عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ ) كَأَكْلِ سَمَكٍ أَوْ تَرْكِهِ

( وَيُكْرَهُ ) الْحَلِفُ ( عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ ) كَأَكْلِ بَصَلٍ وَثُومٍ نِيءٍ ( أَوْ ) عَلَى ( تَرْكِ مَنْدُوبٍ ) كَصَلَاةِ الضُّحَى

( وَيَحْرُمُ ) الْحَلِفُ ( عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ ) كَشُرْبِ خَمْرٍ ( أَوْ ) عَلَى ( تَرْكِ وَاجِبٍ ) كَنَفَقَةٍ عَلَى نَحْوِ زَوْجَةٍ ( أَوْ ) يَحْلِفُ ( كَاذِبًا عَالِمًا ) بِكَذِبِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَكَذَا الْحِنْثُ فِيهِ وَالْبَرُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِ ( وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ أَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَكُرِهَ بَرُّهُ ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبِ قَادِرًا

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ كُرِهَ حِنْثُهُ وَسُنَّ بِرُّهُ ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بِرِّهِ مِنْ الثَّوَابِ بِفِعْلِ الْمَنْدُوبِ وَتَرْكِ الْمَكْرُوهِ امْتِثَالًا

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ ) عَلَى ( تَرْكِ مُحَرَّمٍ حُرِّمَ حِنْثُهُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ ( وَوَجَبَ بِرُّهُ ) لِمَا مَرَّ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ ) عَلَى ( تَرْكِ وَاجِبٍ وَجَبَ حِنْثُهُ ) لِئَلَّا يَأْثَمَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ ( وَحُرِّمَ بِرُّهُ ) لِمَا سَبَقَ

( وَيُخَيَّرُ ) مَنْ حَلَفَ ( فِي مُبَاحٍ ) لِيَفْعَلَنَّهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ بَيْنَ حِنْثِهِ وَبِرِّهِ ( وَحِفْظُهَا فِيهِ أَوْلَى ) مِنْ حِنْثِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } ( كَافْتِدَاءِ مُحِقٍّ ) فِي دَعْوَى عَلَيْهِ ( لِيَمِينٍ ) ( وَاجِبَةٍ ) أَيْ : وَجَبَتْ ( عَلَيْهِ عِنْدَ حَاكِمٍ ) فَافْتِدَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ حَلِفِهِ لِفِعْلِ عُثْمَانَ وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : خِفْت أَنْ يُوَافِقَ قَدَرُ بَلَاءٍ فَيُقَالُ : يَمِينُ عُثْمَانَ

( وَيُبَاحُ ) الْحَلِفُ لِمُحِقٍّ ( عِنْدَ غَيْرِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ " وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا " تَطْمِينًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ

( وَلَا يَلْزَمُ ) مَحْلُوفًا عَلَيْهِ ( إبْرَارُ قَسَمٍ كَ ) مَا لَا تَلْزَمُ ( إجَابَةُ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى ) لِأَنَّ الْإِيجَابَ بَابُهُ التَّوْفِيقُ وَلَا تَوْفِيقَ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا تَجِبُ إجَابَةُ سَائِلٍ يُقْسِمُ عَلَى النَّاسِ

( وَيُسَنُّ ) إبْرَارُ قَسَمٍ كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ : { وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : الَّذِي يَسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ

وَ ( لَا ) يُسَنُّ ( تَكْرَارُ حَلِفٍ فَإِنْ أُفْرِطَ ) فِي التَّكْرَارِ ( كُرِهَ ) ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ } وَهُوَ ذَمٌّ لَهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْإِكْثَارِ .
نَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ .

فَصْلٌ وَلِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْيَمِينِ ( أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ .
أَحَدُهَا : قَصْدُ عَقْدِ الْيَمِينِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } ( فَلَا تَنْعَقِدُ ) الْيَمِينُ ( لَغْوًا بِأَنْ سَبَقَتْ ) أَيْ : الْيَمِينُ ( عَلَى لِسَانِهِ ) أَيْ : الْحَالِفِ ( بِلَا قَصْدٍ كَقَوْلِهِ : لَا وَاَللَّهِ وَ بَلَى وَاَللَّهِ فِي عُرْضِ حَدِيثِهِ ) فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ الْجَانِبُ وَبِالْفَتْحِ خِلَافُ الطُّولِ ( وَلَا ) تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ( مِنْ نَائِمٍ وَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَنَحْوَهُ ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَعْتُوهٍ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمْ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي كَوْنُهَا ) أَيْ : الْيَمِينِ ( عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ ) لِيَتَأَتَّى بِرُّهُ وَحِنْثُهُ بِخِلَافِ الْمَاضِي وَغَيْرِ الْمُمْكِنِ ( فَلَا تَنْعَقِدُ ) الْيَمِينُ بِحَلِفٍ ( عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا عَالِمًا بِهِ ) أَيْ : بِكَذِبِهِ ( وَهِيَ ) أَيْ : الْيَمِينُ ( الْغَمُوسُ ) سُمِّيَتْ بِهِ ( لِغَمْسِهِ ) أَيْ : الْحَالِفِ بِهَا ( فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ ) أَيْ : لِتَرَتُّبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا ( أَوْ ) عَلَى مَاضٍ ( ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِخِلَافِهِ ) أَيْ : خِلَافِ ظَنِّهِ فَلَا كَفَّارَةَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } وَهَذَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَلَوْ وَجَبَتْ بِهِ كَفَّارَةٌ لَشَقَّ وَحَصَلَ الضَّرَرُ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا .
( وَلَا ) يَنْعَقِدُ يَمِينٌ عُلِّقَ الْحِنْثُ فِيهَا ( عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ كَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ ) كَقَوْلِ وَاَللَّهِ لَا شَرِبْتُ مَاءَ الْكُوزِ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ شَرِبْتُ مَاءَ الْكُوزِ .
( وَ ) الْحَالُ أَنَّهُ ( لَا مَاءَ فِيهِ ) أَيْ : الْكُوزِ وَكَذَا لَا جَمَعْتُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ رَدَدْتُ أَمْسِ وَنَحْوِهِ ( أَوْ ) عَلَى وُجُودِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ (

لِغَيْرِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَادَةً ( كَقَتْلِ الْمَيِّتِ أَوْ إحْيَائِهِ ) كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْ لِأُحْيِيَنَّهُ وَنَحْوِهِ أَوْ لَا طِرْت أَوْ لَا صَعِدْت السَّمَاءَ أَوْ لَا قَلَبْتُ الْحَجَرَ ذَهَبًا ( وَتَنْعَقِدُ ) الْيَمِينُ بِحَلِفٍ ( عَلَى عَدَمِهِ ) أَيْ : الْمُسْتَحِيلِ لِذَاتٍ أَوْ عَادَةٍ كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ لَأَرْدُدَنَّ أَمْسِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ ( وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ ) عَلَيْهِ بِذَلِكَ ( فِي الْحَالِ ) لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَحِيلِ .
( وَ ) كَذَا ( كُلُّ ) مَقَالَةٍ ( مُكَفَّرَةٍ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَدَّةِ أَيْ : تَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ كَالظِّهَارِ وَقَوْلُهُ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوُهُ ( كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ كَوْنُ حَالِفٍ مُخْتَارًا ) لِلْيَمِينِ ( فَلَا تَنْعَقِدُ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهَا ) لِحَدِيثِ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ الْحِنْثُ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ بِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ ) فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ فَلَا كَفَّارَةَ .
لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الْقَسَمِ ( وَلَوْ كَانَ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَتَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ مُحَرَّمَيْنِ ) كَمَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا أَوْ صَلَاةِ فَرْضٍ فَتَرَكَهَا فَيَكْفُرُ لِوُجُودِ الْحِنْثِ .
وَ ( لَا ) حِنْثَ إنْ خَالَفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ( مُكْرَهًا ) فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَحُمِلَ مُكْرَهًا فَأُدْخِلَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ لِلْخَبَرِ ( أَوْ ) خَالَفَهُ ( جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا ) كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الْمِثَالِ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِلْخَبَرِ وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا ( وَمَنْ اسْتَثْنَى فِيمَ يُكَفَّرُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ

أَيْ تَدْخُلُهُ الْكَفَّارَةُ ( كَيَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنَذْرٍ وَظِهَارٍ وَنَحْوِهِ ) كَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِئَ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا وَنَحْوِهِ ( بِ ) قَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِ اسْتَثْنَى ( إنْ شَاءَ ) اللَّهُ ( أَوْ ) بِقَوْلِهِ إنْ ( أَرَادَ اللَّهُ أَوْ ) بِقَوْلِهِ ( إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَقَصَدَ ذَلِكَ ) أَيْ : تَعْلِيقَ الْفِعْلِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إرَادَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ تَبَرُّكًا أَوْ سَبَقَ بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ ( وَاتَّصَلَ ) اسْتِثْنَاؤُهُ بِيَمِينِهِ ( لَفْظًا ) بِأَنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ وَلَا غَيْرِهِ ( أَوْ ) اتَّصَلَ ( حُكْمًا كَقَطْعٍ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَعَطْسٍ ( لَمْ يَحْنَثْ فَعَلَ ) مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ ( أَوْ تَرَكَهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فَلَهُ ثُنْيَاهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَلِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَالَ .
لَا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفَعَلَ عُلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ تَرْكَهُ وَإِذَا قَالَ لَا أَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْ عُلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ فِعْلَهُ وَهُوَ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَشِيئَةِ وَلَمْ تُوجَدْ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ } وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَكَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا .
( وَيُعْتَبَرُ نُطْقُ غَيْرِ مَظْلُومٍ خَائِفٍ ) بِأَنْ لَا يَلْفِظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَصًّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَالَ " وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ وَأَمَّا الْمَظْلُومُ الْخَائِفُ فَتَكْفِيهِ نِيَّتُهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِ ( وَ ) يُعْتَبَرُ ( قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ تَمَامِ

مُسْتَثْنًى مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ تَمَامِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ ( قَبْلَ فَرَاغِهِ ) مِنْ كَلَامِهِ لِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } ( وَمَنْ شَكَّ فِيهِ ) أَيْ : الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَتَى بِهِ أَوْ لَا ( فَكَمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ( وَإِنْ حَلَفَ لِيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا ) لِفِعْلِهِ كَلَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا يَوْمَ كَذَا أَوْ سَنَةَ كَذَا ( تَعَيَّنَ ) ذَلِكَ الْوَقْتُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنْ فَعَلَهُ فِيهِ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى يَمِينِهِ ( وَإِلَّا ) يُعَيَّنُ لِلْفِعْلِ وَقْتًا بِأَنْ قَالَ لَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا دِرْهَمًا ( لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ ) الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ ( بِتَلَفِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ أَوْ مَوْتِ حَالِفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ) لِقَوْلِ عُمَرَ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تُخْبِرْنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَالَ : بَلَى أَفَأَخْبَرْتُك أَنَّكَ آتِيهِ الْعَامَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ } وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ عَلَيْهِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَفِعْلُهُ مُمْكِنٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ إلَّا بِالْيَأْسِ .

وَمَنْ حَرَّمَ حَلَالًا سِوَى زَوْجَتِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ لِبَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ كَثَوْبٍ وَفِرَاشٍ ( كَقَوْلِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَا زَوْجَةَ ) لَهُ ( أَوْ نَحْوَهُ ) كَقَوْلِهِ كَسْبِي عَلَيَّ حَرَامٌ ( أَوْ طَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ) أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَأَمَّا تَحْرِيمُ زَوْجَتِهِ فَظِهَارٌ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ ( أَوْ عَلَّقَهُ ) أَيْ : تَحْرِيمِ حَلَالٍ سِوَى زَوْجَتِهِ ( بِشَرْطٍ كَ ) قَوْلِهِ عَنْ طَعَامٍ ( إنْ أَكَلْته فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يَحْرُمْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } إلَى قَوْلِهِ : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وَالْيَمِينُ عَلَى الشَّيْءِ لَا يُحَرِّمُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُرِّمَ بِذَلِكَ لَتَقَدَّمَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ كَالظِّهَارِ ( وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ فَعَلَهُ ) نَصًّا لِلْآيَةِ وَسَبَبُ نُزُولِهَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَنْ أَعُودَ إلَى شُرْبِ الْعَسَلِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا } فَإِنْ تَرَكَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

( وَمَنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ) إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ لِيَفْعَلَنَّهُ ( أَوْ هُوَ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ أَوْ ) يَعْبُدُ ( غَيْرَ اللَّهِ ) تَعَالَى ( أَوْ ) هُوَ ( بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ ) تَعَالَى ( أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ ) مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَهُ ( أَوْ ) قَالَ هُوَ ( يَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ لَا يَرَاهُ ) اللَّهُ ( فِي مَوْضِعٍ كَذَا ) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَهُ ( أَوْ ) قَالَ هُوَ ( يَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ لَا يَرَاهُ ) اللَّهُ ( فِي مَوْضِعِ كَذَا ) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَ كَذَا ( أَوْ ) قَالَ هُوَ ( يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرَ أَوْ أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الطَّهَارَةِ مُنْجِزًا كَلَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ مُعَلِّقًا كَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ) لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَرْفُوعًا { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ( وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ خَالَفَ ) فَفَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ تَرَكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِئَ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ فَكَانَ يَمِينًا كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ هُوَ فَاسِقٌ وَنَحْوِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا

( وَإِنْ قَالَ عَصَيْت اللَّهَ أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَوْ مَحَوْت الْمُصْحَفَ أَوْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ ) أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ ( أَوْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَوْ لَعَمْرُهُ ) أَوْ لَعَمْرُ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ ( لَيَفْعَلَنَّ ) كَذَا ( أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا ) فَلَغْوٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا فَبَقِيَ الْحَالِفُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ( أَوْ ) قَالَ ( إنْ فَعَلَهُ ) أَيْ كَذَا ( فَعَبْدُ زَيْدٍ حُرٌّ أَوْ مَالُهُ ) أَيْ : زَيْدٍ ( صَدَقَةٌ وَنَحْوُهُ ) كَانَ فَعَلَ كَذَا فَعَلَى زَيْدٍ الْحَجُّ أَوْ فَزَيْدٌ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ ( فَ ) هُوَ ( لَغْوٌ ) لِمَا مَرَّ

( وَيَلْزَمُ بِحَلِفٍ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ ظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَعِتَاقٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ ) تَعَالَى وَإِلَّا فَلَغْوٌ ( مَعَ النِّيَّةِ ) كَمَا لَوْ حَلَفَ بِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ ( وَ ) يَلْزَمُ بِحَلِفٍ ( بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ ) أَيْ مُبَايَعَةِ الْإِسْلَامِ ( وَهِيَ أَيْمَانٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ ) بْنُ يُوسُفَ بْنُ الْحَكَمِ بْنُ عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قِتَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَحَاصَرَهُ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ فَوَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحِجَازَ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ فَوَلِيَهَا عِشْرِينَ سَنَةً ( تَتَضَمَّنُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَصَدَقَةَ الْمَالِ مَا فِيهَا ) فَاعِلٌ يَلْزَمُ أَيْ : يَلْزَمُ هَذِهِ الْأَيْمَانَ ( إنْ عَرَفَهَا ) أَيْ : أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ ( وَنَوَاهَا ) لِانْعِقَادِ الْأَيْمَانِ بِالْكِنَايَةِ الْمَنْوِيَّةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَمَا لَوْ لَفَظَ بِكُلِّ يَمِينٍ وَحْدَهَا ( وَإِلَّا ) يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وَيَنْوِيهَا بِأَنْ انْتَفَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا ( فَ ) كَلَامُهُ ذَلِكَ ( لَغْوٌ ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأَيْمَانِ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَالنِّيَّةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْوِيِّ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْمَعْرِفَةُ أَوْ النِّيَّةُ لَمْ تَنْعَقِدْ

( وَمَنْ حَلَفَ بِإِحْدَاهَا ) أَيْ الْأَيْمَانِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ وَنَحْوِهَا ( فَقَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِك أَوْ ) قَالَ لَهُ يَمِينِي ( عَلَيْهَا ) أَيْ : يَمِينِك ( أَوْ ) قَالَ لَهُ آخَرُ يَمِينِي ( مِثْلُهَا أَوْ ) قَالَ لَهُ آخَرُ ( أَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِك أَوْ أَنَا مَعَكَ فِي يَمِينِك يُرِيدُ ) الْآخَرِ ( الْتِزَامَ مِثْلِهَا ) أَيْ : يَمِينِ الْحَالِفِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ : الْآخَرِ مِثْلُهَا لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِمِثْلِ مَا حَلَفَ بِهِ وَقَدْ نَوَاهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ ( إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ) لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَظَّمِ الْمُحْتَرَمِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ وَلَا غَيْرِهَا .
قُلْت فَيَشْكُلُ لُزُومُهَا فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ فَلْيُحَرَّرْ الْفَرْقُ

( وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ ) عَلَيَّ ( يَمِينٌ فَقَطْ ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا وَنَحْوَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( أَوْ ) قَالَ ( عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَنَحْوَهُ وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ ) قَالَ ( عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ) قَالَ عَلَيَّ ( مِيثَاقُهُ إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

وَمَنْ قَالَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ

( وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِحَلِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ فَكِذْبَةٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا ) نَصًّا

فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَتُجْمَعُ تَخْيِيرًا بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ ( ثُمَّ تَرْتِيبًا ) بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ } ( فَيُخَيَّرُ مَنْ لَزِمَتْهُ ) كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( بَيْنَ ثَلَاثَةِ ) أَشْيَاءَ ( إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ جِنْسٍ ) وَاحِدٍ ( أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْ جِنْسِ مَا يُجْزِي مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَأَقِطٍ بِأَنْ أَطْعَمَ بَعْضَهُمْ بُرًّا وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا مَثَلًا ( أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) وَهِيَ ( لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ ) الْفَرْضَ ( فِيهِ وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ ) أَيْ : قَمِيصٌ ( وَخِمَارٌ كَذَلِكَ ) أَيْ : تُجْزِئُهَا صَلَاتُهَا فِيهِمَا ( أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ ) مُسْلِمَةٍ سَلِيمَةٍ مِمَّا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الظِّهَارِ وَيُجْزِئُ الْكِسْوَةُ مِنْ كَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ وَلِلنِّسَاءِ مِنْ حَرِيرٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ كِسْوَتَهُمْ فَأَيْ جِنْسٍ كَسَاهُمْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ ( وَيُجْزِئُ ) الْجَدِيدُ وَاللَّبِيسُ ( مَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ فَإِنْ ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ لَمْ يُجْزِئْ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا كَالْحَبِّ الْمُسَوَّسِ ( فَإِنْ عَجَزَ ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ( كَعَجْزٍ عَنْ فِطْرَةٍ ) وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ ( صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِلْآيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ( مُتَتَابِعَةً وُجُوبًا ) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وَكَصَوْمِ الْمُظَاهِرِ بِجَامِعِ أَنَّهُ صَوْمٌ فِي كَفَّارَةٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) لِلْمُكَفِّرِ ( عُذْرٌ ) فِي تَرْكِ التَّتَابُعِ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ (

وَيُجْزِئُ ) فِي الْكَفَّارَةِ ( أَنْ يُطْعِمَ بَعْضًا ) مِنْ الْمَسَاكِينِ .
( وَ ) أَنْ ( يَكْسُوَ بَعْضًا ) كَأَنْ أَطْعَمَ خَمْسًا وَكَسَا خَمْسًا لِأَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَكَانَ مَرْجِعُهَا إلَى اخْتِيَارِهِ فِي الْعَشَرَةِ وَفِي بَعْضِهِمْ وَ ( لَا ) يُجْزِئُهُ ( تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِإِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ ) بِأَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَأَطْعَمَ أَوْ كَسَا خَمْسَةَ مَسَاكِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ رَقَبَةً وَلَمْ يُطْعِمْ أَوْ يَكْسُو عَشَرَةَ مَسَاكِينَ .
( وَ ) كَذَا ( لَا ) يُجْزِئُ تَكْمِيلُ ( الطَّعَامِ ) أَوْ كِسْوَةٍ ( بِصَوْمٍ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَكْسُ أَوْ يُطْعِمْ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ( كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ ) فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا تَكْمِيلُ عِتْقٍ بِصَوْمٍ أَوْ إطْعَامٍ وَلَا تَكْمِيلٍ صَوْمٍ بِإِطْعَامٍ وَكَذَا لَا يُجْزِئُ هُنَا أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ بَعْضَ الطَّعَامِ وَيَكْسُوَهُ بَعْضَ الْكِسْوَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْهُ وَلَمْ يَكْسُهُ ( وَمَنْ مَالُهُ غَائِبٌ ) عَنْهُ ( يَسْتَدِينُ ) وَيُكَفِّرُ ( إنْ قَدَرَ ) عَلَى الِاسْتِدَانَةِ ( وَإِلَّا ) يَقْدِرُ عَلَيْهَا ( صَامَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ

( وَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَنَذْرٌ ) أَيْ إخْرَاجُهُمَا ( فَوْرًا بِحِنْثٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ ( وَإِخْرَاجُهَا ) أَيْ الْكَفَّارَةِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : الْحِنْثِ ( وَبَعْدَهُ ) فِي الْفَضِيلَةِ ( سَوَاءٌ ) وَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَفِي لَفْظٍ " رَأَيْتَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا وَلِأَنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَأَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ فِي الْقَتْلِ بَعْدَ الْجَرْحِ وَقَبْلَ الزُّهُوقِ وَالسَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ وَتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِهِ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ ( وَلَا تُجْزِئ ) كَفَّارَةٌ أُخْرِجَتْ ( قَبْلَ حَلِفٍ ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ

( وَمَنْ لَزِمَتْهُ أَيْمَانٌ مُوجِبُهَا وَاحِدٌ وَلَوْ عَلَى أَفْعَالٍ ) نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت كَذَا وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت كَذَا وَحَنِثَ فِي الْكُلِّ ( قَبْلَ تَكْفِيرٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ) نَصًّا لِأَنَّهَا كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ فَتَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ مِنْ جِنْسٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَحَالُّهَا كَمَا لَوْ زَنَى بِنِسَاءٍ أَوْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ ( وَكَذَا حَلَفَ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ ) أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا وَفَعَلَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ فَهِيَ كَالْحُدُودِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا ) أَيْ الْكَفَّارَةِ ( كَظِهَارٍ وَيَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَزِمَتَاهُ ) أَيْ : الْكَفَّارَتَانِ ( وَلَمْ تَتَدَاخَلَا ) لِاخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا

( وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا ) وَاحِدَةً ( عَلَى أَجْنَاسٍ ) مُخْتَلِفَةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا ذَهَبْت إلَى فُلَانٍ وَلَا كَلَّمْتُهُ وَلَا أَخَذْت مِنْهُ ( فَ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ) سَوَاءٌ ( حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي وَاحِدَةٍ وَتَنْحَلُّ ) الْيَمِينُ ( فِي الْبَقِيَّةِ ) لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَحِنْثُهَا وَاحِدٌ وَإِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى أَجْنَاسٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا بِعْت كَذَا وَاَللَّهِ لَاشْتَرَيْت كَذَا وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت كَذَا فَحَنِثَ فِي وَاحِدَةٍ وَكَفَّرَ ثُمَّ حَنِثَ فِي الْأُخْرَى لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ لِوُجُوبِهَا بِالْحِنْثِ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَكَفَّرَ ثُمَّ وَطِئَ فِيهِ أُخْرَى بِخِلَافِ مَا لَوْ حَنِثَ فِي الْكُلِّ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَلَيْسَ لِقِنٍّ أَنْ يُكَفِّرَ بِغَيْرِ صَوْمٍ ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ يُكَفِّرُ مِنْهُ ( وَلَا لِسَيِّدٍ مَنْعُهُ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِ الصَّوْمُ أَوْ لَا ( وَلَا ) لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ ( مِنْ ) صَوْمِ ( نَذْرٍ ) لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ ( وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ ) إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ( كَحُرٍّ ) كَامِلِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ قُدْرَةٍ أَوْ عَجْزٍ

( وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ ) لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ( وَلَوْ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ صَوْمٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَيُتَصَوَّرُ عِتْقُهُ لِلْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ : " اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ " فَيَفْعَلُ أَوْ يَكُونُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِنَحْوِ إرْثٍ .

بَابُ جَامِعِ الْإِيمَانِ أَيْ : مَسَائِلِهَا ( وَيُرْجَعُ فِيهَا ) أَيْ الْأَيْمَانِ ( إلَى نِيَّةِ حَالِفٍ ) فَهِيَ مَبْنَاهَا ابْتِدَاءً ( لَيْسَ بِهَا ) أَيْ : الْيَمِينِ أَوْ النِّيَّةِ ( ظَالِمًا ) نَصًّا مَظْلُومًا كَانَ أَوْ لَا وَأَمَّا الظَّالِمُ الَّذِي يَسْتَحْلِفُهُ حَاكِمٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ صَاحِبُهَا وَتَقَدَّمَ ( إذَا احْتَمَلَهَا ) أَيْ : النِّيَّةَ ( لَفْظُهُ ) أَيْ : الْحَالِفِ ( كَنِيَّتِهِ بِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ وَ ) كَنِيَّتِهِ ( بِالْفِرَاشِ وَ ) بِ ( الْبِسَاطِ الْأَرْضَ وَ ) كَنِيَّتِهِ ( بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ ) وَبِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَا ذَكَرْت فُلَانًا أَيْ قَطَعْت ذَكَرَهُ وَمَا رَأَيْته أَيْ : ضَرَبْت رِئَتَهُ .
( وَ ) كَنِيَّتِهِ ( بِنِسَائِي طَوَالِقُ أَقَارِبَهُ النِّسَاءَ وَ ) كَنِيَّتِهِ ( بِجِوَارِي أَحْرَارٌ سُفُنَهُ ) وَبِقَوْلِهِ مَا كَاتَبْت فُلَانًا مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ وَبِمَا عَرَفْته مَا جَعَلْته عَرِيفًا وَبِمَا أَعْلَمْته أَيْ جَعَلْته أَعْلَمَا أَيْ : شَقَقْت شَفَتَهُ وَبِمَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً أَيْ : شَجَرَةً صَغِيرَةً وَبِمَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً الْكُبَّةَ مِنْ الْغَزْلِ وَبِالْفَرُّوجَةِ الدِّرَاعَةَ وَبِالْفَرَاشِ صِغَارَ الْإِبِلِ وَالْحَصْرِ الْحَبْسَ وَبِالْبَارِيَةِ السِّكِّينَ يَبْرِي بِهَا وَنَحْرَهُ ( وَيُقْبَلُ حُكْمًا ) دَعْوَى إرَادَةِ مَا ذَكَرَهُ ( مَعَ قُرْبِ احْتِمَالِ ) مَنْوِيِّهِ ( مِنْ ظَاهِرِ ) لَفْظِهِ .
( وَ ) مَعَ ( تَوَسُّطِهِ ) أَيْ الِاحْتِمَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا ( فَيُقَدِّمُ ) مَا نَوَاهُ ( عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ ) لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ وَيَسُوغُ لُغَةً التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ فَانْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَيْهِ وَالْعَامُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } فَالنَّاسُ الْأَوَّلُ أُرِيدَ بِهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ .
وَالنَّاسُ الثَّانِي أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَكَقَوْلِهِ : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } وَلَمْ تُدَمِّرْ السَّمَاءَ وَلَا الْأَرْضَ وَلَا

مَسَاكِنَهُمْ وَالْخَاصُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } { لَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } - { فَإِذَنْ لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا } وَالْقِطْمِيرُ لُفَافَةُ النَّوَاةِ وَالْفَتِيلُ مَا فِي شِقِّهَا وَالنَّقِيرُ النَّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِهَا وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ بَلْ كُلَّ شَيْءٍ وَحَيْثُ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ وَجَبَ صَرْفُ الْيَمِينِ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ لِحَدِيثِ { إنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } وَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَتِهِ بِهِ فَكَذَا كَلَامُ غَيْرِهِ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَقَالَ أَرَدْت لَا أَدْخُلُ بَيْتًا فَلَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يَحْتَمِلُهَا لَفْظُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَاهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ بَعُدَ الِاحْتِمَالُ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى إرَادَتِهِ حُكْمًا وَيَدِينُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّأْوِيلِ

( وَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي مُخَاطَبَةِ لِغَيْرِ ظَالِمٍ ) وَلَوْ ( بِلَا حَاجَةٍ ) كَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ فَقَالَ مَا هُوَ هُنَا مُشِيرًا إلَى نَحْوِ كَفِّهِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ) حَالِفٌ ( شَيْئًا فَإِلَى سَبَبِ يَمِينٍ وَمَا هَيَّجَهَا ) لِدَلَالَتِهَا عَلَى النِّيَّةِ

( فَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا ) حَقَّهُ ( غَدًا فَقَضَاهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ إذْ قَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ ) أَيْ : الْغَدِ ( أَوْ اقْتِضَاءَ السَّبَبِ ) لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ السَّبَبِ فَحَيْثُ نَوَى الْقَضَاءَ قَبْلَ خُرُوجِ الْغَدِ وَدَلَّ السَّبَبُ عَلَيْهِ تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهِ ( وَكَذَا ) لَوْ حَلَفَ عَلَى ( أَكْلِ شَيْءٍ وَبَيْعِهِ وَفِعْلِهِ غَدًا ) فَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ أَوْ اقْتِضَاءِ السَّبَبِ فَفَعَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ لِتَرْكِهِ فِعْلَ مَا تَتَنَاوَلُهُ يَمِينُهُ لَفْظًا مِنْ عَدَمِ صَارِفٍ عَنْهُ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ شَعْبَانَ فَصَامَ رَجَبًا ( وَمَنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنه ) حَقَّهُ غَدًا ( أَوْ لَأَقْضِيَنَّهُ غَدًا أَوْ قَصَدَ مَطْلَهُ فَقَضَاهُ قَبْلَهُ حَنِثَ ) لِفِعْلِهِ خِلَافَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَفْظًا وَنِيَّةً

( وَ ) مَنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ ( لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمِائَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ أَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ .
( وَ ) لَوْ حَلَفَ ( لَا يَبِيعُهُ بِهَا ) أَيْ : مِائَةٍ ( حَنِثَ ) بِبَيْعِهِ ( بِهَا ) أَيْ : الْمِائَةِ ( وَبِأَقَلَّ ) مِنْهَا لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِي هَذَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ بَيْعِهِ بِدُونِ الْمِائَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَنْقُصُ هَذَا الثَّوْبُ عَنْ مِائَةٍ فَقَالَ أَخَذْته بِالْمِائَةِ لَكِنْ هَبْ لِي كَذَا فَقَالَ أَحْمَدُ هَذَا حِيلَةٌ قِيلَ لَهُ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَبِيعُك بِكَذَا وَهَبْ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَقَالَ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَكَرِهَهُ وَلَوْ حَلَفَ لَاشْتَرَيْته بِمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ حَنِثَ لَا بِأَقَلَّ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ دَارًا فَقَالَ نَوَيْت الْيَوْمَ قُبِلَ ) مِنْهُ ( حُكْمًا ) لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَلَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ ( فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ ) لِلدَّارِ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ : غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي نَوَاهُ لِتَعَلُّقِ قَصْدِهِ بِمَا نَوَاهُ فَاخْتَصَّ الْحِنْثُ بِهِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا وَنَحْوَهُ وَنَوَى مُعَيَّنًا أَوْ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ ( وَمَنْ دُعِيَ لِغَدَاءٍ فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ ) إنْ تَغَدَّى ( بِغَدَاءِ غَيْرِهِ إنْ قَصَدَهُ ) .
قُلْت أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ سَبَبُ الْيَمِينِ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُ لَهُ ) أَيْ لِفُلَانٍ ( الْمَاءَ مِنْ عَطَشٍ وَنِيَّتُهُ أَوْ السَّبَبُ قَطْعُ مِنَّتِهِ حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ وَكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ ) لِأَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } ( وَلَا ) يَحْنَثُ ( بِأَقَلَّ مِنْهُ كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ ) وَظِلِّ حَائِطِهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا نِيَّةَ

( وَ ) إنْ حَلَفَ عَلَى نَحْوِ امْرَأَتِهِ ( لَا تَخْرُجُ لِلتَّعْزِيَةِ وَلَا لِلتَّهْنِئَةِ وَنَوَى أَنْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا فَخَرَجَتْ لِغَيْرِهِمَا ) حَنِثَ لِلْمُخَالَفَةِ لُغَةً ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَلْبِسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا قَطْعًا لِلْمِنَّةِ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا ) وَلَبِسَهُ ( أَوْ انْتَفَعَ بِهِ ) أَيْ بِثَمَنِهِ ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ تَلْحَقُ فِيهِ الْمِنَّةُ وَكَذَا لَوْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ قَطْعًا لِلْمِنَّةِ بِهِ فَانْتَفَعَ بِهِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ حَنِثَ وَ ( لَا ) حِنْثَ ( إنْ انْتَفَعَ بِغَيْرِهِ ) أَيْ : الثَّوْبِ مِنْ مَالِهَا غَيْرِ الْغَزْلِ وَثَمَنِهِ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تَتَنَاوَلُهُ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( عَلَى شَيْءٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَانْتَفَعَ بِهِ هُوَ ) أَيْ الْحَالِفُ ( أَوْ ) انْتَفَعَ بِهِ ( وَاحِدٌ مِمَّنْ فِي كَنَفِهِ ) أَيْ : حِيَازَتِهِ وَتَحْتَ نَفَقَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ وَلَدٍ صَغِيرٍ ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِهِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ ( لَا يَأْوِي مَعَهَا بِدَارٍ سَمَّاهَا يَنْوِي جَفَاءَهَا وَلَا سَبَبَ ) يَخُصُّ الدَّارَ فَآوَى مَعَهَا فِي ( غَيْرِهَا ) أَيْ : غَيْرِ الدَّارِ الَّتِي سَمَّاهَا ( حَنِثَ ) لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ جَفَائِهَا إلْغَاءً لِذِكْرِ الدَّارِ مَعَ عَدَمِ السَّبَبِ لِدَلَالَةِ نِيَّةِ الْجَفَاءِ عَلَيْهِ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا { كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْتِقْ رَقَبَةً } فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذِكْرُ أَهْلِهِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ حُذِفَ مِنْ السَّبَبِ وَجُعِلَ السَّبَبُ الْوِقَاعَ سَوَاءٌ كَانَ لِأَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ ، فَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ أَثَرٌ فِي يَمِينِهِ كَكَرَاهَتِهِ سُكْنَاهَا أَوْ مُخَاصَمَتِهِ أَهْلَهَا لَهُ ، أَوْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ إنْ آوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا عَلَيْهِ حَلَفَ وَإِنْ عَدِمَ السَّبَبَ وَالنِّيَّةَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْإِيوَاءِ مَعَهَا فِي تِلْكَ الدَّارِ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ وَلَا صَارِفَ لَهُ عَنْهُ ( وَأَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةٌ ) أَيْ : لَحْظَةٌ ، فَمَتَى حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ فَدَخَلَهَا مَعَهَا حَنِثَ قَلِيلًا كَانَ لُبْثُهُمَا أَوْ كَثِيرًا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فَتَى مُوسَى ؛ { أَرَأَيْتَ إذْ أَوَيْنَا إلَى الصَّخْرَةِ } يُقَالُ آوَيْت أَنَا ، وَآوَيْت غَيْرِي قَالَ تَعَالَى : { إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلَى الْكَهْفِ } وَقَالَ : { وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ } .
( وَ ) لَوْ حَلَفَ ( لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي هَذَا الْعِيدِ حَنِثَ بِدُخُولِهِ مَعَهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا ) بِدُخُولِهِ ( بَعْدَهَا ) لِانْقِضَائِهَا بِصَلَاتِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَنْ يُكَبِّرُوا حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ عِيدِهِمْ أَيْ : مِنْ صَلَاتِهِمْ ( وَإِنْ قَالَ ) وَاَللَّهِ لَا آوَيْت مَعَهَا ( أَيَّامَ الْعِيدِ أُخِذَ ) الْحَالِفُ ( بِالْعُرْفِ ) فَيَحْنَثُ بِدُخُولِهِ مَعَهَا فِي يَوْمٍ يُعَدُّ مِنْ أَيَّامِ الْعِيدِ

عُرْفًا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِهِ لَا بَعْدَ ذَلِكَ .
( وَ ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ ( لَا عُدْت رَأَيْتُك تَدْخُلِينَهَا ) أَيْ دَارَ كَذَا ( يَنْوِي مَنْعَهَا ) مِنْ دُخُولِهَا ( فَدَخَلَتْهَا حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَرَهَا ) دَاخِلَتَهَا إلْغَاءً لِقَوْلِ رَأَيْتُك لِمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) إنْ قَالَ لَهَا : وَاَللَّهِ ( لَا تَرَكْت هَذَا ) الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ ( يَخْرُجُ فَأَفَلَتْ فَخَرَجَ أَوْ قَامَتْ تُصَلِّي ) فَخَرَجَ ( أَوْ ) قَامَتْ ( لِحَاجَةٍ فَخَرَجَ فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَخْرُجَ حَنِثَ ) بِخُرُوجِهِ إلْغَاءً لِقَوْلِهِ : تَرَكْت لِمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا تَدَعَهُ يَخْرُجُ فَلَا ) حِنْثَ لِعَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْرُكْهُ .
قُلْت وَالسَّبَبُ كَالنِّيَّةِ فِيهِمَا وَإِنْ عَدِمَتْ النِّيَّةَ وَالسَّبَبَ فَلَا حِنْثَ أَيْضًا .

فَصْلٌ وَالْعِبْرَةُ فِي الْيَمِينِ ( بِخُصُوصِ السَّبَبِ ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى النِّيَّةِ ( لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ ) فَيَتَقَدَّمُ خُصُوصُ السَّبَبِ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا الظُّلْمُ ) مَوْجُودٌ ( فِيهَا فَزَالَ ) الظُّلْمُ مِنْهَا وَدَخَلَهَا بَعْدَ زَوَالٍ لَمْ يَحْنَثْ ( أَوْ حَلَفَ لِوَالٍ ) مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ ( لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ ) فَعُزِلَ ( أَوْ ) حَلَفَ لَهُ ( لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَنَحْوِهِ ) فَلَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِهِ ( فَعُزِلَ أَوْ ) حَلَفَ عَلَى ( زَوْجَتِهِ ) لَا تَفْعَلْ كَذَا إلَّا بِإِذْنِهِ ( فَطَلَّقَهَا أَوْ ) حَلَفَ ( عَلَى رَقِيقِهِ ) لَا يَفْعَلْ كَذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ ( فَأَعْتَقَهُ وَنَحْوَهُ ) كَأَنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى أَجِيرِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا إلَّا بِإِذْنِهِ فَانْقَضَتْ إجَارَتُهُ ( لَمْ يَحْنَثْ ) خَالَفَ ( بِذَلِكَ ) أَيْ : بِالْمُخَالَفَةِ لَمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ ( بَعْدَ ) زَوَالِ الظُّلْمِ أَوْ الْعَزْلِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ تَقْدِيمًا لِلسَّبَبِ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ ( وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ) حَالِفٌ ( مَا دَامَ ) الْأَمْرُ ( كَذَلِكَ ) لِأَنَّ الْحَالَ يَصْرِفُ الْيَمِينَ إلَيْهِ .
( وَالسَّبَبُ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ كَدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ ، وَلَوْ نَوَى الْخُصُوصَ لَاخْتَصَّتْ بِيَمِينِهِ .
فَكَذَا إذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ) إلَّا إذَا وُجِدَ مَحْلُوفٌ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ تُرِكَ مَحْلُوفٌ عَلَى فِعْلِهِ ( حَالَ وُجُودِ صِفَةٍ عَادَتْ ) بِأَنْ عَادَ الظُّلْمُ فَدَخَلَ وَهُوَ مَوْجُودٌ أَوْ عَادَ الْوَالِي لِوِلَايَتِهِ فَرَأَى مُنْكَرًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ ، أَوْ عَادَتْ الْمَرْأَةُ لِنِكَاحِهِ أَوْ الرَّقِيقُ لِمُلْكِهِ أَوْ الْأَجِيرُ وَفَعَلَ مَا كَانَ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَيَحْنَثُ لِعَوْدِ الصِّفَةِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ ( فَلَوْ رَأَى ) مَنْ حَلَفَ لِوَالٍ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ ( الْمُنْكَرَ فِي وِلَايَتِهِ وَأَمْكَنَ رَفْعُهُ ) الْمُنْكَرَ إلَيْهِ ( وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى عُزِلَ حَنِثَ بِعَزْلِهِ )

لِلْيَأْسِ مِنْ رَفْعِهِ إلَيْهِ ظَاهِرًا ( وَلَوْ رَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ ) عَزْلِهِ لِفَوَاتِ رَفْعِهِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهُ لَمْ يَحْنَثْ ( وَلَوْ مَاتَ ) الْوَالِي ( قَبْلَ إمْكَانِ رَفْعِهِ إلَيْهِ حَنِثَ ) لِفَوَاتِ الرَّفْعِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ ( وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَالِي إذَنْ ) بِأَنْ حَلَفَ لَا أَرَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته لِذِي الْوِلَايَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَنْ كَانَ وَالِيًا حِينَ الْحَلِفِ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْحَبْسِ ، فَإِنْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ بَرَّ بِرَفْعِهِ لِمَنْ يَلِي بَعْدَهُ ( وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ ) حَالِفٌ ( بِهِ ) أَيْ : الْمُنْكِرِ ( إلَّا بَعْدَ عِلْمِ الْوَالِي ) بِالْمُنْكَرِ سَوَاءٌ عَيَّنَهُ فِي حَلِفِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ( فَاتَ الْبِرُّ ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى إرَادَةِ إعْلَامِهِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَهُ ( وَلَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ رَآهُ ) الْحَالِفُ ( مَعَهُ ) أَيْ : الْوَالِي فَيَفُوتُ الْبِرُّ وَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْحَالِفَ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّفْعِ كَالْمُكْرَهِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لِلِّصِّ لَا يُخْبِرُ بِهِ أَوْ يَغْمِزُ عَلَيْهِ فَسُئِلَ عَمَّنْ هُوَ مَعَهُمْ فَبَرَّأَهُمْ دُونَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَيْهِ حَنِثَ ) لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِخْبَارِ بِهِ أَوْ الْغَمْزِ عَلَيْهِ ( إنْ لَمْ يَنْوِ ) حَالِفٌ ( حَقِيقَةَ النُّطْقِ أَوْ الْغَمْزِ ) فَإِنْ نَوَاهُمَا فَلَا حِنْثَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَيَتَزَوَّجَنَّ يَبَرُّ بِعَقْدٍ ) نِكَاحٍ ( صَحِيحٍ ) لَا فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَحِلُّ بِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى زَوْجَتِهِ ( وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ ) هَيَّجَ يَمِينَهُ ( يَبَرُّ بِدُخُولِهِ بِ ) زَوْجَتِهِ ( نَظِيرَتِهَا ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْيَمِينِ قَصْدُ إغَارَتِهَا بِذَلِكَ وَالتَّضْيِيقُ عَلَيْهَا فِي حُقُوقِهَا مِنْ قَسْمٍ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ مَنْ يُسَاوِيهَا فِي حَقِّ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا بِالدُّخُولِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْيَمِينِ بِدُونِهِ ( أَوْ ) بِدُخُولِهِ ( بِمَنْ تَغُمُّهَا أَوْ تَتَأَذَّى بِهَا ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَظِيرَتُهَا وَاعْتُبِرَ فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى فِي الْجِهَازِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ دُخُولًا .
( وَ ) إنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ ( لَيُطَلِّقَنَّ ضَرَّتَهَا فَطَلَّقَهَا ) طَلَاقًا ( رَجْعِيًّا بَرَّ ) لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا ( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يُكَلِّمُهَا هَجْرًا فَوَطِئَهَا حَنِثَ ) لِزَوَالِ الْهَجْرِ بِهِ وَيَزُولُ أَيْضًا بِالسَّلَامِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ تَمْرًا لِحَلَاوَتِهِ حَنِثَ بِكُلِّ حُلْوٍ بِخِلَافِ أَعْتَقْتُهُ ) لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ فَيَعْتِقُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ السَّوَادُ لَا تَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَنْ يَعْتِقُ فَقَدْ يَكُونُ الْعَتِيقُ أَبْيَضَ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فِي التَّمْرِ وَهِيَ الْحَلَاوَةُ لِاطِّرَادِهَا فِي كُلِّ حُلْوٍ يُؤْكَلُ وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو خَطَّابٍ لِأَنَّ عِلَّتَهُ يَجُوزُ أَنْ تُنْتَقَضَ .
وَقَوْلُهُ : لَا يَطَّرِدُ ( أَوْ ) أَيْ : وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ ( أَعْتِقْهُ ) أَيْ : عَبْدِي فُلَانًا ( لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ فَلَا يَتَجَاوَزُهُ ) بِالْعِتْقِ لِجَوَازِ الْمُنَاقَضَةِ عَلَيْهِ وَالْبِذَا

( وَإِنْ قَالَ ) لِشَخْصٍ ( إذَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ لِعِلَّةٍ فَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ مَالِي وَجَدْت فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةَ ثُمَّ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدِي فُلَانًا ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ صَحَّ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ ) وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ ، لِأَنَّهُ تَعَبَّدَنَا بِالْقِيَاسِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ لِشَخْصٍ ( لَا يُعْطِي فُلَانًا إبْرَةٍ يُرِيدُ عَدَمَ تَعَدِّيهِ فَأَعْطَاهُ سِكِّينًا حَنِثَ ) لِأَنَّ الْمَعْنَى مَنَعَهُ مِنْ إعْطَائِهِ مَا يَتَعَدَّى بِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ بِإِعْطَاءِ السِّكِّينِ ( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ تَرَكَهُ ) أَيْ شُرْبَ الْخَمْرِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا دَامَ يَشْرَبُهُ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ ( وَلَا يُقْبَلُ تَعْلِيلٌ بِكَذِبٍ ) لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ ( فَمَنْ قَالَ لِقِنِّهِ وَهُوَ ) أَيْ قِنُّهُ ( أَكْبَرُ مِنْهُ أَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّك ابْنِي وَنَحْوَهُ ) كَأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّك أَبِي ( أَوْ ) قَالَ ( لِامْرَأَتِهِ ) وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ : أَنْتِ ( طَالِقٌ لِأَنَّك جَدَّتِي وَقَعَا ) أَيْ : الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لِصُدُورِهِمَا مِنْ أَهْلِهِمَا فِي مَحَلِّهِمَا .

فَصْلٌ فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ أَيْ : مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ ( رَجَعَ إلَى التَّعَيُّنِ ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى مُسَمَّاهُ لِنَفْيِهِ الْإِبْهَامَ بِالْكُلِّيَّةِ ( فَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَدَخَلَهَا وَقَدْ بَاعَهَا أَوْ ) دَخَلَهَا ( وَهِيَ فَضَاءٌ أَوْ ) وَهِيَ ( مَسْجِدٌ أَوْ ) وَهِيَ ( حَمَّامٌ أَوْ لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَلَبِسَهُ وَهُوَ رِدَاءٌ أَوْ ) لَبِسَهُ وَهُوَ ( عِمَامَةٌ أَوْ ) وَهُوَ ( سَرَاوِيلُ ) حَنِثَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا كَلَّمْت هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخًا أَوْ ) حَلَفَ لَا كَلَّمْت ( امْرَأَةَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ ) حَلَفَ لَا كَلَّمْت ( عَبْدَ ) أَيْ : عَبْدَهُ فُلَانٌ هَذَا ( أَوْ ) حَلَفَ لَا كَلَّمْت ( صَدِيقَهُ هَذَا فَزَالَ ذَلِكَ ) بِأَنْ بَانَتْ الزَّوْجَةُ وَزَالَ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ وَصَدَاقَتُهُ لِلْمُعَيَّنِ ( ثُمَّ كَلَّمَهُمْ ) حَنِثَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا أَكَلْت لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ ( فَصَارَ كَبْشًا أَوْ ) حَلَفَ لَا أَكَلْت ( هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ ) صَارَ ( دِبْسًا أَوْ خَلًّا أَوْ ) حَلَفَ لَا أَكَلْت ( هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْنًا وَنَحْوُهُ ) بِأَنْ صَارَ أَقِطًا ( ثُمَّ أَكَلَهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا سَبَبَ ) يَخُصُّ الْحَالَةَ الْأُولَى ( حَنِثَ ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَحَلِفِهِ لَا لَبِسْت هَذَا الْغَزْلَ فَصَارَ ثَوْبًا ( كَقَوْلِهِ ) وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت ( دَارَ فُلَانٍ فَقَطْ ) أَيْ : وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَكَقَوْلِ لَا أَكَلْت هَذَا ( التَّمْرَ الْحَدِيثِ فَعَتُقَ أَوْ ) لَا كَلَّمْت ( هَذَا الرَّجُلَ الصَّحِيحَ فَمَرِضَ : وَكَالسَّفِينَةِ ) إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا ( فَتُنْقَضُ ثُمَّ تُعَادُ ) وَيَدْخُلُهَا ( وَكَالْبَيْضَةِ ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا ( فَتَصِيرُ فَرْخًا ) فَيَأْكُلُهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت صَاحِبَ الطَّيْلَسَانِ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ ( أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ أَوْ التُّفَّاحَةِ فَعَمِلَ مِنْهَا ) أَيْ التُّفَّاحَةَ ( شَرَابًا أَوْ ) عَمِلَ بِالْبَيْضَةِ (

نَاطِفًا فَأَكَلَهُ بَرَّ ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّعْيِينَ أَبْلَغُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى ( وَكَهَاتَيْنِ ) أَيْ : الْبَيْضَةِ وَالتُّفَّاحَةِ ( نَحْوُهُمَا ) فَمَنْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَعُمِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا وَدَخَلَهَا بَرَّ .

فَصْلٌ فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَالتَّعْيِينِ ( رَجَعَ ) فِي الْيَمِينِ ( إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ ) وَلَا صَارِفَ عَنْهُ ( وَيُقَدَّمُ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ ( شَرْعِيٌّ فَعُرْفِيٌّ فَلُغَوِيٌّ ) فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُسَمًّى وَاحِدٌ كَسَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَرَجُلٍ وَإِنْسَانٍ وَنَحْوِهَا انْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مُسَمَّاهُ بِلَا خِلَافٍ ( ثُمَّ ) الِاسْمُ ( الشَّرْعِيُّ مَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا وَمَوْضُوعٌ لُغَةً كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ ) كَالْعُمْرَةِ وَالْوُضُوءِ وَالْبَيْعِ ( فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ ) عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَرْكِهِ ( تَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ ) لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِعِ حَيْثُ لَا صَارِفَ ( وَيَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا ( فَمَنْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ أَوْ ) حَلَفَ لَا ( يَبِيعُ أَوْ ) حَلَفَ لَا ( يَشْتَرِي وَالشَّرِكَةُ ) شِرَاءٌ ( وَالتَّوْلِيَةُ ) شِرَاءٌ ( وَالسَّلَمُ ) شِرَاءٌ ( وَالصُّلْحُ عَلَى مَالِ شِرَاءٍ فَعَقَدَ عَقْدًا فَاسِدًا ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَإِنَّمَا أَحَلَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ .
وَكَذَا النِّكَاحُ وَغَيْرُهُ ( لَا إنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ فَحَجَّ حَجًّا فَاسِدًا ) فَيَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ فَاعْتَمَرَ عُمْرَةً فَاسِدَةً حَنِثَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا وَكَوْنُهُ كَالصَّحِيحِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيَلْزَمُ مِنْ فِدْيَةٍ وَيَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فَفَعَلَ وَلَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ كَاللَّازِمِ ( وَلَوْ قَيَّدَ ) حَالِفٌ ( يَمِينَهُ بِمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ ) لَا

يَبِيعُ ( الْخَمْرَ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتنِيهِ ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَوْ ) قَالَ لَهَا ( إنْ طَلَّقْت فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ ) أَيْ : سَرَقَتْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَاعَتْهُ إيَّاهُ ( أَوْ فَعَلَ ) هُوَ بِأَنْ بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ الْحُرَّ أَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ ( حَنِثَ بِصُورَةِ ذَلِكَ ) لِتَعَذُّرِ الصَّحِيحِ فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ كَالْحَقِيقَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ بِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَجَازِهِ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَا بَاعَ الْخَمْرَ أَوْ الْحُرَّ أَوْ طَلَّقَ الْأَجْنَبِيَّةَ ( وَمَنْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَعْتَمِرُ حَنِثَ ) حَالِفٌ لَا يَحُجُّ ( بِإِحْرَامٍ بِهِ أَوْ ) أَيْ : وَحَنِثَ حَالِفٌ لَا يَعْتَمِرُ بِإِحْرَامٍ ( بِهَا ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَصُومُ ) حَنِثَ ( بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ ) فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَوْ نَفْلًا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ فَإِذَا صَامَ يَوْمًا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ حَنِثَ مُنْذُ شَرَعَ فَلَوْ كَانَ حَلِفُهُ بِطَلَاقٍ وَوَلَدَتْ بَعْدَهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَ حَلِفُهُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ وَمَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَرِثْهَا .
قُلْت فَإِنْ مَاتَ هُوَ أَوْ بَطَلَ الصَّوْمُ فَلَا حِنْثَ لِتَبَيُّنِ أَنْ لَا صَوْمَ فَإِنْ كَانَ حَالَ حَلِفِهِ لَا يَصُومُ أَوْ يَحُجُّ وَنَحْوِهِ صَائِمًا أَوْ حَاجًّا فَاسْتَدَامَهُ حَنِثَ كَمَا يَأْتِي خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يُصَلِّي ) حَنِثَ ( بِالتَّكْبِيرِ ) أَيْ : تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ( وَلَوْ عَلَى جِنَازَةٍ ) لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( مَنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُصَلِّي صَلَاةً حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ وَهُوَ رَكْعَةٌ لِأَنَّهُ لِمَا قَالَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً اُعْتُبِرَ فِعْلُ صَوْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ

صَلَاةٍ كَذَلِكَ وَأَقَلُّهُمَا مَا ذُكِرَ ( كَ ) مَا لَوْ حَلَفَ ( لَيَفْعَلَنَّ ) كَذَا وَلَيَصُومَنَّ أَوْ لَيُصَلِّيَنَّ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةِ رَكْعَةٍ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَيَبِيعَنَّ كَذَا فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ أَوْ نَسِيئَةٍ بَرَّ ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَهَبُ أَوْ ) حَلَفَ لَا ( يُهْدِي أَوْ ) حَلَفَ لَا ( يُوصِي أَوْ ) لَا ( يَتَصَدَّقُ أَوْ ) لَا ( يُعِيرُ حَنِثَ بِفِعْلِهِ ) أَيْ إيجَابِهِ لِذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا عِوَضَ فِيهَا فَمُسَمَّاهَا الْإِيجَابُ فَقَطْ وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ لِنَقْلِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ السَّبَبِ وَيَشْهَدُ لِلْوَصِيَّةِ قَوْله تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } الْآيَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الْإِيجَابُ دُونَ الْقَبُولِ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهَا فِي مَعْنَاهَا بِجَامِعِ عَدَمِ الْعِوَضِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ) فُلَانًا ( أَوْ ) لَا ( يُؤَجِّرُ ) فُلَانًا ( أَوْ ) لَا ( يُزَوِّجُ فُلَانًا حَتَّى يَقْبَلَ فُلَانٌ ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَلَا إجَارَةً وَلَا تَزْوِيجًا إلَّا بَعْدَ الْقَبُولِ .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَهَبُ زَيْدًا ) شَيْئًا ( فَأَهْدَى إلَيْهِ ) شَيْئًا ( أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا وَحَابَاهُ ) فِيهِ ( أَوْ وَقَفَ ) عَلَيْهِ ( أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ حَنِثَ ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ كَانَتْ ) الصَّدَقَةُ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ ( وَاجِبَةً ) كَالزَّكَاةِ ( أَوْ ) كَانَتْ ( مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ ضَيَّفَهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ ) مِنْ ضِيَافَةٍ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى هِبَةً ( أَوْ أَبْرَأَهُ ) مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ ( أَوْ أَعَارَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ ) فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ فَهُمَا غَيْرَانِ ( أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ ) فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْهِبَةِ وَلَا يَحْنَثُ حَالِفٌ عَلَى نَوْعٍ بِفِعْلِ نَوْعٍ آخَرَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَتَصَدَّقُ فَأَطْعَمَ عِيَالَهُ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَدَقَةً عُرْفًا وَإِطْلَاقُ اسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ كَالصَّدَقَةِ ( وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَهَبُ لَهُ ) أَيْ : فُلَانٍ شَيْئًا ( بَرَّ بِالْإِيجَابِ ) لِلْهِبَةِ سَوَاءٌ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ لَا ( كَيَمِينِهِ ) أَيْ : كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّ لَهُ فَأَوْجَبَ لَهُ الْهِبَةَ فَإِنَّهُ يَبَرُّ مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ .

فَصْلٌ وَالِاسْمُ الْعُرْفِيُّ مَا اشْتَهَرَ مَجَازُهُ حَتَّى غَلَبَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ( كَالرَّاوِيَةِ ) حَقِيقَةً فِي الْجَمَلِ يُسْتَسْقَى عَلَيْهِ وَعُرْفًا لِلْمَزَادَةِ ( وَ ) كَ ( الظَّعِينَةِ ) حَقِيقَةً النَّاقَةُ يَظْعَنُ عَلَيْهَا وَعُرْفًا الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ .
( وَ ) كَ ( الدَّابَّةِ ) حَقِيقَةً مَا دَبَّ وَدَرَجَ وَعُرْفًا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ ( وَ ) كَ ( الْغَائِطِ ) حَقِيقَةً الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ وَعُرْفًا الْخَارِجُ الْمُسْتَقْذَرُ ( وَ ) كَ ( الْعَذِرَةِ ) حَقِيقَةً فِنَاءُ الدَّارِ وَعُرْفًا الْغَائِطُ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِمَّا غَلَبَ مَجَازُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَالْعَيْشِ ( وَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ ) فِيهِ ( بِالْعُرْفِ دُونَ الْحَقِيقَةِ ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مَهْجُورَةً فَلَا يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ ( فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عَيْشًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ ) لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَالْعَيْشُ لُغَةً الْحَيَاةُ .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ حَنِثَ بِجِمَاعِهَا ) أَيْ : الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ عُرْفًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ كَانَ مُولِيًا ( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَتَسَرَّى حَنِثَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ ) مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّسَرِّيَ مَأْخُوذٌ مِنْ السِّرِّ وَهُوَ الْوَطْءُ قَالَ تَعَالَى { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } وَقَالَ الشَّاعِرُ : أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِنْزَالُ كَسَائِرِ أَحْكَامِ الْوَطْءِ .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَطَأُ دَارًا وَلَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ حَنِثَ بِدُخُولِهَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَحَافِيًا وَمُنْتَعِلًا ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ الْقَصْدَ امْتِنَاعُهُ مِنْ دُخُولِهَا وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ ) لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا عُرْفًا .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَرْكَبُ أَوْ ) لَا ( يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ ) مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ ( بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَرْكُوبًا لِقَوْلِهِ

تَعَالَى : { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا } - { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ } .
( وَ ) حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا بِ ( دُخُولِ مَسْجِدٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } - { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } ( وَ ) بِدُخُولِ ( حَمَّامٍ ) لِحَدِيثِ { بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
( وَ ) بِدُخُولِ ( بَيْتِ شَعْرٍ وَ ) بَيْتِ ( أُدُمٍ وَخَيْمَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا } الْآيَةَ وَالْخَيْمَةُ فِي مَعْنَى بَيْتِ الشَّعْرِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِ ) دُخُولِ ( صِفَةِ دَارٍ وَدِهْلِيزِ ) هَا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ الْبَيْتُوتَةِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَضْرِبُ فُلَانَةَ فَخَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ ) لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ بِالضَّرْبِ وَهُوَ التَّأَلُّمُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بَرَّ لَكِنْ إنْ كَانَ الْعَضُّ تَلَذُّذًا لَا يَقْصِدُ التَّأْلِيمَ فَلَيْسَ كَالضَّرْبِ حُكْمًا فِيهِمَا .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَشَمُّ الرَّيْحَانَ فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا أَوْ يَاسَمِينًا ) وَلَوْ يَابِسًا حَنِثَ وَكَذَا لَوْ شَمَّ زَنْبَقًا أَوْ نِسْرِينًا أَوْ نَرْجِسًا وَنَحْوَهُ مِنْ كُلِّ زَهْرِ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ وَقَالَ الْقَاضِي تَخْتَصُّ يَمِينُهُ بِالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ لِأَنَّهُ مُسَمَّاهُ عُرْفًا .
قَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشَمُّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا فَشَمَّ دُهْنَهُمَا أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ ) حَنِثَ لِأَنَّ الشَّمَّ لِلرَّائِحَةِ دُونَ الذَّاتِ وَالرَّائِحَةُ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشَمُّ طِيبًا فَشَمَّ نَبْتًا رِيحُهُ طَيِّبٌ ) كَالْحُزَامِيِّ حَنِثَ لِطِيبِ رَائِحَتِهِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَازْدَرْدَهُ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَذَاقَهُ حَنِثَ ) لِأَنَّ الذَّوْقَ عُرْفًا الْأَكْلُ يُقَالُ مَا ذُقْت لِزَيْدٍ طَعَامًا أَيْ : أَكَلْت وَظَاهِرُ الْمُغْنِي لَا .
قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ .
( تَتِمَّةٌ ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمَغْنَى فِي أَلْ

الْجِنْسِيَّةِ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ

فَصْلٌ وَالِاسْمُ اللُّغَوِيُّ مَا لَمْ يَغْلِبْ مَجَازُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ( فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ ) لَحْمِ ( سَمَكٍ وَ ) أَكْلِ ( لَحْمِ مُحَرَّمٍ ) كَغَيْرِ مَأْكُولٍ لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى اللَّحْمِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِمَرَقِ لَحْمٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَحْمًا ( وَلَا ) بِأَكْلِ ( مُخٍّ وَكَبِدٍ وَكُلْيَةٍ وَشَحْمِهِمَا وَشَحْمِ تَرْبٍ ) بِوَزْنِ فَلْسٍ شَحْمٌ رَقِيقٌ يَغْشَى الْمِعَاءَ وَتَقَدَّمَ ( وَ ) لَا بِأَكْلِ ( كَرِشٍ وَمُصْرَانٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ وَأَلْيَةٍ وَدِمَاغٍ وَقَانِصَةٍ وَشَحْمٍ وَكَارِعٍ وَلَحْمِ رَأْسٍ وَلِسَانٍ ) لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى كَبْشًا مِنْ ذَلِكَ وَبَائِعُ الرَّأْسِ يُسَمَّى رَأْسًا لَا لَحَّامًا وَحَدِيثِ { أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ لَيْسَا بِلَحْمٍ وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ كَانَ بِنِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ فَكَمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا بِنِيَّةِ اجْتِنَابِ الدَّسَمِ ) فَيَحْنَثُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَا لَوْ اقْتَضَاهُ السَّبَبُ ( وَ )

مَنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أَوْ الْجَنْبِ أَوْ ) أَكَلَ ( سَمِينَهُمَا أَوْ الْأَلْيَةِ أَوْ السَّنَامِ حَنِثَ ) لِأَنَّ الشَّحْمَ مَا يَذُوبُ مِنْ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا عَلَى الظَّهْرِ مِنْ ذَلِكَ شَحْمًا بِقَوْلِهِ { وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } الْآيَةَ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا ( إنْ أَكَلَ لَحْمًا أَحْمَرَ ) وَكَذَا لَحْمٌ أَبْيَضُ عَلَى مَا فِي شَرْحِهِ لَكِنْ صُحِّحَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَا بِكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَرَأْسٍ وَكُلْيَةٍ وَقَلْبٍ وَقَانِصَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ بِشَحْمٍ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَأَكَلَهُ وَلَوْ مِنْ صَيْدٍ أَوْ ) مِنْ ( آدَمِيَّةٍ حَنِثَ ) لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَسَوَاءٌ كَانَ حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا مَائِعًا أَوْ جَامِدًا قُلْت وَلَوْ مُحَرَّمًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا ( إنْ أَكَلَ زُبْدًا أَوْ سَمْنًا أَوْ كِشْكًا أَوْ مَصْلًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ نَحْوَهُ ) مِمَّا يُعْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ وَيَخْتَصُّ بِاسْمٍ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى اللَّبَنِ وَالْمَصْلِ وَالْمَصْلَةُ مَا سَالَ مِنْ الْأَقِطِ إذَا طُبِخَ ثُمَّ عُصِرَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَالْأَقِطُ بِكَسْرِ الْقَافِ اللَّبَنُ الْمُجَفَّفُ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ زُبْدًا أَوْ ) لَا يَأْكُلُ ( سَمْنًا فَأَكَلَ الْآخَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ ) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمًا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ حَنِثَ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُهُمَا ) أَيْ : الزُّبْدَ وَالسَّمْنَ ( فَأَكَلَ لَبَنًا ) لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي مُسَمَّاهُ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ رَأْسًا وَلَا بَيْضًا حَنِثَ بِأَكْلِ رَأْسِ طَيْرٍ وَ ) رَأْسِ ( سَمَكٍ وَ ) رَأْسِ ( جَرَادٍ وَبَيْضِ ذَلِكَ ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الرَّأْسِ وَالْبَيْضِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ لَا يَعُمُّ وَلَدًا وَ ) لَا ( لَبَنًا ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَجْزَائِهَا

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَاسْتَفَّهُ أَوْ خَبَزَهُ وَأَكَلَهُ حَنِثَ ) لِفِعْلِهِ مَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً حَنِثَ بِأَكْلِ بِطِّيخٍ ) لِأَنَّهُ يَنْضَجُ وَيَحْلُو وَيَتَفَكَّهُ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْفَاكِهَةِ وَسَوَاءٌ الْأَصْفَرُ وَغَيْرُهُ ( وَ ) بِأَكْلِ ( كُلِّ ثَمَرِ شَجَرٍ غَيْرِ بَرِّيٍّ ) كَبَلَحٍ وَعِنَبٍ وَرُمَّانٍ وَتُفَّاحٍ وَكُمَّثْرَى وَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ وَسَفَرْجَلٍ وَتُوتٍ وَتِينٍ وَمَوْزٍ وَأُتْرُجٍّ وَجُمَّيْزٍ وَعَطَفَ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ عَلَى الْفَاكِهَةِ فِي قَوْله تَعَالَى : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } لِلتَّشْرِيفِ لَا لِلْمُغَايَرَةِ كَقَوْلِهِ { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } ( وَ ) لَوْ كَانَ ثَمَرُ الشَّجَرِ غَيْرِ الْبَرِّيِّ ( يَابِسًا كَصَنَوْبَرٍ وَعُنَّابٍ وَجَوْزٍ وَلَوْز وَبُنْدُقٍ وَفُسْتُقٍ وَتَمْرٍ وَتُوتٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ وَمِشْمِشٍ وَإِجَّاصٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ ( وَنَحْوِهَا ) لِأَنَّ يُبْسَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فَاكِهَةً وَ ( لَا ) يَحْنَثُ بِأَكْلِ ( قِثَّاءٍ وَخِيَارٍ ) لِأَنَّهُمَا مِنْ الْخُضَرِ لَا الْفَاكِهَةِ .
( وَ ) لَا بِأَكْلِ ( زَيْتُونٍ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ زَيْتُهُ وَلَا يُتَفَكَّهُ بِهِ ( وَ ) لَا بِأَكْلِ ( بَلُّوطٍ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ لِلْمَجَاعَةِ أَوْ التَّدَاوِي لَا لِلتَّفَكُّهِ .
( وَ ) لَا بِأَكْلِ ( بُطْمٍ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزَّيْتُونِ ( وَ ) لَا بِأَكْلِ ( زُعْرُورٍ ) بِضَمِّ الزَّايِ ( أَحْمَرَ ) بِخِلَافِ الْأَبْيَضِ .
( وَ ) لَا بِأَكْلِ ( آسٍ ) أَيْ مِرْسِينٍ ( وَسَائِرِ ثَمَرِ شَجَرٍ بَرِّيٍّ لَا يُسْتَطَابُ ) كَالْقَيْقَبِ وَالْعَفْصِ بِخِلَافِ الْخُرْنُوبِ ( وَ ) لَا بِأَكْلِ ( قَرْعٍ وَبَاذَنْجَان ) وَنَحْوِ كُرُنْبٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْخُضَرِ ( وَلَا ) بِأَكْلِ ( مَا يَكُونُ بِالْأَرْضِ كَجَزَرٍ وَلِفْتٍ وَفُجْلٍ وَقُلْقَاسٍ وَنَحْوِهِ ) كَكَمَأَةٍ أَوْ سَوْطَلٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فَاكِهَةً

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ ) لَا يَأْكُلُ ( بُسْرًا فَأَكَلَ مُذَنِّبًا ) بِكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ : مَا بَدَا الْإِرْطَابُ فِيهِ مِنْ ذَنَبِهِ ( حَنِثَ ) لِأَنَّ فِيهِ بُسْرًا وَرُطَبًا وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ أَكَلَ تَمْرًا ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ بُسْرًا وَلَا رُطَبًا ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَحْنَثُ إنْ ( حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا فَأَكَلَ الْآخَرَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ( وَلَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا ( يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ دِبْسًا أَوْ نَاطِفًا ) مَعْمُولَيْنِ مِنْ التَّمْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ تَمْرًا

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ أُدْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ بَيْضٍ وَشَوِيٍّ وَجُبْنٍ وَمِلْحٍ وَتَمْرٍ ) لِحَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ " قَالَ { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَيِّدُ الْأُدْمِ اللَّحْمِ } وَقَالَ { سَيِّدُ إدَامُكُمْ اللَّحْمُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
( وَ ) أَكْلِ ( زَيْتُونٍ وَلَبَنٍ وَخَلٍّ وَكُلِّ مُصْطَبَغٍ بِهِ ) أَيْ : مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ بِهِ كَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ لِحَدِيثِ { ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نِعْمَ الْأُدْمُ الْخَلُّ } وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ قُوتًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ وَلَحْمٍ وَلَبَنٍ وَكُلِّ مَا تَبْقَى مَعَهُ الْبِنْيَةُ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ يُقْتَات فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَكَذَا إنْ أَكَلَ سَوِيقًا أَوْ سَفَّ دَقِيقًا لِأَنَّهُ يُقْتَاتُ وَكَذَا حَبٌّ يُقْتَاتُ خُبْزُهُ لِحَدِيثِ { إنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً } وَإِنَّمَا كَانَ يَدَّخِرُ الْحَبَّ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ طَعَامًا مَا حَنِثَ بِ ) اسْتِعْمَالِ ( كُلِّ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ ) مِنْ قُوتٍ وَأُدْمٍ وَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ وَجَامِدٍ وَمَائِعٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } الْآيَةَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا اللَّبَنُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِ ) شُرْبِ ( مَاءٍ وَدَوَاءٍ وَ ) لَا بِأَكْلِ ( وَرَقِ شَجَرٍ وَتُرَابٍ وَنَحْوِهَا ) كَنُشَارَةِ خَشَبٍ لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ لَا يَتَنَاوَلُهُ عُرْفًا .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُ مَاءً حَنِثَ بِمَاءِ مِلْحٍ وَ ) مَاءٍ ( نَجِسٍ ) لِأَنَّهُ مَاءٌ ( لَا ) بِشُرْبِ ( جُلَّابٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَتَعَشَّى فَأَكَلَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَتَسَحَّرُ فَأَكَلَ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) حَيْثُ لَا نِيَّةَ ؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَدْوَةِ وَهِيَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ وَالْعِشَاءُ مِنْ الْعَشِّي وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالسُّحُورُ مِنْ السَّحَرِ وَهُوَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شِبَعِهِ وَالْأَكْلَةُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ أَكْلَةً وَبِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ

( وَمَنْ أَكَلَ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ كَسَمْنٍ ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ ( فَأَكَلَهُ فِي بَيْضٍ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَأَكَلَهُ نَاطِفًا أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ لَا يُسَمَّى سَمْنًا وَلَا بَيْضًا وَالْحِنْطَةُ فِيهَا شَعِيرٌ لَا تُسَمَّى شَعِيرًا ( إلَّا إذَا ظَهَرَ طَعْمُ شَيْءٍ مِنْ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ ) كَظُهُورِ طَعْمِ السَّمْنِ فِي الْخَبِيصِ أَوْ الْبَيْضِ فِي النَّاطِفِ أَوْ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ فَيَحْنَثُ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا أَوْ ) لَا يَأْكُلُ هَذَا ( السَّوِيقَ فَشَرِبَهُ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ شَيْءٍ أَوْ شُرْبِهِ يُقْصَدُ بِهَا عُرْفًا اجْتِنَابُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } وَقَوْلُ الطَّبِيبِ لِلْمَرِيضِ لَا تَأْكُلْ عَسَلًا

( وَ ) إنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ ( لَا يَطْعَمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَصِّهِ ) لِأَنَّ الطَّعْمَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَكْلَ يَتَنَاوَلُ الشُّرْبَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } وَالْمَصُّ لَا يَخْلُو عَنْ كَوْنِهِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا وَ ( لَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ ( بِذَوْقِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ اللِّسَانَ فَلَيْسَ طَعْمًا بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيُجَاوِزَانِ الْحَلْقَ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَفْعَلُهُمَا ) أَيْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ ( لَمْ يَحْنَثْ بِمَصِّ قَصَبِ سُكَّرٍ وَ ) مَصِّ ( رُمَّانٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا وَلَا شُرْبًا عُرْفًا ( وَلَا ) يَحْنَثُ ( بِبَلْعِ ذَوْبِ سُكَّرٍ فِي فِيهِ بِحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَصِّ الْقَصَبِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ مَائِعًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ ) حَنِثَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا لِحَدِيثِ { كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ }

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُ مِنْ النَّهْرِ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُ مِنْ الْبِئْرِ فَاغْتَرَفَ ) مِنْ أَحَدِهِمَا ( بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ ) مِنْهُ ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا آلَةَ شُرْبٍ عَادَةً بَلْ الشُّرْبُ مِنْهُمَا عُرْفًا بِالِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ أَوْ الْإِنَاءِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْكُوزِ فَصَبَّ مِنْهُ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَهُ ) لِأَنَّ الْكُوزَ آلَةُ شُرْبٍ فَالشُّرْبُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْكَرْعِ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ بِثَمَرَتِهَا ) إذَا أَكَلَهَا فَقَطْ دُونَ وَرَقِهَا وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا الَّتِي تَتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ فَاخْتَصَّ الْيَمِينُ بِهَا ( وَلَوْ لَقَطَهَا مِنْ تَحْتِهَا ) أَوْ أَكَلَهَا فِي إنَاءٍ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّجَرَةِ .

فَصْلٌ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا أَوْ جَوْشَنًا ، أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ عِمَامَةً ( أَوْ خُفًّا أَوْ نَعْلًا حَنِثَ ) لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا كَالثِّيَابِ ، وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ إنَّك تَلْبَسُ هَذِهِ النِّعَالَ .
قَالَ { إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا } لَكِنْ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِبْسًا عُرْفًا .
( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ كَيْفَ لَبِسَهُ وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ أَوْ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ ) حَلَفَ لَا يَلْبَسُهَا ( أَوْ اتَّزَرَ بِقَمِيصٍ ) حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِطَيِّهِ وَتَرْكِهِ عَلَى رَأْسِهِ ) مَطْوِيًّا ( وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ أَوْ تَدَثُّرِهِ ) أَيْ : جَعْلِهِ دِثَارًا أَوْ الْتِحَافِهِ ( بِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لِبْسًا ( وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ ) بِأَنْ جَعَلَهُ مَكَانَ الرِّدَاءِ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدِيَ لَابِسٌ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ اتَّزَرَ بِهِ ) أَيْ : جَعَلَهُ مَكَانَ الْإِزَارِ

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ أَوْ ) لَبِسَ ( مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً ) بِذَلِكَ ( أَوْ ) لَبِسَ ( خَاتَمًا ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ( وَلَوْ فِي غَيْرِ خِنْصَرٍ أَوْ ) فَلَبِسَ ( دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ ) أَوْ مِخْنَقَةٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَوْ جَوْهَرٍ وَ ( حِنْثَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } - { يُحَلُّونَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا } وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ حُلِيٌّ إذَا كَانَتْ سِوَارًا أَوْ خَلْخَالًا ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ خَاتَمًا ، وَلِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ وَالْجَوْهَرَ حُلِيٌّ مَعَ غَيْرِهِ فَكَانَ حُلِيًّا وَحْدَهُ كَالذَّهَبِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا إنْ لَبِسَ ( عَقِيقًا أَوْ سَبْحًا أَوْ حَرِيرًا ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حِلْيَةً كَحِرْزِ الزُّجَاجِ ( وَلَا إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً فَلَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَابِسًا لَهَا

( وَ ) مَنْ حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ حَنِثَ بِمَا جَعَلَهُ ) فُلَانٌ ( لِعَبْدِهِ ) مِنْ دَارٍ وَدَابَّةٍ وَثَوْبٍ لِأَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهِ ( أَوْ ) بِمَا ( أَجَّرَهُ ) فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ ( أَوْ اسْتَأْجَرَهُ ) مِنْهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ لِلْمُؤَجِّرِ وَلِمِلْكِهِ مَنَافِعَ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِمَا اسْتَعَارَهُ ) فُلَانٌ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ بَلْ الْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ ) أَيْ فُلَانٍ ( حَنِثَ بِمُسْتَأْجَرٍ ) يَسْكُنُهُ .
( وَ ) بِ ( مُسْتَعَارٍ ) يَسْكُنُهُ ( وَبِمَغْصُوبٍ يَسْكُنُهُ ) لِأَنَّهُ مَسْكَنُهُ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِ ) دُخُولِ ( مِلْكِهِ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى مَسْكَنِهِ وَلَيْسَ هَذَا مَسْكَنًا لَهُ ( وَإِنْ قَالَ ) وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ ( مِلْكَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِ ) دُخُولِ ( مُسْتَأْجَرٍ ) وَلَا مُسْتَعَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِ فُلَانٍ حَنِثَ ) بِرُكُوبِ ( مَا جُعِلَ ) مِنْ الدَّوَابِّ ( بِرَسْمِهِ ) أَيْ : الْعَبْدِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ ( كَ ) حِنْثِهِ بِ ( حَلِفِهِ لَا يَرْكَبُ رَحْلَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ ) إذَا رَكِبَ أَوْ بَاعَ مَا جَعَلَ رَحْلًا لَهَا

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ ) دَارًا مُعَيَّنَةً فَدَخَلَ سَطْحَهَا ( حَنِثَ ) لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ فَلِذَلِكَ صَحَّ الِاعْتِكَافُ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ وَمُنِعَ مِنْهُ نَحْوِ حَائِضٍ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ بَابَهَا فَحَوَّلَ ) الْبَابَ ( وَدَخَلَهُ حَنِثَ ) لِأَنَّ الْمُحْدَثَ هُوَ بَابُهَا وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ ) لِأَنَّ الدَّارَ عُرْفًا مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُهَا فَطَاقُ الْبَابِ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْهَا ( أَوْ وَقَفَ عَلَى حَائِطِهَا ) فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دُخُولًا كَمَا لَوْ تَعَلَّقَ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ خَارِجَ الدَّارِ وَأَصْلُهَا بِهَا

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إنْسَانٍ ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا وَكَبِيرًا حُرًّا وَرَقِيقًا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ ( حَتَّى بِ ) قَوْلِهِ لَهُ ( تَنَحَّ أَوْ اُسْكُتْ ) وَزَجْرِهِ بِكُلِّ لَفْظٍ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فَيَدْخُلُ فِيمَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( بِسَلَامٍ مِنْ صَلَاةٍ صَلَّاهَا إمَامًا ) نَصًّا لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ كَالتَّكْبِيرَاتِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا كَلَّمْت زَيْدًا فَكَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ حَنِثَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا } وَحَدِيثِ { مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ } ( مَا لَمْ يَنْوِ ) حَالِفٌ ( مُشَافَهَتَهُ ) بِالْكَلَامِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَلَا الْمُرَاسَلَةِ لِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ فِيهِمَا ( إلَّا إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ ( فِي صَلَاةٍ فَفَتَحَ ) حَالِفٌ ( عَلَيْهِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ : لَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ فَسَمِعَ الْقُرْآنَ حَنِثَ إجْمَاعًا ( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا بَدَأْتَهُ بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْهُ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ بِهِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا كَلَّمْته ) أَيْ فُلَانًا ( حَتَّى يُكَلِّمَنِي أَوْ ) حَتَّى ( يَبْدَأَنِي بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا حَنِثَ ) لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا كَلَّمْته ) أَيْ فُلَانًا ( حِينًا أَوْ ) حَلَفَ لَا كَلَّمْته ( الزَّمَانَ وَلَا نِيَّةَ ) لِحَالِفٍ ( تَخُصُّ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْهُ فَ ) الْمُدَّةُ ( سِتَّةَ أَشْهُرٍ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } إنَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ .
وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالزَّمَانُ مُعَرَّفًا فِي مَعْنَاهُ ( وَ ) إنْ حَلَفَ لَا

كَلَّمْت زَيْدًا ( زَمَنًا أَوْ أَمَدًا أَوْ دَهْرًا أَوْ بَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا أَوْ عُمْرًا أَوْ طَوِيلًا أَوْ حُقُبًا أَوْ وَقْتًا فَأَقَلُّ زَمَانٍ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا حَدَّ لَهَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا ، بَلْ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُ الِاسْمُ وَقَدْ يَكُونُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ ( وَ ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته ( الْعُمُرَ ) مُعَرَّفًا ( أَوْ ) حَلَفَ لَا كَلَّمْته ( الْأَبَدَ ) مُعَرَّفًا ( أَوْ ) حَلَفَ لَا كَلَّمْته ( الدَّهْرَ ) مُعَرَّفًا ( فَ ) ذَلِكَ ( كُلُّ الزَّمَانِ ) حَمْلًا لِأَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِتَبَادُرِهِ وَالْحُقَبُ مُعَرَّفًا ثَمَانُونَ سَنَةً جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته ( أَشْهُرًا أَوْ ) لَا كَلَّمْته ( شُهُورًا أَوْ ) لَا كَلَّمْته ( أَيَّامًا فَ ) ذَلِكَ ( ثَلَاثَةُ ) أَشْهُرٍ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ فِي الْأَخِيرَةِ ، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمِيعِ وَالزَّائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، وَإِنْ عَيَّنَ بِحَلِفِهِ أَيَّامًا تَبِعَهَا اللَّيَالِي .
( وَ ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته ( إلَى الْحَصَادِ أَوْ ) إلَى ( الْجِذَاذِ فَ ) إنَّهُ تَنْتَهِي مُدَّةُ حَلِفِهِ ( إلَى أَوَّلِ مُدَّتِهِ ) أَيْ : الْحَصَادِ ، وَالْجِذَاذِ لِأَنَّ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَلَا تَدْخُلُ مُدَّتُهَا فِي حَلِفِهِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت زَيْدًا ( الْحَوْلَ فَ ) عِدَّةُ حَلِفِهِ حَوْلٌ ( كَامِلٌ ) مِنْ الْيَمِينِ ( لَا تَتِمَّتُهُ ) إنْ حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَوْلًا .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ قَالَ لِمَنْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ : { اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ } بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَتَنْبِيهُهُ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ ) لِأَنَّ الْكَلَامَ عُرْفًا كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ خَاصَّةً لِحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ ، وَقَدْ أَحْدَثَ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ } وَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي

الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَ { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } { فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ } وَقَالَ تَعَالَى : { آيَتُكَ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } وَلِأَنَّ مَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ بِهِ خَارِجَهَا ( وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ ) أَيْ : بِادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ( الْقُرْآنَ حَنِثَ ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهُ إذَنْ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ ( وَحَقِيقَةُ الذِّكْرِ مَا نَطَقَ بِهِ ) وَمَا لَا يَنْطِقُ بِهِ حَدِيثُ نَفْسٍ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا مِلْكَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدَيْنٍ ) لَهُ لِاخْتِصَاصِ الْمِلْكِ بِالْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ ، وَالدَّيْنُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْمِلْكُ فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْهُ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا مَالَ لَهُ أَوْ ) أَنَّهُ ( لَا يَمْلِكُ مَالًا حَنِثَ بِ ) مِلْكِ مَالٍ وَلَوْ ( غَيْرِ زَكَوِيٍّ وَبِدَيْنٍ ) لَهُ ( وَضَائِعٍ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ عَوْدِهِ وَبِمَغْصُوبٍ ) لِأَنَّ الْمَالَ مَا تَنَاوَلَ النَّاسُ عَادَةً لِطَلَبِ الرِّبْحِ مِنْ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ ، وَجَانِبٍ إلَى جَانِبٍ سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةٌ أَوْ لَا لِقَوْلِ عُمَرَ : أَصَبْت أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ ، .
وَفِي الْحَدِيثِ { خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ أَوْ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ } وَالسِّكَّةُ الطَّرِيقَةُ مِنْ النَّخْلِ الْمُصْطَفَّةُ وَالتَّأْبِيرُ التَّلْقِيحُ ، وَقِيلَ السِّكَّةُ سِكَّةُ الْحَرْثِ ، وَالدَّيْنُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ وَنَحْوِهَا ، وَالضَّائِعُ وَالْمَغْصُوبُ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا وَ ( لَا ) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ ، أَوْ لَا يَمْلِكُ مَالًا ( بِمُسْتَأْجَرٍ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَالًا إذْ لَا يَمْلِكُ إلَّا مَنْفَعَتَهُ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لِيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةٍ فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً ) وَاحِدَةً ( بَرَّ ) لِأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِالْمِائَةِ وَ ( لَا ) يَبَرُّ ( إنْ حَلَفَ لِيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةٍ ) فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً ( وَلَوْ آلَمَهُ ) بِهَا لِأَنَّ ظَاهِرَ يَمِينِهِ أَنْ يَضْرِبَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ لِيَتَكَرَّرَ أَلَمُهُ بِتَكَرُّرِ الضَّرْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ مِائَةَ بِنَحْوِ عُصَاةٍ وَاحِدَةٍ بَرَّ ، وَلِأَنَّ الْآلَةَ هُنَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَانْتَصَبَتْ انْتِصَابَهُ فَتَعَدَّدَ الضَّرْبُ بِتَعَدُّدِهَا .

فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا أَيْ امْرَأَةٍ عَيَّنَهَا ( وَعَلَيْهِ مِنْهُ ) فَاسْتَدَامَهُ حَنِثَ نَصًّا ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ لُبْسٌ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى ذَكَرٍ أَحْرَمَ فِي مِخْيَطٍ وَاسْتَدَامَهُ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ أَوْ لَا يُسَافِرُ ) وَاسْتَدَامَ ذَلِكَ حَنِثَ لِصِحَّةِ أَنْ يُقَالَ فَعَلْت كَذَا يَوْمًا ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَطَأُ ) وَاسْتَدَامَ ذَلِكَ حَنِثَ لِمَا سَبَقَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُمْسِكُ ) شَيْئًا هُوَ مَاسِكُهُ وَاسْتَدَامَ حَنِثَ لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ وَ لِذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ صَيْدٌ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُشَارِكُ ) وَاسْتَدَامَ الشَّرِكَةَ حَنِثَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَصُومُ ) وَاسْتَدَامَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَحُجُّ ) أَوْ يَعْتَمِرُ ( أَوْ لَا يَطُوفُ ) أَوْ يَسْعَى ( وَهُوَ كَذَلِكَ ) أَيْ : مُتَلَبِّسٌ بِمَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ مِمَّا سَبَقَ وَدَامَ حَنِثَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ دَاخِلُهَا ) وَدَامَ حَنِثَ إذْ اسْتِدَامَةُ الْمَقَامِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَابْتِدَائِهِ فِي التَّحْرِيمِ ( أَوْ ) حَلَفَ عَلَى امْرَأَةٍ ( لَا يُضَاجِعُهَا عَلَى فِرَاشٍ فَضَاجَعَتْهُ وَدَامَ ) حَنِثَ بِالِاسْتِدَامَةِ كَالِابْتِدَاءِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ عَلَيَّ فُلَانٌ بَيْتًا فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ ) بَيْتًا ( فَأَقَامَ مَعَهُ حَنِثَ ) قِيَاسًا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ فِعْلٌ يَنْقَضِي وَيَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ كَالْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ وَاسْتَدَامَ حَنِثَ ( مَا لَمْ تَكُنْ ) لِحَالِفٍ ( نِيَّةٌ ) كَأَنْ نَوَى لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا غَيْرَ مَا هُوَ لَابِسُهُ أَوْ غَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ أَوْ لَا يُسَافِرُ أَوْ لَا يَطَأُ غَيْرَ هَذِهِ الْمَرَّةِ فَيَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَإِلَى سَبَبِ الْيَمِينِ إنْ كَانَ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ ) لَا ( يَتَطَهَّرُ أَوْ ) لَا ( يَتَطَيَّبُ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ ) لِأَنَّ

اسْمَ الْفِعْلِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يُطْلَقُ عَلَى مُسْتَدِيمِهَا فَلَا يُقَالُ تَزَوَّجْت أَوْ تَطَهَّرْت أَوْ تَطَيَّبْت شَهْرًا بَلْ مُنْذُ شَهْرٍ لِأَنَّ فِعْلَهَا انْقَضَى وَلَا يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ وَالْبَاقِي أَثَرُهُ وَلَمْ يُنَزِّلْ الشَّرْعُ اسْتِدَامَةَ التَّزْوِيجِ وَالتَّطَيُّبِ مَنْزِلَةَ ابْتِدَائِهِمَا فِي الْإِحْرَامِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَسْكُنُ ) مَعَ فُلَانٍ ( أَوْ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَهُوَ سَاكِنٌ ) مَعَهُ ( أَوْ مُسَاكِنٌ ) لَهُ ( فَأَقَامَ فَوْقَ زَمَنٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ فِيهِ عَادَةً نَهَارًا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ ) حَنِثَ بِالِاسْتِدَامَةِ ( وَلَوْ بَنَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ حَاجِزًا وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ حَنِثَ ) لِتَسَاكُنِهِمَا قَبْلَ انْتِهَاءِ بِنَاءِ الْحَاجِزِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ أَوْدَعَ مَتَاعَهُ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ مَلَّكَهُ ) لِغَيْرِهِ .
قُلْت بِلَا حِيلَةٍ ( أَوْ لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا ) يَنْتَقِلُ إلَيْهِ ( أَوْ ) لَمْ يَجِدْ ( مَا يَنْقُلُهُ ) أَيْ : مَتَاعَهُ ( بِهِ أَوْ أَبَتْ زَوْجَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ إجْبَارُهَا وَلَا النُّقْلَةُ بِدُونِهَا ) فَأَقَامَ ( مَعَ نِيَّةِ النُّقْلَةِ إذَا قَدَرَ ) عَلَيْهَا ( أَوْ أَمْكَنَتْهُ ) نُقْلَةٌ ( بِدُونِهَا ) أَيْ : زَوْجَتِهِ ( فَخَرَجَ وَحْدَهُ ) لِوُجُودِ مَقْدُورِهِ مِنْ النُّقْلَةِ ( أَوْ كَانَ بِالدَّارِ حُجْرَتَانِ لِكُلِّ حُجْرَةٍ ) أَيْ : مَسْكَنٍ ( مِنْهُمَا بَابٌ وَمِرْفَقٌ ) أَيْ : مِرْحَاضٍ يَخْتَصُّ بِهَا ( فَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجْرَةً وَلَا نِيَّةَ ) لِحَالِفٍ تَمْنَعُ ذَلِكَ ( وَلَا سَبَبَ ) لِيَمِينِهِ يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَاكِنًا لَهُ بَلْ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ بِنِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ رَجَعَ إلَيْهِ ( وَلَا ) يَحْنَثُ ( إنْ حَلَفَ عَلَى ) دَارٍ ( مُعَيَّنَةٍ لَا سَاكِنَتِهِ ) أَيْ : فُلَانًا ( بِهَا وَهُمَا ) أَيْ : الْحَالِفُ وَفُلَانٌ ( غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ ) عِنْدَ حَلِفٍ ( فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا ) أَيْ : الْمَوْضِعَيْنِ الَّذِي يُرِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَسْكُنَهُ ( حَائِطًا وَفَتَحَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( لِنَفْسِهِ بَابًا وَسَكَنَاهَا ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاكِنُهُ

( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَيَخْرُجَنَّ ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَرْحَلَنَّ مِنْ ) هَذِهِ ( الدَّارِ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَأْوِي ) فِي هَذِهِ الدَّارِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَنْزِلُ فِيهَا ) فَهُوَ ( كَ ) حَلِفِهِ ( لَا يَسْكُنُهَا ) فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ( وَكَذَا ) إنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ أَوْ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلَدِ ( إلَّا أَنَّهُ يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ ) مِنْ الْبَلَدِ ( وَحْدَهُ إذَا حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْهُ ) أَيْ : الْبَلَدِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ إذَنْ بِخِلَافِ الدَّارِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَخْرُجُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّاتٍ عَادَةً فَظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمُعْتَادِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَحْدَهُ إذَا حَلَفَ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ الْبَلَدِ بَلْ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الدَّارِ ( وَلَا يَحْنَثُ بِعَوْدِهِ ) إلَى الدَّارِ وَالْبَلَدِ ( إذَا حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ أَوْ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ الدَّارِ ) لَا إنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا ( أَوْ ) مِنْ ( الْبَلَدِ وَخَرَجَ ) لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِالْخُرُوجِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( مَا لَمْ تَكُنْ ) لَهُ ( نِيَّةٌ أَوْ ) يَكُنْ هُنَاكَ ( سَبَبٌ ) يَقْتَضِي هِجْرَانَ مَا حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ أَوْ لَيَرْحَلَنَّ مِنْهُ ( وَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ سَفَرٌ يَبَرُّ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ وَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ ) لِدُخُولٍ فِي مُسَمَّى السَّفَرِ ( وَكَذَا النَّوْمُ الْيَسِيرُ ) فَيَبَرُّ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَيَنَامَنَّ وَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ ( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَسْكُنُ الدَّارَ ) أَوْ الْبَلَدَ ( فَدَخَلَهَا أَوْ كَانَ فِيهَا غَيْرَ سَاكِنٍ ) كَالزَّائِرِ ( فَدَامَ جُلُوسُهُ لَمْ يَحْنَثْ ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الزِّيَارَةُ لَيْسَتْ بِسُكْنَى اتِّفَاقًا وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ دَارًا ) وَنَحْوَهَا ( فَحُمِلَ وَأُدْخِلَهَا وَأَمْكَنَهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعُ ) حَنِثَ لِدُخُولِهِ غَيْرَ مُكْرَهٍ كَمَا لَوْ حُمِلَ بِأَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ لَمْ

يَحْنَثْ نَصًّا لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَدِمْ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَمَتَى دَخَلَهَا بَعْدَ اخْتِيَارٍ حَنِثَ

( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَسْتَخْدِمُ رَجُلًا ) مَثَلًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ( فَخَدَمَهُ ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْحَالِفُ ( سَاكِتٌ حَنِثَ ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ اسْتِخْدَامٌ لَهُ وَلِهَذَا يُقَالُ فُلَانٌ اسْتَخْدَمَ عَبْدَهُ إذَا خَدَمَهُ وَلَوْ بِلَا أَمْرِهِ .

فَصْلٌ وَمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ هَذَا الْمَاءَ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ أَوْ أَطْلَقَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ أَوْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ غَدًا وَلَا فِي غَدٍ ( فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمَاءُ بِأَنْ أُرِيقَ وَنَحْوِهِ وَالْغُلَامُ بِأَنْ مَاتَ ( قَبْلَ الْغَدِ أَوْ فِيهِ ) أَيْ الْغَدِ ( قَبْلَ الشُّرْبِ أَوْ الضَّرْبِ حَنِثَ حَالَ تَلَفِهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ فِي وَقْتٍ بِلَا إكْرَاهٍ وَلَا نِسْيَانٍ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحِنْثِ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَحُجَنَّ الْعَامَ فَلَمْ يَقْدِرْ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ .
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَطْلَقَ وَتَلِفَ قَبْلَ فِعْلِهِ لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( وَإِنْ جُنَّ حَالِفٌ ) لَيَفْعَلَنَّ كَذَا غَدًا أَوْ فِي غَدٍ ( قَبْلَ الْغَدِ حَتَّى خَرَجَ الْغَدُ ) لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ وَلَا تَرْكٌ يُعْتَدُّ بِهِ ( وَإِنْ أَفَاقَ ) مِنْ جُنُونِهِ ( قَبْلَ خُرُوجِهِ ) أَيْ الْغَدِ ( حَيْثُ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ ) بِأَنْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْغَدِ يَسَعُهُ ( أَوْ لَا ) لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ فِيهِ إلَى الْحِنْثِ وَيُحْكَمُ بِحِنْثِهِ ( مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ ) كَمَا لَوْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ جُزْءًا لَوْ لَمْ يَتَّسِعْ لِلْفِعْلِ ، ثُمَّ جُنَّ بَقِيَّتَهُ .
وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إنْ مَاتَ ) الْحَالِفُ ( قَبْلَ الْغَدِ أَوْ أُكْرِهَ ) عَلَى تَرْكِ شُرْبِهِ أَوْ ضَرْبِهِ حَتَّى خَرَجَ الْغَدُ ( وَإِنْ قَالَ ) وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ هُنَا الْمَاءَ ، أَوْ لَأَضْرِبَنَّ غُلَامِي وَنَحْوَهُ ( الْيَوْمَ فَأَمْكَنَهُ ) فِعْلُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ بِأَنْ مَضَى بَعْدَ يَمِينِهِ مَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِهِ ( فَتَلِفَ ) مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ ( حَنِثَ عَقِبَهُ ) لِلْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ بِتَلَفِهِ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ لَا حِنْثَ .
وَظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ يَحْنَثُ ( وَلَا يَبَرُّ ) مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا أَوْ

فِي غَدٍ ، أَوْ يَوْمَ كَذَا ( بِضَرْبِهِ قَبْلَ وَقْتٍ عَيَّنَهُ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ كَمَنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَصَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ .
وَ ( لَا ) يَبَرُّ بِضَرْبِهِ ( مَيِّتًا ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى ضَرْبِهِ حَيًّا تَأْلِيمًا لَهُ ( وَ ) لِهَذَا ( لَا ) يَبَرُّ ( بِضَرْبٍ لَا يُؤْلِمُ ) الْمَضْرُوبَ ( وَيَبَرُّ ) الْحَالِفُ ( بِضَرْبِهِ مَجْنُونًا ) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كَالْعَاقِلِ

( وَ ) إنْ حَلَفَ لِرَبِّ حَقٍّ ( لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَأَبْرَأَهُ ) رَبُّ الْحَقِّ ( الْيَوْمَ ) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ بِإِبْرَائِهِ مِنْ قَضَائِهِ أَشْبَهَ الْمُكْرَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ الْبَرَاءَةُ إلَيْهِ فِي الْغَدِ وَقَدْ حَصَلَتْ ( أَوْ أَخَذَ ) رَبُّ الْحَقِّ ( عَنْهُ عَرَضًا ) لِحُصُولِ الْإِيفَاءِ بِهِ كَحُصُولِ بِجِنْسِ الْحَقِّ ( أَوْ مُنِعَ ) الْحَالِفُ ( مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ ( كَرْهًا ) بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ فِعْلٍ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ ( أَوْ مَاتَ ) رَبُّ الْحَقِّ ( فَقَضَاهُ ) الْحَالِفُ ( لِوَرَثَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ ) لِقِيَامِ وَارِثِهِ مَقَامَهُ فِي الْقَضَاءِ كَوَكِيلِهِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَيَقْضِيَنَّهُ ) حَقَّهُ ( عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ أَوْ مَعَ ) رَأْسِهِ ( أَوْ إلَى رَأْسِهِ .
أَوْ ) إلَى ( اسْتِهْلَالِهِ .
أَوْ عِنْدَ ) رَأْسِ الشَّهْرِ ( أَوْ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَمَحِلُّهُ ) أَيْ : الْقَضَاءِ الَّذِي يَبَرُّ بِهِ ( عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ ) فَيَبَرُّ بِقَضَائِهِ فِيهِ ( وَيَحْنَثُ ) بِقَضَائِهِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لِفَوَاتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ( وَلَا يَضُرُّ فَرَاغُ تَأَخُّرِ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَعَدِّهِ وَذَرْعِهِ ) لِكَثْرَتِهِ حِينَ شَرَعَ مِنْ الْغُرُوبِ ( وَ ) لَا يَضُرُّ تَأَخُّرُ فَرَاغِ أَكْلِهِ ( إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِ وَشَرَعَ فِيهِ إذَا تَأَخَّرَ لِكَثْرَتِهِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ عَمَلًا بِالْعَادَةِ .
( وَ ) إنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ ( لَا أَخَذْت حَقَّك مِنِّي فَأُكْرِهَ ) مَدِينٌ ( عَلَى دَفْعِهِ ) فَأَخَذَهُ غَرِيمَهُ حَنِثَ ( أَوْ أَخَذَهُ ) أَيْ الْحَقَّ ( حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ لِي غَرِيمُهُ فَأَخَذَهُ ) غَرِيمُهُ ( حَنِثَ ) الْحَالِفُ نَصًّا ( كَ ) حَلِفِهِ ( لَا تَأْخُذْ حَقَّك عَلَيَّ ) فَأَخَذَهُ لِوُجُودِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ اخْتِيَارًا وَهُوَ الْأَخْذُ ( لَا إنْ أُكْرِهَ قَابِضٌ ) عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلُ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ

عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ ( وَلَا إنْ وَضَعَهُ ) حَالِفٌ ( بَيْنَ يَدَيْهِ ) أَيْ : الْغَرِيمِ ( أَوْ ) وَضَعَهُ فِي ( حَجْرِهِ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَلَمْ يَأْخُذْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ الْأَخْذُ ( إلَّا أَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُعْطِيكَهُ ) فَيَحْنَثُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي حَجْرٍ وَلِأَنَّهُ أَعْطَى ( لِبَرَاءَتِهِ ) أَيْ : مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ( بِمِثْلِ هَذَا ) الْفِعْلِ أَيْ الْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي حِجْرِهِ ( مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَأُجْرَةٍ وَزَكَاةٍ ) وَنَحْوِهَا

( وَ ) إنْ حَلَفَ عَلَى مَدِينِهِ ( لَا فَارَقْتَنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك فَفَارَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرِ ) طَوْعًا ( لَا كَرْهًا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ ) حَالِفٍ حَقَّهُ ( حَنِثَ ) لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا حَصَلَ مِنَّا فُرْقَةً وَقَدْ حَصَلَتْ طَوْعًا .
( وَ ) إنْ حَلَفَ ( لَا افْتَرَقْنَا أَوْ لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ فَهَرَبَ ) مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْهُ حَنِثَ نَصًّا لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بِذَلِكَ ( أَوْ فَلَّسَهُ حَاكِمٌ وَحَكَمَ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْحَالِفُ ( بِفِرَاقِهِ ) فَفَارَقَهُ حَنِثَ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِفِرَاقِهِ ( فَفَارَقَهُ لِعِلْمِهِ بِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ ) لِعُسْرَتِهِ ( حَنِثَ ) لِمَا سَبَقَ ( وَكَذَا إنْ أَبْرَأَهُ ) الْحَالِفُ مِنْ حَقِّهِ فَفَارَقَهُ ( أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ ) فَفَارَقَهُ ( أَوْ فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ ) لَهُ فِي الْفُرْقَةِ فَيَحْنَثُ لِمَا تَقَدَّمَ وَ ( لَا ) يَحْنَثُ ( إذَا أُكْرِهَ ) عَلَى فِرَاقِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُنْسَبُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( أَوْ قَضَاهُ بِحَقِّهِ عَرَضًا ) قَبْلَ فُرْقَتِهِ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ بِأَخْذِ الْعَرَضِ لِحُصُولِ بِجِنْسِ الْحَقِّ ( وَفِعْلُ وَكِيلِهِ ) أَيْ : الْحَالِفِ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ وَنَظَائِرِهِ ( كَ ) فِعْلِهِ ( هُوَ ) فَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ وَأَمَرَ مَنْ ضَرَبَهُ بَرَّ أَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ فَوَكَّلَ مَنْ يَبِيعُهُ فَبَاعَهُ حَنِثَ لِصِحَّةِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى مَنْ فَعَلَ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ } وَقَوْلِهِ : { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ } وَإِنَّمَا الْحَالِقُ غَيْرُهُمْ وَكَذَا { يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا } وَنَحْوَهُ وَهَذَا فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ أَوْ لَيَأْكُلَنَّ أَوْ لَيَشْرَبَنَّ وَنَحْوَهُ

( وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ زَيْدًا فَبَاعَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لَهُ ) فَيَحْنَثُ لِقِيَامِ وَكِيلِ زَيْدٍ مَقَامَهُ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ ( وَلَوْ تَوَكَّلَ حَالِفٌ لَا يَبِيعُ وَنَحْوَهُ ) كَلَا يَسْتَأْجِرُ ( فِي بَيْعٍ ) وَنَحْوِهِ وَبَاعَ وَنَحْوَهُ بِكَوْنِهِ وَكِيلًا ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِإِضَافَةِ فِعْلِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ دُونَهُ سَوَاءٌ ( أَضَافَهُ لِمُوَكِّلِهِ ) بِأَنْ قَالَ لِمُشْتَرٍ بِعْتُك هَذَا عَنْ مُوَكِّلِي فُلَانٍ وَنَحْوِهِ ( أَوْ لَا ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُضَافٌ لِمُوَكِّلِهِ دُونَهُ .
قُلْت إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ أَوْ سَبَبُ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَيَحْنَثُ إذَنْ بِذَلِكَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27