كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( وَيَدْخُلُ نَفْعُ بِئْرٍ ) فِي إجَارَةِ بِئْرٍ تَبَعًا ( وَ ) يَدْخُلُ ( حِبْرُ نَاسِخٍ ) تَبَعًا ( وَ ) يَدْخُلُ ( خَيْطُ خَيَّاطٍ ) اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةٍ تَبَعًا ( وَ ) يَدْخُلُ ( كُحْلُ كَحَّالٍ ) اُسْتُؤْجِرَ لِكُحْلٍ تَبَعًا ( وَ ) يَدْخُلُ ( مَرْهَمُ طَبِيبٍ ) اُسْتُؤْجِرَ لِمُدَاوَاةٍ تَبَعًا ( وَ ) يَدْخُلُ ( صَبْغُ صَبَّاغٍ ) اُسْتُؤْجِرَ لِصَبْغِ ثَوْبٍ ( وَنَحْوُهُ ) كَدِبَاغِ دَبَّاغٍ تَبَعًا لِعَمَلِ الصَّانِعِ لَا أَصَالَةَ ( فَلَوْ غَارَ مَاءُ بِئْرِ دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ فَلَا فَسْخَ ) لِمُسْتَأْجِرٍ ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْإِجَارَةِ نَقَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْفُصُولِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمَلَّكُ بِالْحِيَازَةِ .

( وَلَا ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( فِي ) جُزْءٍ ( مُشَاعٍ ) مِنْ عَيْنٍ تُمَلَّكُ قِسْمَتُهَا أَوَّلًا ( مُفْرَدًا ) عَنْ بَاقِي الْعَيْنِ ( لِغَيْرِ شَرِيكِهِ ) بِالْبَاقِي .
ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْمُؤَجِّرِ عَلَى مَالِ شَرِيكِهِ أَشْبَهَ الْمَغْصُوبَ .
( وَلَا ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( فِي عَيْنٍ ) وَاحِدَةٍ ( لِعَدَدِ ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( وَهِيَ ) أَيْ : الْعَيْنُ مِلْكٌ ( لِوَاحِدٍ ) بِأَنْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ إجَارَةَ الْمُشَاعِ ( إلَّا فِي قَوْلٍ ) وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي إجَارَةِ الْمُشَاعِ وَوَجْهٌ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ ) : وَعَنْهُ بَلَى اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَابْنُ عَبْدِ الْهَادِي ( وَهُوَ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ) أَيْ : عَمَلُ الْحُكَّامِ إلَى زَمَنِنَا .
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَرِيكٌ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ أَجَّرَا مَعًا لِوَاحِدٍ صَحَّتْ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأُجْرَةُ فَإِنْ أَقَالَهُ أَحَدُهُمَا صَحَّ وَبَقِيَ الْعَقْدُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ .

( وَلَا ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( فِي امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ بِلَا إذْنِهِ ) لِتَفْوِيتِ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ ؛ لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ ( وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا ) بِلَا بَيِّنَةٍ بَعْدَ أَنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا ( إنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ ) فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهَا ( مُؤَجَّرَةٌ قَبْلَ نِكَاحٍ ) فِي حَقِّ زَوْجٍ بِلَا بَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا تَدَّعِيهِ .

( وَلَا ) تَصِحُّ ( عَلَى دَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا مُؤَجِّرٌ ) كَاشْتِرَاءِ دَارِهِ لَهُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ .

( فَصْلٌ وَالْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ ) أَحَدُهُمَا أَنْ تَقَعَ ( عَلَى ) مَنْفَعَةِ ( عَيْنٍ ) وَيَأْتِي أَنَّ لَهَا صُورَتَيْنِ إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ الْعَيْنُ إمَّا مُعَيَّنَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا شُرُوطٌ وَبَدَأَ بِشُرُوطِ الْمَوْصُوفَةِ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَقَالَ : ( وَشَرْطُ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِ سَلَمٍ فِي مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ فَإِنْ لَمْ تُوصَفْ بِمَا يَضْبِطُهَا أَدَّى إلَى التَّنَازُعِ فَإِنْ اُسْتُقْصِيَتْ صِفَاتُ السَّلَمِ كَانَ أَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ وَأَبْعَدَ مِنْ الْغَرَرِ .
( وَإِنْ جَرَتْ ) إجَارَةٌ عَلَى مَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ ( بِلَفْظِ ) سَلَمٍ كَ أَسْلَمْتُك هَذَا الدِّينَارَ فِي مَنْفَعَةِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا لِبِنَاءِ حَائِطٍ مَثَلًا وَقَبِلَ الْمُؤَجِّرُ ( اُعْتُبِرَ قَبْضُ أُجْرَةٍ بِمَجْلِسِ ) عَقْدٍ لِئَلَّا يَصِحَّ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ( وَ ) اُعْتُبِرَ ( تَأْجِيلُ نَفْعٍ ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ كَالسَّلَمِ فَدَلَّ أَنَّ السَّلَمَ يَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ كَالْأَعْيَانِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ سَلَمٍ وَلَا سَلَفَ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ .

ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى شُرُوطِ الْمُعَيَّنَةِ فَقَالَ : ( وَ ) شُرِطَ ( فِي ) إجَارَةُ عَيْنٍ ( مُعَيَّنَةٍ ) خَمْسَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ( صِحَّةُ بَيْعٍ ) كَعَبْدٍ وَدَارٍ وَثَوْبٍ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا ( سِوَى وَقْفٍ ) أَيْ : مَوْقُوفٍ ( وَأُمِّ وَلَدٍ وَحُرٍّ وَحُرَّةٍ ) فَتَصِحُّ إجَارَتُهَا ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ ، وَمَنَافِعُ الْحُرِّ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ أَشْبَهَ مَنَافِعَ الْقِنِّ ( وَيَصْرِفُ ) مُسْتَأْجِرُ أَجْنَبِيَّةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ ( بَصَرَهُ ) عَنْهَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ نَظَرِهِ إلَيْهَا وَخَلْوَتِهِ بِهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ ( وَيُكْرَهُ اسْتِئْجَارُ أَصْلِهِ ) كَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوْا ( لِخِدْمَتِهِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ وَالِدِيهِ بِالْحَبْسِ عَلَى خِدْمَتِهِ .

( وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَلَوْ مِنْهَا وَ ) عَلَى ( حَضَانَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَعْقِدَهُ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ فَصَحَّ مَعَهُ كَالْبَيْعِ ؛ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَهَا أَخْذُ الْعِوَضِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ كَثَمَنِ مَالِهَا ، وَاسْتِحْقَاقُهُ لِمَنْفَعَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ بِعِوَضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا ) لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ كَقِصَارَةِ ثَوْبٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ إلَى أَمَدٍ كَأَنْ يَبْنِيَ لَهُ شَهْرًا وَنَحْوِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ قَالَ فِي الْمُغْنِي : هَذَا مُطْلَقٌ فِي نَوْعَيْ الْإِجَارَةِ .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا ( لِخِدْمَتِهِ ) نَصًّا ؛ لِتَضَمُّنِهَا حَبْسَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكَافِرِ وَإِذْلَالَهُ لَهُ وَاسْتِخْدَامَهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ أَشْبَهَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ بِخِلَافِ إجَارَتِهِ لِغَيْرِ الْخِدْمَةِ فَلَا تَتَضَمَّنُ إذْلَالَهُ .

( وَ ) الشَّرْطُ الثَّانِي ( مَعْرِفَتُهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلْعَاقِدَيْنِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ كَالْمَبِيعِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَصِفَاتِهَا .

( وَ ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ ( قُدْرَةُ ) مُؤَجِّرٍ ( عَلَى تَسْلِيمِهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ ( كَمَبِيعٍ ) ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الْأَعْيَانِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ آبِقٍ وَلَا شَارِدٍ وَلَا مَغْصُوبٍ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ .

( وَ ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ ( اشْتِمَالُهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ ( عَلَى النَّفْعِ فَلَا تَصِحُّ ) إجَارَةٌ ( فِي ) بَهِيمَةٍ ( زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ وَلَا ) أَرْضٍ ( سَبِخَةٍ لِزَرْعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ .

( وَ ) الْخَامِسُ ( كَوْنُ مُؤَجِّرٍ يَمْلِكُهُ ) أَيْ : النَّفْعَ بِمِلْكِ الْعَيْنِ أَوْ اسْتِئْجَارِهَا ( أَوْ مَأْذُونًا لَهُ ) بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ كَحَاكِمٍ يُؤَجِّرُ مَالًا نَحْوَ سَفِيهٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ وَقْفٍ لَا نَاظِرَ لَهُ أَوْ مِنْ قِبَلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَنَاظِرٍ خَاصٍّ وَوَكِيلٍ فِي إجَارَةِ بَيْعِ مَنَافِعَ فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ ( فَتَصِحُّ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لِغَيْرِ حُرٍّ ) أَنْ يُؤَجِّرَهُ ( لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَالتَّسَلُّطُ عَلَى اسْتِيفَائِهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ، بِخِلَافِ مُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَلِمُسْتَأْجِرِ عَيْنٍ أَنْ يُؤَجِّرَهَا .
( وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا لَا يَنْتَقِلُ بِهِ الضَّمَانُ إلَيْهِ فَلَا يَقِفُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَكِيلِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ( حَتَّى لِمُؤَجِّرِهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ مَعَ غَيْرِ الْعَاقِدِ جَازَ مَعَهُ كَالْبَيْعِ ( وَلَوْ بِزِيَادَةٍ ) عَلَى مَا أَجَّرَهَا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ بِرَأْسِ الْمَالِ فَجَازَ بِزِيَادَةٍ ( مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةً كَعِينَةٍ ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ نَقْدًا ثُمَّ أَجَّرَهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ مُؤَجَّلًا فَلَا يَصِحُّ حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ .

( وَ ) تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ ( مِنْ مُسْتَعِيرٍ بِإِذْنِ مُعِيرٍ فِي مُدَّةٍ يُعَيِّنُهَا ) الْمُسْتَعِيرُ لِلْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهَا لَجَازَ فَكَذَا إجَارَتُهَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ( وَتَصِيرُ ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ ( أَمَانَةً ) بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِصَيْرُورَتِهَا مُؤَجَّرَةً ( وَالْأُجْرَةُ لِرَبِّهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَمَالِكُ نَفْعِهَا وَانْفَسَخَتْ الْعَارِيَّةُ بِالْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهَا لِلُزُومِهَا .

( وَ ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( فِي وَقْفِ مَنْ نَاظَرَهُ ) ، لِأَنَّهُ إمَّا مُسْتَحِقٌّ فَمَنَافِعُهُ لَهُ فَلَهُ إجَارَتُهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا فَبِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ كَالْوَلِيِّ يُؤَجِّرُ عَقَارَ مُوَلِّيهِ .

( فَإِنْ مَاتَ مُسْتَحِقُّ ) وَقْفٍ ( أَجَّرَهُ وَهُوَ نَاظِرٌ بِشَرْطٍ ) بِأَنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ ( لَمْ تَنْفَسِخْ ) الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَإِنْ أَجَّرَ الْمُسْتَحِقُّ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِالنَّظَرِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ ( أَوْ لِكَوْنِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لَمْ تَنْفَسِخْ ) الْإِجَارَةُ ( فِي وَجْهٍ ) كَمَا لَوْ أَجَّرَ وَلِيٌّ مَالَ مُوَلِّيهِ أَوْ نَاظِرٌ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ ) فِي الْإِنْصَافِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ : وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ انْفَسَخَتْ ، إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَقِيلَ : لَا تَنْفَسِخُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ .
وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ كَمِلْكِهِ ( وَهُوَ أَشْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ) انْتَهَى .

( وَكَذَا مُؤَجِّرُ إقْطَاعَهُ ) إقْطَاعِ اسْتِغْلَالٍ ( ثُمَّ يُقْطَعُهُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( غَيْرُهُ ) أَيْ : غَيْرُ الْمُؤَجِّرِ فَلَا تَنْفَسِخُ فِي وَجْهٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( فَعَلَى هَذَا ) الْوَجْهِ أَيْ : أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ ( يَأْخُذ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ ) الِاسْتِحْقَاقَ ( حِصَّتَهُ مِنْ أُجْرَةٍ قَبَضَهَا مُؤَجِّرٌ مِنْ تَرِكَتِهِ ) إنْ مَاتَ ( أَوْ ) يَأْخُذُهَا ( مِنْهُ ) أَيْ : الْمُؤَجِّرِ إنْ انْتَقَلَ عَنْهُ الِاسْتِحْقَاقُ حَيًّا كَمَنْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى ابْنَتِهِ مَا دَامَتْ عَزْبَاءَ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَعَلَى زَيْدٍ ، ثُمَّ أَجَّرَتْ الدَّارَ مُدَّةً وَتَعَجَّلَتْ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَيَأْخُذُ زَيْدٌ مِنْهَا مَا يُقَابِلُ اسْتِحْقَاقَهُ ( وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ ) الْأُجْرَةَ ( فَ ) الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ ( مِنْ مُسْتَأْجِرٍ ) ؛ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ مِنْهَا ( وَعَلَى مُقَابِلِهِ ) أَيْ : الْوَجْهِ السَّابِقِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِانْتِقَالِ الِاسْتِحْقَاقِ عَنْ الْمُؤَجِّرِ غَيْرِ الْمَشْرُوطِ : لَهُ النَّظَرُ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ كَمَا سَبَقَ ، يَنْتَزِعُ مَنْ آلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ أَوْ الْإِقْطَاعُ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ .

( وَيَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ ) عَجَّلَ أُجْرَتَهُ ( عَلَى وَرَثَةِ قَابِضٍ ) مَاتَ ( أَوْ عَلَيْهِ ) إنْ كَانَ حَيًّا ، وَوَجْهُ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ إذَنْ : أَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَبِمَوْتِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَجَّرَ حَقَّهُ وَحَقَّ غَيْرِهِ فَصَحَّ فِي حَقِّهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ دَارَيْنِ : إحْدَاهُمَا لَهُ وَالْأُخْرَى لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ إذَا مَاتَ مُؤَجِّرُهُ فَإِنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثِهِ فَلَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا مَا خَلَّفَهُ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ ، وَالْمَنَافِعُ الَّتِي أَجَّرَهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِجَارَةِ ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ .
وَالْبَطْنُ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ يَمْلِكُونَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ فَمَا حَدَثَ مِنْهَا بَعْدَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُمْ .

( وَإِنْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْعَامُّ ) وَهُوَ الْحَاكِمُ ، أَوْ مَنْ جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ ( لِعَدَمِ ) النَّاظِرِ ( الْخَاصِّ ) الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْوَاقِفُ نَاظِرًا ( أَوْ ) أَجَّرَ النَّاظِرُ ( الْخَاصُّ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ ) بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِهِ ( لَمْ تَنْفَسِخْ ) إجَارَتُهُ ( بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ ) قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهَا ( قَوْلًا وَاحِدًا ) ؛ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَمَنْ يَلِي النَّظَرَ بَعْدَهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْأَوَّلُ .

( وَإِنْ أَجَّرَ سَيِّدٌ رَقِيقَهُ ؛ أَوْ ) أَجَّرَ ( وَلِيَّ يَتِيمًا ) مَحْجُورًا لَهُ ( أَوْ ) أَجَّرَ ( مَالِهِ ) أَيْ : مَالِ مَحْجُورِهِ كَدَارِهِ أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ ( ثُمَّ عَتَقَ ) الرَّقِيقُ ( الْمَأْجُورُ أَوْ بَلَغَ ) الْيَتِيمُ ( وَرَشَدَ أَوْ مَاتَ ) السَّيِّدُ أَوْ الْوَلِيُّ ( الْمُؤَجِّرُ ) قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ( أَوْ عُزِلَ ) الْوَلِيُّ بِأَنْ أَقَامَ الْحَاكِمُ غَيْرَهُ ( لَمْ تَنْفَسِخْ ) الْإِجَارَةُ .
أَمَّا فِي السَّيِّدِ فَلِأَنَّهَا عَقْدٌ صَدَرَ مِنْهُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ فَلَا تَنْفَسِخُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِبَدَلِهَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَنَفَقَةُ الْعَتِيقِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ عَلَى مُعْتِقِهِ إلَّا إنْ شَرَطَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَعَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي الْوَلِيِّ فَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَقْدًا لَازِمًا بِحَقِّ الْوِلَايَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ وِلَايَتِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَوْ بَاعَ دَارِهِ ( إلَّا إنْ عَلِمَ ) الْوَلِيُّ ( بُلُوغَهُ ) أَيْ : الْيَتِيمِ فِي الْمُدَّةِ بِأَنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَجَّرَهُ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ سَنَتَيْنِ فَتَنْفَسِخُ بِبُلُوغِهِ ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى صِحَّتِهَا عَلَى جَمِيعِ مَنَافِعِهِ طُولَ عُمْرِهِ وَإِلَى تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ زَمَنِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَأْجُورِ ( أَوْ ) إلَّا إذَا عَلِمَ سَيِّدٌ ( عِتْقَهُ ) أَيْ : الرَّقِيقِ ( فِي الْمُدَّةِ ) أَيْ : الْإِجَارَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ سَنَةٍ آجَرَهُ سَنَتَيْنِ فَتَنْفَسِخُ بِعِتْقِهِ لِمَا تَقَدَّمَ .

فَصْلٌ وَلِإِجَارَةِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَى مَنْفَعَتِهَا مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ ( صُورَتَانِ : ) إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ ( إلَى أَمَدٍ ) كَهَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا أَوْ فَرَسًا صِفَتُهُ كَذَا لِيَرْكَبَهُ يَوْمًا ( وَشَرْطٌ ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( عِلْمُهُ ) أَيْ : الْأَمَدِ كَشَهْرٍ مِنْ الْآنِ أَوْ وَقْتِ كَذَا ؛ لِأَنَّهُ الضَّابِطُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُعَرِّفِ لَهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ سَنَةً وَأَطْلَقَ حُمِلَتْ عَلَى الْأَهِلَّةِ ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ شَرْعًا .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ } الْآيَةَ .
فَإِنْ قَالَا : سَنَةً عَدَدِيَّةً أَوْ بِالْأَيَّامِ فَثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا ، وَإِنْ قَالَ : سَنَةً رُومِيَّةً أَوْ شَمْسِيَّةً أَوْ فَارِسِيَّةً .
وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ جَازَ وَلَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا ( وَ ) شَرْطٌ ( أَنْ لَا يُظَنَّ عَدَمُهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بِنَحْوِ مَوْتٍ أَوْ هَدْمٍ ( فِيهِ ) أَيْ : فِي أَمَدِ الْإِجَارَةِ فَتَصِحَّ ( وَإِنْ طَالَ ) الْأَمَدُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُسْتَأْجِرِ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا غَالِبًا .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْعَاقِدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ بَلْ الْوَقْفُ أَوْلَى قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ سَنَتَيْنِ بِأَجْرٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُشْتَرَطْ تَقْسِيطُهُ عَلَى كُلِّ سَنَةٍ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ سَنَةً لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى تَقْسِيطِ أَجْرِ كُلِّ شَهْرٍ وَ ( لَا أَنْ تَلِيَ مُدَّة ) الْإِجَارَةِ ( الْعَقْدَ فَتَصِحَّ ) إجَارَةُ عَيْنٍ ( لِسَنَةِ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ ) لِجَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مَعَ غَيْرِهَا فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً .

( وَلَوْ ) كَانَتْ الْعَيْنُ ( مُؤَجَّرَةً أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ مَشْغُولَةً ) بِنَحْوِ زَرْعٍ ( وَقْتَ عَقْدٍ ) كَمُسْلَمٍ فِيهِ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ وَقْتَ عَقْدٍ ( إنْ قَدَرَ ) مُؤَجِّرٌ ( عَلَى تَسْلِيمِ ) مَا أَجَّرَهُ ( عِنْدَ وُجُوبِهِ ) أَيْ : التَّسْلِيمِ وَهُوَ أَوَّلُ دُخُولِ الْمُدَّةِ ( فَلَا تَصِحُّ ) إجَارَةٌ ( فِي ) أَرْضٍ ( مَشْغُولَةٍ بِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَأَمْتِعَةٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَذَّرُ تَحْوِيلُهَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ ( لِلْغَيْرِ ) أَيْ : غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ صَاحِبِ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ إذَنْ .

( وَلَا ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ ( شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَيُطْلَقُ ) ؛ لِلْجَهَالَةِ وَقِيلَ : يَصِحُّ وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ عَقْدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِمَا فِي الْمُغْنِي .

( وَلَا ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( مِنْ وَكِيلٍ مُطْلَقٍ ) لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَدًا ( مُدَّةً طَوِيلَةً ) كَخَمْسِ سِنِينَ ( بَلْ ) يُؤَجِّرُ ( الْعُرْفَ ) الْمَعْهُودَ غَالِبًا ( كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا ) كَثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَكَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِأَهْلِي خُبْزًا فَاشْتَرَى قِنْطَارًا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ .

( وَتَصِحُّ ) إجَارَةٌ ( فِي آدَمِيٍّ لِرَعْيٍ وَنَحْوِهِ ) كَخِدْمَةٍ ( مَعْلُومَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَنْحَصِرُ ( وَيُسَمَّى ) مُؤَجِّرَ نَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً ( الْأَجِيرَ الْخَاصَّ لِتَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِهِ ) مُخْتَصًّا بِهِ ( سِوَى ) زَمَنِ ( فِعْلِ ) الصَّلَوَاتِ ( الْخَمْسِ بِسُنَّتِهَا ) الرَّاتِبَةِ ( فِي أَوْقَاتِهَا وَ ) سِوَى زَمَنِ فِعْلِ ( صَلَاةِ جُمُعَةٍ ) فَهِيَ ( وَ ) صَلَاةُ ( عِيدِ ) فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا .
قَالَ الْمَجْدُ : فِي شَرْحِهِ وَظَاهِرُ النَّصِّ يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ إذْنٍ .

( وَلَا يَسْتَنِيبُ ) أَجِيرٌ خَاصٌّ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِمَنْ يَرْكَبُهَا وَنَحْوَهُ .

( وَمَنْ اسْتَأْجَرَ سَنَةً ) مِنْ الْعَقْدِ ( فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ اسْتَوْفَاهَا ) أَيْ : السَّنَةَ ( بِالْأَهِلَّةِ ) فَيَسْتَوْفِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ( وَكَمُلَ عَلَى مَا بَقِيَ ) مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ فِيهِ ( ثَلَاثِينَ يَوْمًا ) ؛ لِتَعَذُّرِ إتْمَامِهِ بِالْهِلَالِ فَيُتِمُّهُ بِالْعَدَدِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَقَدْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْهِلَالِ فَوَجَبَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ( وَكَذَا كُلُّ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَشْهُرِ كَعِدَّةٍ وَصِيَامِ كَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَأَجَلِ سَلَمٍ وَخِيَارٍ وَنَذْرٍ .

وَالصُّورَةُ ( الثَّانِيَةُ ) أَنْ تَكُونَ ( لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ كَدَابَّةٍ ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَرْهُونَةٍ ( لِرُكُوبٍ لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَلَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ ( رُكُوبُ ) مُؤَجَّرَةٍ ( لِ ) مَحَلِّ ( مِثْلِهِ فِي جَادَّةٍ ) أَيْ : طَرِيقٍ ( مُمَاثِلَةٍ ) لِلطَّرِيقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَسَافَةً وَسُهُولَةً أَوْ حُزُونَةً وَأَمْنًا أَوْ خَوْفًا ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ لِيَسْتَوْفِيَ بِهِ الْمَنْفَعَةَ وَيَعْلَمَ قَدْرَهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ كَنَوْعِ الْمَحْمُولِ وَالرَّاكِبِ ( أَوْ ) ك ( بَقَرٍ ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ ( لِحَرْثِ ) أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ لَهُمَا بِالْمُشَاهَدَةِ .
فَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ وَحْدَهَا لِيَحْرُثَ هُوَ بِهَا وَأَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مَعَ صَاحِبِهَا لِيَحْرُثَ بِهَا وَالْآلَةُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَأَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مَعَ صَاحِبِهَا بِآلَتِهَا مِنْ سِكَّةٍ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْعَمَلِ بِالْمَسَاحَةِ كَجَرِيبٍ وَبِالْمُدَّةِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَهُوَ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى وَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ تَعْيِينُ الْبَقَرِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ( أَوْ ) بَقَرٍ ل ( دِيَاسٍ ل ) زَرْعٍ ( مُعَيَّنٍ ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الْحَرْثَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَرْثِ ( أَوْ آدَمِيٍّ ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ( لِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ ) مُعَيَّنٍ أَوْ لِخِيَاطَةٍ أَوْ قِصَارَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ قَطْعِ سِلْعَةٍ أَوْ قَلْعِ سِنٍّ أَوْ ضِرْسٍ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ فَصْدٍ أَوْ خَتْنٍ أَوْ كُحْلٍ أَوْ نَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ ( أَوْ رَحًى لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فَمِنْهُ مَا يَسْهُلُ وَمِنْهُ مَا يَعْسُرُ .

( وَشُرِطَ عِلْمُ عَمَلٍ ) اُسْتُؤْجِرَ لَهُ ( وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ ) لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مَجْهُولًا فَمَنْ أَجَّرَ بَهِيمَةً لِإِدَارَةِ رَحًى اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ بِالْحَجَرِ إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ وَأَنْ يُقَدَّرَ الْعَمَلُ إمَّا بِالزَّمَانِ كَيَوْمٍ أَوْ بِالطَّعَامِ بِأَنْ يَذْكُرَ جِنْسَهُ وَكَيْلَهُ .
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّتَيْنِ لِمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ ، وَيَصِحُّ اكْتِرَاءُ ظَهْرٍ يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْهِ .
وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِكُحْلٍ أَوْ لِمُدَاوَاةٍ اُشْتُرِطَ تَقْدِيرُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ كَشَهْرٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَخْتَلِفُ وَتَقْدِيرُهُ بِزَمَنِ الْبُرْءِ مَجْهُولٌ .

( فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ ) : أَنْ تَكُونَ ( عَلَى مَنْفَعَةٍ بِذِمَّةٍ ) وَهِيَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ كَاسْتَأْجَرْتُك لِحَمْلِ هَذِهِ الْغِرَارَةِ الْبُرِّ إلَى مَحَلِّ كَذَا عَلَى بَعِيرٍ تُقِيمُهُ مِنْ مَالِكَ بِكَذَا وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ مَوْصُوفٍ كَاسْتَأْجَرْتُك لِحَمْلِ غِرَارَةِ بُرٍّ صِفَتُهُ كَذَا إلَى مَكَّةَ بِكَذَا ( وَشَرْطٌ ضَبْطُهَا ) أَيْ : الْمَنْفَعَةِ ( بِمَا ) أَيْ : وَصْفٍ ( لَا يَخْتَلِفُ ) بِهِ الْعَمَلُ ( كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ ) يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ وَصِفَتَهُ وَصِفَةَ الْخِيَاطَةِ ( وَبِنَاءِ دَارٍ ) يَذْكُرُ الْآلَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ( وَحَمْلٍ ) لِشَيْءٍ يَذْكُرُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ وَأَنْ يَكْتَرِيَ لِرُكُوبِهِ عُقْبَةً بِأَنْ يَرْكَبَ شَيْئًا وَيَمْشِيَ شَيْئًا مَعْلُومًا كَفَرْسَخٍ وَفَرْسَخٍ أَوْ يَرْكَبَ نَهَارًا لَا لَيْلًا وَعَكْسُهُ ( وَ ) شَرْطٌ ( كَوْنِ أَجِيرٍ فِيهَا جَائِزَ التَّصَرُّفِ ) ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ ( وَيُسَمَّى ) الْأَجِيرُ فِيهَا ( الْمُشْتَرَكَ لِتَقْدِيرِ نَفْسِهِ بِالْعَمَلِ ) وَلِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ فَمَنْفَعَتُهُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ .
( وَ ) شَرْطٌ ( أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَعَمَلٍ ك ) قَوْلِهِ : اسْتَأْجَرْتُك ( لِتَخِيطَهُ ) أَيْ : هَذَا الثَّوْبَ ( فِي يَوْمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْرُغُ مِنْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَدْ زَادَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ فَيَكُونُ غَرَرًا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ : الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ( الشُّرُوعُ ) فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ ( عَقِبَ الْعَقْدِ ) لِجَوَازِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ إذَنْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَإِنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَالَ شَيْخُنَا : بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ ضَمِنَ .

( وَ ) شُرِطَ ( كَوْنُ عَمَلٍ ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ( لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا ) أَيْ : يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ ( كَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ) وَإِمَامَةٍ ( وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَقَضَاءٍ وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ ) لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ { إنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : { عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ .
فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا قَالَ : قُلْتُ : قَوْسٌ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ قَالَ : قُلْتُ : أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ قَالَ : إنْ سَرَّكَ أَنْ يُقَلِّدَكَ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا } .
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ { أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَأَهْدَى إلَيْهِ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا أَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ .
} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ ؛ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَوْنَهَا قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَصِحَّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا يُصَلِّي خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ أَوْ التَّرَاوِيحَ وَ ( لَا ) يَحْرُمُ أَخْذُ ( جَعَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَلِهَذَا جَازَتْ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ .
( أَوْ عَلَى رُقْيَةٍ ) نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : { انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى إذَا نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ

بِكُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ أَتَيْتُمْ هَذَا الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ بَعْضُ شَيْءٍ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ : إنِّي وَاَللَّهِ لَأَرْقِي وَلَكِنْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ { " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " } فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : اقْتَسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى : لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ الَّذِي يَأْمُرُنَا بِهِ فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ؟ ثُمَّ قَالَ : أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا وَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ .
( كَ ) مَا لَا يَحْرُمُ أَخْذٌ عَلَى ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ وَحَدِيثُ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ قَضِيَّتَانِ فِي عَيْنٍ وَمَا لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَتَعْلِيمِ خَطٍّ وَحِسَابٍ وَشِعْرٍ مُبَاحٍ وَنَحْوِهِ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَقَنَاطِرَ وَذَبْحِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهِ وَتَفْرِيقِ صَدَقَةٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ تَارَةً قُرْبَةً وَتَارَةً غَيْرَ قُرْبَةٍ أَشْبَهَ غَرْسَ الْأَشْجَارِ وَبِنَاءَ الْبُيُوتِ .

( وَ ) يَحْرُمُ أَخْذُ ( رِزْقٍ ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفٍ عَلَيْهِ ( عَلَى مُتَعَدٍّ نَفْعُهُ كَقَضَاءٍ ) وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا وَأَذَانٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَجَرَى مَجْرَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَا وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً وَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِخْلَاصِ وَإِلَّا لِمَا اُسْتُحِقَّتْ الْغَنَائِمُ وَسَلَبُ الْقَاتِلِ .

وَ ( لَا ) يَجُوزُ أَخْذُ رِزْقٍ عَلَى ( قَاصِرٍ ) مِنْ الْقُرَبِ عَلَى فَاعِلِهِ ( كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ وَنَحْوِهِمَا ) كَحِجَّةٍ عَنْ نَفْسِهِ وَاعْتِكَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَصَالِحِ إذْ لَا تَدْعُو حَاجَةُ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ .

( وَصَحَّ اسْتِئْجَارٌ لِحَجْمٍ كَفَصْدٍ ) وَلَا يَحْرُمُ أُجْرَةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَهُ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي لَفْظٍ " لَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ " ، وَلِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ أَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَكُرِهَ لِحُرٍّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ وَ ) أَكْلُ ( مَأْخُوذٍ بِلَا شَرْطٍ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْحَجْمِ ( وَيُطْعِمُهُ ) الْحَاجِمُ ( رَقِيقًا وَبَهَائِمَ ) لِحَدِيثِ { كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ " وَقَالَ : أَطْعِمْهُ نَاضِحَكَ وَرَقِيقَكَ " فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَقَدْ سَمَّى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الثُّومَ وَالْبَصَلَ خَبِيثَيْنِ مَعَ عَدَمِ تَحْرِيمِهِمَا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِلْحُرِّ تَنْزِيهًا لَهُ لِدَنَاءَةِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَكَذَا أُجْرَةُ كَسْحِ كَنِيفٍ .

( فَصْلٌ وَلِمُسْتَأْجِرٍ اسْتِيفَاءُ نَفْعٍ ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ( بِمِثْلِهِ ) ضَرَرًا كَبِدُونِهِ ( وَلَوْ اشْتَرَطَا ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرَانِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مُسْتَأْجِرٌ النَّفْعَ ( بِنَفْسِهِ ) ؛ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مِلْكُ النَّفْعِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ( فَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ رَاكِبٍ ) لِمُسْتَأْجِرٍ ( فِي طُولٍ وَقِصَرٍ وَغَيْرِهِ ) كَثِقَلٍ وَخِفَّةٍ فَلَا يَرْكَبُهَا أَطْوَلُ وَلَا أَثْقَلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ وَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِ مَا يَمْلِكُهُ وَ ( لَا ) تُعْتَبَرُ مُمَاثَلَتُهُ أَيْ : الرَّاكِبِ ( فِي مَعْرِفَةِ رُكُوبٍ ) ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ فَعُفِيَ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْإِجَارَةِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ : شَرْطِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ ( شَرْطُ زَرْعِ بُرٍّ فَقَطْ ) فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَلَهُ زَرْعُ بُرٍّ وَمِثْلِهِ وَأَخَفَّ مِنْهُ ضَرَرًا لَا أَكْثَرَ وَلِمُسْتَأْجِرِ عَيْنٍ إعَارَتُهَا لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ( وَلَا يَضْمَنُهَا مُسْتَعِيرٌ بِتَلَفٍ عِنْدَهُ ) بِلَا تَفْرِيطٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ .
فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ .
( وَجَازَ ) اسْتِيفَاءُ مُسْتَأْجِرٍ وَنَائِبِهِ ( بِمِثْلِ ضَرَرِهِ ) أَيْ : مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ مِنْ زَرْعٍ وَغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ ( لَا أَكْثَرَ ) ضَرَرًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ ( أَوْ مُخَالِفٌ ) كَمَنْ اسْتَأْجَرَ لِبِنَاءٍ فَلَا يَغْرِسُ وَعَكْسُهُ وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ فَرَسًا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَجُزْ عُرْيًا وَعَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا يُحْمَى بِذَلِكَ فَرُبَّمَا عَقَرَهَا ( فَ ) مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ( لِزَرْعِ بُرٍّ ) أَوْ نَوْعٍ مِنْهُ فَلَهُ زَرْعُ بُرٍّ .
وَ ( لَهُ زَرْعُ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ ) كَبَاقِلَّاءَ ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ ضَرَرًا ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ الْبُرِّ .
وَلِهَذَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْعِوَضُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ

إذَا تَسَلَّمَ الْأَرْضَ ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبُرَّ لِتَتَقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ .
وَ ( لَا ) يَجُوزُ لَهُ زَرْعُ ( دُخْنٍ وَنَحْوِهِ ) كَذُرَةٍ وَقُطْنٍ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ ( وَلَا غَرْسٌ أَوْ بِنَاءٌ ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الزَّرْعِ .

( وَ ) إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا ( لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ : الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ ( لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ ) ؛ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِمَا .
فَالْغَرْسُ يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ يَضُرُّ بِظَاهِرِهَا ( وَ ) إنْ اكْتَرَاهَا ( لِغَرْسٍ ، لَهُ الزَّرْعِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ .
وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِبِنَاءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الزَّرْعُ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ ضَرَرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .

( وَدَارٌ ) اُسْتُؤْجِرَتْ ( لِسُكْنَى ) لِمُسْتَأْجِرِهَا أَنْ يَسْكُنَ وَيُسْكِنَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الضُّرِّ أَوْ دُونَهُ ، وَيَضَعَ فِيهَا مَا جَرَتْ عَادَةُ السَّاكِنِ بِهِ مِنْ الرَّحْلِ وَالطَّعَامِ وَيُخَزِّنَ فِيهَا الثِّيَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَضُرُّهَا ، وَ ( لَا يَعْمَلُ فِيهَا حِدَادَةً وَلَا قِصَارَةً ) ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا ( وَلَا يُسْكِنُهَا دَابَّةً ) لِأَنَّهَا تُفْسِدُهَا بِرَوْثِهَا وَبَوْلِهَا ( وَلَا يَجْعَلُهَا مَخْزَنًا لِطَعَامٍ ) لِإِفْضَائِهِ إلَى تَخْرِيقِ الْفَأْرِ أَرْضَهَا وَحِيطَانَهَا ، وَلَا يَجْعَلُ شَيْئًا ثَقِيلًا فَوْقَ السَّقْفِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْقِلُهُ وَيَكْسِرُ خَشَبَهُ ، وَلَا يَجْعَلُ فِيهَا شَيْئًا يَضُرُّ بِهَا كَسِرْجِينٍ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَهُ إسْكَانُ ضَيْفٍ وَزَائِرٍ .

( وَ ) مَنْ اسْتَأْجَرَ ( دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ ) ؛ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِمَا لِأَنَّ الرَّاكِبَ يُعْيِي الظَّهْرَ بِحَرَكَتِهِ لَكِنَّهُ يَقْعُدُ فِي مَوْضِع وَاحِدٍ فَيَشْتَدُّ عَلَى الظَّهْرِ وَالْمَتَاعُ لَا مَعُونَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ يَتَفَرَّقُ عَلَى الْجَنْبَيْنِ .

( وَ ) إنْ اكْتَرَاهَا ( لِحَمْلِ حَدِيدٍ أَوْ قُطْنٍ لَا يَمْلِكُ حَمْلَ الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا مُخْتَلِفٌ .
فَالْقُطْنُ يَتَجَافَى وَتَهِبُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيُتْعِبُ الظَّهْرَ ، وَالْحَدِيدُ يَكُونُ فِي مَوْضِع وَاحِدٍ فَيَثْقُلُ عَلَيْهِ ( فَإِنْ فَعَلَ ) مُكْتَرٍ مَا لَا يَمْلِكُهُ بِأَنْ اكْتَرَى لِزَرْعِ بُرٍّ فَزَرَعَ دُخْنًا مَثَلًا ( أَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَشَقَّ ) مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ .
( فَ ) عَلَيْهِ الْأَجْرُ ( الْمُسَمَّى ) فِي الْإِجَارَةِ ( مَعَ تَفَاوُتِهِمَا ) أَيْ : الْمَنْفَعَتَيْنِ ( فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) فَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ أُجْرَتُهَا لِزَرْعِ بُرٍّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلدُّخْنِ عَشَرَةٌ فَيَأْخُذُ مُؤَجِّرُهَا مَعَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ اثْنَيْنِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لِمَا عَيَّنَ الْبُرَّ مَثَلًا لَمْ يَتَعَيَّنْ ، فَإِذَا زَرَعَ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ ضَرَرًا فَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَزِيَادَةً عَلَيْهَا ، فَوَجَبَ لِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى لِلْمَنْفَعَةِ وَالتَّفَاوُتُ فِي أَجْرِ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ .

( وَ ) مَنْ اكْتَرَى ( لِحُمُولَةِ قَدْرٍ ) كَمِائَةِ رِطْلِ حَدِيدٍ ( فَزَادَ ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَمَّلَهَا مِائَةً وَعَشَرَةً فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَلِزَائِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ( أَوْ ) اكْتَرَى لِيَرْكَبَ أَوْ يَحْمِلَ ( إلَى مَوْضِع مُعَيَّنٍ فَجَاوَزَهُ ) أَيْ : زَادَ عَلَيْهِ ( فَ ) عَلَيْهِ الْأَجْرُ ( الْمُسَمَّى ) ؛ لِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ ( وَ ) عَلَيْهِ ( لِزَائِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) لِتَعَدِّيهِ كَالْغَاصِبِ .
( وَإِنْ تَلِفَتْ ) دَابَّةٌ فِي زِيَادَةٍ أَوْ بَعْدَ رَدِّهَا إلَى مَكَانِ عَيَّنَهُ أَوْ بَعْدَ وَضْعِ حَمْلٍ عَنْهَا ( فَ ) عَلَى الْمُكْتَرِي ( قِيمَتُهَا كُلُّهَا ، وَلَوْ أَنَّهَا ) أَيْ : الدَّابَّةَ ( بِيَدِ صَاحِبِهَا ) بِأَنْ كَانَ مَعَهَا وَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ إنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالتَّعَدِّي .
وَسُكُوتُ رَبِّهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ كَمَا لَوْ بِيعَ مَالُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ أَوْ حُرِقَ ثَوْبُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ ؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ وَصَاحِبِ الْحَمْلِ .

وَ ( لَا ) ضَمَانَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ( إنْ تَلِفَتْ ) الْمُسْتَأْجَرَةُ ( بِيَدِ صَاحِبِهَا .
وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِسَبَبٍ غَيْرِ حَاصِلٍ مِنْ الزِّيَادَةِ ) بِأَنْ افْتَرَسَهَا سَبُعٌ أَوْ جَرَحَهَا إنْسَانٌ أَوْ سَقَطَتْ مِنْهُ فِي هُوَّةٍ فَمَاتَتْ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ وَإِنْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ بِتَعَبِهَا بِتَعَدِّيهِ ضَمِنَهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ غَيْرَهُ مَعَهُ .

( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ : الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي ( فِي صِفَةِ الِانْتِفَاعِ ) بِأَنْ قَالَ مُسْتَأْجِرٌ : اسْتَأْجَرْتُهَا لِلْغَرْسِ ، فَقَالَ مُؤَجِّرٌ : بَلْ لِلزَّرْعِ وَلَا بَيِّنَةَ ( فَقَوْلُ مُؤَجِّرٍ ) بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ .

فَصْلٌ وَيَجِبُ عَلَى مُؤَجِّرٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ ( كُلُّ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ أَوْ عُرْفٌ مِنْ آلَةٍ كَزِمَامِ مَرْكُوبٍ ) لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْبَرَّةِ الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي ( وَرَحْلِهِ وَحِزَامِهِ ) وَقَتَبِ بَعِيرٍ وَلِفَرَسٍ لِجَامٌ وَسَرْجٌ ، وَلِحِمَارٍ وَبَغْلٍ بَرْذعَةٌ أَوْ إكَافٌ ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ ( أَوْ فِعْلٍ ) عُطِفَ عَلَى آلَةٍ ( كَقَوْدٍ وَسَوْقٍ ) لِدَابَّةٍ ( وَرَفْعٍ وَشَدٍّ وَحَطٍّ ) لِمَحْمُولٍ ، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ وَبِهِ يَتَمَكَّنُ الْمُكْتَرِي مِنْ الِانْتِفَاعِ ( وَلُزُومِ دَابَّةٍ لِنُزُولِ الْحَاجَةِ ) بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَكَذَا طَهَارَةٌ ( وَوَاجِبٍ ) كَفَرْضِ صَلَاةٍ .
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ : وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْعَيْنِ ، وَيَدَعُ الْبَعِيرَ وَاقِفًا حَتَّى يَقْضِيَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، بِخِلَافِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ رَاكِبًا ( وَ ) عَلَى مُؤَجِّرٍ ( تَبْرِيكُ بَعِيرٍ لِامْرَأَةٍ وَشَيْخٍ وَمَرِيضٍ ) لِرُكُوبٍ وَنُزُولٍ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْهُ إلَّا بِذَلِكَ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ ضَعُفَ عَنْ الرُّكُوبِ وَالْبَعِيرُ قَائِمٌ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ .
فَإِنْ أَرَادَ مُكْتَرٍ إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَطَلَبَهُ الْجَمَّالُ بِقَصْرِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَلْ تَكُونُ خَفِيفَةً فِي تَمَامٍ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَمَنْ اكْتَرَى بَعِيرًا لِإِنْسَانٍ يَرْكَبُهُ لِنَفْسِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ وَفَاءٌ لَهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ عَلَى أَنْ يُسَافِرَ مَعَهُ ( وَ ) عَلَى مُؤَجِّرٍ ( مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ ) مُسْتَأْجِرٌ ( مِنْ نَفْعٍ كَتَرْمِيمِ دَارٍ ) مُؤَجَّرَةٍ ( بِإِصْلَاحِ مُنْكَسِرٍ وَإِقَامَةِ مَائِلٍ ) مِنْ حَائِطٍ وَسَقْفٍ وَبَلَاطٍ ( وَعَمَلِ بَابٍ وَتَطْيِينِ سَطْحٍ وَتَنْظِيفِهِ مِنْ ثَلْجٍ وَنَحْوِهِ ) كَإِصْلَاحِ بِرْكَةِ دَارٍ وَأَحْوَاضِ حَمَّامٍ وَمَجَارِي مِيَاهِهِ وَسَلَالِيمِ الْأَسْطِحَةِ ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ وَشَبَهِهِ

يَتَمَكَّنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ النَّفْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .

( وَلَا يُجْبَرُ ) مُؤَجِّرٌ ( عَلَى تَجْدِيدِ ) بَيْتٍ زَائِدٍ عَمَّا فِي الدَّارِ حَالَ الْإِجَارَةِ وَلَا عَلَى هَدْمِ عَامِرٍ وَإِعَادَتِهِ جَدِيدًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ .

( وَلَوْ ) أَجَّرَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا وَنَحْوَهُ وَ ( شَرَطَ ) مُؤَجِّرٌ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَقُومَ بِأُجْرَتِهَا ( مُدَّةَ تَعْطِيلِهَا ) إنْ تَعَطَّلَتْ لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ ) شَرَطَ عَلَيْهِ ( أَنْ يَأْخُذَ ) أَيْ : يَنْتَفِعَ بِمُؤَجَّرَةٍ ( بِقَدْرِهَا ) مُدَّةَ تَعْطِيلِهَا ( بَعْدَ ) مُدَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ ) شَرَطَ عَلَيْهِ ( الْعِمَارَةَ ) لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ جَعَلَهَا ) أَيْ : الْعِمَارَةَ فِي الْمُؤَجَّرَةِ ( أُجْرَةً ) لَهُ ( لَمْ يَصِحَّ ) أَمَّا فِي الْأُولَى ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مُدَّةً لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ فِي بَعْضِهَا .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَنْضَبِطُ فَيُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْأُجْرَةِ ( لَكِنْ لَوْ عَمَّرَ ) مُكْتَرٍ ( بِهَذَا الشَّرْطِ ) الْمَذْكُورِ رَجَعَ ( أَوْ ) عَمَّرَ مُكْتَرٍ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ : الْمُكْرِي لَهُ فِي الْعِمَارَةِ ( رَجَعَ ) مُكْتَرٍ عَلَى مُكْرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى عَيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا .
أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فِي الْعِمَارَةِ وَلَا بَيِّنَةَ رَجَعَ ( بِمَا قَالَ مُكْرٍ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ .
( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى مُكْتَرٍ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ ، بَلْ إنْ أَرَادَهُ مُكْتَرٍ فَمِنْ مَالِهِ ( مَحْمِلٌ ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ : كَمَجْلِسٍ شِقَّتَانِ عَلَى الْبَعِيرِ يُحْمَلُ فِيهِمَا الْعَدِيلَانِ ( وَمِظَلَّةٌ ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ : مِنْ الْأَخْبِيَةِ .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : ( وَوِطَاءٌ فَوْقَ الرَّحْلِ وَحَبْلُ قِرَانٍ وَبَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ وَدَلِيلٌ ) إنْ جَهِلَا الطَّرِيقَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمُكْتَرِي وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الدَّابَّةِ وَآلَتِهَا .
أَشْبَهَ الزَّادَ ، وَإِذَا اكْتَرَى لِلْحَجِّ رَكِبَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ لِلْعَوْدِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى رَمْيِ الْجِمَارِ .
وَإِنْ اكْتَرَى إلَى مَكَّةَ لَمْ

يَتَجَاوَزْهَا .

( وَ ) مَنْ اكْتَرَى بِئْرًا لِيَسْقِيَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ أَيْ : الْمُكْتَرِي ( بَكَرَةٌ وَحَبْلٌ وَدَلْوٌ ) كَمُكْتَرٍ أَرْضًا لِزَرْعٍ فَآلَةُ حَرْثٍ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِ .

( وَ ) عَلَى مُكْتِرِ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ وَنَحْوَهُ ( تَفْرِيغُ بَالُوعَةٍ وَكَنِيفٍ وَدَارٍ مِنْ قُمَامَةٍ وَزِبْلٍ وَنَحْوِهِ ) كَرَمَادٍ ( إنْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ ) أَيْ : الْمُكْتَرِي كَمَا لَوْ أَلْقَى فِيهَا جِيفَةً أَوْ تُرَابًا وَنَحْوَهُ ( وَعَلَى مُكْرٍ تَسْلِيمُهَا ) أَيْ : الْمُؤَجَّرَةِ ( فَارِغَةً ) بَالُوعَتِهَا وَكَنِيفِهَا وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ مَعَ امْتِلَائِهِ ( وَ ) عَلَى مُكْرٍ ( تَسْلِيمُ مِفْتَاحٍ ) لِأَنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَيُتَوَصَّلُ إلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْمِفْتَاحُ ( أَمَانَةٌ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ ) كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَإِنْ ضَاعَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَعَلَى مُؤَجِّرٍ بَدَلُهُ ، وَلَا يَلْزَمُ تَحْسِينُ وَلَا تَزْوِيقُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِدُونِهِ .

( فَصْلٌ وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا بِلَا مُوجِبٍ .
لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ .
( فَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ مُسْتَأْجِرٌ ) مُؤَجَّرَةً لِعُذْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ لَا فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ( أَوْ تَحَوَّلَ ) مُسْتَأْجِرٌ مِنْهَا ( فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ) ؛ لِاقْتِضَاءِ الْإِجَارَةِ تَمْلِيكَ الْمُؤَجِّرِ الْأَجْرَ ، وَالْمُسْتَأْجِرِ النَّفْعَ ، فَإِذَا تَرَكَهُ مُسْتَأْجِرٌ اخْتِيَارًا مِنْهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ ، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَتَرَكَهُ ، وَلَا يَجُوزُ لِمُؤَجِّرٍ تَصَرُّفٌ فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ وَيَدُ مُسْتَأْجِرٍ عَلَيْهَا كَأَنْ سَكَّنَ الدَّارَ أَوْ أَجَّرَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرٍ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُسْتَأْجِرٍ ، وَعَلَى مُسْتَأْجِرٍ الْأُجْرَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا لَهُ .
وَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ سَلَّمَهَا لَهُ فِي أَثْنَائِهَا انْفَسَخَتْ فِيمَا مَضَى وَوَجَبَ أَجْرُ الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ .
( وَإِنْ حَوَّلَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرَ ( مَالِكُ ) الدَّارِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا أُجْرَةَ لِمَا سُكِنَ قَبْلَ أَنْ يُحَوِّلَهُ الْمُؤَجِّرُ نَصًّا .

( أَوْ امْتَنَعَ ) مُؤَجِّرُ دَابَّةٍ ( مِنْ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ ) الْمُؤَجَّرَةِ ( فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ ) فِي أَثْنَاءِ ( الْمَسَافَةَ ) الْمُؤَجَّرَةِ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا فَلَا أُجْرَةَ لِرُكُوبِهِ أَوْ حَمْلِهِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَنْعِ مِنْهُ ( أَوْ ) امْتَنَعَ ( الْأَجِيرُ ) لِعَمَلٍ ( مِنْ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ فَلَا أُجْرَةَ ) لَهُ لِمَا عَمِلَهُ قَبْلُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْمِلُ لَهُ كِتَابًا إلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ فَحَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ ، أَوْ لِيَحْفِرَ لَهُ أَذْرُعًا فَحَفَرَ بَعْضَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ حَفْرِ الْبَاقِي .

( وَإِنْ شَرَدَتْ ) دَابَّةٌ ( مُؤَجَّرَةٌ ، أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ بَاقِي النَّفْعِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ : الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ ( فَ ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ ( الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى ) مِنْ النَّفْعِ قَبْلَ ذَلِكَ لِعُذْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا .

( وَإِنْ هَرَبَ أَجِيرٌ ) مُدَّةَ الْعَمَلِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ انْفَسَخَتْ ( أَوْ ) هَرَبَ ( مُؤَجِّرُ عَيْنٍ بِهَا ) أَيْ : قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ انْفَسَخَتْ .
( أَوْ شَرَدَتْ ) دَابَّةٌ مُؤَجَّرَةٌ ( قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ ) مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ( انْفَسَخَتْ ) الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ زَمَنِهَا الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ عَادَتْ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ شَيْئًا فَشَيْئًا .

، وَلَا أُجْرَةَ لِزَمَنِ هَرَبٍ ( فَلَوْ كَانَتْ ) الْإِجَارَةُ ( عَلَى عَمَلٍ ) مَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ ، أَوْ حَمْلٍ إلَى مَحَلٍّ مَعْلُومٍ وَهَرَبَ الْأَجِيرُ ( اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ ) كَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ إذَا هَرَبَ وَنَحْوَهُ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) اسْتِئْجَارُ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ مَالِهِ ( خُيِّرَ مُسْتَأْجِرٌ بَيْنَ فَسْخِ ) إجَارَةٍ ( وَ ) بَيْنَ ( صَبْرٍ ) إلَى قُدْرَةٍ عَلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ بِعَمَلِهِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَفُوتُ بِهَرَبِهِ .

( وَإِنْ هَرَبَ ) جَمَّالٌ أَوْ نَحْوُهُ ( أَوْ مَاتَ جَمَّالٌ أَوْ نَحْوُهُ ) كَحَمَّارٍ وَبَغَّالٍ ( وَتَرَكَ بَهَائِمَهُ ) الَّتِي أَكْرَاهَا ( وَلَهُ ) أَيْ : الْهَارِبِ ( مَالٌ ) مَقْدُورٌ عَلَيْهِ ( أَنْفَقَ عَلَيْهَا ) أَيْ : الْبَهَائِمِ ( مِنْهُ ) أَيْ : الْمَالِ ( حَاكِمٌ ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ وَالْحَاكِمُ نَائِبُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ لِلْهَارِبِ عَلَى مَالٍ ( فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُكْتَرٍ بِإِذْنِ حَاكِمٍ ) رَجَعَ لِقِيَامِ إذْنِ الْحَاكِمِ مَقَامَ إذْنِ رَبِّهَا ( أَوْ ) أَنْفَقَ عَلَيْهَا مُكْتَرٍ بِدُونِ إذْنِ حَاكِمٍ ( بِنِيَّةِ رُجُوعٍ رَجَعَ ) عَلَى مَالِكِهَا بِمَا أَنْفَقَهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا ، أَشْهَدَ عَلَى نِيَّةِ رُجُوعِهِ بِأَنْ قَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي مَا أَنْفَقْتُ عَلَى هَذِهِ الْبَهَائِمِ إلَّا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ لَا ، لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا أَنْفَقَهُ وَكَانَ الْحَاكِمُ قَدَّرَهُ ، قُبِلَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي فِي ذَلِكَ دُونَ مَا زَادَ ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ .
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ : ( فَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ بَاعَهَا ) أَيْ : الْبَهَائِمَ ( حَاكِمٌ وَوَفَّاهُ ) مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْبَهَائِمِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصًا لِذِمَّةِ الْغَائِبِ وَإِيفَاءَ الْمُنْفِقِ ( وَحِفْظَ بَاقِي ثَمَنِهَا لِمَالِكِهَا ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَ مَالِ الْغَائِبِ .

( وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ ) مَحَلٍّ ( مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ) كَدَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ مَاتَ أَوْ دَارٍ انْهَدَمَتْ قَبَضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَا ؛ لِزَوَالِ الْمَنْفَعَةِ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَقَبْضُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِيفَائِهَا أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلُ ذَلِكَ .
( وَ ) إنْ تَلِفَ مُؤَجَّرٌ ( فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ مَضَى ) مِنْهَا ( مَا لَهُ أُجْرَةٌ ) عَادَةً انْفَسَخَتْ ( فِيمَا بَقِيَ ) مِنْ الْمُدَّةِ كَتَلَفِ إحْدَى صُبْرَتَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِجَائِحَةٍ ، وَيُعْطِيهِ بِحِسَابِ مَا انْتَفَعَ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَجْرُ بِحَسَبِ الزَّمَنِ كَمَوْسِمٍ وَتَفَرُّجٍ اُعْتُبِرَ بِحَسَبِهِ .

( وَ ) تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ ب ( انْقِلَاعِ ضِرْسٍ اكْتَرَى لِقَلْعِهِ ، أَوْ ) اكْتَرَى ( مُدَّةً مَعْلُومَةً لِبُرْئِهِ ) ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْمَوْتِ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ أَوْ امْتَنَعَ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ فِعْلِهِ لَمْ يُجْبَرْ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ : تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ ، كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيَقْتَصَّ مِنْ آخَرَ أَوْ يَحُدُّهُ فَمَاتَ أَوْ لِيُدَاوِيه فَبَرِئَ أَوْ مَاتَ .
وَسَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ كَقَتْلِهِ الْعَبْدَ الْمُؤَجَّرَ أَوْ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ كَمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ .
وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ غَيْرَهُ .
وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ ، كَالْمَرْأَةِ تَقْطَعُ ذَكَرَ زَوْجِهَا تَضْمَنُهُ وَتَمْلِكُ الْفَسْخَ .

( وَ ) تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ ب ( مَوْتِ مُرْتَضِعٍ ) أَوْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْهَا ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الِارْتِضَاعِ لِاخْتِلَافِ الْمُرْتَضِعِينَ فِيهِ ، وَقَدْ يُدَرُّ اللَّبَنُ عَلَى وَاحِدٍ دُونَ آخَرَ ، وَكَذَا إنْ مَاتَتْ مُرْضِعَةٌ .

( لَا ) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ ( رَاكِبٍ اكْتَرَى لَهُ ) مُطْلَقًا ، أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ لَا .
وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُكْتَرِيَ أَوْ غَيْرَهُ اكْتَرَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الدَّابَّةِ دُونَ الرَّاكِبِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ يُمَاثِلُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّاكِبَ لِتَتَقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا مُعَيَّنًا فَتَلِفَ ( وَلَا ) تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ ( مُكْرٍ ، أَوْ ) أَيْ : وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ ( مُكْتَرٍ ) لِلُزُومِهَا كَالْبَيْعِ .
وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ أَمَةَ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدَانِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا تَنْفَسِخُ ب ( عُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَكْتَرِيَ ) جَمَلًا مَثَلًا لِيَحُجَّ عَلَيْهِ ( فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ ) فَلَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ ( أَوْ ) يَكْتَرِيَ دُكَّانًا مَثَلًا لِيَبِيعَ مَتَاعَهُ فَ ( يَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ .
فَلَمْ يَجُزْ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ ، بِخِلَافِ الْإِبَاقِ ( فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ ( أَوْ انْهَدَمَتْ ) الدَّارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ( انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ ) مِنْ الْمُدَّةِ لِتَعَطُّلِ النَّفْعِ فِيهِ ( وَيُخَيَّرُ مُكْتَرٍ فِيمَا ) أَيْ : مُؤَجَّرٍ ( انْهَدَمَ بَعْضُهُ ) كَدَارٍ انْهَدَمَ مِنْهَا بَيْتٌ خُيِّرَ بَيْنَ فَسْخٍ وَإِمْسَاكٍ لِلْعَيْبِ ( فَإِنْ أَمْسَكَ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْأُجْرَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا .
فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .

( وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ ) لِلزَّرْعِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَا مَاءَ لَهُمَا .
صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَرْعِهَا رَجَاءَ الْمَاءِ وَمِنْ النُّزُولِ وَوَضْعِ رَحْلِهِ وَجَمْعِ الْحَطَبِ فِيهَا .
وَلَهُ زَرْعُهَا بَعْدَ حُصُولِ الْمَاءِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا وَلَا يَغْرِسَ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ ، وَتَقْدِيرُ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ تَقْتَضِي تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يَصْرِفُ التَّقْدِيرَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِظَاهِرِهِ فِي التَّفْرِيغِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ( أَوْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ قَالَ : أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ سَنَةً بِكَذَا .
فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ : قَبِلْت ( مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا ) أَيْ : أَنْ لَا مَاءَ لَهَا ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا مَاءَ لَهَا .
فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَاهُ ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا فِي الْأُولَى وَالْأَرْضُ الَّتِي لَهَا مَاءٌ غَيْرُ دَائِمٍ أَوْ الظَّاهِرُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ لَا يَكْفِي الزَّرْعَ كَالَّتِي لَا مَاءَ لَهَا .

وَ ( لَا ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِأَرْضٍ لَا مَاءَ لَهَا ( إنْ ظَنَّ إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ ) أَيْ : الْمَاءِ .
أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُؤَجَّرَ يَحْصُلُ لَهُ ، وَأَنَّهُ يَكْتَرِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مَعَ تَعَذُّرِهَا ( وَإِنْ عَلِمَ ) مُسْتَأْجِرٌ وُجُودَهُ ( أَوْ ظَنَّ وُجُودَهُ ) أَيْ : الْمَاءِ ( بِأَمْطَارٍ ) مُعْتَادَةٍ ( أَوْ زِيَادَةٍ ) مُعْتَادَةٍ ، كَالْأَرْضِ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ الْمُعْتَادِ غَالِبًا فِي النِّيلِ أَوْ الْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا ( صَحَّ ) الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ مَائِهَا ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ مُعْتَادٌ .
وَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ ، وَالْأَرْضُ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا لَكِنْ مَا زُرِعَ أَوْ غُرِسَ فِيهَا يَكْفِيهِ الشُّرْبُ بِعُرُوقِهِ لِنَدَاوَتِهَا وَقُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فَكَالَّتِي لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ ، لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ أَوْ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الزَّرْعِ .
وَالْأَرْضُ الَّتِي يَنْدُرُ مَجِيءُ الْأَمْطَارِ إلَيْهَا كَالَّتِي لَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَنْدُرُ وُجُودُهُ أَوْ تَشْرَبُ مِنْ فَيْضِ وَادٍ مَجِيئُهُ نَادِرًا أَوْ مِنْ زِيَادَةٍ نَادِرَةٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ عَالِيَةٍ فَإِجَارَتُهَا بَعْدَ وُجُودِ مَا يَسْقِيهَا تَصِحُّ وَإِنْ أُجِّرَتْ قَبْلَهُ لِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ تَوَقُّعًا لِحُصُولِ الْمَاءِ لَمْ تَصِحَّ لِتَعَذُّرِ النَّفْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا ، كَإِجَارَةِ الْآبِقِ .

( وَلَوْ زَرَعَ ) مُسْتَأْجِرٌ ( فَغَرِقَ ) الزَّرْعُ ( أَوْ تَلِفَ ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ لَمْ يَنْبُتْ ) الزَّرْعُ ( فَلَا ) ضَمَانَ عَلَى مُؤَجِّرٍ وَلَا ( خِيَارَ ) لِمُسْتَأْجِرٍ ( وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَسَبَبُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ .

( وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُ ) مُؤَجَّرَةٍ ( لِغَرَقٍ ) حَصَلَ بِهَا ( أَوْ قَلَّ الْمَاءُ قَبْلَ زَرْعِهَا ) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الزَّرْعُ ( أَوْ ) قَلَّ الْمَاءُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ زَرْعِهَا بِحَيْثُ لَا يَكْفِي لِلزَّرْعِ ( أَوْ عَابَتْ ) الْأَرْضُ ( بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ الزَّرْعُ ) أَوْ يَهْلِكُ بَعْضُهُ ( فَلَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ ( الْخِيَارُ ) لِنَقْصِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ بَعْدَ زَرْعٍ بَقِيَ الزَّرْعُ إلَى الْحَصَادِ ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِحِصَّتِهِ إلَى الْفَسْخِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مُتَّصِفَةً بِذَلِكَ الْعَيْبِ ، وَأَرْضٌ غَارِقَةٌ بِالْمَاءِ لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا قَبْلَ انْحِسَارِهِ وَهُوَ تَارَةً يَنْحَسِرُ وَتَارَةً لَا يَنْحَسِرُ ، لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا إذَنْ ؛ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ غَالِبًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَمَا لَمْ يُرْوَ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ قَالَ فِي الْإِجَارَةِ : مَقِيلًا وَمَرَاحًا أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَقْدٌ كَالْبَرِّيَّةِ .

( وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا ) أَيْ : الْأَرْضَ ( سَنَةً فَزَرَعَهَا ) زَرْعًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِنَبَاتِهِ فِيهَا ( فَلَمْ يَنْبُتْ إلَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ ( الْأُجْرَةُ ) لِلْأَرْضِ ( مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا ) كَمَا لَوْ أَعَارَهُ إيَّاهَا ثُمَّ رَجَعَ ( وَلَيْسَ لِرَبِّهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ ( قَلْعُهُ ) أَيْ : الزَّرْعِ ( قَبْلَ إدْرَاكِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِتَأْخِيرِهِ أَشْبَهَ زَرْعَ الْمُسْتَعِيرِ .

( وَإِنْ غُصِبَتْ مُؤَجَّرَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعَمَلٍ ) بِأَنْ قَالَ : اسْتَأْجَرْتُ مِنْك هَذِهِ الْفَرَسَ لِأَرْكَبَهَا إلَى مَحَلِّ كَذَا ، أَوْ هَذَا الْعَبْدَ لِيَبْنِيَ لِي هَذَا الْحَائِطَ بِكَذَا .
فَغُضِبَتْ الْفَرَسُ أَوْ الْعَبْدُ ( خُيِّرَ ) مُسْتَأْجِرٌ ( بَيْنَ فَسْخِ ) إجَارَةٍ ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ مَبِيعٍ ( وَ ) بَيْنَ ( صَبْرٍ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُ فَإِذَا أَخَّرَهُ جَازَ .
( وَ ) إنْ غُصِبَتْ مُؤَجَّرَةٌ مُعَيَّنَةٌ ( لِمُدَّةٍ ) كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ سَنَةً لِلْخِدْمَةِ .
فَغُصِبَ ( خُيِّرَ ) مُسْتَأْجِرٌ ( بَيْنَ فَسْخٍ وَ ) بَيْنَ ( إمْضَاءٍ ) أَيْ : إبْقَاءِ الْعَقْدِ بِلَا فَسْخٍ ( وَمُطَالَبَةِ غَاصِبٍ بِأَجْرِ مِثْلٍ ) وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ غَصْبٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَفُتْ مُطْلَقًا بَلْ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقِيمَةُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ بِكَيْلٍ وَنَحْوِهِ آدَمِيٌّ ( مُتَرَاخِيًا وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا ) أَيْ : الْمُدَّةِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ ( فَإِنْ فَسَخَ ) الْإِجَارَةَ ( فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى ) مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ بِالْقِسْطِ .
وَإِنْ أَمْضَى فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى تَامًّا ، وَيَرْجِعُ عَلَى غَاصِبٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ .

( وَإِنْ رُدَّتْ ) مُؤَجَّرَةٌ مَغْصُوبَةٌ ( فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ : الْمُدَّةِ ( قَبْلَ فَسْخِ ) مُسْتَأْجِرٍ ( اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ ) مِنْ الْمُدَّةِ ( وَخُيِّرَ فِيمَا مَضَى ) وَالْعَيْنُ بِيَدِ غَاصِبٍ ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَيُطَالِبُ الْغَاصِبَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَلَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ ( بَدَلٌ مَوْصُوفَةٌ بِذِمَّةٍ ) غُصِبَتْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعِيبًا ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الْبَدَلُ ( فَلَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ ( الْفَسْخُ ) وَالصَّبْرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَتَنْفَسِخُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إنْ كَانَتْ إلَى مُدَّةٍ .
( وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ ) لِلْمُؤَجَّرَةِ ( الْمُؤَجِّرَ ) لَهَا ( فَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُطْلَقًا ) نَصًّا ، أَيْ : سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ أَوْ إلَى مُدَّةٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ ، وَسَوَاءٌ غَصَبَهَا قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ فِيهَا لِمَا تَقَدَّمَ ( وَحُدُوثُ خَوْفٍ عَامٍّ ) يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِمُؤَجَّرَةٍ ( كَغَصْبٍ ) فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْخِيَارُ فَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ خَاصًّا بِمُسْتَأْجِرٍ كَخَوْفِهِ مِنْ السَّفَرِ لِقُرْبِ عَدُوِّهِ مِنْ مَحَلٍّ يُرِيدُ سُلُوكِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ يَخْتَصُّ بِهِ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَشْبَهَ مَرَضَهُ .

( وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ ) كَخِيَاطَةٍ وَبِنَاءٍ ( وَلَمْ تُشْتَرَطْ مُبَاشَرَتُهُ ) لَهُ فِي الْعَقْدِ ( فَمَرِضَ أُقِيمَ عِوَضُهُ ) مَنْ يَعْمَلُهُ لِيَخْرُجَ مِمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ( وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمَرِيضِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا لَزِمَهُ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إنْظَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ ) أَيْ : فِي الْعَمَلِ ( الْقَصْدُ ، كَنَسْخٍ ) لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْخُطُوطِ ( وَنَحْوه ) كَتِجَارَةٍ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْحِذْقِ فَلَا ( أَوْ وَقَعَتْ ) الْإِجَارَةُ ( عَلَى عَيْنِهِ ) كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَلَا ( أَوْ شُرِطَتْ مُبَاشَرَتُهُ ) الْعَمَلَ ( فَلَا ) يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبُولُ عَمَلِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَحْصُلُ بِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي نَوْعٍ فَسَلَّمَ إلَيْهِ غَيْرَهُ .
( وَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ ) ؛ لِتَعَذُّرِ تَعْجِيلِ حَقِّهِ الْوَاجِبِ تَعْجِيلُهُ .

( وَإِنْ ظَهَرَ ) بِمُؤَجَّرَةٍ عَيْبٌ بِأَنْ كَانَ بِهَا حِينَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ مُسْتَأْجِرٌ كَمَا لَوْ وَجَدَ الدَّابَّةَ جَمُوحًا أَوْ عَضُوضًا أَوْ عَرْجَاءَ بِحَيْثُ تَتَأَخَّرُ بِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ وَنَحْوَهُ كَعَمًى ( أَوْ حَدَثَ ) بِمُؤَجَّرٍ ، عَيْبٌ كَجُنُونِ أَجِيرٍ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْعَيْبُ ( مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ ) بِأَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعَهُ دُونَهَا مَعَ عَدَمِهِ ( فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ ) لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .
أَشْبَهَ الْعَيْبَ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا .
فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ فَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَأَثْبَتَ الْفَسْخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا ( إنْ لَمْ يَزُلْ ) الْعَيْبُ ( بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرَ .
فَإِنْ اسْتَدَّتْ الْبَالُوعَةُ وَفَتَحَهَا مُؤَجِّرٌ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا تَتْلَفُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ تَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَلَا خِيَارَ لَهُ ( وَ ) لِمُسْتَأْجِرٍ أَيْضًا ( الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا ) بِلَا أَرْشٍ لِعَيْبٍ قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ لِرِضَاهُ بِالنَّقْصِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ لَهُ الْأَرْشُ .

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَوْجُودِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ ؟ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ( وَيَصِحُّ بَيْعُ ) عَيْنٍ ( مُؤَجَّرَةٍ ) نَصًّا سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ ثُمَّ بِيعَتْ قَبْلَهَا أَوْ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ كَبَيْعِ الْمُزَوَّجَةِ .
وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ ( وَلِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ ) أَنَّ الْمَبِيعَ مُؤَجَّرٌ ( فَسْخٌ أَوْ إمْضَاءٌ ) لِلْبَيْعِ ( مَجَّانًا ) أَيْ : بِلَا أَرْشٍ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : الْفَسْخُ أَوْ الْأَرْشُ .
قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ عَيْبٌ ( وَالْأُجْرَةُ ) مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ ( وَلَهُ ) نَصًّا وَاسْتُشْكِلَ بِكَوْنِ الْمَنَافِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَائِعِ فَلَا تَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِوَضُهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ عِوَضَهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ لَمْ يَسْتَقِرَّ بَعْدُ وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَرَجَعَتْ الْمَنَافِعُ إلَى الْبَائِعِ .
فَإِذَا بَاعَ الْعَيْنَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَنَافِعُ وَلَا عِوَضُهَا مُسْتَحَقًّا لَهُ لِشُمُولِ الْبَيْعِ لِلْعَيْنِ وَمَنَافِعِهَا ، فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِيمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ عِوَضِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ الْمُسْتَأْجِرِ .
فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ الْأُجْرَةُ وَالثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَشْمَلْ الْمَنَافِعَ الْجَارِيَةَ فِي مِلْكِهِ بِعَقْدِ التَّاجِرِ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْإِنْسَانِ لِمِلْكِ نَفْسِهِ مُحَالٌ .

( وَلَا تَنْفَسِخُ ) الْإِجَارَةُ ( بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ ) لِعَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْبَيْعُ أَوْ الْهِبَةُ ( لِمُسْتَأْجِرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ مَلَكَ الْعَيْنَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ ، فَلَمْ يَتَنَافَيَا ، كَمَا لَوْ مَلَكَ الثَّمَرَةَ بِعَقْدٍ ثُمَّ مَلَكَ الْعَيْنَ بِعَقْدٍ آخَرَ .
( وَلَا ) تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ ( بِوَقْفِ ) عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ ( وَلَا بِانْتِقَالِ ) الْمِلْكِ فِيهَا ( بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ صُلْحٍ وَنَحْوِهِ ) كَجَعَالَةٍ ، لِوُرُودِهَا عَلَى مَا يَمْلِكُهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْعَيْنِ الْمَسْلُوبَةِ النَّفْعِ زَمَنَ الْإِجَارَةِ .
فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ أَبِيهِ دَارًا أَوْ نَحْوَهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَخَلَّفَ الْمُسْتَأْجِرَ وَأَخَاهُ فَالدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِهَا لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ فِيهَا ، وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ قَبَضَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى أَخِيهِ وَلَا تَرِكَةَ أَبِيهِ وَمَا خَلَّفَهُ أَبُوهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .

( فَصْلٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ خَاصٍّ ، وَهُوَ مَنْ اسْتَأْجَرَ مُدَّةَ سَلَّمَ نَفْسَهُ ) لِمُسْتَأْجِرٍ كَأَنْ عَمِلَ بِبَيْتِهِ ( وَلَا ) بِأَنْ عَمِلَ بِبَيْتِ نَفْسِهِ ( فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ ) أَيْ : الْأَجِيرِ نَصًّا كَمَا لَوْ انْكَسَرَتْ مِنْهُ الْجَرَّةُ الَّتِي يَسْتَقِي بِهَا أَوْ الْآلَةُ الَّتِي يَحْرُثُ بِهَا أَوْ الْمَكِيلُ الَّذِي يَكِيلُ بِهِ أَوْ نَحْوَهُ ، لِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ .
فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ ، كَسِرَايَةِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ .
وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ " كَانَ يُضَمِّنُ الْأُجَرَاءَ ، وَيَقُولُ : لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا هَذَا " فَهُوَ مُرْسَلٌ وَالصَّحِيحُ فِيهِ : أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ ، وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ .
؛ وَلِأَنَّ الْخَاصَّ نَائِبٌ عَنْ الْمِلْكِ فِي صَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ فَلَمْ يُضَمَّنْ ( إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ ) إتْلَافًا فَيُضَمَّنُ لِإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي ( أَوْ يُفَرِّطَ ) أَيْ : يُقَصِّرُ فِي الْحِفْظِ فَيُضَمَّنُ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ .

( وَلَا ) ضَمَانَ عَلَى ( حَجَّامٍ أَوْ خَتَّانٌ أَوْ بَيْطَارٍ أَوْ طَبِيبٍ خَاصًّا ) كَانَ ( أَوْ مُشْتَرَكًا ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ( حَاذِقًا ) أَيْ : عَارِفًا فِي صِنَاعَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ ، فَيَضْمَنُ بِسِرَايَتِهِ كَمَا لَوْ تَعَدَّى بِهِ ، وَأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ بِفِعْلِهِ مَا لَا يَنْبَغِي تَجَاوُزَهُ بِأَنْ ( لَمْ تَجْنِ يَدُهُ ) فَإِنْ تَجَاوَزَ بِالْخِتَانِ إلَى الْحَشَفَةِ أَوْ بِقَطْعِ السَّلْعَةِ أَوْ نَحْوِهَا مَحَلَّ الْقَطْعِ ، أَوْ قَطَعَ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَطْعُ ، أَوْ بِآلَةٍ كَالَّةٍ وَنَحْوِهَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ ( وَأَذِنَ فِيهِ ) أَيْ : الْفِعْلِ ( مُكَلَّفٌ ) وَقَعَ الْفِعْلُ بِهِ ( أَوْ ) أَذِنَ فِيهِ ( وَلِيُّ ) صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَقَعَ بِهِ الْفِعْلُ .
فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ " أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ فِي طِفْلَةٍ مَاتَتْ مِنْ الْخِتَانِ بِدِيَتِهَا عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنَتِهَا " .

( وَلَا ) ضَمَانَ عَلَى ( رَاعٍ لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطُ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْبَتِهَا ) أَيْ : الْمَاشِيَةِ ( عَنْهُ وَنَحْوِهِ ) كَإِسْرَافٍ فِي ضَرْبٍ أَوْ سُلُوكِهِ مَوْضِعًا يَتَعَرَّضَ لِتَلَفِهَا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى حِفْظِهَا ، فَلَا يَضْمَنُهَا بِدُونِ مَا ذُكِرَ كَالْمُؤَجَّرَةِ فَإِنْ تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ كَالْوَدِيعِ .
فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ فَقَوْلُ رَاعٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ .
وَإِنْ فَعَلَ فِعْلًا وَاخْتُلِفَا فِي أَنَّهُ تَعَدٍّ أَوْ لَا رُجِعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ( وَإِنْ ادَّعَى ) رَاعٍ ( مَوْتًا ) لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ( وَلَوْ لَمْ يُحْضِرْ جِلْدًا ) وَلَا غَيْرَهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْوَدِيعِ .
وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ .
( أَوْ ادَّعَى مُكْتَرٍ أَنَّ ) الرَّقِيقَ ( الْمُكْتَرَى أَبَقَ أَوْ مَرِضَ ، أَوْ ) أَنَّ الْحِمْلَ الْمُكْتَرَى ( شَرَدَ أَوْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ ) لِلْإِجَارَةِ ( أَوْ بَعْدَهَا قُبِلَ ) قَوْلُهُ ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ .
وَالْأَصْلُ عَدَمُ انْتِفَاعِهِ ، وَسَوَاءٌ جَاءَ بِهِ صَحِيحًا أَوْ لَا .
وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ مَالِكٌ عَلَى وُجُودِ نَحْوِ إبَاقٍ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ ، وَلَا بَيِّنَةَ لِمَالِكٍ فَقَوْلُ مُسْتَأْجِرٍ .
فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَمَلِ .
وَلِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِوَقْتِهِ ( كَدَعْوَى حَامِلٍ تَلَفَ مَحْمُولٍ ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَضْمَنُهُ ، فَيُقْبَلُ بِيَمِينِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْحَامِلِ ( أُجْرَةُ حَمْلِهِ ) إلَى مَحَلِّ تَلَفِهِ .
ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ ؛ لِأَنَّ مَا عَمِلَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ بِإِذْنٍ ، وَعَدَمُ تَمَامِ الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ .
ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ .
وَلَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي فِيمَا إذَا تَلِفَ الْمَحْمُولُ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ هُنَاكَ لَكِنْ يَأْتِي : إنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ عَمَلَهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ .

( وَإِنْ عَقَدَ ) إجَارَةٌ ( عَلَى ) رَعْيِ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ ( مُعَيَّنَةٍ تَعَيَّنَتْ ) كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ ( فَلَا تُبَدَّلُ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ ) مِنْهَا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، كَمَوْتِ الرَّضِيعِ ( وَ ) إنْ عَقَدَ ( عَلَى ) رَعْيِ ( مَوْصُوفٍ ) فِي ذِمَّةٍ ( فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهِ ) فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ كَإِبِلٍ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهَا كَبَخَاتِيٍّ أَوْ عِرَابٍ لِاخْتِلَافِ أَتْعَابِ الرَّاعِي ( وَ ) لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ( كِبَرِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ عَدَدِهِ ) لِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ بِاخْتِلَافِهِ ، وَالْعَادَةُ تَخْتَلِفُ فِيهِ وَتَتَبَايَنُ كَثِيرًا .
( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ : الرَّاعِيَ ( رَعْيُ سِخَالِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَشْمَلْهَا الْعَقْدُ .

( وَإِنْ عَمِلَ ) أَجِيرٌ خَاصٌّ ( لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ فَأَضَرَّهُ فَلَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْأَجِيرِ ( قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ ) عَلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ .
وَ قَالَ الْقَاضِي : يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْآخَرِ ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهُ عَمَلَهُ عَلَى التَّمَامِ ، كَمَا لَوْ عَمِلَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ( وَيَضْمَنُ ) الْأَجِيرُ ( الْمُشْتَرَكُ ) وَهُوَ مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِالْعَمَلِ ، سَوَاءٌ تَعَرَّضَ فِيهِ لِلْمُدَّةِ كَكَحَّالٍ يُكَحِّلُهُ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا كَذَا مَرَّةً أَوْ لَا كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ .
وَتَقَدَّمَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ ( مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ ) أَيْ : الْمُشْتَرَكِ ( مِنْ تَخْرِيقِ ) قَصَّارٍ الثَّوْبَ بِدَقِّهِ أَوْ مَدِّهِ أَوْ عَصْرِهِ أَوْ بَسْطِهِ ( وَغَلَطِ ) خَيَّاطٍ ( فِي تَفْصِيلٍ ) وَكَذَا طَبَّاخٌ وَحَائِكٌ وَخَبَّازٌ وَمَلَّاحٌ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ يَدِهِ أَوْ حَذَفَهُ أَوْ مَا يُعَالِجُ بِهِ السَّفِينَةَ ، سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَوْ لَا وَيَضْمَنُ جَمَّالٌ مَا تَلِفَ بِقَوْدِهِ وَسَوْقِهِ وَانْقِطَاعِ حَبْلٍ شَدَّ بِهِ حِمْلَهُ .
( وَ ) يَضْمَنُ حَامِلٌ مَا تَلِفَ ( بِزَلْقِهِ ) أَوْ عَثْرَتِهِ وَسُقُوطِهِ عَنْهُ كَيْفَ كَانَ ( وَسُقُوطٍ عَنْ دَابَّةٍ ، وَ ) يَضْمَنُ أَيْضًا مَا نَقَصَ ( بِخَطَئِهِ ) فِي فِعْلِهِ ، كَصَبَّاغٍ أُمِرَ بِصَبْغِ ثَوْبٍ أَصْفَرَ فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ ، وَخَيَّاطٍ أُمِرَ بِتَفْصِيلِهِ قَبَاءً فَفَصَّلَهُ قَمِيصًا ، أَوْ ثَوْبَ رَجُلٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصَ امْرَأَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّيَّاغَ ، وَيَقُولُ : لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأُجَرَاءَ وَيَقُولُ : لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا هَذَا " ؛ وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ .
وَدَلِيلُ ضَمَانِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ : أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْفِعْلِ

وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ لَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ ، وَسَوَاءٌ حَضَرَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِجِنَايَةِ يَدِهِ كَالْعُدْوَانِ .
فَإِنْ تَبَرَّعَ قَصَّارٌ وَنَحْوَهُ بِعَمَلِهِ لَمْ يُضَمَّنْ جِنَايَةَ يَدِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَجِيرٌ أَوْ مُتَبَرِّعٌ فَقَوْلُ قَصَّارٍ وَنَحْوِهِ .
لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ ( وَلَوْ بِدَفْعِهِ ) أَيْ : الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ ( إلَى غَيْرِ رَبِّهِ ) أَيْ : غَلَطًا فَيَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْقَصَّارِ نَصًّا ، ( وَغَرِمَ قَابِضٌ ) لَهُ ( قَطَعَهُ أَوْ لَبِسَهُ جَهْلًا ) أَنَّهُ ثَوْبُ غَيْرِهِ ( أَرْشُ قَطْعِهِ وَأُجْرَةُ لُبْسِهِ ) ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ( وَرَجَعَ ) قَابِضٌ ( بِهِمَا ) أَيْ : بِأَرْشِ قَطْعِهِ وَأُجْرَةِ لُبْسِهِ ( عَلَى دَافِعٍ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ .
وَيُطَالِبُهُ بِثَوْبِهِ إنْ وَجَدَهُ ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ الْأَجِيرُ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ .

وَ ( لَا ) يُضَمَّنُ أَجِيرٌ ( مَا تَلِفَ بِحِرْزِهِ أَوْ ) بِسَبَبٍ ( غَيْرِ فِعْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لَمْ يُتْلِفْهَا بِفِعْلِهِ .
أَشْبَهَ الْمُسْتَأْجَرَةَ ؛ وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا .
أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ ( إنْ لَمْ يَتَعَدَّ ) الْأَجِيرُ أَوْ يُفَرِّطْ نَصًّا فَإِنْ تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ ( وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ) لِعَمَلِهِ فِيهِ سَوَاءٌ عَمِلَ فِيهِ فِي بَيْتِ رَبِّهِ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَعْمُولِ .
فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهُ كَمَكِيلٍ بِيعَ وَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ .
( وَلَهُ ) أَيْ : الْأَجِيرِ ( حَبْسُ مَعْمُولٍ ) كَثَوْبٍ صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ ( عَلَى أُجْرَتِهِ إنْ أَفْلَسَ رَبُّهُ ) أَيْ : حُكِمَ بِفَلَسِهِ وَرَجَعَ بِهِ ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ لِلْمُفْلِسِ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ وَعِوَضُ الْأُجْرَةِ وَعَمَلُهُ مَوْجُودٌ فِي عَيْنِ الثَّوْبِ ، فَمَلَكَ حَبْسَهُ مَعَ ظُهُورِ عُسْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَنْ أَجَّرَ مِلْكَهُ لِآخَرَ بِأُجْرَةٍ حَالَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ عُسْرَتُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَهُ فَإِنْ لِلْمُؤَجِّرِ فَسْخَ الْإِجَارَةِ ، فَإِنْ كَانَ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَحَاصَصَ الْغُرَمَاءُ بِبَاقِي الْأُجْرَةِ ( وَإِلَّا ) يُفَلِّسُ رَبُّهُ بِأُجْرَتِهِ فَلَيْسَ لِأَجِيرٍ حَبْسُهُ عَلَى أُجْرَتِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ .
فَإِنْ فَعَلَ فَكَغَاصِبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ عِنْدَهُ وَلَا أَذِنَهُ فِي إمْسَاكِهِ ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِهِ قَبْلَ أَخْذِ أُجْرَتِهِ ، وَمَتَى فَعَلَ ( فَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ ) أَجِيرٌ ( بَعْدَ عَمَلِهِ أَوْ ) بَعْدَ ( حَمْلِهِ ) إذَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ ( خُيِّرَ مَالِكٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ ) أَيْ : الْأَجِيرِ ( إيَّاهُ ) أَيْ : الْمَعْمُولِ أَوْ الْمَحْمُولَ ( غَيْرَ مَعْمُولٍ ) أَيْ : مَنْسُوجٍ أَوْ نَحْوَهُ ( أَوْ ) غَيْرَ ( مَحْمُولٍ ) بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِيهِ لِيَحْمِلَهُ مِنْهُ ( وَلَا

أُجْرَةَ لَهُ ) أَيْ : الْأَجِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ ( أَوْ ) تَضْمِينِهِ الْمَعْمُولَ أَوْ الْمَحْمُولَ التَّالِفَ تَعَدِّيًا بِقِيمَتِهِ ( مَعْمُولًا ) أَيْ : مَصْبُوغًا وَنَحْوَهُ ( وَمَحْمُولًا ) إلَى مَكَان تَلِفَ فِيهِ ( وَلَهُ الْأُجْرَةُ ) أَيْ : أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَحَمْلِهِ ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَهُ إيَّاهُ كَذَلِكَ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَصْحَبٌ عَلَيْهِ إلَى حِينِ التَّلَفِ فَمَلَكَ الْمُطَالَبَةَ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ عَمَلِهِ وَحِينَ تَلَفِهِ .

( وَإِذَا جَذَبَ الدَّابَّةَ مُسْتَأْجِرٌ ، أَوْ ) ضَرَبَهَا ( مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ لِتَقِفَ أَوْ ضَرَبَاهَا ) أَيْ : مُسْتَأْجِرُهَا وَمُعَلِّمُهَا السَّيْرَ ( كَعَادَةِ ) ضَرْبِهَا فِي ذَلِكَ ( لَمْ يَضْمَنْ ) ضَارِبٌ مِنْهُمَا ( مَا تَلِفَ بِهِ ) بِهِ أَيْ : الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ لِلْإِذْنِ فِيهِ عَادَةً ، وَلِنَخْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَعِيرَ جَابِرٍ وَضَرْبِهِ " وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْخُسُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ .

( وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُشْتَرِكٌ ) أَجِيرًا ( خَاصًّا ) كَخَيَّاطٍ أَوْ صَبَّاغٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا ( فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( حُكْمُ نَفْسِهِ ) فَمَا تَقَبَّلَهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ وَدَفَعَهُ إلَى أَجِيرِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ ، لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ وَضَمِنَهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ ( وَإِنْ اسْتَعَانَ ) مَنْ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ أَحْسَنَهَا أَوْ لَا ( وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ ) الْمُسَمَّاةُ فِي الْعَقْدِ ( لِضَمَانِهِ ) الْتِزَامِهِ الْعَمَلَ ( لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ ) وَتَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ : أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ ، وَسَوَاءٌ عَمِلَ فِيهِ شَيْئًا أَوْ لَا .
( وَ ) إنْ قَالَ الْأَجِيرُ : ( أَذِنْتَ ) لِي ( فِي تَفْصِيلِهِ ) أَيْ : الثَّوْبِ ( قَبَاءً ) وَ ( قَالَ ) الْمُسْتَأْجِرُ : ( بَلْ ) أَذِنْتُ لَك فِي تَفْصِيلِهِ ( قَمِيصًا فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُ الْخَيَّاطِ ) وَكَذَا إنْ قَالَ : أَذِنْتُ فِي قَطْعِهِ قَمِيصَ امْرَأَةٍ ، قَالَ : بَلْ قَمِيصُ رَجُلٍ ، أَوْ فِي صَبْغِهِ أَسْوَدَ فَقَالَ : بَلْ أَحْمَرُ وَنَحْوُهُ ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِذْنِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي صِفَتِهِ .
فَقُبِلَ قَوْلُ الْمَأْذُونِ كَالْمُضَارَبَةِ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ ، فَيَحْلِفُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْأَجِيرِ ( أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ .
وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدَعْوَاهُ .
وَكَذَا لَوْ صَاغَ لَهُ صَائِغٌ ذَهَبًا سِوَارَيْنِ فَقَالَ رَبُّهُ : إنَّمَا أَذِنْتُكَ بِصِيَاغَتِهِ خَلْخَالَيْنِ فَقَوْلُ الصَّائِغِ بِيَمِينِهِ ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا .

( وَ ) مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ وَقَالَ : ( إنْ كَانَ يَكْفِينِي فَفَصِّلْهُ ، فَقَالَ : يَكْفِيَكَ فَفَصَّلَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ضَمِنَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْهُ قَبَاءً فَقَطَعَهُ قَمِيصًا ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَطْعِهِ بِشَرْطِ كِفَايَتِهِ فَقَطَعَهُ بِدُونِ شَرْطِهِ وَ ( لَا ) يَضْمَنُ ( إنْ قَالَ ) الْخَيَّاطُ لِرَبِّهِ : ( يَكْفِيكَ فَقَالَ : اقْطَعْهُ ) فَقَطَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا .

( فَصْلٌ وَتَجِبُ ) أَيْ : تَمَلُّكُ ( أُجْرَةٍ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ ) وَلَوْ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ ( أَوْ ) إجَارَةٍ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي ( ذِمَّةٍ ) كَحَمْلٍ مُعَيَّنٍ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ ( بِعَقْدٍ ) شُرِطَ فِيهِ الْحُلُولُ أَوْ أُطْلِقَ ، كَمَا يَجِبُ الثَّمَنُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ بِالنِّكَاحِ .
وقَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَحَدِيثُ " { أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيتَاءِ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ قَبْلَهُ .
كَقَوْلِهِ { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَالصَّدَاقُ يَجِبُ قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ ( وَتُسْتَحَقُّ ) الْأُجْرَةُ ( كَامِلَةً ) أَنْ يَمْلِكَ الْمُؤَجِّرُ الْمُطَالَبَةَ بِهَا ( بِتَسْلِيمِ عَيْنٍ ) مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَوْصُوفَةً لِجَرَيَانِ تَسْلِيمِهَا مَجْرَى تَسْلِيمِ نَفْعِهَا ( أَوْ بَذْلِهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ ، بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُؤَجِّرٌ إلَى مُسْتَأْجِرٍ لِيَسْتَوْفِيَ نَفْعَهَا فَيَمْتَنِعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ .
( وَتَسْتَقِرُّ ) أَيْ : تَثْبُتُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً بِذِمَّةِ مُسْتَأْجِرٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ( بِفَرَاغِ عَمَلٍ مَا ) اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ وَهُوَ ( بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ ) كَطَبَّاخٍ اُسْتُؤْجِرَ لِطَبْخٍ بِبَيْتِ مُسْتَأْجِرٍ فَوَفَّى بِهِ ، لِأَنَّهُ أَتَمَّ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ بِيَدِ رَبِّهِ فَاسْتَقَرَّ .
وَفِي شَرْحِهِ وَالْإِقْنَاعِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ : وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَهُ أَيْ : وَتَلِفَ قَبْلَ تَسَلُّمِهِ سَوَاءٌ عَمِلَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي بَيْتِهِ ( وَيَدْفَعُ غَيْرَهُ ) أَيْ : غَيْرَ مَا بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ كَخَيَّاطٍ اُسْتُؤْجِرَ لِيَخِيطَ ثَوْبًا بِدُكَّانِهِ فَخَاطَهُ وَسَلَّمَهُ لِرَبِّهِ ( مَعْمُولًا ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا عَلَيْهِ فَاسْتَحَقَّ عِوَضَهُ .
( وَ ) تَسْتَقِرُّ أَيْضًا ( بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ ) أَيْ : مُدَّةِ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ وَسُلِّمَتْ

إلَيْهِ الْعَيْنُ بِلَا مَانِعٍ وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ لِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحْتَ يَدِهِ وَهُوَ حَقُّهُ ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عِوَضُهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا أُتْلِفَ بِيَدِ مُشْتَرٍ ( وَ ) تَسْتَقِرُّ أَيْضًا ( بِبَذْلِ تَسْلِيمِ عَيْنٍ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ ) أَيْ : اسْتِيفَاءُ الْعَمَلِ ( فِيهَا ) أَيْ : الْمُدَّةِ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي .
فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَّةَ مَثَلًا ذَهَابًا وَإِيَابًا بِكَذَا وَسَلَّمَهَا لَهُ وَمَضَى مَا يُمْكِنُ ذَهَابُهُ إلَيْهَا وَرُجُوعُهُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَفْعَلُ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ .

( وَيَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا ) أَيْ : الْأُجْرَةِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ سَنَةَ تِسْعٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ ( وَ ) يَصِحُّ شَرْطُ ( تَأْخِيرِهَا ) أَيْ : الْأُجْرَةِ بِأَنْ تَكُونَ مُؤَجَّلَةً بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَالثَّمَنِ .

( وَلَا تَجِبُ ) أُجْرَةٌ ( بِبَذْلِ ) تَسْلِيمِ عَيْنٍ ( فِي ) إجَارَةٌ ( فَاسِدَةٍ ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا فِي مِلْكِهِ ( فَإِنْ تَسَلَّمَ ) الْمُؤَجَّرَةَ فِي إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ أَوْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ عَمَلٍ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ أَوْ لَا ( فَ ) عَلَيْهِ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) مُدَّة بَقَائِهَا بِيَدِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ ) بِهَا لِتَلَفِ مَنَافِعِهَا تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِمُؤْجِرٍ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهَا .
( وَإِذَا انْقَضَتْ ) أَيْ : انْتَهَتْ ( مُدَّةُ إجَارَةِ أَرْضٍ وَبِهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ ) فِي الْإِجَارَةِ ( قَلْعُهُ ) عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ( أَوْ شُرِطَ ) عَلَى رَبِّ أَرْضٍ ( بَقَاؤُهُ ) أَيْ : الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ( خُيِّرَ مَالِكُهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ ( بَيْنَ أَخْذِهِ ) أَيْ : تَمَلُّكِ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ( بِقِيمَتِهِ ) بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً ثُمَّ خَالِيَةً مِنْهُمَا فَمَا بَيْنَهُمَا قِيمَتُهُ ( أَوْ تَرْكِهِ ) أَيْ : الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ( بِأُجْرَتِهِ ) أَيْ : أُجْرَةِ مِثْلِهِ ( أَوْ قَلْعِهِ ) جَبْرًا ( وَضَمَانِ نَقْصِهِ ) أَيْ : الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَإِزَالَةِ ضَرَرِ الْمَالِكَيْنِ فَلَا أَثَرَ لِاشْتِرَاطِ الْمُسْتَأْجِرِ تَبْقِيَةَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ( مَا لَمْ يَقْلَعْهُ ) أَيْ : الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ ( مَالِكُهُ ) عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ .
فَإِنْ أَرَادَهُ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَنْعُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ .

( وَمَا لَمْ يَكُنْ الْبِنَاءُ ) الَّذِي بَنَاهُ مُسْتَأْجَرٌ بِمُؤَجَّرَةٍ ( مَسْجِدًا أَوْ نَحْوَهُ ) كَمَدْرَسَةٍ وَسِقَايَةٍ وَقَنْطَرَةٍ ( فَلَا يُهْدَمُ وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ إلَى زَوَالِهِ ) وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بِهَا بِنَاءٌ وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
فَإِذَا انْهَدَمَ زَالَ حُكْمُ الْوَقْفِ وَأَخَذُوا أَرْضَهُمْ فَانْتَفَعُوا بِهَا ( وَلَا يُعَادُ ) مَسْجِدٌ أَوْ غَيْرُهُ انْهَدَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ( بِغَيْرِ رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ ) ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْإِذْنِ بِزَوَالِ الْعَقْدِ .
( تَنْبِيهٌ ) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّخْيِيرَ بَاقٍ وَلَوْ وَقَفَ مُسْتَأْجِرٌ مَا بَنَاهُ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ بِالْأُجْرَةِ فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا انْتَهَى .
فَإِنْ تَمَلَّكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ اشْتَرَى بِقِيمَتِهِ ، مِثْلَهُ وَكَذَا إنْ هَدَمَهُ وَضَمِنَ نَقْصَهُ صَرَفَ نَقْضَهُ وَمَا أَخَذَ فِي مِثْلِهِ .
( وَفِي الْفَائِقِ .
قُلْتُ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ ) الْمُؤَجَّرَةُ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ ( وَقْفًا ) وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ( لَمْ يُتَمَلَّكْ ) غِرَاسٌ وَلَا بِنَاءٌ لِجِهَةِ وَقْفِ الْأَرْضِ ( إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ ) بِأَنْ كَانَ شَرَطَهُ فِي وَقْفِهِ ( أَوْ ) إلَّا ( بِرِضَا مُسْتَحِقٍّ ) لِرَيْعِ وَقْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ شُرِطَ ؛ لِأَنَّ فِي دَفْعِ قِيمَتِهِ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ تَفْوِيتًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ .
وَقَالَ ( الْمُنَقِّحُ ) : قُلْتُ : ( بَلْ إذَا حَصَلَ بِهِ ) أَيْ : التَّمَلُّكِ ( نَفْعٌ ) لِجِهَةِ الْوَقْفِ ، بِأَنْ كَانَ أَحَظَّ مِنْ بَقَائِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ( كَانَ لَهُ ذَلِكَ ) أَيْ : تَمَلُّكُهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً تَعُودُ إلَى مُسْتَحِقِّ الرَّيْعِ ، كَشِرَاءِ وَلِيٍّ بِنَاءً لِيَتِيمٍ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً .
وَفِي الْإِقْنَاعِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ : لَا يَتَمَلَّكُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَأْجَرِ ، وَفِيهِ أَيْضًا : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا يُقْلَعُ الْغِرَاسُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا .
( وَ ) مُؤْنَةُ ( الْقَلْعِ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ) كَنَقْلِ

مَتَاعِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَفْرِيغَ الْمُؤَجَّرَةِ مِمَّا أَشْغَلَهَا بِهِ مِنْ مِلْكِهِ ( وَكَذَا تَسْوِيَةُ حُفَرٍ ) حَصَلَتْ بِقَلْعٍ فَتَلْزَمُ مُسْتَأْجِرًا ( إنْ اخْتَارَهُ ) أَيْ : الْقَلْعَ ، مُسْتَأْجِرٌ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ .
؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ .
فَإِنْ اخْتَارَهُ مُؤَجِّرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ .

( وَإِنْ شُرِطَ ) عَلَى مُسْتَأْجِرِ أَرْضٍ بِغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ( قَلْعُهُ ) عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ إجَارَةٍ ( لَزِمَهُ قَلْعُهُ ) وَفَاءً بِمُوجَبِ شَرْطِهِ ( وَلَيْسَ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ ( تَسْوِيَةُ حُفَرٍ ) تَحْصُلُ بِقَلْعٍ ( وَلَا إصْلَاحُ أَرْضٍ ) ؛ لِدَلَالَةِ الشَّرْطِ عَلَى رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ ( إلَّا بِشَرْطٍ ) بِأَنْ شَرَطَهُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ .
( وَلَا ) يَجِبُ ( عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ) إذَا شَرَطَ الْقَلْعَ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ( غَرَامَةُ نَقْصٍ ) بِقَلْعٍ لِدُخُولِهِمَا عَلَى ذَلِكَ لِرِضَاهُمَا بِالْقَلْعِ .
وَإِنْ بَاعَ مُسْتَأْجِرٌ غَرْسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ لِمَالِكِ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ قَلْعِهِ جَازَ .
وَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ كَالصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ شَرِيكًا لِمُؤَجِّرٍ فِي الْأَرْضِ وَغَرَسَ أَوْ بَنَى ، ثُمَّ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ فَلِلْمُؤَجِّرِ أَخْذُ حِصَّةِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فِي الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ .
وَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُهُ بِقَلْعٍ لِاسْتِلْزَامِهِ قَلْعَ مَا لَا يَجُوزُ قَلْعُهُ .
قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ ( وَإِنْ بَقِيَ ) بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ إجَارَةِ ( زَرْعٍ ) فِي مُؤَجَّرَةٍ ( بِلَا تَفْرِيطِ مُسْتَأْجِرٍ ) كَأَنْ أَبْطَأَ الزَّرْعُ لِنَحْوِ بَرْدٍ ( لَزِمَ ) مُؤَجِّرًا ( تَرْكُهُ ) إلَى كَمَالِهِ ( بِأُجْرَتِهِ ) أَيْ : أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِمَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ إجَارَةٍ كَالْمُسْتَعِيرِ إذَا زَرَعَ وَرَجَعَ الْمُعِيرُ قُلْت : وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا سَنَةً مَثَلًا فَأَكْثَرَ لِزَرْعِ نَحْوِ قُطْنٍ أَوْ قَصَبٍ وَبَقِيَتْ عُرُوقُهُ بَعْدَهَا بِالْأَرْضِ فَلَا تُقْلَعُ ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ .
وَعَلَى مُسْتَأْجِرٍ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مَا بَقِيَتْ مَا لَمْ يَتْرُكْهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ .
( وَ ) إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ ( بِتَفْرِيطِهِ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ كَزَرْعِهِ مَا لَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِكَمَالِهِ فِي مُدَّتِهَا ( فَلِمَالِكِ ) الْأَرْضِ ( ذَلِكَ ) أَيْ : تَرْكُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى كَمَالِهِ ( وَ ) لَهُ ( أَخْذُهُ ) أَيْ

: الزَّرْعِ ( بِقِيمَتِهِ ) لِتَعَدِّيهِ فِيهِ .
أَشْبَهَ زَرْعَ الْغَاصِبِ ( مَا لَمْ يَخْتَرْ مُسْتَأْجِرٌ قَلْعَهُ ) أَيْ : الزَّرْعِ ( وَ ) يَخْتَرْ ( تَفْرِيغَهَا فِي الْحَالِ ) فَلَا يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ لِزَوَالِ الضَّرَرِ وَعَوْدِ أَرْضِهِ إلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
وَلِمَالِكٍ مَنْعُ مُسْتَأْجِرٍ أَرَادَ زَرْعَ مَا لَا يُدْرَكُ عَادَةً فِي مُدَّةِ إجَارَةٍ .
فَإِنْ زَرَعَ لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِمِلْكِهِ نَفْعَهَا .

( وَاكْتِرَاءُ ) أَرْضٍ ( مُدَّةً لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ فِيهَا ) الزَّرْعُ كَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ لِمَا لَا يُدْرَكُ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ ( إنْ شَرَطَ ) فِي الْعَقْدِ ( قَلْعَهُ ) أَيْ : الزَّرْعِ ( بَعْدَهَا ) أَيْ : مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّتِهِ .
وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ لِأَخْذِهِ قَصِيلًا وَنَحْوِهِ .
وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ وَإِلَّا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ ، بَلْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ الْإِبْقَاءَ حَتَّى يَكْمُلَ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِزَرْعِهِ فِيهَا .
أَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَرْضِ السَّبِخَةِ لِلزَّرْعِ .
وَلَا يُطَالَبُ بِالْقَلْعِ إنْ زَرَعَ .

( وَمَتَى انْقَضَتْ ) مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ( رَفَعَ ) مُسْتَأْجِرٌ ( يَدَهُ ) عَنْ مُؤَجَّرَةٍ ( وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدٌّ وَلَا مُؤْنَةٌ كَمُودَعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ .
فَلَا يَقْتَضِي رَدَّهُ وَمُؤْنَتَهُ ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ .
فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ .
لَكِنْ إنْ شُرِطَ أَنْ لَا يَسِيرَ بِهَا لَيْلًا أَوْ وَقْتَ قَائِلَةٍ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ فِي آخِرِهَا وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ غَرَضٌ فَخَالَفَ ضَمِنَ وَمَتَى طَلَبَهَا رَبُّهَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا .
فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهَا ضَمِنَهَا كَالْمَغْصُوبَةِ .
وَنَمَاؤُهَا كَهِيَ .
وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ .
؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ شَرَطَ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ضَمَانَ مُؤَجَّرَةٍ فَسَدَ الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : يَلْزَمُهُ رَدٌّ بِشَرْطٍ ( وَلِ ) مُؤَجِّرٍ ( مُشْتَرِطٍ ) عَلَى مُسْتَأْجِرٍ ( عَدَمَ سَفَرٍ ب ) عَيْنٍ ( مُؤَجَّرَةٍ الْفَسْخُ بِهِ ) أَيْ : سَفَرِهِ بِهَا لِمُخَالِفَتِهِ الشَّرْطَ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّ لَهُ السَّفَرَ مَعَ الْإِطْلَاقِ ، وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ آجَرَ رَقِيقَهُ السَّفَرُ بِهِ .

( وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ بِعَقْدِ ) بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( فَأَعْطَى ) بَائِعًا أَوْ مُؤَجِّرًا وَنَحْوَهُ ( عَنْهَا دَنَانِيرَ ) أَوْ غَيْرَهَا ، بِأَنْ عَوَّضَهُ عَنْهَا عِوَضًا ( ثُمَّ انْفَسَخَ ) عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِ رَجَعَ مُشْتَرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٌ وَنَحْوِهِ بِالدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّهَا عِوَضُ الْعَقْدِ ، وَالْبَائِعُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ وَنَحْوُهُ إنَّمَا أَخَذَ الدَّنَانِيرَ أَوْ نَحْوَهَا بِعَقْدٍ آخَرَ وَلَمْ يَنْفَسِخْ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ اشْتَرَى بِهَا عَرَضًا مِنْهُ .

بَابُ الْمُسَابَقَةِ مِنْ السَّبَقِ وَهُوَ بُلُوغُ الْغَايَةِ قَبْلَ غَيْرِهِ .
وَالسَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ ، وَالسِّبْقَةُ : الْجُعْلُ يُتَسَابَقُ عَلَيْهِ .
وَهِيَ ( الْمُجَارَاةُ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَنَحْوِهِ ) كَرِمَاحٍ وَمَنَاجِقَ وَكَذَا السِّبَاقُ ( وَالْمُنَاضَلَةُ ) مِنْ النَّضْلِ ( الْمُسَابَقَةُ بِالرَّمْيِ ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامُّ يُسَمَّى نَضْلًا فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ .
( وَتَجُوزُ ) الْمُسَابَقَةُ ( فِي سُفُنٍ وَمَزَارِيقُ وَطُيُورٍ وَغَيْرِهَا ) كَمَقَالِيعَ وَأَحْجَارٍ ( وَعَلَى الْأَقْدَامِ وَكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ ) كَإِبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَفِيَلَةٍ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْجُمْلَةِ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ " { إنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَابَقَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } " .
وَفِي الْوَسِيلَةِ يُكْرَهُ الرَّقْصُ وَاللَّعِبُ كُلُّهُ وَمَجَالِسُ الشِّعْرِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ يُكْرَهُ لُعْبَةٌ بِأُرْجُوحَةٍ وَنَحْوِهَا .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ : لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ وَ النَّقِيلَةِ : وَقَالَ : يَجُوزُ مَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ .
وَيُسْتَحَبُّ بِآلَةِ حَرْبٍ .
قَالَ جَمَاعَةٌ : وَالثَّقَّافُ وَلَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ تَأْدِيبُ فَرَسِهِ وَمُلَاعَبَةُ أَهْلِهِ وَرَمْيُهُ لِلْخَبَرِ .

وَ ( لَا ) تَجُوزُ مُسَابَقَةٌ ( بِعِوَضٍ ) أَيْ : مَالٍ لِمَنْ سَبَقَ ( إلَّا فِي مُسَابَقَةِ خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَسِهَامٍ ) أَيْ : نُشَّابٍ وَنَبْلٍ لِلرِّجَالِ قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ } " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ .
وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ " نَصْلٍ " ؛ وَلِأَنَّهَا آلَاتُ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِتَعَلُّمِهَا وَأَحْكَامِهَا .
فَلِذَلِكَ اخْتَصَّ بِهَا .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمَ الرَّهْنِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ إجْمَاعًا ( بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ .
أَحَدُهَا : تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ ) فِي الْمُسَابَقَةِ ( وَ ) تَعْيِينُ ( الرُّمَاةِ ) فِي الْمُنَاضَلَةِ ( بِرُؤْيَةٍ ) فِيهِمَا ( سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْمُسَابَقَةِ مَعْرِفَةُ ذَاتِ الْمَرْكُوبَيْنِ الْمُسَابَقِ عَلَيْهِمَا وَمَعْرِفَةُ عَدَدِهِمَا وَفِي الْمُنَاضَلَةِ : مَعْرِفَةُ حِذْقِ الرُّمَاةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالرُّؤْيَةِ .
فَإِنْ عَقَدَ اثْنَانِ مُنَاضَلَةً وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفَرٌ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرُ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسِهِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا ظَنَّ خِلَافِهِ لَمْ يُقْبَلْ .
وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ( الرَّاكِبَيْنِ وَلَا الْقَوْسَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا آلَةٌ لِلْمَقْصُودِ كَالسَّرْجِ .
وَالْقَصْدُ مَعْرِفَةُ عَدْوِ الْفَرَسِ وَحِذْقِ الرَّامِي كَمَا سَبَقَ .
وَكُلُّ مَا تَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ مُطْلَقًا .
وَإِنْ شُرِطَ أَنْ لَا يَرْمِيَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَوْس أَوْ السَّهْمِ أَوْ لَا يَرْكَبَ غَيْرُ فُلَانٍ فَفَاسِدٌ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي : اتِّحَادُ الْمَرْكُوبَيْنِ ) بِالنَّوْعِ فِي الْمُسَابَقَةِ ( أَوْ ) اتِّحَادُ ( الْقَوْسَيْنِ بِالنَّوْعِ ) فِي الْمُنَاضَلَةِ ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ .
أَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ ( فَلَا تَصِحُّ ) مُسَابَقَةٌ ( بَيْنَ ) فَرَسٍ ( عَرَبِيٍّ وَ ) فَرَسٍ ( هَجِينٍ )

أَيْ : أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ ( وَلَا ) الْمُنَاضَلَةُ بَيْنَ ( قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ ) أَيْ : قَوْسِ النَّبْلِ ( وَ ) قَوْسٍ ( فَارِسِيَّةٍ ) أَيْ : قَوْسِ النُّشَّابِ .
قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ .
وَلَا يُكْرَهُ الرَّمْيُ بِهَا .
فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَنْوَاعُ الْقَوْسِ الَّتِي يَرْمِيَانِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَصِحَّ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ : تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ ) بِالِابْتِدَاءِ ( وَالْغَايَةِ وَ ) تَحْدِيدُ ( مَدَى رَمْيٍ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ) أَمَّا فِي الْمُسَابَقَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْأَسْبَقِ .
وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّسَاوِي فِي الْغَايَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يُقَصِّرُ فِي أَوَّلِ عَدْوِهِ وَيُسْرِعُ فِي انْتِهَائِهِ وَبِالْعَكْسِ .
فَيَحْتَاجُ إلَى غَايَةٍ تَجْمَعُ حَالَيْهِ .
فَإِنْ اسْتَبَقَا بِلَا غَايَةٍ لِيُنْظَرَ أَيَّهُمَا يَقِفُ أَوَّلًا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَقِفَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَنْقَطِعَ فَرَسُهُ وَيَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى السَّبَقِ فِيهِ .
وَأَمَّا فِي الْمُنَاضَلَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ .
فَإِنْ قُيِّدَ بِمَدًى تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِصَابَةُ غَالِبًا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ لَمْ يَصِحَّ .
؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ بِالرَّمْيِ .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ مَا رَمَى فِي أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَّا عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ : عِلْمُ عِوَضٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فِي عَقْدٍ .
فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَيُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ .
وَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَبَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ كَالْبَيْعِ ( وَإِبَاحَتُهُ ) أَيْ : الْعِوَضِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْعِوَضُ أَيْ : بَذْلُهُ ( تَمْلِيكٌ ) لِلسَّابِقِ ( بِشَرْطِ سَبْقِهِ ) وَلِهَذَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ : الْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ : الْخُرُوجُ ) بِالْعِوَضِ ( عَنْ شِبْهِ قِمَارٍ ) بِكَسْرِ الْقَافِ .
يُقَالُ : قَامَرَهُ قِمَارًا وَمُقَامَرَةً فَقَمَرَهُ إذَا رَاهَنَهُ فَغَلَبَهُ ( بِأَنْ لَا

يُخْرِجَ جَمِيعُهُمْ ) الْعِوَضَ .
لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ لَمْ يَخْلُ عَنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ وَهُوَ شِبْهُ الْقِمَارِ .
( فَإِنْ كَانَ ) الْجُعْلُ ( مِنْ الْإِمَامِ ) عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ لَهُ .
جَازَ وَلَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَحَثًّا عَلَى تَعَلُّمِ الْجِهَادِ وَنَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ ( أَوْ ) كَانَ الْجُعْلُ مِنْ ( غَيْرِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ لَهُ جَازَ .
لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْقُرْبَةِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ سِلَاحًا أَوْ خَيْلًا ( أَوْ ) كَانَ الْجُعْلُ ( مِنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ : الْمُتَسَابِقَيْنِ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهُمْ إذَا كَثَرُوا وَثَمَّ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ ( عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخْذُهُ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَذْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ بَعْضِهِمْ .
( فَإِنْ جَاءَا ) أَيْ : الْمُتَسَابِقَانِ مُنْتَهَى الْغَايَةِ ( مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا ) مِنْ الْجُعْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ( وَإِنْ سَبَقَ مُخْرِجُ ) عِوَضٍ ( أَحْرَزَهُ .
وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا ) لِئَلَّا يَكُونَ قِمَارًا ( وَإِنْ سَبَقَ الْآخَرُ ) الَّذِي لَمْ يُخْرِجْ ( أَحْرَزَ سَبْقَ صَاحِبِهِ ) فَمَلَكَهُ كَسَائِرِ مَالِهِ ، كَالْعِوَضِ فِي الْجَعَالَةِ إذَا وَفَّى بِالْعَمَلِ .
فَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَخَذَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَدَيْنٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ .
وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا .
وَإِنْ أَفْلَسَ ضُرِبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ( وَإِنْ أَخْرَجَا ) أَيْ : الْمُتَسَابِقَانِ ( مَعًا لَمْ يَجُزْ ) تَسَاوِيًا أَوْ تَفَاضُلًا ؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ ، إذْ لَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ ( إلَّا بِمُحَلِّلٍ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا .

( وَلَا يَجُوزُ ) كَوْنُ مُحَلِّلٍ ( أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ) لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ ( يُكَافِئُ مَرْكُوبُهُ ) أَيْ : الْمُحَلِّلِ ( مَرْكُوبَيْهِمَا ) فِي الْمُسَابَقَةِ ( أَوْ ) يُكَافِئُ ( رَمْيُهُ رَمْيَهُمَا ) فِي الْمُنَاضَلَةِ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ قِمَارًا .
وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَافِئِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
( فَإِنْ سَبَقَاهُ ) أَيْ : سَبَقَ الْمُخْرِجَانِ الْمُحَلِّلَ وَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ( أَحْرَزَا سَبَقَيْهِمَا ) أَيْ : أَحْرَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَقَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ مِنْهُمَا .
وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ .
لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدَهُمَا ( وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ شَيْئًا ) لِئَلَّا يَكُونَ قِمَارًا ( وَإِنْ سَبَقَ هُوَ ) أَيْ : الْمُحَلِّلُ الْمُخْرِجَيْنِ أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ ( أَوْ ) سَبَقَ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ : أَحَدُ الْمُخْرِجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالْمُحَلِّلَ ( أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ ) لِوُجُودِ شَرْطِهِ ( وَإِنْ سَبَقَا ) أَيْ : الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُخْرِجَيْنِ ( مَعًا فَسَبْقُ مَسْبُوقٍ بَيْنَهُمَا ) نِصْفَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السَّبَقِ وَمَا أَخْرَجَهُ السَّابِقُ مَعَ الْمُحَلِّلِ فَهُوَ لَهُ بِسَبْقِهِ .
( وَإِنْ قَالَ غَيْرُهُمَا ) أَيْ : غَيْرُ الْمُتَسَابِقَيْنِ الْمُخْرِجَ لِلْعِوَضِ ( مَنْ سَبَقَ ) مِنْكُمَا ( أَوْ صَلَّى فَلَهُ عَشَرَةٌ لَمْ يَصِحَّ مَعَ اثْنَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِ السَّبَقِ إذَنْ فَلَا حِرْصَ عَلَيْهِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ( وَإِنْ زَادَ ) عَلَى اثْنَيْنِ صَحَّ ( أَوْ قَالَ ) مُخْرِجٌ : مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ ( وَمَنْ صَلَّى فَلَهُ خَمْسَةٌ وَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ لِلْأَقْرَبِ ) فَالْأَقْرَبِ ( السَّابِقِ ) كَمَا لَوْ قَالَ : وَمَنْ تَلَى فَلَهُ أَرْبَعَةٌ ( صَحَّ ) لِاجْتِهَادِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ سَابِقًا لِيُحْرِزَ الْأَكْثَرَ .

( وَخَيْلُ الْحَلْبَةِ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ( مُرَتَّبَةٌ ) وَهِيَ خَيْلٌ تَجْتَمِعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ ، لِتَخْرُجَ مِنْ إسْطَبْلٍ وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ لِلْقَوْمِ إذَا جَاءُوا مِنْ أَوْبٍ لِلنُّصْرَةِ : قَدْ أَحْلَبُوا .
قَالَ فِي الصِّحَاحِ .
أَوَّلُهَا ( مُجَلٍّ ) بِالْجِيمِ وَهُوَ السَّابِقُ لِجَمِيعِ خَيْلِ الْحَلْبَةِ ( فَمُصَلٍّ ) ؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ تَكُونُ عِنْدَ صَلَا الْمُجَلِّي .
وَالصَّلَوَانِ : عِرْقَانِ أَوْ عَظْمَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ .
.
وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ " سَبَقَ أَبُو بَكْرٍ وَصَلَى عُمَرُ ، وَخَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ " وَهِيَ مَوْتُ عُثْمَانَ ( فَتَالٍ ) الْجَائِي بَعْدَ الْمُصَلِّي ( فَبَارِعٌ ) الرَّابِعُ ( فَمُرْتَاحٌ ) الْخَامِسُ ( فَحَظِيٌّ ) السَّادِسُ ( فَعَاطِفٌ ) السَّابِعُ ( فَمُؤَمَّلٌ ) بِوَزْنِ مُعَظَّمٍ الثَّامِنُ ( فَلَطِيمٌ ) التَّاسِعُ ( فَسُكَيْتٌ ) بِوَزْنِ كُمَيْتٍ ، وَقَدْ تُشَدَّدُ يَاؤُهُ : الْعَاشِرُ آخِرُ خَيْلِ الْحَلْبَةِ ( فَفُسْكُلٌ ) كَقُنْفُذٍ وَزَبْرَجٍ وَبِرْذَوْنٍ : الَّذِي يَجِيءُ آخِرِ الْخَيْلِ وَيُسَمَّى الْقَاشُورُ وَالْقَاشِرَ ، هَكَذَا فِي التَّنْقِيحِ .
وَفِي الْكَافِي وَالْمُطْلِعِ : مُجَلٍّ فَمُصَلٍّ فَمُسْلٍ فَتَالٍ فَمُرْتَاحٌ إلَى آخِرِهَا وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْفِسْكِلُ بِالْكَسْرِ الَّذِي يَجِيءُ فِي الْحَلْبَةِ آخِرَ الْخَيْلِ .
وَمِنْهُ رَجُلٌ فُسْكُلٌ إذَا كَانَ رَذْلًا انْتَهَى .
فَكَانَ الصَّوَابُ عَطْفَهُ بِالْوَاوِ

( وَيَصِحُّ عَقْدٌ لَا شَرْطٌ ) فَيَلْغُو ( فِي ) قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِلْآخَرِ ( إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ كَذَا وَلَا أَرْمِي أَبَدًا أَوْ ) لَا أَرْمِي ( شَهْرًا ) وَنَحْوَهُ ( أَوْ ) شَرَطَا ( أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبَقَ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ : الْجُعْلَ ( أَصْحَابَهُ أَوْ ) أَنَّهُ يُطْعِمُهُ ( بَعْضَهُمْ أَوْ ) أَنَّهُ يُطْعِمُهُ ( غَيْرَهُمْ ) وَوَجْهُ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ هَذِهِ : أَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ .
وَأَمَّا إلْغَاءُ نَحْوِ : لَا أَرْمِي أَبَدًا أَوْ شَهْرًا ؛ فَلِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ مَطْلُوبٍ مِنْهُ شَرْعًا .
أَشْبَهَ قَوْلَهُ : وَلَا أُجَاهِدُ أَوْ نَحْوَهُ ، وَأَمَّا إلْغَاءُ إطْعَامِ غَيْرِهِ ؛ فَلِأَنَّهُ عِوَضٌ عَلَى عَمَلٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْعَامِلِ ، كَعِوَضِ الْجَعَالَةِ .

فَصْلٌ وَالْمُسَابَقَةُ جَعَالَةٌ ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ وَسَبَقِهِ ( لَا يُؤْخَذُ بِعِوَضِهَا رَهْنٌ وَلَا كَفِيلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عَلَى مَا لَا تَتَحَقَّقُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَهُوَ السَّبَقُ أَوْ الْإِصَابَةُ .
أَشْبَهَ الْجُعْلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ ( فَسْخُهَا ) كَسَائِرِ الْجَعَالَاتِ ( مَا لَمْ يَظْهَرْ لِصَاحِبِهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمَفْضُولِ ، بِأَنْ سَبَقَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَافَةِ أَوْ أَصَابَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الرَّمْيِ ، لِئَلَّا يَفُوتَ غَرَضُ الْمُسَابَقَةِ بِفَسْخِ مَنْ ظَهَرَ لَهُ فَضْلُ صَاحِبِهِ وَأَمَّا الْفَاضِلُ فَلَهُ الْفَسْخُ .

( وَيَبْطُلُ ) سِبَاقٌ ( بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ ( أَوْ ) بِمَوْتِ ( أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ ) لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِعَيْنِهِ وَ ( لَا ) يَبْطُلُ بِمَوْتِ ( أَحَدِ الرَّاكِبَيْنِ ) أَوْ هُمَا ( أَوْ تَلَفِ إحْدَى الْقَوْسَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ .

( وَ ) يَحْصُلُ ( سَبَقٌ فِي خَيْلٍ مُتَمَاثِلِي الْعُنُقِ بِرَأْسٍ ) ( وَفِي ) خَيْلِ ( مُخْتَلِفَيْهِمَا ) أَيْ : الْعُنُقَيْنِ بِكَتِفٍ ( وَ ) فِي ( إبِلٍ بِكَتِفٍ ) لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الرَّأْسِ هُنَا .
فَإِنَّ طَوِيلَ الْعُنُقِ قَدْ تَسْبِقُ رَأْسُهُ لِطُولِ عُنُقِهِ لَا بِسُرْعَةِ عَدْوِهِ ، وَفِي الْإِبِلِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ .
وَمِنْهَا مَا يَمُدُّ عُنُقَهُ فَرُبَّمَا سَبَقَ رَأْسُهُ لِمَدِّ عُنُقِهِ لَا بِسَبَقِهِ ، فَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ صَغِيرِ الْعُنُقِ فَقَدْ سَبَقَ بِالضَّرُورَةِ .
وَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ طَوِيلِ الْعُنُقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَهُمَا فِي طُولِ الْعُنُقِ فَقَدْ سَبَقَ وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِهِ فَلَا سَبَقَ .
وَبِأَقَلَّ فَالْآخَرُ سَابِقٌ .
وَإِنْ شَرَطَا السَّبَقَ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ ، وَلَا يَقِفُ الْفَرَسَانِ عِنْدَ الْغَايَةِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَهُمَا .
وَيُعْتَبَرُ لِمُسَابَقَةٍ بِعِوَضٍ إرْسَالُ الْفَرَسَيْنِ أَوْ الْبَعِيرَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةٍ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ مَنْ يُشَاهِدُ إرْسَالَهُمَا وَعِنْدَ الْغَايَةِ مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ مِنْهُمَا لِئَلَّا يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ .
( وَيَحْرُمُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدَهُمَا مَعَ فَرَسِهِ ) أَيْ : بِجَانِبِهِ فَرَسًا ( أَوْ ) يُجَنِّبَ ( وَرَاءَهُ فَرَسًا ) لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ ( يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ .
وَ ) يَحْرُمُ ( أَنْ يَصِيحَ بِهِ ) أَيْ : بِفَرَسِهِ ( فِي وَقْتِ سِبَاقِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ فِي الرِّهَانِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ أَجْلَبَ عَلَى الْخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ فَلَيْسَ مِنَّا } " .

( فَصْلٌ وَشَرْطُ الْمُنَاضَلَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ ) أَحَدُهَا ( كَوْنُهَا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ بِهِ .
وَمَنْ لَا حِذْقَ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ( وَتَبْطُلُ ) مُنَاضَلَةٌ بَيْنَ حِزْبَيْنِ إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ ( فِيمَنْ لَا يُحْسِنُهُ مِنْ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَيَخْرُجُ مِثْلُهُ ) أَيْ : مَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ ( مِنْ ) الْحِزْبِ ( الْآخَرِ ) إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّئِيسَيْنِ يَخْتَارُ إنْسَانًا وَالْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ آخَرُ .
فَمَنْ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَأُخْرِجَ مُقَابِلُهُ ، كَالْبَيْعِ إذَا بَطَلَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ سَقَطَ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ ( وَلَهُمْ ) أَيْ : الْبَاقِينَ ( الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا ) لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِمْ .
( وَإِنْ تَعَاقَدُوا لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ ) أَيْ : لِيُعَيَّنَ رَئِيسُ كُلِّ حِزْبٍ مَعَهُ ( بِرِضَاهُمْ لَا بِقُرْعَةٍ .
صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْحُذَّاقِ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ وَعَلَى الْكَوَادِنِ فِي الْآخَرِ .
فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ النِّضَالِ ؛ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُخْرِجُ الْمُبْهَمَاتِ .
وَالْعَقْدُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَتَمَيَّزَ كُلُّ حِزْبٍ " وَيُجْعَلُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ ، فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا " أَيْ : أَحَدُ الرَّئِيسَيْنِ ( وَاحِدًا ) مِنْ الرُّمَاةِ يَكُونُ مَعَهُ ( ثُمَّ ) يَخْتَارُ ( الْآخَرُ ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ ( آخَرُ ) مِنْ الرُّمَاةِ ( حَتَّى يَفْرُغَا ) فَيَتِمُّ الْعَقْدُ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ بِالِاخْتِيَارِ إذَنْ .
وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ .
لِأَنَّ اخْتِيَارَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ يَبْعُدُ مِنْ التَّسَاوِي وَالْعَدْلِ .
( وَإِنْ تَشَاحَّا فِيمَنْ يَبْدَأُ ) مِنْ الرَّئِيسَيْنِ ( بِالْخِيَرَةِ اقْتَرَعَا ) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اخْتَارَ أَوَّلًا .
إذْ الْقُرْعَةُ تُمَيِّزُ الْمُسْتَحِقَّ بَعْدَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَسَاوِي أَهْلِهِ ( وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ

أَيُّ الْحِزْبَيْنِ سَبَقَ لِتَدْبِيرِهِ لَهُمَا ، فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ ( وَلَا ) يَجُوزُ جَعْلُ ( الْخِيَرَةِ فِي تَمْيِيزِهِمَا ) أَيِّ الْحِزْبَيْنِ ( إلَيْهِ ) أَيْ : إلَى وَاحِدٍ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ أَرَادُوا الْقُرْعَةَ لِإِخْرَاجِ الزَّعِيمَيْنِ جَازَ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ .
وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الرُّمَاةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ عَشَرَةً وَالْآخَرِ ثَمَانِيَةً وَنَحْوُهُ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي : مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرَّمْيِ ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الِاخْتِلَافِ .
فَقَدْ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا الْقَطْعَ وَيُرِيدُ الْآخَرُ الزِّيَادَةَ .
وَالرِّشْقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَدَدُ الرَّمْيِ ، وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرُ رَشَقَ الشَّيْءَ رَشْقًا ( وَ ) مَعْرِفَةُ عَدَدِ ( الْإِصَابَةِ ) لِتَبَيُّنِ مَقْصُودِ الْمُنَاضَلَةِ وَهُوَ الْحِذْقُ .
فَيُقَالُ مَثَلًا : الرِّشْقُ عِشْرُونَ ، وَالْإِصَابَةُ خَمْسَةٌ وَنَحْوُهَا .
وَيُشْتَرَطُ إمْكَانُ قِسْمَةِ عَدَدِ الرَّمْيِ عَلَى الرُّمَاةِ بِلَا كَسْرٍ .
فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثٌ ، أَوْ أَرْبَعَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ رُبُعٌ .
وَهَكَذَا لِئَلَّا يَبْقَى مَا لَا يُمَكِّنُ الْجَمَاعَةَ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ .
وَيُشْتَرَطُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي عَدَدِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَصِفَتِهَا وَسَائِرُ أَحْوَالِ الرَّمْيِ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ ، وَالْغَرَضُ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ : تَبْيِينُ كَوْنِهِ ) أَيْ : الرَّمْيِ ( مُفَاضَلَةً ك ) قَوْلِهِمْ ( أَيْنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ ) وَنَحْوُهُ .
وَيَلْزَمُ فِيهَا إتْمَامُ الرَّمْيِ إنْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ ( أَوْ ) تَبْيِينُ كَوْنِ الرَّمْيِ ( مُبَادَرَةً ، كَأَيْنَا سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ ) وَنَحْوُهُ .
فَإِذَا رَمَيَا عَشْرًا عَشْرًا فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرَ خَمْسًا ، فَمُصِيبٌ الْخَمْسِ هُوَ السَّابِقُ سَوَاءٌ أَصَابَ الْآخَرُ مَا دُونَهَا أَوْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا ( وَلَا يَلْزَمُ إنْ سَبَقَ إلَيْهَا وَاحِدٌ إتْمَامُ الرَّمْيِ )

؛ لِأَنَّ السَّبْقَ قَدْ صَارَ لِلسَّابِقِ .
وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسًا فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا وَلَا يُكْمِلَانِ الرَّشْقَ .
؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ قَدْ حَصَلَتْ وَاسْتَوَيَا فِيهَا ( أَوْ ) تَبْيِينُ كَوْنِ الرَّمْيِ ( مُحَاطَّةً بِأَنْ ) اشْتَرَطَا أَنْ ( يُحَطَّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ مِنْ إصَابَةٍ مِنْ رَمْيٍ مَعْلُومٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي ) عَدَدِ ( الرَّمَيَاتِ فَأَيُّهُمَا فَضَلَ ) صَاحِبَهُ ( بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُحَاطَّةِ : أَنَّ الْمُحَاطَّةَ تُقَدَّرُ فِيهَا الْإِصَابَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْمُفَاضَلَةِ .
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْإِقْنَاعِ : الْمُفَاضَلَةُ هِيَ الْمُحَاطَّةُ ( وَإِنْ أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ ) فِي الْمُنَاضَلَةِ ( أَوْ قَالَا ) أَيْ : شَرَطَا أَنَّهَا ( خَوَاصِلَ ) بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ ( تَنَاوَلَهَا ) أَيْ : تَنَاوَلَ اللَّفْظُ الْإِصَابَةَ ( عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ ) .
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : يُقَالُ خَصَلْتُ مُنَاضِلِي خَصْلَةً وَخَصْلًا .
وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْقَرْعَ .
وَالْقَرْطَسَةَ يُقَالُ : قَرْطَسَ إذَا أَصَابَ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْإِصَابَة لَكِنْ يُسَنُّ .
( وَإِنْ قَالَا ) أَيْ : اشْتَرَطَا أَنَّ الْإِصَابَةَ ( خَوَاسِقَ أَوْ خَوَازِقَ بِالزَّايِ أَوْ مُقَرْطَسَ ) وَهِيَ ( مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ ) ( أَوْ ) اشْتَرَطَا أَنَّ الْإِصَابَة ( خَوَارِقَ بِالرَّاءِ أَوْ مَوَارِقُ ) وَهِيَ ( مَا خَرَقَهُ ) أَيْ : الْغَرَضَ ( وَلَمْ يَثْبُتْ ) فِيهِ ( أَوْ ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا ( خَوَاصِرَ ) وَهِيَ ( مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ ) ( أَوْ ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا ( خَوَارِمَ ) ، وَهِيَ ( مَا خَرَمَ جَانِبَهُ ) .
( أَوْ ) اشْتَرَطَا أَنَّهَا ( حَوَابِي ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ ( مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ وَثَبَ إلَيْهِ ) أَيْ : الْغَرَضِ ( أَوْ شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْهُ ) مُعَيَّنٍ ( كَدَائِرَتِهِ ) أَيْ : الْغَرَضِ ( تَقَيَّدَتْ ) الْمُنَاضَلَةُ ( بِهِ ) أَيْ : بِمَا شَرَطَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مَرْجِعُ الْمُنَاضَلَةِ .

وَإِنْ شَرَطَا الْخَوَاسِقَ وَالْحَوَابِي مَعًا صَحَّ .
قَالَهُ فِي الشَّرْحِ ( وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ ) كَتِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ .
لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ وُجُودِهَا فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ .
( وَلَا ) يَصِحُّ ( تَنَاضُلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لَا يَعْدُوهُمَا رَمْيًا ) إذْ الْغَرَضُ مِنْ الرَّمْيِ الْإِصَابَةُ لِقَتْلِ الْعَدُوِّ أَوْ جَرْحِهِ أَوْ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِصَابَةِ لَا مِنْ بُعْدِ الرَّمْيِ .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ : مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ ) أَيْ : الْغَرَضِ ( طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا ) مِنْ الْأَرْضِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ؛ لِاخْتِلَافِ الْإِصَابَةِ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ وَغِلَظِهِ وَرِقَّتِهِ وَارْتِفَاعِهِ وَانْخِفَاضِهِ .
وَالْغَرَضُ مَا تُقْصَدُ إصَابَتَهُ بِالرَّمْيِ مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ قَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ .
وَسُمِّيَ أَيْضًا : شَارَةً وَشَنًّا ( وَإِنْ تَشَاحَّا ) أَيْ الْمُتَنَاضِلَانِ ( فِي الِابْتِدَاءِ ) أَيْ : فِي الْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالرَّمْيِ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا .
فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَبَدَرَهُ الْآخَرُ وَرَمَى لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِسَهْمٍ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ .
وَيُسْتَحَبُّ تَعْيِينُ الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ فِي الْعَقْدِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَا سَهْمًا سَهْمًا وَخَمْسًا خَمْسًا وَأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَ الرِّشْقِ وَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ .
فَإِنْ أَطْلَقَا تَرَاسَلَا سَهْمًا سَهْمًا ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ .
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْوُقُوفِ عَنْ يَمِينِ الْغَرَضِ أَوْ يَسَارِهِ فَالْأَمْرُ إلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا .
فَإِذَا صَارَ الثَّانِي إلَى الْغَرَضِ صَارَ الْخِيَارُ إلَيْهِ لِيَسْتَوِيَا .
وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا اسْتِقْبَالَ الشَّمْسِ وَالْآخَرُ اسْتِدْبَارَهَا أُجِيبَ مَنْ طَلَبَ اسْتِدْبَارَهَا ( وَإِذَا بَدَأَ ) أَحَدُهُمَا ( فِي وَجْهٍ ) هُوَ رَمْيُ الْقَوْمِ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَامِ ( بَدَأَ الْآخَرُ ) فِي الْوَجْهِ ( الثَّانِي ) عَدْلًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ شَرَطَا الْبُدَاءَةِ لِأَحَدِهِمَا فِي

كُلِّ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ ، وَهَذَا تَفَاضُلٌ ، وَإِنْ فَعَلَاهُ بِتَرَاضِيهِمَا بِلَا شَرْطٍ جَازَ ، إذْ لَا أَثَرَ لِلْبُدَاءَةِ فِي الْإِصَابَةِ ( وَسُنَّ جَعْلُ غَرَضَيْنِ ) فِي الْمُنَاضَلَةِ يَرْمِي الرَّسِيلَانِ أَحَدَهُمَا ثُمَّ يَمْضِيَانِ إلَى الْمَرْمِيِّ فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ وَيَرْمِيَانِ الْآخَرَ .
لِأَنَّهُ فِعْلُ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ } " وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ : رَأَيْتُ حُذَيْفَةَ يَشْتَدُّ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ يَقُولُ : أَنَالُهَا فِي قَمِيصٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ .
وَالْهَدَفُ مَا يُنْصَبُ الْغَرَضُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْو تُرَابٍ مَجْمُوعٍ أَوْ حَائِطٍ .
( وَإِذَا ) كَانَ غَرَضَانِ فَ ( بَدَأَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ : الْمُتَنَاضِلَيْنِ ( بِغَرَضٍ بَدَأَ الْآخَرُ بِالثَّانِي ) لِحُصُولِ التَّعَادُلِ ( وَإِنْ أَطَارَتْهُ ) أَيْ : الْغَرَضَ ( الرِّيحُ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ ) أَيْ : الْمُتَنَاضِلَيْنِ ( خَوَاسِقَ أَوْ نَحْوُهَا ) كَخَوَارِقَ وَمُقَرْطَسٍ ( لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ ) أَيْ : الرَّامِي ( بِهِ ) أَيْ : بِالسَّهْمِ ( وَلَا عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ كَانَ يَثْبُتُ فِي الْغَرَضِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا ؟ وَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ اُحْتُسِبَ بِهِ لِرَامِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ .
وَإِنْ بَقِيَ الْغَرَضُ مَوْضِعَهُ وَشَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ وَأَصَابَ السَّهْمُ الْغَرَضَ بِعَرْضِهِ أَوْ بِفَوْقِهِ ، بِأَنْ انْقَلَبَ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ فَأَصَابَهُ فَوْقَهُ أَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ قِطْعَتَيْنِ وَأَصَابَ الْغَرَضَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ .
( وَإِنْ عَرَضَ ) لِأَحَدِهِمَا ( عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ أَوْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ ) فَأَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ ( لَمْ يُحْتَسَبْ ) لَهُ ( بِالسَّهْمِ ) وَلَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الصَّوَاب إلَى الْخَطَأِ كَعَكْسِهِ .
وَإِنْ حَالَ

حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ فَنَفِدَ مِنْهُ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَدَادِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ ( وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ أَوْ ظُلْمَةٌ ) عِنْدَ رَمْيٍ ( جَازَ تَأْخِيرُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يُرْخِي الْوَتَرَ وَالظُّلْمَةُ عُذْرٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ فِعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْعَادَةُ الرَّمْيُ نَهَارًا ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ لَيْلًا فَيَلْزَمُ .
فَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً مُنِيرَةً اُكْتُفِيَ بِهِ وَإِلَّا رَمَيَا فِي ضَوْءِ شَمْعَةٍ أَوْ مِشْعَلٍ .
وَيُمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامٍ يَغِيظُ بِهِ صَاحِبَهُ ، كَأَنْ يَرْتَجِزَ أَوْ يَفْتَخِرَ وَيَتَبَجَّحَ بِالْإِصَابَةِ وَيُعَنِّفَ صَاحِبَهُ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ يُظْهِرَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ ( وَكُرِهَ ) لِمَنْ حَضَرَهُمَا مِنْ أَمِينٍ وَشُهُودٍ وَغَيْرِهِمْ ( مَدْحُ أَحَدِهِمَا أَوْ ) مَدْحُ ( الْمُصِيبِ وَعَيْبُ الْمُخْطِئِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ ) وَغَيْظِهِ وَحَرَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ فِي شَيْخِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَدْحُ الْمُصِيبِ مِنْ الطَّلَبَةِ وَعَيْبُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ .
وَفِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ : إنْ كَانَ مَدْحُهُ يُفْضِي إلَى تَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ أَوْ كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ قَوِيَ التَّحْرِيمُ .
وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَنَحْوِهِ قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ ( وَمَنْ قَالَ ) لِآخَرَ : ( ارْمِ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ ) أَيْ : إصَابَتُك فِيهَا ( أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِك فَلَكَ دِرْهَمٌ ) صَحَّ ( أَوْ ) قَالَ : ( لَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ بِهِ دِرْهَمٌ ) صَحَّ ، أَوْ قَالَ : فَلَكَ بِكُلِّ سَهْمٍ زَائِدٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْمُصَابَاتِ دِرْهَمٌ صَحَّ ( أَوْ ) قَالَ : ( ارْمِ هَذَا السَّهْمَ فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ فَلَكَ دِرْهَمٌ صَحَّ ) وَكَانَ جَعَالَةً فِي الْجَمِيعِ ( وَلَزِمَهُ ) الْجُعْلُ ( بِذَلِكَ ) أَيْ : بِوُجُودِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ عَلَى عَمَلٍ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ .
وَلَيْسَ نِضَالًا .
؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ .
فَإِنْ قَالَ : وَإِنْ كَانَ خَطَؤُك أَكْثَرَ فَعَلَيْكَ

دِرْهَمٌ أَوْ نَحْوُهُ لَمْ يَصِحَّ .
وَ ( لَا إنْ قَالَ : وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ .
وَإِنْ قَالَ : مَنْ أَرَادَ رَمْيَ سَهْمٍ لِحَاضِرِهِ إنْ أَخْطَأْتُ فَلَكَ دِرْهَمٌ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْحَاضِرِ .

كِتَابُ الْعَارِيَّةِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ عَارَ الشَّيْءُ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ .
وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَطَّالِ : عَيَّارٌ لِتَرَدُّدِهِ فِي بَطَالَتِهِ .
وَأَعَارَهُ وَعَارَهُ لُغَتَانِ كَ أَطَاعَهُ وَطَاعَهُ ، أَوْ مِنْ الْعُرْيِ وَهُوَ التَّجَرُّدُ لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْعِوَضِ ، أَوْ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِجَعْلِ الْمَالِكِ لِلْمُسْتَعِيرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ .
وَهِيَ ( الْعَيْنُ الْمَأْخُوذَةُ ) مِنْ مَالِكٍ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ لِمَنْفَعَتِهَا أَوْ وَكِيلُهُ ( لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُطْلَقًا ) أَوْ زَمَنًا مَعْلُومًا ( بِلَا عِوَضٍ ) وَتُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِعَارَةِ مَجَازًا ( وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةُ نَفْعِهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ أَيْ : رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِهَا .
وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَمَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْإِجَارَةِ ( بِلَا عِوَضٍ ) وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ .
وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى " { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَهِيَ مِنْ الْبِرِّ وقَوْله تَعَالَى : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ " الْعَوَارِيّ " وَفَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْعَوَارِيّ : بِالْقِدْرِ وَالْمِيزَانِ وَالدَّلْوِ .
وَحَدِيثُ " { الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ } " قَالَ التِّرْمِذِيُّ " حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الْأَعْيَانِ جَازَتْ هِبَةُ الْمَنَافِعِ .
وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِمَا ( وَتُسْتَحَبُّ ) الْإِعَارَةُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ ، وَلَا تَجِبُ لِحَدِيثِ " { إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ } " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَلِحَدِيثِ " { لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ } " وَنَحْوُهُ ، فَيُرَدُّ مَا خَالَفَهُ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ .
( وَتَنْعَقِدُ ) الْإِعَارَةُ ( بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا ) أَيْ : الْإِعَارَةِ ، ك أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ ارْكَبْهَا إلَى كَذَا ، أَوْ اسْتَرِحْ عَلَيْهَا أَوْ خُذْهَا تَحْتَك وَنَحْوُهُ كَدَفْعِهِ دَابَّةً لِرَفِيقِهِ عِنْدَ تَعَبِهِ وَتَغْطِيَتِهِ بِكِسَائِهِ

لِبَرْدِهِ ، كَدَفْعِ الصَّدَقَةِ فَإِذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَبْقَى الْكِسَاءَ عَلَيْهِ كَانَ قَبُولًا .
وَكَذَا لَوْ سُمِعَ مَنْ يَقُولُ : مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا ؟ فَأَعْطَاهُ كَفَى لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ .
نَقَلَهُ بِمَعْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ .

( وَشُرِطَ ) لِصِحَّةِ الْإِعَارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ .
أَحَدُهَا ( كَوْنُ عَيْنٍ ) مُعَارَةٍ ( مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَائِهَا ) كَدَوَابَّ وَرَقِيقٍ وَدُورٍ وَلِبَاسٍ وَأَوَانٍ .
بِخِلَافِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ تَلَفِ عَيْنِهِ كَأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ .
فَإِنْ أَعْطَاهَا بِلَفْظِ إعَارَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ .
نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ .
.
( وَ ) الثَّانِي ( كَوْنُ مُعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ تَبَرُّعٍ ، إذْ هِيَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ .
( وَ ) الثَّالِثُ : كَوْنُ ( مُسْتَعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لَهُ ) بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ بِأَنْ يَصِحَّ مِنْهُ قَبُولُهَا مِنْهُ لِشِبْهِ الْإِبَاحَةِ بِالْهِبَةِ .
فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِخِدْمَتِهِ ( وَصَحَّ فِي ) إعَارَةٍ ( مُؤَقَّتَةٍ شَرْطُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ ، وَتَصِيرُ إجَارَةً ) كَمَا يَصِحُّ شَرْطُ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ ، وَتَصِيرُ بَيْعًا تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى عَلَى اللَّفْظِ .
فَإِنْ أُطْلِقَتْ الْإِعَارَةُ أَوْ جُهِلَ الْعِوَضُ فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ .
وَلَوْ أَعَارَهُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ .
ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَفَسَادُهَا إمَّا لِاشْتِرَاطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ آخَرَ أَوْ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمَنْفَعَتَيْنِ .
( وَإِعَارَةِ نَقْدٍ وَنَحْوِهِ ) كَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ ( لَا لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ ) كَاسْتِعَارَةِ نَقْدٍ لِيُنْفِقَهُ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لِيَأْكُلَهُ ( قَرْضٌ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْقَرْضِ ، وَهُوَ مُغَلَّبٌ عَلَى اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ كَوَزْنٍ وَتَحَلٍّ فَلَيْسَ بِقَرْضٍ .
.
( وَ ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ ( كَوْنُ نَفْعِ ) عَيْنٍ مُعَارَةٍ ( مُبَاحًا ) لِمُسْتَعِيرٍ ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تُبِيحُ لَهُ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةٌ لِغِنَاءٍ أَوْ زَمْرٍ وَنَحْوِهِ وَلَا إنَاءٍ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ

وَلَا حُلِيٍّ مُحَرَّمٍ ، وَلَا أَمَةٍ لِيَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا وَنَحْوِهِ ( وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ) أَيْ : النَّفْعِ الْمُبَاحِ ( كَ ) إعَارَةِ ( كَلْبٍ لِصَيْدٍ أَوْ فَحْلٍ لِضِرَابٍ ) لِإِبَاحَةِ نَفْعِهِمَا .
وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْعِوَضُ الْمَأْخُوذُ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي حَقِّ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ إطْرَاقُ فَحْلِهَا .

( وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ لِقِرَاءَةٍ ) إذَا ( عَدِمَ ) مُصْحَفًا ( غَيْرَهُ ) وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْإِعَارَةِ أَيْضًا فِي كُتُبِ عِلْمٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى ( وَتُكْرَهُ إعَارَةُ أَمَةٍ جَمِيلَةٍ لِذَكَرٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ ) مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا .
وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَزَانٍ ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَجْهَلْ التَّحْرِيمَ .
وَلِسَيِّدِهَا الْمَهْرُ وَإِنْ طَاوَعَتْ ، أَيْ : إذَا لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ فِي الْوَطْءِ .
فَإِنْ كَانَتْ شَوْهَاءَ أَوْ كَبِيرَةً لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا أُبِيحَتْ إعَارَتُهَا لَهُ ، كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ لِمَحْرَمِهَا مُطْلَقًا أَوْ لِامْرَأَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا عِنْدَهُمَا .
( وَ ) تُكْرَهُ ( اسْتِعَارَة أَصْلِهِ ) كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوْا ( لِخِدْمَتِهِ ) ؛ لِكَرَاهَةِ اسْتِخْدَامِهِ أَصْلَهُ ( وَصَحَّ رُجُوعُ مُعِيرٍ ) فِي عَارِيَّةً ( وَلَوْ قَبْلَ أَمَدٍ عَيَّنَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَوْفَى شَيْئًا فَشَيْئًا .
فَكُلُّ مَا اسْتَوْفَى شَيْئًا فَقَدْ قَبَضَهُ وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ ، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَ ( لَا ) يَصِحُّ رُجُوعُهُ ( فِي حَالٍ يَسْتَضِرُّ بِهِ ) أَيْ : بِرُجُوعِهِ فِيهِ ( مُسْتَعِيرٌ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا ( فَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً لِحَمْلٍ ، أَوْ ) أَعَارَ ( أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ ، أَوْ ) لِ ( زَرْعٍ .
لَمْ يَرْجِعْ ) فِي الْإِعَارَةِ ( حَتَّى تَرْسِي ) السَّفِينَةُ ( أَوْ يَبْلَى ) الْمَيِّتُ ( أَوْ يُحْصَدُ ) الزَّرْعُ عِنْدَ أَوَانِهِ .
وَلَيْسَ لِمُعِيرٍ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ بِقِيمَتِهِ نَصًّا ؛ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يَنْتَهِي إلَيْهِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) الزَّرْعُ ( يُحْصَدُ قَصِيلًا ) أَيْ : أَخْضَرَ قَبْلَ أَوَانِ حَصَادِهِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَطْعُهُ فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ فِيهِ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ

لِعَدَمِ الضَّرَرِ إذَنْ .
( وَكَذَا حَائِطٌ ) أُعِيرَ ( لِحَمْلِ خَشَبٍ لِتَسْقِيفٍ أَوْ سُتْرَةٍ ) فَلَا رُجُوعَ لِمَالِكِ الْحَائِطِ فِيهِ إذَا وَضَعَهُ وَبَنَى عَلَيْهِ ( قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ ) الْخَشَبُ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِقَلْعِهِ ، وَلَوْ قَالَ مُعِيرٌ لِمُسْتَعِيرٍ : أَدْفَعُ لَك قِيمَةَ مَا يَنْقُصُ بِالْقَلْعِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ انْقَلَعَ مَا فِي مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ .
وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ ( فَإِنْ سَقَطَ ) الْخَشَبُ عَنْ الْحَائِطِ ( لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُعَدْ إلَّا بِإِذْنِهِ ) أَيْ : الْمُعِيرِ وَلَوْ سَقَطَ بِسَبَبِ هَدْمِ الْحَائِطِ وَأُعِيدَتْ بِآلَتِهَا لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَارِيَّةِ وَزَوَالِ الضَّرَرِ الَّذِي كَانَ لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ ( أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ) بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ فَيَجُوزُ .
وَلَيْسَ لِرَبِّهِ مَنْعُهُ إذَنْ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ ( إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ ) بِوَضْعِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَضَرَّرَ لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُ عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ .

( وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِغَرْسٍ أَوْ لِبِنَاءٍ وَشَرَطَ ) عَلَى مُسْتَعِيرٍ ( قَلْعَهُ ) أَيْ : غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ( بِوَقْتٍ ) مُعَيَّنٍ ( أَوْ ) ب ( رُجُوعٍ لَزِمَ ) مُسْتَعِيرًا غَرَسَ أَوْ بَنَى قَلْعُهُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ : عِنْدَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ أَوْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مُعِيرٌ .
لِحَدِيثِ " { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } " قَالَ فِي الشَّرْحِ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَلِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ فَلَمْ تَتَنَاوَلْ مَا عَدَا الْمُقَيَّدَ ، وَالْمُسْتَعِيرُ دَخَلَ فِي الْعَارِيَّةِ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ بِالْقَلْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِنَقْصِهِ .
وَ ( لَا ) يَلْزَمُ مُسْتَعِيرًا ( تَسْوِيَتُهَا ) أَيْ : الْحُفَرِ فِي الْأَرْضِ بِسَبَبِ قَلْعِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ( بِلَا شَرْطٍ ) لِرِضَا الْمُعِيرِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهَا .
فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَزِمَتْهُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَلْعَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ وَأَبَى مُسْتَعِيرٌ قَلْعَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ " { لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ } " ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ قَلْعَهُ وَعَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ بِنَقْصِ قِيمَتِهِ بِذَلِكَ .
فَإِنْ أَمْكَنَ الْقَلْعُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ مُسْتَعِيرٌ وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ بِلَا نَقْصٍ وَأَبَاهُ مُسْتَعِيرٌ ( فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ ) أَيْ : الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِأَنْ يَتَمَلَّكَهُ ( بِقِيمَتِهِ ) قَهْرًا عَلَيْهِ كَالشَّفِيعِ وَلَوْ مَعَ دَفْعِ مُسْتَعِيرٍ قِيمَةَ أَرْضٍ ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ .
وَالْغِرَاسُ أَوْ الْبِنَاءُ تَابِعٌ بِدَلِيلِ تَبَعِهِمَا لَهَا فِي الْبَيْعِ دُونَ تَبَعِهَا لَهُمَا فِيهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلِمُعِيرٍ ( قَلْعُهُ ) أَيْ : الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ( وَيَضْمَنُ ) الْمُعِيرُ ( نَقْصَهُ ) بِالْقَلْعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ ( وَمَتَى اخْتَارَهُ ) أَيْ : الْقَلْعَ ( مُسْتَعِيرٌ ) مَعَ بَذْلِ الْمُعِيرِ

الْقِيمَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَيْهِ ( سَوَّاهَا ) أَيْ : الْحُفَرَ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ خَلَّصَ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ إلْجَاءٍ أَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَخَذَ غِرَاسَهُ أَوْ بِنَاءً مِنْ الْمَشْفُوعِ ( فَإِنْ أَبَاهُمَا ) أَيْ : الْأَخْذَ بِالْقِيمَةِ وَأَرْشَ نَقْصِ الْقَلْعِ ( مُعِيرُ الْأَرْضِ وَ ) امْتَنَعَ ( الْمُسْتَعِيرُ مِنْ ) دَفْعِ ( أُجْرَةِ ) غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ .
( وَ ) مِنْ ( قَلْعٍ بِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا فِيهَا ) مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ( إنْ رَضِيَا ) أَيْ : الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ ( أَوْ ) رَضِيَ بِهِ ( أَحَدُهُمَا وَبِجَبْرِ الْآخَرِ ) بِطَلَبِ مَنْ رَضِيَ ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِإِزَالَةِ الْمُضَارَّةِ بَيْنَهُمَا وَتَحْصِيلِ مَالِيَّتِهِ ( وَ ) إذَا بِيعَا ( دَفَعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ) مِنْ الثَّمَنِ ( قِيمَتَهَا فَارِغَةً ) مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ ( وَ ) دَفَعَ ( الْبَاقِي ) مِنْ الثَّمَنِ ( لِلْآخَرِ ) وَهُوَ رَبُّ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ .

( وَلِكُلٍّ ) مِنْ رَبِّ أَرْضٍ وَغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ ( بَيْعُ مَا لَهُ مُنْفَرِدًا ) مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْرِهِ ( وَيَكُونُ مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ ) فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا إجَارَةٌ ( فَإِنْ أَبَيَاهُ ) أَيْ : أَبَى مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ الْبَيْعَ ( تُرِكَ ) غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ ( بِحَالِهِ ) فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَتَّفِقَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا .

( وَلِمُعِيرٍ الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ ) مَعَ بَقَاءِ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَنَفْعَهَا ( عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِمَا فِيهَا ) مِنْ غَرْسِ مُسْتَعِيرٍ أَوْ بِنَائِهِ لِاحْتِرَامِهِمَا بِإِذْنِ مُعِيرٍ فِي وَضْعِهِمَا ( وَلِمُسْتَعِيرٍ ) غَرَسَهَا ( الدُّخُولُ لِسَقْيٍ وَإِصْلَاحٍ وَأَخْذِ ثَمَرٍ ) إذْ الْإِذْنُ فِي شَيْءٍ إذْنٌ فِيمَا يَعُودُ بِصَلَاحِهِ .
وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِمُسْتَعِيرٍ الدُّخُولُ ( لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ ) كَمَبِيتٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِصَلَاحِ مَالِهِ ، فَلَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا .

( وَلَا أُجْرَةَ ) عَلَى مُسْتَعِيرٍ لِمُعِيرٍ ( مُنْذُ رَجَعَ ) إلَى زَوَالِ ضَرَرِ مُسْتَعِيرٍ حَيْثُ كَانَ الرُّجُوعُ يَضُرُّ بِهِ إذَنْ ، وَلَا إذَا أَعَارَ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ تَضَرُّرِ الْمُسْتَعِيرِ ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا أَبَى أَخْذَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَفْسِهِ فَإِبْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ جِهَتِهِ .
فَلَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ ( إلَّا فِي الزَّرْعِ ) أَيْ : إذَا أَعَارَهُ لِلزَّرْعِ وَزَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَوَانِ حَصْدِهِ .
وَلَا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى الْحَصَادِ ؛ لِوُجُوبِ تَبْقِيَتِهِ فِيهَا قَهْرًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ .
بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ .
وَهُوَ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرْسِ فَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَلَا إلَى قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ .
وَالْمُسْتَعِيرُ إذَا اخْتَارَ قَلْعَ زَرْعِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَالِكِ الِانْتِفَاعَ بِأَرْضِهِ ذَلِكَ الْعَامَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ إبْقَاؤُهُ بِأُجْرَتِهِ إلَى حَصَادِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ .
( وَإِنْ غَرَسَ ) مُسْتَعِيرٌ ( أَوْ بَنَى ) فِيمَا اسْتَعَارَهُ لِذَلِكَ ( بَعْدَ رُجُوعِ ) مُعِيرٍ : فَغَاصِبٌ ( أَوْ ) غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ ( أَمَدِهَا ) أَيْ : الْعَارِيَّةِ ( فِي ) عَارِيَّةٍ ( مُؤَقَّتَةٍ ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْدَهُ بِالرُّجُوعِ ( فَغَاصِبٌ ) ؛ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِزَوَالِ الْإِعَارَةِ بِالرُّجُوعِ وَبِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا إذَا قُيِّدَتْ بِوَقْتٍ .
فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ ، فَقَالَ مُسْتَعِيرٌ : هِيَ سَنَتَانِ ، وَقَالَ مُعِيرٌ : هِيَ

سَنَةٌ ، أَوْ قَالَ : أَذِنْتَ لِي فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ فَرْسَخَيْنِ ، فَقَالَ الْمَالِكُ : بَلْ فَرْسَخًا فَقَوْلُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعَارَةِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ .

( وَالْمُشْتَرِي ) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ( وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ) إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ ( كَمُسْتَعِيرٍ ) فِي أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُؤَجِّرَ لَا يَمْلِكُ قَلْعَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ بِلَا ضَمَانِ نَقْصٍ ؛ لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ .
وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ .
وَإِذَا غَرَسَ مُشْتَرٍ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ بَنَى ثُمَّ فُسِخَ بَيْعٌ لِنَحْوِ عَيْبٍ فَكَغَرْسٍ أَوْ بِنَاءِ مُسْتَعِيرٍ .

( وَمَنْ حَمَلَ سَيْلٌ إلَى أَرْضِهِ بَذْرَ غَيْرِهِ ) وَنَبَتَ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ ( فَ ) الزَّرْعُ ( لِرَبِّهِ ) أَيْ : رَبِّ الْبَذْرِ ( مَبْقِيٌّ إلَى ) أَوَانِ ( حَصَادٍ ) ؛ لِأَنَّ قَلْعَهُ إتْلَافٌ لَهُ عَلَى مَالِكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ ( بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ رَبِّ الْأَرْضِ بِتَبْقِيَةِ زَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إضْرَارٌ بِهِ وَشَغْلٌ لِمِلْكِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ بِلَا عِوَضٍ فَوَجَبَ عَلَى رَبِّ الْبَذْرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، كَمُسْتَأْجِرٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَبَقِيَ زَرْعُهُ ( وَحَمَلَهُ ) أَيْ : السَّيْلُ ( لِغَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ ) كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ ( إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ ) أَيْ : غَيْرِ مَالِكِ هَذِهِ ( فَنَبَتَ ) فِي الْأَرْضِ الْمَحْمُولِ إلَيْهَا ( كَغَرْسِ مُشْتَرٍ شِقْصًا يَأْخُذُهُ شَفِيعٌ ) بِجَامِعِ عَدَمِ التَّعَدِّي ، فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعُهُ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ .
( وَإِنْ حَمَلَ ) سَيْلٌ ( أَرْضًا بِغَرْسِهَا إلَى ) أَرْضٍ ( أُخْرَى فَنَبَتَ كَمَا كَانَ ) قَبْلَ نَقْلِهِ ( فَ ) هُوَ ( لِمَالِكِهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ الْمَحْمُولَةِ لِعَدَمِ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِيهِ ( وَيُجْبَرُ ) رَبُّ أَرْضٍ مَحْمُولَةٍ ( عَلَى إزَالَتِهَا ) ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهَا إشْغَالٌ لِمِلْكِ غَيْرِهِ بِمَا يَدُومُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، أَشْبَهَ أَغْصَانَ شَجَرَةٍ إذَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ جَارِهِ ( وَمَا تُرِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ) مِمَّا انْتَقَلَ إلَيْهَا ( سَقَطَ طَلَبُهُ بِسَبَبِهِ ) فَلَا يُطَالَبُ بِأُجْرَةٍ وَلَا نَقْلٍ وَلَا غَيْرِهِ ؛ لِحُصُولِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ وَلَا عُدْوَانِهِ .
وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ قَلَعَهُ قُلْتُ : وَكَذَا فِي إجَارَةٍ وَنَحْوِهَا .

( فَصْلٌ وَمُسْتَعِيرٌ فِي اسْتِيفَاءِ نَفْعٍ ) مِنْ عَيْنٍ ( مُعَارَةٍ ) ( كَمُسْتَأْجِرٍ ) فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ، لِمِلْكِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا فَإِذَا أَعَارَهُ أَرْضًا لِغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ .
وَصَحَّحَ الْحَارِثِيُّ إذَا أَعَارَهُ لِلْبِنَاءِ لَا يَزْرَعُ .
وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِزَرْعٍ لَمْ يَغْرِسْ وَلَمْ يَبْنِ ، وَلِغَرْسٍ لَا يَبْنِي ، وَلِبِنَاءٍ لَا يَغْرِسُ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا مُخْتَلِفٌ .
وَلَا إنْ اسْتَعَارَهَا مُدَّةً لِزَرْعٍ أَنْ يَزْرَعَ أَكْثَرَ مِنْهَا ، وَلَا إنْ اسْتَعَارَهَا لِزَرْعِ شَعِيرٍ أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ : الْمُسْتَعِيرَ ( لَا يُعِيرُ ) مَا اسْتَعَارَهُ ( وَلَا يُؤَجِّرُ ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ مَنَافِعَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ ( إلَّا بِإِذْنِ ) مُعِيرِهِ .
فَإِنْ أَذِنَهُ جَازَ ، وَلَا يَضْمَنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ مُسْتَعِيرٍ وَعَكْسِهِ تَلَفُ عَيْنٍ عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ ( فَإِنْ خَالَفَ ) فَأَعَارَ أَوْ أَجَّرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( فَتَلِفَتْ ) الْعَيْنُ ( عِنْدَ الثَّانِي ) مُسْتَأْجِرًا كَانَ أَوْ مُسْتَعِيرًا ( ضَمَّنَ ) مَالِكُ الْعَيْنِ الْأَوَّلَ ؛ فَلِأَنَّهُ سَلَّطَ غَيْرَهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّطَ عَلَيْهِ دَابَّةً .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى مَالِكِهَا تَحْتَ يَدِهِ ( وَالْقَرَارُ ) فِي ضَمَانِهِمَا ( عَلَى الثَّانِي ) مُسْتَعِيرًا كَانَ أَوْ مُسْتَأْجِرًا ( إنْ عَلِمَ ) الْحَالَ لِتَعَدِّيهِ إذَنْ ( وَإِلَّا ) يَعْلَمْ الثَّانِي الْحَالَ بَلْ ظَنَّهَا مِلْكَ الْمُعِيرِ لَهُ ( ضَمِنَ الْعَيْنَ ) فَقَطْ ( فِي عَارِيَّةٍ ) لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ ( وَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى ) الْمُسْتَعِيرِ ( الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الثَّانِي بِدَفْعِهَا لَهُ وَالْإِجَارَةُ بِعَكْسِهَا .
وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ فِي الْإِعَارَةِ .
فَلَوْ أَعَارَهُ مُطْلَقًا مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُهَيَّأٌ لَهُ .
وَلَهُ

انْتِسَاخُ الْكِتَابِ الْمُعَارِ وَدَفْعُ الْخَاتَمِ الْمُعَارِ لِمَنْ يَنْقُشُ لَهُ عَلَى مِثْلِهِ .

( وَالْعَوَارِيّ الْمَقْبُوضَةُ غَيْرُ وَقْفٍ كَكُتُبِ عِلْمٍ وَنَحْوِهَا ) كَدُرُوعٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى غُزَاةٍ ( تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ ) كَسَرِقَةٍ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهَا ( مَضْمُونَةٌ ) بِكُلِّ حَالٍ نَصًّا .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ { بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ } " فَأَثْبَتَ الضَّمَانَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَلِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَا يُضْمَنُ بِلَا تَفْرِيطٍ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ مُسْتَعِيرٌ بِنَفْعِهِ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمَهُ الْغَزْوَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَوْ لِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ، أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لَهُ .
أَشْبَهَ سُقُوطَ قَنْطَرَةٍ بِمَشْيِهِ عَلَيْهَا ( بِخِلَافِ حَيَوَانٍ مُوصَى بِنَفْعِهِ ) إذَا قَبَضَهُ مُوصًى لَهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُسْتَحَقٌّ لَهُ .
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا { لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرُ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ } " أُجِيبَ عَنْهُ : بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ عَمْرًا وَعُبَيْدًا وَهُمَا ضَعِيفَانِ ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ التَّالِفَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( بِقِيمَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ يَوْمَ تَلِفَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ تَحَقُّقِ فَوَاتِهَا ( وَمِثْلُ مِثْلِيَّةٍ ) كَصَنْجَةٍ مِنْ نُحَاسٍ لَا صِنَاعَةَ بِهَا اسْتَعَارَهَا لِيَزِنَ بِهَا فَتَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُ وَزْنِهَا مِنْ نَوْعِهَا .

( وَيَلْغُو شَرْطُ عَدَمِ ضَمَانِهَا ) أَيْ : الْعَارِيَّةِ ( كَ ) إلْغَاءِ ( شَرْطِ ضَمَانِ أَمَانَةٍ ) كَوَدِيعَةٍ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي الْعَارِيَّةِ الضَّمَانُ ، وَفِي الْأَمَانَةِ عَدَمُهُ فَإِذَا شُرِطَ خِلَافُهُ فَسَدَ ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
( وَلَوْ أَرْكَبَ ) إنْسَانٌ ( دَابَّتَهُ ) شَخْصًا ( مُنْقَطِعًا لِلَّهِ ، فَتَلِفَتْ ) الدَّابَّةُ ( تَحْتَهُ ) أَيْ : الْمُنْقَطِعِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) هَا ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ ؛ لِأَنَّهَا بِيَدِ صَاحِبِهَا وَرَاكِبُهَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِحِفْظِهَا .
أَشْبَهَ مَا لَوْ غَطَّى ضَيْفَهُ بِلِحَافٍ فَتَلِفَ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ( كَرَدِيفِ رَبِّهَا ) أَيْ : الدَّابَّةِ ، بِأَنْ أَرْكَبَ مَعَهُ آخَرَ عَلَى الدَّابَّةِ فَتَلِفَتْ تَحْتَهُمَا ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ بِيَدِ رَبِّهَا ( وَ ) ك ( رَائِضٍ ) يَرْكَبُ الدَّابَّةَ لِمَصْلَحَتِهَا فَتَلِفَتْ تَحْتَهُ ( وَ ) ك ( وَكِيلِ ) رَبِّهَا إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ .

( وَمَنْ قَالَ ) لِرَبِّ دَابَّةٍ : ( لَا أَرْكَبُ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَقَالَ ) لَهُ رَبُّهَا : ( مَا آخُذُ ) مِنْك لَهَا ( أُجْرَةً ) ثُمَّ رَكِبَهَا ( فَعَارِيَّةٌ ) ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَبْذُلْهَا إلَّا كَذَلِكَ ( أَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ رَبِّهَا فَعَارِيَّةٌ ) فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ .

( وَلَا يَضْمَنُ ) مُسْتَعِيرٌ ( وَلَدَ عَارِيَّةً سُلِّمَ مَعَهَا ) بِتَلَفِهِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِعَارَةِ وَلَا فَائِدَةَ لِمُسْتَعِيرٍ فِيهِ .
أَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ ( وَلَا ) يَضْمَنُ مُسْتَعِيرٌ ( زِيَادَةً ) حَدَثَتْ فِي مُعَارَةٍ ( عِنْدَهُ ) لِعَدَمِ وُرُودِ عَقْدِ الْعَارِيَّةِ عَلَيْهَا .
فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْعَقْدِ ، بِأَنْ كَانَتْ سَمِينَةً فَهَزَلَتْ عِنْدَ مُسْتَعِيرٍ ضَمِنَ نَقْصَهَا ( كَ ) مَا لَا يَضْمَنُ ( مُؤَجَّرَةً ) وَلَا وَلَدَهَا وَلَا زِيَادَتَهَا ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ ( بِلَا قَيْدٍ ) مِنْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ .
فَإِنْ تَعَدَّيَا ضَمِنَا ( وَلَا ) تُضْمَنُ ( هِيَ ) أَيْ : الْعَارِيَّةُ ( أَوْ جُزْؤُهَا بِاسْتِعْمَالٍ بِمَعْرُوفٍ ) كَحَمْلِ مِنْشَفَةٍ أَوْ قَطِيفَةٍ وَكَثَوْبٍ بَلِيَ بِاللُّبْسِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِعْمَالِ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ فِي الْإِتْلَافِ بِهِ .
وَمَا أُذِنَ فِي إتْلَافِهِ لَا يُضْمَنُ كَالْمَنَافِعِ .
فَإِنْ حَمَلَ فِي الثَّوْبِ تُرَابًا فَتَلِفَ بِهِ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِهِ ، وَإِنْ جَرَحَ ظَهْرَ الدَّابَّةِ بِالْحَمْلِ ضَمِنَهُ مُطْلَقًا ، ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ .

( وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُسْتَعِيرٍ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ ) الِاسْتِعْمَالَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُسْتَعِيرِ ( مُؤْنَةُ رَدِّهَا ) أَيْ : الْعَارِيَّةِ .
لِحَدِيثِ { الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ } " وَحَدِيثِ " { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } " وَ ( كَمَغْصُوبٍ ) بِجَامِعِ أَنَّهُ قَبَضَهَا لَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا فَيَرُدُّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّهَا إلَى غَيْرِهِ .

وَ ( لَا ) يَجِبُ عَلَى مُسْتَعِيرٍ ( مُؤْنَتُهَا ) أَيْ : الْعَارِيَّةِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِهَا ( عِنْدَهُ ) بَلْ هِيَ عَلَى مَالِكِهَا كَالْمُؤَجَّرَةِ ( وَيَبْرَأُ ) مُسْتَعِيرٌ ( بِرَدِّ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا ) مِنْ الْعَوَارِيّ ( إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ ) أَيْ : الْإِنْسَانِ ( بِهِ ) أَيْ : الرَّدِّ ( عَلَى يَدِهِ كَسَائِسِ ) الدَّابَّةِ ( وَخَازِنٍ وَزَوْجَةٍ وَوَكِيلٍ عَامٍّ ) لِمَالِكٍ ( فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ نُطْقًا .
( وَلَا ) يَبْرَأُ مُسْتَعِيرٌ ( بِرَدِّهَا ) أَيْ : الدَّابَّةِ ( إلَى إصْطَبْلِهِ ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ ( أَوْ ) إلَى ( غُلَامِهِ ) أَيْ : خَادِمِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا وَلَا إلَى نَائِبِهِ فِيهِ ، كَرَدِّ السَّارِقِ مَا سَرَقَهُ إلَى الْحِرْزِ .

( وَمَنْ سَلَّمَ لِشَرِيكِهِ الدَّابَّةَ ) الْمُشْتَرَكَةَ لِيَحْفَظَهَا بِلَا اسْتِعْمَالٍ ( فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَكَعَارِيَّةٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَظِيرِ إنْفَاقِهِ عَلَيْهَا أَوْ تَنَاوُبِهِ مَعَهُ ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهَا بِلَا إذْنٍ فَغَصْبٌ .
( تَتِمَّةٌ ) يَجِبُ رَدُّ عَارِيَّةً بِطَلَبِ مَالِكٍ وَبِانْقِضَاءِ الْغَرَضِ مِنْهَا ، وَبِانْتِهَاءِ التَّأْقِيتِ ، وَبِمَوْتِ مُعِيرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ .
فَإِنْ أَخَّرَ الرَّدَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ .

( فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ : الْمَالِكُ وَالْقَابِضُ ) ( فَقَالَ ) الْمَالِكُ ( آجَرْتُك قَالَ ) الْقَابِضُ : ( بَلْ أَعَرْتنِي ) وَاخْتِلَافُهُمَا ( قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ ) مِنْ الْقَبْضِ ( لَهَا أُجْرَةٌ .
فَقَوْلُ قَابِضٍ ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجَارَةِ وَتُرَدُّ لِمَالِكِهَا ( وَ ) إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا ( بَعْدَهَا ) أَيْ : بَعْدَ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ ( فَقَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا مَضَى ) بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَهَا ، وَقَالَ الْآخَرُ : وَهَبْتَنِيهَا فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَعَارَهُ وَإِنَّمَا أَجَّرَهُ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي .
وَفِي التَّلْخِيصِ : لَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ وَلَا لِلْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الْحَقُّ ( وَ ) يَجِبُ ( لَهُ ) أَيْ : الْمَالِكِ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَثْبُتُ بِدَعْوَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ .
وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ .
( وَكَذَا لَوْ ادَّعَى ) زَارِعُ أَرْضِ غَيْرِهِ ( أَنَّهُ زَرَعَ ) الْأَرْضَ ( عَارِيَّةً وَقَالَ رَبُّهَا ) : زَرَعْتَهَا ( إجَارَةً ) فَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .
( وَ ) إنْ قَالَ قَابِضٌ : لِمَالِكٍ ( أَعَرْتنِي أَوْ ) قَالَ لَهُ : ( آجَرْتنِي .
فَقَالَ ) الْمَالِكُ : بَلْ ( غَصَبْتَنِي ) وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَقَوْلُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ يَدَّعِي إبَاحَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَالْمَالِكَ يُنْكِرُهَا وَالْأَصْلُ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ .
( أَوْ ) قَالَ الْمَالِكُ : ( أَعَرْتُك ، فَقَالَ ) الْقَابِضُ : ( بَلْ آجَرْتنِي وَالْبَهِيمَةُ ) مَثَلًا ( تَالِفَةٌ ) عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَقَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهَا ) أَيْ : الْعَارِيَّةِ ( فَقَوْلُ مَالِكٍ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ( وَكَذَا ) لَوْ قَالَ الْقَابِضُ : ( أَعَرْتنِي أَوْ ) قَالَ ( آجَرْتنِي : فَقَالَ ) الْمَالِكُ : ( غَصَبْتَنِي ) وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فَقَوْلُ

مَالِكٍ بِيَمِينِهِ ( فِي ) وُجُوبِ ( الْأُجْرَةِ ) أَيْ : أُجْرَةِ الْمِثْلِ ( وَ ) فِي وُجُوبِ ( رَفْعِ الْيَدِ ) وَرَدِّ الْعَيْنِ لِمَالِكِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْقَابِضُ .
( وَ ) إنْ قَالَ الْمَالِكُ : ( أَعَرْتُك فَقَالَ ) الْقَابِضُ : ( أَوْدَعْتنِي فَقَوْلُ مَالِكٍ ) بِيَمِينِهِ لِمَا سَبَقَ ( وَلَهُ قِيمَةُ ) عَيْنٍ ( تَالِفَةٍ ) لِثُبُوتِ حُكْمِ الْعَارِيَّةِ بِحَلِفِهِ عَلَيْهِ ( وَكَذَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ بِيَمِينِهِ ( فِي عَكْسِهَا ) بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ : أَوْدَعْتُكَ ، وَالْقَابِضُ أَعَرْتَنِي ( وَلَهُ ) أَيْ : الْمَالِكِ عَلَى الْقَابِضِ ( أُجْرَةُ مَا انْتَفَعَ بِهَا ) أَيْ : الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ضَمَانُ الْمَنَافِعِ عَلَيْهِ وَدَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ، وَإِنْ قَالَ مَالِكٌ : غَصَبْتَنِي ، قَالَ قَابِضٌ : .
أَوْدَعْتنِي .
فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي قَبْضِ مَالِ الْغَيْرِ الضَّمَانُ .

( بَابُ الْغَصْبِ ) مَصْدَرُ غَصَبَ يَغْصِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ .
وَيُقَالُ : اغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ وَغَصْبٌ .
وَهُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا .
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ وَشَرْعًا ( اسْتِيلَاءٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ ) بِفِعْلٍ يُعَدُّ اسْتِيلَاءً ( عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ ) وَمِنْهُ الْمَأْخُوذُ مَكْسًا وَنَحْوُهُ فَلَا يَحْصُلُ بِلَا اسْتِيلَاءٍ .
فَلَوْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ أَوْ أَرْضَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِدُخُولِهِ بِلَا إذْنِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَا .
لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ نَقْلُ الْعَيْنِ .
فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ وَنَحْوِهِ ، كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَاقِفَةً لَيْسَ عِنْدَهَا رَبُّهَا وَلَوْ دَخَلَ دَارًا قَهْرًا وَأَخْرَجَ رَبَّهَا فَغَاصِبٌ .
وَإِنْ أَخْرَجَهُ قَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ أَوْ دَخَلَ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَقُوَّتِهِ فَلَا .
وَإِنْ دَخَلَ قَهْرًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَقَدْ غَصَبَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الْغَصْبَ .
وَإِنْ دَخَلَهَا قَهْرًا فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا فَغَاصِبٌ ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا قُمَاشَةٌ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ .
وَأَمَّا اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْغَنِيمَةِ .
وَقَوْلُهُ : ( عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ ) يَشْمَلُ الْمِلْكَ وَالِاخْتِصَاصَ ، وَقَوْلُهُ " قَهْرًا " أَخْرَجَ بِهِ الْمَسْرُوقَ وَالْمُخْتَلَسَ وَنَحْوَهُ .
وَقَوْلُهُ " بِغَيْرِ حَقٍّ " خَرَجَ بِهِ الشُّفْعَةُ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .

( وَيُضْمَنُ عَقَارٌ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِغَصْبٍ .
لِحَدِيثِ " { مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ .
وَفِي لَفْظٍ " مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ " وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ كَسُكْنَاهُ الدَّارَ وَمَنْعِ صَاحِبِهَا مِنْهَا .
أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ .
وَيَصِحُّ غَصْبُ مُشَاعٍ كَأَرْضٍ أَوْ دَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَنْزِلُ الْغَاصِبُ فِيهَا وَيُخْرِجُ أَحَدَهُمَا وَيُقِرُّ الْآخَرَ مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعَ الْمُخْرَجِ .
فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا إلَّا نَصِيبَ الْمُخْرَجِ حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّا الْمِلْكَ أَوْ انْتَفَعَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ الْمُخْرَجِ شَيْءٌ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ لِاثْنَيْنِ كَفَّ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَنَزَلَ فِي التَّسَلُّطِ عَلَيْهِ مَوْضِعَهُ مَعَ إقْرَارِ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، حَتَّى لَوْ بَاعَاهُ بَطَلَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لِلنِّصْفِ وَصَحَّ بَيْعُ الْآخَرِ لِنِصْفِهِ .
وَلَوْ غَصَبَ مِنْ قَوْمٍ ضَيْعَةً ثُمَّ رَدَّ إلَى أَحَدِهِمْ نَصِيبَهُ مُشَاعًا لَمْ يُطْلَبْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ .
هَذَا مَعْنَى نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ .
قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ مُلَخَّصًا .

( وَ ) تُضْمَنُ ( أُمُّ وَلَدٍ ) بِغَصْبٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَالْقِنِّ فِي الضَّمَانِ بِقِيمَتِهِمَا لَوْ قُتِلَتْ دُونَ دَيْنِهَا .
فَهُوَ دَلِيلُ مَالِيَّتِهَا ( وَ ) يُضْمَنُ ( قِنٌّ ) ذَكَرًا وَأُنْثَى وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ( بِغَصْبِهِ ) كَسَائِرِ الْمَالِ ( لَكِنْ لَا تَثْبُتُ ) يَدُ غَاصِبٍ ( عَلَى بُضْعِ أَمَةٍ ) مَغْصُوبَةٍ ( فَيَصِحُّ ) مِنْ مَالِكِهَا ( تَزْوِيجُهَا ) وَهِيَ بِيَدِ غَاصِبِهَا ( وَلَا يَضْمَنُ ) الْغَاصِبُ ( نَفْعَهُ ) أَيْ : الْبُضْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ بِالْإِجَارَةِ .

( وَإِنْ غَصَبَ ) شَخْصٌ ( خَمْرَ مُسْلِمٍ ضَمِنَ ) الْغَاصِبُ ( مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ ) مِنْهَا إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ رَدِّهِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ خَلًّا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا تَخَلَّلَ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ .
وَ ( لَا ) يَضْمَنُ ( مَا تَخَلَّلَ مِمَّا جَمَعَ ) مِنْ خَمْرٍ ( بَعْدَ إرَاقَتِهَا ) لِزَوَالِ الْيَدِ بِالْإِرَاقَةِ ( وَيُرَدُّ خَمْرُ ذِمِّيٍّ مُسْتَتِرَةً ) غُصِبَتْ ( كَخَمْرِ خَلَّالٍ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ إمْسَاكِهَا ( وَ ) يُرَدُّ ( كَلْبٌ يُقْتَنَى ) كَكَلْبِ صَيْدٍ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَ ( لَا ) تُرَدُّ ( قِيمَتُهَا ) أَيْ : الْخَمْرِ لِذِمِّيٍّ أَوْ خَلَّالٍ وَلَا الْكَلْبِ ( مَعَ تَلَفٍ ) لِتَحْرِيمِهِمَا فَهُمَا كَالْمَيْتَةِ ( وَلَا ) يَلْزَمُ رَدُّ ( جِلْدِ مَيْتَةٍ غُصِبَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغٍ ) فَلَا سَبِيلَ إلَى إصْلَاحِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَفِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَالتَّوْضِيحِ : ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي الْيَابِسَاتِ فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ ( وَلَا يَضْمَنُ حُرٌّ ) كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا ( بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ ) بِأَنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَمَاتَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ( وَتُضْمَنُ ثِيَابُ حُرٍّ صَغِيرٍ وَحُلِيُّهُ ) وَلَوْ لَمْ يَنْزَعْهُمَا عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مُمَانَعَةَ مَعَهُ عَنْ ذَلِكَ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ مُنْفَرِدًا .
وَعَلَى مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ رَدُّهُ إلَيْهِ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ .

وَ ( لَا ) تُضْمَنُ ( دَابَّةٌ ) غُصِبَتْ وَ ( عَلَيْهَا مَالِكُهَا الْكَبِيرُ وَمَتَاعُهُ ) ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا ( وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ ) أَيْ : الْحُرُّ ( كُرْهًا ) فِي خِدْمَةٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ ؛ لِاسْتِيفَائِهِ مَنَافِعَهُ الْمُتَقَوِّمَةَ فَيَضْمَنُهَا كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ ( أَوْ حَبَسَهُ ) أَيْ : الْحُرُّ ( مُدَّةً ) لَهَا أُجْرَةٌ ( فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ ) مُدَّةَ حَبْسِهِ ، ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَتَهُ زَمَنَ الْحَبْسِ ، وَهِيَ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ .

وَ ( لَا ) أُجْرَةَ ( إنْ مَنَعَ ) شَخْصٌ آخَرُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَمْنُوعُ ( قِنًّا : الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ ) ؛ لِعَدَمِ تَلَفِهَا تَحْتَ يَدِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَوْ سَيِّدِهِ ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ ، كَمَا لَا يُضْمَنُ هُوَ وَلَا ثِيَابُهُ إذَنْ ( وَلَا يُضْمَنُ رِبْحٌ فَاتَ ) عَلَى مَالِكٍ ( بِحَبْسِ ) غَاصِبٍ ( مَالِ تِجَارَةٍ ) مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَرْبَحَ فِيهَا إذَا لَمْ يَتَّجِرْ فِيهِ غَاصِبٌ كَمَا لَوْ حَبَسَ عَبْدًا يُرِيدُ مَالِكُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ صِنَاعَةً مُدَّةً يُمْكِنُ تَعَلُّمُهَا فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا

( فَصْلٌ : وَ ) يَجِبُ ( عَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ إلَى مَحَلِّهِ ) إنْ ( قَدَرَ ) الْغَاصِبُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى رَدِّهِ ( وَلَوْ ) كَانَ رَدُّهُ ( بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ ( لِكَوْنِهِ بُنِيَ عَلَيْهِ ) بِأَنْ غَصَبَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ مَثَلًا وَبُنِيَ عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ فِي إخْرَاجِهِ وَرَدِّهِ إلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ( أَوْ ) لِكَوْنِهِ ( بَعُدَ ) بِأَنْ حُمِلَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ تَكْثُرُ أُجْرَةُ رَدِّهِ عَلَى قِيمَتِهِ ( أَوْ ) لِكَوْنِهِ ( خُلِطَ بِمُتَمَيِّزٍ ) كَأَنْ غَصَبَ سِمْسِمًا وَخَلَطَهُ بِبُرٍّ وَاحْتَاجَ فِي تَخْلِيصِهِ إلَى أُجْرَةٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَأَنْ غَصَبَ حَيَوَانًا فَانْفَلَتَ بِمَكَانٍ يَعْسُرُ مَسْكُهُ فِيهِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أُجْرَةٍ ، فَتَلْزَمُ الْغَاصِبَ لِحَدِيثِ " { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَلِحَدِيثِ " { لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا فَإِذَا أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إلَيْهِ أَوْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ فَكَانَ أَوْلَى بِغُرْمِهِ مِنْ مَالِكِهِ .

( وَإِنْ قَالَ رَبُّ ) مَغْصُوبٍ ( عَبْدٍ ) لِغَاصِبٍ بَعْدَهُ : ( دَعْهُ ) بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهَا ( وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدٍ غَصْبِهِ لَمْ يَجِبْ ) أَيْ : لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ .
وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ غَاصِبٍ حَمْلَهُ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ وَكَذَا لَوْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِمَالِكِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّهُ وَأَبَى الْمَالِكُ .
وَإِنْ أَرَادَ مَالِكٌ مِنْ غَاصِبٍ رَدَّهُ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَطْ لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَى جَمِيعِ الْمَسَافَةِ فَلَزِمَهُ إلَى بَعْضِهَا ، كَمَدِينٍ أَسْقَطَ عَنْهُ رَبُّ الدَّيْنِ بَعْضَهُ وَطَلَبَ بَاقِيَهُ .
وَكَذَا إنْ طَلَبَ إبْقَاءَهُ بِمَحَلِّهِ وَيَجُوزُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ .

( وَإِنْ سَمَّرَ ) غَاصِبٌ ( بِالْمَسَامِيرِ ) الْمَغْصُوبَةِ ( بَابًا ) أَوْ غَيْرَهُ ( قَلَعَهَا ) وُجُوبًا ( وَرَدَّهَا ) لِرَبِّهَا لِلْخَبَرِ ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ .
( وَإِنْ زَرَعَ ) الْغَاصِبُ ( الْأَرْضَ ) الْمَغْصُوبَةَ ( فَلَيْسَ لِرَبِّهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ إذَا رُدَّتْ ( بَعْدَ حَصْدِ ) الزَّرْعِ ( إلَّا الْأُجْرَةُ ) أَيْ : أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ إلَى رَدِّهَا ، وَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بَعْدَ حَصَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ غَرَسَ فِيهَا غَرْسًا ثُمَّ قَلَعَهُ .

( وَيُخَيَّرُ ) رَبُّ أَرْضٍ قَدَرَ عَلَيْهَا مِنْ غَاصِبٍ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : قَبْلَ حَصَادِهِ ( بَيْنَ تَرْكِهِ ) أَيْ : الزَّرْعِ فِي أَرْضِهِ ( إلَيْهِ ) أَيْ : الْحَصَادِ ( بِأُجْرَتِهِ ) أَيْ : أُجْرَةِ مِثْلِهِ ( أَوْ تَمَلُّكِهِ ) أَيْ : الزَّرْعِ ( بِنَفَقَتِهِ وَهِيَ مِثْلُ الْبَذْرِ ، وَعِوَضُ لَوَاحِقِهِ ) مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ وَنَحْوِهِمَا .
لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا { مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحُكْمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ؛ وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَتِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِنَفَقَتِهِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ رَبِّ الْأَرْضِ فَمَلَكَ الْخِيَرَةَ بَيْنَهُمَا .
وَلَا يُجْبَرُ غَاصِبٌ عَلَى قَلْعِ زَرْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ بِلَا إتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنْ الزَّمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ ، كَسَفِينَةٍ غَصَبَهَا وَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ وَأَدْخَلَهَا اللُّجَّةَ ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ وَلَا يُعْلَمُ انْتِهَاؤُهَا .
وَحَدِيثُ " { لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ } " وَرَدَ فِي الْغَرْسِ وَحَدِيثُ رَافِعٍ فِي الزَّرْعِ فَعَمَلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا .

( وَإِنْ غَرَسَ ) غَاصِبُ أَرْضٍ فِيهَا ( أَوْ بَنَى فِيهَا أُخِذَ ) أَيْ : أُلْزِمَ ( بِقَلْعِ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ) لِحَدِيثِ { لَيْسَ لِعِرَقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَ ) أَخَذَ بِ ( تَسْوِيَتِهَا وَأَرْشِ نَقْصِهَا ) لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ ( وَأُجْرَتِهَا ) إلَى تَسْلِيمِهَا لِتَلَفِ مَنَافِعِهَا تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ بِتَرْكِ زَرْعِهَا ذَلِكَ الْعَامَ ، كَأَرَاضِي الْبَصْرَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَتْ بِغَيْرِهِ ( حَتَّى وَلَوْ كَانَ ) الْغَاصِبُ ( أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ ) فِي الْأَرْضِ ( أَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا ) الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي فِيهَا ( لَكِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ ) لِلتَّعَدِّي ( وَلَا يَمْلِكُ ) رَبُّ أَرْضٍ ( أَخْذَهُ ) أَيْ : الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ( بِقِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْغَاصِبِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثَاثًا أَوْ نَحْوَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمَالِكُ .
وَقَالَ الْمَجْدُ : فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلُّكُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِقِيمَتِهٍ مَقْلُوعًا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ ( وَإِنْ وَهَبَ ) أَيْ : وَهَبَ غَارِسٌ أَوْ بَانَ غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ ( لِمَالِكِهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ ( لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إجْبَارًا عَلَى عَقْدٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا ، وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا نَوًى فَصَارَ شَجَرًا ، فَكَمَا لَوْ حَمَلَ الْغَاصِبُ إلَيْهَا غَرْسًا ، فَغَرَسَهُ فِيهَا ( وَرُطَبُهُ وَنَحْوُهَا ) مِمَّا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ وَبَامِيَا ( كَزَرْعٍ ) فَلِرَبِّهَا إذَا أَدْرَكَهُ قَائِمًا أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِنَفَقَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ بِأُجْرَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِرْقٌ قَوِيٌّ أَشْبَهَ الْحِنْطَةَ ( لَا ) ك ( غَرْسٍ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَهُ غَاصِبٌ فِي مَغْصُوبٍ ) فَالثَّمَرُ لِلْغَاصِبِ عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبِ الْفَائِقِ وَابْنِ رَزِينٍ .
وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَنَوَادِرِ الْمَذْهَبِ : كَالزَّرْعِ .

وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الْأَوَّلَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .

( وَمَتَى كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوبٍ ) بِأَنْ ضَرَبَ مِنْ تُرَابِهِ لَبِنًا وَبَنَى بِهِ بَيْتًا فِيهَا ( فَ ) عَلَيْهِ ( أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( وَلَا يَمْلِكُ ) غَاصِبٌ ( هَدْمَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فَإِنْ نَقَضَهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْضِهِ .
قُلْتُ : قِيَاسُ مَا يَأْتِي إنْ أَبْرَأَهُ رَبُّ أَرْضٍ مِنْ ضَمَانِهِ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ ، وَإِلَّا فَلَهُ نَقْضُهُ دَفْعًا لِضَرَرِهِ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوبٍ بِأَنْ بَنَاهَا بِلَبِنٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهَا ( فَ ) عَلَيْهِ ( أُجْرَتُهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ( فَلَوْ أَجَّرَهُمَا ) أَيْ : أَجَّرَ غَاصِبٌ الْأَرْضَ وَبِنَاءَهُ الَّذِي لَيْسَ مِنْهَا ( فَالْأُجْرَةُ ) بَيْنَ الْغَاصِبِ وَرَبِّ الْأَرْضِ ( بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا ) أَيْ : تُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالْمُحَاصَّةِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَأُجْرَةِ الْبِنَاءِ .

( وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مَنْقُولًا مِنْ ) مَالِكٍ ( وَاحِدٍ فَغَرَسَهُ ) أَيْ : الْغِرَاسَ الْمَغْصُوبَ ( فِيهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ( لَمْ يَمْلِكْ ) الْغَاصِبُ ( قَلْعَهُ ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُمَا وَاحِدٌ وَلَا يَتَصَرَّفُ غَيْرُهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا إذْنِهِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : الْغَاصِبِ ( إنْ فَعَلَ ) أَيْ : قَلَعَ الْغِرَاسَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكٍ : تَسْوِيَتُهَا وَأَرْشُ نَقْصِهَا وَأَرْشُ نَقْصِ غِرَاسٍ لِتَعَدِّيهِ بِهِ ( أَوْ طَلَبَهُ ) أَيْ : الْقَلْعَ ( رَبُّهُمَا ) أَيْ : رَبُّ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ ( لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ) بِأَنْ كَانَ لَا يَنْتُجُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مَثَلًا ( تَسْوِيَتُهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ ( وَ ) أَرْشُ ( نَقْصِهَا وَ ) أَرْشُ ( نَقْصِ غِرَاسٍ ) لِتَعَدِّيهِ بِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَالِكٍ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي قَلْعِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ غَاصِبٌ ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مَقْصُودٌ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ غَرَضَهُ فَأَخَذَ بِإِعَادَتِهَا كَمَا كَانَتْ .
وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا مِنْ وَاحِدٍ وَغَرْسًا مِنْ آخَرَ وَغَرَسَهُ فِيهَا فَكَمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ غِرَاسًا إلَى أَرْضِ آخَرَ وَتَقَدَّمَ .
وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا مِنْ وَاحِدٍ وَحَبًّا مِنْ آخَرَ وَزَرَعَهُ فِيهَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَجْدُ .

( وَإِنْ غَصَبَ خَشَبًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً قُلِعَ ) إنْ كَانَتْ فِي السَّاحِلِ أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ قَلْعِهِ لِكَوْنِهِ فِي أَعْلَاهَا وَدَفَعَ لِرَبِّهِ بِلَا إمْهَالٍ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا ( وَيُمْهَلُ ) لِقَلْعٍ ( مَعَ خَوْفٍ ) عَلَى سَفِينَةٍ بِقَلْعِهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يُخَافُ مِنْ قَلْعِهِ دُخُولُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَهِيَ فِي اللُّجَّةِ ( حَتَّى تَرْسِيَ ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ قَلْعُهُ إلَى إفْسَادِ مَا فِي السَّفِينَةِ مِنْ الْمَالِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ بِدُونِهِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الْإِرْسَاءُ لِبُعْدِ الْبَرِّ ( فَلِمَالِكِ ) خَشَبٍ مَغْصُوبٍ ( أَخْذُ قِيمَتِهِ ) لِلتَّضَرُّرِ بِرَدِّ عَيْنِهِ إذَنْ ، وَمَتَى رَسَتْ وَاسْتَرْجَعَهُ رَدَّ الْقِيمَةَ كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا فِي السَّفِينَةِ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : الْغَاصِبِ ( أُجْرَتُهُ ) أَيْ : الْخَشَبُ الْمَغْصُوبِ ( إلَيْهِ ) أَيْ : أَخْذُ قِيمَتِهِ إنْ أَخَذَهَا وَإِلَّا فَإِلَى رَدِّهِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنَافِعَهُ عَلَى مَالِكِهِ ( وَ ) عَلَيْهِ أَرْشُ ( نَقْصِهِ ) لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ .

( وَإِنْ غَصَبَ مَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ ) حَيَوَانٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( وَخِيفَ بِقَلْعِهِ ) أَيْ الْخَيْطِ ( ضَرَرُ آدَمِيٍّ أَوْ تَلَفُ ) أَيْ : مَوْتُ حَيَوَانِ ( غَيْرِهِ ) أَيْ : الْآدَمِيِّ ( فَ ) الْوَاجِبُ ( قِيمَتُهُ ) لِمَالِكِهِ لِتَأَكُّدِ حُرْمَةِ الْآدَمِيِّ .
وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَخْذُ مَالِ غَيْرِهِ لِحِفْظِ حَيَاتِهِ وَحُرْمَةُ الْحَيَوَانِ آكَدُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَمْوَالِ .
وَلِهَذَا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِهِ وَهُوَ مَا يَطْعَمُهُ الْحَيَوَانُ لِأَجْلِ تَبْقِيَتِهِ ( وَإِنْ حَلَّ ) حَيَوَانٌ خِيطَ جُرْحِهِ بِمَغْصُوبٍ ( لِغَاصِبٍ ) كَشَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَخِيفَ مَوْتٌ بِقَلْعِهِ ( أُمِرَ ) غَاصِبٌ ( بِذَبْحِهِ ) أَيْ : الْحَيَوَانِ ( وَيَرُدُّهُ ) أَيْ : الْخَيْطَ الْمَغْصُوبَ وَلَوْ نَقَصَ الْحَيَوَانُ بِذَبْحِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْخَيْطِ ، أَوْ لَمْ يُعَدَّ لِلذَّبْحِ كَالْخَيْلِ كَمَا لَوْ بُنِيَ عَلَى الْمَغْصُوبِ .
فَإِنْ كَانَ الْمَخِيطُ جُرْحُهُ بِهِ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَخِنْزِيرٍ وَمُرْتَدٍّ وَجَبَ قَلْعُهُ وَرَدُّهُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مَأْكُولٍ أَوْ كَانَ مَأْكُولًا ، لَكِنْ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَمْ يُذْبَحْ ( كَ ) مَا يُرَدُّ الْخَيْطُ ( بَعْدَ مَوْتِ ) حَيَوَانٍ ( غَيْرِ آدَمِيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ ، لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ فَتَتَعَيَّنَ قِيمَتُهُ .
( وَمَنْ غَصَبَ جَوْهَرَةً ) مَثَلًا ( فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ ) بِتَفْرِيطِهِ أَوْ لَا ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ الَّذِي خَاطَ بِهِ جُرْحَهَا ، ( وَلَوْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ شَخْصٍ ) مَثَلًا ( جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ وَلَا تَخْرُجُ ) أَيْ : تَعَذَّرَ إخْرَاجُ الْجَوْهَرَةِ ( إلَّا بِذَبْحِهَا وَهُوَ ) أَيْ : ذَبْحُهَا ( أَقَلُّ ضَرَرًا ) مِنْ ضَرَرِ تَرْكِهَا ( ذُبِحَتْ وَعَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ مَا نَقَصَ بِهِ ) أَيْ : بِالذَّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَتَاعِهِ ( إنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا ) حِينَ ابْتِلَاعِهَا الْجَوْهَرَةَ .
فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ

الْجَوْهَرَةِ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ .
فَكَانَ الضَّرَرُ عَلَى الْمُفَرِّطِ ( وَإِنْ حَصَلَ رَأْسُهَا ) أَيْ : الشَّاةِ وَنَحْوِهَا ( بِإِنَاءٍ وَلَمْ يَخْرُجْ ) رَأْسُهَا ( إلَّا بِذَبْحِهَا أَوْ كَسْرِهِ ) أَيْ الْإِنَاءِ ( وَلَمْ يُفَرِّطَا ) أَيْ : رَبُّ الشَّاةِ ، وَرَبُّ الْإِنَاءِ ( كُسِرَ ) الْإِنَاءُ ( وَعَلَى مَالِكِهَا أَرْشُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ ( وَمَعَ تَفْرِيطِهِ ) أَيْ : رَبِّ الشَّاةِ ( تُذْبَحُ ) أَيْ : الشَّاةُ ( بِلَا ضَمَانٍ ) عَلَى رَبِّ الْإِنَاءِ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ مِمَّنْ لَمْ يُفَرِّطْ ( وَمَعَ تَفْرِيطِ رَبِّهِ ) أَيْ : الْإِنَاءِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ أَلْقَى الْإِنَاءَ بِالطَّرِيقِ ( يُكْسَرُ بِلَا أَرْشٍ ) عَلَى رَبِّ الشَّاةِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَتَعَيَّنُ فِي ) بَهِيمَةٍ ( غَيْرِ مَأْكُولَةٍ ) حَصَلَ رَأْسُهَا بِإِنَاءٍ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهِ ( كَسَرَهُ ) أَيْ : الْإِنَاءَ وَعَلَى رَبِّهَا أَرْشُهُ .
إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيطُ مِنْ رَبِّ الْإِنَاءِ .
وَإِنْ قَالَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ : أَنَا أُتْلِفُ مَالِي وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا .
فَلَهُ ذَلِكَ ( وَيَحْرُمُ تَرْكُ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ) أَيْ : تَرْكُ رَأْسِ الْبَهِيمَةِ فِي الْإِنَاءِ بِلَا ذَبْحٍ وَلَا كَسْرٍ .
لِأَنَّهُ تَعْذِيبُ حَيَوَانٍ .
فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الْإِنَاءِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْمَأْكُولَةِ مِنْ ذَبْحِهَا وَمِنْ أَرْشِ كَسْرِ الْإِنَاءِ أَوْ رَبُّ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ مِنْ أَرْشِ الْكَسْرِ أُجْبِرَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ تَخْلِيصِهَا مِنْ الْعَذَابِ ، فَلَزِمَ رَبَّهَا كَعَلَفِهَا .

( وَلَوْ حَصَلَ مَالُ شَخْصٍ ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فِي دَارٍ آخَرَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ ) مِنْ الدَّارِ ( بِدُونِ نَقْضِ ) بَعْضِهَا ( وَجَبَ ) النَّقْضُ وَأُخْرِجَ ( وَعَلَى رَبِّهِ ) أَيْ : الْمَالِ الْمُخْرَجِ ( ضَمَانُهُ ) أَيْ إصْلَاحُهُ .
لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ ( إنْ لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُ الدَّارِ ) فَإِنْ فَرَّطَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ .
لِأَنَّ الْمُفَرِّطَ أَوْلَى بِحُصُولِ الضَّرَرِ ، كَمَا لَوْ كَانَ بِتَعَدِّيهِ .

( وَمَنْ غَصَبَ دِينَارًا أَوْ نَحْوَهُ ) كَجَوْهَرَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ ( فَحَصَلَ ) ذَلِكَ ( فِي مِحْبَرَة آخَرَ أَوْ نَحْوِهَا ) مِنْ كُلِّ إنَاءٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ بِفِعْلِ غَاصِبٍ أَوْ لَا ( وَعَسُرَ إخْرَاجُهُ ) مِنْهَا بِدُونِ كَسْرِهَا ( فَإِنْ زَادَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَيْهِ ) أَيْ : الدِّينَارِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً دِينَارَيْنِ وَكَانَتْ قِيمَتُهَا مَكْسُورَةً نِصْفَ دِينَارٍ ( فَعَلَى الْغَاصِبِ بَدَلُهُ ) أَيْ الدِّينَارِ يُعْطِيهِ لِرَبِّهِ وَلَمْ تُكْسَرْ ، لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ ( وَأَلَّا ) يَزِيدَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى الدِّينَارِ بِأَنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ ضَرَرُ الْكَسْرِ أَقَلَّ ( تَعَيَّنَ الْكَسْرُ ) لِيُرَدَّ الْمَغْصُوبُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْغَاصِبِ ( ضَمَانُهَا ) أَيْ : الْمِحْبَرَةِ لِتَسَبُّبِهِ بِالْغَصْبِ فِي إتْلَافِهَا ( وَإِنْ حَصَلَ ) الدِّينَارُ فِي الْمِحْبَرَةِ ( بِلَا غَصْبٍ وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ كُسِرَتْ ) الْمِحْبَرَةُ ( وَعَلَى رَبِّهِ ) أَيْ : الدِّينَارِ ( أَرْشُهَا ) أَيْ : أَرْشُ نَقْصِهَا بِالْكَسْرِ .
لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ ( إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ ) رَبُّ الدِّينَارِ ( مِنْهُ ) أَيْ : كَسْرِ الْمِحْبَرَةِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِ أَرْشِهَا ( لِكَوْنِهَا ) أَيْ : الْمِحْبَرَةِ ( ثَمِينَةً ) فَلَا تُكْسَرُ وَ يَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَالَ لِرَبِّ الدِّينَارِ : إنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ فَاغْرَمْ أَوْ فَاتْرُكْ وَلَا شَيْءَ لَكَ ( وَ ) إنْ حَصَلَ الدِّينَارُ وَنَحْوُهُ فِيهَا ( بِفِعْلِ مَالِكِهَا تُكْسَرُ مَجَّانًا ) بِلَا ضَمَانٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِوُجُوبِ إعَادَةِ الدِّينَارِ إلَى مَالِكِهِ عَلَى رَبِّهَا .
وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بِدُونِ كَسْرِهَا وَالتَّفْرِيطُ مِنْ مَالِكِهَا ( وَ ) إنْ حَصَلَ فِيهَا ( بِفِعْلِ رَبِّ الدِّينَارِ يُخَيَّرُ ) رَبُّ الدِّينَارِ ( بَيْنَ تَرْكِهِ ) فِي الْمِحْبَرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ بِكَسْرِهَا وَنَحْوِهِ ( وَ ) بَيْنَ ( كَسْرِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ) كَامِلَةً لِتَعَدِّيهِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ : رَبَّ الدِّينَارِ ( قَبُولُ مِثْلِهِ ) أَيْ : الدِّينَارِ ( إنْ بَذَلَهُ رَبُّهَا ) أَيْ : الْمِحْبَرَةِ وَلَا

يَكْسِرُهَا ، سَوَاءٌ قِيلَ : يُجْبَرُ عَلَى كَسْرِهَا أَوْ لَا .
لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهُ مَالًا يَتَفَاوَتُ بِهِ حَقُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ .
وَلَوْ بَادَرَ رَبُّ الدِّينَارِ وَكَسَرَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا مُطْلَقًا .

( فَصْلٌ وَيَلْزَمُ غَاصِبًا وَغَيْرَهُ ) إذَا كَانَ بِيَدِهِ ( رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ ) بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ غَيْرِهِ ( بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ كَقِصَارَةِ ) ثَوْبٍ ( وَسِمَنِ ) حَيَوَانٍ ( وَتَعَلُّمِ ) قِنٍّ ( صَنْعَةً وَ ) بِزِيَادَتِهِ ( الْمُنْفَصِلَةِ كَوَلَدِ ) بَهِيمَةٍ ، وَكَذَا وَلَدُ أَمَةٍ حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَيَأْتِي ( وَ ) كَ ( كَسْبِ ) رَقِيقٍ لِأَنَّهُ نَوْعُ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ لِمَالِكِهِ فَلَزِمَ رَدُّهُ كَالْأَصْلِ .

( وَلَوْ غَصَبَ قِنًّا أَوْ شَبَكَةً أَوْ شَرَكًا فَأَمْسَكَ ) الْقِنُّ أَوْ الشَّبَكَةُ أَوْ الشَّرَكُ صَيْدًا فَلِمَالِكِهِ ( أَوْ ) غَصَبَ ( جَارِحًا ) أَوْ سَهْمًا .
قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ( أَوْ فَرَسًا ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : أَوْ قَوْسًا ( فَصَادَ ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ ( بِهِ ) أَيْ : الْجَارِحِ ( أَوْ ) صَادَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : الْفَرَسِ صَيْدًا ( أَوْ ) غَزَا عَلَى الْفَرَسِ وَ ( غَنِمَ فَ ) الصَّيْدُ وَسَهْمُ الْفَرَسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( لِمَالِكِهِ ) أَيْ : الْجَارِحِ وَالْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ .
لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْمَغْصُوبِ ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ وُهِبَ شَيْءٌ لِرَقِيقٍ مَغْصُوبٍ وَقِيَاسًا عَلَى رِبْحِ الدَّرَاهِمِ ، وَيَسْقُطُ عَمَلُ الْغَاصِبِ .
وَ ( لَا ) يَلْزَمُ غَاصِبًا ( أُجْرَتُهُ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ ( زَمَنَ ذَلِكَ ) أَيْ : اصْطِيَادِهِ وَنَحْوِهِ .
لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى غَيْرِهِ كَالْأَرْضِ إذَا تَمَلَّكَ رَبُّهَا الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ .
وَلَوْ غَصَبَ مِنْجَلًا أَوْ فَأْسًا فَقَطَعَ بِهِ حَشِيشًا أَوْ خَشَبًا فَلِغَاصِبٍ ، لِحُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ سَيْفًا فَقَاتَلَ بِهِ وَغَنِمَ .
وَفِي التَّلْخِيصِ : إنْ غَصَبَ كَلْبًا وَصَادَ بِهِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ .

( وَإِنْ أَزَالَ ) غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ ( اسْمَهُ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ بِعَمَلِهِ فِيهِ ( كَنَسْجِ غَزْلٍ ) فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا ( وَ ) كَ ( طَحْنِ حَبٍّ ) غَصَبَهُ فَصَارَ يُسَمَّى دَقِيقًا ( أَوْ طَبَخَهُ ) أَيْ : الْحَبَّ فَصَارَ يُسَمَّى طَبِيخًا ( وَنَجْرِ خَشَبٍ ) بَابًا أَوْ رُفُوفًا وَنَحْوَهَا ( وَضَرْبِ حَدِيدٍ ) مَسَامِيرًا وَسَيْفًا وَنَحْوَهُ ( وَ ) ضَرْبِ ( فِضَّةٍ ) دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا ( وَنَحْوِهِمَا ) كَضَرْبِ ذَهَبٍ وَنُحَاسٍ ( وَجَعْلِ طِينٍ ) غَصَبَهُ ( لَبِنًا ) أَوْ آجُرًّا ( أَوْ فَخَّارًا ) كَجِرَارٍ وَنَحْوِهَا ( رَدَّهُ ) الْغَاصِبُ وُجُوبًا مَعْمُولًا لِقِيَامِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فِيهِ كَشَاةٍ ذَبَحَهَا .
( وَ ) رَدَّ ( أَرْشَهُ إنْ نَقَصَ ) لِحُصُولِ نَقْصِهِ بِفِعْلِهِ ، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ عَيْنُهُ أَوْ قِيمَتُهُ أَوْ هُمَا ( وَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ : الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِ وَلَوْ زَادَ بِهِ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ كَمَا لَوْ غَلَى زَيْتًا فَزَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ .
لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ لَا يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ بِجَعْلِهِ مَعَ مِلْكِ غَيْرِهِ ( وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ ) أَيْ : الْغَاصِبِ ( عَلَى رَدِّ مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ ) مِنْ مَغْصُوبٍ ( إلَى حَالَتِهِ ) الَّتِي غَصَبَهُ عَلَيْهَا كَمَسَامِيرَ ضَرَبَهَا نِعَالًا ، فَلَهُ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّهَا مَسَامِيرَ لِتَحْرِيمِ عَمَلِ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ فَمَلَكَ الْمَالِكُ إزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ ، بِخِلَافِ فَخَّارٍ وَصَابُونٍ وَنَحْوِهِ .
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَقَصَ أَوْ زَادَ فَكَمَا لَوْ فَعَلَهُ غَاصِبٌ بِنَفْسِهِ .
وَلِمَالِكٍ تَضْمِينُ نَقْصِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا .
فَإِنْ جَهِلَ الْأَجِيرُ الْحَالَ وَضَمِنَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ .
لِأَنَّهُ غَرَّهُ ، وَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اسْتَعَانَ الْغَاصِبُ بِمَنْ عَمِلَهُ فَكَأَجِيرٍ .

( وَمَنْ حَفَرَ فِي ) أَرْضٍ ( مَغْصُوبَةٍ بِئْرًا .
أَوْ شَقَّ ) فِيهَا ( نَهْرًا وَوَضَعَ التُّرَابَ ) الْخَارِجَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ ( بِهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْغَاصِبِ ( طَمُّهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ الْمَحْفُورَةِ بِئْرًا .
أَوْ الْمَشْقُوقِ بِهَا النَّهْرُ ( لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ) كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ مَا يَقَعُ فِيهَا أَوْ مُطَالَبَتُهُ بِتَفْرِيغِهَا مِنْ التُّرَابِ كَمَا لَوْ جَعَلَ تُرَابَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ ( وَلَوْ بَرِئَ مِنْ ) ضَمَانِ ( مَا يَتْلَفُ بِهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ بِسَبَبِ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ .
لِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَشْيَةَ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا ( وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ ) أَيْ : الضَّمَانِ .
لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ لِوُجُودِ تَعَدِّيهِ .
فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِفِعْلِهِ زَالَ التَّعَدِّي .
جَعْلًا لِلرِّضَا الطَّارِئِ كَالرِّضَا الْمُقَارِنِ لِلْفِعْلِ ، وَلَيْسَ إبْرَاءً مِمَّا لَمْ يَجِبْ ( وَإِنْ أَرَادَهُ ) أَيْ : الطَّمَّ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ( مَالِكٌ أُلْزِمَ ) غَاصِبٌ ( بِهِ ) أَيْ : الطَّمِّ لِعُدْوَانِهِ ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ

( وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ ) فِي أَرْضِهِ أَوْ أَرْضِ غَيْرِهِ ( أَوْ ) غَصَبَ ( بَيْضًا ) فَعَالَجَهُ ( فَصَارَ فِرَاخًا .
أَوْ ) غَصَبَ ( نَوًى .
أَوْ أَغْصَانًا ) فَغَرَسَهُ ( فَصَارَ شَجَرًا رَدَّهُ ) أَيْ : الزَّرْعَ وَالْفِرَاخَ وَالشَّجَرَ لِمَالِكِهَا .
لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( وَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ : الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِ فِي ذَلِكَ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ .

( فَصْلٌ وَيَضْمَنُ ) غَاصِبٌ ( نَقْصَ مَغْصُوبٍ ) بَعْدَ غَصْبِهِ وَقَبْلَ رَدِّهِ ( وَلَوْ ) كَانَ النَّقْصُ ( رَائِحَةَ مِسْكٍ وَنَحْوِهِ ) كَعَنْبَرٍ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِالنَّظَرِ إلَى قُوَّةِ رَائِحَتِهِ وَضَعْفِهَا ( أَوْ ) كَانَ النَّقْصُ بِ ( نَبَاتِ لِحْيَةِ عَبْدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْقِيمَةِ أَشْبَهَ النَّقْصَ بِتَغَيُّرِ بَاقِي الصِّفَاتِ ، وَكَذَا قَطْعُ ذَنَبِ حِمَارٍ .
فَلَوْ غَصَبَ قِنًّا فَعَمِيَ عَنْدَهُ ، قُوِّمَ صَحِيحًا ثُمَّ أَعْمًى ، وَأُخِذَ مِنْ غَاصِبٍ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ شَجَّةٍ ، ( وَإِنْ ) غَصَبَ عَبْدًا وَ ( خَصَاهُ أَوْ أَزَالَ ) مِنْهُ ( مَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ مِنْ حُرٍّ ) كَأَنْفِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ( رَدَّهُ ) عَلَى مَالِكِهِ .
( وَ ) رَدَّ مَعَهُ ( قِيمَتَهُ ) كُلَّهَا نَصًّا .
لِأَنَّ الْمُتْلَفَ الْبَعْضُ فَلَا يَتَوَقَّفُ ضَمَانُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ كَقَطْعِ خُصْيَتَيْ مُدَبَّرٍ ، وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الْمُفَوَّتُ .
فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ غَيْرِهِ أَيْ : غَيْرِ الْمُفَوَّتِ بِضَمَانِهِ .
كَمَا لَوْ قَطَعَ تُسْعَ أَصَابِعِهِ .

( وَإِنْ قَطَعَ ) غَاصِبٌ مِنْ رَقِيقٍ مَغْصُوبٍ ( مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ ) مِنْ حُرٍّ وَلَوْ شَعْرًا ( دُونَ ذَلِكَ ) أَيْ : الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ جَفْنٍ أَوْ هُدْبٍ وَنَحْوِهِ ( فَ ) عَلَى غَاصِبٍ ( أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ ) مِنْ دِيَةِ الْمَقْطُوعِ أَوْ نَقْصِ قِيمَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا .
فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا وَدَخَلَ فِيهِ الْآخَرُ .
فَإِنَّ الْجِنَايَةَ وَالْيَدَ وُجِدَا جَمِيعًا .
فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَزَادَتْ عِنْدَهُ إلَى أَلْفَيْنِ .
ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ رَدَّهُ وَأَلْفًا وَإِنْ صَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ رَدَّهُ وَأَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ .
فَإِنْ كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَقَطْ ، وَمَا زَادَ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْكُلَّ لِحُصُولِ النَّقْصِ بِيَدِهِ .

( وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ غَرِمَ ) الْكُلَّ ( عَلَى جَانٍ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ فَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ( فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ مَا زَادَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ( وَلَا يَرُدُّ مَالِكٌ ) تَعَيَّبَ مَالُهُ عِنْدَ غَاصِبٍ وَاسْتَرَدَّهُ وَأَرْشُ عَيْبِهِ ( أَرْشُ مَعِيبٍ أَخَذَهُ ) مِنْ غَاصِبٍ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْمَغْصُوبِ ( بِزَوَالِهِ ) أَيْ : الْعَيْبِ عِنْدَ مَالِكٍ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَرِضَ عِنْدَهُ فَرَدَّهُ ، وَأَرْشَ نَقْصِهِ بِالْمَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ عِنْدَ مَالِكِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ بِهِ نَقْصٌ فَلَا يَرُدُّ أَرْشَهُ .
لِأَنَّهُ عَوَّضَ مَا حَصَلَ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِنْ النَّقْصِ بِتَعَدِّيهِ وَاسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ نَاقِصًا .
فَإِنْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ دُونَ أَرْشِهِ فَزَالَ عَيْبُهُ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ فِي يَدِ غَاصِبٍ فَيَرُدُّ مَالِكُهُ أَرْشَهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ .

( وَلَا يَضْمَنُ ) غَاصِبٌ رَدَّ مَغْصُوبًا بِحَالِهِ ( نَقْصُ سِعْرٍ ) كَثَوْبٍ غَصَبَهُ ، وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً وَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَقَصَ سِعْرُهُ فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ مَثَلًا فَلَا يَلْزَمُهُ بِرَدِّهِ شَيْءٌ .
لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا لَمْ تَنْقُصْ عَيْنًا وَلَا صِفَةً .
بِخِلَافِ السِّمَنِ وَالصَّنْعَةِ ، وَلَا حَقَّ لِلْمَالِكِ فِي الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ ( كَهُزَالٍ زَادَ بِهِ ) سِعْرُ الْمَغْصُوبِ أَوْ لَمْ يَزِدْ بِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ ، كَعَبْدٍ مُفْرِطٍ فِي السِّمَنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غُصِبَ ثَمَانُونَ فَهَزَلَ عِنْدَ غَاصِبِهِ فَصَارَ يُسَاوِي مِائَةً .
أَوْ بَقِيَتْ قِيمَتُهُ بِحَالِهَا .
فَلَا يَرُدُّ مَعَهُ الْغَاصِبُ شَيْئًا لِعَدَمِ نَقْصِهِ ( وَيَضْمَنُ ) غَاصِبٌ ( زِيَادَتَهُ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ .
بِأَنْ سَمِنَ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً عِنْدَهُ ثُمَّ هَزَلَ أَوْ نَسِيَ الصَّنْعَةَ .
فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَمَا نَقَصَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِرَدِّهِ زَائِدًا أَوْ لَا .
لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ ، كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِرَدِّهَا فَلَمْ يَفْعَلْ .
وَلِأَنَّهَا زَادَتْ عَلَى مَالِكِ مَالِكِهَا فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ كَالْمَوْجُودَةِ حَالَ الْغَصْبِ ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ السِّعْرِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْغَصْبِ لَمْ يَضْمَنْهَا ، وَالصِّنَاعَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فَهِيَ صِفَةٌ فِيهِ وَتَابِعَةٌ لَهُ .

وَ ( لَا ) يَضْمَنُ غَاصِبٌ ( مَرَضًا ) طَرَأَ عَلَى مَغْصُوبٍ بِيَدِهِ وَ ( بَرِئَ مِنْهُ فِي يَدِهِ ) أَيْ : الْغَاصِبِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِي يَدِهِ وَكَذَا لَوْ حَمَلَتْ فَنَقَصَتْ ثُمَّ وَضَعَتْ بِيَدِ غَاصِبٍ فَزَالَ نَقْصُهَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا ( وَلَا ) يَضْمَنُ غَاصِبٌ شَيْئًا ( إنْ ) زَادَ مَغْصُوبٌ بِيَدِهِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ زَالَتْ الزِّيَادَةُ ثُمَّ ( عَادَ مِثْلُهَا ) أَيْ قَدْرُ الزِّيَادَةِ الْأُولَى ( مِنْ جِنْسِهَا ) قَبْلَ الرَّدِّ .
كَأَنْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَتَعَلَّمَ صَنْعَةً فَصَارَ يُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ نَسِيَهَا فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ تَعَلَّمَ الصَّنْعَةَ فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَرَدَّهُ لِمَالِكِهِ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَوْدِ مَا ذَهَبَ وَهُوَ بِيَدِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ مَرِضَ وَبَرِئَ بِيَدِهِ أَوْ أَبَقَ ثُمَّ عَادَ وَنَحْوَهُ .
وَكَذَا لَوْ سَمِنَ ثُمَّ هَزَلَ ثُمَّ سَمِنَ ، وَعَادَتْ قِيمَتُهُ كَمَا كَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا لَوْ هَزَلَ وَتَعَلَّمَ صَنْعَةً ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ لَمْ يَعُدْ .

( وَلَا ) يَضْمَنُ غَاصِبٌ النَّقْصَ ( إنْ نَقَصَ ) مَغْصُوبٌ بِيَدِهِ ( فَزَادَ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ ) كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا سَمِينًا يُسَاوِي مِائَةً فَهَزَلَ عِنْدَهُ وَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ ثُمَّ سَمِنَ فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةً فَرَدَّهُ ( وَلَوْ ) كَانَ مَا زَادَهُ ( صَنْعَةً بَدَلَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا ) كَأَنْ غَصَبَ عَبْدًا نَسَّاجًا يُسَاوِي مِائَةً فَنَسِيَهَا وَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ فَتَعَلَّمَ الْخِيَاطَةَ فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّنَائِعَ كُلَّهَا جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّقِيقِ ( وَإِنْ نَقَصَ ) مَغْصُوبٌ نَقْصًا ( غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ ) وَلَمْ تَبْلُغْ حَالًا يُعْلَمُ فِيهَا قَدْرُ أَرْشِ نَقْصِهَا ( خُيِّرَ ) مَالِكٌ ( بَيْنَ ) أَخْذِ ( مِثْلِهَا ) مِنْ غَاصِبٍ ( أَوْ تَرْكِهَا ) بِيَدِ غَاصِبٍ ( حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا ) مَالِكُهَا ( وَأَرْشَ نَقْصِهَا ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ الْمِثْلُ ابْتِدَاءً لِوُجُودِ عَيْنِ مَالِهِ ، وَلَا أَرْشُ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ إذَنْ ، فَكَانَتْ الْخِيَرَةُ لِلْمَالِكِ : بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهَا لِمَا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْ الضَّرَرِ ، وَبَيْنَ الصَّبْرِ كَمَا ذُكِرَ لِرِضَاهُ بِالتَّأْخِيرِ .

( وَعَلَى غَاصِبٍ جِنَايَةُ ) قِنٍّ ( مَغْصُوبٍ وَ ) عَلَيْهِ ( إتْلَافُهُ ) أَيْ : بَدَلُ مَا يُتْلِفُهُ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْجِنَايَةُ ( عَلَى رَبِّهِ ) أَيْ : مَالِكِهِ ( أَوْ ) كَانَ الْإِتْلَافُ لِ ( مَالِهِ ) أَيْ : مَالِ مَالِكِهِ .
وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِرَدِّ غَاصِبٍ لَهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ بِيَدِهِ ( بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ ) جِنَايَةٍ ( وَقِيمَتِهِ ) أَيْ : الْعَبْدِ .
أَمَّا ضَمَانُ جِنَايَتِهِ وَإِتْلَافُهُ فَلِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِرَقَبَتِهِ فَهِيَ نَقْصٌ فِيهِ فَضَمَانُهُ كَسَائِرِ نَقْصِهِ .
وَأَمَّا ضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى مَالِكِهِ وَمَالِهِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جِنَايَاتِهِ فَضَمِنَهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَمَتَى قَتَلَ الْمَغْصُوبُ سَيِّدَهُ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ قِنًّا فَقُتِلَ بِهِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِهِ لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ .
فَإِنْ عَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ وَيَضْمَنُهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ .
وَإِنْ قَطَعَ يَدًا مَثَلًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا فَعَلَى غَاصِبٍ نَقْصُهُ كَمَا لَوْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ فَكَمَا تَقَدَّمَ .

( وَهِيَ ) أَيْ : جِنَايَةُ مَغْصُوبٍ ( عَلَى غَاصِبٍ هَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِهِ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ ، وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ فَتَسْقُطُ ، ( وَكَذَا ) جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ ( عَلَى مَالِهِ ) أَيْ : الْغَاصِبِ هَدَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا ) إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ ( فِي قَوَدٍ ) فَلَا تُهْدَرُ ( فَيُقْتَلُ ) عَبْدٌ مَغْصُوبٌ ( بِعَبْدٍ غَاصِبٍ ) قَتَلَهُ عَمْدًا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ لِغَيْرِهِ فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ مَالِكِهِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ ( وَيَرْجِعُ ) مَالِكُهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : الْغَاصِبِ ( بِقِيمَتِهِ ) لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ كَمَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ غَيْرُ الْغَاصِبِ أَوْ مَاتَ .

( وَزَوَائِدُ مَغْصُوبٍ ) كَوَلَدِ حَيَوَانٍ وَثَمَرِ شَجَرٍ ( إذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ جَنَتْ ) بِيَدِ غَاصِبٍ عَلَى مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ ( كَهُوَ ) أَيْ كَالْمَغْصُوبِ أَصَالَةً ، سَوَاءٌ تَلِفَتْ مُفْرَدَةً أَوْ مَعَ أَصْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ مَالِكِ الْأَصْلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ بِسَبَبِ ثَبَاتِ يَدِهِ الْعَادِيَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَتَبِعَتْهُ فِي الْحُكْمِ فَمَنْ غَصَبَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا وَقَدْ غَصَبَهَا حَامِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ .
وَإِنْ كَانَتْ حَمَلَتْ بِهِ عِنْدَهُ وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ .
وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ .
وَقَالَ وَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ : يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا .
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَبِعَهُ : الْأَوْلَى أَنْ يَضْمَنَهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَمَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ .

( فَصْلٌ وَإِنْ خَلَطَ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ ) ( مَا ) أَيْ : مَغْصُوبًا ( لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهِمَا ) أَيْ : بِأَنْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِزَيْتٍ أَوْ النَّقْدَ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ ( لَزِمَهُ ) أَيْ : الْغَاصِبَ ( مِثْلُهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُخْتَلِطِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي فَلَمْ يُنْقَلْ إلَى بَدَلِهِ فِي الْجَمِيعِ كَمَنْ غَصَبَ صَاعًا فَتَلِفَ بَعْضُهُ .
( وَ ) ، إنْ خَلَطَ مَغْصُوبًا ( بِدُونِهِ أَوْ ) خَلَطَهُ ( بِخَيْرٍ مِنْهُ ) مِنْ جِنْسِهِ ( أَوْ ) خَلَطَهُ ( بِغَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ ) كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ بِدَقِيقِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ ( فَ ) الْمَالِكَانِ ( شَرِيكَانِ ) فِي الْمُخْتَلَطِ ( بِقَدْرِ قِيمَتَيْهِمَا كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ ) نَصًّا لِيَصِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى بَدَلِ عَيْنِ مَالِهِ .
وَإِنْ نَقَصَ مَغْصُوبٌ عَنْ قِيمَتِهِ مُنْفَرِدًا فَعَلَى غَاصِبٍ نَقْصُهُ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ ( وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ فِي قَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ ) أَيْ : الْمُخْتَلَطِ لِاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ .
فَإِنْ أَذِنَهُ مَالِكُ الْمَغْصُوبِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا ؛ وَلِأَنَّهَا قِسْمَةٌ فَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكَيْنِ ، هَذَا إنْ عَرَفَ رَبَّهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ وَمَا بَقِيَ حَلَالٌ .
وَإِنْ شَكَّ فِي قَدْرِ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ نَصًّا

( وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ ) لِشَخْصٍ ( بِدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ ) بِلَا غَاصِبٍ ( وَلَا تَمْيِيزٍ ) أَيْ : لَمْ يَتَمَيَّزْ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( فَتَلِفَ ) دِرْهَمَانِ ( اثْنَانِ ) مِنْ الثَّلَاثَةِ ( فَمَا بَقِيَ ) وَهُوَ دِرْهَمٌ ( فَبَيْنَهُمَا ) أَيْ : بَيْنَ رَبِّ الدِّرْهَمَيْنِ وَرَبِّ الدِّرْهَمِ ( نِصْفَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمَيْ رَبِّ الدِّرْهَمَيْنِ فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا ، فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِالْبَاقِي فَتَسَاوَيَا ، وَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ .
غَايَتُهُ أَنَّهُ إلَيْهِمْ عَلَيْنَا ، وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ : الْأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ لَهُ أَخَذَهُ لِأَنَّا مُتَحَقِّقُونَ أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا فَيَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ كَنَظَائِرِهِ ( وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ ) غَصَبَ ( سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا ) أَيْ : الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ ( أَوْ ) نَقَصَتْ ( قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ ) الْغَاصِبُ ( النَّقْصَ فِي الْمَغْصُوبِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ ( وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ ) قِيمَتُهُمَا ( وَلَمْ تَزِدْ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا ) مَعًا ( فَ ) رَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ ( شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا ) فِي الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ لِاجْتِمَاعِ مِلْكَيْهِمَا وَهُوَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ ( وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ) كَأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عَشَرَةً وَالصَّبْغِ خَمْسَةً فَصَارَ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عِشْرِينَ بِسَبَبِ غُلُوِّ الثَّوْبِ أَوْ الصَّبْغِ ( فَ ) الزِّيَادَةُ ( لِصَاحِبِهِ ) أَيْ : الَّذِي غَلَا سِعْرُهُ مِنْ الثَّوْبِ أَوْ الصَّبْغِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِأَصْلِهَا ، وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ وَاحِدًا فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَمَلِ

فَبَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْغَاصِبِ فِي الْمَغْصُوبِ لِمَالِكِهِ حَيْثُ كَانَ أَثَرًا ، وَزِيَادَةُ مَالِ الْغَاصِبِ لَهُ وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ مَنْعُ رَبِّ الثَّوْبِ مِنْ بَيْعِهِ .
فَإِنْ بَاعَهُ فَصَبْغُهُ لَهُ بِحَالِهِ ( فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ : مَالِكُ الثَّوْبِ ، أَوْ مَالِكُ الصِّبْغِ ( قَلْعَ الصِّبْغِ ) مِنْ الثَّوْبِ ( لَمْ يَجِبْ ) أَيْ : لَمْ تَلْزَمْ إجَابَتُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا لِمِلْكِ الْآخَرِ حَتَّى ( وَلَوْ ضَمِنَ ) طَالِبُ الْقَلْعِ ( النَّقْصَ ) لِهَلَاكِ الصِّبْغِ بِالْقَلْعِ فَتَضِيعُ مَالِيَّتُهُ وَهُوَ سَفَهٌ .
وَإِنْ بَذَلَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ قِيمَةَ مَالِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ .
( وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُ صَبْغِ ) الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ ( وَ ) قَبُولُ ( تَزْوِيقِ دَارٍ ) مَغْصُوبَةٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَنِسَاجَةِ ثَوْبٍ وَقَصْرِهِ وَخِيَاطَتِهِ وَضَرْبِ حَدِيدٍ إبَرًا أَوْ سُيُوفًا وَنَحْوَهَا وَزَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ إذَا ( وُهِبَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْعَيْنِ فَهُوَ كَزِيَادَةِ الصِّفَةِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ .

وَ ( لَا ) يَلْزَمُ مَغْصُوبًا مِنْهُ قَبُولُ هِبَةِ ( مَسَامِيرَ ) لِغَاصِبٍ ( سَمَّرَ بِهَا ) الْخَشَبَ ( الْمَغْصُوبَ ) ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لِلْمِنَّةِ ، ( وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا فَصَبَغَ ) الْغَاصِبُ ( بِهِ ثَوْبًا ) لَهُ ( أَوْ غَصَبَ زَيْتًا فَلَتَّ ) الْغَاصِبُ ( بِهِ سَوِيقًا ) لَهُ ( فَ ) رَبُّ الصِّبْغِ أَوْ الزَّيْتِ وَالْغَاصِبُ ( شَرِيكَانِ ) فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ أَوْ السَّوِيقِ الْمَلْتُوتِ ( بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَضْمَنُ ) الْغَاصِبُ ( النَّقْصَ ) إنْ حَصَلَ لِتَعَدِّيهِ بِالْخَلْطِ .

( وَإِنْ غَصَبَ ) شَخْصٌ ( ثَوْبًا وَصِبْغًا ) مِنْ وَاحِدٍ ( فَصَبَغَهُ بِهِ رَدَّهُ ) أَيْ : الثَّوْبَ مَصْبُوغًا ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( وَ ) رَدَّ ( أَرْشَ نَقْصِهِ ) إنْ نَقَصَ لِتَعَدِّيهِ ( وَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ : الْغَاصِبِ ( إنْ زَادَ ) بِعَمَلِهِ فِيهِ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ .
فَإِنْ كَانَ الصِّبْغُ لِوَاحِدٍ وَالثَّوْبُ لِوَاحِدٍ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا .
وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا فَلَهُمَا .
وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فَلِرَبِّهِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَوْ قِيمَتُهُمَا فَعَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَ السِّعْرِ .

( فَصْلٌ وَيَجِبُ بِوَطْءِ غَاصِبٍ أَمَةً مَغْصُوبَةً ) ( عَالِمًا تَحْرِيمَهُ ) أَيْ : الْوَطْءِ ( حَدٌّ ) لِزِنَاهُ بِهَا .
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ ، وَلَا شُبْهَةَ تَدْرَأُ الْحَدَّ ، حَيْثُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ .
( وَ ) يَجِبُ بِوَطْءٍ ( مَهْرُ ) مِثْلِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْأَمَةُ ( مُطَاوِعَةً ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا ، كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ يَدِهَا ، وَكَاسْتِخْدَامِهَا وَحَدِيثُ " النَّهْيِ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ " مَحْمُولٌ عَلَى الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ حَقُّهَا ، فَيَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا ، بِخِلَافِ مَهْرِ الْأَمَةِ ، ( وَ ) يَجِبُ بِوَطْئِهِ ( أَرْشُ بَكَارَةٍ ) أَزَالَهَا ، لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا ، فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ .
لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضْمَنُ مُنْفَرِدًا ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ ثَيِّبًا لَزِمَهُ مَهْرُهَا .
وَإِنْ افْتَضَّهَا بِأُصْبُعِهِ لَزِمَهُ أَرْشُ بَكَارَتِهَا ، فَضُمِنَا إذَا اجْتَمَعَا .
وَمَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ مِنْ انْدِرَاجِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ فِي الْمَهْرِ : فَفِي الْحُرَّةِ .
( وَ ) يَجِبُ بِوَطْئِهِ إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَرْشُ ( نَقْصٍ بِوِلَادَةٍ ) لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ الْمُتَعَدِّي بِهِ ، وَلَا يَنْجَبِرُ بِالْوَلَدِ كَمَا لَا يَنْجَبِرُ بِهِ نَقْصُ غَيْرِ الْوِلَادَةِ .
وَلَوْ قَتَلَهَا غَاصِبٌ بِوَطْئِهِ فَالدِّيَةُ نَصًّا .
فَإِنْ اسْتَرَدَّهَا مَالِكُهَا حَامِلًا فَمَاتَتْ عِنْدَهُ فِي نِفَاسِهَا ضَمِنَهَا الْغَاصِبُ ، لِأَنَّهُ أَثَرُ فِعْلِهِ ، كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ مَجْرُوحًا مِنْ الْغَاصِبِ فَسَرَى الْجُرْحُ إلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْمَالِكِ فَمَاتَ .

( وَالْوَلَدُ ) مِنْ غَاصِبٍ ( مِلْكٌ لِرَبِّهَا ) أَيْ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا ، وَيَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ .
فَهُنَا أَوْلَى .
وَيَجِبُ رَدُّهُ مَعَهَا كَسَائِرِ الزَّوَائِدِ ( وَيَضْمَنُهُ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( سِقْطًا ) أَيْ : مَوْلُودًا قَبْلَ تَمَامِهِ حَيًّا .
وَ ( لَا ) يَضْمَنُهُ إنْ وُلِدَ ( مَيِّتًا ) وَلَوْ تَامًّا ( بِلَا جِنَايَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ( بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ ) كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ .
وَإِنْ وَلَدَتْهُ تَامًّا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا .
وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ ضَمِنَهُ مَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنْ جَانٍ وَغَاصِبٍ ( وَقَرَارُهُ ) أَيْ الضَّمَانِ ( مَعَهَا ) أَيْ : الْجِنَايَةِ إنْ سَقَطَ بِهَا ( عَلَى الْجَانِي ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهُ ، ( وَكَذَا وَلَدُ بَهِيمَةٍ ) مَغْصُوبَةٍ فِي الضَّمَانِ ، لَكِنْ حَيْثُ ضَمِنَهُ فِيمَا نَقَصَ أُمَّهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ ، ( وَالْوَلَدُ ) تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مَغْصُوبَةً ( مِنْ جَاهِلِ ) الْحُكْمِ وَلَوْ الْغَاصِبَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِإِسْلَامٍ أَوْ نَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا وَلِلْحَالِ ، بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِأَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَاصِبٍ جَاهِلًا بِالْحَالِ ظَانًّا حُرِّيَّتَهَا ( حُرٌّ ) لِاعْتِقَادِهِ الْإِبَاحَةَ .
وَيَلْحَقُ نَسَبُهُ بِوَاطِئٍ لِلشُّبْهَةِ ( وَيَفْدِي ) أَيْ : يَلْزَمُ الْوَاطِئَ فِدَاءُ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ بِاعْتِقَادِهِ ( بِانْفِصَالِهِ ) أَيْ : الْوَلَدِ ( حَيًّا ) لَا مَيِّتًا ، لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلُ وَلَمْ تُوجَدْ حَيْلُولَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، وَيَفْدِيهِ ( بِقِيمَتِهِ ) نَصًّا كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ ( يَوْمَ وَضْعِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانَ تَقْوِيمِهِ ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ حَمْلًا ، وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَيْلُولَةِ .
وَإِنْ ضَرَبَ غَاصِبٌ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّةِ وَلَدِهِ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا

فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ لَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ .
وَعَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِضَمَانِهِ لَهُ ضَمَانَ الْمَمَالِيكِ ، وَإِنْ كَانَ الضَّارِبُ أَجْنَبِيًّا فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ انْتَقَلَتْ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ عَنْ يَدِ غَاصِبِهَا إلَى غَيْرِ مَالِكِهَا فَالْمُنْتَقِلَةُ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ، فَلِمَالِكِهَا تَضْمِينُهُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ الْفَائِتَةَ ، لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْحَالَ فَغَاصِبٌ ، وَإِنْ جَهِلَهُ فَلِعُمُومِ حَدِيثِ { : عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } " وَلِحُصُولِهَا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَمَلَكَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ كَمَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ ، لَكِنْ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَى ضَمَانِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ .

وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ عَشْرَةٌ .
الْأُولَى : الْقَابِضَةُ تَمَلُّكًا بِعِوَضٍ مُسَمًّى .
وَهِيَ يَدُ الْمُشْتَرِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمُتَّهِبِ بِعِوَضٍ .
فَمَنْ غَصَبَ أَمَةً بِكْرًا فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ آخَرُ وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ ، أَوْ غَصَبَ دَارًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ عَبْدًا ذَا صَنْعَةٍ أَوْ بَهِيمَةً فَاشْتَرَاهَا إنْسَانٌ وَاسْتَعْمَلَهَا إلَى أَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ بِالْقِيمَةِ وَلَا بِأَرْشِ الْبَكَارَةِ عَلَى أَحَدٍ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ لِبَذْلِهِ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ ، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْعَيْنِ ( وَيَرْجِعُ مُعْتَاضٌ ) أَيْ : مُشْتَرٍ وَنَحْوَهُ ( غَرِمَ ) بِتَضْمِينِ مَالِكٍ لَهُ ( عَلَى غَاصِبٍ بِنَقْصِ وِلَادَةٍ وَمَنْفَعَةٍ فَائِتَةٍ بِإِبَاقٍ وَنَحْوَهُ ) كَمَرَضٍ ( وَمَهْرٍ وَأُجْرَةِ نَفْعٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ ) مِنْهُ أَوْ مِنْ زَوْجٍ زَوَّجَهَا لَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ جَهِلَ الْحَالَ ، فَإِنْ عَلِمَهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ ( وَ ) يَرْجِعُ ( غَاصِبٌ ) غَرِمَ الْجَمِيعَ لِمَالِكٍ ( عَلَى مُعْتَاضٍ بِقِيمَةُ ) عَيْنٍ ( وَأَرْشِ بَكَارَةٍ ) لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا .

الثَّانِيَةُ : يَدُ مُسْتَأْجِرٍ .
وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( وَفِي إجَارَةٍ يَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ غَرِمَ ) لِمَالِكٍ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى غَاصِبٍ ( بِقِيمَةِ عَيْنٍ ) تَلِفَتْ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَجَهِلَ الْحَالَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا ، بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ فَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا .
( وَ ) يَرْجِعُ ( غَاصِبٌ ) غَرِمَ لِمَالِكٍ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ ( بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَسْتَرِدُّ مُشْتَرٍ ) وَنَحْوُهُ ( وَمُسْتَأْجِرٌ ) مِنْ غَاصِبٍ ( لَمْ يُقِرَّا بِالْمِلْكِ لَهُ ) أَيْ : الْغَاصِبِ ( مَا دَفَعَاهُ ) لَهُ ( مِنْ الْمُسَمَّى ) فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ مِنْ ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ ( وَلَوْ عَلِمَا ) أَيْ : الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ ( الْحَالَ ) أَيْ كَوْنَ الْعَيْنِ مَغْصُوبَةً لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ .
لِأَنَّ الْغَاصِبَ غَيْرُ مَالِكٍ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ ، فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَلَا الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي ضُمِنَتْ لِلْمَالِكِ وَفْقَ الثَّمَنِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ .
فَإِنْ أَقَرَّا بِالْمِلْكِ لَهُ لَمْ يَسْتَرِدَّا مَا دَفَعَاهُ لَهُ مِنْ الْمُسَمَّى مُؤَاخَذَةً لَهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا .
صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْمُشْتَرِي .
وَمُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ : يَرْجِعَانِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ الْيَدُ ، وَقَدْ بَانَ عُدْوَانُهَا .
وَلَوْ طَالَبَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ إذَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُتَّجِرِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ : أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ .
قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ .

الثَّالِثَةُ : يَدُ الْقَابِضِ تَمَلُّكًا بِلَا عِوَضٍ ، أَمَّا الْعَيْنُ وَمَنَافِعُهَا كَالْمُتَّهَبِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُ ، أَوْ لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَالْمُوصَى لَهُ بِمَنَافِعِهَا وَالرَّابِعَةُ : يَدُ الْقَابِضِ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ فَقَطْ ، كَوَكِيلٍ وَمُودَعٍ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ : ( وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ ) كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِعَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ( وَعَقْدِ أَمَانَةٍ ) كَوَكَالَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ ( مَعَ جَهْلِ ) قَابِضٍ بِغَصْبٍ ( يَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ وَأَمِينٌ ) عَلَى غَاصِبٍ ( بِقِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ ) غَرِمَاهُمَا لِمَالِكٍ ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ .
وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ وَالرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ إذَا بَاعَا وَقَبَضَا الثَّمَنَ ثُمَّ بَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُطَالِبُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي أَقْبَضَهُ لَهُمَا لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْمُوَكَّلِ بِدُونِ الْوَكِيلِ .
أَمَّا كَوْنُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعَيْنِ لَا يُطَالِبُ الْوَكِيلَ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ هُنَاكَ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ ( وَلَا يَرْجِعُ غَاصِبٌ ) غَرِمَ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ عَلَى مُتَّهِبٍ وَنَحْوَهُ ، أَوْ أَمِينٌ تَلِفَتْ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ ( بِشَيْءٍ ) حَيْثُ جَهِلَا الْحَالَ .

الْخَامِسَةُ : يَدُ الْمُسْتَعِيرِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( وَفِي عَارِيَّةٍ مَعَ جَهْلِ مُسْتَعِيرٍ ) بِالْغَصْبِ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَهُ ( يَرْجِعُ ) مُسْتَعِيرٌ ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ ( بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا ، فَقَدْ غَرَّهُ ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْعَيْنِ إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ ، لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ .

( وَ ) يَرْجِعُ ( غَاصِبٌ ) غَرِمَ لِمَالِكٍ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى مُسْتَعِيرٍ جَهِلَ الْغَصْبَ ( بِقِيمَةَ عَيْنٍ ) تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَمَعَ عِلْمِهِ ) أَيْ : الْمُسْتَعِيرِ بِغَصْبِ عَارِيَّةٍ ( لَا يَرْجِعُ ) عَلَى غَاصِبٍ ( بِشَيْءٍ ) مِمَّا ضَمَّنَهُ لَهُ مَالِكٌ مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهَا عَالِمًا بِالْحَالِ .
فَلَا تَغْرِيرَ وَوُجُودِ التَّلَفِ تَحْتَ يَدِهِ ( وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ ) غَرِمَ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ مَعَ عِلْمِ مُسْتَعِيرٍ بِالْحَالِ ( بِهِمَا ) أَيْ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ ، لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ .

السَّادِسَةُ يَدُ الْغَاصِبِ .
وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ : ( وَفِي غَصْبٍ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ بِمَا غَرِمَ ) مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى غَاصِبٍ ثَانٍ لِتَلَفِهِمَا تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ ، ( وَلَا يَرْجِعُ ) الْغَاصِبُ ( الثَّانِي ) إنْ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ ( بِشَيْءٍ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ ، لَكِنْ لَا يُغَرِّمُهُ الْمَالِكُ الْمَنْفَعَةَ إلَّا مُدَّةَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ .

السَّابِعَةُ : يَدُ الْمُتَصَرِّفِ فِي الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ ، كَمُضَارِبٍ وَشَرِيكٍ وَمُسَاقٍ وَمُزَارِعٍ .
وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ : ( وَفِي مُضَارَبَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَشَرِكَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ ( يَرْجِعُ عَامِلٌ ) مَثَلًا غَرِمَ عَلَى غَاصِبٍ ( بِقِيمَةِ عَيْنٍ ) تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لِدُخُولِهِ جَهْلًا عَلَى عَدَمِ ضَمَانِهَا .
( وَ ) يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِ ( أُجْرَةِ عَمَلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ ، سَوَاءٌ قُلْنَا مَلَكُوا الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ أَوْ لَا إذْ حِصَّتُهُمْ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَلَيْسَ لَهُمْ الِانْفِرَادُ بِالْقِسْمَةِ ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ مَضْمُونٌ ( وَ ) يَرْجِعُ ( غَاصِبٌ ) غَرِمَ لِمَالِكٍ عَلَى عَامِلٍ ( بِمَا قَبَضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ رِبْحٍ ) فِي مُضَارَبَةٍ ( وَ ) بِمَا قَبَضَ مِنْ ( ثَمَرٍ فِي مُسَاقَاةٍ ) وَمِنْ زَرْعٍ فِي مُزَارَعَةٍ ( بِقِسْمَتِهِ ) أَيْ : الرِّبْحِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ ( مَعَهُ ) أَيْ : الْغَاصِبِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ مَا قَبَضَهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ .
وَلِهَذَا يُطَالَبُ الْغَاصِبُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ .

الثَّامِنَةُ : يَدُ الْمُتَزَوِّجِ لِلْمَغْصُوبَةِ إذَا قَبَضَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَأَوْلَدَهَا وَمَاتَتْ عِنْدَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( وَفِي نِكَاحٍ يَرْجِعُ زَوْجٌ ) غَرِمَ لِمَالِكٍ ( بِقِيمَتِهَا ) وَأَرْشِ بَكَارَةٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ ( وَقِيمَةِ وَلَدٍ اشْتَرَطَ حُرِّيَّتَهُ ) فِي الْعَقْدِ عَلَى غَاصِبٍ ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ ، ( أَوْ مَاتَ ) الْوَلَدُ بِيَدِ الزَّوْجِ وَأَغْرَمَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ ، لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ حَيْثُ جَهِلَ الْحَالَ ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ( وَ ) يَرْجِعُ ( غَاصِبٌ ) عَلَى زَوْجٍ إنْ غَرِمَ ( بِمَهْرِ مِثْلٍ ) غَرَّمَهُ لَهُ الْمَالِكُ ، لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ وَدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ الْبُضْعِ ( وَيَرُدُّ ) غَاصِبٌ لِزَوْجٍ ( مَا أَخَذَ مِنْ ) مَهْرٍ ( مُسَمًّى ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ .

التَّاسِعَةُ : يَدُ الْقَابِضِ تَعْوِيضًا بِغَيْرِ بَيْعٍ وَمَا بِمَعْنَاهُ .
وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( وَفِي إصْدَاقٍ ) بِأَنْ تَزَوَّجَ الْغَاصِبُ امْرَأَةً وَأَقْبَضَهَا الْمَغْصُوبَ عَلَى أَنَّهُ صَدَاقُهَا ( وَ ) فِي ( خُلْعٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ ، سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى عَيْنِ الْمَغْصُوبِ أَوْ عَلَى عِوَضٍ فِي الذِّمَّةِ .
ثُمَّ أَقْبَضَهُ عَنْهُ ( وَإِيفَاءِ دَيْنٍ ) بِأَنْ دَفَعَ الْمَغْصُوبَ فِي وَفَاءِ دَيْنِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ ( يَرْجِعُ قَابِضٌ ) أَغْرَمَهُ الْمَالِكُ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ ( بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ ) وَمَهْرٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ عَلَى غَاصِبٍ لِتَقْرِيرِهِ لَهُ ، وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَيْنِ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ لِدُخُولِهِ عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ .
( وَ ) يَرْجِعُ ( غَاصِبٌ ) إنْ غَرِمَ ( بِقِيمَةِ عَيْنٍ ) وَأَرْشِ بَكَارَةٍ عَلَى قَابِضٍ لِمَا سَبَقَ .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ وَفْقَ حَقِّهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ ( وَالدَّيْنُ ) الْمَأْخُوذُ عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ دَيْنِ سَلَمٍ وَنَحْوِهِ ( بِحَالِهِ ) فِي ذِمَّةِ غَاصِبٍ لِفَسَادِ الْقَبْضِ .

الْعَاشِرُ : يَدُ الْمُتْلِفِ لِلْمَغْصُوبِ نِيَابَةً عَنْ الْغَاصِبِ مَعَ جَهْلِهِ ، كَذَبْحِ حَيَوَانٍ أَوْ طَحْنِ حَبٍّ .
وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ( وَفِي إتْلَافٍ بِإِذْنِ غَاصِبٍ الْقَرَارُ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى الْغَاصِبِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ لَهُ فَهُوَ كَالْمُبَاشِرِ ، ( وَإِنْ عَلِمَ مُتْلِفٌ ) بِغَصْبٍ ( فَ ) قَرَارُ الضَّمَانِ ( عَلَيْهِ ) لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ .
وَإِنْ أُتْلِفَ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا ، كَقَتْلِ حَيَوَانٍ مَغْصُوبٍ ، مِنْ عَبْدٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِإِذْنِ غَاصِبٍ ، فَفِي التَّلْخِيصِ : يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِ هَذَا الْفِعْلِ ، فَهُوَ كَالْعَالِمِ بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ .
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ : وَرَجَّحَ الْحَارِثِيُّ دُخُولَ هَذِهِ الْيَدِ الْمُتْلِفَةِ فِي قِسْمِ الْمَغْرُورِ ، لِأَنَّهَا غَيْرُ عَالِمَةٍ بِالضَّمَانِ ، فَتَغْرِيرُ الْغَاصِبِ لَهَا حَاصِلٌ ( وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ ) الْمَغْصُوبُ ( فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ) الْعَشَرَةِ ( هُوَ الْمَالِكُ ) لَهُ جَاهِلًا أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ : الْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ ( لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ ضَمَانُهُ ( لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا ) أَيْ : كَانَ أَجْنَبِيًّا أَيْ : غَيْرَ الْمَالِكِ ( وَمَا سِوَاهُ ) أَيْ : سِوَى مَا يَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ الْغَصْبُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا ( فَ ) هُوَ ( عَلَى الْغَاصِبِ ) يُطَالِبُهُ بِهِ مَالِكُهُ .
فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ مَالِكُهُ جَاهِلًا أَنَّهُ عَبْدُهُ .
ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ ، فَلَا طَلَبَ لَهُ إذَا عَلِمَ عَلَى غَاصِبٍ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكَهُ ، وَيُطَالِبُهُ بِقِيمَةِ مَنَافِعِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهَا وَعِنْدَهُ .
لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَقَدْ غَرَّهُ ( وَإِنْ أَطْعَمَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ غَاصِبٌ ( لِغَيْرِ مَالِكِهِ وَعَلِمَ ) الْآكِلُ لَهُ (

بِغَصْبِهِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْآكِلِ ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ ، وَلِمَالِكِهِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ لَهُ ، لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ .
وَلَهُ تَضْمِينُ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ يَدِ ضَامِنِهِ وَأَتْلَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ ( وَإِلَّا ) يَعْلَمَ الْآكِلُ بِغَصْبِهِ بِأَنْ أَكَلَهُ ظَانًّا أَنَّهُ طَعَامُ الْغَاصِبِ ( فَ ) قَرَارُ ضَمَانِهِ ( عَلَى غَاصِبٍ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ) الْآكِلُ ( إنَّهُ طَعَامُهُ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَقَدْ أَكَلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ .

( وَ ) إنْ أَطْعَمَ غَاصِبٌ مَغْصُوبًا ( لِمَالِكِهِ أَوْ قِنِّهِ ) أَيْ : قِنِّ مَالِكِهِ ( أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ أَخَذَهُ ) أَيْ : أَخَذَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَاصِبِهِ ( بِقَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ ، أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ ) بِأَنْ كَانَ صَابُونًا فَقَالَ لَهُ : اغْسِلْ بِهِ ، أَوْ شَمْعًا فَأَمَرَهُ بِوَقْدِهِ وَنَحْوَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ مِلْكَهُ ( أَوْ اسْتَرْهَنَهُ ) مَالِكُهُ ( أَوْ اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ ) مِنْ غَاصِبِهِ ( أَوْ اُسْتُؤْجِرَ ) أَيْ : اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ مَالِكًا ( عَلَى قِصَارَتِهِ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ ( أَوْ خِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهِمَا ) كَصِبْغَةٍ ( وَلَمْ يَعْلَمْ ) مَالِكُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا ( لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ ) ، أَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ وَالْإِبَاحَةِ فَلِأَنَّهُ بِغَصْبِهِ مَنَعَ يَدَ مَالِكِهِ وَسُلْطَانَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْغَاصِبُ .
وَأَمَّا فِي الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى اسْتِقْرَارِ بَدَلِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَقَبْضُ الْإِنْسَانِ مَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ عَلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ بَدَلُهُ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِلْمُقْبِضِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إنْسَانٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ لِمُسْتَحِقِّهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ هَذَيْنِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَارِيَّةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ لِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ .
قُلْتُ : وَلَعَلَّ الْخِلَافَ إنْ لَمْ يَتْلَفْ فِي يَدِهِ وَإِلَّا بَرِئَ ، لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ : وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَخْ ، وَالْقَرْضُ وَالْمَبِيعُ يَسْتَقِرُّ عَلَى قَابِضِهِ ضَمَانُ عَيْنِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ .
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَرِئَ قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي انْتَهَى ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلِأَنَّهُ تَحَمُّلٌ مُنْتَهٍ ، وَرُبَمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ

وَمَا بَعْدَهَا فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ وَهُوَ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ ( وَإِنْ أُعِيرَهُ ) أَيْ : أَخَذَهُ مَالِكُهُ عَارِيَّةً مِنْ غَاصِبٍ ( بَرِئَ ) غَاصِبُهُ ، لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَإِنْ جَهِلَهُ ، فَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا لَرَجَعَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَضْمِينِهِ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ ضَمِنَهُ لَهُ وَلَا يَبْرَأُ غَاصِبٌ مِنْ عُهْدَةِ مَنَافِعِهَا مَعَ جَهْلِ مَالِكِهَا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتَوْفَاهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الطَّعَامِ الَّذِي أَبَاحَهُ إيَّاهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَهُ الْمَجْدُ ( كَصُدُورِ مَا تَقَدَّمَ ) مِنْ الصُّوَرِ ( مِنْ مَالِكٍ لِغَاصِبٍ ) بِأَنْ أَمَرَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ بِأَكْلِ الْمَغْصُوبِ أَوْ إطْعَامِهِ غَيْرَهُ ( أَوْ أَقْرَضَهُ الْمَغْصُوبَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَعَارَهُ لِغَاصِبِهِ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ لَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ ) عَلَى قِصَارَتِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهِ فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ الْغَصْبِ لِزَوَالِ حُكْمِهِ ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ لَهَا حُكْمُهَا ( وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهُ ) أَيْ : زَوَّجَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَمَةَ ( الْمَغْصُوبَةَ ) فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ عُهْدَةِ غَصْبِهَا وَتَصِيرُ بِيَدِهِ أَمَانَةً ، كَمَا لَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا قَبْلَ تَزْوِيجِهَا لِرِضَا مَالِكِهَا بِبَقَائِهَا بِيَدِهِ

( وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ ) فِيهَا ( أَوْ بَنَى فِيهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً ) لِغَيْرِ بَائِعِهَا ( وَقَلَعَ غِرَاسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِغَيْرِ حَقٍّ ( رَجَعَ ) مُشْتَرٍ ( عَلَى بَائِعٍ بِمَا غَرَّمَهُ ) مِنْ ثَمَنٍ أَقْبَضَهُ وَأُجْرَةِ غَارِسٍ وَبَانٍ وَثَمَنِ مُؤَنٍ مُسْتَهْلَكَةٍ وَأَرْشِ نَقْصٍ بِقَلْعٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِبَيْعِهِ وَأَوْهَمَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِمُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ قَلْعَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ بِلَا ضَمَانِ نَقْصٍ لِوَضْعِهِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْغَاصِبِ ( وَمَنْ أَخَذَ ) أَيْ : انْتَزَعَ ( مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ ) بِأَنْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ لِلْمُدَّعَى لَهُ بِمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ بِأَنْ لَمْ تَقُلْ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ كَذَا ( مَا اشْتَرَاهُ ) مُدَّعَى عَلَيْهِ ( رَدَّ بَائِعُهُ ) لِلْمُشْتَرِي ( مَا قَبَضَهُ ) مِنْهُ مِنْ ثَمَنٍ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِخُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا .
وَالْأَصْلُ عَدَمُ حُدُوثِ مِلْكٍ نَاشِئٍ عَنْ الْمُشْتَرِي ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَنِ الشِّرَاءِ .

( وَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا فَأَعْتَقَهُ فَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ الْبَائِعَ ) لِلْقِنِّ ( غَصَبَهُ مِنْهُ ) وَلَا بَيِّنَةَ ( فَصَدَّقَهُ ) عَلَى مَا ادَّعَاهُ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ : الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ ( عَلَى الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ ( وَإِنْ صَدَّقَاهُ ) أَيْ : الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ( مَعَ ) الْقِنِّ ( الْمَبِيعِ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا مَعَ اتِّفَاقِ السَّيِّدِ وَالْقِنِّ عَلَى الرِّقِّ .
وَلَوْ قَالَ : أَنَا حُرٌّ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ وَلِمَالِكِهِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ ( وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى مُعْتِقِهِ ) لِاعْتِرَافِهِ بِإِتْلَافِهِ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بِالثَّمَنِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْقَرِيبُ ثُمَّ مُدَّعٍ ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِ الْمُعْتِقِ بِفَسَادِ عِتْقِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ وَأَقَامَ مُدَّعٍ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ نُقِضَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ .
وَكَذَا إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ .
وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ .
فَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ لِلْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ ، وَيُقَرُّ مَبِيعٌ بِيَدِ مُشْتَرٍ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فِي الظَّاهِرِ .
وَلِبَائِعٍ إحْلَافُهُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ .
وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ لَمْ يَسْتَرْجِعْهُ مُشْتَرٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ .
وَمَتَى عَادَ بِالْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى مُدَّعِيهِ وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ .
وَإِنْ أَقَرَّ بَائِعٌ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ

فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا يَفْسَخُهُ .
وَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ وَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ، وَعَلَيْهِ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ وَإِنْ أَقَامَ مُشْتَرٍ بَيِّنَةً بِمَا أَقَرَّ بِهِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَإِنْ كَانَ حَالَ الْبَيْعِ قَالَ : بِعْتُكَ بِهِ عِنْدِي هَذَا أَوْ مِلْكِي لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُ مِلْكَهُ وَغَيْرَهُ .
وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ سُمِعَتْ وَبَطَلَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ ، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لَهُ ، لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا .
وَإِنْ أَنْكَرَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ إحْلَافُهُمَا .
وَمَنْ وَجَدَ سَرِقَتَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ أَحْمَدُ : هُوَ مِلْكُهُ يَأْخُذُهُ ، أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } " وَيَتْبَعُ الْمُبْتَاعُ مَنْ بَاعَهُ .

( فَصْلٌ وَإِنْ أُتْلِفَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مَغْصُوبٌ ( أَوْ تَلِفَ مَغْصُوبٌ ) كَحَيَوَانٍ قَتَلَهُ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ .
أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ، وَلَوْ غَصَبَهُ مَرِيضًا فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ .
وَكَثَوْبٍ أَحْرَقَهُ شَخْصٌ أَوْ احْتَرَقَ بِصَاعِقَةٍ وَنَحْوِهِ ( ضُمِنَ ) مَغْصُوبٌ ( مِثْلِيٌّ .
وَهُوَ ) أَيْ الْمِثْلِيُّ ( كُلُّ مَكِيلٍ ) مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ وَمَائِعٍ وَغَيْرِهِمَا ( أَوْ مَوْزُونٍ ) كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَرِيرٍ وَكَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَنَحْوِهَا ، ( لَا صِنَاعَةَ فِيهِ ) أَيْ الْمَكِيلِ ، بِخِلَافِ نَحْوِ هَرِيسَةٍ .
أَوْ الْمَوْزُونِ بِخِلَافِ حُلِيٍّ وَأَسْطَالٍ وَنَحْوِهَا ( مُبَاحَةٌ ) خَرَجَ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَتُضْمَنُ بِوَزْنِهَا لِتَحْرِيمِ صِنَاعَتِهَا .
وَيَأْتِي ( يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ ) بِخِلَافٍ نَحْوِ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ ( بِمِثْلِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِضَمِنَ ، نَصًّا .
لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ لِمُمَاثَلَتِهِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمَعْنَى ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا تُمَاثِلُ مِنْ طَرِيقِ الظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ .
وَسَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاءُ الْمِثْلِيِّ أَوْ تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ وَلَوْ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً رَائِجَةً وَالْحُبُوبَ وَالْأَدْهَانَ وَنَحْوَهَا ، وَفِي رُطَبٍ صَارَ تَمْرًا وَسِمْسِمٍ صَارَ شَيْرَجًا يُخَيَّرُ مَالِكُهُ فَيَضْمَنُهُ أَيْ : الْمِثْلَيْنِ أَحَبَّ .
وَأَمَّا مُبَاحُ الصِّنَاعَةِ كَمَعْمُولِ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَصُوفٍ وَشَعْرٍ مَغْزُولٍ فَيُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ لِتَأْثِيرِ صِنَاعَتِهِ فِي قِيمَتِهِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ أَحْضَرُ .
( فَإِنْ أَعْوَزَ ) مِثْلِيُّ الْمُتْلَفِ أَيْ : تَعَذَّرَ لِعَدَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَلَاءٍ ( فَ ) الْوَاجِبُ ( قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إعْوَازِهِ ) أَيْ : الْمِثْلِيِّ لِوُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ كَوَقْتِ تَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا إذَنْ : أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ طَلَبَهَا وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَدَاؤُهَا وَلَا يَبْقَى وُجُوبُ الْمِثْلِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ .
وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ

طَلَبَهُ وَلَا اسْتِيفَاءَهُ ، ( فَإِنْ قَدَرَ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمِثْلُ ( عَلَى الْمِثْلِ ) قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ( لَا بَعْدَ أَخْذِهَا وَجَبَ ) الْمِثْلُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ .
وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ .
فَإِنْ أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ عَنْهُ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا وَلَمْ تُرَدَّ ، وَلَا طَلَبَ بِالْمِثْلِ إذَنْ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِأَخْذِهَا ( وَ ) ضَمِنَ ( غَيْرَهُ ) أَيْ : غَيْرُ الْمِثْلِيِّ إذَا تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ ( بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا " { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَ بِالتَّقْوِيمِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهَا مُتْلَفَةٌ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْمِثْلِ .
وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمِثْلِيِّ لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ .
فَالْقِيمَةُ فِيهِ أَعْدَلُ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ ( فِي بَلَدِ غَصْبِهِ مِنْ نَقْدِهِ ) أَيْ : بَلَدِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الضَّمَانِ وَمُقْتَضَى التَّعَدِّي ( فَإِنْ تَعَدَّدَ ) نَقْدُ بَلَدِ غَصْبِهِ بِأَنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ ( فَ ) الْقِيمَةُ ( مِنْ غَالِبِهِ ) رَوَاجًا لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ .

( وَكَذَا ) أَيْ : كَالْمَغْصُوبِ فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ( مُتْلَفٌ بِلَا غَصْبٍ وَمَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ) يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ لَا نَحْوِ هِبَةٍ ( وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ ) أَيْ : مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ ( مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ) أَيْ : مِلْكِ الْمُتْلِفِ لَهُ ، فَيُضْمَنُ مِثْلِيٌّ بِمِثْلِهِ وَمُتَقَوِّمٌ بِقِيمَتِهِ ، ( فَلَوْ دَخَلَ ) تَالِفٌ فِي مِلْكِ مُتْلِفِهِ ( بِأَنْ أَخَذَ ) مِنْ آخَرَ شَيْئًا ( مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ ، أَوْ ) أَخَذَ ( حَوَائِجَ ) مُتَقَوِّمَةً .
كَفَوَاكِهَ وَبُقُولٍ وَنَحْوِهِمَا ( مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ ) كَجَزَّارٍ وَزَيَّاتٍ ( فِي أَيَّامٍ ثُمَّ يُحَاسِبُهُ ) عَلَى مَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ ( فَإِنَّهُ ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَلَا الْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ ، بَلْ ( يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ ) لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ .
وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ .

( وَيُقَوَّمُ مَصُوغٌ مُبَاحٌ ) كَحُلِيِّ النِّسَاءِ ( مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ) إذَا تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ عِنْدَ غَاصِبٍ أَوْ مَنْ يَضْمَنُهُ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَى وَزْنِهِ لِصِنَاعَةٍ بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ( وَ ) يُقَوَّمُ ( تِبْرٌ تُخَالِفُ قِيمَةَ وَزْنِهِ ) لِنَقْصِ قِيمَتِهِ ( بِ ) نَقْدٍ مِنْ ( غَيْرِ جِنْسِهِ ) ، فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا قُوِّمَ بِفِضَّةٍ وَعَكْسِهِ ، لِئَلَّا يُفْضِيَ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ إلَى الرِّبَا ( وَإِنْ كَانَ ) الْحُلِيُّ ( مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مَعًا قَوَّمَهُ ( بِأَيِّهِمَا ) أَيْ النَّقْدَيْنِ ( شَاءَ ) لِلْحَاجَةِ إلَى تَقْوِيمِهِ بِأَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ( وَيُعْطَى ) رَبُّ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ مِنْ النَّقْدَيْنِ ( بِقِيمَتِهِ عَرَضًا ) ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُفْضِي إلَى الرِّبَا ، ( وَيُضْمَنُ مُحَرَّمٌ صِنَاعَةً ) كَأَوَانِي ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحُلِيِّ رِجَالٍ مُحَرَّمٍ ( بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ ) ؛ لِأَنَّ صِنَاعَتَهُ مُحَرَّمَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا ، ( وَ ) تَجِبُ ( فِي تَلَفِ بَعْضِ مَغْصُوبٍ ) عِنْدَ غَاصِبٍ ( فَتَنْقُصُ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ ) خُفٍّ ( تَلِفَ أَحَدُهُمَا رَدَّ بَاقٍ ) مِنْهُمَا إلَى مَالِكِهِ ( وَقِيمَةَ تَالِفٍ وَأَرْشَ نَقْصِ ) الْبَاقِي مِنْهُمَا .
فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُجْتَمِعِينَ سِتَّةَ دَرَاهِمَ ، وَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ رَدَّهُ وَأَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ، لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ شَقَّ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الشَّقُّ ، وَتَلِفَ أَحَدُ الشِّقَّيْنِ بِخِلَافِ نَقْصِ السِّعْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ عَيْنٌ وَلَا مَعْنَى ، وَهَاهُنَا فَوَّتَ مَعْنًى وَهُوَ إمْكَانَ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ ، كَمَا لَوْ فَوَّتَ بَصَرَهُ وَنَحْوِهِ كَالسَّمْعِ .
وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا مَثَلًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَلَبِسَهُ حَتَّى نَقَصَ بِلُبْسِهِ خَمْسَةً ثُمَّ غَلَتْ الثِّيَابُ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةً رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ .
وَلَوْ تَلِفَ

الثَّوْبُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ، ثُمَّ غَلَتْ الثِّيَابُ فَصَارَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عِشْرِينَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا عَشَرَةٌ .

( وَ ) يَجِبُ ( فِي قِنٍّ يَأْبِقُ ) مِنْ غَاصِبٍ ( وَنَحْوَهُ ) كَجَمَلٍ يَشْرُدُ مِنْهُ وَيَعْجِزُ عَنْ رَدِّهِ ( قِيمَتُهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ لِمَالِكِهِ لِلْحَيْلُولَةِ ( وَيَمْلِكُهَا ) .
أَيْ الْقِيمَةَ ( مَالِكُهُ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ بِقَبْضِهَا ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أَجْلِ الْحَيْلُولَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ ؛ وَلِذَلِكَ ( لَا ) يَمْلِكُ ( غَاصِبٌ مَغْصُوبًا بِدَفْعِهَا ) أَيْ : الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهَا بِالْبَيْعِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَكَمَا لَوْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ قَرِيبَهُ .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا .
وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا .
وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَتُوقَفُ عَلَى خِيَرَتِهِ ( فَمَتَى قَدَرَ ) غَاصِبٌ عَلَى آبِقٍ وَنَحْوَهُ ( رَدَّهُ ) وُجُوبًا بِزِيَادَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ ( وَأَخَذَهَا ) أَيْ : الْقِيمَةَ بِعَيْنِهَا إنْ بَقِيَتْ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِأَجْلِهَا .
وَيَرُدُّ زَوَائِدَهَا الْمُتَّصِلَةَ مِنْ سِمَنٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَا يَرُدُّ الْمُنْفَصِلَةَ بِلَا نِزَاعٍ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ .
قَالَ الْمَجْدُ : وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ وَالْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ أَبَدًا فِي نَفْسِهِ نَفْسُ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ بَلْ بَدَلٌ عَنْهَا .
فَإِذَا رَجَعَ الْمَغْصُوبُ رَدَّ الْقِيمَةَ لَا بَدَلَهَا ، كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ .
ثُمَّ أَخَذَ عَنْهَا ذَهَبًا ، أَوْ سِلْعَةً ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمِهِ لَا بِبَدَلِهَا انْتَهَى .
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّمَنَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ ، فَإِذَا عَرَضَهُ عَنْهَا شَيْئًا فَهُوَ عَقْدٌ آخَرُ .
وَأَمَّا هُنَا فَالْقِيمَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ ، فَمَا دَفَعَهُ ابْتِدَاءً هُوَ الْقِيمَةُ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ

النَّقْدَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا ( أَوْ ) يَأْخُذُ ( بَدَلَهَا ) أَيْ الْقِيمَةِ ( إنْ تَلِفَتْ ) أَيْ : مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَإِلَّا فَقِيمَتَهَا ، وَلَيْسَ لِغَاصِبٍ حَبْسُ الْمَغْصُوبِ لِتُرَدَّ قِيمَتُهُ .
وَكَذَا مُشْتَرٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى رَدِّ ثَمَنِهِ صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ ، بَلْ يُدْفَعَانِ إلَى عَدْلٍ يُسَلِّمُ إلَى كُلٍّ مَالَهُ .

( وَ ) يَجِبُ ( فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ ( خَلًّا بِيَدِهِ رَدُّهُ ) إلَى مَالِكِهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ ، ( وَ ) رَدَّ مَعَهُ ( أَرْشَ نَقْصِهِ ) إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِتَخَلُّلِهِ عَنْ قِيمَتِهِ عَصِيرًا ، لِحُصُولِ النَّقْصِ بِيَدِهِ كَتَلَفِ جُزْءٍ مِنْهُ ، ( وَكَمَا لَوْ نَقَصَ بِلَا تَخَمُّرٍ ) بِأَنْ صَارَ ابْتِدَاءً خَلًّا وَكَغَصْبِ شَابَّةٍ فَتَهْرَمُ ( وَاسْتَرْجَعَ ) الْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْخَلَّ وَأَرْشَ نَقْصِ الْعَصِيرِ ( الْبَدَلَ وَهُوَ مِثْلُ الْعَصِيرِ الَّذِي دَفَعَهُ لِمَالِكِهِ لِلْحَيْلُولَةِ كَمَا لَوْ أَدَّى قِيمَةَ الْآبِقِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ لِرَبِّهِ .
وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عَصِيرٍ أَوْ زَيْتٍ غَلَاهُ غَاصِبٌ بِغَلَيَانِهِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ .

( وَمَا صَحَّتْ إجَارَتُهُ مِنْ مَغْصُوبٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ) كَرَقِيقٍ وَدَوَابَّ وَسُفُنٍ وَعَقَارٍ ( فَعَلَى قَابِضٍ وَغَاصِبٍ ) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ( أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ بِيَدِهِ ، ) فَتُضْمَنُ مَنَافِعُهُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ أَيْ : سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ كَالْأَعْيَانِ .
وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ .
وَأَمَّا خَبَرُ " { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } " فَفِي الْبَيْعِ .
وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ .
وَالْمُرَادُ بِالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَتَانِ بِخِلَافِ عُقُودِ الْأَمَانَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهَا فَلَا يُضْمَنُ فِي فَاسِدِهَا .

( وَمَعَ عَجْزِ ) غَاصِبٍ ( عَنْ رَدِّ ) مَغْصُوبٍ تَصِحُّ إجَارَتُهُ تَلْزَمُ أُجْرَتُهُ ( إلَى ) وَقْتِ ( أَدَاءِ قِيمَةٍ ) .
وَكَذَا مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ .
فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ ( وَمَعَ تَلَفِ ) مَغْصُوبٍ أَوْ مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ( فَ ) الْوَاجِبُ عَلَى قَابِضِهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ( إلَيْهِ ) أَيْ : إلَى تَلَفِهِ ، لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ تُضْمَنُ كَمَا لَوْ أُتْلِفَ بِلَا غَصْبٍ أَوْ قَبْضٍ .

وَيُقْبَلُ قَوْلُ غَاصِبٍ وَقَابِضٍ فِي تَلَفِهِ فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بِبَدَلٍ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ ) أَيْ الْغَاصِبِ وَالْقَابِضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ( فِي وَقْتِهِ ) أَيْ : وَقْتِ التَّلَفِ لِتَسْقُطَ عَنْهُ الْأُجْرَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ( وَإِلَّا ) تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَيْ : لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِإِجَارَتِهِ ( فَلَا ) يَلْزَمُ غَاصِبَهُ وَلَا قَابِضَهُ أُجْرَةٌ ( كَغَنَمٍ وَشَجَرٍ وَطَيْرٍ ) وَلَوْ قَصَدَ صَوْتَهُ ( وَنَحْوِهَا ) كَشَمْعٍ وَمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ ( مِمَّا لَا مَنَافِعَ لَهَا يُسْتَحَقُّ بِهَا عِوَضٌ ) غَالِبًا .
فَلَا يَرِدُ صِحَّةُ إجَارَةِ غَنَمٍ لِدَيَّاسِ زَرْعٍ وَنَحْوِهِ وَشَجَرٍ لِنَشْرِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِنُدْرَتِهِ

( وَيَلْزَمُ ) غَاصِبًا وَقَابِضًا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ( فِي قِنٍّ ذِي صَنَائِعَ ) أَيْ : يُحْسِنُ صَنَائِعَ ( أُجْرَةُ أَعْلَاهَا ) أَيْ : الصَّنَائِعِ ( فَقَطْ ) مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ .
إذْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ صَنْعَتِهِ .
وَغَايَةُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ سَيِّدُهُ : أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي أَعْلَاهَا .

( فَصْلٌ وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ ) مِمَّنْ عَلِمَ بِالْحَالِ ( فِي مَغْصُوبٍ بِمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ ) أَيْ : لَا يَتَّصِفُ بِأَحَدِهِمَا ( كَإِتْلَافٍ وَاسْتِعْمَالٍ كَلُبْسٍ وَنَحْوِهِ ) كَاسْتِخْدَامٍ وَذَبْحٍ .
وَلَا يَحْرُمُ الْمَذْبُوحُ بِذَلِكَ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ فِي مَغْصُوبٍ ( بِمَا لَهُ حُكْمٌ ) بِأَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ ( كَعِبَادَةٍ ) كَاسْتِجْمَارٍ بِنَحْوِ حَجَرٍ مَغْصُوبٍ ، وَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ بِمَغْصُوبٍ ، وَصَلَاةٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ مَغْصُوبَةٍ وَإِخْرَاجِ زَكَاةٍ مِنْ مَغْصُوبٍ أَوْ حَجٍّ بِهِ وَنَحْوِهِ ، بِخِلَافٍ نَحْوِ صَوْمٍ وَذِكْرٍ وَاعْتِقَادٍ .
فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ .
( وَ ) كَ ( عَقْدٍ ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا ( وَلَا يَصِحَّانِ ) أَيْ : عِبَادَةُ الْغَاصِبِ كَأَنْ صَلَّى أَوْ حَجَّ بِمَغْصُوبٍ عَالِمًا ذَاكِرًا وَعَقَدَهُ فَهُمَا بَاطِلَانِ .
لِحَدِيثِ " { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } "

( وَإِنْ اتَّجَرَ ) غَاصِبٌ ( بِعَيْنِ مَغْصُوبٍ أَوْ ) عَيْنِ ( ثَمَنِهِ ) بِأَنْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ وَظَهَرَ رِبْحٌ ، أَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا وَظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ وَهُوَ بَاقٍ ( فَالرِّبْحُ وَمَا اشْتَرَاهُ ) الْغَاصِبُ مِنْ السِّلَعِ ( وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ ) بِثَمَنٍ ( فِي ذِمَّةٍ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ ) الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ ( ثُمَّ نَقَدَهُ ) مِنْهُ ( لِمَالِكٍ ) مَغْصُوبٍ دُونَ غَاصِبِهِ .
وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ بُطْلَانِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِ .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ .
وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ ، وَلِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَنَتِيجَتُهُ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ لِقِيَامِ نِيَّةِ نَقْدِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ مَقَامَ نِيَّةِ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ .
وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لِلْغَاصِبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ طَرِيقًا إلَى تَمَلُّكِ رِبْحِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَصْبِهِ وَدَفْعِهِ ثَمَنًا عَمَّا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ .
وَلِأَنَّهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ جَعْلُ الرِّبْحِ لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمَالِكِ .
فَالْمَالِكُ بِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِ مَالِهِ الَّذِي فَاتَهُ .
وَقَوْلُهُ " بِنِيَّةِ نَقْدِهِ " تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَاحِبَ التَّذْكِرَةِ .
لِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشَّارِحَ نَقَلَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ لِلْمَذْهَبِ .
وَلَمْ يُعْهَدْ لَهُ نَقْلٌ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ .
فَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَنْوِ نَقْدَهُ مِنْ الْمَغْصُوبِ ثُمَّ نَقَدَهُ مِنْهُ وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ .
وَالْقَبْضُ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِفَسَادِهِ .
وَلَوْ اتَّجَرَ وَدِيعٌ بِوَدِيعَةٍ فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا نَصًّا .
وَيَصِحُّ شِرَاءُ الْغَاصِبِ فِي ذِمَّتِهِ نَصًّا .

( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ : الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ ( فِي قِيمَةِ مَغْصُوبٍ ) تَلِفَ ( أَوْ ) فِي ( قَدْرِهِ أَوْ ) فِي ( حُدُوثِ عَيْبِهِ أَوْ ) فِي ( صِنَاعَةٍ فِيهِ ) بِأَنْ قَالَ مَالِكُهُ كَانَ كَاتِبًا وَأَنْكَرَهُ غَاصِبٌ ، ( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي ( مِلْكِ ثَوْبٍ ) عَلَى مَغْصُوبٍ ( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي مِلْكِ ( سَرْجٍ عَلَيْهِ فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُ غَاصِبٍ ) بِيَمِينِهِ ، حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّائِدِ وَعَدَمُ الصِّنَاعَةِ فِيهِ وَعَدَمُ مِلْكِ الثَّوْبِ أَوْ السَّرْجِ عَلَيْهِ .
( وَ ) إنْ اخْتَلَفَا ( فِي رَدِّهِ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ ( أَوْ ) فِي وُجُودِ ( عَيْبٍ فِيهِ ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ : كَانَ الْعَبْدُ أَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ أَوْ يَبُولُ فِي فِرَاشِهِ وَنَحْوَهُ ( فَقَوْلُ مَالِكٍ ) بِيَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ وَالْعَيْبِ .
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ عَيْبٌ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ، فَقَالَ الْغَاصِبُ : غَصَبْتُهُ وَبِهِ الْعَيْبُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : بَلْ حَدَثَ عِنْدَكَ .
فَقَوْلُ غَاصِبٍ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْمَغْصُوبِ لَمْ تَتَغَيَّرْ .

( وَمَنْ بِيَدِهِ غُصُوبٌ ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا .
وَعَنْهُ أَوْ عَرَفَهُمْ وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ وَهُوَ يَسِيرٌ كَالْحَبَّةِ ، ( أَوْ ) كَانَ بِيَدِهِ ( رُهُونٌ ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : أَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ رَبَّ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ أَيِسَ مِنْهُ ، أَوْ بِيَدِهِ أَمَانَاتٌ مِنْ وَدَائِعَ وَغَيْرِهَا ( لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا ) أَوْ عَرَفَهُمْ وَفُقِدُوا وَلَيْسَ لَهُمْ وَرَثَةٌ ( فَسَلَّمَهَا ) أَيْ : الْغُصُوبَ وَالرُّهُونَ أَوْ الْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا ( إلَى حَاكِمٍ وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْحَاكِمَ ( قَبُولُهَا بَرِئَ ) بِتَسْلِيمِهَا لِلْحَاكِمِ ( مِنْ عُهْدَتِهَا ) لِقِيَامِ قَبْضِ الْحَاكِمِ لَهَا مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا ، ( وَلَهُ ) أَيْ : مَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ أَوْ الرُّهُونُ أَوْ الْأَمَانَاتُ الْمَذْكُورَةُ إنْ لَمْ يَدْفَعْهَا لِحَاكِمٍ ( الصَّدَقَةُ بِهَا عَنْهُمْ ) أَيْ : عَنْ أَرْبَابِهَا بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ .
وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيِّ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ أَيْ : الْغَصْبِ إنْ عَرَفَهُ .
لِأَنَّ دِيَةَ قَتِيلٍ يُوجَدُ عَلَيْهِمْ .
وَنَقَلَ صَالِحٌ أَوْ بِالْقِيمَةِ .
وَلَهُ شِرَاءُ عَرْضٍ بِنَقْدٍ ، وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا .
وَكَذَا حُكْمُ مَسْرُوقٍ وَنَحْوِهِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عَرَفَهُ رَدُّ الْمُعَاوَضَةِ ( بِشَرْطِ ضَمَانِهَا ) لِأَرْبَابِهَا .
لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِهَا عَنْهُمْ بِدُونِ ضَمَانٍ إضَاعَةٌ لَهَا ، لَا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ( كَلُقَطَةٍ ) حَرُمَ الْتِقَاطُهَا لَمْ تُمَلَّكْ بِتَعْرِيفٍ .

( وَيَسْقُطُ عَنْهُ ) أَيْ : الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ وَنَحْوَهُ ( إثْمُ الْغَصْبِ ) أَوْ السَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا .
لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ لِجَهْلِهِ بِالْمَالِكِ .
وَثَوَابُهَا لِأَرْبَابِهَا .
وَفِي الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْهُمْ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ .
وَإِذَا حَضَرُوا بَعْدَ الصَّدَقَةِ بِهَا خُيِّرُوا بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَخْذِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ ، فَإِنْ رَجَعُوا عَلَيْهِ فَالْأَجْرُ لَهُ نَصًّا فِي الرَّهْنِ وَالْوَقْفِ كَالصَّدَقَةِ بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الْفُرُوعِ .

( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ : لِمَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ وَالرُّهُونُ وَالْأَمَانَاتُ الْمَجْهُولَةُ أَرْبَابُهَا ( التَّوَسُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ ) كَانَ ( فَقِيرًا ) مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ نَصًّا .
وَالدُّيُونُ الْمُسْتَحَقَّةُ كَالْأَعْيَانِ يُتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ مُسْتَحِقِّهَا نَصًّا .
وَإِنْ أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ جَهِلَ مَالِكَهَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَنْ مَالِكِهَا ، فَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ الْجَوَازَ فِيمَنْ اشْتَرَى حُرًّا وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَرْبَابٌ : أَرْجُو إنْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْأَجْرِ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ إثْمِهِ ( وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاحٍ ) بِأَنْ عَدِمَ الْمُبَاحَ يَأْكُلُهُ وَنَحْوَهُ ( لَمْ يَأْكُلْ مِنْ حَرَامِ مَالِهِ غُنْيَةً كَحَلْوَى وَنَحْوَهَا ) كَفَوَاكِهَ وَيَأْكُلُ عَادَتَهُ .
ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ ، إذْ لَا دَاعِيَ لِلزِّيَادَةِ ( وَلَوْ نَوَى جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ : الْمَذْكُورِ مِنْ غُصُوبٍ أَوْ رُهُونٍ أَوْ أَمَانَاتٍ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ ( أَوْ ) نَوَى جَحْدَ ( حَقٍّ ) أَيْ : دَيْنٍ ( عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ ) أَيْ : لِرَبِّهِ لِقِيَامِ نِيَّةِ جَحْدِهِ مَقَامَ إتْلَافِهِ إذَنْ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ لِوَرَثَةِ رَبِّهِ بِمَوْتِهِ ( وَإِلَّا ) يَنْوِيَ جَحْدَهُ حَتَّى مَاتَ رَبُّهُ ( فَ ) ثَوَابُهُ ( لِوَرَثَتِهِ ) نَصًّا .
لِأَنَّهُ إنَّمَا عَدِمَ عَلَيْهِمْ ( وَلَوْ نَدِمَ ) غَاصِبٌ عَلَى فِعْلِهِ وَقَدْ مَاتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ( وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ مِنْ إثْمِهِ ) أَيْ : الْمَغْصُوبِ لِوُصُولِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ .
وَ ( لَا ) يَبْرَأُ ( مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ ) لِمَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْ مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ، فَلَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّوْبَةِ ( وَلَوْ رَدَّهُ ) أَيْ : الْمَغْصُوبَ ( وَرَثَةُ غَاصِبِهِ ) بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَوْتِ مَالِكِهِ إلَى وَرَثَتِهِ ( فَلِمَغْصُوبٍ مِنْهُ مُطَالَبَتُهُ ) أَيْ الْغَاصِبِ بِمَا غَصَبَهُ مِنْهُ ( فِي الْآخِرَةِ ) ؛

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27