كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( أَوْ ) كَانَ الرَّهْنُ ( مُكَاتَبًا ) لِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ ( وَيُمَكَّنُ مِنْ كَسْبٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ سَابِقَةٌ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ كِتَابَتِهِ وَرَقَّ ( فَهُوَ وَكَسْبُهُ رَهْنٌ ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ

( وَإِنْ عَتَقَ بِأَدَاءٍ أَوْ إعْتَاقٍ فَمَا أَدَّى بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنٌ ) كَقِنِّ رَهْنٍ اكْتَسَبَ وَمَاتَ ( أَوْ ) كَانَ الرَّهْنُ ( يَسْرُعُ فَسَادُهُ ) كَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ وَبِطِّيخٍ .

وَلَوْ رَهَنَهُ ( بِمُؤَجَّلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ ( وَيُبَاعُ ) أَيْ يَبِيعُهُ حَاكِمٌ إنَّ لَمْ يَأْذَنْ رَبُّهُ لِحِفْظِهِ بِالْبَيْعِ ( وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا ) مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ فَيُوَفِّيَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَالًّا ، وَكَذَا ثِيَابٌ خِيفَ تَلَفُهَا وَحَيَوَانٌ خِيفَ مَوْتُهُ ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَعِنَبٍ وَرُطَبٍ جُفِّفَ وَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَاهِنٍ ؛ لِأَنَّهَا لِحِفْظِهِ كَمُؤْنَةِ حَيَوَانٍ ، وَشَرْطُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ أَوْ يُجَفِّفَهُ فَاسِدٌ لِتَضَمُّنِهِ فَوَاتَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ

( أَوْ ) كَانَ الرَّهْنُ ( قِنًّا مُسْلِمًا ) وَلَوْ بِدَيْنٍ ( لِكَافِرٍ إذَا شَرَطَ ) فِي الرَّهْنِ ( كَوْنَهُ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ كَ ) رَهْنِ ( كُتُبِ حَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ ) لِكَافِرٍ لِأَمْنِ الْمَفْسَدَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ، وَيَصِحُّ رَهْنُ مُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَهَا قَبْلَ حُلُولِ دَيْنٍ ، وَمُرْتَدٍّ وَجَانٍ وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ أَوْ عُفِيَ عَنْ جَانٍ ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَلَهُ إمْسَاكُهُ بِلَا أَرْشٍ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي لَمْ يُجْبَرْ وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ لِسَبْقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ

( لَا مُصْحَفًا ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى بَيْعِهِ الْمُحَرَّمِ ( وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ) كَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَكَلْبٍ وَآبِقٍ وَمَجْهُولٍ ( لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ ، وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ .

وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمَسَاكِنِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَنَحْوِهَا وَلَوْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا ( سِوَى ) رَهْنِ ( ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ) بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ .
( وَ ) سِوَى رَهْنِ ( زَرْعٍ أَخْضَرَ بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ ) فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهَا لِعَدَمِ أَمْنِ الْعَاهَةِ ، وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهَا لَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الدَّيْنِ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ .
( وَ ) سِوَى ( قِنٍّ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَيَصِحُّ رَهْنُهُ ( دُونَ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِ ) كَوَالِدِهِ وَأَخِيهِ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَيْعِهِ وَحْدَهُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَيْعُ الرَّهْنِ ( يُبَاعَانِ ) مَعًا دَفْعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ

( وَيَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ بِمَا يَخُصُّ الْمَرْهُونَ مِنْ ثَمَنِهِمَا ) فَيُوَفِّي مِنْ دَيْنِهِ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ فَلِلرَّاهِنِ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَبِذِمَّةِ مَدِينٍ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مَعَ كَوْنِهِ ذَا وَلَدٍ مِائَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسِينَ فَحِصَّةُ الرَّهْنِ ثُلُثَا الثَّمَنِ

( وَلَا يَصِحُّ ) رَهْنٌ ( بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ ) كَرَهَنْتُك وَقَبِلْتُ أَوْ ارْتَهَنْتُ ( أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا ) مِنْ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ كَبَاقِي الْعُقُودِ .

فَصْلٌ ( وَشُرِطَ لِلرَّهْنِ ) سِتَّةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ( تَنْجِيزُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ .
( وَ ) الثَّانِي ( كَوْنُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ، ( مَعَ حَقٍّ ) كَأَنْ يَقُولَ : بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ تَرْهَنُنِي بِهَا عَبْدَكَ هَذَا فَيَقُولُ : اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ فَيَصِحُّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَ الْحَقِّ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِهِ بَعْدُ ( أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ : الْحَقِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } فَجَعَلَهُ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَابِعٌ لَهُ كَالشَّهَادَةِ فَلَا يَتَقَدَّمُهُ .
( وَ ) الثَّالِثُ : كَوْنُ رَاهِنٍ ( مِمَّنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ ) وَتَبَرُّعُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ .
( وَ ) الرَّابِعُ ( مِلْكُهُ ) أَيْ الرَّاهِنِ لِرَهْنٍ ( وَلَوْ لِمَنَافِعِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ ) لِلِانْتِفَاعِ بِهِ ( بِإِعَارَةٍ ) فَيَصِحُّ رَهْنُ مُؤَجَّرٍ وَمُعَارٍ ( بِإِذْنِ مُؤَجِّرٍ وَمُعِيرٍ ) وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الدَّيْنَ أَوْ يَصِفْهُ أَوْ يَعْرِفْ رَبَّهُ ، لَكِنْ إنَّ شَرَطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ إلَّا إذَا أُذِنَ فِي رَهْنِهِ بِقَدْرٍ فَزَادَ عَلَيْهِ ، فَيَصِحُّ فِي الْمَأْذُونِ بِهِ دُونَ مَا زَادَ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ( وَيَمْلِكَانِ ) أَيْ : الْمُؤَجِّرُ وَالْمُعِيرُ .
( الرُّجُوعَ ) عَنْ إذْنٍ فِي رَهْنٍ ( قَبْلَ إقْبَاضِهِ ) أَيْ : الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الرَّهْنَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ .
وَ ( لَا ) يَمْلِكُ مُؤَجِّرٌ الرُّجُوعَ ( فِي إجَارَةِ ) عَيْنٍ ( لِرَهْنٍ قَبْلَ ) مُضِيِّ ( مُدَّتِهَا ) أَيْ الْإِجَارَةِ لِلُزُومِهَا ( وَلِمُعِيرٍ ) عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا مُسْتَعِيرٌ ( طَلَبُ رَاهِنٍ ) لِمُسْتَعَارٍ ( بِفَكِّهِ ) أَيْ : الرَّهْنِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : عَيَّنَ مُدَّةَ الرَّهْنِ أَوْ لَا حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ

أَوْ مُؤَجَّلًا فِي مَحَلِّ الْحَقِّ وَقَبْله ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ .
( وَإِنْ بِيعَ ) رَهْنٌ مُؤَجَّرٌ أَوْ مُعَارٍ فِي وَفَاءً دَيْنٍ ( رَجَعَ ) مُؤَجِّرٌ وَمُعِيرٌ عَلَى رَاهِنٍ ( بِمِثْلٍ مِثْلِيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى رَبِّهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ .
( وَ ) رَجَعَ ( بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ أَوْ مَا ) أَيْ : ثَمَنٍ ( بِيعَ بِهِ ) قَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ رَاهِنٌ نَقْصَهُ وَبِأَكْثَرَ قِيمَتِهِ كُلِّهِ لِمَالِكِهِ ، إذْ لَوْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ حَقَّهُ مِنْ رَهْنٍ رَجَعَ ثَمَنُهُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ فَإِذَا قَضَى بِهِ دَيْنَ الرَّاهِنِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَمَانِ نَقْصِهِ أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ لِرَبِّهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ ( وَالْمَنْصُوصُ ) يَرْجِعُ ( بِقِيمَتِهِ ) يَوْمَ بَيْعِهِ أَيْ : الْمُتَقَوِّمِ لَا مَا بِيعَ بِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَ ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( وَإِنْ تَلِفَ ) رَهْنٌ مُعَارٍ أَوْ مُؤَجَّرٌ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَهُ رَاهِنٌ بِبَدَلِهِ ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ ( ضَمِنَ ) الرَّاهِنُ ( الْمُعَارَ لَا الْمُؤَجَّرَ ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ ، وَالْمُؤَجَّرَةَ أَمَانَةٌ إنْ لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطْ .
( وَ ) الْخَامِسُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( مَعْلُومًا جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ وَصِفَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَالْمَبِيعِ .
( وَ ) السَّادِسُ كَوْنُهُ ( بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ) كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ ( أَوْ ) بِشَيْءٍ ( مَآلُهُ إلَيْهِ ) أَيْ : الدَّيْنِ الْوَاجِبِ ( فَيَصِحُّ بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ ) كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ ( وَمَقْبُوضٍ ) عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ وَ ( بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَ ) يَصِحُّ ( بِنَفْعِ إجَارَةٍ فِي ذِمَّةٍ ) كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ وَحَمْلِ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَيُمْكِنُ وَفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ ثَمَنِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ .
وَ ( لَا ) يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ ( بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ وَ ) لَا ( بِجُعَلٍ قَبْلَ ) مُضِيِّ ( حَوْلٍ ) فِي مَسْأَلَةِ

الدِّيَةِ ( وَ ) قَبْلَ تَمَامِ ( عَمَلٍ ) فِي مَسْأَلَةِ الْجُعَلِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ ( وَيَصِحُّ ) رَهْنٌ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ وَبِجُعَلٍ ( بَعْدَهُمَا ) أَيْ : الْحَوْلِ وَالْعَمَلِ لِاسْتِقْرَارِهِمَا ( وَلَا ) يَصِحُّ رَهْنٌ ( بِدَيْنِ كِتَابَةٍ ) لِفَوَاتِ الْإِرْفَاقِ بِالْأَجَلِ الْمَشْرُوعِ إذْ يُمْكِنُهُ بَيْعُ الرَّهْنِ وَإِيفَاءُ الْكِتَابَةِ .
( وَ ) لَا بِ ( عُهْدَةِ مَبِيعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَعُمُّ ضَرَرُهُ بِمَنْعِ الْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِذَا وَثَّقَ الْبَائِعُ عَلَى عُهْدَةِ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ وَلَا ارْتَفَقَ بِهِ ( وَ ) لَا بِ ( عِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةٍ كَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَيْنِ وَإِجَارَةِ مَنَافِعِ ) عَيْنٍ ( مُعَيَّنَةٍ كَدَارٍ وَنَحْوِهَا ) كَفَرَسٍ وَعَبْدٍ زَمَنًا مُعَيَّنًا ( أَوْ دَابَّةٍ لِحَمْلِ مُعَيَّنٍ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ هَذِهِ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا بِتَلَفِهَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ حَقٌّ .
( وَيَحْرُمُ ) عَلَى وَلِيٍّ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ ( وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِهِ لِلْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْحَدُ الْفَاسِقُ أَوْ يُفَرِّطُ فِيهِ فَيَضِيعُ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ : الْيَتِيمِ ( مُكَاتَبٌ ) وَسَفِيهٌ وَصَغِيرٌ وَمَجْنُونٌ ( وَ ) قِنٌّ ( مَأْذُونٌ لَهُ ) فِي تِجَارَةٍ لِاشْتِرَاطِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ

( وَإِنْ رَهَنَ ذِمِّيٌّ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَمْرًا ) وَلَوْ شَرَطَ جَعْلَهُ ( بِيَدِ ذِمِّيٍّ لَمْ يَصِحَّ ) الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا ( فَإِنْ بَاعَهَا ) أَيْ : الْخَمْرَ ( الْوَكِيلُ ) صُورَةً أَيْ : الذِّمِّيُّ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ أَوْ بَاعَهَا رَبُّهَا ( حَلَّ ) لِرَبِّ دَيْنٍ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ ( فَيَقْبِضُهُ ) أَيْ : الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بَاعَهَا ذِمِّيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَهْنٌ لِقَوْلِ عُمَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ الْخُمُورُ " وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا " ( أَوْ يُبْرِئُ ) رَبُّ الدَّيْنِ ( مِنْهُ ) وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ رَهْنٍ مِنْ مَدِينٍ وَلَا بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنَهُ بِلَا إذْنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَأَوْلَى .

فَصْلٌ ( وَلَا يَلْزَمُ رَهْنٌ إلَّا فِي حَقِّ رَاهِنٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَحَظَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ كَالضَّمَانِ بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ ؛ لِأَنَّ الْأَحَظَّ فِيهِ لَهُ وَحْدَهُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ كَالْمَضْمُونِ لَهُ ( بِقَبْضٍ ) لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ كَالْقَرْضِ وَقَبْضُ رَهْنٍ ( كَقَبْضِ مَبِيعٍ ) عَلَى مَا سَبَقَ فَيَلْزَمُ بِهِ

( وَلَوْ ) كَانَ الْقَبْضُ ( مِمَّنْ اتَّفَقَا ) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ مُرْتَهِنٍ فِي ذَلِكَ ، وَعَبْدُ رَاهِنٍ وَأُمُّ وَلَدٍ كَهُوَ ، بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ ( وَيُعْتَبَرُ فِيهِ ) أَيْ الْقَبْضِ ( إذْنُ وَلِيِّ أَمْرٍ ) أَيْ حَاكِمٍ ( لِمَنْ جُنَّ وَنَحْوِهِ ) كَمَنْ حَصَلَ لَهُ بِرْسَامٌ بَعْدَ عَقْدِ رَهْنٍ وَقَبْلَ إقْبَاضِهِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لِلْحَاكِمِ كَمَا يَأْتِي وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ ، فَاحْتِيجَ إلَى نَظَرٍ فِي الْأَحَظِّ ، فَإِنْ كَانَ الْأَحَظِّ فِي إقْبَاضِهِ كَأَنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ وَالْحَظُّ فِي إتْمَامِهِ أَقْبَضَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قَبَضَهُ مُرْتَهِنٌ بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ أَوْ وَلِيِّهِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَإِنْ مَاتَ رَاهِنٌ قَبْلَ إقْبَاضِهِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ كَالْمَيِّتِ وَإِنْ أَحَبَّ إقْبَاضَهُ وَلَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ سِوَى هَذَا الدَّيْنِ فَلَهُ ذَلِكَ

( وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ ) رَاهِنٍ ( إقْبَاضُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( ثُمَّ غَرِيمٍ ) لِلْمَيِّتِ ( لَمْ يَأْذَنْ ) فِيهِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِرَهْنٍ لَمْ يَلْزَمْ ، وَسَوَاءٌ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَعْدَهُ لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ بِهِمَا

( وَلِرَاهِنٍ الرُّجُوعُ ) فِي رَهْنٍ أَيْ فَسْخُهُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْإِقْبَاضِ ( وَلَوْ أَذِنَ ) الرَّاهِنُ ( فِيهِ ) أَيْ : الْقَبْضِ لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ إذَنْ ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ فَإِنْ تَصَرَّفَ بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِيهِ أَوْ رَهَنَهُ ثَانِيًا بَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ أَقْبَضَ الثَّانِي أَوْ لَا ، لِخُرُوجِهِ عَنْ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ وَإِنْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ لَمْ يَبْطُلْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ كَاسْتِخْدَامِهِ

( وَيَبْطُلُ إذْنُهُ ) أَيْ الرَّاهِنِ فِي الْقَبْضِ ( بِنَحْوِ إغْمَاءٍ ) وَحَجْرٍ لِسَفَهٍ ( وَخَرَسٍ ) وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَةٌ وَلَا إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ كِتَابَةٌ أَوْ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ فَكَمُتَكَلِّمٍ

( وَإِنْ رَهَنَهُ ) أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ ( مَا ) أَيْ عَيْنًا مَالِيَّةً ( بِيَدِهِ ) أَيْ : رَبِّ الدَّيْنِ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونَةً ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( غَصْبًا ) صَحَّ الرَّهْنُ وَ ( لَزِمَ ) بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ كَهِبَةٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الْقَبْضِ قَبْضٌ ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَيُمْكِنُ تَغَيُّرُهُ مَعَ اسْتِدَامَةِ الْقَبْضِ كَوَدِيعَةٍ جَحَدَهَا مُودَعٌ فَصَارَتْ مَضْمُونَةً ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا فَصَارَتْ أَمَانَةً بِإِبْقَاءِ رَبِّهَا لَهَا عِنْدَهُ ( وَصَارَ ) مَضْمُونًا كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ ( أَمَانَةً ) لَا يَضْمَنُهُ مُرْتَهِنٌ بِتَلَفِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لِلْإِذْنِ لَهُ فِي إمْسَاكِهِ رَهْنًا ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مِنْهُ فِيهِ عُدْوَانٌ وَلِزَوَالِ مُقْتَضِي الضَّمَانِ وَحُدُوثِ سَبَبٍ يُخَالِفُهُ

( وَاسْتِدَامَةُ قَبْضِ ) رَهْنٍ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ ( شَرْطٌ لِ ) بَقَاءِ ( لُزُومِ ) عَقْدٍ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إحْدَى حَالَتَيْ الرَّهْنِ فَكَانَتْ شَرْطًا كَابْتِدَاءِ الْقَبْضِ ( فَيُزِيلُهُ ) أَيْ : اللُّزُومَ ( أَخَذَ رَاهِنٍ ) رَهْنًا ( بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ ) لَهُ فِي أَخْذِهِ ( وَلَوْ ) أَخَذَهُ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ ( نِيَابَةً لَهُ ) أَيْ : الْمُرْتَهِنِ كَإِيدَاعٍ لِزَوَالِ الِاسْتِدَامَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ اللُّزُومِ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ مُرْتَهِنٍ غَصْبًا أَوْ أَبِقَ مَرْهُونٌ أَوْ شَرَدَ أَوْ سَرَقَ لَمْ يَزُلْ لُزُومُهُ لِثُبُوتِ يَدِ مُرْتَهِنٍ عَلَيْهِ حُكْمًا

( وَ ) يُزِيلُ لُزُومَهُ ( تَخَمُّرُ عَصِيرٍ ) رُهِنَ لِمَنْفَعَةٍ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ اللُّزُومِ وَتَجِبُ إرَاقَتُهُ فَإِنْ أُرِيقَ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ ( وَيَعُودُ ) لُزُومُ رَهْنٍ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ ( بِرَدِّهِ ) إلَى مُرْتَهِنٍ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ .
( وَ ) يَعُودُ لُزُومُهُ فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ وَلَمْ يُرَقْ ثُمَّ ( تَخَلَّلَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ مَلْسَكًا بِحُكْمِ الْأَوَّلِ فَيَعُودُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ .

وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ رَهْنُهُ وَلَمْ يَعُدْ بِعَوْدِهِ لِضَعْفِهِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ ، كَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ أُرِيقَ وَجُمِعَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَلِجَامِعِهِ

( وَإِنْ أَجَرَهُ ) أَيْ الرَّهْنَ رَاهِنٌ لِشَخْصٍ ( أَوْ أَعَارَهُ ) رَاهِنٌ ( لِمُرْتَهِنٍ أَوْ لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( فَلُزُومُهُ ) أَيْ : الرَّهْنِ ( بَاقٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَمْ يُفْسِدْ الْقَبْضَ

( وَإِنْ وَهَبَهُ ) أَيْ وَهَبَ رَاهِنٌ الرَّهْنَ ( وَنَحْوِهِ ) كَمَا لَوْ وَقَفَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ جَعَلَهُ عِوَضًا فِي صَدَاقٍ وَنَحْوِهِ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ : الْمُرْتَهِنِ ( صَحَّ ) تَصَرُّفُهُ ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ ( وَبَطَلَ الرَّهْنُ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَمْنَعُ الرَّهْنَ ابْتِدَاءً فَامْتَنَعَ مَعَهُ دَوَامًا

( وَإِنْ بَاعَهُ ) أَيْ بَاعَ رَاهِنٌ رَهْنًا ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( وَالدَّيْنُ حَالٌّ ) صَحَّ الْبَيْعُ لِلْإِذْنِ فِيهِ وَ ( أَخَذَ ) الدَّيْنَ ( مِنْ ثَمَنِهِ ) ؛ لِأَنَّ لَا دَلَالَةَ لَهُ فِي الْإِذْنِ بِالْبَيْعِ عَلَى الرِّضَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا مُقْتَضَى لِتَأْخِيرِ وَفَائِهِ ، فَوَجَبَ دَفْعُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ .

( وَإِنْ شَرَطَ فِي ) إذْنٍ فِي بَيْعِ رَهْنٍ بِدَيْنٍ ( مُؤَجَّلٍ رَهْنَ ثَمَنِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( مَكَانَهُ فَعَلَ ) أَيْ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ ، فَإِذَا بِيعَ كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ لِرِضَاهُمَا بِإِبْدَالِ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ ( وَإِلَّا ) يُشْتَرَطُ كَوْنُ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ( بَطَلَ ) الرَّهْنُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي هِبَتِهِ .

وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ مُؤَجَّلٍ مِنْ ثَمَنِهِ صَحَّ الْبَيْعُ ( وَشَرْطُ تَعْجِيلِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ ( لَاغٍ ) ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ أَخْذُ قِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضَ مُدَّةِ الْأَجَلِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِذْنِ فَقَدْ أَذِنَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِبَاقِي مُدَّة الْأَجَلِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فَيَلْغُو الشَّرْطُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنٍ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَا فِي شَرْطِ رَهْنِ ثَمَنِهِ مَكَانَهُ وَنَحْوِهِ فَقَوْلُ رَاهِنٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ

( وَلَهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( الرُّجُوعُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ ) لِرَاهِنٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ( قَبْلَ وُقُوعِهِ ) لِعَدَمِ لُزُومِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ فِعْلِهِ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ تَصَرُّفٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ وَإِنْ قَالَ مُرْتَهِنٌ كُنْتُ رَجَعْتُ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ وَقَالَ رَاهِنٌ بَعْدَهُ فَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُ مُرْتَهِنٍ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي ، وَقِيلَ قَوْلُ رَاهِنٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْنَاعِ

( وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ ) أَيْ الرَّاهِنِ لِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَلَوْ ( بِلَا إذْنِ ) مُرْتَهِنٍ مُوسِرًا كَانَ الرَّاهِنُ أَوْ مُعْسِرًا نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ فَنَفَذَ كَعِتْقِ الْمُؤَجَّرِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ .

( وَيَحْرُمُ ) عِتْقُ رَاهِنٍ لِرَهْنٍ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ وَإِذَا نَجَّزَهُ ) أَيْ الْعِتْقَ رَاهِنٌ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ قَبْلَ فَكِّهِ ( أَوْ أَقَرَّ ) رَاهِنٌ ( بِهِ ) أَيْ بِعِتْقِهِ قَبْلَ رَهْنٍ ( فَكَذَّبَهُ ) مُرْتَهِنٌ ( أَوْ أَحْبَلَ ) رَاهِنٌ ( الْأَمَةَ ) الْمَرْهُونَةَ ( بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ فِي وَطْءٍ ) وَبِلَا اشْتِرَاطِهِ فِي رَهْنٍ ( أَوْ ضَرَبَهُ ) أَيْ الرَّهْنَ رَاهِنٌ ( بِلَا إذْنِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( فَتَلِفَ ) بِهِ رَهْنٌ

( وَيُصَدَّقُ ) مُرْتَهِنٌ ( بِيَمِينِهِ ) فِي عَدَمِهِ .
( وَ ) يُصَدَّقُ ( وَارِثُهُ ) بِيَمِينِهِ ( فِي عَدَمِهِ ) أَيْ الْإِذْنِ إنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ ( فَعَلَى ) رَاهِنٍ ( مُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ أَيْسَرَ قِيمَتُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ الْفَائِتِ عَلَى مُرْتَهِنٍ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ تَكُونُ ( رَهْنًا ) مَكَانَهُ كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لِإِبْطَالِهِ حَقَّ مُرْتَهِنٍ مِنْ الْوَثِيقَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ أَبْطَلَهَا أَجْنَبِيٌّ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حَالَ إعْتَاقِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ إحْبَالٍ أَوْ ضَرْبٍ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ فَمَاتَ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ حَالَ جُرْحٍ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ حَلَّ طُولِبَ بِهِ خَاصَّةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ مِنْ الْحَقَّيْنِ مَعًا فَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَا عِوَضَ لَهُ حَتَّى فِي الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْإِحْبَالِ وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَإِذْنُهُ فِي سَبَبِهِ إذْنٌ فِيهِ

( وَإِنْ ادَّعَى رَاهِنٌ ) بَعْدَ وِلَادَةِ مَرْهُونَةٍ ( أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَأَمْكَنَ ) كَوْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ وَطْئِهَا ( وَأَقَرَّ مُرْتَهِنٌ بِوَطْئِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ لَهَا ( وَ ) أَقَرَّ مُرْتَهِنٌ ( بِإِذْنِهِ ) لِرَاهِنٍ فِي وَطْءٍ .
( وَ ) أَقَرَّ ( بِأَنَّهَا ) أَيْ الْمَرْهُونَةَ ( وَلَدَتْهُ ، قُبِلَ ) قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ شَرْعًا لَا بِدَعْوَاهُ ( وَإِلَّا ) يُمْكِنْ كَوْنُهُ وُلِدَ مِنْ رَاهِنٍ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ وَعَاشَ أَوْ أَنْكَرَ مُرْتَهِنٌ الْإِذْنَ أَوْ قَالَ أَذِنْتُ فِي وَطْءٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ وَلَدَهَا بَلْ اسْتَعَارَتْهُ ( فَلَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ فِي بُطْلَانِ رَهْنِ الْأَمَةِ وَعَدَمِ لُزُومِ وَضْعِ قِيمَتِهَا مَكَانَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ وَبَقَاءُ التَّوَثُّقِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِهِ

( وَإِنْ ) أَنْكَرَ مُرْتَهِنٌ الْإِذْنَ وَأَقَرَّ بِمَا سِوَاهُ خَرَجَتْ الْأَمَةُ مِنْ الرَّهْنِ وَعَلَى الرَّاهِنِ قِيمَتُهَا مَكَانَهَا إنْ وَطِئَ رَاهِنٌ مَرْهُونَةً بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنٍ وَ ( لَمْ تَحْبَلْ فَ ) عَلَيْهِ ( أَرْشُ بِكْرٍ فَقَطْ ) يُجْعَلُ رَهْنًا مَعَهَا كَجِنَايَةٍ عَلَيْهَا ، وَإِنْ أَقَرَّ رَاهِنٌ بِوَطْءٍ حَالَ عَقْدٍ أَوْ قَبْلَ لُزُومِهِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ فَإِنْ بَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ بِمَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ وَلَوْ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ لِدُخُولِ بَائِعٍ عَالِمًا بِأَنَّهَا قَدْ لَا تَكُونُ رَهْنًا وَبَعْدَ لُزُومِهِ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ لَا يُقْبَلُ عَلَى مُرْتَهِنٍ أَنْكَرَ الْوَطْءَ وَيَأْتِي

( وَلِرَاهِنِ غَرْسٍ مَا ) أَيْ أَرْضٍ ( رَهَنَ عَلَى ) دَيْنٍ ( مُؤَجَّلٍ ) ؛ لِأَنَّ تَعْطِيلَ مَنْفَعَتِهَا إلَى حُلُولِ دَيْنٍ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَالِّ ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فَكِّ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ أَوْ بَيْعِهِ ، فَلَا يُعَطَّلُ نَفْعُهَا ، وَيَكُونُ الْغَرْسُ رَهْنًا مَعَهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا سَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْكَافِي

( وَ ) لِرَاهِنٍ ( انْتِفَاعٌ ) بِرَهْنٍ مُطْلَقًا ( بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ وَ ) لَهُ ( وَطْءُ ) مَرْهُونَةٍ ( بِشَرْطِ ) وَطْئِهَا ( أَوْ إذْنِ ) مُرْتَهِنٍ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ أَوْ الرِّضَا بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إذْنٌ وَلَا شَرْطٌ حَرُمَ ذَلِكَ

( وَ ) لِرَاهِنٍ ( سَقْيُ شَجَرٍ وَتَلْقِيحُ ) نَخْلٍ ( وَإِنْزَاءُ فَحْلٍ عَلَى مَرْهُونَةٍ وَمُدَاوَاةٌ وَفَصْدٌ وَنَحْوَهُ ) كَتَعْلِيمِ قِنٍّ صِنَاعَةً وَدَابَّةٍ سَيْرًا ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِرَهْنٍ وَزِيَادَةٌ فِي حَقِّ مُرْتَهِنٍ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ الْمَنْعَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ فَحْلًا فَلَيْسَ لِرَاهِنٍ إطْرَاقُهُ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِهِ إلَّا إذَا تَضَرَّرَ بِتَرْكِ الْإِطْرَاقِ فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُدَاوَاةِ لَهُ ( وَالرَّهْنُ ) مَعَ ذَلِكَ ( بِحَالِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُفْسِدٌ وَلَا مُزِيلٌ لِلُزُومِهِ

وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِرَاهِنٍ ( خِتَانُ ) مَرْهُونٍ ( غَيْرِ مَا عَلَى ) دَيْنٍ ( مُؤَجَّلٍ يَبْرَأُ ) جُرْحُهُ ( قَبْلَ أَجَلِهِ ) أَيْ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِهِ ثَمَنُهُ ( وَ ) لَا ( قَطْعُ سِلْعَةٍ خَطِرَةٍ ) مِنْ مَرْهُونٍ ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ قَطْعِهَا بِخِلَافِ آكِلِهِ فَلَهُ قَطْعُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ قَطْعِهَا لَا مِنْ تَرْكِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ خَطِرَةً فَلَهُ قَطْعُهَا وَلَيْسَ لِرَاهِنٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ بِاسْتِخْدَامٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ غَيْرِهَا وَتَكُونُ مَنَافِعُهُ مُعَطَّلَةً إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى نَحْوِ إجَارَتِهِ حَتَّى يَنْفَكَّ الرَّهْنُ

( وَنَمَاؤُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ الْمُتَّصِلِ كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ وَالْمُنْفَصِلِ ( وَلَوْ صُوفًا وَلَبَنًا ) وَوَرَقَ شَجَرٍ مَقْصُودًا رَهْنٌ ( وَكَسْبُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ رَهْنٌ ( وَمَهْرُهُ ) إنْ كَانَ أَمَةً حَيْثُ وَجَبَ رَهْنٌ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ ( وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( رَهْنٌ ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهِ فَكَانَ مِنْهُ كَقِيمَتِهِ لَوْ أُتْلِفَ

( وَإِنْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ ) عَنْ جَانٍ عَلَى رَهْنٍ ( أَرْشًا ) لَزِمَهُ ( أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ سَقَطَ حَقُّهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْأَرْشِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ أَصْلِهِ ( دُونَ حَقِّ رَاهِنٍ ) فَلَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَيْسَ لِمُرْتَهِنٍ تَصَرُّفٌ عَلَيْهِ فِيهِ

( وَمُؤْنَتُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( وَأُجْرَةُ مُخَزِّنِهِ ) إنْ احْتَاجَ لِخَزْنٍ عَلَى مَالِكِهِ ( وَ ) مُؤْنَةُ ( رَدِّهِ مِنْ إبَاقِهِ ) أَوْ شُرُودِهِ إنْ وَقَعَا ( عَلَى مَالِكِهِ ) لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ ( كَكَفَنِهِ ) إنْ مَاتَ ، فَعَلَى مَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمُؤْنَتِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ ) إنْفَاقٌ عَلَيْهِ أَوْ أُجْرَةُ مُخَزِّنِهِ أَوْ رَدُّهُ مِنْ إبَاقِهِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَالِكِهِ لِعُسْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهِ ( بِيعَ ) مِنْ رَهْنٍ ( بِقَدْرِ حَاجَتِهِ ) إلَى ذَلِكَ ( أَوْ ) بِيعَ ( كُلُّهُ إنْ خِيفَ اسْتِغْرَاقُهُ ) لِثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا .

فَصْلٌ وَالرَّهْنُ بِيَدِ مُرْتَهِنٍ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ ( أَمَانَةٌ وَلَوْ قَبْلَ عَقْدٍ ) عَلَيْهِ نَصًّا ( كَبَعْدَ وَفَاءِ ) دَيْنٍ أَوْ إبْرَاءٍ مِنْهُ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْهُ خَوْفَ ضَمَانِهِ فَتَتَعَطَّلُ الْمُدَايَنَاتُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ نَائِبِهِ ( بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ ) فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ ( وَلَا يَبْطُلُ ) الرَّهْنُ بِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ لِجَمْعِ الْعَقْدِ أَمَانَةً وَاسْتِيثَاقًا فَإِذَا بَطَلَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ ( وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ نَصًّا لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قَبْلَ التَّلَفِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ فَبَقِيَ بِحَالِهِ وَحَدِيثُ عَطَاءٍ { أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا فَنَفَقَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ : ذَهَبَ حَقُّكَ } مُرْسَلٌ ، وَكَانَ يُفْتِي بِخِلَافِهِ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى ذَهَاب حَقِّهِ مِنْ الْوَثِيقَةِ وَ ( كَدَفْعِ عَيْنٍ ) لِغَرِيمِهِ ( لِيَبِيعَهَا وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهَا وَكَحَبْسِ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ بَعْدَ فَسْخِ ) إجَارَةٍ ( عَلَى الْأُجْرَةِ ) الْمُعَجَّلَةِ ( فَيَتْلَفَانِ ) أَيْ الْعَيْنَانِ ، وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَنَّهَا عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ فِي يَدِهِ بِعَقْدٍ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ

( وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ ) لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ كُلِّهِ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ

( وَإِنْ ادَّعَى ) مُرْتَهِنٌ ( تَلَفَهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( بِحَادِثٍ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ ) بِوُجُودِ حَادِثٍ ( ظَاهِرٍ ) ادَّعَى التَّلَفَ بِهِ ، كَنَهْبٍ وَحَرِيقٍ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ وَبَرِئَ ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ السَّبَبِ الظَّاهِرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ،

وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ ( أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا حَلَفَ ) وَبَرِئَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ

( وَإِنْ ادَّعَى رَاهِنٌ تَلَفَهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( بَعْدَ قَبْضٍ فِي بَيْعٍ شُرِطَ ) الرَّهْنُ ( فِيهِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُرْتَهِنِ إنَّهُ ) تَلِفَ ( قَبْلَهُ ) فَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَشَرَطَ عَلَى مُشْتَرٍ رَهْنًا مُعَيَّنًا بِالثَّمَنِ ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ ، فَقَالَ بَائِعٌ : تَلِفَ قِبَلَ أَنْ أَقْبِضَهُ فَلِي فَسْخُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ ، وَقَالَ مُشْتَرٍ : تَلِفَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا خِيَارَ لَك لِلْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ وَهُوَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ

( وَلَا يَنْفَكُّ بَعْضُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ كُلَّهُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَثِيقَةِ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَوْ مِمَّا يَنْقَسِمُ إجْبَارًا ، أَوْ قَضَى أَحَدُ الْوَارِثِينَ حِصَّتَهُ مِنْ دَيْنِ مُوَرِّثِهِ فَلَا يَمْلِكُ أَخْذَ حِصَّتِهِ مِنْ الرَّهْنِ

( وَمَنْ قَضَى ) بَعْضَ دَيْنٍ عَلَيْهِ ( أَوْ أَسْقَطَ ) عَنْ مَدِينِهِ ( بَعْضَ دَيْنٍ ) عَلَيْهِ ( وَبِبَعْضِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ ( رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ وَقَعَ ) قَضَاءُ الْبَعْضِ أَوْ إسْقَاطٌ ( عَمَّا نَوَاهُ ) قَاضٍ وَمَسْقِطٌ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَلَوْ نَوَاهُ عَمَّا عَلَيْهِ الرَّهْنُ أَوْ بِهِ الْكَفِيلُ وَهُوَ بِقَدْرِهِ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الْكَفِيلُ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ

وَإِذَا أَطْلَقَ ) قَاضٍ وَمُسْقِطٌ نِيَّةَ الْقَضَاءِ وَالْإِسْقَاطِ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ( صَرَفَهُ ) أَيْ الْبَعْضَ بَعْدَهُ ( إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ) لَمِلْكِهِ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ فَمَلَكَهُ بَعْدُ كَمَنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِ مَالَيْهِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ فَلَهُ صَرْفُهَا إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ

( وَإِنْ رَهَنَهُ ) أَيْ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ( عِنْدَ اثْنَيْنِ ) بِدَيْنٍ لَهُمَا ( فَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَهَنَ نِصْفَهُ فَمَتَى ( وَفَّى ) رَاهِنُ ( أَحَدِهِمَا ) دَيْنَهُ انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ مَعَ اثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لَا تُنْقِصُهُ الْقِسْمَةُ كَمَكِيلٍ فَلِرَاهِنٍ مُقَاسَمَةُ مَنْ لَمْ يُوَفِّهِ وَأَخَذُ نَصِيبِ مَنْ وَفَّاهُ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ قِسْمَتُهُ لِضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ وَيَبْقَى بِيَدِهِ نِصْفُهُ رَهْنًا وَنِصْفُهُ وَدِيعَةً

( أَوْ رَهَنَاهُ ) أَيْ رَهَنَ اثْنَانِ وَاحِدًا ( شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا ) مَا عَلَيْهِ ( انْفَكَّ ) الرَّهْنُ ( فِي نَصِيبِهِ ) أَيْ الْمُوَفِّي لِمَا عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدًا لَهُمَا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِأَلْفٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ وَكُلُّ رُبْعٍ مِنْ الْعَبْدِ رَهْنٌ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَمَتَى قَضَاهَا أَحَدُهُمَا انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ ذَلِكَ الْقَدْرُ

( وَمَنْ أَبَى وَفَاءَ ) دَيْنٍ ( حَالٍّ ) عَلَيْهِ ( وَقَدْ أَذِنَ فِي بَيْعِ رَهْنٍ وَلَمْ يَرْجِعْ ) عَنْ إذْنِهِ ( بِيعَ ) أَيْ بَاعَ الرَّهْنَ ( مَأْذُونٌ لَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ مُرْتَهِنٍ ) أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ ( وَوُفِّيَ ) مُرْتَهِنٌ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ إذْنٌ فِي بَيْعِهِ أَوْ كَانَ إذْنٌ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَبِعْ وَرَفَعَ الْأَمْرَ لِحَاكِمٍ ( فَأُجْبَرَ ) رَاهِنٌ ( عَلَى بَيْعِ ) رَهْنٍ لِيُوَفِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ ( أَوْ ) عَلَى ( وَفَاءِ ) دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ الْوَفَاءُ

وَإِذَا أَبَى ) رَاهِنٌ بَيْعًا وَوَفَاءً ( حُبِسَ أَوْ عُزِّرَ ) أَيْ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ أَوْ عَزَّرَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَإِذَا أَصَرَّ ) عَلَى امْتِنَاعٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( بَاعَهُ ) أَيْ الرَّهْنَ ( الْحَاكِمُ ) نَصًّا بِنَفْسِهِ أَوْ أَمِينِهِ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ ( وَوَفَّى ) حَاكِمٌ الدَّيْنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ وَكَذَا لَوْ غَابَ رَاهِنٌ بَاعَهُ حَاكِمٌ وَلَا يَبِيعُهُ مُرْتَهِنٌ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ أَوْ الْحَاكِمِ .

فَصْلٌ وَيَصِحُّ جَعْلُ رَهْنٍ بِيَدِ عَدْلٍ يَعْنِي جَائِزَ التَّصَرُّفِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي قَبْضٍ فِي عَقْدٍ فَجَازَ كَغَيْرِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ قَامَ مَقَامَ قَبْضِ مُرْتَهِنٍ بِخِلَافِ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ وَمُكَاتَبٍ بِلَا جَعْلٍ ( وَإِنْ شُرِطَ ) جَعْلُ رَهْنٍ ( بِيَدِ أَكْثَرَ ) مِنْ عَدْلٍ كَاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ جَازَ ، فَيُجْعَلُ فِي مَخْزَنٍ عَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُفْلٌ ( وَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ ) مِنْهُمْ ( بِحِفْظِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا إلَّا بِحِفْظِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ كَالْإِيصَاءِ لِعَدَدٍ وَتَوْكِيلِهِ

( وَلَا يُنْقَلُ ) رَهْنٌ ( عَنْ يَدِ مَنْ شُرِطَ ) كَوْنُهُ بِيَدِهِ ( مَعَ بَقَاءِ حَالِهِ ) أَيْ أَمَانَتِهِ ( إلَّا بِاتِّفَاقِ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلِلْمَشْرُوطِ جَعْلُهُ تَحْتُ يَدِهِ رَدُّهُ عَلَى رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ ؛ لِتَطَوُّعِهِ بِالْحِفْظِ ، وَعَلَيْهِمَا قَبُولُهُ مِنْهُ فَإِنْ امْتَنَعَا أُجْبِرَا فَإِنْ تَغَيَّبَا نَصَّبَ حَاكِمٌ أَمِينًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا ، لِوِلَايَتِهِ عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَتَرَكَهُ عِنْدَ عَدْلٍ آخَرَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعَا ، وَدَفَعَهُ عَدْلٌ أَوْ حَاكِمٌ إلَى آخَرَ ضَمِنَهُ دَافِعٌ وَقَابِضٌ آخَرَ ، وَإِنْ غَابَ مُتَرَاهِنَانِ وَأَرَادَ الْمَشْرُوطُ جَعْلُهُ عِنْدَهُ ، رَدَّهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ دَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ أَوْ يُنَصِّبُ لَهُ عَدْلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا ، أَوْدَعَهُ ثِقَةً .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ ، وَغَيْبَتُهُمَا مَسَافَةُ قَصْرٍ قَبَضَهُ حَاكِمٌ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ دَفَعَهُ إلَى عَدْلٍ ، وَإِنْ غَابَا دُونَ الْمَسَافَةِ فَكَحَاضِرَيْنِ وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا فَكَمَا لَوْ غَابَا ( وَلَا يَمْلِكُ ) الْعَدْلُ ( رَدَّهُ إلَى أَحَدِهِمَا ) بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ أَوْ سَكَتَ ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِحَظِّ الْآخَرِ وَإِذَا فَعَلَ ) أَيْ رَدَّهُ لِأَحَدِهِمَا ، بِلَا إذْنِ الْآخَرِ ( وَفَاتَ ) الرَّهْنُ عَلَى الْآخَرِ ( ضَمِنَ ) الْعَدْلُ ( حَقَّ الْآخَرِ ) مِنْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَدَّهُ الدَّافِعُ إلَى يَدِ نَفْسِهِ ، لِيُوَصِّلَ الْحَقَّ لِمُسْتَحِقِّهِ ( وَيَضْمَنُهُ ) أَيْ الرَّهْنَ ( مُرْتَهِنٌ بِغَصْبِهِ ) مِنْ الْعَدْلِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ ( وَيَزُولُ ) الْغَصْبُ وَالضَّمَانُ ( بِرَدِّهِ ) إلَى الْعَدْلِ لِنِيَابَةِ يَدِهِ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ كَمَا لَوْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ

وَ ( لَا ) يَزُولُ حُكْمُ ضَمَانِهِ بِرَدِّ رَهْنٍ ( مِنْ سَفَرٍ ) لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ رَاهِنٌ ( مِمَّنْ ) هُوَ ( بِيَدِهِ ) مِنْ عَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَيْ لَوْ سَافَرَ أَحَدُهُمَا بِالرَّهْنِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ صَارَ ضَامِنًا لَهُ فَإِنْ عَادَ مِنْ سَفَرِهِ لَمْ يَزُلْ ضَمَانُهُ بِمُجَرَّدِ عَوْدِهِ ( وَلَا بِزَوَالِ تَعَدِّيهِ ) عَلَى الرَّهْنِ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْمَرْهُونَ لَا لِمَصْلَحَتِهِ ثُمَّ خَلَعَهُ لِزَوَالِ اسْتِئْمَانِهِ فَلَمْ يَعُدْ يَفْعَلْهُ مَعَ بَقَائِهِ بِيَدِهِ فَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ لَهُ زَالَ الضَّمَانُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِرَدِّ رَهْنٍ بِخِلَافِ وَدِيعَةٍ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِبَلَدِ الرَّهْنِ مِنْ الْبَيْعِ بِنَقْدِهِ وَبَيْعِهِ فِيهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا

( وَإِنْ حَدَثَ لَهُ ) أَيْ الْمَشْرُوطِ جَعْلِ الرَّهْنِ عِنْدَهُ ( فِسْقٌ أَوْ نَحْوِهِ ) كَضَعْفٍ عَنْ حِفْظٍ ( أَوْ تَعَادَى ) الْعَدْلُ ( مَعَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ ( أَوْ مَاتَ ) الْعَدْلُ ( أَوْ ) مَاتَ ( مُرْتَهِنٌ ) عِنْدَهُ الرَّهْنُ ( وَلَمْ يَرْضَ رَاهِنٌ بِكَوْنِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( بِيَدِ وَرَثَةٍ أَوْ ) بِيَدِ ( وَصِيٍّ ) لَهُ أَوْ حَدَثَ لِلْمُرْتَهِنِ فِسْقٌ وَنَحْوَهُ وَالرَّهْنُ بِيَدِهِ ( جَعَلَهُ حَاكِمٌ بِيَدِ أَمِينٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ حُقُوقِهِمَا وَقَطْعِ نِزَاعِهِمَا مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَضْعِهِ بِيَدِ آخَرَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَغَيُّرِ حَالِ عَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ بَحَثَ حَاكِمٌ عَنْهُ وَعَمِلَ بِمَا بَانَ لَهُ .
( وَإِنْ أَذِنَا ) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ( لَهُ ) أَيْ الْعَدْلِ فِي بَيْعِ رَهْنٍ ( أَوْ ) أَذِنَ ( رَاهِنٌ لِمُرْتَهِنٍ فِي بَيْعِ ) رَهْنٍ ( وَعُيِّنَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِعَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ ( نَقْدٌ تَعَيَّنَ ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِغَيْرِهِ ( وَإِلَّا ) يُعَيَّنْ لَهُ نَقْدٌ ( بِيعَ ) رَهْنٌ ( بِنَقْدِ الْبَلَدِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَقْدًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ الْأَحَظُّ لِرَوَاجِهِ وَإِذَا تَعَدَّدَ ) نَقْدُ الْبَلَدِ ( فَبِأَغْلَبِ ) رَوَاجًا يُبَاعُ لِمَا سَبَقَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ) فِيهِ أَغْلَبُ ( فَ ) إنَّهُ يُبَاعُ ( بِجِنْسِ الدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وَفَاءِ الْحَقِّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ) فِيهِ جِنْسُ الدَّيْنِ ( فَ ) إنَّهُ يُبَاعُ ( بِمَا يَرَاهُ ) مَأْذُونٌ لَهُ فِي بَيْعٍ ( أَصْلَحَ ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَحْصِيلُ الْأَحَظِّ وَإِذَا تَرَدَّدَ ) رَأْيُهُ أَوْ اخْتَلَفَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ عَلَى عَدْلٍ فِي تَعْيِينِ نَقْدٍ ( عَيَّنَهُ ) أَيْ النَّقْدَ ( حَاكِمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْأَحَظِّ ، وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ ( وَتَلَفُهُ ) أَيْ ثَمَنِ الرَّهْنِ ( بِيَدِ عَدْلٍ ) بِلَا تَفْرِيطٍ ( مِنْ ضَمَانِ رَاهِنٍ ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْبَيْعِ ، وَالثَّمَنُ مِلْكُهُ وَهُوَ أَمِينٌ فِي قَبْضِهِ فَيَضِيعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ قَبْضَ عَدْلٍ ثَمَنًا وَادَّعَاهُ فَقَوْلُهُ

؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ .
( وَإِنْ اُسْتُحِقَّ رَهْنٌ بِيعَ ) أَيْ بَانَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ رَاهِنٍ ( رَجَعَ مُشْتَرٍ ، أُعْلِمَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أَعْلَمَهُ بَائِعٌ مِنْ عَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي بَيْعِهِ ( عَلَى رَاهِنٍ ) وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ تَلِفَ بِيَدِ الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ نَائِبٌ عَنْهُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ وَأُعْلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ لِيُسَلِّمَهُ إلَى مُرْتَهِنٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الثَّمَنَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَبَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فَسَادُ الرَّهْنِ فَلَهُ فَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ ، وَإِنْ رَدَّهُ مُشْتَرٍ بِعَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مُرْتَهِنٍ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحَقٍّ وَلَا عَلَى عَدْلٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَتَعَيَّنَ رَاهِنٌ ( وَإِلَّا ) يُعْلِمْ عَدْلٌ أَوْ مُرْتَهِنٌ مُشْتَرِيًا أَنَّهُ وَكِيلٌ ( فَعَلَى بَائِعٍ ) يَرْجِعُ مُشْتَرٍ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ ، وَيَرْجِعُ بَائِعٌ عَلَى رَاهِنٍ إنْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ، وَإِنْ تَلِفَ رَهْنٌ بِيعَ بِيَدِ مُشْتَرٍ ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ دَفْعِ ثَمَنِهِ فَلِرَبِّهِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ غَاصِبٍ وَعَدْلٍ وَمُشْتَرٍ - وَفِي الْمُغْنِي - وَالْمُرْتَهِنِ يَعْنِي إنْ كَانَ حَصَلَ بِيَدِهِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِتَضْمِينِهِ ، وَقَرَارُ ضَمَانِهِ عَلَى مُشْتَرٍ لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ وَدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهِ

( وَإِنْ قَضَى ) عَدْلٌ بِثَمَنِ رَهْنٍ ( مُرْتَهِنًا ) دَيْنَهُ ( فِي غِيبَةِ رَاهِنٍ فَأَنْكَرَ ) مُرْتَهِنٌ الْقَضَاءَ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) بِهِ لِلْعَدْلِ ( ضَمِنَ ) لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مَدِينٌ فَإِنْ حَضَرَ رَاهِنٌ الْقَضَاءَ لَمْ يَضْمَنْ الْعَدْلُ وَكَذَا إنْ أَشْهَدَ الْعَدْلُ وَلَوْ غَابَ شُهُودُهُ أَوْ مَاتُوا إنْ صَدَّقَهُ رَاهِنٌ ( وَلَا يُصَدَّقُ ) الْعَدْلُ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ بِهِ وَهُوَ لَمْ يَبْرَأْ بِهَذَا وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْحِفْظِ فَقَطْ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَكِيلِهِ فِيهِ ( فَيَحْلِفُ مُرْتَهِنٌ ) أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ ( وَيَرْجِعُ ) بِدَيْنِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ عَدْلٍ وَرَاهِنٍ وَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ لَمْ يَرْجِعْ ) الْعَدْلُ ( عَلَى أَحَدٍ ) لِدَعْوَاهُ ظُلْمَ مُرْتَهِنٍ لَهُ وَأَخَذُ الْمَالِ مِنْهُ ثَانِيًا بِغَيْرِ حَقٍّ ( وَإِنْ رَجَعَ ) مُرْتَهِنٌ ( عَلَى رَاهِنٍ رَجَعَ ) الرَّاهِنُ ( عَلَى الْعَدْلِ ) لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ كَمَا لَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ بِتَفْرِيطِهِ ( وَكَذَا وَكِيلٌ ) فِي قَضَاءِ دَيْنٍ إذَا قَضَاهُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلٍ وَلَمْ يُشْهِدْ فَيَضْمَنُ لِمَا تَقَدَّمَ

( وَيَصِحُّ شَرْطُ كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ) فِيهِ ( كَ ) شَرْطِ ( بَيْعِ مُرْتَهِنٍ ) لِرَهْنٍ .
( وَ ) كَشَرْطِ بَيْعِ ( عَدْلٍ لِرَهْنٍ ) عِنْدَ حُلُولِ دَيْنٍ ( وَنَحْوِ ذَلِكَ ) كَشَرْطِ جَعْلِهِ بِيَدِ مُعَيَّنٍ فَأَكْثَرَ ( وَيُعْزَلَانِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ وَالْعَدْلُ إذَا أَذِنَهُمَا فِي الْبَيْعِ ( بِعَزْلِهِ ) أَيْ الرَّاهِنِ لَهُمَا نَصًّا وَبِمَوْتِهِ وَحَجْرٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ فَلَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ .
وَ ( لَا ) يَصِحُّ شَرْطُ ( مَا لَا يَقْتَضِيهِ ) عَقْدُ رَهْنٍ ( أَوْ ) مَا ( يُنَافِيهِ ) أَيْ الرَّهْنُ .
فَالْأَوَّلُ ( كَ ) شَرْطِ ( كَوْنِ مَنَافِعِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَلَا تَكُونُ مَنَافِعُهُ لِغَيْرِهِ وَكَذَا شَرْطُهُ إنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي مَحِلِّهِ وَإِلَّا فَالرَّاهِنُ لَهُ وَتَقَدَّمَ ( أَوْ ) كَشَرْطِ ( أَنْ لَا يَقْبِضَهُ ) الرَّاهِنُ ( أَوْ ) أَنْ ( لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ حُلُولِ ) دَيْنٍ ( أَوْ ) كَوْنَهُ ( مِنْ ضَمَانِ مُرْتَهِنٍ ) فَلَا يَصِحُّ لِمُنَافَاتِهِ الرَّهْنَ وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ مَا يُنَافِيهِ ( وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ ) بِفَسَادِ الشَّرْطِ لِحَدِيثِ { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، حَيْثُ سَمَّاهُ رَهْنًا .

فَصْلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ( فِي أَنَّهُ ) أَيْ الرَّهْنَ ( عَصِيرٌ أَوْ خَمْرٌ فِي عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ ) رَهْنُهُ بِأَنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ هَذَا الْعَصِيرَ وَقَبَضَهُ ثُمَّ عَلِمَهُ خَمْرًا فَقَالَ مُشْتَرٍ : أَقَبَضْتُكَ عَصِيرًا وَتَخَمَّرَ عِنْدَك فَلَا فَسْخَ لَك ، لِأَنِّي وَفَّيْتُكَ بِالشَّرْطِ وَقَالَ بَائِعٌ : كَانَ تَخَمَّرَ قَبْلَ قَبْضٍ فَلِي الْفَسْخُ لِلشَّرْطِ ، فَقَوْلُ رَاهِنٍ أَيْ مُشْتَرٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ

( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي ( رَدِّ رَهْنٍ ) بِأَنَّ ادَّعَاهُ مُرْتَهِنٌ وَأَنْكَرَهُ رَاهِنٌ فَقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الرَّهْنَ لِمَنْفَعَتِهِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَمُسْتَعِيرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ

( أَوْ ) اخْتَلَفَا ( فِي عَيْنِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ، بِأَنْ قَالَ : رَهَنْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ : بَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مَا رَهَنَهُ الْجَارِيَةَ ، وَخَرَجَ الْعَبْدُ أَيْضًا مِنْ الرَّهْنِ لِاعْتِرَافِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ

( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي ( قَدْرِهِ ) بِأَنْ قَالَ : رَهَنْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ مُرْتَهِنٌ : بَلْ هُوَ وَهَذَا الْآخَرُ ، فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ ، ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ

( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ( دَيْنٍ بِهِ ) كَأَنْ يَقُولَ رَاهِنٌ : رَهَنْتُكَ بِأَلْفٍ ، فَقَالَ مُرْتَهِنٌ : بِأَلْفَيْنِ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ وَافَقَ قَوْلُ مُرْتَهِنٍ الدَّيْنَ

( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي ( قَبْضِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( وَلَيْسَ ) الرَّهْنُ ( بِيَدِ مُرْتَهِنٍ ) عِنْدَ اخْتِلَافٍ ( فَقَوْلُ رَاهِنٍ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ مُرْتَهِنٍ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ .

وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْنِ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ : هُوَ رَهْنٌ بِالْمُؤَجَّلِ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ بِالْحَالِّ فَقَوْلُ رَاهِنٍ ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ ، فَكَذَا فِي صِفَتِهِ .

وَإِنْ قَالَ رَهَنْتُكَ مَا بِيَدِكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ بِعْتَنِيهِ بِهَا ، أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِهَا ، أَوْ قَالَ رَهَنْتَنِيهِ بِهَا حَلَفَ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَأَخَذَ رَاهِنٌ رَهْنَهُ وَبَقِيَ الْأَلْفُ بِلَا رَهْنٍ

( وَ ) إنْ قَالَ مَنْ بِيَدِهِ رَهْنٌ لِرَبِّهِ ( أَرْسَلْتُ زَيْدًا لِيَرْهَنهُ بِعِشْرِينَ وَقَبَضَهَا ) زَيْدٌ ( وَصَدَّقَهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ زَيْدٌ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ الْعِشْرِينَ وَأَنَّهُ سَلَّمَهَا لِرَبِّ الرَّهْنِ ( قُبِلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ ) الَّذِي أَرْسَلَ زَيْدًا بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ زَيْدًا لِيَرْهَنَهُ إلَّا ( بِعَشَرَةٍ ) وَلَمْ يَقْبِضْ سِوَاهَا فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَيَغْرَمُهَا الرَّسُولُ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ صَدَّقَ زَيْدٌ رَاهِنًا حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَا رَهَنَهُ إلَّا بِعَشَرَةٍ وَلَا قَبَضَ إلَّا عَشَرَةً ، وَلَا يَمِينَ عَلَى رَاهِنٍ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا حَلَفَ زَيْدٌ بَرِئَا مَعًا وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْعَشَرَةَ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا ، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ عُدِمَ الرَّسُولُ حَلَفَ رَاهِنٌ أَنَّهُ مَا أَذِنَ فِي رَهْنِهِ إلَّا بِعَشَرَةٍ وَلَا قَبَضَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَيَبْقَى الرَّهْنُ بِهَا

( وَإِنْ أَقَرَّ ) رَاهِنٌ ( بَعْدَ لُزُومِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( بِوَطْءِ ) مَرْهُونَةٍ قَبْلَ رَهْنِهَا حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَتْ حَامِلًا قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ ( أَوْ ) أَقَرَّ ( أَنَّ الرَّاهِنَ جَنَى ) قَبْلَ رَهْنِهِ أَوْ وَهُوَ مَرْهُونٌ ( أَوْ ) أَنَّهُ كَانَ ( بَاعَهُ ) قَبْلَ رَهْنِهِ ( أَوْ ) أَنَّهُ كَانَ ( غَصَبَهُ قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَ ( لَا ) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ ( عَلَى مُرْتَهِنٍ أَنْكَرَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ مُرْتَهِنٍ ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، ثُمَّ إنْ أَنْكَرَ وَلِيٌّ الْجِنَايَةَ أَيْضًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِ رَاهِنٍ وَإِنْ صَدَّقَهُ لَزِمَهُ أَرْشُهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْجَانِي بِرَهْنِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْجَانِي إذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ ، وَكَذَا يَأْخُذُ مُشْتَرٍ وَمَغْصُوبٌ مِنْهُ الرَّهْنَ إذَا انْفَكَّ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ ، وَعَلَى مُرْتَهِنٍ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ الرَّهْنِ وَسَلَّمَ لِمُقَرٍّ لَهُ بِهِ

( وَلِمُرْتَهِنٍ رُكُوبُ ) حَيَوَانٍ ( مَرْهُونٍ ) كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ ( وَ ) لَهُ ( حَلْبُهُ وَاسْتِرْضَاعُ أَمَةٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ ) نَصًّا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا ، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ } .
وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّمَاءُ لِلرَّاهِنِ ، لَكِنَّ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةَ صَرْفِ ذَلِكَ لِنَفَقَةِ الرَّهْنِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَلِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ كَالنَّائِبِ عَنْ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ وَمَحِلُّهُ إنْ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَإِلَّا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ ( وَلَا يُنْهِكُهُ ) أَيْ الْمَرْكُوبَ وَالْمَحْلُوبِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِ ( بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ ) يَتَنَازَعُهُ رُكُوبٌ وَحَلْبٌ وَاسْتِرْضَاعٌ ، أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ فِعْلُهَا بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( حَاضِرًا وَلَمْ يَمْتَنِعْ ) مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مَرْكُوبٍ وَلَا مَحْلُوبٍ كَعَبْدٍ وَثَوْرٍ لَمْ يَجُزْ لِمُرْتَهِنٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ نَصًّا ، لِاقْتِضَاءِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ ، تَرَكْنَاهُ فِي الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ لِلْخَبَرِ

( وَيَبِيعُ ) مُرْتَهِنٌ ( فَضْلَ لَبَنٍ ) مَرْهُونٍ ( بِإِذْنِ ) رَاهِنٍ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ( وَإِلَّا ) يَأْذَنْ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ ( فَحَاكِمٌ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ( وَيَرْجِعُ ) مُرْتَهِنٌ ( بِفَضْلِ نَفَقَتِهِ ) عَنْ رُكُوبٍ وَحَلْبٍ وَاسْتِرْضَاعٍ ( عَلَى رَاهِنٍ ) بِنِيَّةِ رُجُوعٍ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي غَيْرِهَا

( وَ ) لِمُرْتَهِنٍ ( أَنْ يَنْتَفِعَ ) بِهِ أَيْ بِالرَّهْنِ ( بِإِذْنِ رَاهِنٍ مَجَّانًا ) بِلَا عِوَضٍ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِعِوَضٍ ( وَلَوْ بِمُحَابَاةٍ ) لِطِيبِ نَفْسِ رَبِّهِ بِهِ ( مَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ قَرْضًا ) فَيَحْرُمُ لِجَرِّهِ النَّفْعَ ( وَيَصِيرُ ) الرَّهْنُ الْمَأْذُونُ فِي اسْتِعْمَالِهِ مَجَّانًا ( مَضْمُونًا بِالِانْتِفَاعِ ) بِهِ لِصَيْرُورَتِهِ عَارِيَّةً وَظَاهِرُهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِهِ

( وَإِنْ أَنْفَقَ ) مُرْتَهِنٌ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( لِيَرْجِعَ ) عَلَى رَاهِنٍ ( بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ ) مُتَعَلِّقٌ ب أَنْفَقَ ( وَأَمْكَنَ ) اسْتِئْذَانُهُ ( فَ ) الْمُنْفِقُ ( مُتَبَرِّعٌ ) حُكْمًا لِتَصَدُّقِهِ بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِعِوَضِهِ كَالصَّدَقَةِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَلِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ ( وَإِنْ تَعَذَّرَ ) اسْتِئْذَانُهُ لِتَوَارِيهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهَا وَأَنْفَقَ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ ( رَجَعَ ) أَيْ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى رَاهِنٍ ( بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ ) عَلَى رَهْنٍ ( أَوْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا ) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ( أَوْ ) لَمْ ( يُشْهِدْ ) أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْإِنْفَاقِ لِحِرَاسَةِ حَقِّهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ ، ( وَ ) حَيَوَانٌ ( مُعَارٌ وَمُؤَجَّرٌ وَمُودَعٌ ) وَمُشْتَرَكٌ بِيَدِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُسْتَعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ وَوَدِيعٌ وَشَرِيكٌ ( كَرَهْنٍ ) فِيمَا سِيقَ تَفْصِيلُهُ وَإِنْ مَاتَ قِنٌّ فَكَفَّنَهُ فَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا

( وَإِنْ عَمَّرَ ) مُرْتَهِنٌ ( الرَّهْنَ ) كَدَارٍ انْهَدَمَتْ ( رَجَعَ ) مُعَمِّرٌ ( بِآلَتِهِ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَ ( لَا ) يَرْجِعُ ( بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَالِيَّةَ الدَّارِ ) كَثَمَنِ مَاءٍ وَرَمَادٍ وَطِينٍ وَنَوْرَةٍ وَجِصٍّ وَأُجْرَةِ مُعَمِّرِينَ ( إلَّا بِإِذْنِ ) مَالِكِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ عِمَارَتِهَا عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ لِحُرْمَتِهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ بِدُونِهَا .

فَصْلٌ وَإِنْ جَنَى قِنُّ رَهْنٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ أَوْ فِيهِ قَوَدٌ وَاخْتِيرَ الْمَالُ ( تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ ) وَقُدِّمَتْ عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى حَقِّ مَالِكٍ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ بِعَقْدِهِ ، بِخِلَافِ حَقِّ الْجِنَايَةِ فَقَدْ ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ ، فَقُدِّمَ عَلَى مَا ثَبَتَ بِعَقْدِهِ ، وَالِاخْتِصَاصُ حَقُّ الْجِنَايَةِ بِالْعَيْنِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهَا .
وَإِذَا اسْتَغْرَقَهُ ) أَيْ الرَّهْنَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ ( خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( بِالْأَقَلِّ مِنْهُ ) أَيْ الْأَرْشِ ( وَمِنْ قِيمَتِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَكْثَرَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ عِوَضُ الْجَانِي ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ ، مَا لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِ سَيِّدٍ أَوْ أَمْرِهِ مَعَ كَوْنِ الْمَرْهُونِ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الْجِنَايَةِ ؛ أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْجَانِي السَّيِّدُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا ( وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ ) لِقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَقَدْ زَالَ ( أَوْ بَيْعِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( فِي الْجِنَايَةِ أَوْ تَسْلِيمِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( لِوَلِيِّهَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ ( فَيَمْلِكُهُ ) أَيْ الرَّهْنَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ( وَيَبْطُلُ ) الرَّهْنُ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَهُ فِي الْجِنَايَةِ وَفِيمَا إذَا سَلَّمَهُ فِيهَا لِاسْتِقْرَارِ كَوْنِهِ عِوَضًا عَنْهَا بِذَلِكَ ، فَيُبْطِلُ كَوْنُهُ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَوْ بَانَ مُسْتَحَقًّا .
( وَإِلَّا ) يَسْتَغْرِقْ أَرْشُ جِنَايَةٍ رَهْنًا ( بِيعَ مِنْهُ ) أَيْ الرَّهْنِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ

سَيِّدُهُ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ الْأَرْش ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِلضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ( وَبَاقِيه رَهْنٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ وَإِذَا تَعَذَّرَ ) بَيْعُ بَعْضِهِ ( فَكُلُّهُ ) يُبَاعُ لِلضَّرُورَةِ وَبَاقِي ثَمَنِهِ ، وَكَذَا إنْ نَقَصَ بِتَشْقِيصِ فَيُبَاعُ كُلُّهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ( وَإِنْ فَدَاهُ ) أَيْ الرَّهْنَ ( مُرْتَهِنٌ لَمْ يَرْجِعْ ) عَلَى رَاهِنٍ ( إلَّا إنْ نَوَى ) الْمُرْتَهِنُ الرُّجُوعَ ( وَأَذِنَ ) لَهُ ( رَاهِنٌ ) فِي فِدَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ رُجُوعًا فَمُتَبَرِّعٌ وَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ فَمُتَآمِرٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِدَاؤُهُ ( وَلَمْ يَصِحَّ شَرْطُ ) مُرْتَهِنٍ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( رَهْنًا بِفِدَائِهِ مَعَ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ زِيَادَةُ دَيْنِهِ .
( وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( فَالْخَصْمُ ) فِي الطَّلَبِ بِمَا تُوجِبُهُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ ( سَيِّدُهُ ) كَمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمُرْتَهِنٍ فِيهِ إلَّا حَقُّ الْوَثِيقَةِ وَإِذَا أَخَّرَ ) سَيِّدُهُ ( الطَّلَبَ لَغَيْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَ ) الْخَصْمُ ( الْمُرْتَهِنُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُ الطَّلَبَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ سَيِّدُهُ ( وَلِسَيِّدٍ أَنْ ) يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ ، وَيَأْتِي وَلَهُ أَنْ ( يَقْتَصَّ ) مِنْ جَانٍ عَلَيْهِ عَمْدًا ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ ( إنْ أَذِنَ ) لَهُ فِيهِ ( مُرْتَهِنٌ أَوْ أَعْطَاهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ رَاهِنٌ ( مَا ) أَيْ شَيْئًا ( يَكُونُ رَهْنًا ) لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ مِنْ التَّوَثُّقِ بِقِيمَتِهِ بِلَا إذْنِهِ .
وَإِذَا اقْتَصَّ ) السَّيِّدُ ( بِدُونِهِمَا ) أَيْ الْإِذْنِ وَإِعْطَاءِ مَا يَكُونُ رَهْنًا ( فِي نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا ) مِنْ طَرَفٍ أَوْ جُرْحٍ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا تُجْعَلُ مَكَانَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا اُسْتُحِقَّ بِسَبَبِ إتْلَافِ الرَّهْنِ فَلَزِمَهُ غُرْمُهُ كَمَا لَوْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا ( أَوْ عَفَا ) السَّيِّدُ ( عَلَى مَالٍ ) عَنْ الْجِنَايَةِ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ (

فَعَلَيْهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا ) أَيْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( تُجْعَلُ ) رَهْنًا ( مَكَانَهُ ) فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مِائَةً وَالْجَانِي تِسْعِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا تِسْعُونَ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَفُتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إلَّا بِهِ ( وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ عَلَيْهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( قِيمَةَ الرَّهْنِ أَوْ أَرْشَهُ ) الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ يُجْعَلُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُمَا بَدَلُ مَا فَاتَ عَلَى مُرْتَهِنٍ وَالْمُفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ .

قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ( وَكَذَا لَوْ جَنَى ) رَهْنٌ ( عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ هُوَ ) أَيْ سَيِّدُهُ مِنْهُ ( أَوْ ) اقْتَصَّ مِنْهُ ( وَارِثُهُ ) فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَوْ أَرْشُهُ تُجْعَلُ رَهْنًا إنْ لَمْ يَأْذَنْ مُرْتَهِنٌ ( وَإِنْ عَفَا ) السَّيِّدُ ( عَنْ الْمَالِ ) الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ ( صَحَّ ) عَفْوُهُ فِي حَقِّهِ لِمِلْكِهِ إيَّاهُ وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( فِي حَقِّ مُرْتَهِنٍ ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَهُ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ جَانٍ وَيَكُونُ رَهْنًا وَإِذَا انْفَكَّ ) الرَّهْنُ ب ( أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ رَدَّ ) الْمُرْتَهِنُ ( مَا أَخَذَ مِنْ جَانٍ ) إلَيْهِ لِسُقُوطِ التَّعَلُّقِ بِهِ ( وَإِنْ اسْتَوْفَى ) الدَّيْنَ ( مِنْ الْأَرْشِ رَجَعَ جَانٍ عَلَى رَاهِنٍ ) لِذَهَابِ مَالِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهُ فَرَهَنَهُ فَبِيعَ فِي الدَّيْنِ

( وَإِنْ وَطِئَ مُرْتَهِنٌ ) أَمَةً ( مَرْهُونَةً وَلَا شُبْهَةَ ) لَهُ فِي وَطْئِهَا ( حُدَّ ) لِتَحْرِيمِهِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وَلَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ وَكَالْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ مِلْكِهِ نَفْعُهَا ، فَهُنَا أَوْلَى ( وَرَقَّ وَلَدُهُ ) إنْ وَلَدَتْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ وَهُوَ وَلَدُ زِنًا ، وَسَوَاءٌ أَذِنَ رَاهِنٌ أَوْ لَا ( وَلَزِمَهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ ( الْمَهْرُ ) إنْ لَمْ يَأْذَنْهُ رَاهِنٌ بِوَطْئِهَا ، لَوْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ أَوْ طَاوَعَتْ ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا أَوْ إذْنِهَا كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ يَدِهَا وَكَأَرْشِ بَكَارَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا .
( وَإِنْ أَذِنَ رَاهِنٌ ) مُرْتَهِنًا فِي وَطْئِهَا ( فَلَا مَهْرَ ) لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْحُرَّةِ الْمُطَاوِعَةِ ( وَكَذَا لَا حَدَّ ) بِوَطْءِ مُرْتَهِنٍ مَرْهُونَةً ( إنْ ادَّعَى ) مُرْتَهِنٌ ( جَهْلَ تَحْرِيمِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( يَجْهَلُهُ ) أَيْ التَّحْرِيمَ لِكَوْنِهِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ سَوَاءٌ أَذِنَهُ رَاهِنٌ فِيهِ أَوْ لَا ( وَوَلَدُهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ مِنْ وَطْءٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ ( حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ ( وَلَا فِدَاءَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مُرْتَهِنٍ أَذِنَ لَهُ رَاهِنٌ فِي وَطْءٍ ، لِحُدُوثِ الْوَلَدِ مِنْ وَطْءٍ مَأْذُونٍ فِيهِ ، وَالْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ فِي الْوَطْءِ وَوَطِئَ بِشُبْهَةٍ فَوَلَدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ .

بَابٌ الضَّمَانِ جَائِزٌ إجْمَاعًا فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الزَّعِيمُ الْكَفِيلُ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمِّ أَوْ مِنْ التَّضَمُّنِ ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ تَتَضَمَّنُ الْحَقَّ أَوْ مِنْ الضِّمْنِ ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ وَشَرْعًا ( الْتِزَامُ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ ) وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ ؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ مَالٍ بِعَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ كَالشِّرَاءِ .
وَإِذَا قَالَ ضَامِنٌ : كُنْتُ حِينَ الضَّمَانِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَأَنْكَرَهُ مَضْمُونٌ لَهُ فَقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ وَلَوْ عُرِفَ لِضَامِنٍ حَالُ جُنُونٍ ( أَوْ ) الْتِزَامُ ( مُفْلِسٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَا فِي ذِمَّتِهِ كَالرَّاهِنِ يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ ( أَوْ ) الْتِزَامُ ( قِنٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِحَقِّهِ ، فَإِذَا أَذِنَهُمَا انْفَكَّ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْهُمَا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ أَمْ لَا ، إذْ الضَّمَانُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ ( وَيُؤْخَذُ ) مَا ضَمِنَ فِيهِ مُكَاتَبٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ( مِمَّا بِيَدِ مُكَاتَبٍ ) كَثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ وَنَحْوِهِ ( وَ ) يُؤْخَذُ ( مَا ضَمِنَهُ قِنٌّ ) بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ( مِنْ سَيِّدِهِ ) لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ فَإِنْ أَذِنَهُ فِي الضَّمَانِ لِيَقْضِيَ مِمَّا بِيَدِهِ صَحَّ وَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِمَا فِي يَدِ الْعَبْدِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ جَانٍ .
وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ حُرٌّ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَا ضَمِنَهُ مِنْ مَالٍ عَيَّنَهُ وَمَا ضَمِنَهُ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ مِنْ ثُلُثِهِ ( مَا ) مَفْعُولُ الْتِزَامٍ أَيْ مَالًا ( وَجَبَ عَلَى آخَرَ ) كَثَمَنٍ وَقَرْضٍ

وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ ( مَعَ بَقَائِهِ ) أَيْ مَا وَجَبَ عَلَى مَضْمُونِهِ عَنْهُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالضَّمَانِ ، لِحَدِيثِ { نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ } وَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ " الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ " حِينَ أَخْبَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ( أَوْ ) مَا ( يَجِبُ ) عَلَى آخَرَ كَجُعْلٍ عَلَى عَمَلٍ لِلْآيَةِ ، وَلِأَنَّهُ يَئُولَ إلَى اللُّزُومِ إذَا عَمِلَ الْعَمَلَ ( غَيْرَ جِزْيَةٍ فِيهِمَا ) أَيْ فِيمَا وَجَبَ وَفِيمَا يَجِبُ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا وَلَا قَبْلَهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ لِفَوَاتِ الصَّغَارِ عَنْ الْمَضْمُونِ بِدَفْعِ الضَّامِنِ .

وَيَحْصُلُ الِالْتِزَامُ ( بِلَفْظِ ) أَنَا ( ضَمِينٌ وَكَفِيلٌ وَقَبِيلٌ وَحَمِيلٌ وَصَبِيرٌ وَزَعِيمٌ وَ ) بِلَفْظِ ( ضَمِنْتُ دَيْنَكَ أَوْ تَحَمَّلْتُهُ وَنَحْوَهُ ) كَعِنْدِي أَوْ عَلَيَّ مَا لَك عِنْدَهُ ، وَكَبِعْهُ أَوْ زَوِّجْهُ وَعَلَيَّ الثَّمَنُ أَوْ الْمَهْرُ لِأُؤَدِّيَ أَوْ أُحْضِرَ ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ .
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ : اضْمَنْ أَوْ اُكْفُلْ عَنْ فُلَانٍ فَفَعَلَ لَزِمَ الْمُبَاشِرَ دُونَ الْآمِرِ

( وَ ) يَصِحُّ ( بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ أَخْرَسَ ) لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ لَا بِكِتَابَةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَنْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ بِهَا أَنَّهُ قَصَدَ الضَّمَانَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْتُبُ عَبَثًا أَوْ تَجْرِبَةَ قَلَمٍ وَمَنْ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ

( وَلِرَبِّ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ ) أَيْ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهِمَا ( وَ ) لَهُ مُطَالَبَتُهُمَا ( مَعًا ) لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ قَالَ : الْتَزَمْتُ أَوْ تَكَفَّلْتُ بِالْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ ( فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ) لِمَا سَبَقَ فَإِنْ قِيلَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَشْغَلُ مَحِلَّيْنِ أُجِيبَ بِأَنَّ إشْغَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَلُّقِ وَالِاسْتِيثَاقِ كَتَعَلُّقِ دَيْنِ الرَّهْنِ بِهِ وَبِذِمَّةِ الرَّاهِنِ

وَإِذَا أَحَالَ ) رَبُّ الْحَقِّ عَلَى مَضْمُونٍ أَوْ رَاهِنٍ ( أَوْ أُحِيلَ ) رَبُّ الْحَقِّ بِدَيْنِهِ الْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ ( أَوْ زَالَ عَقْدٌ ) وَجَبَ بِهِ الدَّيْنُ بِتَقَايُلٍ أَوْ غَيْرِهِ ( بَرِئَ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ وَبَطَلَ رَهْنٌ ) ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالتَّسْلِيمِ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ

وَ ( لَا ) يَبْرَأُ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ وَلَا يَبْطُلُ رَهْنٌ ( إنْ وُرِثَ ) الْحَقُّ ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لِلْمَيِّتِ فَتُورَثُ عَنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ( لَكِنْ ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَوَالَةِ

( لَوْ أَحَالَ رَبُّ دَيْنٍ عَلَى اثْنَيْنِ ) - مَدِينَيْنِ لَهُ ( وَكُلٌّ ) مِنْهُمَا ( ضَامِنٌ الْآخَرَ - ثَالِثًا لِيَقْبِضَ ) الْمُحْتَالُ ( مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ هُنَا فِي نَوْعٍ وَلَا أَجَلٍ وَلَا عَدَدٍ وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ اسْتِيثَاقٍ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا الْآخَرَ وَأَحَالَهُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ وَاحِدٍ جَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ اثْنَيْنِ وَإِنْ أَحَالَهُ فِي الْأُولَى عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ صَحَّ لِاسْتِقْرَارِ الدَّيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَالظَّاهِرُ بَرَاءَةُ الَّذِي لَمْ يُحَلْ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُحِيلِ لِانْتِقَالِ حَقِّهِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ وَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَكِنْ لَا يُطَالِبُ الْآخَرَ حَتَّى يُؤَدِّيَ كَمَا فِي ضَامِنِ الضَّامِنِ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَأَطَالَ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ ، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الرَّهْنِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِغَيْرِ دَيْنٍ لَهُ ، وَالْأَصَحُّ فِي الضَّمَانِ : أَنَّهُ إنْ قَالَ ضَمِنْتُ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَضْمُونَ لَهُ فَالضَّمَانُ بَاقٍ ، وَإِنْ عَيَّنَ الْمَضْمُونَ لَهُ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ انْتَهَى .
وَإِنْ أَحَالَ أَحَدٌ اثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنُ الْآخَرِ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مَعًا كَمَا لَوْ قَضَاهُ ( وَإِنْ بَرِئَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَبْرَأَهُ رَبُّ الدَّيْنِ ( مِنْ الْكُلِّ ) بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَضَمَانًا وَ ( بَقِيَ مَا عَلَى الْآخَرِ أَصَالَةً ) ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يُصَادِفْهُ وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَالَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ بِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ

( وَإِنْ بَرِئَ مَدْيُونٌ ) بِوَفَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ ( بَرِئَ ضَامِنُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالضَّمَانُ وَثِيقَةٌ فَإِذَا بَرِئَ الْأَصْلُ زَالَتْ الْوَثِيقَةُ كَالرَّهْنِ ( وَلَا عَكْسَ ) أَيْ لَا يَبْرَأُ مَدِينٌ بِبَرَاءَةِ ضَامِنِهِ لِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُ .
إنْ تَعَدَّدَ ضَامِنٌ ، لَمْ يَبْرَأْ أَحَدُهُمْ بِإِبْرَاءِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعَ الدَّيْنِ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ وَيَبْرَءُونَ بِإِبْرَاءِ مَضْمُونٍ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ أَحَدُ الضَّامِنِينَ الْآخَرَ لِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهِ بِضَمَانِهِ الْأَصْلَ فَهُوَ أَصْلٌ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ فَرْعًا ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا بِبَدَنِهِ لَا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بَرِئَ وَبَرِئَ كَفِيلُهُ بِهِ لِأَمْنِ إحْضَارِ مَكْفُولٍ بِهِ

( وَلَوْ لَحِقَ ضَامِنٌ بِدَارِ حَرْبٍ مُرْتَدًّا أَوْ ) كَانَ كَافِرًا ( أَصْلِيًّا ) فَضَمِنَ وَلَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ ( لَمْ يَبْرَأْ ) مِنْ الضَّمَانِ كَالدَّيْنِ الْأَصْلِيِّ

( وَإِنْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ لِضَامِنٍ : بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ) الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِفِعْلِ الضَّامِنِ ، وَالْبَرَاءَةُ لَا تَكُونُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا بِأَدَائِهِ وَ ( لَا ) يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُ ( أَبْرَأْتُكَ ) مِنْ الدَّيْنِ ( أَوْ بَرِئْتُ مِنْهُ ) إقْرَارًا بِقَبْضِهِ أَمَّا فِي أَبْرَأْتُكَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي بَرِئْتَ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَدْ تُضَافُ إلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْهُ ك بَرِئَتْ ذِمَّتُكَ ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْبَرَاءَةُ بِفِعْلِ الضَّامِنِ أَوْ الْمَضْمُونِ لَهُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَبْضِ

( وَ ) قَوْلُ رَبِّ دَيْنٍ لِضَامِنٍ ( وَهَبْتُكَهُ ) أَيْ الدَّيْنَ ( تَمْلِيكٌ لَهُ ) أَيْ الضَّامِنِ ( فَيَرْجِعُ ) بِهِ ( عَلَى مَضْمُونٍ ) عَنْهُ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ

( وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا فَأَسْلَمَ مَضْمُونٌ لَهُ ) بَرِئَ مَضْمُونٌ عَنْهُ كَضَامِنِهِ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْخَمْرِ بَطَلَتْ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُطَالَبَةَ بِهَا ( أَوْ ) أَسْلَمَ مَضْمُونٌ ( عَنْهُ بَرِئَ ) الْمَضْمُونُ عَنْهُ ( كَضَامِنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا وَلَا يَجُوزُ وُجُوبُ الْخَمْرِ عَلَى مُسْلِمٍ وَالضَّامِنُ فَرْعُهُ ( وَإِنْ أَسْلَمَ ضَامِنٌ ) فِي خَمْرٍ وَحْدَهُ ( بَرِئَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَلَبُ مُسْلِمٍ بِخَمْرٍ ( وَحْدَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ ، فَلَا يَبْرَأُ الْأَصْلُ بِبَرَاءَتِهِ

( وَيُعْتَبَرُ ) لِصِحَّةِ ضَمَانٍ ( رِضَا ضَامِنٍ ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ فَاعْتُبِرَ لَهُ الرِّضَا كَالتَّبَرُّعِ بِالْأَعْيَانِ وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ رِضَا ( مَنْ ضُمِنَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ ضَمِنَ الْمَيِّتَ فِي الدِّينَارَيْنِ وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَلِصِحَّةِ قَضَاءِ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَأَوْلَى ضَمَانُهُ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا ( مَنْ ضُمِنَ لَهُ ) أَيْ الْمَضْمُونِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا قَبْضٌ ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا رِضًا كَالشَّهَادَةِ ( وَلَا ) يُعْتَبَرُ لِضَامِنٍ ( أَنْ يُعَرِّفَهُمَا ) أَيْ الْمَضْمُونَ لَهُ وَالْمَضْمُونَ عَنْهُ ( ضَامِنٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا فَكَذَا مَعْرِفَتُهُمَا ( وَلَا ) يُعْتَبَرُ ( الْعِلْمُ ) مِنْ الضَّامِنِ ( بِالْحَقِّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ .
( وَلَا ) يُعْتَبَرُ ( وُجُوبُهُ ) أَيْ الْحَقِّ ( إنْ آلَ إلَيْهِمَا ) أَيْ إلَى الْعِلْمِ بِهِ وَإِلَى الْوُجُوبِ لِلْآيَةِ ؛ لِأَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ فِيهِمَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ ، فَإِنْ قِيلَ : الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَضْمُونِ حَقٌّ فَلَا ضَمَّ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ ضَمَّ ذِمَّتَهُ إلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ وَهَذَا كَافٍ ( فَيَصِحُّ ضَمِنْتُ لِزَيْدٍ مَا عَلَى بَكْرٍ ) وَإِنْ جَهِلَهُ الضَّامِنُ ( أَوْ ) أَيْ وَيَصِحُّ ضَمِنْت لِزَيْدٍ ( مَا يُدَايِنُهُ ) بَكْرٌ أَوْ مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ أَوْ يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَهُ ) أَيْ ضَامِنٍ مَا لَمْ يَجِبْ ( إبْطَالُهُ ) أَيْ الضَّمَانِ ( قَبْلَ وُجُوبِهِ ) أَيْ الْحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْوُجُوبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ ضَامِنٍ

( وَمِنْهُ ) أَيْ مِنْ الضَّمَانِ مَا يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ ( ضَمَانُ السُّوقِ وَهُوَ ) أَيْ ضَمَانُ السُّوقِ ( أَنْ يَضْمَنَ مَا يَلْزَمُ التَّاجِرَ مِنْ دَيْنٍ أَوْ مَا يَقْبِضُهُ ) أَيْ التَّاجِرُ ( مِنْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ ) كَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ وَإِنْ قَالَ مَا أَعْطَيْتَهُ فَعَلَيَّ وَلَا قَرِينَةَ ، فَهُوَ لِمَا وَجَبَ مَاضِيًّا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ، وَصَوَّبَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَمَعْنَاهُ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ

( وَيَصِحُّ ضَمَانُ مَا صَحَّ أَخَذَ رَهْنٍ بِهِ ) مِنْ دَيْنٍ وَعَيْنٍ لَا عَكْسِهِ ، لِصِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ دُونَ أَخْذِ الرَّهْنِ بِهَا

( وَ ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( دَيْنِ ضَامِنٍ ) بِأَنْ يَضْمَنَهُ ضَامِنٌ آخَرَ وَكَذَا ضَامِنُ الضَّامِنِ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَازِمٌ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَصَحَّ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَيَثْبُتُ الْحَقُّ فِي ذِمَّةِ الْجَمِيعِ ، أَيُّهُمْ قَضَاهُ بَرِئُوا وَإِنْ بَرِئَ الْمَدِينُ بَرِئَ الْكُلُّ وَإِنْ أَبْرَأَ مَضْمُونٌ لَهُ أَحَدَهُمْ بَرِئَ وَمَنْ بَعْدَهُ لَا مَنْ قَبْلَهُ

( وَ ) يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ ( مَيِّتٍ ) وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ فَقَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ هَلْ تَرَكَ لَهُمْ وَفَاءً ؟ قَالُوا لَا فَتَأَخَّرَ ، فَقَالُوا لِمَ لَا تُصَلِّ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ مَا تَنْفَعُهُ صَلَاتِي وَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ .
أَلَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ ؟ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ : هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( قَبْلَ قَضَاءِ دَيْنِهِ ) نَصًّا لِحَدِيثِ { نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ } " وَلَمَّا أَخْبَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبُو قَتَادَةَ بِوَفَاءِ الدِّينَارَيْنِ قَالَ " الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِدَيْنٍ أَشْبَهَ الرَّهْنَ وَكَالْحَيِّ

( وَ ) يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ ( مُفْلِسٍ مَجْنُونٍ ) لِعُمُومِ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } وَكَالْمَيِّتِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الِانْتِصَارِ : أَنَّهُ إذَا مَاتَ لَمْ يُطَالَبْ فِي الدَّارَيْنِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ لَا يُسْقِطُهُ

( وَ ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( نَقْصِ صَنْجَةٍ أَوْ ) نَقْصِ ( كَيْلٍ ) أَيْ مِكْيَالٍ فِي بَذْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَا آلَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ دَيْنَ سَلَمٍ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ بَاذِلٍ ، فَصَحَّ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ فَصَحَّ ، كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ ( وَيَرْجِعُ ) قَابِضٌ ( بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ ) فِي قَدْرِ نَقْصٍ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ بَاذِلٌ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اشْتِغَالِ ذِمَّةِ بَاذِلٍ ، وَلِرَبِّ الْحَقِّ طَلَبُ ضَامِنٍ بِهِ لِلُزُومِهِ مَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ

( وَ ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( عُهْدَةِ مَبِيعٍ ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَثِيقَةِ ، وَالْوَثَائِقُ ثَلَاثَةٌ : الشَّهَادَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ ، وَالشَّهَادَةُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْحَقُّ ، وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ فِيهِ إجْمَاعًا لِمَا تَقَدَّمَ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الضَّمَانُ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَامْتَنَعَتْ الْمُعَامَلَاتُ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَأَلْفَاظُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ : ضَمِنْتُ عُهْدَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ دَرَكَهُ ، أَوْ يَقُولُ لِمُشْتَرٍ : ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ مِنْهُ ، أَوْ مَتَى خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَقَدْ ضَمِنْتُ لَك الثَّمَنَ وَعُهْدَةُ الْمَبِيعِ لُغَةً : الصَّكُّ يُكْتَبُ فِيهِ الِابْتِيَاعُ .
وَاصْطِلَاحًا ضَمَانُ الثَّمَنِ ( عَنْ بَائِعٍ لِمُشْتَرٍ بِأَنْ يَضْمَنَ ) الضَّامِنُ ( عَنْهُ ) أَيْ الْبَائِعِ ( الثَّمَنَ ) وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَئُولَ إلَى الْوُجُوبِ ( إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ ) أَيْ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ بَائِعٍ ( أَوْ رُدَّ ) الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعٍ ( بِعَيْبٍ ) أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ ) يَضْمَنَ ( أَرْشَهُ ) إنْ اخْتَارَ مُشْتَرٍ إمْسَاكًا مَعَ عَيْبٍ ( وَ ) يَكُونُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ ( عَنْ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ بِأَنْ يَضْمَنَ ) الضَّامِنُ ( الثَّمَنَ الْوَاجِبَ ) فِي الْبَيْعِ ( قَبْلَ تَسْلِيمِهِ وَإِنْ ظَهَرَ بِهِ ) أَيْ الثَّمَنِ ( عَيْبٌ أَوْ اُسْتُحِقَّ الثَّمَنُ ) أَيْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ

( وَلَوْ بَنَى مُشْتَرٍ ) فِي مَبِيعٍ ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا ( فَهَدَمَهُ مُسْتَحِقٌّ فَالْأَنْقَاضُ لِمُشْتَرٍ ) ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهَا ( وَيَرْجِعُ ) مُشْتَرٍ ( بِقِيمَةِ تَالِفٍ ) مِنْ ثَمَنِ مَاءٍ وَرَمَادٍ وَطِينٍ وَنَوْرَةٍ وَجِصٍّ وَنَحْوِهِ ( عَلَى بَائِعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَكَذَا أُجْرَةُ مَبِيعٍ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ ( وَيَدْخُلُ ) ذَلِكَ ( فِي ضَمَانِ الْعُهْدَةِ ) فَلِمُشْتَرٍ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى ضَامِنِهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَرَكِ الْمَبِيعِ

( وَ ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ وَوَلَدِهِ ) أَيْ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الضَّمَانِ ( فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِسَوْمٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ يَضْمَنُهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَوْ تَلِفَتْ ، فَصَحَّ ضَمَانُهَا كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمَقْبُوضَ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ ( إنْ سَاوَمَهُ وَقَطَعَ ثَمَنَهُ ) أَوْ أُجْرَتَهُ ( أَوْ سَاوَمَهُ فَقَطْ ) بِلَا قَطْعِ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ ( لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ إنْ رَضَوْهُ وَإِلَّا رَدَّهُ ) فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْعِوَضِ ، لَكِنْ فِي الْإِجَارَةِ يَنْبَغِي ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ لَا الْعَيْنِ ، إذْ فَاسِدُ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا كَمَا يَأْتِي .
وَ ( لَا ) ضَمَانَ عَلَى آخِذِهِ ( إنْ أَخَذَهُ لِذَلِكَ ) أَيْ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ ( بِلَا مُسَاوَمَةٍ وَلَا قَطْعِ ثَمَنٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا سَوْمَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَمَعْنَى ضَمَانِ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ ضَمَانُ اسْتِنْقَاذِهِ وَالْتِزَامُ تَحْصِيلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَلَفِهِ فَهُوَ كَعُهْدَةِ الْمَبِيعِ

( وَلَا ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( بَعْضِ مَا لَمْ يُقَدَّرْ مِنْ دَيْنٍ ) لِجَهَالَتِهِ حَالًا وَمَآلًا وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ أَحَدٌ دَيْنَهُ

( وَلَا ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( دَيْنِ كِتَابَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَئُولَ لِلْوُجُوبِ

( وَلَا ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَعَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ وَمَالِ شَرِكَةٍ وَعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِيَدِ وَكِيلٍ فِي بَيْعِ أَوْ شِرَاءٍ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ فَكَذَا عَلَى ضَامِنِهِ ( إلَّا أَنْ يَضْمَنَ التَّعَدِّيَ فِيهَا ) فَيَصِحَّ ضَمَانُهَا ؛ لِأَنَّهَا مَعَ التَّعَدِّي مَضْمُونَةٌ كَالْغَصْبِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّلَّالِينَ فِيمَا يُعْطُونَهُ لِبَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ تَعَدِّيَهُمْ فِيهِ أَوْ هَرَبَهُمْ بِهِ وَنَحْوَهُ

( وَمَنْ بَاعَ ) شَيْئًا ( بِشَرْطِ ضَمَانِ دَرَكِهِ إلَّا مِنْ زَيْدٍ ) لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ زَيْدٍ مِنْ ضَمَانِ دَرَكِهِ يَدُلُّ عَلَى حَقٍّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا ( ثُمَّ إنْ دَرَكَهُ مِنْهُ أَيْضًا لَمْ يَعُدْ ) الْبَيْعُ ( صَحِيحًا ) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا

( وَإِنْ شُرِطَ خِيَارٌ فِي ضَمَانٍ أَوْ ) فِي ( كَفَالَةٍ ) بِأَنْ قَالَ : أَنَا ضَمِينٌ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ كَفِيلٌ بِبَدَنِهِ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا ( فَسَدَ ) أَيْ الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ لِمُنَافَاتِهِ لَهُمْ

( وَيَصِحُّ ) قَوْلُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ لِمِثْلِهِ ( أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ ) لِصِحَّةِ ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ فَيَضْمَنُهُ الْقَائِلُ وَإِنْ قَالَ أَلْقِهِ وَأَنَا وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضُمَنَاءُ لَهُ فَفَعَلَ ضَمِنَ قَائِلٌ وَحْدَهُ بِالْحِصَّةِ وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنَّا ضَامِنٌ لَك مَتَاعَك أَوْ قِيمَتَهُ لَزِمَ قَائِلًا ضَمَانُ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ سَمِعَ الْبَاقُونَ فَسَكَتُوا ، أَوْ قَالُوا لَا نَفْعَلْ ، أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا وَإِنْ ضَمِنَهُ الْجَمِيعُ فَالْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ كَضَمَانِهِمْ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيَجِبُ إلْقَاءُ مَتَاعٍ إنْ خِيفَ تَلَفُ مَعْصُومٍ بِسَبَبِهِ فَإِنْ أَلْقَى بَعْضُهُمْ مَتَاعَهُ فِي الْبَحْرِ لِتَخِفَّ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ أَلْقِ مَتَاعَكَ فَأَلْقَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إلْقَائِهِ وَلَا ضَمِنَهُ لَهُ وَإِنْ أَلْقَى مَتَاعَ غَيْرِهِ إذَنْ لِيُخَفِّفَهَا ضَمِنَهُ وَإِنْ سَقَطَ عَلَيْهِ مَتَاعُ غَيْرِهِ فَخَشِيَ أَنْ يُهْلِكَهُ فَدَفَعَهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَضْمَنْهُ .

فَصْلٌ وَإِنْ قَضَاهُ أَيْ الدَّيْنَ ضَامِنٌ أَوْ أَحَالَ ضَامِنٌ رَبَّ دَيْنٍ ( بِهِ وَلَمْ يَنْوِ ) ضَامِنٌ ( رُجُوعًا ) عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ بِمَا قَضَاهُ أَوْ أَحَالَ بِهِ عَنْهُ ( لَمْ يَرْجِعْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ سَوَاءٌ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا ( وَإِنْ نَوَاهُ ) أَيْ الرُّجُوعَ ضَامِنٌ ( رَجَعَ عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ ) سَوَاءٌ كَانَ الضَّمَانُ أَوْ الْقَضَاءُ أَوْ الْحَوَالَةُ بِإِذْنِ مَضْمُونٍ عَنْهُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ مُبْرِئٌ مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالْحَاكِمِ إذَا قَضَاهُ عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ .
( وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ ) مَضْمُونٌ عَنْهُ ( فِي ضَمَانٍ وَلَا قَضَاءٍ ) لِمَا سَبَقَ وَأَمَّا قَضَاءُ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ عَنْ الْمَيِّتِ فَكَانَ تَبَرُّعًا لِقَصْدِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ نَوَى الرُّجُوعَ لَا مِنْ تَبَرُّعٍ وَحَيْثُ رَجَعَ ضَامِنٌ فَ ( بِالْأَقَلِّ مِمَّا قَضَى ) ضَامِنٌ ( وَلَوْ ) كَانَ مَا قَضَاهُ بِهِ ( قِيمَةَ عَرَضٍ عَوَّضَهُ ) الضَّامِنُ ( بِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ ( أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ ) فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَوَفَّاهُ عَنْهُ ثَمَانِيَةً أَوْ عَوَّضَهُ عَنْهُ عَرَضًا قِيمَتَهُ ثَمَانِيَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ رَجَعَ بِالثَّمَانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ أَقَلَّ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الدَّيْنَ فَالزَّائِدُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمَضْمُونِ فَالضَّامِنُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ .
( وَكَذَا ) فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ ( كَفِيلٌ وَكُلُّ مُؤَدٍّ عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا ) فَيَرْجِعُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَإِلَّا فَلَا وَ ( لَا ) يَرْجِعُ مُؤَدٍّ عَنْ غَيْرِهِ ( زَكَاةً وَنَحْوَهَا ) مِمَّا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَكَفَّارَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجْزِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ ( لَكِنْ يَرْجِعُ ضَامِنُ الضَّامِنِ عَلَيْهِ ) أَيْ الضَّامِنِ لِلْأَصِيلِ ( وَهُوَ ) أَيْ الضَّامِنُ لِلْأَصِيلِ يَرْجِعُ ( عَلَى الْأَصِيلِ )

الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَإِنْ أَحَالَ رَبَّ الدَّيْنِ بِهِ عَلَى الضَّامِنِ تَوَجَّهَ أَنْ يُقَالَ : لِلضَّامِنِ طَلَبُ مَضْمُونٍ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ فَإِنْ مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ أَدَاءِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً وَطَالَبَ الْمُحْتَالُ وَرَثَتَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْ الْأَصِيلِ وَيَدْفَعُوا وَلَهُمْ الدَّفْعُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِعَدَمِ لُزُومِ الدَّيْنِ لَهُمْ ، فَيَرْفَعُ الْمُحْتَالُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَأْخُذَ مِنْ الْأَصِيلِ وَيَدْفَعَ لِلْمُحْتَالِ ، وَكَذَا إذَا أَدَّى ضَامِنُ الضَّامِنِ وَمَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ أَدَائِهِ إلَى ضَامِنِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ بَحْثًا

( وَإِنْ أَنْكَرَ مَقْضِيٌّ الْقَضَاءَ ) أَيْ أَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَخْذَهُ مِنْ نَحْوِ ضَامِنٍ ( وَحَلَفَ ) رَبُّ الْحَقِّ ( لَمْ يَرْجِعْ ) مُدَّعِي الْقَضَاءِ ( عَلَى مَدِينٍ ) لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِهَذَا الْقَضَاءِ ( وَلَوْ صَدَّقَهُ ) مَدِينٌ عَلَى دَفْعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ لِتَفْرِيطِ الضَّامِنِ وَنَحْوِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ ( إلَّا إنْ ثَبَتَ ) الْقَضَاءُ ( بِبَيِّنَةٍ أَوْ حَضَرَهُ ) أَيْ الْقَضَاءَ مَضْمُونٌ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ ( أَوْ أَشْهَدَ ) دَافِعُ الدَّيْنِ ( وَمَاتَ ) شُهُودُهُ ( أَوْ غَابَ شُهُودُهُ وَصَدَّقَهُ ) أَيْ الدَّافِعَ مَدِينٌ عَلَى حُضُورِهِ أَوْ غَيْبَةِ شُهُودِهِ أَوْ مَوْتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ ، وَلَيْسَ الْمَوْتُ أَوْ الْغَيْبَةُ مِنْ فِعْلِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ مَدِينٌ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَ ، أَوْ أَنَّهُ أَشْهَدَ مَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ فَقَوْلُ مَدِينٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ ، وَمَتَى أَنْكَرَ مَقْضِيٌّ الْقَضَاءَ وَحَلَفَ وَرَجَعَ فَاسْتَوْفَى مِنْ الضَّامِنِ ثَانِيَةً رَجَعَ عَلَى مَضْمُونٍ بِمَا قَضَاهُ عَنْهُ ثَانِيًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ ظَاهِرًا

( وَإِنْ اعْتَرَفَ ) مَضْمُونٌ لَهُ بِالْقَضَاءِ ( وَأَنْكَرَ مَضْمُونٌ عَنْهُ لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ ) لِاعْتِرَافِ رَبِّ الْحَقِّ بِأَنَّ الَّذِي لَهُ صَارَ لِلضَّامِنِ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ

( وَمَنْ أَرْسَلَ آخَرَ إلَى مَنْ لَهُ ) أَيْ الْمُرْسِلِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ ( مَالٌ لِأَخْذِ دِينَارٍ ) مِنْ الْمَالِ ( فَأَخَذَ ) الرَّسُولُ مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ ( أَكْثَرَ ) مِنْ دِينَارٍ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ الْمَأْخُوذَ ( مُرْسِلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَلِّطُ لِلرَّسُولِ ( وَرَجَعَ ) مُرْسِلٌ ( بِهِ ) أَيْ الْمَأْخُوذِ ( عَلَى رَسُولِهِ ) لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ يَضْمَنُهُ بَاعِثٌ

( وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا ) نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَزِمَ مُؤَجَّلًا بِعَقْدٍ ، فَكَانَ كَمَا الْتَزَمَهُ كَالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ ، وَالْحَقُّ يَتَأَجَّلُ فِي ابْتِدَاء ثُبُوتِهِ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِعَقْدٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الضَّامِنِ حَالًّا وَتَأَجَّلَ وَيَجُوزُ تَخَالُفُ مَا فِي الذِّمَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ وَضَمِنَهُ إلَى شَهْرَيْنِ لَمْ يُطَالِبْ قَبْلَ مُضِيِّهِمَا

( وَإِنْ ضَمِنَ ) الدَّيْنَ ( الْمُؤَجَّلَ حَالًّا لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَدَاؤُهُ ( قَبْلَ أَجَلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَا يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ ، كَمَا أَنَّ الْمَضْمُونَ لَوْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ تَعْجِيلَ الْمُؤَجَّلِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْجِيلُهُ ( وَإِنْ عَجَّلَهُ ) أَيْ الْمُؤَجَّلَ ضَامِنٌ ( لَمْ يَرْجِعْ ) ضَامِنٌ عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ ( حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَا يُغَيِّرُهُ عَنْ تَأْجِيلِهِ ، وَإِنْ أَذِنَهُ مَضْمُونٌ عَنْهُ بِتَعْجِيلِهِ فَفَعَلَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ ( وَلَا يَحِلُّ ) دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ بِمَوْتِ مَضْمُونٍ عَنْهُ ( وَلَا ) بِمَوْتِ ( ضَامِنٍ ) ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ حُقُوقِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ، وَمَحِلُّهُ إنْ وَثِقَ الْوَرَثَةُ ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ

( وَمَنْ ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ ) شَخْصًا ( ثُمَّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَضْمُونِ أَوْ الْمَكْفُولِ ( حَقٌّ ) لِلْمَضْمُونِ أَوْ الْمَكْفُولِ لَهُ ( صُدِّقَ خَصْمُهُ ) أَيْ الْمَضْمُونِ أَوْ الْمَكْفُولِ لَهُ لِادِّعَائِهِ الصِّحَّةَ ( بِيَمِينِهِ ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ دَعْوَاهُ ، فَإِنْ نَكَلَ مَضْمُونٌ أَوْ مَكْفُولٌ لَهُ قَضَى عَلَيْهِ بِبَرَاءَةِ الضَّمِينِ وَالْأَصِيلِ .

فَصْلٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهِيَ لُغَةً مَصْدَرُ كَفَلَ بِمَعْنَى الْتَزَمَ وَشَرْعًا ( الْتِزَامُ رَشِيدٍ إحْضَارَ مَنْ عَلَيْهِ ) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ ( حَقٌّ مَالِيٌّ ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَارِيَّةٍ وَنَحْوِهَا ( إلَى رَبِّهِ ) أَيْ الْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْضَارٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهَا لِعُمُومِ حَدِيثِ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِيثَاقِ بِضَمَانِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَمْتَنِعُ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعَطُّلِ الْمُعَامَلَاتِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا

( وَتَنْعَقِدُ ) الْكَفَالَةُ ( بِمَا ) أَيْ لَفْظٍ ( يَنْعَقِدُ بِهِ ضَمَانٌ ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ ، فَانْعَقَدَتْ بِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ قُلْتُ : فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّتُهَا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الضَّمَانُ وَصِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ

( وَإِنْ ضَمِنَ ) رَشِيدٌ ( مَعْرِفَتَهُ ) أَيْ لَوْ جَاءَ يَسْتَدِينُ مِنْ إنْسَانٍ فَقَالَ : أَنَا لَا أَعْرِفُكَ فَلَا أُعْطِكَ ، فَضَمِنَ آخَرُ مَعْرِفَتَهُ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُدَايِنَهُ فَدَايَنَهُ وَغَابَ مُسْتَدِينٌ أَوْ تَوَارَى ( أُخِذَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ضَامِنُ الْمَعْرِفَةِ ( بِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِينِ نَصًّا كَأَنَّهُ قَالَ : ضَمِنْتُ لَك حُضُورَهُ مَتَى أَرَدْتَ ؛ لِأَنَّكَ لَا تَعْرِفُهُ وَلَا يُمْكِنُكَ إحْضَارُ مَنْ لَا تَعْرِفُهُ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ : كَفَلْتُ بِبَدَنِهِ فَيُطَالَبُ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ مَعَ حَيَاتِهِ لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ لِمَنْ ضَمِنَ مَعْرِفَتَهُ لَهُ ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ رَبُّ الْمَالِ اسْمَهُ وَمَكَانَهُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ : فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ كُلَّ وَقْتٍ وَأَمَّا لَوْ قَالَ : أَعْطِ فُلَانًا أَلْفًا فَفَعَلَ ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَفَالَةً وَلَا ضَمَانًا ، إلَّا أَنْ يَقُولَ أَعْطِهِ عَنِّي

( وَتَصِحُّ ) كَفَالَةٌ ( بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ ) كَعَارِيَّةِ وَغَصْبٍ ( أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ) كَالضَّمَانِ ، فَتَصِحُّ بِبَدَنِ كُلِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ بِدَيْنٍ لَازِمٍ وَلَوْ مَالًا فَتَصِحُّ بِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ إحْضَارُهُمَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا بِالْإِتْلَافِ وَبِبَدَنِ مَحْبُوسٍ غَائِبٍ ( وَلَا ) تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ ( حَدٌّ ) لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ زِنًا ، أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ } وَلِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِسْقَاطِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ ، فَلَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِيثَاقُ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي .
( أَوْ ) عَلَيْهِ ( قِصَاصٌ ) فَلَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ ( وَلَا بِزَوْجَةٍ ) لِزَوْجِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِيَّةِ لَهُ عَلَيْهَا ( وَ ) لَا ب ( شَاهِدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ وَلَا بِمُكَاتَبٍ لِدَيْنِ كِتَابَةٍ ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ لَا يَلْزَمُهُ ، إذْ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ ( وَلَا إلَى أَجَلٍ أَوْ شَخْصٍ مَجْهُولَيْنِ ) أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ فِيهِ ، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهَا بِشَخْصٍ مَجْهُولٍ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ ضَمَانِ دَيْنٍ مَجْهُولٍ يَئُولَ إلَى الْعِلْمِ ( وَلَوْ فِي ضَمَانٍ ) بِأَنْ قَالَ : ضَمِنْتُهُ إلَى نُزُولِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ أَوْ قَالَ ضَمِنْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ ، فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِمَا تَقَدَّمَ

( وَإِنْ كَفَلَ ) رَشِيدٌ ( بِجُزْءٍ شَائِعٍ ) كَثُلُثِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ أَوْ رُبْعِهِ ( أَوْ ) كَفَلَ ب ( عُضْوٍ ) مِنْهُ ظَاهِرٍ كَرَأْسِهِ وَيَدِهِ أَوْ بَاطِنٍ كَقَلْبِهِ وَكَبِدِهِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ إلَّا بِإِحْضَارِ الْكُلِّ ( أَوْ ) تَكَفَّلَ ( بِشَخْصٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِهِ ) أَيْ الْكَفِيلِ فَقَدْ بَرِئَ ( وَإِلَّا ) يَجِئْ بِهِ ( فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ ) مُعَيَّنٍ ( أَوْ ) فَهُوَ ( ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ ) مِنْ الْمَالِ ، صَحَّ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرْطٍ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ

( أَوْ ) قَالَ ( إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ شَهْرًا صَحَّ ) لِجَمْعِهِ تَعْلِيقًا وَتَوْقِيتًا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ( وَيَبْرَأُ ) مَنْ كَفَلَ شَهْرًا أَوْ نَحْوه ( إنْ لَمْ يُطَالِبْهُ ) مَكْفُولٌ لَهُ بِإِحْضَارِهِ ( فِيهِ ) أَيْ الشَّهْرِ وَنَحْوه ؛ لِأَنَّهُ بِمُضِيِّهِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَأَمَّا تَوْقِيتُ الضَّمَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ

( وَإِنْ قَالَ ) رَشِيدٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ ( أَبْرِئْ الْكَفِيلَ وَأَنَا كَفِيلٌ فَسَدَ الشَّرْطُ ) وَهُوَ قَوْلُهُ : أَبْرِئْ الْكَفِيلَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ ( فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ ) أَيْ عَقْدُ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ .

وَلَوْ قَالَ : كَفَلْت لَك هَذَا الْمَدِينُ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْكَفَالَةِ بِفُلَانٍ ، أَوْ ضَمِنْتُ لَك هَذَا الدَّيْنَ بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ ضَمَانِ الدَّيْنِ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ فَسْخِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ فَسْخِ بَيْعٍ آخَرَ ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ فِي كَفَالَةٍ أَوْ ضَمَانٍ أَنْ يَتَكَفَّلَ الْمَكْفُولُ لَهُ أَوْ بِهِ بِآخَرَ ، أَوْ يَضْمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ يَبِيعَهُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَوْ يُؤَجِّرَهُ دَارِهِ لَمْ يَصِحَّ لِمَا تَقَدَّمَ

( وَيُعْتَبَرُ ) لِصِحَّةِ كَفَالَةٍ ( رِضَا كَفِيلٍ لَا مَكْفُولٍ بِهِ ) وَلَا مَكْفُولٍ لَهُ كَضَمَانٍ ( وَمَتَى سَلَّمَهُ ) أَيْ سَلَّمَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا بِهِ لِمَكْفُولٍ لَهُ ( بِمَحِلِّ عَقْدٍ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ ) أَيْ أَجَلُ الْكَفَالَةِ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُؤَجَّلَةً بَرِئَ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ فَبَرِئَ مِنْهُ بِعَمَلِهِ كَالْإِجَارَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْعَقْدِ أَوْ غَيْرِ مَوْضِعِ شَرْطِهِ لَمْ يَبْرَأْ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُجَّةِ فِيهِ لِنَحْوِ غَيْبَةِ شُهُودِهِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ .
( وَلَا ضَرَرَ ) عَلَى مَكْفُولٍ لَهُ ( فِي قَبْضِهِ ) أَيْ الْمَكْفُولِ بَرِئَ كَفِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَهُ خَيْرًا بِتَعَجُّلِ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَغَيْبَةِ حُجَّتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ ، أَوْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ لَا يُمْكِنُ اقْتِضَاؤُهُ مِنْهُ وَنَحْوُهُ - لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ ( وَلَيْسَ ثَمَّ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ ( يَدٌ حَائِلَةٌ ) بَيْنَ رَبِّ الْحَقِّ وَالْمَكْفُولِ ( ظَالِمَةٌ ) فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّهُ كَلَا تَسْلِيمٍ ( أَوْ سَلَّمَ ) مَكْفُولٌ ( نَفْسَهُ ) لِرَبِّ الْحَقِّ بَرِئَ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ أَدَّى مَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَضَى مَضْمُونٌ عَنْهُ الدَّيْنَ ( أَوْ مَاتَ ) الْمَكْفُولُ بَرِئَ كَفِيلٌ لِسُقُوطِ الْحُضُورِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ ( أَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ ) الْمَضْمُونَةُ الَّتِي تَكَفَّلَ بِبَدَنِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ ( بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ طَلَبٍ بَرِئَ كَفِيلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْمَكْفُولِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَلَفِهَا بَعْدَ طَلَبِهِ بِهَا وَلَا بِتَلَفِهَا بِفِعْلِ آدَمِيٍّ وَلَا بِغَصْبِهَا ، وَلَوْ قَالَ كَفِيلٌ : إنْ عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ مَتَى عَجَزْتُ عَنْ إحْضَارِهِ كَانَ عَلَيَّ الْقِيَامُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : لَا يَبْرَأُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ وَيَلْزَمُهُ مَا عَلَيْهِ

وَ ( لَا ) يَبْرَأُ كَفِيلٌ ( إنْ مَاتَ هُوَ ) أَيْ الْكَفِيلُ ( أَوْ ) مَاتَ ( مَكْفُولٌ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أَحَدُ نَوْعَيْ الضَّمَانِ ، فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ كَفِيلٍ وَلَا مَكْفُولٍ لَهُ كَضَمَانِ الْمَالِ ( وَإِنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ ) أَيْ الْمَكْفُولِ عَلَى الْكَفِيلِ ( مَعَ بَقَائِهِ ) أَيْ الْمَكْفُولِ بِأَنْ تَوَارَى ( أَوْ غَابَ ) عَنْ الْبَلَدِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ وَعُلِمَ خَبَرُهُ .
( وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ ) كَفِيلٌ ( رَدَّهُ ) أَيْ الْمَكْفُولِ ( فِيهِ أَوْ ) مَضَى زَمَنٌ ( عَيَّنَهُ ) كَفِيلٌ ( لِإِحْضَارِهِ ) أَيْ الْمَكْفُولِ ، بِأَنْ قَالَ : كَفَلْتُهُ عَلَى أَنْ أُحْضِرَهُ لَك غَدًا ، فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ أَوْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ لَا يُعْلَمُ فِيهَا خَبَرُهُ ( ضَمِنَ ) الْكَفِيلُ ( مَا عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَكْفُولِ نَصًّا ، لِعُمُومِ حَدِيثِ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } وَلِأَنَّهَا أَحَدُ نَوْعَيْ الضَّمَانِ فَوَجَبَ الْغُرْمُ بِهَا كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَالُ بِإِحْضَارِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُسَمَّى قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَ ( لَا ) يَضْمَنُ كَفِيلٌ مَا عَلَى مَكْفُولٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ .
( إذَا شَرَطَ ) الْكَفِيلُ ( الْبَرَاءَةَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إحْضَارِهِ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ { الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ } وَلِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ إحْضَارَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا الْتَزَمَهُ ( وَإِنْ ثَبَتَ ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ مَكْفُولٍ لَهُ ( مَوْتُهُ ) أَيْ الْمَكْفُولِ الْغَائِبِ أَوْ نَحْوِهِ ( قَبْلَ غُرْمِهِ ) أَيْ الْكَفِيلِ الْمَالَ لِانْقِطَاعِ خَبَرِهِ ( اسْتَرَدَّهُ ) أَيْ مَا غَرِمَهُ كَفِيلٌ لِتَبَيُّنِ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ مِنْهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَكْفُولٍ بَعْدَ أَدَائِهِ عَنْهُ مَا لَزِمَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : أَنَّهُ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ كَضَامِنٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ ثُمَّ يَسْتَرِدَّ مَا أَدَّاهُ ، بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ ، لِامْتِنَاعِ بَيْعِهِ قَالَهُ

فِي الْفُرُوعِ ( وَالسَّجَّانُ كَالْكَفِيلِ ) فَيَغْرَمُ إنْ هَرَبَ مِنْهُ الْمَحْبُوسُ وَعَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ يُجْعَلُ فِي حِفْظِ الْغَرِيمِ ، وَكَذَا رَسُولُ الشَّرْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ هَرَبَ غَرِيمٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ إحْضَارُهُ عَلَى الْأَوَّلِ ، أَوْ يَغْرَمُ مَا عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّانِي إنْ كَانَ بِتَفْرِيطِهِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ وَإِلَّا فَلَا .
( وَإِذَا طَالَبَ كَفِيلٌ مَكْفُولًا بِهِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ ) لِيُسَلِّمَهُ لِغَرِيمِهِ وَيَبْرَأَ مِنْهُ لَزِمَهُ بِشَرْطِهِ ( أَوْ ) طَالَبَ ( ضَامِنٌ مَضْمُونًا بِتَخْلِيصِهِ ) مِنْ ضَمَانِهِ بِأَدَاءِ الْحَقِّ لِرَبِّهِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْمَدِينَ ( إنْ كَفَلَ أَوْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمَكْفُولِ أَوْ الْمَضْمُونِ ( وَطُولِبَ ) كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ مِنْ أَجَلِهِ بِإِذْنِهِ ، فَلَزِمَهُ تَخْلِيصُهَا ، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدَهُ فَرَهَنَهُ بِإِذْنِهِ ثُمَّ طَلَبَهُ سَيِّدُهُ بِفَكِّهِ ( وَيَكْفِي ) فِي لُزُومِ الْحُضُورِ ( فِي ) الْمَسْأَلَةِ ( الْأُولَى ) أَيْ مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْإِذْنُ أَوْ مُطَالَبَةُ رَبِّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ أَمَّا مَعَ الْإِذْنِ فَلِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا مَعَ الْمُطَالَبَةِ فَلِأَنَّ حُضُورَ الْمَكْفُولِ حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ لَهُ ، وَقَدْ اسْتَنَابَ الْكَفِيلَ فِي ذَلِكَ بِمُطَالَبَتِهِ بِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ

( وَمَنْ كَفَلَهُ اثْنَانِ ) مَعًا أَوَّلًا ( فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ ) لِانْحِلَالِ إحْدَى الْوَثِيقَتَيْنِ بِلَا اسْتِيفَاءٍ فَلَا تَنْحَلُّ الْأُخْرَى ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا أَوْ انْفَكَّ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ ( وَإِنْ سَلَّمَ ) مَكْفُولٌ ( نَفْسَهُ بَرِئَا ) أَيْ الْكَفِيلَانِ لِأَدَاءِ الْأَصِيلِ مَا عَلَيْهِمَا ( وَإِنْ كَفَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ الْكَفِيلِينَ ( شَخْصٌ آخَرُ فَأَحْضَرَ ) هَذَا الْآخَرَ ( الْمَكْفُولَ بِهِ ) أَيْ مَكْفُولَ مَكْفُولِهِ ( بَرِئَ ) مَنْ أَحْضَرَهُ ( وَهُوَ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ ) مِنْ الْكَفِيلِينَ لِأَدَائِهِ مَا عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْكَفِيلِ الثَّانِي وَكَفِيلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ تَكَفَّلَ ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِصَاحِبَيْهِ صَحَّ وَمَتَى سَلَّمَهُ أَحَدُهُمْ بَرِئَ هُوَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ كَفَالَتِهِمَا بِهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لَهُمَا وَهُمَا فَرْعَانِ لَهُ وَيَبْقَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ فِيهَا

( وَمَنْ كَفَلَ لِاثْنَيْنِ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا ) مِنْ الْكَفَالَةِ أَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ( لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْآخَرِ ) لِبَقَاءِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا لِاثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا

( وَإِنْ كَفَلَ الْكَفِيلَ ) شَخْصٌ ( آخَرُ وَ ) كَفَلَ ( الْآخَرَ آخَرُ ) وَهَكَذَا ( بَرِئَ كُلٌّ ) مِنْ الْكُفَلَاءِ ( بِبَرَاءَةِ مَنْ قَبْلَهُ ) فَيَبْرَأُ الثَّانِي بِبَرَاءَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ بِبَرَاءَةِ الثَّانِي وَهَكَذَا ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ ( وَلَا عَكْسَ ) فَلَا يَبْرَأُ وَاحِدٌ بِبَرَاءَةِ مَنْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ ( كَضَمَانٍ ) وَمَتَى سَلَّمَ أَحَدُهُمْ الْمَكْفُولَ بَرِئَ الْجَمِيعُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِمْ ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ مَكْفُولٌ بِهِ نَفْسَهُ

( وَلَوْ ضَمِنَ اثْنَانِ وَاحِدًا ) فِي مَالٍ ( وَقَالَ كُلٌّ ) لِرَبِّ الْحَقِّ ( ضَمِنْتُ لَك الدَّيْنَ فَ ) هُوَ ( ضَمَانُ اشْتِرَاكٍ ) لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الِالْتِزَامِ بِالدَّيْنِ ( فِي انْفِرَادٍ ) فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى انْفِرَادِهِ ( فَلَهُ ) أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ ( طَلَبُ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( بِالدَّيْنِ كُلِّهِ ) لِالْتِزَامِهِ بِهِ ( وَإِنْ قَالَا ) أَيْ الِاثْنَانِ لِرَبِّ الدَّيْنِ ( ضَمِنَّا لَك الدَّيْنَ فَ ) هُوَ ( بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَعَلَى كُلٍّ ثُلُثُهُ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ : أَنَا وَهَذَانِ ضَامِنُونَ لَك الْأَلْفَ مَثَلًا وَسَكَتَ الْآخَرَانِ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمْ الْأَلْفَ أَوْ حِصَّتَهُ مِنْهُ حَيْثُ صَحَّ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى مَضْمُونٍ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَصْلِيٌّ لَا ضَامِنُ ضَامِنٍ

بَابُ الْحَوَالَةِ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي لَفْظٍ " وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ " وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ ؛ لِأَنَّهَا تُحَوِّلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهِيَ ( عَقْدُ إرْفَاقٍ ) مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَا خِيَارَ فِيهَا وَلَيْسَتْ بَيْعًا وَإِلَّا لَدَخَلَهَا الْخِيَارُ وَجَازَتْ بِلَفْظِهِ ، وَبَيْنَ جِنْسَيْنِ كَبَاقِي الْبُيُوعِ ، وَلَمَّا جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضٍ ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ بَلْ تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ ، وَتُشْبِهُ الِاسْتِيفَاءَ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ بِهَا وَ ( هِيَ ) أَيْ الْحَوَالَةُ شَرْعًا ( انْتِقَالُ مَالٍ مِنْ ذِمَّةِ ) الْمُحَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا رُجُوعَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ ، إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا ؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنْ دَيْنٍ لَيْسَ فِيهَا قَبْضٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَا مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْهُ أَشْبَهَ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ .

وَتَصِحُّ ( بِلَفْظِهَا ) أَيْ الْحَوَالَةِ ، كَأَحَلْتُكِ بِدَيْنِكَ ( أَوْ بِمَعْنَاهَا الْخَاصِّ ) بِهَا ، كَأَتْبَعْتُكَ بِدَيْنِكَ عَلَى زَيْدٍ وَنَحْوِهِ

( وَشَرْطُ ) الْحَوَالَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ( رِضَا مُحِيلٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ .
.
( وَ ) الثَّانِي إمْكَانُ ( الْمُقَاصَّةِ ) بِأَنْ يَتَّفِقَ الْحَقَّانِ جِنْسًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا وَأَخْذًا فَلَا تَصِحُّ بِدَنَانِيرَ عَلَى دَرَاهِمَ وَلَا بِصِحَاحٍ عَلَى مُكَسَّرَةٍ ، وَلَا بِحَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَا مَعَ اخْتِلَافِ أَجَلٍ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ ، فَلَوْ جُوِّزَتْ مَعَ الِاخْتِلَافِ لَصَارَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا الْفَضْلَ فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا .
.
( وَ ) الثَّالِثُ ( عِلْمُ الْمَالِ ) الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ لِاعْتِبَارِ التَّسْلِيمِ ، وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ .
.
( وَ ) الرَّابِعُ ( اسْتِقْرَارُهُ ) أَيْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ نَصًّا كَبَدَلِ قَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِرِّ عُرْضَةً لِلسُّقُوطِ وَمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ إلْزَامُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا .
( فَلَا تَصِحُّ عَلَى مَالِ سَلَمٍ ) أَيْ مُسْلَمٍ فِيهِ ( أَوْ ) عَلَى ( رَأْسِهِ ) أَيْ رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ ( بَعْدَ فَسْخِ ) سَلَمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَاصَّةَ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ ( أَوْ ) عَلَى ( صَدَاقٍ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ مَالِ كِتَابَةٍ ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِمَا وَتَصِحُّ عَلَى صَدَاقٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَنَحْوِهِ ( وَتَصِحُّ إنْ أَحَالَ ) مُكَاتَبٌ ( سَيِّدَهُ ) بِمَالِ كِتَابَةٍ ( أَوْ ) أَحَالَ ( زَوْجٌ امْرَأَتَهُ ) بِصَدَاقِهَا وَلَوْ قَبْلَ دُخُولٍ عَلَى مُسْتَقِرٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُ مُحَالٍ بِهِ وَ ( لَا ) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ ( بِجِزْيَةٍ ) عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِفَوَاتِ الصَّغَارِ عَنْ الْمُحِيلِ وَلَا عَلَيْهَا ( وَلَا أَنْ يُحِيلَ وَلَدٌ عَلَى أَبِيهِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ أَبِيهِ وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى الضَّامِنِ .
( وَ ) الْخَامِسُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ( يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ ) كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ غَيْرَ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ

الْمِثْلِيِّ ( كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ ) يَنْضَبِطَانِ بِالصِّفَةِ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِإِبِلِ الدِّيَةِ عَلَى إبِلِ الْقَرْضِ ، إنْ قِيلَ يَرِدُ فِيهِ الْمِثْلُ ، وَإِنْ قُلْنَا يَرِدُ الْقِيمَةُ فَلَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ لَمْ تَصِحَّ مُطْلَقًا ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ ( اسْتِقْرَارُ مُحَالٍ بِهِ ) فَتَصِحُّ بِجُعْلٍ قَبْلَ عَمَلٍ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ وَفَائِهِ ، وَيَصِحُّ الْوَفَاءُ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ ( وَلَا رِضَا مُحَالٍ عَلَيْهِ ) لِإِقَامَةِ الْمُحِيلِ الْمُحْتَالَ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْقَبْضِ مَعَ جَوَازِ اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ فَلَزِمَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ ( وَلَا ) رِضَا ( مُحْتَالٍ إنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ وَيُجْبَرُ عَلَى اتِّبَاعِهِ ) نَصًّا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّ لِلْمُحِيلِ وَفَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَدْ أَقَامَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّقْبِيضِ فَلَزِمَ الْمُحْتَالَ الْقَبُولُ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي إيفَائِهِ وَفَارَقَ إعْطَاءَ عَرْضٍ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ لَهُ

( وَلَوْ ) كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمَلِيءَ ( مَيِّتًا ) كَالْحَيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ : إنْ قَالَ : أَحَلْتُكِ بِمَا عَلَيْهِ صَحَّ .
لَا أَحَلْتُك بِهِ عَلَيْهِ أَيْ الْمَيِّتِ ( وَيَبْرَأُ مُحِيلٌ بِمُجَرَّدِهَا ) أَيْ الْحَوَالَةِ ( وَلَوْ أَفْلَسَ مُحَالٌ عَلَيْهِ ) بَعْدَهَا ( أَوْ جَحَدَ ) الدَّيْنَ وَعَلِمَهُ الْمُحَالُ أَوْ صَدَقَ الْمُحِيلُ أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَمَاتَتْ وَنَحْوِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُحِيلٍ فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ فَلَا يَبْرَأُ بِهَا ( أَوْ مَاتَ ) مُحَالٌ عَلَيْهِ وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَوْ لَا ، إذْ الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْإِيفَاءِ ( وَالْمَلِيءُ ) الَّذِي يُجْبِرُ مُحْتَالٌ عَلَى إتْبَاعِهِ ( الْقَادِرَ بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ ) نَصًّا ( فَقَطْ فَعِنْدَ الزَّرْكَشِيّ ) فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ : الْقُدْرَةُ ب ( مَالِهِ : الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ .
وَ ) الْقُدْرَةُ ب ( قَوْلِهِ : أَنْ لَا يَكُونَ مُمَاطِلًا وَ ) الْقُدْرَةُ ب ( بَدَنِهِ : إمْكَانُ حُضُورِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُ ) رَبَّ دَيْنٍ ( أَنْ يَحْتَالَ عَلَى وَالِدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إحْضَارُهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ صَفِيِّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ : مَا لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ ، وَقَوْلُهُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ ، وَبَدَنُهُ الْحَيَاةُ فَعَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى اتِّبَاعِ مُمَاطِلٍ مُقِرٍّ بِالدَّيْنِ لَا مَيِّتٍ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى اتِّبَاعِ جَاحِدٍ وَلَا مُمَاطِلٍ .
( وَإِنْ ظَنَّهُ ) أَيْ ظَنَّ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ ( مَلِيئًا أَوْ جَهِلَهُ ) فَلَمْ يَدْرِ أَمَلِيءٌ أَمْ لَا ( فَبَانَ ) كَوْنُهُ ( مُفْلِسًا رَجَعَ ) بِدَيْنِهِ عَلَى مُحِيلٍ ؛ لِأَنَّ الْفَلَسَ عَيْبٌ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ أَشْبَهَ الْمَبِيعَ إذَا بَانَ مَعِيبًا .
و ( لَا ) يَرْجِعُ مُحْتَالٌ ( إنْ رَضِيَ ) بِالْحَوَالَةِ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ مَلِيئًا أَوْ جَهِلَهُ ( وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمُلَاءَةَ ) لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ اشْتِرَاطِهَا فَإِنْ اشْتَرَطَهَا فَبَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُعْسِرًا رَجَعَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ هَذَا

الشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ( وَمَتَى صَحَّتْ ) الْحَوَالَةُ بِاجْتِمَاعِ شُرُوطِهَا ( فَرَضِيَا ) أَيْ الْمُحْتَالُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ( بِ ) دَفْعِ ( خَيْرٍ مِنْهُ ) أَيْ الْمُحَالِ بِهِ فِي الصِّفَةِ ( أَوْ ) رَضِيَا ( بِ ) أَخْذِ ( دُونِهِ ) فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ ( أَوْ ) رَضِيَا ب ( تَعْجِيلِهِ ) أَيْ الْمُؤَجَّلِ ( أَوْ ) رَضِيَا ب ( تَأْجِيلِهِ ) وَهُوَ حَالٌّ جَازَ ( أَوْ ) رَضِيَا ب ( عِوَضِهِ جَازَ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ، لَكِنْ إنْ جَرَى بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبًا نَسِيئَةً بِأَنْ عَوَّضَهُ عَنْ مَوْزُونٍ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلٍ مَكِيلًا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ بِمَجْلِسِ التَّعْوِيضِ .
( وَإِذَا بَطَلَ بَيْعٌ ) كَأَنْ بَانَ مَبِيعٌ مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا ( وَقَدْ أُحِيلَ بَائِعٌ ) بِالثَّمَنِ أَيْ أَحَالَهُ مُشْتَرٍ بِهِ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ دَيْنٌ مُمَاثِلٌ لَهُ بَطَلَتْ ( أَوْ أَحَالَ ) بَائِعٌ مَدِينًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( بِالثَّمَنِ بَطَلَتْ ) الْحَوَالَةُ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَيَرْجِعُ مُشْتَرٍ عَلَى مَنْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى وَعَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ ، لَا عَلَى الْبَائِعِ لِبَقَاءِ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ بِإِلْغَاءِ الْحَوَالَةِ وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اتِّفَاقِهِمْ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَكَذِبُهُمَا مُحْتَمَلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا كَذَّبَاهَا بِالدُّخُولِ فِي التَّبَايُعِ ، وَإِنْ أَقَامَهَا الْعَبْدُ قُبِلَتْ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمُحْتَالُ وَادَّعَى أَنَّهَا بِغَيْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ .
وَإِنْ أَقَرَّ الْمُحِيلُ وَالْمُحْتَالُ وَكَذَّبَهُمَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ وَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُحْتَالُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَتَقَ لِاعْتِرَافِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَلَا رُجُوعَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَعَهُ فِي

الْحَوَالَةِ اعْتِرَافٌ بِبَرَاءَتِهِ وَ ( لَا ) تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ .
( إنْ فُسِخَ ) الْبَيْعُ بَعْدَ أَنْ أُحِيلَ بَائِعٌ أَوْ أَحَالَ بِالثَّمَنِ ( عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ) الْفَسْخُ بِعَيْبٍ أَوْ تَقَايُلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ ) الْمُحْتَالُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَرْتَفِعْ مِنْ أَصْلِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ ، وَلِمُشْتَرٍ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعٍ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ الْمُعَوَّضَ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِالْعِوَضِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ لِلُزُومِ الْحَوَالَةِ فَوَجَبَ فِي بَدَلِهِ ( وَكَذَا نِكَاحُ فَسْخٍ ) وَقَدْ أُحِيلَتْ الزَّوْجَةُ بِالْمَهْرِ .
( وَ ) كَذَا ( نَحْوُهُ ) كَإِجَارَةٍ فُسِخَتْ وَقَدْ أُحِيلَ مُؤَجِّرٌ أَوْ أَحَالَ بِأُجْرَةٍ ( وَلِبَائِعٍ ) أُحِيلَ بِثَمَنٍ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ ( أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ ) بِالثَّمَنِ الَّذِي عَادَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ ( عَلَى مَنْ أَحَالَهُ ) الْمُشْتَرِي ( عَلَيْهِ فِي ) الْمَسْأَلَةِ ( الْأُولَى ) لِثُبُوتِ دَيْنِهِ عَلَى مَنْ أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ أَشْبَهَ سَائِرَ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ ( وَلِمُشْتَرٍ أَنْ يُحِيلَ مُحَالًا عَلَيْهِ ) مِنْ قِبَلِ بَائِعٍ ( عَلَى بَائِعٍ فِي ) الْمَسْأَلَةِ ( الثَّانِيَةِ ) لِمَا تَقَدَّمَ

( وَإِنْ اتَّفَقَا ) أَيْ رَبُّ دَيْنٍ وَمَدِينٌ ( عَلَى ) قَوْلِ مَدِينٍ لِرَبِّ دَيْنٍ ( أَحَلْتُك ) عَلَى زَيْدٍ ( أَوْ ) عَلَى قَوْلِهِ لَهُ ( أَحَلْتُك بِدَيْنِي ) عَلَى زَيْدٍ ( وَادَّعَى أَحَدُهُمَا إرَادَةَ الْوَكَالَةِ ) وَادَّعَى الْآخَرُ إرَادَةَ الْحَوَالَةِ ( صُدِّقَ ) مُدَّعِي إرَادَةِ الْوَكَالَةِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدَّيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَمُدَّعِي الْحَوَالَةِ يَدَّعِي نَقْلَهُ ، وَمُدَّعِي الْوَكَالَةِ يُنْكِرُهُ وَلَا مَوْضِعَ لِلْبَيِّنَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النِّيَّةِ

( وَ ) إنْ اتَّفَقَا ( عَلَى ) قَوْلِ مَدِينٍ لِرَبِّ دَيْنٍ ( أَحَلْتُك بِدَيْنِكَ ) وَادَّعَى أَحَدُهُمَا إرَادَةَ الْحَوَالَةِ وَالْآخَرُ إرَادَةَ الْوَكَالَةِ ( فَقَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِدَيْنِهِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا

( وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو : أَحَلْتنِي بِدَيْنِي عَلَى بَكْرٍ وَاخْتَلَفَا ) أَيْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو ( هَلْ جَرَى بَيْنَهُمَا لَفْظُ الْحَوَالَةِ أَوْ غَيْرُهُ ؟ ) كَالْوَكَالَةِ ، بِأَنْ قَالَ زَيْدٌ : أَحَلْتَنِي بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ ، وَقَالَ عَمْرٌو : وَكَّلْتُكَ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي اللَّفْظِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ ( صُدِّقَ عَمْرٌو ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ الْحَقِّ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ الْأَصْلُ ( فَلَا يَقْبِضُ زَيْدٌ مِنْ بَكْرٍ ) لِعَزْلِ نَفْسِهِ بِإِنْكَارِهِ الْوَكَالَةَ ( وَمَا قَبَضَهُ ) زَيْدٌ مِنْ بَكْرٍ قَبْلُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَقْبُوضُ ( قَائِمٌ ) لَمْ يَتْلَفْ ( لِعَمْرٍو أَخْذُهُ ) مِنْ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِيهِ ( وَالتَّالِفُ ) بِيَدِ زَيْدٍ مِمَّا قَبَضَهُ مِنْ بَكْرٍ بِلَا تَفْرِيطٍ ( مِنْ ) مَالِ ( عَمْرٍو ) لِدَعْوَاهُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ ( وَلِزَيْدٍ طَلَبُهُ ) أَيْ عَمْرٍو ( بِدَيْنِهِ ) عَلَيْهِ ، لِاعْتِرَافِهِ بِبَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِإِنْكَارِهِ الْحَوَالَةَ ، وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ إنْ كَانَ زَيْدٌ قَدْ قَبَضَ الدَّيْنَ مِنْ بَكْرٍ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ بَرِئَ كُلٌّ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِصَاحِبِهِ ثُمَّ وَجَّهَهُ ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ

( وَلَوْ قَالَ عَمْرٌو ) لِزَيْدٍ مَثَلًا ( أَحَلْتُك ) بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ ( وَقَالَ زَيْدٌ : وَكَّلْتَنِي ) فِي قَبْضِهِ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا ( صُدِّقَ ) زَيْدٌ بِيَمِينِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِزَيْدٍ الْقَبْضُ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَكِيلٌ أَوْ مُحْتَالٌ فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَالِهِ عَلَى عَمْرٍو فَأَقَلَّ قَبْلَ أَخْذِ دَيْنِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ ، لِقَوْلِ عَمْرٍو : هُوَ لَكَ وَقَوْلُ زَيْدٍ : هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِي وَلِي مِثْلُهُ عَلَى عَمْرٍو فَإِذَا أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ حَصَلَ غَرَضُهُ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ أَخَذَهُ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطِهِ سَقَطَ حَقُّهُ ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ فَالتَّالِفُ مِنْ عَمْرٍو ، وَلِزَيْدٍ طَلَبُهُ بِحَقِّهِ وَلَيْسَ لِعَمْرٍو الرُّجُوعُ عَلَى بَكْرٍ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ .
( وَالْحَوَالَةُ ) مِنْ مَدِينٍ ( عَلَى مَالِهِ فِي الدِّيوَانِ ) أَوْ فِي وَقْفٍ ( إذْنٌ ) لَهُ ( فِي الِاسْتِيفَاءِ ) وَلِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ وَمُطَالَبَةُ مُحِيلِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى ذِمَّةٍ فَلَا تَصِحُّ بِمَالِ الْوَقْفِ وَلَا عَلَيْهِ ( وَإِحَالَةُ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ) شَخْصًا ( عَلَى مَنْ دَيْنُهُ عَلَيْهِ وَكَالَةً ) لَهُ فِي طَلَبِهِ وَقَبْضِهِ .
( وَ ) إحَالَةُ ( مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مِثْلِهِ ) أَيْ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ( وَكَالَةً فِي اقْتِرَاضٍ ، وَكَذَا ) إحَالَةُ ( مَدِينٍ عَلَى بَرِيءٍ فَلَا يُصَارِفُهُ ) الْمُحْتَالُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الِاقْتِرَاضِ لَا فِي الْمُصَارَفَةِ ، وَمَنْ طَالَبَ مَدِينَهُ فَقَالَ أَحَلْتَ عَلَيَّ فُلَانًا الْغَائِبَ وَأَنْكَرَهُ الدَّائِنُ ، فَقَوْلُهُ وَيُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ .

بَابُ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِ الْجِوَارِ .
وَهُوَ لُغَةً ( التَّوْفِيقُ وَالسَّلْمُ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
( وَ ) الصُّلْحُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ : أَحَدُهَا ( يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمِينَ وَأَهْلِ حَرْبٍ ) وَتَقَدَّمَتْ أَقْسَامُهُ فِي الْجِهَادِ .
( وَ ) الثَّانِي ( بَيْنَ أَهْلِ عَدْلٍ وَ ) أَهْلِ ( بَغْيٍ ) وَيَأْتِي فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ .
.
( وَ ) الثَّالِث ( بَيْنَ زَوْجَيْنِ خِيفَ شِقَاقُ بَيْنِهِمَا أَوْ خَافَتْ ) الزَّوْجَةُ ( إعْرَاضُهُ ) أَيْ الزَّوْجِ عَنْهَا وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ .
.
( وَ ) الرَّابِعُ ( بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِي غَيْرِ مَالٍ ) .
وَالْخَامِسُ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الصُّلْحُ ( فِيهِ ) أَيْ الْمَالِ ( مُعَاقَدَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُوَافَقَةٍ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ ) فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُبَوَّبُ لَهُ

( وَهُوَ ) أَيْ الصُّلْحُ فِي مَالٍ ( قِسْمَانِ ) صُلْحٌ ( عَلَى إقْرَارٍ ) وَصُلْحٌ عَلَى إنْكَارٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ ( نَوْعَانِ نَوْعٌ ) يَقَعُ ( عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ ( لَهُ ) أَيْ لِمَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ ( بِدَيْنٍ ) مَعْلُومٍ ( أَوْ ) يُقِرَّ لَهُ ( بِعَيْنٍ ) بِيَدِهِ ( فَيَضَعَ ) الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْمُقِرِّ بَعْضَ الدَّيْنِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ ( أَوْ يَهَبُ ) لَهُ ( الْبَعْضَ ) مِنْ الْعَيْنِ الْمُقَرِّ بِهَا ( وَيَأْخُذُ ) الْمُقَرُّ لَهُ ( الْبَاقِيَ ) مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ ( فَيَصِحُّ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جَائِزَ التَّصَرُّفِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ أَوْ هِبَتِهِ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ وَقَدْ كَلَّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غُرَمَاءُ جَابِرٍ لِيَضَعُوا عَنْهُ .
وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( بِلَفْظِ الصُّلْحِ ) ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ ( أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْبَاقِي ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الشَّرْطِ كَعَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا مِنْهُ أَوْ تُعَوِّضَنِي مِنْهُ كَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ فَكَأَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ بِبَعْضٍ وَهَذَا الْمَعْنَى مَلْحُوظٌ فِي لَفْظِ الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظٍ يَتَعَدَّى بِهِ كَالْبَاءِ وَعَلَى ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ ( أَوْ يَمْنَعَهُ ) أَيْ يَمْنَعُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ رَبَّهُ ( حَقَّهُ بِدُونِهِ ) أَيْ الْإِعْطَاءِ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِمَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ

( وَلَا ) يَصِحُّ الصُّلْحُ بِأَنْوَاعِهِ ( مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَمُكَاتَبٍ وَ ) قِنٍّ ( مَأْذُونٍ لَهُ ) فِي تِجَارَةٍ ( وَوَلِيِّ ) نَحْوِ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ ( إلَّا إنْ أَنْكَرَ ) مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لِمُدَّعِيهِ فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ ( وَيَصِحُّ ) مِنْ وَلِيِّ الصُّلْحِ وَيَجُوزُ لَهُ ( عَمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَى مُوَلِّيهِ ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ( وَبِهِ بَيِّنَةٌ ) فَيَدْفَعُ الْبَعْضَ وَيَقَعُ الْإِبْرَاءُ أَوْ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُصَالِحْ عَنْهُ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلِمَهُ الْوَلِيُّ

( وَلَا يَصِحُّ ) الصُّلْحُ ( عَنْ ) دَيْنٍ ( مُؤَجَّلٍ بِبَعْضِهِ ) أَيْ الْمُؤَجَّلِ ( حَالًّا ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ عِوَضٌ عَنْ التَّعْجِيلِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُلُولِ وَالْأَجَلِ ( إلَّا فِي ) مَالِ ( كِتَابَةٍ ) إذَا عَجَّلَ مُكَاتَبٌ لِسَيِّدِهِ بَعْضَ كِتَابَتِهِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ( وَإِنْ وَضَعَ ) رَبُّ الدَّيْنِ ( بَعْضَ ) دَيْنٍ ( حَالٍّ وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ صَحَّ الْوَضْعُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ تَأْجِيلٍ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ كُلَّهُ وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( التَّأْجِيلُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ ؛ وَلِأَنَّهُ وَعْدٌ ، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَأْتِي ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ صِحَاحٍ بِخَمْسِينَ مُكَسَّرَةٍ فَهُوَ إبْرَاءٌ مِنْ الْخَمْسِينَ وَوَعْدٌ فِي الْأُخْرَى

( وَلَا يَصِحُّ ) الصُّلْحُ ( عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَأٍ ) أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ لَا قَوَدَ فِيهِ كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ ( أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ ) كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ ( بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ ) الْمُصَالَحِ عَنْهُ ( مِنْ جِنْسِهِ ) ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ بِقَدْرِهِ فَالزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَيَكُونُ حَرَامًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ كَالثَّابِتِ عَنْ قَرْضٍ

( وَيَصِحُّ ) الصُّلْحُ ( عَنْ مُتْلَفٍ مِثْلِيٍّ ) كَبُرٍّ ( بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ .

وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ حَقٍّ كَدِيَةٍ خَطَأٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ ( وَ ) عَنْ مِثْلِيٍّ ( بِعَرْضِ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ ) مِنْ الدِّيَةِ أَوْ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ وَالْمِثْلِيِّ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ

( وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ ) ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَ ( أَقَرَّ ) لَهُ ( بِهِ عَلَى بَعْضِهِ ) أَيْ الْبَيْتِ ( أَوْ ) عَلَى ( سُكْنَاهُ ) أَيْ سُكْنَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْتَ ( مُدَّة ) مَعْلُومَةً كَسَنَةِ كَذَا أَوْ مَجْهُولَةً كَمَا عَاشَ ( أَوْ ) عَلَى ( بِنَاءِ غُرْفَةٍ لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فَوْقَهُ ) أَيْ الْبَيْتِ ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مِلْكِهِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ فَإِنْ فَعَلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُصَالَحَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ وَجَبَ بِالصُّلْحِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مَا سَكَنَ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَإِنْ بَنَى فَوْقَ الْبَيْتِ غُرْفَةً أُجْبِرَ عَلَى نَقْضِهِ وَإِذَا أَجَّرَ السَّطْحَ مُدَّة مَقَامِهِ بِيَدِهِ وَلَهُ أَخْذُ آلَتِهِ ، فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْهَا رَبُّ الْبَيْتِ بِرِضَاهُمَا جَازَ ، وَإِنْ كَانَتْ آلَةُ الْبِنَاءِ وَالتُّرَابِ مِنْ الْبَيْتِ فَالْغُرْفَةُ لِرَبِّهِ وَعَلَى الْبَانِي أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهَا إنْ أَبْرَاهُ رَبُّ الْبَيْتِ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا وَإِنْ أَسْكَنَهُ أَوْ أَعْطَاهُ الْبَعْضَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ وُجُوبَهُ وَكَانَ مُتَّبِعًا وَمَتَى شَاءَ انْتَزَعَهُ مِنْهُ

( أَوْ ادَّعَى ) مُكَلَّفٌ ( رِقَّ مُكَلَّفٍ أَوْ ) ادَّعَى ( زَوْجِيَّةَ مُكَلَّفَةٍ فَأَقَرَّا ) أَيْ الْمُدَّعِي رِقَّهُ وَالْمُدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا ( لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي الرِّقَّ أَوْ الزَّوْجِيَّةَ ( بِعِوَضٍ مِنْهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( لَمْ يَصِحَّ ) الصُّلْحُ وَلَا الْإِقْرَارُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا } وَهَذَا صُلْحٌ أَحَلَّ حَرَامًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الرِّقَّ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِرَقِيقٍ وَالزَّوْجِيَّةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْكِحْهَا وَلَوْ أَرَادَ الْحُرُّ بَيْعَ نَفْسِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ بَذْلَ نَفْسِهَا بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ .
( وَإِنْ بَذَلَا ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهَا الزَّوْجِيَّةُ ( مَالًا ) لِلْمُدَّعِي ( صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ ) صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عَنْ دَعْوَاهُ الرِّقَّ أَوْ النِّكَاحَ ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَجَازَ كَعِوَضِ الْخُلْعِ ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ إنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ لِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلَوْ ثَبَتَتْ زَوْجِيَّتُهَا بَعْدُ لَمْ تَبِنْ بِأَخْذِهِ الْعِوَضَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ طَلَاقٌ وَلَا خُلْعٌ ( أَوْ ) بَذَلَتْ امْرَأَةٌ مَالًا ( لِمُبِينِهَا لِيُقِرَّ ) لَهَا ( بِبَيْنُونَتِهَا صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا بَذْلُ الْمَالِ لِيُبِينَهَا ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ

( وَ ) مَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ ( أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي وَأُعْطِيكَ ) مِنْهُ مِائَةً ( أَوْ ) أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي ( وَخُذْ مِنْهُ مِائَةً ) مَثَلًا ( فَفَعَلَ ) أَيْ أَقَرَّ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُقِرُّ مَا أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ ( وَلَمْ يَصِحَّ ) الصُّلْحُ لِوُجُوبِ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ ، فَلَمْ يَبُحْ لَهُ الْعِوَضُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ

( النَّوْعُ الثَّانِي ) مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ أَنْ يُصَالِحَ ( عَلَى غَيْرِ جِنْسِهِ ) بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ ( وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ ) كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَنْ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ مَحْظُورَةٌ ( فَ ) الصُّلْحُ ( بِنَقْدٍ عَنْ نَقْدٍ ) بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ ( صَرْفٌ ) يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ .
( وَ ) الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ ( بِعَرْضٍ ) كَثَوْبِ بَيْعٍ ( أَوْ ) صَالَحَهُ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ عَرْضٍ أَقَرَّ لَهُ بِهِ كَفَرَسٍ ( بِنَقْدٍ ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بَيْعٌ ( أَوْ ) صَالَحَهُ عَنْ عَرْضٍ كَثَوْبٍ ب ( عَرْضٍ بَيْعٌ ) يُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُهُ كَالْعِلْمِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّقَابُضِ بِالْمَجْلِسِ إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا رِبَا نَسِيئَةٍ .
( وَ ) الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مُقَرٍّ بِهِ ( بِمَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى ) دَارٍ ( وَخِدْمَةِ ) قِنٍّ ( مُعَيَّنَيْنِ إجَارَةً ) فَيُعْتَبَرُ لَهُ شُرُوطُهَا وَتَبْطُلُ بِتَلَفِ الدَّارِ وَمَوْتِ الْقِنِّ كَبَاقِي الْإِجَارَاتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَلِلْمُصَالِحِ نَفْعُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّة وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ ، وَإِنْ تَلِفَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ رَجَعَ بِمَا صُولِحَ عَنْهُ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَفِي أَثْنَائِهَا تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ فَيَرْجِعُ بِقِسْطِهِ ، وَإِنْ ظَهَرَتْ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً أَوْ الْقِنُّ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ لِفَسَادِ الْعِوَضِ وَرَجَعَ مُدَّعٍ فِيمَا أُقِرَّ لَهُ بِهِ وَإِنْ ظَهَرَا مَعِيبَيْنِ بِمَا تَنْقُصُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَهُ الرَّدُّ وَفَسْخُ الصُّلْحِ وَإِنْ صَالَحَهُ بِتَزْوِيجِ أَمَتِهِ صَحَّ بِشَرْطِهِ وَالْمُصَالَحُ بِهِ صَدَاقُهَا فَإِنْ

فُسِخَ نِكَاحٌ قَبْلَ دُخُولٍ بِمَا يُسْقِطُهُ رَجَعَ زَوْجٌ بِمَا صَالَحَ عَنْهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَنَحْوَهُ قَبْلَ دُخُولٍ رَجَعَ بِنِصْفِهِ .

( وَ ) الصُّلْحُ ( عَنْ دَيْنٍ ) وَنَحْوَهُ غَيْرَ دَيْنِ سَلَمٍ ( يَصِحُّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا ) أَيْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيهِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ ( بِجِنْسِهِ ) كَعَنْ بُرٍّ بِبُرٍّ ( أَقَلَّ ) مِنْهُ ( أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْهُ ( عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ ) لِإِفْضَائِهِ إلَى رِبَا الْفَضْلِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ عَلَى وَجْهِ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ صَحَّ لَا بِلَفْظِ الصُّلْحِ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) الصُّلْحُ عَنْ دَيْنٍ ( بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ ) بِأَنْ صَالَحَهُ عَنْ دِينَارٍ فِي ذِمَّتِهِ بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ وَ ( وَيَحْرُمُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ

( وَلَوْ صَالَحَ الْوَرَثَةُ مَنْ وُصِيَّ لَهُ ) مِنْ قِبَلِ مُوَرِّثِهِمْ ( بِخِدْمَةِ ) رَقِيقٍ مِنْ التَّرِكَةِ ( أَوْ ) ب ( سُكْنَى ) دَارٍ مُعَيَّنَةٍ ( أَوْ ) ب ( حَمْلِ أَمَةٍ ) مُعَيَّنَةٍ ( بِدَرَاهِمَ ) مَثَلًا ( مُسَمَّاةٍ جَازَ ) ذَلِكَ صُلْحًا ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ ( لَا بَيْعًا ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ

( وَمَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ بِشَيْءٍ ) مِنْ عَيْنٍ كَدِينَارٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارِهِ شَهْرًا صَحَّ ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَرْشِ فِي شَيْءٍ وَ ( رَجَعَ ) بِالْمُصَالَحِ ( بِهِ إنْ بَانَ عَدَمُهُ ) أَيْ الْعَيْبِ كَنَفَاخِ بَطْنِ أَمَةٍ ظَنَّهُ حَمْلًا ثُمَّ ظَهَرَ الْحَالُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ ( أَوْ زَالَ ) الْعَيْبُ ( سَرِيعًا ) بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا تَعْطِيلِ نَفْعٍ عَلَى مُشْتَرٍ كَمُزَوَّجَةٍ بَانَتْ وَمَرِيضٍ عُوفِيَ لِحُصُولِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْ الْمَبِيعِ بِلَا ضَرَرٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ( وَتَرْجِعُ امْرَأَةٌ صَالَحَتْ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ عَيْبِ مَبِيعِهَا ( بِتَزْوِيجِهَا ) وَبَانَ عَدَمُهُ أَوْ زَالَ سَرِيعًا ( بِأَرْشِهِ ) أَيْ الْعَيْبِ لَوْ كَانَ أَوْ لَمْ يَزُلْ سَرِيعًا ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْأَرْشِ مَهْرًا لَهَا وَكَذَا إنْ بَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ ، كَقِنٍّ خَرَجَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِزَرْعٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ صَحَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ

( وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا ) أَيْ مَجْهُولٍ لَهُمَا أَوْ لِلْمَدِينِ ( تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ دَيْنٍ ) كَمَنْ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ أَوْ حِسَابٌ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ طَوِيلٌ ( أَوْ ) تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مِنْ ( عَيْنٍ ) كَقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ اخْتَلَطَا وَطُحِنَا ( بِ ) مَالٍ ( مَعْلُومِ نَقْدٍ ) أَيْ حَالٍّ ( وَنَسِيئَةٍ ) { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ بَيْنَهُمَا اسْتَهِمَا وَتَوَاخَيَا الْحَقَّ وَلْيَحْلِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ لِلْحَاجَةِ وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ أَوْ بَقَاءِ شَغْلِ الذِّمَّةِ ، إذْ لَا طَرِيقَ إلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَهْلُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ وَالْجَهْلُ بِهِ يَمْنَعُهُ وَإِذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ ) عِلْمُ الْمَجْهُولِ كَتَرِكَةٍ بَاقِيَةٍ صَالَحَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجَةَ عَنْ حِصَّتِهَا مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ بِهَا ( فَكَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ ) جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ نَزَّلَ أَصْحَابُنَا الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ الْمُقَرِّ بِهِ بِمَعْلُومٍ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِنْصَافُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ الْإِبْرَاءَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ .

( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ فِي الْمَالِ ، الصُّلْحُ ( عَلَى إنْكَارٍ بِأَنْ يَدَّعِيَ ) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ ( عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَيُنْكِرَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَوْ يَسْكُتَ وَهُوَ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( يَجْهَلُهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ( ثُمَّ يُصَالِحَهُ عَلَى نَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ ( فَيَصِحُّ ) الصُّلْحُ لِلْخَيْرِ .
لَا يُقَالُ : هَذَا يُحِلُّ حَرَامًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَّ بِالصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَكَذَا الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْهِبَةِ أَوْ الْإِبْرَاءِ ، بَلْ مَعْنَى يُحِلُّ حَرَامًا مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَاءِ تَحْرِيمِهِ ، كَاسْتِرْقَاقِ حُرٍّ ، أَوْ إحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ ، أَوْ الصُّلْحِ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ ( وَيَكُونُ ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارِ ( إبْرَاءِ حَقِّهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ الْعِوَضِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ فَ ( لَا شُفْعَةَ فِيهِ ) أَيْ الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ .
( وَلَا يَسْتَحِقُّ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( لِعَيْبٍ ) وَجَدَهُ فِي مُصَالَحٍ عَنْهُ ( شَيْئًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ فَلَا مُعَاوَضَةَ .
( وَ ) يَكُونُ الصُّلْحُ ( بَيْعًا فِي حَقِّ مُدَّعٍ فَلَهُ رَدُّهُ ) أَيْ الْمُصَالَحِ بِهِ عَمَّا ادَّعَاهُ ( بِعَيْبٍ ) يَجِدُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضُ مَا ادَّعَاهُ ( وَفُسِخَ الصُّلْحُ ) إنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ وَإِلَّا طَالَبَ بِبَدَلِهِ ( وَيَثْبُتُ فِي ) شِقْصٍ ( مَشْفُوعٍ ) صُولِحَ بِهِ ( الشُّفْعَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ ( إلَّا إذَا صَالَحَ ) الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ ( بِبَعْضِ عَيْنٍ مُدَّعًى بِهَا ) .
كَمَنْ ادَّعَى نِصْفَ دَارٍ بِيَدِ آخَرَ

فَأَنْكَرَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِهَا ( فَهُوَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( فِيهِ ) أَيْ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ ( كَالْمُنْكِرِ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَلَا يُؤْخَذُ مَعَهُ بِشُفْعَةٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ لِعَيْبٍ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ عَيْنِ مَالِهِ مُسْتَرْجِعًا لَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ ( وَمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِ نَفْسِهِ ) مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ ( فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ ) أَمَّا الْمُدَّعِي ؛ فَلِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ ، وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَحْدِهِ حَقَّ الْمُدَّعِي لِيَأْكُلَ مَا يَنْتَقِصُهُ بِالْبَاطِلِ ( وَمَا أَخَذَ ) مُدَّعٍ عَالِمٌ كَذِبَ نَفْسِهِ مِمَّا صُولِحَ بِهِ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ مِمَّا انْتَقَصَهُ مِنْ الْحَقِّ بِجَحْدِهِ ( فَهُوَ حَرَامٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ ، وَلَا يَشْهَدُ لَهُ إنْ عُلِمَ ظُلْمُهُ نَصًّا وَإِنْ صَالَحَ الْمُنْكِرُ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَقَامَ مُدَّعٍ بَيِّنَةَ أَنَّ الْمُنْكِرَ قَبِلَ الصُّلْحَ بِالْمِلْكِ لَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَنْقُصْ الصُّلْحُ

( وَمَنْ قَالَ ) لَآخِرَ ( صَالِحْنِي عَنْ الْمِلْكِ الَّذِي تَدَّعِيهِ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ ) أَيْ بِالْمِلْكِ لِلْمَقُولِ لَهُ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ صِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ التَّبَذُّلِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ

( وَإِنْ صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُنْكِرٍ لِدَيْنٍ ) بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِهِ صَحَّ لِجَوَازِ قَضَائِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ لِفِعْلِ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ فِي الضَّمَانِ

( أَوْ ) صَالَحَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مُنْكِرٍ ل ( عَيْنٍ بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمُنْكِرِ ( أَوْ ) ب ( دُونِهِ ) أَيْ إذْنِهِ ( صَحَّ ) الصُّلْحُ ( وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ) الْأَجْنَبِيُّ ( إنَّهُ ) أَيْ الْمُنْكِرَ ( وَكَّلَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ افْتِدَاءٌ لِلْمُنْكِرِ مِنْ الْخُصُومَةِ وَإِبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الدَّعْوَى ( وَلَا يَرْجِعُ ) الْأَجْنَبِيُّ بِشَيْءٍ مِمَّا صَالَحَ بِهِ عَنْ الْمُنْكِرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إنْ دَفَعَ ( بِدُونِ إذْنِهِ ) فِي الصُّلْحِ أَوْ الدَّفْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ فَإِنْ أَذِنَ الْمُنْكِرُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الصُّلْحِ أَوْ الْأَدَاءِ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ إنْ نَوَاهُ ( وَإِنْ صَالَحَ ) الْأَجْنَبِيُّ الْمُدَّعِي ( لِنَفْسِهِ لِيَكُونَ الطَّلَبُ لَهُ ) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ ( وَقَدْ أَنْكَرَ ) الْأَجْنَبِيَّ ( الْمُدَّعَى ) أَيْ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَ غَيْرِهِ ( أَوْ أَقَرَّ ) الْأَجْنَبِيُّ .
( وَالْمُدَّعَى ) بِهِ ( دَيْنٌ ) لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ( أَوْ هُوَ ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ( عَيْنٌ ) وَأَقَرَّ بِهَا ( وَعَلِمَ ) الْأَجْنَبِيُّ ( عَجْزَهُ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا ) مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ ( لَمْ يَصِحَّ ) الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ ( وَإِنْ ظَنَّ ) الْأَجْنَبِيُّ ( الْقُدْرَةَ ) عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ مَالِكٍ مِلْكَهُ الْقَادِرَ عَلَى أَخْذِهِ فِي اعْتِقَادِهِ ( أَوْ ) ظَنَّ ( عَدَمَهَا ) أَيْ الْقُدْرَةِ ( ثُمَّ تَبَيَّنَتْ ) قُدْرَتُهُ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا ( صَحَّ ) الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ظَنُّ عَدَمِهِ .
( ثُمَّ إنْ عَجَزَ ) الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ الصُّلْحِ ظَانًّا الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا ( خُيِّرَ ) الْأَجْنَبِيُّ ( بَيْنَ فَسْخِ ) الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ

الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ .
( وَ ) بَيْنَ ( إمْضَاءِ ) الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِك عَنْ الْعَيْنِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك بِهَا وَإِنَّمَا يَجْحَدُك فِي الظَّاهِرِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَقَالَ الْقَاضِي يَصِحُّ ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَلَكَ الْعَيْنَ وَرَجَعَ الْأَجْنَبِيُّ بِمَا أَدَّى عَنْهُ إنْ أَذِنَهُ فِي دَفْعِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ مُدَّعًى عَلَيْهِ الْإِذْنَ فِيهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ فِيهِ أَيْ الدَّفْعِ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَحُكْمُهُ كَمَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا بِلَا إذْنِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِمِلْكِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ قَدْ وَكَّلَ فِي الشِّرَاءِ فَقَدْ مَلَكَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاطِنًا وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي : قَدْ عَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِحَّةَ دَعْوَاكَ وَيَسْأَلُكَ الصُّلْحَ عَنْهُ وَوَكَّلَنِي فِيهِ فَصَالَحَهُ صَحَّ ، وَكَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ أَدَائِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي مُلَخَّصًا .

فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ ( وَيَصِحُّ صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ وَ ) مَعَ ( إنْكَارٍ عَنْ قَوَدٍ ) فِي نَفْسٍ وَدُونِهَا .
( وَ ) عَنْ ( سُكْنَى ) دَارٍ وَنَحْوِهَا ( وَ ) عَنْ ( عَيْبٍ ) فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ ، قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ ، فَيَصِحُّ عَنْ قَوَدٍ ( يَفُوقُ دِيَةً ) وَلَوْ بَلَغَ دِيَاتٍ أَوْ قِيلَ الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَمْ يَقَعْ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ .
( وَ ) يَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا تَقَدَّمَ ( بِمَا يَثْبُتُ مَهْرًا ) فِي نِكَاحٍ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ( حَالًّا وَمُؤَجَّلًا ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْقَاطُهُ

و ( لَا ) يَصِحُّ صُلْحٌ ( بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ ) فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ( أَوْ ) عَنْ ( شُفْعَةٍ أَوْ ) عَنْ ( حَدِّ قَذْفٍ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِاسْتِفَادَةِ مَالٍ بَلْ الْخِيَارُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحَظِّ وَالشُّفْعَةُ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلزَّجْرِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ النَّاس ( وَيَسْقُطُ جَمِيعُهَا ) أَيْ الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ وَحَدُّ الْقَذْفِ بِالصُّلْحِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِهَا

( وَلَا ) يَصِحُّ أَنْ يُصَالِحَ ( سَارِقًا أَوْ شَارِبًا لِيُطْلِقَهُ ) وَلَا يَرْفَعَهُ لِلسُّلْطَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ ، ( أَوْ ) يُصَالِحَ ( شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ ) لِتَحْرِيمِ كِتْمَانِهَا إنْ صَالَحَهُ عَلَى أَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ ، وَكَذَا عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ

( وَمَنْ صَالَحَ ) آخَرَ ( عَنْ دَارٍ وَنَحْوِهَا ) كَكِتَابٍ وَحَيَوَانٍ بِعِوَضٍ ( فَبَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا ) لِغَيْرِ الْمُصَالِحِ أَوْ بَانَ الْقِنُّ حُرًّا ( رَجَعَ بِهَا ) أَيْ الدَّارِ وَنَحْوِهَا الْمُصَالَحِ عَنْهَا إنْ بَقِيَتْ وَبِبَدَلِهَا إنْ تَلِفَتْ إنْ كَانَ الصُّلْحُ ( مَعَ إقْرَارِ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ لِفَسَادِ عِوَضِهِ فَرَجَعَ فِيمَا كَانَ لَهُ ( وَ ) رَجَعَ ( بِالدَّعْوَى ) أَيْ إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ الصُّلْحِ .
( وَفِي الرِّعَايَةِ : أَوْ قِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ ) الْمُصَالَحِ بِهِ ( مَعَ إنْكَارٍ ) لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الصُّلْحِ بِخُرُوجِ الْمُصَالَحِ بِهِ غَيْرَ مَالٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَالَحَ بِعَصِيرٍ فَبَانَ خَمْرًا فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ .
وَوَجْهُ مَا فِي الرِّعَايَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ رَضِيَ بِالْعِوَضِ وَانْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَكَانَ لَهُ قِيمَتُهُ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَا أَثَرَ لَهُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ .
( وَ ) رَجَعَ الْمُصَالِحُ ( عَنْ قَوَدٍ ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا بِعِوَضٍ وَبَانَ مُسْتَحَقًّا ( بِقِيمَةِ عِوَضٍ ) مُصَالَحٍ بِهِ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْهُ وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِقِنٍّ فَخَرَجَ حُرًّا ( وَإِنْ عَلِمَاهُ ) أَيْ عَلِمَ الْمُتَصَالِحَانِ أَنَّ الْعِوَضَ مُسْتَحَقٌّ أَوْ حُرٌّ حَالَ الصُّلْحِ ( فَبِالدِّيَةِ ) يَرْجِعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ لِحُصُولِ الرِّضَا عَلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ ، فَيَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْهُولًا كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مُطْلَقٍ صَحَّ وَلَهُ الْوَسَطُ

( وَيَحْرُمُ أَنْ يُجْرِيَ ) شَخْصٌ ( فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ ) فِي ( سَطْحِهِ ) أَيْ الْغَيْرِ ( مَاءً ) وَلَوْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ ( بِلَا إذْنِهِ ) أَيْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ السَّطْحِ لِتَضَرُّرِهِ أَوْ تَضَرُّرِ أَرْضِهِ وَكَزَرْعِهَا ( وَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَلَى ذَلِكَ ) أَيْ إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ سَطْحِهِ ( بِعِوَضٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ ( فَ ) إنْ صَالَحَهُ عَلَى إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ ( مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ ) أَيْ رَبِّ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ بِأَنْ تَصَالَحَا عَلَى إجْرَائِهِ فِيهِ وَمِلْكُهُ بِحَالِهِ فَهُوَ ( إجَارَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ .
( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتَصَالَحَا عَلَى إجْرَائِهِ فِيهِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ ( فَ ) هُوَ ( بَيْعٌ ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَلِّ ( وَيُعْتَبَرُ ) لِصِحَّةِ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ إجَارَةً ( عِلْمُ قَدْرِ الْمَاءِ ) الَّذِي يُجْرِيهِ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهِ بِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ ( بِسَاقِيَتِهِ ) أَيْ الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مَائِهَا .
( وَ ) عِلْمُ قَدْرِ ( مَاءِ مَطَرٍ بِرُؤْيَةِ مَا ) أَيْ مَحِلٍّ ( يَزُولُ عَنْهُ ) مِنْ سَطْحٍ أَوْ أَرْضٍ ( أَوْ ) ب ( مِسَاحَتِهِ ) أَيْ ذِكْرِ قَدْرِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ لِيُعْلَمَ مَبْلَغُهُ ( وَتَقْدِيرُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ ) مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ عِلْمُ قَدْرِ ( عُمْقِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ عَيْنَ الْأَرْضِ أَوْ نَفْعَهَا كَانَ لَهُ إلَى التُّخُومِ فَلَهُ النُّزُولُ فِيهِ مَا شَاءَ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ يُعْتَبَرُ إنْ وَقَعَ إجَارَةً ( وَلَا ) عِلْمُ ( مُدَّتِهِ ) أَيْ الْإِجْرَاءِ ( لِلْحَاجَةِ ) إذْ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ ( كَنِكَاحٍ ) .
وَفِي الْقَوَاعِدِ : لَيْسَ بِإِجَارَةٍ مَحْضَةٍ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ ( وَلِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ عَلَى سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ ) فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيُجْرِيَ الْغَيْرُ مَاءَهُ فِيهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى

رَسْمٍ قَدِيمٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحْفُورَةً لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهَا فِيهَا

وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ الصُّلْحُ ( عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَى سَطْحٍ أَوْ ) عَلَى ( أَرْضٍ ) ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ ، وَالْأَرْضَ يَجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا رَسْمًا فَرُبَّمَا ادَّعَى رَبُّ الْمَاءِ الْمِلْكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ، .
( وَ ) أَرْضٍ ( مَوْقُوفَةٍ كَمُؤَجَّرَةٍ ) فِي الصُّلْحِ عَنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ عَلَى سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ لَا عَلَى إحْدَاثِ سَاقِيَةٍ أَوْ إجْرَاءِ مَاءِ مَطَرٍ عَلَيْهَا : وَفِي الْمُغْنِي الْأَوْلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَفْرُ السَّاقِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّ الْبَابَ وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ فِي مُؤَجَّرَةٍ ، وَفِي مَوْقُوفَةٍ الْخِلَافُ ، أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ : وَهُوَ أَوْلَى قَالَ : وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ

( وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَقْيِ أَرْضِهِ ) أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا ( مِنْ نَهْرِهِ ) أَيْ عَمْرٍو مَثَلًا ( أَوْ ) مِنْ ( عَيْنِهِ ) أَوْ بِئْرِهِ الْمُعَيَّنِ ( مُدَّةً وَلَوْ ) كَانَتْ مُدَّةَ السَّقْيِ ( مُعَيَّنَةً لَمْ يَصِحَّ ) الصُّلْحُ بِعِوَضٍ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمَاءِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى ثُلُثِ النَّهْرِ أَوْ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ صَحَّ وَالْمَاءُ تَبَعٌ لِلْقَرَارِ ( وَيَصِحُّ شِرَاءُ مَمَرٍّ فِي دَارٍ ) وَنَحْوِهَا مِنْ مَالِكِهِ ( وَ ) شِرَاءُ ( مَوْضِعٍ بِحَائِطٍ يُفْتَحُ بَابًا ) وَشِرَاءُ ( بُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَجَازَ بَيْعُهَا كَالْأَعْيَانِ .
( وَ ) يَصِحُّ شِرَاءُ ( عُلُوِّ بَيْتٍ وَلَوْ لَمْ يُبْنَ ) الْبَيْتُ ( إذَا وُصِفَ ) الْبَيْتُ لِيُعْلَمَ ( لِيَبْنِيَ ) عَلَيْهِ ( أَوْ ) ل ( يَضَعَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْعُلُوِّ ( بُنْيَانًا أَوْ ) يَضَعَ عَلَيْهِ ( خَشَبًا مَوْصُوفَيْنِ ) أَيْ الْبُنْيَانَ وَالْخَشَبُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ كَالْقَرَارِ ( وَمَعَ زَوَالِهِ ) أَيْ مَا عَلَى الْعُلُوِّ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ خَشَبٍ ( وَلَهُ ) أَيْ لِرَبِّ الْبِنَاءِ أَوْ الْخَشَبِ ( الرُّجُوعُ ) عَلَى رَبِّ سُفْلٍ ( بِ ) أُجْرَةِ ( مُدَّتِهِ ) أَيْ مُدَّة زَوَالٍ عَنْهُ ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُغْنِي بِمَا إذَا كَانَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَكَانَ سُقُوطُهَا لَا يَعُودُ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا فِيمَا إذَا كَانَ سُقُوطًا يُمْكِنُ عَوْدُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ .
( وَ ) لَهُ ( إعَادَتُهُ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ زَالَ لِسُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ مَا تَحْتَهُ أَوْ لِهَدْمِهِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بَقَاءَهُ بِعِوَضٍ ( وَ ) لَهُ ( الصُّلْحُ عَلَى عَدَمِهَا ) أَيْ الْإِعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهُ مِنْهُ جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ ( كَ ) مَا لَهُ الصُّلْحُ ( عَلَى زَوَالِهِ ) أَيْ رَفْعِ مَا عَلَى الْعُلُوِّ مِنْ بُنْيَانٍ أَوْ خَشَبٍ سَوَاءٌ صَالَحَهُ عَنْهُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَلَى وَضْعِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ فَصَحَّ بِمَا

اتَّفَقَا عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَسِيلُ مَاءٍ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ فَصَالَحَ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَحِقَّهُ لِيُزِيلَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ جَازَ ( وَ ) لَهُ ( فِعْلُهُ ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَمَرِّ وَفَتْحِ الْبَابِ بِالْحَائِطِ وَحَفْرِ الْبُقْعَةِ بِالْأَرْضِ بِئْرًا وَوَضْعِ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ عَلَى عُلُوِّ غَيْرِهِ ( صُلْحًا أَبَدًا ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالصُّلْحِ ( أَوْ ) فَعَلَهُ ( إجَارَةً مُدَّة مُعِينَةً ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ ( وَإِذَا مَضَتْ بَقِيَ وَلَهُ ) أَيْ مَالِكِ الْعُلُوِّ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) وَلَا يُطَالِبُ بِإِزَالَةِ بِنَائِهِ وَخَشَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُسْتَأْجَرُ كَذَلِكَ إلَّا لِلتَّأْبِيدِ ، وَمَعَ التَّسَاكُتِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ قُلْتُ : وَعَلَى قِيَاسِهِ الْحُكُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ .

بِكَسْرِ الْجِيمِ مَصْدَرُ جَاوَرَ وَأَصْلُهُ الْمُلَازَمَةُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُعْتَكِفِ مُجَاوِرٌ لِمُلَازَمَةِ الْجَارِ جَارَهُ فِي الْمَسْكَنِ .
وَفِي الْحَدِيثِ { مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ } ( إذَا حَصَلَ فِي هَوَائِهِ ) أَيْ الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ ( أَوْ ) فِي ( أَرْضِهِ ) الَّتِي يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضِهَا أَوْ يَمْلِكُ نَفْعَهَا أَوْ بَعْضَهُ ( غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ عِرْقُهُ ) أَيْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ عِرْقُ شَجَرِ غَيْرِهِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ رَبَّ الْغُصْنِ وَالْعِرْقِ ( إزَالَتُهُ ) بِرَدِّهِ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَوْ قَطْعُهُ سَوَاءٌ أَثَّرَ ضَرَرًا أَوْ لَا لِيُخَلِّيَ مِلْكَهُ الْوَاجِبَ إخْلَاؤُهُ وَالْهَوَاءُ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ .
( وَضَمِنَ ) رَبُّ غُصْنٍ أَوْ عِرْقٍ ( مَا تَلِفَ بِهِ بَعْدَ طَلَبٍ ) بِإِزَالَتِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُعْتَدِيًا بِإِبْقَائِهِ وَبَنَاهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا مَالَ حَائِطُهُ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِذَا أَبَى ) رَبُّ غُصْنٍ أَوْ عِرْقٍ إزَالَتَهُ ( فَلَهُ ) أَيْ رَبِّ الْهَوَاءِ أَوْ الْأَرْضِ ( قَطْعُهُ ) أَيْ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ إنْ لَمْ يَزُلْ إلَّا بِهِ بِلَا حَاكِمٍ وَلَا غُرْمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُ مَالِ غَيْرِهِ فِي مِلْكِهِ بِلَا رِضَاهُ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى إزَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( صُلْحُهُ ) أَيْ رَبِّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ عَلَى ذَلِكَ بِعِوَضٍ ( وَلَا ) صُلْحُ ( مَنْ مَالَ حَائِطُهُ أَوْ زَلَقَ خَشَبُهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ ) أَيْ إبْقَائُهُ كَذَلِكَ ( بِعِوَضٍ ) ؛ لِأَنَّ شَغْلَهُ لِمِلْكِ الْآخَرِ لَا يَنْضَبِطُ وَإِذَا اتَّفَقَا ) أَيْ رَبُّ الْغُصْنِ وَالْهَوَاءِ أَوْ الْأَرْضِ وَالْعِرْقِ عَلَى ( أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ أَوْ ) عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ ( بَيْنَهُمَا جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ مِنْ الْقَطْعِ ( وَلَمْ يَلْزَمْ ) الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي

إلَى ضَرَرِ رَبِّ الشَّجَرِ لِتَأْبِيدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهِ أَوْ مَالِكِ الْهَوَاءِ ، أَوْ الْأَرْضِ لِتَأْبِيدِ بَقَاءِ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ فِي مِلْكِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ امْتَنَعَ رَبُّ الشَّجَرَةِ مِنْ دَفْعِ مَا صَالَحَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ

( وَحَرُمَ إخْرَاجُ دُكَّانٍ ) بِضَمِّ الدَّالِ ( وَ ) إخْرَاجُ ( دَكَّةٍ ) بِفَتْحِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالدَّكَّةُ بِالْفَتْحِ وَالدُّكَّانُ بِالضَّمِّ بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ .
وَفِي مَوْضِعٌ آخَرَ الدُّكَّانُ كَرُّمَّانٍ الْحَانُوتُ ( بِ ) طَرِيقٍ ( نَافِذٍ ) سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حَالًا فَقَدْ يَضُرُّ مَآلًا وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَضُرَّ ( فَيَضْمَنُ ) مَخْرَجَ دُكَّانٍ أَوْ دَكَّةٍ ( مَا تَلِفَ بِهِ ) لِتَعَدِّيهِ

( وَكَذَا جَنَاحٌ وَ ) هُوَ الرَّوْشَنُ عَلَى أَطْرَافِ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ مَدْفُونَةٍ فِي الْحَائِطِ وَ ( سَابَاطٌ ) وَهُوَ الْمُسْتَوْفِي لِلطَّرِيقِ عَلَى جِدَارَيْنِ ( وَمِيزَابٌ ) فَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا بِنَافِذٍ ( إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ ، وَلِحَدِيثِ أَحْمَدَ " أَنَّ عُمَرَ اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ نَصَبَ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ فَقَلَعَهُ فَقَالَ تَقْلَعُهُ وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا تَنْصِبَهُ إلَّا عَلَى ظَهْرِي فَانْحَنَى حَتَّى صَعَدَ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَصَبَهُ " وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ ( بِلَا ضَرَرٍ بِأَنْ يُمْكِنَ عُبُورُ مَحْمَلٍ ) مِنْ تَحْتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُ وَلَا إذْنُهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مُنْخَفِضًا وَقْتَ وَضْعِهِ ثُمَّ ارْتَفَعَ لِطُولِ الزَّمَنِ فَحَصَلَ بِهِ ضَرَرٌ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ

( وَيَحْرُمُ ذَلِكَ ) أَيْ إخْرَاجُ دُكَّانٍ وَدَكَّةٍ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ ( فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ هَوَائِهِ ) أَيْ الْغَيْرِ ( أَوْ ) فِي ( دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ ) أَ ( و فَتْحِ بَابٍ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِيهِ ) أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ ( لِاسْتِطْرَاقٍ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ ) إنْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ( أَوْ ) إلَّا بِإِذْنِ ( أَهْلِهِ ) أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ إنْ فَعَلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الدَّرْبَ مِلْكُهُمْ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ

( وَيَجُوزُ ) فَتْحُ بَابٍ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ ( لِغَيْرِ اسْتِطْرَاقٍ ) كَلِضَوْءٍ وَهَوَاءٍ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ وَلَمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ غَايَتَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِرَفْعِ بَعْضِ حَائِطِهِ ( وَ ) يَجُوزُ فَتْحُ ذَلِكَ وَلَوْ لِاسْتِطْرَاقٍ ( فِي ) زُقَاقٍ ( نَافِذٍ ) ؛ لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَالِكٌ وَلَا إضْرَارَ فِيهِ عَلَى الْمَارِّينَ

( وَ ) يَجُوزُ ( صُلْحٌ عَنْ ذَلِكَ ) أَيْ عَنْ إخْرَاجِ دُكَّانٍ وَدَكَّةٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ بِهَوَاءِ غَيْرِهِ وَالِاسْتِطْرَاقُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ ( بِعِوَضٍ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِمَالِكِهِ الْخَاصِّ وَلِأَهْلِ الدَّرْبِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَمَحَلُّهُ فِي الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ إنْ عُلِمَ مِقْدَارُ خُرُوجِهِ وَعُلُوِّهِ

( وَ ) يَجُوزُ ( نَقْلُ بَابٍ فِي ) دَرْبٍ ( غَيْرِ نَافِذٍ ) مِنْ آخِرِهِ ( إلَى أَوَّلِهِ ) لِتَرْكِهِ بَعْضَ حَقِّهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ( بِلَا ضَرَرٍ ) فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ مُنِعَ مِنْهُ ( كَ ) أَنْ فَتَحَهُ فِي ( مُقَابَلَةِ بَابِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ ) كَفَتْحِهِ عَالِيًا يَصْعَدُ إلَيْهِ بِسُلَّمٍ يُشْرِفُ مِنْهُ عَلَى دَارِ جَارِهِ

وَ ( لَا ) يَجُوزُ نَقْلُ الْبَابِ بِدَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ مِنْ أَوَّلِهِ ( إلَى دَاخِلٍ ) مِنْهُ نَصًّا ( إنْ لَمْ يَأْذَنْ مَنْ فَوْقَهُ ) أَيْ الدَّاخِلُ عَنْهُ لِتَعَدِّيهِ إلَى مَوْضِعٍ لَا اسْتِطْرَاقَ لَهُ فِيهِ .
( وَ ) إنْ أَذِنَ مَنْ فَوْقَهُ جَازَ ، وَ ( يَكُونُ إعَارَةً ) لَازِمَةً فَلَا رُجُوعَ لِلْآذِنِ بَعْدَ فَتْحِ الدَّاخِلِ وَسَدُّ الْأَوَّلِ كَإِذْنِهِ فِي نَحْوِ بِنَاءٍ عَلَى جِدَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالْمُسْتَعِيرِ ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ سَدَّ الْمَالِكُ بَابَهُ الدَّخِلَ ، ثُمَّ أَرَادَ فَتْحَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بِإِذْنٍ ثَانٍ

( وَمَنْ خَرَقَ بَيْنَ دَارَيْنِ لَهُ ) أَيْ الْخَارِقِ ( مُتَلَاصِقَيْنِ ) مِنْ ظَهْرِهِمَا ( بَابَاهُمَا فِي دَرْبَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ ) أَيْ بَابُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ ( وَاسْتَطْرَقَ ) بِالْخَرْقِ ( إلَى كُلٍّ ) مِنْ الدَّارَيْنِ ( مِنْ الْأُخْرَى جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَطْرَقَ مِنْ كُلِّ دَرْبٍ إلَى دَارِهِ الَّتِي فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ، كَدَارٍ وَاحِدَةٍ لَهَا بَابَانِ يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ

( وَحَرُمَ ) عَلَى مَالِكٍ ( أَنْ يُحْدِثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ كَحَمَّامٍ ) يَتَأَذَّى جَارُهُ بِدُخَانِهِ أَوْ يَتَضَرَّرُ حَائِطُهُ بِمَائِهِ وَمِثْلُهُ مَطْبَخُ سُكَّرٍ ( وَكَنِيفٍ ) يَتَأَذَّى جَارُهُ بِرِيحِهِ أَوْ يَصِلُ إلَى بِئْرِهِ ( وَرَحًى ) يَهْتَزُّ بِهَا حِيطَانُهُ ( وَتَنُّورٍ ) يَتَعَدَّى دُخَانُهُ إلَيْهِ وَدُكَّانِ حِدَادَةٍ وَقِصَارَةٍ يَتَأَذَّى بِدَقِّهِ بِهَزِّ الْحِيطَانِ لِحَدِيثِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } بِجَارِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْجَارِ ( مَنْعُهُ إنْ فَعَلَ ) ذَلِكَ ( كَابْتِدَاءِ إحْيَائِهِ ) أَيْ كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ابْتِدَاءِ إحْيَاءِ مَا بِجِوَارِهِ لِتَعَلُّقِ مَصَالِحِهِ بِهِ ( وَ ك ) مَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ( دَقٍّ وَسَقْيٍ يَتَعَدَّى ) إلَيْهِ لِلْخَبَرِ وَلَهُ تَعْلِيَةُ دَارِهِ وَلَوْ أَفْضَى إلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عَنْ جَارِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ( بِخِلَافِ طَبْخٍ وَخَبْزٍ فِيهِ ) أَيْ مِلْكِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَضَرَرُهُ يَسِيرٌ لَا سِيَّمَا بِالْقُرَى .
وَإِنْ ادَّعَى فَسَادَ بِئْرِهِ بِكَنِيفِ جَارِهِ أَوْ بَالُوعَتِهِ اُخْتُبِرَ بِالنِّفْطِ يُلْقَى فِيهِمَا فَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِالْمَاءِ نُقِلَتَا إنْ لَمْ يُمْكِنُ إصْلَاحُهُمَا

( وَمَنْ لَهُ حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي عَلَى سَطْحِ جَارِهِ لَمْ يَجُزْ لِجَارِهِ تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ الْمَاءَ ) أَنْ يَجْرِيَ عَلَى سَطْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ جَارِهِ ( أَوْ ) أَنْ يُعَلِّيَهُ ( ل ) كَيْ ( يَكْثُرَ ضَرَرُهُ ) أَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ بِإِجْرَائِهِ عَلَى مَا عَلَاهُ لِلْمُضَارَّةِ بِهِ

( وَيَحْرُمُ تَصَرُّفٌ فِي جِدَارِ جَارٍ أَوْ ) فِي جِدَارٍ ( مُشْتَرَكٍ ) بَيْنَ الْمُتَصَرِّفِ وَغَيْرِهِ ( بِفَتْحِ رَوْزَنَةٍ ) وَهِيَ الْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ الْخَرْقُ فِي الْحَائِطِ ( أَوْ ) بِفَتْحِ ( طَاقٍ أَوْ ) ب ( ضَرْبِ وَتَدٍ ) وَلَوْ لِسُتْرَةٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَجَعْلِ رَفٍّ فِيهِ ( إلَّا بِإِذْنِ ) مَالِكِهِ أَوْ شَرِيكِهِ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( وَضْعُ خَشَبٍ ) عَلَى جِدَارِ دَارٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ ( إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ ) فَيَجُوزُ ( بِلَا ضَرَرٍ ) نَصًّا ( وَيُجْبَرُ ) رَبُّ الْجِدَارِ أَوْ الشَّرِيكِ فِيهِ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْهُ ( إنْ أَبَى ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ؟ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِحَائِطِ جَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّهُ أَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ وَلَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ إذَنْ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ( وَجِدَارُ مَسْجِدٍ ك ) جِدَارِ ( دَارٍ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ فِي مِلْكِ الْآدَمِيِّ مَعَ شُحِّهِ وَضِيقِهِ فَحَقُّ اللَّهِ أَوْلَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَتْحِ الْبَابِ وَالطَّاقِ وَبَيْنَ وَضْعِ الْخَشَبِ : أَنَّ الْخَشَبَ يُمْسِكُ الْحَائِطَ وَالطَّاقَ وَالْبَابَ يُضْعِفُهُ ، وَوَضْعُ الْخَشَبِ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِرَبِّ الْحَائِطِ هَدْمُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَمَتَى زَالَ الْخَشَب بِسُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ الْحَائِطِ ثُمَّ أُعِيدَ فَلَهُ إعَادَتُهُ إنْ بَقِيَ الْمُجَوِّزُ لِوَضْعِهِ وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إزَالَتُهُ وَإِنْ اسْتَغْنَى رَبُّ الْخَشَبِ عَنْ إبْقَائِهِ عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْهُ إزَالَتُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِصَاحِبِهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَيْسَ لِرَبِّهِ هَدْمُهُ بِلَا

حَاجَةٍ ، وَلَا إجَارَتُهُ أَوْ إعَارَتُهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ .

وَمَنْ وَجَدَ بِنَاءَهُ أَوْ خَشَبَهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ وَزَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهُ بِحَقٍّ ، وَكَذَا مَسِيلُ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مَجْرَى مَاءٍ بِسَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ بِحَقٍّ أَوْ عُدْوَانٍ فَقَوْلُ صَاحِبِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ

( وَلَهُ ) أَيْ الْإِنْسَانِ ( أَنْ يَسْتَنِدَ ) إلَى حَائِطِ غَيْرِهِ ( وَ ) أَنْ ( يُسْنِدَ قُمَاشَهُ وَجُلُوسَهُ فِي ظِلِّهِ ) بِلَا إذْنِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ .
( وَ ) يَجُوزُ ( نَظَرُهُ ) أَيْ الْإِنْسَانِ ( فِي ضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ ) بِلَا إذْنِهِ نَصًّا لِمَا تَقَدَّمَ

( وَإِنْ طَلَبَ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ ) انْهَدَمَ طِلْقًا أَوْ وَقْفًا ( أَوْ ) فِي ( سَقْفٍ انْهَدَمَ ) مُشَاعًا بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا وَعُلُوِّ الْآخَرِ ( شَرِيكَهُ ) فِيهِ بِبِنَاءٍ مَعَهُ أَيْ الطَّالِبِ ( أُجْبِرَ ) الْمَطْلُوبُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَهُ نَصًّا ( كَ ) مَا يُجْبَرُ عَلَى ( نَقْضِهِ ) مَعَهُ ( عِنْدَ خَوْفِ سُقُوطِ ) الْحَائِطِ أَوْ السَّقْفِ دَفْعًا لِضَرَرِهِ لِحَدِيثِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } وَكَوْنُ الْمِلْكِ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ تُوجِبُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مُسَلَّمًا لَكِنَّ حُرْمَةَ الشَّرِيكِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ ذَلِكَ .
وَإِذَا أَبَى ) شَرِيكٌ الْبِنَاءَ مَعَ شَرِيكِهِ وَأَجْبَرَهُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ وَأَصَرَّ ( أَخَذَ حَاكِمٌ ) تَرَافَعَا إلَيْهِ ( مِنْ مَالِهِ ) أَيْ الْمُمْتَنِعِ النَّقْدَ وَأَنْفَقَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ( أَوْ بَاعَ ) الْحَاكِمُ ( عَرْضَهُ ) أَيْ الْمُمْتَنِعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ ( وَأَنْفَقَ ) مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ شَرِيكِهِ بِالْمُحَاصَّةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ وَإِذَا تَعَذَّرَ ) ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِنَحْوِ تَغْيِيبِ مَالِهِ ( اقْتَرَضَ عَلَيْهِ ) الْحَاكِمُ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَحْوِ زَوْجَتِهِ .
( وَإِنْ بَنَاهُ ) شَرِيكٌ ( بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ) أَوْ بِإِذْنِ ( حَاكِمٍ أَوْ ) بِدُونِ إذْنِهِمَا ( لِيَرْجِعَ ) عَلَى شَرِيكِهِ وَبَنَاهُ ( شَرِكَةً رَجَعَ ) لِرُجُوعِهِ عَلَى الْمُنْفِقِ عَنْهُ فَقَدْ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ .
( وَ ) إنْ بَنَاهُ شَرِيكُهُ ( لِنَفْسِهِ بِآلَتِهِ ) أَيْ الْمُنْهَدِمِ ( فَ ) الْمَبْنِيُّ ( شَرِكَةٌ ) بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّأْلِيفِ وَهُوَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ يَمْلِكُهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَرِيكَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِ نَفَقَةِ تَأْلِيفِهِ ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ .
( وَ ) إنْ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ ( بِغَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ آلَةِ الْمُنْهَدِمِ ( فَ ) الْبِنَاءُ ( لَهُ ) أَيْ الْبَانِي خَاصَّةً ( وَلَهُ ) أَيْ الْبَانِي ( نَقْضُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ( لَا إنْ دَفَعَ ) لَهُ ( شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ

) فَلَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ فَأُجْبِرَ عَلَى الْإِبْقَاءِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْبَانِي نَقْضُهُ وَلَا إجْبَارُ الْبَانِي عَلَى نَقْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْ بِنَائِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ إجْبَارَهُ عَلَى نَقْضِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَطَالَبَهُ الْبَانِي بِالْغَرَامَةِ أَوْ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا إنْ أَذِنَ وَإِنْ كَانَ لَهُ رَسْمُ الِانْتِفَاعِ وَوَضْعُ خَشَبٍ وَقَالَ : إمَّا أَنْ تَأْخُذْ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنْتَفِعَ بِهِ ، أَوْ تَقْلَعَهُ لِنُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَنَا ، لَزِمَهُ إجَابَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ رُسُومِهِ وَانْتِفَاعِهِ

( وَكَذَا إنْ احْتَاجَ لِعِمَارَةِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ نَاعُورَةٍ أَوْ قَنَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فَيُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ إنْ امْتَنَعَ وَفِي النَّفَقَةِ مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ( وَلَا يُمْنَعُ شَرِيكٌ مِنْ عِمَارَةِ ) تِلْكَ الْحَائِطِ وَإِذَا فَعَلَ ) أَيْ عَمَّرَ فِيهَا ( فَالْمَاءُ ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ( عَلَى الشَّرِكَةِ ) كَمَا كَانَ ، وَلَيْسَ لِلْمُعَمِّرِ مَنْعُهُ مِمَّنْ لَمْ يُعَمِّرْ ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ لَهُمْ وَالْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمَا فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ ، أَشْبَهَ الْحَائِطَ إذَا عَمَّرَهُ بِآلَتِهِ ، وَفِي الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ

( وَإِنْ بَنَيَا مَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ) مِنْ حَائِطِ أَوْ غَيْرِهِ ( وَالنَّفَقَةُ ) بَيْنَهُمَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ نِصْفَيْنِ ( عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ ) مِمَّا لِلْآخَرِ بِأَنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مِلْكِهِ بِبَعْضِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ فَصَالَحَهُ بِسُكْنَاهَا ( أَوْ ) بَنَيَاهُ عَلَى ( أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُهُ مَا احْتَاجَ ) إلَيْهِ ( لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ وَصَفَا الْحَمْلَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ

( وَإِنْ عَجَزَ قَوْمٌ عَنْ عِمَارَةِ قَنَاتِهِمْ أَوْ نَحْوِهَا ) كَنَهْرِهِمْ ( فَأَعْطَوْهَا لِمَنْ يُعَمِّرُهَا وَيَكُونُ مِنْهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ ) كَنِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ ( صَحَّ ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْجِزُوا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ كَدَفْعِ رَقِيقٍ لِمَنْ يُرَبِّيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ وَغَزْلٍ لِمَنْ يَنْسُجُهُ كَذَلِكَ

( وَمَنْ لَهُ عُلُوٌّ ) مِنْ طَبَقَتَيْنِ وَالسُّفْلُ لِآخَرَ ( أَوْ ) لَهُ ( طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ ) وَمَا تَحْتَهَا لِغَيْرِهِ فَانْهَدَمَ السُّفْلُ فِي الْأُولَى أَوْ السُّفْلُ أَوْ الْوَسَطُ أَوْ هُمَا فِي الثَّانِيَةِ ( لَمْ يُشَارِكْ ) رَبُّ الْعُلُوِّ ( فِي ) النَّفَقَةِ عَلَى ( بِنَاءِ مَا انْهَدَمَ تَحْتَهُ ) مِنْ سُفْلٍ أَوْ وَسَطٍ ؛ لِأَنَّ الْحِيطَانَ إنَّمَا تُبْنَى لِمَنْعِ النَّظَرِ وَالْوُصُولِ إلَى السَّاكِنِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ تَحْتَهُ دُونَ رَبِّ الْعُلُوِّ ( وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى بِنَائِهِ ( مَالِكُهُ ) أَيْ الْمُنْهَدِمِ تَحْتَ لِيَتَمَكَّنَ رَبُّ الْعُلُوِّ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِهِ .
( وَيَلْزَمُ الْأَعْلَى ) جَعْلُ ( سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ ) لِحَدِيثِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } " إذْ الْإِشْرَافُ عَلَى الْجَارِ إضْرَارٌ بِهِ لِكَشْفِهِ جَارَهُ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى حَرَمِهِ وَإِذَا اسْتَوَيَا ) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْجَارَيْنِ أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ ( اشْتَرَكَا ) فِي السُّتْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَلِكَ أُجْبِرَ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَلَيْسَ لَهُ الصُّعُودُ عَلَى سَطْحِهِ قَبْلَ بِنَاءِ سُتْرَةٍ حَيْثُ كَانَ يُشْرِفُ عَلَى جَارِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ سَدُّ طَاقَةٍ إذَا لَمْ يُشْرِفْ مِنْهُ عَلَى جَارِهِ وَلَا يُجْبَرُ مُمْتَنِعٌ مِنْ بِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا ، وَيَبْنِي الطَّالِبُ فِي مِلْكِهِ إنْ شَاءَ

( وَمَنْ هَدَمَ بِنَاءً لَهُ ) أَيْ الْهَادِمِ ( فِيهِ جُزْءٌ ) وَإِنْ قَلَّ ( إنْ خِيفَ سُقُوطُهُ ) حَالَ هَدْمِهِ ( فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِشَرِيكِهِ لِوُجُوبِ هَدْمِهِ إذَنْ ( وَإِلَّا ) يَخَفْ سُقُوطَهُ ( لَزِمَهُ إعَادَتُهُ ) كَمَا كَانَ ، لِتَعَدِّيهِ عَلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ إلَّا بِإِعَادَةِ جَمِيعِهِ ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ أَرْشُ نَقْصِهِ بِالنَّقْصِ .

كِتَابُ الْحَجْرِ .
لِلْفَلَسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً التَّضْيِيقُ وَالْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَرَمُ حِجْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ } ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ تَعَاطِي مَا يَقْبُحُ وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ وَشَرْعًا ( مَنْعُ مَالِكٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ ) سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ ، كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ ، أَوْ الْحَاكِمِ كَمَنْعِهِ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ الثَّمَنَ الْحَالَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَ ) الْحَجْرُ ( لِفَلَسٍ : مَنْعُ حَاكِمٍ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ ) حَالَ الْحَجْرِ وَالْمُتَجَدِّدِ بَعْدَهُ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( مُدَّةَ الْحَجْرِ ) أَيْ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ أَوْ حُكْمِهِ بِفَكِّهِ فَلَا حَجْرَ عَلَى مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ وَيَأْتِي ، وَلَا عَلَى قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ وَلَا مَنْ التَّصَرُّفُ فِي ذِمَّتِهِ .
( وَالْمُفْلِسُ ) لُغَةً ( مَنْ لَا مَالَ ) أَيْ نَقْدَ ( لَهُ وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ ) فَهُوَ الْمُعْدِمُ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ إلَّا الْفُلُوسُ وَهِيَ أَدْنَى أَنْوَاعِ الْمَالِ .
( وَ ) الْمُفْلِسُ ( عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ ) سُمِّيَ مُفْلِسًا وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ لِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ الصَّرْفَ فِي جِهَةِ دَيْنِهِ ، فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ ، أَوْ لِمَا يَئُولَ إلَيْهِ مِنْ عَدَمِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِهِ ، أَوْ ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ كَالْفُلُوسِ .
( وَالْحَجْرُ ) الَّذِي هُوَ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ( عَلَى ضَرْبَيْنِ ) أَحَدُهُمَا الْحَجْرُ ( لِحَقِّ الْغَيْرِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَالْحَجْرِ ( عَلَى مُفْلِسٍ ) لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ (

وَ ) عَلَى ( رَاهِنٍ ) لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ بَعْدَ لُزُومِهِ ( وَ ) عَلَى ( مَرِيضٍ ) مَرَضَ مَوْتٍ مَخُوفًا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ ( وَ ) عَلَى ( قِنٍّ وَمُكَاتَبٍ ) لِحَقِّ سَيِّدِهِ ( وَ ) عَلَى ( مُرْتَدٍّ ) لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ تَرِكَتَهُ فَيْءٌ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ ( وَ ) ( مُشْتَرٍ ) فِي شِقْصٍ مَشْفُوعٍ اشْتَرَاهُ ( بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ ) لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالطَّلَبِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ ( أَوْ ) بَعْدَ ( تَسْلِيمِهِ ) أَيْ تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ ( الْمَبِيعَ ) بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ ( وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ أَوْ ) بِمَكَانٍ ( قَرِيبٍ مِنْهُ ) فَيُحْجَرُ عَلَى مُشْتَرٍ فِي كُلِّ مَالِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ وَتَقَدَّمَ

الضَّرْبُ ( الثَّانِي ) الْحَجْرُ عَلَى الشَّخْصِ ( لِحَظِّ نَفْسِهِ ك ) الْحَجْرِ ( عَلَى صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ ) ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ عَائِدَةٌ إلَيْهِمْ ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ عَامٌّ فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ ( وَلَا يُطَالَبُ ) مَدِينٌ بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ ( وَلَا يُحْجَرُ ) عَلَيْهِ ( بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِهِ ( وَلِغَرِيمٍ مِنْ ) أَيْ مَدِينٍ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ضَامِنًا ( أَرَادَ سَفَرًا ) أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ وَقَيَّدَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ بِالطَّوِيلِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَلَعَلَّهُ أَوْلَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ( سِوَى ) سَفَرِ ( جِهَادٍ مُتَعَيَّنٍ ) لِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ وَنَحْوُهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ لَهُ .
( وَلَوْ ) كَانَ السَّفَرُ ( غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ ) كَانَ الدَّيْنُ ( لَا يَحِلُّ ) أَجَلُهُ ( قَبْلَ مُدَّتِهِ ) أَيْ السَّفَرِ ( وَلَيْسَ بِدَيْنِهِ ) أَيْ الْغَرِيمِ الَّذِي يُرِيدُ مَدِينُهُ السَّفَرَ ( رَهْنٌ يُحْرَزُ ) الدَّيْنَ أَيْ يَفِي بِهِ ( أَوْ ) لَيْسَ بِهِ ( كَفِيلٌ مَلِيءٌ ) قَادِرٌ بِالدَّيْنِ ( مَنْعُهُ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ : وَلِغَرِيمٍ الْمُتَقَدِّمُ ، أَيْ لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْعُ مَدِينِهِ مِنْ السَّفَرِ ( حَتَّى يُوثِقَهُ بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ بِسَفَرِهِ وَقُدُومِهِ عِنْدَ مَحَلِّهِ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ وَلَا ظَاهِرٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ لَا يُحْرِزُهُ أَوْ كَفِيلٌ غَيْرَ مَلِيءٍ لَهُ مَنْعُهُ أَيْضًا حَتَّى يَتَوَثَّقَ بِالْبَاقِي وَإِنْ أَرَادَ غَرِيمُ مَدِينٍ وَضَامِنُهُ السَّفَرَ مَعًا فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَمَنْعُ أَيِّهِمَا شَاءَ حَتَّى يُوَثِّقَ كَمَا سَبَقَ .
وَ ( لَا ) يَمْلِكُ رَبُّ دَيْنٍ ( تَحْلِيلَهُ ) أَيْ الْمَدِينِ ( إنْ أَحْرَمَ ) وَلَوْ بِنَفْلٍ لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ ، أَيْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ لَهُ مَيْسَرَةٌ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ بَلَدِهِ

فَيَطْلُبُهُ مِنْ الْكَفِيلِ ( وَيَجِبُ وَفَاءُ ) دَيْنٍ ( حَالٍّ فَوْرًا عَلَى ) مَدِينٍ ( قَادِرٍ بِطَلَبِ رَبِّهِ ) لِحَدِيثِ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ ( فَلَا يَتَرَخَّصُ مَنْ سَافَرَ قَبْلَهُ ) أَيْ الْوَفَاءِ بَعْدَ الطَّلَبِ ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ ( وَيُمْهَلُ ) مَدِينٌ ( بِقَدْرِ ذَلِكَ ) أَيْ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْوَفَاءِ بِأَنْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ وَمَالٌ بِدَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يُحْضِرُهُ فِيهِ ( وَيَحْتَاطُ ) رَبُّ دَيْنٍ ( إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ ) أَيْ الْمَدِينِ ( بِمُلَازَمَتِهِ ) إلَى وَفَائِهِ ( أَوْ ) يَحْتَاطُ ( بِكَفِيلٍ ) مَلِيءٍ ( أَوْ تَرَسَّمَ ) عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ( وَكَذَا لَوْ طَلَبَ تَمْكِينَهُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْإِيفَاءِ ( مَحْبُوسٌ ) فَيُمَكَّنُ مِنْهُ وَيَحْتَاطُ إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) أَيْ وَكَذَا لَوْ ( تَوَكَّلَ ) إنْسَانٌ ( فِيهِ ) أَيْ فِي وَفَاءِ حَقٍّ وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لِإِحْضَارِ الْحَقِّ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ كَالْمُوَكَّلِ .
( وَإِنْ مَطَلَهُ ) أَيْ مَطَلَ الْمَدِينِ رَبَّ الدَّيْنِ ( حَتَّى شَكَاهُ ) رَبُّ الدَّيْنِ ( وَجَبَ عَلَى حَاكِمٍ ) ثَبَتَ لَدَيْهِ ( أَمْرُهُ بِوَفَائِهِ بِطَلَبِ غَرِيمِهِ ) إنْ عَلِمَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ أَوْ جَهِلَ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ ( وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَيَقْضِي دَيْنَهُ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا تُتَّقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ ( وَمَا غَرِمَ ) رَبُّ دَيْنٍ ( بِسَبَبِهِ ) أَيْ سَبَبِ مَطْلِ مَدِينٍ أَحْوَجَ رَبَّ الدَّيْنِ إلَى شَكْوَاهُ ( فَعَلَى مُمَاطِلٍ ) لِتَسَبُّبِهِ فِي غُرْمِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ لِحَمْلِهِ أُجْرَةٌ وَحَمَلَهُ لِبَلَدٍ أُخْرَى وَغَابَ ثُمَّ غَرِمَ مَالِكُهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ تَعَدَّى بِنَقْلِهِ ( وَإِنْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ ) أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ ، وَقَيَّدَهُ فِي آخَرَ بِقَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ ( فَغَرِمَ ضَامِنٌ بِسَبَبِهِ أَوْ ) غَرِمَ (

شَخْصٌ لِكَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ رَجَعَ ) الْغَارِمُ ( بِهِ ) أَيْ بِمَا غَرِمَهُ ( عَلَى مَضْمُونٍ وَكَاذِبٍ ) لِتَسَبُّبِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إنْ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا فِعْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسَبُّبَ .
( وَإِنْ أَهْمَلَ شَرِيكٌ بِنَاءَ حَائِطِ بُسْتَانٍ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَأَكْثَرَ .
وَقَدْ ( اتَّفَقَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْبِنَاءِ وَبَنَى شَرِيكُهُ ( فَمَا تَلِفَ مِنْ ثَمَرَتِهِ ) أَيْ الْبُسْتَانِ ( بِسَبَبِ ذَلِكَ ) الْإِهْمَالِ ( ضَمِنَ ) مُهْمِلٌ ( حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْهُ ) أَيْ التَّالِفِ لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ .
( وَلَوْ أَحْضَرَ مُدَّعًى ) عَلَيْهِ مُدَّعًى ( بِهِ ) لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً لِتَقَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ ( وَلَمْ يَثْبُتْ لِمُدَّعٍ لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِيَ ( مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ وَرَدُّهُ ) إلَى مَحَلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الرُّجُوعُ بِالْغُرْمِ عَلَى مَنْ تَسَبَّبَ فِيهِ ظُلْمًا وَإِذَا أَبَى ) مَدِينٌ وَفَاءَ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ لَهُ يَطْلُبُ رَبُّهُ ( حَبْسَهُ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا { لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا .
قَالَ أَحْمَدُ قَالَ وَكِيعٌ عِرْضُهُ شَكْوَاهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : إذَا امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلِغَرِيمِهِ مُلَازَمَتُهُ وَمُطَالَبَتُهُ وَالْإِغْلَاظُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ ، فَيَقُولُ : يَا ظَالِمُ يَا مُعْتَدِي وَنَحْوُهُ لِلْخَبَرِ وَحَدِيثِ " إنْ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا " انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَيْثُ تَوَجَّهَ حَبْسُهُ ، وَلَوْ أَجِيرًا خَاصًّا أَوْ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( إخْرَاجُهُ ) أَيْ الْمَدِينِ مِنْ الْحَبْسِ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) لَهُ ( أَمْرُهُ ) ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ حُكْمٌ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَفْعُهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَحْكُومِ لَهُ وَأَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَى الدَّيْنِ شُرَيْحٌ وَكَانَ الْخَصْمَانِ يَتَلَازَمَانِ

( وَتَجِبُ تَخْلِيَتُهُ ) أَيْ الْمَحْبُوسِ ( إنْ بَانَ ) الْمَدِينُ ( مُعْسِرًا ) رَضِيَ غَرِيمُهُ أَوْ لَا ، فَيُخْرِجُهُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وَفِي إنْظَارِ الْمُعْسِرِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ - أَيْ الدَّيْنِ - صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدِّينُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ .
( أَوْ ) حَتَّى ( يُبْرِئَهُ ) رَبُّ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْحَاكِمِ : خَلِّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ( أَوْ ) حَتَّى ( يُوَفِّيَهُ ) الْمَدِينُ مَا حُبِسَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاءِ غَايَةِ الْحَقِّ بِأَدَائِهِ وَإِذَا أَبَى ) مَحْبُوسٌ مُوسِرٌ دَفْعَ مَا عَلَيْهِ ( عَزَّرَهُ ) حَاكِمٌ ( وَيُكَرِّرُ ) حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ كَالْقَوْلِ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ ( وَلَا يُزَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ ) أَيْ الْعَشْرِ ضَرَبَاتٍ وَإِذَا أَصَرَّ ) عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ مَعَ مَا سَبَقَ ( بَاعَ ) حَاكِمٌ ( مَالَهُ وَقَضَاهُ ) نَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاس يُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُقْضَى ، أَيْ لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ

( وَتَحْرُمُ مُطَالَبَةُ ذِي عُسْرَةٍ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ وَمُلَازَمَتُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَاءِ الَّذِي كَثُرَ دَيْنُهُ : خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ } وَإِذَا ادَّعَاهَا ) الْمَدِينُ أَيْ الْعُسْرَةَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّ الدَّيْنِ ( وَدَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَثَمَنِ ) مَبِيعٍ ( وَ ) بَدَلِ ( قَرْضٍ ) حُبِسَ ( أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ ) حُبِسَ .
وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ ( أَوْ ) كَانَ دَيْنُهُ ( عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ ) مَالِيٍّ كَعِوَضِ خُلْعٍ وَصَدَاقٍ وَضَمَانٍ ( وَ ) كَانَ الْمَدِينُ ( أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ حُبِسَ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ وَمُؤَاخَذَةٌ لَهُ بِإِقْرَارِهِ ( إلَّا أَنْ يُقِيمَ ) مَدِينٌ ( بَيِّنَةً بِهِ ) أَيْ بِإِعْسَارِهِ .
( وَيُعْتَبَرُ فِيهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِعْسَارِهِ ( أَنْ تُخْبِرَ بَاطِنَ حَالِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا الْمُخَالِطُ لَهُ وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ النَّفْيَ فَهِيَ تَثْبُتُ حَالَةَ تَظْهَرُ وَتَقِفُ عَلَيْهَا الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ .
( وَلَا يَحْلِفُ ) الْمَدِينُ ( مَعَهَا ) أَيْ مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِعْسَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ ( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يَدَّعِيَ تَلَفًا ) لِمَالِهِ ( وَنَحْوَهُ ) أَيْ التَّلَفِ كَنَفَادِ مَالِهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِهِ ) أَيْ بِالتَّلَفِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ تُخْبِرَ بَاطِنَ حَالِهِ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ وَالنَّفَادَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَنْ خَبَرَ بَاطِنَ حَالِهِ وَغَيْرُهُ .
( وَيَحْلِفُ ) الْمَدِينُ ( مَعَهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِتَلَفِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ إنْ طَلَبَ رَبُّ الْحَقِّ يَمِينَهُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ

( وَيَكْفِي فِي الْحَالَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ أَوْ الْإِعْسَارِ ) يَعْنِي يَكْفِي فِي الْإِعْسَارِ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ وَفِي التَّلَفِ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( وَتُسْمَعُ ) بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ أَوْ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ ( قَبْلَ حَبْسٍ ك ) مَا تُسْمَعُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْحَبْسِ وَلَوْ بِيَوْمٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ جَازَ سَمَاعُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ جَازَ سَمَاعُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ سَأَلَ مُدَّعٍ حَاكِمًا تَفْتِيشَ مَدِينٍ مُدَّعِيًا أَنَّ الْمَالَ مَعَهُ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ ذُكِرَ فِي الْإِقْنَاعِ ( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يَسْأَلَ ) مَدِينٌ ( سُؤَالَ مُدَّعٍ ) عَنْ حَالِهِ ( وَيُصَدِّقُهُ ) مُدَّعٍ عَلَى عُسْرَتِهِ ( فَلَا ) يُحْبَسُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِعُسْرَتِهِ أَوْ تَلَفِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ أَوْ صَدَّقَهُ مُدَّعٍ عَلَى ذَلِكَ .
( وَإِنْ أَنْكَرَ ) مُدَّعٍ عُسْرَتَهُ ( وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِقُدْرَتِهِ ) أَيْ الْمَدِينِ عَلَى الْوَفَاءِ لِيُسْقِطَ عَنْهُ الْيَمِينَ حُبِسَ ( أَوْ حَلَفَ ) مُدَّعٍ ( بِحَسَبِ جَوَابِهِ ) لِلْمَدِينِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى ( حُبِسَ ) الْمَدِينُ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ تَظْهَرَ عُسْرَتُهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَصَدَاقٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ وَلَمْ يَحْلِفْ مُدَّعٍ طُلِبَ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ ( حَلَفَ مَدِينٌ ) أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ .
( وَخَلَّى ) سَبِيلَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ ذَنْبٌ يُعَاقَبُ بِهِ وَلَا يَجِبُ الْحَبْسُ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ بَلْ الْمَقْصُودُ تَعْوِيقُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ فِي دَارِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ : لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَبَسَهُ بِلَا إذْنِهِ .
( وَلَيْسَ عَلَى مَحْبُوسٍ قَبُولُهُ مَا يَبْذُلُهُ غَرِيمُهُ ) لَهُ ( مِمَّا عَلَيْهِ مِنَّةٌ فِيهِ ) كَغَيْرِ الْمَحْبُوسِ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمُعَيَّنٍ لِمَدِينٍ فَأَنْكَرَ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ أَوْ أَقَرَّ

بِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَكَذَّبَهُ قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَدِينِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوًى وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الدَّيْنِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْغَائِبُ ، فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْضِي مِنْهُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ بِهِ لَهُ فَكَذَّبَهُ فِي إقْرَارِهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ ( وَحَرُمَ إنْكَارُ مُعْسِرٍ وَحَلِفُهُ ) لَا حَقَّ عَلَيْهِ ( وَلَوْ تَأَوَّلَ ) نَصًّا لِظُلْمِهِ رَبَّ الدَّيْنِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ .
وَفِي الْإِنْصَافِ : لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبَسَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ انْتَهَى .

وَفِي الرِّعَايَةِ : وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ إعْسَارِهِ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِذَا ظَنَّ السَّائِلُ إعْسَارَهُ شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ ( وَإِنْ سَأَلَ الْحَاكِمَ غُرَمَاءُ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ ) الْحَالِّ لِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ ( أَوْ ) سَأَلَ ( بَعْضُهُمْ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَدِينِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْحَاكِمَ ( إجَابَتُهُمْ ) أَيْ السَّائِلِينَ وَحَجَرَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ " رَوَاهُ الْخَلَّالُ فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَلَوْ سَأَلَهُ الْمُفْلِسُ

( وَيُسَنُّ إظْهَارُ حَجْرِ سَفَهٍ وَفَلَسٍ ) لِيَعْلَمَ النَّاس حَالَهُمَا فَلَا يُعَامَلَانِ إلَّا عَلَى بَصِيرَةٍ

( وَ ) سُنَّ ( الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْحَجْرِ لِذَلِكَ لِيَثْبُتَ عِنْدَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْحَاكِمِ لَوْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَيُمْضِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ابْتِدَاء حَجْرٍ ثَانٍ .

فَصْلٌ : وَيَتَعَلَّقُ بِحَجْرِهِ أَيْ الْمُفْلِسِ ( أَحْكَامٌ ) أَرْبَعَةٌ ( أَحَدُهَا تَعَلُّقُ حَقِّ غُرَمَائِهِ ) مَنْ سَأَلَ الْحَجْرَ وَغَيْرُهُ ( بِمَالِهِ ) الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ بِنَحْوِ إرْثٍ ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِي دُيُونِهِمْ ، فَتَعَلَّقَتْ حُقُوقُهُمْ بِهِ كَالرَّهْنِ ( فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ ) الْمُفْلِسُ ( عَلَيْهِمْ ) أَيْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمُفْلِسُ صَانِعًا كَقَصَّارٍ وَحَائِكٍ وَأَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَتَاعِ لِأَرْبَابِهِ لَمْ يُقْبَلْ وَيُبَاعُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ ( يَتَصَرَّفَ فِيهِ ) الْمُفْلِسُ ( بِغَيْرِ تَدْبِيرٍ ) وَوَصِيَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَصَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ .
وَالْمُرَادُ تَصَرُّفًا مُسْتَأْنَفًا كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَعِتْقٍ وَإِصْدَاقٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ أَشْبَهَ الرَّاهِنَ يَتَصَرَّفُ فِي الرَّهْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ غَيْرَ مُسْتَأْنَفٍ كَالْفَسْخِ لِعَيْبٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ الْإِمْضَاءِ أَوْ الْفَسْخِ فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ إتْمَامٌ لِتَصَرُّفِ سَابِقِ حَجْرِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أَوْدَعَهَا قَبْلَ حَجْرِهِ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَحَظِّ ، وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ نَصًّا ، وَلَوْ اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ جَمِيعَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ الْحَجْرُ فَلَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ وَيَحْرُمُ إنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ ، ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ .
( وَلَا ) يَصِحُّ ( أَنْ يَبِيعَهُ ) الْمُفْلِسُ أَيْ مَالَهُ ( لِغُرَمَائِهِ ) كُلِّهِمْ ( أَوْ لِبَعْضِهِمْ بِكُلِّ الدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ

إلَّا لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يُبْطِلُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُفْلِسِ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ أَوْ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَنَحْوِهِ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَنَقَلَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَنُفُوذِهِ ( وَيُكَفِّرُ هُوَ ) أَيْ الْمُفْلِسُ بِصَوْمٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِغُرَمَائِهِ .
( وَ ) يُكَفِّرُ ( سَفِيهٌ بِصَوْمٍ ) ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ مَالِهِ يَضُرُّ بِهِ وَلِلْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ فَرَجَعَ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ ( إلَّا إنْ فُكَّ حَجْرُهُ وَقَدَرَ ) عَلَى مَالٍ يُكَفِّرُ بِهِ ( قَبْلَ تَكْفِيرِهِ ) فَكَمُوسِرٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ قَبْلُ لَكِنْ يَأْتِي فِي الظِّهَارِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ( وَإِنْ تَصَرَّفَ ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ ( فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَإِصْدَاقٍ وَضَمَانٍ ( صَحَّ ) لِأَهْلِيَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ ، وَالْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لَا بِذِمَّتِهِ ( وَيُتْبَعُ ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ ( بِهِ ) أَيْ بِمَا لَزِمَهُ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ( بَعْدَ فَكِّهِ ) أَيْ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ مَنَعَ تَعَلُّقَهُ بِمَالِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءَ السَّابِقِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَقَدْ زَالَ الْمُعَارِضُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْغُرَمَاءَ .
( وَإِنْ جَنَى ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا وَقِصَاصًا ، وَاخْتِيرَ الْمَالُ ( شَارَكَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ ) لِثُبُوتِ حَقِّهِ عَلَى الْجَانِي بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ ، كَالْجِنَايَةِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ( وَقُدِّمَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( مَنْ جَنَى عَلَيْهِ قِنُّهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْقِنِّ الْجَانِي لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ كَمَا

يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِ .

الْحُكْمُ ( الثَّانِي إنْ وَجَدَ عَيْنَ مَا بَاعَهُ ) لِلْمُفْلِسِ ( أَوْ ) عَيْنَ مَا ( أَقْرَضَهُ أَوْ ) عَيْنَ مَا ( أَعْطَاهُ ) لَهُ ( رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ ) فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ( أَوْ ) وَجَدَ شَيْئًا ( أَجَّرَهُ ) لِلْمُفْلِسِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُؤَجِّرُ لِلْمُفْلِسِ ( نَفْسَهُ ) أَيْ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ ( وَلَمْ يَمْضِ مِنْ مُدَّتِهَا ) أَيْ الْإِجَارَةِ ( شَيْءٌ ) أَيْ زَمَنٌ لَهُ أُجْرَةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، فَإِنْ مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ فَلَا فَسْخَ ، تَنْزِيلًا لِلْمُدَّةِ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ وَمُضِيُّ بَعْضِهَا كَتَلَفِ بَعْضِهِ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْهُ شَيْئًا فَلَهُ الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا ( أَوْ ) وَجَدَ ( نَحْوَ ذَلِكَ ) كَشِقْصٍ أَخَذَهُ الْمُفْلِسُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ .
( وَلَوْ ) كَانَ بَيْعُهُ أَوْ قَرْضُهُ وَنَحْوُهُ ( بَعْدَ حَجْرِهِ جَاهِلًا بِهِ ) أَيْ الْحَجْرِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُقْرِضُ وَنَحْوُهُمَا ( فَهُوَ ) أَيْ وَاجِدُ عَيْنِ مَالِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ( أَحَقُّ بِهَا ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمَا وَأَمَّا مَنْ عَامَلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ جَاهِلًا ؛ فَلِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَيْسَ مُقَصِّرًا بِعَدَمِ السُّؤَالِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ عَدَمُ الْحَجْرِ فَإِنْ عَلِمَ بِالْحَجْرِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَيَتْبَعُ بِبَدَلِهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ وَحَيْثُ كَانَ رَبُّهَا أَحَقَّ بِهَا ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِهَا .
( وَلَوْ قَالَ الْمُفْلِسُ أَنَا أَبِيعُهَا وَأُعْطِيكَ ثَمَنَهَا ) نَصًّا لِعُمُومِ الْخَبَرِ ( أَوْ ) أَيْ وَلَوْ ( بَذَلَهُ ) أَيْ الثَّمَنَ ( غَرِيمٌ ) لِرَبِّ السِّلْعَةِ فَإِنْ بَذَلَهُ الْمُفْلِسُ ثُمَّ بَذَلَهُ هُوَ لِرَبِّهَا فَلَا فَسْخَ لَهُ ( أَوْ خَرَجَتْ ) أَيْ السِّلْعَةُ عَنْ مِلْكِ الْمُفْلِسِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَعَادَتْ لِمِلْكِهِ

) بِفَسْخٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا لَوْ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ( وَقَرَعَ إنْ بَاعَهَا ) الْمُفْلِسُ أَيْ السِّلْعَةَ ( ثُمَّ اشْتَرَاهَا ) مُشْتَرِيهَا مِنْهُ أَوْ غَيْرِهِ ( بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ ) فَمَنْ قَرَعَ الْآخَرَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ مَنْ أَفْلَسَ وَلَا مُرَجِّحَ ، فَاحْتِيجَ إلَى تَمْيِيزِهِ بِالْقُرْعَةِ ، وَلَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِ حَقِّهِمَا مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا فَلَا يُقَالُ : كُلٌّ مِنْ الْبَائِعَيْنِ تَعَلَّقَ اسْتِحْقَاقُهُ بِهَا بَلْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا أَحَقُّ بِأَخْذِهَا لَا بِعَيْنِهِ ، فَيُمَيَّزُ بِقُرْعَةٍ وَالْمَقْرُوعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ، وَمَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ لَهُ تَرْكُهُ وَالضَّرْبُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ، وَإِذَا تُرِكَ أَحَدُ الْبَائِعَيْنِ فِيمَا سَبَقَ تَمْثِيلُهُ تَعَيَّنَ الْآخَرُ ، وَلَا يُحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ

( وَشُرِطَ ) لِرُجُوعِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ ( كَوْنُ الْمُفْلِسِ حَيًّا إلَى أَخْذِهَا ) لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعَهُ فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ } رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد مُرْسَلًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُسْنَدًا وَقَالَ حَدِيثُ مَالِكٍ أَصَحُّ ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ عَنْ الْمُفْلِسِ إلَى الْوَرَثَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ .
( وَ ) الشَّرْطُ الثَّانِي ( بَقَاءُ كُلِّ عِوَضِهَا ) أَيْ الْعَيْنِ ( فِي ذِمَّتِهِ ) أَيْ الْمُفْلِسِ لِلْخَبَرِ ، وَلِمَا فِي الرُّجُوعِ فِي قِسْطِ بَاقِي الْعِوَضِ مِنْ التَّشْقِيصِ وَإِضْرَارِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ ، لِكَوْنِهِ لَا يَرْغَبُ فِيهِ كَالرَّغْبَةِ فِي الْكَامِلِ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( كَوْنُ كُلِّهَا ) أَيْ السِّلْعَةِ ( فِي مِلْكِهِ ) أَيْ الْمُفْلِسِ ، فَلَا رُجُوعَ إنْ تَلِفَ بَعْضُهَا ، أَوْ بِيعَ ، أَوْ وَقَفَ وَنَحْوَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَنَحْوَهُ إذَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَتَاعَهُ وَإِنَّمَا أَدْرَكَ بَعْضَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَانْقِطَاعُ مَا بَيْنَهُمَا ، وَسَوَاءٌ رَضِيَ بِأَخْذِ الْبَاقِي بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِقِسْطِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ ( إلَّا إذَا جَمَعَ الْعَقْدُ عَدَدًا ) كَثَوْبَيْنِ فَأَكْثَرَ ( فَيَأْخُذُ ) بَائِعٌ وَنَحْوُهُ ( مَعَ تَعَذُّرِ بَعْضِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ بِتَلَفِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ أَوْ بَعْضِهِ ( مَا بَقِيَ ) أَيْ الْعَيْنُ السَّالِمَةُ نَصًّا ؛ لِأَنَّ السَّالِمَ مِنْ الْعَيْنَيْنِ وَجَدَهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ .
( وَ ) الرَّابِعُ : كَوْنُ ( السِّلْعَةِ بِحَالِهَا ) بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ مَالِيَّتُهَا لِذَهَابِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ ( لَمْ تُوطَأْ بِكْرٌ وَلَمْ يُجْرَحْ قِنٌّ ) جُرْحًا تَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهُ

، فَإِنْ وُطِئَتْ أَوْ جُرِحَ فَلَا رُجُوعَ لِذَهَابِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ لَهُ بَدَلٌ ، وَهُوَ الْمَهْرُ وَالْأَرْشُ ، فَمَنْعُ الرُّجُوعِ كَقَطْعِ الْيَدِ بِخِلَافِ وَطْءِ ثَيِّبٍ بِلَا حَمْلٍ وَهُزَالٍ وَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ .
( وَ ) بِأَنْ ( لَمْ تَخْتَلِطْ بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ ) فَإِنْ خُلِطَ زَيْتٌ بِزَيْتٍ وَنَحْوِهِ فَلَا رُجُوعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ ، بِخِلَافِ خَلْطِ بُرٍّ بِحِمَّصٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ .
( وَ ) بِأَنْ ( لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَاتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا كَنَسْجِ غَزْلٍ وَخَبْزِ دَقِيقٍ ) أَيْ جَعْلِهِ خُبْزًا ( وَجَعْلِ دُهْنٍ ) كَزَيْتٍ ( صَابُونًا ) وَشَرِيطٍ إبَرًا وَنَحْوَهُ ، أَوْ قَطْعِ ثَوْبٍ قَمِيصًا وَنَحْوَهُ ، فَإِنْ جُعِلَ كَذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) الْخَامِسُ كَوْنُ السِّلْعَةِ ( لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ كَشُفْعَةٍ ) فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ فَلَا رُجُوعَ لِسَبْقِ حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ ، وَحَقُّ الْبَائِعِ ثَبَتَ بِالْحَجْرِ وَالسَّابِقُ أَوْلَى .
( وَ ) ك ( جِنَايَةٍ ) فَإِنْ كَانَ قِنًّا فَجَنَى عَلَى الْمُفْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ ، فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُهُ ، وَحَقُّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ ، فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ .
( وَ ) ك ( رَهْنٍ ) فَإِنْ رَهَنَهُ فَلَا يَصِحُّ لِرَبِّهِ رُجُوعٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ عَقَدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَقْدًا مَنَعَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، فَمَنَعَ بَاذِلَهُ الرُّجُوعَ فِيهِ كَالْهِبَةِ ؛ وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ دُونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ بِيعَ كُلُّهُ وَرُدَّ بَاقِي ثَمَنِهِ فِي الْمَقْسَمِ ، وَإِنْ بِيعَ بَعْضُهُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَبَاقِيهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ( وَإِنْ أَسْقَطَهُ ) أَيْ الْحَقَّ ( رَبُّهُ ) كَإِسْقَاطِ الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ وَوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَرْشَهَا وَرَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ ( فَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ ) بِالْعَيْنِ حَقٌّ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا لَوَجَدَ أَنَّهَا بِعَيْنِهَا خَالِيَةٌ مِنْ

تَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا .
( وَ ) السَّادِسُ كَوْنُ السِّلْعَةِ ( لَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ ) كَكِتَابَةٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَتَجَدُّدِ حَمْلٍ ) فِي بَهِيمَةٍ ، فَإِنْ زَادَتْ كَذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ رَبُّ الْعَيْنِ أَخْذَهَا مِنْهُ كَالْحَاصِلَةِ بِفِعْلِهِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْبَائِعِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَهَا مِنْهُ كَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِهِ ، وَيُفَارِقُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ، فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عَلَى صِفَتِهِ لَيْسَ بِزَائِدٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالزِّيَادَةِ ، وَ ( لَا ) يَمْنَعُ الْحَمْلُ الرُّجُوعَ ( إنْ وَلَدَتْ ) الْبَهِيمَةُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ كَكَسْبِ الْعَبْدِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَيَاةُ رَبِّ السِّلْعَةِ إلَى أَخْذِهَا فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الرُّجُوعِ ، وَخَالَفَ فِيهِ جَمَعَ وَتَبِعَهُمْ فِي الْإِقْنَاعِ

( وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ ) أَيْ الْمُدْرِكِ لِمَتَاعِهِ عِنْدَ الْمُفْلِسِ بِشَرْطِهِ ( بِقَوْلِ ) ك رَجَعْتُ فِي مَتَاعِي ، أَوْ أَخَذْتُهُ ، أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ ، أَوْ فَسَخْتُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ مَبِيعًا ( وَلَوْ مُتَرَاخِيًا ) كَرُجُوعِ أَبٍ فِي هِبَةٍ ، فَلَا يَحْصُلُ رُجُوعُهُ بِفِعْلٍ كَأَخْذِهِ الْعَيْنَ وَلَوْ نَوَى بِهِ الرُّجُوعَ ( بِلَا حَاكِمٍ ) لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ كَفَسْخِ الْمُعْتَقَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ رُجُوعُ مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ ( فَسْخٌ ) أَيْ كَالْفَسْخِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ عَقْدٌ يُفْسَخُ كَاسْتِرْجَاعِ زَوْجٍ الصَّدَاقَ إذَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ قَبْلَ فَلَسِ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ بَاعَتْهُ وَنَحْوَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا ، وَإِلَّا فَسَيَرْجِعُ إلَى مِلْكِهِ قَهْرًا حَيْثُ اسْتَمَرَّ فِي مِلْكِهَا بِصِفَتِهِ وَ ( لَا يَحْتَاجُ ) الْفَسْخُ ( إلَى مَعْرِفَةِ ) مَرْجُوعٍ فِيهِ ( وَلَا ) يَحْتَاجُ إلَى ( قُدْرَةِ ) مُفْلِسٍ ( عَلَى تَسْلِيمٍ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ( فَلَوْ رَجَعَ فِيمَنْ أَبَقَ صَحَّ ) رُجُوعُهُ ( وَصَارَ ) الْآبِقُ ( لَهُ ) أَيْ الرَّاجِعِ وَإِذَا قَدَرَ ) الرَّاجِعُ عَلَى الْآبِقِ ( أَخَذَهُ وَإِنْ ) عَجَزَ عَنْهُ أَوْ ( تَلِفَ ) بِمَوْتٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ( فَ ) هُوَ ( مِنْ مَالِهِ ) أَيْ الرَّاجِعِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ .
( وَإِنْ بَانَ تَلَفُهُ حِينَ رَجَعَ ) بِأَنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ ( بَطَلَ اسْتِرْجَاعُهُ ) أَيْ ظَهَرَ بُطْلَانُهُ لِفَوَاتِ مَحِلِّ الْفَسْخِ وَيَضْرِبُ لَهُ بِالثَّمَنِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ( وَإِنْ رَجَعَ فِي شَيْءٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ ) بِأَنْ رَجَعَ فِي عَبْدٍ مَثَلًا وَلَهُ عَبِيدٌ وَاخْتَلَفَ الْمُفْلِسُ وَرَبُّهُ فِيهِ .
( قُدِّمَ تَعْيِينُ مُفْلِسٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الرَّاجِعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ( وَمَنْ رَجَعَ ) أَيْ أَرَادَ الرُّجُوعَ ( فِيمَا ) أَيْ مَبِيعٍ ( ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ فِي صَيْدٍ وَهُوَ ) أَيْ الرَّاجِعُ ( مُحْرِمٌ لَمْ يَأْخُذْهُ ) أَيْ مَا ثَمَنُهُ مُؤَجَّلٌ ( قَبْلَ حُلُولِهِ ) قَالَ أَحْمَدُ : يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُ فَيَخْتَارَ

الْفَسْخَ أَوْ التَّرْكَ ، فَلَا يُبَاعُ فِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِعَيْنِهِ ( وَلَا ) يَأْخُذُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ( حَالَ إحْرَامِهِ ) ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ تَمْلِيكٌ لَهُ وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْإِحْرَامِ كَشِرَائِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُفْلِسُ مُحْرِمًا لَمْ يُمْنَعْ بَائِعُهُ أَخْذَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ .
( وَلَا يَمْنَعُهُ ) أَيْ الرُّجُوعَ ( نَقْصُ ) سِلْعَةٍ ( كَهُزَالٍ وَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ ) وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ وَتَزْوِيجِ أَمَةٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْنَ مَالِهِ ، وَمَتَى أَخَذَهُ نَاقِصًا فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ وَإِلَّا ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ( وَ ) لَا يَمْنَعُهُ ( صَبْغُ ثَوْبٍ أَوْ قَصْرُهُ ) أَوَّلْتُ سَوِيقٍ بِدُهْنٍ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ قَائِمَةً مُشَاهَدَةً لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ بِمَا زَادَ عَنْ قِيمَتِهَا ( مَا لَمْ يَنْقُصْ ) الثَّوْبُ ( بِهِمَا ) أَيْ بِالصَّبْغِ أَوْ الْقِصَارَةِ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ لَمْ يَرْجِعْ ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ إتْلَافَ الْبَعْضِ ، وَرُدَّ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الْمُغْنِي بِأَنَّهُ نَقْصُ صِفَةٍ فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ كَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ وَهُزَالٍ ، وَلَا رُجُوعَ فِي صَبْغٍ بِهِ وَلَا صَبْغِ زَيْتٍ لُتَّ بِهِ وَلَا مَسَامِيرَ سَمَّرَ بِهَا بَابًا وَلَا حَجَرَ بَنَى عَلَيْهِ وَلَا خَشَبٍ سَقَّفَ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّبْغُ مِنْ رَبِّ الثَّوْبِ وَحْدَهُ فَيَرْجِعُ بِالثَّوْبِ وَحْدَهُ وَيَضْرِبُ بِثَمَنِ الصَّبْغَ مَعَ الْغُرَمَاءِ ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِزِيَادَةِ الصَّبْغِ ( وَلَا ) يَمْنَعُهُ ( زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ ) كَثَمَرَةٍ وَكَسْبٍ وَوَلَدٍ نَقَصَ بِهَا الْمَبِيعُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ إذَا كَانَ نَقْصَ صِفَةٍ لِوُجْدَانِهِ عَيْنَ مَالِهِ لَمْ تَنْقُصْ عَيْنُهَا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا .
( وَهِيَ ) أَيْ الزِّيَادَةُ ( لِبَائِعٍ ) نَصًّا فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ( وَظَهَرَ فِي التَّنْقِيحِ رِوَايَةُ كَوْنِهَا ) أَيْ

الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ( لِمُفْلِسٍ ) قَالَ : وَعَنْهُ لِمُفْلِسٍ وَهُوَ أَظْهَرُ ، انْتَهَى .
وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ قَالَ فِي الْمُغْنِي : يُحْمَلُ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُمَا فِي حَالِ حَمْلِهِمَا فَيَكُونَانِ مَبِيعَيْنِ وَلِهَذَا خَصَّ هَذَيْنِ بِالذِّكْرِ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ لِظُهُورِهِ قُلْتُ : وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } .
( وَلَا ) يَمْنَعُ رُجُوعَهُ ( غَرْسُ أَرْضٍ أَوْ بِنَاءٌ فِيهَا ) لِإِدْرَاكِهِ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ كَالثَّوْبِ إذَا صُبِغَ وَكَذَا زَرْعُ أَرْضٍ وَيَبْقَى إلَى حَصَادِهِ بِلَا أُجْرَةٍ وَإِذَا رَجَعَ ) رَبُّ أَرْضٍ فِيهَا ( قَبْلَ قَلْعِ ) غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ ( وَاخْتَارَهُ ) أَيْ الْقَلْعَ ( وَيُسَوِّي حُفَرًا ) .
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى غَرْسًا وَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ أَوْ أَرْضٍ اشْتَرَاهَا مِنْ آخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ نَاقِصَةً فَرَجَعَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي النَّقْصِ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ ، وَهُنَا حَدَثَ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ فَلِهَذَا ضَمِنُوهُ وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ( وَلِمُفْلِسٍ مَعَ الْغُرَمَاءِ الْقَلْعُ ) لِغَرْسٍ وَبِنَاءٍ ( وَيُشَارِكَهُمْ آخِذٌ ) لِأَرْضِهِ ( بِالنَّقْصِ ) أَيْ بِأَرْشِ نَقْصِهَا بِالْقَلْعِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ فَكَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَبَوْهُ ) أَيْ أَبَى الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ .
وَحِينَئِذٍ ( فَلِآخِذِ ) أَرْضِهِ ( الْقَلْعُ ) لِلْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ( وَضَمَانُ نَقْصِهِ أَوْ أَخْذُ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ بِقِيمَتِهِ ) لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِحَقٍّ كَالْمُعَارِ وَالْمُؤَجَّرِ وَإِذَا أَبَاهُمَا ) أَيْ أَبَى مَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ الْقَلْعَ مَعَ ضَمَانِ النَّقْصِ وَأَخْذِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ ( أَيْضًا ) أَيْ مَعَ إبَاءِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ الْقَلْعَ ( سَقَطَ ) حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى

الْمُفْلِسِ وَعَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ وَفُرِّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ إذَا صُبِغَ حَيْثُ يَرْجِعُ رَبُّ الدِّينِ بِهِ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُفْلِسِ بِزِيَادَةِ الصَّبْغِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ إذَا غُرِسَتْ أَوْ بُنِيَتْ ، حَيْثُ سَقَطَ رُجُوعُهُ بِإِبَاءِ مَا سَبَقَ بِأَنَّ الصَّبْغَ يَتَفَرَّقُ فِي الثَّوْبِ فَيَصِيرُ كَالصِّفَةِ فِيهِ ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُمَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَأَصْلَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا ، وَالثَّوْبُ لَا يُرَادُ لِلْإِبْقَاءِ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ

( وَإِنْ مَاتَ بَائِعٌ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مَدِينًا فَمُشْتَرٍ أَحَقُّ بِمَبِيعِهِ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مُنَازَعَتَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ بَائِعُهُ مَدِينًا وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَالسِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ يَضْرِبُ لَهُ مَعَهُمْ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ حِينَ الْبَيْعِ مُعْسِرًا فَلَهُ الْفَسْخُ .

الْحُكْمُ ( الثَّالِثُ أَنْ يَلْزَمَ الْحَاكِمَ قَسْمُ مَالِهِ ) أَيْ الْمُفْلِسِ ( الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ ) الَّذِي عَلَيْهِ ( وَ ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ( بَيْعُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ غَالِبِهِ رَوَاجًا أَوْ الْأَصْلَحِ الَّذِي مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ ( فِي سُوقِهِ أَوْ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ سُوقِهِ ( بِثَمَنِ مِثْلِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ إنْ حَصَلَ فِيهِ رَاغِبًا ( وَقَسَمَهُ ) أَيْ الثَّمَنَ ( فَوْرًا ) حَالٌ مِنْ : قَسْمُ ، وَبَيْعُ ؛ لِأَنَّ هَذَا جُلَّ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ؛ وَتَأْخِيرُهُ مَطْلٌ وَظُلْمٌ لِلْغُرَمَاءِ وَلَمَّا حَجَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ وَقَسَّمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ، وَلِفِعْلِ عُمَرَ وَلِاحْتِيَاجِهِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ فَجَازَ بَيْعُ مَالِهِ فِيهِ كَالسَّفِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ، فَلَا يَتَصَرَّفُ لَهُ فِيهِ إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ ، كَمَالِ السَّفِيهِ .
( وَسُنَّ إحْضَارُهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ عِنْدَ بَيْعِ مَالِهِ لِيَضْبِطَ الثَّمَنَ ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْجَيِّدِ مِنْ مَتَاعِهِ فَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ ، وَوَكِيلُهُ كَهُوَ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِئْذَانُهُ بَلْ يُسَنُّ ( مَعَ ) إحْضَارِ ( غُرَمَائِهِ ) عِنْدَ بَيْعٍ ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِقُلُوبِهِمْ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَرُبَّمَا وَجَدَ أَحَدُهُمْ عَيْنَ مَالِهِ أَوْ رَغِبَ فِي شَيْءٍ فَزَادَ فِي ثَمَنِهِ .
( وَ ) سُنَّ ( بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ وَأَحْوَطُ .
( وَ ) سُنَّ ( أَنْ يَبْدَأَ بِأَقَلِّهِ ) أَيْ الْمَالِ ( بَقَاءً ) كَبِطِّيخٍ وَفَاكِهَةٍ ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ إضَاعَةٌ لَهُ .
( وَ ) بِ ( أَكْثَرِهِ كُلْفَةً ) كَالْحَيَوَانِ لِاحْتِيَاجِ بَقَائِهِ إلَى مُؤْنَةٍ وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ وَعُهْدَةُ مَبِيعٍ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا عَلَى مُفْلِسٍ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ ( وَيَجِبُ تَرْكُ )

الْحَاكِمِ لِلْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ ( مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ ) صَالِحٍ ( لِمِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ ، فَلَمْ يَبِعْ فِي دَيْنِهِ كَقُوتِهِ وَثِيَابِهِ ( مَا لَمْ يَكُونَا ) أَيْ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ ( عَيْنَ مَالِ غَرِيمٍ ) فَلَهُ أَخْذُهُمَا لِلْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَكَانَ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ الْمُفْلِسِ ( وَيَشْتَرِي ) لِلْمُفْلِسِ بَدَلَهُمَا ( أَوْ يَتْرُكُ لَهُ ) مِنْ مَالِهِ ( بَدَلَهُمَا ) دَفْعًا لِحَاجَتِهِ ( وَيَبْذُلُ أَعْلَى ) مِمَّا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِهَا ( بِصَالِحٍ ) لِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ ( وَ ) يَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُفْلِسِ أَيْضًا ( مَا ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ لِ ( يَتَّجِرَ بِهِ ) إنْ كَانَ تَاجِرًا ( أَوْ ) يَتْرُكَ لَهُ ( آلَةَ تَحَرُّفٍ ) إنْ كَانَ ذَا صَنْعَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ : يُتْرَكُ لَهُ قَدْرُ مَا يَقُومُ بِهِ مَعَاشُهُ وَيُبَاعُ الْبَاقِي

( وَيَجِبُ لَهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ ( وَلِعِيَالِهِ ) مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ وَنَحْوَهُ ( أَدْنَى نَفَقَةِ مِثْلِهِمْ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَكِسْوَةٍ وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ ) بِمَعْرُوفٍ وَيُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ فِي وَاحِدٍ مِنْ مُفْلِسٍ أَوْ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ غَيْرَ زَوْجَةٍ ( مِنْ مَالِهِ حَتَّى يُقَسَّمَ ) مَالُهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ( وَأُجْرَةِ مُنَادٍ وَنَحْوِهِ ) كَكَيَّالٍ وَوَزَّانٍ وَحَمَّالٍ وَحَافِظٍ ( لَمْ يَتَبَرَّعْ ) وَاحِدٌ بِعَمَلِهِ ( مِنْ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْمُفْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ ، فَكَانَ مِنْهُ كَحَمْلِ الْغَنِيمَةِ .
( وَإِنْ عَيَّنَا ) أَيْ الْمُفْلِسُ وَالْغَرِيمُ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ( مُنَادِيًا غَيْرَ ثِقَةٍ رَدَّهُ حَاكِمٌ بِخِلَافِ بَيْعِ مَرْهُونٍ ) عَيَّنَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ لَهُ مُنَادِيًا ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ نَظَرًا فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ وَإِذَا اخْتَلَفَ تَعْيِينُهُمَا ) بِأَنْ عَيَّنَ الْمُفْلِسُ زَيْدًا وَالْغَرِيمُ عَمْرًا مَثَلًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ ( ضَمِنَهُمَا ) حَاكِمٌ ( إنْ تَبَرَّعَا ) بِعَمَلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتَبَرَّعَا وَلَا أَحَدُهُمَا ( قَدَّمَ ) الْحَاكِمُ ( مَنْ شَاءَ ) مِنْهُمَا فَإِنْ تَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا قُدِّمَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ

( وَيُبْدَأُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، أَيْ يَبْدَأُ الْحَاكِمُ فِي قَسْمِ مَالِهِ ( بِمَنْ جَنَى عَلَيْهِ ) حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا .
( قِنُّ الْمُفْلِسِ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بَيْنَ الْجَانِي بِحَيْثُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ الْمُفْلِسُ فَإِنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِذِمَّتِهِ .
( فَيُعْطَى ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ( الْأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ ) أَيْ الْجَانِي ( أَوْ ) الْأَقَلَّ مِنْ ( الْأَرْشِ ) فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةً وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أُعْطِيَ الْعَشَرَةَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ فَقَطْ .
وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ أُعْطِيَ أَيْضًا الْعَشَرَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَيَرُدُّ الْبَاقِي لِلْمَقْسَمِ مَا لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ أَمْرِهِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ كُلُّهُ وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ ( فَيُخْتَصُّ ) هُوَ الْجَانِي ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَنْ كَالْآلَةِ ( ثُمَّ يَبْدَأُ بِمَنْ عِنْدَهُ رَهْنٌ ) لَازِمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ ( فَيُخْتَصُّ ) أَيْ يَخُصُّهُ الْحَاكِمُ ( بِثَمَنِهِ ) إنْ كَانَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَذِمَّةِ الرَّاهِنِ ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ .
وَإِذَا بَقِيَ ) لِلْمُرْتَهِنِ ( دَيْنٌ ) بَعْدَ ثَمَنِ الرَّهْنِ ( حَاصَصَ ) الْمُرْتَهِنُ ( الْغُرَمَاءَ ) بِالْبَاقِي لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمْ فِيهِ ( وَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ ) أَيْ الدَّيْنِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ ( رُدَّ ) الْفَاضِلُ ( عَلَى الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ ، فَصَارَ كَسَائِرِ مَالِ الْمُفْلِسِ ( ثُمَّ ) يَبْدَأُ ( بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ ) قَبْلَ حَجْرٍ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهَا بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ ( أَوْ ) كَانَ ( اسْتَأْجَرَ عَيْنًا ) كَعَبْدٍ وَدَارٍ ( مِنْ مُفْلِسٍ ) قَبْلَ حَجْرٍ عَلَيْهِ ( فَيَأْخُذُهُمَا ) لِاسْتِيفَاءِ نَفْعِهَا مُدَّةَ إجَارَتِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ مَعَ الْمُفْلِسِ عَلَى

بَيْعِهَا بِيعَتْ ، وَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا وَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ وَبَعْضُهُمْ التَّأْخِيرَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قُدِّمَ مَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ فِي الْحَالِ .
( وَإِنْ بَطَلَتْ ) الْإِجَارَةُ ( فِي ) أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَقَبْلَ دُخُولِهَا ضَرَبَ لَهُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَفِي ( أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ ) لِنَحْوِ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ انْهِدَامِ الدَّارِ ( ضَرَبَ لَهُ ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ ( بِمَا بَقِيَ ) لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ عَجَّلَهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ مَاتَا ( ثُمَّ يَقْسِمُ ) الْحَاكِمُ ( الْبَاقِيَ ) مِنْ الْمَالِ ( عَلَى قَدْرِ دُيُونِ مَنْ بَقِيَ ) مِنْ غُرَمَائِهِ تَسْوِيَةً لَهُمْ وَمُرَاعَاةً لِكَمِّيَّةِ حُقُوقِهِمْ فَإِنْ قَضَى حَاكِمٌ أَوْ مُفْلِسٌ بَعْضَهُمْ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ فَلَمْ يَصِحَّ اخْتِصَاصُهُمْ دُونَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ دَيْنُهُ غَيْرَ نَقْدٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِ عِوَضِهِ نَقْدًا اشْتَرَى لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ النَّقْدِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ كَدَيْنِ سَلَمٍ .
( وَلَا يَلْزَمُهُمَا ) أَيْ الْغُرَمَاءَ الْحَاضِرِينَ ( بَيَانُ أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ ) بِخِلَافِ مَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ وَارِثٌ خَاصٌّ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمُ الْغَرِيمِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدُهُمْ فَوْقَ حَقِّهِ ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَخْذَهُ مِلْكَ غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ بِزِيَادَةِ اسْتِظْهَارٍ ( ثُمَّ إنْ ظَهَرَ رَبُّ ) دَيْنٍ ( حَالٍّ رَجَعَ عَلَى كُلِّ غَرِيمٍ بِقِسْطِهِ ) أَيْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَقَاسَمَهُمْ فَيُقَاسِمُ إذَا ظَهَرَ كَغَرِيمِ الْمَيِّتِ يَظْهَرُ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ ( وَلَمْ تَنْقَضِ ) الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا زَائِدًا عَلَى حَقِّهِمْ وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ مُزَاحَمَتَهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ مِنْ حَقِّهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مَا قَبَضَهُ بِحِصَّتِهِ .
وَفِي فَتَاوَى الْمُوَفَّقِ : لَوْ وَصَلَ مَالُ الْغَائِبِ فَأَقَامَ رَجُلٌ

بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً ، إنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا ، وَإِنْ طَالَبَ أَحَدُهُمَا اُخْتُصَّ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ .
وَمُرَادُهُ أَيْ الْمُوَفَّقِ وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ .
( وَمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ ) مِنْ الْغُرَمَاءِ ( لَا يَحِلُّ ) نَصًّا فَلَا يُشَارِكُ ذَوِي الدُّيُونِ الْحَالَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُفْلِسِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَلَسِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ، وَلَا يُوجِبُ الْفَلَسُ حُلُولَ مَالِهِ فَلَا يُوجِبُ حُلُولَ مَا عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ ( وَلَا يُوقَفُ ) مِنْ مَالِ مُفْلِسٍ ( لَهُ ) أَيْ لِمَنْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلٌ ( وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ ) بِشَيْءٍ إذَا ( حَلَّ ) دَيْنُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ حِينَ الْقِسْمَةِ وَكَذَا مَنْ تَجَدَّدَ لَهُ دَيْنٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِجِنَايَةٍ ( وَيُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ قَبْلَ قِسْمَةٍ فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْمَالِ الْمَقْسُومِ كَدَيْنٍ تَجَدَّدَ عَلَى الْمُفْلِسِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ( وَ ) يُشَارِكُ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ ( فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ الْقِسْمَةِ ( فِيمَا بَقِيَ ) مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ دُونَ مَا قُسِمَ ( وَيَضْرِبُ لَهُ ) أَيْ لِلَّذِي حَلَّ دَيْنُهُ فِي أَثْنَاءِ الْقِسْمَةِ ( بِكُلِّ دَيْنِهِ ) الَّذِي حَلَّ .
( وَ ) يَضْرِبُ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا قَبْلَ حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ ( بِبَقِيَّتِهِ ) أَيْ بَقِيَّةِ دَيْنِهِ ( وَيُشَارِكُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ) مِنْ مُفْلِسٍ غُرَمَاءَهُ ( قَبْلَ حَجْرٍ وَبَعْدَهُ ) قَبْلَ قِسْمَةٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ فَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قِصَاصًا فَعَفَا وَلِيُّهَا إلَى مَالٍ أَوْ صَالَحَهُ الْمُفْلِسُ عَلَى مَالٍ شَارَكَ أَيْضًا لِثُبُوتِ سَبَبِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْجَبَتْ الْمَالَ

( وَلَا يَحِلُّ ) دَيْنٌ ( بِجُنُونٍ ) مُؤَجَّلٍ كَإِغْمَاءٍ ( وَلَا مَوْتٍ ) لِحَدِيثِ { مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ } " وَالْأَجَلُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ ( إنْ وَثَّقَ وَرَثَتُهُ ) رَبَّ الدَّيْنِ ( أَوْ ) وَثَّقَ ( أَجْنَبِيٌّ ) رَبَّ الدَّيْنِ ( الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ التَّرِكَةِ ) فَإِنْ لَمْ يُوَثَّقْ بِذَلِكَ حَلَّ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَدْ لَا يَكُونُونَ أَمْلِيَاءَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِمْ الْغَرِيمُ فَيُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْحَقِّ فَلَوْ ضَمِنَهُ ضَامِنٌ وَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْأُجْرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ : لَا تَحِلُّ بِالْمَوْتِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ ، وَإِنْ قُلْنَا يَحِلُّ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ حُلُولَهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ وَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ وَالتَّرِكَةُ بِقَدْرِ الْحَالِّ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ لَمْ تُوَثَّقْ الْمُؤَجَّلُ حَلَّ وَاشْتَرَكَا وَإِنْ وَثَّقَ الْوَرَثَةُ أَوْ أَجْنَبِيُّ لَمْ يَتْرُكْ لِرَبِّ الْمُؤَجَّلِ شَيْئًا ( وَيَخْتَصُّ بِهَا ) أَيْ التَّرِكَةِ ( رَبُّ ) دَيْنٍ ( حَالٍّ ) .
وَيُوَفِّي رَبُّ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ مِنْ الْوَثِيقَةِ وَإِذَا تَعَذَّرَ تَوَثُّقٌ ) أَيْ لَمْ يُوَثِّقْ وَارِثٌ حَلَّ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ لَمْ يَكُنْ ) ( لِمَيِّتٍ وَارِثٌ ) مُعَيَّنٌ ( حَلَّ ) الْمُؤَجَّلُ وَلَوْ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَضِيعَ ( وَلَيْسَ لِضَامِنٍ ) إذَا مَاتَ مَضْمُونٌ ( مُطَالَبَةُ رَبِّ حَقٍّ بِقَبْضِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ ( مِنْ تَرِكَةِ مَضْمُونٍ عَنْهُ ) لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ ( أَوْ ) أَنْ ( يُبْرِئَهُ ) أَيْ الضَّامِنُ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْأَصِيلُ ( وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ عَلَى مَيِّتٍ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ أَوْ لَا ( انْتِقَالَهَا إلَى ) مِلْكِ ( وَرَثَةٍ ) ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْمَالِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي حَقِّ الْجَانِي وَالرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ فَلَمْ يَمْنَعْ نَقْلَهُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُ وَرَثَةٍ فِي تَرِكَةٍ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَيَلْزَمُهُمْ الدَّيْنُ فَإِنْ

تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ فُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِي

( وَيَلْزَمُ ) الْحَاكِمَ ( إجْبَارُ مُفْلِسٍ مُحْتَرِفٍ ) أَيْ ذِي حِرْفَةٍ كَحَدَّادٍ وَحَائِكٍ ( عَلَى ) الْكَسْبِ أَوْ ( إيجَارِ نَفْسِهِ ) فِي حِرْفَةٍ يُحْسِنُهَا لِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صَنَائِعُ أُجْبِرَ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ ( فِيمَا يَلِيقُ بِهِ ) مِنْ صَنَائِعِهِ ( ل ) يُوَفِّيَ ( بَقِيَّةِ دَيْنِهِ ) بَعْدَ قِسْمَةِ مَا وَجَدَ مِنْ مَالِهِ لِحَدِيثِ سُرَّقٍ وَكَانَ سُرَّقٌ رَجُلًا دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، وَذَكَرَ أَنَّ وَرَاءَهُ مَالًا ، فَدَايَنَهُ النَّاسُ وَرَكِبَتْهُ الدُّيُونُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَرَاءَهُ فَسَمَّاهُ سُرَّقًا وَبَاعَهُ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ " ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ وَثُبُوتِ الْغِنَى بِهَا فَكَذَا فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ بِهَا ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ إجْبَارُهُ عَلَيْهَا كَالْبَيْعِ ، و ( كَ ) إجَارَةِ ( وَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا ) وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَغْنِيَاءِ فِي حِرْمَانِ الزَّكَاةِ وَسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْ قَرِيبِهِ وَوُجُوبِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ { خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ } فَقَضِيَّةُ عَيْنٍ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ لِذَلِكَ الْمَدِينِ حِرْفَةٌ يَتَكَسَّبُ بِهَا مَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَدَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ سُرَّقٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا ، إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِنَا ، وَحَمْلُ لَفْظِ بَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ مَنَافِعِهِ أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ الْمُحَرَّمُ وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ شَائِعٌ كَثِيرٌ وَقَوْلُ مُشْتَرِيهِ " أَعْتِقُهُ " أَيْ مِنْ حَقِّي عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ " فَأَعْتَقُوهُ " أَيْ الْغُرَمَاءُ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا الدَّيْنَ عَلَيْهِ ( مَعَ ) بَقَاءِ ( الْحَجْرِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُفْلِسِ الْمُؤَجَّرِ نَفْسَهُ أَوْ وَقْفَهُ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ ( لِقَضَائِهَا ) أَيْ

بَقِيَّةِ الدَّيْنِ .

وَ ( لَا ) تُجْبَرُ ( امْرَأَةٌ ) مُفْلِسَةٌ ( عَلَى نِكَاحٍ ) وَلَوْ رَغِبَ فِيهَا بِمَا تُوفِي بِهِ دَيْنَهَا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ مَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهُ ( وَلَا ) يُجْبَرُ ( مَنْ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ كَفَّارَةٌ ) لَوْ احْتَرَفَ أَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَحْصُلُ مِنْ حِرْفَتِهِ مَا يُحَجُّ بِهِ أَوْ يُكَفِّرُ وَلَا عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَا يُبَاعُ فِيهِ وَلَا تَجْرِي فِيهِ الْمَنَافِعُ مَجْرَى الْأَعْيَانِ

( وَيَحْرُمُ ) إجْبَارُ مَدِينِ مُفْلِسٍ أَوْ غَيْرِهِ ( عَلَى قَبُولِ هِبَةٍ وَ ) قَبُولِ ( صَدَقَةٍ وَ ) قَبُولِ ( وَصِيَّةٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ بِخِلَافِهِ عَلَى الصَّنْعَةِ وَلَا يَمْلِكُ الْحَاكِمُ قَبْضَ ذَلِكَ بِلَا إذْنٍ لَفْظِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ ، وَلَا غَيْرُ الْمَدِينِ وَفَاءَ دَيْنِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ

( وَ ) يَحْرُمُ إجْبَارُهُ عَلَى ( تَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدٍ ) لِيُوَفِّيَ بِمَهْرِهَا دَيْنَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ وَيُعَلِّقُ حَقَّ الزَّوْجِ بِهَا

( وَ ) يَحْرُمُ إجْبَارُهُ عَلَى ( خُلْعِ ) زَوْجَتِهِ ( عَلَى عِوَضٍ يُوَفِّي مِنْهُ دَيْنَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ إلَيْهَا مَيْلٌ

( وَ ) لَا يُجْبَرُ عَلَى ( رَدِّ مَبِيعٍ ) لِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ ( وَ ) لَا عَلَى ( إمْضَائِهِ ) وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ ؛ لِأَنَّهُ إتْمَامُ تَصَرُّفٍ سَابِقٍ عَلَى الْحَجْرِ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ فِيهِ

( وَ ) لَا يُجْبَرُ عَلَى ( أَخْذِ دِيَةٍ عَنْ قَوَدٍ ) وَجَبَ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُوَرِّثِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَإِنْ اقْتَصَّ فَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ ثَبَتَ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ ( وَ ) لَا يُجْبَرُ عَلَى ( نَحْوِهِ ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ كَطَلَاقِ زَوْجَةٍ بَذَلَتْ لَهُ عِوَضًا لِيُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ وَيُوَفِّيَ بِهِ دَيْنَهُ أَوْ بَذَلَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مَالًا لِيَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ ، أَوْ ادَّعَى الْمُفْلِسُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ وَبَذَلَ لَهُ مَالًا لِئَلَّا يُحَلِّفَهُ

( وَيَنْفَكُّ حَجْرُهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ ( بِوَفَاءِ ) دَيْنِهِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ الْحَجْرُ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ ( وَصَحَّ الْحُكْمُ بِفَكِّهِ ) أَيْ الْحَجْرِ ( مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ ) الدَّيْنِ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَكِّهِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ فَرَاغِ مَالِهِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَصْلَحِ مِنْ بَقَاءِ الْحَجْرِ وَفَكِّهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ بِدُونِ حُكْمٍ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمٍ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ ( فَلَوْ طَلَبُوا ) أَيْ غُرَمَاءُ مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ ( إعَادَتَهُ ) عَلَيْهِ ( لِمَا بَقِيَ ) مِنْ دَيْنِهِمْ ( لَمْ يُجِبْهُمْ ) الْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَكَّ حَجْرُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ بِيَدِهِ مَالًا وَبَيَّنُوا سَبَبَهُ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ وَخَلَّى سَبِيلَهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ : لِفُلَانٍ وَأَنَا وَكِيلُهُ أَوْ عَامِلُهُ ، سَأَلَهُ الْحَاكِمُ إنْ حَضَرَ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ فَلَهُ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ أُعِيدَ الْحَجْرُ بِطَلَبِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا أُقِرَّ بِيَدِ الْمُفْلِسِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ وَيُسْأَلَ

( وَإِنْ ادَّانَ ) مَنْ فُكَّ حَجْرُهُ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةُ دَيْنٍ ( فَحُجِرَ عَلَيْهِ ) وَلَوْ بِطَلَبِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ ( تَشَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ وَ ) غُرَمَاءُ الْحَجْرِ ( الثَّانِي ) فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ إذَنْ ، لِتَسَاوِيهِمْ فِي ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ كَغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلِينَ يُضْرَبُ لَهُمْ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ وَالْآخَرِينَ بِجَمِيعِهَا

( وَمَنْ فُلِّسَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( ثُمَّ ادَّانَ لَمْ يُحْبَسْ ) نَصًّا لِوُضُوحِ أَمْرِهِ

( وَإِنْ أَبَى مُفْلِسٌ ، أَوْ ) أَبَى ( وَارِثٌ الْحَلِفَ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ أَوْ الْوَارِثِ ( بِحَقٍّ فَلَيْسَ لِغُرَمَاءِ ) الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ ( الْحَلِفُ ) لِإِثْبَاتِهِمْ مِلْكًا لِغَيْرِهِمْ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُهُمْ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْمَرْأَةِ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ زَوْجِهَا لِتَعَلُّقِ نَفَقَتِهَا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ وَلَا الْوَارِثُ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْمَالُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ

الْحُكْمُ ( الرَّابِعُ انْقِطَاعُ الطَّلَبِ عَنْهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ ، أَيْ فَأَنْظِرُوهُ إلَى مَيْسَرَتِهِ وَلِحَدِيثِ { خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ } .
وَرُوِيَ " لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ " ( فَمَنْ أَقْرَضَهُ ) أَيْ الْمُفْلِسَ شَيْئًا ( أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ ) بِبَدَلِ الْقَرْضِ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ بِمُعَامَلَةِ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ ( حَتَّى يَنْفَكَّ حَجْرُهُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ حَالَ الْحَجْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا إنْ جَهِلَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ .

( فَصْلٌ ) فِي الْحَجْرِ لِحَظِّ نَفْسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } وَأَضَافَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُدَبِّرُوهَا ( وَمَنْ دَفَعَ مَالِهِ بِعَقْدٍ ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ( أَوْ لَا ) أَيْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ ( إلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ ) بِاخْتِيَارِهِ ، وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ ( رَجَعَ ) الدَّافِعُ ( فِي بَاقٍ ) مِنْ مَالِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ .
( وَمَا تَلِفَ ) مِنْهُ بِنَفْسِهِ كَمَوْتِ قِنٍّ أَوْ حَيَوَانٍ ، أَوْ بِفِعْلِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَقَتْلِهِ لَهُ فَهُوَ ( عَلَى مَالِكِهِ ) غَيْرَ مَضْمُونٍ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ ( عَلِمَ ) الدَّافِعُ ( بِحَجْرِ ) الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ ( أَوْ لَا ) لِتَفْرِيطِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمْ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ ( وَيَضْمَنُ ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ ( جِنَايَةً ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ .
( وَ ) يَضْمَنُ ( إتْلَافَ مَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ ) مِنْ الْمَالِ لِاسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فِيهِ ( وَمِنْ إعْطَاءِ ) أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ ( مَالًا ) بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ فِي دَفْعِهِ ( ضَمِنَهُ آخِذُهُ ) لِتَعَدِّيهِ بِقَبْضِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ دَفْعٌ ( حَتَّى يَأْخُذَهُ ) مِنْهُ ( وَلِيُّهُ ) أَيْ وَلِيُّ الدَّافِعِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِقَبْضِ مَالِ الدَّافِعِ وَحِفْظِهِ وَ ( لَا ) يَضْمَنُ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ مَالًا ( إنْ أَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ ) عَنْ الضَّيَاعِ ( كَأَخْذِهِ مَغْصُوبًا ) مِنْ غَاصِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ ) فَلَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْإِعَانَةِ عَلَى رَدِّ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّيهِ فَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ

( وَمَنْ بَلَغَ ) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى ( رَشِيدًا ) انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ ( أَوْ ) بَلَغَ ( مَجْنُونًا ثُمَّ عَقَلَ وَرَشَدَ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } - الْآيَةَ ؛ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حِفْظًا لَهُ وَقَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْحَجْرُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ ( بِلَا حُكْمٍ ) بِفَكِّهِ ، وَسَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ فَيَزُولُ بِدُونِهِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وَاشْتِرَاطُ الْحُكْمِ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ الدَّفْعَ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ ( وَأُعْطِيَ ) مَنْ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ ( مَالَهُ ) لِلْآيَةِ وَيُسْتَحَبُّ بِإِذْنِ قَاضٍ وَإِشْهَادٍ بِرُشْدٍ وَدَفْعٍ لِيَأْمَنَ التَّبَعَةَ وَ ( لَا ) يُعْطَى مَالَهُ ( قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ ) وَلَوْ صَارَ شَيْخًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ

( وَبُلُوغِ ذَكَرٍ وَإِمْنَاءٍ ) بِاحْتِلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ } ( أَوْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ) لِحَدِيثِ { ابْنِ عُمَرَ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي ، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ( فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ ) " ( أَوْ نَبَاتِ شَعْرٍ خَشِنٍ ) أَيْ يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى لَا زَغْبٍ ضَعِيفٍ ( حَوْلَ قُبُلِهِ ) { ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ حَكَمَ بِأَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَحَكَمَ بِأَنْ يَكْشِفَ عَنْ مُؤْتَزَرَاتِهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لَمْ يَنْبُتْ أَلْحَقُوهُ بِالذُّرِّيَّةِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

( وَ ) بُلُوغِ ( أُنْثَى بِذَلِكَ ) الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ الذَّكَرِ ( وَ ) تَزِيدُ عَلَيْهِ ( بِحَيْضٍ ) لِحَدِيثِ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَحَمْلُهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا ) لِإِجْرَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَائِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ { فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } ( وَقَدْرُهُ ) أَيْ قَدْرُ زَمَنٍ يُحْكَمُ فِيهِ بِبُلُوغِهَا إذَا وَلَدَتْ ( أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ ) أَيْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ( وَإِنْ طَلُقَتْ زَمَنَ إمْكَانِ بُلُوغٍ ) أَيْ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ ( وَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِمُطَلِّقٍ وَحُكِمَ بِبُلُوغِهَا مِنْ قَبْلِ الطَّلَاقِ ) احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ

( وَ ) بُلُوغِ خُنْثَى ( بِسِنٍّ ) أَيْ تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ( أَوْ نَبَاتٍ حَوْلَ قُبُلَيْهِ ) فَإِنْ وُجِدَ حَوْلَ أَحَدِهِمَا فَلَا ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ( أَوْ إمْنَاءٍ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ أَوْ حَيْضٍ مِنْ قُبُلٍ أَوْ هُمَا ) أَيْ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ ( مِنْ مَخْرَجٍ ) وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ أَمْنَتْ وَحَاضَتْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ ، وَلَا بُلُوغَ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ كَغِلَظِ صَوْتٍ وَفَرْقِ أَنْفٍ وَنُهُودِ ثَدْيٍ وَشَعْرِ إبِطٍ ( وَالرُّشْدُ إصْلَاحُ الْمَالِ ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } أَيْ إصْلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ ، وَمَنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُهُ ، وَالْعَدَالَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ دَوَامًا فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ رَشِيدٍ يُنْتَقَضُ بِالْكَافِرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ

( وَلَا يُعْطَى ) مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا ظَاهِرًا ( مَالَهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ ، وَمَحِلُّهُ ) أَيْ الِاخْتِبَارِ ( قَبْلَ بُلُوغٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } - الْآيَةَ وَالدَّلِيلُ مِنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ : " الْيَتَامَى " وَإِنَّمَا يَكُونُونَ يَتَامَى قَبْلَ الْبُلُوغِ ، الثَّانِي : أَنَّ مُدَّةَ اخْتِبَارِهِمْ إلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظِ " حَتَّى " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ قَبْلَهُ ، وَتَأْخِيرُ الِاخْتِبَارِ إلَى الْبُلُوغِ يُؤَدِّي إلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ ، وَلَا يَخْتَبِرُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ ، وَتَصَرُّفُهُ حَالَ الِاخْتِبَارِ صَحِيحٌ ( بِ ) تَصَرُّفٍ ( لَائِقٍ بِهِ ) مُتَعَلِّقٌ ب يُخْتَبَرُ .
( وَ ) حَتَّى ( يُؤْنَسُ رُشْدُهُ ) أَيْ يُعْلَمَ ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ( فَوَلَدُ تَاجِرٍ ) يُؤْنَسُ رُشْدُهُ ( بِأَنْ يَتَكَرَّرَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَلَا يُغْبَنُ غَالِبًا غَبْنًا فَاحِشًا وَ ) يُؤْنَسُ رُشْدُ ( وَلَدِ رَئِيسٍ وَكَاتِبٍ بِاسْتِيفَاءٍ عَلَى وَكِيلِهِ ) فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ ( وَ ) يُؤْنَسُ رُشْدُ ( أُنْثَى بِاشْتِرَاءِ قُطْنٍ وَاسْتِجَادَتِهِ وَدَفْعِهِ وَ ) دَفْعِ ( أُجْرَتِهِ لِلْغَزَّالَاتِ وَاسْتِيفَاءٍ عَلَيْهِنَّ ) أَيْ الْغَزَّالَاتِ ( وَ ) يُعْتَبَرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إينَاسِ رُشْدِهِ ( أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ) كَحَرْقِ نِفْطٍ يَشْتَرِيهِ لِلتَّفَرُّجِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ ( أَوْ ) صَرْفِهِ فِي ( حَرَامٍ كَقِمَارٍ وَغِنَاءٍ وَشِرَاءِ ) شَيْءٍ ( مُحَرَّمٍ ) كَآلَةِ لَهْوٍ وَخَمْرٍ ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَعُدُّ مَنْ صَرَفَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ سَفِيهًا مُبَذِّرًا وَقَدْ يُعَدُّ الشَّخْصُ سَفِيهًا بِصَرْفِهِ مَالَهُ فِي الْمُبَاحِ فَفِي الْحَرَامِ أَوْلَى ، بِخِلَافِ صَرْفِهِ فِي بَابِ بِرٍّ كَصَدَقَةٍ أَوْ فِي مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَمَنْكَحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ، فَلَيْسَ بِتَبْذِيرٍ ، إذْ لَا إسْرَافَ فِي الْخَيْرِ ( وَمَنْ نُوزِعَ فِي رُشْدِهِ فَشَهِدَ بِهِ

عَدْلَانِ ثَبَتَ ) رُشْدُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عَدْلَانِ ( فَادَّعَى ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ( عِلْمَ وَلِيُّهُ ) رُشْدَهُ ( حَلَفَ ) وَلِيُّهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ رُشْدَهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ مُدَّعٍ وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى : إنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرُشْدِهِ لِنُكُولِهِ

( وَمَنْ تَبَرَّعَ فِي ) حَالِ ( حَجْرِهِ ) أَوْ بَاعَ وَنَحْوَهُ ( فَثَبَتَ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُتَبَرِّعِ وَنَحْوِهِ ( مُكَلَّفًا رَشِيدًا نَفَذَ ) تَصَرُّفُهُ لِتَبَيُّنِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ .

( فَصْلٌ وَوِلَايَةُ مَمْلُوكٍ لِسَيِّدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ سَيِّدُهُ ( غَيْرَ عَدْلٍ ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَتِهِ

( وَ ) وِلَايَةُ ( صَغِيرٍ ) عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ ( وَبَالِغٍ مَجْنُونٍ ) وَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَاسْتَمَرَّ ( لِأَبٍ بَالِغٍ ) لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ ، فَإِنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِابْنِ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَثْبُتْ بُلُوغُهُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا ( رَشِيدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ( ثُمَّ ) الْوِلَايَةُ بَعْدَ أَبٍ ( لِوَصِيِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْأَبِ ، أَشْبَهَ وَكِيلَهُ فِي الْحَيَاةِ ( وَلَوْ ) كَانَ وَصِيُّهُ ( بِجُعْلٍ وَثَمَّ مُتَبَرِّعٌ ) بِالنَّظَرِ لَهُ ( أَوْ ) كَانَ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ ( كَافِرًا عَلَى كَافِرٍ ) إنْ كَانَ عَدْلًا فِي دَيْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ فَالْوِلَايَةُ ل ( حَاكِمٍ ) لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَتَكُونُ لِلْحَاكِمِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ .
( وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ ) فِي الْوَلِيِّ ( ظَاهِرًا ) فَلَا يَحْتَاجُ حَاكِمٌ إلَى تَعْدِيلِ أَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ وَلِلْمُكَاتَبِ وِلَايَةُ وَلَدِهِ التَّابِعِ لَهُ دُونَ الْحُرِّ ( فَإِنْ عُدِمَ ) حَاكِمٌ أَهْلٌ ( فَأَمِينٌ يَقُومُ مَقَامَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ وَالْأُمِّ وَبَاقِي الْعَصَبَاتِ ، وَحَاكِمٌ عَاجِزٌ كَالْعَدَمِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَالٌ تُطَالِبهُ الْوَرَثَةُ فَيَخَافُ مِنْ أَمْرِهِ تَرَى أَنْ يُخْبِرَ الْحَاكِمَ وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ ؟ قَالَ : أَمَّا حُكَّامُنَا الْيَوْمَ هَؤُلَاءِ فَلَا أَرَى أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا

( وَحَرُمَ تَصَرُّفُ وَلِيِّ صَغِيرٍ ) وَوَلِيِّ ( مَجْنُونٍ ) وَسَفِيهٍ ( إلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ ) لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَالسَّفِيهُ وَالْمَجْنُونُ فِي مَعْنَاهُ وَإِذَا تَبَرَّعَ ) الْوَلِيُّ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ ( أَوْ حَابَى ) بِأَنْ بَاعَ مِنْ مَالِ مَوْلِيِّهِ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِأَزْيَدَ ( أَوْ زَادَ ) فِي الْإِنْفَاقِ ( عَلَى نَفَقَتِهِمَا ) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِالْمَعْرُوفِ ( أَوْ ) زَادَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى ( مَنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ ضَمِنَ ) مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَمَا حَابَى بِهِ وَالزَّائِدَ فِي النَّفَقَةِ لِتَفْرِيطِهِ .
وَلِلْوَلِيِّ تَعْجِيلُ نَفَقَةِ مَوْلَاهُ مُدَّةً جَرَتْ بِهَا عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ لَمْ يُفْسِدْهَا ( وَتُدْفَعُ ) النَّفَقَةُ ( إنْ أَفْسَدَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ فَإِنْ أَفْسَدَهَا ) أَيْ النَّفَقَةَ مُوَلًّى عَلَيْهِ بِإِتْلَافٍ أَوْ دَفْعٍ لِغَيْرِهِ ( أَطْعَمَهُ ) الْوَلِيُّ ( مُعَايَنَةً ) وَإِلَّا كَانَ مُفَرِّطًا ( وَإِنْ أَفْسَدَ كِسْوَتَهُ سَتَرَ عَوْرَتَهُ فَقَطْ فِي بَيْتٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحَيُّلٌ ) عَلَى إبْقَائِهَا عَلَيْهِ ، وَ ( لَوْ ) كَانَ التَّحَيُّلُ ( بِتَهْدِيدٍ ) فَإِذَا أَرَاهُ النَّاسَ أَلْبَسَهُ فَإِنْ عَادَ نَزَعَهُ عَنْهُ ، وَيُقَيَّدُ الْمَجْنُونُ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ نَصًّا

( وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ ) وَلِيٌّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ مِنْ مَالِهِمَا لِنَفْسِهِ ( أَوْ يَشْتَرِيَ ) مِنْ مَالِهِمَا لِنَفْسِهِ ( أَوْ يَرْتَهِنَ مِنْ مَالِهِمَا لِنَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ ( غَيْرَ أَبٍ ) فَلَهُ ذَلِكَ ، وَيَلِي طَرَفَيْ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِنَفْسِهِ وَالتُّهْمَةُ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ ، إذْ مِنْ طَبْعِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَالْمَيْلُ إلَيْهِ وَتَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ لِحَظِّهِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ

( وَلَهُ ) أَيْ الْأَبِ مُكَاتَبَةُ قِنِّهِمَا ( وَلِغَيْرِهِ ) أَيْ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ ( مُكَاتَبَةُ قِنِّهِمَا ) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا إذَا كَانَ فِيهَا حَظٌّ ( وَ ) لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ( عِتْقُهُ ) أَيْ قِنِّهِمَا ( عَلَى مَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا حَظٌّ أَشْبَهَ الْبَيْعَ ، وَلَيْسَ لَهُ الْعِتْقُ مَجَّانًا ( وَ ) لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ( تَزْوِيجُهُ ) أَيْ قِنِّهِمَا ( لِمَصْلَحَةٍ ) وَلَوْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِإِعْفَافِهِ عَنْ الزِّنَا ، وَإِيجَابُ نَفَقَةِ الْأَمَةِ عَلَى زَوْجِهَا .
( وَ ) لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ( إذْنُهُ ) أَيْ رَقِيقِ مَحْجُورِهِ ( فِي تِجَارَةٍ ) بِمَالِهِ كَاتِّجَارِ وَلِيِّهِ فِيهِ بِنَفْسِهِ .
( وَ ) لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ( سَفَرٌ بِمَالِهِمَا ) لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا ( مَعَ أَمْنِ ) بَلَدٍ وَطَرِيقٍ ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ أَوْ طَرِيقُهُ غَيْرَ آمِنٍ لَمْ يَجُزْ ( وَ ) لِأَبٍ وَغَيْرِهِ ( مُضَارَبَتُهُ بِهِ ) أَيْ الِاتِّجَارُ بِمَالِهِمَا بِنَفْسِهِ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ بِهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ } .
وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَهُوَ أَصَحُّ ، وَلِأَنَّهُ أَحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ ( وَلِمَحْجُورٍ رِبْحُهُ كُلُّهُ ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ إلَّا بِعَقْدٍ وَلَا يَعْقِدُهَا الْوَلِيُّ لِنَفْسِهِ لِلتُّهْمَةِ

( وَ ) لِوَلِيٍّ ( دَفْعُهُ ) أَيْ مَالِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ ( مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ ) مُشَاعٍ مَعْلُومٍ ( مِنْ رِبْحِهِ ) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا " أَبْضَعَتْ مَالَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ " وَلِنِيَابَةِ الْوَلِيِّ عَنْ مَحْجُورِهِ فِي كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ ، وَلِلْعَامِلِ مَا شُورِطَ عَلَيْهِ ( وَ ) لِوَلِيٍّ ( بَيْعُهُ ) أَيْ مَالِ مَوْلَاهُ ( نَسَاءً ) أَيْ إلَى أَجَلٍ لِمَصْلَحَةٍ ( وَ ) لَهُ ( قَرْضُهُ وَلَوْ بِلَا رَهْنٍ لِمَصْلَحَةٍ ) بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُؤَجَّلِ أَكْثَرَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ حَالًّا أَوْ يَكُونَ الْقَرْضُ لِمَلِيءٍ يَأْمَنُ جُحُودَهُ خَوْفًا عَلَى الْمَالِ مِنْ نَحْوِ سَفَرٍ ( وَإِنْ أَمْكَنَهُ ) أَيْ الْوَلِيَّ أَخْذُ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ بِثَمَنٍ أَوْ قَرْضٍ ( فَالْأَوْلَى أَخْذُهُ ) احْتِيَاطًا ( وَإِنْ تَرَكَهُ ) أَيْ التَّوَثُّقَ وَلِيٌّ مَعَ إمْكَانِهِ ( فَضَاعَ الْمَالُ لَمْ يَضْمَنْهُ ) الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ فَلَا يُقْرِضُهُ لِمَوَدَّةٍ وَمُكَافَأَةٍ نَصًّا .
( وَ ) لَهُ ( هِبَتُهُ بِعِوَضٍ ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَفِيهَا مَا فِيهِ ( وَ ) لَهُ ( رَهْنُهُ لِثِقَةٍ لِحَاجَةٍ وَإِيدَاعِهِ ) وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ لِمَصْلَحَةٍ ( وَ ) لَهُ ( شِرَاءُ عَقَارٍ ) مِنْ مَالِهِمَا لِيَسْتَغِلَّ لَهُمَا مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِهِ ( وَ ) لَهُ ( بِنَاؤُهُ ) أَيْ الْعَقَارِ لَهُمَا مِنْ مَالِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ وَيَكُونَ أَحَظَّ فَيَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ ( بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ ) بِالْبِنَاءِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فَيَفْعَلُهُ ( لِمَصْلَحَةٍ ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَا .
( وَ ) لَهُ ( شِرَاءُ أُضْحِيَّةٍ ل ) مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ( مُوسِرٍ ) نَصًّا وَحَمَلَهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى يَتِيمٍ يَعْقِلُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَفَرَحٍ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ جَبْرُ قَلْبِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِمَنْ لَهُ أَبٌ كَالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّوْسِعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ .
( وَ ) لَهُ ( مُدَاوَاتُهُ ) أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَوْ

بِأُجْرَةٍ لِمَصْلَحَةٍ وَلَوْ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ نَصًّا ، وَلَهُ حَمْلُهُ بِأُجْرَةٍ نَصًّا لِيَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ ، قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ ، وَإِذْنُهُ فِي صَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ .
( وَ ) لَهُ ( تَرْكُ صَبِيٍّ بِمَكْتَبٍ ) لِتَعَلُّمِ خَطٍّ وَنَحْوَهُ ( بِأُجْرَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِ أَشْبَهَ ثَمَنَ مَأْكُولٍ وَكَذَا تَرْكُهُ بِدُّكَّانٍ لِتَعَلُّمِ صِنَاعَةٍ .
( وَ ) لَهُ ( شِرَاءُ لُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ لِصَغِيرَةٍ ) تَحْتَ حَجْرِهِ ( مِنْ مَالِهَا ) نَصًّا لِلتَّمَرُّنِ ، وَلَهُ أَيْضًا تَجْهِيزُهَا إذَا زَوَّجَهَا أَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِمَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ لِبَاسٍ وَحُلِيٍّ وَفُرُشٍ عَلَى عَادَتِهِنَّ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ ، وَلَهُ أَيْضًا خَلْطُ نَفَقَةِ مُوَلِّيهِ بِمَالِهِ إذَا كَانَ أَرْفَقَ لَهُ

وَإِنْ مَاتَ مَنْ يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ وَلِيَتِيمِهِ بِمَالِهِ وَقَدْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَعْرِفْ لِمَنْ هُوَ أَقْرَعَ فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ وَأَخَذَ ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ

( وَ ) لِوَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ( بَيْعُ عَقَارِهِمَا لِمَصْلَحَةٍ ) نَصًّا لِكَوْنِهِ فِي مَكَان لَا غَلَّةَ فِيهِ أَوْ فِيهِ غَلَّةٌ يَسِيرَةٌ أَوْ لَهُ جَارُ سُوءٍ ، أَوْ لِيُعَمِّرَ بِهِ عَقَارَهُ الْآخَرَ وَنَحْوِهِ ( وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ أَوْ زِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ ) أَيْ الْعَقَارِ

( وَيَجِبُ ) عَلَى وَلِيِّهِمَا ( قَبُولُ وَصِيَّةٍ لَهُمَا بِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا ) مِنْ أَقَارِبِهِمَا ( إنْ لَمْ تَلْزَمْهُمَا ) نَفَقَتُهُ لِإِعْسَارِهِمَا ( أَوْ غَيْرِهِ ) كَوُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُمَا ، أَوْ قُدْرَةِ عَتِيقٍ عَلَى تَكَسُّبٍ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ إذَنْ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَزِمَتْهُمَا نَفَقَتُهُ ( حَرُمَ ) قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِتَفْوِيتِ مَالِهِمَا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ) أَيْ الْوَلِيُّ ( تَخْلِيصُ حَقِّهِمَا ) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ( إلَّا بِرَفْعِ مَدِينٍ ) لَهُمَا ( لِوَالٍ يَظْلِمُهُ رَفَعَهُ ) الْوَلِيُّ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جَرَّ الظُّلْمَ إلَى نَفْسِهِ ( كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّ مَغْصُوبٍ ) إلَى مَالِكِهِ ( إلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ ) فَلِرَبِّهِ إلْزَامُ غَاصِبِهِ بِرَدِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ

فَصْلٌ : وَمَنْ فُكَّ حَجْرُهُ لِتَكْلِيفِهِ وَرُشْدِهِ ( فَسَفِهَ ) أَيْ صَارَ سَفِيهًا ( أُعِيدَ ) حَجْرُهُ لِدَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ عِلَّتِهِ ، وَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ ( وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا حَاكِمٌ ) لِاخْتِلَافِ التَّبْذِيرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ثَانِيًا فَيَحْتَاجُ إلَى الِاجْتِهَادِ ، أَشْبَهَ الْحَجْرَ لِفَلَسٍ ( كَمَنْ جُنَّ ) بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ فَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا حَاكِمٌ وَكَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إذَا اخْتَلَّ عَقْلُهُ حُجِرَ عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ

( وَلَا يَنْفَكُّ ) الْحَجْرُ عَمَّنْ سَفِهَ وَنَحْوَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ ( إلَّا بِحُكْمِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ ، فَلَا يَنْفَكُّ إلَّا بِهِ كَحَجْرِ الْفَلَسِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27