كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

فَصْلٌ وَالْمَسْبِيُّ مِنْ كُفَّارٍ غَيْرُ بَالِغٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ ( أَوْ ) مَسْبِيٍّ ( مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ ) أَيْ إنْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا .
لِحَدِيثِ { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ بِانْقِطَاعِهِ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ دَارِهِمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ( وَ ) الْمَسْبِيُّ ( مَعَهُمَا ) أَيْ أَبَوَيْهِ ( عَلَى دِينِهِمَا ) لِلْخَبَرِ .
وَمِلْكُ السَّابِي لَهُ لَا يَمْنَعُ تَبَعِيَّتَهُ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ .
كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ الْكَافِرَةُ مِلْكُهُ مِنْ كَافِرٍ

( وَمَسْبِيٌّ ذِمِّيٌّ ) مِنْ أَوْلَادِ الْحَرْبِيِّينَ ( يَتْبَعُهُ ) أَيْ السَّابِي فِي دِينِهِ حَيْثُ الْمُسْلِمِ قِيَاسًا عَلَيْهِ ( وَإِنْ أَسْلَمَ ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ فَمُسْلِمٌ ( أَوْ مَاتَ ) أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا فَمُسْلِمٌ ( أَوْ عُدِمَ أَحَدُ أَبَوَيْ غَيْرِ بَالِغٍ بِدَارِنَا ) كَأَنْ زَنَتْ كَافِرَةٌ وَلَوْ بِكَافِرٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بِدَارِنَا فَمُسْلِمٌ نَصًّا لِلْخَبَرِ ( أَوْ اُشْتُبِهَ وَلَدُ مُسْلِمٍ بِوَلَدِ كَافِرٍ ) فَمُسْلِمٌ كُلٌّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو ، وَلَا يُقْرَعُ خَشْيَةَ أَنْ يَصِيرَ وَلَدُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ ( أَوْ بَلَغَ ) وَلَدُ الْكَافِرِ ( مَجْنُونًا فَ ) هُوَ ( مُسْلِمٌ ) فِي حَالٍ يُحْكَمُ فِيهِ بِإِسْلَامِهِ لَوْ كَانَ صَغِيرًا كَمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِدَارِنَا وَإِسْلَامِهِ لِعَدَمِ آلَةِ قَبُولِهِ التَّهَوُّدَ وَنَحْوِهِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدَهُمَا لِزَوَالِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا .
فَلَا يَعُودُ ( وَإِنْ بَلَغَ ) مَنْ قُلْنَا بِإِسْلَامِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ( عَاقِلًا مُمْسِكًا عَنْ إسْلَامٍ وَعَنْ كُفْرٍ قُتِلَ قَاتِلُهُ ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا

( وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ بِسَبْيٍ ) لَهَا وَحْدَهَا .
لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ { أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ { " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَسُبِيَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا .
وَ ( لَا ) يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ سُبِيَتْ ( مَعَهُ وَلَوْ اُسْتُرِقَّا ) لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحَ ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ .
وَسَوَاءٌ سَبَاهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رِجَالٌ ( وَتَحِلُّ ) مَسْبِيَّةٌ وَحْدَهَا ( لِسَابِيهَا ) بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا لِمَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ سُبِيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ زَوْجَةٍ لَهُ بِدَارِ حَرْبٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ

( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مُسْتَرَقٍّ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الَّذِي مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ ( الْكَافِرُ ) وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَرَقُّ كَافِرًا نَصًّا قَالَ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ .
هَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يُرْتَجَى مِنْهُ إذَا بَقِيَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ( وَلَا ) تَصِحُّ ( مُفَادَاتُهُ ) أَيْ مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْ الْكُفَّارِ لِكَافِرٍ ( بِمَالٍ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ لَهُ ( وَتَجُوزُ ) مُفَادَاتُهُ ( بِمُسْلِمٍ ) لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسْرِ

( وَلَا يُفَرَّقُ ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ ( بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ) كَأَبٍ وَابْنٍ وَأَخَوَيْنِ ، وَكَعَمٍّ وَابْنِ أَخِيهِ وَخَالٍ وَابْنِ أُخْتِهِ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغٍ .
لِحَدِيثِ { مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ { وَهَبَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْت أَحَدَهُمَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا فَعَلَ غُلَامُك ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ : رُدَّهُ رُدَّهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ ؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ .
فَقِيسَ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : جَوَازُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ نَحْوِ ابْنِ عَمٍّ أَوْ ابْنَيْ خَالٍ ، أَوْ ابْنَيْ أُمٍّ مِنْ رَضَاعٍ وَوَلَدِهَا مِنْهُ ، وَأُخْتٍ مِنْ رَضَاعٍ وَأَخِيهَا لِعَدَمِ النَّصِّ .
وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ ( إلَّا بِعِتْقٍ ) فَيَجُوزُ عِتْقُ وَالِدَةٍ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ وَنَحْوُهُ ( أَوْ افْتِدَاءِ أَسِيرٍ ) مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إذَنْ .
لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسْرِ ( أَوْ بَيْعٍ ) وَنَحْوِهِ ( فِيمَا إذَا مَلَكَ أُخْتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَأَرَادَ وَطْءَ الْأُخْرَى جَازَ لَهُ بَيْعُ الْمَوْطُوءَةِ لِيَسْتَبِيحَ وَطْءَ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَتِهِ ( وَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ ) أَيْ الْأَسْرَى ( عَدَدًا ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( فِي عَقْدٍ يَظُنُّ أَنَّ بَيْنَهُمْ ) أَيْ الْمُشْتَرِينَ ( أُخُوَّةً أَوْ نَحْوَهَا ) كَعُمُومَةٍ أَوْ خُؤُولَةٍ وَبِيعُوا بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِمْ أَنْ لَوْ فُرِّقُوا لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ ( فَتَبَيَّنَ عَدَمُهَا ) أَيْ الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا ( رُدَّ إلَى الْمُقَسِّمِ ) مِنْ الْمُشْتَرِي ( الْفَضْلُ الَّذِي فِيهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( بِالتَّفْرِيقِ )

لِبَيَانِ انْتِفَاءِ مَانِعِهِ .
وَهَذَا إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فَإِنْ بَقِيَ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ فَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُهُ لِيُبَاعَ بِثَمَنِهِ مُتَفَرِّقًا

( وَإِذَا حَضَرَ إمَامٌ ) أَوْ أَمِيرُهُ ( حِصْنًا لَزِمَهُ ) فِعْلُ ( الْأَصْلَحِ ) فِي نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ ( مِنْ مُصَابَرَتِهِ ) أَيْ الْحِصْنِ أَيْ الصَّبْرِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ( وَ ) مِنْ ( مُوَادَعَتِهِ بِمَالٍ وَ ) مِنْ ( هُدْنَةٍ ) بِلَا مَالٍ ( بِشَرْطِهَا ) الْمَعْلُومِ مِنْ بَابِهَا نَصًّا ( وَيَجِبَانِ ) أَيْ الْمُوَادَعَةُ بِمَالٍ وَالْهُدْنَةُ بِغَيْرِهِ ( إنْ سَأَلُوهُمَا ) أَيْ أَهْلَ الْحِصْنِ ( وَثَمَّ مَصْلَحَةٌ ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَصَغَارِ الْكَفَرَةِ .
وَلَهُ أَيْضًا الِانْصِرَافُ بِدُونِهِ إنْ رَآهُ لِضَرَرٍ أَوْ إيَاسٍ مِنْهُ .
( وَإِنْ قَالُوا ) أَيْ أَهْلُ الْحِصْنِ لِلْمُسْلِمِينَ ( ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسْرَاكُمْ ) عِنْدَنَا ( فَلْيَرْحَلُوا ) وُجُوبًا ، لِئَلَّا يُلْقُوا بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لِلْهَلَاكِ ( وَيُحْرَزُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْحِصْنِ قَبْلَ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِ ( دَمُهُ وَمَالُهُ حَيْثُ كَانَ ) فِي الْحِصْنِ أَوْ خَارِجَهُ .
لِحَدِيثِ " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ .
.
" الْخَبَرَ ( وَلَوْ ) كَانَ مَالُهُ ( مَنْفَعَةَ إجَارَةٍ ) لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيهِ ( وَ ) يُحْرِزُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ( أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَحَمْلَ امْرَأَتِهِ ) لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ .
وَ ( لَا ) يُحْرِزُ امْرَأَتَهُ ( وَهِيَ ) لِأَنَّهَا لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا كَغَيْرِهَا ( وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ ) أَيْ الزَّوْجِ الْمُسْلِمِ ( بِرِقِّهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ .
بِدَلِيلِ عَدَمِ ضَمَانِهَا بِالْيَدِ وَعَدَمِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا .
( وَإِنْ نَزَلُوا ) أَيْ أَهْلُ الْحِصْنِ ( عَلَى حُكْمِ ) رَجُلٍ ( مُسْلِمٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ مُجْتَهِدٍ فِي الْجِهَادِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( أَعْمَى ) جَازَ ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَأْيُهُ وَمَعْرِفَةُ الْمَصْلَحَةِ بِهِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ ( أَوْ ) كَانَ الْمَنْزُولُ عَلَى حُكْمِهِ ( مُتَعَدِّدًا ) كَرَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ ( جَازَ )

وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا اجْتَمَعَا أَوْ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمَنْزُولُ عَلَى حُكْمِهِ ( الْحُكْمُ بِالْأَحَظِّ لَنَا ) مِنْ قَتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ مِنْ فِدَاءٍ ( وَيَلْزَمُ ) حُكْمُهُ ( حَتَّى بِمَنٍّ ) عَلَيْهِمْ كَالْإِمَامِ .
وَلَمَّا حَاصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ رَضُوا بِأَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .
فَأَجَابَهُمْ لِذَلِكَ .
فَحَكَمَ فِيهِمْ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ .
( وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ ) حَكَمَ مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ ( بِرِقِّهِ ) لِأَنَّ الْقَتْلَ أَشَدُّ مِنْ الرِّقِّ .
وَفِيهِ إتْلَافُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ ( وَلَا ) لِلْإِمَامِ ( رِقُّ مَنْ حَكَمَ ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ ( بِقَتْلِهِ ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يُخَافُ بِبَقَائِهِ نِكَايَةُ الْمُسْلِمِينَ وَدُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ ( وَلَا ) لِلْإِمَامِ ( رِقُّ وَلَا قَتْلُ مَنْ حَكَمَ ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ ( بِفِدَائِهِ ) لِأَنَّهَا أَشَدُّ مِنْهُ .
فَلَا يُجَاوِزُ الْأَخَفَّ مِمَّا حُكِمَ بِهِ إلَى الْأَثْقَلِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ لُزُومِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( الْمَنُّ مُطْلَقًا ) أَيْ عَلَى مَنْ حُكِمَ بِقَتْلِهِ أَوْ بِرِقِّهِ أَوْ فِدَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ .
فَإِذَا رَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً جَازَ لَهُ فِعْلٌ ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَتَمُّ ( وَ ) لِلْإِمَامِ ( قَبُولُ فِدَاءٍ مِمَّنْ حَكَمَ ) مَنْزُولٌ عَلَى حُكْمِهِ ( بِقَتْلِهِ أَوْ رِقِّهِ ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُمَا .
وَهُوَ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِرِضَا مَحْكُومٍ لَهُ .
وَذَلِكَ حَقٌّ لِلْإِمَامِ .
فَإِذَا رَضِيَ بِتَرْكِهِ إلَى غَيْرِهِ جَازَ لَهُ .
( وَإِنْ أَسْلَمَ مَنْ حَكَمَ ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ ( بِقَتْلِهِ أَوْ سَبْيِهِ ) أَيْ رِقِّهِ ( عُصِمَ دَمُهُ فَقَطْ ) دُونَ مَالِهِ وَذُرِّيَّتِهِ .
لِأَنَّهُمَا صَارَا بِالْحُكْمِ بِقَتْلِهِ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ .
فَلَا يَعُودَانِ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِ .
وَأَمَّا دَمُهُ فَأَحْرَزَهُ بِإِسْلَامِهِ ( وَلَا يُسْتَرَقُّ ) لِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَهُ .
فَلَمْ يُحَزْ ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ

قُدْرَةٍ عَلَيْهِ ( وَإِنْ سَأَلُوا ) أَيْ أَهْلُ الْحِصْنِ الْأَمِيرَ ( أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ ، وَيُخَيَّرَ فِيهِمْ كَأَسْرَى ) لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ أَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ نُزُولِ وَحْيٍ بِمَا يُخَالِفُ مَا حَكَمَ بِهِ .
وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلَوْ كَانَ بِهِ ) أَيْ الْحِصْنِ ( مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ ) كَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى ( فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ عُقِدَتْ ) لَهُ أَيْ الذِّمَّةُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ ( مَجَّانًا : وَحَرُمَ رِقُّهُ ) لِتَأْمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِهِ مَالٌ

( وَلَوْ خَرَجَ عَبْدٌ ) حَرْبِيٌّ ( إلَيْنَا بِأَمَانٍ أَوْ نَزَلَ ) عَبْدٌ ( مِنْ حِصْنٍ ) إلَيْنَا بِأَمَانٍ ( فَهُوَ حُرٌّ ) نَصًّا لِلْخَبَرِ ( وَلَوْ جَاءَنَا ) عَبْدٌ ( مُسْلِمًا ) وَأُسِرَ سَيِّدُهُ الْحَرْبِيُّ ( أَوْ ) أُسِرَ ( غَيْرُهُ ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ ( فَهُوَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( حُرٌّ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
فَلَا يُرَدُّ هُدْنَةً ( وَالْكُلُّ ) مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( لَهُ ) أَيْ لِلْعَبْدِ الَّذِي جَاءَ مُسْلِمًا ( وَإِنْ أَقَامَ ) عَبْدٌ أَسْلَمَ ( بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ رَقِيقٌ ) أَيْ بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ ( وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ ) أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَحِقَ بِنَا ( مُسْلِمًا بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ ) لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ حِينَ جَاءَ إلَيْنَا مُسْلِمًا ( وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ قَبْلَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ جَاءَ هُوَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( مُسْلِمًا فَهُوَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( لَهُ ) أَيْ لِمَوْلَاهُ لِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ ( وَلَيْسَ لِقِنٍّ غَنِيمَةٌ ) لِأَنَّهُ مَالٌ .
فَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ ( فَلَوْ هَرَبَ الْقِنُّ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَ ) مِنْهُ ( بِمَالٍ فَهُوَ ) أَيْ الْقِنُّ ( لِسَيِّدِهِ وَالْمَالُ ) الَّذِي جَاءَ بِهِ ( لَنَا ) فَيْئًا .

بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَوْ أَمِيرَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إلَى الْغَزْوِ ، وَفِي دَارِ الْحَرْبِ ( وَ ) مَا يَلْزَمُ ( الْجَيْشَ ) إذَنْ ( يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ ) مِنْ إمَامٍ وَرَعِيَّتِهِ ( إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الطَّاعَاتِ ) كُلِّهَا مِنْ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ( وَ ) يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ ( أَنْ يَجْتَهِدَ ) أَيْ يَبْذُلَ وُسْعَهُ ( فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي إخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي الطَّاعَاتِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ .
( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى إمَامٍ عِنْدَ الْمَسِيرِ ) بِالْجَيْشِ ( تَعَاهُدُ الرِّجَالِ وَالْخَيْلِ ) أَيْ رِجَالِ الْجَيْشِ وَخَيْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْغَزْوِ ( وَ ) عَلَيْهِ ( مَنْعُ مَا لَا يَصْلُحُ لِحَرْبٍ ) مِنْ رِجَالٍ وَخَيْلٍ .
كَضَعِيفٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَرَسٍ حَطِيمٍ ، وَهُوَ الْكَسِيرُ ، وَفَخْمٍ وَهُوَ الْكَبِيرُ ، وَضَرْعٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْهَزِيلُ .
( وَ ) عَلَيْهِ مَنْعُ ( مُخَذِّلٍ ) أَيْ مُفَنِّدٍ لِلنَّاسِ عَنْ الْغَزْوِ وَمُزَهِّدِهِمْ فِي الْقِتَالِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ .
كَقَائِلٍ : الْحَرُّ أَوْ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ ، أَوْ الْمَشَقَّةُ شَدِيدَةٌ ، أَوْ لَا تُؤْمَنُ هَزِيمَةُ الْجَيْشِ ( وَ ) عَلَيْهِ مَنْعُ ( مُرْجِفٍ ) كَمَنْ يَقُولُ : هَلَكَتْ سَرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا لَهُمْ مَدَدٌ ، أَوْ طَاقَةٌ بِالْكُفَّارِ وَنَحْوِهِ ( وَ ) عَلَيْهِ مَنْعُ ( مُكَاتِبِ ) كُفَّارٍ ( بِأَخْبَارِنَا ) لِيَدُلَّ الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَاتِنَا ( وَ ) عَلَيْهِ مَنْعُ ( مَعْرُوفٍ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا } ( وَ ) عَلَيْهِ مَنْعُ ( رَامٍ بَيْنَنَا ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ ( بِفِتَنٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا } الْآيَةَ ( وَ ) عَلَيْهِ مَنْعُ ( صَبِيٍّ ) وَلَوْ مُمَيِّزًا أَوْ مَجْنُونًا ؛ لِأَنَّ فِي دُخُولِهِمَا أَرْضَ الْعَدُوِّ تَعَرُّضًا لِلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ

فَائِدَةٍ ( وَ ) عَلَيْهِ مَنْعُ ( نِسَاءٍ ) لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَلَا يُؤْمَنُ ظَفَرُ الْعَدُوِّ بِهِنَّ ، فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُنَّ ( إلَّا عَجُوزًا لِسَقْيِ ) مَاءٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَمُعَالَجَةِ جَرْحَى .
لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ ، يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُعَالِجْنَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ جَمْعٌ : وَامْرَأَةُ الْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَتَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ بِكَافِرٍ فِي غَزْوٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ { فَارْجِعْ فَلَنْ نَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ } .
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ فِي حَرْبِهِ فَأَسْهَمَ لَهُمْ } رَوَاهُ سَعِيدٌ .
فَحُمِلَ الثَّانِي وَنَحْوُهُ عَلَى الضَّرُورَةِ ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ .
وَحَيْثُ جَازَ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ مَأْمُونًا ( وَ ) يَحْرُمُ اسْتِعَانَةٌ ( بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْء مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ) مِنْ غَزْوٍ وَعِمَالَةٍ ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِعِظَمِ الضَّرَرِ ، لِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ يَدْعُونَ إلَى عَقَائِدِهِمْ .
وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ نَصًّا .
وَتُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِذِمِّيٍّ فِي ذَلِكَ ، وَتَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ الْوِلَايَاتِ .
( وَ ) تَحْرُمُ ( إعَانَتُهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ عَلَى عَدُوِّهِمْ ( إلَّا خَوْفًا ) مِنْ شَرِّهِمْ .
وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ .
لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : { مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ } ( وَيَسِيرُ بِالْجَيْشِ بِرِفْقٍ ) كَسَيْرِ أَضْعَفِهِمْ لِحَدِيثِ { أَمِيرُ الْقَوْمِ أَقْطَعُهُمْ } أَيْ أَقَلُّهُمْ سَيْرًا لِئَلَّا يَنْقَطِعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ( إلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ ) فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَدَّ بِهِمْ فِي

السَّيْرِ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ : لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } لِتَشْتَغِلَ النَّاسُ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ ( وَيُعِدُّ لَهُمْ ) أَيْ لِلْجَيْشِ ( الزَّادَ ) لِأَنَّهُ بِهِ قِوَامُهُمْ ( وَيُحَدِّثُهُمْ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ ) فَيَقُولُ : أَنْتُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَشَدُّ أَبْدَانًا ، وَأَقْوَى قُلُوبًا وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى الْمُصَابَرَةِ ، وَأَبْعَثُ لَهَا عَلَى الْقِتَالِ ( وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ الْعُرَفَاءَ ) فَيَجْعَلُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مَنْ يَكُونُ كَمُقَدَّمٍ عَلَيْهِمْ ، يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ وَيَتَفَقَّدُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَرَّفَ عَامَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا } وَوَرَدَ " الْعِرَافَةُ حَقٌّ " لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةٌ .
( وَيَعْقِدُ لَهُمْ الْأَلْوِيَةَ .
وَهِيَ الْعِصَابَةُ تُعْقَدُ عَلَى قَنَاةٍ وَنَحْوِهَا ) قَالَ فِي الْمَطَالِعِ : اللِّوَاءُ رَايَةٌ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا صَاحِبُ جَيْشِ الْعَرَبِ ، أَوْ صَاحِبُ دَعْوَةِ الْجَيْشِ ( وَ ) يَعْقِدُ لَهُمْ ( الرَّايَاتُ وَهِيَ أَعْلَامٌ مُرَبَّعَةٌ ) وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ رَايَةً .
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ { أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ حِينَ أَسْلَمَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ احْبِسْهُ عَلَى الْوَادِي حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَرَاهَا قَالَ : فَحَبَسْته حَيْثُ أَمَرَنِي الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا } ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الْأَلْوِيَةِ أَنْ تَكُونَ بَيْضَاءَ ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا .
نَقَلَهُ حَنْبَلٌ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَايِرَ بَيْنَ أَلْوَانِهَا ؛ لِيَعْرِفَ كُلُّ قَوْمٍ رَايَتَهُمْ ( وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعُونَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ ) لِئَلَّا يَقْعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ .
قَالَ سَلَمَةُ : { غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ .
} رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
وَوَرَدَ أَيْضًا " حم لَا يُنْصَرُونَ " (

وَيَتَخَيَّرُ ) لِجَيْشِهِ ( الْمَنَازِلَ ) فَيُنْزِلُهُمْ فِي أَصْلَحِهَا ( وَيَحْفَظُ مَكَامِنَهَا ) جَمْعُ مَكْمَنٍ ، أَيْ مَوْضِعٌ يَخْتَفِي فِيهِ الْعَدُوُّ .
وَلْيَهْجِمْ عَلَى عَدُوِّهِ عَلَى غَفْلَةٍ لِئَلَّا يُؤْتَوْا مِنْهَا ، ( وَيَتَعَرَّفُ حَالَ الْعَدُوِّ بِبَعْثِ الْعُيُونِ ) إلَيْهِ ، حَتَّى لَا يَخْتَفِيَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ، فَيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْفُرْصَةِ فِيهِ ( وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ مُحَرَّمٍ ) مِنْ إفْسَادٍ وَمَعَاصٍ ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْخِذْلَانِ ( وَ ) يَمْنَعُهُمْ مِنْ ( تَشَاغُلٍ بِتِجَارَةٍ ) تَمْنَعُهُمْ الْجِهَادَ ( وَيَعِدُ الصَّابِرَ فِي الْقِتَالِ بِأَجْرٍ وَنَفْلٍ ) تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ ، وَيُخْفِي مِنْ أَمْرِهِ مَا أَمْكَنَ إخْفَاؤُهُ ، لِئَلَّا يَعْلَمَ عَدُوُّهُ بِهِ " وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا " ( وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ النَّاسِ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ .
وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَمِيرِ حَمْلُ مَنْ أُصِيبَ فَرَسُهُ مِنْ الْجَيْشِ ، وَلَا يَجِبُ نَصًّا .
فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ فَقَالَ الْقَاضِي : يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ فَضْلِ مَرْكُوبِهِ لِيُنَجِّيَ بِهِ صَاحِبَهُ .
( وَيَصُفُّهُمْ ) أَيْ الْجَيْشَ فَيَتَرَاصُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } وَلِأَنَّ فِيهِ رَبْطَ الْجَيْشِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ ( وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةِ ) مِنْ الصَّفِّ ( كُفْؤًا ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ خَالِدًا إحْدَى الْجَنَبَتَيْنِ ، وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْأُخْرَى ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى السَّاقَةِ } وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحُرِّ وَأَبْلَغُ فِي إرْهَابِ الْعَدُوِّ ، وَيَدْعُو بِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا قَالَ : اللَّهُمَّ إنَّهُ عَضُدِي وَنَصِيرِي ، بِك أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ ، وَبِك أُقَاتِلُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ :

وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْخُنَا يَقُولُ هَذَا عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ ( وَلَا يَمِيلُ ) إمَامُ أَمِيرٍ ( مَعَ قَرِيبِهِ ، وَ ) لَا مَعَ ( ذِي مَذْهَبِهِ ) لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ وَيَكْسِرُهَا وَيُشَتِّتُ الْكَلِمَةِ فَرُبَّمَا خَذَلُوهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ .
وَيَحْرُمُ قِتَالُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ قَبْلَهَا .
وَتُسَنُّ دَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ لِلْخَبَرِ ( وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ ) أَمِيرٌ جُعْلًا ( مَعْلُومًا ) مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ ) أَنْ يَجْعَلَ ( مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ مَجْهُولًا لِمَنْ يَعْمَلُ مَا ) أَيْ شَيْئًا ( فِيهِ غَنَاءٌ ) أَيْ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، كَنَقْبِ سُورٍ أَوْ صُعُودِ حِصْنٍ ( أَوْ يَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ ) سَهْلٍ ( أَوْ عَلَى قَلْعَةٍ ) لِتُفْتَحَ ( أَوْ ) عَلَى ( مَاءٍ ) فِي مَفَازَةٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَدَلَالَةٍ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ ، أَوْ عَدُوٍّ يُغِيرُونَ عَلَيْهِ أَوْ ثَغْرَةٍ يُدْخَلُ مِنْهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدْ اسْتَأْجَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّرِيَّةِ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ مِمَّا غَنِمُوهُ } وَهُوَ مَجْهُولٌ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كُلَّهَا مَجْهُولٌ وَيَسْتَحِقُّهُ مَجْهُولٌ لَهُ بِفِعْلِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ ( بِشَرْطِ أَنْ يُجَاوِزَ ) جُعْلَ مَجْهُولٍ مِنْ مَالِ كُفَّارٍ ( ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْلُ أَكْثَرَ مِنْهُ .
( وَ ) يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ ) الْأَمِيرُ ( ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ ) لِمَنْ فَعَلَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ تَرْغِيبٌ لِلْجِهَادِ .
( وَلَوْ جَعَلَ الْأَمِيرُ لَهُ ) أَيْ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ ( جَارِيَةً ) مُعِينَةٌ عَلَى فَتْحِ الْحِصْنِ ( مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ بِالْحِصْنِ ( فَمَاتَتْ ) قَبْلَ فَتْحِ الْحِصْنِ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا .
وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ .
فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا كَالْوَدِيعَةِ ( وَإِنْ أَسْلَمَتْ )

الْجَارِيَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ مِنْهُمْ ( وَهِيَ أَمَةٌ أَخَذَهَا ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْوَفَاءُ لَهُ بِشَرْطِهِ فَوَجَبَ ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ ( كَحُرَّةٍ ) جُعِلَتْ لَهُ فَ ( أَسْلَمَتْ بَعْدَ فَتْحٍ ) لِاسْتِرْقَاقِهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَلَمْ تُسْلِمْ إلَّا وَهِيَ أَمَةٌ .
وَكَذَا حُكْمُ رَجُلٍ مِنْ الْحِصْنِ جُوعِلَ عَلَيْهِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) الْمَجْعُولُ لَهُ الْجَارِيَةَ ( كَافِرًا فَ ) لَهُ ( قِيمَتُهَا ) إنْ أَسْلَمَتْ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ لِإِسْلَامِهَا ( كَحُرَّةٍ ) جُعِلَتْ لَهُ وَ ( أَسْلَمَتْ قَبْلَ فَتْحٍ ) لِعِصْمَتِهَا نَفْسَهَا بِإِسْلَامِهَا إذَنْ .
وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبُ لَهُ الْقِيمَةُ إذَا مَاتَتْ وَتَجِبُ إذَا أَسْلَمَتْ لِإِمْكَانِ تَسْلِيمِهَا مَعَ الْإِسْلَامِ لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ ، بِخِلَافِ مَوْتِهَا .
( وَإِنْ فُتِحَتْ ) قَلْعَةٌ جُوعِلَ مِنْهَا بِجَارِيَةٍ مِنْهُمْ ( صُلْحًا وَلَمْ يَشْتَرِطُوهَا ) أَيْ يَشْتَرِطْ الْمُسْلِمُونَ الْجَارِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَلْعَةِ ( وَأَبَوْهَا ) أَيْ أَبَى أَهْلُ الْقَلْعَةِ الْجَارِيَةَ ( وَأَبَى ) مَجْعُولٌ لَهُ ( أَخْذُ الْقِيمَةِ ) عَنْهَا ( فُسِخَ ) الصُّلْحُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ ، لِسَبْقِ حَقِّ صَاحِبِ الْجُعْلِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّلْحِ .
وَلِأَهْلِ الْقَلْعَةِ تَحْصِينُهَا كَمَا كَانَتْ بِلَا زِيَادَةٍ وَإِنْ بَذَلُوهَا مَجَّانًا لَزِمَ أَخْذُهَا وَدَفْعُهَا إلَيْهِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَالْمُرَادُ غَيْرُ حُرَّةِ الْأَصْلِ وَقِيمَتُهَا ( وَلِأَمِيرٍ فِي بَدَاءَةِ ) دُخُولِهِ دَارَ حَرْبٍ ( أَنْ يُنْفِلَ ) أَيْ يَزِيدَ عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ ( الرُّبْعَ فَأَقَلَّ بَعْدَ الْخُمْسِ .
وَ ) لَهُ أَنْ ( يُنْفِلَ فِي رَجْعَةٍ ) أَيْ رُجُوعٍ مِنْ دَارِ حَرْبٍ ( الثُّلُثَ فَأَقَلَّ بَعْدَهُ ) أَيْ الْخُمْسِ .
( وَ ) بَيَانُ ( ذَلِكَ : أَنَّهُ إذَا دَخَلَ ) أَمِيرٌ دَارَ حَرْبٍ ( بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ ) عَلَى الْعَدُوِّ ( وَإِذَا رَجَعَ ) مِنْهَا ( بَعَثَ ) سَرِيَّةً ( أُخْرَى ) تُغِيرُ ( فَمَا أَتَتْ ) كُلُّ سَرِيَّةٍ ( أَخْرَجَ خُمْسَهُ وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا وَجَبَ لَهَا بِجُعْلِهِ

وَقَسَّمَ الْبَاقِيَ ) بَعْدَ الْخُمْسِ وَالْجُعْلُ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ الْجَيْشِ وَسَرَايَاهُ .
لِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةُ الْفِهْرِيِّ قَالَ : { شَهِدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ الرُّبْعَ فِي الْبُدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ } وَفِيَ لَفْظٍ { كَانَ يُنْفِلُ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمْسِ إذَا قَفَلَ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَزِيدَ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى الْبُدَاءَةِ لِمَشَقَّتِهَا ؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ فِي الْبُدَاءَةِ رِدْءٌ عَنْ السَّرِيَّةِ وَفِي الرَّجْعَةِ مُنْصَرِفٌ عَنْهَا .
وَالْعَدُوُّ مُسْتَيْقِظٌ ، وَلِأَنَّهُمْ مُشْتَاقُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً .
وَلَا يَعْدِلُ شَيْءٌ عِنْدَ أَحْمَدَ الْخُرُوجُ فِي السَّرِيَّةِ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ ، لِأَنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ .

فَصْلٌ وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ الصَّبْرُ مَعَ الْأَمِيرِ وَالنُّصْحُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَمِيرِ فِي رَأْيِهِ وَقِسْمَتِهِ الْغَنِيمَةَ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ صَوَابٌ عَرَّفُوهُ وَنَصَحُوهُ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } وَلِحَدِيثِ { مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَدِيثُ { الدِّينُ النَّصِيحَةُ } ( فَلَوْ أَمَرَهُمْ الْأَمِيرُ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا عَصَوْا ) لِلْمُخَالَفَةِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا { لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمْ الْعَدُوَّ فَاصْبِرُوا } فَإِنْ كَانَ يَقُولُ : سِيرُوا وَقْتَ كَذَا وَيَدْفَعُ قَبْلَهُ دَفَعُوا مَعَهُ نَصًّا .
وَقَالَ أَحْمَدُ : السَّاقَةُ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْأَجْرُ إنَّمَا يَخْرُجُ فِيهِمْ أَهْلُ قُوَّةٍ وَثَبَاتٍ

( وَحَرُمَ ) عَلَى الْجَيْشِ ( بِلَا إذْنِهِ ) أَيْ الْأَمِيرِ ( حَدَثٌ ) أَيْ إحْدَاثُ أَمْرٍ ( كَتَعَلُّفٍ وَاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَخُرُوجٍ مِنْ عَسْكَرٍ ( وَ ) كَ ( تَعْجِيلٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ أَعْرَفُ بِحَالِ النَّاسِ وَحَالِ الْعَدُوِّ ( وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ ) الْأَمِيرُ فِي ذَلِكَ ( بِمَوْضِعٍ عِلْمِهِ مَخُوفًا ) نَصًّا .
فَإِنْ احْتَاجَ أَحَدُهُمْ إلَى الْخُرُوجِ بَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَحْرُسُهُ ( وَكَذَا بِرَازٌ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ .
فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِفُرْسَانِهِ وَفُرْسَانِ عَدُوِّهِ .
وَقَدْ يَبْرُزُ الْإِنْسَانُ لِمَنْ لَا يُطِيقُهُ فَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ ، فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَمَّا الِانْغِمَاسُ فِي الْكُفَّارِ فَيَجُوزُ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ وَلَا يُتَرَقَّبُ مِنْهُ ظَفَرٌ وَلَا مُقَاوَمَةٌ ، بِخِلَافِ الْمُبَارَزَةِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ قُلُوبُ الْجَيْشِ وَيَرْتَقِبُونَ ظَفَرَهُ ( فَلَوْ طَلَبَهُ ) أَيْ الْبِرَازَ ( كَافِرٌ سُنَّ لِمَنْ يَعْلَمُ ) مِنْ نَفْسِهِ ( أَنَّهُ كُفْءٌ لَهُ بِرَازُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ ) لِفِعْلِ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمْ .
وَبَارَزَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مَرْزُبَانَ الدَّارَةِ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارًا لِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ .
فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْمُكَافَأَةَ لِطَالِبِ الْبِرَازِ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ لِئَلَّا يُقْتَلَ فَيَكْسِرَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا شَرَطَ ) كَافِرٌ طَلَبَ الْبِرَازِ لَا يُقَاتِلُهُ غَيْرُ خَصْمِهِ لَزِمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَحَدِيثُ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } ( أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ ) جَارِيَةً ( أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ خَصْمِهِ لَزِمَ ) ذَلِكَ ؛ لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى الشَّرْطِ .
وَيَجُوزُ رَمْيُهُ وَقَتْلُهُ قَبْلَ الْمُبَارَزَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا

أَمَانَ .
وَتُبَاحُ دَعْوَى الْمُسْلِمِ الْوَاثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ .
وَلَا تُسْتَحَبُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ( فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ ) الْمُجِيبُ لِطَالِبِ الْبِرَازِ وَالدَّاعِي إلَيْهِ ( أَوْ ثَخُنَ ) بِجِرَاحٍ ( فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عَنْهُ وَالرَّمْيُ ) لِلْكَافِرِ الْمُبَارِزِ لِانْقِضَاءِ قِتَالِ الْمُسْلِمِ مَعَهُ .
وَالْأَمَانُ إنَّمَا كَانَ حَالَ الْبِرَازِ - قَدْ زَالَ - وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى قَتْلِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ حِينَ أَثْخَنَ عُبَيْدَةَ .
وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ عَوْنُ صَاحِبِهِمْ وَقِتَالُ مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ دُونَ الْمُبَارِزِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ .
فَإِنْ اسْتَنْجَدَهُمْ أَوْ عُلِمَ مِنْهُ الرِّضَا بِفِعْلِهِمْ انْتَقَضَ أَمَانُهُ وَجَازَ قَتْلُهُ

( وَإِنْ قَتَلَهُ ) أَيْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ( أَوْ أَثْخَنَهُ ) بِالْجِرَاحِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُسْلِمِ ( سَلَبُهُ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ وَيَأْتِي ( وَكَذَا مَنْ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ ) فَقَتَلَ كَافِرًا ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ ( عَبْدًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا بِإِذْنِ ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ .
لِحَدِيثِ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ .
لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ السَّلَبَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( لَا مُخَذِّلًا وَمُرْجِفًا .
وَكُلَّ عَاصٍ ) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ السَّلَبَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ ( حَالَ الْحَرْبِ ) مُتَعَلِّقٌ بِغَرَرٍ ( فَقَتَلَ أَوْ أَثْخَنَ كَافِرًا مُمْتَنِعًا ) فَلَهُ سَلَبُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ( لَا ) كَافِرًا ( مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ ) كَنَائِمٍ ( وَلَا ) كَافِرًا ( مُنْهَزِمًا ) فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ ، لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ بِنَفْسِهِ .
أَشْبَهَ قَتْلَ شَيْخٍ فَانٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ .
وَيَسْتَحِقُّ قَاتِلٌ السَّلَبَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَلَوْ شَرَطَ ) السَّلَبَ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ لِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ ( وَكَذَا لَوْ قَطَعَ ) مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ جِهَادٍ ( أَرْبَعَتَهُ ) أَيْ يَدَيْ الْكَافِرِ وَرِجْلَيْهِ فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ .
وَلِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَثْبَتَ أَبَا جَهْلٍ وَذَفَّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ { فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَلَبِهِ لِمُعَاذٍ } ( وَإِنْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَهُ ) أَيْ الْكَافِرِ ( وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ ) فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ لِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِقَتْلِهِ مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ ( أَوْ أَسَرَهُ إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ فَ ) سَلَبُهُ غَنِيمَةٌ ( أَوْ ) قَتَلَهُ ( اثْنَانِ فَأَكْثَرَ ) اشْتَرَكُوا فِيهِ ( فَ )

سَلَبُهُ ( غَنِيمَةٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَالسَّلَبُ مَا عَلَيْهِ ) أَيْ الْكَافِرِ الْمَقْتُولِ ( مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ وَدَابَّتِهِ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا ) مِنْ آلَتِهَا .
لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَأَشْبَهَ السِّلَاحَ .
وَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَرَعَهُ عَنْهَا وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ .
( فَأَمَّا نَفَقَتُهُ ) أَيْ الْمَقْتُولِ ( وَرَحْلُهُ وَخَيْمَتُهُ وَجَنِيبُهُ ) أَيْ الدَّابَّةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ رَاكِبُهَا حَالَ الْقِتَالِ ( فَ ) هُوَ ( غَنِيمَةٌ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَلَبِهِ وَيَجُوزُ سَلْبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتِيلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ { لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ } ( وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ فِي الْقِتَالِ عَلَى أَنْفِهِ ) نَصًّا .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ لَهُ ( لُبْسُ عِمَامَةٍ كَرِيشِ نَعَامٍ ) بَلْ يُبَاحُ .

فَصْلٌ وَيَحْرُمُ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ لِرُجُوعِ أَمْرِ الْحَرْبِ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِ وَمَكَامِنِهِ وَكَيْدِهِ ( إلَّا أَنْ يُفَاجِئَهُمْ عَدُوٌّ ) كُفَّارٌ ( يَخَافُونَ كَلَبَهُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ شَرَّهُ وَأَذَاهُ .
فَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِلَا إذْنِهِ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ .
وَلِذَلِكَ { لَمَّا أَغَارَ الْكُفَّارُ عَلَى لِقَاحِ أَيْ نُوقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ خَارِجًا عَنْ الْمَدِينَةِ تَبِعَهُمْ فَقَاتَلَهُمْ بِغَيْرِ إذْنٍ فَمَدَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَأَعْطَاهُ سَهْمَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ } وَكَذَا إنْ عَرَضَتْ لَهُمْ فُرْصَةٌ يَخَافُونَ فَوْتَهَا بِتَرْكِهِ لِلِاسْتِئْذَانِ .
وَإِذَا دَخَلَ قَوْمٌ ) ذُو مَنَعَةٍ أَوَّلًا ( أَوْ ) دَخَلَ ( وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدًا دَارَ حَرْبٍ بِلَا إذْنٍ ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ ( فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ ) لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ بِالِافْتِيَاتِ ( وَمَنْ أَخَذَ ) مِنْ الْجَيْشِ أَوْ أَتْبَاعِهِ ( مِنْ دَارِ الْحَرْبِ رِكَازًا أَوْ مُبَاحًا لَهُ قِيمَةٌ فِي مَكَانِهِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ ) لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ الْجَرْمِيِّ قَالَ : { لَقِيتُ بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فِي إمَارَةِ مُعَاوِيَةَ وَعَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ فَأَتَيْته بِهَا فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلًا مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمْسِ لَأَعْطَيْتُك ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْت } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ هُنَاكَ كَالْأَقْلَامِ وَالْمِسَنِّ فَلِآخِذِهِ .
وَلَوْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ

( وَ ) مَنْ أَخَذَ ( طَعَامًا وَلَوْ سُكَّرًا وَنَحْوَهُ ) كَحَلْوَاءِ وَمَعَاجِينَ ( أَوْ ) أَخَذَ ( عَلَفًا وَلَوْ بِلَا إذْنِ ) أَمِيرٍ ( وَ ) لَا ( حَاجَةٍ فَلَهُ أَكْلُهُ .
وَلَهُ إطْعَامُ سَبْيٍ اشْتَرَاهُ وَنَحْوِهِ ) وَغُلَامِهِ ( وَ ) لَهُ عَلْفُ دَابَّتِهِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : { أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ } رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد .
لِسَعِيدٍ " أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ لِعُمَرَ إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْغَلَّةِ وَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ : دَعْ النَّاس يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خُمْسُ اللَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ " وَ ( لَا ) يَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَ مِنْهُ دَابَّةً ( لِصَيْدٍ ) كَجَارِحٍ وَفَهْدٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ( وَيَرُدُّ فَاضِلًا ) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( يَسِيرًا ) لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ ( وَ ) يَرُدُّ ( ثَمَنَ مَا بَاعَ ) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ لِلْخَبَرِ

( وَيَجُوزُ الْقِتَالُ بِسِلَاحٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَيَرُدُّهُ ) مَعَ حَاجَةٍ وَعَدَمِهَا .
لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : " انْتَهَيْتُ إلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ؛ وَلِعِظَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ .
وَ ( لَا ) يَجُوزُ الْقِتَالُ ( عَلَى فَرَسٍ ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ ( وَلَا لُبْسُ ثَوْبٍ مِنْهَا ) لِحَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا .
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ } رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ عُرِّضَتْ لِلْعَطَبِ غَالِبًا وَقِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ السِّلَاحِ .
( وَلَا ) يَجُوزُ لِأَحَدٍ ( أَخْذُ شَيْءٍ مُطْلَقًا ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ ( مِمَّا أُحْرِزَ ) مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ الْأَخْذُ قَبْلَ جَمْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ .
فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ نَحْو حَطَبٍ وَحَشِيشٍ .
فَإِذَا جُمِعَ ثَبَتَ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ .
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُهُ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ لِحِفْظِ نَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ ، سَوَاءٌ أُحْرِزَ بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ

( وَلَا ) تَجُوزُ ( التَّضْحِيَةُ بِشَيْءٍ ) يَجِبُ ( فِيهِ الْخُمْسُ ) مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُسْلِمِ ( لِحَاجَةٍ ؛ دَهْنُ بَدَنِهِ وَدَهْنُ دَابَّتِهِ ) بِدُهْنٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ .
( وَ ) لَهُ ( شُرْبُ شَرَابٍ ) لِحَاجَةٍ إلْحَاقًا بِالطَّعَامِ ( وَمَنْ أَخَذَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ ) مِمَّا أَخَذَهُ ( لَهُ ) لِأَنَّهُ أُعْطِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَنَةِ وَالنَّفَقَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ بِأَلْفٍ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ أَخَذَهُ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ ( فَ ) الْفَاضِلُ يَصْرِفُهُ فِي ( الْغَزْوِ ) لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْجَمِيعَ لِيَصْرِفَهُ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ .
فَلَزِمَهُ إنْفَاقُهُ فِيهَا كَوَصِيَّتِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ ، وَلَا يَتْرُكُ لِأَهْلِهِ شَيْئًا مِمَّا أُعْطِيهِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ ، فَيَبْعَثُ إلَى عِيَالِهِ مِنْهُ

( وَإِنْ أَخَذَ دَابَّةً غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَلَا حَبِيسٍ لِغَزْوٍ عَلَيْهَا مَلَكَهَا بِهِ ) أَيْ بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ عُمَرَ " حَمَلْت رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ ، فَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ .
.
الْخَبَرَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا بَاعَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَهُ مِنْ عُمَرَ فَيُقِيمَهُ لِلْبَيْعِ فِي الْحَالِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَهُ لِلْبَيْعِ بَعْدَ غَزْوِهِ عَلَيْهِ .
أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَإِنْ يَغْزُ رَدَّهَا ( وَمِثْلُهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ ( سِلَاحٌ وَغَيْرُهُ ) إذَا أَخَذَهُ غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَلَا حَبِيسٍ مَلَكَهُ بِغَزْوِهِ بِهِ لَا قَبْلَهُ .

( وَهِيَ ) فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَغْنُومَةٍ ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْغُنْمِ ، وَهُوَ الرِّبْحُ ، وَاصْطِلَاحًا ( مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ قَهْرًا بِقِتَالٍ ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ ) أَيْ بِالْمَأْخُوذِ بِقِتَالٍ كَفِدْيَةِ أَسْرَى ؛ وَهَدِيَّةِ حَرْبِيٍّ لِأَمِيرِ جَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِ بِدَارِ حَرْبٍ ، وَمَا أُخِذَ مِنْ مُبَاحِهَا بِقُوَّةِ الْجَيْشِ .
وَخُمْسُهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَبَاقِيهَا لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ " فَأَضَافَهَا إلَيْهِمْ .
ثُمَّ جَعَلَ خُمُسَهَا لِمَنْ ذَكَرَ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } وَقَسَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ .
وَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ لِلْخَبَرِ .
ثُمَّ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ } الْآيَةَ " ثُمَّ صَارَ لِلْغَانِمِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا

( وَيَمْلِكُ أَهْلُ حَرْبٍ مَا لَنَا بِقَهْرٍ ) حَتَّى عَبْدٍ مُسْلِمٍ ، كَأَخْذِ بَعْضِهِمْ مَالَ بَعْضٍ ( وَلَوْ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ ) لِأَنَّ الْقَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ .
فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ مَالَ الْمُسْلِمِ كَالْبَيْعِ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ قَبْلَ الْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَفِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ .
الْمَنْصُوصُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بِالْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ ( حَتَّى مَا شَرَدَ ) إلَيْهِمْ مِنْ دَوَابِّنَا ( أَوْ أَبِقَ ) إلَيْهِمْ مِنْ رَقِيقِنَا ( أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِمْ مِنْ سُفُنِنَا ، وَحَتَّى أُمَّ وَلَدٍ ) لِمُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ ، لِأَنَّهُمَا يُضْمَنَانِ بِقِيمَتِهِمَا إذَا أَتْلَفَا .
فَأَشْبَهَا الْقِنَّ .
فَلَا يَنْفُذُ فِي رَقِيقٍ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ عِتْقٌ .
وَلَا يَجِبُ فِي نَقْدٍ وَنَحْوِهِ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ زَكَاةٌ .
وَإِذَا مَلَكَ مُسْلِمٌ أُخْتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا ، فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ ، فَلَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ أُخْتِهَا .
وَإِنْ أَسْلَمُوا وَبِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ لَهُمْ نَصًّا .
وَ ( لَا ) يَمْلِكُونَ ( وَقْفًا ) عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ

( وَيُعْمَلُ بِوَسْمٍ عَلَى حَبِيسٍ ) لِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ( كَ ) مَا يُعْمَلُ بِ ( قَوْلِ مَأْسُورٍ ) اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ كُفَّارٍ ( هُوَ مِلْكُ فُلَانٍ ) فَيُرَدُّ إلَيْهِ إذَا عَرَفَهُ .
وَلَا يُقَسَّمُ نَصًّا .
وَكَذَا إذَا أُصِيبَ مَرْكَبٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فِيهَا نَوَاتِيَّةٌ وَقَالُوا : هَذَا لِفُلَانٍ ، وَهَذَا لِفُلَانٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ لَا يُقَسَّمُ

( وَلَا ) يَمْلِكُونَ ( حُرًّا وَلَوْ ذِمِّيًّا ) لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ .
وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِحَالٍ .
وَمَتَى قُدِرَ عَلَى الذِّمِّيِّ رُدَّ إلَى ذِمَّتِهِ لِبَقَائِهَا .
وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ ( وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ ) أَيْ الذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ ، كَفِدَاءِ مُسْلِمٍ .

وَ ( لَا ) يَجُوزُ ( فِدَاءُ ) أَسِيرٍ ( بِخَيْلٍ ، وَ ) لَا ( سِلَاحٍ ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ

( وَ ) لَا فِدَاءَ بِ ( مُكَاتَبٍ ، وَ ) لَا ( أُمِّ وَلَدٍ ) وَلَوْ كَافِرَيْنِ .
لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا

( وَيَنْفَسِخُ بِهِ ) أَيْ بِاسْتِيلَاءِ أَهْلِ حَرْبٍ ( نِكَاحُ أَمَةٍ ) مُزَوَّجَةٍ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا وَحْدَهَا لِمِلْكِهِمْ رَقَبَتِهَا وَمَنَافِعِهَا .
وَكَنِكَاحِ كَافِرَةٍ سُبِيَتْ وَحْدَهَا .
وَ ( لَا ) يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُ ( حُرَّةٍ ) مُزَوَّجَةٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا ( وَإِنْ أَخَذْنَاهَا ) أَيْ الْحُرَّةَ مِنْهُمْ ( أَوْ ) أَخَذْنَا مِنْهُمْ ( أُمَّ وَلَدٍ رُدَّتْ حُرَّةً لِزَوْجٍ ) لِبَقَاءِ نِكَاحِهِ ( وَ ) رُدَّتْ أُمُّ وَلَدٍ ( لِسَيِّدٍ ) حَيْثُ عُرِفَ ( وَيَلْزَمُ سَيِّدًا أَخْذُهَا ) أَيْ أُمَّ وَلَدِهِ قَبْلَ قِسْمَةٍ مَجَّانًا ( وَبَعْدَ قِسْمَةٍ بِثَمَنِهَا ) وَلَا يَدَعُهَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ ( وَوَلَدُهُمَا ) أَيْ الْحُرَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ( مِنْهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ ( كَوَلَدِ زِنًا ) هَذَا وَاضِحٌ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِيهَا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ .
وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ .
وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا بِالْقَهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ .
فَهُوَ مِنْ مَالِكٍ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا وَقَعَ الْوَطْءُ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَيَلْحَقُ النَّسَبُ

( وَإِنْ أَبَى ) وَلَدُ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ ( الْإِسْلَامَ ضُرِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يُسْلِمَ ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَا يُقَرُّ عَلَى الْكُفْرِ

( وَلِمُشْتَرٍ أَسِيرًا ) مِنْ كَافِرٍ ( رُجُوعٌ ) عَلَى الْأَسِيرِ ( بِثَمَنِهِ بِنِيَّةِ ) رُجُوعٍ عَلَيْهِ .
لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ " أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَ مَا انْقَسَمَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ إلَيْهِمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ " فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى ؛ وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ يَلْزَمُهُ فِدَاءُ نَفْسِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ .
فَإِذَا نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ عَنْهُ .
فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَقَوْلُ أَسِيرٍ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ مُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ .
وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ

( وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ ( مَالُ مُسْلِمٍ ، أَوْ ) مَالُ ( مُعَاهَدٍ ) ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ ( مَجَّانًا ) أَيْ بِلَا عِوَضٍ وَعُرِفَ رَبُّهُ ( فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ ) إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ( مَجَّانًا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { إنَّ غُلَامًا لَهُ أَبِقَ إلَى الْعَدُوِّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ابْنِ عُمَرَ } وَعَنْهُ قَالَ { ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهَا الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَلِقَوْلِ عُمَرَ " مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقَسَّمْ " .
رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ .
فَإِنْ قَسَّمَهُ الْإِمَامُ مَعَ عِلْمِهِ رَبَّهُ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ وَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ مَجَّانًا ، وَإِنْ أَبَى رَبُّهُ أَخْذَهُ قَسَّمَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ رَبَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِإِدْرَاكِهِ ، بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ .
فَإِذَا تَرَكَهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ التَّقْدِيمِ .
( وَ ) إنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ ( بِشِرَاءٍ ، أَوْ ) قِتَالٍ وَأَدْرَكَهُ رَبُّهُ ( بَعْدَ قَسْمِهِ ) فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ ( بِثَمَنِهِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ أَنْ نَقْسِمَهُ فَهُوَ لَك ، وَإِنْ أَصَبْته بَعْدَ مَا قُسِمَ أَخَذْته بِالْقِيمَةِ } .
وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ضَيَاعِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَحِرْمَانِ آخِذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، وَحَقُّهَا يَنْجَبِرُ بِالثَّمَنِ ، فَرُجُوعُ صَاحِبِ الْمَالِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بِثَمَنِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ، كَأَخْذِ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ .
( وَلَوْ بَاعَهُ ) أَيْ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الْمُعَاهَدِ آخِذُهُ مِنْ كُفَّارٍ ( أَوْ وَهَبَهُ ) آخِذُهُ مِنْهُمْ ( أَوْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ آخِذُهُ ) مِنْهُمْ لَزِمَ ( أَوْ ) بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ( مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ )

ذَلِكَ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ ( لَزِمَ ) ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ فِي مِلْكِهِ ( وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ كَمَا سَبَقَ ) أَيْ مَجَّانًا إنْ أَخَذَهُ مِنْ كُفَّارٍ مَجَّانًا ، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ أَخَذَ مِنْهُمْ بِشِرَاءٍ أَوْ بَعْدَ قِسْمَةٍ ( مِنْ آخَرَ مُشْتَرٍ وَآخَرَ مُتَّهِبٍ ) كَأَوَّلِ آخِذٍ .
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ : وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالشُّفْعَةِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مَا وُقِفَ أَوْ عَتَقَ لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ .
وَقِيَاسُهُ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا آخِذُهَا ( وَتَمَلَّكَ غَنِيمَةً بِاسْتِيلَاءٍ ) عَلَيْهَا ( وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ التَّامَّ سَبَبُ الْمِلْكِ .
وَقَدْ وُجِدَ لِثُبُوتِ أَيْدِينَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً وَلِزَوَالِ مِلْكِ كُفَّارٍ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ لِعَبْدٍ مِنْهَا وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ ( كَعِتْقِ عَبْدِ حَرْبِيٍّ وَإِبَانَةِ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ أَسْلَمَا ) أَيْ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ ( وَلَحِقَا بِنَا ) أَيْ بِدَارِ حَرْبٍ .
وَإِبَانَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى قَوْلٍ .
وَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ أَنَّهَا لَا تَبِينُ بِلُحُوقِهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ

( وَتَجُوزُ قِسْمَتُهَا ) أَيْ الْغَنِيمَةِ ( فِيهَا ) أَيْ دَارِ الْحَرْبِ ، لِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ قَالَ : قُلْت لِلْأَوْزَاعِيِّ { هَلْ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ الْغَنَائِمِ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ : لَا أَعْلَمُهُ إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَبِيعُونَ غَنَائِمَهُمْ وَيُقَسِّمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ وَلَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إلَّا خَمَّسَهَا ، وَقَسَّمَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْفِلَ ، مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، وَهَوَازِنَ وَحُنَيْنٍ }

( وَ ) يَجُوزُ ( بَيْعُهَا ) أَيْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَا تَقَدَّمَ ؛ وَلِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا ( فَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا ) أَيْ الْغَنِيمَةِ ( الْعَدُوُّ بِمَكَانِهَا فَأَخَذَهَا مِنْ مُشْتَرٍ فَهِيَ مِنْ مَالِهِ ) فَرَّطَ أَوْ لَا .
لِحَدِيثِ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } وَهَذَا نَمَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي .
فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْبُوضٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ بِيعَتْ لَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ

( وَشِرَاءُ الْأَمِيرِ لِنَفْسِهِ مِنْهَا ) أَيْ الْغَنِيمَةِ ( إنْ وَكَّلَ مَنْ جَهِلَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ ) أَيْ الْأَمِيرِ ( صَحَّ ) شِرَاؤُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ ( حَرُمَ ) نَصًّا وَاحْتُجَّ بِأَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ جَلُولَاءَ ، لِلْمُحَابَاةِ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَلِأَنَّهُ هُوَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ ، فَكَأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِ نَفْسِهِ ا هـ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ ، وَأَنَّ ابْنَ الْأَمِيرِ مِثْلُهُ .

فَصْلٌ وَتُضَمُّ غَنِيمَةُ سَرَايَا الْجَيْشِ إلَى غَنِيمَتِهِ أَيْ الْجَيْشِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : رُوِينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { وَتُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ } وَفِي تَنْفِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُدَاءَةِ الرُّبْعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ : دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي الْبَاقِي .
وَإِنْ أَنْفَذَ الْإِمَامُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ جَيْشَيْنِ أَوْ سَرِيَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ، انْفَرَدَ كُلٌّ بِمَا غَنِمَهُ لِانْفِرَادِهِ بِالْجِهَادِ ، بِخِلَافِ الْمَبْعُوثِينَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ

( وَيَبْدَأُ فِي قَسْمٍ بِدَفْعِ سَلَبٍ ) إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَبِرَدِّ مَالِ مُسْلِمٍ وَمُعَاهَدٍ إنْ كَانَ وَعُرِفَ ( ثُمَّ بِأُجْرَةِ جَمْعِ ) غَنِيمَةٍ ( وَحَمْلِ ) هَا ( وَحِفْظِ ) هَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا كَعَلَفِ دَوَابِّهَا ( وَ ) دَفْعِ ( جُعْلِ مَنْ دَلَّ عَلَى مَصْلَحَةٍ ) مِنْ مَاءٍ أَوْ قَلْعَةٍ ، أَوْ ثَغْرَةٍ يُدْخَلُ مِنْهَا إلَى حِصْنٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّلَبِ .
قَالَهُ فِي الشَّرْحِ .
قُلْت : هَذَا مِنْ النَّفَلِ ، فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُمُسِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَيَأْتِي ( ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ ) عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ( ثُمَّ ) يُخَمِّسُ ( خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ) مِنْهَا ( سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصْرِفُهُ كَالْفَيْءِ ) فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهَا .
( وَكَانَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَدْ خُصَّ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( مِنْ الْمَغْنَمِ بِالصَّفِيِّ ، وَهُوَ ) أَيْ الصَّفِيُّ ( مَا يَخْتَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ قِسْمَةِ ) غَنِيمَةٍ مِنْهَا ( كَجَارِيَةٍ وَثَوْبٍ وَسَيْفٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ قَيْسٍ : إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَأَدَّيْتُمْ الْخُمْسَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَسَهْمَ الصَّفِيِّ إنَّكُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } .
وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ { وَأَنْ تُعْطُوا سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفِيَّ } وَقَالَتْ عَائِشَةُ : " كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَانْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوهُ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا يُجْمِعُونَ إلَّا عَلَى الْحَقِّ ( وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ) ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ .
لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ {

لَمَّا قَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ، أَتَيْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ فَلَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتنَا ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ فَقَالَ : إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُمْ مَوْلًى لَهُمْ ، وَلَا مَنْ أُمُّهُ مِنْهُمْ دُونَ أَبِيهِ ( حَيْثُ كَانُوا ) أَيْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْقَرَابَةِ .
أَشْبَهَ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ ( غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَلِذِي الْقُرْبَى } وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ كُلَّهُمْ وَفِيهِمْ الْغَنِيُّ كَالْعَبَّاسِ ( وَسَهْمٌ لِفُقَرَاءِ الْيَتَامَى .
وَهُمْ ) أَيْ الْيَتَامَى ( مَنْ لَا أَبَ لَهُ ) أَيْ مَاتَ أَبُوهُ ( وَلَمْ يَبْلُغْ ) لِحَدِيثِ { لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ } وَاعْتُبِرَ فَقْرُهُمْ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ لِحَاجَتِهِمْ وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَالِ أَنْفَعُ مِنْ وُجُودِ الْأَبِ ، وَيُسَوِّي فِيهِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ( وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ ) أَيْ أَهْلِ الْحَاجَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْفُقَرَاءُ ( وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ ، فَيُعْطَوْنَ كَ ) مَا يُعْطَوْنَ مِنْ ( زَكَاةٍ ) لِلْآيَةِ ( بِشَرْطِ إسْلَامِ الْكُلِّ ) لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ ، وَلَا حَقَّ لِكَافِرٍ فِيهِ كَزَكَاةٍ وَلَا لِقِنٍّ .
( وَيَعُمُّ مَنْ بِجَمِيعِ الْبِلَادِ ) مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ ( حَسَبَ الطَّاقَةِ ) فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ إلَى عُمَّالِهِ بِالْأَقَالِيمِ وَيَنْظُرُ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ

اسْتَوَتْ فَرَّقَ كُلَّ خُمُسٍ فِيمَا قَارَبَهُ ، إنْ اخْتَلَفَتْ ؛ أَمَرَ بِحَمْلِ الْفَضْلِ لِيُدْفَعَ لِمُسْتَحِقِّهِ كَمِيرَاثٍ وَإِذَا لَمْ تَأْخُذْ بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ) أَسْهُمَهُمْ ( رُدَّ فِي كُرَاعٍ ) أَيْ خَيْلٍ ( وَ ) فِي ( سِلَاحٍ ) عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ( وَمَنْ فِيهِ ) مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخُمْسِ ( سَبَبَانِ فَأَكْثَرَ ) كَهَاشِمِيٍّ ابْنِ سَبِيلٍ يَتِيمٍ ( أَخَذَ بِهَا ) لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ لِأَحْكَامٍ ، فَوَجَبَ ثُبُوتُ أَحْكَامِهَا كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ .
( ثُمَّ ) يَبْدَأُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ الَّتِي لِلْغَانِمِينَ ( بِنَفَلٍ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ ( وَهُوَ ) أَيْ النَّفَلُ ( الزَّائِدُ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ ) لِانْفِرَادِ بَعْضِ الْغَانِمِينَ بِهِ ، فَقُدِّمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَالسَّلَبِ ( وَيَرْضَخُ ) وَهُوَ الْعَطَاءُ دُونَ السَّهْمِ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ .
فَيَرْضَخُ ( لِمُمَيِّزٍ وَقِنٍّ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ عَلَى مَا يَرَاهُ ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ، فَيُفَضِّلُ الْمُقَاتِلَ وَذَا الْبَأْسِ وَمَنْ تَسْقِي الْمَاءَ وَتُدَاوِي الْجَرْحَى عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ ( إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ ) أَيْ الرَّضْخِ ( لِرَاجِلٍ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَلَا لِفَارِسٍ سَهْمَ الْفَارِسِ ) لِئَلَّا يُسَاوِيَ مَنْ يُسْهِمُ لَهُ ( وَلِمُبَعَّضٍ بِالْحِسَابِ مِنْ رَضْخٍ وَإِسْهَامٍ ) كَحَدٍّ وَدِيَةٍ ( وَإِنْ غَزَا قِنٌّ عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ رَضَخَ لَهُ ) أَيْ الْقِنِّ ( وَقَسَمَ لَهَا ) أَيْ الْفَرَسِ تَحْتَهُ ، لِأَنَّ سَهْمَهُمَا لِمَالِكِهَا .
وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ فَرَسٌ أُخْرَى كَمَا لَوْ كَانَتَا مَعَ السَّيِّدِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ ) لِأَنَّهُ لَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي .
وَإِنْ غَزَا صَبِيٌّ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى فَرَسِهَا رَضَخَ لِلْفَرَسِ وَرَاكِبِهِ بِلَا إسْهَامٍ ؛ لِأَنَّهُ لِمَالِكِ الْفَرَسِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ( ثُمَّ يَقْسِمُ ) إمَامٌ ( الْبَاقِيَ ) بَعْدَ مَا سَبَقَ ( بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ) أَيْ الْحَرْبَ ( لِقَصْدِ

قِتَالٍ ) قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ ، حَتَّى تُجَّارُ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَاؤُهُمْ الْمُسْتَعَدِّينَ لِلْقِتَالِ .
لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : { الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ } وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَاتِلِ رَدُّهُ لِلْمُقَاتِلِ .
وَيُسْهِمُ لِخَيَّاطٍ وَخَبَّازٍ وَبَيْطَارٍ وَنَحْوِهِمْ حَضَرُوا نَصًّا ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْتَعِدَّ لِلْقِتَالِ مِنْ تُجَّارٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِمْ ( أَوْ بَعْثٍ فِي سَرِيَّةٍ أَوْ ) بَعْثٍ ( لِمَصْلَحَةٍ كَرَسُولٍ وَدَلِيلٍ وَجَاسُوسٍ وَلِمَنْ خَلَّفَهُ الْأَمِيرُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ وَغَزَا وَلَمْ يَمُرَّ الْأَمِيرُ بِهِ فَرَجَعَ ) لِأَنَّهُ فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْإِسْهَامِ مِمَّنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَلَمْ يُقَاتِلْ ( وَلَوْ مَعَ مَنْعِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ مَنْعِ أَبٍ ) لَهُ ، لِتَعَيُّنِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ وَ ( لَا ) يُسْهِمُ ( لِمَنْ لَا يُمْكِنُهُ قِتَالٌ ) لِمَرَضٍ ( وَلَا لِدَابَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ ) قِتَالٌ ( عَلَيْهَا لِمَرَضٍ ) كَزَمَانَةٍ وَشَلَلٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْجِهَادِ ، بِخِلَافِ حُمَّى يَسِيرَةٍ وَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَنَحْوِهِ ، فَيُسْهِمُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْجِهَادِ وَ ( لَا ) يُسْهِمُ ( لِمُخَذِّلٍ وَمُرْجِفٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَرَامٍ بَيْنَنَا بِفِتَنٍ وَمُكَاتِبٍ بِأَخْبَارِنَا ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الدُّخُولِ مَعَ الْجَيْشِ أَشْبَهَ الْفَرَسَ الْعَجِيفَ .
( وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ ) أَيْ التَّخْذِيلَ وَالْإِرْجَافَ وَنَحْوَهُ ( وَقَاتَلَ لَا يَرْضَخُ لَهُ ) أَيْ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ وَنَحْوِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَ ( لَا ) يُسْهِمُ وَلَا يَرْضَخُ ( لِمَنْ نَهَاهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَحْضُرَ ) فَلَمْ يَنْتَهِ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ ( وَلَا كَافِرٍ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ ) أَيْ الْإِمَامَ ( وَلَا عَبْدٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ ) فِي غَزْوٍ لِعِصْيَانِهِمَا ( وَلَا طِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ ) لِأَنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلْقِتَالِ ( وَلَا مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ ) كَافِرَيْنِ لِعِصْيَانِهِ ( فَ ) يُقْسَمُ ( لِلرَّاجِلِ وَلَوْ ) كَانَ ( كَافِرًا سَهْمٌ .

وَلِلْفَارِسِ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ وَيُسَمَّى الْعَتِيقُ ثَلَاثَةُ ) أَسْهُمٍ ، سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمٌ لَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ : لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَسْهَمَ هَكَذَا لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا } ( وَ ) لِلْفَارِسِ ( عَلَى فَرَسٍ هَجِينٍ وَهُوَ مَا أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ ، أَوْ ) عَلَى فَرَسٍ ( مُقْرِفٍ عَكْسِ الْهَجِينِ ) وَهُوَ مَا أُمُّهُ فَقَطْ عَرَبِيَّةٌ ( أَوْ ) عَلَى فَرَسٍ ( بِرْذَوْنٍ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ سَهْمَانِ ) سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ .
لِحَدِيثِ مَكْحُولٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَرَسَ الْعَرَبِيَّ سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا } رَوَاهُ سَعِيدٌ وَعَنْ عُمَرَ شَبَهُهُ

( وَإِنْ غَزَا اثْنَانِ عَلَى فَرَسِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَسَهْمُهُ لَهُمَا ) بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا فِيهِ كَسَائِرِ نَمَائِهِ

( وَسَهْمُ ) فَرَسٍ ( مَغْصُوبٍ ) غَزَا عَلَيْهِ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ ( لِمَالِكِهِ ) نَصًّا .
وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ مَالِكِهِ ، وَلِأَنَّ سَهْمَهُ يُسْتَحَقُّ بِنَفْعِهِ وَنَفْعُهُ لِمَالِكِهِ .
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ لَهُ

( وَ ) سَهْمُ فَرَسٍ ( مُعَارٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَحَبِيسٍ لِرَاكِبِهِ ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْهَامِ لِقِتَالٍ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ لِنَفْعِ الْفَرَسِ فَاسْتَحَقَّ سَهْمَهُ .
وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهُ حَبِيسًا ، لِأَنَّهُ حُبِسَ عَلَى مَنْ يَغْزُو عَلَيْهِ ( وَيُعْطِي ) رَاكِبَ حَبِيسٍ ( نَفَقَةَ الْحَبِيسِ ) مِنْ سَهْمِهِ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ

( وَلَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسَيْنِ ) مِنْ خَيْلٍ لِرَجُلٍ ، فَيُعْطِي صَاحِبَهَا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ الْعَرَبِيَّيْنِ .
لِحَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِرَجُلٍ فَوْقَ فَرَسَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ } وَرَوَى مَعْنَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ .
وَلِأَنَّ لِلْمُقَاتِلِ حَاجَةً إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ إدَامَةَ رُكُوبِ فَرَسٍ وَاحِدٍ تُضْعِفُهُ وَتَمْنَعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ ( وَلَا شَيْءَ ) مِنْ سَهْمٍ وَلَا رَضْخٍ ( لِغَيْرِ الْخَيْلِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ .
وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا .
وَلَمْ تَخْلُ غَزْوَةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنْ الْإِبِلِ ، بَلْ هِيَ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ وَكَذَا أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَلَيْهَا كَرٌّ وَلَا فَرٌّ .

فَصْلٌ وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْغَانِمِينَ ( وَلَوْ ) كَانَ ( مُفْلِسًا لَا سَفِيهًا فَ ) سَهْمُهُ ( لِلْبَاقِي ) مِنْ الْغَانِمِينَ لِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ .
فَإِذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمْ حَقَّهُ كَانَ لِلْبَاقِينَ ( وَإِنْ أَسْقَطَ الْكُلُّ ) حَقَّهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( فَ ) هِيَ ( فَيْءٌ ) تُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ

( وَإِذَا لَحِقَ ) بِالْجَيْشِ ( مَدَدٌ أَوْ ) تَفَلَّتَ ( أَسِيرٌ ) قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ( أَوْ صَارَ الْفَارِسُ رَاجِلًا ) قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ( أَوْ عَكْسَهُ ) بِأَنْ صَارَ الرَّاجِلُ فَارِسًا قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ( أَوْ أَسْلَمَ ) مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ كَافِرًا قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ( أَوْ بَلَغَ ) صَبِيٌّ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ( أَوْ عَتَقَ ) قِنٌّ ( قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ، وَجُعِلُوا كَمَنْ كَانَ فِيهَا ) أَيْ الْوَقْعَةِ ( كُلِّهَا كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي تَقَضَّتْ الْحَرْبُ وَهُمْ عَلَيْهَا ، جَعْلًا لَهُمْ كَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْعَةِ ، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا تَصِيرُ لِلْغَانِمِينَ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ

( وَلَا قَسْمَ لِمَنْ مَاتَ أَوْ انْصَرَفَ أَوْ أُسِرَ قَبْلَ ذَلِكَ ) أَيْ تَقَضِّي الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوهَا وَقْتَ انْتِقَالِ الْغَنِيمَةِ إلَى مِلْكِ الْغَانِمِينَ

( وَيَحْرُمُ قَوْلُ الْإِمَامِ ) أَوْ نَائِبِهِ ( مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ) لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى اشْتِغَالِهِمْ بِالنَّهْبِ عَنْ الْقِتَالِ وَظَفَرِ الْعَدُوِّ بِهِمْ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاغْتِنَامُ عَلَى التَّسَاوِي فَلَا يَنْفَرِدُ الْبَعْضُ بِشَيْءٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ : { مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ } فَذَاكَ حِينَ كَانَتْ لَهُ ثُمَّ صَارَتْ لِلْغَانِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَلَا يَسْتَحِقُّهُ ) أَيْ الْمَأْخُوذَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ آخِذُهُ ( إلَّا فِيمَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ ) كَأَحْجَارٍ وَقُدُورٍ كِبَارٍ وَحَطَبٍ وَنَحْوِهِ ( وَتُرِكَ فَلَمْ يُشْتَرَ ) لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فَيَجُوزُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلَهُ ( وَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ ، وَ ) لَهُ ( إحْرَاقُهُ ) إنْكَاءً لِلْعَدُوِّ لِئَلَّا يَنْتَفِعُوا بِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ رَغِبَ فِي شِرَاءِ مَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ ( حَرُمَ ) قَوْلُ : مَنْ أَخَذَ فَهُوَ لَهُ ، وَأَخْذُ إمَامٍ لَهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ وَيُضَمُّ ثَمَنُهُ لِلْمُقَسَّمِ

( وَيَصِحُّ ) أَيْ يَجُوزُ ( تَفْضِيلُ بَعْضِ الْغَانِمِينَ لِمَعْنًى فِيهِ ) مِنْ حُسْنِ رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ فَيُنَفَّلُ ( وَيَخُصُّ الْإِمَامُ بِكَلْبٍ ) يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ ( مَنْ شَاءَ ) مِنْ الْجَيْشِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِي قِسْمَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ( وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ) نَصًّا ( وَيَصُبُّ الْخَمْرَ وَلَا يَكْسِرُ الْإِنَاءَ ) نَصًّا

( وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِلْجِهَادِ ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَالْحَجِّ ( فَيُسْهِمُ لَهُ ) أَيْ أَجِيرِ الْجِهَادِ .
وَإِنْ أَخَذَ أُجْرَةً رَدَّهَا ( كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ وَحَمْلِهَا وَسَوْقِهَا وَرَعْيِهَا وَنَحْوِهِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ مِنْ الْمَغْنَمِ

( وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ) وَلَوْ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ ( فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ أَشْبَهَ سَائِرَ أَمْلَاكِهِ

( وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْهَا ) أَيْ الْغَنِيمَةِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْوَاطِئِ ( فِيهَا ) أَيْ الْغَنِيمَةِ ( حَقٌّ ) أُدِّبَ ( أَوْ لِوَلَدِهِ ) أَيْ الْوَاطِئِ فِيهَا حَقٌّ ( أُدِّبَ ) لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا ( وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ ) أَيْ تَأْدِيبِهِ ( الْحَدَّ ) لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ .
وَالْغَنِيمَةُ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ فَيَكُونُ لِلْوَاطِئِ حَقٌّ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ قَلَّ ، فَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُ كَالْمُشْتَرَكَةِ وَكَجَارِيَةِ ابْنِهِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْوَاطِئِ ( مَهْرُهَا ) يُطْرَحُ فِي الْمُقَسَّمِ ( إلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ فَ ) يَلْزَمُهُ ( قِيمَتُهَا ) تُطْرَحُ فِي الْمُقَسَّمِ لِأَنَّ اسْتِيلَادَهَا كَإِتْلَافِهَا ( وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ .
أَشْبَهَ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ ( وَوَلَدُهُ حُرٌّ ) لِمِلْكِهِ إيَّاهَا حِينَ الْعُلُوقِ فَيَنْعَقِدُ الْوَلَدُ حُرًّا

( وَإِنْ أَعْتَقَ ) بَعْضُ الْغَانِمِينَ ( قِنًّا ) مِنْ الْغَنِيمَةِ ( أَوْ كَانَ ) فِي الْغَنِيمَةِ قِنٌّ ( يُعْتَقُ عَلَيْهِ ) كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ ( عَتَقَ قَدْرُ حَقِّهِ ) لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ( وَالْبَاقِي ) مِنْهُ ( كَعِتْقِهِ شِقْصًا ) مِنْ مُشْتَرَكٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ .
وَأَمَّا أَسْرُ الرِّجَالِ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ فِيهِمْ فَلَا عِتْقَ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّ عَلِيٍّ وَعَقِيلًا أَخَا عَلِيٍّ كَانَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ فَلَمْ يُعْتَقَا عَلَيْهِمَا وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ

( وَالْغَالُّ وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مَا غَنِمَ أَوْ ) كَتَمَ ( بَعْضَهُ لَا يَحْرُمُ سَهْمُهُ ) مِنْ الْغَنِيمَةِ لِوُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ حِرْمَانُ سَهْمِهِ فِي خَبَرٍ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ قِيَاسٌ فَبَقِيَ بِحَالِهِ ، وَلَا يُحَرَّقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَحْلِهِ ( وَيَجِبُ حَرْقُ رَحْلِهِ كُلِّهِ وَقْتَ غُلُولِهِ ) لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا وَجَدْتُمْ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ } رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً كَأَكْلِهِ وَنَحْوِهِ ( مَا لَمْ يَخْرُجْ ) رَحْلُهُ ( عَنْ مِلْكِهِ ) فَلَا يُحَرَّقُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِغَيْرِ الْجَانِي .
وَمَحَلُّ إحْرَاقِ رَحْلِهِ ( إذَا كَانَ ) حَيًّا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يُحْرَقْ نَصًّا لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ كَالْحُدُودِ ( حُرًّا ) فَلَا يُحْرَقُ رَحْلُ رَقِيقٍ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ ( مُكَلَّفًا ) لَا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ ( مُلْتَزِمًا ) لِأَحْكَامِنَا وَإِلَّا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى مَا لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( أُنْثَى وَذِمِّيًّا ) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ ( إلَّا سِلَاحًا وَمُصْحَفًا وَحَيَوَانًا بِآلَتِهِ وَنَفَقَتَهُ وَكُتُبَ عِلْمٍ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ وَمَا لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ فَلَا ) يُحَرَّقُ ( وَهُوَ لَهُ ) أَيْ الْغَالِّ كَسَائِرِ مَالِهِ ( وَيُعَزَّرُ ) الْغَالُّ لِلْخَبَرِ ( وَلَا يُنْفَى ) نَصًّا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ( وَيُؤْخَذُ مَا غَلَّ ) مِنْ غَنِيمَةٍ ( لِلْمَغْنَمِ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْغَانِمِينَ وَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى أَهْلِهِ ( فَإِنْ تَابَ بَعْدَ قَسْمٍ أَعْطَى الْإِمَامُ خُمُسَهُ ) لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ ( وَتَصَدَّقَ بِبَقِيَّتِهِ ) رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهُ .

أَشْبَهَ الْمَالَ الضَّائِعَ ( وَمَا أُخِذَ مِنْ فِدْيَةِ ) أَسْرَى كُفَّارٍ فَغَنِيمَةٌ لِقَسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَ أُسَارَى بَدْرٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ، وَلِحُصُولِهِ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ ( أَوْ أُهْدِيَ لِلْأَمِيرِ ) عَلَى الْجَيْشِ ( أَوْ ) أُهْدِيَ ( لِبَعْضِ قُوَّادِهِ ) أَيْ الْأَمِيرِ فَغَنِيمَةٌ ( أَوْ ) أُهْدِيَ لِبَعْضِ ( الْغَانِمِينَ بِدَارِ حَرْبٍ فَغَنِيمَةٌ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الْجَيْشِ ( وَمَا ) أُهْدِيَ ( بِدَارِنَا ) لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ ( فَلِلْمُهْدَى لَهُ ) لِقَبُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقَسِ وَغَيْرِهِ وَكَانَتْ لَهُ وَحْدَهُ .

أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ كُفَّارٍ ( ثَلَاثُ ) أَصْنَافٍ ( إحْدَاهَا ) الْمَأْخُوذَةُ ( عَنْوَةً ) أَيْ قَهْرًا وَغَلَبَةً ( وَهِيَ مَا أُجْلُوا ) أَيْ أَهْلُهَا الْحَرْبِيُّونَ ( عَنْهَا بِالسَّيْفِ وَيُخَيَّرُ إمَامٌ بَيْنَ قَسْمِهَا ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ ( كَمَنْقُولٍ وَ ) بَيْنَ ( وَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِلَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ ) الْوَقْفُ ( وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا ) مُسْتَمِرًّا ( يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ) هُوَ أُجْرَتُهَا كُلَّ عَامٍ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً قُسِّمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا خَيْبَرَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ نِصْفَهَا فَصَارَ لِأَهْلِهِ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ .
وَسَائِرُ عَنْوَةٍ مِمَّا فُتِحَ وَمَنْ بَعْدَهُ كَأَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا لَمْ يُقَسَّمْ مِنْهُ شَيْءٌ .
فَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ " أَنَّ عُمَرَ قَدِمَ الْجَابِيَةَ فَأَرَادَ قَسْمَ الْأَرْضِينَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ : وَاَللَّهِ إذَنْ لَيَكُونَنَّ مَا تَكْرَهُ ، إنَّك إنْ قَسَمْتَهَا الْيَوْمَ صَارَ الرِّيعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ ثُمَّ يَبِيدُونَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مَسَدًّا وَهُمْ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا ، فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ ، فَصَارَ عُمَرُ إلَى قَوْلِ مُعَاذٍ " ( الثَّانِيَةُ : مَا جَلَوْا ) أَيْ أَهْلُهَا ( عَنْهَا خَوْفًا مِنَّا وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى ) فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ وَعَنْهُ تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ

( الثَّالِثَةُ : الْمُصَالَحُ عَلَيْهَا ، وَهِيَ نَوْعَانِ فَمَا صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا ) أَيْ الْأَرْضَ ( لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ فَهِيَ كَالْعَنْوَةِ فِي التَّخْيِيرِ ) وَلَا يَسْقُطُ خَرَاجُهَا بِإِسْلَامِهِمْ .
وَعَنْهُ تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .
( وَ ) الثَّانِي مَا صُولِحُوا ( عَلَى أَنَّهَا ) أَيْ الْأَرْضَ ( لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا فَهُوَ ) أَيْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهَا ( كَجِزْيَةٍ ، إنْ أَسْلَمُوا ) سَقَطَ عَنْهُمْ ( أَوْ انْتَقَلَتْ ) الْأَرْضُ ( إلَى مُسْلِمٍ سَقَطَ ) عَنْهُمْ كَسُقُوطِ جِزْيَةٍ بِإِسْلَامٍ ، وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى ذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ خَرَاجُهَا ، وَتُسَمَّى هَذِهِ دَارَ عَهْدٍ ، وَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ لَا يُمْنَعُونَ فِيهَا إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَلَا بِيعَةٍ لَهُمَا كَمَا يَأْتِي ( وَيُقَرُّونَ فِيهَا بِلَا جِزْيَةٍ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ إسْلَامٍ ( بِخِلَافِ مَا قَبْلُ ) مِنْ الْأَرْضِينَ فَلَا يُقَرُّونَ بِهَا سَنَةً بِلَا جِزْيَةٍ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ

( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى إمَامٍ فِعْلُ الْأَصْلَحِ ) لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي تَصِيرُ إلَيْهِمْ مِنْ وَقْفٍ أَوْ قِسْمَةٍ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ ( وَيُرْجَعُ فِي ) قَدْرِ ( خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ إلَى تَقْدِيرِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ مِنْ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ عَلَى حَسَبِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَتُطِيقُهُ الْأَرْضُ .
لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ فَلَمْ يَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ كَأُجْرَةِ الْمَسَاكِنِ ( وَوَضَعَ عُمَرُ ) بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ( عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا ) قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ : أَعْلَى وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ يَعْنِي " أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا " قَالَ فِي شَرْحِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى الطَّعَامِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ حِنْطَةٍ وَعَلَى الشَّعِيرِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ شَعِيرٍ " وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ .
وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ ، " وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةً وَعَلَى جَرِيبِ الرَّطْبَةِ سِتَّةٌ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقَفِيزُ ( ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ قِيلَ بِالْمَكِّيِّ ) قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَالْإِقْنَاعِ ( وَقِيلَ ) ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ ( بِالْعِرَاقِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَكِّيِّ ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالُوا نَصَّ عَلَيْهِ .
وَثَمَرُ الشَّجَرِ بِالْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ لِمَنْ تُقَرُّ بِيَدِهِ وَفِيهِ الْعُشْرُ زَكَاةً ( وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي مِثْلِهَا ) أَيْ عَشْرُ قَصَبَاتٍ ( وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعٍ وَسَطٍ ) لَا أَطْوَلِ ذِرَاعٍ وَلَا أَقْصَرِهَا ( وَقَبْضَةٌ وَإِبْهَامٌ قَائِمَةً ) مَعَ كُلِّ ذِرَاعٍ .
فَالْجَرِيبُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ

مُكَسَّرَةً ( وَالْخَرَاجُ عَلَى أَرْضٍ لَهَا مَاءٌ تُسْقَى بِهِ وَلَوْ لَمْ تُزْرَعْ ) كَالْمُؤَجَّرَةِ وَلَا خَرَاجَ ( عَلَى مَا لَا يَنَالُهُ مَاءٌ ) مِنْ الْأَرَاضِي ( وَلَوْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ وَإِحْيَاؤُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ ) لِأَنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَمَا مَنْفَعَةٌ فِيهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ .
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ أَحْيَا وَزَرَعَ وَجَبَ خَرَاجُهُ .
وَيَأْتِي : لَا خَرَاجَ عَلَى مُسْلِمٍ فِيمَا أَحْيَاهُ مِنْ أَرْضٍ عَنْوَةً ( وَمَا لَمْ يَنْبُتْ ) إلَّا عَامًا بَعْدَ عَامٍ فَنِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ لَمْ يَنَلْهُ الْمَاءُ ( إلَّا عَامًا بَعْدَ عَامٍ فَنِصْفُ خَرَاجِهِ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ عَامٍ ) لِأَنَّ نَفْعَهَا عَلَى النِّصْفِ فَكَذَا خَرَاجُهَا ( وَهُوَ ) أَيْ الْخَرَاجُ ( عَلَى الْمَالِكِ ) لِأَنَّهُ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ دُونَ مُسْتَأْجِرِهَا كَفِطْرَةِ رَقِيقٍ ( وَ ) الْخَرَاجُ ( كَالدَّيْنِ يُحْبَسُ بِهِ الْمُوسِرُ وَيُنْظَرُ بِهِ الْمُعْسِرُ ) إلَى مَيْسَرَتِهِ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ كَأُجْرَةِ الْمَسَاكِنِ

( وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِهِ ) الْخَرَاجِيَّةِ ( أُجْبِرَ عَلَى إجَارَتِهَا ) لِمَنْ يَعْمُرُهَا ( أَوْ ) عَلَى ( رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا ) لِتُدْفَعَ لِمَنْ يَعْمُرُهَا وَيَقُومُ بِخَرَاجِهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُعَطِّلُهَا عَلَيْهِمْ .
وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَوَارِثُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَمَنْ يَنْقُلُهَا إلَيْهِ بِخَرَاجِهَا

( وَيَجُوزُ أَنْ يُرْشِيَ الْعَامِلَ وَأَنْ يُهْدِيَ إلَيْهِ لِدَفْعِ ظُلْمٍ ) عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ لِتَوَصُّلِهِ بِذَلِكَ إلَى كَفِّ يَدٍ عَادِيَةٍ .
وَ ( لَا ) يَجُوزُ أَنْ يُرْشِيَ الْعَامِلَ أَوْ يُهْدِيَ لَهُ ( لِيَدَعَ ) عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ ( خَرَاجًا ) لِأَنَّهُ تَوَصُّلٌ إلَى إبْطَالِ حَقٍّ .
فَحَرُمَ عَلَى آخِذٍ وَمُعْطٍ كَرِشْوَةِ حَاكِمٍ لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ( وَالْهَدِيَّةُ الدَّفْعُ ) أَيْ الْعَيْنُ الْمَالِيَّةُ الْمَدْفُوعَةُ لَمُهْدًى إلَيْهِ ( ابْتِدَاءً ) بِلَا طَلَبٍ ( وَالرِّشْوَةُ ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ : الدَّفْعُ ( بَعْدَ طَلَبٍ ) أَخْذُهَا ( وَأَخْذُهُمَا ) أَيْ الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ ( حَرُمَ ) لِحَدِيثِ { هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ }

وَكُرِهَ شِرَاءُ مُسْلِمٍ مُزَارِعٍ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً ؛ أَيْ تَقَبُّلُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجٍ لِمَا فِي إعْطَاءِ الْخَرَاجِ مِنْ مَعْنَى الْمَذَلَّةِ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ

( وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَسَاكِنَ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ فُتِحَتْ الْأَرْضُ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ .
وَأَدَاءُ أَحْمَدَ الْخَرَاجَ عَنْ دَارِهِ تَوَرُّعٌ .

وَ ( لَا ) خَرَاجَ عَلَى ( مَزَارِعِ مَكَّةَ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا شَيْئًا وَالْخَرَاجُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ ( وَالْحَرَمُ كَهِيَ ) أَيْ كَمَكَّةَ نَصًّا ، فَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهِ

( وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْبِنَاءُ وَالِانْفِرَادُ بِهِ فِيهِمَا ) أَيْ فِي مَكَّةَ وَالْحَرَمِ ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ

وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِأَحَدٍ ( تَفْرِقَةُ خَرَاجٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ ) لِأَنَّ مَصْرِفَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ ، وَلِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا

( وَمَصْرِفُهُ ) أَيْ الْخَرَاجِ ( كَفَيْءٍ ) لِأَنَّهُ مِنْهُ

( وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي إسْقَاطِهِ ) أَيْ الْخَرَاجِ ( عَمَّنْ لَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( وَضْعُهُ فِيهِ ) مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَفَقِيهٍ وَمُؤَذِّنٍ وَنَحْوِهِ ( جَازَ ) لَهُ إسْقَاطُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذٍ مِنْهُ ثُمَّ رَدِّهِ إلَيْهِ ( وَلَا يَحْتَسِبُ بِمَا ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ مِنْ عُشْرٍ ) عَلَيْهِ مِنْ حَبٍّ أَوْ ثَمَرٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : لِأَنَّهُ غَصْبٌ

بَابُ الْفَيْءِ مِنْ فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ نَحْوَ الْمَشْرِقِ سُمِّيَ بِهِ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْهُمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } الْآيَةَ " ( وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ كُفَّارٍ ) غَالِبًا ( بِحَقٍّ بِلَا قِتَالٍ كَجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ ) مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ( وَعُشْرِ تِجَارَةٍ ) مِنْ حَرْبِيٍّ ( وَنِصْفِهِ ) أَيْ نِصْفِ عُشْرِ التِّجَارَةِ مِنْ ذِمِّيٍّ ( وَمَا تُرِكَ ) مِنْ كُفَّارٍ لِمُسْلِمِينَ ( فَزَعًا ) مِنْهُمْ ( أَوْ ) تُرِكَ ( عَنْ مَيِّتٍ ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ ( وَلَا وَارِثَ لَهُ ) يَسْتَغْرِقُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : " بِحَقٍّ " مَا أُخِذَ مِنْ كُفَّارٍ ظُلْمًا كَمَالِ مُسْتَأْمَنٍ ، وَقَوْلِهِ : " بِلَا قِتَالٍ " الْغَنِيمَةُ ( وَمَصْرِفُهُ ) أَيْ الْفَيْءِ الْمَصَالِحُ ( وَ ) مَصْرِفُ ( خُمْسِ الْغَنِيمَةِ الْمَصَالِحُ ) لِعُمُومِ نَفْعِهَا وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى تَحْصِيلِهَا .
قَالَ عُمَرُ " مَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ إلَّا الْعَبِيدَ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ " وَقَرَأَ عُمَرُ { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } حَتَّى بَلَغَ { وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } فَقَالَ هَذِهِ اسْتَوْعَبَتْ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً " وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُقَاتِلَةِ ( وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ وَكِفَايَةِ أَهْلِهِ ) أَيْ الثَّغْرِ ( وَحَاجَةِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّ أَهَمَّ الْأُمُورِ حِفْظُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْنُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَسَدُّ الثُّغُورِ وَعِمَارَتِهَا وَكِفَايَتِهَا بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ ( ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ سَدِّ بَثْقٍ ) بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْمَكَانِ الْمُنْفَتِحِ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ وَسَدِّ جَرْفِ الْجُسُورِ لِيَعْلُوَ الْمَاءُ فَيُنْتَفَعَ بِهِ ( وَ ) مِنْ ( كَرْيِ نَهْرٍ ) أَيْ تَنْظِيفِهِ مِمَّا يُعِيقُ الْمَاءَ

عَنْ جَرَيَانِهِ ( وَ ) مِنْ ( عَمَلِ قَنْطَرَةٍ وَرِزْقِ قُضَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ) كَإِصْلَاحِ طُرُقٍ وَعِمَارَةِ مَسَاجِدَ وَأَرْزَاقِ أَئِمَّةٍ وَمُؤَذِّنِينَ وَفُقَهَاءَ

( وَلَا يُخَمِّسُ الْفَيْءَ ) نَصًّا ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَهُ إلَى أَهْلِ الْخُمْسِ كَمَا أَضَافَ إلَيْهِمْ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ فَإِيجَابُ الْخُمُسِ فِيهِ لِأَهْلِهِ دُونَ بَاقِيَةٍ مَنْعٌ لِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ .
وَلَوْ أُرِيدَ الْخُمُسُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ كَمَا فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ ( وَيَقْسِمُ مَا فَضَلَ ) عَمَّا يَعُمُّ نَفْعُهُ ( بَيْنَ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ ) لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالْمِيرَاثِ

( وَسُنَّ بُدَاءَةٌ ) عِنْدَ قَسْمٍ ( بِأَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَيُبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ لِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بِبَنِي الْمُطَّلِبِ لِحَدِيثِ { إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } ثُمَّ بِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ، ثُمَّ بِبَنِي نَوْفَلٍ لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ ، ثُمَّ بِبَنِي عَبْدِ الْعُزَّى وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَيُقَدِّمُ بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى لِأَنَّ خَدِيجَةَ مِنْهُمْ فَفِيهِمْ أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ حَتَّى تَنْقَضِيَ قُرَيْشٌ لِقَوْلِ عُمَرَ " وَلَكِنْ أَبْدَأُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ " فَوَضَعَ الدِّيوَانَ عَلَى ذَلِكَ .
( وَقُرَيْشٌ قِيلَ بَنُو النَّضْرِ بْنُ كِنَانَةَ ) قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي التَّبْيِينِ ( وَقِيلَ بَنُو فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ ) بْنِ كِنَانَةَ ( ثُمَّ بِأَوْلَادِ الْأَنْصَارِ ) وَهُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ لِسَابِقَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ ) فِيمَا سَبَقَ ( فَأَسْبَقُ بِإِسْلَامٍ فَأَسَنُّ فَأَقْدَمُ هِجْرَةً وَسَابِقَةً وَيُفَضِّلُ ) بَيْنَهُمْ أَيْ أَهْلِ الْعَطَاءِ ( بِسَابِقَةٍ ) فِي إسْلَامٍ ( وَنَحْوِهَا ) كَسَبْقٍ بِهِجْرَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَابِقِ وَقَالَ " لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَنْ قُوتِلَ عَلَيْهِ " وَفَضَّلَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَلَمْ يُفَضِّلْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ

( وَلَا يَجِبُ عَطَاءٌ إلَّا لِبَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ بَصِيرٍ صَحِيحٍ يُطِيقُ الْقِتَالَ ) وَيَتَعَرَّفُ قَدْرَ حَاجَةِ أَهْلِ الْعَطَاءِ وَكِفَايَتِهِمْ فَيَزِيدُ ذَا الْوَلَدِ وَالْفَرَسِ وَمَنْ لَهُ عَبِيدٌ فِي مَصَالِحِ الْحَرْبِ حَسَبِ كِفَايَتِهِمْ .
وَإِنْ كَانُوا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِينَةٍ لَمْ تَجِبْ مُؤْنَتُهُمْ وَيُرَاعِي أَسْعَارَ بِلَادِهِمْ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْكِفَايَةُ ( وَيُخْرِجُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ بِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَزَمَانَةٍ وَنَحْوهَا ) كَسُلٍّ ، وَكَذَا أَقْطَعُ يَدَيْهِ فَيُسْقِطُ سَهْمَهُ بِخِلَافِ نَحْوِ حُمَّى وَصُدَاعٍ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ ( وَبَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِهِمْ ( يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ ( وَيَحْرُمُ أَخْذٌ مِنْهُ بِلَا إذْنِ إمَامٍ ) لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ

( وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الْعَطَاءِ دُفِعَ لِوَرَثَتِهِ حَقُّهُ ) لِاسْتِحْقَاقِهِ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ( وَلِامْرَأَةِ جُنْدِيٍّ يَمُوتُ وَصِغَارِ أَوْلَادِهِ كِفَايَتُهُمْ ) إلَى أَنْ يَبْلُغُوا لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْيِيبِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ فَيَتَوَفَّرُوا عَلَى الْجِهَادِ لِأَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا خِلَافَهُ تَوَفَّرُوا عَلَى الْكَسْبِ مَخَافَةَ ضَيْعَةِ عِيَالِهِمْ بَعْدَهُمْ ( فَإِذَا بَلَغَ ذَكَرُهُمْ ) أَيْ ذَكَرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْجُنْدِ ( أَهْلًا لِلْقِتَالِ فُرِضَ لَهُ ) عَطَاؤُهُ ( إنْ طَلَبَ ) ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) يَطْلُبْ ذَلِكَ ( تُرِكَ كَالْمَرْأَةِ وَالْبَنَاتِ ) لِلْجُنْدِيِّ الْمَيِّتِ ( إذَا تَزَوَّجْنَ ) فَيُتْرَكْنَ لِغَنَاهُنَّ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ .

بَابُ الْأَمَانِ ضِدُّ الْخَوْفِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
فَمَنْ طَلَبَ أَمَانًا لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَيَعْرِفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَتْ إجَابَتُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ

( وَيَحْرُمُ بِهِ ) أَيْ الْأَمَانِ ( قَتْلٌ وَرِقٌ وَأَسْرٌ ) وَتَعَرُّضٌ لِمَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْأَمَانِ

( وَشُرِطَ ) لِلْأَمَانِ ( كَوْنُهُ مِنْ مُسْلِمٍ ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْنَا ( عَاقِلٍ ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الْمَصْلَحَةَ ( مُخْتَارٍ ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ ( غَيْرِ سَكْرَانَ ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ ( وَلَوْ كَانَ قِنًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ مُمَيِّزًا ) فَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا ذُكُورِيَّتُهُ وَلَا بُلُوغُهُ ( أَوْ أَسِيرًا ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَلَوْ ) كَانَ الْأَمَانُ ( لِأَسِيرٍ ) لِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجَرْت أَحْمَائِي وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ بَابِي وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ ، إنَّمَا يُجِيرُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ } رَوَاهُ سَعِيدٌ ( وَ ) شَرْطُ الْأَمَانِ ( عَدَمُ ضَرَرٍ ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ ( وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ ) أَيْ الْأَمَانِ ( عَلَى عَشْرِ سِنِينَ ) ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ

( وَيَصِحُّ ) أَمَانٌ ( مُنَجَّزًا كَ ) أَنْتَ ( آمِنٌ وَ ) يَصِحُّ ( مُعَلَّقًا نَحْوُ مَنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ آمِنٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ { مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ }

( وَ ) يَصِحُّ أَمَانٌ ( مِنْ إمَامٍ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ

( وَ ) يَصِحُّ ( مِنْ أَمِيرٍ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ جُعِلَ بِإِزَائِهِمْ ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فِي قِتَالِهِمْ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمْ فَكَآحَادِ الْمُسْلِمِينَ

( وَ ) يَصِحُّ ( مِنْ كُلِّ أَحَدٍ ) يَصِحُّ أَمَانُهُ ( لِقَافِلَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرَيْنِ عُرْفًا ) وَاخْتَارَ ابْنُ الْبَنَّا كَمِائَةٍ فَأَقَلَّ .
فَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ رُسْتَاقَ أَوْ جَمْعٍ كَبِيرٍ لَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ بِإِزَائِهِمْ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَالِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ

( وَ ) يَصِحُّ أَمَانٌ ( بِقَوْلٍ كَسَلَامٍ ) لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ ( وَ ) كَقَوْلِهِ : " أَنْتَ آمِنٌ أَوْ بَعْضُك آمِنٌ ( أَوْ يَدُك ) آمِنَةٌ ( وَنَحْوُهَا ) مِنْ أَعْضَائِهِ كَرَأْسِك ( آمِنٌ كَ ) قَوْلِهِ ( لَا بَأْسَ عَلَيْك وَأَجَرْتُك ، وَقِفْ ، وَأَلْقِ سِلَاحَك وَقُمْ وَلَا تَذْهَلْ وَمَتْرَسٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ فَارِسِيٌّ أَيْ لَا تَخَفْ .
قَالَ : عُمَرُ " إذَا قُلْتُمْ لَا بَأْسَ وَلَا تَذْهَلْ وَلَا مَتَرْسَ فَقَدْ أَمَّنْتُمُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ " ( وَكَ ) مَا يَحْصُلُ الْأَمَانُ بِ ( شِرَائِهِ ) الْحَرْبِيِّ قَالَ أَحْمَدُ : إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلْهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ .
( وَ ) يَصِحُّ أَمَانٌ ( بِإِشَارَةٍ تَدُلُّ كَإِمْرَارِهِ يَدَهُ ) كُلَّهَا ( أَوْ بَعْضَهَا عَلَيْهِ أَوْ بِإِشَارَةٍ بِسَبَّابَتِهِ إلَى السَّمَاءِ ) وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ نُطْقِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ : " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ إلَى مُشْرِكٍ فَنَزَلَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ لَقَتَلْته " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَتَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ عَدَمُ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ بِخِلَافِ نَحْو الْبَيْعِ وَيَصِحُّ بِرِسَالَةٍ وَكِتَابَةٍ ( وَيَسْرِي ) الْأَمَانُ ( إلَى مَنْ مَعَهُ ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ ( مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ ) تَبَعًا لَهُ ( إلَّا أَنْ يُخَصِّصَ ) بِهِ كَأَنْتَ آمِنٌ دُونَ أَهْلِك وَمَالِك فَلَا يَسْرِي إلَيْهِمَا

( وَيَجِبُ رَدُّ مُعْتَقِدِ غَيْرِ الْأَمَانِ أَمَانًا إلَى مَأْمَنِهِ ) أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ مَا اعْتَقَدَهُ أَمَانًا نَصًّا لِئَلَّا يَكُونَ غَدْرًا لَهُ

( وَيُقْبَلُ مِنْ عَدْلٍ ) قَوْلُهُ : " إنِّي أَمَّنْته " كَمُرْضِعَةٍ أَخْبَرَتْ عَنْ فِعْلِهَا

( وَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الْأَمَانَ ( أَسِيرٌ ) وَأَنْكَرَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَإِبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ

( وَمَنْ أَسْلَمَ ) قَبْلَ فَتْحٍ وَاشْتَبَهَ ( أَوْ أَعْطَى أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا فَفَتَحَهُ وَاشْتَبَهَ ) بِحَرْبِيِّينَ ( وَادَّعُوهُ ) أَيْ الْإِسْلَامَ ( حَرُمَ قَتْلُهُمْ ) نَصًّا ( وَ ) حَرُمَ ( رِقُّهُمْ ) لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحِ بِالْمُحَرَّمِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ أَوْ مَيِّتُهُ بِمُذَكَّاةٍ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ ( وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ ) أَيْ الْمُشْتَبَهِ الْمَذْكُورِ ( لَوْ نُسِيَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ ) بِمَنْ لَا يَلْزَمُهُ فَيَحْرُمُ الْقَتْلُ ( وَإِنْ اشْتَبَهَ مَا أُخِذَ مِنْ كُفَّارٍ ) بِحَقٍّ ( بِمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ ) بِلَا حَقٍّ ( فَيَنْبَغِي الْكَفُّ عَنْهُمَا ) نَصًّا لِحَدِيثِ { مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ } ( وَلَا جِزْيَةَ مُدَّةَ أَمَانٍ ) نَصًّا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا .
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يُقِمْ بِدَارِنَا سَنَةً فَأَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَيُعْقَدُ ) الْأَمَانُ ( لِرَسُولٍ مُسْتَأْمَنٍ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " كَانَ يُؤَمِّنُ رُسُلَ الْمُشْرِكِينَ " وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذْ لَوْ قَتَلْنَا رُسُلَهُمْ لَقَتَلُوا رُسُلَنَا فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ

( وَمَنْ جَاءَنَا بِلَا أَمَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ ) وَمَعَهُ مَا يَبِيعُهُ ( وَصَدَّقَتْهُ عَادَةٌ قُبِلَ ) مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ نَصًّا ( وَإِلَّا ) تُصَدِّقْهُ عَادَةٌ فَكَأَسِيرٍ ( أَوْ كَانَ جَاسُوسًا فَكَأَسِيرٍ ) فَيُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ

( وَمَنْ جَاءَتْ بِهِ رِيحٌ ) مِنْ كُفَّارٍ ( أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ ) مِنْهُمْ ( أَوْ أَبَقَ ) إلَيْنَا مِنْ رَقِيقِهِمْ ( أَوْ شَرَدَ إلَيْنَا ) مِنْ دَوَابِّهِمْ ( فَ ) هُوَ ( لِآخِذِهِ ) غَيْرَ مَخْمُوسٍ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ .
وَأَخْذُهُ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَشْبَهَ الصَّيْدَ وَالْحَشِيشَ

( وَيَبْطُلُ أَمَانٌ بِرَدِّهِ ) مِنْ مُسْتَأْمَنٍ لِنَقْضِهِ لَهُ ( وَ ) يَبْطُلُ ( بِخِيَانَةٍ ) لِأَنَّهَا غَدْرٌ ، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا ( وَإِنْ أَوْدَعَ ) مُسْتَأْمَنٌ مَالًا ( أَوْ أَقْرَضَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْلِمًا مَالًا أَوْ تَرَكَهُ ) أَيْ الْمَالَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ ( ثُمَّ عَادَ لِدَارِ حَرْبٍ ) مُسْتَوْطِنًا أَوْ مُحَارِبًا بَقِيَ أَمَانُ مَالِهِ لِاخْتِصَاصِ الْمُبْطَلِ بِنَفْسِهِ فَيَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِهِ ، وَإِنْ عَادَ لِدَارِ الْحَرْبِ رَسُولًا أَوْ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ ( أَوْ اُنْتُقِضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ بَقِيَ أَمَانُ مَالِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي فِي آخِرِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ مَا فِيهِ ( وَيَبْعَثُ مَالَهُ إلَيْهِ إنْ طَلَبَهُ ) لِبَقَاءِ الْأَمَانِ فِيهِ ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ

( وَإِنْ مَاتَ ) بِدَارِ حَرْبٍ ( فَمَالُهُ ) بِدَارِ الْإِسْلَامِ ( لِوَارِثِهِ ) لِأَنَّ الْأَمَانَ حَقٌّ لَازِمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ ، فَبِمَوْتِهِ يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ مِنْ رَهْنٍ وَضَمَانٍ وَشُفْعَةٍ وَإِذَا عُدِمَ ) وَارِثُهُ فَلَمْ يَكُنْ ( فَفَيْءٌ ) لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَالِ ذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ لَهُ ( وَإِنْ اُسْتُرِقَّ ) رَبُّ الْمَالِ ( وُقِفَ ) مَالُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ آخِرُ أَمْرِهِ ( فَإِنْ عَتَقَ أَخَذَهُ ) إنْ شَاءَ ( وَإِنْ مَاتَ قِنًّا ) فَهُوَ ( فَيْءٌ ) لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ .
وَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ بِلَا أَمَانٍ جَازَ قَتْلُهُ وَسَبْيُهُ ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْأَمَانِ فِي مَالٍ لَا يُثْبِتُهُ لِنَفْسِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالُهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِدَارِ الْحَرْبِ

( وَإِنْ أُسِرَ مُسْلِمٌ ) أَيْ أَسَرَهُ الْكُفَّارُ ( فَأُطْلِقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً ) مُعَيَّنَةً ( أَوْ ) يُقِيمَ عِنْدَهُمْ ( أَبَدًا ) وَرَضِيَ بِالشَّرْطِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ .
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ نَصًّا .
لِحَدِيثِ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } ( أَوْ ) أُطْلِقَ بِشَرْطِ ( أَنْ يَأْتِيَ ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ( وَيَرْجِعَ إلَيْهِمْ أَوْ أَنْ يَبْعَثَ ) إلَيْهِمْ ( مَالًا وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إلَيْهِمْ ) وَرَضِيَ ( لَزِمَهُ الْوَفَاءُ ) لِحَدِيثِ { إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ } وَلِأَنَّ فِي الْوَفَاءِ مَصْلَحَةً لِلْأُسَارَى .
وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمَنُونَ بَعْدَهُ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ وَلَوْ حَلَفَ لَهُمْ مُكْرَهًا ( إلَّا الْمَرْأَةَ ) إذَا أُسِرَتْ ثُمَّ أُطْلِقَتْ بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ ( فَلَا ) يَحِلُّ لَهَا أَنْ ( تَرْجِعَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا ( وَ ) إنْ أُطْلِقَ ( بِلَا شَرْطٍ أَوْ ) بِشَرْطِ ( كَوْنَهُ رَقِيقًا فَإِنْ أَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ فَقَطْ ) لِعَدَمِ شَرْطِ الْمُقَامِ عِنْدَهُمْ .
وَشَرْطُ الرِّقِّ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ ( وَإِلَّا ) يُؤَمِّنُوهُ ( فَيَقْتِلْ وَيَسْرِقْ أَيْضًا ) أَيْ كَمَا لَهُ الْهَرَبُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْهُمْ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ

( وَلَوْ جَاءَ عِلْجٌ ) مِنْ كُفَّارٍ ( بِأَسِيرٍ ) مُسْلِمٍ ( عَلَى أَنْ يُفَادِيَ ) الْمُسْلِمَ ( بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ ) قَالَ أَحْمَدُ ( لَمْ يُرَدَّ ، وَيَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَالْجَبَلُ أَهْوَنُ مِنْ السِّلَاحِ وَلَا يَبْعَثُ بِالسِّلَاحِ

( وَلَوْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مُسْلِمَةٌ لَمْ تُرَدَّ مَعَهُ وَيَرْضَى ) لِيَتْرُكَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ ( وَيُرَدُّ الرَّجُلُ ) إنْ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِهِ وَإِنْ سُبِيَتْ كَافِرَةٌ فَجَاءَ ابْنُهَا وَطَلَبَهَا وَقَالَ عِنْدِي أَسِيرٌ مُسْلِمٌ فَأَطْلِقُوهَا لِأُحْضِرَهُ .
فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ : أَحْضِرْهُ فَأَحْضَرَهُ .
لَزِمَ إطْلَاقُهَا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ إجَابَتُهُ فَإِنْ قَالَ : لَمْ أُرِدْ إجَابَتَهُ ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَرْكِ أَسِيرِهِ وَيُرَدُّ إلَى مَأْمَنِهِ .

بَابُ الْهُدْنَةِ وَهِيَ لُغَةً الدَّعَةُ وَالسُّكُونُ وَشَرْعًا ( عَقْدُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ ) مَعَ الْكُفَّارِ ( مُدَّةً مَعْلُومَةً ) وَهِيَ لَازِمَةٌ .
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } وَقَوْلُهُ : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ " وَلِدُعَاءِ الْمَصْلَحَةِ إلَيْهَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ نَحْوِ ضَعْفٍ ( وَتُسَمَّى مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً وَمُعَاهَدَةً وَمُسَالَمَةً ) مِنْ السِّلْمِ بِمَعْنَى الصُّلْحِ ، لِحُصُولِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْكُفَّارِ .
( وَمَتَى زَالَ مَنْ عَقَدَهَا ) أَيْ الْهُدْنَةَ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ ( لَزِمَ ) الْإِمَامَ ( الثَّانِيَ الْوَفَاءُ ) بِمَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ ، كَمَا لَا يَنْقُضُ حَاكِمٌ حُكْمَ غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِهِ .
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ : أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَعَ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ ، أَوْ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ الْمُهَادَنِ أَهْلُهَا ، وَفِيهِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ

( وَلَا تَصِحُّ ) الْهُدْنَةُ ( إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ ) لِنَحْوِ ضَعْفٍ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْ مَانِعٍ بِالطَّرِيقِ ( فَمَتَى رَآهَا الْإِمَامُ مَصْلَحَةً وَلَوْ بِمَالٍ مِنَّا ضَرُورَةً ) كَخَوْفِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هَلَاكًا أَوْ أَسْرًا ( مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ وَإِنْ طَالَتْ ) الْمُدَّةُ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ .
فَكَذَا هُنَا ، وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ فَهُوَ دُونَ صَغَارِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : { أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ : أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَك ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ ، أَوْ تُخَذِّلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ إنْ جَعَلْت الشَّطْرَ فَعَلْت }

وَإِذَا زَادَ ) الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ ( عَلَى ) مُدَّةِ ( الْحَاجَةِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ ) فَقَطْ ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا ( وَإِنْ أُطْلِقَتْ ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ ، لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ ( أَوْ عُلِّقَتْ ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ ( بِمَشِيئَةٍ لَمْ تَصِحَّ ) الْهُدْنَةُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ كَالْإِجَارَةِ ( وَمَتَى جَاءُوا ) أَيْ الْمَعْقُودُ مَعَهُمْ الْهُدْنَة ( فِي ) هُدْنَةٍ ( فَاسِدَةٍ مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ رُدُّوا ) إلَى مَأْمَنِهِمْ ( آمِنِينَ ) وَلَمْ يُقَرُّوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِفَسَادِ الْأَمَانِ ( وَإِنْ شَرَطَ ) عَاقِدٌ ( فِيهَا ) أَيْ الْهُدْنَةِ شَرْطًا فَاسِدًا ( أَوْ ) شَرَطَ ( فِي عَقْدِ ذِمَّةٍ شَرْطًا فَاسِدًا كَرَدِّ امْرَأَةٍ ) إلَيْهِمْ ( أَوْ ) رَدِّ ( صَدَاقِهَا أَوْ ) رَدِّ ( صَبِيٍّ ) مُمَيِّزٍ ( أَوْ ) رَدِّ ( سِلَاحٍ أَوْ ) شَرَطَ ( إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ بَطَلَ ) الشَّرْطُ ( دُونَ عَقْدٍ ) كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ .
وَبُطْلَانُهُ فِي رَدِّ الْمَرْأَةِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } وَحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ } وَفِي رَدِّ صَدَاقِهَا لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِغَيْرِهَا ، وَفِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَضْعُفُ عَنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ .
أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ وَفِي السِّلَاحِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَيْنَا ، وَفِي إدْخَالِهِمْ الْحَرَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } وَيَصِحُّ شَرْطُ رَدِّ طِفْلٍ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ

( وَجَازَ ) فِي هُدْنَةٍ ( شَرْطُ رَدِّ رَجُلٍ جَاءَ ) مِنْهُمْ ( مُسْلِمًا لِلْحَاجَةِ ) لِشَرْطِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ رَدُّهُ لَمْ يُرَدَّ إنْ جَاءَ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ ( وَجَازَ ) لِلْإِمَامِ ( أَمْرُهُ ) أَيْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا ( سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَبِالْفِرَارِ ) مِنْهُمْ ( فَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذُهُ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ { لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ قَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي طَرِيقِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَك ، قَدْ رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ وَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ .
فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلُمْهُ بَلْ قَالَ : وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ فَجَعَلُوا لَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ أَحَدًا جَاءَهُ فَفَعَلَ } فَإِنْ تَحَيَّزَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَقَتَلُوا مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ جَازَ وَلَا يَدْخُلُونَ فِي الصُّلْحِ حَتَّى يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْكُفَّارِ لِلْخَبَرِ

( وَلَوْ هَرَبَ مِنْهُمْ قِنٌّ فَأَسْلَمَ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ ( وَهُوَ حُرٌّ ) لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا }

( وَيُؤَاخَذُونَ ) أَيْ الْمُهَادَنُونَ زَمَنَ هُدْنَةٍ ( بِجِنَايَتِهِمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ مَالٍ وَقَوَدٍ وَحَدِّ ) قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ تَقْتَضِي أَمَانَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَأَمَانَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَلَا يُحَدُّونَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُوا حُكْمَنَا ( وَيَجُوزُ قَتْلُ رَهَائِنِهِمْ إنْ قَتَلُوا رَهَائِنَنَا ) عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِقِتَالِنَا أَوْ مُظَاهَرَةٍ عَلَيْنَا أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ

( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى الْإِمَامِ حِمَايَتُهُمْ ) مِمَّنْ تَحْتَ قَبْضَتِهِ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِنْهُمْ ( إلَّا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ حِمَايَتُهُمْ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تَقْتَضِيهِ

( وَإِنْ سَبَاهُمْ كَافِرٌ وَلَوْ ) كَانَ الْكَافِرُ ( مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ لَنَا شِرَاؤُهُمْ ) لِأَنَّهُمْ فِي عَهْدِنَا وَلَيْسَ عَلَيْنَا اسْتِنْقَاذُهُمْ لِكَوْنِ السَّابِي لَهُمْ لَيْسَ فِي قَبْضَتِنَا

( وَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ بَعْضٍ وَبَاعَهُ ) صَحَّ ( أَوْ ) بَاعَ ( وَلَدَ نَفْسِهِ ) صَحَّ ( أَوْ ) بَاعَ ( أَهْلِيهِ صَحَّ ) الْبَيْعُ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ ( كَحَرْبِيٍّ ) بَاعَ وَلَدَ حَرْبِيٍّ أَوْ وَلَدَ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ وَهَبَ ذَلِكَ ، لِأَنَّ أَوْلَادَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْعَقْدِ .
وَقَدْ ذَكَرْت فِي الْحَاشِيَةِ كَلَامَ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ وَأَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَ أَنَّ الْآخِذَ يَمْلِكُهُمْ بِأَخْذِهِ ، وَأَنَّهُ نَوْعُ كَسْبٍ مِنْ الْكُفَّارِ بِبَذْلِ عِوَضٍ أَوْ مَجَّانًا ، وَأَنَّ الْحَرْبِيَّ تَصِحُّ هِبَتُهُ لِنَفْسِهِ كَذَلِكَ لَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرِقَّاءَ أَوَّلًا ( لَا ذِمِّيٍّ ) فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ وَلَدِهِ وَلَا وَلَدِ غَيْرِهِ وَلَا أَهْلِيهِ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ آكَدُ لِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ

( وَإِنْ خِيفَ ) مِنْ مُهَادِنِينَ ( نَقْضُ عَهْدِهِمْ ) بِأَمَارَةٍ ( نُبِذَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ جَازَ نَبْذُ الْإِمَامِ ( إلَيْهِمْ ) عَهْدَهُمْ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } فَإِنْ كَانَ فِي دَارِنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حَقٌّ اسْتَوْفَى مِنْهُمْ .
وَلَا يَصِحُّ نَقْضُهُ إلَّا مِنْ إمَامٍ ( بِخِلَافِ ذِمَّةٍ ) فَلَيْسَ لَهُ نَبْذُهَا إذَا خِيفَ خِيَانَةُ أَهْلِهَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدَةٌ وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَفِيهَا نَوْعُ مُعَاوَضَةٍ وَلِهَذَا لَوْ نَقَضَهُ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُ الْبَاقِينَ .
وَأَيْضًا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَلَا يَخْشَى مِنْهُمْ كَثِيرَ ضَرَرٍ بِخِلَافِ أَهْلِ هُدْنَةٍ .
( وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ بِنَبْذِ الْعَهْدِ ( قَبْلَ الْإِغَارَةِ ) عَلَيْهِمْ لِلْآيَةِ ( وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَاءِ ) أَهْلِ هُدْنَةٍ ( وَذُرِّيَّاتِهِمْ بِنَقْضِ رِجَالِهِمْ تَبَعًا ) لَهُمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ } وَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ عَهْدَهُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ ، حَلَّ لَهُ مِنْهُمْ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ مُؤَقَّتٌ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ ، فَيَزُولُ بِنَقْضِهِ ، وَفَسْخِهِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ

( وَإِنْ نَقَضَهَا ) أَيْ الْهُدْنَةَ ( بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْمُهَادِنِينَ ( فَأَنْكَرَ الْبَاقُونَ ) عَلَى مَنْ نَقَضَ ( بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ) إنْكَارًا ( ظَاهِرًا أَوْ كَاتَبُونَا ) أَيْ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا بِنَقْضِ الْآخَرِينَ ( أُقِرُّوا ) أَيْ الْبَاقُونَ عَلَى الْعَهْدِ ( بِتَسْلِيمِ مَنْ نَقَضَ ) الْهُدْنَةَ ، إنْ قَدَرُوا عَلَيْهِمْ ( أَوْ بِتَمْيِيزِهِ ) أَيْ النَّاقِضِ ( عَنْهُمْ ) لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِتَالِهِمْ وَإِذَا أَبَوْهُمَا ) أَيْ التَّسْلِيمَ وَالتَّمْيِيزَ ( قَادِرِينَ ) عَلَى أَحَدِهِمَا ( انْتَقَضَ عَهْدُ الْكُلِّ ) بِذَلِكَ ، لِأَنَّ غَيْرَ النَّاقِضِ مَنَعَ مِنْ قِتَالِ النَّاقِضِ فَصَارَ بِمَنْزِلَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُ نَاقِضٍ وَلَا التَّمْيِيزُ عَنْهُ ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ .

بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَهِيَ لُغَةً : الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالْأَمَانُ لِحَدِيثِ { الْمُسْلِمُونَ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ } مِنْ أَذَمَّهُ يُذِمَّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ عَهْدًا ، وَمَعْنَى عَقْدِ الذِّمَّةِ : إقْرَارُ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ ، بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ .
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةَ .
وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ .
قَالَ لِجُنْدِ كِسْرَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ : { أَمَرَنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

( وَيَجِبُ ) عَقْدُ الذِّمَّةِ ( إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ ) أَيْ بَذْلُ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِنَا مِنْ كِتَابِيٍّ أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ ( مَا لَمْ تُخَفْ غَائِلَتُهُمْ ) أَيْ غَدْرُهُمْ إنْ مُكِّنُوا مِنْ مُقَامٍ بِدَارِ إسْلَامٍ .
لِحَدِيثِ : { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } ( وَلَا يَصِحُّ ) عَقْدُهَا ( إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ ) لِتَعَلُّقِ نَظَرِ الْإِمَامِ بِهِ وَدِرَايَتِهِ بِجِهَةِ الْمَصْلَحَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ ، فَعَقْدُهُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ

( وَصِفَتُهُ ) أَيْ عَقْدِ الذِّمَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ( أُقْرِرْتُمْ بِجِزْيَةٍ وَاسْتِسْلَامٍ ) أَيْ انْقِيَادِ لِأَحْكَامِنَا ( أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ ) مِنْ أَنْفُسِهِمْ ( فَيَقُولُ ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ( أَقْرَرْتُكُمْ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِهَا ) كَقَوْلِهِ : هَادَنْتُكُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا بِجِزْيَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ الْجِزْيَةِ فِي الْعَقْدِ ( وَالْجِزْيَةُ ) مِنْ الْجَزَاءِ ( مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ ( عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الذِّلَّةِ وَالِامْتِهَانِ ( كُلَّ عَامٍ ) فِي آخِرِهِ ( بَدَلًا عَنْ قَتْلِهِمْ ، وَ ) عَنْ ( إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا ) فَإِنْ لَمْ يَبْذُلُوهَا لَمْ نَكُفَّ عَنْهُمْ .
( وَلَا تُعْقَدُ ) الذِّمَّةُ ( إلَّا لِأَهْلِ كِتَابٍ ) التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَهُمْ ( الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ يَدِينُ بِالتَّوْرَاةِ كَالسَّامِرَةِ ) يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَيُخَالِفُونَ الْيَهُودَ فِي فُرُوعٍ مِنْ دِينِهِمْ ( أَوْ ) يَدِينُ ( بِالْإِنْجِيلِ كَالْفِرِنْجِ وَالصَّابِئِينَ ) وَالرُّومِ وَالْأَرْمَنِ ، وَكُلِّ مَنْ انْتَسَبَ لِدِينِ عِيسَى ( أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ كَالْمَجُوسِ ) فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَرُفِعَ ، فَذَلِكَ شُبْهَةٌ لَهُمْ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ .
وَلِحَدِيثِ " أَخْذِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

( وَإِذَا اخْتَارَ كَافِرٌ لَا تُعْقَدُ لَهُ ) الذِّمَّةُ كَوَثَنِيٍّ ( دِينًا مِنْ هَؤُلَاءِ ) الْأَدْيَانِ ، بِأَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ ، وَلَوْ بَعْدَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أُقِرَّ ) عَلَى ذَلِكَ ( وَعُقِدَتْ لَهُ ) الذِّمَّةُ كَالْأَصْلِيِّ ، لَكِنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا مُنَاكَحَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَاهُ كِتَابِيَّيْنِ ( وَنَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودُهُمْ وَمَجُوسُهُمْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، وَظَاهِرُهُ حَتَّى حَرْبِيٌّ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْحِ عُمَرَ ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ( وَغَيْرُهُمْ ) .
كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخَ وَبَهْزِيٍّ ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ ( لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ بَذَلُوهَا ) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ .
وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ هَكَذَا ( وَيُؤْخَذُ عِوَضُهَا ) أَيْ الْجِزْيَةِ ( زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا فِيهِ زَكَاةٌ ) لِأَنَّ عُمَرَ ضَاعَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاتَانِ ، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعَانِ ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْخُمْسُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ غَرْبٍ الْعُشْرُ ( حَتَّى مِمَّا لَا تَلْزَمُهُ جِزْيَةٌ ) فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِ صِغَارِهِمْ وَنِسَائِهِمْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ( وَمَصْرِفُهَا ) أَيْ هَذِهِ الزَّكَاةِ الْمُضَعَّفَةِ ( كَ ) مَصْرِفِ ( جِزْيَةٍ ) لِأَنَّهَا عِوَضُهَا .
وَهَلْ يُطْلَبُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كَالْجِزْيَةِ أَوْ لَا ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِثْلُهَا

( وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ ) لِأَنَّهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَهِيَ بَدَلُ الْقَتْلِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ " وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ ( وَلَوْ بَذَلَتْهَا ) أَيْ بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ الْجِزْيَةَ ( لِدُخُولِ دَارِنَا ) فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهَا جِزْيَةٌ ( وَتُمَكَّنُ ) مِنْ دُخُولِهَا ( مَجَّانًا ) وَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْهُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ .
فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِشَيْءٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا قُبِلَ ، فَيَكُونُ هِبَةً لَا جِزْيَةً .
فَإِنْ شَرَطَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ .
( وَ ) لَا جِزْيَةَ عَلَى ( مَجْنُونٍ وَ ) لَا ( قِنٍّ وَ ) لَا ( زَمِنٍ وَ ) لَا ( أَعْمَى وَ ) لَا ( شَيْخٍ فَانٍ وَ ) لَا ( رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ ( وَيُؤْخَذُ ) مِنْ رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ ( مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ .
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
قَالَ : وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا لَنَا كَالرِّزْقِ لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَاهِبٍ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ ( وَ ) لَا جِزْيَةَ عَلَى ( خُنْثَى مُشْكِلٍ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا وَإِذَا بَانَ ) الْخُنْثَى ( رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورَتِهِ ( فَقَطْ ) دُونَ الْمَاضِي ، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ ( وَلَا ) جِزْيَةَ ( عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ ) أَيْ مُتَكَسِّبٍ ( يَعْجَزُ عَنْهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ ، جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ ) أَيْ مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ ( مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا ) لِأَنَّ بَابَ التَّقْدِيرِ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ

( وَتَجِبُ عَلَى مُعْتَقُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ .
فَلَمْ يُقَرَّ فِي دَارِنَا بِلَا جِزْيَةٍ حُرٌّ أَصْلِيٌّ ( وَ ) تَجِبُ عَلَى ( مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ ) أَيْ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَالْإِرْثِ

( وَمَنْ صَارَ أَهْلًا ) لِجِزْيَةٍ بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ عَتَقَ قِنٌّ أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ ( بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ أُخِذَ مِنْهُ ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ ( بِقِسْطِهِ ) وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُهُ ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ ( بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ لَهُمْ ( وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ تُؤْخَذُ ) مِنْهُ جِزْيَتُهُ لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخَذٌ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا ( وَمَتَى بَذَلُوا مَا ) وَجَبَ ( عَلَيْهِمْ ) مِنْ جِزْيَةٍ ( لَزِمَ قَبُولُهُ وَ ) لَزِمَ ( دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ ) وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ .
قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ( وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ ) الْجِزْيَةُ ( عَنْهُ ) نَصًّا .
وَقَالَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ } لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةٌ

رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ ، وَقِيلَ إنَّمَا أَسْلَمَ تَعَوُّذًا .
قَالَ إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا ، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ " إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا وَكَتَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِمَعْنَاهُ

و ( لَا ) تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ ( إنْ مَاتَ ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ( أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ ) كَمَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْحَوْلِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ( فَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وَمَالِ حَيٍّ ) جُنَّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ( وَ ) إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ ( فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ الْحَوْلِ ( تَسْقُطُ ) الْجِزْيَةُ .
لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا

( وَتُؤْخَذُ ) الْجِزْيَةُ ( عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ وَإِذَا انْقَضَتْ سُنُونَ ) وَلَمْ تُؤْخَذُ ( اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا ) فَلَا تَتَدَاخَلُ ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ .
أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ( وَيُمْتَهَنُونَ ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا ( عِنْدَ أَخْذِهَا ) أَيْ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ ( وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيَهُمْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } ( وَلَا يُقْبَلُ ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ ( إرْسَالُهَا ) لِفَوَاتِ الصَّغَارِ ( وَلَا يَتَدَاخَلُ الصَّغَارُ ) فَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ كُلِّ جِزْيَةٍ حَتَّى تُسْتَوْفَى كُلَّهَا ( وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا ) أَيْ الْجِزْيَةِ ( وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ ) لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مِنْ نَقْضِ أَمَانِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ وَلَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِهَا وَلَا يُشْطَطُ عَلَيْهِمْ .
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : أَحْسَبُهُ الْجِزْيَةَ فَقَالَ إنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمْ النَّاسَ قَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا أَخَذْنَا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا قَالَ بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدَيَّ وَلَا فِي سُلْطَانِي "

( وَيَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِدَارِنَا ( ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ ) عَلْفَ ( دَوَابِّهِمْ ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ " أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ " وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ .
( وَ ) يَصِحُّ ( أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا ) أَيْ الضِّيَافَةِ ( عَنْ الْجِزْيَةِ ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا وَلِفِعْلِ عُمَرَ .
( وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا ) أَيْ الضِّيَافَةِ ( وَ ) قَدْرِ ( أَيَّامِهَا وَعَدَدِ مَنْ يُضَافُ ) مِنْ رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ فَيَقُولُ : " تُضَيِّفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ يَوْمٍ مَثَلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةٌ مِنْ خُبْزِ كَذَا وَأُدْمِ كَذَا .
وَلِلْفَرَسِ شَعِيرُ كَذَا وَتِبْنُ كَذَا " لِأَنَّهُ مِنْ الْجِزْيَةِ فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ كَالنُّقُودِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا بَيَانُ مَا يُنْزِلُهُمْ فِيهِ وَمَا عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ .
وَلِلْمُسْلِمِينَ النُّزُولُ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ .
فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَكَانًا نَزَلُوا فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ .
وَلَيْسَ لَهُمْ تَحْوِيلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ مِنْهُ .
وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ .
وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمْ مِنْ قِيَامٍ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْبِرَ فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أُجْبِرُوا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْقِتَالِ قُوتِلُوا فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ ( وَلَا تَجِبُ ) ضِيَافَةٌ عَلَيْهِمْ ( بِلَا شَرْطٍ ) لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ( وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ ) مِنْ جِزْيَةٍ ( أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ ظَهَرَ ) مَا عَلَيْهِمْ ( أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ ) بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوا عَقْدَ عُمَرَ وَلَمْ يُجَدِّدُوهُ .
وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا رَدَّهُ إلَى الصِّحَّةِ ( وَإِلَّا ) يَعْرِفْ قَدْرَ مَا

عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ ( رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( إنْ سَاغَ ) أَيْ صَلَحَ مَا ادَّعُوهُ جِزْيَةً لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ ( وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ مَعَ تُهْمَةٍ ) فِيمَا يَذْكُرُونَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِمْ وَإِذَا بَانَ ) لِإِمَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ ( نَقْصٌ ) أَيْ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِنَقْصٍ عَمَّا كَانُوا يَدْفَعُونَ لِمَنْ قَبْلَهُ ( أَخْذُهُ ) أَيْ النَّقْصَ مِنْهُمْ وَإِنْ قَالُوا : كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا جِزْيَةً وَكَذَا هَدِيَّةً حَلَّفَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ كُلَّهُ جِزْيَةٌ .
وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ أَخَذَ كُلًّا بِمَا أَقَرَّ بِهِ

( وَإِذَا عَقَدَهَا ) أَيْ الذِّمَّةَ إمَامٌ مَعَ كُفَّارٍ ( كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَحِلَاهُمْ ) جَمْعُ حِلْيَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا .
فَيَكْتُبُ طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ أَوْ رَبْعَةٌ أَسْمَرُ أَوْ أَخْضَرُ أَوْ أَبْيَضُ ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ أَفْرَقُهُمَا ، أَدْعَجُ الْعَيْنِ أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ ضِدُّهُمَا وَنَحْوُهُمَا لِيَتَمَيَّزَ كُلٌّ عَنْ غَيْرِهِ ( وَ ) كَتَبَ ( دِينَهُمْ ) كَيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ ( وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَكْشِفُ حَالَ مَنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ ) بِبُلُوغٍ أَوْ غِنًى أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِهِ وَيَجْمَعُهُمْ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِاسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ وَأَحْوَطُ ، وَيَكْشِفُ أَيْضًا حَالَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَوْ جُنَّ .
( أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ ) لِيَفْعَلَ مَعَهُ الْإِمَامُ مَا يَلْزَمُهُ .
وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا بَرَاءَةً لِتَكُونَ مَعَهُ حُجَّةً إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا أُجِيبَ .
وَلَا يَصِحُّ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الذِّمِّيِّينَ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ .

( يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَعِرْضٍ وَ ) فِي ( إقَامَةِ حَدٍّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ ( كَزِنًا ) فَمَنْ قَتَلَ وَقَطَعَ طَرَفًا أَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ ، أَوْ قَذَفَ أَوَسَبَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَخَذَ بِذَلِكَ .
وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ بِشَرْطِهِ .
لِحَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهُ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيَّيْنِ قَدْ فَجَرَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا فَرَجَمَهُمَا } ، وَقِيسَ الْبَاقِي ؛ وَلِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ ، وَهَذِهِ أَحْكَامُهُ .
وَ ( لَا ) يُحَدُّونَ ( فِيمَا يُحِلُّونَهُ ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ ( كَخَمْرٍ ) وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ وَنِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ ، لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا وَإِثْمًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ كَمَا يَأْتِي لِتَأَذِّينَا بِهِ

( وَيَلْزَمُهُمْ ) أَيْ أَهْلَ الذِّمَّةِ ( التَّمْيِيزُ عَنَّا بِقُبُورِهِمْ ) تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى ، بِأَنْ لَا يَدْفِنُوا أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَقَابِرِنَا ( وَ ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا ( بِحِلَاهُمْ بِحَذْفِ مُقَدَّمِ رُءُوسِهِمْ ) أَيْ بِأَنْ يَجِزُّوا نَوَاصِيهِمْ ، وَ ( لَا ) يَجْعَلُونَهُ ( كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ ) بِأَنْ يَتَّخِذُوا شَوَابِينَ ( وَأَنْ لَا يَفْرِقُوا شُعُورَهُمْ ) بَلْ تَكُونُ جُمَّةً لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَلِأَنَّ أَهْلَ الْجِزْيَةِ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا كَتَبُوهُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ " أَنْ أَمْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ " رَوَاهُ الْخَلَّالُ ( وَ ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا ( بِكُنَاهُمْ وَبِأَلْقَابِهِمْ فَيُمْنَعُونَ ) مِنْ التَّكَنِّي بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ ( نَحْوُ أَبِي الْقَاسِمِ ) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( وَ ) مِنْ التَّلَقُّبِ بِأَلْقَابِنَا نَحْوُ ( عِزِّ الدِّينِ ) وَشَمْسِ الدِّينِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْكُنَى بِالْكُلِّيَّةِ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لِأَسْقُفَ نَجْرَانَ أَسْلِمْ يَا أَبَا الْحَارِثِ } وَقَالَ عُمَرُ لِنَصْرَانِيٍّ " يَا أَبَا حَسَّانَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ " ( وَ ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا إذَا رَكِبُوا ( بِرُكُوبِهِمْ عَرْضًا ) رِجْلَاهُ إلَى جَانِبٍ وَظَهْرُهُ إلَى جَانِبٍ ( بِإِكَافٍ ) أَيْ بَرْذَعَةِ ( عَلَى غَيْرِ خَيْلٍ ) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ أَنَّ عُمَرَ " أَمَرَ بِجَزِّ نَوَاصِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَنْ يَشِدُّوا الْمَنَاطِقَ وَأَنْ يَرْكَبُوا الْأُكُفَ بِالْعَرْضِ " .
( وَ ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا ( بِلِبَاسِ ثَوْبٍ عَسَلِيٍّ لِيَهُودٍ .
وَ ) لِبَاسِ ثَوْبٍ ( أَدْكَنَ وَهُوَ الْفَاخِتِيِّ ) لَوْنٌ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ ( لِنَصَارَى ) وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا جَمِيعِ الثِّيَابِ ( وَشَدِّ خِرَقٍ بِقَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ .
وَشَدِّ زُنَّارٍ فَوْقَ ثِيَابِ نَصْرَانِيٍّ وَتَحْتَ ثِيَابِ نَصْرَانِيَّةٍ ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : وَيَكْفِي

الْغِيَارُ أَوْ الزُّنَّارُ ( وَيُغَايِرُ نِسَاءُ كُلٍّ ) مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى ( بَيْنَ لَوْنَيْ خُفٍّ ) لِيَمْتَازُوا بِهِ عَنَّا .
وَلَا يُمْنَعُونَ فَاخِرَ الثِّيَابِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَالطَّيْلَسَانَ ؛ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ .
( وَ ) يَلْزَمُهُمْ ( لِدُخُولِ حَمَّامِنَا جَلْجَلٌ أَوْ خَاتَمُ رَصَاصٍ وَنَحْوِهِ ) كَحَدِيدٍ أَوْ طَوْقٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ ( بِرِقَابِهِمْ ) لِيَتَمَيَّزُوا عَنَّا فِي الْحَمَّامِ .
وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ صَلِيبٍ مَكَانَهُ لِمَنْعِهِمْ مِنْ إظْهَارِهِ

( وَيَحْرُمُ قِيَامٌ لَهُمْ ) أَيْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُمْ فَهُوَ كَبُدَاءَتِهِمْ بِالسَّلَامِ ( وَ ) يَحْرُمُ قِيَامٌ ( لِمُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ كَرَافِضِيٍّ وَ ) يَحْرُمُ ( تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ ) لِمَا تَقَدَّمَ .

وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْبَقَاءِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ ، زَادَ جَمَاعَةٌ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ

( وَ ) يَحْرُمُ ( بُدَاءَتُهُمْ بِسَلَامٍ .
وَ ) بُدَاءَتُهُمْ ( بِكَيْفَ أَصْبَحْتَ أَوْ ) كَيْفَ ( أَمْسَيْتَ أَوْ ) كَيْفَ ( أَنْتَ أَوْ ) كَيْفَ ( حَالُك .
وَ ) تَحْرُمُ ( تَهْنِئَتُهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ وَشَهَادَةُ أَعْيَادِهِمْ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَمَا عَدَا السَّلَامَ مِمَّا ذُكِرَ فَفِي مَعْنَاهُ .
و ( وَلَا ) يَحْرُمُ ( بَيْعُنَا لَهُمْ ) أَيْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ ( فِيهَا ) أَيْ أَعْيَادِهِمْ .
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا ( وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ ) لَا يَعْلَمُهُ ذِمِّيًّا ( ثُمَّ عَلِمَهُ ) ذِمِّيًّا .
( سُنَّ قَوْلُهُ ) لَهُ ( رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ كَافِرٌ ، فَقَالَ : رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْت عَلَيْك فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ وَوَلَدَك ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ " فَإِنْ كَانَ مَعَ الذِّمِّيِّ مُسْلِمٌ سَلَّمَ نَاوِيًا الْمُسْلِمَ نَصًّا ( وَإِنْ سَلَّمَ ذِمِّيٌّ ) عَلَى مُسْلِمٍ ( لَزِمَ ) الْمُسْلِمَ ( رَدُّهُ .
فَيُقَالُ ) فِي رَدِّهِ .
( وَ ) عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ بِلَا وَاوٍ وَبِهَا أَوْلَى لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { نُهِينَا أَوْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَزِيدَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى وَعَلَيْكُمْ } .
( وَإِنْ شَمَّتَهُ ) أَيْ الْمُسْلِمَ الْعَاطِسَ ( كَافِرٌ أَجَابَهُ ) الْمُسْلِمُ ب يَهْدِيك اللَّهُ .
وَكَذَا إنْ عَطَسَ الذِّمِّيُّ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى { أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ : يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ ) نَصًّا .
وَإِذَا كَتَبَ لَهُ

كِتَابًا كَتَبَ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى .

فَصْلٌ وَيُمْنَعُونَ أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ وَمِنْ ( ثِقَافٍ وَ ) مِنْ ( رَمْيٍ ) بِنَحْوِ نَبْلٍ ( وَنَحْوِهَا ) كَلَعِبٍ بِرُمْحٍ وَدَبُّوسٍ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى الْحَرْبِ .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَهُمْ ثِيَابًا مَكْتُوبًا عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ .
وَلَا تُعَلَّمُ أَوْلَادُهُمْ الْقُرْآنَ .
وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّمُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

( وَ ) يُمْنَعُونَ مِنْ ( تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ ) وَلَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ( فَقَطْ ) فَلَا يُمْنَعُونَ التَّسْوِيَةَ لِظَاهِرِ مَا يَأْتِي ( عَلَى مُسْلِمٍ ) مُجَاوِرٍ لَهُمْ .
وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقْ ( وَلَوْ رَضِيَ ) جَارُهُمْ الْمُسْلِمُ بِتَعْلِيَةِ بِنَائِهِمْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ أَيْضًا .
وَلِحَقِّ مَنْ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ .
لِحَدِيثِ { الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ } وَلِقَوْلِهِمْ فِي شُرُوطِهِمْ : وَلَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ ( وَيَجِبُ نَقْضُهُ ) أَيْ مَا عَلَا مِنْ بِنَائِهِمْ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِمْ الْمُسْلِمِ إزَالَةً لِعُدْوَانِهِمْ ( وَيَضْمَنُ ) ذِمِّيٌّ عَلَا بِنَاؤُهُ عَلَى بِنَاءِ جَارِهِ الْمُسْلِمِ ( مَا تَلِفَتْ بِهِ ) أَيْ الْبِنَاءِ الْمُعَلَّى ( قَبْلَهُ ) أَيْ النَّقْضِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّعْلِيَةِ لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهَا .
وَ ( لَا ) يُهْدَمُ بِنَاءٌ عَالٍ ( إنْ مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ تَعْلِيَةٌ ( وَلَا يُعَادُ عَالِيًا لَوْ انْهَدَمَ ) مَا مَلَكُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَالِيًّا لِأَنَّهُ بَعْدَ انْهِدَامِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ( وَلَا ) يُنْقَضُ بِنَاؤُهُمْ ( إنْ بَنَى ) مُسْلِمٌ ( دَارًا عِنْدَهُمْ ) فِي مَحَلَّتِهِمْ ( دُونَ بِنَائِهِمْ ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْلُوا بِنَاءَهُمْ عَلَى بِنَائِهِ .
وَإِنْ وُجِدَتْ دَارُ ذِمِّيٍّ أَعْلَى مِنْ دَارِ مُسْلِمٍ بِجِوَارِهَا وَشُكَّ فِي السَّابِقَةِ .
وَقَدْ شُكَّ فِي شَرْطِ جَوَازِهَا

( وَ ) يُمْنَعُونَ ( مِنْ إحْدَاثِ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ ) جَمْعُ بِيعَةٍ ( وَمُجْتَمَعٍ ) أَيْ مَحَلٍّ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ ( لِصَلَاةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ ) فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ ، سَوَاءٌ مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً كَمِصْرٍ وَالشَّامِ .
وَلَا يَصِحُّ صُلْحُهُمْ عَلَى إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِيعَةً ، وَلَا أَنْ يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا وَلَا يَتَّخِذُوا فِيهِ خِنْزِيرًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَاحْتَجَّ بِهِ .
وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ الْمُسْلِمِينَ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا بِنَاءُ مَجَامِعَ لِلْكُفْرِ .
وَمَا وُجِدَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ كَنَائِسَ وَبِيَعٍ حَالَ فَتْحِهَا لَمْ يَجِبْ هَدْمُهُ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَتَحُوا كَثِيرًا مِنْ الْبِلَادِ عَنْوَةً فَلَمْ يَهْدِمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .
وَكَذَا حُكْمُ إحْدَاثِ صَوْمَعَةٍ لِرَاهِبٍ .
لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ { وَأَنْ لَا نُحْدِثَ قِلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةً لِرَاهِبٍ } ( إلَّا إنْ شُرِطَ ) إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ( فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْبَلَدَ الْمَفْتُوحَ صُلْحًا ( لَنَا ) وَنُقِرُّهُ مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْتَحْ إلَّا عَلَى الشَّرْطِ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ .
( وَ ) يُمْنَعُونَ ( مِنْ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ ) مِنْ نَحْوِ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ ( أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا مِنْهَا وَلَوْ ) كَانَ مَا اسْتُهْدِمَ أَوْ هُدِمَ ظُلْمًا مِنْهَا ( كُلُّهَا ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْهَدْمِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ( كَ ) مَا يُمْنَعُونَ مِنْ ( زِيَادَتِهَا ) أَيْ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِيهَا لِمَا لَمْ يَكُنْ ، فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا } وَ ( لَا ) يُمْنَعُونَ ( رَمَّ شُعْثِهَا ) أَيْ الْكَنَائِسَ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا اسْتِدَامَتَهَا فَمَلَكُوا رَمَّ شَعْثِهَا

( وَ ) يُمْنَعُونَ ( مِنْ إظْهَارِ مُنْكَرٍ ) كَنِكَاحِ مَحَارِمَ ( وَ ) إظْهَارِ ( عِيدٍ ) وَإِظْهَارِ ( صَلِيبٍ ) وَإِظْهَارِ ( أَكْلٍ وَشُرْبٍ بِنَهَارِ رَمَضَانَ وَ ) إظْهَارِ ( خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ ) لِأَنَّهُ يُؤْذِينَا وَإِذَا فَعَلُوا ) أَيْ أَظْهَرُوا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا ( أَتْلَفْنَاهُمَا ) إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ ( وَ ) يُمْنَعُونَ ( مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ عَلَى مَيِّتٍ وَ ) مِنْ ( قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَ ) مِنْ ( ضَرْبِ نَاقُوسٍ وَجَهْرٍ بِكِتَابِهِمْ ) لِأَنَّ فِي شُرُوطِهِمْ لِابْنِ غَنْمٍ { وَأَنْ لَا نَضْرِبَ نَاقُوسًا إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا وَلَا نُظْهِرَ عَلَيْهَا أَيْ الْكَنَائِسِ صَلِيبًا وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا فِيمَا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَنْ لَا نُخْرِجَ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا وَأَنْ لَا نُجَاوِرَهُمْ بِالْجَنَائِزِ وَلَا نُظْهِرَ شِرْكًا } وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ إظْهَارُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِرَمَضَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ .
( وَإِنْ صُولِحُوا ) أَيْ الْكُفَّارُ ( فِي بِلَادِهِمْ ) أَيْ مَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ ( عَلَى جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ فِيمَا سَبَقَ لِأَنَّهُمْ فِي بِلَادِهِمْ أَشْبَهُوا أَهْلَ الْحَرْبِ زَمَنَ الْهُدْنَةِ ( وَيُمْنَعُونَ ) أَيْ الْكُفَّارَ ذِمِّيِّينَ أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ ( دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ .
وَإِنَّمَا مُنِعُوا مِنْ الْحَرَمِ دُونَ الْحِجَازِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا .
وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَنَحْوُهُمَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ .
وَلَمْ يُمْنَعُوا الْإِقَامَةَ بِهِ .
وَأَوَّلُ مَنْ أَجْلَاهُمْ مِنْ الْحِجَازِ عُمَرُ ( وَلَوْ بَذَلُوا مَالًا ) صُلْحًا لِدُخُولِ الْحَرَمِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَلَمْ يُمَكَّنُوا ( وَمَا

اسْتَوْفَى مِنْ الدُّخُولِ مَلَكَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَالِ ) الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ دَخَلُوا إلَى انْتِهَاءِ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ مَلَكَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْعِوَضِ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ .

وَ ( لَا ) يُمْنَعُونَ دُخُولَ ( الْمَدِينَةِ ) لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ .
وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْخُرُوجِ ( حَتَّى غَيْرَ مُكَلَّفٍ ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ .
( وَ ) حَتَّى ( رَسُولَهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ فَيُمْنَعُونَ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ لِعُمُومِ الْآيَةِ ( وَيَخْرُجُ ) إمَامٌ ( إلَيْهِ ) أَيْ الرَّسُولِ ( إنْ أَبَى أَدَاءَ ) الرِّسَالَةِ ( إلَّا لَهُ ، وَيُعَزِّرُ مَنْ دَخَلَ ) مِنْهُمْ حَرَمَ مَكَّةَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْمَنْعِ .
وَ ( لَا ) يُعَزَّرُ إنْ دَخَلَ ( جَهْلًا ) لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ ( وَيُخْرَجُ ) وَيُهَدَّدُ ( وَلَوْ ) مَرِيضًا أَوْ ( مَيِّتًا وَيُنْبَشُ إنْ دُفِنَ بِهِ ) أَيْ بِالْحَرَمِ وَيُخْرَجُ مِنْهُ ( مَا لَمْ يَبْلَ ) لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَيًّا فَجِيفَتُهُ أَوْلَى .
وَإِخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ سَهْلٌ مُمْكِنٌ لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَرَمِ بِخِلَافِ إخْرَاجِهِ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ إلَى غَيْرِهَا ، وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَيِّتٌ لِصُعُوبَتِهِ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ ( وَ ) يُمْنَعُونَ ( مِنْ إقَامَةٍ بِالْحِجَازِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ وَفَدَكَ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ ( وَمَخَالِيفِهَا ) أَيْ قُرَاهَا الْمُجْتَمِعَةِ كَالرُّسْتَاقِ وَاحِدُهَا مِخْلَافٌ ، وَسُمِّيَ حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ .
لِحَدِيثِ عُمَرَ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ .
قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَالْمُرَادُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْحِجَازُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجْلُوا مِنْ تَيْمَاءَ وَلَا مِنْ الْيَمَنِ وَلَا مِنْ فَدَكَ

بِفَتْحِ الْفَاءِ .
وَهِيَ قَرْيَةٌ بِشَرْقِيِّ سَلْمَى أَحَدِ جَبَلَيْ طيئ ( وَلَا يَدْخُلُونَهَا ) أَيْ بِلَادَ الْحِجَازِ ( إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ) كَمَا لَا يَدْخُلُ أَهْلُ حَرْبٍ دَارَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيَأْذَنُ لَهُمْ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ .
وَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ يَتَّجِرُونَ إلَى الْمُدُنِ زَمَنَ عُمَرَ ( وَلَا يُقِيمُونَ لِتِجَارَةٍ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) لِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ ( وَيُوَكِّلُونَ فِي ) دَيْنٍ ( مُؤَجَّلٍ ) مَنْ يَقْبِضُهُ لَهُمْ .
( وَيُجْبَرُ مَنْ لَهُمْ عَلَيْهِ ) دَيْنٌ ( حَالٌّ عَلَى وَفَائِهِ ) لَهُمْ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَإِذَا تَعَذَّرَ ) وَفَاؤُهُ لِنَحْوِ مَطْلٍ أَوْ تَغْيِيبٍ ( جَازَتْ إقَامَتُهُمْ لَهُ ) إلَى اسْتِيفَائِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي إخْرَاجِهِمْ قَبْلَهُ ذَهَابٌ لِمَا لَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ تَوْكِيلٌ ( وَمَنْ مَرِضَ ) مِنْ كُفَّارٍ بِالْحِجَازِ ( لَمْ يُخْرَجْ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ ) لِمَشَقَّةِ الِانْتِقَالِ عَلَى الْمَرِيضِ .
فَيَجُوزُ إقَامَتُهُ وَمَنْ يُمَرِّضُهُ ( وَإِنْ مَاتَ ) كَافِرٌ بِالْحِجَازِ ( دُفِنَ فِيهِ ) لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ إقَامَتِهِ لِلْمَرَضِ ( وَلَيْسَ لِكَافِرٍ دُخُولَ مَسْجِدٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ ) فِيهِ ( مُسْلِمٌ ) لِأَنَّ أَبَا مُوسَى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَمَعَهُ كِتَابٌ فِيهِ حِسَابُ عَمَلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ " اُدْعُ الَّذِي كَتَبَهُ لِيَقْرَأَهُ قَالَ : إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَالَ : وَلِمَ لَا يَدْخُلُ ؟ قَالَ : إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ .
وَلِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ يَمْنَعُ اللَّبْثَ بِالْمَسْجِدِ .
فَحَدَثُ الْكُفْرِ أَوْلَى .
وَأَمَّا إنْزَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ بِالْمَسْجِدِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِلْحَاجَةِ

( وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ ) أَيْ الْكَافِرِ ( لِبِنَائِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ

( وَالذِّمِّيُّ ) التَّاجِرُ ( وَلَوْ أُنْثَى صَغِيرَةً ) أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ ( أَوْ كَانَ تَغْلِيبًا إنْ اتَّجَرَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ) وَلَوْ إلَى غَيْرِ الْحِجَازِ ( ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْوَاجِبُ فِيمَا سَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بِلَادِنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ مِمَّا مَعَهُ ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا " وَكَانَ ذَلِكَ بِالْعِرَاقِ وَاشْتُهِرَ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِمَّا مَعَهُمْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ نَصًّا ، وَلَا فِيمَا اتَّجَرُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ ( وَيَمْنَعُهُ ) أَيْ وُجُوبَ نِصْفِ الْعُشْرِ ( دَيْنٌ كَزَكَاةٍ ) فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يُقَابِلُهُ ( إنْ ثَبَتَ ) الدَّيْنُ ( بِبَيِّنَةٍ ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلٌ فِيهِ ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ .
( وَيُصَدَّقُ ) كَافِرٌ تَاجِرٌ ( أَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أَهْلُهُ ) أَيْ زَوْجَتُهُ ( أَوْ ) أَنَّهَا ( بِنْتُهُ وَنَحْوُهُمَا ) كَأُخْتِهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهَا فَلَا تُعَشَّرُ ( وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَعَ حَرْبِيٍّ اتَّجَرَ إلَيْنَا الْعُشْرَ ) سَوَاءٌ عَشَّرُوا أَمْوَالَنَا أَوْ لَا ؛ لِأَخْذِ عُمَرَ مِنْهُمْ وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ .
فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ .
وَ ( لَا ) يُؤْخَذُ عُشْرٌ وَلَا نِصْفُهُ ( مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَعَهُمَا ) أَيْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ .
لِأَنَّ الْعَشَرَةَ مَالٌ يَبْلُغُ وَاجِبُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَوَجَبَ فِيهِ كَالْعِشْرِينِ فِي زَكَاةِ الْمُسْلِمِ ( وَلَا ) يُؤْخَذُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ ( أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كُلَّ عَامٍ ) نَصًّا .
لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ شَيْخًا نَصْرَانِيًّا جَاءَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ " إنَّ عَامِلَك عَشَّرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ ، قَالَ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ :

أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ قَالَ : وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ : أَنْ لَا يُعَشِّرُوا فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً " وَكَالْجِزْيَةِ وَكَالزَّكَاةِ وَمَتَى أُخِذَ مِنْهُمْ كُتِبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ لِتَكُونَ حُجَّةً مَعَهُمْ فَلَا يُعَشَّرُونَ ثَانِيًا .
لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ أُخِذَ مِنْ الزَّائِدِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَشَّرْ ( وَلَا يُعَشِّرُ ثَمَنَ خَمْرٍ وَ ) لَا ( ثَمَنَ خِنْزِيرٍ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ .
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " وَلَهُمْ بَيْعُهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ " حَمَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ

( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( وَمَنْعُ مَنْ يُؤْذِيهِمْ ) مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ .
لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَهْدِ حِفْظَهُمْ .
وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ : " إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا " .
( وَ ) عَلَى الْإِمَامِ ( فَكُّ أَسْرَاهُمْ ) سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَعُونَتِنَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَالدَّفْعِ عَنْهُمْ ( بَعْدَ فَكِّ أَسْرَانَا ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ آكَدُ وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ أَشَدٌّ .
لِأَنَّهُ مُعَرَّضُ لِلْفِتْنَةِ عَنْ دِينِهِ

( وَإِنْ تَحَاكَمُوا ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ ( إلَيْنَا ) بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ ( أَوْ ) تَحَاكَمَ إلَيْنَا ( مُسْتَأْمَنَانِ بِاتِّفَاقِهِمَا أَوْ اسْتَعْدَى ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ آخَرَ ) بِأَنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحْضِرَهُ لَهُ ( فَلَنَا الْحُكْمُ وَالتَّرْكُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ }

( وَيَحْرُمُ إحْضَارُ يَهُودِيٌّ فِي سَبْتِهِ .
وَتَحْرِيمُهُ ) أَيْ السَّبْتِ عَلَى الْيَهُودِ ( بَاقٍ فَيُسْتَثْنَى ) شَرْعًا ( مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ ) لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ { وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ }

( وَيَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ) لِإِنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ ( وَيَلْزَمُهُمْ ) أَيْ أَهْلَ الذِّمَّةِ ( حُكْمُنَا ) فَلَا يَمْلِكُونَ رَدَّهُ وَلَا نَقْضَهُ .
فَيَلْزَمُهُمْ قَبُولُ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ ( وَلَا يُفْسَخُ بَيْعٌ فَاسِدٌ تَقَابَضَاهُ وَلَوْ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمُهُمْ ) لِتَمَامِهِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْنَا أَوْ الْإِسْلَامِ فَأُقِرُّوا عَلَيْهِ كَأَنْكِحَتِهِمْ .
فَإِنْ يَتَقَابَضَاهُ فُسِخَ ، حَكَمَ بِهِ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا ، لِفَسَادِهِ وَعَدَمِ تَمَامِهِ وَحُكْمُ حَاكِمِهِمْ بِهِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
وَكَذَا سَائِرُ حُكْمِ عُقُودِهِمْ وَمُقَاسَمَتِهِمْ .

وَالذِّمِّيُّ إنْ عَامَلَ بِالرِّبَا وَبَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَالْمَالُ بِيَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ مَضَى فِي حَالِ كُفْرِهِ أَشْبَهَ نِكَاحَهُ فِي الْكُفْرِ إذَا أَسْلَمَ

( وَيُمْنَعُونَ ) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ ( مِنْ شِرَاءِ مُصْحَفٍ وَكُتُبِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ ) لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ابْتِذَالَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ .
فَإِنْ فَعَلُوا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّبَايُعِ بِالرِّبَا فِي أَسْوَاقِنَا ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نَقْدِنَا وَمِنْ إظْهَارِ بَيْعِ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ كَشِوَاءٍ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي .

فَصْلٌ وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ لَمْ يُقَرَّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لَمْ يُقَرَّ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ بَاطِلٍ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهِ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّ .
وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أُقِرَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَيُقَرُّ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِذَا أَبَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ) مِنْ الدِّينِ ( أَوْ ) أَبَى ( الْإِسْلَامَ هُدِّدَ وَحُبِسَ وَضُرِبَ ) حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَرْجِعَ إلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَلَا يُقْتَلُ لِلشُّبْهَةِ ( وَإِنْ انْتَقَلَا ) أَيْ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّا .
( أَوْ ) انْتَقَلَ ( مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّ ) لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ دِينِهِ .
أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَدَّ ( وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ ) نَصًّا لِأَنَّ غَيْرَ الْإِسْلَامِ أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ قَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِهَا فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهَا كَالْمُرْتَدِّ ( فَإِنَّ أَبَاهُ ) أَيْ الْإِسْلَامَ ( قُتِلَ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُرْتَدِّ ( وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ ) وَلَوْ مَجُوسِيًّا ( إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ) بِأَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ أُقِرَّ ، لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ يُقِرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَأَعْلَى مِنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَأُقِرَّ ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَصْلَ دِينِهِ ( أَوْ تَمَجَّسَ وَثَنِيٌّ ) أَيْ أَحَدُ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ ( أُقِرَّ ) عَلَى الْمَجُوسِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ تَزَنْدَقَ ذِمِّيٌّ ) بِأَنْ لَمْ يَتَّخِذْ دِينًا مُعَيَّنًا ( لَمْ يُقْتَلْ ) لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ نَصًّا ( وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى خَرَجَ مِنْ دِينِهِ ) أَيْ النَّصْرَانِيَّةِ لِتَكْذِيبِهِ لِنَبِيِّهِ عِيسَى فِي قَوْلِهِ : { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ } ( وَلَمْ يُقَرَّ ) عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَاهُ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا وَ ( لَا )

يَخْرُجُ ( يَهُودِيٌّ ) مِنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ إنْ كَذَّبَ ( بِعِيسَى ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

( وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ أَبَى ) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( بَذْلَ جِزْيَةٍ أَوْ ) أَبَى ( الصَّغَارَ أَوْ ) أَبَى ( الْتِزَامَ أَحْكَامِنَا ) سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِهَا حَاكِمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قِيلَ الصَّغَارُ الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا ( أَوْ قَاتَلَنَا ) مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَهْلِ حَرْبٍ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْقِتَالِ ( أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا ) لِصَيْرُورَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا .
( أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ ) نَصًّا .
لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرَادَ اسْتِكْرَاهَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا فَقَالَ : مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ ؟ فَأُمِرَ بِهِ فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ " ( أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا ) لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمُقْتَضَى الذِّمَّةِ مِنْ أَمْنِ جَانِبِهِ ( أَوْ تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ ( أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ ) ذَكَرَ ( كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ ) أَيْ الْإِسْلَامَ ( أَوْ رَسُولَهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِسُوءٍ وَنَحْوِهِ ) كَقَوْلِهِ لِمَنْ سَمِعَهُ يُؤَذِّنُ : كَذَبْت فَيُقْتَلُ نَصًّا .
لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ " إنَّ رَاهِبًا يَشْتُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ سَمِعْته لَقَتَلْته إنَّا لَمْ نُعْطِ الْأَمَانَ عَلَى هَذَا " ( أَوْ تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ أَوْ فِتْنَةٍ عَنْ دِينِهِ ) لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ قَاتَلَهُمْ وَ ( لَا ) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ ( بِقَذْفِهِ ) أَيْ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا ( وَ ) لَا بِ ( إيذَائِهِ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفِهِ ) نَصًّا لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ ( وَلَا إنْ أَظْهَرَ ) الذِّمِّيُّ ( مُنْكَرًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ ) فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى

الْمُسْلِمِينَ ( وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ ) حَيْثُ انْتَقَضَ عَهْدُهُ نَصًّا ؛ لِوُجُودِ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَهُمْ ، فَاخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ .
وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ غَيْرِ النَّاقِضِ وَلَوْ سَكَتَ .

( وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ ) أَيْ الْمُنْتَقَضِ عَهْدُهُ ( وَلَوْ قَالَ : تُبْت كَأَسِيرِ ) حَرْبٍ بَيْنَ قَتْلٍ وَرِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي دَارِنَا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ وَلَا شُبْهَةِ ذَلِكَ .
أَشْبَهَ اللِّصَّ الْحَرْبِيَّ ( وَمَالُهُ فَيْءٌ ) فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَشَرْحِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً .
وَقَدْ انْتَقَضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ فَكَذَا فِي مَالِهِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَمَانِ ( وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ ) لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ ( إنْ أَسْلَمَ وَلَوْ كَانَ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِعُمُومِ حَدِيثِ { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ } وَأَمَّا قَاذِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ .
وَيَأْتِي فِي الْقَذْفِ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( رِقُّهُ ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ لِأَنَّهُ عَصَمَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامِهِ لِلْخَبَرِ ( لَا إنْ رُقَّ قَبْلَ إسْلَامِهِ ) فَلَا يَزُولُ رِقُّهُ بَلْ يَسْتَمِرُّ .

( وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ ) فَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ دُونَ ذُرِّيَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارٍ وَلَا يَشْتَرِيهِ مُسْلِمٌ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْبَيْعِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَاعِ لِمَدِّ كُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنْ يَدِهِ لِلْآخَرِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً ، أَوْ مِنْ الْمُبَايَعَةِ أَيْ الْمُصَافَحَةِ لِمُصَافَحَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ عِنْدَهُ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ صَفْقَةً ، وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَحَدِيثُ " { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهِ لِتَعَلُّقِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يَبْذُلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُتَوَصَّلُ كُلٌّ بِالْبَيْعِ لِغَرَضِهِ وَدَفْعِ حَاجَتِهِ .
وَهُوَ لُغَةً : دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مُعَوَّضٍ عَنْهُ ، وَشَرْعًا ( مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ ) أَيْ دَفْعُهَا وَأَخْذُ عِوَضِهَا فَلَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَهِيَ كُلُّ جِسْمٍ أُبِيحَ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا ، فَخَرَجَ نَحْوُ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ النَّجِسَةِ وَالْحَشَرَاتِ وَالْكَلْبِ وَلَوْ لِصَيْدٍ ( أَوْ ) مُبَادَلَةُ ( مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا ) بِأَنْ لَا تَخْتَصَّ إبَاحَتُهَا بِحَالٍ دُونَ آخَرَ ، كَمَمَرِّ دَارٍ أَوْ بُقْعَةٍ تُحْفَرُ بِئْرًا ، بِخِلَافِ نَحْوِ جِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ فَلَا يُبَاعُ هُوَ وَلَا نَفْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُطْلَقًا .
بَلْ فِي الْيَابِسَاتِ ( بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَادَلَةٍ ، فَيَشْمَلُ نَحْوَ بَيْعِ كِتَابٍ بِكِتَابٍ أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ أَوْ بَيْعِ نَحْوِ مَمَرٍّ فِي دَارٍ بِكِتَابٍ أَوْ بِمَمَرٍّ فِي دَارٍ أُخْرَى .
( أَوْ ) مُبَادَلَةُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا ( بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ ) مِنْ نَقْدٍ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا مُبَادَلَةُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَيْنٍ مَالِيَّةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ أَوْ بِمَالٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا قُبِضَ أَحَدُهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ ( لِلتَّمَلُّكِ ) احْتِرَازًا عَنْ إعَارَةِ ثَوْبِهِ لِيُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ ( عَلَى التَّأْبِيدِ ) بِأَنْ لَمْ تُقَيَّدْ مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِمُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ

فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ ( غَيْرَ رِبًا وَقَرْضٍ ) وَيَأْتِي حُكْمُهُمَا .

وَأَرْكَانُ الْبَيْعِ ثَلَاثَةٌ : عَاقِدٌ ، وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ ، وَيُعْلَمُ حُكْمُهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ ، وَمَعْقُودٌ بِهِ وَهُوَ الصِّيغَةُ ، وَلَهَا صُورَتَانِ قَوْلِيَّةٌ ، وَبَدَأَ بِهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ فَقَالَ ( وَيَنْعَقِدُ ) الْبَيْعُ إنْ أُرِيدَ حَقِيقَتُهُ بِأَنْ رَغِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ ( لَا ) إنْ وَقَعَ ( هَزْلًا ) بِلَا قَصْدٍ لِحَقِيقَتِهِ ( وَلَا ) إنْ وَقَعَ ( تَلْجِئَةً أَوْ أَمَانَةً وَهُوَ ) أَيْ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ ( إظْهَارُهُ ) أَيْ الْبَيْعُ الَّذِي أَظْهَرَ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ ( لِدَفْعِ ظَالِمٍ ) عَنْ الْبَائِعِ .
( وَلَا يُرَادُ ) الْبَيْعُ ( بَاطِنًا ) فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّقِيَّةُ فَقَطْ ، لِحَدِيثِ " { وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } ( بِإِيجَابٍ ) مُتَعَلِّقٌ ب يَنْعَقِدُ ( كَ ) قَوْلِ بَائِعٍ ( بِعْتُكَ ) كَذَا ( أَوْ مَلَّكْتُكَ ) كَذَا ( أَوْ وَلَّيْتُكَهُ ) أَيْ بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ ( أَوْ أَشْرَكْتُكَ فِيهِ ) فِي بَيْعِ الشَّرِكَةِ وَتَأْتِي صُورَةُ التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ فِي بَابِ الْخِيَارِ ( أَوْ وَهَبْتُكَ ) هـ بِكَذَا ( وَنَحْوُهُ ) ك أَعْطَيْتُكَهُ بِكَذَا وَنَحْوِهِ أَوْ رَضِيتُ بِهِ عِوَضًا عَنْ هَذَا ( وَ ) ب ( قَبُولٍ كَ ) قَوْلِ مُشْتَرٍ ( ابْتَعْتُ ) ذَلِكَ ( أَوْ قَبِلْتُ أَوْ تَمَلَّكْتُهُ أَوْ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ أَخَذْتُهُ وَنَحْوُهُ ) كَ اسْتَبْدِلْتُهُ إذَا كَانَ الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِهِمَا .
( وَصَحَّ تَقَدُّمُ قَبُولٍ ) عَلَى إيجَابٍ ( بِلَفْظِ أَمْرٍ ) كَقَوْلِ مُشْتَرٍ لِبَائِعٍ : بِعْنِي هَذَا بِكَذَا ، فَيَقُولُ لَهُ : بِعْتُكَهُ بِهِ وَنَحْوِهِ ( أَوْ ) بِلَفْظٍ ( مَاضٍ مُجَرَّدٍ عَنْ اسْتِفْهَامٍ وَنَحْوِهِ ) كَ اشْتَرَيْتُ مِنْكِ كَذَا بِكَذَا أَوْ ابْتَعْتُهُ أَوْ أَخَذْتُهُ بِكَذَا فَيَقُولُ : بِعْتُكَ ، أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ ، أَوْ هُوَ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ ، أَوْ إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكَ ، بِخِلَافِ تَبِيعُنِي ، أَوْ بِعْتنِي ، أَوْ لَيْتَك أَوْ لَعَلَّكَ أَوْ عَسَى أَنْ تَبِيعَ لِي كَذَا

بِكَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَبُولٍ وَلَا اسْتِدْعَاءٍ .
( وَ ) صَحَّ ( تَرَاخِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَنْ الْآخَرِ ( وَالْبَيِّعَانِ بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ ) أَيْ الْبَيْعَ ( عُرْفًا ) ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَبْضِ فِيهِ لِمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ ، فَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ إتْمَامِهِ أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْهُ .
فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَا بِالرَّدِّ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فِعْلِيَّةٌ : وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ( وَ ) يَنْعَقِدُ ( بِمُعَاطَاةٍ ) نَصًّا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ وَنَحْوِهِمَا ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَمُبَايَعَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ( كَ أَعْطِنِي بِهَذَا ) الدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ ، ( خُبْزًا فَيُعْطِيهِ ) الْبَائِعُ ( مَا يُرْضِيهِ ) مِنْ الْخُبْزِ مَعَ سُكُوتِهِ ( أَوْ يُسَاوِمُهُ بِثَمَنٍ فَيَقُولُ ) بَائِعُهَا ( خُذْهَا أَوْ ) يَقُولُ ( هِيَ لَكَ أَوْ ) يَقُولُ ( أَعْطَيْتُكهَا أَوْ ) يَقُولُ الْبَائِعُ ( خُذْ هَذِهِ ) السِّلْعَةَ ( بِدِرْهَمٍ ) أَوْ نَحْوِهِ ( فَيَأْخُذُهَا ) مُشْتَرٍ وَيَسْكُتُ .
( أَوْ ) يَقُولُ ( هِيَ لَكَ أَوْ ) يَقُولُ مُشْتَرٍ ( كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ ؟ فَيَقُولُ : كَذَا بِدِرْهَمٍ ، فَيَقُولُ : خُذْهُ أَوْ اتَّزِنْهُ ) فَيَأْخُذُهُ ( أَوْ وَضَعَ ) مُشْتَرٍ ( ثَمَنَهُ ) الْمَعْلُومَ لِمِثْلِهِ ( عَادَةً وَأَخَذَهُ ) أَيْ الْمَوْضُوعَ ثَمَنَهُ ( عَقِبَهُ ) أَيْ عَقِبَ وَضْعِ ثَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا لِلْعُرْفِ ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ " فَيُعْطِيه " وَقَوْلِهِ " فَيَأْخُذُهَا " وَقَوْلِهِ " عَقِبَهُ " اعْتِبَارُ التَّعْقِيبِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ، فَإِنْ تَرَاخَى لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ( وَنَحْوُهُ ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الصُّوَرِ ( مِمَّا يَدُلُّ

عَلَى بَيْعٍ وَشِرَاءٍ ) عَادَةً وَكَذَا نَحْوُ هِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ ، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اسْتِعْمَالُ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ فِيهَا ، وَلَا أَمَرُوا بِهِ وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ

( فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ ) أَيْ الْبَيْعِ ( سَبْعَةٌ ) أَحَدُهَا ( الرِّضَا ) بِأَنْ يَتَبَايَعَا اخْتِيَارًا فَلَا يَصِحُّ إنْ أُكْرِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا ، لِحَدِيثِ " { إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ } ( إلَّا مِنْ مُكْرَهٍ بِحَقٍّ ) كَمَنْ أَكْرَهَهُ حَاكِمٌ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ ، فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ كَإِسْلَامٍ

الشَّرْطُ ( الثَّانِي : الرُّشْدُ ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ أَيْ حُرًّا مُكَلَّفًا رَشِيدًا ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ مُطْلَقًا وَلَا مِنْ صَغِيرٍ وَسَفِيهٍ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الرِّضَا ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الرُّشْدُ كَالْإِقْرَارِ ( إلَّا فِي ) شَيْءٍ ( يَسِيرٍ ) كَرَغِيفٍ أَوْ حُزْمَةِ بَقْلٍ وَنَحْوِهِمَا ، فَيَصِحُّ مِنْ قِنٍّ وَصَغِيرٍ وَلَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمْ لِخَوْفِ ضَيَاعِ الْمَالِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْيَسِيرِ ( وَ ) إلَّا ( إذَا أَذِنَ لِمُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ وَلِيُّهُمَا ) فَيَصِحُّ وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } ( وَيَحْرُمُ ) إذْنُ وَلِيٍّ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا ( بِلَا مَصْلَحَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ ( أَوْ ) أَذِنَ ( لِقِنٍّ سَيِّدٌ ) فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِزَوَالِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ لَهُ .
وَفِي التَّنْقِيحِ : يَصِحُّ مِنْ الْقِنِّ قَبُولُ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ نَصًّا وَيَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ .
وَفِي شَرْحِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ انْتَهَى .
وَفِيهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ مَحْضٌ فَهُوَ كَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ

الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ : كَوْنُ الْمَبِيعِ ) أَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا كَانَ أَوْ مُثَمَّنًا ( مَالًا ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُقَابَلُ بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَالُ شَرْعًا ( مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا ) أَيْ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ ( أَوْ ) يُبَاحُ ( اقْتِنَاؤُهُ بِلَا حَاجَةٍ ) فَخَرَجَ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْحَشَرَاتِ وَمَا فِيهِ نَفْعٌ مُحَرَّمٌ كَخَمْرٍ ، وَمَا لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ كَالْمَيْتَةِ ، وَمَا لَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ كَالْكَلْبِ ( كَبَغْلٍ وَحِمَارٍ ) لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا وَتَبَايُعِهِمَا فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ( وَ ) كَ ( طَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ ) كَهَزَارٍ وَبَبَّغَاءَ وَنَحْوِهِمَا ( وَ ) كَ ( دُودِ قَزٍّ وَبَزَرِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْحَرِيرُ الَّذِي هُوَ أَفْخَرُ الْمَلَابِسِ بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا ( وَ ) كَ ( نَحْلٍ مُنْفَرِدٍ ) عَنْ كَوَارَتِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي إذَا شَاهَدَهَا مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْكَافِي صِحَّةُ بَيْعِهِ طَائِرًا .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَهُوَ أَصَحُّ لَكِنْ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْخَامِسِ طَرِيقَةُ الْمُغْنِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ هُنَاكَ ( أَوْ ) نَحْلٌ ( مَعَ كَوَارَتِهِ ) خَارِجًا عَنْهَا ( أَوْ ) نَحْلٌ مَعَ كَوَارَتِهِ ( فِيهَا إذَا شُوهِدَ دَاخِلُهَا إلَيْهَا ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ بِذَلِكَ ، وَيَدْخُلُ مَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ تَبَعًا كَأَسَاسَاتِ حِيطَانٍ ، فَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ دَاخِلًا إلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ ، فَلَا يَكْفِي فَتْحُ رَأْسِهَا وَمُشَاهَدَتُهُ فِيهَا ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( كِوَارَاتٍ بِمَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَنَحْلٍ ) لِلْجَهَالَةِ ( وَكَهِرٍّ ) فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ " { أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا } " وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ الْمِلْكُ ( وَ ) كَ ( فِيلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ ، أَشْبَهَ الْبَغْلَ ( وَمَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ ) تُجْعَلُ (

شَبَاشًا ) أَيْ تُخَاطُ عَيْنَاهَا وَتَرْبِطُ لِيَنْزِلَ عَلَيْهَا الطَّيْرُ .
( أَوْ ) يُصَادُ ( بِهِ كَدِيدَانٍ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ ) تَصْلُحُ لِصَيْدٍ كَفُهُودٍ ( وَ ) سِبَاعِ ( طَيْرٍ تَصْلُحُ لِصَيْدٍ ) كَبَازٍ وَصَقْرٍ ( وَوَلَدِهَا وَفَرْخِهَا وَبَيْضِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ ( إلَّا الْكَلْبَ ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ ( وَكَقِرْدٍ لِحِفْظٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ ( وَكَعَلَقٍ لِمَصِّ دَمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ ( وَ ) كَ ( لَبَنِ آدَمِيَّةٍ ) انْفَصَلَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ ، بِخِلَافِ لَبَنِ الرَّجُلِ ( وَيُكْرَهُ ) بَيْعُهُ نَصًّا ( وَ ) كَ ( قِنٍّ مُرْتَدٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولَ التَّوْبَةِ فَرُبَّمَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ ( وَ ) كَقِنٍّ ( مَرِيضٍ ) وَلَوْ خَشِيَ مَوْتَهُ ( وَ ) كَقِنٍّ جَانٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ كَالدَّيْنِ ( وَ ) كَ ( قِنٍّ قَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ ) تَحَتَّمَ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إلَى قَتْلِهِ أَوْ يُعْتِقُهُ فَيَنَالُ أَجْرَهُ أَوْ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ .
وَ ( لَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ بَيْعِهِ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ( وَلَا ) بَيْعُ ( مَيْتَةٍ وَلَوْ طَاهِرَةً ) كَمَيْتَةِ آدَمِيٍّ لِعَدَمِ حُصُولِ النَّفْعِ بِهَا ( إلَّا سَمَكًا وَجَرَادًا وَنَحْوَهُمَا ) مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِيهِ لِحِلِّ مَيْتَتِهَا ( وَلَا ) بَيْعُ ( سِرْجِينٍ نَجَسٍ ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَجَاسَتِهِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : صِحَّةُ بَيْعِ سِرْجِينٍ طَاهِرٍ كَرَوْثِ حَمَامٍ ( وَلَا ) بَيْعُ ( دُهْنٍ نَجَسٍ ) كَشَحْمِ مَيْتَةٍ ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا ( أَوْ ) دُهْنٍ ( مُتَنَجِّسٍ ) كَزَيْتٍ أَوْ شَيْرَجٍ لَاقَتُهُ نَجَاسَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِغَسْلٍ ، أَشْبَهَ نَجِسَ الْعَيْنِ ( وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْبِحَ بِ ) دُهْنٍ ( مُتَنَجِّسٍ فِي

غَيْرِ مَسْجِدٍ ) كَالِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ فِي يَابِسٍ

( وَحَرُمَ بَيْعُ مُصْحَفٍ ) وَفِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُبَاحُ مُطْلَقًا ، لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِذَالِهِ وَتَرْكِ تَعْظِيمِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِمُسْلِمٍ ( وَلَا يَصِحُّ ) بَيْعُهُ ( لِكَافِرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ فَتَمَلُّكُهُ أَوْلَى ( وَإِنْ مَلَكَهُ ) أَيْ الْمُصْحَفَ كَافِرٌ ( بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ لِنَحْوِ عَيْبٍ ( أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ ) لِئَلَّا يَمْتَهِنَهُ ، وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّفَرِ بِالْمُصْحَفِ لِأَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَبْقَى بِيَدِ كَافِرٍ ( وَلَا يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ( اسْتِنْقَاذًا ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ لَهُ مِنْ تَبْذِيلِهِ ( وَ ) لَا ( إبْدَالُهُ لِمُسْلِمٍ ) بِمُصْحَفٍ وَلَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مِنْ أَحَدِهِمَا ( وَيَجُوزُ نَسْخُهُ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ( بِأُجْرَةٍ ) حَتَّى مِنْ كَافِرٍ وَمُحْدِثٍ بِلَا حَمْلٍ وَلَا مَسٍّ

( وَيَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ الزَّنْدَقَةِ وَنَحْوهَا ) كَكُتُبِ الْمُبْتَدَعَةِ ( لِيُتْلِفَهَا ) لِمَا فِيهَا مِنْ مَالِيَّةِ الْوَرَقِ وَتَعُودُ وَرَقًا مُنْتَفَعًا بِهِ بِالْمُعَالَجَةِ

وَ ( لَا ) يَصِحُّ شِرَاءُ ( خَمْرٍ لِيُرِيقَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا وَلَا آلَةِ لَهْوٍ وَنَحْوِ صَنَمٍ وَتِرْيَاقٍ فِيهِ لُحُومُ حَيَّاتٍ وَسُمُّ الْأَفَاعِي ، بِخِلَافِ نَحْوِ سَقَمُونْيَا

الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ ) الْمَبِيعُ ( مَمْلُوكًا لَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ مِلْكًا تَامًّا ( حَتَّى الْأَسِيرَ ) بِأَرْضِ الْعَدُوِّ إذَا بَاعَ مِلْكَهُ عَلَيْهِ ( أَوْ ) يَكُونَ الْبَائِعُ ( مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ ) أَيْ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ مِنْ الشَّارِعِ كَالْوَكِيلِ وَوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ ( وَقْتَ عَقْدِ ) الْبَيْعِ ( وَلَوْ ظَنَّا ) أَيْ الْمَالِكُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ ( عَدَمَهُمَا ) أَيْ الْمِلْكِ أَوْ الْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ كَأَنْ بَاعَ مَا وَرِثَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ ، أَوْ وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَبَاعَهُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ

( فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ فُضُولِيٍّ ) بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( وَلَوْ أُجِيزَ ) تَصَرُّفُهُ ( بَعْدَ ) وُقُوعِهِ ( إلَّا إنْ اشْتَرَى ) الْفُضُولِيُّ ( فِي ذِمَّتِهِ وَنَوَى ) الشِّرَاءَ ( لِشَخْصٍ لَمْ يُسَمِّهِ ) فَيَصِحُّ سَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَابِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ ، فَإِنْ سَمَّاهُ أَوْ اشْتَرَى لِلْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ ( ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ ) أَيْ الشِّرَاءَ ( مَنْ اشْتَرَى لَهُ مِلْكَهُ مِنْ حِينِ اشْتَرَى ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِأَجْلِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَتَكُونُ مَنَافِعُهُ وَنَمَاؤُهُ لَهُ ( وَإِلَّا ) يُجِزْهُ مَنْ اشْتَرَى لَهُ ( وَقَعَ ) الشِّرَاءُ ( لِمُشْتَرٍ وَلَزِمَهُ ) حُكْمُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ عَرْضِهِ عَلَى مَنْ اشْتَرَى لَهُ

( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا ) أَيْ مَالٍ ( لَا يَمْلِكُهُ ) الْبَائِعُ وَلَا إذْنَ لَهُ فِيهِ لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا " { لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( إلَّا مَوْصُوفًا ) بِصِفَاتِ سَلَمٍ ( لَمْ يُعَيَّنْ ) فَيَصِحُّ لِقَبُولِ ذِمَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ ( إذَا قَبَضَ ) الْمَبِيعَ ( أَوْ ) قَبَضَ ( ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ ) فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدَهُمَا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ ، وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( بِلَفْظِ سَلَفٍ أَوْ سَلَمٍ ) وَلَوْ قَبَضَ ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ وَلَا يَصِحُّ حَالًّا ( وَالْمَوْصُوفُ الْمُعَيَّنُ كَبِعْتُك عَبْدِي فُلَانًا وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ ) بِكَذَا فَيَصِحُّ وَ ( يَجُوزُ التَّصَرُّفُ ) فِيهِ ( قَبْلَ قَبْضٍ ) لَهُ أَوْ لِثَمَنِهِ ( كَ ) مَبِيعٍ حَاضِرٍ بِالْمَجْلِسِ ، كَأَمَةٍ مَلْفُوفَةٍ بِيعَتْ بِالصِّفَةِ

( وَيَنْفَسِخُ عَقْدٌ عَلَيْهِ بِرِدِّةٍ لِفَقْدِ صِفَةٍ ) مِنْ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهِ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ ، بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ ، فَلَهُ رَدُّهُ وَطَلَبُ بَدَلِهِ ( وَ ) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ مُعَيَّنٍ ( تَلِفَ قَبْلَ قَبْضٍ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ كَ ) مَزَارِعِ ( مِصْرَ وَالشَّامِ وَكَذَا الْعِرَاقُ ) ؛ لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ أُقِرَّتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا بِالْخَرَاجِ كَمَا تَقَدَّمَ ( غَيْرَ الْحِيرَةِ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ مَدِينَةٌ قُرْبَ الْكُوفَةِ ( وَ ) غَيْرَ ( أُلَّيْسَ ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَفْتُوحَةً بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَدِينَةٌ بِالْجَزِيرَةِ ( وَ ) غَيْرَ ( بَانِقْيَا ) بِالْمُوَحَّدَةِ أَوَّلُهُ وَكَسْرُ النُّونِ ( وَ ) غَيْرَ ( أَرْضِ بَنِي صَلُوبَا ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ ؛ لِفَتْحِ هَذِهِ الْقُرَى صُلْحًا ( إلَّا الْمَسَاكِنَ ) وَلَوْ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً فَيَصِحُّ بَيْعُهَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ ، وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ ، وَكَفَرَسٍ مُتَجَرِّدٍ .
( وَ ) إلَّا ( إذَا بَاعَهَا ) أَيْ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً ( الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ ) كَاحْتِيَاجِهَا لِعِمَارَةٍ وَلَا يَعْمُرُهَا إلَّا مَنْ يَشْتَرِيهَا ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِهِ ( أَوْ ) إلَّا إذَا بَاعَهَا ( غَيْرُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( وَحَكَمَ بِهِ ) أَيْ الْبَيْعِ ( مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَنُفِّذَ كَسَائِرِ مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ ( وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا ) أَيْ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّتَهَا ، لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا وَالْمُسْتَأْجِرُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ ،

وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( بَيْعُ ) رِبَاعِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ ( وَلَا إجَارَةُ رِبَاعِ مَكَّةَ وَ ) لَا رِبَاعِ ( الْحَرَمِ ، وَهِيَ ) أَيْ الرِّبَاعُ ( الْمَنَازِلُ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي مَكَّةَ : لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُكْرَى بُيُوتُهَا } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا قَالَ : " { مَكَّةُ حَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا ، حَرَامٌ إجَارَتُهَا } رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَرَوَى " { أَنَّهَا كَانَتْ تُدْعَى السَّوَائِبَ عَلَى عَهْدِهِ } صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَكَرَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ ( لِفَتْحِهَا عَنْوَةً ) وَلَمْ تُقَسَّمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَصَارَتْ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَبِقَاعِ الْمَنَاسِكِ ، وَدَلِيلُ فَتْحِهَا عَنْوَةً : خَبَرُ أُمِّ هَانِئٍ فِي أَمَانِ حَمَوَيْهَا ، وَتَقَدَّمَ ، { وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ .
فَقُتِلَ مِنْهُمْ ابْنُ خَطَلٍ وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ } ، فَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يَأْثَمْ بِدَفْعِهَا لِلْحَاجَةِ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( مَاءٍ عِدٍّ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ ( كَ ) مَاءِ ( عَيْنٍ وَنَقْعِ بِئْرٍ ) لِحَدِيثِ " { الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ } " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ وَيَصِحُّ بَيْعُ مَاءِ الْمَصَانِعِ الْمُعَدِّ لِمِيَاهِ الْأَمْطَارِ وَنَحْوِهَا إنْ عُلِمَ ، لِمِلْكِهِ بِالْحُصُولِ فِيهَا

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( مَا فِي مَعْدِنٍ جَارٍ ) إذَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ غَيْرُهُ ( كَقَارٍ وَمِلْحٍ وَنِفْطٍ ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُمُّ فَلَمْ يُمْلَكْ ، كَالْمَاءِ الْعِدِّ ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا مُلِكَ بِمِلْكِ الْأَرْضِ وَيَأْتِي

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( نَابِتٍ مِنْ كَلَإٍ وَشَوْكٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ ) كَطَائِرٍ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ وَسَمَكٍ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ بِأَرْضٍ ( مَا لَمْ يَحُزْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْحَوْزِ ( فَلَا يَدْخُلُ ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( فِي بَيْعِ أَرْضٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُحَازَ ( وَمُشْتَرِيهَا ) أَيْ الْأَرْضِ ( أَحَقُّ بِهِ ) أَيْ بِمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ ذَلِكَ ، لِكَوْنِهِ فِي أَرْضِهِ ( وَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ ) بِحَوْزِهِ ( وَيَحْرُمُ دُخُولٌ لِأَجْلِ ) أَخْذِ ( ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ إنْ حُوِّطَتْ ) الْأَرْضُ لِتَعَدِّيهِ ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مِلْكِهِ بِالْحَوْزِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُحَوَّطْ ( جَازَ ) دُخُولُهُ لِأَخْذِهِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ ( بِلَا ضَرَرٍ ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ .
فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالدُّخُولِ حَرُمَ ( وَحَرُمَ ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ( مَنْعُ مُسْتَأْذِنٍ ) فِي دُخُولٍ ( إنْ لَمْ يَحْصُلْ ) مِنْهُ ( ضَرَرٌ ) بِدُخُولِهِ ، لِلْخَبَرِ ( وَطُلُولٌ ) بِأَرْضٍ ( تُجْنَى مِنْهُ النَّحْلُ كَكَلَإٍ ) فِي الْحُكْمِ ( وَأَوْلَى ) بِالْإِبَاحَةِ مِنْ الْكَلَإِ ( وَنَخْلُ رَبِّ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِهِ ) أَيْ يَطُلْ فِي أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ

الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ : الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ، وَكَذَا الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ .
لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالْمَعْدُومِ .
( فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ) قِنٍّ ( آبِقٍ ) لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ ( وَ ) لَا نَحْوِ جَمَلٍ ( شَارِدٍ ) عُلِمَ مَكَانُهُ أَوْ لَا ، لِحَدِيثِ سلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } " وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : بِمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ ( وَلَوْ ) كَانَ بَيْعُ آبِقٍ وَشَارِدٍ ( لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَوَهُّمٍ لَا يُنَافِي تَحَقُّقَ عَدَمِهِ وَلَا ظَنَّهُ ، بِخِلَافِ ظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ مَغْصُوبٍ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( سَمَكٍ بِمَاءٍ ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ( إلَّا ) سَمَكًا ( مَرْئِيًّا ) لِصَفَاءِ الْمَاءِ ( ب ) مَاءٍ ( مَحُوزٍ يَسْهُلُ أَخْذُهُ مِنْهُ ) كَحَوْضٍ فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ بِطِسْتٍ ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ بِحَيْثُ يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحُوزًا كَمُتَّصِلٍ بِنَهْرٍ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( طَائِرٍ يَصْعُبُ أَخْذُهُ ) وَلَوْ أَلِفَ الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ( إلَّا ) إذَا كَانَ ( بِ ) مَكَان ( مُغْلَقٍ .
وَلَوْ طَالَ زَمَنُهُ ) أَيْ الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( مَغْصُوبٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا لِغَاصِبِهِ ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ ( أَوْ ) ل ( قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْمَغْصُوبِ لِظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ ( الْفَسْخُ إنْ عَجَزَ ) عَنْ تَحْصِيلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ إزَالَةً لِضَرَرِهِ

الشَّرْطُ ( السَّادِسُ : مَعْرِفَةُ مَبِيعٍ ) ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِهِ غَرَرٌ ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ كَالسَّلَمِ ، وقَوْله تَعَالَى " { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا عُلِمَ الْمَبِيعُ .
وَحَدِيثُ " { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ : إذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَتَرْكِهِ ( بِرُؤْيَةِ مُتَعَاقِدَيْنِ ) بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ : رُؤْيَةً يُعْرَفُ بِهَا الْمَبِيعُ ( مُقَارِنَةً ) رُؤْيَتُهُ لِلْعَقْدِ ، بِأَنْ لَا تَتَأَخَّرَ عَنْهُ ( لِجَمِيعِهِ ) أَيْ الْبَيْعِ ، مُتَعَلِّقٌ بِرُؤْيَةٍ ، كَوَجْهَيْ ثَوْبٍ مَنْقُوشٍ ( أَوْ ) بِرُؤْيَةٍ ل ( بَعْضِ ) مَبِيعٍ ( يَدُلُّ ) بَعْضُهُ ( عَلَى بَقِيَّتِهِ كَ ) رُؤْيَةِ ( أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ غَيْرِ مَنْقُوشٍ ) وَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَوَجْهِ الرَّقِيقِ ، وَمَا فِي ظُرُوفٍ وَأَعْدَالٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ وَنَحْوِهَا ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ بِذَلِكَ

( فَلَا يَصِحُّ ) الْبَيْعُ ( إنْ سَبَقَتْ ) الرُّؤْيَةُ ( الْعَقْدَ بِزَمَنٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ ) الْمَبِيعُ ظَاهِرًا ( وَلَوْ ) كَانَ التَّغَيُّرُ فِيهِ ( شَكًّا ) بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يُشَكُّ فِي تَغَيُّرِهِ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا فِيهِ ، فَلَا يَصِحُّ ، لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ شَرْطِهِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، فَإِنْ سَبَقَتْ الْعَقْدَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ عَادَةً تَغَيُّرًا ظَاهِرًا صَحَّ الْبَيْعُ ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ ، وَلَا حَدَّ لِذَلِكَ الزَّمَنِ ، إذْ الْمَبِيعُ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ تَغَيُّرُهُ وَمَا يَتَبَاعَدُ وَمَا يَتَوَسَّطُ ، فَيُعْتَبَرُ كُلٌّ بِحَسَبِهِ

( وَلَا ) يَصِحُّ الْبَيْعُ ( إنْ قَالَ : بِعْتُكَ هَذَا الْبَغْلَ ، فَبَانَ فَرَسًا وَنَحْوَهُ ) كَهَذِهِ النَّاقَةِ ، فَتَبِينُ جَمَلًا ، لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلَا بَيْعَ الْأُنْمُوذَجِ ، بِأَنْ يُرِيَهُ صَاعًا وَيَبِيعَهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِثْلُهُ ( وَكَرُؤْيَتِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( مَعْرِفَتُهُ بِلَمْسٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ ) فِيمَا يُعْرَفُ بِهَذِهِ ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ ( أَوْ ) مَعْرِفَةِ مَبِيعٍ ب ( وَصْفٍ مَا ) أَيْ مَبِيعٍ ( يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ بِمَا ) أَيْ وَصْفٍ ( يَكْفِي فِيهِ ) أَيْ السَّلَمِ ، بِأَنْ يَذْكُرَ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ غَالِبًا ، وَيَأْتِي فِي السَّلَمِ ، لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ ، فَالْبَيْعُ بِالْوَصْفِ مَخْصُوصٌ بِمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ ، وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ الْوَصْفِ عَلَى الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ كَتَقَدُّمِ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ

( فَيَصِحُّ بَيْعُ أَعْمَى وَشِرَاؤُهُ ) فِيمَا يُعْرَفُ بِلَمْسٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ وَصْفٍ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ ( كَ ) مَا يَصِحُّ ( تَوْكِيلُهُ ) فِي بَيْعٍ وَشِرَاءِ مُطْلَقًا ( ثُمَّ إنْ وَجَدَ ) مُشْتَرٍ ( مَا وُصِفَ ) لَهُ ( أَوْ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ ) الْعَقْدَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْمَبِيعُ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا ( مُتَغَيِّرًا فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبِهِ ( وَيَحْلِفُ ) مُشْتَرٍ ( إنْ اخْتَلَفَا ) فِي نَقْصِهِ صِفَةً أَوْ تَغَيُّرِهِ عَمَّا كَانَ رَآهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ( وَ ) هُوَ عَلَى التَّرَاخِي ف ( لَا يَسْقُطُ ) خِيَارُهُ ( إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا ) مِنْ مُشْتَرٍ بِنَقْصِ صِفَتِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ ( مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ ) كَوَطْءِ أَمَةٍ بِيعَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ الْعِلْمِ ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ .

وَ ( لَا ) يَسْقُطُ خِيَارٌ ( بِرُكُوبِ دَابَّةٍ ) مَبِيعَةٍ ( بِطَرِيقِ رَدِّهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنَّقْصِ أَوْ التَّغَيُّرِ ( وَإِنْ أَسْقَطَ ) مُشْتَرٍ ( حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ ) بِنَقْصِ صِفَةٍ شُرِطَتْ ، أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ ( فَلَا أَرْشَ ) لَهُ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا يُعْتَاضُ عَنْهَا وَكَالْمُسْلَمِ فِيهِ

( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَمْلٍ بِبَطْنٍ ) إجْمَاعًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْجَهَالَةِ بِهِ ، إذْ لَا تُعْلَمُ صِفَاتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ } قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : الْمَجْرُ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ ، وَالْمَجْرُ الرِّبَا ، وَالْمَجْرُ الْقِمَارُ ، وَالْمَجْرُ الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أَمَةٍ حَامِلٍ وَمَا فِي بَطْنِهَا ( وَلَا ) بَيْعُ ( لَبَنٍ بِضَرْعٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ ، أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ } رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَلِجَهَالَةِ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ ، أَشْبَهَ الْحَمْلَ .
فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ لَبَنٍ ( وَ ) لَا بَيْعُ ( نَوًى بِتَمْرٍ ) أَيْ فِيهِ ، كَبَيْضٍ فِي طَيْرٍ ( وَ ) لَا بَيْعُ ( صُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ ) لِلْخَبَرِ ( إلَّا ) إذَا بِيعَ الْحَمْلُ أَوْ النَّوَى أَوْ اللَّبَنُ أَوْ الصُّوفُ ( تَبَعًا ) لِلْحَامِلِ وَذَاتِ اللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَذَوَاتِ الصُّوفِ فَيَصِحُّ .
كَبَيْعِ شَاةٍ حَامِلٍ ذَاتِ لَبَنٍ وَصُوفٍ ، وَتَمْرٍ فِيهِ نَوًى ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّبَعِيَّةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ ، وَكَذَا بَيْعُ دَارٍ يَدْخُلُ فِيهَا أَسَاسَاتُ الْحِيطَانِ ، لَكِنْ إنْ بَاعَهُ أَمَةً حَامِلًا وَلَمْ يَتَّحِدْ مَالِكُ الْأَمَةِ وَالْحَمْلِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ، ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ فِي شَرْحِهِ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( عَسْبِ فَحْلٍ ) ضِرَابِهِ ، لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ } قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ ، وَهِيَ الْأَجِنَّةُ ، وَالْمَضَامِينُ : مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( مِسْكٍ فِي فَأْرَتِهِ ) أَيْ نَافِجَتِهِ مَا لَمْ تُفْتَحْ وَيُشَاهَدْ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَلُؤْلُؤٍ فِي صَدَفٍ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( لِفْتٍ وَنَحْوِهِ ) كَفُجْلٍ وَجَزَرٍ ( قَبْلَ قَلْعٍ ) نَصًّا ، لِجَهَالَةِ مَا يُرَادُ مِنْهُ

( وَلَا ) بَيْعُ ( ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ ) وَلَوْ تَامَّ النَّسْجِ ، قَالَ فِي شَرْحِهِ : حَيْثُ لَمْ يُرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهِ ( أَوْ ) ثَوْبٍ ( نُسِجَ بَعْضُهُ عَلَى أَنْ يُنْسَجَ بَقِيَّتَهُ ) وَلَوْ مَنْشُورًا لِلْجَهَالَةِ ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمَنْسُوجُ وَسَدَى الْبَاقِي وَلُحْمَتَهُ وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ إتْمَامَ نَسْجِهِ صَحَّ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ

( وَلَا ) بَيْعُ ( عَطَاءٍ ) أَيْ قِسْطِهِ مِنْ دِيوَانٍ ( قَبْلَ قَبْضِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُغَيَّبٌ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ( وَلَا ) بَيْعُ ( رُقْعَةٍ بِهِ ) أَيْ الْعَطَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ دُونَهَا

( وَلَا ) بَيْعُ ( مَعْدِنٍ وَحِجَارَتِهِ ) قَبْلَ حَوْزِهِ إنْ كَانَ جَارِيًا لِمَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا إنْ جَامِدًا وَجَهِلَ ( وَ ) لَا يَصِحُّ ( سَلَفٌ فِيهِ ) أَيْ الْمَعْدِنِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا فِيهِ ، فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ

( وَلَا ) بَيْعُ ( مُلَامَسَةٍ ، كَبِعْتُك ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّكَ مَتَى لَمَسْتَهُ ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا ( أَوْ ) عَلَى أَنَّكَ ( إنْ لَمَسْتَهُ ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ( أَوْ أَيْ ثَوْبٍ لَمَسْتَهُ فَ ) هُوَ ( عَلَيْكَ بِكَذَا ) لِوُرُودِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ ( وَلَا ) بَيْعُ ( مُنَابَذَةٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " { نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ } ( كَ ) قَوْلِهِ ( مَتَى ) نَبَذْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَعَلَيْكَ بِكَذَا ( أَوْ إنْ نَبَذْتَ ) أَيْ طَرَحْتَ ( هَذَا ) الثَّوْبَ أَوْ نَحْوَهُ فَلَكَ بِكَذَا ( أَوْ أَيَّ ثَوْبٍ نَبَذْتُهُ فَلَكَ بِكَذَا ) فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ أَوْ التَّعْلِيقِ

( وَلَا ) يَصِحُّ ( بَيْعُ الْحَصَاةِ ، كَارْمِهَا فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَ ) هُوَ ( لَكَ بِكَذَا ، أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قَدْرَ مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْحَصَاةُ إذَا رَمَيْتهَا بِكَذَا ) أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى رَمَيْتُ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَتَعْلِيقِ الْبَيْعِ ، و لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ } "

( وَلَا ) يَصِحُّ ( بَيْعُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ ، كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ ، وَ ) كَ ( شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ ، وَ ) كَ ( شَجَرَةٍ مِنْ بُسْتَانٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ ( وَلَوْ تَسَاوَتْ قِيَمُهُمْ ) أَيْ الْعَبِيدِ وَالشِّيَاهِ وَالْأَشْجَارِ ( وَلَا ) بَيْعُ ( الْجَمِيعِ إلَّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ) بِأَنْ بَاعَ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، أَوْ الْقَطِيعَ إلَّا شَاةً مُبْهَمَةً ، أَوْ الشَّجَرَ إلَّا وَاحِدَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا ، وَقَدْ " نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ " فَإِنْ عُيِّنَ الْمُسْتَثْنَى صَحَّ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ ( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا إلَّا مَا ) أَيْ قَدْرًا مِنْ الْمَبِيعِ ( يُسَاوِي دِرْهَمًا ) لِجَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى ( وَيَصِحُّ ) بَيْعُ شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا ( إلَّا بِقَدْرِ دِرْهَمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلْعُشْرِ وَهُوَ مَعْلُومٌ .

( وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا شُوهِدَ مِنْ حَيَوَانٍ ) كَقَطِيعٍ يُشَاهَدُ كُلُّهُ ( وَ ) بَيْعُ مَا شُوهِدَ ( مِنْ ثِيَابٍ ) مُعَلَّقَةٍ أَوْ لَا وَنَحْوِهَا ( وَإِنْ جَهِلَا ) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ ( عَدَدَهُ ) أَيْ الْمَبِيعِ الْمُشَاهَدِ بِالرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْرِفَتُهُ لَا مَعْرِفَةُ عَدَدِهِ

( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ أَمَةٍ ( حَامِلٍ بِحُرٍّ ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ ، وَجَهَالَةُ الْحَمْلِ لَا تَضُرُّ ، وَقَدْ يُسْتَثْنَى بِالشَّرْعِ مَا لَا يُسْتَثْنَى بِاللَّفْظِ ، كَبَيْعِ أَمَةٍ مُزَوَّجَةٍ ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ مُسْتَثْنَاةُ بِالشَّرْعِ ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاللَّفْظِ

( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ ) كَبَيْضٍ وَرُمَّانٍ ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهِ ، كَذَلِكَ لِفَسَادِهِ إذَا أُخْرِجَ مِنْ قِشْرِهِ ( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( بَاقِلَّا ) وَحِمْصٍ ( وَ ) بَيْعُ ( جَوْزٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهِ ) كَفُسْتُقٍ ( فِي قِشْرَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ سَاتِرَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، أَشْبَهَ الْبَيْضَ ( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( حَبٍّ مُشْتَدٍّ فِي سُنْبُلِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الِاشْتِدَادَ غَايَةً لِلْمَنْعِ ، وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا ( وَيَدْخُلُ السَّاتِرُ ) لِنَحْوِ جَوْزٍ وَحَبٍّ مُشْتَدٍّ مِنْ قِشْرٍ وَتِبْنٍ ( تَبَعًا ) كَنَوَى تَمْرٍ ، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْقِشْرَ أَوْ التِّبْنِ بَطَلَ الْبَيْعُ .
لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَبَيْعِ النَّوَى فِي التَّمْرِ وَيَصِحُّ بَيْعُ تِبْنٍ بِدُونِ حَبِّهِ قَبْلَ تَصْفِيَتُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْقِشْرَ دُونَ مَا دَاخِلُهُ ، أَوْ التَّمْرَ دُونَ نَوَاهُ ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ

( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( قَفِيزٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ إنْ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا وَزَادَتْ عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَفِيزِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْلَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ ، أَشْبَهَ بَيْعَ جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهَا .
وَالصُّبْرَةُ الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ الطَّعَامِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْزَاؤُهَا كَصُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ ، أَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ فِي الْأُولَى ، وَالْإِتْيَانِ بِمِنْ الْمُبَعِّضَةِ فِي الثَّانِيَةِ ( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( رِطْلٍ ) مَثَلًا ( مِنْ دَنٍّ ) نَحْوُ عَسَلٍ أَوْ زَيْتٍ ( أَوْ مِنْ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ ) كَرَصَاصٍ وَنُحَاسٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَبِتَلَفِ ) الصُّبْرَةِ أَوْ مَا فِي الدَّنِّ أَوْ الزُّبْرَةِ ( مَا عَدَا قَدْرَ مَبِيعٍ ) مِنْ ذَلِكَ ( يَتَعَيَّنُ ) الْبَاقِي لَأَنْ يَكُونَ مَبِيعًا لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لَهُ ، وَإِنْ بَقِيَ بِقَدْرِ بَعْضِ الْمَبِيعِ أَخَذَهُ بِقِسْطِهِ .
( وَلَوْ فَرَّقَ قُفْزَانًا ) مِنْ صُبْرَةٍ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا ( وَبَاعَ ) مِنْهَا قَفِيزًا ( وَاحِدًا مُبْهَمًا ) أَوْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( مَعَ تَسَاوِي أَجْزَائِهَا ) أَيْ الْقُفْزَانِ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ كَمَا لَوْ لَمْ يُفَرِّقْهَا ( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( صُبْرَةٍ جُزَافًا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا ( مَعَ جَهْلِهِمَا أَوْ عِلْمِهِمَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِقَدْرِهَا لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ ( وَمَعَ عِلْمِ بَائِعٍ وَحْدَهُ ) قَدْرَهَا ( يَحْرُمُ ) عَلَيْهِ بَيْعُهَا جُزَافًا نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الْبَيْعِ جُزَافًا مَعَ عِلْمِهِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ إلَّا لِلتَّغْرِيرِ ظَاهِرًا ( وَيَصِحُّ ) الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ لِعِلْمِ الْمَبِيعِ بِالْمُشَاهَدَةِ ( وَلِمُشْتَرٍ ) كَتَمَهُ بَائِعٌ الْقَدْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ ( الرَّدُّ ) ؛ لِأَنَّ كَتْمَهُ ذَلِكَ غِشٌّ وَغَرَرٌ .
( وَكَذَا ) مَعَ ( عِلْمِ مُشْتَرٍ وَحْدَهُ )

بِقَدْرِ الصُّبْرَةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهَا جُزَافًا مَعَ جَهْلِ بَائِعٍ بِهِ ( وَلِبَائِعٍ الْفَسْخُ ) بِهِ لِتَغْرِيرِ الْمُشْتَرِي لَهُ ، وَيَحْرُمُ عَلَى بَائِعٍ جَعْلُ صُبْرَةٍ عَلَى نَحْوِ حَجَرٍ أَوْ رَبْوَةٍ مِمَّا يَنْقُصُهَا ، وَيَثْبُتُ بِهِ لِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ ، وَإِنْ بَانَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا بَائِعٌ فَلَهُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِكَيْلٍ مَعْهُودٍ ثُمَّ وَجَدَ مَا كَالَ بِهِ زَائِدًا عَنْهُ .
( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( صُبْرَةٍ عَلِمَ قُفْزَانَهَا إلَّا قَفِيزًا ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ } " وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ .
وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا مُشَاعًا مَعْلُومًا ، كَخُمْسٍ أَوْ سُدُسٍ فَيَصِحُّ ، وَلَوْ لَمْ تُعْلَمْ قُفْزَانُهَا ، فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ قُفْزَانُهَا وَاسْتَثْنَى قَفِيزًا لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْبَاقِي .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ إلَّا صَاعًا ) لِجَهَالَةِ آصُعِهَا فَتُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الصَّاعِ ( وَلَا ) بَيْعُ ( نِصْفِ دَارِهِ الَّذِي يَلِيهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي قِيَاسُ النِّصْفِ ، كَمَا لَوْ بَاعَا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ أَرْضٍ وَعَيَّنَ ابْتِدَاءَهَا دُونَ انْتِهَائِهَا .
فَإِنْ بَاعَهُ نِصْفَ دَارِهِ الَّتِي تَلِيهِ عَلَى الشُّيُوعِ صَحَّ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( جَرِيبٍ مِنْ أَرْضٍ ) مُبْهَمًا ( أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ مُبْهَمًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَيَّنًا وَلَا مُشَاعًا ( إلَّا إنْ عَلِمَا ذَرْعَهُمَا ) أَيْ الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ ( وَيَكُونُ ) الْجَرِيبُ أَوْ الذِّرَاعُ ( مُشَاعًا ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ أَوْ الثَّوْبُ مَثَلًا عَشَرَةً وَبَاعَهُ وَاحِدًا مِنْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْعَشَرَةِ ( وَيَصِحُّ ) اسْتِثْنَاءُ جَرِيبٍ مِنْ أَرْضٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى ( مُعَيَّنًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً مَعًا ) ؛ لِأَنَّهَا ثُنْيَا مَعْلُومَةٌ ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ

( ثُمَّ إنْ نَقَصَ ثَوْبٌ بِقَطْعٍ وَتَشَاحَّا ) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي قَطْعِهِ ( كَانَا شَرِيكَيْنِ ) فِي الثَّوْبِ وَلَا فَسْخَ وَلَا قَطْعَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ مُشْتَرٍ ، بَلْ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَكَذَا خَشَبَةٌ بِسَقْفٍ وَفَصٌّ بِخَاتَمٍ ) بِيعَا وَنَقَصَ السَّقْفُ أَوْ الْخَاتَمُ بِالْقَلْعِ ، فَيُبَاعُ السَّقْفُ بِالْخَشَبَةِ وَالْخَاتَمِ بِفَصِّهِ ، وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بِالْمُحَاصَّةِ

( وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِ مَبِيعٍ ) مِنْ أَمَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ مَأْكُولَةٍ أَوْ لَا ( أَوْ ) اسْتِثْنَاءُ ( شَحْمِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ الْمَأْكُولِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَجْهُولَانِ ، وَقَدْ نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ ( أَوْ ) اسْتِثْنَاءُ ( رِطْلِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمٍ ) مِنْ مَأْكُولٍ فَلَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ مَا يَبْقَى .
وَكَذَا اسْتِثْنَاءُ كُسْبِ سِمْسِمٍ مَبِيعٍ أَوْ شَيْرَجِهِ أَوْ حَبُّ قُطْنٍ لِلْجَهَالَةِ ( إلَّا رَأْسَ مَأْكُولٍ ) مَبِيعٍ ( وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ ) فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا نَصًّا ، حَضَرًا وَسَفَرًا .
؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَ عَامِرُ فَاشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً و شَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا } ( وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا إلَّا فِي هَذِهِ ) الصُّورَةِ لِلْخَبَرِ ، وَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ دُونَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِبْقَاءٌ ، وَهُوَ يُخَالِفُ ابْتِدَاء الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ زَوْجَةٍ وُطِئَتْ بِنَحْوِ شُبْهَةٍ .
( وَلَوْ أَبَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ ) أَيْ الْمَأْكُولِ الْمُسْتَثْنَى رَأْسُهُ وَجِلْدُهُ وَأَطْرَافُهُ ( وَلَمْ يَشْتَرِطْ ) الْبَائِعُ عَلَيْهِ ذَبْحَهُ فِي الْعَقْدِ ( لَمْ يُجْبَرْ ) مُشْتَرٍ عَلَى ذَبْحِهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( قِيمَةُ ذَلِكَ ) فَإِنْ اشْتَرَطَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَدَفْعُ الْمُسْتَثْنَى لِبَائِعٍ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ ، فَالتَّسْلِيمُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ بَاعَ لِمُشْتَرٍ مَا اسْتَثْنَاهُ صَحَّ ، كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ لِمَالِكِ الْأَصْلِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخُصُّ الْمُسْتَثْنَى ) كَعَيْبٍ بِرَأْسِهِ أَوْ جِلْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَسَدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ كُلُّهُ بِأَلَمِ بَعْضِهِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ وَبَيْعُ لَحْمِهِ قَبْلَ سَلْخِهِ ، وَبَيْعُ جِلْدِهِ

وَحْدَهُ ، وَبَيْعُ رُءُوسٍ وَأَكَارِعَ وَسُمُوطٍ ، وَبَيْعُهُ مَعَ جِلْدِهِ جَمِيعًا كَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ

الشَّرْطُ ( السَّابِعُ : مَعْرِفَتُهُمَا ) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( لِثَمَنٍ حَالَ عَقْدِ ) الْبَيْعِ ، وَلَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ أَوْ وَصْفٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَالْمَبِيعِ وَكَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ مَعْرِفَتُهُمَا الثَّمَنَ ( بِمُشَاهَدَةٍ ) كَصُبْرَةٍ شَاهَدَاهَا وَلَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهَا ( وَكَذَا ) أَيْ كَالثَّمَنِ فِيمَا ذُكِرَ ( أُجْرَةٌ ) فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ لَهَا وَلَوْ بِمُشَاهَدَةٍ ( فَيَصِحَّانِ ) أَيْ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ إذَا عُقِدَا عَلَى ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ ( بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَبِمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ ) عُرْفًا ، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ ، كَبِعْتُك أَوْ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ .
( وَ ) يَصِحُّ بَيْعٌ وَإِجَارَةٍ ( بِصُبْرَةٍ ) مُشَاهَدَةٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهَا ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا عَدَدَهَا ، وَلَا وَزْنَهَا وَلَا كَيْلَهَا

( وَ ) يَصِحُّ بَيْعٌ وَإِجَارَةٍ ( بِنَفَقَةِ عَبْدِهِ ) فُلَانٍ ، أَوْ أَمَتِهِ فُلَانَةَ أَوْ نَفْسِهِ ، أَوْ زَوْجَتِهِ ، أَوْ وَلَدِهِ وَنَحْوَهُ ( شَهْرًا ) أَوْ سَنَةً أَوْ يَوْمًا وَنَحْوَهُ .
لِأَنَّ لَهَا عُرْفًا يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ دَابَّتِهِ

( وَيَرْجِعُ ) مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ ( مَعَ تَعَذُّرِهِ مَعْرِفَةَ ) قَدْرِ ( ثَمَنٍ ) بِأَنْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ قَبْلَ اعْتِبَارِهَا ، أَوْ تَلِفَتْ الصَّنْجَةُ أَوَالْكَيْلُ قَبْلَ ذَلِكَ ، أَوْ أَخَذَتْ النَّفَقَةَ وَجُهِلَتْ ( فِي فَسْخِ ) بَيْعٍ لِنَحْوِ عَيْبٍ ( بِقِيمَةِ مَبِيعٍ ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ ، وَكَذَا فِي إجَارَةٍ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ ( وَلَوْ أَسَرَّا ثَمَنًا بِلَا عَقْدٍ ) بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَشَرَةٌ حَقِيقَةً ( ثُمَّ عَقَدَاهُ ) ظَاهِرًا ( بِثَمَنٍ آخَرَ ) كَعِشْرِينَ ( فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ الْعَشَرَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ ( وَلَوْ عَقَدَا ) بَيْعًا ( سِرًّا بِثَمَنٍ ) مُعَيَّنٍ ( ثُمَّ ) عَقَدَا ( عَلَانِيَةً بِأَكْثَرَ ) مِنْ الْأَوَّلِ ( فَكَنِكَاحٍ ) ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بَعْدَ لُزُومِهِ ، فَيُؤْخَذُ بِالزَّائِدِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا ( وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُنَقِّحِ ) فِي التَّنْقِيحِ ( الْأَظْهَرُ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الثَّانِي إنْ كَانَ فِي مُدَّةِ خِيَارِ ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ ؛ لِأَنَّ مَا يَزِيدُ فِي ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ أَوْ يَحُطُّ مِنْهُمَا زَمَنُهُ مُلْحَقٌ بِهِ وَيُخْبَرُ بِهِ فِي الْبَيْعِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ ، بِأَنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ ( فَ ) الثَّمَنُ ( الْأَوَّلُ ، انْتَهَى ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ ، وَلَا يُخْبَرُ بِهِ إذَا بِيعَ بِتَخْيِيرِ الثَّمَنِ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : الثَّمَنُ مَا عَقَدَا بِهِ سِرًّا ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَأَوْلَى ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا زِيدَ أَوْ نُقِصَ فِيهِمَا أَنَّ مَا عَقَدَا بِهِ ظَاهِرًا لَيْسَ مَقْصُودًا

( وَلَا يَصِحُّ ) بَيْعُ نَحْوِ ثَوْبٍ ( بِرَقْمِهِ ) أَيْ الْمِقْدَارِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ لِلْجَهَالَةِ بِهِ حَالَ الْعَقْدِ ( وَلَا ) بَيْعُ سِلْعَةٍ ( بِمَا بَاعَ بِهِ زَيْدٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا إنْ عَلِمَاهُمَا ) أَيْ عَلِمَ الْمُتَعَاقِدَانِ الرَّقْمَ وَمَا بَاعَ بِهِ زَيْدٌ حَالَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ ( وَلَا ) بَيْعُ سِلْعَةٍ ( بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ) أَوْ مِثْقَالٍ ( ذَهَبًا وَفِضَّةً ) ؛ لِأَنَّ قَدْرَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ بَعْضُهَا ذَهَبٌ وَبَعْضُهَا فِضَّةٌ ، وَكَذَا إنْ قَالَ : بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً ، وَلَمْ يَقُلْ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ ( بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ ) أَوْ كَلْبٍ أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ نَجِسٍ .
؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا قِيمَةَ لَهَا ، فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الْبَدَلُ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ كَذَلِكَ ( وَلَا ) الْبَيْعُ ( بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ ) أَيْ يَقِفُ عَلَيْهِ لِلْجَهَالَةِ ( وَلَا كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا بِدِينَارٍ ) مُطْلَقٍ ( أَوْ دِرْهَمٍ مُطْلَقٍ ) أَوْ قِرْشٍ مُطْلَقٍ ( وَثُمَّ ) بِالْبَلَدِ ( نُقُودٌ ) مِنْ الْمُسَمَّى الْمُطْلَقِ ( مُتَسَاوِيَةٌ رَوَاجًا ) لِتَرَدُّدِ الْمُطْلَقِ بَيْنَهَا وَرَدُّهُ إلَى أَحَدِهِمَا مَعَ التَّسَاوِي تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ) بِالْبَلَدِ ( إلَّا ) دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ قِرْشٌ ( وَاحِدٌ ) صَحَّ وَصُرِفَ إلَيْهِ لِتَعَيُّنِهِ ( أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ النُّقُودِ رَوَاجًا ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ( وَصُرِفَ ) الْمُطْلَقُ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ قِرْشٍ ( إلَيْهِ ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ

( وَلَا ) يَصِحُّ الْبَيْعُ ( بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا أَوْ إحْدَى عَشَرَ مُكَسَّرَةً وَلَا ) الْبَيْعُ ( بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَةً ) { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ } وَفَسَّرَهُ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ لَهُ بِبَيْعٍ وَاحِدٍ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ ، وَلِجَهَالَةِ الثَّمَنِ ( إلَّا إنْ تَفَرَّقَا ) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ ( فِيهِمَا ) أَيْ الصُّورَتَيْنِ ( عَلَى أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ فِي الْكُلِّ ، فَيَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ ( بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى قِيمَةَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ .
وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا ( وَلَا ) الْبَيْعُ ( بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزًا أَوْ نَحْوِهِ ) مِمَّا فِيهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا ) الْبَيْعُ إنْ قَالَ : بِعْنِي هَذَا ( بِمِائَةٍ ) مَثَلًا ( عَلَى أَنْ أَرْهَنَ بِهَا ) أَيْ الْمِائَةِ الثَّمَنَ ( وَبِالْمِائَةِ الَّتِي لَك ) غَيْرُهَا مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ .
( هَذَا ) الشَّيْءُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ الْمِائَةُ وَمَنْفَعَةٌ ، هِيَ وَثِيقَةٌ بِالْمِائَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَجْهُولَةٌ .
وَلِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدَ الرَّهْنِ بِالْمِائَةِ الْأُولَى فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ ، وَكَمَا لَوْ بَاعَهُ دَارِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْآخَرَ دَارِهِ ، وَكَذَا لَوْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ وَبِدَيْنٍ آخَرَ كَذَا ، فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ يَجُرُّ نَفْعًا ، فَيَبْطُلُ هُوَ وَالرَّهْنُ ( وَلَا ) أَنْ يَبِيعَ ( مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ قَطِيعٍ كُلَّ قَفِيزٍ أَوْ ذِرَاعٍ أَوْ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ ) ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ وَ " كُلٌّ " لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا .
( وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ أَوْ ) بَيْعُ ( الثَّوْبِ أَوْ ) بَيْعُ ( الْقَطِيعِ كُلَّ قَفِيزٍ ) مِنْ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ ( ذِرَاعٍ ) مِنْ الثَّوْبِ بِدِرْهَمٍ ( أَوْ ) كُلَّ ( شَاةٍ ) مِنْ الْقَطِيعِ ( بِدِرْهَمٍ ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا عَدَدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَالثَّمَنُ يُعْرَفُ بِجِهَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ ، وَهُوَ كَيْلُ الصُّبْرَةِ أَوْ ذَرْعُ الثَّوْبِ أَوْ عَدُّ الْقَطِيعِ

( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( مَا بِوِعَاءٍ ) كَسَمْنٍ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ ( مَعَ وِعَائِهِ مُوَازَنَةُ كُلِّ رِطْلٍ بِكَذَا مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَا مَبْلَغَ الْوَعَاءِ وَمَا بِهِ أَوْ لَا ، لِرِضَاهُ بِشِرَاءِ الظَّرْفِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا فِيهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى ظَرْفَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا زَيْتٌ وَفِي الْآخَرِ شَيْرَجٌ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ .
( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا بِوَعَاءٍ ( دُونَهُ ) أَيْ الْوَعَاءِ ( مَعَ الِاحْتِسَابِ بِزِنَتِهِ ) أَيْ الْوَعَاءِ ( عَلَى مُشْتَرٍ إنْ عَلِمَا ) حَالَ عَقْدٍ ( مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا ) وَزْنًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَا بِالْوَعَاءِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَأَنَّ الْوَعَاءَ رِطْلَانِ وَاشْتَرَى كَذَلِكَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَيْهِ زِنَةَ الظَّرْفِ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَشَرَةَ الَّتِي بِالْوَعَاءِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَدَائِهِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ .
( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا بِوِعَاءٍ ( جُزَافًا مَعَ ظَرْفِهِ أَوْ دُونَهُ ) أَيْ الظَّرْفِ ( أَوْ ) بَيْعُهُ مُوَازَنَةً ( كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَسْقُطَ مِنْهُ ) أَيْ مَبْلَغِ وَزْنِهِمَا ( وَزْنُ الظَّرْفِ ) كَأَنَّهُ قَالَ : بِعْتُكَ مَا فِي هَذَا الظَّرْفِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا ( وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا أَوْ نَحْوَهُ ) كَسَمْنٍ وَشَيْرَجٍ ( فِي ظَرْفٍ فَوَجَدَ فِيهِ رُبًّا ) أَوْ غَيْرَهُ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ ( فِي الْبَاقِي ) مِنْ الزَّيْتِ أَوْ نَحْوِهِ ( بِقِسْطِهِ ) مِنْ الثَّمَنِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَبَانَتْ تِسْعَةً ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْخِيَارُ ) لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ ( وَلَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ الْبَائِعَ ( بَدَلُ الرُّبِّ ) أَوْ نَحْوه لِمُشْتَرٍ ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إعْطَاءِ الْبَدَلِ جَازَ .

فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهِيَ أَيْ الصَّفْقَةُ فِي الْأَصْلِ : الْمَرَّةُ مِنْ صَفَقَ لَهُ بِالْبَيْعِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ ، ثُمَّ نُقِلَتْ لِلْبَيْعِ لِفِعْلِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ذَلِكَ .
فَالصَّفْقَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ ( أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ ) بَيْعُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ ، أَيْ عَقْدٌ جُمِعَ فِيهِ ذَلِكَ ، وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ ، أُشِيرَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ ( مَنْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ ) كَهَذَا الْعَبْدِ وَثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ ( فِي الْمَعْلُومِ بِقِسْطِهِ ) مِنْ الثَّمَنِ ، وَبَطَلَ فِي الْمَجْهُولِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ صَدَرَ فِيهِ الْبَيْعُ عَنْ أَهْلِهِ بِشَرْطِهِ ، وَمَعْرِفَةُ ثَمَنِهِ مُمْكِنَةٌ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مُمْكِنٌ ( لَا إنْ تَعَذَّرَ ) عِلْمُ الْمَجْهُولِ ( وَلَمْ يُبَيَّنْ ثَمَنُ الْمَعْلُومِ ) كَبِعْتُك هَذِهِ الْفَرَسَ وَحَمْلَ الْأُخْرَى بِكَذَا ، فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِجَهَالَتِهِ ، وَالْمَعْلُومُ مَجْهُولُ الثَّمَنِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ ، فَإِنْ بُيِّنَ ثَمَنُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ فِي الْمَعْلُومِ بِثَمَنِهِ ، الثَّانِيَةَ الْمَذْكُورَةَ بِقَوْلِهِ .
( وَمَنْ بَاعَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ بَعْضَهُ صَحَّ ) الْبَيْعُ ( فِي مِلْكِهِ بِقِسْطِهِ ) وَبَطَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمِلْكَيْنِ لَهُ حُكْمٌ لَوْ انْفَرَدَ ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا ، وَيُشْبِهُ بَيْعَ عَيْنٍ لِمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ ، كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ( وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ ) بَيْنَ رَدٍّ وَإِمْسَاكٍ ( إنْ لَمْ يَعْلَمْ ) الْحَالَ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ ( وَ ) لَهُ ( الْأَرْشُ إنْ أَمْسَكَ فِيمَا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ ) كَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ أَحَدُهُمَا مِلْكٌ لِلْبَائِعِ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ

وَقِيمَةُ كُلٍّ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ ، وَمُجْتَمِعَيْنِ ثَمَانِيَةٌ ، اشْتَرَاهُمَا الْمُشْتَرِي بِهِمَا وَلَمْ يَعْلَمْ ، فَلَهُ إمْسَاكُ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْقِسْطِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَلَهُ أَرْشُ نَقْصِ التَّفْرِيقِ دِرْهَمَانِ فَيَسْتَقِرُّ لَهُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ الْفَرْدَةِ الْأُولَى بِدِرْهَمَيْنِ ، الثَّالِثَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ .
( وَإِنْ بَاعَ ) لِمُسْلِمٍ نَحْوَهُ ( قِنَّهُ مَعَ ) نَحْوِ ( قِنِّ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ، أَوْ ) بَاعَ قِنَّهُ ( مَعَ حُرٍّ ، أَوْ ) بَاعَ ( خَلًّا مَعَ خَمْرٍ ، صَحَّ فِي قِنِّهِ ) الْمَبِيعِ مَعَ قِنِّ غَيْرِهِ أَوْ مَعَ حُرٍّ بِقِسْطِهِ ( وَ ) صَحَّ الْبَيْعُ ( فِي خَلٍّ ) بِيعَ مَعَ خَمْرٍ ( بِقِسْطِهِ ) مِنْ الثَّمَنِ نَصًّا ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ ثَمَنٍ فِي مَبِيعٍ وَسُقُوطِ بَعْضِهِ لَا يُوجِبُ جَهَالَةً تَمْنَعُ الصِّحَّةَ ( وَبِقَدْرِ خَمْرٍ خَلًّا ) وَحُرٍّ عَبْدًا ، لِيُقَوَّمَ وَلِيَتَقَسَّطَ الثَّمَنُ ( وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ ) بَيْنَ إمْسَاكِ مَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ بِقِسْطِهِ وَبَيْنَ رَدِّهِ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ

( وَإِنْ بَاعَ ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ ( عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ ) بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ ( أَوْ ) بَاعَ ( عَبْدَيْهِ لِاثْنَيْنِ ) بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ ( أَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ ) مِنْ ( وَكِيلَيْهِمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ ) الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ ( وَقُسِّطَ ) الثَّمَنُ ( عَلَى قِيمَتَيْهِمَا ) أَيْ الْعَبْدَيْنِ لِيُعْلَمَ ثَمَنُ كُلٍّ مِنْهُمَا ) وَكَبَيْعٍ إجَارَةٌ ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ وَكَذَا حُكْمُ بَاقِي الْعُقُودِ

( وَإِنْ جَمَعَ ) فِي عَقْدٍ ( بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ) بِأَنْ بَاعَهُ عَبْدَهُ وَآجَرَهُ دَارِهِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ صَحَّا ( أَوْ ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَ ( صَرْفٍ ) بِأَنْ بَاعَهُ عَبْدًا وَصَارَفَهُ دِينَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا صَحَّا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ( أَوْ ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَ ( خُلْعٍ ) بِأَنْ بَاعَتْهُ دَارَهَا وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا صَحَّا ( أَوْ ) جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَ ( نِكَاحٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ صَحَّا ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ ( وَقُسِّطَ ) الْعِوَضُ ( عَلَيْهِمَا ) لِيُعْرَفَ عِوَضُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَفْصِيلًا .
( وَ ) إنْ جَمَعَ ( بَيْنَ بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ ) بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ دَارِهِ بِمِائَةٍ كُلُّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ مَثَلًا ( بَطَلَ ) الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَالَهُ لِمَالِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ( وَصَحَّتْ ) الْكِتَابَةُ بِقِسْطِهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ ( وَمَتَى اُعْتُبِرَ قَبْضٌ ) فِي الْمَجْلِسِ ( لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْعَقْدَيْنِ الْمَجْمُوعُ بَيْنَهُمَا كَالصَّرْفِ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ ( لَمْ يَبْطُلْ ) الْعَقْدُ ( الْآخَرُ ) الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ ( بِتَأَخُّرِهِ ) أَيْ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ

فَصْلٌ فِي مَوَانِعِ صِحَّةِ الْبَيْعِ ( وَلَا يَصِحُّ بَيْعٌ ) وَلَوْ قَلَّ الْمَبِيعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ جُمُعَةٌ ( وَلَا ) يَصِحُّ ( شِرَاءٌ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ جُمُعَةٌ ) وَلَوْ بِغَيْرِهِ ( بَعْدَ نِدَائِهَا ) أَيْ أَذَانِ الْجُمُعَةِ أَيْ الشُّرُوعِ فِيهِ ، وَلَوْ لِأَحَدِ جَامِعَيْنِ بِالْبَلَدِ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي الْآخَرِ ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ ( الَّذِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ ) عَقِبَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ ، وَخُصَّ بِالنِّدَاءِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَالشِّرَاءُ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ ، فَكَانَ كَالشِّقِّ الْآخَرِ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : أَوْ قَبْلَهُ ) أَيْ النِّدَاءِ الثَّانِي ( لِمَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ ، بِحَيْثُ إنَّهُ يُدْرِكُهَا : انْتَهَى ) .
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي وَقْتِ لُزُومِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ انْتَهَى ، وَيَسْتَمِرُّ التَّحْرِيمُ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ ( إلَّا مِنْ حَاجَةٍ كَمُضْطَرٍّ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ يُبَاعُ ) فَلَهُ شِرَاؤُهُ لِحَاجَتِهِ .
( وَ ) كَ ( عُرْيَانٍ وَجَدَ سُتْرَةً ) فَلَهُ شِرَاؤُهَا ( وَكَفَنٍ وَكَمُؤْنَةِ تَجْهِيزٍ لِمَيِّتٍ خِيفَ فَسَادُهُ بِتَأَخُّرِ ) تَجْهِيزِهِ حَتَّى تُصَلِّيَ ( وَ ) كَ ( وُجُودِ أَبِيهِ أَوْ نَحْوِهِ ) كَأُمِّهِ وَأَخِيهِ ( يُبَاعُ مَعَ مَنْ لَوْ تَرَكَهُ ) حَتَّى يُصَلِّيَ ( لَذَهَبَ ) بِهِ .
( وَ ) كَشِرَاءِ ( مَرْكُوبٍ لِعَاجِزٍ ) عَنْ مَشْيٍ إلَى الْجُمُعَةِ ( أَوْ ) شِرَاءِ ( ضَرِيرٍ عَدِمَ قَائِدًا ) مَنْ يَقُودُهُ إلَى الْجُمُعَةِ ( وَنَحْوِهِ ) كَشِرَاءِ مَاءِ طَهَارَةٍ ، عُدِمَ غَيْرُهُ ، فَيَصِحُّ لِلْحَاجَةِ .
( وَكَذَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ مِنْ مُكَلَّفٍ ( لَوْ تَضَايَقَ وَقْتُ مَكْتُوبَةٍ ) وَلَوْ جُمُعَةً لَمْ يُؤَذَّنْ لَهَا حَتَّى يُصَلِّيَهَا ، لِوُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ مُنِعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بَعْدَ

نِدَاءِ الْجُمُعَةِ ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ : صِحَّةُ الْعَقْدِ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ ، كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَإِبَاحَتُهُ لَهُ ، لَكِنْ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ ، وَوُجِدَ مِنْهُ الْإِيجَابُ أَوْ الْقَبُولُ بَعْدَ النِّدَاءِ حَرُمَ وَلَمْ يَنْعَقِدْ لِمَا تَقَدَّمَ .
قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : وَكُرِهَ لِلْآخَرِ ( وَيَصِحُّ إمْضَاءُ بَيْعِ خِيَارٍ وَبَقِيَّةُ الْعُقُودِ ) مِنْ إجَارَةٍ وَصُلْحٍ ، وَقَرْضٍ ، وَرَهْنٍ ، وَغَيْرِهَا بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لَا يُسَاوِيهِ فِي التَّشَاغُلِ الْمُؤَدِّي لِفَوَاتِهَا ( وَتَحْرُمُ مُسَاوِمَةٌ وَمُنَادَاةٌ ) بَعْدَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ ثَانٍ ؛ لِأَنَّهُمَا وَسِيلَةٌ لِلْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ إذَنْ ، وَتَحْرُمُ أَيْضًا الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا .

( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عِنَبٍ ) أَوْ زَبِيبٍ وَنَحْوِهِ ( أَوْ عَصِيرٍ لِمُتَّخِذِهِ خَمْرًا ) وَلَوْ ذِمِّيًّا ( وَلَا ) بَيْعُ ( سِلَاحٍ وَنَحْوِهِ ) كَتُرْسٍ وَدَرْعٍ ( فِي فِتْنَةٍ ، أَوْ لِأَهْلِ حَرْبٍ ، أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ مِمَّنْ عَلِمَ ذَلِكَ ) مِمَّنْ يَشْتَرِيهِ ( وَلَوْ بِقَرَائِنَ ، وَلَا ) بَيْعُ ( مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَشْمُومٍ وَقَدَحٍ لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ الْمَشْمُومِ مُسْكِرًا ( أَوْ ) يَشْرَبُ ( بِهِ ) أَيْ الْقَدَحِ ( مُسْكِرًا ، وَ ) لَا بَيْعُ ( جَوْزٍ وَبَيْضٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَبُنْدُقٍ ( لِقِمَارٍ .
وَ ) لَا بَيْعِ ( غُلَامٍ وَأَمَةٍ لِمَنْ عُرِفَ بِوَطْءِ دُبُرٍ ، أَوْ بِغِنَاءٍ ) بِالْمَدِّ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا ، فَلَمْ يَصِحَّ كَإِجَارَةِ الْأَمَةِ لِلزِّنَا أَوْ الْغِنَاءِ ( وَلَوْ اُتُّهِمَ ب ) وَطْءِ ( غُلَامِهِ فَدَبَّرَهُ أَوَّلًا ) إذْ التَّدْبِيرُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ ( وَهُوَ ) أَيْ السَّيِّدُ ( فَاجِرٌ مُعْلِنٌ ) بِفُجُورِهِ ( أُحِيلَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ السَّيِّدِ وَغُلَامِهِ دَفْعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ ( كَمَجُوسِيٍّ تُسْلِمُ أُخْتُهُ ) وَنَحْوِهَا ( وَيُخَافُ أَنْ يَأْتِيَهَا ) فَيُحَالُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاجِرًا مُعْلِنًا لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ تَثْبُتْ التُّهْمَةُ

( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( قِنٍّ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ ) وَلَوْ وَكِيلًا لِمُسْلِمٍ ( لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ) كَالنِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ ، صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ، بَلْ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ إهَانَةِ الرِّقِّ فِي لَحْظَةٍ يَسِيرَةٍ ( وَإِنْ أَسْلَمَ ) قِنٌّ ( فِي يَدِهِ ) أَيْ الْكَافِرِ أَوْ مَلَكَهُ بِنَحْوِ إرْثٍ ( أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى " { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } " وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ إذَنْ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ ( وَلَا تَكْفِي كِتَابَتُهُ ) أَيْ الْقِنِّ الْمُسْلِمِ بِيَدِ كَافِرٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهُ ( وَلَا ) يَكْفِي ( بَيْعُهُ بِخِيَارٍ ) ؛ لِأَنَّ عَلَقَتَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ

( وَبَيْعٌ ) مُبْتَدَأٌ ( عَلَى بَيْعِ مُسْلِمٍ ) مُحَرَّمٌ ، لِحَدِيثِ " { لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ } ( كَقَوْلِهِ لِمُشْتَرٍ شَيْئًا بِعَشَرَةٍ : أُعْطِيكَ مِثْلَهُ بِتِسْعَةٍ ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ ( وَشِرَاءٌ عَلَيْهِ ) أَيْ شِرَاءٌ عَلَى شِرَاءِ مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ ، ( كَقَوْلِهِ لِبَائِعٍ شَيْئًا بِتِسْعَةٍ : عِنْدِي فِيهِ عَشَرَةٌ ، زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ ) أَيْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ ، بَلْ يُسَمَّى بَيْعًا ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ لَمْ يَحْرُمْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ إذَنْ .
( وَسَوْمٌ ) بِالرَّفْعِ ( عَلَى سَوْمِهِ ) أَيْ الْمُسْلِمِ ( مَعَ الرِّضَا ) مِنْ بَائِعٍ ( صَرِيحًا مُحَرَّمٌ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { لَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرِّضَا لَمْ يَحْرُمْ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَزَالُوا يَتَبَايَعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ بِالْمُزَايَدَةِ .
وَ ( لَا ) يَحْرُمُ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا سَوْمٌ ( بَعْدَ رَدِّ ) السِّلْعَةِ الْمُبْتَاعَةِ ، أَوْ رَدِّ السَّائِمِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْ الرِّضَا بَعْدَ الرَّدِّ غَيْرُ مَوْجُودٍ ( وَلَا ) يَحْرُمُ ( بَذْلُ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى ) كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ : أُعْطِيكَ مِثْلَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَأْبَى إجَابَتَهُ ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِبَائِعِ شَيْءٍ بِعَشَرَةٍ : عِنْدِي فِيهِ تِسْعَةٌ ( وَيَصِحُّ الْعَقْدُ ) أَيْ الْبَيْعُ ( عَلَى السَّوْمِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ السَّوْمُ لَا الْبَيْعُ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ وَالشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ ، فَلَا يَصِحَّانِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ ( وَكَذَا ) أَيْ الْبَيْعِ ( إجَارَةٌ ) وَسَائِرُ الْعُقُودِ ، وَطَلَبُ الْوِلَايَاتِ وَنَحْوِهَا ، فَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَوْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى مُسْلِمٍ زَمَنَ الْخِيَارِ أَوْ يَسُومَ لِلْإِجَارَةِ عَلَى سَوْمِهِ فِيهَا بَعْدَ الرِّضَا

صَرِيحًا لِلْإِيذَاءِ

( وَإِنْ حَضَرَ ) أَيْ قَدِمَ بَلَدًا ( بَادٍ ) أَيْ إنْسَانٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ( لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا ) أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ( وَجَهِلَهُ ) أَيْ جَهِلَ بَادٍ سِعْرَ سِلْعَتِهِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ ( وَقَصَدَهُ ) أَيْ الْبَادِي ( حَاضِرٌ ) بِالْبَلَدِ ( عَارِفٌ بِهِ ) أَيْ السِّعْرِ ( وَبِالنَّاسِ إلَيْهَا ) أَيْ السِّلْعَةِ ( حَاجَةٌ ) ( حَرُمَتْ مُبَاشَرَتُهُ ) أَيْ الْحَاضِرِ ( الْبَيْعَ لَهُ ) أَيْ لِلْبَادِي ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " { لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقْ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ } " وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ " { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ ؟ قَالَ : لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَتَى تَرَكَ الْبَادِيَ يَبِيعُ سِلْعَتَهُ اشْتَرَاهَا النَّاس بِرُخْصٍ وَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ ، وَإِذَا تَوَلَّى الْحَاضِرُ بَيْعَهَا اُمْتُنِعَ مِنْهُ إلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ فَيَضِيقُ عَلَيْهِمْ .
( وَبَطَلَ ) بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي .
لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ ( رَضُوا ) أَيْ أَهْلُ الْبَلَدِ بِذَلِكَ ( أَوْ لَا ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَإِذَا فُقِدَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ ) بِأَنْ كَانَ الْقَادِمُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ ، أَوْ بَعَثَ بِهَا لِلْحَاضِرِ ، أَوْ قَدِمَ الْبَادِي لَا لِبَيْعِ السِّلْعَةِ ، أَوْ لِبَيْعِهَا لَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ أَوْ لِبَيْعِهَا بِهِ وَلَكِنْ لَا يَجْهَلُهُ أَوْ جَهِلَهُ وَلَمْ يَقْصِدْهُ الْحَاضِرُ الْعَارِفُ ، أَوْ قَصَدَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِالنَّاسِ إلَيْهَا حَاجَةٌ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لَهُ ( كَشِرَائِهِ ) أَيْ الْحَاضِرِ ( لَهُ ) أَيْ الْبَادِي فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشِّرَاءِ لَهُ تَوْسِعَةٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا تَضْيِيقٌ ( وَيُخْبِرُ ) وُجُوبًا عَارِفٌ بِسِعْرٍ ( مُسْتَخْبِرًا ) جَاهِلًا ( عَنْ سِعْرٍ جَهِلَهُ ) لِوُجُوبِ النُّصْحِ ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ

يُشِيرَ حَاضِرٌ عَلَى بَادٍ بِلَا مُبَاشَرَةِ بَيْعٍ لَهُ

( وَمَنْ خَافَ ضَيْعَةَ مَالِهِ ) بِنَهْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ إنْ بَقِيَ بِيَدِهِ ( أَوْ ) خَافَ ( أَخْذَهُ ) مِنْهُ ( ظُلْمًا ) فَبَاعَهُ ( صَحَّ بَيْعُهُ لَهُ ) لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ ( وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا حَقٍّ ) كَغَصْبِهِ ( أَوْ جَحْدِهِ ) أَيْ حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى بَيْعِهِ إيَّاهُ ( أَوْ مَنَعَهُ ) أَيْ الْغَيْرُ حَقَّهُ ( حَتَّى يَبِيعَهُ إيَّاهُ فَفَعَلَ ) أَيْ بَاعَهُ إيَّاهُ لِذَلِكَ ( لَمْ يَصِحَّ ) الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَيْهِ ( وَمَنْ أَوْدَعَ شَهَادَةً ) خَوْفًا عَلَى ضَيَاعِ مَالِهِ ( فَقَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي أَبِيعُهُ ) لِزَيْدٍ مَثَلًا خَوْفًا وَتَقِيَّةً ( أَوْ ) أَنِّي ( أَتَبَرَّعُ بِهِ ) لَهُ ( خَوْفًا ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ( وَتَقِيَّةً ) لِشَرِّهِ ، ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ تَبَرَّعَ لَهُ بِهِ ( عُمِلَ بِهِ ) أَيْ بِإِيدَاعِهِ الشَّهَادَةَ ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى حِفْظِ مَالِهِ إذْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ تَبَرَّعَ خَوْفًا أَوْ تَقِيَّةً بِلَا بَيِّنَةٍ

( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ : اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ ، فَفَعَلَ ) أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ( فَبَانَ ) الْقَائِلُ ( حُرًّا فَإِنْ أَخَذَ ) الْقَائِلُ ( شَيْئًا ) مِنْ الثَّمَنِ ( غَرِمَهُ ) لِرَبِّهِ ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، كَالْغَصْبِ ( وَإِلَّا ) يَأْخُذْ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ ( لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ ) أَيْ ضَمَانُ مَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ ( حَضَرَ الْبَائِعُ أَوْ غَابَ ) ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ دُونَ الضَّمَانِ ( كَ ) يَقُولُ إنْسَانٌ لِآخَرَ ( اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا ) فَاشْتَرَاهُ وَظَهَرَ حُرًّا .
فَإِنْ أَخَذَ الْقَائِلُ شَيْئًا رَدَّهُ وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ .
وَلَوْ غَابَ الْبَائِعُ ( وَأُدِّبَ ) مَنْ قَالَ اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ ، أَوْ قَالَ : اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا ( هُوَ وَبَائِعٌ ) نَصًّا لِتَغْرِيرِهِمَا الْمُشْتَرِي ( وَتُحَدُّ مُقِرَّةٌ ) أَيْ حُرَّةٌ قَالَتْ لِآخَرَ : اشْتَرِنِي مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي أَمَتُهُ فَفَعَلَ ( وُطِئَتْ ) لِزِنَاهَا مَعَ الْعِلْمِ ( وَلَا مَهْرَ ) لَهَا نَصًّا ؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ ( وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ ) بِمُشْتَرٍ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا أَمَتَهُ فَوَطْؤُهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا مُشْتَرٍ مِمَّنْ يَجْهَلُ الْحَالَ فَوَطِئَهَا

( وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ نَسِيئَةً ) أَيْ مُؤَجَّلٍ ( أَوْ ) بِثَمَنٍ حَالٍّ ( لَمْ يُقْبَضْ حُرِّمَ وَبَطَلَ شِرَاؤُهُ ) أَيْ الْبَائِعِ ( لَهُ ) أَيْ لَمَا بَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ ( مِنْ مُشْتَرِيهِ ) مِنْهُ ، وَلَوْ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ ( بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِ ) النَّقْدِ ( الْأَوَّلِ ) الَّذِي بَاعَهُ بِهِ إنْ كَانَ ( أَقَلَّ مِنْهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( وَلَوْ ) كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ثَانِيًا ( نَسِيئَةً ) لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَسَعِيدٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ " دَخَلْتُ أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : إنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا ، فَقَالَتْ لَهَا بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتُ وَبِئْسَ مَا شَرَيْتَ أَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ " وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا .
( وَكَذَا الْعَقْدُ الْأَوَّلُ حَيْثُ كَانَ وَسِيلَةً إلَى الثَّانِي ) فَيَحْرُمُ وَيَبْطُلُ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى مُحَرَّمٍ ( إلَّا إنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ ) أَيْ الْمَبِيعِ مِثْلُ أَنْ كَانَ عَبْدًا فَهَزَلَ أَوْ نَسِيَ صَنْعَةً أَوْ عَمِيَ وَنَحْوُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِدُونِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَيَصِحُّ ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِنَقْدٍ لَا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ( وَتُسَمَّى ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ( مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بَدَلَهَا عَيْنًا أَيْ نَقْدًا حَاضِرًا ) قَالَ الشَّاعِرُ : أَنَدَّانُ أَمْ نَعْتَانُ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السَّيْفِ مِيزَتْ مَضَارِبُهُ وَمَعْنَى " نَعْتَانُ " نَشْتَرِي عِينَةً ( وَعَكْسُهَا ) أَيْ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِنَقْدٍ حَاضِرٍ ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِنَقْدٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ مِنْ جِنْسِهِ

غَيْرِ مَقْبُوضٍ إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ بِنَحْوِ سِمَنٍ أَوْ تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ ( مِثْلِهَا ) فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعِينَةَ فِي اتِّخَاذِهِ وَسِيلَةً إلَى الرِّبَا

( وَإِنْ اشْتَرَاهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ غَيْرِ مَقْبُوضٍ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهِ كَوَارِثِهِ ، أَوْ اشْتَرَاهُ ( أَبُوهُ ) أَيْ الْبَائِعُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ أَقَلَّ مِنْهُ ( أَوْ ) اشْتَرَاهُ ( ابْنُهُ أَوْ غُلَامُهُ وَنَحْوُهُ ) كَزَوْجَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ ( صَحَّ ) شِرَاؤُهُ ( مَا لَمْ يَكُنْ ) اشْتَرَاهُ ( حِيلَةً ) عَلَى الرِّبَا فَيَحْرُمُ ، وَلَا يَصِحُّ كَالْعِينَةِ وَمَنْ احْتَاجَ لِنَقْدٍ فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَكْثَرَ لِيَتَوَسَّعَ بِثَمَنِهِ فَلَا بَأْسَ نَصًّا وَيُسَمَّى التَّوَرُّقَ

( وَإِنْ بَاعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا ) مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ ( نَسِيئَةً ثُمَّ اشْتَرَى ) الْبَائِعُ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ( بِثَمَنِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ جِنْسِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ، كَأَنْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ بُرٍّ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَى بِالدِّرْهَمِ مِنْهُ بُرًّا بِكَيْلٍ أَوْ جُزَافًا لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ ) اشْتَرَى الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالدِّرْهَمِ ثَمَنَ الْبُرِّ مَثَلًا ( مَالًا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ ) أَيْ الْمُبَاعِ أَوَّلًا ( نَسِيئَةً ) بِأَنْ اشْتَرَى مِنْهُ بِهِ شَعِيرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ عَدْسًا وَنَحْوَهُ ( لَمْ يَصِحَّ ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِبَيْعِ الْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ نَسِيئَةً فَيَحْرُمُ ( حَسْمًا ) أَيْ قَطْعًا ( لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ ) فَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُ بِدَرَاهِمَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ وَفَاءً مِمَّا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ وَتَقَاصَّا جَازَ

وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ

فَصْلٌ يَحْرُمُ التَّسْعِيرُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ مَنْعُ النَّاس الْبَيْعَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنٍ يُقَدِّرُهُ ( وَيُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِهِ ) أَيْ التَّسْعِيرِ ( وَإِنْ هَدَّدَ مَنْ خَالَفَهُ ) أَيْ التَّسْعِيرَ ( حَرُمَ ) الْبَيْعُ ( وَبَطَلَ ) ؛ لِأَنَّ الْوَعِيدَ إكْرَاهٌ ( وَحَرُمَ ) أَنْ يُقَالَ لِغَيْرِ مُحْتَكِرٍ ( بِعْ كَالنَّاسِ ) وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلْزَامَ السُّوقَةَ الْمُعَارِضَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ

( وَ ) حَرُمَ ( احْتِكَارٌ ) أَيْ الشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ وَحَبْسُهُ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ( فِي قُوتِ آدَمِيٍّ ) نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُحْتَكَرَ الطَّعَامُ } وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ } رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ وَلَا يَحْرُمُ احْتِكَارُ إدَامٍ ، كَجُبْنٍ وَعَسَلٍ وَخَلٍّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا ، كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ جَلَبَ شَيْئًا أَوْ اسْتَغَلَّهُ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ ، أَوْ اشْتَرَاهُ زَمَنَ الرُّخْصِ وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ إذَنْ ، أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ بَلَدِ كَبِيرٍ ، كَبَغْدَادَ أَوْ الْبَصْرَةِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهِمَا فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَغْلُوَ وَلَيْسَ مُحْتَكِرًا نَصًّا ، وَتَرْكُ ادِّخَارِهِ لِذَلِكَ أَوْلَى

( وَيَصِحُّ شِرَاءُ مُحْتَكَرٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الِاحْتِكَارُ دُونَ الشِّرَاءِ وَلَا تُكْرَهُ التِّجَارَةُ فِي الطَّعَامِ مَا لَمْ يُرِدْ الِاحْتِكَارَ ( وَيُجْبَرُ ) مُحْتَكِرٌ ( عَلَى بَيْعِهِ ) أَيْ مَا احْتَكَرَهُ مِنْ قُوتِ آدَمِيٍّ ( كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ ) لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ ( فَإِنْ أَبَى ) مُحْتَكِرٌ بَيْعَهُ ( وَخِيفَ التَّلَفُ ) بِحَبْسِهِ ( فَرَّقَهُ الْإِمَامُ ) عَلَى الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ ( وَيَرُدُّونَ ) أَيْ الْآخِذُونَ لَهُ مِنْ الْإِمَامِ ( بَدَلَهُ ) أَيْ مِثْلَ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ ( وَكَذَا سِلَاحٌ لِحَاجَةٍ ) إلَيْهِ فَيُفَرِّقُهُ الْإِمَامُ وَيَرُدُّونَهُ أَوْ بَدَلَهُ

( وَلَا يُكْرَهُ ادِّخَارُ قُوتِ أَهْلِهِ وَدَوَابِّهِ ) نَصًّا ، وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ادَّخَرَ قُوتَ أَهْلِهِ سَنَةً " ( وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ فِيهِ وَيَشْتَرِيَ فِيهِ وَحْدَهُ كُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ ) " لِبَيْعِهِ بِفَوْقِ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَشِرَائِهِ بِدُونِهِ ( كَ ) مَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِلَا حَاجَةٍ ( مِنْ مُضْطَرٍّ نَحْوِهِ ) كَمُحْتَاجٍ إلَى نَقْدٍ قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ : لِبَيْعِهِ بِدُونِ ثَمَنِهِ أَيْ ثَمَنِ مِثْلِهِ .
( وَ ) كَمَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ مِنْ ( جَالِسٍ عَلَى طَرِيقٍ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ) أَيْ الَّذِي ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ فِيهِ وَحْدَهُ ( أَخْذُ زِيَادَةٍ ) عَلَى ثَمَنِ مِثْلٍ أَوْ مُثَمَّنٍ ( بِلَا حَقٍّ ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ

أَيْ مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ ( وَالشَّرْطُ فِيهِ ) أَيْ الْبَيْعِ ( وَ ) فِي ( شِبْهِهِ ) مِنْ نَحْوِ إجَارَةٍ وَشَرِكَةٍ ( إلْزَامُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْآخَرَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ مَا ) أَيْ شَيْئًا ( لَهُ ) أَيْ الْمُلْزَمِ ( فِيهِ ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُلْزَمِ بِهِ ( مَنْفَعَةٌ ) أَيْ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ ( وَتُعْتَبَرُ مُقَارَنَتُهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ( لِلْعَقْدِ ) .
وَفِي الْفُرُوعِ : وَيُتَوَجَّهُ كَنِكَاحٍ .
وَالشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ يَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ ( وَصَحِيحُهُ ) أَيْ الشَّرْطُ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ ( أَنْوَاعٍ : ) أَحَدُهَا ( مَا يَقْتَضِيهِ بَيْعٌ ) أَيْ يَطْلُبُهُ الْبَيْعُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ( ك ) شَرْطِ ( تَقَابُضٍ وَحُلُولِ ثَمَنٍ وَتَصَرُّفِ كُلٍّ ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ( فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ ) مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ ( وَ ) اشْتِرَاطِ ( رَدِّهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( بِعَيْبٍ قَدِيمٍ ) يَجِدُهُ بِهِ ( وَلَا أَثَرَ لَهُ ) أَيْ لِلشَّرْطِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْبَيْعُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ

النَّوْعُ ( الثَّانِي ) مَا كَانَ ( مِنْ مَصْلَحَتِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَطِ لَهُ ( كَتَأْجِيلِ ) كُلِّ ( الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ ) إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ ، أَوْ نَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبِلَادِ أَوْ بُعْدِهِ ( أَوْ ) اشْتِرَاطِ ( رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ بِهِ ) أَيْ الثَّمَنِ ( مُعَيَّنَيْنِ ) أَيْ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَكَذَا شَرْطُ كَفِيلٍ بِبَدَنِ مُشْتَرٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ لَوْ بَاعَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ رَهْنَ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ فَيَصِحُّ نَصًّا فَإِذَا قَالَ : بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تُرْهِنَنِيهِ عَلَى ثَمَنِهِ فَقَالَ : اشْتَرَيْته وَرَهَنْتُك صَحَّ الشِّرَاءُ وَالرَّهْنُ ( أَوْ ) يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي ( صِفَةً فِي مَبِيعٍ كَ ) كَوْنِ ( الْعَبْدِ ) الْمَبِيعِ ( كَاتِبًا أَوْ فَحْلًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ صَانِعًا ) أَيْ خَيَّاطًا وَنَحْوِهِ ( أَوْ مُسْلِمًا وَ ) كَوْنُ ( الْأَمَةِ بِكْرًا أَوْ تَحِيضُ وَ ) كَوْنُ ( الدَّابَّةِ هِمْلَاجَةَ ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ تَمْشِي الْهَمْلَجَةِ ، وَهِيَ مِشْيَةٌ سَهْلَةٌ فِي سُرْعَةٍ ( أَوْ ) كَوْنُ الدَّابَّةِ ( لَبُونًا ) أَيْ ذَاتُ لَبَنٍ ( أَوْ ) كَوْنُهَا ( حَامِلًا وَ ) كَوْنُ ( الْفَهْدِ أَوْ الْبَازِي صَيُودًا ) أَيْ مُعَلَّمَ الصَّيْدِ .
( وَ ) كَوْنُ ( الْأَرْضِ ) الْمَبِيعَةِ ( خَرَاجُهَا كَذَا ) فِي كُلِّ سَنَةٍ ( وَ ) كَوْنُ ( الطَّائِرِ ) الْمَبِيعِ ( مُصَوِّتًا أَوْ يَبِيضُ أَوْ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ ) ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ هَذِهِ الصِّفَاتِ قَصْدًا صَحِيحًا ، وَتَخْتَلِفُ الرَّغَبَاتُ بِاخْتِلَافِهَا ، فَلَوْلَا صِحَّةُ اشْتِرَاطِهَا لَفَاتَتْ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَ الْبَيْعُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ صِيَاحَ الطَّائِرِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ كَعِنْدَ الصَّبَاحِ أَوْ الْمَسَاءِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ اشْتِرَاطُ ( أَنْ يُوقِظَهُ لِلصَّلَاةِ ) أَوْ أَنَّهُ يَصِيحُ عِنْدَ دُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ ، وَلَا كَوْنُ الْكَبْشِ نَطَّاحًا أَوْ الدِّيكِ مُنَافِرًا ، أَوْ الْأَمَةِ مُغَنِّيَةً أَوْ الْبَهِيمَةِ تَحْلُبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا ، أَوْ الْحَامِلِ تَلِدُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ؛

لِأَنَّهُ إمَّا مُحَرَّمٌ أَوْ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ ( وَيَلْزَمُ ) الشَّرْطُ الصَّحِيحُ وَإِذَا وَفَّى بِهِ ) أَيْ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي شَرْطُهُ فَلَا فَسْخَ ( وَإِلَّا ) يُوَفِّ بِهِ ( فَلَهُ الْفَسْخُ ) لِفَقْدِ الشَّرْطِ لِحَدِيثِ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } ( أَوْ أَرْشُ فَقَدْ الصِّفَةِ ) الْمَشْرُوطَةِ إنْ لَمْ يَنْفَسِخْ كَأَرْشِ عَيْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدٌّ ) لِنَحْوِ تَلَفِ مَبِيعٍ ( تَعَيَّنَ أَرْشُ ) فَقْدِ الصِّفَةِ ، كَمَعِيبٍ تَعَذَّرَ رَدُّهُ ( وَإِنْ أَخْبَرَ بَائِعٌ ) مُشْتَرِيًا ( بِصِفَةٍ ) فِي مَبِيعٍ يَرْغَبُ فِيهِ لَهَا ( فَصَدَّقَهُ ) مُشْتَرٍ ( بِلَا شَرْطٍ ) بِأَنْ اشْتَرَى وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فَبَانَ فَقْدُهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الشَّرْطِ ( أَوْ شَرَطَ ) مُشْتَرٍ ( الْأَمَةِ ) الْمَبِيعَةِ ( ثَيِّبًا أَوْ كَافِرَةً أَوْ هُمَا ) أَيْ ثَيِّبًا كَافِرَةً ( أَوْ ) شَرَطَهَا ( سَبِطَةَ ) الشَّعْرِ ( أَوْ ) شَرَطَهَا ( حَامِلًا ) أَوْ شَرَطَ صِفَةً أَدْوَنَ ( فَبَانَتْ أَعْلَى ) بِأَنْ وَجَدَ الْمَشْرُوطَةَ ثَيِّبًا بِكْرًا أَوْ الْمَشْرُوطَةَ كَافِرَةً مُسْلِمَةً ( أَوْ ) الْمَشْرُوطَةَ سَبِطَةً ( جَعْدَةً ، أَوْ ) الْمَشْرُوطَةَ حَامِلًا ( حَائِلًا فَلَا خِيَارَ ) لِمُشْتَرٍ ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَهَا لَا تَحِيضُ فَبَانَتْ تَحِيضُ ، أَوْ حَمْقَاءَ فَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ ، أَوْ شَرَطَ الْعَبْدَ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا

النَّوْعُ ( الثَّالِثُ : شَرَطَ بَائِعٌ ) عَلَى مُشْتَرٍ ( نَفْعًا غَيْرَ وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ ) كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ وَقُبْلَةٍ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ ( مَعْلُومًا ) أَيْ النَّفْعَ ( فِي مَبِيعٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِنَفْعٍ ( كَ ) اشْتِرَاطِ بَائِعٍ ( سُكْنَى الدَّارِ ) الْمَبِيعَةِ ( شَهْرًا ) مَثَلًا ( وَحِمْلَانِ الْبَعِيرِ ) أَوْ نَحْوِهِ الْمَبِيعِ ( إلَى ) مَحَلٍّ ( مُعَيَّنٍ ) وَكَاشْتِرَاطِهِ خِدْمَةَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ نَصًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ " أَنَّهُ بَاعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلًا وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ " وَفِي لَفْظٍ قَالَ " فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ حِمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَلِبَائِعٍ إجَارَةُ ) مَا اسْتَثْنَى .
( وَ ) لَهُ ( إعَارَةُ مَا اُسْتُثْنِيَ ) مِنْ النَّفْعِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ بَاعَ مُشْتَرٍ مَا اسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مُسْتَثْنَى النَّفْعِ كَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلِلْمُشْتَرِي الثَّانِي الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ، كَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً أَوْ دَارًا مُؤَجَّرَةً .
( وَلَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ ( عَلَى مُشْتَرٍ ، إنْ تَعَذَّرَ انْتِفَاعُهُ ) أَيْ الْبَائِعِ بِالنَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى ( بِسَبَبِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ، بِأَنْ أَتْلَفَ الْعَيْنَ الْمُسْتَثْنَى نَفْعُهَا أَوْ أَعْطَاهَا لِمَنْ أَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ ( أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) أَيْ النَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ مُشْتَرٍ بِأَنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ نَخْلَةٌ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ ثَمَرَتَهَا .
وَإِنْ أَرَادَ مُشْتَرٍ إعْطَاءَ بَائِعٍ عِوَضَ النَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَلَهُ اسْتِيفَاءُ النَّفْعِ مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ نَصًّا ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ كَالْمُؤَجَّرَةِ ،

وَكَذَا لَوْ طَلَبَ بَائِعُ الْعِوَضِ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ ( وَكَذَا ) أَيْ كَشَرْطِ بَائِعٍ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي مَبِيعٍ ( شَرْطُ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ ) نَفْسَهُ ( فِي مَبِيعٍ ك ) شَرْطِ ( حَمْلِ حَطَبٍ ) مَبِيعٍ ( أَوْ تَكْسِيرِهِ وَ ) كَشَرْطِهِ ( خِيَاطَةَ ثَوْبٍ ) مَبِيعٍ ( أَوْ تَفْصِيلَهُ ، أَوْ ) شَرْطِ ( جَذِّ رَطْبَةٍ ) مَبِيعَةٍ أَوْ حَصَادِ زَرْعٍ أَوْ جِذَاذِ نَخْلٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَضَرْبِ حَدِيدٍ مَبِيعٍ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا ( بِشَرْطِ عِلْمِهِ ) أَيْ النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ بِأَنْ يَعْلَمَ مَثَلًا الْمَحَلَّ الْمَشْرُوطَ حَمْلُ الْحَطَبِ إلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةُ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ جَرَزَةَ حَطَبٍ وَشَارَطَهُ عَلَى حَمْلِهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الْحَطَبَ وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِحَمْلِهِ ، أَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِخِيَاطَتِهِ .
وَكُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْعَيْنَيْنِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا النَّهْيُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ النَّفْعَ بِأَنْ شَرَطَ حَمْلَ الْحَطَبِ عَلَى بَائِعِهِ إلَى مَنْزِلِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاء وَكَذَا لَوْ شَرَطَ بَائِعٌ نَفْعَ غَيْرِ مَبِيعٍ أَوْ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ فِي غَيْرِ مَبِيعٍ ، وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ .
( وَهُوَ ) أَيْ الْبَائِعُ الْمَشْرُوطُ نَفْعُهُ فِي الْمَبِيعِ ( كَأَجِيرٍ فَإِنْ مَاتَ ) الْبَائِعُ قَبْلَ حَمْلِ الْحَطَبِ أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ ( أَوْ اسْتَحَقَّ نَفْعَهُ ) بَائِعٌ بِأَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ إجَارَةً خَاصَّةً ( فَلِمُشْتَرٍ عِوَضُ ذَلِكَ ) النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ ، لِفَوَاتِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِذَلِكَ فَانْفَسَخَتْ كَمَا لَوْ

اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا خَاصًّا فَمَاتَ وَإِنْ مَرِضَ بَائِعٌ وَنَحْوُهُ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ ، كَالْإِجَارَةِ وَإِنْ أَرَادَ بَائِعٌ دَفْعَ عِوَضِ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ وَأَبَى مُشْتَرٍ أَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ أَخْذَهُ بِلَا رِضَا بَائِعٍ لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ ( وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِهِ ) أَيْ الْعِوَضِ ، وَلَوْ ( بِلَا عُذْرٍ جَازَ ) لِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ فَكَذَا مَعَهُ وَكَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا .
( وَيُبْطِلُهُ ) أَيْ الْبَيْعَ ( جَمْعٌ بَيْنَ شَرْطَيْنِ وَلَوْ صَحِيحَيْنِ ) مُنْفَرِدَيْنِ كَحَمْلِ حَطَبٍ وَتَكْسِيرِهِ ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَتَفْصِيلِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ( مَا لَمْ يَكُونَا ) أَيْ الشَّرْطَانِ ( مِنْ مُقْتَضَاهُ ) أَيْ مَبِيعٍ كَاشْتِرَاطِ حُلُولِ الثَّمَنِ ، وَتَصَرُّفِ كُلٍّ فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ ( أَوْ ) يَكُونَا ( مِنْ مَصْلَحَتِهِ ) كَاشْتِرَاطِ رَهْنٍ وَضَمِينٍ مُعَيَّنَيْنِ بِالثَّمَنِ فَيَصِحُّ ( وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخٍ ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ بِأَمْرٍ يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَشْبَهَ شَرْطَ الْخِيَارِ ( غَيْرِ خُلْعٍ ) فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ إلْحَاقًا لَهُ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ؛ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ ( بِشَرْطٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِتَعْلِيقٍ ( كَ ) قَوْلِهِ ( بِعْتُكَ ) كَذَا بِكَذَا ( عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى كَذَا ) أَيْ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
( أَوْ ) بِعْتُكَ ( عَلَى أَنْ تُرْهِنَنِيهِ ) أَيْ الْمَبِيعَ ( بِثَمَنِهِ ، وَإِلَّا ) تَفْعَلْ ذَلِكَ ( فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا ) فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْقَبُولِ ( وَيَنْفَسِخُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ) أَيْ يَنْقُدُهُ الثَّمَنَ إلَى الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ ، أَوْ يَرْهَنُهُ الْمَبِيعَ بِثَمَنِهِ ، لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَمِثْلُهُ لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ وَأَقْبَضَهُ لَهُ وَشَرَطَ إنْ رَدَّهُ بَائِعٌ إلَى وَقْتِ كَذَا فَلَا بَيْعَ

بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ لِيَرْبَحَ فِي قَرْضٍ ، وَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثٍ ، وَإِلَّا فَلِيَ الْفَسْخُ ، أَوْ قَالَ : اشْتَرَيْته عَلَى أَنْ تُسَلِّمَنِي الْمَبِيعَ إلَى ثَلَاثٍ وَإِلَّا فَلِي الْفَسْخُ صَحَّ وَلَهُ شَرْطُهُ

وَفَاسِدُهُ أَيْ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ ثَلَاثَةُ ( أَنْوَاعٍ : أَحَدُهَا ( مُبْطِلٌ ) لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ ( كَشَرْطِ بَيْعٍ آخَرَ ) كَبِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذِهِ الْفَرَسَ ( أَوْ ) شَرْطِ ( سَلَفٍ ) كَبِعْتُكَ عَبْدِي عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا ( أَوْ ) شَرْطِ ( قَرْضٍ ) كَعَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا ( أَوْ ) شَرْطِ ( إجَارَةٍ ) كَعَلَى أَنْ تُؤَجِّرَنِي دَارَكَ بِكَذَا ( أَوْ ) شَرْطِ ( شَرِكَةٍ ) كَعَلَى أَنْ تَشَارَكَنِي فِي كَذَا ( أَوْ ) شَرْطِ ( صَرْفِ الثَّمَنِ ) كَبِعْتُكَ الْأَمَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ تَصْرِفَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ( أَوْ ) شَرْطِ صَرْفِ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الثَّمَنِ ، كَبِعْتُكَ الثَّوْبَ عَلَى أَنْ تَصْرِفَ لِي هَذِهِ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ ؛ لِمَا تَقَدَّمَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ } ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا النَّوْعُ ( بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ ، الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ) قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا " وَلِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ أَوْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَنَحْوِهِ ، أَوْ حِصَّتِهِ مِنْهُ قَرْضًا أَوْ مَجَّانًا

النَّوْعُ ( الثَّانِي : مَا يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ ، كَشَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ ) أَيْ الْبَيْعِ ( كَ ) اشْتِرَاطِ مُشْتَرٍ ( أَنْ لَا يَخْسَرَ ) فِي مَبِيعٍ ( أَوْ نَفَقِ ) الْمَبِيعِ ( وَإِلَّا رَدَّهُ ) لِبَائِعِهِ ( أَوْ ) اشْتَرَطَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ أَنْ ( لَا يَقِفَهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ ( أَوْ ) أَنْ لَا ( يَبِيعَهُ ، أَوْ ) أَنْ لَا ( يَهَبَهُ ، أَوْ ) أَنْ لَا ( يُعْتِقَهُ ، أَوْ إنْ أَعْتَقَهُ فَلِبَائِعٍ وَلَاؤُهُ ، أَوْ ) اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ ( أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ) أَيْ أَنْ يَقِفَ الْمَبِيعَ أَوْ يَبِيعَهُ أَوْ يَهَبَهُ ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ، لِعَوْدِ الشَّرْطِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ ، نَحْوُ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ أَخُوكَ أَوْ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ وَفِيهِ { خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَفِيهِ { مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَتَأْوِيلُ " اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ " بِاشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا بِإِعْتَاقِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ ، وَلِأَنَّهُمْ أَبَوْا الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ لَهُمْ الْوَلَاءَ فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا بِمَا لَا يَقْبَلُونَهُ مِنْهَا ؟ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أَمَرَهَا بِهِ وَهُوَ فَاسِدٌ ؟ أُجِيبَ : بِأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً بَلْ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا } وَالتَّقْدِيرُ : اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ أَوْ لَا تَشْتَرِطِي ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ " فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " ( إلَّا شَرْطُ الْعِتْقِ ) فَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ ( وَيُجْبَرُ ) مُشْتَرٍ عَلَى عِتْقِ مَبِيعٍ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ ( إنْ أَبَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهَا الْمُشْتَرِي ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَالنَّذْرِ وَإِذَا أَصَرَّ ) مُمْتَنِعًا ( أَعْتَقَهُ حَاكِمٌ ) كَطَلَاقِهِ عَلَى مُوَلٍّ ( وَكَذَا شَرْطُ رَهْنٍ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27