كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( وَتَعْتِقُ ) أُمُّ وَلَدٍ ( بِمَوْتِهِ ) أَيْ سَيِّدِهَا ( وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ { ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ .
وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إتْلَافٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَاجَةٍ أَصْلِيَّةٍ ، وَهِيَ الْوَطْءُ فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ .
( وَإِنْ وَضَعَتْ ) أَمَةٌ مِنْ مَالِكِهَا أَوْ أَبِيهِ ( جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ كَالْمُضْغَةِ وَنَحْوِهَا ) كَالْعَلَقَةِ ( لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ .
فَإِنْ شَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ بِأَنَّ فِي هَذَا الْجِسْمِ صُورَةً خَفِيَّةً تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ لِاطِّلَاعِهِنَّ عَلَى مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِنَّ ( وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ) بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ شُبْهَةٍ ( لَا بِزِنًا ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا عَتَقَ الْحَمْلُ ) لِأَنَّهُ وَلَدُهُ ( وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ ) نَصًّا لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ .
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الرِّقُّ ، خُولِفَ فِيمَا إذَا حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِ سَيِّدِهَا فَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ .
وَإِنْ زَنَا بِأَمَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَأَجْنَبِيٍّ مِنْهُ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ

( وَمَنْ مَلَكَ ) أَمَةً ( حَامِلًا ) مِنْ غَيْرِهِ ( فَوَطِئَهَا ) قَبْلَ وَضْعِهَا ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( بَيْعُ الْوَلَدِ ) وَلَمْ يَصِحَّ ( وَيُعْتِقُهُ ) نَصًّا .
لِأَنَّهُ قَدْ شُرِكَ فِيهِ .
لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَأَنَّهُ يَسْرِي كَالْعِتْقِ أَيْ لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً ( وَيَصِحُّ قَوْلُهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( لِأَمَتِهِ : يَدُك أُمُّ وَلَدِي ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَهَا : أَنْتِ أُمُّ وَلَدِي لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَنَّ جُزْءًا مِنْهَا مُسْتَوْلِدٌ يُلْزِمُهُ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيلَادِهَا كَقَوْلِهِ يَدُك حُرَّةٌ ( أَوْ ) أَيْ وَكَذَا قَوْلُهُ ( لِابْنِهَا ) أَيْ ابْنِ أَمَتِهِ ( يَدُك ابْنِي ) فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ ابْنُهُ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتَ ابْنِي وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَلَدْتِيهِ فِي مِلْكِي لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى وِلَادَتِهَا لَهُ فِي مِلْكِهِ .

وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ ( وَأَحْكَامُ أُمِّ وَلَدٍ كَ ) أَحْكَامِ ( أَمَةٍ ) غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ ( فِي إجَارَةٍ وَاسْتِخْدَامٍ وَوَطْءٍ وَسَائِرِ أُمُورِهَا ) كَإِعَارَةٍ وَإِيدَاعٍ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ .
أَشْبَهَتْ الْقِنَّ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { هِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ } وَقَوْلِهِ { فَهِيَ مُعْتَقَةٌ مِنْ بَعْدِهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ بَاقِيَةٌ فِي الرِّقِّ ( إلَّا فِي تَدْبِيرٍ ) فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ الِاسْتِيلَادُ أَقْوَى مِنْهُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَبْطَلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ كَبَيْعٍ ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ ( غَيْرِ كِتَابَةٍ ) فَتَصِحُّ كِتَابَتُهَا وَيُقَدَّمُ ( وَكَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقَالَ : لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا السَّيِّدُ مَا دَامَ حَيًّا ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ( أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا ) إشْعَارٌ بِذَلِكَ .
وَمَنْعُ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ .
.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ بَيْعُهُنَّ .
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ { بِعْنَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا } لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِلْمِ أَبِي بَكْرٍ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ وَلَمْ تَجْتَمِعْ الصَّحَابَةُ بَعْدُ عَلَى مُخَالَفَتِهِمَا ( أَوْ يُرَادُ لَهُ ) أَيْ لِنَقْلِ الْمِلْكِ ( كَرَهْنٍ ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ( وَوَلَدِهَا ) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ ( مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا

) إنْ أَتَتْ بِهِ ( بَعْدَ إيلَادِهَا ) مِنْ سَيِّدِهَا ( كَهِيَ ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ إنْ لَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِ بِمَنْ وَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ ، وَسَوَاءٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ، وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مَا يَمْتَنِعُ فِيهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ حُرِّيَّةً وَرِقًّا ، فَكَذَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا ( وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا ) ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ وَلَدَهَا ( لَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهَا ) لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَبِعَهَا فِيهِ وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ وَكَذَا لَوْ عَتَقَ وَلَدُهَا لَمْ تَعْتِقْ بَلْ يَمُوتُ سَيِّدُهَا ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا ( بِمَوْتِهَا قَبْلَ سَيِّدِهَا ) وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا لِبَقَاءِ التَّبَعِيَّةِ ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا مَاتَتْ بَطَلَتْ التَّبَعِيَّةُ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ الْأَدَاءُ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهَا ، وَالسَّبَبُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مَوْتُ السَّيِّدِ وَلَا يَتَعَذَّرُ بِمَوْتِهَا ( وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ ) مِنْهُ ( فَنَفَقَتُهَا لِمُدَّةِ حَمْلِهَا مِنْ مَالِ حَمْلِهَا ) أَيْ نَصِيبِهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ لِمِلْكِهِ لَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَمْلِ مَالٌ بِأَنْ لَمْ يُخَلِّفْ السَّيِّدُ مَا يَرِثُ مِنْهُ الْحَمْلُ ( فَ ) نَفَقَةُ الْحَمْلِ ( عَلَى وَارِثِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }

( وَكُلَّمَا جَنَتْ أُمُّ وَلَدٍ ) عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهَا تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا وَ ( فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ ) أَيْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ( أَوْ ) مِنْ ( قِيمَتِهَا يَوْمَ الْفِدَاءِ ) فَإِنْ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَرِيضَةً أَوْ مُزَوَّجَةً وَنَحْوَهُ أُخِذَتْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ الْعَيْبِ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ قِيمَتُهَا مَعِيبَةً بِعَيْبِ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُهَا فَاعْتُبِرَ كَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ انْتَهَى .
أَمَّا كَوْنُهُ يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهَا فَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ يَمْلِكُ كَسْبَهَا .
أَشْبَهَتْ الْقِنَّ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهَا كُلَّمَا جَنَتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ فَلِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَلَزِمَهُ فِدَاؤُهَا كَأَوَّلِ مَرَّةٍ ( وَلَوْ اجْتَمَعَتْ أُرُوشٌ ) بِجِنَايَاتِهَا ( قَبْلَ إعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا ) أَيْ الْأُرُوشِ ( تَعَلَّقَ الْجَمِيعُ ) مِنْ الْأُرُوشِ ( بِرَقَبَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ ) فِيهَا كُلِّهَا ( إلَّا الْأَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجَمِيعِ أَوْ ) مِنْ ( قِيمَتِهَا ) يَشْتَرِكُ فِيهَا أَرْبَابُ الْجِنَايَاتِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ

( وَإِنْ قَتَلَتْ ) أَيْ أُمُّ وَلَدٍ ( سَيِّدَهَا عَمْدًا فَلِوَلِيِّهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( إنْ لَمْ يَرِثْ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( الْقِصَاصُ ) كَغَيْرِ أُمِّ وَلَدِهِ فَإِنْ وَرِثَ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِ سَيِّدِهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ ( فَإِنْ عَفَا ) عَنْهَا ( عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ الْقَتْلُ ) لِسَيِّدِهَا شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ ( خَطَأٍ لَزِمَهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ ) مِنْ ( دِيَتِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ، وَهِيَ حَالَ الْجِنَايَةِ أَمَتُهُ وَإِنَّمَا تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ ( وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ) وَهُمَا الْقَتْلُ عَمْدًا وَخَطَأً ، لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِعِتْقِهَا زَوَالُ مِلْكِ السَّيِّدِ عَنْهَا وَقَدْ زَالَ ، وَلَوْ لَمْ تَعْتِقْ بِذَلِكَ لَزِمَ زَوَالُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا .
وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِغَيْرِهَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ وَأُجِيبَ بِضَعْفِ السَّبَبِ فِيهِ ( وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ أُمِّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهَا أَمَةٌ تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ أَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ .

( وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدٍ ) لِ ( كَافِرٍ مُنِعَ مِنْ غَشَيَانِهَا ) أَيْ وَطْئِهَا وَالتَّلَذُّذِ بِهَا لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ بِإِسْلَامِهَا ( وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ) ؛ لِئَلَّا يَغْشَاهَا وَلَا تَعْتِقُ بِإِسْلَامِهَا بَلْ يَبْقَى مِلْكُهُ عَلَيْهَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهَا ( وَأُجْبِرَ ) سَيِّدُهَا ( عَلَى نَفَقَتِهَا إنْ عَدِمَ كَسْبُهَا ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ .
فَإِنْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا فِيهِ ؛ لِئَلَّا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا مِمَّا شَاءَتْ .
وَإِنْ فَضَلَ مِنْ كَسْبِهَا شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهَا فَلِسَيِّدِهَا ( فَإِنْ أَسْلَمَ ) سَيِّدُهَا ( حَلَّتْ لَهُ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْكُفْرُ ( فَإِنْ مَاتَ ) سَيِّدُهَا ( كَافِرًا عَتَقَتْ ) بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلِعُمُومِ الْأَخْبَارِ

( وَإِنْ وَطِئَ أَحَدُ اثْنَيْنِ ) مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَمَةٍ ( أَمَتَهُمَا أُدِّبَ ) لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا وَلَا حَدَّ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكًا كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْحَائِضِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ وَاطِئَ الْمُشْتَرَكَةِ ( لِشَرِيكِهِ مِنْ مَهْرِهَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ) مِنْهَا سَوَاءٌ طَاوَعَتْهُ أَوْ أَكْرَهَهَا لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا ( فَلَوْ وَلَدَتْ ) مِنْ وَطْءِ الشَّرِيكِ ( صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ) كَمَا لَوْ كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ ، وَخَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ كَمَا تَخْرُجُ بِالْإِعْتَاقِ مُوسِرًا كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ مُعْسِرًا .
لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ ( وَوَلَدُهُ ) أَيْ الشَّرِيكِ الْوَاطِئِ مِنْهَا ( حُرٌّ ) لِأَنَّهُ مِنْ مَحَلٍّ لِلْوَاطِئِ فِيهِ مِلْكٌ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ ( وَيَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ ) أَيْ الْوَاطِئِ .
( وَلَوْ ) كَانَ ( مُعْسِرًا ) نَصًّا ( قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ) مِنْ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِتْلَافِ ، وَإِنَّمَا سَرَى الْإِيلَادُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ مَعَ عُمْرَتِهِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِ الْإِيلَادِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الشَّرِيكِ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْ فِعْلِهِ لِوُجُودِ الْوَطْءِ بِلَا إيلَادٍ ، فَهُوَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُ مُسَبِّبَاتِهَا كَالزَّوَالِ لِوُجُودِ الطُّهْرِ ( وَلَا ) يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْوَاطِئَ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ ( مِنْ مَهْرٍ وَ ) قِيمَةِ ( وَلَدٍ ) لِأَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ الْوَاطِئِ بِمُجَرَّدِ الْعُلُوقِ ، فَصَارَتْ كُلُّهَا لَهُ وَانْعَقَدَ وَلَدُهُ حُرًّا ( كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا ) فَمَاتَتْ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا .
( فَإِنْ أَوْلَدَهَا ) الشَّرِيكُ ( الثَّانِي بَعْدَ ) إيلَادِ الْأَوَّلِ لَهَا عَالِمًا بِهِ ( فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا ) كَامِلًا لِمُصَادَفَةِ وَطْئِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ .
أَشْبَهَتْ الْأَمَةُ

الْأَجْنَبِيَّةَ ( وَوَلَدُهُ ) مِنْهَا ( رَقِيقٌ ) تَبَعًا لِأُمِّهِ ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ فِيهَا ( وَإِنْ جَهِلَ ) الْوَاطِئُ الثَّانِي ( إيلَادَ شَرِيكِهِ ) الْأَوَّلِ ( أَوْ ) عَلِمَهُ وَجَهِلَ ( أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ وَأَنَّ حِصَّتَهُ انْتَقَلَ مِلْكُهَا لِلْأَوَّلِ بِإِيلَادِهَا ( فَوَلَدُهُ حُرٌّ ) لِلشُّبْهَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْوَاطِئِ الثَّانِي ( فِدَاؤُهُ ) أَيْ فِدَاءُ وَلَدِهِ الَّذِي أَتَتْ بِهِ مِنْ وَطْئِهِ مَعَ جَهْلِهِ كَوْنَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ ( يَوْمَ الْوِلَادَةِ ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ وَلِلْآخَرِ الْبَقِيَّةُ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

كِتَابُ النِّكَاحِ لُغَةً الْوَطْءُ الْمُبَاحُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ النِّكَاحُ الْوَطْءُ وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ الْمُرَادُ كَعَقَدْت وَنَكَحَتْ هِيَ أَيْ تَزَوَّجَتْ انْتَهَى وَإِذَا قَالُوا نَكَحَ فُلَانَةَ أَوْ بِنْتَ فُلَانٍ أَرَادُوا عَقْدَ الزَّوَاجِ وَإِذَا قَالُوا نَكَحَ امْرَأَتَهُ وَزَوْجَتَهُ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا الْمُجَامَعَةَ لِقَرِينَةِ ذِكْرِ امْرَأَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيّ ( وَهُوَ ) أَيْ النِّكَاحُ شَرْعًا ( حَقِيقَةٌ فِي عَقْدِ التَّزْوِيجِ ) لِصِحَّةِ نَفْيِهِ السِّفَاحَ فَيُقَالُ هَذَا سِفَاحٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ وَصِحَّةُ النَّفْيِ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَلِانْصِرَافِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ وَتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ ( مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ ) لِمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ النِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي مَجْمُوعِهِمَا فَهُوَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ .
قَالَ ابْنُ رَزِينٍ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِاعْتِبَارِ مُطْلَقِ الضَّمِّ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّوَاطُؤِ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ( وَالْأَشْهَرُ ) أَنَّهُ أَيْ لَفْظَ النِّكَاحِ ( مُشْتَرَكٌ ) بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ .
ا هـ .
لِوُرُودِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ ( وَالْمَعْقُودُ ) أَيْ الَّذِي يَرِدُ ( عَلَيْهِ ) عَقْدُ النِّكَاحِ ( الْمَنْفَعَةُ ) كَالْإِجَارَةِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ وَأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْفَعَةِ الِاسْتِخْدَامِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحِلُّ لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {

فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } الْآيَةَ وَغَيْرَهَا .
وَحَدِيثِ { تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ

( وَسُنَّ ) النِّكَاحَ ( لِذِي شَهْوَةٍ لَا يَخَافُ زِنًا ) مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
خَاطَبَ الشَّبَابَ لِأَنَّهُمْ أَغْلَبُ شَهْوَةً ( وَاشْتِغَالُهُ ) أَيْ ذِي الشَّهْوَةِ ( بِهِ ) أَيْ بِالنِّكَاحِ ( أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ ) لِظَاهِرِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ وَفِعْلِهِمْ : قَالَ ابْنُ مَسْكَوَيْهِ ( لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا وَمَا لِي فِيهِنَّ طَوْلُ النَّكْحِ لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : تَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْصِينِ فَرْجِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَإِيجَادِ النَّسْلِ وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ

( وَيُبَاحُ ) النِّكَاحُ ( لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ ) أَصْلًا كَعِنِّينٍ أَوْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِعَارِضٍ كَمَرَضٍ وَكِبَرٍ .
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ التَّحْصِينُ وَالْوَلَدُ وَكَثْرَةُ النَّسْلِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْخِطَابُ بِهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ لِعَدَمِ مَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ فَتَخَلِّيهِ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ لِمَنْعِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ وَإِضْرَارِهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ وَتَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ لَا يَقُومُ بِهَا وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ

( وَيَجِبُ ) النِّكَاحُ بِنَذْرٍ وَ ( عَلَى مَنْ يَخَافُ ) بِتَرْكِهِ ( زِنًا ) وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ ( ظَنًّا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَوْنُهَا عَنْ الْحَرَامِ وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَادِرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالْعَاجِزِ عَنْهُ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَيُمْسِي وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { زَوَّجَ رَجُلًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ وَلَا وَجَدَ إلَّا إزَارَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
قَالَ فِي الشَّارِحِ : وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُمْكِنُهُ التَّزْوِيجُ فَأَمَّا مَنْ لَا يُمْكِنُهُ .
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } انْتَهَى .
وَنَقَلَ صَالِحٌ يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ وَمَنْ أَمَرَهُ بِهِ وَالِدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلْيَتَزَوَّجْ نَصًّا .
( وَيُقَدَّمُ ) النِّكَاحُ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ وُجُوبِهِ ( عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ ) زَاحَمَهُ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورٍ ( وَلَا يَكْتَفِي ) فِي الْخُرُوجِ مِنْ وُجُوبِ النِّكَاحِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَلَا ( بِمَرَّةٍ ) أَيْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ مَرَّةً ( بَلْ يَكُونُ ) التَّزْوِيجُ ( فِي مَجْمُوعِ الْعُمُرِ ) لِيَحْصُلَ الْإِعْفَافُ وَصَرْفُ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ

( وَيَجُوزُ ) نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ ( بِدَارِ حَرْبٍ لِضَرُورَةٍ لِغَيْرِ أَسِيرٍ ) وَلَا يَتَزَوَّجْ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَلَوْ مُسْلِمَةً نَصًّا .
وَلَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَتْ مَعَهُ نَصًّا .
وَعَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَإِنَّهُ عَلَّلَ وَقَالَ : مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ ؛ لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَسِيرُ لَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ مَا دَامَ أَسِيرًا ( وَيَعْزِلُ ) وُجُوبًا إنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ( وَيُجْزِئُ تَسَرٍّ عَنْهُ ) أَيْ النِّكَاحِ حَيْثُ وَجَبَ أَوْ اُسْتُحِبَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ

( وَسُنَّ ) لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحًا ( تَخَيُّرُ ذَاتِ الدِّينِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( الْوَلُودِ ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ سَعِيدٌ ( الْبِكْرِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِجَابِرٍ { فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِكَوْنِهَا مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ ( الْحَسِيبَةِ ) لِنَجَابَةِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا وَنَزَعَ إلَيْهِمْ أَيْ أَتَى عَلَى صِفَتِهِمْ ( الْأَجْنَبِيَّةِ ) لِأَنَّ وَلَدَهَا أَنْجَبُ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْفِرَاقَ فَيُفْضِي مَعَ الْقَرَابَةِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَيُسَنُّ أَيْضًا تَخَيُّرُ الْجَمِيلَةِ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ أَسْكَتُ لِنَفْسِهِ وَأَغَضُّ لِبَصَرِهِ وَأَكْمَلُ لِمَوَدَّتِهِ وَلِذَلِكَ شُرِعَ النَّظَرُ قَبْلَ النِّكَاحِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : الَّتِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي مَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ( وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهَا حَتَّى يُحْمَدَ ) لَهُ ( جَمَالُهَا ) قَالَ أَحْمَدُ إذَا خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً سَأَلَ عَنْ جَمَالِهَا أَوَّلًا فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ دِينِهَا فَإِنْ حُمِدَ تَزَوَّجَ وَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ يَكُونُ رَدًّا لِأَجْلِ الدِّينِ وَلَا يَسْأَلُ أَوَّلًا عَنْ الدِّينِ فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ الْجَمَالِ فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ رَدَّهَا لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ ( وَلَا تُسَنُّ ) الزِّيَادَةُ عَلَى وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِلْمُحَرَّمِ وَأَرَادَ أَحْمَدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى فَقَالَ يَكُونُ لَهُمَا لَحْمٌ يُرِيدُ كَوْنَهُمَا سَمِينَتَيْنِ وَكَانَ يُقَالُ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلْيَسْتَجِدَّ شَعْرَهَا فَإِنْ الشَّعْرَ وَجْهٌ

فَتَخَيَّرُوا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ وَالْقَنَاعَةِ وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ عَقْلٍ لَا حَمْقَاءَ وَأَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ يُفْسِدْنَهَا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يُدْخِلَ بَيْتَهُ مُرَاهِقًا وَلَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَأَحْسَنُ النِّسَاءِ التُّرْكِيَّاتُ وَأَصْلَحُهُنَّ الْجَلَبُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ أَحَدًا وَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ إطْلَاقَ الْبَصَرِ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَرَى غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْعِشْقُ فَيَهْلِكُ الْبَدَنُ وَالدِّينُ فَمَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَتَفَكَّرْ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ .

فَصْل وَيُبَاحُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ ( وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ نَظَرُ مَا يَظْهَرُ ) مِنْهَا ( غَالِبًا كَوَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ ) لِحَدِيثِ { إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَقَالَ أَيْ النَّبِيُّ : { إذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ .
وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَمَعْنَى يُؤْدَمَ أَيْ يُؤَلَّفُ وَيُوَفَّقُ وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْحَظْرِ فَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ ( وَيُكَرِّرُهُ وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ ) بِلَا إذْنِ ( الْمَرْأَةِ ) إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ أَيْ ثَوَرَانَهَا ( مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ : فَخَطَبْت جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَكُنْت أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
فَإِنْ كَانَ مَعَ خَلْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ لَمْ يَجُزْ ( وَلِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ نَظَرُ ذَلِكَ ) أَيْ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالرَّقَبَةِ وَالْقَدَمِ ( وَرَأْسٍ وَسَاقٍ مِنْ أَمَةٍ مُسْتَامَةٍ ) أَيْ مُعَرَّضَةٍ لِلْبَيْعِ يُرِيدُ شِرَاءَهَا كَمَا لَوْ أَرَادَ خِطْبَتَهَا بَلْ الْمُسْتَامَةُ أَوْلَى ، لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ نَقَلَ حَنْبَلٌ ، لَا بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَهَا إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ ، لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا .
وَرَوَى أَبُو حَفْصَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا وَعَلَى عَجُزِهَا مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ وَيَكْشِفُ عَنْ سَاقَيْهَا .
( وَ ) يُبَاحُ

لِرَجُلٍ نَظَرُ وَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ وَرَأْسٍ وَسَاقٍ ( مِنْ ) ذَاتِ مَحْرَمٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } الْآيَةَ ( وَهِيَ ) أَيْ ذَاتُ الْمَحْرَمِ ( مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِنَسَبٍ ) كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ ( أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ ) كَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَزَوْجَةِ ابْنَيْهِ وَابْنِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ بِخِلَافِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا إلَى أَمَدٍ وَبِخِلَافِ أُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتِهَا وَأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا ، لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مُبَاحًا ( لِحُرْمَتِهَا ) إخْرَاجًا لِلْمُلَاعَنَةِ ، لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ أَبَدًا عُقُوبَةً عَلَيْهِ لَا لِحُرْمَتِهَا ( إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ آبَائِهِنَّ وَنَحْوِهِمْ وَإِنْ حُرِّمْنَ عَلَيْنَا أَبَدًا .
( وَ ) يُبَاحُ ( لِلْعَبْدِ ) امْرَأَةٌ ( لَا مُبَعَّضٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ نَظَرُ ذَلِكَ ) أَيْ الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالرَّأْسِ وَالسَّاقِ ( مِنْ مَوْلَاتِهِ ) أَيْ مَالِكَةِ كُلِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } وَلِمَشَقَّةِ تَحَرُّزِهَا مِنْهُ ( وَكَذَا غَيْرُ أُولِي الْإِرْبَةِ ) أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّسَاءِ فَيُبَاحُ لَهُمْ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ ( كَعِنِّينٍ وَكَبِيرٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَمَرِيضٍ لَا شَهْوَةَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ } .
( وَ ) يُبَاحُ أَنْ ( يَنْظُرَ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَعَجُوزٍ وَبَرْزَةٍ ) لَا تُشْتَهَى ( وَقَبِيحَةٍ وَنَحْوِهِنَّ ) كَمَرِيضَةٍ لَا تُشْتَهَى إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } الْآيَةَ .
( وَ ) يُبَاحُ أَنْ يَنْظُرَ ( مِنْ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْتَامَةٍ إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ ) قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ ، وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّ حُكْمَهُمَا

وَاحِدٌ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَمَةٍ رَآهَا مُتَقَنِّعَةً ( اكْشِفِي رَأْسَكِ وَلَا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ ) وَأَطَالَ فِي شَرْحِهِ فِي رَدِّ كَلَامِ الْمُنَقِّحِ هُنَا ، وَهَكَذَا فِي الْإِقْنَاعِ الصَّوَابُ خِلَافُهُ

( وَحَرُمَ نَظَرُ خَصِيٍّ ) أَيْ مَقْطُوعِ الْخُصْيَتَيْنِ ( وَمَجْبُوبٍ ) أَيْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ ( وَمَمْسُوحٍ ) أَيْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ ( إلَى أَجْنَبِيَّةٍ ) وَلَوْ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : اسْتَعْظَمَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ دُخُولَ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا تُبَاحُ خَلْوَةُ النِّسَاءِ بِالْخُصْيَانِ وَلَا بِالْمَجْبُوبِينَ ، لِأَنَّ الْعُضْوَ وَإِنْ تَعَطَّلَ أَوْ عُدِمَ فَشَهْوَةُ الرِّجَالِ لَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بِالْقُبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، وَلِذَلِكَ لَا يُبَاحُ خَلْوَةُ الْفَحْلِ بِالرَّتْقَاءِ مِنْ النِّسَاءِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ .
( وَلِشَاهِدٍ وَمُعَامِلٍ نَظَرُ وَجْهٍ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا وَوَجْهِ ) مَنْ تُعَامِلُهُ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِيَعْرِفَهَا بِعَيْنِهَا لِتَجُوزَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا أَوْ لِيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِالدَّرْكِ ( وَكَذَا ) لِمُعَامِلٍ نَظَرٌ إلَى ( كَفَّيْهَا لِحَاجَةٍ ) نَقَلَ حَرْبٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ فِي الْبَائِعِ يَنْظُرُ كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا إنْ كَانَتْ عَجُوزًا رَجَوْتُ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى أَكْرَهُ ذَلِكَ ( وَلِطَبِيبٍ وَمَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ ) وَأَقْطَعَ يَدَيْنِ ( وَلَوْ أُنْثَى فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ نَظَرٌ وَمَسٌّ ) حَتَّى لِفَرْجٍ لَكِنْ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ ( مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ ) دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَلْيَسْتُرْ مَا عَدَاهُ وَكَذَا حَالُ تَخْلِيصِ مَنْ غَرِقَ وَنَحْوِهِ ، .
وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ } وَعَنْ عُثْمَانَ ( أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ فَقَالَ اُنْظُرُوا فِي مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ ) ( وَكَذَا لَوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ ) أَيْ حَلْقَ عَانَةِ نَفْسِهِ فَيُبَاحُ لِلْحَلَّاقِ النَّظَرُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْلِقُهُ نَصًّا

( وَ ) يُبَاحُ ( لِامْرَأَةٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَافِرَةً مَعَ مُسْلِمَةٍ ، وَلِرَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ وَلَوْ أَمْرَدَ نَظَرُ غَيْرِ عَوْرَةٍ وَهِيَ ) أَيْ الْعَوْرَةُ هُنَا ( مِنْ امْرَأَةٍ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ ) كَالرَّجُلِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْأَمْرَدُ جَمِيلًا يُخَافُ الْفِتْنَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ تَعَهُّدُ النَّظَرِ إلَيْهِ ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ قَالَ { قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ قَيْسٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَمْرَدُ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ .
( وَ ) يُبَاحُ ( لِامْرَأَةٍ نَظَرٌ مِنْ رَجُلٍ إلَى غَيْرِ عَوْرَةٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : { اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَلَا يَرَاك } وَقَالَتْ عَائِشَةُ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُنَّ لَوْ مُنِعْنَ النَّظَرَ لَوَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ الْحِجَابُ كَمَا وَجَبَ عَلَى النِّسَاءِ ؛ لِئَلَّا يَنْظُرْنَ إلَيْهِمْ فَأَمَّا حَدِيثُ نَبْهَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ { كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَحَفْصَةُ فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبَا مِنْهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَرِيرٌ لَا يُبْصِرُ قَالَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا لَا تُبْصِرَانِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، فَقَالَ أَحْمَدُ ، نَبْهَانُ رَوَى حَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ هَذَا الْحَدِيثَ وَالْآخَرُ { إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ } كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ إذْ لَمْ يَرْوِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِلْأُصُولِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَبْهَانُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ فَالْحُجَّةُ بِهِ

لَازِمَةٌ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ نَبْهَانَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ .
قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ( وَمُمَيِّزٌ لَا شَهْوَةَ لَهُ مَعَ امْرَأَةٍ كَامْرَأَةٍ ) مَعَ امْرَأَةٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ } وَقَوْلِهِ : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ ( وَ ) الْمُمَيِّزُ ( ذُو الشَّهْوَةِ مَعَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ كَمَحْرَمٍ لِلْآيَةِ حَيْثُ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَالِغِ ( وَبِنْتُ تِسْعٍ مَعَ رَجُلٍ كَمَحْرَمٍ ) لِحَدِيثِ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ تَحِضْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَعَ الرِّجَالِ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَكَالْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ مَعَ النِّسَاءِ .
( وَخُنْثَى مُشْكِلٌ فِي نَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَنَظَرُهُ ) أَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ ( إلَى رَجُلٍ كَنَظَرِ امْرَأَةٍ إلَيْهِ ) أَيْ الرَّجُلِ ( وَ ) نَظَرُ خُنْثَى مُشْكِلٍ ( إلَى امْرَأَةٍ كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهَا ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ ( وَلِرَجُلٍ نَظَرٌ لِغُلَامٍ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ ) كَالْبَالِغِ ، وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحِجَابُ كَالْمَرْأَةِ ( وَيَحْرُمُ نَظَرٌ لَهَا ) أَيْ الشَّهْوَةِ بِأَنْ يَتَلَذَّذَ بِالنَّظَرِ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا ( أَوْ ) أَيْ وَيَحْرُمُ نَظَرٌ ( مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا ) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ ، وَحَرَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ النَّظَرَ مَعَ شَهْوَةِ تَخْنِيثٍ وَسِحَاقٍ وَدَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا وَلَا يَعِفُّ عَنْهَا ( وَلَمْسٌ كَنَظَرٍ بَلْ أَوْلَى ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْهُ فَيَحْرُمُ اللَّمْسُ حَيْثُ يَحْرُمُ النَّظَرُ وَلَيْسَ كُلَّمَا أُبِيحَ نَظَرُهُ لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ يُبَاحُ لَمْسُهُ

، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ لِلنَّظَرِ وَاللَّمْسِ فَحَيْثُ أُبِيحَ النَّظَرُ لِدَلِيلِهِ بَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ إلَّا مَا نُصَّ عَلَى جَوَازِ لَمْسِهِ

( وَصَوْتُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَيَحْرُمُ تَلَذُّذٌ بِسَمَاعِهِ ) أَيْ صَوْتِ الْمَرْأَةِ غَيْرِ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ صَوْتُهَا ( بِقِرَاءَةٍ ) لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْفِتْنَةِ بِهَا ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا تُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ إذَا سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ ( وَ ) يَحْرُمُ ( خَلْوَةُ غَيْرِ مَحْرَمٍ ) بِذَاتِ مَحْرَمِهِ ( عَلَى الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ( مُطْلَقًا ) أَيْ بِشَهْوَةٍ وَدُونَهَا ( وَكَرَجُلٍ ) وَاحِدٍ يَخْلُو ( مَعَ عَدَدٍ مِنْ نِسَاءٍ وَعَكْسِهِ ) بِأَنْ يَخْلُوَ عَدَدٌ مِنْ رِجَالٍ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَلَوْ بِحَيَوَانٍ يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ أَوْ تَشْتَهِيهِ كَالْقِرْدِ .
ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَشَيْخُنَا ، وَقَالَ الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ وَمُضَاجَعَتُهُ كَالْمَرْأَةِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَالْمُقِرُّ مُوَلِّيهِ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ لِذَلِكَ مَلْعُونٌ دَيُّوثٌ وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ أَوْ بِمُعَاشَرَةٍ بَيْنَهُمْ مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ

( وَلِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهِ ) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وَلِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ { عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَجَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ ( كَبِنْتٍ دُونَ سَبْعِ ) سِنِينَ وَابْنٍ دُونَ سَبْعٍ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِمَا ، .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي لَيْلَى قَالَ { كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَعَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ فَرَفَعَ مُقَدَّمَ قَمِيصِهِ أُرَاهُ قَالَ فَقَبَّلَ زَبِيبَهُ } رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ ( وَكُرِهَ ) النَّظَرُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْفَرْجِ ( حَالَ الطَّمْثِ ) أَيْ الْحَيْضِ يُقَالُ طَمَثَتْ الْمَرْأَةُ تَطْمُثُ كَنَصَرَ وَسَمِعَ إذَا حَاضَتْ فَهِيَ طَامِثٌ وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَالِ الْوَطْءِ .
( وَ ) كُرِهَ ( تَقْبِيلُهُ ) أَيْ لِفَرْجٍ ( بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا قَبْلَهُ ) قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَطَاءٍ ( وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا ، لِمَا تَقَدَّمَ وَالسُّنَّةُ عَدَمُ نَظَرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى فَرْجِ الْآخَرِ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { مَا رَأَيْت فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَفِي لَفْظٍ { مَا رَأَيْته مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَآهُ مِنِّي } وَلِأَنَّهُ أَغْلَظُ الْعَوْرَةِ ( وَيَنْظُرُ سَيِّدٌ مِنْ أَمَتِهِ غَيْرِ الْمُبَاحَةِ ) لَهُ ( كَزَوْجَةٍ وَ ) يَنْظُرُ ( مُسْلِمٌ مِنْ أَمَتِهِ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ إلَى غَيْرِ عَوْرَةٍ ) فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَى

مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ .
لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ جَارِيَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمَفْهُومُهُ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى مَا عَدَا ذَلِكَ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ فِي مَعْنَى الْمُزَوَّجَةِ بِجَامِعِ الْحُرْمَةِ ( وَمَنْ لَا يَمْلِكُ ) مِنْ أَمَةٍ ( إلَّا بَعْضَهَا ) وَلَوْ أَكْثَرَهَا ( كَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ ) فِيهَا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالنَّظَرِ ، لِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ حَرَّمَ دَوَاعِيَهُ ( وَحَرُمَ تَزَيُّنُ ) امْرَأَةٍ ( لِمَحْرَمٍ غَيْرِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ ) لِدُعَائِهِ إلَى الِافْتِتَانِ بِهَا وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ وَشَدَّدَ حَتَّى لِمَحْرَمٍ غَيْرِ أَبٍ .
وَفِي الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ وَمَحْرَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَحْرُمُ التَّصْرِيحُ وَهُوَ أَيْ التَّصْرِيحُ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ ( بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَمِثْلُهَا مُسْتَبْرَأَةٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدٍ وَنَحْوِهِ كَقَوْلِهِ أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجِينِي أَوْ زَوِّجِينِي نَفْسَك لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } إذْ تَخْصِيصُ التَّعْرِيضِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّصْرِيحِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْمِلَهَا الْحِرْصُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا ( إلَّا لِزَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ ) كَالْمَخْلُوعَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ دُونَ ثَلَاثٍ عَلَى عِوَضٍ ، لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهَا فِي عِدَّتِهَا أَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُعْتَدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ، فَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فِي عِدَّتِهَا فَالزَّوْجُ كَالْأَجْنَبِيِّ ، لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إذَنْ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ( وَ ) يَحْرُمُ أَيْضًا ( تَعْرِيضٌ بِخِطْبَةِ رَجْعِيَّةٍ ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ أَشْبَهَتْ الَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ

( وَيَجُوزُ ) التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ ( فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ ) لِلْآيَةِ { وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ مُتَأَيِّمَةٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ : لَقَدْ عَلِمْت أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَمَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي } وَكَانَتْ تِلْكَ خِطْبَتَهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالنِّكَاحِ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ .
( وَ ) يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ ( بَائِنٍ وَلَوْ بِغَيْرِ ) طَلَاقِ ( ثَلَاثٍ ) وَفَسْخٍ لِعُنَّةٍ وَعَيْبٍ ( لِأَنَّهَا بَائِنٌ أَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَالْمُنْفَسِخُ نِكَاحُهَا لِنَحْوِ رَضَاعٍ وَلِعَانٍ مِمَّا تَحْرُمُ بِهِ أَبَدًا وَهِيَ ) أَيْ الْمَرْأَةُ ( فِي جَوَابِ ) خَاطِبٍ ( كَهُوَ ) أَيْ كَالْخَاطِبِ ( فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ ) مِنْ تَصْرِيحٍ وَتَعْرِيضٍ فَيَجُوزُ لِلْبَائِنِ التَّعْرِيضُ فِي عِدَّتِهَا دُونَ التَّصْرِيحِ لِغَيْرِ مِنْ تَحِلُّ لَهُ إذْنٌ وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ فِي الْجَوَابِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ( وَالتَّعْرِيضُ مِنْ الْخَاطِبِ إنِّي فِي مِثْلِك لَرَاغِبٌ وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِك وَتَحْبِيبُهُ مَا يَرْغَبُ عَنْك وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ وَنَحْوُهُمَا ) كَقَوْلِهِ إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي وَمَا أَحْوَجَنِي إلَى مِثْلِك ، وَقَوْلُهَا إنْ يَكُ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ يُمْضِهِ

( وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ أُجِيبَ وَلَوْ تَعْرِيضًا إنْ عَلِمَ الثَّانِي ) إجَابَةً الْأَوَّلِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْإِفْسَادِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِيذَائِهِ وَإِيقَاعْ الْعَدَاوَةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِإِجَابَةِ الْأَوَّلِ ( جَازَ ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ ( أَوْ تَرَكَ ) الْأَوَّلُ الْخِطْبَةَ ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْعَقْدَ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَضَرَّرَتْ الْمَخْطُوبَةُ ( أَوْ أَذِنَ ) الثَّانِي فِي الْخِطْبَةِ جَازَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ { لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ الْخَاطِبُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
( أَوْ سَكَتَ ) الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ ( عَنْهُ ) أَيْ الثَّانِي بِأَنْ اسْتَأْذَنَهُ فَسَكَتَ ( جَازَ ) لِلثَّانِي أَنْ يَخْطُبَ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عِنْدَ اسْتِئْذَانِهِ فِي مَعْنَى التَّرْكِ وَكَذَا لَوْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَعْدَ إجَابَتِهِ ، وَيُكْرَهُ رَدُّهُ بِلَا غَرَضٍ ( وَالتَّعْوِيلُ فِي رَدِّ وَإِجَابَةِ ) الْخِطْبَةِ ( عَلَى وَلِيٍّ مُجْبِرٍ ) وَهُوَ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً بِكْرًا وَكَذَا سَيِّدُ أَمَةٍ بِكْرًا وَثَيِّبًا فَلَا أَثَرَ لِإِجَابَةِ الْمُجْبَرَةِ ، لِأَنَّ وَلِيَّهَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا ، لَكِنْ إنْ كَرِهَتْ مَنْ أَجَابَهُ وَلِيُّهَا وَعَيَّنَتْ غَيْرَهُ سَقَطَ حُكْمُ إجَابَةِ وَلِيِّهَا لِتَقْدِيمِ اخْتِيَارِهَا عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ مُجْبَرَةً كَحُرَّةٍ ثَيِّبٍ عَاقِلَةٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ ( فَ ) التَّعْوِيلُ فِي رَدٍّ وَإِجَابَةٍ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْمَخْطُوبَةِ دُونَ وَلِيِّهَا ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا فَكَانَ الْأَمْرُ أَمْرَهَا وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُرْوَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَائِشَةَ إلَى أَبِي بَكْرٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا مُرْسَلًا .
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّهُ لَمَّا

مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَرْسَلَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنِي وَأَجَبْتُهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا .
فَإِنْ خَطَبَ كَافِرٌ كِتَابِيَّةً لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَتُهَا عَلَى مُسْلِمٍ نَصًّا ، وَقَالَ { لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يُسَاوِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ } إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ سَاوَمَ عَلَى سَوْمِهِمْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِإِخْوَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ

( وَفِي تَحْرِيمِ خِطْبَةِ مَنْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ ) شَخْصٍ ( مُعَيَّنٍ ) مُسْلِمٍ ( احْتِمَالَانِ ) أَحَدُهُمَا تَحْرُمُ كَمَا لَوْ خُطِبَتْ فَأَجَابَتْ ، وَالثَّانِي لَا تَحْرُمُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطِبْهَا أَحَدٌ وَهُمَا لِلْقَاضِي .
قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ ، الْأَظْهَرُ التَّحْرِيمُ ( وَيَصِحُّ عَقْدٌ مَعَ خِطْبَةٍ حَرُمَتْ ) لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ تَقَدُّمُ حَظْرٍ عَلَى الْعَقْدِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَدَّمَ عَلَيْهِ تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا مُحَرَّمًا

( وَيُسَنُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) لِأَنَّهُ يَوْمٌ شَرِيفٌ وَيَوْمُ عِيدٍ وَالْبَرَكَةُ فِي النِّكَاحِ مَطْلُوبَةٌ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَشْرَفُ الْأَيَّامِ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ وَالْإِمْسَاءُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ مَرْفُوعًا { أَمْسُوا بِالْإِمْلَاكِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ } وَلِأَنَّ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ ، فَاسْتُحِبَّ الْعَقْدُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ وَأَحْرَى لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ لَهُمَا .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ يَخْطُبَ ) الْعَاقِدُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ النِّكَاحِ .
وَفِي الْغُنْيَةِ إنْ أُخِّرَتْ جَازَتْ .
وَفِي الْإِنْصَافِ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَعَ النِّسْيَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ ( بِخُطْبَةِ ) عَبْدِ اللَّهِ ( بْنِ مَسْعُودٍ ) وَهِيَ مَا رَوَاهُ " قَالَ : { عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيذُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إلَيْهِ ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يَضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ } فَفَسَّرَهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } { اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } { اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } الْآيَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، .
وَرُوِيَ أَنَّ أَحْمَدَ كَانَ إذَا حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ وَلَمْ يُخْطَبْ فِيهِ بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَامَ وَتَرَكَهُمْ ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابِهَا لَا عَلَى إيجَابِهَا ( وَيُجْزِي ) عَنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ ( أَنْ يَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا دُعِيَ

لِيُزَوِّجَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ، إنَّ فُلَانًا يَخْطِبُ إلَيْكُمْ فَإِنْ أَنْكَحْتُمُوهُ فَالْحَمْدُ لَلَهُ وَإِنْ رَدَدْتُمُوهُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ " وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ .
قَالَ { خَطَبْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلَا بَأْسَ بِسَعْيِ الْأَبِ لِلْأَيِّمِ وَاخْتِيَارِ الْأَكْفَاءِ لِعَرْضِ عُمَرَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ يُقَالَ لِمُتَزَوِّجٍ بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا وَعَلَيْكُمَا وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { كَانَ إذَا رَأَى إنْسَانًا تَزَوَّجَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْك وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ { بَارَكَ اللَّهُ لَك أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ } .
( فَإِذَا زُفَّتْ ) الزَّوْجَةُ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الزَّوْجِ ( قَالَ ) نَدْبًا { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ } لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ .
وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا أَخَذَ بِذُرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ رُكْنَيْ النِّكَاحِ وَشُرُوطِهِ أَيْ النِّكَاحِ .
رُكْنُ الشَّيْءِ جُزْءُ مَاهِيَّتِهِ وَهِيَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ جُزْئِهَا ، فَكَذَا الشَّيْءُ لَا يَتِمُّ بِدُونِ رُكْنِهِ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ ( رُكْنَاهُ ) أَيْ النِّكَاحِ أَحَدُهُمَا ( إيجَابٌ ) أَيْ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ( بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ ) بِلَفْظِ ( تَزْوِيجٍ ) يَعْنِي بِأَنْ يَقُولَ أَنْكَحْتُك فُلَانَةَ أَوْ زَوَّجْتُكهَا ( وَ ) قَوْلُ ( سَيِّدٍ لِمَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ ) يَمْلِكُ ( بَعْضَهَا ) وَبَاقِيهَا حُرٌّ وَتَأْذَنُ هِيَ وَمُعْتِقُ الْبَعْضِ ( أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك وَنَحْوَهُ ) مِمَّا يَأْتِي مُفَصَّلًا فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِغَيْرِ أَنْكَحْت أَوْ زَوَّجْت ، لِأَنَّهُمَا اللَّفْظَانِ الْوَارِدُ بِهِمَا الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } وَقَالَ { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } وَأَمَّا إيجَابُ السَّيِّدِ بِ أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك وَنَحْوَهُ فَلِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأُتِيَ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا ( وَإِنْ فَتَحَ وَلِيٌّ ) تَاءَ ( زَوَّجْتُك فَقِيلَ يَصِحُّ ) النِّكَاحُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ عَالِمًا كَانَ الْوَلِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ جَاهِلًا بِهَا قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ عَاجِزًا عَنْهُ وَأَفْتَى بِهِ الْمُوَفَّقُ ( وَقِيلَ ) لَا يَصِحُّ إلَّا ( مِنْ جَاهِلٍ ) بِالْعَرَبِيَّةِ ( وَ ) مِنْ ( عَاجِزٍ ) عَنْ النُّطْقِ بِضَمِّ التَّاءِ ، قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ يَصِحُّ جَهْلًا أَوْ عَجْزًا وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ .
( وَيَصِحُّ ) إيجَابٌ بِلَفْظِ ( زُوِّجْتَ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ التَّاءِ ) أَيْ بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ لِحُصُولِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِهِ لَا جَوَّزْتُك بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ إلَّا قَبِلْت تَجْوِيزَهَا

بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جُوزِي طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ .
( وَ ) الرُّكْنُ الثَّانِي ( قَبُولٌ بِلَفْظِ قَبِلْت ) هَذَا النِّكَاحَ ( أَوْ رَضِيت هَذَا النِّكَاحَ أَوْ قَبِلْت ) فَقَطْ ( أَوْ رَضِيت فَقَطْ أَوْ تَزَوَّجْتهَا ) .
وَفِي الْفُرُوعِ أَوْ رَضِيت بِهِ ( وَيَصِحَّانِ ) أَيْ إيجَابُ النِّكَاحِ وَقَبُولُهُ ( مِنْ هَازِلٍ وَتَلْجِئَةٍ ) لِحَدِيثِ { ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ وَجِدُّهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعِتْقُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا جَازَ } وَقَالَ عُمَرُ أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ إذَا تُكُلِّمَ بِهِنَّ : الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ وَقَالَ عَلِيٌّ أَرْبَعٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ : الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ ( وَ ) يَصِحَّانِ ( بِمَا ) أَيْ بِلَفْظٍ ( يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا الْخَاصَّ بِكُلِّ لِسَانٍ ) أَيْ لُغَةٍ ( مِنْ عَاجِزٍ ) عَنْهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِ نَظِيرُ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَلَا يَصِحَّانِ بِمَا لَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا الْخَاصَّ كَالْعَرَبِيِّ إذَا عَدَلَ عَنْ أَنْكَحْت أَوْ زَوَّجْت إلَى غَيْرِهِمَا .
( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْعَاجِزَ عَنْهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ ( تَعَلُّمُ ) أَرْكَانِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ الْمُعْجِزِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ أَحْسَنَ أَحَدُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَحْدَهُ أَتَى بِهِ وَالْآخَرُ بِلُغَتِهِ وَتَرْجَمَ بَيْنَهُمَا ثِقَةٌ إنْ لَمْ يُحْسِنْ أَحَدُهُمَا لِسَانَ الْآخَرِ .
وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظَ الْعَاقِدَيْنِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ بِ ( كِتَابَةٍ ) وَالْإِشَارَةُ مُفْهِمَةٌ إلَّا مِنْ أَخْرَسَ فَيَصِحَّانِ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ نَصًّا كَبَيْعِهِ وَطَلَاقِهِ وَإِذَا صَحَّا مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى

لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ ( وَإِنْ قِيلَ لِ ) وَلِيٍّ ( مُزَوِّجٍ أَزَوَّجْتَ ) فُلَانَةَ لِفُلَانٍ ( فَقَالَ نَعَمْ وَ ) قِيلَ ( لِمُتَزَوِّجٍ أَقَبِلْت فَقَالَ نَعَمْ صَحَّ ) النِّكَاحُ ، لِأَنَّ نَعَمْ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ أَزَوَّجْتَ وَأَقْبَلْتَ وَالسُّؤَالُ مُضْمَرٌ فِي الْجَوَابِ مَعَادٌ فِيهِ فَمَعْنَى نَعَمْ مِنْ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُهُ فُلَانَةَ وَمَعْنَى نَعَمْ مِنْ الْمُتَزَوِّجِ قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ صَرِيحَةً فِي الْإِقْرَارِ بِحَيْثُ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِهَا مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَ ( لَا ) يُصْبِحُ نِكَاحًا ( إنْ تَقَدَّمَ ) فِيهِ ( قَبُولٌ ) عَلَى إيجَابٍ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت ابْنَتَك فَيَقُولُ : زَوَّجْتُكَهَا أَوْ الْأَمْرِ فَيَقُولُ : زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَيَقُولُ زَوَّجْتُكَهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ فَمَتَى وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا لِعَدَمِ مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ وَكُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ وَالْخُلْعِ ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ( وَإِنْ تَرَاخَى ) قَبُولٌ عَنْ إيجَابٍ ( حَتَّى تَفَرَّقَا ) مِنْ الْمَجْلِسِ ( أَوْ تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا بَطَلَ الْإِيجَابُ ) لِلْإِعْرَاضِ عَنْهُ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ الِاشْتِغَالِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَدَّهُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَا تَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ صَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ بِدَلِيلِ حُكْمِ الْمَجْلِسِ حُكْمَ حَالَةِ الْعَقْدِ صِحَّةَ الْقَبْضِ فِيمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فِيهِ .
( وَمَنْ أَوْجَبَ ) أَيْ صَدَرَ مِنْهُ إيجَابُ عَقْدٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْإِيجَابُ ( فِي غَيْرِ نِكَاحٍ ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ( ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبُولٍ ) لِمَا أَوْجَبَهُ ( بَطَلَ ) إيجَابُهُ بِذَلِكَ ( كَ ) بُطْلَانِهِ (

بِمَوْتِهِ ) أَوْ بِمَوْتِ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ ، لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِيجَابِ إذَنْ أَشْبَهَ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ وَ ( لَا ) يَبْطُلُ الْإِيجَابُ ( إنْ نَامَ ) مَنْ أَوْجَبَ عَقْدًا قَبْلَ قَبُولِهِ ، إنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ ، لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ ( وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ ) دُونَ غَيْرِهِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } الْآيَةَ

فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ أَيْ النِّكَاحِ خَمْسَةٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الشَّرْطِ .
أَحَدُهَا ( تَعْيِينُ ) ( الزَّوْجَيْنِ ) فِي الْعَقْدِ ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ ( فَلَا يَصِحُّ ) النِّكَاحُ إنْ قَالَ الْوَلِيُّ ( زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَهُ ) بِنْتٌ ( غَيْرُهَا حَتَّى يُمَيِّزَهَا ) اسْمًا كَفَاطِمَةَ أَوْ صِفَةً لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنْ أَخَوَاتِهَا كَالْكُبْرَى أَوْ الطَّوِيلَةِ أَوْ يُشِيرُ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً كَهَذِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لَهُ إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ ( فَيَصِحُّ ) النِّكَاحُ بِقَوْلِهِ زَوَّجْتُك بِنْتِي ( وَلَوْ سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ) لِأَنَّهُ لَا تَعَدُّدَ هُنَا فَلَا الْتِبَاسَ ( وَإِنْ سَمَّاهَا بِاسْمِهَا ) كَأَنْ قَالَ زَوَّجْتُك فَاطِمَةَ أَوْ الطَّوِيلَةَ ( وَلَمْ يَقُلْ ) بِنْتِي لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ، لِاشْتِرَاكِ هَذَا الِاسْمِ أَوْ هَذِهِ الصِّفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْفَوَاطِمِ وَالطِّوَالِ ( أَوْ قَالَ مَنْ لَهُ ) بِنْتَانِ ( عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَائِشَةَ فَقَبِلَ ) الزَّوْجُ النِّكَاحَ ( وَنَوَيَا ) أَيْ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ ( فَاطِمَةَ لَمْ يَصِحَّ ) النِّكَاحُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَفَّظَا بِمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَقَطْ أَوْ عَائِشَةَ فَقَطْ وَلِأَنَّ اسْمَ أُخْتِهَا لَا يُمَيِّزُهَا بَلْ يَصْرِفُ الْعَقْدَ عَنْهَا كَذَا مَا لَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْكُبْرَى وَالزَّوْجُ الصُّغْرَى ( كَمَنْ سَمَّى لَهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرَ مَخْطُوبَتِهِ فَقَبِلَ يَظُنُّهَا ) أَيْ غَيْرَ الْمَخْطُوبَةِ ( إيَّاهَا ) أَيْ الْمَخْطُوبَةَ ، لِانْصِرَافِ الْقَبُولِ إلَى غَيْرِ مَنْ وُجِدَ الْإِيجَابُ فِيهَا .
فَإِنْ لَمْ يَظُنَّهَا إيَّاهَا صَحَّ الْعَقْدُ ( وَكَذَا زَوَّجْتُك حَمْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ ) فَلَا يَصِحُّ ، لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ أُنْثَى وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ ، وَكَذَا إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي ابْنَةً فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي رِضَا زَوْجٍ مُكَلَّفٍ ) أَيْ بَالِغٍ

عَاقِلٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُكَلَّفُ ( رَقِيقًا ) نَصًّا فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إجْبَارُهُ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْحُرِّ ، وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ وَنَفْعُهُ لَهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ وَالْأَمْرُ بِإِنْكَاحِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } مُخْتَصٌّ بِحَالِ طَلَبِهِ بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَى الْأَيَامَى ، وَإِنَّمَا يُزَوَّجْنَ عِنْدَ الطَّلَبِ وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَزْوِيجُهُ إذَا طَلَبَهُ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا وَالِاسْتِمْتَاعَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ بَدَنِهِ وَسَيِّدُهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ ( وَ ) رِضَا ( زَوْجَةٍ حُرَّةٍ عَاقِلَةٍ ثَيِّبٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ ) وَلَهَا إذْنٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ فَيُشْتَرَطُ مَعَ ثُيُوبَتُهَا وَيُسَنُّ مَعَ بَكَارَتِهَا نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا ؟ قَالَ : أَنْ تَسْكُتَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَخَصَّ بِنْتَ تِسْعٍ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ " .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ، وَمَعْنَاهُ فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ بِذَلِكَ لِلنِّكَاحِ وَتَحْتَاجُ إلَيْهِ أَشْبَهَتْ الْبَالِغَةَ ( وَيُجْبِرُ أَبٌ ثَيِّبًا دُونَ ذَلِكَ ) أَيْ تِسْعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ إذْنٌ لَهَا مُعْتَبَرٌ ( وَ ) يُجْبِرُ أَبٌ ( بِكْرًا وَلَوْ ) كَانَتْ ( مُكَلَّفَةً ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ وَأَثْبَتَ الْحَقَّ لِأَحَدِهِمَا فَدَلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ وَهِيَ الْبِكْرُ فَيَكُونُ وَلِيُّهَا أَحَقَّ مِنْهَا بِهَا وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ

الِاسْتِئْمَارَ هُنَا وَالِاسْتِئْذَانَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ

( وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُهَا ) أَيْ الْبِكْرِ إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ لِمَا سَبَقَ ( مَعَ ) اسْتِئْذَانِ ( أُمِّهَا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أَمِّرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَيُؤْخَذُ بِتَعْيِينِ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ ) وَلَوْ بِكْرًا ( كُفْؤًا لَا بِتَعْيِينِ أَبٍ ) نَصًّا فَإِنْ عَيَّنَتْ غَيْرَ كُفْؤٍ قُدِّمَ تَعْيِينُ الْأَبِ .
( وَ ) يُجْبِرُ أَبٌ ( مَجْنُونَةً وَلَوْ ) كَانَتْ ( بِلَا شَهْوَةٍ ) أَوْ كَانَتْ ( ثَيِّبًا أَوْ بَالِغَةً ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ انْتَفَتْ عَنْ الْعَاقِلَةِ بِخِيَرَةِ نَظَرِهَا لِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْمَجْنُونَةِ ( وَيُزَوِّجُهَا ) أَيْ الْمَجْنُونَةَ ( مَعَ شَهْوَتِهَا كُلُّ وَلِيٍّ ) لِحَاجَتِهَا إلَى النِّكَاحِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنْهَا وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْفُجُورِ وَتَحْصِيلْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعَفَافِ وَصِيَانَةِ الْعِرْضِ وَتُعْرَفُ شَهْوَتُهَا مِنْ كَلَامِهَا وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهَا كَتَتَبُّعِهَا الرِّجَالَ وَمَيْلِهَا إلَيْهِمْ .
( وَ ) يُجْبِرُ أَبٌ ( ابْنًا صَغِيرًا ) أَيْ غَيْرَ بَالِغٍ .
لِمَا رُوِيَ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَاخْتَصَمُوا إلَى زَيْدٍ .
فَأَجَازَاهُ جَمِيعًا " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَلَهُ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً .
( وَ ) يُجْبِرُ أَبٌ ابْنًا ( بَالِغًا مَجْنُونًا ) مُطْبِقًا وَمَعْتُوهًا ( وَلَوْ ) كَانَ ( بِلَا شَهْوَةٍ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ .
فَإِنَّهُ إذَا جَازَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ فِي الْحَالِ وَتَوَقُّعِ نَظَرِهِ فَعِنْدَ حَاجَتِهِ أَوْلَى .
وَبِمَا كَانَ النِّكَاحُ دَوَاءً لَهُ يُرْجَى بِهِ شِفَاؤُهُ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِيوَاءِ وَالْحِفْظِ وَيَأْتِي أَنَّ لِلْأَبِ تَزْوِيجَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا لِمَصْلَحَةٍ .
( وَيُزَوِّجُهُمَا ) أَيْ الصَّغِيرَ وَالْبَالِغَ الْمَجْنُونَ ( مَعَ عَدَمِ أَبٍ ) لَهُمَا ( وَصِيُّهُ ) أَيْ الْأَبِ فِي النِّكَاحِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي .
وَقَالَهُ الْخِرَقِيِّ .

وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ أَظْهَرُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ( فَإِنْ عُدِمَ ) وَصِيُّ الْأَبِ ( وَثَمَّ حَاجَةٌ ) إلَى نِكَاحِهِمَا ( فَحَاكِمٌ ) يُزَوِّجُهُمَا لِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهِمَا بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَمَنْ يَتَحَقَّقُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إذَا بَلَغَ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ .
وَمَنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِنَفْسِهِ لَمْ تَثْبُتْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهِ لِغَيْرِهِ كَالْعَاقِلِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ سَامٍّ أَوْ مَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَالْعَاقِلِ ( وَيَصِحُّ قَبُولُ ) صَبِيٍّ ( مُمَيِّزٍ لِنِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ) كَتَوَلِّيهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ( وَلِكُلِّ وَلِيٍّ ) مِنْ أَبٍ وَوَصِيِّهِ وَبَقِيَّةِ الْعَصَبَاتِ وَالْحَاكِمِ

( تَزْوِيجُ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ بِإِذْنِهَا ) نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا .
فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا ، وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا وَأَنَّ لَهَا إذْنًا صَحِيحًا وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا بِأَلَّا تَفْلَقَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ بَلَغَتْ تِسْعًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَهُوَ ) أَيْ إذْنُهَا ( مُعْتَبَرٌ ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَ ( لَا ) يُزَوِّجُ غَيْرُ أَبٍ وَوَصِيِّهِ ( مَنْ دُونَهَا ) أَيْ تِسْعِ سِنِينَ ( بِحَالٍ ) مِنْ الْأَحْوَالِ ، لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهَا وَغَيْرُ الْأَبِ وَوَصِيُّهُ لَا إجْبَارَ لَهُ

( وَإِذْنُ ثَيِّبٍ بِوَطْءٍ فِي قُبُلٍ وَلَوْ ) كَانَ وَطْأَهَا ( زِنًا أَوْ مَعَ عَوْدِ بَكَارَةٍ ) بَعْدَ وَطْئِهَا ( الْكَلَامُ ) لِحَدِيثِ { الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا } وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ { لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَإِذْنُهَا أَنْ تَسْكُتَ } لِأَنَّهُ لَمَّا قَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ وَجَعَلَ السُّكُوتَ إذْنًا لِأَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ .
( وَ ) إذْنُ ( بِكْرٍ وَلَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرٍ الصُّمَاتُ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الْبِكْرُ تَسْتَحِي ، قَالَ : رِضَاهَا صُمَاتُهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَلَوْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ ) كَانَ إذْنًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فَإِنْ بَكَتْ أَوْ سَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا " وَلِأَنَّهَا غَيْرُ نَاطِقَةٍ بِالِامْتِنَاعِ مَعَ سَمَاعِهَا لِلِاسْتِئْذَانِ فَكَانَ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهَا كَالصُّمَاتِ وَالْبُكَاءِ يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ الْحَيَاءِ الْكَرَاهَةِ ، وَلَوْ كَرِهَتْ لَامْتَنَعَتْ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي مِنْ الِامْتِنَاعِ ( وَنُطْقُهَا ) أَيْ الْبِكْرِ بِالْإِذْنِ ( أَبْلَغُ ) مِنْ صُمَاتِهَا ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِذْنِ وَاكْتَفَى عَنْهُ بِصُمَاتِ الْبِكْرِ لِاسْتِحْيَائِهَا ( وَيُعْتَبَرُ فِي اسْتِئْذَانِ ) مَنْ يُشْتَرَطُ اسْتِئْذَانُهَا ( تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ لَهَا عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ الْمَعْرِفَةُ ) مِنْهَا ( بِهِ ) بِأَنْ يَذْكُرَ لَهَا نَسَبَهُ وَمَنْصِبَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَتَّصِفُ بِهِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي إذْنِهَا فِي تَزْوِيجِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ .
( وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ ) كَإِصْبَعٍ أَوْ وَثْبَةٍ ( فَكَبِكْرٍ ) فِي الْإِذْنِ فَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا .
لِأَنَّ حَيَاءَهَا لَا يَزُولُ بِذَلِكَ ( وَيُجْبِرُ سَيِّدٌ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ) كَابْنِهِ وَأَوْلَى لِتَمَامِ مِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ ( وَ ) يُجْبِرُ سَيِّدٌ ( أَمَةً مُطْلَقًا ) أَيْ كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا قِنًّا أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ

لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا أَشْبَهَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْعَبْدَ ، وَلِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا وَوَلَدِهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَأُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا .
لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لَهُ .
وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِعَارِضٍ وَ ( لَا ) يُجْبِرُ سَيِّدٌ ( مُكَاتَبًا أَوْ مُكَاتَبَةً ) وَلَوْ صَغِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا وَلَا يَمْلِكُ إجَارَتَهُمَا وَلَا أَخْذَ مَهْرِ الْمُكَاتَبَةِ ( وَيُعْتَبَرُ فِي ) نِكَاحِ ( مُعْتَقٍ بَعْضُهَا إذْنُهَا وَإِذْنُ مُعْتِقِهَا .
وَ ) إذْنُ ( مَالِكِ الْبَقِيَّةِ ) الَّتِي لَمْ تَعْتِقْ ( كَالشَّرِيكَيْنِ ) فِي أَمَةٍ فَيُعْتَبَرُ لِنِكَاحِهَا إذْنُهُمَا ( وَيَقُولُ كُلٌّ ) مِنْ مَالِكِ الْبَعْضِ وَمُعْتِقِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الْمُبَعَّضَةِ أَوْ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ ( زَوَّجْتُكَهَا ) وَلَا يَقُولُ زَوَّجْتُك نَصِيبِي مِنْهَا ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَالتَّجَزُّؤ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ .

فَصْلٌ : الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ ( الْوَلِيُّ ) نَصًّا إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ .
قَالَهُ الْمَرْوَزِيِّ .
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَحَكَى بَعْضُ الْحُفَّاظِ عَنْ يَحْيَى أَنَّهُ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُوَلًّى عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ فَلَا تَلِيهِ كَالصَّغِيرَةِ لَا يُقَالُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ نَفْيُ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي " بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا " خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ غَالِبًا إنَّمَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا ، وقَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِهَا نَفْسَهَا بَلْ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهَا إلَى الْوَلِيِّ ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ .
فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا .
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْقِلٍ وِلَايَةُ النِّكَاحِ لَمَا عَاتَبَهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إلَى النِّسَاءِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ وَعَقْدِهِ عَلَيْهِنَّ .
( فَلَا يَصِحُّ ) مِنْ امْرَأَةٍ ( إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا ) لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) إنْكَاحُهَا لِ ( غَيْرِهَا )

لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا فَغَيْرُهَا أَوْلَى ( فَيُزَوِّجُ أَمَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا ) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ ( وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا ) لِمَصْلَحَةٍ ، لِأَنَّ الْأَمَةَ مَالٌ وَالتَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ فِيهَا ، وَكَذَا أَمَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ .
( وَ ) يُزَوِّجُ أَمَةً لِ ( غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا ، وَهِيَ الْمُكَلَّفَةُ الرَّشِيدَةُ ( مَنْ يُزَوِّجُ سَيِّدَتَهَا ) أَيْ وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا فِي النِّكَاحِ لِامْتِنَاعِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهَا ، لِأُنُوثَتِهَا فَثَبَتَتْ لِأَوْلِيَائِهَا كَوِلَايَةِ نَفْسِهَا .
وَلِأَنَّهُمْ يَلُونَهَا لَوْ عَتَقَتْ فَفِي حَالِ رِقِّهَا أَوْلَى ( بِشَرْطِ إذْنِهَا ) أَيْ السَّيِّدَةِ فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهَا وَلَا يُتَصَرَّفُ فِي مَالِ رَشِيدَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا ( نُطْقًا وَلَوْ كَانَتْ ) سَيِّدَتُهَا ( بِكْرًا ) لِأَنَّهُ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِصُمَاتِهَا فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا لِحَيَائِهَا وَلَا تَسْتَحِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا ( وَلَا إذْنَ لِمَوْلَاةِ مُعْتَقَةٍ ) فِي تَزْوِيجِهَا لِمِلْكِهَا نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ ، وَلَيْسَتْ الْمُعْتِقَةُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ ( وَيُزَوِّجُهَا ) أَيْ الْعَتِيقَةَ ( بِإِذْنِهَا ) أَيْ الْعَتِيقَةِ ( أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا ) أَيْ الْعَتِيقَةِ نَسَبًا كَحُرَّةِ الْأَصْلِ ، فَإِنْ عُدِمُوا فَعَصَبَتُهَا وَلَاءً كَالْمِيرَاثِ وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمَوْلَاةِ عَلَى أَبِيهَا ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِمُقْتَضَى وَلَاءِ الْعِتْقِ .
وَالْوَلَاءُ يُقَدَّمُ فِيهِ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ ( وَيُجْبِرُهَا ) أَيْ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ ( مَنْ يُجْبِرُ مَوْلَاتَهَا ) عَلَى النِّكَاحِ ، فَلَوْ كَانَتْ الْعَتِيقَةُ بِكْرًا وَلِمَوْلَاتِهَا أَبٌ أَجْبَرَهَا كَمَوْلَاتِهَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ ذَكَرْت مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ

( وَالْأَحَقُّ بِإِنْكَاحِ حُرَّةٍ ) مِنْ أَوْلِيَاءِ ( أَبُوهَا ) لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى } وَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ نَظَرًا وَأَشَدُّ شَفَقَةً .
وَتَأْتِي الْأَمَةُ ( فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ) أَيْ الْجَدُّ لِلْأَبِ ، وَإِنْ عَلَا فَيُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ وَابْنِهِ ، لِأَنَّ لَهُ إيلَادًا أَوْ تَعْصِيبًا ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِمَا كَالْأَبِ فَإِنْ اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ فَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ ( فَابْنُهَا ) أَيْ الْحُرَّةِ ( فَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ) يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ .
لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ { فَإِنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطِبُهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدٌ : قَالَ : لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِك شَاهِدٌ ، وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ .
فَقَالَتْ : قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهُ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ " حِينَ { زَوَّجَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهُ أُمَّ سَلَمَةَ أَلَيْسَ كَانَ صَغِيرًا ؟ قَالَ : وَمَنْ يَقُول كَانَ صَغِيرًا ؟ أَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ } وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مِنْ عَصَبَتِهَا فَثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا كَأَخِيهَا فَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ ( فَ ) أَخٌ ( لِأَبٍ ) لِأَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِالتَّعْصِيبِ فَقُدِّمَ فِيهِ الْأَخُ لِأَبَوَيْنِ كَالْمِيرَاثِ وَكَاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ ( فَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ فَ ) ابْنُ أَخٍ ( لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَا ) أَيْ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ .
وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ( فَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ فَ ) عَمٌّ ( لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمَا ) أَيْ الْعَمَّيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ ( كَذَلِكَ ) أَيْ وَإِنْ سَفَلُوا يُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ

الْعَمِّ لِأَبٍ ( ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَةِ نَسَبٍ ) كَعَمِّ الْأَبِ ثُمَّ بَنِيهِ ثُمَّ عَمِّ الْجَدِّ ثُمَّ بَنِيهِ كَذَلِكَ وَإِنْ عَلَوْا ( كَالْإِرْثِ ) أَيْ تَرْتِيبِ الْوِلَايَةِ بَعْدَ إخْوَةٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ بِالتَّعْصِيبِ فَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَحَقُّهُمْ بِالْوِلَايَةِ فَلَا يَلِي بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ ، لِأَنَّ مَبْنَى الْوِلَايَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ وَمَظِنَّتُهَا الْقَرَابَةُ فَأَقْرَبُهُمْ أَشْفَقُهُمْ وَلَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ لِأُمٍّ وَعَمٍّ لِأُمٍّ وَبَنِيهِ وَالْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِمْ نَصًّا ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ " إذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصُّ الْحَقَائِقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى يَعْنِي إذَا أَدْرَكْنَ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ .
وَلِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا شَبِيهٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا ( ثُمَّ ) يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَتِهَا مِنْ النَّسَبِ ( الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ ) أَيْ الْمُعْتِقُ ، لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَيَعْقِلُ عَنْهَا فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَقُدِّمَ عَلَيْهِ عَصَبَةُ النَّسَبِ كَمَا قُدِّمُوا عَلَيْهِ فِي الْإِرْثِ ( ثُمَّ عَصَبَتُهُ ) أَيْ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ بَعْدَهُ ( الْأَقْرَبُ ) مِنْهُمْ ( فَالْأَقْرَبُ ) كَالْمِيرَاثِ ( ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَصَبَاتُهُ ) كَذَلِكَ أَبَدًا ( ثُمَّ ) عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَةِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ ( السُّلْطَانُ وَهُوَ الْإِمَامُ ) الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ .
قَالَ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْأَمِيرِ فِي هَذَا ( وَلَوْ مِنْ بُغَاةٍ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلَدٍ ) فَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ مَجْرَى إمَامٍ وَقَاضِيهِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَزْوِيجُ الْأَيَامَى فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا فَإِنْ أَبَاهُ حَاكِمٌ لَا بِظُلْمٍ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ( فَإِنْ عُدِمَ الْكُلُّ ) أَيْ عَصَبَةُ النَّسَبِ وَالْوَلَاءُ وَالسُّلْطَانُ وَنَائِبُهُ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي بِهِ

الْحُرَّةُ ( زَوَّجَهَا ذُو سُلْطَانٍ فِي مَكَانِهَا كَعَضْلِ ) أَوْلِيَائِهَا مَعَ عَدَمِ إمَامٍ وَنَائِبِهِ فِي مَكَانِهِ ، وَالْعَضْلُ الِامْتِنَاعُ مِنْ تَزْوِيجِهَا يُقَالُ دَاءٌ عُضَالٌ إذَا أَعْيَا الطَّبِيبَ دَوَاؤُهُ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) ذُو سُلْطَانٍ فِي مَكَانِهَا ( وَكَّلَتْ ) عَدْلًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يُزَوِّجُهَا .
.
قَالَ أَحْمَدُ فِي دِهْقَان قَرْيَةٍ يُزَوِّجُ مِنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْكُفْءِ وَالْمَهْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّسْتَاقِ قَاضٍ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلِيِّ فِي هَذَا الْحَالِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَوَلِيُّ أَمَةٍ وَلَوْ ) كَانَتْ الْأَمَةُ ( آبِقَةَ سَيِّدُهَا ) لِأَنَّهُ مَالِكُهَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَفِي التَّزْوِيجِ أَوْلَى ( وَلَوْ ) كَانَ السَّيِّدُ ( فَاسِقًا ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ ( أَوْ ) كَانَ ( مُكَاتَبًا ) إنْ أَذِنَهُ سَيِّدُهُ فِي تَزْوِيجِ إمَائِهِ

( وَشُرِطَ فِي وَلِيٍّ ) سَبْعَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ( ذُكُورِيَّةٌ ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَثْبُتُ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَى غَيْرِهَا أَوْلَى .
( وَ ) الثَّانِي ( عَقْلٌ ) فَلَا وِلَايَةَ لِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ فَإِنْ جُنَّ أَحْيَانًا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ إحْرَامٍ اُنْتُظِرَ وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِطَرَيَانِ ذَلِكَ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( بُلُوغٌ ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ يُعْتَبَرُ لَهَا كَمَالُ الْحَالِ لِأَنَّهَا تَنْفِيذُ تَصَرُّفٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مَوْلًى عَلَيْهِ ، لِقُصُورِ نَظَرِهِ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةٌ كَالْمَرْأَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُزَوِّجُ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ .
( وَ ) الرَّابِعُ كَمَالُ ( حُرِّيَّةٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُبَعَّضَ لَا يَسْتَقِلَّانِ بِوِلَايَةٍ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَأَوْلَى عَلَى غَيْرِهِمَا إلَّا مُكَاتَبًا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ ) فَيَصِحُّ وَتَقَدَّمَ .
( وَ ) الْخَامِسُ ( اتِّفَاقُ دِينِ ) الْوَلِيِّ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهَا فَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَكَذَا عَكْسُهُ ، وَلَا نَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوَهُ ، لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِالنَّسَبِ ( إلَّا أُمَّ وَلَدٍ لِكَافِرٍ أَسْلَمَتْ ) فَيُزَوِّجُهَا لِمُسْلِمٍ ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ كَإِجَارَتِهَا ( وَ ) لَا ( أَمَةً كَافِرَةً لِمُسْلِمٍ ) فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِكَافِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا أَمَةٌ كَافِرَةٌ لِمُسْلِمَةٍ فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا عَلَى مَا سَبَقَ ( وَ ) إلَّا ( السُّلْطَانَ ) فَيُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا مِنْ الْكَوَافِرِ ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا كَالْمُسْلِمَةِ .
( وَ ) السَّادِسُ ( عَدَالَةٌ ) نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ " قَالَ أَحْمَدُ " أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " يَعْنِي قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ

عَدْلٍ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَهَا وَلِيٌّ مَسْخُوطٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، } وَرَوَى الْبَرْقَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ } وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ فَلَا يَسْتَبِدُّ بِهَا الْفَاسِقُ كَوِلَايَةِ الْمَالِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْعَدَالَةُ ( ظَاهِرَةً ) فَيَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ ( إلَّا فِي سُلْطَانٍ ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَزْوِيجِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِلْعَدَالَةِ الْحَاجَةُ ( وَ ) إلَّا فِي ( سَيِّدِ ) أَمَةٍ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَجَرَهَا .
( وَ ) السَّابِعُ ( رُشْدٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الرُّشْدُ هُنَا ( مَعْرِفَةُ الْكُفْءِ وَمَصَالِحِ النِّكَاحِ ) وَلَيْسَ هُوَ حِفْظَ الْمَالِ ، فَإِنَّ رُشْدَ كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِهِ ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَلِيِّ بَصِيرًا ، وَلَا كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ ، لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ ( فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ ) مِنْ أَوْلِيَاءِ الْحُرَّةِ ( طِفْلًا ) ( أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ ) اتَّصَفَ الْأَقْرَبُ بِصِفَاتِ الْوِلَايَةِ لَكِنْ ( عَضَلَ بِأَنْ مَنَعَهَا كُفْؤًا رَضِيَتْهُ وَرَغِبَ ) فِيهَا ( بِمَا صَحَّ مَهْرًا ) أَيْ .
وَلَوْ كَانَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ لِرِضَاهَا بِهِ حِينَئِذٍ ( وَيُفَسَّقُ ) الْوَلِيُّ ( بِهِ ) أَيْ الْعَضْلِ ( إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَوْ غَابَ ) الْأَقْرَبُ ( غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَهِيَ ) أَيْ الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ ( مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَتَكُونُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( أَوْ جَعَلَ مَكَانَهُ ) أَيْ الْأَقْرَبِ ( أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ ) أَيْ الْأَقْرَبِ ( بِأَسْرٍ أَوْ حَبْسٍ ) وَنَحْوِهِمَا ( زَوَّجَ ) امْرَأَةً ( حُرَّةً أَبْعَدُ ) أَوْلِيَائِهَا أَيْ مَنْ يَلِي الْأَقْرَبَ الْمَذْكُورَ فِي الْوِلَايَةِ ، أَمَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ طِفْلًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا فَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْأَقْرَبِ مَعَ

اتِّصَافِهِ بِمَا ذُكِرَ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
وَأَمَّا مَعَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ فَلِتَعَذُّرِ التَّزْوِيجِ مِنْ جِهَتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُنَّ فَإِنْ عَضَلُوا كُلُّهُمْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ ( وَ ) زَوَّجَ ( أَمَةً ) غَابَ سَيِّدُهَا أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ بِنَحْوِ أَسْرٍ ( حَاكِمٌ ) لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ فِي مَالِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِ ( وَإِنْ زَوَّجَ ) امْرَأَةً ( حَاكِمٌ ) مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ ) زَوَّجَهَا وَلِيٌّ ( أَبْعَدُ بِلَا عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ ) إلَيْهَا مِنْهُ ( لَمْ يَصِحَّ ) النِّكَاحُ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ الْأَبْعَدِ مَعَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمَا أَشْبَهَا الْأَجْنَبِيَّ ( فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ ) عِنْدَ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ وَالْأَبْعَدُ ( لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ ) ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعِدْ ( أَوْ ) كَانَ الْمَعْهُودُ عَدَمَ أَهْلِيَّةِ الْأَقْرَبِ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ ( أَنَّهُ صَارَ ) أَهْلًا بِبُلُوغِهِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعِدْ ( أَوْ ) كَانَ الْأَقْرَبُ مَجْنُونًا مَثَلًا وَلَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ التَّزْوِيجِ أَنَّهُ ( عَادَ أَهْلًا ) فَزَوَّجَ ( بَعْدَ مُنَافٍ ) كَالْجُنُونِ ( ثُمَّ عَلِمَ ) أَنَّهُ عَادَ أَهْلًا بَعْدَ تَزْوِيجِهَا لَمْ يُعِدْ الْعَقْدَ .
( أَوْ اسْتَلْحَقَ بِنْتَ مُلَاعَنَةٍ أَبٌّ بَعْدَ عَقْدِ ) وَلِيِّهَا عَلَيْهَا ( لَمْ يُعِدْ ) الْعَقْدَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ ( وَيَلِي كِتَابِيٌّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتَهُ ) كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ ( الْكِتَابِيَّةَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ( حَتَّى ) فِي تَزْوِيجِهَا ( مِنْ مُسْلِمٍ ) لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا فَصَحَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كَافِرٍ وَيُبَاشِرُهُ أَيْ النِّكَاحَ ، لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كَافِرٍ ( وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ فِي كَافِرٍ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ الْكَافِرَةَ ( شُرُوطُ ) الْوَلِيِّ ( الْمُسْلِمِ ) مِنْ الذُّكُورِيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ

وَغَيْرِهِمَا .

فَصْلٌ وَوَكِيلُ كُلِّ وَلِيٍّ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ( يَقُومُ مَقَامَهُ غَائِبًا وَحَاضِرًا ) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَقِيَاسًا عَلَى تَوْكِيلِ الزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَكَّلَ أَبَا رَافِعٍ فِي تَزْوِيجِهِ مَيْمُونَةَ وَوَكَّلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزْوِيجِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ } ( وَلَهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْمُجْبَرِ ( أَنْ يُوَكِّلَ قَبْلَ إذْنِهَا ) أَيْ مُوَلِّيَتِهِ ( وَ ) لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ( بِدُونِهِ ) أَيْ إذْنِ مُوَلِّيَتِهِ ، لِأَنَّهُ إذْنٌ مِنْ الْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ وَلَا الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ كَإِذْنِ الْحَاكِمِ ، وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ وَكِيلًا لِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ عَزْلَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ .
( وَيَثْبُتُ لِوَكِيلِ ) وَلِيٍّ ( مَا لَهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( مِنْ إجْبَارٍ وَغَيْرِهِ ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَكَذَا سُلْطَانٌ وَحَاكِمٌ يَأْذَنُ لِغَيْرِهِ فِي التَّزْوِيجِ ( لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ غَيْرِ مُجْبَرَةٍ لِوَكِيلِ ) وَلِيِّهَا لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ غَيْرِ مُجْبِرٍ فَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ ( فَلَا يَكْفِي إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا بِتَزْوِيجٍ أَوْ تَوْكِيلٍ فِيهِ ) أَيْ التَّزْوِيجِ ( بِلَا مُرَاجَعَةِ وَكِيلٍ أَيْ اسْتِئْذَانٍ لَهَا ) أَيْ لِغَيْرِ الْمُجْبَرَةِ فِي التَّزْوِيجِ ( وَإِذْنِهَا لَهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( فِيهِ ) أَيْ التَّزْوِيجِ ( بَعْدَ تَوْكِيلِهِ ) لِأَنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ لِلْوَكِيلِ هُوَ غَيْرُ مَا يُوَكَّلُ فِيهِ الْمُوَكَّلُ فَهُوَ كَالْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِهَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ إذَنْ ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَكَوَلِيٍّ ( فَلَوْ وَكَّلَ وَلِيُّ ) غَيْرِ مُجْبَرَةٍ فِي تَزْوِيجِهَا ( ثُمَّ أَذِنَتْ لِوَكِيلِهِ ) أَيْ وَكِيلِ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا ( صَحَّ ) النِّكَاحُ ( وَلَوْ لَمْ تَأْذَنْ لِلْوَلِيِّ ) فِي التَّوْكِيلِ أَوْ التَّزْوِيجِ لِقِيَامِ وَكِيلِهِ مَقَامَهُ

( وَيُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ وَلِيٍّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ مِنْ ذُكُورَةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَعَدَالَةٍ وَرُشْدٍ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاشِرَهَا غَيْرُ أَهْلِهَا ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَ مَوْلَاتِهِ أَصَالَةً فَلِئَلَّا يَمْلِكَ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَةِ غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ أَوْلَى

( وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ وَنَحْوِهِ ) كَيَهُودِيٍّ وَكَّلَهُ مُسْلِمٌ ( فِي قَبُولِ ) نِكَاحِ يَهُودِيَّةٍ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهُ لِنَفْسِهِ النِّكَاحَ فَصَحَّ لِغَيْرِهِ ( وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ ( مُطْلَقًا ) كَقَوْلِهِ ( زَوِّجْ مَنْ شِئْت ) نَصًّا ، .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ تَرَكَ ابْنَتَهُ عِنْدَ عُمَرَ وَقَالَ إذَا وَجَدْت كُفْؤًا فَزَوِّجْهُ وَلَوْ بِشِرَاكِ نَعْلِهِ فَزَوَّجَهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، فَهِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكَرْ ، وَلِأَنَّهُ إذْنٌ فِي النِّكَاح فَجَازَ مُطْلَقًا كَإِذْنِ الْمَرْأَةِ لِوَلِيِّهَا

( وَلَا يَمْلِكُ وَكِيلٌ بِهِ ) أَيْ بِالتَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ ( أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ ) كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ ، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَزْوِيجَهَا غَيْرَهُ وَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَنَحْوِهِمَا ( وَ ) يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ ( مُقَيَّدًا كَزَوِّجْ زَيْدًا ) أَوْ زَوِّجْ هَذَا فَلَا يُزَوِّجُ مِنْ غَيْرِهِ ( وَإِنْ قَالَ ) وَلِيٌّ لِوَكِيلِهِ ( زَوِّجْ ) مِنْ وَكِيلِ خَاطِبِ بِنْتِي زَيْدٍ أَوْ مِنْ أَحَدِ وَكِيلَيْهِ ( أَوْ ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ ( اقْبَلْ ) النِّكَاحَ ( مِنْ وَكِيلِهِ ) أَيْ وَكِيلِ وَلِيِّ الْمَخْطُوبَةِ ( زَيْدٍ أَوْ ) قَالَ خَاطِبٌ لِوَكِيلِهِ : اقْبَلْ مِنْ ( أَحَدِ وَكِيلَيْهِ ) وَأَبْهَمَ وَلَهُ وَكِيلَانِ زَيْدٌ وَعَمْرٌو ( فَزَوَاجُ ) وَكِيلِ وَلِيٍّ مِنْ وَكِيلِ زَوْجٍ عَمْرٌو فِي الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ قَبِلَ ) وَكِيلُ زَوْجٍ النِّكَاحَ ( مِنْ وَكِيلِهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( عَمْرٌو ) فِي الْأَخِيرَتَيْنِ ( لَمْ يَصِحَّ ) النِّكَاحُ لِلْمُخَالَفَةِ فِيمَا إذَا قَالَ : مِنْ وَكِيلِهِ زَيْدٍ وَلِلْإِبْهَامِ فِيمَا إذَا قَالَ : مِنْ أَحَدِ وَكِيلَيْهِ

( وَيُشْتَرَطُ ) لِنِكَاحٍ فِيهِ تَوْكِيلٌ فِي قَبُولٍ ( قَوْلُ وَلِيٍّ ) لِوَكِيلٍ زَوِّجْ ( أَوْ ) قَوْلُ ( وَكِيلِهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( لِوَكِيلِ زَوْجٍ زَوَّجْتُ فُلَانَةَ ) بِنْتَ فُلَانٍ ( فُلَانًا ) وَيَصِفُهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ( أَوْ ) زَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ( لِفُلَانِ ) ابْنِ فُلَانٍ ( أَوْ ) يَقُولُ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلُهُ ( زَوَّجْتُ مُوَكِّلَكَ فُلَانًا فُلَانَةَ ) بِنْتَ فُلَانٍ وَلَا يَقُولُ زَوَّجْتُكَهَا وَنَحْوَهُ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( قَوْلُ وَكِيلِ زَوْجٍ قَبِلْتُهُ ) أَيْ النِّكَاحَ ( لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ أَوْ ) قَبِلْتُهُ ( لِفُلَانِ ) بْنِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ( وَوَصِيُّ وَلِيٍّ أَبٌ أَوْ غَيْرُهُ ) كَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ ( فِي ) إيجَابِ ( نِكَاحٍ ) وَقَبُولِهِ ( بِمَنْزِلَتِهِ ) أَيْ الْمُوصِي ( إذَا نَصَّ ) الْمُوصِي ( لَهُ ) أَيْ الْمُوصَى ( عَلَيْهِ ) أَيْ النِّكَاحِ فَتُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ لِلْمُوصِي فَجَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِهَا كَوِلَايَةِ الْمَالِ ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ وَيَقُومَ نَائِبُهُ مَقَامَهُ فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى النِّكَاحِ بَلْ وَصَّاهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ لَمْ يَمْلِكْ بِذَلِكَ تَزْوِيجَ أَحَدٍ مِنْهُمْ .
وَإِنْ قَالَ : وَصَّيْتُ إلَيْكَ أَنْ تُزَوِّجَهُنَّ مَنْ شِئْتَ ، مَلَكَ التَّزْوِيجَ ( فَيُجْبِرُ ) وَصِيٌّ ( مَنْ يُجْبِرُهُ ) مُوصٍ لَوْ كَانَ حَيًّا ( مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ سَوَاءٌ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ التَّزْوِيجَ إذَا عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجُ مَلَكَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ ( وَلَا خِيَارَ ) لِمَنْ زَوَّجَهُ وَصِيٌّ صَغِيرًا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ( بِبُلُوغٍ ) لِقِيَامِ الْوَصِيِّ مَقَامَ الْمُوصِي فَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَزْوِيجِهِ خِيَارٌ كَالْوَكِيلِ .

فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَوَى وَلِيَّيْنٍ فَأَكْثَرَ لِامْرَأَةٍ ( فِي دَرَجَةٍ ) كَإِخْوَةٍ كُلِّهِمْ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ بَنِي إخْوَةٍ كَذَلِكَ أَوْ أَعْمَامٍ أَوْ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ ( صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمْ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ ( وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَفْضَلِ ) الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ عِلْمًا وَدِينًا لِيُزَوِّجَ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ ( فَأَسَنُّ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمَّا تَقَدَّمَ إلَيْهِ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ كَبِّرْ أَيْ : قَدِّمْ الْأَكْبَرَ فَتَقَدَّمَ حُوَيِّصَةُ } ، وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْعَقْدِ فِي إجْمَاعِ شُرُوطِهِ وَالنَّظَرِ فِي الْحَظِّ ( فَإِنْ تَشَاحُّوا ) أَيْ الْأَوْلِيَاءُ الْمُسْتَوُونَ فِي الدَّرَجَة فَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمْ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الْحَقِّ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمْ ( فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ قَرَعَ ) أَيْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ( فَزَوَّجَ وَقَدْ أَذِنَتْ لَهُمْ ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ( صَحَّ ) التَّزْوِيجُ لِصُدُورِهِ مِنْ وَلِيٍّ كَامِلِ الْوِلَايَةِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْوِلَايَةِ ( وَإِلَّا ) تَأْذَنْ لَهُمْ بَلْ لِبَعْضِهِمْ ( تَعَيَّنَ مَنْ أَذِنَتْ لَهُ ) فَيُزَوِّجُهَا دُونَ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْبَرِينَ كَأَوْصِيَاءِ بِكْرٍ جَعَلَ أَبُوهَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ فَأَيَّهُمْ عَقَدَهُ صَحَّ وَمَنْ أُلْحِقَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَبٍ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهَا إلَّا مِنْهُمْ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ

( وَإِنْ زَوَّجَ وَلِيَّيْنٍ ) اسْتَوَيَا دَرَجَةً مُوَلِّيَتَهُمَا ( لَاثْنَيْنِ ) كَأَنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ وَالْآخَرُ لِعَمْرٍو ( وَجُهِلَ السَّبْقُ مُطْلَقًا ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ وَقَعَا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ ( أَوْ عُلِمَ سَابِقٌ ) مِنْهُمَا ( ثُمَّ نُسِيَ ) السَّابِقُ مِنْهُمَا فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ ( أَوْ عُلِمَ السَّبْقُ ) لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ( وَجُهِلَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا ( فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَلَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ طَلَّقَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْفَسْخِ ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا بَعْدُ لَمْ يَنْقُصْ بِهَذَا الطَّلَاقِ عَدَدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ نَصًّا .
( فَإِنْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا ) أَيْ الْعَقْدَيْنِ ( مَعًا ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ( بَطَلَا ) أَيْ فَهُمَا بَاطِلَانِ مِنْ أَصْلِهِمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى فَسْخٍ وَلَا تَوَارُثَ فِيهِمَا ( وَلَهَا ) أَيْ الَّتِي زَوَّجَهَا وَلِيَّاهَا لِاثْنَيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بِعَيْنِهِ ( فِي غَيْرِ هَذِهِ ) الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا ( نِصْفُ الْمَهْرِ ) عَلَى أَحَدِهِمَا ( بِقُرْعَةٍ ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أَخَذَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ عَقْدَ أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ ، وَقَدْ انْفَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِمَا ( وَإِنْ مَاتَتْ ) فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ فَسْخِ الْحَاكِمِ نِكَاحَهُمَا ( فَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ( بِقُرْعَةٍ ) فَيَأْخُذُهُ مَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ ( بِلَا يَمِينٍ ) لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَعْرِفُ الْحَالَ

( وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ ) أَيْ الْعَاقِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا ( فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا فَلَا إرْثَ لَهَا مِنْ الْآخَرِ ) لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ لِتَأَخُّرِهِ ( وَهِيَ تَدَّعِي مِيرَاثَهَا مِمَّنْ أَقَرَّتْ ) لَهُ بِالسَّبْقِ لِتَضَمُّنِهِ صِحَّةَ نِكَاحِهِ ( فَإِنْ كَانَ ادَّعَى ذَلِكَ ) أَيْ السَّبْقَ ( أَيْضًا ) قَبْلَ مَوْتِهِ ( دَفَعَ إلَيْهَا ) إرْثَهَا مِنْهُ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ الْمُدَّعِي ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ ( فَلَا ) يُدْفَعُ إلَيْهَا شَيْءٌ ( إنْ أَنْكَرَ وَرَثَتَهُ ) سَبْقَهُ وَلَهَا تَحْلِيفُهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ السَّابِقُ فَإِنْ نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ .
( وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ ) مِنْ أَحَدِهِمَا ( وَرِثَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ ) بِأَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَلَهَا إرْثُهَا مِنْهُ ، وَرَوَى حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ زَوَّجَ إحْدَاهُنَّ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّتَهنَّ زَوَّجَ يُقْرَعُ فَأَيَّتَهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ

( وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَتِهِ ) جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الْإِذْنِ

( أَوْ ) زَوَّجَ ( ابْنَهُ ) الصَّغِيرَ وَنَحْوَهُ ( بِنْتَ أَخَاهُ ) جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ

( أَوْ ) زَوَّجَ ( وَصِيٌّ فِي النِّكَاحِ صَغِيرًا .
بِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حَجْرِهِ وَنَحْوَهُ ) كَمَا لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِصَغِيرَةٍ هُوَ وَصِيٌّ عَلَيْهَا ( صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ وَكَذَا وَلِيُّ ) امْرَأَةٍ ( تَحِلُّ لَهُ كَابْنِ عَمٍّ وَمَوْلًى وَحَاكِمٍ إذَا أَذِنَتْ لَهُ ) بِنْتُ عَمِّهِ أَوْ عَتِيقَتُهُ أَوْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا فِي تَزْوِيجِهَا فَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِضٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إلَيَّ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ .
قَالَ : قَدْ تَزَوَّجْتُكِ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ

( أَوْ وَكَّلَ زَوْجٌ وَلِيًّا ) لِمَخْطُوبَتِهِ أَنْ يَقْبَلَ لَهُ النِّكَاحَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ ( وَعَكْسَهُ ) بِأَنْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ

( أَوْ وَكَّلَا ) أَيْ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ رَجُلًا ( وَاحِدًا ) بِأَنْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ فِي الْإِيجَابِ وَالزَّوْجُ فِي الْقَبُولِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ لَهُمَا ( وَنَحْوَهُ ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ كَأَنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ الْكَبِيرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ نَحْوَ النِّكَاحِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ الْآخَرَ أَوْ وَكَّلَ وَاحِدًا

( وَ ) لَا يُشْتَرَطُ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَلْ ( يَكْفِي زَوَّجْتُ ) فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ( فُلَانًا ) وَيَنْسِبُهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقَبِلْتُ لَهُ نِكَاحَهَا ( أَوْ ) يَقُولُ ( تَزَوَّجْتُهَا ) أَيْ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ( إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِنَفْسِي ( أَوْ ) كَانَ ( وَكِيلُهُ ) أَيْ الزَّوْجِ فَيَقُولُ زَوَّجْتُهَا لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ أَوْ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقَبِلْتُ لَهُ نِكَاحَهَا ( إلَّا بِنْتَ عَمِّهِ وَعَتِيقَتَهُ الْمَجْنُونَتَيْنِ ) إذَا أَرَادَ تَزْوِيجَهُمَا فَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِهِمَا ( فَيُشْتَرَطُ ) لِتَزَوُّجِهِ بِهِمَا ( وَلِيٌّ غَيْرُهُ ) إنْ كَانَ ( أَوْ حَاكِمٌ ) إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَهُ ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ اعْتَبَرَ النَّظَرَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالِاحْتِيَاطَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا هُوَ مُوَلًّى عَلَيْهِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ فَيُزَوِّجُهُ وَلِيٌّ غَيْرُهُ وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ لِتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ .

فَصْلٌ وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إذًا أَيْ وَقْتَ الْقَوْلِ ( لَوْ كَانَتْ حُرَّةً ) لِتَدْخُلَ الْكِتَابِيَّةُ وَتَخْرُجَ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ وَالْمُعْتَدَّةُ لِعَدَمِ حِلِّ كُلٍّ مِنْهُنَّ لَهُ ( مِنْ ) بَيَانٍ لِأَمَتِهِ ( قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرَةٍ أَوْ مُكَاتَبَةٍ أَوْ مُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ : أَعْتَقْتُكِ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ أَوْ جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا أَوْ ) قَالَ : جَعَلْتُ ( صَدَاقَ أَمَتِي عِتْقَهَا ) أَوْ قَالَ : قَدْ أَعْتَقْتُهَا وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا أَوْ قَالَ ( أَعْتَقْتُهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا أَوْ ) قَالَ ( أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَكِ وَعِتْقِي ) صَدَاقُكِ ( أَوْ عِتْقُكِ صَدَاقُكِ صَحَّ ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا ( وَإِنْ لَمْ يَقُلْ : وَتَزَوَّجْتُكِ أَوْ ) لَمْ يَقُلْ ( تَزَوَّجْتُهَا ) لِتَضَمُّنِ قَوْلِهِ وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا وَنَحْوَهُ صَدَاقَهَا ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ .
وَعَنْ صَفِيَّةَ قَالَتْ : { أَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ عِتْقِي صَدَاقِي } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَلَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى النِّكَاحِ لِيَصِحَّ وَقَدْ شَرَطَهُ صَدَاقًا فَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ ، لِيَكُونَ الْعِتْقُ صَدَاقًا فِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فَصَحَّ النِّكَاحُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُهَا وَتَزَوَّجْتهَا عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوِهِ ( إنْ كَانَ ) الْكَلَامُ ( مُتَّصِلًا ) وَلَوْ حُكْمًا وَكَانَ ( بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ ) عَدْلَيْنِ فَإِنْ قَالَ أَعْتَقْتُكِ وَسَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ ، أَوْ تَكَلَّمَ بِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ قَالَ : وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ

وَنَحْوَهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِصَيْرُورَتِهَا بِالْعِتْقِ حُرَّةً فَيَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِصَدَاقٍ جَدِيدٍ ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ } ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ

( وَيَصِحُّ جَعْلُ صَدَاقِ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ عِتْقَ الْبَعْضِ الْآخَرِ ) إنْ أَذِنَتْ هِيَ وَمُعْتِقُ الْبَقِيَّةِ

( وَمَنْ طَلَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ) وَقَدْ جُعِلَ عِتْقُهَا أَوْ عِتْقُ بَعْضِهَا صَدَاقُهَا ( رَجَعَ ) مُعْتِقُهَا ( عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ ) مِنْهَا نَصًّا ، وَإِنْ سَقَطَ لِرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ رَجَعَ بِكُلِّهَا وَقْتَ عِتْقٍ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً بِهِ ( وَتُجْبَرُ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ ) أَيْ التَّكَسُّبِ ( غَيْرُ مَلِيئَةٍ ) لِتُعْطِيَهُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِ مَا فَرَضَ لَهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا مَا أَعْتَقَ مِنْهَا ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ زَوَالِهِ فَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا

( وَمَنْ أَعْتَقَهَا ) رَبُّهَا ( بِسُؤَالِهَا ) عِتْقَهَا ( عَلَى أَنْ تَنْكِحَهُ أَوْ قَالَ ) لَهَا ( أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي فَقَطْ ) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ( وَرَضِيَتْ صَحَّ ) الْعِتْقُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَنْكِحَهُ ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ سَلَفًا فِي نِكَاحٍ فَلَمْ يَلْزَمْهَا كَمَا لَوْ أَسْلَفَ حُرَّةً أَلْفًا عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ ( ثُمَّ إنْ أَنْكَحَتْهُ ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لَهُ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهَا ( وَإِلَّا ) تَنْكِحْهُ ( فَعَلَيْهَا قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ مِنْهَا ) كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِقِيمَتِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي ، وَسَوَاءٌ امْتَنَعَتْ مِنْ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَذَلَتْهُ فَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا كَمَا هُوَ فِي الشَّرْحِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ

( وَإِنْ قَالَ ) لِأَمَتِهِ ( زَوَّجْتُكِ لِزَيْدٍ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ وَنَحْوَهُ ) كَ زَوَّجْتُ أَمَتِي لِزَيْدٍ وَعِتْقُهَا صَدَاقُهَا صَحَّ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ ( أَوْ ) قَالَ لِأَمَتِهِ ( أَعْتَقْتُكِ وَزَوَّجْتُكِ لَهُ ) أَيْ لِزَيْدٍ ( عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَ ) زَيْدٌ النِّكَاحَ ( فِيهِمَا ) أَيْ الصُّورَتَيْنِ ( صَحَّ ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ ( كَ أَعْتَقْتُكِ وَأَكْرَيْتُك مِنْهُ ) أَيْ زَيْدٍ ( سَنَةً بِأَلْفٍ ) فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَالْإِجَارَةُ إنْ قَبِلَهُمَا زَيْدٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ .

فَصْلٌ الشَّرْطُ الرَّابِعُ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ خَوْفَ الْإِنْكَارِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ حُضُورِ أَرْبَعَةٍ : الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالشَّاهِدَانِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { الْبَغَايَا اللَّوَاتِي يُزَوِّجْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَاشْتُرِطَ فِيهِ الشَّهَادَةُ ، ؛ لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ فَيَضِيعَ نَسَبُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ ( إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) إذَا نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ لِأَمْنِ الْإِنْكَارِ ( فَلَا يَنْعَقِدُ ) النِّكَاحُ ( إلَّا بِشَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ مُتَكَلِّمَيْنِ سَمِيعَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ ذِمِّيَّةٌ عَدْلَيْنِ وَلَوْ ظَاهِرًا ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الشَّهَادَةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِظْهَارُهُ وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يَشْتَهِرُ بِحُضُورِهِ صَحَّ ( فَلَا يُنْقَضُ لَوْ بَانَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( فَاسْقِينَ ) لِوُقُوعِ النِّكَاحِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَبَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ فَاكْتُفِيَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِيهِ .
قُلْتُ : وَكَذَا لَا يُنْقَضُ إنْ بَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا ( غَيْرَ مُتَّهَمَيْنِ لِرَحِمٍ ) بِأَنْ لَا يَكُونَا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْوَلِيِّ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ أَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ جَدِّهَا فِيهِ وَلَا ابْنِهَا وَابْنِهِ فِيهِ ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ وَجِدُّهُ وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ لِلتُّهْمَةِ وَكَذَا أَبُو الْوَلِيِّ وَابْنُهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ بَصِيرَيْنِ فَتَصِحُّ ( وَلَوْ أَنَّهُمَا ضَرِيرَانِ ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَشْبَهَتْ الِاسْتِفَاضَةَ ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَتَيَقَّنَ الصَّوْتَ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّ فِي الْعَاقِدَيْنِ كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ رَآهُمَا ( أَوْ ) أَيْ .
وَلَوْ أَنَّ

الشَّاهِدَيْنِ ( عَدُوَّا الزَّوْجَيْنِ أَوْ ) عَدُوَّا ( أَحَدِهِمَا ، أَوْ ) عَدُوَّا ( الْوَلِيِّ ) لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا نِكَاحُ غَيْرِ هَذَيْنِ الزَّوْجَيْنِ فَانْعَقَدَ بِهِمَا نِكَاحُهُمَا كَسَائِرِ الْعُدُولِ ( وَلَا يُبْطِلُهُ ) أَيْ الْعَقْدَ ( تَوَاصٍ بِكِتْمَانِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَكْتُومًا وَيُكْرَهُ كِتْمَانُهُ قَصْدًا

وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَنَّهُمَا مُتَنَاكِحَانِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ مُبْهَمَيْنِ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِمَا

( وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( مِنْ الْمَوَانِعِ ) لِلنِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا ( أَوْ ) أَيْ وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى ( إذْنِهَا ) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ ( وَالِاحْتِيَاطُ الْإِشْهَادُ ) بِخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَبِإِذْنِهَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ

( وَإِنْ ادَّعَى زَوْجٌ إذْنَهَا ) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ ( وَأَنْكَرَتْ ) الزَّوْجَةُ إذْنَهَا لِوَلِيِّهَا ( صُدِّقَتْ قَبْلَ دُخُولِ ) زَوْجٍ بِهَا مُطَاوِعَةً ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَ ( لَا ) تُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهَا الْإِذْنَ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ بِهَا مُطَاوِعَةً ، لِأَنَّ دُخُولَهُ بِهَا كَذَلِكَ دَلِيلُ كَذِبِهَا

الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ كَفَاءَةُ زَوْجٍ عَلَى رِوَايَةٍ ) وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ ( فَتَكُونُ ) الْكَفَاءَةُ ( حَقًّا لَلَهُ تَعَالَى وَلَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( وَلِأَوْلِيَائِهَا كُلِّهِمْ فَ ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ( لَوْ رَضِيَتْ ) امْرَأَةٌ ( مَعَ أَوْلِيَائِهَا بِ ) تَزْوِيجِ ( غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَصِحَّ ) النِّكَاحُ ، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ ( وَلَوْ زَالَتْ ) الْكَفَاءَةُ ( بَعْدَ عَقْدٍ فَلَهَا فَقَطْ ) دُونَ أَوْلِيَائِهَا ( الْفَسْخُ ) كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ فِيمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : اسْتَغْفِرْ اللَّهَ ، فَالْمُعْتَبَرُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وُجُودُهَا حَالَ الْعَقْدِ .
وَاحْتُجَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ مَنْعَهَا تَزْوِيجَ نَفْسِهَا ؛ لِئَلَّا تَضَعَهَا فِي غَيْرِ كُفْؤٍ فَبَطَلَ الْعَقْدُ لِتَوَهُّمِ الْعَارِ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( وَعَلَى ) رِوَايَةٍ ( أُخْرَى أَنَّهَا ) أَيْ الْكَفَاءَةَ ( شَرْطٌ لِلُّزُومِ ) أَيْ لُزُومِ النِّكَاحِ ( لَا لِلصِّحَّةِ ) أَيْ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ .
وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ { أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةُ وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ .
} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد .
{ وَأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقٌّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَأَوْلِيَائِهَا فَإِذَا رَضُوا بِهِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِمْ وَلَا حَجْرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ ( فَيَصِحُّ ) النِّكَاحُ مَعَ فَقْدِ الْكَفَاءَةِ

( وَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ ) بِغَيْرِ كُفْءٍ بَعْدَ عَقْدٍ ( مِنْ امْرَأَةٍ وَعَصَبَتِهَا حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ ) مِنْ عَصَبَتِهَا ( الْفَسْخُ ) لِعَدَمِ لُزُومِ النِّكَاحِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ ( فَ ) يَجُوزُ أَنْ ( يَفْسَخَ أَخٌ مَعَ رِضَا أَبٍ ) لِأَنَّ الْعَارَ فِي تَزْوِيجِ غَيْرِ الْكُفْؤِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ( وَهُوَ ) أَيْ خِيَارُ الْفَسْخِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ ( عَلَى التَّرَاخِي ) ؛ لِأَنَّهُ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ ( فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِ عَصَبَةٍ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ ) كَأَنْ مَكَّنَتْهُ عَالِمَةً بِأَنَّهُ غَيْرُ كُفْؤٍ .

وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ امْرَأَةٍ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِلَا رِضَاهَا وَيَفْسُقُ بِهِ الْوَلِيُّ ( وَالْكَفَاءَةُ ) لُغَةً الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ { الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ } أَيْ تَتَسَاوَى .
فَدَمُ الْوَضِيعِ مِنْهُمْ كَدَمِ الرَّفِيعِ ، وَهُنَا ( دِينٌ فَلَا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ ) عَنْ زِنًا ( بِفَاجِرٍ ) أَيْ فَاسِقٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ اعْتِقَادٍ ؛ لِأَنَّهُ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَذَلِكَ نَقْصٌ فِي إنْسَانِيَّتِهِ فَلَيْسَ كُفْؤَ الْعَدْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ } ( وَمَنْصِبٌ وَهُوَ النَّسَبُ فَلَا تُزَوَّجُ عَرَبِيَّةٌ ) مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ( بِعَجَمِيٍّ ) وَلَا بِوَلَدِ زِنًا لِقَوْلِ عُمَرَ ( لَأَمْنَعَنَّ تَزَوُّجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ يَعْتَمِدُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ وَيَأْنَفُونَ مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي وَيَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا وَعَارًا ، وَالْعَرَبُ قُرَيْشٌ وَغَيْرُهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ ، وَسَائِرُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ

( وَحُرِّيَّةٌ فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ ) وَلَوْ عَتِيقَةً ( بِعَبْدٍ ) وَلَا بِمُبَعَّضٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ غَيْرُ مَالِكٍ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَهُ يُشْبِهُ مِلْكَ الْبَهِيمَةِ فَلَا يُسَاوِي الْحُرَّةَ لِذَلِكَ ( وَيَصِحُّ ) النِّكَاحُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ( إنْ عَتَقَ ) الْعَبْدُ ( مَعَ قَبُولِهِ ) النِّكَاحَ بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ : أَنْتَ حُرٌّ مَعَ قَبُولِكَ النِّكَاحَ ، أَوْ يَكُونَ السَّيِّدُ وَكِيلًا عَنْ عَبْدِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ فَيَقُولُ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ لِعَبْدِهِ : قَبِلْت لَهُ هَذَا النِّكَاحَ وَأَعْتَقْتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُمْكِنُ الْفَسْخُ فِيهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَتِيقَ كُفْؤٌ لِحُرَّةِ الْأَصْلِ

( وَصِنَاعَةٌ غَيْرُ زَرِيَّةٍ ) أَيْ دَنِيئَةٍ ( فَلَا تُزَوَّجَ بِنْتُ بَزَّازٍ ) أَيْ تَاجِرٍ فِي الْبَزِّ وَهُوَ الْقَمَّاشُ ( بِحَجَّامٍ وَلَا ) تُزَوَّجُ ( بِنْتُ ثَانِي صَاحِبِ عَقَارٍ بِحَائِكٍ ) وَكَسَّاحٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ .
وَفِي حَدِيثٍ { الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا } قِيلَ لِأَحْمَدَ : وَكَيْفَ تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ .
قَالَ : الْعَمَلُ عَلَيْهِ .
أَيْ أَنَّهُ يُوَافِقُ الْعُرْفَ

( وَيَسَارٌ بِحَسَبِ مَا يَجِبُ لَهَا فَلَا تُزَوَّجُ مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ ) لِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي إعْسَارِهِ لِإِخْلَالِهِ بِنَفَقَتِهَا وَمُؤْنَةِ أَوْلَادِهِ ، وَلِهَذَا مَلَكَتْ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِهِ بِالنَّفَقَةِ ، وَلِأَنَّ الْعُسْرَةَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ يَتَفَاضَلُونَ بِهَا كَتَفَاضُلِهِمْ فِي النَّسَبِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ لَا أُمِّهِ .
وَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَتَسَرَّى بِالْإِمَاءِ وَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ لَا يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ نَصًّا ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُمْ كُفُؤٌ لَهُمْ .

الْمُحَرَّمَاتُ فِي النِّكَاحِ ضَرْبَانِ : أَيْ صِنْفَانِ ( ضَرْبٌ ) يَحْرُمُ ( عَلَى الْأَبَدِ ) أَيْ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى الْأَبَدِ ( هُنَّ أَقْسَامٌ ) خَمْسَةٌ ( قِسْمٌ ) يَحْرُمْنَ ( بِالنَّسَبِ وَهُنَّ سَبْعٌ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ لِأَبٍ ) وَإِنْ عَلَتْ ( أَوْ ) الْجَدَّةُ ( لِأُمٍّ وَإِنْ عَلَتْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } وَأُمَّهَاتُك كُلُّ مَنْ انْتَسَبْتَ إلَيْهَا بِوِلَادَةٍ سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الْأُمِّ حَقِيقَةً وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْكَ ، أَوْ مَجَازًا وَهِيَ وَاَلَّتِي وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَتْكَ وَإِنْ عَلَتْ ؛ وَمِنْهُ جَدَّاتُك أُمُّ أَبِيكَ ، وَأُمُّ أُمِّكَ ، وَجَدَّةُ أُمِّكِ وَجَدَّاتُ أَجْدَادِكِ ، وَجَدَّاتُ جَدَّاتِكِ .
وَإِنْ عَلَوْنَ وَارِثَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ ذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ : { هَاجَرَ أُمَّ إسْمَاعِيلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ } .
وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ { اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى أَبِينَا آدَمَ وَأُمِّنَا حَوَّاءَ } ( وَالْبَنَاتُ ) لِصُلْبٍ ( وَبَنَاتُ الْوَلَدِ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( وَإِنْ سَفَلَ ) وَارِثَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَبَنَاتُكُمْ } ( وَلَوْ ) كُنَّ ( مَنْفِيَّاتٍ بِلِعَانٍ ) أَوْ كُنَّ ( مِنْ زِنًا ) لِدُخُولِهِنَّ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ ، وَالنَّفْيُ بِلِعَانٍ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ كَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ .
وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَخَوَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِمَّا يَأْتِي مِنْ الْأَقْسَامِ ، وَيَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا بِنْتُهَا وَنَحْوُهَا ظَاهِرًا ، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ ( وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ ) وَهِيَ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأَخَوَاتُكُمْ ( وَبِنْتٌ لَهَا ) أَيْ لِلْأُخْتِ مُطْلَقًا ( أَوْ ) بِنْتٌ ( لِابْنِهَا ) أَيْ ابْنِ الْأُخْتِ ( أَوْ ) بِنْتٌ ( لَبِنْتِهَا ) أَيْ لِبِنْتِ الْأُخْتِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَبَنَاتُ الْأُخْتِ } ( وَبِنْتُ كُلِّ أَخٍ ) شَقِيقٍ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ( وَبِنْتُهَا )

أَيْ بِنْتُ بِنْتِ الْأَخِ ( وَبِنْتُ ابْنِهَا وَإِنْ نَزَلْنَ كُلُّهُنَّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَبَنَاتُ الْأَخِ } ( وَالْعَمَّةُ ) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ( وَالْخَالَةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَإِنْ عَلَتَا ) أَيْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ ( كَعَمَّةِ أَبِيهِ وَعَمَّةِ ) أُمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ } ( وَعَمَّةُ الْعَمِّ لِأَبٍ ) لِأَنَّهَا عَمَّةُ أَبِيهِ و ( لَا ) تَحْرُمُ عَمَّةُ الْعَمِّ ( لِأُمٍّ ) بِأَنْ يَكُونَ لِلْعَمِّ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ عَمَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ، لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ وَ ( كَعَمَّةِ الْخَالَةِ لِأَبٍ ) فَتَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهَا عَمَّةُ الْأُمِّ وَ ( لَا ) تَحْرُمُ ( عَمَّةُ الْخَالَةِ لِأُمٍّ ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ ( وَ ) ( كَخَالَةِ الْعَمَّةِ لِأُمٍّ ) فَتَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهَا خَالَةُ أَبِيهِ .
وَ ( لَا ) تَحْرُمُ خَالَةُ ( الْعَمَّةِ لِأَبٍ ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ ( فَتَحْرُمُ كُلُّ نَسِيبَةٍ ) أَيْ قَرِيبَةٍ ( سِوَى بِنْتِ عَمٍّ وَ ) بِنْتِ ( عَمَّةٍ وَبِنْتِ خَالٍ وَبِنْتِ خَالَةٍ وَ ) إنْ نَزَلْنَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَبَنَاتِ عَمِّكَ } الْآيَةَ .
وَالْقِسْمُ ( الثَّانِي ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ الْمُحَرَّمَاتُ ( بِالرَّضَاعِ وَلَوْ ) كَانَ الْإِرْضَاعُ مُحَرَّمًا كَمَنْ ( أَكْرَهَ ) وَفِي نُسْخَةٍ غَصَبَ ( امْرَأَةً عَلَى إرْضَاعِ طِفْلٍ ) فَأَرْضَعَتْهُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ الرَّضَاعُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي سَبَبِ التَّحْرِيمِ كَوْنُهُ مُبَاحًا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ تَحْرِيمٍ وَالْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا وَكَذَا لَوْ غَصَبَ لَبَنَ امْرَأَةٍ وَسَقَاهُ طِفْلًا سَقْيًا مُحَرَّمًا ( وَتَحْرِيمُهُ ) أَيْ الرَّضَاعُ ( كَ ) تَحْرِيمِ ( نَسَبٍ ) فَكُلُّ امْرَأَةٍ حَرُمَتْ مِنْ النَّسَبِ حَرُمَ مِثْلُهَا بِالرَّضَاعِ حَتَّى مَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْ لَبَنٍ ثَابَ مِنْهُ مِنْ زِنًا كَبِنْتِهِ مِنْ زِنًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ : إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي .
إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ

فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } وَفِي لَفْظٍ { مِنْ الرَّحِمِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } وَالْبَاقِيَاتُ يَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ لَفْظِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَدْخُلُ فِي الْبَنَاتِ بَنَاتُ الرَّضَاعَةِ وَفِي بَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ بَنَاتُهُمَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَفِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ مِنْ الرَّضَاعِ ( حَتَّى فِي مُصَاهَرَةٍ فَتَحْرُمُ زَوْجَةُ أَبِيهِ وَ ) زَوْجَةُ ( وَلَدِهِ مِنْ رَضَاعٍ كَ ) مَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَةُ أَبِيهِ وَابْنِهِ ( مِنْ نَسَبٍ ) وقَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } احْتِرَازًا عَمَّنْ تَبَنَّاهُ وَ ( لَا ) تَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ ( أُمُّ أَخِيهِ ) مِنْ رَضَاعٍ ( وَ ) لَا ( أُخْتُ ابْنِهِ مِنْ رَضَاعٍ ) أَيْ فَتَحِلُّ مُرْضِعَةٌ وَبِنْتُهَا لِأَبِي مُرْتَضِعٍ وَأَخِيهِ مِنْ نَسَبٍ وَتَحِلُّ أُمُّ مُرْتَضِعٍ وَأُخْتُهُ مِنْ نَسَبٍ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِنْ رَضَاعٍ ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ لَا مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ .
الْقِسْمُ ( الثَّالِثُ ) الْمُحَرَّمَاتُ ( بِالْمُصَاهَرَةِ وَهُنَّ أَرْبَعٌ ) إحْدَاهُنَّ ( أُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ ) مِنْ نَسَبٍ وَمِثْلُهُنَّ مِنْ رَضَاعٍ فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مِنْ نِسَائِهِ فَتَدْخُلُ أُمُّهَا فِي عُمُومِ الْآيَةِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ الْقُرْآنُ أَيْ عَمِّمُوا حُكْمَهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَلَا تَفْصِلُوا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { مَنْ تَزَوَّجَ

امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَبِيبَتَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا } رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ ( وَ ) الثَّانِي وَالثَّالِثُ ( حَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ ) أَيْ زَوْجَاتُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ سُمِّيَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ حَلِيلَةً ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ إزَارَ زَوْجِهَا وَمُحَلَّلَة لَهُ ( وَمِثْلُهُنَّ ) أَيْ مِثْلُ حَلَائِلِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ زَوْجَاتُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ ( مِنْ رَضَاعٍ فَيَحْرُمْنَ ) أَيْ أُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ وَحَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَمِثْلُهُنَّ مِنْ رَضَاعٍ ( بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ ) قَالَ فِي الشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ، وَيَدْخُلُ فِيهِ زَوْجَةُ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَزَوْجَةُ الِابْنِ وَزَوْجَةُ ابْنِهِ وَابْنُ بِنْتِهِ وَإِنْ نَزَلَ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ و ( لَا ) تَحْرُمُ ( بَنَاتُهُنَّ ) أَيْ بَنَاتُ حَلَائِلِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ ( وَأُمَّهَاتُهُنَّ ) فَتَحِلُّ لَهُ رَبِيبَةُ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَأُمُّ زَوْجَةِ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } .
( وَ ) الرَّابِعَةُ ( الرَّبَائِبُ وَهُنَّ بَنَاتُ زَوْجَتِهِ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، قَوْله تَعَالَى : { وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } ( أَوْ كُنَّ ) بَنَاتٍ ( لِرَبِيبٍ أَوْ ) كُنَّ بَنَاتٍ لِ ( ابْنِ رَبِيبِهِ ) قَرِيبَاتٍ كُنَّ أَوْ بَعِيدَاتٍ وَارِثَاتٍ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ فِي حَجْرِهِ أَوْ لَا ، لِأَنَّ التَّرْبِيَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي التَّحْرِيمِ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } فَقَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِمَفْهُومِهِ .
( فَإِنْ مَاتَتْ ) الزَّوْجَةُ ( قَبْلَ دُخُولٍ ) لَمْ تَحْرُمْ بَنَاتُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } ( أَوْ أَبَانَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةَ ( بَعْدَ خَلْوَةٍ وَقَبْلَ وَطْءٍ لَمْ يَحْرُمْنَ ) أَيْ بَنَاتُهَا لِلْآيَةِ وَالْخَلْوَةُ لَا تُسَمَّى

دُخُولًا ( وَتَحِلُّ زَوْجَةُ رَبِيبٍ ) بَانَتْ مِنْهُ لِزَوْجِ أُمِّهِ .
( وَ ) تَحِلُّ ( بِنْتُ زَوْجِ أُمٍّ ) لِابْنِ امْرَأَتِهِ ( وَ ) تَحِلُّ ( زَوْجَةُ زَوْجِ أُمٍّ ) لِابْنِهَا ( وَ ) يَحِلُّ ( لِأُنْثَى ابْنُ زَوْجَةِ ابْنٍ ) لَهَا ( وَ ) وَيَحِلُّ لِأُنْثَى ( زَوْجُ زَوْجَةِ أَبٍ ) بِأَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَ زَوْجَةِ أَبِيهَا ( أَوْ ) زَوْجَ ( زَوْجَةِ ابْنٍ ) بِأَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَ زَوْجَةِ ابْنِهَا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ الْحِلُّ إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ .
( وَلَا يُحَرَّمُ ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَطْءٌ ( فِي مُصَاهَرَةٍ إلَّا بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِحَائِلٍ ( وَلَوْ دُبُرًا ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ إذَا وُجِدَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ فَكَذَا فِي الزِّنَا ( أَوْ ) كَانَ الْوَطْءُ ( بِشُبْهَةٍ أَوْ بِزِنًا بِشَرْطِ حَيَاتِهِمَا ) أَيْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ فَلَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ مَيِّتَةٍ أَوْ أَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَشَفَةَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( كَوْنُ مِثْلِهِمَا يَطَأُ وَيُوطَأُ ) فَلَوْ أَوْلَجَ ابْنٌ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ أَوْلَجَ ابْنُ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ بِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ .
وَكَذَا تَغْيِيبُ بَعْضِ الْحَشَفَةِ وَاللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ ، وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ مَاءَ أَجْنَبِيٍّ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ، وَيَأْتِي بِهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ يَحْرُمُ كَالْوَطْءِ ، وَإِنَّمَا كَانَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ وَالزِّنَا مُحَرَّمًا كَالْحَلَالِ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } وَنَظَائِرُهُ ، وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ تَعَلَّقَ بِالْمَحْظُورِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ ( وَيَحْرُمُ

بِوَطْءِ ذَكَرٍ مَا يَحْرُمُ بِ ) وَطْءِ ( امْرَأَةٍ فَلَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْ لَائِطٍ وَمَلُوطٍ بِهِ أُمُّ الْآخَرِ ، وَلَا ابْنَتُهُ ) أَيْ الْآخَرِ ، لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي فَرْجٍ فَنَشَرَ الْحُرْمَةَ كَوَطْءِ امْرَأَةٍ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّحِيحُ : أَنَّ هَذَا لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَإِنْ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِنَّ فِي التَّحْرِيمِ فَيَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَلَا هُنَّ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِنَّ ، وَلِأَنَّهُنَّ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِنَّ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ ، فِيهِنَّ فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِنَّ فِي هَذَا حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ وَمَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُهُنَّ وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِنْهُنَّ وَلَا فِي مَعْنَاهُنَّ الْقِسْمُ ( الرَّابِعُ ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ الْمُحَرَّمَةُ ( بِاللِّعَانِ ) نَصًّا ( فَمَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ) لِنَفْيِ وَلَدٍ ( أَوْ ) لَاعَنَ زَوْجَتَهُ ( بَعْدَ إبَانَةٍ لَنَفْيِ وَلَدٍ حُرِّمَتْ أَبَدًا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ ) وَيَأْتِي مُوَضَّحًا فِي اللِّعَان الْقِسْمُ ( الْخَامِسُ ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ ( زَوْجَاتُ نَبِيِّنَا ) مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْرُمْنَ ( عَلَى غَيْرِهِ ) أَبَدًا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } ( وَلَوْ مَنْ فَارَقَهَا ) فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ ( وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ دُنْيَا وَأُخْرَى ) كَرَامَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ ( إلَى أَمَدٍ وَهُنَّ نَوْعَانِ نَوْعٌ ) مِنْهُمَا يَحْرُمُ ( لِأَجْلِ الْجَمْعِ فَيَحْرُمُ ) الْجَمْعُ ( بَيْنَ أُخْتَيْنِ ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً وَسَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } .
( وَ ) يَحْرُمُ الْجَمْعُ ( بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَإِنْ عَلَتَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ) لِحَدِيثِ { لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد { وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا ، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا ، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا ، وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى ، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى } وَلِمَا فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَإِفْضَاءِ ذَلِكَ لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ .
( وَ ) يَحْرُمُ الْجَمْعُ ( بَيْنَ خَالَتَيْنِ ) كَأَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ وَتَلِدَ لَهُ بِنْتًا فَالْمَوْلُودَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالَةُ الْأُخْرَى لِأَبٍ ( أَوْ ) بَيْنَ ( عَمَّتَيْنِ ) بِأَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ وَلَدَتَا لَهُ بِنْتًا فَكُلٌّ مِنْ الْمَوْلُودَتَيْنِ عَمَّةُ الْأُخْرَى لِأُمٍّ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( أَوْ ) بَيْنَ ( عَمَّةٍ وَخَالَةٍ ) كَأَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَابْنَهُ أُمَّهَا وَتَلِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتًا فَبِنْتُ الِابْنِ خَالَةُ بِنْتِ الْأَبِ ، وَبِنْتُ الْأَبِ عَمَّةُ بِنْتِ الِابْنِ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( أَوْ ) بَيْنَ ( امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ نِكَاحُهُ ) أَيْ الذَّكَرُ ( لَهَا ) أَيْ الْأُنْثَى ( لِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ ) لِأَنَّ الْمَعْنَى

الَّذِي لِأَجْلِهِ حَرُمَ الْجَمْعُ إفْضَاؤُهُ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْقَرِيبَةِ ، لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ التَّنَافُسِ وَالْغَيْرَةِ بَيْنَ الضَّرَائِرِ ، وَأُلْحِقَ بِالْقَرَابَةِ الرَّضَاعُ ، لِحَدِيثِ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } .
( وَ ) لَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ ( بَيْنَ أُخْتِ شَخْصٍ مِنْ أَبِيهِ وَأُخْتِهِ مِنْ أُمِّهِ ) وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَلَّتْ لَهُ الْأُخْرَى وَالشَّخْصُ فِي الْمِثَالِ خَالٌ وَعَمٌّ لِوَلَدِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتٌ وَوَطِئَا أَمَةً لَهُمَا فَأُلْحِقَ وَلَدُهَا بِهِمَا فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ بِالْأَمَةِ وَبِالْبِنْتَيْنِ فَقَدْ تَزَوَّجَ أُمَّ رَجُلٍ وَأُخْتَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ

( وَلَا ) يَحْرُمُ الْجَمْعُ ( بَيْنَ مُبَانَةِ شَخْصٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا وَلَوْ فِي عَقْدٍ ) وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَرُمَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُهَا إلَّا لِلْمُصَاهَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ

( فَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ( فِي عَقْدٍ ) وَاحِدٍ ( أَوْ ) فِي ( عَقْدَيْنِ مَعًا ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ( بَطَلَا ) أَيْ الْعَقْدَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا وَلَا مَزِيَّةَ لَإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَبَطَل فِيهِمَا ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ خَمْسَ زَوْجَاتٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ .
( وَ ) إنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ ( فِي زَمَنَيْنِ يَبْطُلُ ) عَقْدٌ ( مُتَأَخِّرٌ ) لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا جَمْعَ فِيهِ ( كَ ) عَقْدٍ ( وَاقِعٍ ) عَلَى نَحْوِ أُخْتٍ ( فِي عِدَّةِ ) الْأُخْتِ ( الْأُخْرَى وَلَوْ ) كَانَتْ الْأُخْتُ الْأُخْرَى ( بَائِنًا ) كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ أَوْ عَلَى عِوَضٍ ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ وَلَوْ مُبَانَةً ( فَإِنْ جُهِلَ ) أَسْبَقُ الْعَقْدَيْنِ ( فُسِخَا ) أَيْ فَسَخَهُمَا الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُطَلِّقْهُمَا لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ فِي إحْدَاهُمَا وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَلَا تُعْرَفُ الْمُحَلَّلَةُ لَهُ فَقَدْ اشْتَبَهَتْهَا عَلَيْهِ وَنِكَاحُ إحْدَاهُمَا صَحِيحٌ وَلَا تَتَيَقَّنُ بَيْنُونَتُهَا مِنْهُ إلَّا بِطَلَاقِهِمَا أَوْ فَسْخِ نِكَاحِهِمَا فَوَجَبَ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا ، قَالَ فِي الشَّرْحِ .
وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُفَارِقَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ يُجَدِّدَ عَقْدَ الْأُخْرَى وَيُمْسِكَهَا فَلَا بَأْسَ ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَلِإِحْدَاهُمَا ) أَيْ إحْدَى مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا عُقِدَ عَلَيْهِمَا فِي زَمَنَيْنِ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا وَطَلَّقَهُمَا أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ( نِصْفُ مَهْرِهَا بِقُرْعَةٍ ) بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فَتَأْخُذُهُ مَنْ تَخْرُجُ لَهَا الْقُرْعَةُ وَلَهُ الْعَقْدُ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي الْحَالِ إذَنْ ، وَإِنْ أَصَابَ إحْدَاهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ خَرَجَتْ الْمُصَابَةُ فَلَهَا مَا سُمِّيَ لَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْرَى ، وَإِنْ وَقَعَتْ لِغَيْرِ الْمُصَابَةِ فَلَهَا نِصْفُ مَا سُمِّيَ وَلِلْمُصَابَةِ مَهْرُ

مِثْلِهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا ، وَلَهُ نِكَاحُ الْمُصَابَةِ فِي الْحَالِ لَا الْأُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُصَابَةِ ، وَإِنْ أَصَابَهُمَا فَلِإِحْدَاهُمَا الْمُسَمَّى وَلِلْأُخْرَى مَهْرُ الْمِثْلِ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِمَا ، وَلَا يَنْكِحُ إحْدَاهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأُخْرَى

( وَمَنْ مَلَكَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ أَوْ ) مَلَكَ ( عَمَّتَهَا أَوْ ) مَلَكَ ( خَالَتَهَا صَحَّ ) مِلْكُهُ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لَلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاؤُهُ أُخْتَهَا مِنْ رَضَاعٍ ( وَحَرُمَ أَنْ يَطَأَهَا ) أَيْ الَّتِي مَلَكَهَا ( حَتَّى يُفَارِقَ زَوْجَتَهُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ) ؛ لِئَلَّا يُجْمَعَ مَاؤُهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ ، لِحَدِيثِ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ }

( وَمَنْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ( مَعًا ) وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ انْتَهَى ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ أُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا كَشِرَاءِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُزَوَّجَةِ مَعَ أَنَّهُمَا لَا يَحِلَّانِ لَهُ ( وَلَهُ وَطْءُ أَيِّهِمَا شَاءَ ) لِأَنَّ الْأُخْرَى لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا كَمَا لَوْ مَلَكَ إحْدَاهُمَا وَحْدَهَا .
( وَتَحْرُمُ بِهِ ) أَيْ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا ( الْأُخْرَى ) نَصًّا وَدَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ جَمِيعًا كَسَائِرِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ وَيَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ وَالْعَقْدُ عَلَيْهِنَّ وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ فِرَاشًا فَحَرُمْت أُخْتُهَا كَالزَّوْجَةِ ( حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ ) مِنْهُمَا ( بِإِخْرَاجٍ ) لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا ( عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بِبَيْعٍ لِلْحَاجَةِ ) إلَى التَّفْرِيقِ ( أَوْ هِبَةٍ ) مَقْبُوضَةٍ لِغَيْرِ وَلَدِهِ ( أَوْ تَزْوِيجٍ بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ ) لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا مِنْهُ .
( وَلَا يَكْفِي ) فِي حِلِّ الْأُخْرَى ( مُجَرَّدُ تَحْرِيمِ ) الْمَوْطُوءَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ وَلَوْ حَرَّمَهَا إلَّا أَنَّهُ لِعَارِضٍ مَتَى شَاءَ أَزَالَهُ بِالْكَفَّارَةِ فَهُوَ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَكْفِي لِحِلِّ الْأُخْرَى ( كِتَابَةِ ) الْمَوْطُوءَةِ ؛ لِأَنَّهُ سَبِيلٌ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا بِمَا لَا يَقِفُ عَلَى غَيْرِهَا ( أَوْ رَهْنٍ ) لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ وَطْئِهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِتَحْرِيمِهَا وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِإِذْنِهِ وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى فَكِّهَا مَتَى شَاءَ ( أَوْ بَيْعِ ) هَا ( بِشَرْطِ خِيَارٍ لَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ فَلَا يَكْفِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْجَاعِهَا مَتَى شَاءَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرٍ وَحْدَهُ .

( فَلَوْ خَالَفَ وَوَطِئَ ) الْأُخْرَى قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا أَوْ بَعْضَهَا عَنْ مِلْكِهِ ( لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُمَا ) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا وَالْمَوْطُوءَةِ ثَانِيًا ( حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا ) بِإِخْرَاجٍ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ ( كَمَا تَقَدَّمَ ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا كَمَا لَوْ وَطِئَهَا ابْتِدَاءً وَحَدِيثُ { إنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ } غَيْرُ صَحِيحٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرَحَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ إذَا وَطِئَ الْأُولَى وَطْئًا مُحَرَّمًا كَفِي حَيْضٍ وَنَحْوُهُ ( فَإِنْ عَادَتْ ) الْأُولَى ( لِمِلْكِهِ وَلَوْ ) كَانَ عَوْدُهَا ( قَبْلَ وَطْءِ الْبَاقِيَةِ ) فِي مِلْكِهِ ( لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً ) مِنْهُمَا ( حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى ) عَلَى نَفْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِهِ قَالَ الْمُحِبُّ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ : ( إنْ لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ ) كَمَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ ( فَإِنْ وَجَبَ ) اسْتِبْرَاءٌ ( لَمْ يَلْزَمْ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ فِيهِ ) أَيْ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَهُوَ ) أَيْ قَوْلُ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ ( حَسَنٌ ) لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ زَمَنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ مُعْتَدَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْعَائِدَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ

( وَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ سُرِّيَّتِهِ وَلَوْ بَعْدَ إعْتَاقِهَا زَمَنَ اسْتِبْرَائِهَا لَمْ يَصِحَّ ) النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرِدَ عَلَى فِرَاشِ الْأُخْتِ كَالْوَطْءِ وَيُفَارِقَ النِّكَاحُ شِرَاءَ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا صَحَّ شِرَاءُ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَشِرَاءُ مَنْ تَحْرُمُ بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُسْتَبْرِئِ ( نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا ) أَيْ سِوَى أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ نَحْوِ أُخْتِهَا لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا ( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا ) أَيْ نَحْوَ أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ ( بَعْدَ تَحْرِيمِ السُّرِّيَّةِ ) بِنَحْوِ بَيْعٍ ( وَ ) بَعْدَ ( اسْتِبْرَائِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ السُّرِّيَّةُ ) بِنَحْوِ بَيْعٍ ( فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ ) لَا يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ لِصِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ السُّرِّيَّةُ حَتَّى تَبِينَ الزَّوْجَةُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الزَّوْجَةِ حَتَّى يُحَرِّمَ السُّرِّيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا حَرُمَ فِي ) زَمَنِ ( عِدَّتِهَا نِكَاحُ أُخْتِهَا ) أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَنَحْوِهِمَا .
( وَ ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ ( وَطْؤُهَا ) أَيْ أُخْتِ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَعَمَّتِهَا وَنَحْوِهَا ( إنْ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً ) لَهُ .
( وَ ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ ( أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ غَيْرِهَا ) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ( بِعَقْدٍ ) فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ رَابِعَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ( أَوْ وَطْءٍ ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَوَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ مِنْهُنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ؛ لِئَلَّا يُجْمَعَ مَاؤُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ

( وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ فِي عِدَّتِهَا ) كَمُعْتَدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ ( إلَّا مِنْ وَاطِئٍ لَهَا ) بِشُبْهَةٍ فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ؛ لِأَنَّ مَنْعَهَا مِنْ النِّكَاحِ لِإِفْضَائِهِ إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ وَهُوَ مَأْمُونٌ هُنَا لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَلْحَقُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَلْحَقُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ طَلَاقٍ وَ ( لَا ) يَحِلُّ نِكَاحُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ لِوَاطِئٍ كَغَيْرِهِ ( إنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّتَانِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ نِكَاحَهَا إذَا دَخَلَتْ فِي عِدَّةِ وَطْئِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي أَشَارَ إلَيْهِ

( وَلَيْسَ لِحُرٍّ جَمْعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ ) زَوْجَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَإِذَا مَنَعَ اسْتِدَامَةَ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى وقَوْله تَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلٍّ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ وَلَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ تِسْعَةً وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ مَعْنَى ، وَمَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ ( إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ ) تَكْرِمَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ ( وَفُسِخَ تَحْرِيمُ الْمَنْعِ ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } - بِقَوْلِهِ تَعَالَى - { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ }

( وَلَا لِعَبْدٍ جَمْعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ ) أَيْ زَوْجَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ اثْنَتَيْنِ وَطَلَاقُهُ اثْنَتَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْ وَهُوَ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَحْرَارِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَلِأَنَّ مَبْنَى النِّكَاحِ عَلَى التَّفْضِيلِ وَلِهَذَا فَارَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أُمَّتَهُ

( وَلِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَأَكْثَرُ جَمْعُ ثَلَاثِ ) زَوْجَاتٍ نَصًّا ثِنْتَيْنِ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ وَوَاحِدَةً بِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ فَإِنْ كَانَ دُونَ نِصْفِهِ حُرٌّ فَلَهُ نِكَاحُ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ

( وَمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ ) كَحُرٍّ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ عَبْدٍ وَاحِدَةً مِنْ ثِنْتَيْنِ ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( تَزَوُّجُهُ بَدَلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ) نَصًّا ، لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ إذْ الْعِدَّةُ أَثَرُ النِّكَاحِ فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا لَكَانَ جَامِعًا بَيْنَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ ( بِخِلَافِ مَوْتِهَا ) أَيْ وَاحِدَةٍ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ فَلَهُ نِكَاحُ غَيْرِهَا فِي الْحَالِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِنِكَاحِهَا أَثَرٌ

( فَإِنْ قَالَ ) مُطَلِّقُ وَاحِدَةٍ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ عَنْهَا ( أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَكَذَّبَتْهُ ) وَأَمْكَنَ انْقِضَاؤُهَا ( فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَنِكَاحُ بَدَلِهَا ) لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بَلْ الْحَقُّ لَلَّهُ تَعَالَى فَنَدِينَهُ فِيهِ وَنُصَدِّقُهُ ، وَلِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مَنْعِهِ نِكَاحَ غَيْرِهَا ( وَتَسْقُطُ الرَّجْعَةُ ) فَلَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَ ( لَا ) تَسْقُطُ عَنْهُ ( السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ ) لَهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً مَعَ تَكْذِيبِهَا لَهُ فِي أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ يَدَّعِي سُقُوطَهُ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ لَهُ وَالْأَصْلُ مَعَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهِ دُونَهُ .
( وَ ) لَا يَسْقُطُ ( نَسَبُ الْوَلَدِ ) إذَا أَتَتْ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ لِمُدَّةٍ يَلْحَقُ فِيهَا عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ ثُمَّ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا .

فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ الْمُحَرَّمَاتِ ( لِعَارِضٍ يَزُولُ فَتَحْرُمُ ) عَلَيْهِ ( زَوْجَةُ غَيْرِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
( وَ ) تَحْرِيمُ ( مُعْتَدَّتِهِ ) أَيْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } .
( وَ ) تَحْرُمُ عَلَيْهِ ( مُسْتَبْرَأَةٌ مِنْهُ ) أَيْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَيُفْضِي تَزَوُّجُهَا إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَوْ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا .
( وَ ) تَحْرِيمُ ( زَانِيَةٍ عَلَى زَانٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ وَقَوْلُهُ { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ } أَيْ الْعَفَائِفُ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفَةِ لَا تُبَاحُ ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأُسَارَى بِمَكَّةَ وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ قَالَ فَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَنْكِحُ عَنَاقًا ؟ قَالَ فَسَكَتَ عَنِّي فَنَزَلَتْ { وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ : تَنْكِحُهَا ؟ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَتَوْبَةُ الزَّانِيَةِ ( بِأَنْ تُرَاوَدَ عَلَى الزِّنَا فَتَمْتَنِعَ ) نَصًّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ تَابَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِزَانٍ كَغَيْرِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَعَائِشَةَ لَا تَحِلُّ لِزَانٍ بِحَالٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا قَبْلَ

التَّوْبَةِ أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ فَهُوَ كَقَوْلِنَا .
( وَ ) تَحْرُمُ عَلَيْهِ ( مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَ ) حَتَّى ( تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا ) أَيْ الزَّانِيَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا مِنْ زَوْجٍ نَكَحَتْهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْءُ ، { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ : لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ }

وَعِدَّةُ زَانِيَةٍ مِنْ فَرَاغِ وَطْءٍ كَمَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا مِنْ زِنًا إنْ كَانَ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ

( وَ ) تَحْرُمُ ( مُحْرِمَةٌ حَتَّى تَحِلَّ ) مِنْ إحْرَامِهَا ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا { لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ الْخِطْبَةَ وَلِأَنَّهُ عَارَضَ مَنْعَ الْخَطِيبِ فَمَنْعُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ

( وَ ) تَحْرُمُ ( مُسْلِمَةٌ عَلَى كَافِرٍ حَتَّى يُسْلِمَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } وَقَوْلُهُ : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ }

( وَ ) تَحْرُمُ ( عَلَى مُسْلِمٍ وَلَوْ عَبْدًا كَافِرَةٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } " وَقَوْلِهِ : { وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وَقَوْلِهِ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ( غَيْرُ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ ) وَلَوْ حَرْبِيَّةً ( أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ مَنْ دَانَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ خَاصَّةً .
( وَلَوْ ) كَانَ أَبَوَاهَا ( مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ ) مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ ( حَتَّى تُسْلِمَ ) الْكَافِرَةُ فَتَحِلَّ بَعْدَ إسْلَامِهَا لِلْمُسْلِمِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ حِلِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا لِمُسْلِمٍ وَلَوْ اخْتَارَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَذَا لَوْ تَوَلَّدَتْ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيَّةٍ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ وَكَذَا الدُّرُوزُ وَنَحْوُهُمْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ .
( وَمُنِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ ) إكْرَامًا لَهُ ( كَ ) مَا مُنِعَ مِنْ نِكَاحِ ( أَمَةٍ مُطْلَقًا ) أَيْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ يُبَاحُ لَهُ مِلْكُ الْيَمِينِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ مُشْرِكَةً وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ( وَلِكِتَابِيٍّ نِكَاحُ مَجُوسِيَّةٍ و ) لَهُ ( وَطْؤُهَا بِمَلْكِ يَمِينٍ ) قِيَاسًا عَلَى الْمُسْلِمِ يَنْكِحُ الْكِتَابِيَّةَ وَيَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَ ( لَا ) يَحِلُّ نِكَاحُ ( مَجُوسِيٍّ لِكِتَابِيَّةٍ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهُ .

( وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَنَتَ الْعُزُوبِيَّةِ لِحَاجَةِ الْمُتْعَةِ أَوْ ) حَاجَةِ ( خِدْمَةِ ) امْرَأَةٍ لَهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَصًّا ، وَأَدْخَلَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ إذَا كَانَ لَهُ شَهْوَةٌ يَخَافُ مَعَهَا مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْمُبَاشَرَةِ حَرَامًا وَهُوَ عَادِمٌ الطَّوْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَ خَوْفُ عَنَتِ الْعُزُوبِيَّةِ ( مَعَ صِغَرِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْبَتِهَا أَوْ مَرَضِهَا ) أَيْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ نَصًّا .
( وَلَا يَجِدُ طَوْلًا ) أَيْ مَالًا ( حَاضِرًا يَكْفِي لِنِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ ) كَانَتْ الْحُرَّةُ ( كِتَابِيَّةً لَا غَائِبًا وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا أَوْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ تَفْوِيضِ بُضْعِهَا أَوْ وُهِبَ لَهُ فَتَحِلُّ ) لَهُ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ خَوْفَ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } - إلَى قَوْلِهِ - { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } وَالصَّبْرُ عَنْ إنْكَاحِهَا مَعَ الشَّرْطَيْنِ أَوْلَى ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كَافِرَةً وَلَوْ كِتَابِيَّةً لَمْ تَحِلَّ لِلْمُسْلِمِ لِلْآيَةِ قَالَ فِي الشَّرْحِ : أَوْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يُزَوَّجْ لِقُصُورِ نَسَبِهِ فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَيْ مَعَ خَوْفِ الْعَنَتِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعِ الطَّوْلِ إلَى حُرَّةٍ تُعِفُّهُ فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا انْتَهَى .
وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَوِّجُهُ حُرَّةً إلَّا بِزِيَادَةٍ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا تَجْحَفُ بِمَالِهِ ( وَلَوْ قَدَرَ ) عَادِمُ الطَّوْلِ خَائِفُ الْعَنَتِ ( عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ ) قَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ لَا وَلَوْ كِتَابِيَّةً

وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَظْهَرُ انْتَهَى ، وَمِمَّنْ اخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِي الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ فِي الْإِقْنَاعِ .
( وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا ) أَيْ الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَهَا بِالشَّرْطَيْنِ ( إنْ أَيْسَرَ ) فَمَلَكَ مَا يَكْفِيهِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً عَلَيْهَا أَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ وَنَحْوُهُ ) كَمَا لَوْ نَكَحَ أَمَةً لِحَاجَةِ خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ فَعُوفِيَ مِنْهُ أَوْ غَيْبَةِ زَوْجَتِهِ فَقَدِمَتْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لَا لِاسْتِدَامَتِهِ وَهِيَ تُخَالِفُ ابْتِدَاءَهُ إذْ الرِّدَّةُ وَالْعِدَّةُ وَأَمْنُ الْعَنَتِ يَمْنَعْنَ ابْتِدَاءَهُ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ ، وَقَالَ عَلِيٌّ : إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ قَسَمَ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ ( وَلَهُ ) أَيْ لِمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِشَرْطِهِ ( إنْ لَمْ تُعِفُّهُ ) الْأَمَةُ ( نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى ) عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُعِفَّاهُ فَلَهُ نِكَاحُ ثَالِثَةٍ وَهَكَذَا ( إلَى أَنْ يَصِرْنَ أَرْبَعًا ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } إلَى آخِرِهِ .
( وَكَذَا ) لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً ( عَلَى حُرَّةٍ لَمْ تُعِفَّهُ ) الْحُرَّةُ ( بِشَرْطِهِ ) بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ ، لِعُمُومِ الْآيَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ إذَا لَمْ يَصْبِرْ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ تُعِفُّهُ فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ أَمَةٍ ، أُخْرَى وَإِنْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَسْتَعِفُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ لِبُطْلَانِهِ فِي إحْدَاهُمَا وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا ) بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَبَطَلَ فِيهِمَا كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ ( وَكِتَابِيٌّ حُرٌّ فِي ذَلِكَ ) أَيْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ( كَمُسْلِمٍ ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا

بِالشَّرْطَيْنِ وَكَوْنِهَا كِتَابِيَّةً

( وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ لَكِنْ لَا تُجْعَلُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ وَحَقُّ الزَّوْجِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْمَنْكُوحَةِ ( وَلَا تَصِيرُ ) أَمَةٌ مَنْكُوحَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( إنْ وَلَدَتْ أُمَّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ( وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْأَمَةِ ) مِنْ زَوْجِهَا ( حُرًّا ) إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمِ مَحْرَمٍ لِسَيِّدِهَا ( إلَّا بِاشْتِرَاطِ ) الزَّوْجِ حُرِّيَّتَهُ فَإِنْ اشْتَرَطَهَا فَحُرٌّ .
لِحَدِيثِ { الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ } وَلِقَوْلِ عُمَرَ مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فَلَزِمَ كَشَرْطِ سَيِّدهَا زِيَادَةَ مَهْرِهَا ، وَمَنْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ ادَّعَى فَقْدَ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهَا

( وَ ) يُبَاحُ ( لِقِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ نِكَاحُ أَمَةٍ وَلَوْ ) كَانَتْ ( لِابْنِهِ ) الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَطَعَ وِلَايَةَ وَالِدِهِ عَنْهُ وَعَنْ مَالِهِ وَلِهَذَا لَا يَلِي مَالَهُ وَلَا نِكَاحَهُ وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ ( حَتَّى ) لَوْ تَزَوَّجَهَا ( عَلَى حُرَّةٍ ) إنْ قُلْنَا الْكَفَاءَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ .
( وَ ) لِلْعَبْدِ ( جَمْعٌ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ( فِي عَقْدٍ ) وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْأَمَتَيْنِ وَ ( لَا ) يُبَاحُ لِلْعَبْدِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ ( نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ ) وَلَوْ مَلَكَتْ بَعْضَهُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ تَتَنَاقَصُ إذْ مِلْكُهَا إيَّاهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا وَأَنْ يَكُونَ بِحُكْمِهَا وَنِكَاحُهُ إيَّاهَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ( أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْعَبْدِ يَنْكِحُ سَيِّدَتَهُ فَقَالَ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا وَقَالَ لَا يَحِلُّ لَك ) .

( وَ ) يُبَاحُ ( لِأَمَةٍ نِكَاحُ عَبْدٍ وَلَوْ ) كَانَ الْعَبْدُ ( لِابْنِهَا ) لَقَطَعَ رِقُّهَا التَّوَارُثَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا

و ( لَا ) يَصِحُّ ( أَنْ تَتَزَوَّجَ ) أَمَةٌ ( بِسَيِّدِهَا ) لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَقْدٌ أَضْعَفُ مِنْهُ

( وَلَا ) يُبَاحُ ( لِحُرٍّ أَوْ حُرَّةٍ نِكَاحُ أَمَةِ أَوْ عَبْدِ وَلَدِهِمَا ) أَيْ لَيْسَ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ وَلَا لِلْحُرَّةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ إذَا مَلَكَ وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ( وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ ) بَعْضَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِتَنَافِي أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا ( أَوْ ) مَلَكَ ( وَلَدُهُ الْحُرُّ ) أَيْ وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمِلْكِ أَصْلِهِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ فَكَانَ كَمِلْكِهِ فِي إسْقَاطِ النِّكَاحِ ( أَوْ ) مَلَكَ ( مُكَاتَبُهُ ) أَيْ مُكَاتَبُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ .
( أَوْ ) مَلَكَ ( مُكَاتَبَ وَلَدِهِ ) أَيْ وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ( الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ ) مَلَكَ ( بَعْضَهُ ) أَيْ بَعْضَ الزَّوْجِ الْآخَرِ ( انْفَسَخَ النِّكَاحُ ) لِمَا سَبَقَ فَلَوْ بَعَثَتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ حَرُمْتُ عَلَيْكَ وَنَكَحْتُ غَيْرَكَ وَعَلَيْكَ نَفَقَتِي وَنَفَقَةُ زَوْجِي فَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ ابْنَ عَمِّهَا وَهَذَا الْفَسْخُ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فَلَوْ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يُحْتَسَبْ بِتَطْلِيقِهِ

( وَمَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ بَيْنَ مُبَاحَةِ وَمُحَرَّمَةٍ كَأَيِّمٍ ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ أَيْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا ( وَمُزَوَّجَةٍ صَحَّ فِي الْأَيِّمِ ) لِأَنَّهَا مَحَلٌّ قَابِلٌ لِلنِّكَاحِ أُضِيفَ إلَيْهَا عَقْدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِيهِ مِثْلُهَا فَصَحَّ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ بِهِ وَفَارَقَ الْعَقْدَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَهُنَا قَدْ تَعَيَّنَتْ الَّتِي بَطَلَ فِيهَا النِّكَاحُ وَلَهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِقِسْطِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْهُ

( وَ ) مَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ ( بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتٍ صَحَّ ) الْعَقْدُ ( فِي الْبِنْتِ ) دُونَ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَضَمَّنَ عَقْدَيْنِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَصَحَّ فِيمَا يَصِحُّ وَبَطَلَ فِيمَا يَبْطُلُ إذْ لَوْ فَرَضْنَا سَبْقَ عَقْدِ الْأُمِّ ثُمَّ بُطْلَانَهُ ثُمَّ عَقَدَ عَلَى الْبِنْتِ صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِذَا وَقَعَا مَعًا فَنِكَاحُ الْبِنْتِ أَبْطَلَ نِكَاحَ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَنِكَاحُ الْأُمِّ لَا يُبْطِلُ نِكَاحَ الْبِنْتِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ رَبِيبَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا

( وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ ) يَمِينٍ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ النِّكَاحُ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فَهُوَ نَفْسُهُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ ( إلَّا الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ ) فَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا لَا وَطْؤُهَا بِمِلْكٍ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إنَّمَا حَرُمَ لِأَجْلِ إرْقَاقِ الْوَلَدِ وَبَقَائِهِ مَعَ كَافِرَةٍ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ

( وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ ) نَصًّا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَا يُبِيحُهُ فَغُلِّبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ

( وَلَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّةِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ ) عَلَى أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ .
( وَ ) لَا يَحْرُمُ فِيهَا ( الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ ) كَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَنَحْوِهِ ( وَغَيْرُهُ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ .

أَيْ مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ ( وَمَحَلُّ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا ) أَيْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ ( صُلْبُ الْعَقْدِ ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ ( وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ عَلَى هَذَا جَوَابُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِ الْحِيَلِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ الشَّرْطُ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ لَمْ يَلْزَمْ نَصًّا .
( وَهِيَ ) أَيْ الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ ( قِسْمَانِ ) أَحَدُهُمَا ( صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ فَكُّهُ ) وَهُوَ مَا لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ ( بِدُونِ إبَانَتِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ فَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ انْفَكَّتْ الشُّرُوطُ ؛ لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْعَقْدِ يَزُولُ مَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ

( وَيُسَنُّ وَفَاءَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( بِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ ، وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ ( كَ ) اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا عَلَى زَوْجِهَا ( زِيَادَةِ مَهْرٍ ) قَدْرًا مُعَيَّنًا وَكَذَا لَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةَ وَلَدِهَا وَكِسْوَتَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَتَكُونُ مِنْ الْمَهْرِ ( أَوْ ) اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَهْرِهَا مِنْ ( نَقْدٍ مُعَيَّنٍ ) فَيَتَعَيَّنُ كَثَمَنِ مَبِيعٍ ( أَوْ ) اشْتِرَاطِهَا أَنْ ( لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ ) عَلَيْهَا ( أَوْ ) لَا ( يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبَوَيْهَا أَوْ ) لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ( أَوْلَادِهَا أَوْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ أَوْ ) أَنْ ( يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ ) أَنْ ( يَبِيعَ أَمَتَهُ ) لِأَنَّ لَهَا فِيهِ قَصْدًا صَحِيحًا .
وَيُرْوَى صِحَّةُ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ وَكَوْنُ الزَّوْجِ لَا يَمْلِكُ فَكَّهُ عَنْ عُمَرَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ { إنَّ أَحَقَّ مَا أَوْفَيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَحَدِيثُ { الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ } وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ " أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهَا فَتَخَاصَمُوا إلَى عُمَرَ .
فَقَالَ عُمَرُ : لَهَا شَرْطُهَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : إذَنْ يُطَلِّقْنَنَا فَقَالَ عُمَرُ : مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " وَأَمَّا حَدِيثُ { كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ } أَيْ : لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَعَلَى مَنْ نَفَاهَا الدَّلِيلُ .
وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ لَيْسَ مُسَلَّمًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ يَفِ لَهَا بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ ، وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ

الْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَاقِدِ فَهُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي الْبَيْعِ وَيَصِحُّ جَمْعٌ بَيْنَ شَرْطَيْنِ هُنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ .
( فَإِنْ لَمْ يَفِ ) زَوْجٌ لَهَا بِمَا شَرَطَتْهُ ( فَلَهَا الْفَسْخُ ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ " مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ إذَنْ يُطَلِّقْنَنَا وَكَالْبَيْعِ ( عَلَى التَّرَاخِي ) لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْقِصَاصِ ( بِفِعْلِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ كَالتَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي وَالسَّفَرِ بِهَا وَ ( لَا ) فَسْخَ لَهَا بِ ( عَزْمِهِ ) عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ .
( وَلَا يَسْقُطُ ) مِلْكُهَا الْفَسْخَ لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمَا اشْتَرَطَتْهُ ( إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا ) مِنْهَا ( مِنْ قَوْلٍ أَوْ تَمْكِينٍ ) كَأَنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ( مَعَ الْعِلْمِ ) بِفِعْلِهِ مَا اشْتَرَطَتْ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَإِنْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَسْقُطْ فَسْخُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا بِتَرْكِ الْوَفَاءِ فَلَا أَثَرَ لَهُ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ ( لَكِنْ لَوْ شَرَطَ ) لَهَا ( أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا فَخَدَعَهَا وَسَافَرَ بِهَا ثُمَّ كَرِهَتْهُ وَلَمْ تُسْقِطْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ لَمْ يُكْرِهْهَا بَعْدَ ) ذَلِكَ عَلَى السَّفَرِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ سَقَطَ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الصَّوَابُ .
( وَمَنْ شَرَطَ ) لِزَوْجَتِهِ ( أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ أَبَوَيْهَا ( بَطَلَ الشَّرْطُ ) لِأَنَّ الْمَنْزِلَ صَارَ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُمَا فَاسْتَحَالَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَ سُكْنَى الْمَنْزِلِ لِنَحْوِ خَرَابٍ فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ بِهَا حَيْثُ أَرَادَ سَوَاءٌ رَضِيَتْ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالشَّرْطُ

عَارِضٌ وَقَدْ زَالَ فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ مَحْضُ حَقِّهِ ( وَمَنْ شَرَطَتْ ) عَلَى زَوْجِهَا ( سُكْنَاهَا مَعَ أَبِيهِ ثُمَّ أَرَادَتْهَا ) أَيْ السُّكْنَى ( مُنْفَرِدَةً فَلَهَا ذَلِكَ ) أَيْ طَلَبُهُ بِإِسْكَانِهَا مُنْفَرِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا لِمَصْلَحَتِهَا لَا لِحَقِّهَا لِمَصْلَحَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهَا ، وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مَنْ شَرَطَتْ دَارَهَا فِيهَا أَوْ فِي دَارِهِ لَزِمَهُ تَسَلُّمُهُ .

فَصْلٌ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ ( فَاسِدٌ وَهُوَ نَوْعَانِ نَوْعٌ ) مِنْهُمَا ( يُبْطِلُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُبْطِلُ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ ( ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ ) أَحَدُهَا ( نِكَاحُ الشِّغَارِ ) بِكَسْرِ الشِّينِ ( وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ) أَيْ يُزَوِّجَ رَجُلٌ رَجُلًا ( وَلِيَّتَهُ ) أَيْ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ وَنَحْوَهُمَا ( عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا ) يُقَالُ : شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ فَسُمِّيَ هَذَا النِّكَاحُ شِغَارًا تَشْبِيهًا فِي الْقُبْحِ بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِلْبَوْلِ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا فَرَّقَا فِيهِ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ مُسْلِفًا فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ بِعْنِي ثَوْبَكَ عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ ثَوْبِي وَلَيْسَ فَسَادُهُ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ، وَلِأَنَّهُ شَرْطُ تَمْلِيكِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا مَهْرًا لِلْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا بِشَرْطِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ يَقُلْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { نُهِيَ عَنْ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَهَذَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ ( أَوْ يَجْعَلَ بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُمَا ( مَعَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى ) فَلَا يَصِحُّ لِمَا تَقَدَّمَ ( فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ قَلِيلٍ وَلَا حِيلَةَ صَحَّ ) النِّكَاحُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا حِيلَةً لَمْ يَصِحَّ وَكَلَامُ الْحَجَّاوِيُّ هُنَا فِي

الْحَاشِيَةِ ( وَإِنْ سَمَّى ) مَهْرًا ( لِإِحْدَاهُمَا ) دُونَ الْأُخْرَى ( صَحَّ نِكَاحُهَا ) أَيْ مَنْ سَمَّى الْمَهْرَ لَهَا ( فَقَطْ ) لِأَنَّ فِيهِ تَسْمِيَةً وَشَرْطًا أَشْبَهَ مَا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا ، وَإِنْ قَالَ : زَوَّجْتُكَ جَارِيَتِي هَذِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ وَتَكُونَ رَقَبَتُهَا صَدَاقًا لِابْنَتِكَ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا سِوَى تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ ، وَإِذَا زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ صَدَاقًا لَهَا صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ صَدَاقًا .
وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ الصَّدَاقُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ فَيَفْسُدُ الصَّدَاقُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
قَالَهُ فِي الشَّرْحِ

( الثَّانِي ) مِنْ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ ( نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ) أَيْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا ( عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا ) لِمُطَلِّقِهَا أَيْ وَطِئَهَا ( طَلَّقَهَا أَوْ ) يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا ( فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا ) وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ .
لِحَدِيثِ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ { الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ مَلْعُونَانِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ .
قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } ( أَوْ يَنْوِيَهُ ) أَيْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ التَّحْلِيلَ ( وَلَمْ يَذْكُرْ ) الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ مَا سَبَقَ .
وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : تَزَوَّجْتُهَا أُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا لَمْ يَأْمُرْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ قَالَ : لَا ، إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ إنْ أَعْجَبَتْكَ أَمْسَكْتَهَا وَإِنْ كَرِهْتَهَا فَارَقْتَهَا .
قَالَ : وَإِنْ كُنَّا نَعْهَدُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِفَاحًا .
وَقَالَ : لَا يَزَالَا زَانِيَيْنِ وَإِنْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَحِلَّهَا لَهُ " وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ .
وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إنَّ أَعْمَى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا .
أَيُحِلُّهَا لَهُ رَجُلٌ .
قَالَ : مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ .
( أَوْ يَتَّفِقَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ نِكَاحُ مُحَلِّلٍ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ فَلَا

يَصِحُّ إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَيَنْوِيَ حَالَ الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ صَحَّ لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَشَرْطِهِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ ( أَوْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ هِبَتِهِ ) مِنْهَا ( أَوْ ) بِنِيَّةِ هِبَةِ ( بَعْضِهِ أَوْ ) بِنِيَّةِ ( بَيْعِهِ أَوْ ) بَيْعِ ( بَعْضِهِ مِنْهَا لِيَفْسَخَ نِكَاحَهَا ) فَلَا يَصِحُّ .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا نَهَى عَنْهُ عُمَرُ يُؤَدَّبَانِ جَمِيعًا وَعَلَّلَ فَسَادَهُ بِشَيْئَيْنِ .
أَحَدِهِمَا .
أَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُحَلِّلَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ لِيُحِلَّهَا لَهُ .
وَالثَّانِي : كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا ( وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ فَلَوْ وَهَبَتْ ) مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا ( مَالًا لِمَنْ تَثِقُ بِهِ لِيَشْتَرِيَ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ وَزَوَّجَهُ بِهَا ثُمَّ وَهَبَهُ أَوْ ) وَهَبَ ( بَعْضَهُ لَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ مَشْرُوطٌ وَلَا مَنْوِيٌّ مِمَّنْ تُؤَثِّرُ نِيَّتُهُ أَوْ شَرْطُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ ) وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ ، قَالَهُ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ، وَقَالَ : صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يُحِلُّهَا وَذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْمُغْنِي فِيهَا .
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ .
قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ ( وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُنَقِّحِ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( قُلْت : الْأَظْهَرُ عَدَمُ الْإِخْلَالِ ) قَالَ فِي الْوَاضِحِ : نِيَّتُهَا كَنِيَّتِهِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ بَاطِلٌ إذَا اتَّفَقَا فَإِنْ اعْتَقَدَتْ ذَلِكَ بَاطِنًا وَلَمْ تُظْهِرْهُ صَحَّ فِي الْحُكْمِ وَبَطَلَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى

( الثَّالِثُ ) مِنْ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ ( نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ ( إلَى مُدَّةٍ أَوْ يَشْرِطَ طَلَاقِهَا فِيهِ ) أَيْ النِّكَاحِ ( بِوَقْتٍ ) كَزَوَّجْتُكَ ابْنَتِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْمَوْسِمِ أَوْ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ ، فَيَبْطُلُ نَصًّا لِحَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّهُ قَالَ " أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } .
وَفِي لَفْظٍ { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَبْرَةَ { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا } وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الرُّجُوعُ عَنْ قَوْلِهِ بِجَوَازِ الْمُتْعَةِ .
وَأَمَّا إذْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا أَعْلَمَ شَيْئًا أَحَلَّهُ اللَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ ثُمَّ أَحَلَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ إلَّا الْمُتْعَةَ ( أَوْ يَنْوِيَهُ ) أَيْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ طَلَاقَهَا بِوَقْتٍ ( بِقَلْبِهِ أَوْ يَتَزَوَّجَ الْغَرِيبُ بِنِيَّةِ طَلَاقِهَا إذَا خَرَجَ ) لِيَعُودَ إلَى وَطَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُتْعَةِ ( أَوْ يُعَلِّقَ النِّكَاحَ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ زَوَّجْتُ ) إنْ شَاءَ اللَّهُ أ ( وَقَبِلْتُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) فَيَبْطُلَ النِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ ( مُسْتَقْبَلٍ كَ ) قَوْلِهِ ( زَوَّجْتُك ) ابْنَتِي ( إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا أَوْ إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي ابْنَةً فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا ) لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّهُ وَقَفَ النِّكَاحَ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يَجُزْ

( وَيَصِحُّ ) تَعْلِيقُ النِّكَاحِ ( عَلَى ) شَرْطٍ ( مَاضٍ ) أ ( وَ ) عَلَى شَرْطٍ ( حَاضِرٍ ) فَالْمَاضِي ( كَ ) قَوْلِهِ زَوَّجْتُكَ فُلَانَة ( إنْ كَانَتْ بِنْتِي أَوْ ) زَوَّجْتُكهَا ( إنْ كُنْتُ وَلِيَّهَا .
أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَهُمَا ) أَيْ الْعَاقِدَانِ ( يَعْلَمَانِ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّهَا بِنْتُهُ وَأَنَّهُ وَلِيُّهَا وَأَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ وَالشَّرْطُ الْحَاضِرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِ ( أَوْ ) زَوَّجْتُكَهَا ( إنْ شِئْتَ فَقَالَ : شِئْتُ وَقَبِلْتُ وَنَحْوِهِ ) فَيَصِحُّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقِ حَقِيقَةً بَلْ تَوْكِيدٌ وَتَقْوِيَةُ النَّوْعِ .

( الثَّالِثُ ) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ مَا يَصِحُّ مَعَهُ النِّكَاحُ نَحْوُ ( أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا مَهْرَ ) لَهَا ( أَوْ لَا نَفَقَةَ ) لَهَا ( أَوْ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ضَرَّتِهَا أَوْ ) أَنْ يَقْسِمَ لَهَا ( أَقَلَّ ) مِنْ ضَرَّتِهَا ( أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَا ) عَدَمَ وَطْءٍ ( أَوْ ) يَشْتَرِطَ ( أَحَدُهُمَا عَدَمَ وَطْءٍ وَنَحْوِهِ ) كَعَزْلِهِ عَنْهَا ، أَوْ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهَا فِي الْجُمُعَةِ إلَّا لَيْلَةً .
أَوْ شَرَطَ لَهَا النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ شَرَطَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا ( أَوْ ) شَرَطَ أَنَّهُ ( إنْ فَارَقَ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ أَوْ ) شَرَطَ ( خِيَارًا فِي عَقْدٍ أَوْ ) شَرَطَ خِيَارًا فِي ( مَهْرٍ أَوْ ) شَرَطَتْ عَلَيْهِ ( إنْ جَاءَ ) هَا ( بِهِ ) أَيْ الْمَهْرِ ( فِي وَقْتِ كَذَا وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا أَوْ ) شَرَطَتْ عَلَيْهِ ( أَنْ يُسَافِرَ بِهَا ) وَلَوْ لِحَجٍّ ( أَوْ أَنْ تَسْتَدْعِيَهُ لِوَطْءٍ عِنْدَ إرَادَتِهَا أَوْ أَنْ لَا تُسَلِّمَ نَفْسَهَا إلَيْهِ ) إلَى مُدَّةِ كَذَا وَنَحْوِهِ كَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ ( فَيَصِحُّ النِّكَاحُ دُونَ الشَّرْطِ ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلِتَضَمُّنِهِ إسْقَاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ كَإِسْقَاطِ الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَأَمَّا الْعَقْدُ نَفْسُهُ فَصَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تَعُودُ إلَى مَعْنًى زَائِدٍ فِي الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِيهِ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهِ فَلَمْ يُبْطِلْهُ كَشَرْطِ صَدَاقٍ مُحَرَّمٍ فِيهِ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالْعِتْقِ ( وَمَنْ طَلَّقَ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَقَعَ ) طَلَاقُهُ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَلَغَا الشَّرْطُ .

فَصْلٌ وَإِنْ شَرَطَهَا أَيْ الزَّوْجَةَ ( مُسْلِمَةً أَوْ قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ ( زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْمُسْلِمَةَ أَوْ ظَنَّهَا ) أَيْ ظَنَّ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ ( مُسْلِمَةً وَلَمْ تُعْرَفْ ) الزَّوْجَةُ ( بِتَقَدُّمِ كُفْرٍ فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً ) فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ عُرِفَتْ قَبْلُ بِكُفْرٍ فَلَا ، لِتَفْرِيطِهِ ( أَوْ ) شَرَطَهَا الزَّوْجُ ( بِكْرًا أَوْ جَمِيلَةً أَوْ نَسِيبَةً فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ أَوْ شَرَطَ ) الزَّوْجُ فِي الْعَقْدِ ( نَفْيَ عَيْبٍ ) عَنْ الزَّوْجَةِ ( لَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ ) كَشَرْطِهَا سَمِيعَةً أَوْ بَصِيرَةً ( فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ فَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( الْخِيَارُ ) لِأَنَّهُ شَرَطَ صِفَةً مَقْصُودَةً فَفَاتَتْ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَةً ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْغَارِّ .
وَكَذَا لَوْ شَرَطَهَا حَسْنَاءَ فَبَانَتْ شَوْهَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ فَبَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ طَوِيلَةً فَبَانَتْ قَصِيرَةً أَوْ ذَاتَ نَسَبٍ فَبَانَتْ دُونَهُ لَا إنْ ظَنَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ .

( وَلَا ) خِيَارَ لَهُ ( إنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً ) أَيْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ أَمَةً فَبَانَتْ حُرَّةً ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ فِيهَا ( أَوْ شَرَطَ ) فِي الزَّوْجَةِ ( صِفَةً فَبَانَتْ ) الزَّوْجَةُ ( أَعْلَى مِنْهَا ) أَيْ أَعْلَى مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ

( وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَظَنَّ ) أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَا عَتِيقَةٌ ( أَوْ ) تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَ ( شَرَطَ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ) مِنْهُ مَعَ جَهْلِهِ رِقَّهَا ( فَوَلَدُهُ حُرٌّ ) لِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّتَهُ بِاعْتِقَادِهِ حُرِّيَّةَ أُمِّهِ .
( وَيَفْدِي ) أَيْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَفْدِيَ ( مَا وُلِدَ ) لَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ الَّتِي غُرَّ بِهَا ( حَيًّا ) لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ لِقَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ نَمَاءُ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهَا وَقَدْ فَوَّتَ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ فَوَّتَ رِقَّهُ بِفِعْلِهِ فَيَفْدِيهِ ( بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّ الْحَيَوَانَاتِ مُتَقَوِّمَةٌ يَوْمَ وِلَادَتِهِ ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ وَضْعِهِ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ وَقِيمَتُهُ الَّتِي تَزِيدُ بَعْدَ وَضْعِهِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِمَالِكِ الْأَمَةِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا بَعْدَ الْخُصُومَةِ ( ثُمَّ إنْ كَانَ ) الزَّوْجُ ( مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ ) بِأَنْ كَانَ حُرًّا وَاجِدَ الطَّوْلِ أَوْ غَيْرَ خَائِفٍ الْعَنَتَ ( فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ) لِظُهُورِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَنَحْوِهِ .
( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ ( فَلَهُ الْخِيَارُ ) بَيْنَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَالْمُقَامِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدْ غُرَّ فِيهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِحُرِّيَّةِ الْآخَرِ أَشْبَهَ عَكْسَهُ ( فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ ) مَعَهَا مَعَ ثُبُوتِ رِقِّهَا بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا إنْ أَقَرَّتْ لِإِنْسَانٍ بِالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عَلَى زَوْجِهَا نَصًّا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا يُزِيلُ النِّكَاحَ عَنْهَا وَيُثْبِتُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ عَلَى غَيْرِهَا ( فَمَا ) حَمَلَتْ وَ ( وَلَدَتْ ) عِنْدَ زَوْجٍ ( بَعْدَ ) ثُبُوتِ رِقِّهَا ( فَ ) هُوَ ( رَقِيقٌ ) لِرَبِّ

الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا ( وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ ) بِالْأَمَةِ بِأَنْ ظَنَّهَا أَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً ( عَبْدًا فَوَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ ) لِأَنَّهُ وَطِئَهَا مُعْتَقِدًا حُرِّيَّتَهَا أَشْبَهَ الْحُرَّ وَعِلَّةُ رِقِّ الْوَلَدِ رِقُّ أُمِّهِ خَاصَّةً وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَبِ ، بِدَلِيلِ وَلَدِ الْحُرِّ مِنْ الْأَمَةِ وَوَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ وَهُنَا يُقَالُ حُرٌّ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ وَ ( يَفْدِيهِ ) أَيْ يَفْدِي الْعَبْدُ وَلَدَهُ مِنْ أَمَةٍ غُرَّ بِهَا بِقِيمَتِهِ ( يَوْمَ وِلَادَتِهِ ) حَيًّا ( إذَا عَتَقَ لِتَعَلُّقِهِ ) أَيْ الْفِدَاءِ ( بِذِمَّتِهِ ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ وَفِعْلِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فِي الْحَالِ فَتَعَلَّقَ الْفِدَاءُ بِذِمَّتِهِ .
( وَيَرْجِعُ زَوْجٌ ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ( بِفِدَاءِ ) غُرْمِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ إنْ كَانَ الْغَارُّ لَهُ أَجْنَبِيًّا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ .
( وَ ) يَرْجِعُ زَوْجٌ ( بَ ) الْمَهْرِ ( الْمُسَمَّى ) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ ( عَلَى مَنْ غَرَّهُ إنْ كَانَ ) الْغَارُّ لَهُ ( أَجْنَبِيًّا ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَطْءِ كَمَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ فَكَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ وَكَذَا أُجْرَةُ انْتِفَاعِهِ بِهَا إنْ غَرِمَهَا ( فَإِنْ كَانَ ) الْغَارُّ لِلزَّوْجِ ( سَيِّدَهَا وَلَمْ تَعْتِقْ بِذَلِكَ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ التَّغْرِيرُ بِلَفْظٍ تَحْصُلُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ ( أَوْ ) كَانَ الْغَارُّ لِلزَّوْجِ ( أَبَاهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ نَفْسِهَا ( وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَلَا مَهْرَ لَهُ ) أَيْ لِسَيِّدِهَا إذَا كَانَ هُوَ الْغَارَّ ( وَلَا ) مَهْرَ ( لَهَا ) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يَجِبَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ .
( وَوَلَدُهَا ) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ زَوْجٍ غُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا ( مُكَاتَبٌ ) لَوْلَا التَّغْرِيرُ تَبَعًا لَهَا ( فَيَغْرَمُ أَبُوهُ قِيمَتَهُ لَهَا ) إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْغَارَّةَ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِمَا

يَغْرَمُهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ .
( وَإِنْ كَانَتْ ) الزَّوْجَةُ الْغَارَّةُ ( قِنًّا ) أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا وَيَغْرَمُهُ وَفِدَاءُ وَلَدِهَا لِسَيِّدِهَا وَيُقَوَّمُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدٍ كَأَنَّهُ قِنٌّ وَ ( تَعَلَّقَ ) مَا غَرِمَهُ لِسَيِّدِهَا ( بِرَقَبَتِهَا ) فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهَا بَيْنَ فِدَائِهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْغُرْمِ أَوْ يُسَلِّمُهَا إنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهَا بِقِيمَتِهَا سَقَطَ قَدْرُهَا عَنْ الزَّوْجِ مِمَّا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ تَسْلِيمَهَا سَلَّمَهَا وَأَخَذَ مَالَهُ .
( وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا ) إذَا غَرَّتْ زَوْجَهَا بِحُرِّيَّتِهَا ( يَجِبُ لَهَا الْبَعْضُ ) مِنْ مَهْرِهَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهَا ( فَيَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ ) وَيَجِبُ بَاقِيهِ لِمَالِكِ الْبَقِيَّةِ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا فَيَخْرُجُ سَيِّدُهَا كَكَامِلَةِ الرِّقِّ ( وَوَلَدُهَا ) أَيْ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا ( يَغْرَمُ أَبُوهُ قَدْرَ رِقِّهِ ) مِنْ قِيمَتِهِ ، وَيَرْجِعُ مِنْ سَيِّدٍ وَزَوْجَةِ مُكَاتَبِهِ وَمُبَعَّضَةٍ ( مُطَالَبَةَ غَارٍّ ) لِزَوْجٍ ( ابْتِدَاءً ) نَصًّا بِدُونِ مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ ( وَالْغَارُّ مَنْ عَلِمَ رِقَّهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ أَوْ رِقَّ بَعْضِهَا ( وَلَمْ يُبَيِّنْهُ ) لِلزَّوْجِ بَلْ أَتَى بِمَا يُوهِمُهُ حُرِّيَّتَهَا ، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ

( وَمَنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَتَظُنُّهُ حُرًّا فَبَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ صَحَّ النِّكَاحُ ) بِأَنْ كَمَلَتْ شُرُوطُهُ وَكَانَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ لَمْ يُحْتَجْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَإِنْ اخْتَارَتْ إمْضَاءَهُ فَلِأَوْلِيَائِهَا الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَهَا الْخِيَارُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْعَبْدِ إذَا غُرَّ بِأَمَةٍ ثَبَتَ لِلْأَمَةِ إذَا غُرَّتْ بِعَبْدٍ ( وَإِنْ شَرَطَتْ ) زَوْجَةٌ فِي زَوْجٍ ( صِفَةً ) كَكَوْنِهِ نَسِيبًا أَوْ عَفِيفًا أَوْ جَمِيلًا وَنَحْوَهُ ( فَبَانَ أَقَلَّ ) مِمَّا شَرَطَتْهُ ( فَلَا فَسْخَ ) لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ أَشْبَهَ شَرْطَهَا طُولَهُ أَوْ قِصَرَهُ ( إلَّا بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ ) أَيْ إذَا شَرَطَتْهُ حُرًّا فَبَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَعَتَقَتْ تَحْتَهُ فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَا شَرْطُهَا فِيهِ صِفَةً يُخِلُّ فَقْدُهَا بِالْكَفَاءَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .

فَصْلٌ وَلِمَنْ أَيْ وَلِأَمَةٍ وَمُبَعَّضَةٍ عَتَقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ الْفَسْخُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا إجْمَاعًا لَا إنْ كَانَ حُرًّا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهَا كَافَأَتْ زَوْجَهَا فِي الْكَمَالِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَأَمَّا خَبَرُ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيَّرَ بَرِيرَةَ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، فَقَدْ رَوَى عَنْهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ " أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُمَا أَخَصُّ بِهَا مِنْ الْأَسْوَدِ ؛ لِأَنَّهُمَا ابْنُ أَخِيهَا وَابْنُ أُخْتِهَا .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " كَانَ زَوْج بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمُغِيثُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ قَالَا فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ : إنَّهُ عَبْدٌ ، رِوَايَةُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَعَمَلِهِمْ ، وَإِذَا رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ حُرٌّ عَنْ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ ، قَالَ : وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَلَا يُفْسَخُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَالْحُرُّ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَالْعَبْدُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَيُخَالِفُ الْحُرُّ الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ نَاقِصٌ فَإِذَا كَمَلَتْ تَحْتَهُ تَضَرَّرَتْ بِبَقَائِهَا عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ .
( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَعْتِقْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ بِأَنْ عَتَقَتْ بَعْضُهَا أَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ مُبَعَّضٍ فَلَا فَسْخَ ( أَوْ عَتَقَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( مَعًا ) بِأَنْ كَانَا لِوَاحِدٍ فَأَعْتَقَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ وَكَّلَا وَاحِدًا فَأَعْتَقَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ( فَلَا ) فَسْخَ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتِقْ كُلُّهَا تَحْتَ رَقِيقٍ كُلِّهِ ( فَتَقُولُ ) الْعَتِيقَةُ إنْ اخْتَارَتْ

الْفَسْخَ ( فَسَخْتُ نِكَاحِي أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي ) أَوْ اخْتَرْتُ فِرَاقَهُ .
( وَ ) قَوْلُهَا ( طَلَّقْتُهَا ) أَيْ طَلَّقْتُ نَفْسِي ( كِنَايَةً عَنْ الْفَسْخِ ) فَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا إنْ نَوَتْ بِهِ الْفُرْقَةَ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْفَسْخِ فَصَلُحَ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْهُ كَالْكِنَايَةِ بِالْفَسْخِ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ فَسْخُهَا نِكَاحِهَا إنْ نَوَتْ بِهِ الْفُرْقَةَ طَلَاقًا .
لِحَدِيثِ { الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ } وَكَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا وَلَهَا الْفَسْخُ ( وَلَوْ مُتَرَاخِيًا ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ ( مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا ) بِالْمُقَامِ مَعَهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأُخْتِهِ حَفْصَةَ .
لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد " { إنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٍ لِآلِ بَنِي مُحَمَّدٍ ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهَا : إنْ قَرِبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ } وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ ( وَلَا يَحْتَاجُ ) نُفُوذُ ( فَسْخِهَا لِحُكْمِ حَاكِمٍ ) لِلْإِجْمَاعِ وَعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلِاجْتِهَادِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ فَافْتَقَرَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ .
( فَإِنْ عَتَقَ ) زَوْجُ عَتِيقَةٍ ( قَبْلَ فَسْخٍ ) بَطَلَ خِيَارُهَا لِزَوَالِ عِلَّتِهِ وَهِيَ الرِّقُّ ( أَوْ مَكَّنَتْهُ ) أَيْ الرَّقِيقَ الْعَتِيقَةُ ( مِنْ وَطْئِهَا أَوْ ) مِنْ ( مُبَاشَرَتِهَا وَنَحْوِهِ ) كَقُبْلَتِهَا ( وَلَوْ جَاهِلَةً عِتْقَهَا أَوْ ) جَاهِلَةً ( مِلْكَ الْفَسْخِ بَطَلَ خِيَارُهَا ) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : سَمِعْتُ رِجَالًا يُحَدِّثُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَطَأْهَا إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ { فَإِنْ قَرِبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ

} .
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا وَيَجُوزُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا بَعْدَ عِتْقِهَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهَا بِهِ ( وَلِبِنْتِ تِسْعٍ أَوْ ) بِنْتٍ ( دُونَهَا إذَا بَلَغَتْهَا ) أَيْ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ الْخِيَارُ ( وَلِمَجْنُونَةٍ إذَا عَقَلَتْ الْخِيَارُ ) لِأَنَّهُمَا صَارَا عَلَى صِفَةٍ لِكُلِّ مِنْهُمَا حُكْمٌ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِزَوْجَيْهِمَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَإِنْ وَطِئَهُمَا زَوْجَاهُمَا فَعَلَى مَا سَبَقَ لَا خِيَارَ لَهُمَا ؛ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا خِيَارَ لِبِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ وَلَا لِمَجْنُونَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمَا ( دُونَ وَلِيِّ ) مَجْنُونَةٍ وَبِنْتِ تِسْعٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهْوَةُ فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَة كَالْقِصَاصِ ( فَإِنْ طَلَقَتْ ) مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْفَسْخِ ( وَقَعَ ) الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ عَاقِلٍ يَمْلِكُ الْعِصْمَةَ فَنَفَذَ كَمَا لَوْ لَمْ تَعْتِقْ الزَّوْجَةُ ( وَبَطَلَ خِيَارُهَا إنْ كَانَ ) الطَّلَاقُ ( بَائِنًا ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ

( وَإِنْ عَتَقَتْ ) الْأَمَةُ ( الرَّجْعِيَّةُ ) فِي عِدَّتِهَا فَلَهَا الْخِيَارُ ( أَوْ عَتَقَتْ ) الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ ( ثُمَّ طَلَّقَهَا ) زَوْجُهَا الْعَبْدُ طَلَاقًا ( رَجْعِيًّا فَلَهَا الْخِيَارُ ) مَادَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَلِفَسْخِهَا فَائِدَةٌ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ رَجْعَتَهُ إذَا لَمْ تَفْسَخْ وَإِذَا فَسَخَتْ بِنْتٌ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يُنَافِي عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَلَا يُبْطِلُهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أُخْرَى وَتُتِمُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ ؛ لِأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ عَتَقَتْ فِي عِدَّتِهَا .
( فَإِنْ رَضِيَتْ ) رَجْعِيَّةٌ ( بِالْمُقَامِ ) تَحْتَ الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهَا ( بَطَلَ ) خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ فَصَحَّ اخْتِيَارُ الْمُقَامِ كَصُلْبِ النِّكَاحِ فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَسُكُونُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا .
( وَمَتَى فَسَخَتْ ) عَتِيقَةٌ نِكَاحَهَا ( بَعْدَ دُخُولٍ فَمَهْرُهَا لِسَيِّدِهَا ) لِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ وَهِيَ مِلْكُهُ حَالَتَهُ كَمَا لَوْ لَمْ تَفْسَخْ وَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى لِصِحَّةِ الْعَقْدِ .
( وَ ) مَتَى فَسَخَتْ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ فَ ( لَا مَهْرَ ) نَصًّا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا ( وَمَنْ شَرَطَ مُعْتِقُهَا ) فِي عِتْقِهَا ( أَنْ لَا تَفْسَخَ نِكَاحَهَا وَرَضِيَتْ ) صَحَّ وَلَزِمَهَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ صَحِيحٍ ( أَوْ بُذِلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( لَهَا ) أَيْ لِمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ ( عِوَضٌ ) مِنْ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِ ( لِتُسْقِطَ حَقَّهَا مِنْ فَسْخٍ مَلَكَتْهُ ) بِالْعِتْقِ ( صَحَّ ) ذَلِكَ ( وَلَزِمَهَا ) نَصًّا وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى صِحَّةِ إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِعِوَضٍ وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِهِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ

( وَمَنْ زَوَّجَ مُدَبَّرَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ بِعَبْدٍ عَلَى مِائَتَيْنِ مَهْرًا ثُمَّ مَاتَ ) السَّيِّدُ ( عَتَقَتْ وَلَا فَسْخَ ) أَيْ لَا خِيَارَ لَهَا إنْ مَاتَ سَيِّدُهَا ( قَبْلَ الدُّخُولِ ) بِهَا ( ؛ لِئَلَّا يَسْقُطَ الْمَهْرُ ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا ( فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَرِقُّ بَعْضُهَا ) فَيُفْضِي إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا إلَى إسْقَاطِهِ ( فَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ ) فَيُعَايَا بِهَا ( فَهَذِهِ ) الصُّورَةُ ( مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ ) مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لَهَا الْخِيَارُ وَإِذَا زَادَ زَوْجُ الْعَتِيقَةِ فِي مَهْرِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا فَالزِّيَادَةُ لَهَا دُونَ سَيِّدِهَا حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا عَتَقَ مَعَهَا أَوْ لَا قَالَ فِي الشَّرْحِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَزَادَ زَوْجُهَا فِي مَهْرِهَا فَالزِّيَادَةُ لِلثَّانِي .
( وَلِمَالِكِ زَوْجَيْنِ بَيْعُهُمَا وَ ) لَهُ بَيْعُ ( أَحَدِهِمَا وَلَا فُرْقَةَ بِذَلِكَ ) أَيْ بَيْعِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ عَبْدٌ وَأَمَةٌ مُتَزَوِّجَانِ إذَا أَرَادَ عِتْقَهُمَا الْبُدَاءَةُ بِالرَّجُلِ ؛ لِئَلَّا يَثْبُتَ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ فَتَفْسَخُ نِكَاحَهُ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّهُ كَانَ لَهَا غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ فَتَزَوَّجَا فَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْتِقَهُمَا ، فَقَالَ لَهَا : ابْدَئِي بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ } وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ " أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَقَالَتْ لِلرَّجُلِ : إنْ بَدَأَتْ بِعِتْقِك ؛ لِئَلَّا يَكُونَ لَهَا عَلَيْك خِيَارٌ " .

أَيْ بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ مِنْهَا وَمَا لَا خِيَارَ بِهِ ( وَأَقْسَامُهَا ) أَيْ الْعُيُوبِ ( الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ ثَلَاثَةٌ ) .
مِنْهَا ( قِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ ) وَثُبُوتِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا وَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فِي الْجُمْلَةِ .
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي النِّكَاحِ فَجَازَ رَدُّهَا بِعَيْبٍ كَالصَّدَاقِ ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ فِي الْآخَرِ كَالْمَرْأَةِ .
وَأَمَّا الْعَمَى وَالزَّمَانَةُ وَنَحْوَهُمَا فَلَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْوَطْءُ ، بِخِلَافِ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ نَفْرَةً تَمْنَعُ مِنْ قُرْبَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُخَافُ مِنْهُ التَّعَدِّيَ إلَى نَفْسِهِ وَنَسْلِهِ .
وَالْمَجْنُونُ يُخَافُ مِنْهُ الْجِنَايَةُ فَهُوَ كَالْمَانِعِ الْحِسِّيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقِسْمُ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا ( كَوْنُهُ ) أَيْ الرَّجُلِ ( قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ ) كُلُّهُ ( أَوْ ) قُطِعَ ( بَعْضُهُ وَلَمْ يَبْقَ ) مِنْهُ ( مَا يُمْكِنُ جِمَاعٌ بِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا ) إنْ اخْتَلَفَا ( فِي ) إمْكَانِ الْوَطْءِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ وَ ( عَدَمِ إمْكَانِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ يَضْعُفُ بِالْقَطْعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوَطْءِ .
الشَّيْءُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ قُطِعَ خُصْيَتَاهُ أَوْ رُضَّتْ بَيْضَتَاهُ ) أَيْ عِرْقُهُمَا حَتَّى يَنْفَسِخَ ( أَوْ سُلَّا ) أَيْ بَيْضَتَاهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ يُضْعِفُهُ .
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ سَعْدٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ خَصِيٌّ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَعْلَمْتَهَا ؟ قَالَ : لَا .
قَالَ : أَعْلِمْهَا ثُمَّ خَيِّرْهَا الشَّيْءُ الثَّالِثُ : أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( أَوْ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ وَلَوْ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ ) لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَّ يَعِنُّ إذَا

اعْتَرَضَ ؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُولِجَهُ أَيْ يَعْتَرِضَ ؛ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِامْرَأَةِ الْعِنِّينِ بَعْدَ تَأْجِيلِهِ سَنَةً .
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَعَلَيْهِ فَتْوَى فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ كَالْجَبِّ .
وَأَمَّا قِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَلَمْ تَثْبُتْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ طَلَاقِهِ فَلَا مَعْنَى لِضَرْبِ الْمُدَّةِ ( فَإِنْ ) عُلِمَ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ الْوَطْءِ لِعَارِضٍ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ الْمُدَّةُ .
فَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عُنَّةَ زَوْجِهَا ( وَأَقَرَّ بِالْعُنَّةِ أَوْ ثَبَتَتْ ) عُنَّتُهُ ( بِبَيِّنَةٍ ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالثِّقَةِ عُمِلَ بِهَا ( أَوْ عَدِمَا ) أَيْ الْإِقْرَارُ وَالْبَيِّنَةُ ( فَطَلَبَتْ يَمِينَهُ فَنَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( وَلَمْ يَدَّعِ وَطْئًا ) قَبْلَ دَعْوَاهَا ( أُجِّلَ سَنَةً هِلَالِيَّةً ) وَلَوْ عَبْدًا ( مُنْذُ تَرَافُعِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلِأَنَّ الْعَجْزَ قَدْ يَكُونُ لِعُنَّةٍ وَقَدْ يَكُونُ لِمَرَضٍ فَضُرِبَتْ لَهُ سَنَةٌ لِتَمُرَّ بِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ .
فَإِنْ كَانَ مِنْ يَبَسٍ زَالَ فِي فَصْلِ الرُّطُوبَةِ وَبِالْعَكْسِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بُرُودَةٍ زَالَ فِي فَصْلِ الْحَرَارَةِ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ احْتِرَاقِ مَزَاجٍ زَالَ فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ .
فَإِنْ مَضَتْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يَزُلْ عُلِمَ أَنَّهَا خِلْقَةٌ ( وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْهَا ) أَيْ السَّنَةِ ( مَا اعْتَزَلَتْهُ ) أَيْ مُدَّةُ اعْتِزَالِ الزَّوْجَةِ لَهُ ( فَقَطْ ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِهَا وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ سَافَرَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ( فَإِنْ مَضَتْ ) السَّنَةُ ( وَلَمْ يَطَأْ .
فَلَهَا الْفَسْخُ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ قَالَ : وَطِئْتُهَا وَأَنْكَرَتْ

) وَطْأَهُ ( وَهِيَ ثَيِّبٌ فَقَوْلُهَا إنْ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ ) قَبْلَ دَعْوَاهُ وَطْأَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ وُجُودُ مَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ وَهُوَ ثُبُوتُ الْعُنَّةِ ( وَإِلَّا ) تَثْبُتْ عُنَّتُهُ قَبْلَ دَعْوَاهُ وَطْأَهَا .
( فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ ( وَإِنْ كَانَتْ ) مُدَّعِيَةً عُنَّتَهُ ( بِكْرًا وَثَبَتَتْ عُنَّتُهُ وَبَكَارَتُهَا أُجِّلَ ) سَنَةً كَامِلَةً كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْعُذْرَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُهَا ( وَعَلَيْهَا الْيَمِينُ إنْ قَالَ ) زَوْجُهَا ( أَزَلْتُهَا ) أَيْ الْبَكَارَةَ ( وَعَادَتْ ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ ( وَإِنْ أُشْهِدَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ( بِزَوَالِهَا ) أَيْ الْبَكَارَةِ ( لَمْ يُؤَجَّلْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ لِتَبَيُّنِ كَذِبِهَا لِثُبُوتِ زَوَالِ بَكَارَتِهَا .
( وَحَلَفَ ) لُزُومًا ( إنْ قَالَتْ زَالَتْ ) بَكَارَتُهَا ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ وَطْئِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهَا ( وَكَذَا ) لَا يُؤَجَّلُ ( إنْ لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ ) ( وَادَّعَاهُ ) أَيْ الْوَطْءَ وَلَوْ مَعَ دَعْوَاهَا الْبَكَارَةَ وَلَمْ تَثْبُتْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الرِّجَالِ السَّلَامَةُ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ لِقَطْعِ دَعْوَاهَا فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ( وَمَتَى اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ ) أَيْ زَوْجِهَا ( فِي قُبُلٍ ) لَهَا ( بِنِكَاحٍ تَرَفُّعًا فِيهِ وَلَوْ ) قَالَتْ وَطِئَنِي ( مَرَّةً ) وَاحِدَةً ( أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ رِدَّةٍ وَنَحْوِهِ ) كَصَوْمٍ وَاجِبٍ .
( وَلَوْ ) كَانَ إقْرَارُهَا بِالْوَطْءِ ( بَعْدَ ثُبُوتِ عُنَّتِهِ فَقَدْ زَالَتْ ) عُنَّتُهُ لِإِقْرَارِهَا بِمَا يَتَضَمَّنُ زَوَالَهَا وَهُوَ الْوَطْءُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ إقْرَارُهَا بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ قَبْلَ ثُبُوتِ عُنَّتِهِ ( فَلَيْسَ بِعِنِّينٍ ) لِاعْتِرَافِهَا بِمَا يُنَافِي دَعْوَاهَا ، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَقَدْ وُجِدَ ( وَلَا تَزُولُ

عُنَّةٌ بِوَطْءِ غَيْرِ مُدَّعِيَةٍ ) وَلَوْ فِي قُبُلٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ كُلِّ امْرَأَةٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهَا ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِعَجْزِهِ عَنْ وَطْئِهَا وَهُوَ لَا يَزُولُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا ( أَوْ ) أَيْ وَلَا تَزُولُ عُنَّةٌ بِوَطْءِ مُدَّعِيَةٍ ( فِي دُبُرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ أَشْبَهَ الْوَطْءَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْصَانٌ وَلَا إحْلَالٌ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا .
( وَمَجْنُونٌ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ كَعَاقِلٍ فِي ضَرْبِ الْمُدَّةِ ) لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْفَسْخِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَجْنُونُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ .
( وَمَنْ حَدَثَ بِهَا جُنُونٌ فِيهَا ) أَيْ الْمُدَّةِ الَّتِي ضُرِبَتْ لِزَوْجِهَا الْعِنِّينِ ( حَتَّى انْتَهَتْ ) الْمُدَّةِ ( وَلَمْ يَطَأْ فَلِوَلِيِّهَا ) أَيْ الْمَجْنُونَةِ ( الْفَسْخُ ) لِتَعَذُّرِهِ مِنْ جِهَتِهَا وَتَحَقُّقِ احْتِيَاجِهَا لِلْوَطْءِ بِدَلِيلِ طَلَبِهَا قَبْلَ جُنُونِهَا ( وَيَسْقُطُ حَقُّ زَوْجَةِ عِنِّينٍ وَ ) زَوْجَةِ ( مَقْطُوعٍ بَعْضُ ذَكَرِهِ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ ) مِنْ سَلِيمِهَا كَسَائِرِ أَحْكَامِ الْوَطْءِ ( أَوْ ) تَغْيِيبِ ( قَدْرِهَا ) أَيْ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا لِيَكُونَ مَا يَجْزِي مِنْ الْمَقْطُوعِ مِثْلَ مَا يَجْزِي مِنْ الصَّحِيحِ

( وَقِسْمٌ ) مِنْ الْعُيُوبِ يَخْتَصُّ ( بِالْمَرْأَةِ ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ ( وَهُوَ كَوْنُ فَرْجِهَا مَسْدُودًا لَا يَسْلُكُهُ ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَ ) ذَلِكَ ( بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَ ) هِيَ ( رَتْقَاءُ ) بِالْمَدِّ فَالرَّتْقُ تَلَاحُمُ الشُّفْرَيْنِ خِلْقَةً ( وَإِلَّا ) يَكُنْ ذَلِكَ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ( فَ ) هِيَ ( قَرْنَاءُ وَعَفْلَاءُ ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْخِرَقِيِّ أَنَّ الْقَرْنَ وَالْعَفَلَ فِي الْعُيُوبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ الْقَرْنَاءُ مَنْ نَبَتَ فِي فَرْجِهَا لَحْمٌ زَائِدٌ فَسَدَّهُ ، وَالْعَفَلُ وَرَمٌ يَكُونُ فِي اللُّجْنَةِ الَّتِي بَيْنَ مَسْلَكَيْ الْمَرْأَةِ فَيَضِيقُ مِنْهُ فَرْجُهَا فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ الذَّكَرُ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَقِيلَ الْقَرْنُ عَظْمٌ وَالْعَفَلُ رَغْوَةٌ فِيهِ تَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ ( أَوْ بِهِ ) أَيْ الْفَرْجِ ( بَخَرٌ ) أَيْ نَتْنٌ يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ ( أَوْ ) بِالْفَرْجِ ( قُرُوحٌ سَائِلَةٌ أَوْ كَوْنُهَا فَتْقَاءَ بِانْخِرَاقِ مَا بَيْنَ سَبِيلَيْهَا أَوْ ) بِانْخِرَاقِ ( مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ أَوْ ) كَوْنُهَا ( مُسْتَحَاضَةً ) فَيَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ لِمَا تَقَدَّمَ .

( وَقِسْمٌ مُشْتَرَكٌ ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ ( وَهُوَ الْجُنُونُ وَلَوْ كَانَ ) يَخْنِقُ ( أَحْيَانًا ) وَإِنْ زَالَ الْعَقْلُ بِمَرَضٍ فَإِغْمَاءٍ لَا خِيَارَ بِهِ فَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ وَدَامَ فَجُنُونٌ ( وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَبَخَرُ فَمٍ ) أَيْ نَتْنُهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُسْتَعْمَلُ لَهُ السِّوَاكُ وَيَأْخُذُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَرَقَةَ آسٍ مَعَ زَبِيبٍ مَنْزُوعِ الْعَجَمِ بِقَدْرِ الْجَوْزَةِ ، وَاسْتِعْمَالُ الْكُرْسُفِ وَمَضْغُ النَّعْنَاعِ جَيِّدٌ فِيهِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَالدَّوَاءُ الْقَوِيُّ لِعِلَاجِهِ أَنْ يَتَغَرْغَرَ بِالصَّبْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الرِّيقِ وَوَسَطِ النَّهَارِ وَعِنْدَ النَّوْمِ وَيَتَمَضْمَضُ بِالْخَرْدَلِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً أُخَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ فَمُهُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَإِمْسَاكُ الذَّهَبِ فِي الْفَمِ يُزِيلُ الْبَخَرِ ( وَاسْتِطْلَاقُ بَوْلٍ وَ ) اسْتِطْلَاقُ ( نَجْوٌ ) أَيْ غَائِطٍ ( وَبَاسُورٌ وَنَاصُورٌ ) دَاءَانِ بِالْمَقْعَدَةِ مَعْرُوفَانِ ( وَقَرَعُ رَأْسٍ وَلَهُ رِيحٌ مُنْكَرَةٌ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِيحٌ كَذَلِكَ فَلَا فَسْخَ بِهِ ( وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا خُنْثَى ) غَيْرَ مُشْكِلٍ ؛ لِأَنَّ الْمُشْكِلَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَتَقَدَّمَ ( فَيُفْسَخُ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ ) لِمَا فِيهِ مِنْ النُّفْرَةِ أَوْ النَّقْصِ أَوْ خَوْفِ تَعَدِّي أَذَاهُ أَوْ تَعَدِّي نَجَاسَتِهِ ( وَلَوْ حَدَثَ ) ذَلِكَ ( بَعْدَ دُخُولٍ ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ مُقَارِنًا فَأَثْبَتَهُ طَارِئًا كَالْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَحُدُوثُ الْعَيْبِ بِهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْإِجَارَةِ ( أَوْ ) .
أَيْ وَلَوْ ( كَانَ بِالْفَاسِخِ عَيْبٌ مِثْلُهُ ) أَيْ الْعَيْبِ الَّذِي فَسَخَ بِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا لَوْ غُرَّ عَبْدٌ بِأَمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ غَيْرِهِ وَلَا يَأْنَفُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ ( أَوْ ) كَانَ بِالْفَاسِخِ عَيْبٌ ( مُغَايِرٌ لَهُ ) أَيْ الْعَيْبِ الَّذِي فَسَخَ بِهِ كَالْأَجْذَمِ يَجِدُ الْمَرْأَةَ

بَرْصَاءَ وَنَحْوِهِ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمَجْبُوبُ الْمَرْأَةَ رَتْقَاءَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِأَحَدِهِمَا خِيَارٌ ؛ لِأَنَّ عَيْبَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَانِعُ لِصَاحِبِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَيْبِ نَفْسِهِ وَ ( لَا ) يَثْبُتُ خِيَارٌ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ( بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ ) مِنْ الْعُيُوبِ ( كَعَوَرٍ وَعَرَجٍ وَقَطْعِ يَدٍ وَ ) قَطْعِ ( رِجْلٍ وَعَمًى وَخَرَسٍ وَطَرَشٍ ) وَقَرَعٍ لَا رِيحَ لَهُ ( وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا عَقِيمًا أَوْ نِضْوًا ) أَيْ نَحِيفًا جِدًّا ( وَنَحْوُهُ ) كَسَمِينٍ جِدًّا وَكَسِيحٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ وَلَا يُخْشَى تَعَدِّيهِ .

فَصْلٌ وَلَا يَثْبُتُ خِيَارٌ فِي عَيْبٍ زَالَ بَعْدَ عَقْدٍ لِزَوَالِ سَبَبِهِ ( وَلَا ) خِيَارَ ( لِعَالِمٍ بِهِ ) أَيْ الْعَيْبِ ( وَقْتَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ( وَهُوَ ) أَيْ خِيَارُ الْعَيْبِ ( عَلَى التَّرَاخِي ) ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْقِصَاصِ وَ ( لَا يَسْقُطُ ) الْفَسْخُ ( فِي عُنَّةٍ إلَّا بِقَوْلِ ) امْرَأَةِ الْعِنِّينِ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ الْخِيَارِ لِعُنَّتِهِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ لَا يَكُونُ بِدُونِ التَّمْكِينِ فَلَمْ يَكُنْ التَّمْكِينُ دَلِيلَ الرِّضَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ ( وَيَسْقُطُ ) خِيَارُهَا ( بِهِ ) أَيْ بِالْقَوْلِ ( وَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا ) ؛ لِأَنَّهَا إذَا عَادَتْ عَالِمَةً بِالْعُنَّةِ فَقَدْ رَضَتْهَا فَيَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْخِيَارِ ( وَيَسْقُطُ ) خِيَارٌ ( فِي غَيْرِ عُنَّةٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضًا مِنْ وَطْءٍ أَوْ تَمْكِينٍ مَعَ عِلْمٍ بِهِ ) أَيْ الْعَيْبِ ( كَ ) مَا يَسْقُطُ ( بِقَوْلٍ ) نَحْوُ أَسْقَطْتُ خِيَارِي كَمُشْتَرِي الْمَعِيبِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِالْقَوْلِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالْعَيْبِ .
( وَلَوْ جُهِلَ الْحُكْمُ ) أَيْ مِلْكُ الْفَسْخِ ( أَوْ زَادَ ) الْعَيْبُ كَأَنْ كَانَ بِهِ بَرَصٌ قَلِيلٌ فَانْبَسَطَ فِي جِلْدِهِ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهِ رِضًا بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ ( أَوْ ظَنَّهُ ) أَيْ الْعَيْبَ ( يَسِيرًا فَبَانَ كَثِيرًا ) كَظَنِّهِ الْبَرَصَ فِي قَلِيلٍ مِنْ جَسَدِهَا فَبَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا رَضِيَ بِهِ ( وَلَا يَصِحُّ فَسْخُ ) مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ( بِلَا ) حُكْمِ ( حَاكِمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ أَشْبَهَ الْفَسْخَ لِلْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( فَيَفْسَخُهُ ) أَيْ النِّكَاحَ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ( أَوْ يَرُدُّهُ ) أَيْ الْفَسْخَ إلَى ( مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ) فَيَفْسَخُهُ وَيَكُونُ كَحُكْمِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ

( وَيَصِحُّ ) فَسْخٌ لِعَيْبٍ ( مَعَ غَيْبَةِ زَوْجٍ ) كَفَسْخِ مُشْتَرٍ بَيْعًا مَعِيبًا مَعَ غَيْبَةِ بَائِعٍ ( فَإِنْ فُسِخَ النِّكَاحُ ) قَبْلَ دُخُولٍ ( فَلَا مَهْرَ ) لَهَا سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنْ كَانَ مِنْهَا فَالْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَإِنَّمَا فُسِخَ بِعَيْبٍ دَلَّسَتْهُ بِالْإِخْفَاءِ فَكَأَنَّهُ مِنْهَا وَلَمْ نَجْعَلْ فَسْخَهَا لِعَيْبِهِ كَأَنَّهُ مِنْهُ لِتَدْلِيسِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا فَإِذَا اخْتَارَتْ الْفَسْخَ مَعَ سَلَامَةِ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ رَجَعَ الْعِوَضُ إلَى الْعَاقِدِ مَعَهَا وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا لَهَا الْخِيَارُ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ لَا لِتَعَذُّرِ مَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا ، فَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِجَارِيَةِ آخَرَ وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا وَأَعْتَقَهُ مَالِكُ الْجَارِيَةِ وَظَهَرَ الْعَبْدُ عَلَى عَيْبٍ بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفَسَخَ رَجَعَ عَلَى مُعْتِقِهِ مَالِكِ الْجَارِيَةِ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَهْرُهَا .
( وَلَهَا ) أَيْ لِزَوْجَةٍ فَسَخَتْ لِعَيْبِ زَوْجِهَا أَوْ فَسَخَ هُوَ لِعَيْبِهَا ( بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ خَلْوَةٍ ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ ( الْمُسَمَّى ) فِي عَقْدٍ ( كَمَا لَوْ طَرَأَ الْعَيْبُ ) بَعْدَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَيَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهَا لَا يُفْسَخُ مِنْ جِهَتِهَا .
( وَيَرْجِعُ ) زَوْجٌ ( بِهِ ) أَيْ بِنَظِيرٍ مُسَمًّى غَرِمَهُ لَا إنْ أَبْرَأَ مِنْهُ ( عَلَى مُغْرٍ ) لَهُ ( مِنْ زَوْجَةٍ عَاقِلَةٍ وَوَلِيٍّ وَوَكِيلٍ ) قَالَ أَحْمَدُ : كُنْت أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَهِبْتُهُ فَمِلْت إلَى قَوْلِ عُمَرَ " إذَا تَزَوَّجَهَا فَرَأَى جُذَامًا أَوْ بَرَصًا فَإِنَّ لَهَا صَدَاقَهَا بِمَسِيسِهِ إيَّاهَا وَوَلِيُّهَا ضَامِنٌ لِلصَّدَاقِ " أَيْ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِمَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ فِي النِّكَاحِ فَكَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَرَّهُ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ ،

فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ غَرِمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ فَالتَّغْرِيرُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ وَلَوْ مَحْرَمًا ) كَأَبِيهَا وَأَخِيهَا وَعَمِّهَا وَكَذَا وَكِيلُهَا ( فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ ) أَيْ الْعَيْبِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ بِعِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَا هِيَ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ عِلْمِهَا إنْ اُحْتُمِلَ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ

( فَلَوْ وُجِدَ ) التَّغْرِيرُ ( مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلِيٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَمِنْ الْمَرْأَةِ الْوَكِيلُ وَالضَّمَانُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ ( وَمِثْلُهَا ) أَيْ مَسْأَلَةُ مَا إذَا غُرَّ الزَّوْجُ بِمُعَيَّنَةٍ ( فِي رُجُوعٍ عَلَى غَارٍّ لَوْ زُوِّجَ ) رَجُلٌ ( امْرَأَةً ) مُعَيَّنَةً ( فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ غَيْرَهَا ) أَيْ غَيْرَ زَوْجَتِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِإِدْخَالِهَا عَلَيْهِ .
( وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ ) إنْ حَمَلَتْ نَصًّا لِلشُّبْهَةِ وَتُجَهَّزُ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ نَصًّا ( وَإِنْ طَلُقَتْ ) الْمَعِيبَةُ ( قَبْلَ دُخُولٍ ) بِهَا وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِهِ بِطَلَاقِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ ( أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَعَ عَيْبِهِمَا أَوْ عَيْبِ أَحَدِهِمَا ( قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ ) أَيْ الْعَيْبِ ( فَلَا رُجُوعَ ) بِالصَّدَاقِ الْمُسْتَقِرِّ بِالْمَوْتِ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ الْفَسْخُ وَلَمْ يُوجَدْ .

فَصْلٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ وَلِيِّ ( مَجْنُونٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ سَيِّدِ أَمَةٍ تَزْوِيجُهُمْ بِمَعِيبٍ ) مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ عَيْبًا ( يُرَدُّ بِهِ ) فِي النِّكَاحِ لِوُجُوبِ نَظَرِهِ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ وَانْتِفَاءُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْعَقْدِ ( وَلَا لِوَلِيِّ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ ) أَيْ بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ ( بِلَا رِضَاهَا ) قَالَ فِي الشَّرْحِ : بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ( فَلَوْ فَعَلَ ) وَلِيُّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكَلَّفَةِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ وَلِيُّ الْمُكَلَّفَةِ بِلَا رِضَاهَا بِأَنْ زَوَّجَ بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ ( لَمْ يَصِحَّ ) النِّكَاحُ ( إنْ عُلِمَ الْعَيْبُ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا لِمَنْ فِي حَجْرِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ ( وَأَلَّا ) يَعْلَمَ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَعِيبٌ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ( وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ ) الْعَيْبَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ مَعِيبًا .
وَفِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَشَرْحِ الْوَجِيزِ لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهَا يَجِبُ الْفَسْخُ عَلَى وَلِيِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكَلَّفَةِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ

( وَإِنْ اخْتَارَتْ مُكَلَّفَةٌ ) أَنْ تَتَزَوَّجَ ( مَجْبُوبًا ) أَيْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ ( أَوْ ) أَنْ تَتَزَوَّجَ ( عِنِّينًا لَمْ تُمْنَعْ ) أَيْ لَمْ يَمْنَعْهَا وَلِيُّهَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَطْءِ لَهَا دُونَهُ .
( وَ ) إنْ اخْتَارَتْ مُكَلَّفَةٌ أَنْ تَتَزَوَّجَ ( مَجْنُونًا أَوْ مَجْذُومًا أَوْ أَبْرَصَ فَلِوَلِيِّهَا الْعَاقِدِ مَنْعُهَا ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا وَضَرَرًا يُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى الْوَلَدِ كَمَنْعِهَا مِنْ تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ ( وَإِنْ عَلِمَتْ الْعَيْبَ بَعْدَ عَقْدٍ ) لَمْ تُجْبَرْ عَلَى الْفَسْخِ ( أَوْ حَدَثَ ) الْعَيْبُ ( بِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ بَعْدَ عَقْدٍ ( لَمْ تُجْبَرْ ) مِنْ وَلِيِّهَا وَلَا غَيْرِهِ ( عَلَى الْفَسْخِ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا دَوَامِهِ وَلِهَذَا لَوْ دَعَتْ وَلِيَّهَا إلَى تَزْوِيجِهَا بِعَبْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهَا وَلَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ .

بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ أَيْ بَيَانُ حُكْمِهِ وَمَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَوْ أَسْلَمُوا ( وَهُوَ ) صَحِيحٌ وَحُكْمُهُ ( كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ يَجِبُ بِهِ ) مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا وَالْإِحْصَانِ ، وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْله تَعَالَى : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } { امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } فَأَضَافَ النِّسَاءَ إلَيْهِمْ وَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي زَوْجِيَّةً صَحِيحَةً { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ } وَإِذَا ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهَا كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ .
( وَ ) فِي ( تَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ ) فَلَوْ طَلَّقَ كَافِرٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَسْلَمَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا وَإِنْ نَكَحَ كِتَابِيٌّ كِتَابِيَّةً وَوَطِئَهَا حَلَّتْ لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا بِشَرْطِهِ مُسْلِمًا كَانَ الْمُطَلِّقُ أَوْ كَافِرًا .
وَإِنْ ظَاهَرَ كَافِرٌ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ بِشَرْطِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فِي النِّكَاحِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ( وَيُقَرُّونَ ) أَيْ الْكُفَّارُ عَلَى أَنْكِحَةٍ مُحَرَّمَةٍ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا أَيْ إبَاحَتَهَا ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ فَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَلَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } الْآيَةَ فَدَلَّ أَنَّهُمْ يُحَلُّونَ وَأَحْكَامُهُمْ إنْ لَمْ يَجِيئُوا إلَيْنَا وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُمْ فِي أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ

عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ نِكَاحَ مَحَارِمِهِمْ .
( فَإِنْ أَتَوْنَا ) أَيْ الْكُفَّارُ ( قَبْلَ عَقْدِهِ ) أَيْ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ ( عَقَدْنَاهُ عَلَى حُكْمِنَا ) أَيْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنَّا كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ حَكَمَتْ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ ( وَإِنْ أَتَوْنَا بَعْدَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ( أَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ ) عَلَى نِكَاحٍ لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ مِنْ وُجُوبِ صِيغَتِهِ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ لَهُمَا الْمُقَامَ عَلَى نِكَاحِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ { وَقَدْ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرُونَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ نِسَاؤُهُمْ فَأُقِرُّوا عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَلَا كَيْفِيَّتِهِ } ( فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُبَاحُ ) لِلزَّوْجِ ( إذًا ) أَيْ حَالَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ ( كَعَقْدٍ فِي عِدَّةٍ فَرَغَتْ ) نَصًّا .
( أَوْ ) عَقْدٍ ( عَلَى أُخْتِ زَوْجَةٍ مَاتَتْ أَوْ بِلَا شُهُودٍ أَوْ ) بِلَا ( وَلِيٍّ أَوْ ) بِلَا ( صِيغَةٍ أُقِرَّا ) عَلَى نِكَاحِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ إذْنٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ بِالْأَوْلَى .
( وَإِنْ حَرُمَ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( الْآنَ ) أَيْ وَقْتَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ ( كَذَاتِ مَحْرَمٍ ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ( أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ مُزَوَّجَةٍ فِي عِدَّةٍ ) مِنْ غَيْرِهِ ( لَمْ تَفْرُغْ ) إلَى التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ .
( أَوْ ) كَانَتْ ( حُبْلَى ) حِينَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِهِ ( لَوْ ) كَانَ الْحَمْلُ ( مِنْ زِنًا أَوْ ) كَانَ النِّكَاحُ ( شَرَطَا الْخِيَارَ فِيهِ مُطْلَقًا ) أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِمُدَّةٍ ( أَوْ ) شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ ( بِمُدَّةٍ

لَمْ تَمْضِ ) عِنْدَ التَّرَافُعِ أَوْ الْإِسْلَامِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ النِّكَاحُ كَذَلِكَ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَهُنَا أَوْلَى ( أَوْ اسْتَدَامَ نِكَاحُ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَلَوْ مُعْتَقِدًا حِلَّهَا ) مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ( فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ حَالٌ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَمَنَعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ اللُّزُومَ ، وَالْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ لُزُومَهُ لِجَوَازِ فَسْخِهِ فَلَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ ابْتِدَائِهِ كَذَلِكَ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ وَطِئَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا أُقِرَّا ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لِكَيْفِيَّةِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ ( وَإِلَّا ) يَكُونَا حَرْبِيَّيْنِ أَوْ كَانَا وَلَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا ( فَلَا ) يُقَرَّانِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ عِنْدَهُمَا .
( وَمَتَى صَحَّ ) الْمَهْرُ ( الْمُسَمَّى ) فِي نِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ ( أَخَذَتْهُ ) دُونَ غَيْرِهِ لِوُجُوبِهِ ، وَصِحَّةُ النِّكَاحِ وَالتَّسْمِيَةُ كَتَسْمِيَةِ الْمُسْلِمِ ( وَإِنْ قَبَضَتْ ) الْمُسَمَّى ( الْفَاسِدَ ) كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ ( كُلَّهُ اسْتَقَرَّ ) لِتَقَابُضِهِمَا بِحُكْمِ الشِّرْكِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَاهُ وَالتَّعَرُّضُ لِإِبْطَالِ الْمَقْبُوضِ يَشُقُّ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرَامِ وَفِيهِ تَنْفِيرٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ .
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِهِ سَقَطَ قِيَاسًا عَلَى قَرْضِ الْخَمْرِ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمْ ( وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ ) مِنْ الْفَاسِدِ بِلَا قَبْضٍ ( وَجَبَ قِسْطُهُ ) أَيْ الْبَاقِي ( مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ) فَلَوْ سَمَّى لَهَا عَشَرَةَ خَنَازِيرَ فَقَبَضَتْ

خَمْسَةً ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ( وَيُعْتَبَرُ ) الْقِسْطُ ( فِيمَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ ) بِالْكَيْلِ ( أَوْ ) مَا يَدْخُلُهُ ( وَزْنٌ ) بِالْوَزْنِ ( أَوْ ) مَا يَدْخُلُهُ ( عَدٌّ بِهِ ) أَيْ الْعَدِّ ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ يُقَسَّطُ عَلَيْهَا فَاسْتَوَى كَبِيرُهُ وَصَغِيرُهُ .
( وَلَوْ أَسْلَمَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( فَانْقَلَبَتْ خَمْرًا ) أَصْدَقَهَا إيَّاهَا ( خَلًّا ثُمَّ طَلَّقَ وَلَمْ يَدْخُلْ ) بِالزَّوْجَةِ ( رَجَعَ بِنِصْفِهِ ) أَيْ الْخَلِّ ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا أَصْدَقَهَا انْقَلَبَتْ صِفَتُهُ ( وَلَوْ تَلِفَ الْخَلُّ ) الْمُنْقَلِبُ عَنْ خَمْرٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا ( قَبْلَ طَلَاقِهِ رَجَعَ ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ ( بِنِصْفِ مِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ ( وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا ) مِمَّا سُمِّيَ لَهَا مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أَسْلَمَتْ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ صَدَاقًا لِمُسْلِمَةٍ وَلَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمٍ فَيَبْطُلُ وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ( أَوْ ) لَمْ ( يُسَمِّ ) لَهَا ( مَهْرًا ) فِي نِكَاحِهَا ( فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ خَلَا عَنْ تَسْمِيَةٍ فَوَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْمُسْلِمَةِ ؛ لِئَلَّا تَصِيرَ كَالْمَوْهُوبَةِ .

فَصْلٌ وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا بِأَنْ تَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَيَدْخُلُ فِيهِ لَوْ شَرَعَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْأَوَّلُ فِعْلُ نِكَاحِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ دِينٍ وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً بَعْدَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ } .
( أَوْ ) أَسْلَمَ ( زَوْجُ كِتَابِيَّةٍ ) كِتَابِيًّا كَانَ أَوْ لَا ( فَ ) هُمَا ( عَلَى نِكَاحِهِمَا ) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ فَاسْتِدَامَتُهُ أَوْلَى ( وَإِنْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْفَسْخِ النِّكَاحَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ ( أَوْ ) أَسْلَمَ ( أَحَدُ ) زَوْجَيْنِ ( غَيْرِ كِتَابِيَّيْنِ قَبْلَ دُخُولٍ انْفَسَخَ ) نِكَاحُهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وَقَوْلِهِ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ سَبَبٌ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَمَقْصُودُ النِّكَاحِ الِاتِّفَاقُ وَالِائْتِلَافُ .
( وَلَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ أَسْلَمَ ) الزَّوْجُ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ بِإِسْلَامِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ خَمْرًا أَوْ نَحْوَهُ وَقَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ بِنِصْفِهِ وَلَا يُبَدِّلُهُ إذًا كَقَرْضِ خَمْرٍ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا ( أَوْ ) أَيْ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ ( أَسْلَمَا وَادَّعَتْ سَبْقَهُ ) لَهَا بِإِسْلَامِهِ وَقَالَ الزَّوْجُ : بَلْ هِيَ السَّابِقَةُ فَتَحْلِفُ أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْإِسْلَامِ وَتَأْخُذُ نِصْفَ الْمَهْرِ لِثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ الْفُرْقَةِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِسُقُوطِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ (

أَوْ ) أَيْ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ ( قَالَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا ( سَبَقَ ) بِالْإِسْلَامِ ( أَحَدُنَا وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَالْمُسْقِطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ .

( وَإِنْ قَالَ ) الزَّوْجُ ( أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ فَأَنْكَرَتْهُ ) الزَّوْجَةُ فَقَالَتْ سَبَقَ أَحَدُنَا فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ( فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُهَا ) ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ لِبُعْدِ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ( وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّيْنِ أَوْ أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كَافِرٍ ( بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ) لِحَدِيثِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ { : كَانَ بَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبَقِيَ صَفْوَانُ حَتَّى شَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ } .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : شُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ : كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْلِمُ الرَّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ الرَّجُلِ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَتَتَعَجَّلُ الْبَيْنُونَةَ كَالْمُطَلَّقَةِ .
( وَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي ) أَيْ الْمُتَأَخِّرُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( فَ ) هُمَا ( عَلَى نِكَاحِهِمَا ) لِمَا سَبَقَ .
( وَإِلَّا ) يُسْلِمْ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( تَبَيَّنَّا فَسْخَهُ ) أَيْ النِّكَاحِ ( مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ ) مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَا تَحْتَاجُ لِعِدَّةٍ ثَانِيَةٍ فَلَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَدْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ( وَلَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي فِيهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِيهَا ( فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ

الْبَيْنُونَةِ ( وَإِنْ أَسْلَمَ ) الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَعْدَ الْوَطْءِ ( فَلَا ) مَهْرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي نِكَاحِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ( وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَإِبْقَاءِ نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا أَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ لِإِمْكَانِ تَلَافِيهِ نِكَاحَهَا بِإِسْلَامِهِ ( وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا فَلَا ) نَفَقَةَ لَهَا لِلْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ لِتَلَافِي نِكَاحِهَا فَأَشْبَهَتْ الْبَائِنَ وَسَوَاءٌ أَسْلَمَتْ بَعْدُ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ لَكِنْ إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ كَالْبَائِنِ .

( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( فِي السَّابِقِ ) مِنْهُمَا بِالْإِسْلَامِ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ : أَسْلَمْتُ قَبْلَكِ فَلَا نَفَقَةَ لَكِ ، وَقَالَتْ : بَلْ أَسْلَمْتُ قَبْلَهُ فَلِيَ النَّفَقَةُ ، فَقَوْلُهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ ( أَوْ جُهِلَ الْأَمْرُ ) بِأَنْ جُهِلَ السَّبْقُ أَوْ عُلِمَ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا ( فَقَوْلُهَا ) فِي السَّبْقِ ( وَلَهَا النَّفَقَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهَا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَأَخُّرِ إسْلَامِهَا وَقَالَتْ : أَسْلَمْتُ فِي الْعِدَّةِ .
وَقَالَ : بَلْ بَعْدَهَا فَقَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَكْسِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَسْلَمْتُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ إسْلَامِي فَلَا نَفَقَةَ لَك فِيهِمَا ، وَقَالَتْ : بَعْدَ شَهْرٍ ، فَقَوْلُهُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ ( وَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِكُلِّ حَالٍ ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ وَسَوَاءٌ كَانَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ وَزَوْجُهَا عِكْرِمَةُ قَدْ هَرَبَ إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارِ وَالدِّينِ فَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كِتَابِيَّةً بِدَارِ الْحَرْبِ صَحَّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } .
( وَمَنْ هَاجَرَ إلَيْنَا بِذِمَّةٍ مُؤَبَّدَةٍ ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَالْآخَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَنْفَسِخْ ( أَوْ ) هَاجَرَ إلَيْنَا الزَّوْجُ ( مُسْلِمًا أَوْ ) هَاجَرَتْ إلَيْنَا الزَّوْجَةُ ( مُسْلِمَةً وَالْآخَرُ ) مِنْهُمَا ( بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَنْفَسِخْ ) نِكَاحُهُمَا بِالْهِجْرَةِ لِمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ .

فَصْلٌ وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ ( أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ ) أَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ كِتَابِيَّاتٍ وَبَعْضُهُنَّ غَيْرَهُنَّ فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُنَّ كُلِّهِنَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ ( اخْتَارَ وَلَوْ ) كَانَ ( مُحَرَّمًا أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَلَوْ مِنْ مَيِّتَاتٍ ) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَتَعْيِينٌ لِلْمَنْكُوحَةِ فَصَحَّ مِنْ الْمُحَرَّمِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الِاخْتِيَارِ بِوَقْتِ ثُبُوتِهِ فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْمَيِّتَاتِ ؛ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ أَحْيَاءَ وَقْتَهُ ( إنْ كَانَ ) الزَّوْجُ ( مُكَلَّفًا وَإِلَّا ) يَكُنْ الزَّوْجُ مُكَلَّفًا ( وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُكَلَّفَ ) فَيَخْتَارَ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لَهُ لِقَوْلِهِ وَلَا يَخْتَارُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ؛ لِأَنَّهُ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِالشَّهْوَةِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ وَسَوَاءٌ اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ نَصًّا ، لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ { أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ { أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا ( وَيَعْتَزِلُ ) وُجُوبًا ( الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ ) إنْ كَانَتْ الْمُفَارَقَاتُ أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ وَإِلَّا اعْتَزَلَ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ بِعَدَدِهِنَّ ؛ لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنْ كُنَّ خَمْسًا فَفَارَقَ إحْدَاهُنَّ فَلَهُ وَطْءُ ثَلَاثٍ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ وَلَا يَطَأُ الرَّابِعَةَ حَتَّى

تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ ، وَإِنْ كُنَّ سِتًّا وَفَارَقَ اثْنَتَيْنِ اعْتَزَلَ اثْنَتَيْنِ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ ، وَإِنْ كُنَّ سَبْعًا فَفَارَقَ ثَلَاثًا اعْتَزَلَ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ ثَلَاثًا ، وَإِنْ كُنَّ ثَمَانِيًا اعْتَزَلَ الْمُخْتَارَاتِ ، وَكُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُفَارَقَات فَلَهُ وَطْءُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ .
وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَتَا فِي الْعِدَّةِ فَاخْتَارَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا ؛ لِئَلَّا يَطَأَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا .
( وَأَوَّلُهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ ( مِنْ حِينِ اخْتَارَهُ ) لِلْمُخْتَارَاتِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ فُرْقَةِ الْمُفَارَقَاتِ ( أَوْ يَمُتْنَ ) عُطِفَ عَلَى تَنْقَضِيَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ أَوْ يَمُتْنَ .
( وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ ) أَيْ الزَّوْجَاتِ الزَّائِدَاتُ عَلَى أَرْبَعٍ ( وَلَيْسَ الْبَاقِي ) أَيْ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ ( كِتَابِيَّاتٌ مَلَكَ إمْسَاكًا وَفَسْخًا فِي مُسْلِمَةٍ ) مِنْ الزَّوْجَاتِ إنْ زِدْنَ عَلَى أَرْبَعٍ ( خَاصَّةً ) فَلَا يَخْتَارُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْنَ ( وَلَهُ ) أَيْ لِمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ خَمْسٌ فَأَكْثَرُ ( تَعْجِيلُ إمْسَاكٍ مُطْلَقًا ) بِأَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِمَّنْ أَسْلَمَ .
( وَ ) لَهُ ( تَأْخِيرُهُ ) أَيْ الِاخْتِيَارِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْبَقِيَّةِ أَوْ يُسْلِمْنَ ) فَإِنْ مَاتَ اللَّاتِي أَسْلَمْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ وَمِنْ الْمَيِّتَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِنَّ ( فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ ) أَيْ الْبَاقِيَاتُ ( أَوْ أَسْلَمْنَ وَقَدْ اخْتَارَ أَرْبَعًا ) مِمَّنْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا ( فَعِدَّتُهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ مَنْعِ اسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبْهَمَةً قَبْلَ الِاخْتِيَارِ إذْ لَيْسَ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِهَا

فَبِالِاخْتِيَارِ تَعَيَّنَتْ وَالْعِدَّةُ مِنْ حِينِ السَّبَبِ ( فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ) مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ ( أُجْبِرَ ) عَلَى الِاخْتِيَارِ ( بِحَبْسٍ ثُمَّ تَعْزِيرٍ ) إنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ لِيَخْتَارَ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَأُجْبِرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إذَا امْتَنَعَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ .
( وَ ) يَجِبُ ( عَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ ) جَمِيعًا ( إلَى أَنْ يَخْتَارَ ) مِنْهُنَّ أَرْبَعًا لِوُجُوبِ نَفَقَةِ زَوْجَاتِهِ عَلَيْهِ وَقَبْلَ الِاخْتِيَارِ لَمْ تَتَعَيَّنْ زَوْجَاتُهُ مِنْ غَيْرِهِنَّ بِتَفْرِيطِهِ وَلَيْسَ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِالنَّفَقَةِ مِنْ الْأُخْرَى ( وَيَكْفِي فِي اخْتِيَارٍ ) قَوْلُهُ : ( أَمْسَكْتُ هَؤُلَاءِ وَتَرَكْت هَؤُلَاءِ لِفَسْخٍ ) أَوْ اخْتَرْت هَذِهِ أَوْ اخْتَرْت هَذِهِ ( لِإِمْسَاكٍ وَنَحْوِهِ ) كَ أَبْقَيْتُ هَذِهِ وَبَاعَدْتُ هَذِهِ ( وَيَحْصُلُ ) اخْتِيَارٌ ( بِوَطْءٍ أَوْ طَلَاقٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي زَوْجَةٍ وَ ( لَا ) يَحْصُلُ اخْتِيَارٌ ( بِظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا كَمَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْكُوحَةِ يَدُلَّانِ عَلَى اخْتِيَارِ تَرْكِهَا فَيَتَعَارَضُ الِاخْتِيَارُ وَعَدَمُهُ فَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
( وَإِنْ وَطِئَ الْكُلَّ ) قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بِالْقَوْلِ ( تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ ) أَيْ الْأَرْبَعُ الْمَوْطُوآتِ مِنْهُنَّ أَوَّلًا لِلْإِمْسَاكِ وَمَا بَعْدَهُنَّ لِلتَّرْكِ ( وَإِنْ طَلَّقَ الْكُلَّ ثَلَاثًا أَخْرَجَ ) مِنْهُنَّ ( أَرْبَعًا بِقُرْعَةٍ ) فَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ فَيَقَعُ بِهِنَّ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ( وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي ) بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُخْرَجَاتِ بِقُرْعَةٍ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِنَّ ( وَالْمَهْرُ ) وَاجِبٌ ( لِمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالِاخْتِيَارِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ كَالدَّيْنِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ( فَلَا ) مَهْرَ لَهَا لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعًا كَفَسْخِ النِّكَاحِ لِعَيْبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ

فِي الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ كَالْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهُ ثُمَّ يُسْلِمَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
( وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ بِشَرْطٍ ) كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْتُهَا ( وَلَا ) يَصِحُّ ( فَسْخُ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا ) أَيْ حَالَةَ الْفَسْخِ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَيْ الْفَسْخَ ( إسْلَامُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا وَلَيْسَ فِيهِنَّ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقُ فَيَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ كِتَابَةٌ وَإِنْ اخْتَارَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ اخْتِيَارٍ وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاخْتِيَارُ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ .
( وَإِنْ مَاتَ ) مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ ( قَبْلَ اخْتِيَارِ ) أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ ( فَعَلَى الْجَمِيعِ ) مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ نِسَائِهِ ( أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ ثَلَاثِ قُرُوءٍ ) إنْ كُنَّ مِمَّنْ يَحِضْنَ لِتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَارَةً أَوْ مُفَارَقَةً وَعِدَّةُ الْمُخْتَارِ لِلْوَفَاةِ أَرْبَعُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ وَعِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ فَوَجَبَ أَطْوَلُهُنَّ احْتِيَاطًا وَتَعْتَدُّ حَامِلٌ بِوَضْعِهِ وَصَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ لِوَفَاةٍ ؛ لِأَنَّهَا أَطْوَلُ ( وَيَرِثُ مِنْهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( أَرْبَعٌ ) مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَأَسْلَمْنَ ( بِقُرْعَةٍ ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ نِسْوَةٍ نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ وَجَهِلَ

( وَإِنْ أَسْلَمَ ) كَافِرٌ ( وَتَحْتُهُ أُخْتَانِ ) أَوْ امْرَأَةٌ وَعَمَّتُهَا وَنَحْوَهُ فَأَسْلَمَتَا مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ إنْ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ لَمْ تُسْلِمَا وَهُمَا كِتَابِيَّتَانِ ( اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً ) لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ .
قَالَ { أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ .
وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ " اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْت " وَلِأَنَّ الْمُبْقَاةَ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا فَجَازَ لَهُ اسْتِدَامَتُهُ كَغَيْرِهَا وَلِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا حَرُمَ الْجَمْعُ وَقَدْ أَزَالَهُ وَلَا مَهْرَ لِلْمُفَارَقَةِ مِنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا زَادَ عَنْ أَرْبَعٍ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ مِنْ أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
( وَإِنْ كَانَتَا ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ عَلَيْهِمَا ( أُمًّا وَبِنْتًا ) وَأَسْلَمَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ كَانَتَا كِتَابِيَّتَيْنِ ( فَسَدَ نِكَاحُهُمَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ ) أَمَّا الْأُمُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } وَهَذِهِ أُمُّ زَوْجَتِهِ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ وَحْدَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا إذَا أَسْلَمَ فَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَتَمَسَّكَ بِنِكَاحِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى ، وَأَمَّا الْبِنْتُ فَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ دَخَلَ بِأُمِّهَا ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ ( فَنِكَاحُهَا ) أَيْ الْأُمِّ يَفْسُدُ ( وَحْدَهَا ) لِتَحْرِيمِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى ابْنَتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَمْ يُمْكِنْ اخْتِيَارُهَا وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا فَتَعَيَّنَ النِّكَاحُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُخْتَيْنِ .

فَصْلٌ وَإِنْ أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ زَوْجَاتٌ إمَاءٌ أَرْبَعٌ مِنْ أَرْبَعٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ( قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِنَّ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ ) أَسْلَمْنَ ( فِي الْعِدَّةِ ) إنْ كَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهِنَّ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَسْلَمْنَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ لَمْ تُشْتَرَطْ الْمَعِيَّة فِي الْإِسْلَامِ ( اخْتَارَ ) مِنْهُنَّ ( إنْ جَازَ لَهُ نِكَاحُهُنَّ ) أَيْ الْإِمَاءِ إنْ كَانَ عَادِمُ الطَّوْلِ خَائِفَ الْعَنَتِ ( وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ ) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَخْتَارُ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ اخْتَارَ مَنْ يُعِفُّهُ مِنْهُنَّ إلَى أَرْبَعٍ ( وَإِلَّا يَجُزْ لَهُ نِكَاحُهُنَّ وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا جَمِيعًا مُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ .
فَكَذَا اسْتِدَامَتُهُ ( فَإِنْ كَانَ ) زَوْجُ الْإِمَاءِ ( مُوسِرًا ) قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ ( فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَعْسَرَ ) فَلَهُ الِاخْتِيَارُ حَيْثُ خَافَ الْعَنَتَ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِنَّ بِإِسْلَامِهِ .
وَلَوْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَيْسَرَ فَلَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ أَسْلَمَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَهُ ثُمَّ عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي فَلَهُ الِاخْتِيَارُ ) مِنْهُنَّ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ حَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهَا بِإِسْلَامِهِ أَمَةٌ .
( وَإِنْ عَتَقَتْ ) إحْدَاهُنَّ ( ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمْنَ ) أَيْ الْبَوَاقِي تَعَيَّنَتْ الْأُولَى إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ ؛ لِأَنَّ تَحْتَهُ حُرَّةً عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ ( أَوْ عَتَقَتْ ) وَاحِدَةٌ مِنْ الْإِمَاءِ ( ثُمَّ أَسْلَمْنَ ) أَيْ الْبَوَاقِيَ ( ثُمَّ أَسْلَمَتْ ) الْعَتِيقَةُ تَعَيَّنَتْ إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ عَتَقَتْ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا ) كَأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ

الْبَوَاقِي ( تَعَيَّنَتْ الْأُولَى إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ ) وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُنَّ إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ .
وَهِيَ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا لِحُصُولِ الْعِفَّةِ بِالْحُرَّةِ ، وَإِنْ عَتَقَتْ إحْدَاهُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ .
كَمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ أَسْلَمَ ) حُرٌّ ( وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ فَأَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ وَتَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ ) إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ لِفَقْدِ شَرْطِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ إذَنْ ( هَذَا إنْ لَمْ يَعْتِقْنَ ثُمَّ يُسْلِمْنَ فِي الْعِدَّةِ ) إنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ ( فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فَ ) هُنَّ ( كَالْحَرَائِرِ ) فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا .
وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا دُونَ الْإِمَاءِ ثَبَتَ نِكَاحُهَا وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَعِدَّتُهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ فَإِنْ أَسْلَمَ الْإِمَاءُ دُونَ الْحُرَّةِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْإِمَاءِ مَنْ يُعِفُّهُ بِشَرْطِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْإِمَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُسْلِمُ فِي عِدَّتِهَا وَإِنْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ لَمْ تُسْلِمْ فِيهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِتَبَيُّنِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا بَانَ أَنَّ نِكَاحَهَا كَانَ ثَابِتًا وَوَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ

( وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ) مُطْلَقًا ( أَوْ ) أَسْلَمْنَ ( فِي الْعِدَّةِ ) وَكَانَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهِنَّ ( ثُمَّ عَتَقَ أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يَعْتِقْ ( اخْتَارَ ) مِنْهُنَّ ( ثِنْتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِفَسْخِ نِكَاحِ الزَّائِدِ عَلَى الثِّنْتَيْنِ قَائِمٌ وَهُوَ كَوْنُهُمْ مُسْلِمِينَ فِي حَالِ رِقِّهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ لَا يَزُولُ بِعِتْقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ .
( وَإِنْ أَسْلَمَ ) عَبْدٌ ( وَعَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ أَوْ أَسْلَمْنَ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ اخْتَارَ ) مِنْهُنَّ ( أَرْبَعًا بِشَرْطِهِ ) وَهُوَ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ إذْ ذَاكَ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِنَّ فَجَازَ لَهُ إبْقَاؤُهُ ( وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( حَرَائِرُ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ خِيَارُ الْفَسْخِ ) لِرِضَاهُنَّ بِهِ عَبْدًا كَافِرًا فَعَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْلَى ( وَلَوْ أَسْلَمَتْ مَنْ تَزَوَّجَتْ بِاثْنَيْنِ فِي عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَحَدَهُمَا وَلَوْ أَسْلَمُوا مَعًا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَائِغًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا اخْتِيَارُ النِّكَاحِ وَفَسْخُهُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ .

فَصْلٌ وَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هُمَا أَيْ الزَّوْجَانِ ( مَعًا قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } وَقَوْلُهُ : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وَلِأَنَّ الِارْتِدَادَ اخْتِلَافُ دِينٍ وَقَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَأَوْجَبَ فَسْخَ النِّكَاحِ كَإِسْلَامِهَا تَحْتَ كَافِرٍ ( وَلَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ سَبَقَهَا ) بِالرِّدَّةِ ( أَوْ ارْتَدَّ ) الزَّوْجُ ( وَحْدَهُ ) دُونَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ أَشْبَهَ الطَّلَاقَ فَإِنْ سَبَقَتْ هِيَ بِالرِّدَّةِ أَوْ ارْتَدَّتْ وَحْدَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا .
( وَتَتَوَقَّفُ فُرْقَةٌ ) بِرِدَّةٍ ( بَعْدَ دُخُولٍ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ ) ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ اخْتِلَافُ دِينٍ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَلَا يُوجِبُ فَسْخَهُ فِي الْحَالِ كَإِسْلَامِ كَافِرَةٍ تَحْتَ كَافِرٍ ( وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ بِرِدَّتِهَا وَحْدَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ إلَى تَلَافِي نِكَاحِهَا فَلَمْ تَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ كَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ تَلَافِي نِكَاحِهَا بِعَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَذَا إنْ ارْتَدَّا مَعًا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يَتَمَحَّضُ مِنْ جِهَتِهَا ( وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ إلَى الْإِسْلَامِ فَوَطِئَهَا فِيهَا أَوْ طَلَّقَ وَجَبَ الْمَهْرُ ) بِوَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ ( وَلَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ ) لِتَبَيُّنِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَالْوَطْءُ وَالطَّلَاقُ فِي غَيْرِ زَوْجَةٍ وَلَا حَدَّ بِهَذَا الْوَطْءِ أَشْبَهَهُ النِّكَاحُ ( وَإِنْ انْتَقَلَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( أَوْ ) انْتَقَلَ ( أَحَدُهُمَا إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ ) كَالْيَهُودِيِّ يَتَنَصَّرُ أَوْ عَكْسِهِ فَرِدَّةٌ ( أَوْ تَمَجَّسَ كِتَابِيٌّ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ ) فَكَرِدَّةٍ فَإِنْ كَانَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27