كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ ) أَيْ السَّفِيهِ الْبَالِغِ ( بِلَا إذْنِ وَلِيُّهُ لِحَاجَةٍ ) مُتْعَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ لِقَصْدِ الْمَالِ وَمَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَكُونُ مَصْلَحَةً مَحْضَةً بِحَيْثُ يَصِحُّ تَزْوِيجُ وَلِيِّ السَّفِيهِ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَنْ ، فَصِحَّتُهُ مِنْ السَّفِيهِ إذَنْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ أَوْلَى ،

وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( عِتْقُهُ ) أَيْ السَّفِيهِ لِرَقِيقِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ أَشْبَهَ هِبَتَهُ وَوَقْفَهُ

( وَ ) يَصِحُّ ( تَزْوِيجُهُ ) أَيْ تَزْوِيجُ وَلِيِّ السَّفِيهِ لَهُ ( بِلَا إذْنِهِ ) مَعَ سُكُوتِهِ ( لِحَاجَةٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) لَهُ ( إجْبَارُهُ ) أَيْ السَّفِيهِ عَلَى النِّكَاحِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ ( لِمَصْلَحَةٍ ) كَإِجْبَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ ، وَ ( كَسَفِيهَةٍ ) فَلِوَلِيِّهَا إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ لِمَصْلَحَتِهَا ( وَإِنْ أَذِنَ ) لِسَفِيهٍ وَلِيُّهُ فِي تَزَوُّجٍ ( لَمْ يَلْزَمْ تَعَيُّنُ الْمَرْأَةِ ) فِي الْإِذْنِ أَيْ لَمْ يُشْتَرَطْ ( وَيَتَقَيَّدُ ) الْإِذْنُ ( بِمَهْرِ الْمِثْلِ ) فَإِنْ تَزَوَّجَ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ أَهْلًا لَهُ ( وَيَلْزَمُ وَلِيًّا ) لِسَفِيهٍ ( زِيَادَةُ زَوْجٍ بِهَا ) فَيَدْفَعُهَا مِنْ مَالِهِ لِتَعَدِّيهِ ، وَ ( لَا ) تَلْزَمُهُ ( زِيَادَةُ إذْنٍ فِيهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْهَا ، وَوُجُودُ الْإِذْنِ كَعَدَمِهِ ، وَلَا تَلْزَمُ أَيْضًا السَّفِيهَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ

( وَإِنْ عَضَلَهُ ) أَيْ مَنَعَ الْوَلِيُّ السَّفِيهَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ( اسْتَقَلَّ ) بِهِ السَّفِيهُ ، أَيْ فَيَصِحُّ بِدُونِ إذْنِهِ حَتَّى مَعَ عَضْلِهِ إيَّاهُ ( فَلَوْ عَلِمَهُ ) أَيْ السَّفِيهَ وَلِيٌّ ( يُطَلِّقُ ) إنْ زَوَّجَهُ ( اشْتَرَى لَهُ أَمَةً ) يَتَسَرَّى بِهَا وَعَلِمَ مِنْهُ صِحَّةَ طَلَاقِهِ دُونَ عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إتْلَافًا ، إذْ الزَّوْجَةُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُ زَوْجِهَا وَلَا هِبَتُهُ لَهَا وَلَا تُورَثُ عَنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ بِخِلَافِ أَمَتِهِ ، وَغُرْمُ الشَّاهِدَيْنِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعَا نِصْفُ الْمُسَمَّى إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَفْوِيتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِإِيقَاعِ الْحَيْلُولَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُتْلِفَا مَالًا كَرُجُوعِ مَنْ شَهِدَ بِمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَقَوْلُهُ : أَخْطَأْتُ فَالْعَبْدُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فَالسَّفِيهُ أَوْلَى

( وَيَسْتَقِلُّ ) سَفِيهٌ ( بِمَا ) أَيْ فِعْلٍ ( لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ ) كَحَدِّ قَذْفٍ وَعِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ ، لَا نَذْرِهِ عِبَادَةً مَالِيَّةً كَصَدَقَةٍ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَتُهُ وَلَا حَوَالَتُهُ ، وَلَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ ) أَيْ بِمَا يُوجِبُهُ مِنْ نَحْوِ زِنًا أَوْ قَذْفٍ أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ ( أَوْ ) أَقَرَّ ( بِنَسَبٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ قِصَاصٍ ، أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ ) .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هُوَ إجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ ، وَالْحَجْرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَيُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ ( وَلَا يَجِبُ مَالٌ عَفَى عَلَيْهِ ) عَنْ قِصَاصٍ أَقَرَّ بِهِ السَّفِيهُ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ لَهُ ، فَإِنْ فُكَّ حَجْرُهُ أُخِذَ بِهِ .
( وَ ) إنْ أَقَرَّ ( بِمَالٍ ) كَثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ ( فَبَعْدَ فَكِّهِ ) أَيْ الْحَجْرِ يُؤْخَذ بِهِ ، ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ، كَالرَّاهِنِ يُقِرُّ بِالرَّهْنِ ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحَالِ لِئَلَّا يَزُولَ مَعْنَى الْحَجْرِ ، لَكِنْ إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ صِحَّةَ مَا أَقَرَّ بِهِ السَّفِيهُ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ ( وَتَصَرُّفُ وَلِيُّهُ ) أَيْ السَّفِيهِ فِي مَالِهِ ( كَ ) تَصَرُّفِ ( وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَظِّ نَفْسِهِ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ

( فَصْلٌ : وَلِوَلِيِّ ) صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ( وَسَفِيهٍ ) ( غَيْرِ حَاكِمٍ وَأَمِينِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( الْأَكْلُ لِحَاجَةٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ فَقَالَ : كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ } رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ لَا يَأْكُلَانِ شَيْئًا لِاسْتِغْنَائِهِمَا بِمَا لَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ، فَيَأْكُلُ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ ( الْأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ كِفَايَتِهِ ) .
فَإِذَا كَانَتْ كِفَايَتُهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَأُجْرَةُ عَمَلِهِ ثَلَاثَةً أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا الثَّلَاثَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ بِالْحَاجَةِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا فَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُوجَدُ فِيهِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْوَلِيَّ ( عِوَضُهُ ) أَيْ مَا أَكَلَهُ ( بِيَسَارِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ مُطْلَقًا كَالْأَجِيرِ وَالْمُضَارِبِ ، وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ : فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ لِاسْتِقْرَارِ عِوَضِهِ فِي ذِمَّتِهِ ( وَمَعَ عَدَمِهَا ) أَيْ حَاجَةِ وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ بِأَنْ كَانَ غَنِيًّا يَأْكُلُ مِنْ مَالِهِمْ ( مَا فَرَضَهُ لَهُ حَاكِمٌ ) فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ فَرْضُهُ لَكِنْ لِمَصْلَحَةٍ ( وَلِنَاظِرِ وَقْفٍ وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ أَكْلٌ ) مِنْهُ ( بِمَعْرُوفٍ ) إلْحَاقًا لَهُ بِعَامِلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَلَهُ مَا شَرَطَهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَا يُقْدِمُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ

( وَمَنْ فُكَّ حَجْرُهُ ) لِعَقْلِهِ وَرُشْدِهِ ( فَادَّعَى عَلَى وَلِيُّهُ تَعَدِّيًا ) فِي مَالِهِ ( أَوْ ) ادَّعَى عَلَى وَلِيُّهُ ( مُوجِبَ ضَمَانٍ ) كَتَفْرِيطٍ أَوْ تَبَرُّعٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَدَعْوَاهُ عَدَمَ مَصْلَحَةٍ فِي بَيْعِ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ فَقَوْلُ وَلِيٍّ ( أَوْ ) ادَّعَى ( الْوَلِيُّ وُجُودَ ضَرُورَةٍ أَوْ ) وُجُودَ ( غِبْطَةٍ ) لِبَيْعِ عَقَارٍ فَقَوْلُ وَلِيٍّ ( أَوْ ) ادَّعَى الْوَلِيُّ وُجُودَ ( تَلَفٍ أَوْ ) ادَّعَى ( قَدْرَ نَفَقَةٍ ) وَلَوْ عَلَى عَقَارِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ( أَوْ كِسْوَةٍ ) لِمَحْجُورِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ وَنَحْوِهِ ( فَقَوْلُ وَلِيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَشْبَهَ الْمُودَعَ ( مَا لَمْ يُخَالِفْهُ ) أَيْ قَوْلَ الْوَلِيِّ ( عَادَةٌ وَعُرْفٌ ) فَيُرَدُّ لِلْقَرِينَةِ .
( وَيَحْلِفُ ) وَلِيٌّ حَيْثُ قِيلَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ ( غَيْرَ حَاكِمٍ ) فَلَا يَحْلِفُ مُطْلَقًا وَ ( لَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ بِجُعْلٍ ( فِي دَفْعِ مَالٍ بَعْدَ رُشْدٍ أَوْ ) بَعْدَ ( عَقْلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِمَصْلَحَةٍ ، أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) الْوَلِيُّ ( مُتَبَرِّعًا ) فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إذَنْ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَقَطْ أَشْبَهَ الْوَدِيعَ ( وَلَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيٍّ ( فِي قَدْرِ زَمَنِ إنْفَاقٍ ) بِأَنَّ قَالَ مَنْ انْفَكَّ حَجْرُهُ : أَنْفَقْتُ عَلَيَّ مِنْ سَنَةٍ فَقَالَ الْوَلِيُّ : بَلْ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ

( وَلَيْسَ لِزَوْجِ ) حُرَّةٍ ( رَشِيدَةٍ حَجْرٌ عَلَيْهَا فِي تَبَرُّعٍ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا ) لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ { يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ } وَكُنَّ يَتَصَدَّقْنَ وَيَقْبَلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ ، وَلِأَنَّ مَنْ وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ لِرُشْدِهِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ كَالذَّكَرِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ عَطِيَّةٌ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا إذْ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْدِيدِ الْمَنْعِ بِالثُّلُثِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى حُقُوقِ الْوَرَثَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبٌ يُفْضِي إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ وَالزَّوْجِيَّةُ إنَّمَا تَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَهِيَ أَحَدُ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهَا كَمَا لَا يَثْبُتُ لَهَا الْحَجْرُ عَلَى زَوْجِهَا

( وَلَا لِحَاكِمٍ حَجْرٌ عَلَى مُقَتِّرٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ جَمْعُ الْمَالِ وَإِمْسَاكُهُ لَا إنْفَاقُهُ وَقِيلَ بَلَى ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ عُقُودِهِ وَلَا يُكَفُّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ، لَكِنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ جَبْرًا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ

( فَصْلٌ : وَلِوَلِيٍّ ) حُرٍّ ( مُمَيِّزٍ وَسَيِّدِهِ ) أَيْ الْقِنِّ الْمُمَيِّزِ ( أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ) أَيْ لِمُوَلِّيهِ أَوْ قِنِّهِ الْمُمَيِّزِ ( أَنْ يَتَّجِرَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَيِّدِهِ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ وَالسَّفِيهِ .
( وَكَذَا ) يَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ لِلْمُمَيِّزِ ( أَنْ يَدَّعِيَ ) عَلَى خَصْمِهِ أَوْ خَصْمِ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدِهِ ( وَ ) يَأْذَنَ لَهُ أَنْ ( يُقِيمَ بَيِّنَةً ) عَلَى الْخَصْمِ ( وَ ) أَنْ ( يُحَلِّفَ ) الْخَصْمَ إذَا أَنْكَرَ ( وَنَحْوَهُ ) كَمُخَالَعَةٍ وَمُقَاسَمَةٍ ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ أَشْبَهَتْ التِّجَارَةَ ( وَيَتَقَيَّدُ فَكُّ ) حَجْرٍ عَنْ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ وَمُمَيِّزٍ ( بِقَدْرٍ وَنَوْعٍ عُيِّنَا ) بِأَنْ .
قَالَ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ : اتَّجِرْ فِي مِائَةِ دِينَارٍ فَمَا دُونَ فَلَا يَتَجَاوَزُهَا أَوْ قَالَ لَهُ : اتَّجِرْ فِي الْبُرِّ فَقَطْ فَلَا يَتَعَدَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا أُذِنَ فِيهِ ( كَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ فِي نَوْعٍ ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ .
( وَ ) كَمَنْ وُكِّلَ أَوْ وُصِّيَ إلَيْهِ فِي ( تَزْوِيجٍ ) بِشَخْصٍ ( مُعَيَّنٍ ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ غَيْرِهِ .
( وَ ) كَمَنْ وَكَّلَهُ رَشِيدٌ فِي ( بَيْعِ عَيْنِ مَالِهِ ) فَلَيْسَ لِوَكِيلٍ بَيْعُ غَيْرِهَا مِنْ مِلْكِهِ ( وَ ) كَ ( الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ) أَيْ أَنْ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ عَيْنٍ أَوْ إجَارَتِهَا وَنَحْوِهِ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَإِذَا عَادَتْ الْعَيْنُ لِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا بِلَا إذْنٍ مُتَجَدِّدٍ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَادَتْ بِفَسْخٍ وَضَعَّفَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَصَوَّبَ أَنَّ لَهُ الْعَقْدَ ثَانِيًا ، إنْ عَادَتْ بِفَسْخٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ مُمَيِّزٍ ( فِي بَيْعِ

نَسِيئَةٍ وَغَيْرِهِ ) كَبِعَرَضٍ ( كَمُضَارِبٍ ) فَيَصِحُّ لَا كَوَكِيلٍ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ النَّمَاءُ ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَقَعُ بِمَجْمُوعِ بَدَنِهِ ، وَقِيَاسُهُ : حُرٌّ عَلَيْهِ وَصِيَّانِ

( وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ ) مُمَيِّزٌ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حُرٌّ أَوْ قِنٌّ ( نَفْسَهُ وَلَا ) أَنْ ( يَتَوَكَّلَ ) لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنٍ فِيهِ كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ يُقْعِدُهُ عَنْ مَقْصُودِ التِّجَارَةِ ( وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ ) وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ ( عَلَيْهِ ) بِلَا إذْنٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَفِي إيجَارِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ خِلَافٌ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ : الصَّوَابُ : الْجَوَازُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ( وَإِنْ وَكَّلَ ) مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ مُمَيِّزٍ ( فَكَوَكِيلٍ ) فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يُعْجِزُهُ أَوْ لَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنٍ ( وَمَتَى عَزَلَ سَيِّدٌ قِنَّهُ ) بِأَنْ مَنَعَهُ مِنْ التِّجَارَةِ ( انْعَزَلَ وَكِيلُهُ ) أَيْ وَكِيلُ الْقِنِّ ( كَ ) انْعِزَالِ ( وَكِيلٍ ) بِعَزْلِهِ .
( وَ ) كَانْعِزَالِ وَكِيلٍ ( مُضَارِبٍ ) بِفَسْخِ رَبِّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ ، وَتَوْكِيلُهُ فَرْعُ إذْنِهِ ، فَإِذَا بَطَلَ الْإِذْنُ بَطَلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ ( لَا كَصَبِيٍّ ) أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِهِ وَوَكَّلَ الْأَصْلُ ثُمَّ مَنَعَهُ وَلِيُّهُ مِنْ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ .
( وَ ) لَا ( مُكَاتَبٍ ) أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ فَوَكَّلَ فِيهِ ثُمَّ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ ( وَ ) لَا ( كَمُرْتَهِنٍ أَذِنَ لِرَاهِنٍ فِي بَيْعِ ) رَهْنٍ فَوَكَّلَ فِيهَا الرَّاهِنُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ إذْنِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَلِلْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ

( وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ ) قِنٌّ مَأْذُونٌ فِي تِجَارَةٍ ( مَنْ ) أَيْ قِنًّا ( يُعْتَقُ عَلَى مَالِكِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( لِرَحِمٍ ) كَأَخِي سَيِّدِهِ ( أَوْ قَوْلٍ ) أَيْ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ : إنْ مَلَكْتُ عَبْدَ زَيْدٍ فَهُوَ حُرٌّ ( أَوْ ) أَيْ وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ لَهُ ( زَوْجًا لَهُ ) أَيْ لِسَيِّدِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَيَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ

وَ ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ ( مِنْ مَالِكِهِ ) شَيْئًا ( وَلَا أَنْ يَبِيعَهُ ) مَالِكُهُ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ ، وَلَا يُسَافِرُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ فِي رَقَبَتِهِ وَمَالِهِ أَقْوَى مِنْ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ

( وَمَنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ ) كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِهِ مَالَهُ لِافْتِقَارِ التَّصَرُّفِ إلَى الْإِذْنِ فَلَا يَقُومُ السُّكُوتُ مَقَامَهُ كَتَصَرُّفِ أَحَدِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ فِي الرَّهْنِ مَعَ سُكُوتِ الْآخَرِ وَكَتَصَرُّفِ الْأَجْنَبِيِّ

( وَيَتَعَلَّقُ ) جَمِيعُ ( دَيْنِ ) قِنٍّ ( مَأْذُونٍ لَهُ ) إنْ اسْتَدَانَهُ لِتِجَارَةٍ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ النَّاسَ بِإِذْنِهِ لَهُ وَكَذَا مَا اقْتَرَضَهُ وَنَحْوَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ( بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِسَيِّدِهِ وَلِهَذَا لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَإِمْضَاءُ بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ وَفَسْخُهُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِ الْمَأْذُونِ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا .
( وَ ) يَتَعَلَّقُ ( دَيْنُ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي تِجَارَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ أَوْ اقْتَرَضَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَتَلِفَ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ بِيَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ ( بِرَقَبَتِهِ ) فَيَفْدِيهِ سَيِّدُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ يَبِيعُهُ وَيُعْطِيهِ أَوْ يُسَلِّمُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ لِفَسَادِ تَصَرُّفِهِ فَأَشْبَهَ أَرْشَ جِنَايَتِهِ .
( وَإِنْ أُعْتِقَ ) رَقِيقٌ تَعَلَّقَ دَيْنُهُ بِرَقَبَتِهِ ( لَزِمَ سَيِّدَهُ ) فَيَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رَقَبَتَهُ عَلَى رَبِّ الْحَقِّ بِإِعْتَاقِهِ ( وَمَحِلُّهُ ) أَيْ مَحِلِّ تَعَلُّقِ اسْتِدَانَةِ غَيْرِ مَأْذُونٍ بِرَقَبَتِهِ ( إنْ تَلِفَ ) مَا اسْتَدَانَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتْلَفْ ( أَخَذَ ) أَيْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ ( حَيْثُ أَمْكَنَ ) أَخْذُهُ لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ .
( وَمَتَى اشْتَرَاهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( رَبُّ دَيْنٍ تَعَلَّقَ ) دَيْنُهُ ( بِرَقَبَتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( تَحَوَّلَ ) الدَّيْنُ الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهِ ( إلَى ثَمَنِهِ ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَقِيمَتِهِ لَوْ أَتْلَفَ ، فَيُخَيَّرُ بَائِعٌ بَيْنَ فِدَائِهِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ إعْطَائِهِ فِي الدَّيْنِ بَعْدَ إحْضَارِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا ، وَإِنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْمُقَاصَّةِ تَقَاصَّا أَوْ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ وَبَاقِي الثَّمَنِ لِبَائِعٍ .
( وَ ) إنْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ ( بِذِمَّتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ ( فَمَلَكَهُ ) رَبُّ ذَلِكَ الدَّيْنِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ بِشِرَاءٍ

أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا سَقَطَ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الدَّيْنُ بِذِمَّةِ عَبْدِهِ ( أَوْ ) مَلَكَ رَبُّ دَيْنٍ ( مَنْ تَعَلَّقَ ) دَيْنُهُ ( بِرَقَبَتِهِ بِلَا عِوَضٍ ) بِأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ ( سَقَطَ ) الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلرَّقَبَةِ يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ

( وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَأْذُونٍ ) لَهُ ( وَلَوْ صَغِيرًا ) مُمَيِّزًا ( فِي قَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقْرَارِ الصِّحَّةُ ، تُرِكَ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ لِحَقِّ السَّيِّدِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ

( وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ سَيِّدُهُ أَيْ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ( وَبِيَدِهِ ) أَيْ الْقِنِّ ( مَالٌ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ ) فِي التِّجَارَةِ ( فَأَقَرَّ بِهِ ) أَيْ بِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ ( صَحَّ ) إقْرَارُهُ لِزَوَالِ الْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِقْرَارِ ، وَكَذَا حُكْمُ مُمَيِّزٍ حُرٍّ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ

( وَيَبْطُلُ إذْنُ ) سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ فِي تِجَارَةٍ ( بِحَجْرٍ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ الْمُطْبَقِ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ ، فَتَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ وَكَبَاقِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَ ( لَا ) يَبْطُلُ إذْنُهُ ( بِإِبَاقٍ ) مَأْذُونٍ لَهُ نَصًّا ( وَ ) لَا ( أَسْرٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَحُرِّيَّةٍ وَحَبْسٍ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ ) لِمَأْذُونٍ لَهُ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ

( وَتَصِحُّ مُعَامَلَةُ قِنٍّ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَلَا يُعَامَلُ صَغِيرٌ لَمْ يُعْلَمْ الْإِذْنُ لَهُ إلَّا فِي مِثْلِ مَا يُعَامَلُ مِثْلُهُ فِيهِ

و ( لَا ) يَصِحُّ ( تَبَرُّعُ مَأْذُونٍ لَهُ بِدَرَاهِمَ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَكِتَابٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِذْنُ ( وَلَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ ( هَدِيَّةُ مَأْكُولٍ وَإِعَارَةٌ دَابَّةٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ وَنَحْوَهُ ) كَصَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ ( بِلَا إسْرَافٍ ) فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد " أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَ دَعَوْتَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو حُذَيْفَةَ فَأَمَّهُمْ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ " رَوَاهُ صَالِحٌ فِي مَسَائِلِهِ ، وَلِجَرَيَانِ عَادَةِ التُّجَّارِ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ ( وَلِ ) رَقِيقٍ ( غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ ) فِي تِجَارَةٍ ( أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ قُوتِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِهِ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ ) كَفَلْسٍ وَبَيْضَةٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ

( وَلِزَوْجَةٍ وَكُلُّ مُتَصَرِّفٍ فِي بَيْتٍ ) كَأَجِيرٍ ( الصَّدَقَةُ مِنْهُ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعًا { إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا كَسَبَ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ وَطِيبُ النَّفْسِ بِهِ ( إلَّا أَنْ يَمْنَعَ ) رَبُّ الْبَيْتِ مِنْهُ ( أَوْ يَضْطَرِبَ عُرْفٌ ) بِأَنْ تَكُونَ عَادَةُ الْبَعْضِ الْإِعْطَاءَ ، وَعَادَةُ آخَرِينَ الْمَنْعَ ( أَوْ يَكُونَ ) رَبُّ الْبَيْتِ ( بَخِيلًا وَيَشُكُّ فِي رِضَاهُ فِيهِمَا ) أَيْ فِيمَا إذَا اضْطَرَبَ عُرْفٌ ، أَوْ مَا إذَا كَانَ بَخِيلًا ( فَيَحْرُمُ ) الْإِعْطَاءُ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رِضَاهُ إذَنْ ( كَزَوْجَةٍ أَطْعَمَتْ بِفَرْضٍ وَلَمْ تَعْلَمْ رِضَاهُ ) أَيْ الزَّوْجِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ مَالِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا

( وَمَنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَى مِنْ قِنٍّ عَيْبًا فَقَالَ ) الْقِنُّ الْبَائِعُ ( أَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي ) فِي التِّجَارَةِ ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ( وَلَوْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ ) فِي عَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَالْخَصْمُ يَدَّعِي صِحَّتَهُ

بَابُ الْوَكَالَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ وَهِيَ لُغَةً التَّفْوِيضُ تَقُولُ وَكَّلْتُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ ، أَيْ فَوَّضْتُهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْحِفْظِ وَمِنْهُ { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } أَيْ الْحَفِيظُ وَشَرْعًا ( اسْتِنَابَةُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ) فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ ( مِثْلَهُ ) أَيْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ( فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ) مِنْ قَوْلٍ كَعَقْدٍ وَفَسْخٍ أَوْ فِعْلٍ كَقَبْضٍ وَإِقْبَاضٍ وَجَوَازُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } أَيْ الزَّكَاةِ حَيْثُ جُوِّزَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا إذْ لَا يُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ فِعْلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ .
( وَتَصِحُّ ) الْوَكَالَةُ مُعَلَّقَةً وَمُنْجَزَةً وَ ( مُؤَقَّتَةً ) كَأَنْتَ وَكِيلِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً .
( وَ ) تَصِحُّ ( مُعَلَّقَةً ) نَصًّا كَوَصِيَّةٍ وَإِبَاحَةِ أَكْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِمَارَةٍ كَقَوْلِهِ : إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَبِعْ هَذَا أَوْ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَافْعَلْ كَذَا وَإِذَا طَلَبَ أَهْلِي مِنْكَ شَيْئًا فَادْفَعْهُ لَهُمْ وَنَحْوِهِ ( وَ ) تَصِحُّ وَكَالَةٌ ( بِكُلِّ قَوْلٍ دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ ) نَصًّا كَبِعْ عَبْدِي فُلَانًا أَوْ أَعْتِقْهُ وَنَحْوِهِ أَوْ فَوَّضْتُ إلَيْكَ أَمْرَهُ أَوْ جَعَلْتُكَ نَائِبًا عَنِّي فِي كَذَا ، أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ فَصَحَّ كَلَفْظِهَا الصَّرِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى انْعِقَادِهَا بِفِعْلٍ دَالٍّ كَبَيْعٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ ، وَهُوَ أَظْهَرُ كَالْقَبُولِ

( وَ ) يَصِحُّ ( قَبُولُ ) الْوَكَالَةِ ( بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ وُكَلَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ سِوَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ قَبُولُهُ بِالْفِعْلِ كَأَكْلِ الطَّعَامِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْقَبُولُ ( مُتَرَاخِيًا ) عَنْ الْإِذْنِ فَلَوْ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ مُنْذُ سَنَةٍ فَقَبِلَ ، أَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ وُكَلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ وَكَانَ مُتَرَاخِيًا ، قَالَ فِي شَرْحِهِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ قَائِمٌ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ ( وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٌ ) كَشَرِكَةٍ وَمُسَاقَاةٍ فَهُوَ كَالْوَكَالَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ

( وَشُرِطَ ) لِوَكَالَةٍ ( تَعْيِينُ وَكِيلٍ ) كَأَنْ يَقُولَ : وَكَّلْتُ فُلَانًا فِي كَذَا فَلَا يَصِحُّ وَكَّلْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ لَوْ وَكَّلَ زَيْدًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ مُوَكِّلَهُ لَمْ يَصِحَّ

وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ ( عِلْمُهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( بِهَا ) أَيْ الْوَكَالَةِ فَلَوْ بَاعَ عَبْدَ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَبَانَ أَنَّ زَيْدًا كَانَ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ صَحَّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ

( وَلَهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( التَّصَرُّفُ ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ ( بِخَبَرِ مَنْ ظَنَّ صِدْقَهُ ) بِتَوْكِيلِ زَيْدٍ مَثَلًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّدْقُ كَقَبُولِ هَدِيَّةٍ وَإِذْنِ غُلَامٍ فِي دُخُولِهِ ( وَيَضْمَنُ ) مَا تَرَتَّبَ عَلَى تَصَرُّفِهِ إنْ أَنْكَرَ زَيْدٌ الْوَكَالَةَ ( وَلَوْ شَهِدَ بِهَا ) أَيْ الْوَكَالَةِ ( اثْنَانِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا عَزَلَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا ) أَيْ الْوَكَالَةِ حَاكِمٌ قَبْلَ قَوْلِهِ عَزَلَهُ ( لَمْ تَثْبُتْ ) الْوَكَالَةُ لِرُجُوعِ شَاهِدِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ .
( وَإِنْ حُكِمَ ) بِالْوَكَالَةِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ : عَزَلَهُ ( أَوْ قَالَهُ غَيْرُهُمَا ) قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ ( لَمْ يَقْدَحْ ) ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَزْلُ ، وَإِنْ قَالَ : عَزَلَهُ ثَبَتَ الْعَزْلُ لِتَمَامِ الشَّهَادَةِ بِهِ كَتَمَامِهَا بِالتَّوْكِيلِ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَ هَذَا الْحَاضِرَ ؛ فَقَالَ : الْوَكِيلُ مَا عَلِمْتُ وَأَنَا أَتَصَرَّفُ عَنْهُ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنِّي الْآنَ لَمْ أَعْلَمْ ، وَقَبُولُ الْوَكَالَةِ يَجُوزُ مُتَرَاخِيًا وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِالتَّوْكِيلِ ، وَإِنْ قَالَ مَا أَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ لِقَدْحِهِ ، فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ قَالَ : مَا عَلِمْتُ فَقَطْ قِيلَ لَهُ فَسِّرْ فَإِنْ فَسَّرَ بِالْأَوَّلِ ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ وَإِنْ فَسَّرَ بِالثَّانِي لَمْ تَثْبُتْ

( وَإِنْ أَبَى ) وَكِيلٌ قَبُولَهَا أَيْ الْوَكَالَةِ فَقَالَ لَا أَقْبَلُهَا ( فَكَعَزْلِهِ نَفْسَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمْ تَتِمَّ ( وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلٌ فِي شَيْءٍ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ فَرْعٌ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ سَفِيهٍ فِي نَحْوِ عِتْقِ عَبْدِهِ ( سِوَى أَعْمَى ) رَشِيدٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَ عَقَارٍ لَمْ يَرَهُ إذَا وَكَّلَ فِيهِ ( عَالِمًا ) بِالْبَيْعِ ( فِيمَا يَحْتَاجُ لِرُؤْيَةٍ ) كَجَوْهَرٍ وَعَقَارٍ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُمَا التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ لَا لِمَعْنًى فِيهِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ .
( وَمِثْلُهُ ) ب أَيْ التَّوْكِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ ( تَوَكُّلٌ ) فَلَا يَصِحَّ أَنْ يَتَوَكَّل فِي شَيْءٍ إلَّا مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ لِنَفْسِهِ ( فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجِبَ نِكَاحًا ) عَنْ غَيْرِهِ ( مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ) إيجَادٌ ( لِمَوْلِيَّتِهِ ) لِنَحْوِ فِسْقٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَصَالَةً لَمْ يَجُزْ بِالنِّيَابَةِ كَالْمَرْأَةِ ( وَلَا ) يَصِحُّ أَنْ ( يَقْبَلَهُ ) أَيْ النِّكَاحَ لِغَيْرِهِ ( مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ) قَبُولُهُ ( لِنَفْسِهِ ) كَكَافِرٍ يَتَوَكَّلُ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لِمُسْلِمٍ ( سِوَى ) قَبُولِ ( نِكَاحِ أُخْتِهِ وَنَحْوِهَا ) كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَحَمَاتِهِ ( لِأَجْنَبِيٍّ ) تَحِلُّ لَهُ .
( وَ ) سِوَى قَبُولِ حُرٍّ وَاجِدٍ الطَّوْلَ نِكَاحَ أَمَةٍ لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ الْأَمَةُ مِنْ قِنٍّ أَوْ حُرٍّ عَادِمٍ الطَّوْلَ خَائِفِ الْعَنَتِ .
( وَ ) سِوَى تَوَكُّلِ ( غَنِيٍّ فِي قَبْضِ زَكَاةٍ لِفَقِيرٍ ) فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي هَذِهِ لِنَفْسِهِ لِلتَّنْزِيهِ لَهُ لَا لِمَعْنًى فِيهِ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ .
( وَ ) سِوَى ( طَلَاقِ امْرَأَةٍ نَفْسَهَا ) فَيَصِحُّ لِمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ ( وَغَيْرِهَا بِوَكَالَةِ ) فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ طَلَاقَ نَفْسِهَا بِجَعْلِهِ لَهَا مَلَكَتْ طَلَاقَ غَيْرِهَا بِالْوَكَالَةِ

( وَلَا تَصِحُّ ) وَكَالَةٌ ( فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ أَوْ ) فِي ( طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ التَّوْكِيلِ وَيَصِحُّ إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَقَدْ وَكَّلْتُكَ فِي عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقِهِ عَلَى مِلْكِهِ ، بِخِلَافِ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَقَدْ وَكَّلْتُكَ فِي طَلَاقِهَا ، وَلَا يَتَوَكَّلُ مُكَاتَبٌ بِلَا جُعْلٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ كَأَعْيَانِ مَالِهِ فَلَا يَبْذُلُهَا بِلَا عِوَضٍ

( وَمَنْ قَالَ لِوَكِيلٍ غَائِبٍ ) فِي طَلَبِهِ ( أَحْلِفُ أَنَّ لَك مُطَالَبَتِي ) لَمْ يُسْمَعْ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ أَحْلِفُ ( أَنَّهُ ) أَيْ مُوَكِّلَكَ ( مَا عَزَلَك لَمْ يُسْمَعْ ) قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى لِلْغَيْرِ ( إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ) الْمَطْلُوبُ ( عِلْمَهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( بِذَلِكَ ) أَيْ الْعَزْلِ ( فَيَحْلِفُ ) عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَإِنْ نَكَلَ امْتَنَعَ طَلَبُهُ لَهُ .
( وَلَوْ قَالَ ) مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلٌ غَائِبٌ ( عَنْ ) دَيْنٍ ( ثَابِتٍ ) طَالَبَهُ بِهِ ( مُوَكِّلُك أَخَذَ حَقَّهُ لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ مُدَّعِي الْوَفَاءِ ( وَلَا يُؤَخِّرُ ) أَيْ لَا يَحْكُمُ عَلَى الْوَكِيلِ بِتَأْخِيرِ طَلَبِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مُوَكِّلُهُ ( لِيَحْلِفَ مُوَكِّلٌ ) أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِتَأْخِيرِ حَقٍّ مُتَيَقَّنٍ لِمَشْكُوكٍ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ بِالْوَفَاءِ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ لِحُضُورِهَا

فَصْلٌ ( وَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَالٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ( مِنْ عَقْدٍ ) كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُكِّلَ فِي الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا سَائِرُ الْعُقُودِ ( وَفَسْخٍ ) لِنَحْوِ بَيْعٍ ( وَطَلَاقٍ ) ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِهِ جَازَ فِي حَلِّهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( وَرَجْعِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِالتَّوْكِيلِ الْأَقْوَى وَهُوَ إنْشَاءُ النِّكَاحِ فَالْأَضْعَفُ وَهُوَ تَلَافِيهِ بِالرَّجْعَةِ أَوْلَى ( وَتَمَلُّكُ الْمُبَاحِ ) كَصَيْدٍ وَحَشِيشٍ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّك مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَالِاتِّهَابِ ( وَصُلْحٍ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ ( وَإِقْرَارٍ ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَلْزَمُ بِهِ الْمُوَكِّلَ مَالٌ أَشْبَهَ التَّوْكِيلَ فِي الضَّمَانِ ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ : وَكَّلْتُكَ فِي الْإِقْرَارِ فَلَوْ قَالَ لَهُ أَقِرَّ عَنِّي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَكَالَةً ذَكَرَهُ الْمَجْدُ .
وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ بِمَجْهُولٍ وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ ( وَلَيْسَ تَوْكِيلُهُ فِيهِ ) أَيْ الْإِقْرَارِ ( بِإِقْرَارٍ ) كَتَوْكِيلِهِ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ فَلَيْسَ وَصِيَّةً وَلَا هِبَةً .
( وَ ) يَصِحُّ أَيْضًا التَّوْكِيلُ فِي ( عِتْقٍ وَإِبْرَاءِ ) لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ ( وَلَوْ لِأَنْفُسِهِمَا إنْ عَيَّنَا ) كَأَنْ يَقُولَ سَيِّدٌ لِقِنِّهِ : أَعْتِقْ نَفْسَكَ ، بِخِلَافِ أَعْتِقْ عَبِيدِي فَلَا يَمْلِكُ عِتْقَ نَفْسِهِ ، أَوْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ لِغَرِيمِهِ : أَبْرِئْ نَفْسَكَ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : أَبْرِئْ غُرَمَائِي فَلَا يُبْرِئُ نَفْسَهُ وَتَصِحُّ أَيْضًا فِي حَوَالَةٍ وَرَهْنٍ وَكَفَالَةٍ وَتَرِكَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَمُجَاعَلَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِنْفَاقٍ وَقِسْمَةِ وَقْفٍ وَنَحْوِهَا

وَ ( لَا ) تَصِحُّ وَكَالَةٌ ( فِي ظِهَارٍ ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ مُحَرَّمٌ أَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْمَعَاصِي ( وَ ) لَا فِي ( لِعَانٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَإِيلَاءٍ وَقَسَامَةٍ ) لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ كَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ .
( وَ ) لَا فِي قَسْمٍ لِزَوْجَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ( وَ ) لَا فِي ( شَهَادَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الشَّاهِدِ ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ عَمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي نَائِبِهِ .
( وَ ) لَا فِي ( الْتِقَاطٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الِائْتِمَانُ ( وَ ) لَا فِي ( اغْتِنَامٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْحُضُورِ فَلَا طَلَبَ لِلْغَائِبِ بِهِ ( وَ ) لَا فِي دَفْعِ ( جِزْيَةٍ ) لِفَوَاتِ الصَّغَارِ وَالْوَاجِبِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ مِنْ زِنًى وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } .
( وَ ) لَا فِي ( رَضَاعٍ ) لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُرْضِعَةِ ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا يُنْبِتُ لَحْمَ الرَّضِيعِ وَيَنْشُرُ عَظْمَهُ

( وَتَصِحُّ ) الْوَكَالَةُ ( فِي بَيْعِ مَالِهِ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( كُلِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَلَا غَرَرَ ( أَوْ ) أَيْ وَتَصِحُّ فِي بَيْعِ ( مَا شَاءَ ) الْوَكِيلُ ( مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّهِ فَفِي بَعْضِهِ أَوْلَى .
( وَ ) تَصِحُّ فِي ( الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ ) كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا .
( وَ ) فِي ( الْإِبْرَاءُ مِنْهَا كُلِّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا ) لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي بِعْ مَالِي مَا شِئْتَ : لَهُ بَيْعُ كُلِّ مَالِهِ

وَ ( لَا ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ( فِي ) عَقْدٍ ( فَاسِدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ بَلْ حَرَّمَهُ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ( فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ ) ذَكَرَ الْأَزَجِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ ، ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ وَطَلَاقِ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقِ رَقِيقِهِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ وَالضَّرَرُ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ .
( وَلَا ) يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ( اشْتَرِ مَا شِئْتَ أَوْ عَبْدًا بِمَا شِئْتَ ) لِكَثْرَةِ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ أَوْ الشِّرَاءُ بِهِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ ( حَتَّى يُبَيَّنَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْوَكِيلِ ( نَوْعٌ ) يَشْتَرِيهِ ( وَقُدِّرَ ثَمَنٌ ) يَشْتَرِي بِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِذِكْرِ الشَّيْئَيْنِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ ذِكْرَ النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ وَالثَّمَنِ كَافٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ لَهُ النَّوْعَ فَقَدْ أَذِنَ فِي أَغْلَاهُ ثَمَنًا وَإِنْ بَيَّنَ لَهُ الْجِنْسَ وَالثَّمَنَ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي جَمِيع أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَعَ تَبْيِينِ الثَّمَنِ فَيَقِلُّ الْغَرَرُ وَيَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ : مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْء فَهُوَ بَيْنَنَا يَصِحُّ نَصًّا ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ فِي شِرَاءِ كُلِّ شَيْءٍ

( وَوَكِيلُهُ ) أَيْ الزَّوْجُ ( فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ ) كَخَمْرٍ ( كَهُوَ ) أَيْ الزَّوْجِ فَيَلْغُو إلَّا بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّتِهِ يَعْنِي فَيَقَعُ طَلَاقًا ( فَلَوْ خَالَعَ ) وَكِيلٌ فِي خُلْعٍ بِمُحَرَّمٍ ( بِمُبَاحٍ صَحَّ ) الْخُلْعُ ( بِقِيمَتِهِ ) أَيْ قِيمَةِ الْمُبَاحِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مُبَاحٍ صَحَّ الْخُلْعُ وَفَسَدَ الْعِوَضُ ، وَلَهُ قِيمَةُ الْعِوَضِ لَا هُوَ

( وَتَصِحُّ ) الْوَكَالَةُ ( فِي كُلِّ حَقٍّ حَتَّى اللَّهِ تَعَالَى تَدْخُلُهُ نِيَابَةٌ مِنْ إثْبَاتِ حَدٍّ وَاسْتِيفَائِهِ ) لِحَدِيثِ { وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا اُسْتُنِيبَ دَخَلَتْ الْحُدُودُ فِي نِيَابَتِهِ فَالتَّخْصِيصُ بِدُخُولِهَا أَوْلَى وَيَقُومُ الْوَكِيلُ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ فِي دَرْئِهَا بِالشُّبُهَاتِ .
( وَ ) مِنْ ( عِبَادَةٍ ) تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ ( كَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ وَ ) تَفْرِقَةِ ( نَذْرٍ وَ ) تَفْرِقَةِ ( زَكَاةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا } وَحَدِيثُ مُعَاذٍ يَشْهَدُ بِهِ .
( وَتَصِحُّ ) وَكَالَةٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةٍ ( بِقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ ( أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِي مِنْ مَالِكَ ) ؛ لِأَنَّهُ اقْتِرَاضٌ مِنْ مَالِ وَكِيلٍ ، وَتَوْكِيلٌ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ .
( وَ ) تَصِحُّ وَكَالَةٌ فِي تَفْرِقَةِ ( كَفَّارَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ كَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ ( وَتَصِحُّ ) وَكَالَةٌ فِي ( فِعْلِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ) فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَفْعَلُهُمَا عَنْهُ مُطْلَقًا فِي النَّقْلِ وَمَعَ الْعَجْزِ فِي الْفَرْضِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ ( وَتَدْخُلُ رَكْعَتَا طَوَافٍ تَبَعًا ) لِلطَّوَافِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةِ

وَ ( لَا ) تَصِحُّ وَكَالَةٌ فِي عِبَادَةٍ ( بَدَنِيَّةٍ مَحْضَةٍ ) لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ ( كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَهَارَةٍ مِنْ حَدَثٍ ) لِتَعَلُّقِهَا بِبَدَنِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ الْمَذْكُورِ كَاعْتِكَافٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ وَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ يَخُصُّ الْمُعْتَكِفَ وَهُوَ لُبْثُ ذَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَتَصِحُّ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التُّرُوكِ كَإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ

( وَيَصِحُّ اسْتِيفَاءُ ) مَا وَكُلُّ فِيهِ ( بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ وَغِيبَتِهِ ) نَصًّا لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ( حَتَّى فِي ) اسْتِيفَاءِ ( قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَعْلَمَ وَكِيلَهُ ، وَالْأَوْلَى اسْتِيفَاؤُهُمَا بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ

( وَلِوَكِيلٍ تَوْكِيلٌ فِيمَا يُعْجِزُهُ ) فِعْلُهُ ( لِكَثْرَتِهِ وَلَوْ فِي جَمِيعِهِ ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ ، وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْوَكَالَةُ جَوَازَ التَّوْكِيلِ جَازَ فِي جَمِيعِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ لَفْظًا ( وَفِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ ) كَالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ فِي حَقِّ أَشْرَافِ النَّاسِ الْمُتَرَفِّعِينَ عَنْهَا عَادَةً ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ، وَ ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يُوَكَّلَ وَكِيلٌ ( فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ ) وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَا تَضَمَّنَهُ الْإِذْنُ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ نَهَاهُ ، وَلِأَنَّهُ اُسْتُؤْمِنَ فِيمَا يُمْكِنُهُ النُّهُوضُ فِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرُهُ كَالْوَدِيعَةِ ( إلَّا بِإِذْنِ ) مُوَكِّلِهِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْعُقُودِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ يَسْتَنِيبُ نَائِبًا فِي الْحَجِّ لِمَرَضٍ ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَتَعَيَّنُ ) عَلَى وَكِيلٍ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ( أَمِينٌ ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِمُوَكِّلِهِ بِالْأَحَظِّ وَلَا أَحَظَّ لَهُ فِي إقَامَةِ غَيْرِهِ ( إلَّا مَعَ تَعْيِينِ مُوَكِّلٍ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ : وَكِّلْ زَيْدًا مَثَلًا فَلَهُ تَوْكِيلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِتَعْيِينِهِ لَهُ ، وَإِنْ وَكَّلَ أَمِينًا فَخَانَ فَعَلَيْهِ عَزْلُهُ ؛ لِأَنَّ إبْقَائَهُ تَفْرِيطٌ وَتَضْيِيعٌ ( وَكَذَا ) أَيْ كَالْوَكِيلِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ( وَصِيٌّ يُوَكِّلُ أَوْ حَاكِمٌ يَسْتَنِيبُ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ لِغَيْرِهِ بِالْإِذْنِ

( وَ ) قَوْلُ مُوَكِّلٍ لِوَكِيلِهِ ( وَكِّلْ عَنْكَ ) يَصِحُّ فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَكِيلُ ( وَكِيلُ وَكِيلِهِ فَلَهُ عَزْلُهُ ) يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَعَزْلِهِ .
( وَ ) وَكَّلَ ( عَنِّي أَوْ ) وَكَّلَ وَ ( يُطْلِقُ ) فَلَا يَقُولُ : عَنْكَ وَلَا عَنِّي ، فَوَكَّلَ ( فَ ) هُوَ ( وَكِيلُ مُوَكِّلِهِ ) فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَلَا عَزْلِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلَهُ

وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ وَنَحْوَهُ انْعَزَلَا سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا فَرْعَ الْآخَرِ أَوْ لَا ( كَ ) قَوْلِ مُوصٍ لِوَصِيِّهِ ( أَوْصِ إلَى مَنْ يَكُونُ وَصِيًّا لِي ) فَالْمُوصَى إلَيْهِ ثَانِيًا وَصِيٌّ لِلْمُوصِي الْأَوَّلِ ( وَلَا يُوصِي وَكِيلٌ مُطْلَقًا ) سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ

( وَلَا يَعْقِدُ ) وَكِيلٌ فِي نَحْوِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ( مَعَ فَقِيرٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ ) إلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلٍ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ قُلْتُ : وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ مَنْ يَعْسُرُ عَلَى مُوَكِّلٍ أَخْذُ الْعِوَضِ مِنْهُ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا ( يَنْفَرِدُ ) وَكِيلٌ ( مِنْ عَدَدٍ ) بِأَنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُعْزَلُ الْأَوَّلُ فِي بَيْعٍ ، فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمْ إلَّا بِإِذْنٍ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ بِدَلِيلِ إضَافَةِ غَيْرِهِ إلَيْهِ ، فَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَتَصَرَّفْ الْآخَرُ ، وَلَمْ يَضُمَّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَمِينَا لِيَتَصَرَّفَا مَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ أَحَدُ الْوَصِيِّينَ وَإِنْ قَالَ : أَيُّكُمَا بَاعَ سِلْعَتِي فَبَيْعُهُ جَائِزٌ صَحَّ ( أَوْ ) أَيْ .
وَلَا ( يَبِيعُ ) وَكِيلٌ ( نَسِيئَةً ) إلَّا بِإِذْنٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاق يَنْصَرِفُ إلَى الْحُلُولِ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَبِيعُ بِغَيْرِ نَقْدٍ كَ ( مَنْفَعَةٍ أَوْ عَرَضٍ ) فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ كَوْنُ الثَّمَنِ مِنْ النَّقْدَيْنِ ( إلَّا بِإِذْنٍ ) مِنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ قَرِينَةٍ كَبَيْعِ حِزَمٍ وَنَحْوِهَا بِفُلُوسٍ .
( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَبِيعُ وَكِيلٌ ( بِ ) نَقْدٍ ( غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ ) بِنَقْدِ ( غَيْرِ غَالِبِهِ ) رَوَاجًا ( إنْ جَمَعَ ) الْبَلَدُ ( نُقُودًا أَوْ ) بِغَيْرِ ( الْأَصَحِّ ) مِنْ نُقُودِهِ ( إنْ تَسَاوَتْ ) رَوَاجًا ( إلَّا إنْ عَيَّنَهُ مُوَكِّلٌ ) ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْوَكَالَةِ إنَّمَا يَمْلِكُ بِهِ الْوَكِيلُ فِعْلَ الْأَحَظِّ لِمُوَكِّلِهِ ، بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ ، وَهُوَ فِي النَّسَاءِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ ، وَاسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ ، فَضَرَرُ التَّأْخِيرِ فِي التَّقَاضِي وَالتَّنْقِيضِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ

( وَإِنْ وَكَّلَ عَبْدٌ غَيْرَهُ ) فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ( وَلَوْ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ ) أَوْ قِنٍّ آخَرَ غَيْرِهِ ( مِنْ سَيِّدِهِ صَحَّ ) ذَلِكَ ( إنْ أَذِنَ ) فِيهِ سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ وَمَعَ إذْنِهِ صَارَ كَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ وَإِذَا جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ مِنْ سَيِّدِهِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سَيِّدِ غَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّوَكُّلِ ( فَلَا ) يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ ( فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ ) كَعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَإِيجَابِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ كَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَصَدَقَةٍ بِنَحْوِ رَغِيفٍ وَإِذَا اشْتَرَى الْقِنُّ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ وَقَالَ اشْتَرَيْتُ نَفْسِي لِزَيْدٍ وَصَدَّقَهُ سَيِّدُهُ وَزَيْدٌ صَحَّ وَلَزِمَ زَيْدًا الثَّمَنُ وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ : مَا اشْتَرَيْتُ نَفْسَك إلَّا لِنَفْسِك عَتَقَ لِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ بِمَا يُوجِبُهُ ، وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَحْصُلُ لِزَيْدٍ وَلَا يَدَّعِيهِ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ ، وَالظَّاهِرُ مِمَّنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ أَنَّهُ لَهُ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ ، فَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ حَلَفَ وَبَرِئَ ، وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَكَذَّبَهُ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لَهُ - فَقَوْلُ الْقِنِّ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ

فَصْلٌ وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ الْوَدِيعَةُ وَالْجَعَالَةُ وَالْمُسَابَقَةُ وَالْعَارِيَّةُ ( عُقُودٌ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا إذْنٌ وَبَذْلُ نَفْعٍ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ ( لِكُلٍّ ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( فَسْخُهَا ) أَيْ هَذِهِ الْعُقُودِ كَفَسْخِ الْإِذْنِ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ ( وَتَبْطُلُ ) هَذِهِ الْعُقُودُ ( بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ ) مُطْبَقٍ ، لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهَا لِانْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ ، لَكِنْ لَوْ وُكِّلَ وَلِيِّ يَتِيمٍ أَوْ نَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ عَقَدَ عَقْدًا جَائِزًا غَيْرَهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ

( وَ ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ بِ ( حَجْرٍ لِسَفَهٍ ) عَلَى وَكِيلٍ أَوْ مُوَكِّلٍ ( حَيْثُ اُعْتُبِرَ رُشْدٌ ) كَالتَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ فَإِنْ وُكِّلَ فِي نَحْوِ طَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِسَفَهٍ وَكَذَا لَوْ وُكِّلَ فِي نَحْوِ احْتِطَابٍ أَوْ اسْتِسْقَاءِ مَاءٍ وَنَحْوِهِ .
( وَ ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ( بِسُكْرٍ يَفْسُقُ بِهِ ) بِخِلَافِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ( فِيمَا يُنَافِيهِ ) الْفِسْقُ ( كَإِيجَابِ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِ ) كَاسْتِيفَاءِ حَدٍّ وَإِثْبَاتِهِ لِخُرُوجِهِ بِالْفِسْقِ عَنْ أَهْلِيَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ .
( وَ ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ( لِفَلَسِ مُوَكِّلٍ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ ) كَأَعْيَانِ مَالِهِ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي ضَمَانٍ أَوْ اقْتِرَاضٍ .
( وَ ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ( بِرِدَّتِهِ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ مَا دَامَ مُرْتَدًّا وَلَا تَبْطُلُ بِرِدَّةِ وَكِيلٍ إلَّا فِيمَا يُنَافِيهَا .
( وَ ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ( بِتَدْبِيرِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( أَوْ كِتَابَتِهِ قِنًّا وُكِّلَ فِي عِتْقِهِ ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فِي الْعِتْقِ ،

وَ ( لَا ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ( بِسُكْنَاهُ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( أَوْ بَيْعِهِ ) بَيْعًا ( فَاسِدًا مَا ) أَيْ شَيْئًا ( وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ ) ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا يَنْقُلُهُ .
( وَ ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ( بِوَطْئِهِ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( لَا قُبْلَتِهِ ) أَوْ مُبَاشَرَتِهِ دُونَ فَرْجٍ ( زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ فِيهَا وَاخْتِيَارُ إمْسَاكِهَا ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ رَجْعَةً فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ وَنَحْوِهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ ( وَكَذَا وَكِيلٌ فِيمَا يُنَافِيهَا ) كَارْتِدَادِ وَكِيلٍ فِي إيجَابِ نِكَاحٍ أَوْ قَبُولِهِ فَتَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِذَلِكَ .
( وَ ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ( بِدَلَالَةِ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ وَطْءٍ الْمُوَكِّلِ زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا وَكَقَبُولِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ فِي عِتْقِ عَبْدٍ مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَكَّلَهُ آخَرَ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ .
( وَ ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ( بِإِقْرَارِهِ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضِ مَا ) أَيْ شَيْءٍ ( وَكَّلَ ) الْوَكِيلُ ( فِيهِ أَيْ فِي قَبْضِهِ ) أَوْ الْخُصُومَةِ فِيهِ لِاعْتِرَافِ الْوَكِيلِ بِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ ( وَ ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ( بِتَلَفِ الْعَيْنِ ) الْمُوَكَّلِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا لِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ فِي طَلَاقِ امْرَأَته أَوْ بَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ قَبْضِ ثَمَنِ دَارِهٍ مِنْ فُلَانٍ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِطَلَاقِ الزَّوْجَةِ أَوْ عِتْقِ الْعَبْدِ أَوْ انْتِقَالِ الدَّارِ عَنْ الْمُوَكِّلِ .
( وَ ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِ ( دَفْعِ عِوَضٍ لَمْ يُؤْمَرْ ) الْوَكِيلُ ( بِهِ ) بِأَنْ أَعْطَاهُ دِينَارَيْنِ مَثَلًا ، وَقَالَ اشْتَرِ بِهَذَا ثَوْبًا وَبِهَذَا كِتَابًا فَتَلِفَ دِينَارُ الْكِتَابِ مَثَلًا وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارِ الثَّوْبِ فَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمُوَكِّلَ ثَمَنٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا رَضِيَ بِلُزُومِهِ .
( وَ ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ب (

إنْفَاقِ مَا أُمِرَ بِهِ ) أَيْ بِالشِّرَاءِ بِهِ وَنَحْوَهُ وَكَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ وَلَوْ بِخَلْطِهِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ( وَلَوْ نَوَى اقْتِرَاضَهُ كَ ) مَا تَبْطُلُ ب ( تَلَفِهِ ) لِتَعَذُّرِ دَفْعِ مَا تَأَدَّاهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَمَنًا بِمَا وُكِّلَ فِي شِرَائِهِ وَنَحْوِهِ ( وَلَوْ عُزِلَ ) الْوَكِيلُ ( عَوَّضَهُ ) أَيْ عَوَّضَ مَا أَنْفَقَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ لَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى يَقْبِضَهُ

وَ ( لَا ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ( بِتَعَدٍّ ) فَلَوْ دَفَعَ نَحْوَ ثَوْبٍ لِمَنْ يَبِيعُهُ فَتَعَدَّى بِلُبْسِهِ أَوْ رَهْنِهِ وَنَحْوِهِ - لَمْ تَبْطُلْ وَكَالَتُهُ مَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي تَصَرُّفٍ مَعَ ائْتِمَانٍ فَإِذَا زَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَزُلْ الْآخَرُ وَ ( يَضْمَنُ ) الْوَكِيلُ مَا تَعَدَّى بِهِ أَوْ فَرَّطَ ( ثُمَّ إنْ تَصَرَّفَ كَمَا أُمِرَ ) أَيْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ ( وَبَرِئَ بِقَبْضِهِ الْعِوَضَ ) فَإِذَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ .
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ " بِقَبْضِهِ الْعِوَضَ " لَيْسَ قَيْدًا فِي بَرَاءَتِهِ بَلْ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَإِذَا قُبِضَ الْعِوَضُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا ) تَبْطُلُ وَكَالَةٌ ( بِإِغْمَاءٍ ) مُوَكِّلٍ أَوْ وَكِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْوِلَايَةُ أَشْبَهَ النَّوْمَ .
( وَ ) لَا بِ ( عِتْقِ وَكِيلٍ ، أَوْ بَيْعِهِ ، أَوْ إبَاقِهِ ) أَوْ هِبَتِهِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ فَلَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَتِهَا لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الثَّانِي ( وَ ) لَا ب ( طَلَاقِ ) زَوْجَةِ ( وَكِيلِهِ ) فَلَوْ وَكَّلَ زَوْجَتَهُ فِي تَصَرُّفٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ تَبْطُلُ وَكَالَتُهَا ؛ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتِهَا .
( وَ ) لَا ب ( جُحُودِ ) وَكَالَةٍ بِأَنْ جَحَدَ مُوَكِّلٌ ، أَوْ وَكِيلٌ الْوَكَالَةَ فَلَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِذْنِ السَّابِقِ ، كَإِنْكَارِهِ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ، ثُمَّ تَقُومُ بِهِ بَيِّنَةٌ ، فَلَيْسَ طَلَاقًا

( وَيَنْعَزِلُ ) وَكِيلٌ ( بِمَوْتِ مُوَكِّلٍ وَعَزْلِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ ) أَيْ الْوَكِيلَ مَوْتُ مُوَكِّلِهِ أَوْ عَزْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَفْتَقِرُ رَفْعُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى رِضَا الْآخَرِ ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى عِلْمِهِ كَالطَّلَاقِ ، فَيَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ ( كَ ) عَزْلِ ( شَرِيكٍ ) بِمَوْتِ شَرِيكِهِ وَعَزْلِهِ .
( وَ ) عَزْلِ ( مُضَارِبٍ ) بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَعَزْلِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ وَ ( لَا ) يَنْعَزِلُ ( مُودَعٌ ) قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ الْمُودِعِ أَوْ عَزْلِهِ ، فَلَا يَضْمَنُ تَلَفَهَا عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ ، وَلَوْ نَقَلَهَا مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ ، أَوْ سَافَرَ بِهَا مَعَ غَيْبَةِ رَبِّهَا وَوَكِيلِهِ وَكَانَ السَّفَرُ أَحْفَظَ لَهَا وَنَحْوَهُ

( وَلَا يُقْبَلُ ) قَوْلُ مُوَكِّلٍ إنَّهُ عَزَلَ وَكِيلَهُ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ طَلَاقٍ وَيَأْتِي وَكَذَا شَرِيكٌ وَرَبُّ مَالِ مُضَارَبَةٍ ( بِلَا بَيِّنَةٍ ) بِالْعَزْلِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ مِنْ ضَمَانِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ادَّعَى عَزْلَهُ فِيهِ

( وَيُقْبَلُ ) قَوْلُ مُوَكِّلٍ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ ( أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ ) زَكَاتَهُ ( لِلسَّاعِي ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي أَدَائِهَا وَزَمَنِهِ وَلِأَنَّهُ انْعَزَلَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ زَكَاةَ نَفْسِهِ ( وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ ) الَّتِي دَفَعَهَا الْوَكِيلُ مِنْ السَّاعِي ( إنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ فَإِنْ فَرَّقَهَا السَّاعِي عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا أَوْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ .
( وَ ) يُقْبَلُ ( إقْرَارُ وَكِيلٍ بِعَيْبٍ فِيمَا بَاعَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ كَقَدْرِ ثَمَنِهِ ( وَإِنْ ) نَكَلَ الْوَكِيلُ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى نَفْيِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ إنْ قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ف ( رُدَّ ) عَلَيْهِ الْمَبِيعُ ( بِنُكُولِهِ رُدَّ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( عَلَى مُوَكِّلٍ ) لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ

( وَعُزِلَ ) وَكِيلٌ ( فِي ) وَكَالَةٍ ( دَوْرِيَّةٍ وَهِيَ ) قَوْلُ مُوَكِّلٍ ( وَكَّلْتُكَ وَكُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَقَدْ وَكَّلْتُكَ ) سُمِّيَتْ دَوْرِيَّةً لِدَوَرَانِهَا عَلَى الْعَزْلِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ ( بِ ) قَوْلِ مُوَكِّلِ لَهُ ( عَزَلْتُكَ وَكُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَقَدْ عَزَلْتُكَ وَهُوَ ) أَيْ الْعَزْلُ الْمَذْكُورُ ( فَسْخٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ ) وَهُوَ التَّوْكِيلُ فَكُلَّمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ ، فَلَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : وَكَّلْتُكَ فِي كَذَا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِوُجُودِ الْعَزْلِ الْمُعَلَّقِ بِوُجُودِ الْوَكَالَةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ قُلْتُ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ وَكَالَةً دَوْرِيَّةً لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِمَا سَبَقَ

( وَمَنْ قِيلَ لَهُ اشْتَرِ كَذَا بَيْنَنَا فَقَالَ ) مَقُولٌ لَهُ ذَلِكَ ( نَعَمْ ثُمَّ قَالَهَا ) أَيْ نَعَمْ ( لِآخَرَ ) قَالَ لَهُ ثَانِيًا مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ الْأَوَّلُ ( فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ ) مِنْ وَكَالَةِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ لِلثَّانِي دَلِيلُ رُجُوعِهِ عَنْ إجَابَةِ الْأَوَّلِ ( وَتَكُونُ ) الْعَيْنُ الْمُشْتَرَاةُ ( لَهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( وَلِلثَّانِي ) إذْ لَا مُفَضِّلَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَمَا بِيَدِهِ ) أَيْ الْوَكِيلِ ، وَكَذَا كُلُّ أَمِينٍ ( بَعْدَ عَزْلِهِ أَمَانَةٌ ) فَلَا يَضْمَنُ حَيْثُ لَمْ يَتَصَرَّفْ وَلَمْ يَتَعَدَّ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ وَكَذَا هِبَةٌ بِيَدِ وَلَدٍ بَعْدَ رُجُوعِ أَبِيهِ فِيهَا

فَصْلٌ : ( وَحُقُوقُ الْعَقْدِ ) كَتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَضَمَانُ الدَّرَكِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْوَكِيلِ ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَوْ لَا كَالنِّكَاحِ ( مُتَعَلِّقَةٌ بِمُوَكِّلٍ ) لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لَهُ ، وَنَصَّ أَنَّ مَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ فَفَعَلَ وَوُهِبَ لَهُ مِنْدِيلٌ ، أَيْ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ أَنَّهُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ ( فَلَا يَعْتِقُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَكِيلٍ ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ ، إذَا اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْوَكِيلِ ( وَيَنْتَقِلُ مِلْكٌ ) مِنْ بَائِعٍ ( لِمُوَكِّلٍ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَبِلَهُ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ لَهُ ، وَكَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ .
( وَيُطَالِبُ ) الْمُوَكِّلُ ( بِثَمَنِ ) مَا اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ لَهُ ( وَيَبْرَأُ مِنْهُ ) مُوَكِّلٌ ( بِإِبْرَاءِ بَائِعٍ وَكِيلًا لَمْ يَعْلَمْ ) بَائِعٌ ( أَنَّهُ وَكِيلٌ ) لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ ، وَلَا يَرْجِعُ وَكِيلُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ عَلِمَهُ بَائِعٌ وَكِيلًا فَأَبْرَأَهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ يُبْرِئُهُ مِنْهُ .
( وَ ) لِمُوَكِّلٍ أَنْ ( يَرُدَّ بِعَيْبٍ ) مَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَمَلَكَ الطَّلَبَ بِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ .
( وَيَضْمَنُ ) الْمُوَكِّلُ ( الْعُهْدَةَ ) إنْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ ، مُسْتَحَقًّا وَنَحْوَهُ ، وَإِنْ عَلِمَ مُشْتَرٍ بِالْوَكَالَةِ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى وَكِيلٍ وَإِلَّا فَلَهُ طَلَبُهُ أَيْضًا لِلتَّغْرِيرِ ( وَنَحْوَهُ ) كَمِلْكِ مُشْتَرٍ طَلَبَ بَائِعٍ بِإِقْبَاضِ مَا بَاعَهُ لَهُ وَكِيلُهُ ، لَكِنْ إنْ بَاعَ وَكِيلٌ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ، فَلِكُلٍّ مِنْ وَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ الطَّلَبُ بِهِ لِصِحَّةِ قَبْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ وَإِنْ اشْتَرَى وَكِيلٌ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ أَصْلًا ، وَفِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ تَبَعًا كَالضَّامِنِ ، وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ أُبْرِئَ الْمُوَكِّلُ بَرِئَ الْوَكِيلُ لَا عَكْسُهُ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَيَخْتَصُّ ) وَكِيلٌ ( بِخِيَارِ مَجْلِسٍ لَمْ يَحْضُرْهُ ) أَيْ مَجْلِسَ التَّبَايُعِ ( مُوَكِّلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْعَاقِدِ ، كَإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ، فَإِنْ حَضَرَهُ مُوَكِّلٌ فَالْأَمْرُ لَهُ إنْ شَاءَ حَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِيهِ أَوْ أَبْقَاهُ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ حَقِيقَةٌ

( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ وَكِيلٍ لِنَفْسِهِ ) بِأَنْ يَشْتَرِيَ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ( وَلَا ) يَصِحُّ ( شِرَاؤُهُ مِنْهَا ) أَيْ نَفْسِهِ ( لِمُوَكِّلِهِ ) بِأَنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَاشْتَرَاهُ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ ، ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ ، وَكَمَا لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ لَهُ : بِعْهُ أَوْ اشْتَرِهِ مِنْ غَيْرِكَ ، وَلِلُحُوقِ التُّهْمَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ ( إلَّا إنْ أَذِنَ ) مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ ، أَوْ شِرَائِهِ مِنْهَا .
( فَيَصِحُّ ) لِلْوَكِيلِ إذَا ( تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِيهِمَا كَأَبِ الصَّغِيرِ ) وَنَحْوِهِ ، إذَا بَاعَ مِنْ مَالِهِ لِوَلَدِهِ ، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ لَهُ ( وَ ) كَ ( تَوْكِيلِهِ ) أَيْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ( فِي بَيْعِهِ ، وَ ) تَوْكِيلِ ( آخَرَ ) لِذَلِكَ الْوَكِيلِ ( فِي شِرَائِهِ ) فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِهِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ ( نِكَاحٌ ) بِأَنْ يُوَكِّلَ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ ، أَوْ عَكْسَهُ أَوْ يُوَكِّلَا وَاحِدًا ، أَوْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَتِهِ وَنَحْوَهُ ، فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ .
( وَ ) مِثْلُهُ ( دَعْوَى ) بِأَنْ يُوَكِّلَهُ الْمُتَدَاعِيَانِ فِي الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ عَنْهَا وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي الدَّعْوَى : الَّذِي يَقَعُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ ، لَا يَصِحُّ لِلتَّضَادِّ

( وَوَلَدُهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( وَوَالِدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَنَحْوِهِمْ ) مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ ، كَزَوْجَتِهِ وَابْنِ بِنْتِهِ وَأَبِي أَمَةٍ ( كَنَفْسِهِ ) فَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ الْبَيْعُ لِأَحَدِهِمْ ، وَلَا الشِّرَاءُ مِنْهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِمْ ، وَيَمِيلُ إلَى تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَيْهِمْ فِي الثَّمَنِ ، كَتُهْمَتِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ ( وَكَذَا حَاكِمٌ وَأَمِينُهُ وَوَصِيٌّ وَنَاظِرُ وَقْفٍ وَمُضَارِبٌ ) .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَشَرِيكُ عَنَانٍ وَوُجُوهٍ ) فَلَا يَبِيعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَنَحْوَهُ ، وَلَا يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَنَحْوَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ غَيْرُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ عَيْنَ الْوَقْفِ لِوَلَدِهِ وَلَا زَوْجَتِهِ ، وَلَا تُؤَجِّرُ نَاظِرَةٌ زَوْجَهَا وَنَحْوَهُ لِلتُّهْمَةِ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ

( وَإِنْ بَاعَ وَكِيلٌ ) فِي بَيْعٍ ( أَوْ ) بَاعَ ( مُضَارِبٌ بِزَائِدٍ عَلَى ) ثَمَنٍ ( مُقَدَّرٍ ) أَيْ قَدَّرَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ صَحَّ ( أَوْ ) بَاعَا بِزَائِدٍ عَلَى ( ثَمَنِ مِثْلٍ ) إنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُمَا ثَمَنًا ( وَلَوْ ) كَانَ الزَّائِدُ ( مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا أُمِرَا بِهِ ) أَيْ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ بِالْبَيْعِ بِهِ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ لِوُقُوعِهِ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ ، وَزِيَادَةٌ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ ، وَلِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِمِائَةٍ لَا يَكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا ثَوْبٌ أَوْ نَحْوُهُ ، وَإِنْ قَالَ : بِعْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، أَوْ بِتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَنَحْوَهُ ، أَوْ بِمِائَةِ ثَوْبٍ ، أَوْ بِثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَعِشْرِينَ ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي لِلْمُخَالَفَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ فِيمَا إذَا جَعَلَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ أَوْ مَكَانَ بَعْضِهَا دَنَانِيرَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ مَكَانَهُ دِينَارًا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي .
( وَكَذَا ) يَصِحُّ الْبَيْعُ ( إنْ بَاعَا ) أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ ( بِأَنْقَصَ ) عَنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ ( مِثْلٍ ، أَوْ اشْتَرَيَا بِأَزْيَدَ ) عَنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلٍ نَصًّا لِأَنَّ مَنْ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِثَمَنٍ صَحَّ بِأَنْقَصَ مِنْهُ وَأَزِيدَ كَالْمَرِيضِ ( وَيَضْمَنَانِ ) أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ ( فِي شِرَاءٍ ) بِأَزْيَدَ مِنْ مُقَدَّرٍ أَوْ ثَمَنِ مِثْلٍ ( الزَّائِدَ ) عَنْهُمَا .
( وَ ) يَضْمَنَانِ ( فِي بَيْعٍ ) بِأَنْقَصَ عَنْ مُقَدَّرٍ ( كُلَّ النَّقْصِ عَنْ مُقَدَّرٍ ) وَيَضْمَنَانِ فِي بَيْعٍ إنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُمَا ثَمَنُ كُلٍّ ( مَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً ) كَعِشْرِينَ مِنْ مِائَةٍ بِخِلَافِ مَا يُتَغَابَنُ بِهِ كَالدِّرْهَمِ مِنْ عَشَرَةٍ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَحَيْثُ نَقَصَ مَا لَا يُتَغَابَنُ بِهِ ضَمِنَا جَمِيعَ مَا نَقَصَ ( عَنْ ثَمَنِ مِثْلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيطٌ بِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ وَطَلَبِ الْحَظِّ لِإِذْنِهِ وَفِي بَقَاءِ الْعَقْدِ وَتَضْمِينِ الْمُفَرِّطِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصَالِحِ

وَكَذَا شَرِيكٌ وَوَصِيٌّ وَنَاظِرُ وَقْفٍ وَبَيْتُ مَالٍ وَنَحْوِهِمْ

( وَلَا يَضْمَنُ قِنٌّ ) أَذِنَهُ سَيِّدُهُ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَبَاعَ مَا نَقَصَ أَوْ اشْتَرَى بِأَزْيَدَ ( لِسَيِّدِهِ ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ سَيِّدِهِ ( وَلَا ) يَضْمَنُ ( صَغِيرٌ ) أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ بِأَنْقَصَ أَوْ اشْتَرَى بِأَزْيَدَ ( لِنَفْسِهِ ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ

( وَإِنْ زِيدَ ) فِي ثَمَنِ سِلْعَةٍ يُرِيدُ الْوَكِيلُ أَوْ الْمُضَارِبُ بَيْعَهَا ( عَلَى ثَمَنِ مِثْلٍ قَبْلَ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ ) لِوَكِيلٍ وَلَا لِمُضَارِبٍ بَيْعُهَا ( بِهِ ) أَيْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ طَلَبَ الْأَحَظِّ لِإِذْنِهِ ، وَبَيْعُهَا كَذَلِكَ مَعَ مَنْ يَزِيدُ يُنَافِيهِ .
( وَ ) إنْ زِيدَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ ( فِي مُدَّة خِيَارِ مَجْلِسٍ ) أَوْ شَرْطٍ ( لَمْ يَلْزَمْ ) وَكِيلًا وَلَا مُضَارِبًا ( فَسْخُ ) بَيْعٍ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذَنْ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا وَقَدْ لَا يَثْبُتُ الْمُزَايِدُ عَلَيْهَا .
( وَ ) مَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعِ نَحْوِ ثَوْبٍ ( بِعْهُ بِدِرْهَمٍ فَبَاعَ بِهِ ) أَيْ الدِّرْهَمِ ( وَبِعَرَضٍ ) كَفَلَسٍ أَوْ كِتَابٍ صَحَّ ( أَوْ ) بَاعَهُ ( بِدِينَارٍ صَحَّ ) الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى بَاعَ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ حَقِيقَةً وَزِيَادَةً تَنْفَعُ الْمُوَكِّلَ وَلَا تَضُرُّهُ وَفِي الثَّانِيَةِ بَاعَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ عُرْفًا ، فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ مَكَانَهُ بِدِينَارٍ ( وَكَذَا ) لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ : بِعْ هَذَا ( بِأَلْفٍ نَسَاءً فَبَاعَ بِهِ ) أَيْ الْأَلْفِ ( حَالًّا ) فَيَصِحُّ ( وَلَوْ مَعَ ضَرَرٍ ) يَلْحَقُ الْمُوَكِّلَ بِحِفْظِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا ( مَا لَمْ يَنْهَهُ ) عَنْ الْبَيْعِ حَالًّا فَإِنْ نَهَاهُ لَمْ يَصِحَّ لِلْمُخَالَفَةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ خَالَفَ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ فِيهِ فَكَتَصَرُّفِ فُضُولِيٍّ

( وَ ) إنْ قَالَ مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ فِي بَيْعِ شَيْءٍ ( بِعْهُ فَبَاعَ بَعْضَهُ بِدُونِ ثَمَنِ كُلِّهِ لَمْ يَصِحَّ ) الْبَيْعُ لِضَرَرِ الْمُوَكِّلِ بِتَبْعِيضِهِ ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ بِثَمَنِ كُلِّهِ صَحَّ لِلْإِذْنِ فِيهِ عُرْفًا ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِالْمِائَةِ مَثَلًا بِثَمَنِ الْكُلِّ رَضِيَهَا عَنْ الْبَعْضِ ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْمِائَةُ وَأَبْقَى لَهُ زِيَادَةً تَنْفَعُهُ وَلَا تَضُرُّهُ وَلَهُ بَيْعُ بَاقِيهِ بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ صَفْقَةً بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ ( مَا لَمْ يَبِعْ ) الْوَكِيلُ ( بَاقِيه ) فَيَصِحُّ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِتَشْقِيصِهِ ( أَوْ يَكُنْ ) مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ ( عَبِيدًا أَوْ صُبْرَةً وَنَحْوهَا ) مِمَّا لَا يَنْقُصُهُ تَفْرِيقٌ ( فَيَصِحُّ ) لِاقْتِضَاءِ الْعَرَبِ ذَلِكَ وَعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي الْإِفْرَادِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا تَشْقِيصَ ( مَا لَمْ يَقُلْ ) مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ بِعْ هَذَا ( صَفْقَةً ) لِدَلَالَةِ تَنْصِيصِهِ عَلَيْهِ عَلَى غَرَضٍ فِيهِ ( كَشِرَاءٍ ) فَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَشَرَةَ عَبِيدٍ أَوْ عَشَرَةَ أَرْطَالِ غَزْلٍ أَوْ عَشَرَةَ أَمْدَادِ بُرٍّ صَحَّ شِرَاؤُهَا صَفْقَةً وَشِرَاؤُهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مَا لَمْ يَقُلْ صَفْقَةً .
وَإِنْ قَالَ : اشْتَرِ لِي عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْ وَكِيلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ مُفْرَدٌ فَأَوْجَبَا لَهُ الْبَيْعَ فِيهِمَا وَقَبِلَهُ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ .
وَفِي الْمُغْنِي : يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ هُوَ الشِّرَاءُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ ، وَالْغَرَضُ لَا يَخْتَلِفُ .
( وَ ) إنْ قَالَ مُوَكِّلٌ لِوَكِيلِهِ ( بِعْهُ بِأَلْفٍ فِي سُوقِ كَذَا فَبَاعَهُ بِهِ ) أَيْ الْأَلْفِ ( فِي ) سُوقٍ ( آخَرُ صَحَّ ) الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بَيْعُهُ بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ وَتَنْصِيصُهُ عَلَى أَحَدِ السُّوقَيْنِ مَعَ

اسْتِوَائِهِمَا فِي الْغَرَضِ إذْنٌ فِي الْآخَرِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ إذْنٌ فِي زِرَاعَةِ مِثْلِهِ ( مَا لَمْ يَنْهَهُ ) الْمُوَكِّلُ عَنْ الْبَيْعِ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ لِلْمُخَالَفَةِ ( أَوْ ) مَا لَمْ ( يَكُنْ لَهُ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( فِيهِ ) أَيْ السُّوقِ الَّذِي عَيَّنَهُ ( غَرَضٌ صَحِيحٌ ) مِنْ حِلِّ نَقْدِهِ أَوْ صَلَاحِ أَهْلِهِ أَوْ مَوَدَّةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ لِتَفْوِيتِ غَرَضِهِ عَلَيْهِ

( وَ ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ ( اشْتَرِهِ بِكَذَا ) أَيْ ثَمَنٍ قَدَّرَهُ لَهُ ( فَاشْتَرَاهُ ) الْوَكِيلُ ( بِهِ ) أَيْ الثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ لَهُ ( مُؤَجَّلًا ) صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا وَلَوْ تَضَرَّرَ مَا لَمْ يَنْهَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ : اشْتَرِ لِي ( شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ تُسَاوِيهِ ) أَيْ الدِّينَارَ ( إحْدَاهُمَا ) صَحَّ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ لِلْمُوَكِّلِ مَا أَذِنَ فِيهِ وَزِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِهِ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ فَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ إحْدَى الشَّاتَيْنِ وَجَاءَهُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ تُسَاوِي دِينَارًا جَازَ نَصًّا لِلْخَبَرِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَزِيَادَةٍ .
( أَوْ ) قَالَ لَهُ : اشْتَرِ شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى ( شَاةً تُسَاوِيهِ بِأَقَلَّ ) مِنْ دِينَارٍ ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ شَاةً بِدِينَارٍ رَضِيَ بِهِ بِأَقَلَّ مِنْهُ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ إحْدَى الشَّاتَيْنِ تُسَاوِيهِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الشَّاةُ فِي الثَّلَاثَةِ ( فَلَا ) يَصِحُّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا

( وَ ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ( اشْتَرِ عَبْدًا لَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ اثْنَيْنِ مَعًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْهُ فِي ذَلِكَ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي مَا عَيَّنَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَوْ اشْتَرَاهُمَا وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ ( وَيَصِحُّ شِرَاءُ وَاحِدٍ مِمَّنْ ) أَيْ مِنْ عَبْدَيْنِ ( أُمِرَ بِشِرَائِهِمَا ) إذَا لَمْ يَقُلْ صَفْقَةً عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ

( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( شِرَاءُ مَعِيبٍ ) مَعَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ ؛ وَلِذَلِكَ جَازَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَإِذَا عَلِمَ ) بِعَيْبِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الشِّرَاءَ لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْبِ ( مَا لَمْ يَرْضَهُ مُوَكِّلُهُ ) بِعَيْبِهِ فَإِنْ رَضِيَهُ فَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْعَقْدَ لَهُ ( وَإِنْ جَهِلَ ) وَكِيلٌ عَيْبَهُ حَالَ عَقْدٍ صَحَّ وَكَانَ كَشِرَاءِ مُوَكِّلٍ بِنَفْسِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ رَضِيَهُ مُوَكِّلٌ مَعِيبًا فَلَيْسَ لِوَكِيلٍ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ سَخِطَهُ أَوْ كَانَ غَائِبًا ( فَلَهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( رَدُّهُ ) عَلَى بَائِعِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ ، وَكَذَا خِيَارُ غَبْنٍ أَوْ تَدْلِيسٍ .
وَإِذَا ادَّعَى بَائِعٌ رِضَا مُوَكِّلِهِ ) بِالْعَيْبِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمُوَكِّلُ ( غَائِبٌ حَلَفَ ) وَكِيلٌ ( أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ) رِضَا مُوَكِّلِهِ ( و رَدَّهُ ) لِلْعَيْبِ ( ثُمَّ إنْ حَضَرَ ) مُوَكِّلٌ ( فَصَدَّقَ بَائِعًا ) عَلَى رِضَاهُ بِعَيْبِهِ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ( لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ ) لِانْعِزَالِ الْوَكِيلِ مِنْ الرَّدِّ بِرِضَا مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَعِيبُ ( بَاقٍ لِمُوَكِّلٍ ) فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى الرِّضَا مِنْ قِبَلِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ بَائِعٌ رِضَا مُوَكِّلٍ وَقَالَ لَهُ تَوَقَّفْ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ فَرُبَّمَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ هَرَبِ الْبَائِعِ أَوْ فَوَاتِ الثَّمَنِ بِتَلَفِهِ وَإِنْ طَاوَعَهُ لَمْ يَسْقُطْ رَدُّ مُوَكِّلٍ ( وَإِنْ أَسْقَطَ وَكِيلٌ ) اشْتَرَى مَعِيبًا ( خِيَارَهُ وَلَمْ يَرْضَ مُوَكِّلُهُ ) بِالْعَيْبِ ( فَلَهُ رَدُّهُ ) لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ ( وَإِنْ أَنْكَرَ بَائِعٌ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِمُوَكِّلٍ ) وَلَا بَيِّنَةَ ( حَلَفَ ) بَائِعٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهُ ( وَلَزِمَ ) الْبَيْعُ ( الْوَكِيلَ ) لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ وَالظَّاهِرُ صُدُورُ الْعَقْدِ لِمَنْ بَاشَرَهُ فَيَغْرَمُ الثَّمَنَ وَإِنْ صَدَّقَ بَائِعٌ أَنَّ الشِّرَاءَ

لِمُوَكِّلِهِ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ وَجَدَ مِنْ الْوَكِيلِ مَا يُسْقِطُهُ

( وَلَا يَرُدُّ ) وَكِيلٌ ( مَا عَيَّنَهُ لَهُ مُوَكِّلٌ ) كَ اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ فَاشْتَرَاهُ ( بِعَيْبٍ وَجَدَهُ ) فِيهِ ( قَبْلَ إعْلَامِهِ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ لِقَطْعِهِ نَظَرَ وَكِيلِهِ بِتَعْيِينِهِ فَرُبَّمَا رَضِيَهُ عَلَى جَمِيع أَحْوَالِهِ فَإِنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ عَيْبَ مَا عُيِّنَ لَهُ قَبْلَ شِرَائِهِ فَلَهُ شِرَاؤُهُ لِمَا تَقَدَّمَ

( وَ ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ( اشْتَرِ ) لِي كَذَا ( بِعَيْنِ هَذَا ) الدِّينَارِ مَثَلًا ( فَاشْتَرَى ) لَهُ ( فِي ذِمَّتِهِ ) ثُمَّ نَقَدَهُ مَا عَيَّنَ لَهُ أَوْ غَيْرَهُ ( لَمْ يَلْزَمْ ) الشِّرَاءُ ( مُوَكِّلًا ) لِمُخَالَفَةِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ أَوْ كَوْنِهِ مَغْصُوبًا وَلَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ وَهَلْ يُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ( وَعَكْسُهُ ) كَأَنْ يَقُولَ : اشْتَرِ فِي ذِمَّتِكَ وَانْقُدْ هَذَا ثَمَنًا عَنْهُ فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ ( يَصِحُّ ) الشِّرَاءُ لِمُوَكِّلِ ( وَيَلْزَمُهُ ) لِإِذْنِهِ فِي عَقْدٍ يَلْزَمُ بِهِ الثَّمَنُ مَعَ بَقَائِهِ وَتَلَفِهِ ، فَيَكُونُ إذْنًا فِي عَقْدٍ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ فِيهِ إلَّا مَعَ بَقَائِهِ

( وَإِنْ أَطْلَقَ ) الْمُوَكِّلُ فَقَالَ اشْتَرِ لِي كَذَا بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي الذِّمَّةِ ( جَازَا ) أَيْ الشِّرَاءُ بِالْعَيْنِ وَفِي الذِّمَّةِ لِتَنَاوُلِ الْإِطْلَاقِ لَهُمَا

( وَ ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ( بِعْهُ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ ) الْوَكِيلُ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ زَيْدٍ ( لَمْ يَصِحَّ ) الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ فِي تَمْلِيكِهِ لِزَيْدٍ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ زَيْدٍ ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ

( وَمَنْ وُكِّلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( فِي بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ ) أَيْ الْمَبِيعِ لِمُشْتَرِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْبَيْعِ وَ ( لَا ) يَمْلِكُ الْوَكِيلُ ( قَبْضَ ثَمَنِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كَأَمْرِهِ بِبَيْعِهِ فِي مَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ الْمُوَكِّلُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُ فِي الْبَيْعِ مَنْ لَا يَأْمَنُهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَكَذَا الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَهْرِ وَفِيهِ وَجْهٌ يَمْلِكُ مُطْلَقًا ، وَوَجْهٌ يَمْلِكُهُ مَعَ الْقَرِينَةِ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ لَكِنْ قَالَ عَنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِنْصَافِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) قَبْضُ الثَّمَنِ عَلَى مُوَكِّلٍ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ الْوَكِيلُ كَظُهُورِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا وَ ( كَحَاكِمٍ وَأَمِينِهِ ) يَبِيعَانِ شَيْئًا لِغَائِبٍ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَيَتَعَذَّرُ قَبْضُ ثَمَنِهِ لِهَرَبِ مُشْتَرٍ وَنَحْوِهِ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ مَا لَمْ يُفْضِ ) تَرْكُ قَبْضِ ثَمَنِ مَبِيعٍ ( إلَى رِبًا فَإِنْ أَفْضَى ) إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ كَأَمْرِهِ بِبَيْعِ قَفِيزِ بُرٍّ بِمِثْلِهِ أَوْ بِشَعِيرٍ فَبَاعَهُ بِهِ ( وَلَمْ يَحْضُرْ مُوَكِّلُهُ ) الْمَجْلِسَ ( مَلَكَ ) الْوَكِيلُ ( قَبْضَهُ ) لِلْإِذْنِ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا إذْ لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِهِ ( وَكَذَا الشِّرَاءُ ) فَالْوَكِيلُ فِيهِ يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ وَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ أَخَّرَ ) وَكِيلٌ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ ( تَسْلِيمَ ثَمَنِهِ بِلَا عُذْرٍ ) فِي تَأْخِيرِهِ فَتَلِفَ ( ضَمِنَهُ ) لِتَفْرِيطِهِ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ نَحْوُ امْتِنَاعِ بَائِعٍ مِنْ قَبْضِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصًّا

( وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي بَيْعٍ تَقْلِيبُهُ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( عَلَى مُشْتَرٍ إلَّا بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ جَازَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى رِضَاهُ بِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيُقَلِّبهُ بِحَيْثُ يَغِيبُ بِهِ عَنْ الْوَكِيلِ كَأَخْذِهِ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ ( ضَمِنَ ) الْوَكِيلُ لِتَعَدِّيهِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ .
وَفِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ ( وَلَا ) لِوَكِيلٍ فِي بَيْعِ شَيْءٍ ( بَيْعُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ ) لِعَدَمِ تَعَارُفِهِ فَلَا يَقْضِيهِ الْإِطْلَاقُ ( فَيَضْمَنُ ) تَلَفَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ لِتَعَدِّيهِ ( وَيَصِحُّ ) بَيْعُهُ لَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ الْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ بِتَعَدِّيهِ ( وَمَعَ مُؤْنَةِ نَقْلٍ ) لِمَبِيعٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ التَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ إلَّا مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ بَحْثًا

( وَمَنْ أُمِرَ بِدَفْعِ شَيْءٍ ) كَثَوْبٍ أَمَرَهُ مَالِكُهُ بِدَفْعِهِ ( إلَى ) نَحْوِ قَصَّارٍ أَوْ صَبَّاغٍ ( مُعَيَّنٍ لِيَصْنَعَهُ فَدَفَعَ ) الْمَأْمُورُ الشَّيْءَ إلَى مَنْ أُمِرَ بِدَفْعِهِ لَهُ ( وَنَسِيَهُ ) فَضَاعَ ( لَمْ يَضْمَنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ ، وَلَمْ يُفَرِّطْ بَلْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ( وَإِنْ أَطْلَقَ مَالِكٌ ) بِأَنَّ قَالَ مَثَلًا : ادْفَعْهُ إلَى مَنْ يُقَصِّرُهُ أَوْ يَصْبُغُهُ ( فَدَفَعَهُ ) الْوَكِيلُ ( إلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ ) كَمَا لَوْ نَاوَلَهُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ ( وَلَا اسْمَهُ وَلَا دُكَّانَهُ ) بِأَنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ دُكَّانٍ ، وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ اسْمِهِ فَضَاعَ ( ضَمِنَ ) لِتَفْرِيطِهِ وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ

( وَمَنْ وُكِّلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( فِي قَبْضِ دِرْهَمٍ ) فَأَكْثَرَ ( أَوْ ) قَبْضِ ( دِينَارٍ ) فَأَكْثَرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرُ ( لَمْ يُصَارَفْ ) الْمَدِينُ بِأَنْ يَقْبِضَ عَنْ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ ، أَوْ عَنْ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُصَارَفَتِهِ ، وَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَاعِثِ إنْ تَلِفَ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الرَّسُولِ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ وَكِيلٌ لِلْبَاعِثِ فِي تَأْدِيَتِهِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ إلَّا إنْ أَخْبَرَ الرَّسُولُ الْمَدِينَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الرَّسُولِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ

( وَإِنْ أَخَذَ ) وَكِيلٌ فِي قَبْضِ دَيْنٍ ( رَهْنًا أَسَاءَ ) بِأَخْذِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ ( وَلَمْ يَضْمَنْهُ ) أَيْ الرَّهْنَ وَكِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ فَاسِدٌ ، وَفَاسِدُ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ

( وَمَنْ وَكَّلَ ) غَيْرَهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْوَكِيلُ ( مُودَعًا فِي قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ وَلَمْ يَشْهَدْ ) الْوَكِيلُ بِالْقَضَاءِ ( وَأَنْكَرَ غَرِيمٌ ) أَيْ رَبُّ دَيْنٍ الْقَضَاءَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَكِيلٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ وَكَمَا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُوَكِّلُ وَ ( ضَمِنَ ) وَكِيلٌ لِمُوَكِّلِهِ مَا أَنْكَرَهُ رَبُّ الدَّيْنِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ وَلِهَذَا إنَّمَا يَضْمَنُ ( مَا لَيْسَ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ ) .
فَإِنْ حَضَرَ مَعَ تَرْكِ الْإِشْهَادِ فَقَدْ رَضِيَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَقَوْلِهِ : اقْضِهِ وَلَا تَشْهَدْ بِخِلَافِ حَالِ غَيْبَتِهِ لَا يُقَالُ هُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ فَلَا يَكُونُ مُفَرِّطًا بِتَرْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَضَاءٍ مُبْرِئٍ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلِهَذَا يَضْمَنُ وَلَوْ صَدَّقَهُ مُوَكِّلٌ وَكَذَّبَ رَبَّ الدَّيْنِ ( بِخِلَافِ ) تَوْكِيلٍ فِي ( إيدَاعٍ ) فَلَا يَضْمَنُ وَكِيلٌ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوَدِيعِ إذَا أَنْكَرَ لِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الِاسْتِيثَاقِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَدِيعُ دَفْعَ الْوَكِيلِ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ فَقَوْلُ وَكِيلٍ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي تَصَرُّفِهِ وَفِيمَا وُكِّلَ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ

( وَإِنْ قَالَ ) وَكِيلٌ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ ( أَشْهَدْتُ ) عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بِالْقَضَاءِ شُهُودًا ( فَمَاتُوا ) وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ ( أَذِنْتَ لِي فِيهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ بِلَا مُوَكِّلٌ ( أَوْ ) قَالَ : لَهُ ( قَضَيْت بِحَضْرَتِكَ ) فَقَالَ : بَلْ بِغَيْبَتِي ( حَلَفَ مُوَكِّلٌ ) ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْوَكِيلِ وَقَضَى لَهُ بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ .
( وَمَنْ وُكِّلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( فِي قَبْضِ ) دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ( كَانَ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ ) سَوَاءٌ عَلِمَ رَبُّ الْحَقِّ بِبَذْلِ الْغَرِيمِ مَا عَلَيْهِ أَوْ جَحْدِهِ أَوْ مَطْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَبْضِ إلَّا بِالْإِثْبَاتِ فَالْإِذْنُ فِيهِ إذْنٌ فِيهِ عُرْفًا قُلْتُ : وَمِثْلُهُ مَنْ وُكِّلَ فِي قَسْمِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَبِ شُفْعَةٍ فَيَمْلِكُ بِذَلِكَ تَثْبِيتَ مَا وُكِّلَ فِيهِ ؛ ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِيهِ فِي الْمُغْنِي رِوَايَتَيْنِ ( لَا عَكْسِهِ ) فَالْوَكِيلُ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا وَقَدْ يَرْضَى لِلْخُصُومَةِ مَنْ لَا يَرْضَاهُ لِلْقَبْضِ وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ فِي خُصُومَةٍ إقْرَارٌ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا نَصًّا كَإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِقَوَدٍ وَقَذْفٍ وَكَالْوَلِيِّ .

( وَيُحْتَمَلُ فِي ) قَوْلِ إنْسَانٍ لِآخَرَ ( أَجِبْ خَصْمِي عَنِّي كَخُصُومَةٍ ) أَيْ : أَنْ يَكُونَ كَتَوْكِيلِهِ فِي خُصُومَةٍ .
( وَ ) يُحْتَمَلُ ( بُطْلَانُهَا ) أَيْ : الْوَكَالَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ : الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَرَائِنِ ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ كَانَ ، وَإِلَّا فَهِيَ إلَى الْخُصُومَةِ أَقْرَبُ انْتَهَى .
وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ عَلِمَ ظُلْمَ مُوَكِّلِهِ فِي الْخُصُومَةِ قَالَ فِي الْفُنُونِ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ أَوْ نَفْيِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُغْنِي فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمُنْكِرِ .

( وَ ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ ( اقْبِضْ حَقِّي الْيَوْمَ ) أَوْ يَوْمَ كَذَا وَنَحْوِهِ ( لَمْ يَمْلِكْهُ ) أَيْ : فِعْلَ مَا وُكِّلَ فِيهِ الْيَوْمَ ( غَدًا ) ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَقَضَاءُ الْعِبَادَاتِ ؛ لِاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِهَا .
( وَ ) إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ : اقْبِضْ حَقِّي ( مِنْ فُلَانٍ مَلَكَهُ ) أَيْ : قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ فُلَانٍ وَ ( مِنْ وَكِيلِهِ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فَيَجْرِي مَجْرَى إقْبَاضِهِ وَ ( لَا ) يَمْلِكُ قَبْضَهُ ( مِنْ وَارِثِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَالطَّلَبُ عَلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ ( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ اقْبِضْ حَقِّي ( الَّذِي قِبَلَهُ ) أَيْ : فُلَانٍ أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ ( مَلَكَهُ ) أَيْ : قَبْضَهُ مِنْهُ وَمِنْ وَكِيلِهِ وَ ( مِنْ وَارِثِهِ ) ؛ لِاقْتِضَاءِ الْوَكَالَةِ قَبْضَهُ مُطْلَقًا فَشَمَلَ الْقَبْضَ مِنْ وَارِثِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ

فَصْلٌ وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ فِي الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ ، فَالْهَلَاكُ فِي يَدِهِ كَالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ وَالْوَصِيِّ وَنَحْوِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِجُعْلٍ فَإِنْ فَرَّطَ أَوْ تَعَدَّى ضَمِنَ ( وَيُصَدَّقُ ) وَكِيلٌ ( بِيَمِينِهِ فِي ) دَعْوَى ( تَلَفِ ) عَيْنٍ أَوْ ثَمَنِهَا إذَا قَبَضَهُ ، وَقَالَ مُوَكِّلُهُ : لَمْ يَتْلَفْ كَالْوَدِيعِ ( وَ ) يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي ( نَفْيِ تَفْرِيطٍ ) ادَّعَاهُ مُوَكِّلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْأَمَانَاتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا .

( وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ ( فِي كُلِّ مَا وُكِّلَ فِيهِ ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهَا ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ ( نِكَاحًا ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ كَوَلِيِّ الْمُجْبَرَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ إنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ مُشْتَرٍ وَتَلِفَ بِيَدِهِ وَفِي قَدْرِ ثَمَنٍ وَنَحْوه لَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يُشْبِهُ مِنْ قَلِيلِ ثَمَنٍ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بِهِ أَوْ كَثِيرَهُ إنَّ اشْتَرَى ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَإِذَا وَكَّلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَعَقَدَ الْوَكِيلَانِ وَاتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ وَاخْتَلَفَ الْمُوَكِّلَانِ فِيهِ فَقَالَ الْقَاضِي : يَتَحَالَفَانِ أَيْ : الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَصَحَّحَ الْمَجْدُ لَا تَحَالُفَ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلَيْنِ .

( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ ( فِي رَدِّ عَيْنٍ أَوْ ) فِي رَدِّ ( ثَمَنِهَا ) بَعْدَ بَيْعِهَا ( فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُ وَكِيلٍ ) مُتَبَرِّعٍ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ مَالِكِهَا لَا غَيْرَ كَالْمُودِعِ ( لَا ) وَكِيلٍ ( بِجُعْلٍ ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ؛ لِأَنَّ فِي قَبْضِهِ نَفْعًا لِنَفْسِهِ أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ وَإِنْ طُلِبَ ثَمَنٌ مِنْ وَكِيلٍ فَقَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ بَعْدُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ أُلْزِمَ بِهِ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي رَدٍّ وَلَا تَلَفٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَائِنًا بِجَحْدِهِ قَالَهُ الْمَجْدُ .

( وَلَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلٍ فِي رَدٍّ ( إلَى وَرَثَةِ مُوَكِّلٍ ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ ( أَوْ ) رَدٍّ ( إلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ ) أَيْ : الْمُوَكِّلِ كَأَنْ أَذِنَهُ فِي دَفْعِ دِينَارٍ لِزَيْدٍ قَرْضًا فَقَالَ الْوَكِيلُ : دَفَعْتُهُ فَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً ضَمِنَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَإِطْلَاقُهُمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي صَرْفِهِ فِي وُجُوهٍ عُيِّنَتْ لَهُ مِنْ أُجْرَتِهِ لَزِمَتْهُ وَذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ انْتَهَى .
وَصَحَّحَ فِي الْقَوَاعِدِ قَبُولَ قَوْلِ وَكِيلٍ وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ .

( وَلَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ ( وَرَثَةِ وَكِيلٍ فِي دَفْعٍ لِمُوَكِّلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ ( وَلَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ ( أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ ) كَصَبَّاغٍ وَصَائِغٍ وَخَيَّاطٍ فِي رَدِّ الْعَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ أَجِيرٍ خَاصٍّ وَأَطْلَقَ فِي الْإِقْنَاعِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَجِيرٍ فِي الرَّدِّ ( وَ ) لَا قَوْلُ ( مُسْتَأْجِرِ ) نَحْوُ دَابَّةٍ فِي رَدِّهَا وَ لَا مُضَارِبٍ وَمُرْتَهِنٍ وَكُلُّ مَنْ قَبَضَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ .

( وَدَعْوَى الْكُلِّ ) أَيْ : الْوَكِيلِ وَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ أَوْ بِرَدٍّ ( تَلَفًا بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ ) كَحَرِيقٍ وَنَهْبٍ وَنَحْوِهِمَا ( لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْحَادِثِ ) الظَّاهِرِ ؛ لِعَدَمِ خَفَائِهِ فَلَا تَتَعَذَّرُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ ) أَيْ : مُدَّعِي التَّلَفِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ( فِيهِ ) أَيْ : فِي أَنَّ الْعَيْنَ تَلِفَتْ بِهِ بِيَمِينِهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَلَفِهَا بِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ .

( وَ ) إنْ قَالَ وَكِيلٌ لِمُوَكِّلِهِ ( أَذِنْتَ لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً ) وَأَنْكَرَهُ فَقَوْلُ وَكِيلٍ ( أَوْ ) قَالَ وَكِيلٌ أَذِنْتَ لِي فِي الْبَيْعِ ( بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) أَوْ بِعَرَضٍ وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ فَقَوْلُ وَكِيلٍ ( أَوْ اخْتَلَفَا ) أَيْ : الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ ( فِي صِفَةِ الْإِذْنِ ) بِأَنْ قَالَ : وَكَّلْتَنِي فِي شِرَائِهِ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ : بَلْ بِخَمْسَةٍ أَوْ وَكَّلْتَنِي فِي شِرَاءِ عَبْدٍ قَالَ : بَلْ أَمَةٍ أَوْ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ زَيْدٍ قَالَ : بَلْ مِنْ عَمْرٍو أَوْ قَالَ : مُوَكِّلٌ : أَمَرْتُكَ بِبَيْعِهِ نَسِيئَةً بِرَهْنٍ أَوْ ضَامِنٍ وَأَنْكَرَهُ وَكِيلٌ وَلَا بَيِّنَةَ ( ف ) الْقَوْلُ ( قَوْلُ وَكِيلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ( كَمُضَارَبٍ ) اخْتَلَفَ مَعَ رَبِّ الْمَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَخَيَّاطٍ إذَا قَالَ : أَذَنْتَنِي فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً ، وَقَالَ رَبُّهُ : بَلْ قَمِيصًا وَنَحْوَهُ وَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ وَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ : أَمَرْتَنِي فَقَالَ : بَلْ أَمَرْتُكَ بِرَهْنِهَا صُدِّقَ رَبُّهَا فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ فَقَوْلُ مُنْكِرٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَكَالَةِ .

( وَ ) إنْ قَالَ : لِآخَرَ ( وَكَّلْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لَك فُلَانَةَ ) عَلَى كَذَا ( فَفَعَلْت ) أَيْ : تَزَوَّجْتُهَا لَك ( وَصَدَّقَتْ ) فُلَانَةُ ( الْوَكِيلَ ) أَيْ : مُدَّعِي الْوَكَالَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ ( وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلٌ ) بِحَسَبِ دَعْوَاهُمَا الْوَكَالَةَ ( فَقَوْلُهُ ) أَيْ : الْمُنْكِرِ لِمَا تَقَدَّمَ ( بِلَا يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي عَقْدًا لِغَيْرِهِ ( ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا ) الْمُوَكِّلُ أُقِرَّ الْعَقْدُ .
( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا ( لَزِمَهُ تَطْلِيقُهَا ) ؛ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي إنْكَارِهِ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ، وَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ قَبْلَ طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَرِفَةٌ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَتُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهَا وَإِنْكَارُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ( وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلًا شَيْءٌ ) لِلْمَرْأَةِ مِنْ مَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ لَكِنْ إنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْمَهْرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ ، وَمُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ تَزَوَّجَ لَهُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ لَمْ تَرِثْهُ الْمَرْأَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَدَّقَ عَلَى الْوَكَالَةِ أَوْ وَرَثَتُهُ إلَّا إنْ قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ .

( وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِلَا جُعْلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَ أُنَيْسًا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ وَعُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ فِي الشِّرَاءِ بِلَا جُعْلٍ .
( وَ ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ ( بِ ) جُعْلٍ ( مَعْلُومٍ ) كَدِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ صِفَتُهُ كَذَا ( أَيَّامًا مَعْلُومَةً ) بِأَنْ يُوَكِّلَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ ( أَوْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْأَلْفِ ) مَثَلًا ( شَيْئًا مَعْلُومًا ) كَعَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَيُعْطِيهِمْ عَلَيْهَا ؛ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ لِلْغَيْرِ لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ فَجَازَ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ كَرَدِّ الْآبِقِ و ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ ( مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ كَذَا لَمْ يَصِفْهُ ) أَيْ : الثَّوْبَ ( وَلَمْ يُقَدِّرْ ثَمَنَهُ ) ؛ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى لَهُ جُعْلًا مَجْهُولًا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِعُمُومِ الْإِذْنِ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ .
( وَإِنْ عَيَّنَ الثِّيَابَ الْمُعَيَّنَةَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ ) شَخْصٍ ( مُعَيَّنٍ ) بِأَنْ قَالَ : كُلُّ ثَوْبٍ بِعْتُهُ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ لِزَيْدٍ فَلَكَ عَلَى بَيْعِهِ كَذَا أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ اشْتَرَيْته لِي مِنْ فُلَانٍ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ فَلَكَ عَلَى شِرَائِهِ كَذَا وَعَيَّنَهُ ( صَحَّ ) مَا سَمَّاهُ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْبَائِعَ عَلَى مَا يَظْهَرُ ( كَ ) قَوْلِهِ : ( بِعْ ثَوْبِي ) هَذَا ( بِكَذَا فَمَا زَادَ ) عَنْهُ ( فَلَكَ ) فَيَصِحُّ نَصًّا .
قَالَ : هَلْ هَذَا إلَّا كَالْمُضَارَبَةِ ؟ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَجْهُ شَبَهِهِ بِالْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ الْبَيْعُ فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الثَّوْبَ بِزَائِدٍ عَمَّا عَيَّنَهُ لَهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ ( وَيَسْتَحِقُّهُ ) أَيْ : الْجُعْلَ الْوَكِيلُ ( قَبْلَ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَا يَلْزَمُهُ

اسْتِخْلَاصُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي ( إلَّا إنْ اشْتَرَطَهُ ) أَيْ : اشْتَرَطَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْجُعْلَ تَسَلُّمَ الثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ لَهُ : إنْ بِعْتَهُ وَسَلَّمْتَ إلَيَّ ثَمَنَهُ فَلَكَ كَذَا فَلَا يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ بِالْعَمَلِ .

( وَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ نَحْوِهَا ( فَادَّعَى إنْسَان أَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهِ فِي قَبْضِهِ أَوْ ) أَنَّهُ ( وَصِيُّهُ ) أَيْ : وَصِيُّ رَبِّهِ ( أَوْ ) أَنَّهُ ( أُحِيلَ بِهِ ) أَيْ : الدَّيْنِ مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ ( فَصَدَّقَهُ ) أَيْ : صَدَّقَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْحَوَالَةِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ : مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ( دَفْعٌ إلَيْهِ ) أَيْ : الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِهِ لِجَوَازِ إنْكَارِ رَبِّ الْحَقِّ أَوْ ظُهُورِهِ حَيًّا فِي الْوَصِيَّةِ .
( وَإِنْ كَذَّبَهُ ) أَيْ : كَذَّبَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمُدَّعِيَ لِذَلِكَ ( لَمْ يُسْتَحْلَفْ ) ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ( وَإِنْ دَفَعَهُ ) أَيْ : دَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي ذَلِكَ ( وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ ) أَيْ : الْحَقِّ ( ذَلِكَ ) أَيْ : الْوَكَالَةَ أَوْ الْحَوَالَةَ ( حَلَفَ ) رَبُّ الْحَقِّ أَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَلَا أَحَالَهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُدَّعِي ( وَرَجَعَ ) رَبُّ الْحَقِّ ( عَلَى دَافِعٍ ) وَحْدَهُ ( إنْ كَانَ ) الْمَدْفُوعُ ( دَيْنًا ) ؛ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِدَفْعِهِ لِغَيْرِ رَبِّهِ وَوَكِيلِهِ ؛ وَلِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ أَوْ الْحَوَالَةِ عَيْنُ مَالِ الدَّافِعِ فِي زَعْمِ رَبِّ الْحَقِّ فَتَعَيَّنَ رُجُوعُهُ عَلَى الدَّافِعِ فَإِنْ نَكِلَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ يَرْجِعُ بِظُهُورِهِ حَيًّا ( وَ ) رَجَعَ ( دَافِعٌ عَلَى مُدَّعٍ ) لِوَكَالَةٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَا دَفَعَهُ ( مَعَ بَقَائِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ ( أَوْ ) يَرْجِعُ دَافِعٌ عَلَى قَابِضٍ بِبَدَلِهِ مَعَ ( تَعَدِّيهِ ) أَيْ : الْقَابِضِ أَوْ تَفْرِيطِهِ ( فِي تَلَفٍ ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَإِنْ تَلِفَ بِيَدِ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ دَافِعٌ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَمِينٌ حَيْثُ صَدَّقَهُ فِي دَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ ، ( وَ ) أَمَّا ( مَعَ ) دَعْوَى ( حَوَالَةٍ

فَيَرْجِعُ ) دَافِعٌ عَلَى قَابِضٍ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ بَقِيَ فِي يَدِهِ أَوْ تَلِفَ بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ كَانَ ) الْمَدْفُوعُ لِمُدَّعٍ وَكَالَةً أَوْ وَصِيَّةٍ ( عَيْنًا كَوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ وَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ ( وَوَجَدَهَا ) أَيْ : الْعَيْنَ رَبُّهَا بِيَدِ الْقَابِضِ أَوْ غَيْرِهِ ( أَخَذَهَا ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ حَقِّهِ ( وَإِلَّا ) يَجِدْهَا ( ضَمِنَ أَيَّهُمَا شَاءَ ) ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَالدَّافِعُ تَعَدَّى بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَلَا يَرْجِعُ ) الدَّافِعُ لِلْعَيْنِ ( بِهَا ) إنْ ضَمِنَهُ رَبُّهَا ( عَلَى غَيْرِ مُتْلِفٍ أَوْ مُفَرِّطٍ ) ؛ لِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ ظُلْمٌ وَاعْتِرَافُ الدَّافِعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ مِنْ الْقَابِضِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِظُلْمِ غَيْرِهِ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا صَدَّقَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمُدَّعِيَ .
( وَ ) أَمَّا ( مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِهِ فَيَرْجِعُ ) دَافِعٌ عَلَى مَدْفُوعٍ إلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بَقِيَ أَوْ تَلِفَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِوَكَالَتِهِ وَلَمْ تَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ وَمُجَرَّدُ التَّسَلُّمِ لَيْسَ تَصْدِيقًا ( وَإِنْ ادَّعَى ) شَخْصٌ ( مَوْتَهُ ) أَيْ : رَبَّ الْحَقِّ ( وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَزِمَهُ ) أَيْ : مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ( دَفْعُهُ ) أَيْ : الْحَقِّ لِمُدَّعِي إرْثِهِ ( مَعَ تَصْدِيقِهِ ) مُدَّعِي الْإِرْثَ لَهُ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحَقِّ وَأَنَّهُ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لَهُ أَشْبَهَ الْمُوَرِّثَ .
( وَ ) لَزِمَهُ ( حَلِفُهُ ) أَيْ : مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ( مَعَ إنْكَارِهِ ) مَوْتَ رَبِّ الْحَقِّ أَوْ أَنَّ الطَّالِبَ وَارِثُهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ وَنَحْوَهُ .
( وَمَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي رَدٍّ )

كَوَدِيعٍ وَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ مُتَبَرِّعٍ ( وَطُلِبَ مِنْهُ ) الرَّدُّ ( لَزِمَهُ ) الرَّدُّ ( وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِيَشْهَدَ ) عَلَى رَبِّ الْحَقِّ ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِقَبُولِ دَعْوَاهُ الرَّدَّ ( وَكَذَا مُسْتَعِيرٌ وَنَحْوُهُ ) مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَمُرْتَهِنٍ وَوَكِيلٍ بِجُعْلٍ وَمُقْتَرِضٍ وَغَاصِبٍ ( لَا حُجَّةَ ) أَيْ : لَا بَيِّنَةَ ( عَلَيْهِ ) فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ بِطَلَبِ رَبِّ الْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ لِيَشْهَدَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْجَوَابِ بِنَحْوِ : لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ( أَخَّرَ ) الرَّدَّ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُنْكِرَهُ الْقَابِضُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَإِنْ قَالَ : لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ( كَدَيْنٍ بِحُجَّةٍ ) أَيْ : بِبَيِّنَةٍ فَلِلْمَدِينِ تَأْخِيرُهُ لِيَشْهَدَ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ : رَبَّ الْحَقِّ ( دَفْعُهَا ) أَيْ : الْوَثِيقَةِ الْمَكْتُوبِ فِيهَا الدَّيْنُ وَنَحْوُهُ إلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا لِغَيْرِهِ ( بَلْ ) يَلْزَمُ رَبَّ الْحَقِّ ( الْإِشْهَادُ بِأَخْذِهِ ) أَيْ : الْحَقِّ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْآخِذِ تُسْقِطُ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى ( كَ ) مَا لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ دَفْعُ ( حُجَّةِ مَا بَاعَهُ ) لِمُشْتَرٍ لِمَا تَقَدَّمَ قُلْت : الْعُرْفُ الْآنَ يُسَلِّمُهَا لَهُ وَلَوْ قِيلَ بِالْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا فِي مَوَاضِعَ .

كِتَابُ الشَّرِكَةِ بِفَتْحِ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَبِكَسْرِ الشِّينِ مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَتَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } وَقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهِيَ ( قِسْمَانِ ) : أَحَدُهُمَا ( اجْتِمَاعٌ فِي اسْتِحْقَاقٍ ) وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَحَدُهَا فِي الْمَنَافِعِ وَالرِّقَابِ كَعَبْدٍ وَدَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِإِرْثٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ .
الثَّانِي : فِي الرِّقَابِ كَعَبْدٍ مُوصًى بِنَفْعِهِ وَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ .
الثَّالِثُ : فِي الْمَنَافِعِ كَمَنْفَعَةٍ مُوصًى بِهَا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ .
الرَّابِعُ : فِي حُقُوقِ الرِّقَابِ كَحَدِّ قَذْفٍ إذَا قَذَفَ جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمْ عَادَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةِ فَإِذَا طَالَبُوا كُلُّهُمْ وَجَبَ لَهُمْ حَدٌّ وَاحِدٌ .
وَالْقِسْمُ ( الثَّانِي ) : اجْتِمَاعٌ ( فِي تَصَرُّفٍ ) وَهِيَ شَرِكَةُ الْعُقُودِ الْمَقْصُودَةِ هُنَا .
( وَتُكْرَهُ ) شَرِكَةُ مُسْلِمٍ ( مَعَ كَافِرٍ ) كَمَجُوسِيٍّ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مُعَامَلَتَهُ بِالرِّبَا وَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَ ( لَا ) تُكْرَهُ الشَّرِكَةُ مَعَ ( كِتَابِيٍّ لَا يَلِي التَّصَرُّفَ ) بَلْ يَلِيه الْمُسْلِمُ لِحَدِيثِ الْخَلَّالِ عَنْ عَطَاءٍ .
قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ بِيَدِ الْمُسْلِمِ } ؛ وَلِانْتِفَاءِ الْمَحْظُورِ بِتَوَلِّي الْمُسْلِمِ التَّصَرُّفَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَكْرَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَلِيَ التَّصَرُّفَ .
وَمَا يَشْتَرِيهِ كَافِرٌ مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ بِمَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ فَفَاسِدٌ وَيَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِ ، وَلَا يَثْبُتُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ عَلَى خَمْرٍ أَشْبَهَ شِرَاءَهُ مَيْتَةً وَمُعَامَلَتَهُ بِالرِّبَا وَمَا

خَفِيَ أَمْرُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَالْأَصْلُ حِلُّهُ .

( وَهُوَ ) أَيْ : الِاجْتِمَاعُ فِي التَّصَرُّفِ خَمْسَةُ : ( أَضْرُبٍ ) جَمْعُ ضَرْبٍ أَيْ : صِنْفٌ .
أَحَدُهَا : ( شَرِكَةُ عِنَانٍ ) وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا بَلْ فِي بَعْضِ شُرُوطِهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِوَائِهَا فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْفَارِسَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي السَّيْرِ فَإِنْ عِنَانَيْ فَرَسَيْهِمَا يَكُونَانِ سَوَاءٌ أَوْ لِمِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ الْمَالِ كَمَا يَتَصَرَّفُ الْفَارِسُ فِي عِنَانِ فَرَسِهِ ، أَوْ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ إذَا عَرَضَ ؛ لِأَنَّهُ عَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُشَارَكَةُ صَاحِبِهِ أَوْ مِنْ الْمُعَانَّةِ وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ ؛ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَارِضٌ لِصَاحِبِهِ بِمَالِهِ وَعَمَلِهِ .
( وَهِيَ ) أَيْ : شَرِكَةُ الْعِنَانِ ( أَنْ يُحْضِرَ كُلُّ ) وَاحِدٍ ( مِنْ عَدَدِ ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( جَائِزُ التَّصَرُّفِ ) فَلَا تُعْقَدُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا مَعَ صَغِيرٍ وَلَا سَفِيهٍ ( مِنْ مَالِهِ ) فَلَا تُعْقَدُ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ ( نَقْدًا ) ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ( مَضْرُوبًا ) أَيْ : مَسْكُوكًا وَلَوْ بِسِكَّةِ كُفَّارٍ ( مَعْلُومًا ) قَدْرًا وَصِفَةً ( وَلَوْ ) كَانَ النَّقْدُ ( مَغْشُوشًا قَلِيلًا ) لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ لَا كَثِيرًا ( أَوْ ) كَانَ النَّقْدُ ( مِنْ جِنْسَيْنِ ) كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ( أَوْ ) كَانَ ( مُتَفَاوِتًا ) بِأَنْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ ( أَوْ ) كَانَ ( شَائِعًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إنْ عَلِمَ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( قَدْرَ مَالِهِ ) كَمَا لَوْ وَرِثُوهُ ، لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِآخَرَ السُّدُسُ وَاشْتَرَكُوا فِيهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى عَرْضٍ نَصًّا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إمَّا أَنْ تَقَعَ عَلَى عَيْنِ الْعَرْضِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ وَعَيْنُهَا لَا يَجُوزُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الرُّجُوعَ عِنْدَ فَسْخِهَا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِثْلِهِ وَلَا مِثْلَ لَهَا يُرْجَعُ إلَيْهِ وَقِيمَتُهَا لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ بَيْعِهِ فَيُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي الْعَيْنِ

الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَثَمَنُهَا مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمَا .
وَاشْتُرِطَ كَوْنُ النَّقْدِ مَضْرُوبًا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ؛ لِأَنَّهَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَأَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ وَغَيْرُ الْمَضْرُوبِ كَالْعُرُوضِ .
وَاشْتُرِطَ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ وَتَحْقِيقِ الشَّرِكَةِ كَالْمُضَارَبَةِ .
وَالْعِلْمُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُمْكِنُ مَعَ جَهْلِهِ ( لِيَعْمَلَ ) مُتَعَلِّقٌ ب يُحْضِرَ ( فِيهِ ) أَيْ : الْمَالِ جَمِيعَهُ ( كُلٌّ ) مِمَّنْ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ ( عَلَى أَنَّ لَهُ ) أَيْ : كُلِّ مَنْ لَهُ فِي الْمَالِ شَيْءٌ ( مِنْ الرِّبْحِ بِنِسْبَةِ مَالِهِ ) بِأَنْ شَرَطُوا لِرَبِّ النِّصْفِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الثُّلُثِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ السُّدُسِ سُدُسَ الرِّبْحِ مَثَلًا ( أَوْ ) عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ( جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا ) وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِسْبَةِ مَالِهِ ، كَأَنْ جُعِلَ لِرَبِّ السُّدُسِ نِصْفُ الرِّبْحِ لِقُوَّةِ حَذِقِهِ ( أَوْ يُقَالُ ) : عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ ( بَيْنَنَا فَيَسْتَوُونَ فِيهِ ) لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمْ إضَافَةً وَاحِدَةً بِلَا تَرْجِيحٍ ( أَوْ ) لِيَعْمَلَ فِيهِ ( الْبَعْضُ ) مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ ( عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ مِنْهُمْ ( أَثَرٌ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ ) كَأَنْ تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ رَبُّ السُّدُسِ وَلَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ أَوْ نِصْفُهُ وَنَحْوُهُ ( وَتَكُونُ ) الشَّرِكَةُ إذَا تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ ( عِنَانًا ) مِنْ حَيْثُ إحْضَارُ كُلٍّ مِنْهُمْ لِمَا لَهُ ( وَمُضَارَبَةً ) ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ زَائِدًا عَنْ رِبْحِ مَالِهِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ .

( وَلَا تَصِحُّ ) إنْ أَحْضَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ : قَدْرِ مَالِهِ ( لِأَنَّهُ إبْضَاعٌ ) لَا شَرِكَةٌ ، وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِلَا عِوَضٍ ( وَلَا ) تَصِحُّ إنْ عَقَدُوهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمْ ( بِدُونِهِ ) أَيْ : دُونِ رِبْحِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَسْتَحِقُّ رِبْحَ مَالِ غَيْرِهِ وَلَا بَعْضَهُ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ .

( وَتَنْعَقِدُ ) الشَّرِكَةُ ( بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ وَائْتِمَانِهِ ( وَيُغْنِي لَفْظُ الشَّرِكَةِ عَنْ إذْنٍ صَرِيحٍ بِالتَّصَرُّفِ ) ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ .

( وَيَنْفُذُ ) التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ جَمِيعِهِ ( مِنْ كُلٍّ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ( بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ وَ ) بِحُكْمِ ( الْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) لِلشَّرِكَةِ ( خَلْطُ ) أَمْوَالِهَا وَلَا أَنْ تَكُونَ بِأَيْدِي الشُّرَكَاءِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ عَلَى جِنْسَيْنِ وَ ( لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْعَمَلُ وَبِإِعْلَامِ الرِّبْحِ بِعِلْمِ ) الْعَمَلِ ( وَالرِّبْحُ نَتِيجَتُهُ ) أَيْ : الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ ( وَالْمَالُ تَبَعٌ ) لِلْعَمَلِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ خَلْطُهُ ( فَمَا تَلِفَ ) مِنْ أَمْوَالِ الشُّرَكَاءِ ( قَبْلَ خَلْطٍ ف ) هُوَ ( مِنْ ضَمَانِ الْجَمِيعِ ) أَيْ : جَمِيع الشُّرَكَاءِ كَمَا لَوْ زَادَ ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجِبِ الشَّرِكَةِ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ وَالزِّيَادَةِ بِالشُّرَكَاءِ خُلِطَ الْمَالُ أَوْ لَا لِصِحَّةِ قَسْمِ الْمَالِ ( بِ ) مُجَرَّدِ ( لَفْظٍ كَخَرْصِ ) ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ مُشْتَرَكٍ فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .

( وَلَا تَصِحُّ ) الشَّرِكَةُ ( إنْ لَمْ يُذْكَرْ الرِّبْحُ ) فِي الْعَقْدِ كَالْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا تَصِحُّ إنْ ( شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ ) أَيْ : الشُّرَكَاءِ ( جُزْءًا ) مِنْ الرِّبْحِ ( مَجْهُولًا ) كَحِصَّةٍ أَوْ نَصِيبٍ ، أَوْ مِثْلِ مَا شُرِطَ لِفُلَانٍ مَعَ جَهْلِهِ أَوْ ثُلُثِ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْوَاجِبِ ؛ وَلِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْمَقْصُودِ فَلَا تَصِحُّ مَعَ جَهْلِهِ كَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ .
( أَوْ ) شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ ( دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ ) كَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ لَا يَرْبَحُ غَيْرَهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ سُمِّيَ لَهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ ( أَوْ ) شُرِطَ لِبَعْضِهِمْ ( رِبْحُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ ) كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ ( أَوْ ) رِبْحُ عَيْنٍ ( مَجْهُولَةٍ ) كَرِبْحِ ثَوْبٍ ، وَكَذَا لَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمْ رِبْحُ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ أَوْ مَا يَرْبَحُ الْمَالَ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ شُرِطَ لَهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ ( وَكَذَا مُسَاقَاةٌ وَمُزَارَعَةٌ ) فَلَا يَصِحَّانِ إنْ شُرِطَ لِعَامِلٍ جُزْءٌ مَجْهُولٌ أَوْ آصُعٌ مَعْلُومَةٌ أَوْ ثَمَرَةُ شَجَرَةِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ أَوْ زَرْعُ نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا وَنَحْوِهِ

( وَمَا يَشْتَرِيهِ الْبَعْضُ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ( بَعْدَ عَقْدِهَا ) أَيْ : الشَّرِكَةِ ( فَ ) هُوَ ( لِلْجَمِيعِ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ وَكِيلُ الْبَاقِينَ وَأَمِينُهُمْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ( وَمَا أَبْرَأَهُ ) الْبَعْضُ ( مِنْ مَالِهَا ) فَمِنْ نَصِيبِهِ ( أَوْ أَقَرَّ بِهِ ) الْبَعْضُ ( قَبْلَ الْفُرْقَةِ ) أَيْ : فَسْخِ الشَّرِكَةِ ( مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ) لِلشَّرِكَةِ ( ف ) هُوَ ( مِنْ نَصِيبِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لَا يَتَضَمَّنَهُ .
( وَإِنْ أَقَرَّ ) بَعْضُهُمْ ( بِمُتَعَلِّقٍ بِهَا ) أَيْ : الشَّرِكَةِ كَأُجْرَةِ دَلَّالٍ وَجِمَالٍ وَمَخْزَنٍ وَنَحْوَهُ ( ف ) هُوَ ( مِنْ ) مَالِ ( الْجَمِيعِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ ( وَالْوَضِيعَةُ ) أَيْ : الْخُسْرَانُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ( بِقَدْرِ مَالِ كُلٍّ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ لِتَلَفٍ أَوْ نُقْصَانِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمَالِ .

( وَمَنْ قَالَ ) مِنْ شَرِيكَيْنِ ( عَزَلْتُ شَرِيكِي صَحَّ تَصَرُّفُ الْمَعْزُولِ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ ) مِنْ الْمَالِ فَقَطْ ، وَصَحَّ تَصَرُّفُ الْعَازِلِ فِي جَمِيع الْمَالِ ؛ لِعَدَمِ رُجُوعِ الْمَعْزُولِ عَنْ إذْنِهِ .
( وَلَوْ قَالَ ) أَحَدُهُمَا : ( فَسَخْت الشَّرِكَةَ ) ( انْعَزَلَا ) فَلَا يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي عَزْلَ نَفْسِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَعَزْلَ صَاحِبِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ نَقْدًا أَوْ عَرَضًا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَكَالَةٌ وَالرِّبْحُ يَدْخُلُ ضِمْنًا ، وَحَقُّ الْمُضَارَبِ أَصْلِيٌّ .

( وَيُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّ الْيَدِ ) أَيْ : وَاضِعِ يَدِهِ عَلَى شَيْءٍ : ( إنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ ) ؛ لِظَاهِرِ الْيَدِ ( وَ ) يُقْبَلُ ( قَوْلُ مُنْكِرٍ لِلْقِسْمَةِ ) إذَا دَعَاهَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا .

( وَلَا تَصِحُّ ) شَرِكَةُ عِنَانٍ ( وَلَا مُضَارَبَةٍ بِنُقْرَةٍ ) وَهِيَ الْفِضَّةُ .
وَكَذَا مِنْ الذَّهَبِ ( الَّتِي لَمْ تُضْرَبْ ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْعُرُوضِ ( وَلَا بِمَغْشُوشَةٍ ) غِشًّا ( كَثِيرًا وَ ) لَا ب ( فُلُوسٍ وَلَوْ ) كَانَتْ الْمَغْشُوشَةُ كَثِيرًا وَالْفُلُوسُ ( نَافِقَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْعُرُوضِ ، بَلْ الْفُلُوسُ عُرُوضٌ مُطْلَقًا .

فَصْلُ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ( أَنْ يَبِيعَ ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ( وَيَشْتَرِيَ ) بِهِ مُسَاوَمَةً وَمُرَابَحَةً وَمُوَاضَعَةً وَتَوْلِيَةً وَكَيْفَمَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ .
( وَ ) أَنْ ( يَأْخُذَ ) ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا ( وَيُعْطِيَ ) ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا ( وَيُطَالِبَ ) بِالدَّيْنِ ( وَيُخَاصِمَ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ قَبْضَ شَيْءٍ مَلَكَ الطَّلَبَ بِهِ وَالْخُصُومَةَ فِيهِ ( وَيُحِيلَ وَيَحْتَالَ ) ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا .
( وَيَرُدَّ بِعَيْبٍ لِلْحَظِّ ) فِيمَا وَلِيَ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ شِرَاءَهُ ( وَلَوْ رَضِيَ شَرِيكُهُ ) كَمَا لَوْ رَضِيَ بِإِهْمَالِ الْمَالِ بِلَا عَمَلٍ فَلِشَرِيكِهِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الرِّبْحِ ، مَا لَمْ يَفْسَخْ الشَّرِكَةَ .
( وَ ) أَنْ ( يُقِرَّ بِهِ ) أَيْ : الْعَيْبِ فِيمَا بِيعَ مِنْ مَالِهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا وَلَهُ إعْطَاءُ أَرْشِهِ وَأَنْ يَحُطَّ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ يُؤَخِّرَهُ لِلْعَيْبِ ( وَ ) أَنْ ( يُقَايِلَ ) فِيمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَظٌّ ( وَ ) أَنْ ( يُؤَجِّرَ وَيَسْتَأْجِرَ ) مِنْ مَالِهَا لِجَرَيَانِ الْمَنَافِعِ مَجْرَى الْأَعْيَانِ .
وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ أُجْرَةَ الْمُؤَجَّرَةِ وَيُعْطِيَ أُجْرَةَ الْمُسْتَأْجَرَةِ .
( وَ ) أَنْ ( يَبِيعَ نَسَاءً ) وَيَشْتَرِيَ مَعِيبًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الرِّبْحُ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ( وَ ) أَنْ ( يَفْعَلُ كُلَّ مَا فِيهِ حَظٌّ ) لِلشَّرِكَةِ ( كَحَبْسِ غَرِيمٍ وَلَوْ أَبَى ) الشَّرِيكُ ( الْآخَرُ ) حَبَسَهُ .
( وَ ) أَنْ ( يُودِعَ ) مَالَ الشَّرِكَةِ ( لِحَاجَةٍ ) إلَى الْإِيدَاعِ ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ ( وَ ) أَنْ ( يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ ) أَيْ : أَنْ يَأْخُذَ رَهْنًا بِدَيْنِ الشَّرِكَةِ ( عِنْدَهَا ) أَيْ : الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَادُ لِلْإِيفَاءِ ، وَالِارْتِهَانَ يُرَادُ لِلِاسْتِيفَاءِ ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا فَكَذَا مَا يُرَادُ لَهُمَا .

( وَ ) أَنْ ( يُسَافِرَ ) بِالْمَالِ ( مَعَ أَمْنٍ ) لِانْصِرَافِ الْإِذْنِ الْمُطْلَقِ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ، وَعَادَةُ التُّجَّارِ جَارِيَةٌ بِالتِّجَارَةِ سَفَرًا وَحَضَرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْنٌ لَمْ يَجُزْ .
وَضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ ( وَمَتَى لَمْ يَعْلَمْ ) شَرِيكٌ سَافَرَ بِالْمَالِ خَوْفَهُ لَمْ يَضْمَنْ ( أَوْ ) لَمْ يَعْلَمْ ( وَلِيُّ يَتِيمٍ ) سَافَرَ بِمَالِهِ إلَى مَحَلٍّ مَخُوفٍ ( خَوْفَهُ ) لَمْ يَضْمَنْ ( أَوْ ) شَرِيكٌ أَوْ وَلِيُّ يَتِيمٍ لِمُفْلِسٍ وَلَمْ ( يَعْلَمَا فَلَسَ مُشْتَرٍ ) فَفَاتَ الثَّمَنُ ( يَضْمَنُ ) أَحَدُهُمَا مَا فَاتَ بِسَبَبِهِ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ .
وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ ( بِخِلَافِ شِرَائِهِ ) أَيْ : الشَّرِيكِ أَوْ وَلِيِّ الْيَتِيمِ ( خَمْرًا ) لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِلْيَتِيمِ ( جَاهِلًا ) بِهِ فَيَضْمَنُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى غَالِبًا ( وَإِنْ عَلِمَ ) شَرِيكٌ أَوْ وَلِيِّ يَتِيمٍ ( عُقُوبَةَ سُلْطَانٍ بِبَلَدٍ بِأَخْذِ مَالٍ فَسَافَرَ فَأَخَذَهُ ) أَيْ : أَخَذَ السُّلْطَانُ مَالَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْيَتِيمِ ( ضَمِنَ ) الْمُسَافِرُ مَا أُخِذَ مِنْهُ ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِالْأَخْذِ .

و ( لَا ) يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ ( أَنْ يُكَاتِبَ قِنًّا ) مِنْ الشَّرِكَةِ ( أَوْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يُعْتِقَهُ ) وَلَوْ ( بِمَالٍ ) إلَّا بِإِذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالشَّرِكَةِ ( وَلَا أَنْ يَهَبَ ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنٍ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يَتَبَرَّعُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ لِمَصْلَحَةٍ ( أَوْ يُقْرِضَ ) مِنْهُ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ بِرَهْنٍ ( أَوْ يُحَابِيَ ) فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الشَّرِكَةِ وَهُوَ طَلَبُ الرِّبْحِ .
( أَوْ يُضَارِبَ أَوْ يُشَارِكَ بِالْمَالِ ) لِإِثْبَاتِهِ فِي الْمَالِ حُقُوقًا وَاسْتِحْقَاقِ رِبْحِهِ لِغَيْرِهِ ( أَوْ يَخْلِطَهُ ) أَيْ : الْمَالَ ( بِغَيْرِهِ ) مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ نَفْسِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ لِتَضَمُّنِهِ إيجَابَ حُقُوقٍ فِي الْمَالِ .
( أَوْ يَأْخُذَ بِهِ ) أَيْ : مَالِ الشَّرِكَةِ ( سَفْتَجَة بِأَنْ يَدْفَعَ ) الشَّرِيكُ ( مِنْ مَالِهَا ) أَيْ : الشَّرِكَةِ ( إلَى إنْسَانٍ وَيَأْخُذَ مِنْهُ ) أَيْ : الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ ( كِتَابًا إلَى وَكِيلٍ بِبَلَدٍ آخَرَ يَسْتَوْفِي مِنْهُ ) مَا أَخَذَهُ مِنْهُ مُوَكِّلُهُ ( أَوْ يُعْطِيَهَا ) أَيْ : السَّفْتَجَةَ ( بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّرِيكُ عَرَضًا ) لِلشَّرِكَةِ ( وَيُعْطِيَ بِثَمَنِهِ كِتَابًا إلَى وَكِيلِهِ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي ( بِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ ) الْبَائِعُ ( مِنْهُ ) أَيْ : الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ .
( وَلَا ) لِلشَّرِيكِ ( أَنْ يُبْضِعَ ) مِنْ الشَّرِكَةِ ( وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ مَالِهَا ) أَيْ : الشَّرِكَةِ ( إلَى مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلدَّافِعِ وَشَرِيكِهِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ ( وَلَا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهَا ) أَيْ : الشَّرِكَةِ ( بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَر مِنْ الْمَالِ أَوْ ) يَشْتَرِيَ ( بِثَمَنٍ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا أَكْثَر مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ ، أَشْبَهَ ضَمَّ شَيْءٍ إلَيْهَا مِنْ مَالِهِ ( إلَّا فِي النَّقْدَيْنِ ) بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِفِضَّةٍ وَمَعَهُ ذَهَبٌ أَوْ بِالْعَكْسِ ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (

إلَّا بِإِذْنِ ) شَرِيكِهِ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ : كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ ، فَإِنْ أَذِنَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا جَازَ ( وَلَوْ قِيلَ ) أَيْ : قَالَ شَرِيكُهُ لَهُ : ( اعْمَلْ بِرَأْيِك وَرَأَى مَصْلَحَةً ) فِيمَا تَقَدَّمَ ( جَازَ الْكُلُّ ) أَيْ : كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ بِالْمَالِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِهَا ، لِدَلَالَةِ الْإِذْنِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ التَّبَرُّعِ وَالْقَرْضِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا لِلْقَرِينَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُضَارِبِ .

( وَمَا اسْتَدَانَ ) شَرِيكٌ ( بِدُونِ إذْنِ ) شَرِيكِهِ بِاقْتِرَاضٍ أَوْ شِرَاءِ بِضَاعَةٍ ضَمَّهَا إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُسْتَدِينِ وَحْدَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا اسْتَدَانَهُ ( وَرِبْحُهُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لِلشَّرِكَةِ ( وَإِنْ أَخَّرَ ) أَحَدُهُمَا ( حَقَّهُ مِنْ دَيْنٍ ) ( جَازَ ) لِصِحَّةِ انْفِرَادِهِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الطَّلَبِ بِهِ ، كَالْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ حَقِّ شَرِيكِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ : الَّذِي أَخَّرَ حَقَّهُ مِنْ الدَّيْنِ ( مُشَارَكَةُ شَرِيكِهِ ) الَّذِي لَمْ يُؤَخِّرْ ( فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْ الدَّيْنِ مِمَّا لَمْ يُؤَخِّرْ ) لِاشْتِرَاكِهِ بَيْنَهُمَا ( وَإِنْ تَقَاسَمَا دَيْنًا فِي ذِمَّةِ ) شَخْصٍ ( أَوْ أَكْثَرَ ) ( لَمْ يَصِحَّ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَتَكَافَأُ وَلَا تَتَعَادَلُ ، وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِيهِمَا ؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ تَعْدِيلٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَبَيْعُ الدَّيْنِ غَيْرُ جَائِزٍ .
فَإِنْ تَقَاسَمَا ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ الدَّيْنِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالْهَالِكُ عَلَيْهِمَا .

( وَعَلَى كُلٍّ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ تَوَلِّي ( مَا جَرَتْ عَادَةٌ بِتَوَلِّيهِ ، مِنْ نَشْرِ ثَوْبٍ وَطَيِّهِ وَخَتْمٍ وَإِحْرَازٍ ) لِمَالِهَا وَقَبْضِ نَقْدِهِ ، لِحَمْلِ إطْلَاقِ الْإِذْنِ عَلَى الْعُرْفِ .
وَمُقْتَضَاهُ تَوَلِّي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِنَفْسِهِ ( فَإِنْ فَعَلَهُ ) أَيْ : فَعَلَ مَا عَلَيْهِ تَوَلِّيهِ بِنَائِبٍ ( بِأُجْرَةٍ ) ( ف ) هِيَ ( عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَّلَهَا عِوَضًا عَمَّا عَلَيْهِ ( وَمَا جَرَتْ ) عَادَةٌ ( بِأَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ ) كَالنِّدَاءِ عَلَى الْمَتَاعِ ( فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إنْسَانًا ( حَتَّى شَرِيكِهِ لِفِعْلِهِ إذَا كَانَ ) فِعْلُهُ ( مِمَّا لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ إلَّا بِعَمَلٍ كَنَقْلِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ ) كَكَيْلِهِ ، وَاسْتِئْجَارُ غَرَائِرَ شَرِيكِهِ لِنَقْلِهِ فِيهَا ، أَوْ دَارِهِ لِيُحْرِزَ فِيهَا نَصًّا ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ : الشَّرِيكِ ( فِعْلُهُ ) أَيْ : مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ تَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ ( لِيَأْخُذَ أُجْرَتَهُ ) بِلَا اسْتِئْجَارِ صَاحِبِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّعَ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الِاسْتِخْدَامَ إذَا خَدَمَتْ نَفْسَهَا .

وَيَحْرُمُ عَلَى شَرِيكٍ فِي زَرْعٍ فَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنْبُلِهِ يَأْكُلُهُ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ ( وَبَذْلُ خِفَارَةٍ وَعُشْرٍ عَلَى الْمَالِ ) فَيَحْتَسِبُهُ الشَّرِيكُ أَوْ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ .
قَالَ أَحْمَدُ : مَا أُنْفِقَ عَلَى الْمَالِ فَعَلَى الْمَالِ ( وَكَذَا ) مَا يُبْذَلُ ( لِمُحَارِبٍ وَنَحْوِهِ ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَلَا يُنْفِقُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ .
وَالْأَحْوَطُ : أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّفَقَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا .

فَصْلٌ ( وَالِاشْتِرَاطُ فِيهَا ) أَيْ : الشَّرِكَةِ ( نَوْعَانِ ) : نَوْعٌ ( صَحِيحٌ ، كَأَنْ ) يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي نَوْعِ كَذَا ) كَالْحَرِيرِ وَالْبَزِّ وَثِيَابِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِهَا ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَعُمُّ وُجُودُهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ لَا ( أَوْ ) يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي ( بَلَدٍ بِعَيْنِهِ ) كَمَكَّةَ أَوْ دِمَشْقَ ( أَوْ ) أَنْ ( لَا يَبِيعَ إلَّا بِنَقْدِ كَذَا ) كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صِفَتُهَا كَذَا ( أَوْ ) أَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَلَا يَبِيعَ إلَّا ( مِنْ فُلَانٍ ، أَوْ ) أَنْ ( لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَة تَصَرُّفٌ بِإِذْنٍ فَصَحَّ تَخْصِيصُهَا بِالنَّوْعِ وَالْبَلَدِ وَالنَّقْدِ وَالشَّخْصِ كَالْوَكَالَةِ .
.
( وَ ) نَوْعٌ ( فَاسِدٌ وَهُوَ قِسْمَانِ ) : قِسْمٌ ( مُفْسِدٌ لَهَا ) أَيْ : الشَّرِكَةِ ( وَهُوَ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ ) كَشَرْطِ دِرْهَمٍ لِزَيْدٍ الْأَجْنَبِيِّ وَالْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ لَهُمَا ، أَوْ اشْتِرَاطِ رِبْحِ مَا يُشْتَرَى مِنْ رَقِيقٍ لِأَحَدِهِمَا وَمَا يُشْتَرَى مِنْ ثِيَابٍ لِلْآخَرِ ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا رِبْحُ هَذَا الْكِيسِ وَلِلْآخَرِ رِبْحُ الْكِيسِ الْآخَرِ .
وَتَقَدَّمَ أَشْيَاءُ مِنْ نَظَائِرِهِ فَتَفْسُدُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِذَلِكَ ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى جَهْلِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ أَوْ إلَى فَوَاتِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَتُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ .
.
( وَ ) قِسْمٌ فَاسِدٌ ( غَيْرُ مُفْسِدٍ ) لِلشَّرِكَةِ نَصًّا ( كَ ) اشْتِرَاطِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( ضَمَانَ الْمَالِ ) إنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ ( أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْوَضِيعَةِ ) أَيْ : الْخَسَارَةِ ( أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَالِهِ ، أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ ) أَيْ : أَنْ يُعْطِيَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ ( مَا يَخْتَارُ مِنْ السِّلَعِ ) الَّتِي يَشْتَرِيهَا ( أَوْ ) أَنْ ( يَرْتَفِقَ بِهَا ) كَلُبْسِ ثَوْبٍ أَوْ اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ .
أَوْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالٍ آخَرَ ، أَوْ يَأْخُذَهُ بِضَاعَةً

أَوْ قَرْضًا ، أَوْ يَخْدُمَهُ فِي كَذَا أَوْ أَنَّهُ مَتَى بَاعَ السِّلْعَةَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ ( أَوْ ) أَنْ ( لَا يَفْسَخَ الشَّرِكَةَ مُدَّةَ كَذَا ) أَوْ أَبَدًا أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى مِنْهُ ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ فِيهَا وَلَا يَشْتَرِيَ وَنَحْوَهُ .
فَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ ؛ لِتَفْوِيتِهَا الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ ، أَوْ مَنْعَ الْفَسْخِ الْجَائِزِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ ، وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةٌ كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا .

( وَإِذَا فَسَدَتْ ) الشَّرِكَةُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ أَوْ غَيْرِهَا ( قُسِّمَ رِبْحُ شَرِكَةِ عِنَانٍ ) وَرِبْحُ شَرِكَةِ وُجُوهٍ عَلَى ( قَدْرِ الْمَالَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكَيْنِ .
( وَ ) قُسِّمَ ( أَجْرُ مَا تَقَبَّلَاهُ ) أَيْ : الشَّرِيكَانِ مِنْ عَمَلٍ ( فِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ ) عَلَيْهِمَا ( بِالسَّوِيَّةِ ) اُسْتُحِقَّ بِالْعَمَلِ وَهُوَ مِنْهُمَا ( وَوُزِّعَتْ ) أَيْ : قُسِّمَتْ ( وَضِيعَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ( وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْ شَرِيكَيْنِ فِي ) شَرِكَةِ ( عِنَانٍ وَ ) شَرِكَةِ ( وُجُوهٍ وَ ) شَرِكَةِ ( أَبْدَانٍ بِأُجْرَةِ نِصْفِ عَمَلِهِ ) ؛ لِعَمَلِهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِعَقْدٍ يَبْتَغِي بِهِ الْفَضْلَ فِي ثَانِي الْحَالِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَابِلَ الْعَمَلَ فِيهِ عِوَضٌ كَالْمُضَارَبَةِ .
فَإِذَا كَانَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا مَثَلًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ خَمْسَةً تَقَاصَّا بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ وَرَجَعَ ذُو الْعَشَرَةِ بِدِرْهَمَيْنِ و نِصْفٍ ( وَ ) يَرْجِعُ كُلٌّ ( مِنْ ثَلَاثَةِ ) شُرَكَاءَ عَلَى شَرِيكِهِ ( بِأُجْرَةِ ثُلُثَيْ عَمَلِهِ ) وَمِنْ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ .
وَهَكَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرِيكَيْنِ .

( وَمَنْ تَعَدَّى ) مِنْ الشُّرَكَاءِ بِمُخَالَفَةٍ وَإِتْلَافٍ ( ضَمِنَ ) أَيْ : صَارَ ضَامِنًا لِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ ، صَحَّتْ الشَّرِكَةُ أَوْ فَسَدَتْ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ كَالْغَاصِبِ ( وَرِبْحِ مَالٍ ) تَعَدَّى فِيهِ ( لِرَبِّهِ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالٍ تَصَرَّفَ فِيهِ غَيْرُ مَالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ حِنْطَةً وَزَرَعَهَا .

( وَعَقْدٌ فَاسِدٌ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ وَتَبَرُّعٍ كَمُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ وَوَكَالَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَهَدِيَّةٍ وَوَقْفٍ ( كَ ) عَقْدٍ ( صَحِيحٍ فِي ضَمَانٍ وَعَدَمِهِ ) فَلَا يَضْمَنُ مِنْهَا مَا لَا يَضْمَنُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ ؛ لِدُخُولِهِمَا عَلَى ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ قَابِضُ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِقَبْضِهَا مَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهِ ، وَهُوَ مُفَرِّطٌ بِقَبْضِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ ، فَهُوَ مِنْ الْقَبْضِ الْبَاطِلِ لَا الْفَاسِدِ ( وَكُلُّ ) عَقْدٍ ( لَازِمٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ يَجِبُ فِي فَاسِدِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهَا ) كَقَرْضٍ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْعُقُودِ إنْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُهُ فَكَذَلِكَ فَاسِدُهُ .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ حَالٍ ضَمِنَ فِيهَا فِي الصَّحِيحِ ضَمِنَ فِيهَا فِي الْفَاسِدِ ، فَإِنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا تُضْمَنُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ بَلْ الْعَيْنُ بِالثَّمَنِ ، وَالْمَقْبُوضُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ ، وَالْإِجَارَةُ الصَّحِيحَةُ تَجِبُ فِيهَا الْأُجْرَةُ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا ، انْتَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ رِوَايَتَانِ ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ دُونَ الْفَاسِدِ .

فَصْلٌ : الضَّرْبُ الثَّانِي : الْمُضَارَبَةُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَيْ : السَّفَرِ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ ، أَوْ مِنْ ضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ ، وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَهَا قَرْضًا مِنْ قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ أَيْ : قَطَعَهُ كَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اقْتَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ وَسَلَّمَهَا لَهُ ، وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا ، أَوْ مِنْ الْمُقَارَضَةِ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ ، يُقَالُ : تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إذَا تَوَازَنَا .
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهَا .
وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ ، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا .
( وَهِيَ ) شَرْعًا ( دَفْعُ مَالٍ ) أَيْ : نَقْدٍ مَضْرُوبٍ غَيْرِ مَغْشُوشٍ كَثِيرًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ ( وَمَا فِي مَعْنَاهُ ) أَيْ : مَعْنَى الدَّفْعِ ، كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ إذَا قَالَ رَبُّهَا لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ : ضَارِبْ بِهَا عَلَى كَذَا ( مُعَيَّنٍ ) أَيْ : الْمَالِ .
فَلَا يَصِحُّ : ضَارِبْ بِإِحْدَى هَذَيْنِ الْكِيسَيْنِ ، تَسَاوَى مَا فِيهِمَا أَوْ اخْتَلَفَ ، عَلِمَا مَا فِيهِمَا أَوْ جَهِلَاهُ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ الْجَهَالَةُ فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ ( مَعْلُومٍ قَدْرُهُ ) فَلَا تَصِحُّ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ ؛ لِيُعْلَمَ الرِّبْحُ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ الْجَهْلِ ( لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ ) أَيْ : الْمَالِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ " دَفْعُ " ( بِجُزْءٍ ) مُتَعَلِّقٌ ب يَتَّجِرُ ( مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ ) كَنِصْفِهِ أَوْ عُشْرِهِ ( لَهُ ) أَيْ : لِلْمُتَّجِرِ فِيهِ ( أَوْ لِقِنِّهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِقِنِّهِ لَهُ .
فَلَوْ جَعَلَاهُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَبْدِ أَحَدِهِمَا أَثْلَاثًا كَانَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرَاهُ أَيْ : الْعَبْدَ ،

وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ( أَوْ ) لِلْمُتَّجِرِ فِيهِ ( وَلِأَجْنَبِيٍّ مَعَ عَمَلٍ مِنْهُ ) أَيْ : الْأَجْنَبِيِّ .
كَمَا لَوْ قَالَ : خُذْهُ فَاتَّجِرْ بِهِ أَنْتَ وَفُلَانٌ وَمَا رُبِحَ فَلَكُمَا نِصْفُهُ ، فَيَكُونَانِ عَامِلَيْنِ فِي الْمَالِ .
فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا عَمَلًا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يَعُودُ إلَى الرِّبْحِ كَشَرْطِ دَرَاهِمَ وَإِنْ قَالَ : لَك الثُّلُثَانِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَ امْرَأَتَكَ نِصْفَهُ فَكَذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ هُنَا غَيْرُ قِنِّهِمَا ، وَلَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا لِأَحَدِهِمَا ( وَتُسَمَّى ) الْمُضَارَبَةُ ( قَرْضًا ) وَتَقَدَّمَ ( وَ ) تُسَمَّى أَيْضًا ( مُعَامَلَةً ) مِنْ الْعَمَلِ ( وَهِيَ أَمَانَةٌ ) بِدَفْعِ الْمَالِ ( وَوَكَالَةٌ ) بِالْإِذْنِ فِي الصَّرْفِ ( فَإِنْ رَبِحَ ) الْمَالُ بِالْعَمَلِ ( فَشَرِكَةٌ ) لِصَيْرُورَتِهِمَا شَرِيكَيْنِ فِي رِبْحِ الْمَالِ ( وَإِنْ فَسَدَتْ ) الْمُضَارَبَةُ ( فَإِجَارَةٌ ) أَيْ : كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ .

( وَإِنْ تَعَدَّى ) عَامِلٌ فِي الْمَالِ فَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ ( ف ) ك ( غَصْبٍ ) فِي الضَّمَانِ لِتَعَدِّيهِ وَيَرُدُّ الْمَالَ وَرِبْحَهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ تَعَدَّى الْمُضَارِبُ الشَّرْطَ أَوْ فِعْلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ تَرْكُ مَا يَلْزَمُهُ ضَمِنَ الْمَالَ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَرِبْحُهُ لِرَبِّهِ ، وَعَنْهُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ .

( وَلَا يُعْتَبَرُ ) لِمُضَارَبَةٍ ( قَبْضُ ) عَامِلٍ ( رَأْسَ الْمَالِ ) فَتَصِحُّ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ رَبِّهِ ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْعَمَلُ ( وَلَا الْقَوْلُ ) أَيْ : قَوْلُ : قَبِلْتُ وَنَحْوُهُ ( فَتَكْفِي مُبَاشَرَتُهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( لِلْعَمَلِ ) وَيَكُونُ قَبُولًا لَهَا كَالْوَكَالَةِ .

( وَتَصِحُّ ) الْمُضَارَبَةُ ( مِنْ مَرِيضٍ ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَبْتَغِي الْفَضْلَ أَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ ( وَلَوْ سَمَّى ) فِيهَا ( لِعَامِلِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ ) فَيَسْتَحِقُّهُ ( وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ ، فَمَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَابَى أَجِيرًا فِي الْأَجْرِ فَإِنَّ الْأَجْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ ، أَوْ سَاقَى أَوْ زَارَعَ مُحَابَاةً ، فَتُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ لِخُرُوجِ الْمَشْرُوطِ فِيهِمَا مِنْ عَيْنِ مِلْكِهِ ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ .

( وَ ) قَوْلُ رَبِّ مَالٍ لِآخَرَ ( اتَّجِرْ بِهِ وَكُلُّ رِبْحِهِ لِي إبْضَاعٌ ) ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ( لَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ، وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ : وَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
( وَ ) قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِآخَرَ ( اتَّجِرْ بِهِ وَكُلُّهُ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( لَك قَرْضٌ ) لَا مُضَارَبَةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْقَرْضِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، فَإِنْ قَالَ مَعَهُ : وَلَا ضَمَانَ عَلَيْكَ لَمْ يَنْتَفِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ( لَا حَقَّ لِرَبِّهِ ) أَيْ : الدَّافِعِ ( فِيهِ ) أَيْ : الرِّبْحِ .
.
( وَ ) إنْ قَالَ : اتَّجِرْ بِهِ وَالرِّبْحُ ( بَيْنَنَا ) صَحَّ مُضَارَبَةً و ( يَسْتَوِيَانِ فِيهِ ) أَيْ : الرِّبْحِ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمَا إضَافَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ أَحَدُهُمَا .

( وَ ) إنْ قَالَ ( خُذْهُ مُضَارَبَةً وَلَك ) رِبْحُهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ، ( أَوْ ) قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً ( وَلِي رِبْحُهُ لَمْ يَصِحَّ ) وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الصَّحِيحَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِذَا شُرِطَ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِهِ فَقَدْ شُرِطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ ، كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَقُلْ : مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِمَا أُثْبِتَ حُكْمُهُ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْقَرْضِ ، وَإِنْ قَالَ : اتَّجِرْ بِهِ ( وَلِي ) ثُلُثُ الرِّبْحِ يَصِحُّ وَبَاقِيهِ لِلْآخَرِ ، ( أَوْ ) قَالَ : اتَّجِرْ بِهِ ( وَلَك ثُلُثُهُ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( يَصِحُّ ) مُضَارَبَةً ( وَبَاقِيهِ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( لِلْآخَرِ ) الَّذِي لَمْ يُسَمِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمَا .
وَإِنْ قُدِّرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ فَالْبَاقِي لِلْآخَرِ بِمَفْهُومِ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } لِمَا لَمْ يَذْكَرْ نَصِيبُ الْأَبِ عُلِمَ أَنَّ الْبَاقِي لَهُ وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ، وَقَالَ : لِزَيْدٍ مِنْهَا ثَلَاثُونَ فَالْبَاقِي لِعَمْرٍو ، أَوْ اتَّجِرْ بِهِ وَلَك نِصْفٌ وَلِي ثُلُثٌ وَسَكَتَ عَنْ السُّدُسِ صَحَّ وَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَخُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ أَوْ بِالثُّلُثِ وَنَحْوَهُ صَحَّ وَالْمُقَدَّرُ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُرَادُ لِأَجْلِهِ وَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ بِمَالِهِ لَا بِالشَّرْطِ ، وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَهُوَ يَكْثُرُ وَيَقِلُّ وَإِنَّمَا تَتَقَدَّرُ حِصَّتُهُ بِالشَّرْطِ ( وَإِنْ أَتَى مَعَهُ ) أَيْ : الثُّلُثِ وَنَحْوِهِ ( بِرُبُعِ عُشْرِ الْبَاقِي ) بِأَنْ قَالَ : اتَّجِرْ بِهِ وَلَك الثُّلُثُ وَرُبُعُ عُشْرِ الْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ ( وَنَحْوِهِ ) كَاتَّجِرْ بِهِ عَلَى الرُّبُعِ وَخُمُسِ ثُمُنِ الْبَاقِي ( صَحَّ ) وَإِنْ جَهِلَا الْحِسَابَ ؛ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مَعْلُومَةٌ مُقَدَّرَةٌ تَخْرُجُ

بِالْحِسَابِ لَا تَخْتَصُّ بِهِمَا .

( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهَا ) أَيْ : الْمُضَارَبَةِ لِمَنْ الْمَشْرُوطُ ؟ فَلِعَامِلٍ ( أَوْ ) اخْتَلَفَا ( فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ ) فِي ( مُزَارَعَةٍ لِمَنْ ) الْجُزْءُ ( الْمَشْرُوطُ ؟ ف ) هُوَ ( لِعَامِلٍ ) ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ لِكَوْنِهِ نَمَاءَهُ وَفَرْعَهُ ، وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ ( وَمُضَارَبَةٍ فِيمَا لِعَامِلٍ أَنْ يَفْعَلُهُ ) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَأَخْذٍ وَإِعْطَاءٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَبَيْعِ نَسَاءٍ وَبِعَرَضٍ وَشِرَاءِ مَعِيبٍ وَإِيدَاعٍ لِحَاجَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ( أَوْ لَا ) يَفْعَلُهُ كَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَقَرْضٍ وَأَخْذِ سَفْتَجَةٍ وَإِعْطَائِهَا وَنَحْوِهِ .
( وَ ) فِي ( مَا يَلْزَمُهُ ) مِنْ نَشْرٍ وَطَيٍّ وَخَتْمٍ وَحِرْزٍ وَنَحْوِهِ ( وَفِي شُرُوطٍ ) صَحِيحَةٍ وَمُفْسِدَةٍ وَفَاسِدَةٍ ( كَشَرِكَةِ عِنَانٍ ) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِالْإِذْنِ .

( وَإِنْ قِيلَ ) أَيْ : قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِعَامِلٍ ( اعْمَلْ بِرَأْيِكَ ) أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ تَعَالَى ( وَهُوَ ) أَيْ : الْعَامِلُ ( مُضَارِبٌ بِالنِّصْفِ فَدَفَعَهُ ) أَيْ : الْمَالَ ( ل ) عَامِلٍ ( آخَرَ ) لِيَعْمَلَ بِهِ ( بِالرُّبُعِ ) مِنْ رِبْحِهِ صَحَّ ، وَ ( عُمِلَ بِهِ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى دَفْعَهُ إلَى أَبْصَرَ مِنْهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَذَنْتُك فِي دَفْعِهِ مُضَارَبَةً صَحَّ ، وَالْمَقُولُ لَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ دَفَعَهُ لِآخَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ وَالرِّبْحُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا .
( وَمَلَكَ ) الْعَامِلُ أَيْضًا إذَا قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِك أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ ( الزِّرَاعَةَ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْتَغَى بِهَا النَّمَاءُ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الْمُزَارَعَةِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَ ( لَا ) يَمْلِكُ مَنْ قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ ( التَّبَرُّعَ وَنَحْوَهُ ) كَقَرْضٍ وَمُكَاتَبَةِ رَقِيقٍ وَعِتْقِهِ بِمَالٍ وَتَزْوِيجِهِ ( إلَّا بِإِذْنٍ ) صَرِيحٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُبْتَغَى بِهِ التِّجَارَةُ .

( وَإِنْ فَسَدَتْ ) الْمُضَارَبَةُ ( فَلِعَامِلٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) نَصًّا ( وَلَوْ خَسِرَ ) الْمَالُ وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْمُضَارَبَةِ وَحَيْثُ فَاتَهُ الْمُسَمَّى وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ إلَّا لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ إذَا تَقَابَضَا وَتَلِفَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ .
لَكِنْ لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ : خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ لِتَبَرُّعِهِ بِعَمَلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعَانَهُ أَوْ تَوَكَّلَ لَهُ بِلَا جُعْلٍ .

( وَإِنْ رَبِحَ ) فِي مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ ( ف ) الرِّبْحُ ( لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ .

( وَتَصِحُّ ) الْمُضَارَبَةُ ( مُؤَقَّتَةً ) كَضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ سَنَةً ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ فَجَازَ تَقْيِيدُهُ بِالزَّمَانِ كَالْوَكَالَةِ .
( وَ ) إنْ قَالَ : ضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ وَ ( إذَا مَضَى كَذَا فَلَا تَشْتَرِ ) شَيْئًا ( أَوْ فَهُوَ قَرْضٌ فَإِذَا مَضَى ) الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ لَمْ يَشْتَرِ فِي الْأُولَى وَإِنْ مَضَى فِي الثَّانِيَةِ ( وَهُوَ مَتَاعٌ فَلَا بَأْسَ ) بِهِ ( إذَا بَاعَهُ كَانَ قَرْضًا ) نَصًّا نَقَلَهُ مُهَنَّا .
( وَ ) تَصِحُّ ( مُعَلَّقَةً ) ؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَالْوَكَالَةِ ( كَإِذَا جَاءَ زَيْدٌ فَضَارِبْ بِهَذَا ) الْمَالِ ( أَوْ اقْبِضْ دَيْنِي ) مِنْ فُلَانٍ ( وَضَارِبْ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ وَمَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ ، فَجَازَ جَعْلُهُ مُضَارَبَةً إذَا قَبَضَهُ كَاقْبِضْ أَلْفًا مِنْ غُلَامِي وَضَارِبْ بِهِ .

وَ ( لَا ) تَصِحُّ إنْ قَالَ : ( ضَارِبْ بِدَيْنِي عَلَيْكَ أَوْ ) ضَارِبْ بِدَيْنِي ( عَلَى زَيْدٍ فَاقْبِضْهُ ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ مِلْكٌ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَمْلِكُهُ رَبُّهُ إلَّا بِقَبْضِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ قَالَ : اعْزِلْ دَيْنِي عَلَيْكَ وَقَدْ قَارَضْتُك بِهِ فَفَعَلَ وَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَحَصَلَ الشِّرَاءُ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْقَرْضَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِذَا قَبَضْته فَقَدْ جَعَلْتُهُ بِيَدِكَ مُضَارَبَةً فَفَعَلَ صَحَّ لِصِحَّةِ قَبْضِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِهِ .

( وَيَصِحُّ ) إنْ قَالَ : ضَارِبْ ( بِوَدِيعَةٍ ) لِي عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ عِنْدَك مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَهَا ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ فَجَازَ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضْمَنُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا .
( وَ ) تَصِحُّ مُضَارَبَةٌ إذَا قَالَ : ضَارِبْ ب ( غَصْبٍ ) لِي ( عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ عِنْدَك ) مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ ، وَقَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ وَكَذَا بِعَارِيَّةٍ ( وَيَزُولُ الضَّمَانُ ) عَنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمْسِكًا لَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ مَالِكُهُ ثُمَّ أَقَبَضَهُ لَهُ فَإِنْ تَلِفَا فَكَمَا تَقَدَّمَ ( كَ ) مَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ ( بِثَمَنِ عَرَضٍ ) بَاعَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ ثُمَّ ضَارَبَهُ عَلَى ثَمَنِهِ .

( وَمَنْ عَمِلَ مَعَ مَالِكِ ) نَقْدٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ وَحَبٍّ فِي تَنْمِيَةِ ذَلِكَ بِأَنْ عَاقَدَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِيهِ ( وَالرِّبْحُ ) فِي الْمُضَارَبَةِ أَوْ الثَّمَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوْ الزَّرْعِ فِي الْمُزَارَعَة ( بَيْنَهُمَا ) أَنْصَافًا أَوْ أَثْلَاثًا وَنَحْوَهُ ( صَحَّ ) ذَلِكَ ( وَكَانَ مُضَارَبَةً ) فِي مَسْأَلَةِ النَّقْدِ نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْمُضَارَبَةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ( وَ ) كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّجَرِ ( مُسَاقَاةً وَ ) فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ وَالْحَبِّ ( مُزَارَعَةً ) قِيَاسًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
( وَإِنْ شَرَطَ ) الْعَامِلُ ( فِيهِنَّ ) أَيْ : الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ ( عَمَلَ مَالِكٍ أَوْ ) عَمَلَ ( غُلَامِهِ ) أَيْ : رَقِيقِهِ ( مَعَهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْعَمَلِ ( صَحَّ ، ك ) شَرْطِهِ عَلَيْهِ عَمَلَ ( بَهِيمَتِهِ ) بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ .

وَيَجُوزُ دَفْعُ مُضَارَبَةٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، وَمَا شُرِطَ مِنْ الرِّبْحِ فِي نَظِيرِ الْعَمَلِ فَعَلَى عَدَدِهِمْ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ فُوضِلَ بَيْنَهُمْ فِيهِ جَازَ .
وَإِنْ قَارَضَ اثْنَانِ وَاحِدًا بِأَلْفٍ لَهُمَا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ مَثَلًا جَازَ ، وَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَحَدُهُمَا نِصْفَ رِبْحِ حِصَّتِهِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَ أَوْ نَحْوَهُ صَحَّ وَبَاقِي رِبْحِ كُلِّ مَالٍ لِرَبِّهِ ، وَإِنْ جَعَلَا الْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَشْتَرِطُ جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مَالِ الْآخَرِ بِلَا عَمَلٍ مِنْهُ ، وَإِنْ دَفَعَ وَاحِدٌ لِآخَرَ أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي أَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ ، وَفِي الْآخَرِ بِالثُّلُثِ وَنَحْوَهُ صَحَّ ، حَيْثُ عَيَّنَ كُلًّا مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ اعْمَلْ فِي هَذَا بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي الْآخَرِ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ .

فَصْلٌ : وَلَيْسَ لِعَامِلٍ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَظَاهِرُهُ لِقَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ إقْرَارٍ بِحُرِّيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا ( فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ : اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ( صَحَّ ) الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَابِلٌ لِلْعُقُودِ ، فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ كَغَيْرِهِ ( وَعَتَقَ ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ ( وَضَمِنَ ) عَامِلٌ ( ثَمَنَهُ ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ) أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ ؛ لِتَلَفِهِ ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ كُلَّ الْمَالِ انْفَسَخَتْ كُلُّهَا ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ اشْتَرَى ) عَامِلٌ ( وَلَوْ بَعْضَ زَوْجٍ أَوْ ) بَعْضَ ( زَوْجَةٍ لِمَنْ لَهُ فِي الْمَالِ مِلْكٌ ) وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ ( صَحَّ ) الشِّرَاءُ لِوُقُوعِهِ عَلَى مَا يُمْكِنُ طَلَبُ الرِّبْحِ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ( وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ ، وَيَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِشِرَاءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَامِلِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ اشْتَرَى زَوْجَ رَبَّةِ الْمَالِ فِيمَا يَفُوتُهَا مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ .

( وَإِنْ اشْتَرَى ) عَامِلُ الْمُضَارَبَةِ ( مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُضَارِبِ ، كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ ( وَظَهَرَ رِبْحٌ ) فِي الْمُضَارَبَةِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ ثَمَنُ الْأَبِ وَالْأَخِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ ظَاهِرًا حِينَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقٍ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ ( عَتَقَ ) كُلُّهُ ؛ لِمِلْكِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالظُّهُورِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّ ثَمَنِهِ مِنْ الرِّبْحِ لَكِنَّهُ مُوسِرٌ بِقِيمَةِ بَاقِيهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِفِعْلِهِ فَعِتْقُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ حَتَّى بَاعَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ( فَلَا ) يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ .

( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( الشِّرَاءُ ) أَيْ : لِنَفْسِهِ ( مِنْ مَالِهَا ) أَيْ : الْمُضَارَبَةِ ( إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ شِرَاؤُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِإِذْنِهِ كَالْوَكِيلِ ( وَيَحْرُمُ ) عَلَى الْعَامِلِ ( أَنْ يُضَارِبَ ) أَيْ : يَأْخُذَ مُضَارَبَةً ( لِآخَرَ إنْ أَضَرَّ ) اشْتِغَالُهُ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ الثَّانِي رَبِّ الْمَالِ ( الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مَقْصُودَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ طَلَبِ النَّمَاءِ وَالْحَظِّ ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ الْأَوَّلَ ، بِأَنْ كَانَ مَالُ الثَّانِي يَسِيرًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي مَالِ الْأَوَّلِ جَازَ ( فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ : ضَارَبَ لِآخَرَ حَيْثُ يَضُرُّ الْأَوَّلَ ( رَدَّ ) الْعَامِلُ ( مَا خَصَّهُ ) مِنْ رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ نَصًّا ، فَيَدْفَعُ لِرَبِّ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَ الْعَامِلِ ، فَيُضَمُّ لِرِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى وَيَقْتَسِمُهُ مَعَ رَبِّهَا عَلَى مَا اشْتَرَطَاهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ .

( وَلَا يَصِحُّ لِرَبِّ الْمَالِ الشِّرَاءُ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ( لِنَفْسِهِ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَشِرَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ، ( وَإِنْ اشْتَرَى شَرِيكٌ نَصِيبَ شَرِيكِهِ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهُ شَرِيكًا ( وَإِنْ اشْتَرَى الْجَمِيعَ ) أَيْ : حِصَّتَهُ وَحِصَّةَ شَرِيكِهِ ( صَحَّ ) الشِّرَاءُ ( فِي نَصِيبِ مَنْ بَاعَهُ فَقَطْ ) لِمَا تَقَدَّمَ .

( وَلَا نَفَقَةَ لِعَامِلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعَمَلِ بِجُزْءٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا لَأَفْضَى إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالرِّبْحِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ غَيْرَهَا ( إلَّا بِشَرْطٍ ) نَصًّا كَوَكِيلٍ ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : أَوْ عَادَةٍ : وَيَصِحُّ شَرْطُهَا سَفَرًا أَوْ حَضَرًا ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ ( فَإِنْ اُشْتُرِطَتْ ) نَفَقَةُ الْعَامِلِ ( مُطْلَقَةً وَاخْتَلَفَا ) أَيْ : تَشَاحَّا فِيهَا ( فَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ عُرْفًا مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ ) ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَقْتَضِي جَمِيعَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ كَالزَّوْجَةِ .
( وَلَوْ لَقِيَهُ ) أَيْ : لَقِيَ رَبُّ الْمَالِ الْعَامِلَ ( بِبَلَدٍ وَأَذِنَ ) لَهُ ( فِي سَفَرِهِ إلَيْهِ ) بِالْمَالِ ( وَقَدْ نَضَّ ) الْمَالُ بِأَنْ صَارَ الْمَتَاعُ نَقْدًا ( فَأَخَذَهُ ) رَبُّهُ مِنْهُ ( فَلَا نَفَقَةَ ) لِعَامِلٍ ( لِرُجُوعِهِ ) إلَى بَلَدِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَا دَامَ فِي الْقِرَاضِ ، وَقَدْ زَالَ وَلَوْ مَاتَ لَمْ يُكَفَّنْ مِنْهُ وَلَوْ اشْتَرَطَ النَّفَقَةَ .
( وَإِنْ تَعَدَّدَ رَبُّ الْمَالِ ) بِأَنْ كَانَ عَامِلًا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ عَامِلًا لِوَاحِدٍ وَمَعَهُ مَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ بِضَاعَةٌ لِآخَرَ وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ نَفَقَةَ السَّفَرِ ( فَهِيَ ) أَيْ : النَّفَقَةُ ( عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَجَبَتْ لِأَجْلِ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ فَكَانَتْ عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلٍّ فِيهِ ( إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا بَعْضُ ) أَرْبَابِ الْمَالِ ( مِنْ مَالِهِ عَالِمًا بِالْمَالِ ) وَهُوَ كَوْنُ الْعَامِلِ يَعْمَلُ فِي مَالِ آخَرَ مَعَ مَالِهِ ، فَيَخْتَصُّ بِهَا لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالَ فَعَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ .

( وَلَهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( الشِّرَاءُ ) مِنْ مَالِ مُضَارَبَةٍ ( بِإِذْنِ ) رَبِّ الْمَالِ ( فَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً ) لِلتَّسَرِّي بِهَا ( مَلَكَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ( وَصَارَ ثَمَنُهَا قَرْضًا ) عَلَى الْعَامِلِ ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَرُّعِ بِهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ، وَإِنْ وَطِئَ عَامِلٌ أَمَةً مِنْ الْمَالِ عُزِّرَ نَصًّا ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الرِّبْحِ يَنْبَنِي عَلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ السِّلْعَةَ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِمَّا قُوِّمَتْ بِهِ فَهُوَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ .
وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَطَأْ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَظَهَرَ رِبْحٌ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهِيَ وَوَلَدُهَا مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ ( وَلَا يَطَأُ رَبُّهُ ) أَيْ : الْمَالِ ( أَمَةً ) مِنْ الْمُضَارَبَةِ ( وَلَوْ عَدِمَ الرِّبْحَ ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ خَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَحُسِبَتْ قِيمَتُهَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْعَامِلِ مِنْهُ حِصَّتُهُ .

( و لَا رِبْحَ لِعَامِلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ ) أَيْ : يُسَلِّمَهُ لِرَبِّهِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْفَاضِلُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا لَمْ يَفْضُلْ فَلَيْسَ بِرِبْحٍ ( فَإِنْ رَبِحَ فِي إحْدَى سِلْعَتَيْنِ ) وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى ( أَوْ ) رَبِحَ فِي إحْدَى ( سَفْرَتَيْنِ وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى أَوْ تَعَيَّبَتْ ) سِلْعَةٌ وَزَادَتْ أُخْرَى ( أَوْ نَزَلَ السِّعْرُ أَوْ تَلِفَ بَعْضُ ) الْمَالِ ( بَعْدَ عَمَلِ ) عَامِلٍ فِي الْمُضَارَبَةِ ( فَالْوَضِيعَةُ ) فِي بَعْضِ الْمَالِ تُجْبَرُ ( مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ قَبْلَ قَسْمِهِ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( نَاضًّا ) أَيْ : نَقْدًا ( أَوْ ) قَبْلَ ( تَنْضِيضِهِ مَعَ مُحَاسَبَتِهِ ) نَصًّا فَإِنْ تَقَاسَمَا الرِّبْحَ وَالْمَالُ نَاضٌّ ، أَوْ تَحَاسَبَا بَعْدَ تَنْضِيضِ الْمَالِ وَأَبْقَيَا الْمُضَارَبَةَ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ .
فَمَا رُبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ بِهِ وَضِيعَةُ الْأَوَّلِ ، إجْرَاءً لِلْمُحَاسَبَةِ مَجْرَى الْقِسْمَةِ وَلَا يَحْتَسِبَانِ عَلَى الْمَتَاعِ نَصًّا ؛ لِأَنَّ سِعْرَهُ يَنْحَطُّ وَيَرْتَفِعُ ، وَلَوْ اقْتَسَمَ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ الرِّبْحَ أَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ خَسِرَ ، كَانَ عَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ مَا لَمْ تَنْجَبِرْ الْخَسَارَةُ نَصًّا .
وَلَوْ دَفَعَ مِائَةً مُضَارَبَةً فَخَسِرَتْ عَشَرَةً ثُمَّ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مِنْهَا ، عَشَرَةً فَالْخُسْرَانُ لَا يَنْقُصُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فَجُبِرَ الْخُسْرَانُ ، لَكِنَّهُ نَقَصَ بِمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ وَقِسْطُهَا مِنْ الْخُسْرَانِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَتُسْعُ دِرْهَمٍ .
وَيَبْقَى رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِينَ وَثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ أَخَذَ نِصْفَ التِّسْعِينَ الْبَاقِيَةَ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ خَمْسِينَ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ ، وَكَذَلِكَ إذَا رَبِحَ الْمَالُ ثُمَّ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ بَعْضَهُ كَانَ مَا أَخَذَهُ

مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ ، فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً وَرَبِحَ عِشْرِينَ فَأَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ فَقَدْ أَخَذَ سُدُسَ الْمَالِ ، فَنَقَصَ رَأْسُ الْمَالِ سُدُسَهُ وَهُوَ سِتَّةُ عَشَرَ وَثُلُثَانِ ، يَبْقَى ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ ، وَإِنْ أَخَذَ سِتِّينَ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ ، وَإِنْ أَخَذَ خَمْسِينَ بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُثٌ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ رُبُعَ الْمَالِ وَسُدُسَهُ ، فَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَرُبُعُهُ وَهُوَ مَا ذُكِرَ لَنَا .

( وَيَنْفَسِخُ ) مُضَارَبَةً ( فِيمَا تَلِفَ ) مِنْ مَالِهَا ( قَبْلَ عَمَلِ ) الْعَامِلِ فِي مَالِهَا وَيَصِيرُ الْبَاقِي رَأْسَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْعَمَلِ لَمْ يُصَادِفْ إلَّا الْبَاقِيَ فَكَانَ هُوَ رَأْسَ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ دَارَ بِالتَّصَرُّفِ فَوَجَبَ إكْمَالُهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الرِّبْحَ ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الشَّرْطِ .

( فَإِنْ تَلِفَ الْكُلُّ ) أَيْ : كُلُّ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ ( ثُمَّ اشْتَرَى ) الْعَامِلُ ( لِلْمُضَارَبَةِ شَيْئًا مِنْ السِّلَعِ ( فَ ) هُوَ ( كَفُضُولِيٍّ ) لِانْفِسَاخِ الْمُضَارَبَةِ بِتَلَفِ الْمَالِ فَبَطَلَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ فَقَدْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَيْ : فَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَثَمَنُهُ عَلَيْهِ ، عَلِمَ بِالتَّلَفِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَا مَا لَمْ يُجِزْ رَبُّ الْمَالِ شِرَاءَهُ .

( وَإِنْ تَلِفَ ) مَالُ الْمُضَارَبَةِ ( بَعْدَ شِرَائِهِ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( فِي ذِمَّتِهِ وَقَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِ ) مَا اشْتَرَاهُ .
فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ( أَوْ ) تَلِفَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ الْعَمَلِ ( مَعَ مَا اشْتَرَاهُ ) لَهَا ( فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ) لِوُقُوعِ تَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ ( وَيُطَالَبَانِ ) أَيْ : رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ ( بِالثَّمَنِ ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْعَامِلُ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِرَبِّ الْمَالِ وَمُبَاشَرَةِ الْعَامِلِ ( وَيَرْجِعُ بِهِ ) أَيْ : الثَّمَنِ ( عَامِلٌ ) إنْ دَفَعَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ لِلُزُومِهِ لَهُ أَصَالَةً وَالْعَامِلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّامِنِ ، وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ الثَّمَنُ دُونَ التَّالِفِ لِتَلَفِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ .

( وَإِنْ أَتْلَفَهُ ) أَيْ : أَتْلَفَ الْعَامِلُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ( ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِلَا إذْنِ ) رَبِّ الْمَالِ ( لَمْ يَرْجِعْ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( بِشَيْءٍ ) وَالْعَامِلُ بَاقٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ .
ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ .

( وَإِنْ قَتَلَ قِنَّهَا ) أَيْ : الْمُضَارَبَةِ عَمْدًا ( فَلِرَبِّ الْمَالِ ) أَنْ يَقْتَصّ بِشَرْطِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَقْتُولِ .
وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ لِذَهَابِ رَأْسِ الْمَالِ وَلَهُ ( الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ وَيَكُونُ ) الْمَالُ الْمَعْفُوُّ عَلَيْهِ ( كَبَدَلِ الْمَبِيعِ ) أَيْ : ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهُ ( وَالزِّيَادَةُ ) فِي الْمَالِ الْمَعْفُوِّ عَلَيْهِ ( عَلَى قِيمَتِهِ ) أَيْ : الْمَقْتُولِ ( رِبْحٌ ) فِي الْمُضَارَبَةِ ( وَمَعَ رِبْحٍ ) أَيْ : وَإِنْ كَانَ ظَهَرَ رِبْحٌ فِي الْمُضَارَبَةِ وَقُتِلَ قِنُّهَا عَمْدًا ف ( الْقَوَدُ ) إلَيْهِمَا أَيْ : إلَى رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ كَالْمُصَالَحَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا شَرِيكَيْنِ بِظُهُورِ الرِّبْحِ ( وَيَمْلِكُ عَامِلٌ حِصَّتَهُ مِنْ رِبْحٍ ب ) مُجَرَّدِ ( ظُهُورِهِ قَبْلَ قِسْمَةٍ كَمَالِكِ ) الْمَالِ وَكَمَا فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ .
فَيَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا وُجِدَ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ .
وَأَيْضًا فَهَذَا الْجُزْءُ مَمْلُوكٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَالِكٍ وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ اتِّفَاقًا .
فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ وَلِمِلْكِهِ الطَّلَبُ بِالْقِسْمَةِ .
وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيَكُونَ وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ كَنَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُضَارِبُ إلَّا أَنَّهُ صَرَفَ الذَّهَبَ بِوَرِقٍ فَارْتَفَعَ الصَّرْفُ اسْتَحَقَّهُ نَصًّا .

وَ ( لَا ) يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ ( الْأَخْذَ مِنْهُ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( إلَّا بِإِذْنِ ) رَبِّ الْمَالِ .
لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُشَاعٌ فَلَا يُقَاسِمُ نَفْسَهُ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ .
وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .

( وَتَحْرُمُ قِسْمَتُهُ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( وَالْعَقْدُ ) أَيْ : عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ ( بَاقٍ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ .
فَيَجْبُرُهُ بِالرِّبْحِ وَلَا الْعَامِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا أَخَذَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَتِهِ أَوْ بَعْضِهِ جَازَ ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ .

( وَإِنْ أَبَى مَالِكٌ الْبَيْعَ ) بَعْدَ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمَالُ عَرَضٌ وَطَلَبَهُ عَامِلٌ ( أُجْبِرَ ) رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ ( إنْ كَانَ ) فِيهِ ( رِبْحٌ ) نَصًّا .
لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِالْبَيْعِ ، فَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِتَوْفِيَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ .
فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ مَالِكٌ عَلَى بَيْعٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ وَرَبُّهُ رَضِيَهُ عَرَضًا

( وَمِنْهُ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( مَهْرُ ) أَمَتِهَا إنْ زُوِّجَتْ أَوْ وُطِئَتْ وَلَوْ مُطَاوِعَةً .
( وَ ) مِنْهُ ( ثَمَرَةُ ) شَجَرِهَا ( وَأُجْرَةُ ) شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا أَوْ جُزْءٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُهَا ( وَ ) مِنْهُ ( أَرْشُ ) جِنَايَةٍ عَلَى رَقِيقِهَا ( وَ ) مِنْهُ ( نِتَاجٌ ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهَا كَكَسْبِ عَبْدِهَا .

( وَإِتْلَافُ مَالِكٍ ) مَالَ الْمُضَارَبَةِ ( كَقِسْمَةٍ فَيَغْرَمُ حِصَّةَ عَامِلٍ ) مِنْ رِبْحٍ ( كَ ) مَا لَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ ( أَجْنَبِيٍّ ) .

( وَحَيْثُ فُسِخَتْ ) الْمُضَارَبَةُ ( وَالْمَالُ عَرَضٌ أَوْ دَرَاهِمُ وَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ عَكْسَهُ ) بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ وَأَصْلُهُ دَرَاهِمَ ( فَرَضِيَ رَبُّهُ بِأَخْذِهِ ) أَيْ : مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ( قَوَّمَهُ ) أَيْ : مَالَ الْمُضَارَبَةِ ( وَدَفَعَ حِصَّتَهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي ظَهَرَ بِتَقْوِيمِهِ ( وَمِلْكُهُ ) أَيْ : مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ مَا قَابَلَ حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْعَامِلِ الْبَيْعَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِلَا حَظٍّ لِلْعَامِلِ فِيهِ .
فَإِنْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُطَالِبْ الْعَامِلُ رَبَّ الْمَالِ بِقِسْطِهِ كَمَا لَوْ ارْتَفَعَ بَعْدَ بَيْعِهِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) فَعَلَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ ( حِيلَةً عَلَى قَطْعِ رِبْحِ عَامِلٍ كَشِرَائِهِ خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ ) كَرَجَاءِ دُخُولِ مَوْسِمٍ أَوْ قَفْلٍ ( فَيَبْقَى حَقُّهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( فِي رِبْحِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْحِيلَةَ لَا أَثَرَ لَهَا نَصًّا ( وَإِنْ لَمْ يَرْضَ ) رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ فَسْخِ مُضَارَبَةٍ بِأَخْذِ الْعُرُوضِ أَوْ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَكْسِهِ ( فَعَلَى عَامِلٍ بَيْعُهُ وَقَبْضُ ثَمَنِهِ ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَالِ نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ أَوْ لَا .
فَإِنْ نَضَّ لَهُ قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ لَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّ الْبَاقِي .
وَلَوْ كَانَ صِحَاحًا فَنَضَّ قُرَاضَةً أَوْ مُكَسَّرَةً لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّهُ إلَى الصِّحَاحِ بِطَلَبِ رَبِّهَا ، فَيَبِيعُهَا بِصِحَاحٍ أَوْ بِعَرَضٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِهِ .

( كَ ) مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ بَعْدَ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ ( تَقَاضِيهِ ) أَيْ : مَالُ الْمُضَارَبَةِ ( لَوْ كَانَ دَيْنًا مِمَّنْ ) هُوَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَوْ لَا : لِاقْتِضَاءِ الْمُضَارَبَةِ رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَتِهِ وَالدَّيْنُ لَا يَجْرِي مَجْرَى النَّاضِّ ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّهُ كُلَّهُ لَا قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ .
لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا عَلَى وَجْهٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ .
وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقَاضِيهِ .

( وَلَا يَخْلِطُ ) عَامِلٌ ( رَأْسَ مَالٍ قَبَضَهُ ) مِنْ وَاحِدٍ ( فِي وَقْتَيْنِ ) بِلَا إذْنِهِ نَصًّا .
لِإِفْرَادِهِ كُلَّ مَالٍ بِعَقْدٍ فَلَا تُجْبَرُ وَضِيعَةُ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْهُ ( وَإِنْ أَذِنَ لَهُ ) رَبُّ الْمَالَيْنِ فِي خَلْطِهِمَا ( قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فِي ) الْمَالِ ( الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ ( وَقَدْ نَضَّ ) أَيْ : صَارَ نَقْدًا كَمَا أَخَذَهُ جَازَ وَصَارَ مُضَارَبَةً وَاحِدَةً ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً .
وَإِنْ كَانَ إذْنُهُ فِيهِ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنِضَّ حُرِّمَ الْخَلْطُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ اسْتَقَرَّ فَرِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ يَخْتَصُّ بِهِ .
فَضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ يُوجِبُ جُبْرَانَ خُسْرَانِ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي الثَّانِي فَسَدَ ( أَوْ قَضَى ) الْعَامِلُ ( بِرَأْسِ الْمَالِ دَيْنَهُ ثُمَّ اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ ) أَيْ : اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِجَاهِهِ وَبَاعَ يَحْصُلُ رِبْحٌ ( وَأَعْطَى رَبَّهُ ) أَيْ : رَبَّ الْمَالِ الَّذِي قَضَى بِهِ دَيْنَهُ ( حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ ) مِنْ تِجَارَتِهِ بِوَجْهِهِ ( مُتَبَرِّعًا بِهَا ) لِرَبِّ الْمَالِ ( جَازَ ) نَصًّا

( وَإِنْ مَاتَ عَامِلُ ) مُضَارَبَةٍ ( أَوْ ) مَاتَ ( مُودَعٌ ) بِفَتْحِ الدَّالِ ( أَوْ ) مَاتَ ( وَصِيٌّ ) عَلَى صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ ( وَجُهِلَ بَقَاءُ مَا بِيَدِهِمْ ) مِنْ مُضَارَبَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَمَالِ مَحْجُورِهِ ( ف ) هُوَ ( دَيْنٌ فِي التَّرِكَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ بِيَدِ الْمَيِّتِ وَاخْتِلَاطُهُ بِجُمْلَةِ التَّرِكَةِ .
وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ فَكَانَ دَيْنًا ؛ وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ الْمَالِكِ وَلَا إلَى إعْطَائِهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَيْنِ مَالِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ ، فَكَأَنَّهُ غَاصِبٌ فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ قُلْتُ : وَقِيَاسُهُ : وَكِيلٌ وَأَجِيرٌ وَعَامِلُ وَقْفٍ وَنَاظِرُهُ وَنَحْوُهُ .

( وَإِذَا أَرَادَ الْمَالِكُ ) لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مَوْتِ عَامِلِهِ ( تَقْرِيرَ وَارِثِ ) عَامِلٍ مَكَانَهُ ( ف ) تَقْرِيرُهُ ( مُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ ) لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى نَقْدٍ مَضْرُوبٍ .

( وَلَا يَبِيعُ ) وَارِثُ عَامِلٍ ( عَرَضًا ) لِلْمُضَارَبَةِ ( بِلَا إذْنِ ) رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْهُ .
وَكَذَا رَبُّ الْمَالِ لَا يَبِيعُ إلَّا بِإِذْنِ وَارِثِ عَامِلٍ ؛ لِحَقِّهِ فِي الرِّبْحِ ( فَيَبِيعُهُ حَاكِمٌ ) إنْ لَمْ يَأْذَنْ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ ( وَيَقْسِمُ الرِّبْحَ ) بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ( وَوَارِثُ الْمَالِكِ ) بَعْدَ مَوْتِهِ ( كَهُوَ ) أَيْ : كَالْمَالِكِ لَوْ انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ وَهُوَ حَيٌّ .
وَتَقَدَّمَ ( فَيَتَقَرَّرُ مَا لِمُضَارِبٍ ) مِنْ الرِّبْحِ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ .

( وَلَا يَشْتَرِي ) عَامِلٌ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا بِإِذْنِ وَرَثَتِهِ فَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُمْ ؛ لِبُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْعَامِلُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ ( فِي بَيْعِ ) عَرَضٍ ( وَاقْتِضَاءِ دَيْنٍ ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يَلْزَمُ الْمُضَارِبَ ( كَفَسْخِ ) مُضَارَبَةٍ ( وَالْمَالِكُ حَيٌّ ) وَتَقَدَّمَ .
فَإِنْ أَرَادَ الْوَارِثُ أَوْ وَلِيُّهُ إتْمَامَ مُضَارَبَةٍ وَالْمَالُ نَاضٌّ جَازَ .
وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ مُوَرِّثُهُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ رَأْسَ مَالِ الْوَارِثِ .
وَحِصَّةُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ شَرِكَةٌ لَهُ مُشَاعٌ .

( وَإِنْ أَرَادَ ) وَارِثُ رَبِّ الْمَالِ ( الْمُضَارَبَةَ وَالْمَالُ عَرَضٌ فَمُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ ) فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْعُرُوضِ .

فَصْلٌ وَالْعَامِلُ أَمِينٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ .
فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِ الْعَارِيَّةِ ( وَيُصَدَّقُ ) عَامِلٌ ( بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ رَأْسِ مَالٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ زَايِدًا .
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
وَلَوْ كَانَ ثُمَّ رِبْحٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ كَمَا لَوْ جَاءَ الْعَامِلُ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ : رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَالرِّبْحُ أَلْفٌ ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : بَلْ هُمَا رَأْسُ الْمَالِ فَقَوْلُ عَامِلٍ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ قُلْتُ : فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ فَنَضَّاهُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : رَأْسُهُ أَلْفَيْنِ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا ، وَقَالَ الْآخَرُ : بَلْ أَلْفٌ .
فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ : فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَبْقَى أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ أَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُصَدِّقُهُ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ رِبْحًا يَقْتَسِمُهَا رَبُّ الْمَالِ مَعَ الْآخَرِ أَثْلَاثًا لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَاهَا وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ نِصْفُهُ ، وَنَصِيبَ هَذَا الْعَامِلِ رُبْعُهُ فَيُقْسَمُ بَاقِي الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَمَا أَخَذَهُ الْحَالِفُ زَائِدًا كَالتَّالِفِ مِنْهُمَا فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَى الرِّبْحِ .

( وَ ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ ( رِبْحٍ وَعَدَمِهِ ) أَيْ : الرِّبْحِ ( وَ ) فِي ( هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ ) إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى تَأْمِينِهِ ( وَ ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ ( فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهَا ) أَيْ : الْمُضَارَبَةِ ( وَلَوْ ) أَيْ : وَكَذَا ( فِي ) شَرِكَةِ ( عِنَانٍ وَوُجُوهٍ ) وَكَذَا فِي مُفَاوَضَةٍ وَفِي شَرِكَةِ أَبْدَانٍ إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ دُونَ الشَّرِكَةِ فَيُصَدَّقُ الشَّرِيكُ فِيمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلشَّرِكَةِ : لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا تُعْلَمُ نِيَّتُهُ إلَّا مِنْهُ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ قُلْتُ ، وَكَذَا وَلِيُّ يَتِيمٍ وَوَكِيلٍ وَنَحْوِهِ .

( وَ ) يُصَدَّقُ عَامِلٌ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ ( مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ ) أَوْ تَفْرِيطٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا .
وَإِذَا شَرَطَ الْعَامِلُ النَّفَقَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى رَبِّهِ كَالْوَصِيِّ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ شَيْئًا وَقَالَ الْمَالِكُ : كُنْتُ نَهَيْتُك عَنْهُ وَأَنْكَرَ عَامِلٌ فَقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ .

( وَلَوْ أَقَرَّ ) عَامِلٌ ( بِرِبْحٍ ) أَيْ : بِأَنَّهُ رَبِحَ ( ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا أَوْ خَسَارَةً ) بَعْدَ الرِّبْحِ ( قُبِلَ ) قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ .

و ( لَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى ( غَلَطًا أَوْ كَذِبًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ ) ادَّعَى ( اقْتِرَاضًا تَمَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَ إقْرَارِهِ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( بِهِ ) أَيْ : رَأْسِ الْمَالِ ( لِرَبِّهِ ) بِأَنْ قَالَ عَامِلٌ : هَذَا رَأْسُ مَالِ مُضَارَبَتِك فَفَسَخَ رَبُّهَا وَأَخَذَهُ فَادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ خَسِرَ وَأَنَّهُ خَشِيَ إنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا يَأْخُذْهُ مِنْهُ فَاقْتَرَضَ مَا تَمَّمَهُ بِهِ لِيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ تَامًّا .
فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ .
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقْرِضِ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَرَّ نَفْعٍ لَهُ وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِرَبِّ الْمَالِ .
فَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْعَامِلِ لَا غَيْرُ ، لَكِنْ إنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ بَاطِنَ الْأَمْرِ وَأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِمَا لَا يَضْمَنُهُ الْمُضَارِبُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ لَهُ بَاطِنًا .

( وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ) عَدَمِ ( رَدِّهِ ) أَيْ : مَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ ادَّعَى عَامِلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْعٍ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ .

( وَ ) يُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ( صِفَةِ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ ) فَإِنْ قَالَ : أَعْطَيْتُكَ أَلْفًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ رِبْحِهِ ، وَقَالَ الْعَامِلُ : بَلْ قَرْضًا لَا شَيْءَ لَكَ مِنْ رِبْحِهِ .
فَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ قُسِمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ خَسِرَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ فَقَالَ رَبُّهُ : كَانَ قَرْضًا ، وَقَالَ الْعَامِلُ : كَانَ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً .
فَقَوْلُ رَبِّهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالٍ غَيْرُ الضَّمَانِ ( فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) أَيْ : أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ( قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ ) ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ : وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ : كَانَ بِضَاعَةً وَقَالَ الْعَامِلُ : كَانَ قَرْضًا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ وَكَانَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ لَا غَيْرُ .

( وَ ) يُقْبَلُ قَوْلُ مَالِكٍ ( بِقَدْرِ رِبْحِ ) مَالِ مُضَارَبَةٍ ( فِي قَدْرِ مَا شُرِطَ لِعَامِلٍ ) فَإِذَا قَالَ الْعَامِلُ : شَرَطْتُ لِي النِّصْفَ ، وَقَالَ الْمَالِكُ : بَلْ الثُّلُثَ مَثَلًا فَقَوْلُ مَالِكٍ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السُّدُسَ الزَّائِدَ وَاشْتِرَاطُهُ لَهُ .
فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ عَامِلٍ .

( وَيَصِحُّ دَفْعُ عَبْدٍ أَوْ ) دَفْعُ ( دَابَّةٍ ) أَوْ قِرْبَةٍ أَوْ قِدْرٍ أَوْ آلَةِ حَرْثٍ أَوْ نَوْرَجٍ أَوْ مِنْجَلٍ وَنَحْوَهُ ( لِمَنْ يَعْمَلُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ أُجْرَتِهِ .
وَ ) يَصِحُّ ( خِيَاطَةُ ثَوْبٍ وَنَسْجٍ غَزْلٍ وَحَصَادُ زَرْعٍ وَرَضَاعُ قِنٍّ وَاسْتِيفَاءُ مَالٍ وَنَحْوُهُ ) كَبِنَاءِ دَارٍ وَطَاحُونٍ وَنَجْرِ بَابٍ وَطَحْنِ نَحْوِ بُرٍّ ( بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا .
فَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا كَالشَّجَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ .
وَلَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ .
وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ } لِحَمْلِهِ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ الْمَطْحُونِ .
فَلَا يُدْرَى الْبَاقِي بَعْدَهُ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً وَإِنْ جَعَلَ لَهُ مَعَ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ دِرْهَمًا فَأَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ نَصًّا

( وَ ) يَصِحُّ ( بَيْعٌ وَنَحْوَهُ ) كَإِيجَارٍ ( لِمَتَاعٍ وَغَزْوٍ بِدَابَّةٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ ) أَيْ : الْمَتَاعِ ( أَوْ ) بِجُزْءٍ مِنْ ( سَهْمِهَا ) أَيْ : الدَّابَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ أَعْطَى فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : بِعْ عَبْدِي أَوْ أَجِّرْهُ وَالثَّمَنُ أَوْ الْأُجْرَةُ بَيْنَنَا .
فَلَا يَصِحُّ وَالثَّمَنُ أَوْ الْأُجْرَةُ لِرَبِّهِ وَلِلْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ .

( وَ ) يَصِحُّ ( دَفْعُ دَابَّةٍ أَوْ نَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَعَبْدٍ وَأَمَةٍ ( لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا مُدَّةً مَعْلُومَةً ) كَسَنَةٍ وَنَحْوِهَا ( بِجُزْءٍ مِنْهُمَا ) كَرُبْعِهِمَا أَوْ خُمْسِهِمَا ( وَالنَّمَاءُ ) لِلدَّابَّةِ أَوْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا ( مِلْكٌ لَهُمَا ) أَيْ : الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ .

و ( لَا ) يَجُوزُ دَفْعُ دَابَّةٍ وَنَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا لِمَنْ يَقُومُ بِهِمَا مُدَّةً وَلَوْ مَعْلُومَةً ( بِجُزْءٍ مِنْ نَمَاءٍ كَدَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَعَسَلٍ وَنَحْوَهُ ) كَمِسْكٍ وَزَبَّادٍ ؛ لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَعَنْهُ بَلَى وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ .

فَصْلٌ : وَالضَّرْبُ ( الثَّالِثُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ ) وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا بِلَا مَالٍ ( فِي رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ فِي ذِمَمِهِمَا بِجَاهِهِمَا ) أَيْ : بِوُجُوهِهِمَا وَثِقَةِ التُّجَّارِ بِهِمَا .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَامِلَانِ فِيهِمَا بِوُجُوهِهِمَا .
وَالْجَاهُ وَالْوَجْهُ وَاحِدٌ .
يُقَالُ : فُلَانٌ وَجِيهٌ أَيْ : ذُو جَاهٍ .
وَتَجُوزُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَصْلَحَةٍ بِلَا مَضَرَّةٍ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) لِصِحَّتِهَا ( ذِكْرُ جِنْسِ مَا يَشْتَرِيَانِهِ ، وَلَا ) ذِكْرُ ( قَدْرِهِ ، وَلَا ) ذِكْرُ ( وَقْتِ ) الشَّرِكَةِ ( فَلَوْ قَالَ ) أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : ( كُلُّ مَا اشْتَرَيْتُ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَنَا ) وَقَالَ لَهُ آخَرُ : كَذَلِكَ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُرُوطِ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ .
وَشَرِكَةِ الْعِنَانِ ( وَكُلٌّ ) مِنْ شَرِيكَيْ الْوُجُوهِ ( وَكِيلُ الْآخَرِ ) فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ ( وَكَفِيلُهُ بِالثَّمَنِ ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ ( وَمِلْكٍ ) فِيمَا يَشْتَرِيَانِ كَمَا شَرَطَا ؛ لِحَدِيثِ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } ؛ وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَا وَقَعَ الْإِذْنُ وَالْقَبُولُ فِيهِ ( وَرِبْحٍ كَمَا شَرَطَا ) مِنْ تَسَاوٍ وَتَفَاضُلٍ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَوْثَقَ عِنْدَ التُّجَّارِ وَأَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْآخَرِ ؛ وَلِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَمَلٍ وَغَيْرِهِ .
فَكَانَ رِبْحُهَا عَلَى مَا شُرِطَ كَشَرِكَةِ الْعِنَانِ ( وَالْوَضِيعَةُ ) أَيْ : الْخُسْرَانُ بِتَلَفٍ ، أَوْ بَيْعٍ يَنْقُصَانِ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ ( عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ ) فَمَنْ لَهُ فِيهِ ثُلُثَانِ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الْوَضِيعَةِ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُهَا سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَا ، ؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ نَقْصُ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمُلَّاكِهِ ، فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ ( وَتَصَرُّفُهُمَا ) أَيْ : شَرِيكَيْ الْوُجُوهِ فِيمَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ .
وَيَجِبُ وَشُرُوطٌ وَإِقْرَارٌ وَخُصُومَةٌ

وَغَيْرُهَا ( كَ ) تَصَرُّفِ ( شَرِيكَيْ عِنَانٍ ) عَلَى مَا سَبَقَ .

فَصْلٌ الضَّرْبُ الرَّابِعُ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَمَلِ أَبْدَانِهِمَا ( وَهِيَ ) نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا ( أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَتَمَلَّكَانِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مُبَاحٍ كَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَتَلَصُّصٍ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ ) كَسَلْبِ مَنْ يَقْتُلَانِهِ بِدَارِ حَرْبٍ .
وَاحْتُجَّ بِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَشْرَكَ بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ } وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ .
وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ، وَكَانَتْ غَنَائِمُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشْرِكَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ .
وَلِهَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ } فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ جِهَتَيْ الْمُضَارَبَةِ فَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ كَالْمَالِ .
النَّوْعُ الثَّانِي : أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا ( يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ ) كَحِدَادَةٍ وَقِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ .
وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا : أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا .
صَحَّ ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَ الْعَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ ، فَصَارَ كَتَقَبُّلِهِ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ ، وَالْعَمَلُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعَامِلُ الرِّبْحَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُضَارَبَةِ ( وَيُطَالِبَانِ بِمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا ) مِنْ عَمَلٍ ( وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الضَّمَانِ فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( طَلَبُ أُجْرَةِ ) عَمَلٍ وَلَوْ تَقَبَّلَهُ صَاحِبُهُ وَيَبْرَأُ مُسْتَأْجِرٌ بِدَفْعِهَا لِأَحَدِهِمَا .

( وَتَلَفُهَا ) أَيْ : الْأُجْرَةِ ( بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ) عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا وَكِيلُ الْآخَرِ فِي قَبْضِهَا وَالطَّلَبِ بِهَا ( وَإِقْرَارُهُ ) أَيْ : إقْرَارُ أَحَدِهِمَا ( بِمَا فِي يَدِهِ ) يُقْبَلُ ( عَلَيْهِمَا ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا فِيهَا بِخِلَافِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ أَوْ دَيْنٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ .

( وَالْحَاصِلُ ) مُبَاحٌ تَمَلَّكَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلٍ تَقَبَّلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا ( كَمَا شَرَطَاهُ ) عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ تَسَاوٍ أَوْ تَفَاضُلٍ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَمَلِ وَيَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِيهِ .

( وَلَا يُشْتَرَطُ ) لِصِحَّتِهَا ( اتِّفَاقُ صَنْعَةِ ) الشَّرِيكَيْنِ .
فَلَوْ اشْتَرَكَ حَدَّادٌ وَنَجَّارٌ أَوْ خَيَّاطٌ وَقَصَّارٌ فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ صَحَّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْبٍ مُبَاحٍ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّفَقَتْ الصَّنَائِعُ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ مِنْ الْآخَرِ مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ .
فَرُبَّمَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ الْآخَرُ عَمَلَهُ .
وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتُهَا فَكَذَا اخْتِلَافُ الصَّنْعَةِ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ غَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ مَجَّانًا .

( وَلَا ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الشَّرِكَةِ ( مَعْرِفَتُهَا ) أَيْ : الصَّنْعَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَوْ اشْتَرَكَ شَخْصَانِ لَا يَعْرِفَانِ الْخِيَاطَةَ فِي تَقَبُّلِهَا ، وَيَدْفَعَانِ مَا تَقَبَّلَاهُ لِمَنْ يَعْمَلُهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأُجْرَةِ لَهُمَا صَحَّ ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَلْزَمُ غَيْرَ عَارِفٍ إقَامَةُ عَارِفٍ ) لِلصَّنْعَةِ ( مَقَامَهُ ) فِي الْعَمَلِ لِيَعْمَلَ مَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ .

( وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ : الشَّرِيكَيْنِ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا ( أَوْ تَرَكَ ) أَحَدُهُمَا ( الْعَمَلَ ) مَعَ شَرِيكِهِ ( لِعُذْرٍ أَوْ لَا ) لِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ حَاضِرًا صَحِيحًا ( فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا ) عَلَى مَا شَرَطَا .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا بِمَنْزِلَةِ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا وَبِضَمَانِهِمَا لَهُ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ فَتَكُونُ لَهُمَا وَيَكُونُ الْعَامِلُ مِنْهُمَا عَوْنًا لِصَاحِبِهِ فِي حِصَّتِهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ .

( وَيَلْزَمُ مِنْ عَدُوٍّ ) بِنَحْوِ مَرَضٍ فِي تَرْكِ عَمَلٍ مَعَ شَرِيكِهِ ( بِطَلَبِ شَرِيكِهِ ) لَهُ ( أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ ) فِي الْعَمَلِ ؛ لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْعَمَلِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَفِيَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ إنْ امْتَنَعَ أَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ .

( وَيَصِحُّ أَنْ يَحْمِلَا عَلَى دَابَّتَيْهِمَا مَا يَتَقَبَّلَانِهِ ) مِنْ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِع مَعْلُومٍ ( فِي ذِمَمِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَهُمَا الْحَمْلَ أَثْبَتَ الضَّمَانَ فِي ذِمَّتَيْهِمَا وَلَهُمَا أَنْ يَحْمِلَا عَلَى أَيِّ ظَهْرٍ كَانَ وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى الضَّمَانِ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( أَنْ يَشْتَرِكَا فِي أُجْرَةِ عَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ ) فِي إجَارَةِ ( أَنْفُسِهِمَا إجَارَةً خَاصَّةً ) بِأَنْ أَجَّرَا الدَّابَّتَيْنِ لِحَمْلِهِ أَوْ أَجَّرَا أَنْفُسَهُمَا يَوْمًا فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمُكْتَرِي مَنْفَعَةَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا أَوْ مَنْفَعَةَ الشَّخْصِ الَّذِي أَجَّرَ نَفْسَهُ .
وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَالْإِنْسَانِ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ مَالِكَيْ الدَّابَّتَيْنِ ( أُجْرَةُ دَابَّتِهِ ) فِيمَا إذَا أَجَّرَا عَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ ( وَ ) لِكُلٍّ أُجْرَةُ ( نَفْسِهِ ) فِيمَا إذَا أَجَّرَا أَنْفُسَهُمَا لِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ .

( وَتَصِحُّ شَرِكَةُ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ قِصَارَةٍ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ ) عَلَى أَنَّهُمَا ( يَعْمَلَانِ ) الْقِصَارَةَ ( فِيهِ ) أَيْ : الْبَيْتِ ( بِهَا ) أَيْ : الْآلَةِ وَمَا حَصَلَ فَبَيْنَهُمَا لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلِهِمَا .
وَالْعَمَلُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ ، وَالْآلَةُ وَالْبَيْتُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِمَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ فَهُمَا كَالدَّابَّتَيْنِ يَحْمِلَانِ عَلَيْهِمَا مَا تَقَبَّلَاهُ فِي ذِمَمِهِمَا .
وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا آلَةٌ أَوْ بَيْتٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ وَاتَّفَقَا أَنْ يَعْمَلَا بِالْآلَةِ أَوْ فِي الْبَيْتِ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا جَازَ لِمَا تَقَدَّمَ .

و ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ ( ثَلَاثَةٌ لِوَاحِدٍ ) مِنْهُمْ ( دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ وَثَالِثٍ يَعْمَلُ ) بِالرَّاوِيَةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَا حَصَلَ فَبَيْنَهُمْ ( أَوْ أَرْبَعَةٌ لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ رَحًى وَلِثَالِثٍ دُكَّانٍ وَرَابِعٍ يَعْمَلُ ) أَيْ : يَطْحَنُ بِالدَّابَّةِ وَالرَّحَى فِي الدُّكَّانِ وَمَا رَبِحُوا فَبَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ وَلَا مُضَارَبَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُ رَأْسِ مَالِهِمَا عُرُوضًا وَلَا إجَارَةً ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ ( وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا تَقَبَّلَهُ ) مِنْ عَمَلٍ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَأْجَرُ لِحَمْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّحْنِ .
( وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ آلَةِ رُفْقَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ ( وَمَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ لِلطَّحْنِ ) أَيْ : طَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ أَوْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ( وَالْأُجْرَةُ ) لِلْأَرْبَعَةِ ( بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ) أَيْ : تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ الْأَعْيَانِ الْمُؤَجَّرَةِ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَعْيَانِ الْمُؤَجَّرَةِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِصَدَاقٍ وَاحِدٍ ( وَإِنْ تَقَبَّلُوهُ ) أَيْ : تَقَبَّلَ الْأَرْبَعَةُ الْعَمَلَ ( فِي ذِمَمِهِمْ ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُمْ رَبُّ حَبٍّ لِطَحْنِهِ وَقَبِلُوهُ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ( وَالْأُجْرَةُ ) بَيْنَهُمْ ( أَرْبَاعًا ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَزِمَهُ طَحْنُ رُبُعِهِ بِرُبُعِ الْأُجْرَةِ ( وَيَرْجِعُ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( عَلَى رُفْقَتِهِ ) الثَّلَاثَةِ ( لِتَفَاوُتِ الْعَمَلِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَجْرِ الْمِثْلِ ) فَيَرْجِعُ رَبُّ الدَّابَّةِ عَلَى رُفْقَتِهِ الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا .
وَهَكَذَا يَسْقُطُ الرُّبْعُ الرَّابِعُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْعَمَلِ .

( وَ ) مَنْ قَالَ لِآخَرَ ( أَجِّرْ عَبْدِي أَوْ ) أَجِّرْ ( دَابَّتِي وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا ) فَفَعَلَ ( ف ) الْأُجْرَةُ لِرَبِّ الْعَبْدِ أَوْ الدَّابَّةِ و ( لَهُ ) أَيْ : الْمُؤَجِّرُ ( أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ .

وَ ( لَا ) تَصِحُّ شَرِكَةُ ( دَلَّالِينَ ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَالضَّمَانِ ، وَلَا وَكَالَةَ هُنَا .
؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا عَلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا ضَمَانٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ بِذَلِكَ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ .
وَفِي الْمُوجَزِ تَصِحُّ : قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَتَسْلِيمُ الْأَمْوَالِ إلَيْهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِالشَّرِكَةِ إذْنٌ لَهُمْ .
قَالَ : وَإِنْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَخَذَ وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ وَاشْتَرَكَا فِي الْكَسْبِ جَازَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ كَالْمُبَاحِ وَقَالَ : تَصِحُّ شَرِكَةُ الشُّهُودِ .

( وَمُوجِبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ ) فِي شَرِكَةٍ وَجَعَالَةٍ وَإِجَارَةٍ ( التَّسَاوِي فِي عَمَلٍ وَأَجْرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَضْلَ ( وَلِذِي زِيَادَةِ عَمَلٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ ) بِالزِّيَادَةِ ( طَلَبُهَا ) مِنْ رَفِيقِهِ لِيَحْصُل التَّسَاوِي ( وَيَصِحُّ جَمْعٌ بَيْنَ شَرِكَةِ عِنَانٍ وَأَبْدَانٍ وَوُجُوهٍ وَمُضَارَبَةٍ ) لِصِحَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا فَصَحَّتْ مَعَ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا : وَكَمَا لَوْ ضَمَّ مَاءَ طَهُورٍ إلَى مِثْلِهِ .

فَصْلٌ : وَالضَّرْبُ الْخَامِسُ : شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ ) وَهِيَ ) لُغَةً : الِاشْتِرَاكُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَشَرْعًا ( قِسْمَانِ ) : أَحَدُهُمَا ( صَحِيحٌ .
وَهُوَ ) نَوْعَانِ : الْأَوَّلُ ( تَفْوِيضُ كُلٍّ ) مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( إلَى صَاحِبِهِ شِرَاءً وَبَيْعًا فِي الذِّمَّةِ وَمُضَارَبَةً وَتَوْكِيلًا وَمُسَافَرَةً بِالْمَالِ وَارْتِهَانًا وَضَمَانًا ) أَيْ : تَقَبُّلَ ( مَا يَرَى مِنْ الْأَعْمَالِ ) وَالنَّوْعُ الثَّانِي : ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا إنْ لَمْ يُدْخِلَا ) فِي ذَلِكَ ( كَسْبًا نَادِرًا أَوْ غَرَامَةً ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ أَضْرُبِ الشَّرِكَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ .
( وَ ) الْقِسْمُ الثَّانِي : ( فَاسِدٌ ، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَا ) فِي الشَّرِكَةِ ( كَسْبًا نَادِرًا كَوِجْدَانِ لُقَطَةٍ ، أَوْ رِكَازٍ ، أَوْ ) يُدْخِلَا فِيهَا ( مَا يَحْصُلُ ) لَهُمَا ( مِنْ مِيرَاثٍ ، أَوْ ) يُدْخِلَا فِيهَا ( مَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ) كَضَمَانِ عَارِيَّةٍ وَلُزُومِ مَهْرٍ بِوَطْءٍ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْغَرَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ فِيهِ مَا لَا يَقْدِرُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي هَذَا الْقِسْمِ ( مَا يَسْتَفِيدُهُ وَ ) لَهُ ( رِبْحُ مَالِهِ .
وَ ) لَهُ ( أُجْرَةُ عَمَلِهِ ) لَا يَشْرُكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ لِفَسَادِ الشَّرِكَةِ ( وَيَخْتَصُّ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( بِضَمَانِ مَا غَصَبَهُ أَوْ جَنَاهُ أَوْ ضَمِنَهُ عَنْ الْغَيْرِ ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .

بَاب الْمُسَاقَاةِ مِنْ السَّقْيِ ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ أَمْرِهَا بِالْحِجَازِ ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ تُسْقَى بِهِ نَضْحًا مِنْ الْآبَارِ فَتَكْثُرُ مَشَقَّتُهُ ، وَشَرْعًا ( دَفْعُ شَجَرٍ مَغْرُوسٍ مَعْلُومٍ ) لِلْمَالِكِ وَالْعَامِلِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَصْفٍ .
فَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ أَوْ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ كَالْبَيْعِ ( لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ ) أَيْ : الشَّجَرِ ( بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ ثَمَرُهُ ) النَّامِي بِعَمَلِهِ وَسَوَاءٌ النَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَالرُّمَّانُ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالزَّيْتُونُ وَغَيْرُهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ حَاجَتَيْ رَبِّ الشَّجَرِ وَالْعَامِلِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ { كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ مُعَامَلَاتٍ فَاسِدَةٍ فَسَّرَهَا رَافِعٌ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ أَيْضًا .
قَالَ أَحْمَدُ : رَافِعٌ يُرْوَى عَنْهُ فِي هَذَا ضُرُوبٌ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يُوهِنُ حَدِيثَهُ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى قُطْنٍ وَمَقَاثِي وَمَا لَا سَاقَ لَهُ وَلَا عَلَى مَا لَا ثَمَرَ لَهُ مَأْكُولٌ كَسَرْوٍ وَصَفْصَافٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَهْرٌ مَقْصُودٌ كَنَرْجِسِ وَيَاسَمِينٍ وَلَا إنْ جَعَلَ لِلْعَامِلِ كُلَّ الثَّمَرَةِ وَلَا جُزْءًا مُبْهَمًا كَسَهْمٍ وَنَصِيبٍ وَلَا آصُعًا وَلَوْ مَعْلُومَةً أَوْ دَرَاهِمَ وَلَا ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ أَجْنَاسٌ وَجَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا كَنِصْفِ الْبَلَحِ وَثُلُثِ الْعِنَبِ وَرُبُعِ الرُّمَّانِ وَهَكَذَا

جَازَ أَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانَيْنِ : أَحَدُهُمَا بِالنِّصْفِ وَالْآخَرُ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ أَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَ سِنِينَ ، السَّنَةُ الْأُولَى بِالنِّصْفِ وَالثَّانِيَةُ بِالثُّلُثِ وَالثَّالِثَةُ بِالرُّبُعِ وَنَحْوِهِ .
جَازَ وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْبَعْلِ مِنْ الشَّجَرِ كَاَلَّذِي يَحْتَاجُ لِلسَّقْيِ .

( وَالْمُنَاصَبَةُ .
) هِيَ ( الْمُغَارَسَةُ دَفْعُهُ ) أَيْ : الشَّجَرِ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ ( بِلَا غَرْسٍ مَعَ أَرْضٍ لِمَنْ يَغْرِسُهُ ) فِيهَا ( وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ الشَّجَرِ عَيْنِهِ ( أَوْ مِنْ ثَمَرِهِ أَوْ مِنْهُمَا ) أَيْ : الشَّجَرِ وَثَمَرِهِ نَصًّا وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ خَيْبَرَ ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ وَعِوَضَهُ مَعْلُومَانِ فَصَحَّتْ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ مَغْرُوسٍ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَوْ كَانَ نَاظِرَ وَقْفٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَاظِرٍ بَعْدَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا حَاجَةٍ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغِرَاسُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَسَدَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَكْلِيفِ رَبِّ الْغِرَاسِ أَخْذَهُ ، وَيَضْمَنُ لَهُ نَقْصَهُ وَبَيْنَ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ رَبُّهُ أَخْذَهُ .
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ جَازَ وَإِنْ دَفَعَ أَرْضًا وَشَجَرًا لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ جَعَلَ لَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ جُزْءًا مِنْ الشَّجَرِ .

( وَالْمُزَارَعَةُ دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ .
أَوْ ) دَفْعُ ( مَزْرُوعٍ لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ ) الْمَدْفُوعُ لَهُ ( بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمُتَحَصَّلِ ) وَتُسَمَّى مُخَابَرَةً مِنْ الْخَبَارِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ وَمُوَاكَرَةً وَالْعَامِلُ فِيهَا خَبِيرٌ وَأَكَارَ وَمَوَاكِرَ ، وَيَشْهَدُ لِجَوَازِهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ بَلْ الْحَاجَةُ إلَى الزَّرْعِ آكَدُ مِنْهَا إلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا وَحَدِيثُ رَافِعٍ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ .
وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ يُعَارِضُهُ حَدِيثُهُ فِي خَيْبَرَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَهْمَا أَمْكَنَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ؛ لِاسْتِحَالَةِ نَسْخِ قِصَّةِ خَيْبَرَ لِاسْتِمْرَارِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ بِهَا .

( وَيُعْتَبَرُ ) لِمُسَاقَاةٍ وَمُنَاصَبَةٍ وَمُزَارَعَةٍ ( كَوْنُ عَاقِدِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نَافِذَ التَّصَرُّفِ ) بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا رَشِيدًا ؛ لِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَارَضَةٍ أَشْبَهَتْ الْبَيْعَ .

( وَتَصِحُّ مُسَاقَاةٌ بِلَفْظِهَا ) كَسَاقَيْتُكَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ وَنَحْوِهِ ( وَ ) تَصِحُّ بِلَفْظِ ( مُعَامَلَةٍ وَمُفَالَحَةٍ .
وَ ) بِلَفْظِ ( اعْمَلْ بُسْتَانِي هَذَا ) حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا ( وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهُ الْقَصْدُ .
فَأَيُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ بِهِ كَالْبَيْعِ ( وَ ) تَصِحُّ مُسَاقَاةٌ بِلَفْظِ إجَارَةٍ ( مَعَ مُزَارَعَةٍ ) أَيْ : وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ أَيْضًا ( بِلَفْظِ إجَارَةٍ ) كَاسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ بِثُلُثِهَا أَوْ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَزْرَعَ هَذَا الْحَبَّ بِهَذِهِ الْأَرْضِ وَتَعْمَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتِمَّ بِالرُّبُعِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُؤَدٍّ لِلْمَعْنَى .

( وَ ) تَصِحُّ مُسَاقَاةٌ وَمُزَارَعَةٌ ( عَلَى ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ مَوْجُودَيْنِ يَنْمِيَانِ بِعَمَلٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا جَازَا فِي الْمَعْدُومَيْنِ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فَعَلَى الْمَوْجُودَيْنِ مَعَ قِلَّتِهِ أَوْلَى .

( وَتَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ ) كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ ( مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا ) أَيْ : الْأَرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ طَعَامًا كَانَ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَهِيَ إجَارَةُ حَقِيقَةً يُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الْإِجَارَةِ .
فَكَمَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ تَصِحُّ بِالْخَارِجِ مِنْهَا .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : وَمَنْ تَبِعَهُ هِيَ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ بِآصُعٍ مَعْلُومَةٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُشَاعُ مَجْهُولًا .

( فَإِنْ لَمْ تُزْرَعْ ) أَرْضٌ أُجِّرَتْ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا قُلْت : أَوْ زُرِعَتْ فَلَمْ تَنْبُتْ ( نُظِرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( إلَى مُعَدَّلِ الْمُغَلِّ ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ : إلَى الْمُغَلِّ الْمُعَدَّلِ أَيْ : الْمُوَازِنِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَوْ زُرِعَتْ ( فَيَجِبُ الْقِسْطُ الْمُسَمَّى ) لِرَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنْ فَسَدَتْ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ .

( وَ ) تَصِحُّ إجَارَةٍ أَرْضٍ ( بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ ) مِنْهَا ( أَوْ ) مِنْ ( غَيْرِهِ ) بِأَنْ آجَرَهَا سَنَةً لِزَرْعِ بُرٍّ بِقَفِيزِ بُرٍّ وَلَمْ يَقُلْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ بِقَفِيزِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ آجَرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ .

( وَلَوْ عَمِلَا ) أَيْ : الشَّرِيكَانِ ( فِي شَجَرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ثَمَرِهِ ) فَإِنْ قَالَا : عَلَى أَنَّ لَك الثُّلُثَ وَلِي الثُّلُثَيْنِ مَثَلًا ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْفَضْلَ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ مِنْ الْمَفْضُولِ ، وَأَعْرَفَ بِهِ مِنْهُ ( بِخِلَافِ مُسَاقَاةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِنِصْفِهِ ) أَوْ ثُلُثِهِ وَنَحْوِهِ .
فَلَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ بِمِلْكِهِ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا .
وَإِنْ شُرِطَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ فَقَدْ جُعِلَ لِغَيْرِ الْعَامِلِ جُزْءٌ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَيَسْتَعْمِلُهُ بِلَا عِوَضٍ ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ .
وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَبِخِلَافِ مُسَاقَاةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ ب ( كُلِّهِ ) أَيْ : الثَّمَرِ فَلَا يَصِحُّ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( أُجْرَتُهُ ) أَيْ : أُجْرَةُ مِثْلِهِ ( إنْ شَرَطَ الْكُلَّ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ .

( وَيَصِحُّ تَوْقِيتُ مُسَاقَاةٍ ) كَوَكَالَةٍ وَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) تَوْقِيتُ الْمُسَاقَاةِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إبْقَاؤُهُ وَفَسْخُهُ .
فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّوْقِيتِ كَالْمُضَارَبَةِ ( وَيَصِحُّ ) تَوْقِيتُهَا ( إلَى جِذَاذٍ وَ ) إلَى ( إدْرَاكٍ .
وَ ) إلَى مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ لَا إلَى مُدَّةٍ لَا تَحْتَمِلُهُ ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا إذَنْ .

( وَمَتَى انْفَسَخَتْ ) الْمُسَاقَاةُ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا ، أَوْ مَوْتِهِ وَنَحْوَهُ ( وَقَدْ ظَهَرَ ثَمَرٌ ) فِيمَا سَاقَاهُ عَلَيْهِ ( ف ) الثَّمَرَةُ ( بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ ) فِي الْعَقْدِ ( وَعَلَى عَامِلٍ ) أَوْ وَارِثِهِ ( تَمَامُ الْعَمَلِ ) كَالْمُضَارِبِ يَبِيعُ الْعُرُوضَ بَعْدَ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ لِيَفُضَّ الْمَالَ ، فَإِنْ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى بَعْدَ الْفَسْخِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ قَوْلِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ بَعْدَ الْفَسْخِ تَمَامُ الْعَمَلِ ( دَوَامُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُنَاصَبَةِ وَلَوْ فُسِخَتْ ) الْمُغَارَسَةُ ( إلَى أَنْ تَبِيدَ ) الْأَشْجَارُ الْمَغْرُوسَةُ ( وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ ) انْتَهَى .
وَإِنْ بَاعَ عَامِلٌ أَوْ وَارِثُهُ نَصِيبَهُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ جَازَ .
وَصَحَّ شَرْطُهُ كَالْمُكَاتَبِ يُبَاعُ عَلَى كِتَابَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مُشْتَرٍ فَلَهُ الْخِيَارُ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْنَاعِ .

( وَلَا شَيْءَ لِعَامِلٍ فَسَخَ ) الْمُسَاقَاةَ ( أَوْ هَرَبَ قَبْلَ ظُهُورِ ) الثَّمَرِ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ بِرِضَاهُ كَعَامِلِ الْمُضَارَبَةِ إذَا فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ

( وَلَهُ ) أَيْ : الْعَامِلِ ( إنْ مَاتَ ) الْعَامِلُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ ( أَوْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ ) الْمُسَاقَاةَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَبَعْدَ الْعَمَلِ ( أُجْرَةُ عَمَلِهِ ) ؛ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ الْعِوَضَ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِلُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَأْتِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَفِيمَا إذَا فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمُسَمَّى رَجَعَ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ وَفَارَقَ ذَلِكَ فَسْخُ رَبِّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ هُنَا مُفْضٍ إلَى ظُهُورِ الثَّمَرِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ إفْضَاؤُهَا إلَى الرِّبْحِ .

( وَإِنْ بَانَ الشَّجَرُ ) الْمُسَاقَى عَلَيْهِ ( مُسْتَحَقًّا ) أَيْ : مِلْكًا أَوْ وَقْفًا لِغَيْرِ الْمُسَاقِي بَعْدَ عَمَلِ عَامِلٍ فِيهِ ( ف ) لِرَبِّهِ أَخْذُهُ وَثَمَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْهُ وَ ( لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَاسْتَعْمَلَهُ وَإِنْ شَمَّسَ الْعَامِلُ الثَّمَرَةَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا أَخَذَهَا رَبُّهَا وَإِنْ نَقَصَتْ فَلِرَبِّهَا أَرْشُ نَقْصِهَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَتَلَفِهَا لِرَبِّهَا تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَإِنْ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ فَلَهُ تَضْمِينُهُ الْكُلَّ وَلَهُ تَضْمِينُهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ سَبَبُ يَدِ الْعَامِلِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْكُلَّ رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَرَجَعَ الْعَامِلُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ .
وَإِنْ ضَمَّنَ الْعَامِلَ فَهَلْ يُضَمِّنُهُ الْكُلَّ أَوْ نَصِيبَهُ فَقَطْ احْتِمَالَانِ : وَإِنْ ضَمَّنَ كُلَّ مَا صَارَ إلَيْهِ رَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لَا غَيْرُ .

فَصْلٌ : وَعَلَى عَامِلٍ فِي مُسَاقَاةٍ وَمُغَارَسَةٍ وَمُزَارَعَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( مَا فِيهِ نُمُوٌّ أَوْ صَلَاحٌ لِثَمَرٍ وَزَرْعٍ مِنْ سَقْيٍ ) بِمَاءٍ حَاصِلٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَفْرِ بِئْرٍ وَلَا إدَارَةِ دُولَابٍ .
( وَ ) إصْلَاحُ ( طَرِيقِهِ وَتَشْمِيسُ ) مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ( وَإِصْلَاحُ مَحَلِّهِ وَ ) فِعْلُ ( حَرْثٍ وَآلَتِهِ وَبَقَرِهِ ) أَيْ : الْحَرْثِ ( وَزِبَارٍ ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ : تَحْفِيفِ الْكَرْمِ مِنْ الْأَغْصَانِ الرَّدِيئَةِ وَبَعْضِ الْجَيِّدَةِ بِقَطْعِهَا بِمَنْجَلٍ وَنَحْوِهِ ( وَتَلْقِيحٍ ) أَيْ : جَعْلُ طَلْعِ الْفِحَالِ فِي طَلْعِ الثَّمَرِ ( وَقَطْعُ حَشِيشٍ مُضِرٍّ ) بِشَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَقَطْعُ شَوْكٍ يَابِسٍ ( وَتَفْرِيقُ زِبْلٍ وَسِبَاخٍ وَنَقْلِ ثَمَرٍ وَنَحْوِهِ ) كَزَرْعٍ ( لِجَرِينٍ وَحَصَادٍ وَدِيَاسٍ وَلِقَاطٍ ) لِنَحْوِ قِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ .
( وَتَصْفِيَةُ ) زَرْعٍ ( وَتَجْفِيفُ ) ثَمَرَةٍ ( وَحِفْظُ ) ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ ( إلَى قِسْمَةٍ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْعَمَلِ ( وَعَلَى رَبِّ أَصْلٍ حِفْظُهُ ) أَيْ : مَا يَحْفَظُ الْأَصْلَ ( كَسَدِّ حَائِطٍ وَإِجْرَاءِ نَهْرٍ وَحَفْرِ بِئْرٍ وَ ) ثَمَنِ ( دُولَابٍ وَمَا يُدِيرُهُ ) مِنْ بَهَائِمَ ( وَشِرَاءِ مَاءٍ وَ ) شِرَاءِ ( مَا يُلَقَّحُ بِهِ ) مِنْ طَلْعِ فِحَالٍ وَيُسَمَّى الْكُثْرُ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونُ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِهَا ( وَتَحْصِيلُ زِبْلٍ وَسِبَاخٍ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ( وَعَلَيْهِمَا ) أَيْ : الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ ( بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا جِذَاذٌ ) نَصًّا أَيْ : قَطْعُ ثَمَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَكَامُلِ الثَّمَرِ وَانْقِضَاءٍ لِمُعَامَلَةٍ أَشْبَهَ نَقْلَهُ إلَى الْمَنْزِلِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَعَنْهُ عَلَى الْعَامِلِ .

( وَيَصِحُّ شَرْطُهُ ) أَيْ : الْجِذَاذُ ( عَلَى عَامِلٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ فَصَحَّ كَتَأْجِيلِ ثَمَنٍ فِي بَيْعٍ وَمَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمَا نَصًّا بِأَزْكَاهَا و ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يُشْتَرَطَ ( عَلَى أَحَدِهِمَا مَا عَلَى الْآخَرِ ) كُلُّهُ ( أَوْ بَعْضُهُ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ ) لِمُخَالِفَتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْمُضَارَبَةِ إذَا شُرِطَ فِيهِمَا الْعَمَلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ .

( وَيُتَّبَعُ فِي الْكُلَفِ السُّلْطَانِيَّةِ الْعُرْفُ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ ) فَيُعْمَلُ بِهِ فَمَا عُرِفَ أَخَذَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ عَلَيْهِ وَمَا عُرِفَ مِنْ الْعَامِلِ فَعَلَيْهِ ، وَمَا طُلِبَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ وَظَائِفَ سُلْطَانِيَّةٍ فَعَلَى قَدْرِ الْأَمْوَالِ ، وَإِنْ وُضِعَتْ عَلَى الزَّرْعِ فَعَلَى رَبِّهِ وَعَلَى الْعَقَارِ فَعَلَى رَبِّهِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ وَإِنْ وُضِعَ مُطْلَقًا فَالْعَادَةُ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ أَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ لَمْ تُثْمِرْ ؛ وَلِأَنَّهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ فَكَانَ عَلَى مَنْ هِيَ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ زَارَعَ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ وَمَوْقُوفَةٍ عَلَيْهِ كَمَالِكٍ فِي مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ .

( وَكُرِهَ حَصَادٌ وَجِذَاذٌ لَيْلًا ) نَصًّا خَشْيَةَ ضَرَرٍ .

( وَعَامِلٌ ) فِي مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ ( كَمُضَارِبٍ فِيمَا يُقْبَلُ ) قَوْلُهُ فِيهِ ( أَوْ يُرَدُّ قَوْلُهُ فِيهِ ) فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ : أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ ائْتَمَنَهُ دُونَ رَدِّ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِحَظِّ نَفْسِهِ ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا شُرِطَ لِعَامِلٍ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ .
( وَ ) فِي ( مُبْطِلٍ ) لِعَقْدِهَا كَجُزْءٍ مَجْهُولٍ أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا ( وَ ) فِي ( جُزْءٍ مَشْرُوطٍ ) مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ إذَا اخْتَلَفَا لِمَنْ هُوَ .

( فَإِنْ خَانَ ) عَامِلٌ فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ ( فَمُشْرِفٌ يَمْنَعُهُ ) الْخِيَانَةَ إنْ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ فَيَضُمُّ إلَيْهِ مَنْ يَمْنَعُهُ لِيَحْفَظَ الْمَالَ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) مَنْعُ مُشْرِفٍ لَهُ مِنْ الْخِيَانَةِ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ حِفْظُ الْمَالِ مِنْهُ ( فَعَامِلٌ ) يُسْتَعْمَلُ ( مَكَانَهُ ) لِيَحْفَظَ الْمَالَ ( وَأُجْرَتُهُمَا ) أَيْ : الْمُشْرِفِ وَالْعَامِلِ مَكَانَهُ ( مِنْهُ ) أَيْ : الْخَائِنِ لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ لِلُزُومِ الْحِفْظِ لَهُ ، ( وَإِنْ اُتُّهِمَ ) بِخِيَانَةٍ وَلَمْ تَثْبُتْ ( حَلَفَ ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ رَبِّ الْمَالِ ( وَلِمَالِكٍ قَبْلَ فَرَاغِ ) عَمَلٍ ( ضَمُّ أَمِينٍ ) إلَى الْعَامِلِ الْمُتَّهَمِ لِحِفْظِ مَالِهِ ( بِأُجْرَةٍ مِنْ نَفْسِهِ ) أَيْ : رَبِّ الْمَالِ ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ خِيَانَتِهِ .

( وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِهِ ) أَيْ : بِعَامِلٍ فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ ( نَفْعٌ لِعَدَمِ بَطْشِهِ ) فِي الْعَمَلِ مَعَ أَمَانَتِهِ لَمْ تُرْفَعْ يَدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي بَقَائِهَا ، وَالْعَمَلُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَ ( أُقِيمَ مَقَامَهُ ) مَنْ يَعْمَلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ ( أَوْ ضُمَّ إلَيْهِ ) مَنْ يُعِينُهُ إنْ ضَعُفَ عَنْهُ وَأُجْرَتُهُ فِيهِمَا مِنْ عَامِلٍ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَوْفِيَةَ الْعَمَلِ وَهَذَا مِنْهَا ، وَإِنْ جَاءَتْ أَمْطَارٌ أَوْ فَاضَتْ عُيُونٌ فَأَغْنَتْ عَنْ سَقْيِ عَامِلٍ لَمْ يَنْقُصْ نَصِيبُهُ بِذَلِكَ .

فَصْلٌ : فِي الْمُزَارَعَةِ وَشُرِطَ لَهَا عِلْمُ بَذْرٍ كَشَجَرٍ فِي مُسَاقَاةٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ لَا يُخْتَلَفُ مَعَهَا .
( وَ ) عِلْمُ ( قَدْرِهِ ) أَيْ : الْبَذْرِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُقَدَّرٍ كَالْإِجَارَةِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ : الْبَذْرِ ( مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ) نَصًّا وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَشْتَرِكَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي نَمَائِهِ فَوَجَبَ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ مِنْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا كَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُقْنِعِ .
( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ بَذْرٍ مِنْ رَبِّ أَرْضٍ وَ ( لَوْ ) كَانَ ( عَامِلًا ) عَلَى زَرْعٍ ( وَبَقَرُ الْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ ) فَيَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ صَاحِبِ الْبَقَرِ وَالْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ الْآخَرِ وَرَبُّ الْأَرْضِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هُنَا إلَّا بَعْضُ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ ( وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ بَذْرٍ مِنْ عَامِلٍ أَوْ مِنْهُمَا ) أَيْ : مِنْ رَبِّ أَرْضٍ وَعَامِلٍ مَعًا ( وَلَا ) كَوْنُ بَذْرٍ ( مِنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ : أَحَدِ الْمُزَارِعَيْنِ سَوَاءٌ عَمِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا .
( وَالْأَرْضُ لَهُمَا أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ ( الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَذْرِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ ) كَوْنُ الْأَرْضِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلِ مِنْ ثَانٍ ( وَالْبَذْرِ مِنْ ثَالِثٍ أَوْ ) كَوْنُ الْأَرْضِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلِ مِنْ ثَانٍ وَالْبَذْرِ مِنْ ثَالِثٍ ( وَالْبَقَرِ مِنْ رَابِعٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ( أَوْ ) كَوْنِ ( الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالْبَقَرِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْمَاءِ مِنْ الْآخَرِ ) فَلَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ كَوْنُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَالْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ وَلَيْسَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَأْجَرُ .
فَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ بِهِ .
وَإِنْ قَالَ

صَاحِبُ أَرْضٍ آجَرْتُك نِصْفَ أَرْضِي هَذِهِ بِنِصْفِ بَذْرِك وَبِنِصْفِ مَنْفَعَتِك وَمَنْفَعَةِ بَقَرِك وَآلَتَكَ ، وَأَخْرَجَ الزَّارِعُ الْبَذْرَ كُلَّهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ .
وَكَذَا لَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً لِأَرْضٍ أُخْرَى أَوْ دَارٍ ، وَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَإِنْ أَمْكَنَ عِلْمُ الْمَنْفَعَةِ وَضَبْطُهَا بِمَا لَا يُخْتَلَفُ مَعَهُ وَمَعْرِفَةُ الْبَذْرِ جَازَ وَكَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ قَالَ أَجَّرْتُكِ نِصْفَ أَرْضِي بِنِصْفِ مَنْفَعَتِك وَمَنْفَعَةِ بَقَرِكَ وَآلَتَكَ وَأَخْرَجَا الْبَذْرَ فَكَالَّتِي قَبْلَهَا إلَّا أَنَّ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ .

( وَإِنْ شَرَطَ ) رَبُّ مَالٍ ( لِعَامِلٍ نِصْفَ هَذَا النَّوْعِ ) أَوْ الْجِنْسِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ ( وَرُبُعَ ) النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ ( لِآخَرَ وَجُهِلَ قَدْرُهُمَا ) أَيْ : النَّوْعَيْنِ بِأَنْ جَهِلَاهُمَا أَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ .
لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ النَّوْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرُّبُعَ .
وَأَقَلُّهُ مِنْ الْآخَرِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ ( أَوْ ) شَرَطَ ( إنْ سَقَى ) الْعَامِلُ ( سَيْحًا أَوْ زَرَعَ شَعِيرًا فَ ) لِعَامِلٍ ( الرُّبُعُ ، وَ ) إنْ سَقَى ( بِكُلْفَةٍ .
أَوْ ) زَرَعَ ( حِنْطَةً فَ ) لَهُ ( النِّصْفُ ) لَمْ يَصِحَّ ؛ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالنَّصِيبِ .
وَكَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَ بِعَشَرَةٍ صِحَاحٍ ، أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ مُكَسَّرَةً .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : مَا زَرَعْت مِنْ شَعِيرٍ فَلِي رُبُعُهُ وَمَا زَرَعْت مِنْ حِنْطَةٍ فَلِي نِصْفُهَا ، وَمَا زَرَعْت مِنْ ذُرَةٍ فَلِي ثُلُثُهَا وَنَحْوَهُ لِجَهَالَةِ الْمَزْرُوعِ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ : اعْمَلْ و ( لَك الْخُمُسَانِ إنْ لَزِمَتْك خَسَارَةٌ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَلْزَمْكَ خَسَارَةٌ ( فَ ) لَك ( الرُّبُعُ ) لَمْ يَصِحَّ نَصًّا .
وَقَالَ : هَذَانِ شَرْطَانِ فِي شَرْطٍ وَكَرِهَهُ ( أَوْ ) شَرَطَا ( أَنْ يَأْخُذ رَبُّ الْأَرْضِ مِثْلَ بَذْرِهِ ) بِمَا يَحْصُلُ ( وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ ) لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِثْلُ الْبَذْرِ فَيَخْتَصُّ بِهِ رَبُّهَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ .

( أَوْ ) قَالَ رَبُّ بُسْتَانَيْنِ فَأَكْثَرَ لِعَامِلٍ ( : سَاقَيْتُكَ هَذَا الْبُسْتَانَ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُسَاقِيَك ) الْبُسْتَانَ ( الْآخَرَ بِالرُّبُعِ فَسَدَتَا ) أَيْ : الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ فِيمَا سَبَقَ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( كَمَا لَوْ شَرَطَا ) أَيْ : رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مِنْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ مَعْلُومَةً .
( أَوْ ) شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا ( دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً ، أَوْ ) شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا ( زَرْعَ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ ) مِنْ الْأَرْضِ أَوْ ثَمَرَ شَجَرِ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ .
أَمَّا فِي الْأُولَى ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَزِيدُ عَنْ الْقُفْزَانِ الْمَشْرُوطَةِ .
وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْ لَا يَخْرُجُ مَا يُسَاوِي تِلْكَ الدَّرَاهِمَ .
وَفِي الثَّالِثَةِ قَدْ لَا يَتَحَصَّلَ فِي النَّاحِيَةِ الْمُسَمَّاةِ أَوْ الْأُخْرَى شَيْءٌ .
وَكَذَا لَوْ شُرِطَتْ الدَّرَاهِمُ مَعَ الْجُزْءِ أَوْ جَعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ سَنَةٍ غَيْرِ السَّنَةِ الْمُسَاقَى عَلَيْهَا أَوْ ثَمَرَ شَجَرٍ غَيْرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلًا فِي غَيْرِ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ ، أَوْ فِي غَيْرِ السَّنَةِ الْمُسَاقَى عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمُسَاقَاةِ .
وَكَذَا لَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا مَا عَلَى السَّوَاقِي أَوْ الْجَدَاوِلِ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ نَصِيبِهِ .

( فَالزَّرْعُ ) إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ لِرَبِّ الْبَذْرِ ( أَوْ الثَّمَرِ ) إذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ ( لِرَبِّهِ ) أَيْ : الشَّجَرِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ يَنْقَلِبُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَيَنْمُو كَالْبَيْضَةِ تُحْضَنُ فَتَصِيرُ فَرْخًا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : رَبِّ الْبَذْرِ وَالشَّجَرِ ( الْأُجْرَةُ ) أَيْ : أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ هُوَ الْعَامِلُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَالزَّرْعُ لَهُمَا وَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا يَفْضُلُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا نَصِيبُ الْعَامِلِ وَأَجْرُ الْعَامِلِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ .

( وَمَنْ زَارَعَ شَرِيكَهُ ) فِي أَرْضٍ شَائِعَةٍ بَيْنَهُمَا ( فِي نَصِيبِهِ ) مِنْهَا ( بِفَضْلٍ ) أَيْ : جُزْءٍ زَائِدٍ ( عَنْ حِصَّتِهِ ) مِنْ الْأَرْضِ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَأَخْرَجَا الْبَذْرَ نِصْفَيْنِ وَجَعَلَا لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا مِنْهُمَا الثُّلُثَيْنِ ( صَحَّ ) وَالسُّدُسُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَأَنَّ شَرِيكَهُ .
قَالَ : زَارَعْتُكَ عَلَى نَصِيبِي بِثُلُثِهِ فَيَجُوزُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ .

( مَنْ زَارَعَ أَوْ أَجَّرَ ) شَخْصًا ( أَرْضًا وَسَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ بِهَا صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ يَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَوَاءٌ قَلَّ بَيَاضُ الْأَرْضِ أَوْ كَثُرَ نَصًّا ( مَا لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ ( حِيلَةً ) عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ( وَمَعَهَا ) أَيْ : الْحِيلَةِ ( إنْ جَمَعَهُمَا ) أَيْ : الْإِجَارَةَ وَالْمُسَاقَاةَ ( فِي عَقْدٍ ) وَاحِدٍ ( فَتَفْرِيقُ صَفْقَةٍ ) فَيَصِحُّ فِي الْإِجَارَةِ وَيَبْطُلُ فِي الْمُسَاقَاةِ .

( وَلِمُسْتَأْجِرٍ فَسْخُ الْإِجَارَةِ ) لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فِي عَقْدٍ .
بَلْ أَفْرَدَ الْإِجَارَةَ بِعَقْدٍ وَالْمُسَاقَاةَ بِآخَرَ ( فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ ) فَقَطْ ؛ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْإِجَارَةِ بِالثَّمَرِ .
وَلَا فَسْخَ لِلْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُفْرَدَةٌ عَنْ غَيْرِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسَاقَاةٌ .
قَالَ : ( الْمُنَقِّحُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ عَقْدِ الْحِيلَةِ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَسَوَاءٌ كَانَ إجَارَةً أَوْ مُسَاقَاةً جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ أَوْ فَرَّقَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَرْضِ إلَّا شَجَرَاتٌ يَسِيرَةٌ لَمْ يَجُزْ شَرْطُ ثَمَرِهَا لِعَامِلِ مُزَارَعَةٍ وَمَا سَقَطَ مِنْ حَبٍّ فِي حَصَادٍ فَنَبَتَ عَامًا آخَرَ ، فَلِرَبِّ الْأَرْضِ نَصًّا .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا وَكَذَا مَنْ بَاعَ قَصِيلًا فَحُصِدَ وَبَقِيَ يَسِيرٌ فَصَارَ سُنْبُلًا فَلِرَبِّ الْأَرْضِ .
وَاللِّقَاطُ مُبَاحٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَيَحْرُمُ مَنْعُهُ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْخَلَ مَزْرَعَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَقَالَ : لَمْ يَرَ بَأْسَا بِدُخُولِهِ يَأْخُذُ كَلًّا وَشَوْكًا لِإِبَاحَتِهِ ظَاهِرًا .
عُرْفًا وَعَادَةً ، وَإِذَا فَسَخَ الْعَامِلُ الْمُزَارَعَةَ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا عَمِلَ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْأَرْضِ وَبَعْدَ ظُهُورِ الزَّرْعِ لَهُ حِصَّتُهُ وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْعَمَلِ كَالْمُسَاقَاةِ .

بَابُ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ الْعِوَضُ .
وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ أَجْرًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يُعَوِّضُهُ الْعَبْدَ عَلَى طَاعَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : الْإِجَارَةُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَ عَلَى إجَازَتِهَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ قَوْلَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَنَافِعِ بِالصَّنَائِعِ .
وَهِيَ لُغَةً الْمُجَازَاةُ يُقَالُ : آجَرَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلِهِ إذَا جَازَاهُ عَلَيْهِ .
وَشَرْعًا ( عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ ) لَا مُحَرَّمَةٍ كَزِنًا وَزَمْرٍ ( مَعْلُومَةٍ ) لَا مَجْهُولَةٍ ( مُدَّةً مَعْلُومَةً ) كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ ( مِنْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ ) كَسُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ سَنَةً أَوْ دَابَّةٍ صِفَتُهَا كَذَا لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ سَنَةً مَثَلًا ( أَوْ ) عَلَى ( عَمَلٍ مَعْلُومٍ ) كَحَمْلِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ ضَرْبَانِ : وَيَأْتِي ( بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ ) فِي الضَّرْبَيْنِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُسْتَوْفَى دُونَ الْعَيْنِ وَالْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهَا ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْعَقْدُ لِلْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ كَمَا تُضَافُ الْمُسَاقَاةُ لِلْبُسْتَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الثَّمَرُ وَلَوْ قَالَ : آجَرْتُك مَنْفَعَةَ دَارِي جَازَ ( وَالِانْتِفَاعُ ) مِنْ قِبَلِ مُسْتَأْجَرٍ ( تَابِعٍ ) لِلْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا ( وَيُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ صُورَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الصُّلْحِ ) وَهِيَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ لِلْحَاجَةِ كَنِكَاحٍ .
( وَ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا ( مَا فَعَلَهُ ) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ حَيْثُ وَقَفَهَا وَأَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا

بِخَرَاجٍ ضَرَبَهُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ عَامٍ أُجْرَةً لَهَا وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّتَهَا لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ وَأَرْكَانُ الْإِجَارَةِ الْعَاقِدَانِ وَالْعِوَضَانِ وَالصِّيغَةُ ( وَهِيَ ) أَيْ : الْإِجَارَةُ ( وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْعَرَايَا وَالشُّفْعَةُ وَالْكِتَابَةُ وَنَحْوُهَا ) كَالسَّلَمِ ( مِنْ الرُّخَصِ الْمُسْتَقِرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ) إذْ الشُّفْعَةُ انْتِزَاعُ مِلْكِ الْإِنْسَانِ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَالْكِتَابَةُ يَتَّحِدُ فِيهَا الْمُشْتَرَى وَالْمَبِيعُ وَالْبَقِيَّةُ فِيهَا الْغَرَرُ ( وَالْأَصَحُّ لَا ) أَيْ : أَنَّهَا عَلَى ( وَفْقِ الْقِيَاسِ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُخَصِّصْ الْعِلَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ مُخَالِفَةُ قِيَاسٍ صَحِيحٍ وَمَنْ خَصَّصَهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ خِلَافَ الْقِيَاسِ إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ مَوْجُودًا فِيهِ وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ .

( وَتَنْعَقِدُ ) الْإِجَارَةُ ( بِلَفْظِ إجَارَةٍ وَ ) بِلَفْظِ ( كِرَاءٍ ) كَأَجَرْتُك وَأَكْرَيْتُك وَاسْتَأْجَرْت وَاكْتَرَيْت ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مَوْضُوعَانِ لَهَا .
( وَ ) تَنْعَقِدُ ب ( مَا بِمَعْنَاهُمَا ) كَأَعْطَيْتُكَ نَفْعَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ مَلَّكْتُكَهُ سَنَةً بِكَذَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَكَذَا لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ كَأَعْطَيْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِكَذَا .
( وَ ) تَصِحُّ ( بِلَفْظِ بَيْعٍ إنْ لَمْ يُضَفْ إلَى الْعَيْنِ ) نَحْوُ بِعْتُكَ نَفْعَ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَنَافِعُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّهَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا وَتُضْمَنُ بِالْيَدِ وَالْإِتْلَافِ .
فَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْعَيْنِ كَبِعْتُكِ دَارِي شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَرَفَا الْمَقْصُودَ انْعَقَدَتْ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَرَفَ بِهَا الْمُتَعَاقِدَانِ مَقْصُودَهُمَا وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ حَدًّا ، لِأَلْفَاظِ الْعُقُودِ بَلْ ذَكَرَهَا مُطْلَقَةً وَكَذَا .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْنَاعِ .

( فَصْلٌ وَشُرُوطُهَا أَيْ : الْإِجَارَةِ ثَلَاثَةٌ : ) أَحَدُهَا : ( مَعْرِفَةُ مَنْفَعَةٍ ) لِأَنَّهَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا .
فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهَا كَالْمَبِيعِ ( إمَّا بِعُرْفٍ ) أَيْ : مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ ( كَسُكْنَى دَارٍ شَهْرًا ) لِتَعَارُفِ النَّاسِ بِالسُّكْنَى وَالتَّفَاوُتُ فِيهَا يَسِيرٌ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى ضَبْطٍ ( وَخِدْمَةِ آدَمِيٍّ سَنَةً ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ بِالْعُرْفِ فَلَا تَحْتَاجُ لِضَبْطٍ كَالسُّكْنَى فَيَخْدُمُهُ نَهَارًا وَمِنْ اللَّيْلِ مَا يَكُونُ مِنْ خِدْمَةِ أَوْسَاطِ النَّاسِ ( أَوْ بِوَصْفٍ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا إلَى مَحَلِّ كَذَا ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ وَكَذَا كُلُّ مَحْمُولٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَزْنِهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُحْمَلُ إلَيْهِ .
فَإِنْ كَانَ كِتَابًا فَوَجَدَ الْمَحْمُولَ إلَيْهِ غَائِبًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ لِذَهَابِهِ وَرَدِّهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَالْمُسَمَّى فَقَطْ وَيَرُدُّهُ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ ( أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ يَذْكُرُ طُولَهُ ) أَيْ : الْحَائِطِ ( وَ ) يَذْكُرُ ( عَرْضَهُ وَسَمْكَهُ ) بِفَتْحِ السِّينِ ( وَآلَتَهُ ) ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ فَيَقُولُ : مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ وَبِالطِّينِ أَوْ الْجِصِّ وَنَحْوِهِ فَلَوْ بَنَاهُ ثُمَّ سَقَطَ فَلَهُ الْأُجْرَةُ ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْعَمَلِ إلَّا إنْ كَانَ سُقُوطُهُ بِتَفْرِيطِهِ نَحْوُ إنْ بَنَاهُ مَحْلُولًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ وَغُرْمُ مَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِبِنَاءِ أَذْرُعٍ مَعْلُومَةٍ فَبَنَى بَعْضَهَا وَسَقَطَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ وَتَمَامُ الْأَذْرُعِ لِيَفِيَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِضَرْبِ لَبِنٍ ذَكَرَ عَدَدَهُ وَقَالَبَهُ وَمَوْضِعَ الضَّرْبِ وَلَا يَكْتَفِي بِمُشَاهَدَةِ الْقَالِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا كَالسَّلْمِ وَلَا يَلْزَمُهُ إقَامَتُهُ لِيَجِفَّ .

( وَ ) تَصِحُّ إجَارَةُ ( أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ ) بِرُؤْيَةٍ لَا وَصْفٍ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْضَبِطُ بِهِ وَتَصِحُّ لِتَجْصِيصِ حَائِطٍ وَنَحْوِهِ وَتُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ لَا الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ ( لِزَرْعٍ ) مَعْلُومٍ كَبُرٍّ ( أَوْ غَرْسٍ ) مَعْلُومٍ كَنَخْلٍ ( أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ ) كَدَارٍ صِفَتُهَا كَذَا ( أَوْ لِزَرْعِ ) مَا شَاءَ ( أَوْ ) ل ( غَرْسِ مَا شَاءَ ) أَوْ لِبِنَاءِ مَا شَاءَ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِأَكْثَرَ الزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ ضَرَرًا ( أَوْ لِزَرْعِ وَغَرْسِ مَا شَاءَ ) أَوْ لِغَرْسِ وَبِنَاءِ مَا شَاءَ أَوْ لِزَرْعِ وَغَرْسِ وَبِنَاءِ مَا شَاءَ ( أَوْ ) ( لِزَرْعٍ ) وَيَسْكُتُ ( أَوْ غَرْسٍ وَيَسْكُتُ ) أَوْ لِبِنَاءٍ وَيَسْكُتُ ، وَلَهُ فِي الْأُولَى زَرْعُ مَا شَاءَ وَفِي الثَّانِيَةِ غَرْسُ مَا شَاءَ .
وَفِي الثَّالِثَةِ بِنَاءُ مَا شَاءَ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِأَكْثَرَ ذَلِكَ ضَرَرًا ( أَوْ ) يَقُولُ : آجَرْتُكَ الْأَرْضَ وَ ( يُطْلِقُ وَ ) الْأَرْضُ ( تَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : إنْ أَطْلَقَ أَوْ قَالَ : انْتَفِعْ بِهَا بِمَا شِئْتَ فَلَهُ زَرْعٌ وَغَرْسٌ وَبِنَاءٌ

( وَ ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ ( لِرُكُوبٍ اشْتَرَطَ مَعَ ذِكْرِ الْمَوْضِع ) الْمَرْكُوبِ إلَيْهِ ( مَعْرِفَةَ رَاكِبٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَذِكْرِ جِنْسِ مَرْكُوبٍ كَمَبِيعٍ ) إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا ؛ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ بِالنَّظَرِ إلَى أَجْنَاسِ الْمَرْكُوبِ مِنْ كَوْنِهِ فَرَسًا أَوْ بَعِيرًا أَوْ بَغْلًا أَوْ حِمَارًا .
( وَ ) مَعْرِفَةَ ( مَا يَرْكَبُ بِهِ مِنْ سَرْجٍ وَغَيْرِهِ ) ؛ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِ الْمَرْكُوبِ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ .
( وَ ) مَعْرِفَةَ ( كَيْفِيَّةِ سَيْرِهِ مِنْ هِمْلَاجٍ ) بِكَسْرِ الْهَاء ( وَغَيْرِهِ ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِ وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ ( ذِكْرُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْ أُنُوثِيَّتِهِ أَوْ نَوْعِهِ ) أَيْ : الْمَرْكُوبِ كَعَرَبِيٍّ أَوْ بِرْذَوْنٍ فِي الْفَرَسِ وَلَا بُخْتِيٍّ وَلَا عَرَابِيٍّ فِي إبِلٍ ؛ لِأَنَّ تَفَاوَتَهُ يَسِيرٌ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ تَوَابِعِ الرَّاكِبِ الْعُرْفِيَّةِ كَدَارٍ وَأَثَاثٍ .

( وَ ) يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةٍ ( لِحَمْلِ مَا يَتَضَرَّرُ ) أَيْ : يُخْشَى عَلَيْهِ ضَرَرًا إذَا حُمِلَ ( كَخَزْفٍ ) أَيْ : فَخَّارٍ ( وَنَحْوَهُ ) كَزُجَاجٍ ( مَعْرِفَةُ حَامِلِهِ ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ ( وَمَعْرِفَتُهُ ) أَيْ : الْحَامِلِ بِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ ( لِمَحْمُولٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ ) إنْ كَانَ خَزَفًا وَنَحْوَهُ ( وَذِكْرُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ خَزَفًا وَنَحْوَهُ .

( وَ ) يُشْتَرَطُ فِي اسْتِئْجَارٍ ( لِحَرْثٍ مَعْرِفَةُ أَرْضٍ ) بِرُؤْيَةٍ ؛ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِهَا سُهُولَةً وَضِدَّهَا وَلَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ .

( فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ أُجْرَةٍ ) لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ عِلْمُهُ كَالثَّمَنِ وَلِخَبَرِ { مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ } وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ وَأَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً ( فَمَا بِذِمَّةٍ ) مِنْ أُجْرَةٍ حُكْمُهُ ( كَثَمَنٍ ) أَيْ : فَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا بِذِمَّةٍ صَحَّ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الذِّمَّةِ ( وَمَا عُيِّنَ ) مِنْ أُجْرَةٍ ( كَمَبِيعٍ ) مُعَيَّنٍ فَتَكْفِي مُشَاهَدَةُ نَحْو صُبْرَةٍ وَقَطِيعٍ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُهُ لِجَرَيَانِ الْمَنْفَعَةِ مَجْرَى الْأَعْيَانِ ؛ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْدُومٍ .

( وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ بِسُكْنَى ) دَارٍ ( أُخْرَى ) سَنَةً وَنَحْوَهُ لِلْعِلْمِ بِالْعِوَضَيْنِ ( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ ب ( خِدْمَةٍ ) مِنْ مُعَيَّنٍ ( وَ ) ب ( تَزَوُّجٍ مِنْ مُعَيَّنٍ ) وَكَذَا اسْتِئْجَارُ آدَمِيٍّ لِخِدْمَةٍ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِقِصَّةِ شُعَيْبٍ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَحَدِيثُ { إنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ بِعِمَارَتِهَا لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ أَجَّرَهَا بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَفَقَةِ مُسْتَأْجِرٍ بِحِسَابِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ عَلَى الْمَالِكِ وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ وَإِنْ شَرَطَهُ خَارِجًا مِنْ الْأُجْرَةِ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى نَحْوِ خَيَّاطٍ لِيُعَلِّمَهُ بِعَمَلِ الْغُلَامِ سَنَةً جَازَ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( حُلِيٍّ ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ( بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ ) لِلُبْسٍ أَوْ عَارِيَّةً نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الذَّاهِبِ بِالِاسْتِعْمَالِ بَلْ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَإِلَّا لِمَا جَازَ إجَارَةُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( أَجِيرٍ وَمُرْضِعَةٍ ) أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا ( بِطَعَامِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا ) وَإِنْ لَمْ يُوصَفَا وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَشَرَطَ مَعَهَا طَعَامَهُمَا وَكِسْوَتَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَأَوْجَبَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ عَلَى الرَّضَاعِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ الزَّوْجَةُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُرْضِعْ قَالَ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِزَوْجٍ .
وَيُسْتَدَلُّ لِلْأَجِيرِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " كُنْتُ أَجِيرًا لِابْنَةِ غَزْوَانٍ بِطَعَامِ بَطْنِي وَعُقْبَةِ رَحْلِي أَحْطِبُ لَهُمْ إذَا نَزَلُوا وَأَحْدُو لَهُمْ إذَا رَكِبُوا " وَبِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي مُوسَى أَنَّهُمْ اسْتَأْجَرُوا الْأُجَرَاءَ بِطَعَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ نَكِيرٌ ؛ وَلِأَنَّهُ عِوَضُ مَنْفَعَةٍ فَقَامَ الْعُرْفُ فِيهِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ( وَهُمَا ) أَيْ : الْأَجِيرُ وَالْمُرْضِعَةُ ( فِي تَنَازُعٍ ) مَعَ مُسْتَأْجِرِهِمَا فِي صِفَةِ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ قَدْرِهِمَا ( كَزَوْجَةٍ فَلَهُمَا نَفَقَةُ وَكِسْوَةُ ) مِثْلِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { بِالْمَعْرُوفِ } وَمَنْ احْتَاجَ مِنْهُمَا إلَى دَوَاءٍ لِمَرَضٍ لَمْ يَلْزَمْ مُسْتَأْجِرًا لَكِنْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ طَعَامِ الصَّحِيحِ يَشْتَرِي بِهِ لِلْمَرِيضِ مَا يَصْلُحُ لَهُ .
وَإِنْ شَرَطَ لِلْأَجِيرِ إطْعَامَ غَيْرِهِ أَوْ كِسْوَتَهُ مَوْصُوفًا جَازَ ؛ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ لِلْأَجِيرِ إنْ شَاءَ أَطْعَمَهُ أَوْ تَرَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا لَمْ يَجُزْ ؛ لِلْجَهَالَةِ وَاحْتُمِلَتْ فِيمَا إذَا اُشْتُرِطَتْ لِلْأَجِيرِ نَفْسِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَجَرْيِ الْعَادَةِ بِهَا وَلِلْأَجِيرِ النَّفَقَةُ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا أَوْ عَجَزَ عَنْ الْأَكْلِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ فَلَا تَسْقُطُ بِالْغِنَى

كَالدَّرَاهِمِ وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَا يَدِرُّ بِهِ لَبَنُهَا وَيَصْلُحُ بِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَتُهَا بِذَلِكَ ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ لِخَادِمَتِهَا وَنَحْوهَا فَأَرْضَعَتْهُ فَلَا أَجْرَ لَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوَفِّ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ دَابَّةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ أَرْضَعَهُ فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرٍ إطْعَامُهُمَا إلَّا مَا يُوَافِقُهُمَا مِنْ الْأَغْذِيَةِ .

( وَسُنَّ عِنْدَ فِطَامٍ لِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ أَمَةً ) لِوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ ( إعْتَاقُهَا وَ ) لِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ ( حُرَّةً ) لِوَلَدِهِ ( إعْطَاؤُهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ - بِفَتْحِ الذَّالِ مِنْ الذَّمِّ - قَالَ : الْغُرَّةُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَعَلَّ هَذَا فِي الْمُتَبَرِّعَةِ بِالرَّضَاعِ .

( وَالْعَقْدُ ) فِي الرَّضَاعِ ( عَلَى الْحَضَانَةِ ) أَيْ : خِدْمَةِ الْمُرْتَضِعِ وَحَمْلِهِ وَدَهْنِهِ وَنَحْوِهِ وَوَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ ( وَاللَّبَنُ تَبَعٌ ) كَصَبْغِ صَبَّاغٍ وَمَاءِ بِئْرٍ بِدَارٍ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ فَلَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ إجَارَةٌ كَلَبَنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ : ( وَالْأَصَحُّ اللَّبَنُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْخِدْمَةِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَا خِدْمَةٍ اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا رَضَاعٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَرَتَّبَ إيتَاءَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَدَلَّ أَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ عَلَى الْخِدْمَةِ لَمَا لَزِمَهَا سَقْيُ لَبَنِهَا وَجَوَازُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ رُخْصَةٌ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلِضَرُورَةِ حِفْظِ الْآدَمِيِّ .

( وَإِنْ أُطْلِقَتْ ) حَضَانَةٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَضَانَتِهِ وَأُطْلِقَ لَمْ يَشْمَلْ الرَّضَاعَ ( أَوْ خُصِّصَ رَضَاعٌ ) بِالْعَقْدِ بِأَنْ قَالَ : اسْتَأْجَرْتُكِ لِرَضَاعِهِ ( لَمْ يَشْمَلْ الْآخَرَ ) أَيْ : الْحَضَانَةَ ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَهَا زِيَادَةٌ عَمَّا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا .

( وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ ) انْفَسَخَ بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ ( أَوْ ) وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ ( مَعَ حَضَانَةٍ انْفَسَخَ ) الْعَقْدُ ( بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ ) ؛ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ( وَشُرِطَ ) فِي اسْتِئْجَارٍ لِرَضَاعٍ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ : الْأَوَّلُ ( مَعْرِفَةُ مُرْتَضِعٍ ) بِمُشَاهَدَةٍ لِاخْتِلَافِ الرَّضَاعِ بِاخْتِلَافِ الرَّضِيعِ كِبَرًا وَصِغَرًا وَنَهْمَةً وَقَنَاعَةً .
( وَ ) الثَّانِي : مَعْرِفَةُ ( أَمَدِ رَضَاعٍ ) إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إلَّا بِالْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ وَالْعَمَلَ فِيهَا يَخْتَلِفُ .
( وَ ) الثَّالِثُ : ( مَعْرِفَةُ مَكَانِهِ ) أَيْ : الرَّضَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْهُلُ فِي بَيْتِهَا .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ ( اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ بِعَلَفِهَا ) فَقَطْ أَوْ مَعَ نَحْوِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلَا عُرْفَ لَهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ وَصَفَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ كَشَعِيرٍ وَقَدَّرَهُ بِمَعْلُومٍ جَازَ ( أَوْ ) يَسْتَأْجِرُ ( مَنْ يَسْلُخُهَا ) أَيْ : الدَّابَّةَ ( بِجِلْدِهَا ) فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَخْرُجُ الْجِلْدُ صَحِيحًا سَلِيمًا أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ ثَخِينٌ أَوْ رَقِيقٌ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ فَإِنْ سَلَخَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ( أَوْ يَرْعَاهَا ) أَيْ : الدَّابَّةَ ( بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهَا ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِثُلُثِ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا أَوْ نِصْفِهِ وَنَحْوِهِ أَوْ جَمِيعِهِ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَصِحُّ عِوَضًا فِي بَيْعٍ وَلَا يُدْرَى أَيُوجَدُ أَوْ لَا .
وَأَمَّا جَوَازُ دَفْعِ الدَّابَّةِ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهَا ؛ فَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ فَأَشْبَهَ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ وَأَمَّا هُنَا فَالنَّمَاءُ الْحَاصِلُ فِي الْغَنَمِ لَا يَقِفُ حُصُولُهُ عَلَى عَمَلِهِ فِيهَا فَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِهَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ عَيْنِهَا صَحَّ .

( وَلَا ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى ( طَحْنِ كُرٍّ ) بِضَمِّ الْكَافِ مَكِيلٌ بِالْعِرَاقِ قِيلَ : أَرْبَعُونَ إرْدَبًّا وَقِيلَ : سِتُّونَ قَفِيزًا ( بِقَفِيزٍ مِنْهُ ) أَيْ : الْمَطْحُونُ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ مَرْفُوعًا { أَنَّهُ نَهَى عَنْ عَسَبِ الْفَحْلِ وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ } ؛ وَلِأَنَّهُ جُعِلَ لَهُ بَعْضُ مَعْمُولِهِ أَجْرًا لِعَمَلِهِ فَيَصِيرُ الطَّحْنُ مُسْتَحَقًّا لَهُ وَعَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْقَفِيزِ مَطْحُونًا لَا يُدْرَى كَمْ هُوَ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً وَتَقَدَّمَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ كَسُدُسِهِ يَصِحُّ .

( وَمَنْ أَعْطَى صَانِعًا مَا صَنَعَهُ ) كَثَوْبٍ لِيَصْبُغَهُ أَوْ يَخِيطَهُ أَوْ يُقَصِّرَهُ أَوْ حَدِيدًا لِيَضْرِبَهُ سَيْفًا وَنَحْوَهُ فَفَعَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ( أَوْ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا أَوْ نَحْوَهُ ) كَحَلَّاقٍ وَدَلَّالٍ بِلَا عَقْدٍ مَعَهُ ( فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ) عَلَى عَمَلِهِ سَوَاءٌ وَعَدَهُ كَقَوْلِهِ : اعْمَلْهُ وَخُذْ أُجْرَتَهُ أَوْ عَرَّضَ لَهُ كَقَوْلِهِ : اعْلَمْ أَنَّكَ لَا تَعْمَلُ بِلَا أُجْرَةٍ أَوْ لَا ( وَلَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ ) أَيْ : الْحَمَّالِ وَنَحْوِهِ ( بِأَخْذِ ) أُجْرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لَهُ بِإِذْنِهِ مَا لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ أَوْ إذْنِهِ فِي إتْلَافِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي قَبْضِ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ الضَّمَانُ وَهَذَا فِي الْمُنْتَصِبِ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَعْرِيضٍ ( وَكَذَا رُكُوبُ سَفِينَةٍ وَدُخُولُ حَمَّامٍ ) فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَقْتَضِيهِ .

( وَمَا يَأْخُذُ حَمَّامِي ) مِنْ دَاخِلِ حَمَّامِهِ ( فَأُجْرَةُ مَحَلٍّ وَسَطْلٍ وَمِئْزَرٍ وَالْمَاءُ تَبَعٌ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَبَنِ الْمُرْضِعَةِ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ لِلْحَاجَةِ .

( وَ ) مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِخَيَّاطٍ وَقَالَ : ( إنْ خِطْته الْيَوْمَ ) فَبِدِرْهَمٍ ( وَ ) إنْ خِطْته ( رُومِيًّا فَبِدِرْهَمٍ وَ ) إنْ خِطْته ( غَدًا ) فَبِنِصْفِهِ ( أَوْ ) إنْ خِطْته ( فَارِسِيًّا فَبِنِصْفِهِ ) أَيْ : نِصْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ .
كَمَا لَوْ قَالَ : أَجَّرْتُك الدَّارَ بِدِرْهَمٍ نَقْدًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ نَسِيئَةً أَوْ اسْتَأْجَرْتُ مِنْك هَذَا بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذَا بِدِرْهَمَيْنِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِأَحَدِهِمَا ( أَوْ ) دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى زَرَّاعٍ ، وَقَالَ ( إنْ زَرَعْتَهَا بُرًّا فَبِخَمْسَةٍ وَ ) إنْ زَرَعْتَهَا ( ذُرَةً فَبِعَشَرَةٍ وَنَحْوِهِ ) كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ كِتَابٍ إلَى الْكُوفَةِ وَقَالَ : إنْ أَوَصَلْته يَوْمَ كَذَا فَلَكَ عِشْرُونَ وَإِنْ تَأَخَّرْت بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فَلَكَ عَشَرَةٌ ( لَمْ يَصِحَّ ) وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَجَّرْتُكَ الْحَانُوتَ شَهْرًا إنْ قَعَدْتَ فِيهِ خَيَّاطًا فَبِخَمْسَةٍ أَوْ حَدَّادًا فَبِعَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً ( وَ ) قَالَ لِمُسْتَأْجِرِهَا : ( إنْ رَدَدْتهَا الدَّابَّةَ الْيَوْمَ فَبِخَمْسَةٍ وَ ) إنْ رَدَدْتُهَا ( غَدًا فَبِعَشَرَةٍ ) صَحَّ نَصًّا قِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي .

( أَوْ عَيَّنَا ) أَيْ : الْعَاقِدَانِ ( زَمَنًا وَأُجْرَةً ) كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ( وَ ) قَالَا : ( مَا زَادَ فَلِكُلِّ يَوْمٍ كَذَا ) كَدِرْهَمٍ ( صَحَّ ) نَصًّا وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً مِنْ مَكَّةَ إلَى جُدَّةَ بِكَذَا فَإِنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ فَبِكَذَا فَلَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا فَصَحَّ كَمَا لَوْ اسْتَقَى لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يَكْتَرِيَ نَحْوَ دَابَّةٍ ( لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ ) لِجَهْلِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الدَّابَّةَ لِمُدَّةِ سَفَرِهِ فِي تِجَارَةٍ ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْغَزَاةِ قَدْ تَطُولُ وَتَقْصُرُ وَالْعَمَلُ فِيهَا يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَإِنْ تَسَلَّمَ الْمُؤَجَّرَةَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ( فَلَوْ عُيِّنَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( لِكُلِّ يَوْمٍ ) شَيْءٌ مَعْلُومٌ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ ( أَوْ ) عُيِّنَ لِكُلِّ ( شَهْرٍ شَيْءٌ ) مَعْلُومٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا كُلَّ شَهْرٍ بِدِينَارٍ صَحَّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَعْلُومٌ مُدَّتُهُ وَأَجْرُهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : آجَرْتُكَهَا شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا أَوْ سَنَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ لِنَقْلِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ كَوْنَهَا لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلِ مَعْلُومٍ .

( أَوْ اكْتَرَاهُ ) يَسْقِي لَهُ ( كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ ) صَحَّ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ { جُعْتُ مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ جَمَعَتْ بِدَارًا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُرِيدُ بَلَّهُ فَقَاطَعْتُهَا كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ فَعَدَدْتُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوبًا فَعَدَّتْ لِي سِتَّةَ عَشَرَ تَمْرَةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَكَلَ مَعِي مِنْهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ نَحْوُهُ رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ ؛ وَلِأَنَّ الدَّلْوَ مَعْلُومٌ وَعِوَضُهُ مَعْلُومٌ فَجَازَ كَمَا لَوْ سَمَّى دِلَاءً مَعْرُوفَةً وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الدَّلْوِ وَالْبِئْرِ وَمَا يَسْقِي بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَخْتَلِفُ وَقَوْلُهُ " بِدَارًا " بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ جِلْدُ السَّخْلَةِ .

( أَوْ ) اكْتَرَاهُ ( عَلَى حَمْلِهِ زُبْرَةً إلَى مَحَلِّ كَذَا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَإِنْ زَادَتْ فَلِكُلِّ رِطْلٍ دِرْهَمٌ صَحَّ ) لِمَا تَقَدَّمَ .

( وَلِكُلٍّ ) مِنْ الْمُتَآجِرَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ ( الْفَسْخُ أَوَّلُ كُلِّ يَوْمٍ ) إذَا قَالَ : كُلُّ يَوْمٍ بِكَذَا ( أَوْ ) أَوَّلَ كُلِّ ( شَهْرٍ ) إذَا قَالَ : كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا ( فِي الْحَالِ ) أَيْ : فَوْرًا ؛ لِأَنَّ تَمَهُّلَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِلُزُومِ الْإِجَارَةِ فِيهِ .
قَالَ الْمَجْدُ : فِي شَرْحِهِ وَكُلَّمَا دَخَلَا فِي شَهْرٍ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ فِيهِ فَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الشَّهْرِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ انْتَهَى .
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَلْزَمُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الشُّرُوعَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاتِّفَاقِ يَجْرِي مَجْرَى الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِذَا تُرِكَ التَّلَبُّسُ بِهِ فَكَالْفَسْخِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَوْ يَقُولُ : إذَا مَضَى هَذَا الشَّهْرُ فَقَدْ فَسَخْتهَا انْتَهَى ، وَتَقَدَّمَ يَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخٍ بِشَرْطٍ .

( فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّالِثُ كَوْنُ نَفْعٍ ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ( مُبَاحًا ) مُطْلَقًا ( بِلَا ضَرُورَةٍ ) بِخِلَافِ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَإِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ؛ لِعَدَمِ غَيْرِهِ ( مَقْصُودًا ) عُرْفًا بِخِلَافِ آنِيَةٍ لِتَجَمُّلٍ ( مُتَقَوِّمًا ) بِخِلَافِ نَحْوِ تُفَّاحٍ لِشَمٍّ ( يُسْتَوْفَى ) مِنْ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ ( دُونَ ) اسْتِهْلَاكِ ( الْأَجْزَاءِ ) بِخِلَافِ شَمْعٍ لِشَعْلٍ وَصَابُونٍ لِغَسْلٍ ( مَقْدُورًا عَلَيْهِ ) بِخِلَافِ دِيكٍ لِيُوقِظَهُ لِصَلَاةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَصِحُّ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مَعَهُ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ ( لِمُسْتَأْجِرٍ ) .
فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مُؤَجَّرٍ ( كَكِتَابِ ) حَدِيثٍ أَوْ فِقْهٍ أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ نَحْوِهِ ( لِنَظَرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ نَقْلٍ ) أَوْ بِهِ خَطٌّ حَسَنٌ يُكْتَبُ عَلَيْهِ وَيُتَمَثَّلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِذَلِكَ فَجَازَتْ إجَارَتُهُ وَ ( لَا ) تَجُوزُ إجَارَةُ ( مُصْحَفٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ( وَكَدَارٍ تُجْعَلُ مَسْجِدًا ) يُصَلَّى فِيهِ ( أَوْ تُسْكَنُ ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ .
( وَ ) كَاسْتِئْجَارِ ( حَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ ) مَعْلُومٍ وَبِئْرٍ يَسْتَقِي مِنْهَا أَيَّامًا مَعْلُومَةً ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُبَاحًا بِمُرُورِ الدَّلْوِ ، وَالْمَاءُ يُؤْخَذُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ .
( وَكَحَيَوَانٍ لِصَيْدٍ ) كَفَهْدٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ ( وَ ) كَقِرْدٍ لِ ( حِرَاسَةٍ ) مُدَّةً مَعْلُومَةً فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا ، وَتَجُوزُ إعَارَتُهُ لِذَلِكَ ( سِوَى كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ ) فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا ( وك ) اسْتِئْجَارِ ( شَجَرٍ لِنَشْرٍ ) عَلَيْهِ ( أَوْ جُلُوسٍ بِظِلِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ كَالْحِبَالِ وَالْخَشَبِ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً ( وَ ) كَاسْتِئْجَارِ ( بَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُورَةٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا أَشْبَهَ رُكُوبَ الْبَعِيرِ وَكَثِيرُ

مِنْ النَّاسِ مِنْ الْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ يَحْمِلُونَ عَلَى الْبَقَرِ وَيَرْكَبُونَهَا وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ يُحْرَثُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَمَعْنَى خَلْقِهَا لِلْحَرْثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ مُعْظَمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي شَيْءٍ آخَرَ كَمَا أَنَّ الْخَيْلَ خُلِقَتْ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَيُبَاحُ أَكْلُهَا وَاللُّؤْلُؤُ خُلِقَ لِلْحِلْيَةِ وَيُتَدَاوَى بِهِ .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( غَنَمٍ لِدِيَاسِ زَرْعٍ ) مَعْلُومٍ أَوْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( بَيْتٍ ) مُعَيَّنٍ ( فِي دَارٍ ) مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ ( وَلَوْ أُهْمِلَ ) أَيْ : لَمْ يُذْكَرْ ( اسْتِطْرَاقِهِ ) إذْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِطْرَاقٍ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ لِلتَّعَارُفِ .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( آدَمِيٍّ لِقَوْدِ ) أَعْمَى أَوْ مَرْكُوبٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ يُقْصَدُ وَكَذَا لِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ لِحَدِيثِ الْهِجْرَةِ وَلِيُلَازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَتَهُ نَصًّا .
وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ غَيْرُ هَذَا أَعْجَبُ إلَيَّ وَلِيَنْسَخَ لَهُ كُتُبَ فِقْهٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ سِجِلَّاتٍ نَصًّا وَنَحْوَهَا ، وَيُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ أَوْ الْعَمَلِ فَإِنْ قَدَّرَ بِالْعَمَلِ ذَكَرَ عَدَدَ الْأَوْرَاقِ وَقَدْرَهَا ، وَعَدَدَ السُّطُورِ فِي كُلِّ وَرَقَةٍ ، وَقَدْرَ الْحَوَاشِي وَدِقَّةَ الْقَلَمِ وَغِلَظَهُ .
فَإِنْ عُرِفَ الْخَطُّ بِالْمُشَاهَدَةِ .
جَازَ وَإِنْ أَمْكَنَ ضَبْطَهُ بِالصِّفَةِ ضَبَطَهُ ، وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْأُجْرَةِ بِأَجْزَاءِ الْفَرْعِ أَوْ بِأَجْزَاءِ الْأَصْلِ ، وَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى نَسْخِ الْأَصْلِ بِأَجْرٍ وَاحِدٍ جَازَ ، وَيُعْفَى عَنْ خَطَأٍ يَسِيرٍ مُعْتَادٍ وَإِنْ أَسْرَفَ فِي الْغَلَطِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَلَيْسَ لَهُ مُحَادَثَةُ غَيْرِهِ حَالَ النَّسْخِ ، وَلَا التَّشَاغُلُ بِمَا يَشْغَلُ سِرَّهُ وَيُوجِبُ غَلَطَهُ ، وَلَا لِغَيْرِهِ تَحْدِيثُهُ وَشَغْلُهُ ، وَكَذَا كُلُّ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَخْتَلُّ بِشُغْلِ السِّرِّ وَالْقَلْبِ .
كَالْقَصَّارَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَنَحْوِهَا ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ شَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَنَحْوِهَا .
لِصَيْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَفِي الْبِرْكَةِ احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي ، وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ يَجُوزُ ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( عَنْبَرٍ ) وَصَنْدَلٍ وَنَحْوَ مِمَّا يَبْقَى ( لِشَمٍّ ) مُدَّةً مُعَيَّنَةً ثُمَّ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ كَالثَّوْبِ لِلُبْسٍ

وَ ( لَا ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ ) مِنْ الطِّيبِ ( كَرَيَاحِينَ ) لِتَلَفِهَا عَنْ قَرِيبٍ فَتُشْبِهُ الْمَطْعُومَاتِ .

( وَ ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ( نَقْدٍ ) أَيْ : دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ( لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ ) وَكَذَا مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَأَنْفٍ وَرَبْطِ سِنٍّ ( فَقَطْ ) مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْحُلِيِّ لِلتَّحَلِّي ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ يُسْتَوْفَى دُونَ الْأَجْزَاءِ ( وَكَذَا مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ وَفُلُوسٌ لِيُعَايِرَ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْمَذْكُورِ لِمَا تَقَدَّمَ ( فَلَا تَصِحُّ ) إجَارَةُ نَقْدٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ( إنْ أُطْلِقَتْ ) أَيْ : لَمْ يُذْكَرْ التَّحَلِّي وَلَا الْوَزْنُ وَتَكُونُ قَرْضًا .
لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ الْمُعْتَادَ بِالنَّقْدِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَعْيَانِهَا .
فَإِذَا أُطْلِقَ الِانْتِفَاعُ حُمِلَ عَلَى الْمُعْتَادِ ( وَلَا ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( عَلَى زِنًا أَوْ زَمْرٍ أَوْ غِنَاءٍ ) وَنَوْحٍ وَنَسْخِ كُتُبِ بِدْعَةٍ وَشِعْرٍ مُحَرَّمٍ وَرَعْيِ خِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ فِي بَيْعٍ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا فِي الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ .

( أَوْ نَزْوِ فَحْلٍ ) أَيْ : لَا تَصِحُّ إجَارَةُ فَحْلِ الضِّرَابِ .
لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسَبِ الْفَحْلِ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَاءُ الَّذِي يُخَلَّفُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَهُوَ عَيْنٌ فَيُشْبِهُ إجَارَةَ الْحَيَوَانِ لِأَخْذِ لَبَنِهِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا قِيمَةَ لَهُ .
فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ جَازَ بَذْلُ الْكِرَاءِ وَلَيْسَ لِلْمُطْرِقِ أَخْذُهُ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي : وَإِنْ أَطْرَقَ فَحْلَهُ بِلَا إجَارَةٍ وَلَا شَرْطٍ وَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْرُوفًا فَجَازَتْ مُجَازَاتُهُ عَلَيْهِ .

( أَوْ ) أَيْ : وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ ( دَارٍ لِتُعْمَلَ كَنِيسَةً ) أَوْ بِيعَةً أَوْ صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ ( أَوْ بَيْتَ نَارٍ ) لِتَعَبُّدِ الْمَجُوسِ ( أَوْ لِبَيْعِ خَمْرٍ ) أَوْ الْقِمَارِ وَنَحْوِهِ .
سَوَاءٌ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ عُلِمَ بِقَرِينَةٍ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ كَإِجَارَةِ عَبْدِهِ لِلْفُجُورِ بِهِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ دَارًا وَأَرَادَ بَيْعَ الْخَمْرِ بِهَا فَلَهُ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ .

( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ ( لِحَمْلِ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَدِمَاءٍ مُحَرَّمَةٍ ( لِأَكْلِهَا لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ ) إلَيْهِ ( أَوْ ) لِحَمْلِ ( خَمْرٍ لِشُرْبِهَا ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ فَإِنْ كَانَ حَمْلُ الْمَيْتَةِ لِأَكْلِ مُضْطَرٍّ إلَيْهَا صَحَّتْ .

( وَتَصِحُّ ) إجَارَةٌ لِحَمْلِ مَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ ( لِإِلْقَاءٍ وَإِرَاقَةٍ ) ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا تَنْدَفِعُ بِدُونِ إبَاحَةِ الْإِجَارَةِ كَكَنْسِ الْكُنُفِ وَحَمْلِ النَّجَاسَاتِ لِتُلْقَى خَارِجَ الْبَلَدِ .
وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِإِلْقَاءِ مَيْتَةٍ بِشَعْرٍ عَلَى جِلْدِهَا .
إنْ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَمَنْ أَعْطَى صَيَّادًا أُجْرَةً لِيَصِيدَ لَهُ سَمَكًا لِيَخْتَبِرَ بَخْتَهُ فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ بِشَبَكَتِهِ قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ .

( وَلَا ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( عَلَى طَيْرٍ لِسَمَاعِهِ ) أَيْ : سَمَاعِ صَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَيْسَتْ مُتَقَوِّمَةً وَلَا مَقْدُورَ عَلَى تَسْلِيمِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيحُ وَلَا يَصِيحُ .

( وَتَصِحُّ ) إجَارَةُ طَيْرٍ ( لِصَيْدٍ ) كَصَقْرٍ وَبَازٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مُتَقَوِّمٌ .

( وَلَا ) تَصِحُّ إجَارَةٌ ( عَلَى تُفَّاحَةٍ لِشَمٍّ ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ غَصَبَ تُفَّاحًا فَشَمَّهُ وَرَدَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ شَمِّهِ .

( أَوْ ) عَلَى ( شَمْعٍ لِتَجَمُّلٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) عَلَى شَمْعٍ ل ( شَعْلٍ أَوْ طَعَامٍ لِأَكْلٍ ) أَوْ شَرَابٍ لِشُرْبٍ أَوْ صَابُونٍ لِغَسْلٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَمْعًا لِيُشْعِلَ مِنْهُ مَا شَاءَ وَيَرُدَّ بَقِيَّتَهُ وَثَمَنَ الذَّاهِبِ وَأُجْرَةَ الْبَاقِي لَمْ يَصِحَّ .
لِشُمُولِهِ بَيْعًا وَإِجَارَةً ، وَالْمَبِيعُ مَجْهُولٌ فَيَلْزَمُ الْجَهْلُ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدَانِ .

( أَوْ ) عَلَى ( حَيَوَانٍ ) كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ ( لِأَخْذِ لَبَنِهِ ) أَوْ صُوفِهِ أَوْ شَعْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ النَّفْعُ ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْعَيْنُ ، وَهِيَ لَا تُمَلَّكُ وَلَا تُسْتَحَقُّ بِإِجَارَةٍ وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الشَّمْعِ لِشَعْلِهِ وَالْحَيَوَانِ لِأَخْذِ لَبَنِهِ ( غَيْرِ ظِئْرٍ ) أَيْ : آدَمِيَّةٍ مُرْضِعَةٍ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ : أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهَا عَمَلٌ مِنْ وَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الْمُرْتَضِعِ وَنَحْوِهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27