كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

خطبة الكتاب
يقول العبد الفقير الذليل المضطر الحقير من هو من صالح الأعمال عري أحمد بن محمد الشهير بالمقري المغربي المالكي الأشعري أصلح الله تعالى حاله وجعل في مرضاته حله وترحاله ومحا بغيث الطاعة والرضوان أمحاله وأنجح ببلوغ آماله انتحاءه وانتحاله
أحمد من عرف من حلي الأمصار وعلى الأعيان على تداول الأعصار وتطاول الأحيان ما فيه ذكرى لأولي الأبصار وإرشاد إلى معرفة الديان واعتبار بأخبار راع وصفها أو راق وشرف من صرف المطامح والمطامع إلى تفصيل ما أفاد لسان الدين من كلم جوامع وتحصيل ما أجاد من حكم بوالغ سحب بلاغتها هوامع واقتناء ذخائر المهتدين التي تنشفت بدورها اللوامع الآذان والمسامع من كل منحط عن رتبة البراعة أو راق حتى توج

الخطيب المجيد رؤوس المنابر بفرائد الكلام وحلى الكتاب الأديب المجيد صدور المزابر من فوائد الأعلام وكحل الحكيم الطبيب الأريب المفيد من إثمد المحابر بمراود الأقلام عيون أوراق
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي ابتدأ من غير مثال وبرا وفسم العباد إلى حاضر وباد وظاهر وخامل وقاصر وكامل تشير إليه بالأنامل أيدي الكبرا وأبدى في اختلاف ذواتهم وأعراضهم وتباين أدواتهم ولأغراضهم وتغاير ألسنتهم وأمكنتهم وأزمنتهم وألوانهم وأكوانهم وكناصبهم ومناسبهم عبرا وجعل الدنيا لمن أتيح صغرا أو كبرا ولبس منهم مسوحا أو حبرا وأخلد إلى الأرض أو صعد منبرا جسرا إلى الآخرة ومعبرا وحكم وهو الفاعل المختار على الجميع بالموت لمبتدإهم خبرا فيا له من داء أعيا كل معالج أو راق
فسبحانه من إله انفرد بوجوب القدم والبقا واختص بفضله من شاء فارتقى وعم تعالى تعالى ذوي السعادة والشقا بالحدوث والفنا وأذاق من فراق الدنيا كل من فيها بلا ثنا ممن وفق فنفى عن جفنه وسنا أو خذل فجر في ميدان الاغترار رسنا وزين له عياذا بالله سوء عمله فرآه حسنا طعم شعوب المر الجنى فلم يغن منه عن ذوي الغنى والغنا وأهل السنا من استظهروا به من أرباب الصوارم والقنا وأصحاب النظم والنثر والجدال والفخر والمدح والثنا فأولئك ألقوا السلاح مذعنين مستبصرين موقنين إذ جاء الحق وزهق الباطل وولي الامترا وهؤلاء تركوا الاصطلاح معلنين عالمين أنهم لم يكونوا في التمويه محسنين وكيف لا وقد اضمحل

الغرور والأجترا وذهب والله الجور والافترا وبدل مذق الإطراء بصدق اللإطراق
وأشكره جل وعلا على أن علم بالقلم ما لم نعلم ونبه بآثاره الدالة على اقتداره إلى سلوك الطريق الأقوم الواضح المعلم وأرشد من أشرق فكره وأضا إلى التفويض لأحكام القضار ومن ذا يرد ما أمضى أو ينقض ما أبرم والتسليم على كل حال أسلم وأمر جل اسمه بالتدير في أنباء من مضى والنظر في عواقب أحوال الذين زال أمرهم وانقضى من صنوف الأمم ووبخ من دجا قلبه بالإعراض عن ذلك وأظلم وشتان ما بين اللاهي والمتذكر والساهي والمتفكر والناجي والهالك والمتحير والداجي الحالك والمشرق النير وما يستوي الظل والحرور والحزن والسرور والظلمات والنور ذو البهجة والإشراق
وأصلي أزكى الصلاة والسلام هدية لحضرة سيد الأنام ولبنة التمام من زويت له من الأرض المغارب والمشارق وتم به نظام أنبياء الله ورسله العظام وأزاح نوره الضلال والظلام حتى أضاءت بوسمه المساجد وازدانت باسمه المهارق وألقى الموفق الموافق لدعوته بيد الاستسلام وذلك شأن ذوي العقول الراجحة والأحلام غير خائف من عتب ولا مترقب لملام فأمن من الطوارىء والطوارق وتمت كلمة الإسلام الذي اتضح برهانه لذي بصر وبصيرة لا يحتاج إلى زيادة الإعلام وعلت سيوف توحيد الملك العلام

من المعاند المفارق المفارق وخضبتها بحناء النديع الرقراق النبي الأمي الأمين الداعي جميع العالمين إلى سلوك منهاج ما له من هاج ذي أضواء شوارق سيد الرسل الغر الميامين ملجإ الإمة جعلنا الله ممن نجا باللجإ إليه آمين الذي أنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وانشق له الزبرقان ونبع الماء من بين أصابعه زيادة في الإيقان وسلمت عليه الأحجار وانقادت لأمره الأشجار متفيئة ظلاله الشريفة وخطت في الأرض أسطرا مبدعة الإتقان إلى غير ذلك من معجزاته الخوارق فهو صاحب الدعوة الجامعة والبراهين اللامعة والإدلة التي سقت الشدرة الطيبة غيوثها النافعة الصيبة الهامية الهامعة الصادقة البوارق فأثمرت النجاة والفوز والفلاح وأورقت بالهدى أحسن إيراق أسنى رسول بعث إلى الأرض وأعظمهم جلالة وأكثرهم تابعا في الطول منها والعرض ولم لا وقد ظهر به الحق لمن أمه مسترشدا وجلا له وأسمى من جاء بتبيين السنة والفرض وأعم دلالة منقض البراي في الدنيا ويوم العرض الآخذ بحجزهم عن النار والضلالة الداعي إلى تقديم الخير وحسن القرض الحريص على هداية الخلق المبلغ لهم أحكام الحق من غير ضجر ولا ملاله ذو الفضل العليم الذي لم يختلف فيه من أهل العقول اثنان والمجد الصميم الثابت الأصول الباسق الأفنان الملتقي من محتد معد بن عدنان المنتخب من خير عنصر وأطهر سلالة شفيعنا وملاذنا وعصمتنا ومعاذنا وثمالنا الذي نجحت به آمالنا وزكت به أقوالنا وأعمالنا ووسيلتنا الكبرى وعمدتنا العظمى في الأولى والأخرى وكنزنا الذي أعددناه لإزاحة الغموم ذخرا وغيثنا وغوثنا وسيدنا ونبينا ومولانا محمد الطيب المنابت والأعراق

ووجه وفود التعظيم إليه من مفرد في جماله صار لجمع الأنبياء تماما وفذ في كماله تقدم في حضرة التقديس التي أسست على التشريف أعظم تأسيس فصلى بالمرسلين إماما وصدر تحلى بجميل الأوصاف كالوفاء والعفاف والصدق والإنصاف فزكا في أعماله وبلغ الراجي منتهى آماله ولم يخلف وعدا ولم يخفر ذماما وسيد كسي حلل العصمة من كل مخالفة وذنب ووصمة فلم يصرف لغير طاعة مولاه الذي أولاه من التفضيل ما أولاه اهتبالا واهتماما
وعلى آله وعترته الفائزين بأثرته أنصار الدين والمهاجرين المهتدين وأشياعه وذريته الطالعين نجوما في سماء شهرته وأتباعهم القائمين بحقوق نصرته أرباب العقل الرصين الفاتحين بسيوف دعوته أبواب المعقل الحصين حتى بلغت أحكام ملته وأعلام بعثته من بالأندلس والصين فضلا عن الشأم والعراق
ورضي الله تعالى عن علماء أمته المصنفين في جميع العلوم والفنون وعظماء سنته الموفين للطلاب بالآراب المحققين لهم الظنون وحكماء شرعته المتبصرين بحدوث من مرت عليه الأيام والشهور وكرت عليه الإناء والدهور والأعوام والسنون المتدبرين في عواقب من كان بهذه البسيطة من السكان المتكذرين على قدر الإمكان بمن طحنته رحا المنون من أملاك العصور الخالية وملاك القصور العالية وذوي الأحوال التي هي بسلوك الاختلاف حالية من بصير وأعمى وفقير وذي نعمى ومختال تردى بكبريائه ومحتال على ما بأيدي الناس بسمعته وريائه وعاقل أحسن العمل وغافل افتتن بالأمل وكارع في حياض الشريعة وراتع برياض الآداب المريعة وذي ورع سد عما رابه الذريعة وأخي طمع في أن يدرك آرابه من الدنيا الوشيكة

الزوال السريعة ومقتبس من نبراس الرواية وملتبس بأدناس الغواية وشاعر هام في كل واد وقال ما لم يفعل فكان للغاوين من الرواد وجاهل عمر الخراب وخدع بالسراب عن أعذب الشراب ومحقق علم أنه إذا جاء القدر عمي البصر ممن كان أحضر من غراب وموفق تيقن أن غير الله فان وكل الذي فوق التراب تراب ومن متخلق متجرد تصوف ومتعلق متفرد تشوق إلى ما فيه رضا الرب وتشوف وناه ذكر بأيام الله ووعظ وخوف ولاه اغتر بالباطل فهو بالحق مماطل وطالما أخره وسوف وأبعد الانتجاع ثم أوى من باطنه إلى بيت قعدته لكاع نفس أماره بعدما طوف ومن مادح نظم الآلاء نظم اللآل وكادح طمس لألاء العز بظلمة ذل السؤال فجعل القصائد مصايد والرسائل وسائل والمقطعات مرقعات فآل أمره إلى ما آل ومن مخبر بما سمع ورأى حين اغترب عن مكانه ونأى أو أقام في أوطانه فبلغ ما قدر ووأى ومن مجازف لا يفرق بين الغث والسمين والإمرار والإحلاء وعارف ثقة أمين نظم در الصدف الثمين في أسلاك الكتابة والإملاء وعاشق خنساء فكره ذات الصدار من الشجون والشعار تبكي على صخر قلب المحبوب وتذكره كلما طلعت شمس أو كان للصبا

هبوب فتأتي بما يطفي وقود الجوى المشبوب من بحار الأشعار وليلى شوقه العفيفة عن العار ترفل في ثوب من التصبر معار وقيس توقه من ثوب السلو عار قد توله واشتاق خصوصا عند انتشاق البشام والعرار وقلق لما أرق فلم يقر به قرار فاعتراه ما براه وألف البكاء بحكم الاضطرار ولبس ثياب النحول والاصفرار وأسر لما هزمت جيوش صبره وأزمعت الفرار فتحير مما شجاه وسأل النجاة من أسر الفراق
( سبحان من قسم الحظوظ ... فلا عتاب ولا ملامه )
( أعمى وأعشى ثم ذو ... بصر وزرقاء اليمامة )
( ومسدد أو جائر ... أو حائر يشكو ظلامه )
( لولا استقامة من هداه ... لما تبينت العلامه ومجاور الغرر المخيف ... له البشارة بالسلامه )
( وأخو الحجى في سائر الأنفاس ... مرتقب حمامه )
( وكما مضى من قبله ... يمضي ولم يقض التزامه )
( والجاهل المغتر من ... لم يجعل التقوى اغتنامه )
( فليرفض العصيان من ... يخشى من الله انتقامه )

( وليعتبر بسواه من ... لصلاحه صرف اهتمامه )
( فالعيش في الدنيا الدنية ... غير مرجو الإدامه )
( من أرضعته ثديها ... في سرعة تبدا فطامه )
( من عز جانبه بها ... تنوي على الفور اهتضامه )
( وإذا نظرت فأين من ... منعته أومنحت مرامه )
( ومن الذي وهبته وصلا ... ثم لم يخش انصرامه ) ومن الذي مدت له ... حبلا فلم يخف انفصامه )
( كم واحد غرته إذ ... سرته مخفية الدمامه )
( قعدت به من حيث لم ... يعلم فلم يملك قيامه )
( أين الذين قلوبهم ... كانت بها ذات استهامه )
( أين الذين تفيأوا ... ظل السيادة والزعامه )
( أين الملوك ذوو الرياسة ... والسياسة والصرامه )
( وبنو أمية حين جمع ... عصرهم لهم فئامه )
( وتمكنوا ممن يحاول ... نقض ما شاءوا انبرامه )
( وتعشقوا لما بدا ... لهم محيا الأرض شامه )
( وتأملوا وجه البسيطة ... فاثنوا يهوون شامه )
( حتى تقلص ظلهم ... وأراهم الدهر اخترامه )
( أين الخلائف من بني العباس ... والبر القسامه

( أين الرشيد وأهله ... وبنوه أصحاب الشهامه )
( ووزيره يحيى وجعفر ... ابنه الراوي احتشامه )
( والفضل مدني من يقول ... لمن يلوم على الندى مه )
( أم أين عنترة الشجاع ... وذوا الجدا كعب بن مامه )
( والزاعمون بجهلهم ... أن القبور صدى وهامه )
( والمكثرون من المجون ... إذا شكا الفكر اغتمامه )
( اين الغريض ومعبد ... أو أشعب وأبو دلامه )
( أين الألى هاموا بسعدى ... أو بثينة أو أمامه )
( وأبكوا لفرط جواهم ... والليل قد أرخى ظلامه )
( وتتبعوا آثار من ... عشقوا بنجد أو تهامه )
( وتعللوا والشوق يغلب ... بالأراكة والبشامه )
( أضنى النوى قيسا فقاسى ... لاعجا أغرى غرامه )
( وغوى هوى غيلان مذ ... ابدى بميته هيامه )
( اين الأكاسر والقياصرة

( أم أين غمدان وسيف ... والوفود به أمامه )
( أين الخورنق والسدير ... ومن شفى بهما أوامه )
( ومدائن الإسكندر اللاتي ... لها أعلى دعامه )
( أين الحصون ومن يصون ... بها من الأعدا حطامه )
( أين المراكب والمواكب ... والعصائب والعمامه )
( اين العساكر والدساكر ... والندامى في المدامه )
( وسقاتها المتلاعبون ... بلب من أعطوه جامه )
( من كل أهيف يزدري ... بالغصن إن يهزز قوامه )
( ذي غرة لألاؤها ... تمحو عن النادي ظلامه )
( فالشمس في أزراره ... والبدر في يده قلامه )
( يصمي القلوب إذا رمى ... عن قوس حاجبه سهامه )
( ويروق حسنا إن رنا ... ويفوق آراما برامه )
( أنى لها ثغر حلا ... ذوقا لمن رام التثامه )
( أنى لها وجه يشب ... بقلب مبصره ضرامه ) أستغفر الله للغو ... لا يرى الشرع اعتيامه )
( بل أين أرباب العلوم ... أولو التصدر والإمامه )
وذوو الوزارة والحجابة ... والكتابة والعلامه )
( كأئمة سكنوا بأندلس ... فلم يشكوا سآمه )
( هي جنة الدنيا التي ... قد أذكرت دار المقامه )
( لا سيما غرناطة الفراء ... رائقة الوسامه )
( وهي التي دعيت دمشق ... وحسبها هذا

( لنزول أهليها بها ... إذ أظهر الكفر انهزامه )
وأتت جيوش الشأم من ... باب نفى الفتح انبهامه )
( فسلوا بها عن جلق ... إذ أشبهتها في الضخامه )
( وبدا لهم وجه المنى ... وأراهم الثغر ابتسامه )
( وتبوأوها حضرة ... تبري من المضنى سقامه )
( بروائها وبمائها ... وهوائها النافي الوخامه )
( ورياضها المهتزة الأعطاف ... من شدو الحمامه )
( وبمرجها النضر الذي قد زين الله ارتسامه )
( وقصورها الزهر التي ... يأبى بها الحسن انقسامه )
( يا ليت شعري أين من ... أمضى بها الملك احتكامه )
( وأتيح في حمرائها ... عزا به زان اتسامه )
( اين الوزير ابن الخطيب ... ها فما أحلى كلامه )
( فلكم أبان العدل في ... أرجائها وبها أقامه )
( ولكم أجار عدا وكم ... أجرى ندى والى انسجامه )
( راعت صروف الدهر دولته ... وما راعت ذمامه )
( حتى ثوى إثر التوى في حفرة نثرت نظامه )
( من زارها في أرض فاس ... أذهبت شجوا منامه )
( إذ نبهته لكل شمل ... شتت الموت التئامه )
( هذا لسان الدين أسكته ... وأسكنه رجامه )
( ومحا عبارته فمن حياه لم يردد سلامه )
( فكأنه ما أمسك القلم

( وكأنه لم يعل متم ... مطهم بارى النعامه )
( وكأنه لم يرق غارب ... الاعتزاز ولا سنامه )
( وكأنه لم يجل وجها ... حاز من بشر تمامه )
( وكأنه ما جال في ... أمر ولا نهي وسامه )
( وكأنه ما نال من ... ملك حباه ولا احترامه )
( وكأنه لم يلق في ... يده لتدبير زمامه )
( مذ فارق الدنيا وقوض ... عن منازلها خيامه )
( أمسى بقبر مفردا ... والترب قد جمعت عظامه )
( من بعد تثنية الوزارة ... جاده صوب الغمامه )
( لم يبق إلا ذكره ... كالزهر مفتر الكمامه )
( والعمر مثل الضيف أو ... كالطيف ليس له إقامه )
( والموت حتم ثم بعد ... الموت أهوال القيامه )
( والناس مجزيون عن ... أعمال ميل واستقامه )
( فذوو السعادة يضحكون ... وغيرهم يبكي ندامه )
( والله يفعل فيهم ... ما شاء ذلا أو كرامه )
( ويشفع المختار فيهم ... حين يبعثه مقامه )
( وعليه خير صلاته ... مع صحبه تتلو سلامه )
( والتابعين ومن بدا ... برق الرشاد له فشامه )
( ما فاز بالرضوان عبد ... كانت الحسنى ختامه )
والله سبحانه المسؤول في الفوز والنجاة كرما منه وحلما فبيده الخير لا إله إلا هو العلي الكبير العليم الخبير الذي أحاط بكل شيء علما فلا يعزب عنه مثقال ذرة

حنين إلى الوطن
أما بعد حمد الله مالك الملك والصلاة على رسوله المنجي من الهلك والرضا عن آله وصحبه الذين تجلت بأنوارهم الظلم الحلك وعن العلماء الأعلام الخائضين بحار الكلام المستوين من البلاغة على الفلك فيقول العبد الحقير المذنب الذي هو إلى رحمة ربه الغني فقير المقصر المتبرىء من الحول والقوة المتمسك بأذيال الخدمة للسنة والنبوة وذلك بفضل الله امان وبراءة الضعيف الفاني الخطاء الجاني من هو من لباس التقوى عري احمد بن محمد بن أحمد الشهير بالمقري المغربي المالكي الأشعري التلمساني الموالد والمنشإ والقراءة نزيل فاس الباهرة ثم مصر القاهرة أصلح الله أحواله الباطنة والظاهرة وجعله من ذوي الأوصاف الزكية والخلال الطاهرة وسدد في كل قصد أنحاءه وآراءه ووفقه بمنه وكرمه للأعمال الصالحة والطاعات الناجحة الراجحة والمتاجر المغبوطة الرابحة والمساعي الغادية بالخير الرائحة ووقاه ما بين يده ووراءه وكفاه مكر الكائد وافتراءه وجدال الحاسد المستأسد ومراءه وجعل فيما يرضيه سومه وشراءه آمين
إنه لما قضى الملك الذي ليس لعبيده في أحكامه تعقب أو رد ولا محيد عما شاءه سواء كره ذلك المرء أو رد برحلتي من بلادي ونقلتي عن محل طارفي وتلادي بقطر المغرب الأقصى الذي تمت محاسنه لولا أن سماسرة الفتن سامت بضائع أمنه نقصا وطما به بحر الأهوال فاستعلمت

( قطر كأن نسيمه ... نفحات كافور ومسك )
( وكأن زهر رياضه ... در هوى من نظم سلك )
وذلك أواخر رمضان من عام سبعة وعشرين بعد الألف تاركا المنصب والأهل والوطن والإلف
( بلد طاب لي به الأنس حينا ... وصفا العود فيه والإبداء )
( فسقت عهده العهاد وروت ... منه تلك النوادي الأنداء )
وما عسى أن أذكر في إقليم تعين لحجة فضله التسليم
( أضواؤه طبق المنى وهواؤه ... يشتاقه الولهان في الأسحار )
( والطبع معتدل فقل ما شئته ... في الظل والأزهار والأنهار )
محل فتح الكمائم ومسقط الرأس وقطع التمائم
( به كان الشباب اللدن غضا ... ودهري كله زمن الربيع )
( ففرق بيننا زمن خؤون ... له شغف بتفريق الجميع )
لم أنس تلك النواسم التي أيامها للعمر مواسم وثغورها بالسرور بواسم فصرت أشير إليها وقد زمت للرحيل القلص الرواسم
( ولنا بهاتيك الديار مواسم ... كانت تقام لطيبها الأسواق )
( فأباننا عنها الزمان بسرعة ... وغدت تعللنا بها الأشواق )
وأنشد قول غيلان
( أمنزلتي مي سلام عليكما

وأتمثل في تلك الحدائق التي حمائمها سواجع بقول من جفونه من الهوى غير هواجع
( تشدو بعيدان الرياض حمائم ... شدو القيان عزفن بالأعواد )
( ماد النسيم بقضبها فتمايلت ... مهتزة الأعطاف والأجياد )
( هذي تودع تلك توديع التي ... قد آذنت منها بوشك بعاد )
( واستعبرت لفراقها عين الندى ... فابتل مئزر عطفها المياد )
وأحدق النظر إلى روض لأنسان العين من فراقه في بحر الدموع سبح وخوض
( روض به أشياء ليست ... في سواه تؤلف )
( فمن الهزار ترنم ... ومن القضيب تقطف )
( ومن النسيم تلطف ... ومن الغدير تعطف )
وألتفت كالمستريب والحي إذ ذاك قريب وحديث العهد ليس بمنكر ولا غريب
( أهذا ولما تمض للبين ساعة ... فكيف إذا مرت عليه شهور )
والآثار لائحة والشمال غادية بأذكى رائحة
( ارى آثارهم فأذوب شوقا ... وأسكب من تذكرهم دموعي )
( وأسأل من قضى بفراق حبي ... يمن علي منهم بالرجوع )
والنفس متعللة ببعض الأنس والمشاهد الحميدة لم تنس
( تلك العهود بشدها مختومة ... عندي كما هي عقدها لم يحلل )

غير أن الرحيل عن الربع المحيل فصل به بين الشائق والمشوق وحيل
( وقفنا بربع الحب والحب راحل ... نحاول رجعاه لنا ويحاول )
( وألقت دموع العين فيهه مسائلا ... لها عن عبارات الغرام دلائل )
( وبالسفح منها كم سيقت لبانها ... فميلته والسفح للبان مائل )
( إذا نسمة الأحباب منها تنسمت ... تطيب بها أسحارنا والأصائل )
( تثير شجوني ساجعات غصونها ... فمنها على الحالين هاجت بلابل )
( مرابع ألافي مراتع لذتي ... مطالع أقماري بها والمنازل )
فحياها الله من منازل ذات أقمار سائرة فيها ومنازه لا يحصى الواصف محاسنها وأمداح أهلها ولا يستوفيها
( حلوا عقود اصطباري عندما رحلوا ... وفي الخمائل حلوا مثل أمطار )
( إن المنازل قد كانت منازه إذ ... باتوا بها وهي أوطاني وأوطاري )
ورعى الله من بان وشاق حتى الرند والبان
( بانوا لعيني أقمارا تقلهم ... لدن الغصون فلما آنسوا بانوا )
( عهودهم لست أنساها وكيف وقد ... رثى لبيني عنها الرند والبان )
وفي مثل هذا الموطن تذوب القلوب الر قاق كما قال حائز قصب السبق بالاستحقاق الأديب الأندلسي الشهير بابن الزقاق
( وقفت على الربوع ولي حنين ... لساكنهن ليس إلى الربوع )

( ولو أني حننت إلى مغاني ... أحبائي حننت على ضلوعي )
وكما قال بعض من له في هذه الفجاج مسير
( دخولك من باب الهوى إن أردته ... يسير ولكن الخروج عسير ) وأين من له صفة لا يطمع الدهر ... القوي في نحتها وجنات دنيوية )
لا تجري أنهار الفراق من تحتها
( فسقى رضيع النبت من ذاك الحمى ... بحيا تدور على الربى كاساته )
( سفح سفحت عليه دمعي في ثرى ... كالمسك ضاع من الفتاة فتاته )
ولم أنزل بعد انفصالي عن الغروب بقصد الشرق واتصافي في أثر ذلك الجمع بالفرق
( أحن إذا خلوت إلى زمان ... تقضى لي بأفنية الربوع )
( وأذكر طيب أيام تولت ... لنا فتفيض من أسف دموعي )
وأتوق وقد اتسع من البعد الخرق وخصوصا إذا شدا صادح أو أومض برق إلى ديار لا يعدوها اختيار
( وأربع أحباب إذا ما ذكرتها ... بكيت وقد يبكيك ما أنت ذاكر )
( بطاح وأوداح يروقك حسنها ... بكل خليج نمنمته الأزاهر )
( فما هو إلا فضة في زبرجد ... تساقط فيه اللؤلؤ المتناثر )
( بحيث الصبا والترب والماء والهوى ... عبير وكافور وراح وعاطر )
( وما جنة الدنيا سوى ما وصفته ... وما ضم منه الحسن نجد وحاجر )
( بلادي التي أهلي بها وأحبتي ... وقلبي وروحي والمنى والخواطر )

( تذكرني أنجادها ووهادها ... عهودا مضت لي وهي خضر نواضر )
( إذ العيش صاف والزمان مساعد ... فلا العيش مملول ولا الدهر جائر )
بحيث ليالينا كغض شبابنا ... وأيامنا سلك ونحن جواهر )
( ليالي كانت للشبيبه دولة ... بها ملك اللذات ناه وآمر )
( سلام على تلك العهود فإنها ... موارد أفراح تلتها مصادر )
وأتذكر تلك الأيام التي مرت كالأحلام فأتمثل بقول بعض الأكابر الأعلام
( يا ديار السرور لا زال يبكي ... فيك إذ تضحك الرياض غمام )
( رب عيش صحبته فيك غض ... وعيون الفراق عنا نيام )
( في ليال كأنهن أمان ... في زمان كأنه أحلام )
( وكأن الأوقات فيك كؤوس ... دائرات وأنسهن مدام )
( زمن مسعد وإلف وصول ... ومنى تستلذها الأوهام )
وبقول الحائك الأمي عندما يكثر شجوي وغمي
( لم أنس أياما مضت ولياليا ... سلفت وعيشا بالصريم تصرما )
( إذ نحن لا نخشى الرقيب ولم نخف ... صرف الزمان ولا نطيع اللوما )
( والعيش غض والحواسد نوم ... عنا وعين البين قد كحلت عمى )
( في روضة ابدت ثغور زهورها ... لما بكى فيها الغمام تبسما )
( مد الربيع على الخمائل نوره ... فيها فأصبح كالخيام مخيما )
( تبدو الأقاحي مثل ثغر أشنب ... أضحى المحب به كئيبا مغرما )
( وعيون نرجسها كأعين غادة ... ترنو فترمي باللواحظ اسهما )
( وكذلك المنثور منثور بها ... لما رأى ورد الخدود منظما

وأميل إلى بلاد محياها جميل
( كساها الحيا برد الشباب فإنها ... بلاد بها عق الشباب تمائمي )
( ذكرت بها عهد الصبا فكأنما ... قدحت بنار الشوق بين الحيازم )
( ليالي لا ألوي على رشد ناصح ... عناني ولا أثنيه عن غي لائم )
( أنال سهادي من عيون نواعس ... وأجني مرادي من غصون نواعم )
( وليل لنا بالسد بين معاطف ... من النهر ينساب انسياب الأراقم )
( تمر إلينا ثم عنا كأنها ... حواسد تمشي بيننا بالنمائم )
( وبتنا ولا واش نخاف كأنما ... حللنا مكان السر من صدر كاتم )
وأهفو إلى قصور ذات بهجة وصروح توضح معالمها للرائد نهجه
( ورياض تختال منها غصون ... في برود من زهرها وعقود )
( فكأن الأدواح فيها غوان ... تتبارى زهوا بحسن القدود )
( وكأن الأطيار فيها قيان ... تتغنى في كل عود بعود )
( وكأن الأزهار في حومة الروض ... سيوف تسل تحت بنود )
وأصبوا إلى بطاح وأدواح تروح النفوس والأرواح
( سقيا لها من بطاح خز ... ودوح زهر بها مطل )
( إذ لا ترى غير وجه شمس ... اطل فيه عذار ظل )
وأنهار جارية وأزهار نواسمها سارية وأربع وملاعب تزيح

عن مبصرها المتاعب
( تلك المنازل والملاعب ... لا أراها الله محلا )
( أوطنتها زمن الصبا ... وجعلت فيها لي محلا )
( حيث التفت رأيت ماء ... سائحا ورأيت ظلا )
( والنهر يفصل بين زهر ... الروض في الشطين فصلا )
( كبساط وشي جردت ... أيدي القيون عليه نصلا )
وإلى منازل يستفز حسنها الرائق الجاد والهازل ويشفي منظرها عليلا ويكفي مخبرها للمتستفهم دليلا
( وجنان ألفتها حين غنت حولها الورق بكرة وأصيلا )
( نهرها مسرعا جرى وتمشت ... في رباها الصبا قليلا قليلا )
وأتمثل إن ذكرت حال وداعي بقول الشاعر الأديب الوادعي
( الغرب خير وعند ساكنه ... امانة أوجبت تقدمه )
( فالشرق من نيريه عندهم ... يودع ديناره ودرهمه )
وبقول غيره إشارة لفضل الغرب وخيره
( أشتاق للغرب وأصبو إلى ... معاهد فيه وعصر الصبا )
( يا صاحبي نجواي والليل قد ... ارخى جلابيب الدجى واختبا )
( لا تعجبا من ناظر ساهر ...
( بات يراعي أنجما غيبا )
القلب في آثارها طائر ... لما رآها تقصد المغربا )

وأهيم كلما حللت من غيران أرضى بمكان وقد صير السائق جد السير معمولا ل ما انفك كما جعله خبرا ل كان بقول قاضي القضاة العالم الكبير الشمس ابن خلكان
( أي ليل على المحب أطاله ... سائق الظعن يوم زم جماله )
( يزجر العيس طاويا يقطع المهملة عسفا سهولة ورماله )
( أيها السائق المجد ترفق ... بالمطايا فقد سئمن الرحاله )
( وأنخها هنيهة وأرحها ... إذ براها السرى وفرط الكلاله )
( لا تطل سيرها العنيف فقد برح بالصب في سراها الإطاله )
( وارث للنازح الذي إن رأى ربعا ... ثوى فيه نادبا أطلاله )
( يسأل الربع عن ظباء المصلى ... ما على الربع لو أجاب سؤاله )
( ومحال من المحيل جواب ... غير أن الوقوف فيه علاله )
( هذه سنة المحبين يبكون ... على كل منزل لا محاله )
( يا ديار الأحباب لا زالت الأعين ... في ترب ساحتيك مذاله )
( وتمشى النسيم وهو عليل ... في مغانيك ساحبا أذياله )
( أين عيش مضى لنا فيك ما أسرع ... عنا ذهابه وزواله )
( حيث وجه الزمان طلق نضير ... والتداني غصونه مياله )
( ولنا فيك طيب أوقات أنس ... ليتنا في المنام نلقى مثاله )
وأردد قول الذي سحر الألباب مناديا من له من الأحباب
( احبابنا لو لقيتم في إقامتكم ... من الصبابة ما لاقيت في الظعن )
( لأصبح البحر من أنفاسكم يبسا ... والبر من أدمعي ينشق بالسفن )

وقوله
( وما تغيرت عن ذاك الوداد ولا ... حالت بي الحال في عهدي وميثاقي )
( درسي غرامي بكم دهري أكرره ... وقد تفقهت في وجدي وأشواقي )
وقول المجد بن شمس الخلافة معلما أنه لا يريد بدل معهده وخلافه
( يا زمان الهوى عليك السلام ... وعلي السلو عنك حرام )
( أي عيش قطعته فيك لو دام ... وهل يرتجى لظل دوام )
( كنت حلما والعيش فيك خيالا ... وسريعا ما تنقضي الأحلام )
( لهف نفسي على ليال تقضت ... سلبتني برودها الأيام )
( فطمتني الأقدار عنها وليدا ... وشديد على الوليد الفطام )
( لا تلمني على البكاء عليها ... من بكى شجوه فليس يلام )
وقول أبي طاهر الخطيب الموصلي
( حي نجدا عني ومن حل نجدا ... أربعا هجن لي غراما ووجدا )
( واقر عني السلام آرام ذاك الشعب ... والأجرع الخصيب الفردا )
( وابك عني حتى ترنح بالوجد ... أراكا به وبانا ورندا )
( فلكم وقفة أطلت على الضال ... بدمع أذاع سري وابدى )
( وعلى البان كم من البين أذريت لآلي للدمع مثنى ووحدا )
( آه والهفتي على طيب عيش ... كنت قطعته وصالا وودا

( حيث عود الشباب غض نضير ... ويد المكرمات بالجود تندى )
( والخليل الودود ينعم إسعافا ... وصرف الزمان يزداد بعدا )
( والليالي مساعدات على الصل ... وعين الرقيب إذا ذاك رمدا )
( كم بها من لبانة لي وأوطار ... تقضت وجازت الحد حدا )
( فاستعاد الزمان ما كان أعطى ... خلسة لي ببخله واستردا )
وقول بعضهم
( سلام على تلك المعاهد إنها ... شريعة وردي أو مهب شمالي )
( ليالي لم نحذر حزون قطيعة ... ولم نمش إلا في سهول وصال )
( فقد صرت أرضى من نواحي جنابها ... بخلب برق أو بطيف خيال )
وقول الجرجاني
( للمحبين من حذار الفراق ... عبرات تجول بين المآفي )
( فإذا ما استقلت العيس للبيتن ... وسارت حداتها بالرفاق )
( استهلت على الخدود انحدارا ... كانحدار الجمان في الاتساق )
( كم محب يرى التجلد دينا ... فهو يخفي من الهوى ما يلاقي )
( أزدهاه النوى فأعرب بالوجد ... لسان عن دمعه المهراق )
( وانحدار الدموع في موقف البين ... على الخد آية العشاق )
( هون الخطب لست أول صب ... فضحته الدموع يوم الفراق )
وقول الخطيب الحصكفي الشافعي

( ساروا وأكبادنا جرحى وأعيننا ... قرحى وأنفسنا سكرى من القلق )
( تشكو بواطننا من بعدهم حرقا ... لكن ظواهرنا تشكو من الغرق )
( كأنهم فوق أكوار المطي وقد ... سارت مقطرة في حالك الغسق )
( درارىء الزهر في الأبراج زاهرة ... تسير في الفلك الجاري على نسق )
( يا موحشي الدار مذ بانوا كما أنست ... بقربهم لا خلت من صيب غدق )
( إن غبتم لم تغيبوا عن ضمائرنا وإن حضرتم حملناكم على الحدق )
وما أحسن قول بعضهم في هذا المعنى الذي كررنا ذكره وبه ألمعنا
( سلام على أهل الوداد وعهدهم ... إذ الأنس روض والسرور فنون )
( رحلنا فشرقنا وراحو فغربوا ... ففاضت لروعات الفراق عيون )
وكم أنشدت وليالي النوى عاتمة قول الأندلسي ابن خاتمة
( ايامنا بالحمى ما كان أحلاك ... كم بت ارعاه إجلالا وأرعاك )
( لا تنكري وقفتي ذلا بمعناك ... يا دار لولا أحبائي ولولاك )
( لما وقفت وقوف الهائم الباكي ... )
( فهل لهم عطفة من بعد دلهم ... تالله ما تسمح الدنيا بمثلهم )
( آها لقلبي على تبديد شملهم ... ما كان أحلاك يا ايام وصلهم )
( ويا ليالي الرضا ما كان أضواك ... )
( يا بدر تم تناءت عنه أربعنا ... ولم تزل تحتويه الدهر اضلعنا )
( ما للنوى بضروب البين توجعنا ... إذا تذكرت دهرا

( أحباب أنفسنا كم ذا النوى وكم ... ويا معاهد نجوانا بذي سلم )
( تالله ما شبت دمعا للاسى بدم ... ولا لثمت تراب الأرض من كرم )
( إلا مراعاة خل ظل يرعاك ... )
( على التعلل يدني منهم وعسى ... فيعمر القرب ما بالبين قد درسا )
( كم ذا أنادي بربع بالنوى طمسا ... يا قلب صبرا فإن الصبر عاد أسى )
( ويا منازل سلمى أين سلماك )
وقول بعض من اشتد به الهيام فخاطب جبرته مادحا ليالي القرب وذاما تقلب الأيام
( أيام أنسي قد كانت بقربكم ... بيضا فحين نأيتم أصبحت سودا )
( ذممت عيشي مذ فارقت أرضكم ... من بعد ما كان مغبوطا ومحسودا )
وقول صاحب مصارع العشاق وقد شاقه من الهوى ما شاق
( بانوا فأدع مقلتي ... وجدا عليهم تستهل )
( وحدا بهم حادي الفراق ... عن المنازل فاستقلوا )
( قل للذين ترحلوا ... عن ناظري والقلب حلوا )
( ما ضرهم لو أنهلوا ... من ماء وصلهم وعلوا )
وقوله حين زحزحته يد الفراق عن أوطان العراق
( قد قلت والعبرات تسفحها ... على الخد

( حين انحدرت إلى الجزيرة ... وانقطعت عن العراق )
( وتخبطت أيدي الرفاق ... مهامه البيد الرقاق )
( يا بؤس من سل الزمان ... عليه سيفا للفراق )
وقوله أيضا
( يا منزل الحي بذات النقا ... سقاك دمع مذ نأوا ما رقا )
( هل سلوة هيهات لا سلوة ... قد بلغ السيل الزبى وارتقى )
( وأنت يا يوم النوى عاجلا ... أدال منك الله يوم اللقا )
وقولي موطئا للثالث وقد تغير لي فيمن تغي حارث
( لم أنس معهدنا والشمل مجتمع ... والعيش غض وروض الأنس معطار )
( فها أنا بعد عنه في قلق ... وقد نبت بي أرجاء وأقطار )
( تمضي الليالي وأشواقي مجددة ... وما انقضت لي من الأحباب أوطار )
وكلما مررت بمرأى يروق لمعت لي من ناحية المغنى بالمنى يروق فتذكرت قول بعض من له على غير من يهوى طروق
( وما نظرت عيني سواك منظرا ... مستحسنا إلا عرضت دونه )
( وما تمنيت لقاء غائب ... إلا سألت الله أن تكونه ) وربما رمت انتحائي مذهب السلو وانتحالي خلال أحوال إقامتي وارتحالي فلم ينتقل عن تلك الصفات حالي وأني وجيدي بفلائد البتات حالي

( والشوق أعظم أن يحيط بوصفه ... قلم وأن يطوى عليه كتاب )
( والله ما أنا منصف إن كان لي ... عيش يطيب وجيرتي غياب )
وكيف ولأماقي صب ولأتواقي زيادة إذا سرى نسيم أو هب
( شربت حميا البين صرفا وطالما ... جلوت محيا الوصل وهو وسيم )
( فميعاد دمعي أن تنوح حمامة ... وميقات شوقي أن يهب نسيم )
فإن لاح سنا بارق شاقني أو ترنم شاد حدا بي إلى الهيام وساقني أو رنا ظبي فلاة راعي وراقني
( وإني ليصيبني سنا كل بارق ... وكل حمام في الأراك ينوح )
( وأرتاع من ظبي الفلاة إذا رنا ... وأرتاح للتذكار وهو سنوح )
( ولم يك ذاك الأمر من حيث ذاته ... ولكن لمعني في الحبيب يلوح )
ولا أستطيع الإعراب عن أمري العجيب لما بي من النوى المذهل والجوى المدهش والوجيب
( ولا تسألوا عما أجن فليس لي ... لسان يؤدي ما الغرام يقول )
( يطارحني البرق الأحاديث كلما ... أضاء كأن البرق منه رسول )
( وما بال خفاق النسيم يميلني ... هل الريح راح والشمال شمول )
إذ دموع شؤوني عند الذكرى لا ترقا وجفوني ليس لها عن الأرق مرقى وشجوني تنمو إذا صدحت بفننها ورقا
( رب ورقاء في الدياجي تنادي ... إلفها في غصونها المياده )
( فتثير الهوى بلحن عجيب ... يشهد السمع أنها عواده )
( كلما

فيا لها من ذات طوق مثيرة لكامن شوق جالبة له من يمين وشمال وفوق
( ذكرتني الورقاء أيام أنس ... سالفات فبت أذري الدموعا )
( ووصلت السهاد شوقا لحبي ... وغراما وقد هجرت الهجوعا )
( كيف يخلو قلبي من الذكر يوما ... وعلى حبهم حنيت الضلوعا )
( كلما أولع العذول بعتبي ... في هواهم يزداد قلبي ولوعا )
وربما أتخيل قول من قال إنها بالحزن بائحة وعلى فقد الإلف نائحة فأنشد قول خليل وهو بالحب مدنف وعليل
( ورب حمامة في الدوح باتت ... تجيد النوح فنا بعد فن )
( أقاسمها الهوى مهما اجتمعنا ... فمنها النوح والعبرات مني )
ولا غرو إن ظهر سر بائح فباك مثلي من الشجو نائح
( فرجعت بعد فراق أيام الهوى ... أصف الصبابة للمحب المولع )
( دامي الجفون إذا الحمامة غردت ... من فوق خوط البانة المترعرع )
( أسقي الديار وقد تباعد أهلها ... عنها عزالي الدموع الهمع )
( ونواعب الأطلال ليس يجيبني ... ما بينهن سوى الصدى بتوجع )
( وهواتف فوق الغصون يجيبني ... منهن تغريد الممام السجع )
( ناحت على عذب الفروع وإلفها ... منها بمرأى فوقها وبمسمع )
( ما فارقت إلفا كما فارقته ... كلا ولا أجرت سواكب أدمعي )
على أوان عيون سعوده روان وزمان معمور بأماني وأمان وآمال دوان وتهان ما بين بكر وعوان وفي عذر من طال ليله فاضطرب فيه لولوعه وسكن جواه بجوانبه

( إن طال ليلي بعدهم فلطوله ... عذر وذاك لما أقاسي منهم )
( لم تسر فيه نجومه لكنها ... وقفت لتسمع ما أحدث عنهم
فآرقي الزائد في حرقي أظهر المكنون وأبان ووجدي بمن نأى وبان لم يجد فيه تعلل برند وبان
( تنبهي يا عذبات الرند ... كم ذا الكرى هب نسيم نجد )
( فلست مثلي في جوى أو أرق ... وحرقة من فرقه أو صد )
( عوفيت مما حل بي من جيرة ... في الغرب لم يرثوا لفرط وجدي )
( أعلل القلب ببان رامة ... وهل ينوب غصن عن قد )
( بانوا فلا مغنى السرور بعدهم ... مغنى ولا عهد الرضا بعهد )
( آها من البعد ومن لم يدره ... لم يشجه تأوهي للبعد )
وفي شغل من أبكته الربوع والطلول وذهبت برهة من زمانه بين الترحل والحلول فركب من الأخطار الصعب والذلول وحافظ على العهود ولم يسلك سبيل الغادر الملول
( سقاها الحيا من أربع وطلول ... حكت دنفي من بعدهم ونحولي )
( ضمنت لها أجفان عين قريحة ... من الدمع مدرار الشؤون همول )
ومن الغريب الذي ينكره غير الأريب أن الحادي إن سر القلب بكشف رين فقد تسبب في اجتماع أمرين متنافيين متنافرين

( فسر وساء النفس شجوا فربما ... كلفت به من حيث صرت أذمه )
وارتجلت حين مللت من طول السرى مضمنا ذكر ما أروم له تيسرا وقد أكثر الرفاق عند رؤية ما لم يألفوه من الآفاق تلهفا وتحسرا
( قلت لما طال النوى عن بلادي ... ولأهل النوى جوى وعويل )
( هل أرى للفراق آخر عهد ... إن عمر الفراق عمر طويل )
ثم قلت مضمنا
( لائمي في ذكر أحباب نأوا ... لا تلم من أضعف الشوق قواه )
( إن يوما جامعا شملي بهم ... ذاك عيدي ليس لي عيد سواه )
ثم قلت مضمنا أيضا
( لك الله من صب أضر به النوى ... وليس له غير اللقاء طبيب )
( وإن صباحا نلتقي بمسائه ... صباح إلى قلبي المشوق حبيب )
ثم عدت إلى التصبر بعد إمعان النظر والتدبر
( وإني لأدري أن في الصبر راحة ... ولكن إنفاقي على الصبر من عمري )
( فلا تطف نار الشوق بالشوق طالبا ... سلوا فإن الجمر يسعر بالجمر )
ثم سلكت منهج التفويض والتسليم منشدا قول ابن قطرال المغربي في مقام النصح والتعليم ووجهت القصد إلى سكان الضمير بذلك التكليم
( إن أيام الرضا معدودة ... والرضا اجمل شيء بالعبيد

( لا تظنوا لي عنكم سلوة ... ما على شوقي إليكم من مزيد )
( راجعوا أنفسكم تستيقنوا ... أنكم في الوقت أقصى ما أريد )
( إن يوما يجمع الله بكم ... فيه شملي ذاك عندي يوم عيد )
وقول بعض من ندم علي البعد عن المعاهد وأمل العود أحمد إلى المشاهد وغفر للدهر ذنبه إن عاد وتلهف أن لم يعامله بغير الإبعاد
( لئن عاد جمع الشمل في ذلك الحمى ... غفرت لدهري كل ذنب تقدما )
( وإن لم يعد منيت نفسي بعودة وماذا عسى تجدي الأماني وقلما )
( يحق لقلبي أن يذوب صبابة ... وللعين أن تجري مدامعها دما )
( على زمن ماض بهم قد قطعته ... لبست به ثوب المسرة معلما )
وقول آخر يخاطب أحبابه ويذكر فواصل بحر النوى الطويل وأسبابه
( أعيذكم من لوعي وشجوني ... ونار جوى تذكي بماء شؤوني )
( وبرح أسى لم يبق في بقية ... سوى حركات تارة وسكون )
( ارى القلب أضحى بعد طارقه الأسى ... أسير صبابات رهين شجون )
( وكيف سبيل القرب منكم و دونكم ... رمال زرود والأجارع دوني )
( سلوا مضجعي هل قر من بعد بعدكم ... وهل عرفت طعم الرقاد جفوني )
( سهرنا بنعمان ونمتم ببابل ... فيا لعيون ما وفت لعيون )
وفي بعض الأحيان أتسلى بقول بعض الأندلسيين الأعيان
( لا تكترث بفراق أوطان الصبا ... فعسى تنال بغيرهن سعودا )
( فالدر ينظم عند فقد بحاره ... بجميل أجياد الحسان عقودا )
وقول

( فلربما نثر الجمان تعمدا ... ليعاد أحسن في النظام وأجملا )
( وارغب لمن أطال ذيول الغربة أن يقلصها وأطلب ممن أجال النفوس في سيول الكربة أن يخلصها
( فنلتقي وعوادي الدهر غافلة ... عما نروم وعقد البين محلول )
( والدار آنسة والشمل مجتمع ... والطير صادحة والروض مطلول )
( والدار آنسة والشمل مجتمع ... والطير صادحة والروض مطلول )
وأضرع إليه سبحانه في تيسير العود إلى أوطاني ومعهدي الذي مطايا العز أوطاني وأن يلحقني بذلك الأفق الذي خيره موفور وحق من فيه معروف لا منكر ولا مكفور
( إذا ظفرت من الدنيا بقربهم ... فكل ذنب جناه الدهر مغفور )
وكأني بعاتب يقول ما هذا التطويل فأقول له جوابي قول ابن أبي الإصبع الذي عليه التعويل
( أكثرت عذلي كأني كنت أول من ... بكى على مسكن أو حن للسكن )
( لا تلح إن من الإيمان عند ذوي الإيمان ... منا حنين النفس للوطن )
على أنني أقول اللهم يسر لي ما فيه الخيرة لي بالمشارق أو بالمغارب وجد لي من فضلك حيث حللت بجميع ما فيه رضاك من المآرب بجاه نبينا وشفيعنا المبعوث رحمة للأحمر والأسود والأعاجم والأعارب عليه أفضل صلاة وأزكى سلام وعلى آله وأصحابه الأعلام

ركوب البحر وبلوغ مصر
ثم جد بنا السير في البر أياما ونأينا عن الأوطان التي أطنبنا في الحديث حبا لها وهياما وكنا عن تفاعيل وصلها نياما إلى أن ركبنا البحر وحللنا منه بين السحر والنحر وشاهدنا من أهواله وتنافي أحواله ما لا يعبر عنه ولا يبلغ له كنه
( البحر صعب المرام جدا ... لا جعلت حاجتي إليه )
( أليس ماء ونحن طين ... فما عسى صبرنا عليه )
فكم استقبلتنا أمواجه بوجوه بواسر وطارت إلينا من شراعه عقبان كواسر قد أزعجتها أكف الريح من وكرها كما نبهت اللجج من سكرها فلم تبق شيئا من قوتها ومكرها فسمعنا للجبال صفيرا وللرياح دويا عظيما وزفيرا وتيقنا أنا لا نجد من ذلك إلا فضل الله مجيرا وخفيرا ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) ( الإسراء : 67 ) وأيسنا من الحياة لصوت تلك العواصف والمياه فلا حيا الله ذلك الهول المزعج ولا بياه والموج يصفق لسماع أصوات الرياح فيطرب بل ويضطربفكأنه من كأس الجنون يشرب أو شرب فيبتعد ويقترب وفرقه تلتطم وتصطفق وتختلف ولا تكاد تتفق فتخال الجو يأخذ بنواصيها وتجذبها أيديه من قواصيها حتى كاد سطح الأرض يكشف من خلالها وعنان السحب يخطف في استقلالها وقد أشرفت النفوس على التلف من خوفها واعتلالها وآذنت الأحوال بعد انتظامها باختلالها وساءت الظنون وتراءت في صورها المنون والشراع في قراع مع جيوش الأمواج

التي أمدت منها الأفواج بالأفواج ونحن قعود كدود على عود ما بين فرادى وأزواج وقد نبت بنا من القلق أمكنتنا وخرست من الفرق ألسنتنا وتوهمنا أنه ليس في الوجود أغوار ولا نجود إلا السماء والماء وذلك السفين ومن في قبر جوفه دفين مع ترقب هجوم العدو في الرواح والغدو لاجتيازه على عدة من بلاد الحرب دمر الله سبحانه من فيها وأذهب بفتحها عن المسلمين الكرب لا سيما مالطة الملعونة التي يتحقق من خلص من معرتها أنه أمد بتأييد إلهي ومعونة فقد اعترضت في لهوات البحر الشامي شجا وقل من ركبه فأفلت من كيدها ونجا فزادنا ذلك الحذر الذي لم يبق ولم يذر على ما وصفناه من هول البحر قلقا وأجرينا إذ ذلك في ميدان الإلقاء باليد إلى التهلكة طلقا وتشتتت أفكارنا فرقا وذنبا أسى وندما وفرقا إذ البحر وحده لا كمي يقارعه ولا قوي يصارعه ولا شكل يضارعه ولا يؤمن على حال ولا يفرق بين عاطل وحال ولا بين أعزل وشاك ومتباك وباك
( ثلاثة ليس لها أمان ... البحر والسلطان والزمان )
فكيف وقد انضم إليه خوف العدو الغادر الخائن والكافر الحائن إلى أن قضى الله بالنجاة وكل ما أراد فهو كائن وإن نهى عنه وأخطأ المائن فرأينا البر وكأنا قبل لم نره وشفيت به أعيينا من المرة وحصل بعد الشدة الفرج وشممنا من السلامة أطيب الأرج فيا لها من نعمة كشفت عن وجهها النقاب يقل شكرا لها صوم الأحقاب وعتق الرقاب جعلنا الله بآياته معتبرين ووعلى طاعته مصطبرين ولم نخل في البر من معاناة خطوب ومداراة وجوه للمتاعب ذات تجهم وقطوب فكم جبنا منه مهامه فيحا ومسحنا

بالخطا منها أثيرا وصفيحا وفلينا الفجاج وقرأنا من الطرق خطوطا ذا استقامة واعوجاج وقلوب الرفقة من الفرقة في اضطراب وارتجاج وربما عميت على المجتهد الأدلة التي يحصل بها على المذهب الاحتجاج فترى الأنفساس تعثر في زفرة الأشواق والأجسام قد زرت عليها من التعب الأطواق هذا والليل بصفحة البدر مرتاب وقد شدت رحال وأقتاب وزمت ركاب ورفعت أحداج وفريت من الدعة بمدية النصب أوداج وتساوى في السير نهار مشرق وليل مقمر أو داج وأديم التأويب والإسآد وحمل الغربة قد أثقل وآد ثم وصلنا بعد خوض بحار يدهش فيها الفكر ويحار وجوب فياف مجاهل يضل فيها القطا عن المناهل إلى مصر المحروسة فشفينا برؤيتها من الأوجاع وشاهدنا كثيرا من محاسنها التي تعجز عن وصفها القوافي والأسجاغ وتمثلنا في بدائعها التي لا نستوفيها بقول ابن ناهض فيها
( شاىء مصر دنة ... ما مثلها في بلد )
( لا سيما مذ زخرفت ... بنيلها المطرد )
( وللرياح فوقه ... سوابغ من زرد )
( مسرودة ما مسها ... داودها بمبرد )
( سائلة وهو بها ... يرعد عاري الجسد )
(

وبقول آخر
( انظر إلى النيل الذي ... ظهرت به آيات ربي )
( فكأنه في فيضه ... دمعي وفي الخفقان قلبي )
وبقول أبي المكارم ابن الخطير المعروف بابن مماتي في جزيرتها
( جزيرة مصر لا عدتك مسرة ... ولا زالت اللذات فيك اتصالها )
( فكم فيك من شمس على غصن قامة ... يميت ويحيي هجرها ووصالها )
( مغانيك فوق النيل أضحت هوادجا ... ومختلفات الموج فيك حبالها )
( ومن أعجب الأشياء انك جنة ... تمد على أهل الضلال ظلالها )
لعله أراد بأهل الضلال اليهود والنصارى المستولين إذ ذاك على الدولة وتذكرت في مصر قول القاضي الفاضل
( بالله قل للنيل عني إنني ... لم أشف من ماء الفرات غليلا )
( وسل القؤاد فإنه لي شاهد ... إن كان طرفي بالبكاء بخيلا )
( يا قلب كم خلفت ثم بثينة ... وأظن صبرك ان يكون جميلا

وقول أحمد بن فضل الله العمري
( لمصر فضل باهر ... بعيشها الرغد النضر )
( في سفح روض يلتقي ... ماء الحياة والخضر )
وقول آخر
( كأن النيل ذو فهم ولب ... لما يبدو لعين الناس منه )
( فيأتي حين حاجتهم إليه ... ويمضي حين يستغنون عنه )
وقول أخر
( ولله مجرى النيل منه إذا الصبا ... أرتنا به من مرها عسكرا مجرا )
0 - بشط يهز السمهرية ذبلا ... وموج يهز البيض هندية بترا )
( إذا مد حاكى الورد لونا وإن صفا ... حكى ماءه لونا ولم يحكه مرا ) وقول آخر
( واها لهذا النيل أي عجيبة بكر بمثل حديثها لا يسمع )
( يلقي الثرى في الماء وهو مسلم ... حتى إذا ما مال عاد يودع )
( مستقبل مثل الهلال فدهره ... أبدا يزيد

( الصب من بعدهم مفرد ... ودمعه النيل وتعليقه )
( وخذه لما بكاهم دما ... مقياسه والدمع تخليقه )
وقول الصفدي
( سقيا لمصر وما حوت ... من أنسها وأناسها )
( ومحاسن في مقسها ... تبدو وفي مقياسها )
( ومسرة كاساتها ... تجلى على اكياسها )
( وسطور قرط خطها الباري ... على قرطاسها )
( ودمى كنائسها ولا ... تنسى ظباء كناسها )
( ولطافة بجلالة ... تبدو على جلاسها )
( ونواسم كل المنى ... للنفس في أنفاسها )
( ومراكب لعبت بها الأمواج ... في وسواسها )
وقول ابن جابر الأندلسي
( ما زلت اسند من محاسن أرضها ... خبرا صحيحا ليس بالمقطوع )
( كم مرسل من

وقول إبراهيم بن عبدون
( والنيل بين الجانبين كأنما ... صدئت بصفحته صفيحة صيقل )
( يأتيك من كدر الزواخر مده ... بممسك من مائه ومصندل )
( فكأن ضوء البدر في تمويجه ... برق تموج في سحاب مسبل )
( وكأن نور السرج من جنباته ... زهر الكواكب تحت ليل أليل )
( مثل الرياض مفتقا أنواره ... تبدو لعين مشبه وممثل )
وقول ابن الصاحب
( فرح الأنام بنيلهم ... إذ صار أحمر كالشقيق )
( وتبركوا بشروقه ... فكأنه وادي العقيق )
وقول آخر
( احمر للنيل خد ... حتى غدا كالشقيق )
( وقد ترنمت فيه ... إذ صار وادي العقيق )

زيارة مكة والمدينة
ثم شمرت عن ساعد العزم بعد الإقامة بمصر مدة قليلة إلى المهم الأعظم والمقصد الأكبر الذي هو سر المطالب الجليلة وهو رؤية الحرمين الشريفين والعلمين المنيفين زادهما الله تنويها وبلغ النفوس ببركة من شرفا به مآرب لم تزل تنويها فسافرت في البحر إلى الحجاز راجيا من الله سبحانه في الأجر الانتجاز إلى أن بلغت جدة بعد مكابدة خطوب اتخذت لها من الصبر عدة فحين حصل القرب واكتحلت العين بإثمد تلك الترب

أنى أبقى الله الملك الكريم والسيد الزعيم لما أضاءت لي أهلة مفاخركم في سماء الفخار وأشرقت شموس مكارمكم على مفارق الأحرار وأبصرت شمائلك الزهر تهدى إليك من الهمم محامدها ومحاسنك الغر توقظ لك من الآمال رواقدها أيقنت أنه بحق انقادت لك القلوب بأعنتها وتهادت إليك النفوس بأزمتها فآليت أن لا ألم إلا بحماك ولا أحط رحلا إلا بفناك علما بأنك نثرة الفخر وغرة الدهر فتيممت ساريا في ساطع نورك متيمنا بيمن طائرك محققا للريح موقنا بالفلج والنجح حتى حللت في دوحة المجد وأنخت بدولة السعد واشتشعرت لبسة الشكر والحمد وجعلت أنظم من جواهر الكلام ما يربي علي جواهر النظام وأنشر من عطر الثناء ما يزري بالروضة الغناء وحاشا للفهم

قال محرضا على الوخد والإرقال
0 - بدا لك الحق فاقطع ظهر بيداء ... واهجر مقالة أحباب وأعداء )
( واقصد على عزمة أرض الحجاز تجد ... بعدا عن السخط في نزل الأوداء )
( وقل إذا نلت من أم القرى أربا ... وهو الوصول بإسرار وإبداء )
( يا مكة الله قد مكنت لي حرما ... مؤمنا لست أشكو فيه من داء )
( فمذ رأى النازح المسكين مسكنه ... في قطرك الرحب لم ينكب بأرزاء )
( شوق الفؤاد إلى مغناك متصل ... شوق الرياض إلى طل وأنداء )
ثم أنشدت عندما بدت أعلام البيت الحرام قول بعض من غلب عليه الشوق والغرام وقد بلغ من أمانيه الموجبة بشائره وتهانيه المرام
( وافى الحجيج إلى البيت العتيق وقد ... سجا الدجى فرأوا نورا به بزغا )
( عجبوا عجيجا وقالوا الله أكبر ما ... للجو مؤتلقا بالنور قد صبغا )
( قال الدليل ألا هاتوا بشارتكم ... فمن نوى كعبة الرحمن قد بلغا )
( نادوا على العيس بالأشواق وانتحبوا ... وحن كل فؤاد نحوها وصغا )
( وكل من ذم فعلا نال محمدة في مكة ومحا ما قد جنى وبغى )
ولما وقع بصري على البيت الشريف كدت أغيب عن الوجود واستشعرت قول العارف بالله الشبلي لما وفد إلى حضرة الجود
( قلت للقلب إذ تراءى لعيني ... رسم دار لهم فهاج اشتياقي )
( هذه دراهم وأنت محب ... ما احتباس

المعتب كأملي في التعزز بحوزتك والتجمل بجملتك والترفع بخدمتك فالسعيد من نشأ في دولتك وظهر في أمتك واستضاء بعزتك لقد فاز بالسبق من لحظته عين رعايتك وكنفته حوزة حمايتك فأنت الذي أمنت الذي بعدله نوائب الأيام وقويت بسلطانه دعائم الإسلام تختال بك المعاني اختيال العروس وتخضع لجلالك أعزة النفوس سابقة أشهر من الفجر وفطنة أنور من البدر وهمة أنفذ من الدهر [ الطويل ] لقد فاز من أضحى بكم متمسكا يشد على تأميل عزكم يدا سلكت سبيل الفخر خلقا مركبا وغيرك لا يأتيه إلا تجلدا فأنتم لواء الدين لا زال قيما بآرائكم في ظلمة الخطب يهتدى

( والمغاني للصب فيها معاني ... فهي تدعي مصارع العشاق )
( حل عقد الدموع واحلل رباها ... واهجر الصبر وارع حق الفراق )
ثم أكملت العمرة ودعوت الله أن أكون ممن عمر بطاعة ربه عمره وذلك أوائل ذي القعدة من عام ثمانية وعشرين وألف من الهجرة السنية وأقمت هنالك منتظرا وقت الحج الشريف ومتفيئا ذلك الظل الوريف ومقتطفا ثمار القرب الجنية إلى ان جاء الأوان فأحرمت بالحج من غير توان وحين حللت مما به أحرمت نويت الإقامة هنالك وأبرمت فحال من دون ذلك حائل وكنت حريا بأن أنشد قول القائل
( هذي أباطح مكة حولي وما ... جمعت مشاعرها من الحرمات )
( أدعو بها لبيك تلبية امرىء ... يرجو الخلاص بها من الأزمات )
( نلت المنى بمنى لأني لم أخف ... بالخيف من ذنب أحال سماتي )
( وعرفت في عرفات أني ناشق ... للعفو عرفا عاطر النسمات )
وأن أتمثل في المطاف إذ جفتني الألطاف بقول من ربعه بالتقوى مشيد البغدادي الشهير بابن رشيد
( على ربعهم لله بيت مبارك ... إليه قلوب الناس تهوي وتهواه )
( يطوف به الجاني فيغفر ذنبه ... ويسقطعنه جرمه وخطاياه )
( وكم لذة أو فرحة لطوافه ... فلله ما أحلى الطواف وأهناه )
ثم قصدنا بعد قضاء تلك الأوطار لطيبة الشريفة التي لها الفضل على الأقطار واستشعرت قول من أنشد وطير عزمه عن أوكاره قد طار
( حمدت مرادي إذ بلغت مرادي ... بأم القرى مستمسكا بعمادي )
( ومذ رويت من ماء زمزم غلتي ... فلست

ووضع الهناء موضع النقب والله سبحانه يبقي مولاي آخذا بزمام الفخر ناهضا بأعباء البر مالكا لأعنة الدهر وصنع الله سبحانه لسيدي أتم الصنع وأجمله وأفضله وأكمله بمنهن لا رب سواه انتهى رسالة ابن عبد البر إلى المنصور الصغير 109 رسالة ابن عبد البر إلى المنصور الصغير وقد تذكرت هنا والحديث شجون وبذكر المناسبات يبلغ الطلاب ما يرجون كتابا كتبه الأديب الكاتب أبو محمد ابن الإمام الحافظ محدث الأندلس أبي عمر بن عبد البر النميري إلى المنصور بن أبي عامر وهو من ذرية المنصور الكبير الذي كنا نتحدث في أخباره يمت إليه بسلفه ومعاملتهم لمن تقدم من آبائه بتعظيم قدره وإكباره وهو عمر الله ببقاء سيدي ذي السابقتين بهجة أوطانه وملكه عنان زمانه ومد عليه ظلال أمانه أنى أبقى الله الملك الكريم والسيد الزعيم لما أضاءت لي أهلة مفاخركم في سماء الفخار وأشرقت شموس مكارمكم على مفارق الأحرار وأبصرت شمائلك الزهر تهدى إليك من الهمم محامدها ومحاسنك الغر توقظ لك من الآمال رواقدها أيقنت أنه بحق انقادت لك القلوب بأعنتها وتهادت إليك النفوس بأزمتها فآليت أن لا ألم إلا بحماك ولا أحط رحلا إلا بفناك علما بأنك نثرة الفخر وغرة الدهر فتيممت ساريا في ساطع نورك متيمنا بيمن طائرك محققا للريح

فلله سبحانه الحمد على نعمه التي جلت ومننه التي نزلت بهاالنفوس مواطن التشريف وحلت
( من يهده الرحمن خير هداية ... يحلل بمكة كي يتاح المقصدا )
( وإذا قضى من حجه الفرض انثنى ... يشفي برؤية طيبة داء الصدى )
وكان حظي في هذه الحال تذكر قول بعض الوشاحين من الأندلسيين الذين كان لهم ارتحال إلى تلك المعاهد الطاهرة والمشاهد الزاهرة التي تشد إليها الرحال
( يا من لعبد به افتقار ... إلى أياد له جسام )
( فضلك مدن لخير مدن ... حل بها سيد الأنام )
( لم يهف قلبي لحب ليلى ... ولا سعاد ولا الرباب )
( لاقى شجونا ونال ويلا ... من هام في ذلك الجناب )
( بل مال مني الفؤاد ميلا ... لمن له الحب لا يعاب )
( قلبي والله مستطار ... مذ حل في بيته الحرام )
( ذا الحجر والركن خير ركن ... وزمزم الخير والمقام )
( ذابت قلوب المطي عشقا ... وركبها واستوى المراد )
( إلى حبيب القلوب حقا ... الحي والميت والجماد )
( إلى الذي ليس فيه يشقى ... من حبه داخل الفؤاد )
( شكوا وقد طالت السفار ... هم ومطاياهم السقام ) فهي قسي من التثني ... والقوم من فوقها سهام ) ولست من سكرتي مفيقا ... حتى أرى حجرة الرسول

المجد وأنخت بدولة السعد واشتشعرت لبسة الشكر والحمد وجعلت أنظم من جواهر الكلام ما يربي علي جواهر النظام وأنشر من عطر الثناء ما يزري بالروضة الغناء وحاشا للفهم أن يعطل ليلي من أقمارك أو يخلي أفقي من أنوارك فأراني منخرطا في غير سلكه ومنحطا إلى غير ملكه لا جرم أنه من استضاء بالهلال غني عن الذبال ومن استنار بالصباح ألقى سنا المصباح وتالله ما هزت آمالي ذوائبها إلى سواك ولا حدت أوطاري ركائبها إلى من مداك ليكون في أثر الوسمي في الماحل وعلي جمال الحلي على العاطل لسيادتك السنية ورياستك الأولية التي يقصر عنها لسان إفصاحي ويعيا في بعضها بياني وإيضاحي فالقراطيس عند بث مناقبك تفنى والأقلام في رسم مآثرك تخفى وما أمل المجدب في حياة المخصب ولا جذل المذنب برضا المعتب كأملي في التعزز بحوزتك والتجمل بجملتك والترفع بخدمتك فالسعيد من نشأ في دولتك وظهر في أمتك واستضاء بعزتك لقد فاز بالسبق من لحظته عين رعايتك وكنفته حوزة حمايتك فأنت الذي أمنت الذي بعدله نوائب الأيام وقويت بسلطانه دعائم الإسلام تختال بك المعاني اختيال العروس وتخضع لجلالك أعزة النفوس سابقة أشهر من الفجر وفطنة أنور من البدر وهمة أنفذ من الدهر [ الطويل ] لقد فاز من أضحى بكم متمسكا يشد على تأميل عزكم

( متى ترى عيني العقيقا ... ويفرح القلب بالوصول )
( كم قلت والصبر مستعار ... للركب إذا غادروا المنام )
( ونسمة الشوق حركتني ... وزاد بي الوجد والغرام )
( قوموا فقد طال ذا الجلوس ... وبادروا زورة الحبيب )
( تاقت إلى طيبة النفوس ... لا عيش من دونها يطيب )
( لا حبذا دونها الغروس ... والماء والشادن الربيب )
( وحبذا الرمل والقفار ... والعرب في تلكم الخيام )
( وأم غيلان ظللتني ... والأيك والأثل والثمام )
( يا طيبة حزت كل طيب ... بسيد فيك ذي حلول )
( نداء مستضعف غريب ... في غر أمداحه يقول )
( وهو من السامع المجيب ... لمدحه يسأل القبول )
( أنت الغني لي فلا افتقار ... وأنت عزي فلا أضام )
( مستمسك منك حسن ظني ... بعروة ما لها انفصام )
( بسيد العالمين أجمع ... بأحمد المجتبى الرسول )
( ومن هو الشافع المشفع ... في موقف المحشر المهول )
( إذ لا كلام هناك يسمع ... للغير والناس في ذهول )
( إذ السماء لها انفطار ... والشهب منثورة النظام )
( كذا الجبال انثنت كعهن ... سريعة المر كالغمام )
( يا اول الرسل

إلا تجلدا فأنتم لواء الدين لا زال قيما بآرائكم في ظلمة الخطب يهتدى ليهنكم مجد تليد بنيتم أغار سناه في البلاد وأنجدا ومثله أبقاه الله سبحانه يستثمر إيراقه فيثمر جناه ويستمطر إبراقه فيمطر حياه لا سيما وإني نشأة حفها إحسان أوائلك الطاهرين وألفها إنعام أكابرك الأخيار الطيبين وجدير بقبولك وإقبالك وبرك وإجمالك من أصله ثابت في أهل محبتكم وفرعه نابت في خاصتكم [ الطويل ] وما رغبتي في عسجد أستفيده ولكنها في مفخر أستجده فكل نوال كان أو هو كائن فلحظة طرف منك عندي نده فكن في اصطناعي محسنا كمجرب يبن لك تقريب الجواد وشده إذا كنت في شك من السيف فابله فإما تنافيه وإما تعده وما الصارم الهندي إلا كغيره إذا لم يفارقه النجاد وغمده ولا بأس أن يتطول مولاي بغرس الصنيعة في أزكى الترب ووضع الهناء موضع النقب والله سبحانه يبقي مولاي آخذا بزمام الفخر ناهضا بأعباء البر مالكا لأعنة الدهر وصنع الله سبحانه لسيدي أتم الصنع وأجمله وأفضله وأكمله بمنهن لا رب سواه انتهى من أخبار المنصور الكبير محمد بن أبي عامر والمصحفي 111 من أخبار المنصور الكبير محمد بن أبي عامر والمصحفي رجع إلى أخبار المنصور الكبير محمد بن أبي عامر رحمه الله ! وكنا قد ذكرنا أنه قبض على الوزير الحاجب المصحفي مع أنه كان أحد أتباعه

( شفاعة نلت مع وسيلة ... فمن يضاهي علاك من )
( علت بك الرتبة الجليلة ... وطبت في السر والعلن )
( فأنت من خيرهم خيار ... فمن يضاهيك في المقام )
( والرسل نالت بك التمني ... وأنت بدر لهم تمام )
( الوجد قد قر في فؤادي ... فما لصبر به قرار )
( ولاعجي صاعد اتقاد ... ودمع عيني له انهمار )
( وها أنا جئت من بلادي ... لطيبة أبتغي الجوار )
( فحبذا تلكم الديار ... والمصطفى مسكة الختام )
( عليه أزكى الصلاة مني ... وصحبه الغر والسلام )
وقول أبي جعفر الرعيني الغرناطي رحمه الله تعالى وهو من التشريع أحد أنواع البديع
( يا راحلا يبغي زيارة طيبة ... نلت المنى بزيارة الأخيار )
( حي العقيق إذا وصلت وصف لنا ... وادي مني يا طيب الأخبار )
( وإذا وقفت لدى المعرف داعيا ... زال العنا وظفرت بالأوطار )
ولما من الله تعالى علينا بالحلول في المشاهد التي قام الدين بها وظهر والمعاهد التي بان الحق فيها واشتهر والمواطن التي هزم الله تعالى

وبهجة النفوس ونزهة الأبصار ولما أمر المنصور بن أبي عامر بسجن المصحفي في المطبق بالزهراء ودع أهله وودعوه وداع الفرقة وقال لهم لستم ترونني بعدها حيا فقد أتى وقت إجابة الدعوة وما كنت أرتقبه منذ أربعين سنة وذلك أني أشركت في سجن رجل في عهد الناصر وما أطلقته إلا برؤيا رأيتها بأن قيل لي أطلق فلانا فقد أجيبت فيك دعوته فأطلقته وأحضرته وسألته عن دعوته علي فقال دعوت على من شارك في أمري أن يميته الله في أضيق السجون فقلت إنها قد أجيبت فإني كنت ممن شارك في أمره وندمت حين لا ينفع الندم فيروى أنه كتب للمنصور بن أبي عامر بهذه الأبيات [ البسيط ] هبني أسأت فأين العفو والكرم إذ قادني نحوك الإذعان والندم يا خير من مدت الأيدي إليه أما ترثي لشيخ نعاه عندك القلم بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا فأجابه المنصور بأبيات لعبد الملك الجزيري [ البسيط ] يا جاهلا بعد ما زلت بك القدم تبغي التكرم لما فاتك الكرم ندمت إذ لم تعد مني بطائلة وقلما ينفع الإذعان والندم نفسي إذا جمحت ليست براجعة ولو تشفع فيك العرب والعجم فبقي في المطبق حتى مات نعوذ بالله تعالى من دعوة المظلوم انتهى وقد ذكر بعضهم فيه هذه الأبيات زيادة حسبما ذكرناه في غير هذا المحل فإن هذه الأبيات للمنصور وهذا المؤرخ مصرح بأنها لعبد الملك الجزيري وقد يقال

وقهر ونصرت النبوة وعضدت وقطعت غصون الكفر وحصدت ورصت قواعد التوحيد ونضدت وقرت العيون وقضيت الديون انشد لسان الحال قول بعض من جيده بمحاسن طيبة حال
( يا من به طيبة طابت حلى وعلى ... ومن بتشريفه قد شرف العرب )
( يا احمد المصطفى قد جئت من بلد ... قاص ولي خلد قاس ولي أرب )
( وقد دهتني ذنوب قلت إذ عظمت ... لله منها وطه المرتجى الهرب )
ونسينا بمشاهدة ذلك الجناب ما كنا فيه وسبق الدمع الذي لا يعارض الفرح ولا ينافيه
( أيها المغرم المشوق هنيئا ... ما أنالوك من لذيذ التلاقي )
( قل لعينيك تهملان سرورا ... طالما أسعدا ك يوم الفراق )
( واجمع الوجد والسرور ابتهاجا ... وجميع الأشجان والأشواق )
( وأمر العين أن تفيض انهمالا ... وتوالي بدمعها المهراق )
( هذه دارهم وأنت محب ... ما بقاء الدموع في الآماق )
وملنا عن الأكوار وثملنا من عرف تلك الأنجاد والأغوار وتملينا من هاتيك الأنوار وتخلينا عن الأغيار وتحلينا بحلى الأخيار وكيف لا وطيبة مركز للزوار
( إذا لم تطب في طيبة عند طيب ... به طيبة طابت فأين تطيب )
( وإن لم يجب في ارضها ربنا الدعا ... ففي أي أرض للدعاء يجيب )
( أيا

لا منافاة بينهما فإن المنصور أجاب بالأبيات وهل هو قائلها أم لا الأمر أعم فبين هنا والله أعلم وقال بعض مؤرخي المغرب إن الحاجب المصحفي حصل له في هذه النكبة من الهلع والجزع ما لم يظن أنه يصدر من مثله حتى إنه كتب إلى المنصور بن أبي عامر يطلب منه أن يقعد في دهليزه معلما لأولاده فقال المنصور بدهائه وحذفه إن هذا الرجل يريد أن يحط من قدري عند الناس لأنهم طالما رأوني بدهليزه خادما ومسلما فكيف يرونه الآن في دهليزي معلما ! وكان المنصور يذهب به بعد نكبته معه في غزواته حتى إنه حكى بعضهم أنه رأى الحاجب المصحفي في ليلة نهى المنصور فيها الناس عن إيقاد النيران تعمية على العدو الكافر وهو ينفخ فحما في كانون صغير ويخفيه تحت ثيابه أو كما قال فسبحان مديل الدول لا إله إلا هو فإن هذا المصحفي بلغ من الجلالة والعظم والتحكم في الدولة المدة المديدة أمرا لا مزيد عليه والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ولقد ذكر بعض علماء المغاربة أن من أعاجيب انقلاب الدنيا بأهلها قصة المنصور بن أبي عامر مع الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي ولم يزل أعداء المنصور بن أبي عامر يتربصون به الدوائر فغلب سعده الذي هو المثل السائر وربما همس بعض الشعراء بهجوه وهجو الدولة جميعا إذ قال [ السريع ] اقترب الوعد وحان الهلاك وكل ما تحذره قد أتاك خليفة يلعب

وما أحسن قول عالم الأندلس المالكي اللبيب عبد الملك السلمي المشهور بابن حبيب
( لله در عصابة صاحبتها ... نحو المدينة تقطع الفلوات )
( ومهامه قد جبتها ومفاوز ... ما زلت أذكرها بطول حياتي )
( حتى أتينا القبر قبر محمد ... خص الإله محمدا بصلاة )
( خير البرية والنبي المصطفى ... هادي الورى لطرائق الجنات )
( لما وقفت بقربه لسلامه ... جادت دموعي واكف العبرات )
( ورأيت حجرته وموضعه الذي ... قد كان يدعو فيه في الخلوات )
( مع روضة قد قال فيها إنها ... مشتقة من روضة الجنات )
( وبمنزل الأنصار وسط قبابهم ... بيت الهداية كاشف الغمرات )
( وبطيبة طابوا ونالوا رحمة ... مقنى الكتاب ومحكم الآيات )
( وبقبر حمزة والصحابة حوله ... فاضت دموع العين منهمرات )
( سقيا لتلك معاهدا شاهدتها ... وشهدتها بالخطو واللحظات )
( لا زلت زوارا لقبر نبينا ... ومدينة زهراء بالبركات )
( صلى الإله على النبي المصطفى ... هادي البرية كاشف الكربات )
( وعلى ضجيعيه السلام مرددا ... ما لاح نور الحق في الظلمات ) حذف 1

مكتب وأمه حبلى وقاض يناك

وقول كمال الدين ناظر قوص أنخ هذه والحمد لله يثرب ... فبشراك قد نلت الذي كنت تطلب ) فعقر بهذا الترب وجهك إنه ... أحق به من كل طيب وأطيب ) وقبل ربوعا حولها قد تشرفت ... بمن جاورت والشيء بالشيء يجب )
( وقبل ربوعا حولها قد تشرفت ... بمن جاورت والشيئ يحبب )
( وسكن فؤادا لم يزل باشبياقه ... إليها على جمر الغضا يتقلب ) وكتكف دموعا طالما قد سفحتها ... وبرد جوى نيرانه تتلهب )
وقول الرعيني الغرناطي
( هذه روضة الرسول فدعني ... أبذل الدمع في الصعيد السعيد )
( لا تلمني على انسكاب دموعي ... إنما صنتها لهذا الصعيد )
ولما سلمت على سيد الأنام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام ذبت حياء وخجلا لما أنا عليه من ارتكاب مايقتضي وجلا غير أني توسلت بجاهه في أن أكون ممن وضح له وجه الصفح وجلا
( إليك أفر من زللي ... فرار الحائف الخجل )
( وكان مزار قبرك بالمدينة ... منتهى أملي )
( فوفى الله ما طمحت ... له نفسي

( وهب لي منك عارفة ... تعرف ما تنكر لي )
( وتهديني إلى رشدي ... وتمنعني من الزلل )
( وتحملني على سنن ... يؤمنني من الوجل )
( فأنت دليل من عميت ... عليه مسالك السبل )
( وإنك شافع بر ... وموئلنا من الوهل )
( وإنك خير مبتعث ... وإنك خاتم الرسل )
( فيا أزكى الورى شرفا ... وشافيهم من العلل )
( ويا أندى الأنام يدا ... وأكرم ناصر وولي
( نداء مقصر وجل ... بثوب الفقر مشتمل )
( على جدواك معتمدي ... فأنقذني من الدخل )
( وألحقني بجنات ... لدى درجاتها الأول )
( بصديق وفاروق وعثمان الرضى وعلي )
( فأنت ملاذ معتصم ... وأنت عماد متكل )
( عليك صلاة ربك جل ... في الغدوات والأصل )
ومذ شممنا من أرج تلك الأرجاء الذاكية واستضأنا بسرج تلك الأضواء الزاكية ظهر من الشوق ما كان بطن ولم يخطر ببالنا سكن ولا وطن ويا سعادة من أقام بتلك البقاع الشريفة وقطن
( مر النسيم بربعهم فتلذذا ... حتى كأن النشر صار له غدا )
( فصحا وصح وصاح لا أشكو أذى ... قل للصبا ماذا حملت من الشذا )
( أمسست طيبا أم علاك عبير ... ) حذف

المنصور بن أبي عامر بسجن المصحفي في المطبق بالزهراء ودع أهله وودعوه وداع الفرقة وقال لهم لستم ترونني بعدها حيا فقد أتى وقت إجابة الدعوة وما كنت أرتقبه منذ أربعين سنة وذلك أني أشركت في سجن رجل في عهد الناصر وما أطلقته إلا برؤيا رأيتها بأن قيل لي أطلق فلانا فقد أجيبت فيك دعوته فأطلقته وأحضرته وسألته عن دعوته علي فقال دعوت على من شارك في أمري أن يميته الله في أضيق السجون فقلت إنها قد أجيبت فإني كنت ممن شارك في أمره وندمت حين لا ينفع الندم فيروى أنه كتب للمنصور بن أبي عامر بهذه الأبيات [ البسيط ] هبني أسأت فأين العفو والكرم إذ قادني نحوك الإذعان والندم يا خير من مدت الأيدي إليه أما ترثي لشيخ نعاه عندك القلم بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا فأجابه المنصور بأبيات لعبد الملك الجزيري [ البسيط ] يا جاهلا بعد ما زلت بك القدم تبغي التكرم لما فاتك الكرم ندمت إذ لم تعد مني بطائلة وقلما ينفع الإذعان والندم نفسي إذا جمحت ليست براجعة ولو تشفع فيك العرب والعجم فبقي في المطبق حتى مات نعوذ بالله تعالى من دعوة المظلوم انتهى وقد ذكر بعضهم فيه هذه الأبيات زيادة حسبما ذكرناه في غير هذا المحل فإن هذه الأبيات للمنصور وهذا المؤرخ مصرح بأنها لعبد الملك الجزيري وقد يقال لا منافاة بينهما فإن المنصور أجاب

( يا ايها الحادي الذي من وسمه ... قصد الحبيب وأن يلم برسمه )
( هذي منازله فزمزم باسمه ... بأبي الذي لم تذو زهرة جسمه )
( لكنه غض الجمال نضير ... )
( لله شوق قد تجاوز حده ... أوفى على الصبر المشيد فهده )
( يا ناشق الكافور لا تتعده ... طوبى لمشتاق يعفر خده )
( في روضة الهادي إليه يشير ... )
( فهناك ببذل في التوسل وسعه ... ويصيخ نحو خطيب طيبة سمعه )
( وبريق فوق حصى المصلى دمعه ... ويرى معالم من يحب وربعه )
( ومحمد للعالمين بشير ... )
( صلى عليه الله خير صلاته ... وحبا معاليه جليل صلاته )
( ما حن ذو الأشواق في حالاته ... وأتى مغانيه على علاته )
( فأتيح حسن الختم وهو قرير ... )
ووقفنا بباب طلب الآمال خاشعين وتوسلنا إلى الله بذلك المقام العلي خاضعين وغبطنا قوما سكنوا هنالك فكانوا لحدودهم متى شاءوا على تلك الأعتاب واضعين
( اكرم بعيد نحو طيبة مسند ... متوسل مستشفع مسترشد )
( يفلي الفلاة لها بعزم أيد ... وافى إلى

بالأبيات وهل هو قائلها أم لا الأمر أعم فبين هنا والله أعلم وقال بعض مؤرخي المغرب إن الحاجب المصحفي حصل له في هذه النكبة من الهلع والجزع ما لم يظن أنه يصدر من مثله حتى إنه كتب إلى المنصور بن أبي عامر يطلب منه أن يقعد في دهليزه معلما لأولاده فقال المنصور بدهائه وحذفه إن هذا الرجل يريد أن يحط من قدري عند الناس لأنهم طالما رأوني بدهليزه خادما ومسلما فكيف يرونه الآن في دهليزي معلما ! وكان المنصور يذهب به بعد نكبته معه في غزواته حتى إنه حكى بعضهم أنه رأى الحاجب المصحفي في ليلة نهى المنصور فيها الناس عن إيقاد النيران تعمية على العدو الكافر وهو ينفخ فحما في كانون صغير ويخفيه تحت ثيابه أو كما قال فسبحان مديل الدول لا إله إلا هو فإن هذا المصحفي بلغ من الجلالة والعظم والتحكم في الدولة المدة المديدة أمرا لا مزيد عليه والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ولقد ذكر بعض علماء المغاربة أن من أعاجيب انقلاب الدنيا بأهلها قصة المنصور بن أبي عامر مع الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي ولم يزل أعداء المنصور بن أبي عامر يتربصون به الدوائر فغلب سعده الذي هو المثل السائر وربما همس بعض الشعراء بهجوه وهجو الدولة جميعا إذ قال [ السريع ] اقترب الوعد وحان الهلاك وكل ما تحذره قد أتاك خليفة يلعب في مكتب وأمه حبلى وقاض يناك يعني بالخليفة

( أزجاه صادق حبه المتمكن ... وحداه سائق عزمه المتعين )
( فحكى لدى شجو حمام الأغصن ... هزجا يردد فيه صوت ملحن )
( ويمد للإطراب صوت المنشد ... )
ويقول جئت بعزمة نزاعة ... ونهضت والدنيا تمر كساعة )
( لمحل أحمد قائلا بإذاعة ... هذا النبي المرتجى لشفاعة )
( يوم القيامة بين ذلك المشهد ... )
ل هذا الرؤوف بجاره ونزيله ... هذا سراج الله في تنزيله )
( هذا الذي الذي لا ريب في تفضيله ... هذا حبيب الله وابن خليله )
( هذا ابن باني البيت أول مسجد ... )
( هذا الذي اصطفت النبوة خيمة ... هذا الذي اعتام الهدى تقديمه )
( هذا الذي نسقى غدا تسنيمه ... هذا الذي جبريل كان خديمه )
( في حضرة التشريف أزكى مصعد ... )
( هذا الذي شهد الوجود بخصه ... بمزية التفضيل من مختصه )
( وأبانه من وحيه في نصه ... هذا الذي ارتفع البراق بشخصه )
( في ليلة الإسراء أشرف مشهد ... )
( هذا الذي غدت الطلول حديقة ... بجواره وغدت تروق أنيقة )
( هذا المكمل خلقة وخليقة ... هذا الذي سمع النداء حقيقة )
( ودنا ولم يك قبل ذاك بمبعد ... )
( فهناك كم رسل به تتوسل ... وعلى حماه لدى المعاد يعول )
( يا أرحم الرحماء أنت المؤمل ... يا خاتم الارسال أنت الأول )
( فترق في أعلى المكارم

هشاما المؤيد لكونه كان صغيرا وأمه صبح البشكنشية كان الأعداء يتهمون بها المنصور وذلك بهتان وزور وأفظع منه رميهم القاضي بالفجور والله عالم بسرائر الأمور ونعوذ بالله من ألسنة الشعراء الذين لا يراعون إلا ولا ذمة ويطلقون ألسنتهم في العلماء والأئمة [ الطويل ] وأظلم أهل الأرض من كان حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب جدير بأن لا يدرك ما يؤمل ويتطلب لأنه يعترض على الله سبحانه في أحكامه نعوذ بالله من شر أنفسنا ومن شر كل ذي شر بجاه نبينا عليه أزكى صلوات الله وأفضل سلامه وقد قدمنا أن المنصور بن أبي عامر كان أولا يخدم جعفر بن عثمان المصحفي مدبر مملكة هشام المؤيد ويريه النصيحة وأنه ما زال يستجلب القلوب بجوده وحسن خلقه والمصحفي ينفرها ببخله وسوء خلقه إلى أن كان من أمره ما كان فاستولى على الحجابة وسجن المصحفي وفي ذلك يقول المصحفي [ الطويل ] غرست قضيبا خلته عود كرمة وكنت عليه في الحوادث قيما وأكرمه دهري فيزداد خبثه ولو كان من أصل كريم تكرما ولما يئس المصحفي من عفو المنصور قال [ الكامل ] لي مدة لا بد أبلغها فإذا انقضت أيامها مت لو قابلتني الأسد ضارية والموت لم يقرب لما خفت فانظر إلي وكن على حذر في مثل حالك أمس قد كنت ومن أحسن ما نعى به نفسه قوله حسبما تقدم [ الطويل

( الله رفع في سراه منارة ... وأبان في السبع العلا أنواره )
( فقفت ملائكة السما آثاره ... واراه جنته هناك وناره )
( فمؤيد ومخلد لمخلد ... )
( كم زاد من وجل وجلى ظلمة ... وامتن بالرحمن ومتن حرمة )
( لما دجا أفق الضلالة دهمة ... بعث الإله به ليرحم أمة )
( لولاه كانت بالضلالة ترتدي ... )
( حاز الشفوف فكل خلق دونه ... فالغيث يسأل إذ يسيل يمينه )
( والشمس تستهدي ا لشروق جبينه ... والله فضله وأظهر دينه )
( ووفى لنا فيه بصدق الموعد ... )
( نطقي يغادي ذكره ويراوح ... وبه ينافج مسكة وينافح )
( تعيي اللسان محامد وممادح ... طوبى لمن قد عاش وهو يكافح )
( عنه يناضل باللسان وباليد ... )
( هو صفوة العرب الأولى أحسابهم ... اسيافهم قرنت بها أسبابهم )
( فهم لباب المجد وهو لبابهم ... من آل بيت لم تزل أنسابهم )
( تنبي لهم عن طيب عنصر مولد ... )
( شرف النبوة قد رسا في أهلها ... وسما على الزهر العلا بمحلها )
( ساق السوابق للفخار برسلها ... نطق الكتاب كما علمت بفضلها )
( وقضى به نص الحديث المسند ... )
( فوق السماك توطنت وتوطدت ... وتفردت بالمصطفى وتوحدت )
( فهي الخلاصة صفيت فتجردت ... من معدن فيه الرسالة قد بدت )
( من عصر آدمنا لعصر محمد

كيف اعترافه وللنفس بعد العز كيف استذلت وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فإن طمعت ماتت وإلا تسلت وكانت على الأيام نفسي عزيزة فلما رأت صبري على الذل ذلت فقلت لها يا نفس موتى كريمة فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت وأنشد له الفتح في المطمح ونسبهما غيره لأحمد بن الفرج صاحب الحدائق [ الخفيف ] كلمتني فقلت در سقيط فتأملت عقدها هل تناثر فازدهاها تبسم فأرتني نظم در من التبسم آخر وله كما مر [ الكامل

( طالوا فلم يبقوا لمجد مصعدا ... صالوا ففي أيمانهم حتف العدا )
( سالوا فهم لعفاتهم غيث الجدا ... أهل السقاية والرفادة والندى )
( والكعبة البيت الحرام المقصد ... )
( المطعمون وقد طوى المري الطوى ... الناهضون إذا الصريخ لهم نوى )
( العاطفون إذا الطريق بهم ثوى ... أهل السدانة والحجابة واللوا )
( أهل المقام وزمزم والمسجد ... )
( المصلحون إذا الجموع تخاذعت ... المنجحون إذا المساعي دافعت ... )
( الدافعون إذا الأعادي قارعت ... المؤثرون إذا السنون تتابعت )
( وفد الحجيج بنيل كل تفقد ... )
( لا يقرب الخطب الملم منيعهم ... لا يطرق الكرب المخيف قريعهم )
( والله شرف بالنبي جميعهم ... من نال رتبتهم وحاز صنيعهم ... )
( نال الشفوف وحاز معنى السؤدد ... )
( حلوا من الطودالأشم بمنعة ... في خير معتصم وأسمى رفعة )
( فهم بمنة أمنه في هجعة ... الله خصصهم بأشرف بقعة )
( محجوجة محفوفة بالأسعد ... )
( لما أتيت لرامة أصل السرى ... من بعد قصدي مكة أم القرى )
( أنشدت جهرا فيه أنثر جوهرا ... وإليكها يا خير من وطىء الثرى )
( عذراء

شأن عظيم ومقام كبير وكيف لا قال ابن بشكوال أخرج هذا المصحف منها - أي قرطبة - وغرب منها وكان بجامعها الأعظم ليلة السبت حادي عشر شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة في أيام أبي محمد عبد المؤمن بن علي وبأمره وهذا أحد المصاحف الأربعة التي بعث بها عثمان رضي الله تعالى عنه إلى الأمصار مكة والبصرة والكوفة والشام وما قيل إن فيه دم عثمان هو بعيد وإن يكن أحدها فلعله الشامي قاله ابن عبد الملك قال أبو القاسم التجيبي السبتي أما الشامي فهو باق بمقصورة جامع بني أمية بدمشق المحروسة وعاينته هناك سنة 657 كما عاينت المكي بقبة اليهودية وهي قبة التراب قلت عاينتها مع الذي بالمدينة سنة 735 وقرأت فيهما قال النخعي لعله الكوفي أو البصري وأقول اختبرت الذي بالمدينة والذي

( كل الحسان لحسنها قد أدهشا ... ما مثلها في تربها شاد نشا )
( سفرت بعزم ما أجد وأطيشا ... نشأت بطي القلب وارتوت الحشا )
( زهراء من يرها يهل ويسجد ... )
( أمتك تشأى في مداها الألسنا ... وتري إجادتها المجيد المحسنا )
( تغدو ولا تثني العنان عن الثنا ... وأتتك تمرح كالقضيب إذا انثنى )
( مترنحا بين الغصون الميد ... )
( قد أعلمت في المدح ثاقب ذهنها ... ترجو الحلول لدى قرارة أمنها )
( وعسى إذا غذيت بتربة عدنها ... يجلو لك الإحسان بارع حسنها )
( والحسن يجلوها وإن لم تنشد ... )
( مدحي لخير العالمين عقيدتي ... ومطيتي بل طيبتي ونشيدتي )
( ونتيجتي وهدى اليقين مفيدتي ... ولئن مدحت محمدا بقصيدتي )
( فلقد مدحت قصيدتي بمحمد ... )
( يا خير خلق الله دعوة حائر ... يشكو إليك صروف دهر جائر )
( والله يعلم في هواك سرائري ... وهو الذي أرجو لعفو جرائري )
( متوسلا بجنابك المتأطد ... )
( لولا حقوق عينت بمغارب ... لمكثت عندك كي تتدح مآربي )
( ويكون في الزرقاء عذب مشاربي ... حتى أحلى من ثراك ترائبي )
( وأنال دفنا في بقيع الغرقد ... )
( وعليك من رب حباك صلاته ... وسلامه وهباته وصلاته )
( ما أم بابك من هدته فلاته ... لعلاك حتى زحزحت علاته )
( فأتيح

حمله المعتضد وهو السعيد علي بن المأمون أبي العلاء إدريس بن المنصور حين توجه لتلمسان آخر سنة 645 فقتل قريبا من تلمسان وقدم ابنه إبراهيم ثم قتل ووقع النهب في الخزائن واستولت العرب وغيرهم على معظم العسكر ونهب المصحف ولم يعلم مستقره وقيل إنه في خزانة ملوك تلمسان قلت لم يزل هذا المصحف في الخزانة إلى أن افتتحها إمامنا أبو الحسن أواخر شهر رمضان سنة 737 فظفر به وحصل عنده إلى أن أصيب في وقعة طريف وحصل في بلاد برتقال وأعمل الحيلة في استخلاصه ووصل إلى فاس سنة 745 على يد أحد تجار أزمور واستمر بقاؤه في الخزانة انتهى باختصار واعتنى به ملوك الموحدين غاية الاعتناء كما ذكره ابن رشيد في رحلته ولا بأس أن أذكر كلامه بجملته والرسالة في شأن المصحف لما فيها من الفائدة ونص محل الحاجة منه أنشدني الخطيب أبو محمد بن برطلة من لفظه وكتبته من خطه قال أنشدني الشيخ الفقيه القاضي أبو القاضي أبو القاسم عبد الرحمن بن كاتب الخلافة أبي عبد الله بن عياش لأبيه رحمهم الله تعالى مما نظمه وقد أمر أمير

ثم ودعته صلى الله عليه و سلم والقلب من فراقه سقيم ووقعت من البعد عن تلك المعاهد في المقعد المقيم وأنا أرجو أن يكون شكل منطقي غير عقيم وأن أحشر في زمرة من سلك الصراط المستقيم
( يا شفيع العصاة أنت رجائي ... كيف يخشى الرجاء عندك خيبة )
( وإذا كنت حاضرا بفؤادي ... غيبة الجسم عنك ليست بغيبة )
( ليس بالعيش في البلاد انتفاع ... أطيب العيش ما يكون بطيبة )

زيارة بيت المقدس
ثم عدت إلى مصر وقد زال عني ببركته صلى الله عليه و سلم الإصر وذلك في محرم سنة 1029 ثم قصدت زيارة بيت المقدس في شهر ربيع من هذا العام وقد شملتني بفضل الله جوائز الإنعام وتذكرت عند مشاهدة تلك المسالك الصعبة قول حافظ الحفاظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى وهو مما زادني في هذه الزيارة رغبة
( إلى البيت المقدس جئت أرجو ... جنان الخلد نزلا من كريم )
( قطعنا في مسافته عقابا ... وما بعد العقاب سوى النعيم )
فلما دخلت المسجد الأقصى وأبصرت بدائعه التي لا تستقصي بهرني جماله الذي تجلى الله به عليه وسألت عن محل المعراج الشريف فأرشدت إليه وشاهدت محلا أم فيه الرسل الكرام الهداة وكان حقي أن أنشد هنالك

صاحبه وعلى ذكر هذا المصحف الكريم فلنذكر كيفية الأمر في وصوله إلى الخليفة أمير المؤمنين عبد المؤمن وما أبدى في ذلك من الأمور الغريبة التي لم يسمع بمثلها في سالف الدهر حسبما أطرفنا به الوزير الأجل أبو زكرياء يحيى بن أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي حفظه الله تعالى وشكره مما استفاده وأفاده لنا مما لم نسمع به قبل عن كتاب جده الوزير أبي بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل المذكور مما تضمنه من وصف قصة المصحف فقال وصل إليهم أدام الله سبحانه تأييدهم قمرا الأندلس النيران وأميراها المتخيران السيدان الأجلان أبو سعيد وأبو يعقوب أيدهما الله وفي صحبتهما مصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وهو الإمام الذي لم يختلف فيه مختلف وما زال ينقله خلف عن سلف وقد حفظ شخصه على كثرة المتناولين وذخره الله لخليفته المخصوص بمن سخر لخدمته من المتداولين وله من غرائب الأنباء ومتقدم الإشعار بما آل إليه أمره من الإيماء ما ملئت به الطروس وتحفظه من أهل الأندلس الرائس والمرؤوس فتلقي عند وصوله بالإجلال والإعظام وبودر إليه بما يجب من التبجيل والإكرام وعكف عليه أطول العكوف والتزم أشد الالتزام وكان في وصوله ذلك الوقت من عظيم العناية وباهر الكرامة ما هو معتبر لأولي الألباب وبلاغ في الإغراب والإعجاب وذلك أن سيدنا ومولانا الخليفة أمير المؤمنين

( إن كنت تسأل أين قدر ... محمد بين الأنام )
( فأصخ إلى آياته ... تظفر بريك في الأوام )
( اكرم بعبد سلمت ... تقديمه الرسل الكرام )
( في حضرة للقدس وافاها ... بعز واحترام )
( صفوا وصلوا خلفه ... إن الجماعة بالإمام )
( للشهب نور بين ... والفضل للقمر التمام )
( سلك النبوة باهر ... وبأحمد ختم النظام )
( هذا الكتاب دلالة ... تبقى إلى يوم القيام )
( شهدت له من بعد عجز ... ألسن اللد الخصام )
( خير الورى وأجل آيات ... له خير الكلام )
( فعليه من رب الورى ... أزكى صلاة مع سلام )
وربما يقول من يقف على سرد هذه الأمداح النبوية إلى متى وهذا الميدان تكل فيه فرسان البديهة والروية فأنشده في الجواب قول بعض من أم نهج الصواب
( لأديمن مديح المصطفى ... فعل من في الله قوى طعمة )
( فعسى أنعم في الدنيا به ... وعسى يحشرني الله معه )
وإذا كان القريض في بعض الأحيان كذبا صراحا والموفق من تركه والحالة هذه رغبة عنه وله أطراحا فخيره ما كان حقا وهو مدح الله ورسوله وبذلك يحصل للعبد منتهى سوله
( ليس كل القريض يقبله السمع ... وتصغي لذكره الأفهام )
( إن بعضا من القريض هراء ... ليس شيئا وبعضه

أدام الله له عوائد النصر والتمكين كان قبل ذلك بأيام قد جرى ذكره في خاطره الكريم وحركته إليه دواعي خلقه العظيم

( وأجل الكلام ما كان في مدح ... شفيع الورى عليه السلام )
( طيب العرف دائم الذكر لا تأتي ... الليالي عليه الأيام )
( مثل زهر قد شق عنه كمام ... أو كمسك قد فض عنه ختام )
( ليس تحصى صفات أحمد بالعد ... كما لم تحط بها الأوهام )
( ولو أن البحار حبر وما في ال ... من كل نابت أقلام )
( فطويل المديح فيه قصير ... وحسام ماض لديه كهام )
( ولسان البليغ للعي ينمي ... وكذا صيب الفصيح جهام )
( كيف يحصى مديح مولى عليه الله ... أثنى وذكره مستدام )
( وله المعجزات والآي تبدو ... لا يغطي وجوههن لثام )
( فمن المعجزات أن سار ليلا ... وجميع الأنام فيه نيام )
( راكبا للبراق حتى أتى القدس ... وفيه رسل الإله الكرام )
( فاستووا خلفه صفوفا وقالوا ... صل يا احمد فأنت الإمام )
( فعليه من ربه صلوات ... زاكيات مع صحبه وسلام )

عود إلى مصر ثم إلى القدس
ثم رجعت إلى القاهرة وكررت منها الذهاب إلى البقاع الطاهرة فدخلت لهذا التاريخ الذي هو عام تسعة وثلاثين وألف مكة خمس مرات وحصلت لي بالمجاورة فيها المسرات وأمليت فيها على قصد التبرك دروسا عديدة والله يجعل أيام العمر بالعود بإليها مديدة ووفدت على طيبة المعظمة ميمما مناهجها السديدة سبع مرار وأطفأت بالعود إليها ما

أسعد وأنهار جود كلما أمسك الحيا يمد بها طامي الغوارب مزبد وآساد حرب غابها شجر القنا ولا لبد إلا العجاج الملبد مساعير في الهيجا مساريع للندى بأيديهم يحمى الهجير ويبرد

وقول كمال الدين ناظر قوص
( أنخ هذه والحمد لله يثرب ... فبشراك قد نلت الذي كنت تطلب )
( فعفر بهذا الترب وجهك إنه ... أحق به من كل طيب وأطيب )
( وقبل ربوعا حولها قد تشرفت ... بمن جاورت والشيء بالشيء يحبب )
( وسكن فؤادا لم يزل باشتياقه ... إليها على جمر الغضا يتقلب )
( وكفكف دموعا طالما قد سفحتها ... وبرد جوى نيرانه تتلهب )
وقول الرعيني الغرناطي
( هذه روضة الرسول فدعني ... أبذل الدمع في الصعيد السعيد )
( لا تلمني على انسكاب دموعي ... إنما صنتها لهذا الصعيد )
ولما سلمت على سيد الأنام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام ذبت حياء وخجلا لما أنا عليه من ارتكاب ما يقتضي وجلا غير أني توسلت بجاهه في أن أكون ممن وضح له وجه الصفح وجلا
( إليك أفر من زللي ... فرار الخائف الخجل )
( وكان مزار قبرك بال ... منتهى أملي )
( فوفى الله ما طمحت ... له

بتلك الأنوار وألفت بحضرته صلى الله عليهوسلم بعض ما من الله به علي في ذلك الجوار وأمليت الحديث النبوي بمرأى منه عليه الصلاة و السلام ومسمع ونلت بذلك وغيره ولله المنة ما لم يكن لها في فيه مطمح ولا مطمع ثم أبت إلى مصر مفوضا لله جميع الأمور ملازما خدمة العلم الشريف بالأزهر المعمور وكان عودي من الحجة الخامسة بصفر سنة سبع وثلاثين وألف للهجرة فتحركت همتي أوائل رجب هذه السنة للعود للبيت المقدس وتجديد العهد بالمحل الذي هو على التقوى مؤسس فوصلت أواسط رجب وأقمت فيه نحو خمسة وعشرين يوما بدا لي فيها بفضل الله وجه الرشد وما احتجب وألقيت عدة دروس بالأقصى والصخرة المنيفة وزرت مقام الخليل ومن معه من الأنبياء ذوي المقامات الشريفة وكنت حقيقا بأن أنشد قول ابن مطروح في ذلك المقام الذي فضله معروف وأمره مشروح
( خليل الله فد جئناك نرجو ... شفاعتك التي ليست ترد )
( أنلنا دعوة واشفع تشفع ... إلى من لا يخيب لديه قصد )
( وقل يا رب أضياف ووفد ... لهم بمحمد صلة وعهد )
( أتوا يستغفرونك من ذنوب ... عظام لا تعد ولا تحد )
( إذا وزنت بيذبل أو شمام ... رجحن ودونها رضوى وأحد )
( ولكن لا يضيق العفو عنهم ... وكيف يضيق وهو لهم معد )
( وقد سألوا رضاك على لساني ... إلهي ما أجيب وما أرد )
( فيا مولاهم عطفا عليهم ... فهم جمع أتوك وأنت

فيها مطلق ومقيد سلام على المهدي أما قضاؤه فحتم وأما أمره فمؤكد إمام الورى عم البسيطة عدله على حين وجه الأرض بالجور أربد بصير رأى الدنيا بعين جلية فلم يغنيه إلا المقام الممجد ولما مضى والأمر لله وحده وبلغ مأمول وأنجز موعد تردى أمير المؤمنين رداءه وقام بأمر الله والناس هجد

الرحلة إلى دمشق
ثم استوعبت أكثر تلك المزارات المباركة كمزار موسى الكليم على نبينا وعليهم وعلى سائر المرسلين والأنبياء أجمعين أفضل الصلاة والتسليم ثم حدث لي منتصف شعبان عزم على الرحلة إلى المدينة التي ظهر فضلها وبان دمشق الشام ذات الحسن والبها والحياء والاحتشام والأدواح المتنوعة والأرواح المتضوعة حيث المشاهد المكرمة والمعاهد المحترمة والغوطة الغناء والحديقة والمكارم التي يباري فيها المرء شانئه وصديقه والأظلال الوريفة والأفنان الوريقة والزهر الذي تخاله مبسما والندى ريقه والقضبان الملد التي تشوق رائيها لجنة الخلد
( بحيث الروض وضاح الثنايا ... أنيق الحسن مصقول الأديم )
وهي المدينة المستولية على الطباع المعمورة البقاع بالفضل والرباع
( تزيد على مر الزمان طلاوة ... دمشق التي راقت بحلو المشارب )
( لها في أقاليم البلاد مشارق ... منزهة أقمارها عن مغارب )
ودخلتها أواخر شعبان المذكور وحمدت الرحلة إليها وجعلها الله من السعي المشكور
( وجدت بها ما يملأ العين قرة ... ويسلي عن الأوطان كل غريب )
وشاهدت بعض مغانيها الحسنة ومبانيها المستحسنة
( نزلنا بها ننوي المقام ثلاثة ... فطابت لنا حتى أقمنا بها شهرا )
ورأينا من محاسنها ما لا يستوفيه

الثأر منه مؤيد وشبهه بالبدر وقت خسوفه فلله تشبيه له الشرع يشهد زمان ارتفاع العلم كان خسوفه وقد عاد بالمهدي والعود أحمد أتتك أمير المؤمنين ألوكة من الحرم الأقصى لأمرك تمهد سيوف بني عيلان قامت شهيرة لدعوتك العلياء تهدي وترشد وطافت ببيت الله فاشتد شوقه إليك ولبى منه حجر ومسجد وحج إليك الركن والمرو والصفا فأنت لذاك الحج حج ومقصد

وأطاب وإن ملأ من البلاغة الوطاب كما قلت
( محاسن الشام أجلى ... من أن تسام بحد )
( لولا حمى الشرع قلنا ... ولم نقف عند حد )
( كأنها معجزات ... مقرونة بالتحدي )
فالجامع الجامع للبدائع يبهر الفكر والغوطة المنوطة بالحسن تسحر الألباب لا سيما إذا حياها النسيم وابتكر
( أحب الحمى من أجل من سكن الحمى ... حديث حديث في الهوى وقديم )
فلله مرآها الجميل الجليل وبيوتها التي لم تخرج عن عروض الخليل ومخبرها الذي هو على فضلها وفضل أهلها أدل دليل ومنظرها الذيينقلب البصر عن بهجته وهو كليل
( والروض قد راق العيون بحلة ... قد حاكها بسحابة آذار )
( وعلى غصون الدوح خضر غلائل ... والزهر في أكمامه أزرار )
لكم لها من حسن ظاهر وكامن كما قلت موطئا للبيت الثامن
( أما دمشق فخضرة ... لعبت بألاب الخلائق )
( هي بهجة الدنيا التي ... منها بديع الحسن فائق )
( لله منها الصالحية ... فاخرت بذوي الحقائق )
( والغوطة الغناء حيت ... بالورد وبالشقائق )
(

والمرصعين والنجارين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين ولم يبق من يوصف ببراعة أو ينسب إلى الحذق في صناعة إلا أحضر للعمل فيه والاشتغال بمعنى من معانيه فاشتغل أهل الحيل الهندسية بعمل أمثلة مخترعة وأشكال مبتدعة وضمنوها من غرائب الحركات وخفي إمداد الأسباب للمسببات ما بلغوا فيه منتهى طاقتهم واستفرغوا فيه جهد قوتهم والهمة العلية أدام الله سموها

( والطير بالعيدان أبدت ... في الغنا أحلى الطرائق )
( ولآلىء الأزهار حلت ... جيد غصن فهو رائق )
( ومراود الأمطار قد ... كحلت بها حدق الحدائق )
( لازال مغناها مصونا ... كل البوائق )
وكما قلت مرتجلا أيضا مضمنا الرابع والخامس
( دمشق راقت رواء ... وبهجة وغضارة )
( فيها نسيم عليل ... صح فوافت بشارة )
( وغوطة كعروس ... تزهى بأعجب شارة )
( يا حسنها من رياض ... مثل النضار نضارة )
( كالزهر زهرا وعنها ... عرف العبير عبارة )
( والجامع الفرد منها ... أعلى الإله منارة )
( وحاصل القول فيها ... لمن أراد اختصاره )
( تذكيرها من رآها ... عدنا وحسبي إشاره )
( دامت تفوق سواها ... إنالة وإنارة )
وكما ارتجلت فيها أيضا
( قال لي ما تقول في الشام حبر ... كلما لاح بارق الحسن شامه )
( قلت ماذا أقول في وصف قطر ... هو في وجنة المحاسن شامه )
وقلت أيضا
( قال لي صف دمشق مولى رئيس ... جمل الله خلقه واحتشامه )
( قلت كل اللسان في وصف قطر

تعالى مما صنع للمصحف العظيم من الأصونة الغريبة والأحفظة العجيبة أنه كسي كله بصوان واحد من الذهب والفضة ذي صنائع غريبة من ظاهره وباطنه لا يشبه بعضها بعضا قد أجري فيه من ألوان الزجاج ما لم يعهد له في العصر الأول مثال ولا عمر قبله بشبهه خاطر ولا بال وله مفاصل تجتمع إليها أجزاؤه وتلتئم وتتناسق عندها عجائبه وتنتظم قد أسلست للتحرك أعطافها وأحكم إنشاؤها على البغية وانعطافها ونظم على صفحته وجوانبه من فاخر الياقوت ونفيس الدر وعظيم الزمرد ما لم تزل الملوك السالفة والقرون الخالية تتنافس في أفراده وتتوارثه على مرور الزمن وترداده وتظن العز الأقعس والملك الأنفس في ادخاره وإعداده وتسمى الواحد منها بعد الواحد بالاسم العلم لشذوذه في صنعه واتحاده فانتظم عليه منها ما شاكله زهر الكواكب في تلألئه

وقلت أيضا
( وإذا وصفت محاسن الدنيا فلا ... تبدأ بغير دمشق فيها أولا )
( بلد إذا ارسلت طرفك نحوه ... لم تلق إلا جنة أو حدولا )
( ذا وصف بعض صفاته وهي التي تعيي البليغ وإن أجاد وطولا )
والغاية في هذا الباب من الوصف لبعض محاسنها الفاتنة الألباب قول أبي الوحش سبع بن خلف الأسدي يصف ارضها المشرقة ورياضها المورقة ونسيمها العليل وزهرها الندي البليل
( سقى دمشق الشام غيث ممرع ... من مستهل ديمة دفاقها )
( مدينة ليس يضاهي حسنها ... في سائر الدنيا ولا آفاقها )
( تود زوراء العراق أنها ... تعزى إليها لا إلى عراقها )
( فأرضها مثل السماء بهجة ... وزهرها كالزهر في إشراقها ) ( نسيم ريا روضها متى سرى ... فك أخا الهموم من وثاقها )
( قد ربع الربيع في ربوعها ... وسيقت الدنيا إلى أسواقها )
( لا تسأم العيون والأنوف من ... رؤيتها يوما ولا انتشاقها ) حذف 1

طورا متصلا وطورا منفصلا ويتأتى به للمصحف الشريف العظيم أن يبرز تارة للخصوص متبذلا وتارة للعموم متجملا إذ معارج الناس في الاستبصار تختلف وكل له مقام إليه ينتهى وعنده يقف فعمل فيه على شاكلة هذا المقصد وتلطف في تتميم هذا الغرض المعتمد وكسي المصحف العزيز بصوان لطيف من السندس الأخضر ذي حلية عظيمة خفيفة تلازمه في المغيب والمحضر ورتب ترتيبا يتأتى معه أن يكسى بالصوان الأكبر فيلتئم به التئاما يغطي على العين من هذا الأثر وكمل ذلك كله على أجمل الصفات وأحسنها وأبدع المذاهب وأتقنها وصنع له محمل غريب الصنعة بديع الشكل والصبغة ذو مفاصل ينبو عن دقتها الإدراك ويشتد بها الارتباط بين المفصلين ويصح الاشتراك مغشى كله بضروب من الترصيع وفنون من النقش البديع في قطع من الآبنوس والخشب الرفيع لم تعمل قط في زمان من الأزمان ولا انتهت قط إلى أيسره نوافذ الأذهان مدار بصنعة قد أجريت في صفائح الذهب وامتدت امتداد ذوائب الشهب وصنع لذلك المحمل كرسي يحمله عند الانتقال ويشاركه في أكثر الأحوال مرصع مثل ترصيعه الغريب ومشاكل له في جودة التقسيم وحسن الترتيب وصنع لذلك كله تابوت يحتوي عليه احتواء المشكاة على أنوارها

وقول شمس الدين الأسدي الطيبي
( إذا ذكرت بقاع الأرض يوما ... فقل سقيا لجلق ثم رعيا )
( وقل في وصفها لا في سواها ... بها ما شئت من دين ودنيا )
وكأن لسان الدين ذا الوزارتين بن الخطيب عناها بقوله المصيب
( بلد تحف به الرياض كأنه ... وجه جميل والرياض عذاره )
( وكأنما واديه معصم غادة ... ومن الجسور المحكمات سواره )
وكنت قبل رحلتي إليها والوفادة عليها كثيرا ما أسمع عن أهلها زاد الله في ارتقائهم ما يشوقني إلى رؤيتها ولقائهم وينشقني على البعد أرج الأدب الفائق من تلقائهم حتى لقيت بمكة المعظمة اوحد كبرائها الذين فرائدهم بلبة الدهر منظمة عين الأعيان وصدر أرباب التفسير بها والبيان صاحب القلم الذي طبق الكلى والمفاصل والفتاوى التي حكمها بين الحق والباطل فاصل والتآليف التي وصفها بالإجادة من باب تحصيل الحاصل وارث العلم عن غير كلالة ذو الحسب المشرق بدوره في سماء الجلالة صاحب المعارف التي زانت خلاله وساحب أذيال العوارف التي أبانت على فضله دلالة مفتي السلطان في تلك الأوطان على مذهب الإمام النعمان مولانا الشيخ عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام عماد الدين لا زال سالكا سبيل المهتدين فكان جمل الله به عصرا وأوانا لقضية هذا القياس عنوانا فلما حللت بدارهم ورأيت ما أذهلني

المحمل في التزيين والتجميل وله في أحد غواربه باب ركبت عليه دفتان قد أحكم ارتتاجهما ويسر بعد الإبهام انفراجهما ولانفتاح هذا الباب وخروج هذا الكرسي من تلقائه وتركب المحمل عليه ما دبرت الحركات الهندسية وتلقيت تلك التنبيهات القدسية وانتظمت العجائب المعنوية والحسية والتأمت الذخائر النفيسة والنفسية وذلك أن بأسفل هاتين الدفتين فيصلا فيه موضع قد أعد له مفتاح لطيف يدخل فيه فإذا أدخل ذلك المفتاح فيه وأديرت به اليد انفتح الباب بانعطاف الدفتين إلى داخل الدفتين من تلقائهما وخرج الكرسي من ذاته بما عليه إلى أقصى غايته وفي خلال خروج الكرسي يتحرك عليه المحمل حركة منتظمة مقترنة بحركته يأتي بها من مؤخر الكرسي زحفا إلى مقدمه فإذا كمل الكرسي بالخروج وكمل المحمل بالتقدم عليه انغلق الباب برجوع الدفتين إلى موضعهما من تلقائهما دون أن يمسهما أحد وترتبت هذه الحركات الأربع على حركة المفتاح فقط دون تكلف شيء آخر فإذا أدير المفتاح إلى خلف الجهة التي أدير إليها أولا انفتح الباب وأخذ الكرسي في الدخول والمحمل في التأخر عن مقدم الكرسي إلى مؤخره فإذا عاد كل إلى مكانه انسد الباب بالدفتين أيضا من تلقائه كل ذلك يترتب على حركة المفتاح كالذي كان في حال خروجه وصحت هذه الحركات اللطيفة على أسباب ومسببات غائبة عن الحس في باطن الكرسي وهي

فيهم بقول بعض من غبر
( ألمت بنا أوصافهم فامتلأ الفضا ... عبيرا وأضحى نوره متألقا )
( وقد كان هذا من سماع حديثهم ... بلاغا فصح النقل إذ حصل اللقا )
وقابلوني أسماهم الله بالاحتفال والاحتفاء وعرفني بديع برهم فن الاكتفاء
( غمرتني المكارم الغر منهم ... وتوالت علي منها فنون )
( شرط إحسانهم تحقق عندي ... ليت شعري الجزاء كيف يكون )
وقابلوني بالقبول مغضين عن جهلي
( وما زال بي إحسانهم وجميلهم ... وبرهم حتى حسبتهم أهلي )
بل الأولى أن أتمثل فيهم بما هو أبلغ من هذا المقول في آل المهلب وهو قول بعض من نزل بقوم برق قصدهم غير خلب في زمن به تقلب
( ولما نزلنا في ظلال بيوتهم ... أمنا ونلنا الخصب في زمن محل )
( ولو لم يزد إحسانهم وجميلهم ... على البر من أهلي حسبتهم أهلي )
لا سيما المولى الذي أمداحه تحلي أجياد الطروس العاطلة وسماحه يخجل أنواء الغيوث الهاطلة صدر الأكابر الأعاظم الحائز قصب السبق في ميدان الإجادة بشهادة كل

ويصعب ذكرها أظهرتها بركات هذا الأمر السعيد وتنبيهات سيدنا ومولانا الخليفة أدام الله تعالى أمرهم ! وأعز نصرهم ! بناء مسجد مراكش 123 بناء مسجد مراكش وفي خلال الاشتغال بهذه الأعمال التي هي غرر الدهر وفرائد العمر أمروا - أدام الله تأييدهم ! - ببناء المسجد الجامع بحضرة مراكش - حرسها

والصدوق الذي بأسباب عهده أرتبط الأوحد الذي ضربت البراعة رواقها بناديه والماجد الذي لم يزل بديع البلاغة من كثب يناديه السري الحائز من الخلال ما أبان تفضيله اللوذعي الذي لم تزل أوصافه تحكم له بالسؤدد وتقضي له والحق أبلج لا يحتاج إلى زيادة براهين الأجل المولى أحمد أفندي بن شاهين لا زالت العزة مقيمة بواديه ولا برحت حضرته جامعة لبواطن الفخر وبواديه والسعد يراوح مقامه ويغاديه والمجد يترنم بذكره حاديه فكم له أسماه الله ولغيره من أعيان دمشق لدي من أياد يعجز عن الإبانة عنها لو أراد وصفها قس إياد ولو تعرضت لأسمائهم وحلاهم أدام الله تعالى سعودهم وعلاهم لضاق عن ذلك هذا النطاق وكان من شبه التكليف بما لا يطاق فليت شعري بأي أسلوب أؤدي بعض حقهم المطلوب أم بأي لسان أثني على مزاياهم الحسان وما عسى أن أقول في قوم نسقوا الفضائل ولاء وتعاطوا أكواب المحامد ولاء وسحبوا من المجد مطارف وملاء وحازوا المكارم وبذوا الموادد والمصارم سؤددا وعلاء
( فما رياض زهر الربيع ... إذا بدت في وشيها البديع )
( ضاحكة عن شنب الأقاح ... عند سفور طلعة الصباح )
( غنى بها مطوق الحمام ... وصافحتها راحة الغمام )
( وباكرتها نسمة من الصبا ... فأصبحت كأنها عهد الصبا )
( نضارة ورونقا

لا تحصى لكثرتها وهنا انتهى ما وجدناه من هذا المكتوب ثم قال ابن رشيد - بعد إيراد ما تقدم - ما صورته نجزت الرسالة في المصحف العظيم والحمد لله رب العالمين انتهى محل الحاجة منه وما أحسن قول الشيخ الإمام أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية يستودع أهل قرطبة [ المنسرح

( أطيب من ثنائهم عبيرا ... بين الورى واسأل به خبيرا )
( دامت معاليهم على طول الزمن ... يروى حديث الفضل عنها عن حسن )
( وثابت وقرة وسعد ... وأسعفوا بنيل كل وعد )
فهم الذين نوهوا بقدري الخامل وظنوا مع نقصي أن بحر معرفتي وافر كامل حسبما اقتضاه طبعهم العالي
( فلو شربت بعمري ساعة ذهبت ... من عيشتي معهم ما كان بالغالي )
فمتعين حقهم لايترك وحبهم لا يخالط بغيره ولا يشرك وإن أطلت الوصف فالغاية في ذلك لا ترك
( يزداد في مسمعي ترداد ذكرهم ... طيبا ويحسن في عيني مكرره )
وإذا كان المديح الصادق لا يزيدهم رفعة قدر فهم كما قال الأعرابي الذي ضلت ناقته في مدح البدر والبليغ وذو الحصر في ذلك سيان والحق أبلج والباطل لجلج وليس الخبر كالعيان
( هب الروض لا يثني على الغيث نشره ... أتحسبه تخفى مآثره الحسنى )
وقد تذكرت بلادي النائية بذلك المرأى الشامي الذي يبهر رائيه فما شئت من أنهار ذات انسجام أترع بها من جريال الأنس جام وأزهار متوجة للأدواح مروحة للنفوس بعاطر الأرواح وحدائق تعشي أنوارها الأحداق وعيانها للخبر عنها

الليل جنحه وتقلد السماك رمحه وهم النسر بالطيران وعام في الأفق زورق الزبرقان أوقدنا مصابيح الراح واشتملنا ملاء الارتياح وللدجن فوقنا رواق مضروب فغنتنا عند ذلك جارية تسمى أنس القلوب وقالت [ الخفيف ] قدم الليل عند سير النهار وبدا البدر مثل نصف السوار فكأن النهار صفحة خد وكأن الظلام خط عذار وكأن الكؤوس جامد ماء وكأن المدام ذائب نار نظري قد جنى علي ذنوبا كيف مما جنته عيني اعتذاري يا لقومي تعجبوا من غزال جائر في محبتي وهو جاري ليت لو كان لي إليه سبيل فأقضي من الهوى أوطاري قال فلما أكملت الغنا أحسست بالمعنى فقلت [ الخفيف ] كيف كيف الوصول للأقمار بين سمر القنا وبيض الشفار لو علمنا بأن حبك حق لطلبنا الحياة منك بثار وإذا ما الكرام هموا بشيء خاطروا بالنفوس في الأخطار قال فعند ذلك بادر المنصور لحسامه وغلظ في كلامه وقال لها قولي واصدقي إلى من تشيرين بهذا الشوق والحنين فقالت الجارية إن كان 11 الكذب أنجى فالصدق أحرى وأولى والله ما كانت إلا نظرة ولدت في

( فهي التي ضحك البهار صباحها ... وبكت عيشتها عيون النرجس )
( واخضر جانب نهرها فكأنه ... سيف يسل وغمده من سندس )
وجنان أفنانها في الحسن ذوات افتنان
( صافحتها الرياح فاعتنق السرو ... ومالت كواله للقصار )
( لائذ بعضه ببعض كقوم ... في عتاب مكرر واعتذار )
وبطاح راق سناها وكمل حسنها وتناهي كما قلت مضمنا في ذلك المنحى لقول بعض من نال في البلاغة منا ومنحا
( دمشق لا يقاس بها سواها ... ويمتنع القياس مع النصوص )
( حلاها راقت الأبصار حسنا ... على حكم العموم أو الخصوص )
( بساط زمرد نثرت عليه من الياقوت ألوان الفصوص )
ولله در القائل في وصف تلك الفضائل
( إن تكن جنة الخلود بأرض ... فدمشق ولا يكون سواها )
( أو تكن في السماء فهي عليها ... قد أمدت هواءها وهواها )
( بلد طيب ورب غفور ... فاغتنمها عشية أو ضحاها )
وعند رؤيتي لتلك الأقطار الجليلة الأوصاف العظيمة الأخطار تفاءلت بالعود إلى أوطان لي بها أو طار إذ التشابه بينهما قريب في الأنهار والأزهار ذات العرف المعطار وزادت هذه بالتقديس الذي همعت عليها منه الأمطار وتمثلت بقول الأصفهاني وإن غيرت يسيرا منه لما أسفرت وجوه

فعند ذلك صرف المنصور وجه الغضب إلي وسل سيف السخط علي فقلت أيدك الله تعالى ! إنما كانت هفوة جرها الفكر وصبوة أيدها النظر وليس للمرء إلا ما قدر له لا ما اختاره وأمله فأطرق المنصور قليلا ثم عفا وصفح وتجاوز عنا وسمح وخلي سبيلي فسكن وجيب قلبي وغليلي ووهب الجارية لي فبتنا بأنعم ليلة وسحبنا فيها للصبا ذيله فلما شمر الليل غدائره وسل الصباح بواتره وتجاوبت الأطيار بضروب الألحان في أعالي الأغصان انصرفت بالجارية إلى منزلي وتكامل سروري بين الرشيد والمأمون وجارية 125 بين الرشيد والمأمون وجارية قال بعضهم ذكرتني حكاية أبي المغيرة هذه حكاية قرأتها في النوادر لأبي علي القالي البغدادي حذت في الظرف حذوها وزهت في الإغراب زهوها وهي ما أسنده عن منصور البرمكي أنه كانت للرشيد جارية غلامية وكان المأمون يميل إليها وهو إذ ذاك أمرد فوقفت تصب على يد الرشيد من إبريق معها والمأمون خلف الرشيد فأشار إليها يقبلها فأنكرت ذلك بعينها وأبطأت في الصب على قدر نظرها للمأمون وإشارتها إليه فقال

( لما وردت الصالحية ... حيث مجتمع الرفاق )
( وشممت من أرض الشآم ... نسيم أنفاس العراق )
( أيقنت لي ولمن أح ... بجمع شمل واتفاق )
( وضحكت من فرح اللقاء ... كما بكيت من الفراق )
( لم يبق لي إلا تجشم ... أزمن السفر البواقي )
( حتى يطول حديثنا ... بصفات كنا نلاقي )
وكنت قبل حلولي بالبقاع الشامية مولعا بالوطن لا سواه فصار القلب بعد ذلك مقسما بهواه
( ولي بالحمى أهل وبالشعب جيرة ... وفي حاجر خل وفي المنحنى صحب )
( تقسم ذا القلب المتيم بينهم ... سألتكم بالله هل يقسم القلب )
فيا لك من صب مراع للذمام منقاد لشوقه بزمام يخيل له أنه سمع صوت قيان بقول الأول
( إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان )
وفرد تعددت جموعه ووشت بما أكنت ضلوعه دموعه فأنشد وقد تحير ما بدل فيه من عظم ما به وغير
( كتمت شأن الهوى يوم النوى فوشى ... بسره من جفوني أي نمام )
( كانت ليالي بيضا في دنوهم ... فلا تسل بعدهم عن حال أيامي )
( ضنيت وجدا بهم والناس تحسب بي ... سقما فأبهم حالي عند لوامي
( وليس

أتحبها قال نعم يا أمير المؤمنين قال هي لك فاخل بها في تلك القبة ففعل ثم قال له هل قلت في هذا الأمر شيئا فقال نعم يا سيدي وأنشد [ المجتث ] ظبي كنيت بطرفي من الضمير إليه قبلته من بعيد فاعتل من شفتيه ورد أخبث رد بالكسر من حاجبيه فما برحت مكاني حتى قدرت عليه وفي هذا المعنى يقول بعض البلغاء اللحظ يعرب عن اللفظ وقال آخر رب كناية تغني عن إيضاح ورب لفظ يدل على ضمير ونظمه الشاعر فقال [ الطويل ] جعلنا علامات المودة بيننا دقائق لحظ هن أمضى من السحر فأعرف منها الوصل في لين لحظها وأعرف منها الهجر بالنظر الشزر وفي هذا قال بعض الحكماء العين باب القلب فما في القلب ظهر في العين وقال الشاعر [ البسيط ] العين تبدي الذي في نفس صاحبها من المحبة أو بغض إذا كانا فالعين تنطق والأفواه صامتة حتى ترى من ضمير القلب تبيانا بين الرشيد والمأمون وجارية 125 بين الرشيد والمأمون وجارية قال بعضهم ذكرتني حكاية أبي المغيرة هذه حكاية قرأتها في النوادر لأبي علي القالي البغدادي حذت في الظرف حذوها وزهت في الإغراب زهوها وهي ما أسنده عن منصور البرمكي أنه كانت للرشيد جارية غلامية وكان المأمون يميل إليها وهو إذ ذاك أمرد فوقفت تصب على يد الرشيد من إبريق معها والمأمون خلف الرشيد فأشار

وحصل التحير حيث لم يمكن الجمع ولا الخلو عند التخير كما قال ابن دقيق العيد في مثل هذا الغرض البعيد
( إذا كنت في نجد وطيب نعيمه ... تذكرت أهلي باللوى فمحسر )
( وإن كنت فيهم زدت شوقا ولوعة ... إلى ساكني نجد وعيل تصبري )
( فقد طال ما بين الفريقين موقفي ... فمن لي بنجد بين أهلي ومعشري )
وبالجملة فالاعتراف بالحق فريضة ومحاسن الشام وأهله طويلة عريضة ورياضه بالمفاخر والكمالات أريضة وهو مقر الأولياء والأنبياء ولا يجهل فضله إلا الأغمار الأغبياء الذين قلوبهم مريضة
( أنى يرى الشمس خفاش يلاحظها ... والشمس تبهر أبصار الخفافيش )
( ولله در من قال في مثل هذا من الأرضياء
( وهبني قلت إن الصبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضياء )
وقال آخر فيمن عن الحق ينفر
( إذا لم يكن المرء عين بصيرة ... فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر )
وحسب الفاضل اللبيب أن يروي

نظرها للمأمون وإشارتها إليه فقال الرشيد ما هذا ضعي الإبريق من يدك ففعلت فقال لها والله لئن لم تصدقيني لأقتلنك فقالت يا سيدي أشار إلي كأنه يقبلني فأنكرت ذلك عليه فالتفت إلى المأمون فنظر إليه كأنه ميت لما داخله من الجزع والخجل فرحمه وضمه إليه وقال يا عبد الله أتحبها قال نعم يا أمير المؤمنين قال هي لك فاخل بها في تلك القبة ففعل ثم قال له هل قلت في هذا الأمر شيئا فقال نعم يا سيدي وأنشد [ المجتث ] ظبي كنيت بطرفي من الضمير إليه قبلته من بعيد فاعتل من شفتيه ورد أخبث رد بالكسر من حاجبيه فما برحت مكاني حتى قدرت عليه وفي هذا المعنى يقول بعض البلغاء اللحظ يعرب عن اللفظ وقال آخر رب كناية تغني عن إيضاح ورب لفظ يدل على ضمير ونظمه الشاعر فقال [ الطويل ] جعلنا علامات المودة بيننا دقائق لحظ هن أمضى من السحر فأعرف منها الوصل في لين لحظها وأعرف منها الهجر بالنظر الشزر وفي هذا قال بعض الحكماء العين باب القلب فما في القلب ظهر في العين وقال الشاعر [ البسيط ] العين تبدي الذي في نفس صاحبها من المحبة أو بغض إذا كانا فالعين تنطق والأفواه صامتة حتى ترى من ضمير القلب تبيانا ترجمة الوزير أبي المغيرة بن حزم 126

( عرج إذا ما شمت برق الشآم ... وحي أهل الحي واقر السلام )
( وانزل بإقليم جزيل الحيا ... بارك فيه الله رب الأنام )
( العز والنصر لديه وما ... لعروة الإسلام عنه انفصام )
( من أولياء الله كم قد حوى ... ركنا بمرآة يطيب المقام )
( وهو مقر الأنبياء الألي ... والأصفياء الأتقياء الكرام )
( كم من شهيد في حماه وكم ... من عالم فرد وكم من إمام )
ولذلك اعتنت الجهابذة بتخليد أخباره في الدواوين وابتنت الأساتذة بيوت افتخاره المنيفة الأواوين وتناقلت أنباءه البديعة ألسن الراوين وهامت بأماكنه المريعة هداة الشريعة فضلا عن الشعراء الغاوين ومع ذلك فهم في التعبير عن عجائبه غير متساوين أولا يرى أنهم يأتون من مقولهم على قدر رأيهم وعقولهم ولم يبلغ جمع منهم ما كانوا له ناوين
( على قدرك الصهباء توليك نشوة ... بها سيء أعداء وسر صحاب )
( ولو أنها تعطيك منها بقدرها ... لضاقت بك الأكوان وهي رحاب )

ابن شاهين يقترح على المؤلف تأليف كتاب عن لسان الدي
ن
وكنا في خلال الإقامة بدمشق المحوطة وأثناء التأمل في محاسن الجامع والمنازل والقصور والغوطة كثيرا ما ننظم في سلك المذاكرة در ر الأخبار الملقوطة ونتفيأ من ظلال التبيان مع أولئك الأعيان في مجالس مغبوطة نتجاذب فيها أهداب الآدابونشرب من سلسال الاسترسال ونتهادى لباب الألباب ونمد بساط الانبساط ونسدل أطناب الإطناب ونقضي أوطار الأقطار ونستدعي أعلام الأعلام فينجر بنا الكلام والحديث شجون وبالتفنن يبلغ المستفيدون ما يرجون إلى ذكر البلاد الأندلسية ووصف

عبد الوهاب بن حزم وبنو حزم فتية علم وأدب وثنية مجد وحسب وأبو المغيرة هذا في الكتابة أوحد لا ينعت ولا يحد وهو فارس المضمار حامي ذلك الذمار وبطل الرعيل وأسد ذلك الغيل نسق المعجزات وسبق في المعضلات الموجزات إذا كتب وشى المهارق ودبج وركب من بحر البلاغة الثبج وكان هو وأبو عامر بن شهيد خليلي صفاء وحليفي وفاء لا ينفصلان في رواح ولا مقيل ولا يفترقان كمالك وعقيل وكانا بقرطبة رافعي ألوية الصبوة وعامري أندية السلوة إلى أن اتخذ أبو عامر في حبالة الردى وعلق وغدا رهنه فيها وغلق فانفرد أبو المغيرة بذلك الميدان واسترد من سبقه ما فاته منذ زمان فلم تذكر له مع أبي عامر حسنة ولا سرت له فقرة مستحسنة لتعذر ذلك وامتناعه بشفوف أبي عامر وامتداد باعه وأما شعر أبي المغيرة فمرتبط بنثره ومختلط زهره بدره وقد أثبت له منها فنونا تجن بها الأفهام جنونا فمن ذلك قوله [ الكامل ] ظعنت وفي أحداجها من شكلها عين فضحن بحسنهن العينا

رياضها السندسية التي هي بالحسن منوطة وقضاياها الموجهة التي لا يستوفيها المنطق مع أنها ضرورية وممكنة ومشروطة والفطر السليمة والأفهام المستقيمة بتسليم براهينها قاضية لا سيما إن كانت بالإنصاف مربوطة فصرت أورد من بدائع بلغائها ما يجري على لساني من الفيض الرحماني وأسرد من كلام وزيرها لسان الدين بن الخطيب السلماني صب الله عليه شأبيب رحماه وبلغه من رضوانه الأماني ما تثيره المناسبة وتقتضيه وتميل إليه الطباع السليمة وترتضيه من النظم الجزل في الجد والهزل والإنشاء الذي يدهش به ذاكرة الألباب إن شاء الله وتصرفه في فنون البلاغة حالي الولاية والعزل إذ هو أعني لسان الدين فارس النظم والنثر في ذلك العصر والمنفرد بالسبق في تلك الميادين بأداة الحصر وكيف لا ونظمه لم يستول على مثله أيدي الهصر ونثره تزري صورته بالخريدة ودمية القصر
فلما تكرر ذلك غير مرة على أسماعهم لهجوا به دون غيره حتى صار كأنه كلمة إجماعهم وعلق بقلوبهم وأضحى منتهى مطلوبهم ومنية آمالهم وأطماهم وصاروا يقطفون بيد الرغبة فنونه ويعترفون ببراعته ويستحسنونه ويستنشقون من أزهاره كل ذاك فطلب مني المولى أحمد الشاهيني إذ ذاك وهو الماجد المذكور ذو السعي المشكور أن أتصدى للتعريف بلسان الدين في مصنف يعرب عن بعض أحواله وأنبائه وبدائعه وصنائعه ووقائعه مع ملوك عصره وعلمائه وأدبائه ومفاخره التي قلد بها جيد الزمان ولبته ومآثره التي أرج بها مسرى الشمال وهبته وبعض ما له من النثار والنظام والمؤلفات الكبار العظام الرائقة للأبصار الفائقة على كلام كثير من أهل الأمصار السائرة مسير القمر والشمس المعقودة حذف

في حقه ما صورته الوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد الأشجعي عالم بأقسام البلاغة ومعانيها حائز قصب السبق فيها لا يشبهه أحد من أهل زمانه ولا ينسق ما نسق من در البيان وجمانه توغل في شعاب البلاغة وطرقها وأخذ على متعاطيها ما بين مغربها ومشرقها لا يقاومه عمرو بن بحر ولا تراه يغترف إلا من بحر مع انطباع مشى في طريقه بأمد باع وله الحسب المشهور والمكان الذي لم يعده ظهور وهو من ولد الوضاح المتقلد تلك المفاخر والأوضاح والضحاك صاحب يوم المرج وراكب ذلك الهرج وأبو عامر حفيده هذا من ذلك النسب ونبع لا يراش إلا من ذلك الغرب وقد أثبت له ما هو بالسحر لاحق ولنور المحاسن ما حق فمن ذلك قوله [ البسيط ]

عليها الخناصر بل الخمس كيما يكون ذلك لهذه الأغراض مشيعا ويخلع على مطالعه بهذه البلاد المشرقية من أغراضه البديعة ومنازعه وشيعا

اعتذار المؤلف عن تلبيته للمطلب
فأجبته أسمى الله قدره الكبير وأدام عرف فضائله المزري بالعنبر والعبير بأن هذا الغرض غير سهل ولست علكم الله له بأهل من جهات عديدة أولها قصوري عن تحمل تلك الأعباء الشديدة إذ لا يوفي بهذا الغرض إلا الماهر بطرق المعارف السديدة وثانيها عدم تيسر الكتب المستعان بها على هذا المرام لأني خلفتها بالمغرب وأكثرها في المشرق كعنقاء مغرب وثالثها شغل الخاطر بأشجان الغربة الجالبة للفكر الكربة وتقسم البال بين شغل عائق وبلبال وأني يطيق سلوك عذ المضيق من اكتحلت جفونه بالسهاد ونبت جنوبه عن المهاد وسد نحوه الأسف سهمه وشغل باله ووهمه وبث في قلبه تبريجا وعناء لم يجد منه إلا أن يلطف الله تسريحا فما شام بارقة أمل إلا في النادر ولا ورد منهل صفاء إلا وكدره مكر غادر وقد كثر الجفاء وبرج بلا شك الخفاء واستوخمت الموارد والمصادر والقلب مكلوم واللب غير ملوم إذا كان على تلفيق ما يليق غير قادر ولا مؤنس إلا شاكي دهر بلسان صريح أو باكي قاصمة ظهر بجفن قريح أو مناضل في معترك العجز طريح أو فاضل دفن من الخمول في ضريح إذ

بابه وكان له بباب الصومعة من الجامع موضع لا يفارقه أكثر نهاره ولا يخليه من نثر درره وأزهاره فقعد في ليلة 27 من رمضان في لمة من إخوانه وأئمة سلوانه وقد حفوا به ليقطفوا نخب أدبه وهو يخلط لهم الجدل بهزل ولا يفرط في انبساط مشتهر ولا انقباض جزل وإذا بجارية من أعيان أهل قرطبة معها من جواريها من يسترها ويواريها وهي ترتاد موضعا لمناجاة ربها وتبتغي منزلا لاستغفار

الإبهام بنابها النوى والنوائب فقلوبه من تقلبات أحواله ذوائب وكم شابت من أمثاله بصروف الدهر وأهواله ذوائب
( على أنها الأيام قد صرن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب )
وأدمع أحجارها تسلط فجارها فكم من عدو منهم في ثياب صديق وحسود لنظره إلى نعم الله على عباده تحديق لا تخدعه المداراة ولا تردعه المماراة يتتبع العثرات ويقنع بألم البثرات ويتبسم وقلبه من الغل يتقسم ويتودد ومكايده تتجد فتتعدد
( لا ترم من مماذق الود خيرا ... فبعيد من السراب الشراب )
( رونق كالحباب يعلو على الماء ... ولكن تحت الحباب الحباب )
( عظمت في النفاق ألسنة القوم ... وفي الألسن العذاب العذاب )
والصديق الصدوق في هذا الزمن قليل وقد ألف بعض العلماء شفاء الغليل في ذم الصاحب والخليل وهو غير محمول على الإطلاق وإن قال به بعض من رهنه من أبناء عصره ذو إغلاق
( أبناء دهرك فالقهم ... مثل العدا بسلاحكا )
( لا تغترر بتبسم ... فالسيف يقتل ضاحكا )
وداء الحس أعيا الأول والآخر وقد عظم الأمر في هذا الأوان وكثر المزري والساخر مع أن أسواق

إذ قال وأخبرني الوزير الفقيه أبو الحسين بن سراج أنه حضر مع

( والدهر دهر الجاهلين ... وأمر أهل العلم فاتر )
( لا سوق أكسد فيه من سوق المحابر والدفاتر )
فالمنسوب للعلم في هذا الزمن زمن وهو بأن ينشد قول الأول فمن
( لأي وميض بارقة أشيم ... ومرعى الفضل عندهم هشيم )
وليت شعري علام يحسد من أبدل الاغتراب شارته وأضعف الاضطراب إشارته وأهل بالدموع أنواءه وقلل أضواءه وكثر علله وأدواءه وغير عند التأمل رواءه وثنى عن المأمول عنانه وأرهف بالخمول سنانه حتى قدح الذكر حنانه وملأ الفكر جأشه وجنانه فهو فيميدان النزوح مستبق ومن راحة التعب مصطبح ومغتبق
( له أنه المشتاق في كل ساعة ... تمر وما للثاكلات من الحزن )
( ومن مرسلات الدمع واقعة الأسى ... ومن عاديات البين قارعة السن )
تثير الذكرى منه كوامن الشجون وتدير عليه جام الهيام ولو كان بين الصفا والحجون
( وتحت ضلوع المستهام كآبة ... يخاف على الأحشاء منها التفطرا )
( ولو أن أحشاء تبوح بما حوت ... لتمتلئن الأرض كتبا وأسطرا )
وشتان ما ين الاقتراب والاغتراب والسكون في الركون والنبو عنها والاضطراب فذاك تسهل غالبا

فيها [ الخفيف ] حسد القصر فيكم الزهراء ولعمري وعمركم ما أساء

( وما أنا عن تحصيل دنيا بعاجز ... ولكن أرى تحصيلها بالدنية )
وإن طاوعتني رقة الحال مرة ... أبت فعلها أخلاق نفس أبية )
وكما قلت عندما صرت إلى الاغتراب وألت
( تركت رسوم عزي في بلادي ... وصرت بمصر منسي الرسوم )
( ورضت النفس بالتجريد زهدا ... وقلت لها عن العلياء صومي )
( مخافة أن أرى بالحرص ممن ... يكون زمانه أحد الخصوم )
وكما قال بعض الأكابر من أهل الزمان الغابر
( لا عار إن عطلت يداي من الغني ... كم سابق في الخيل غير محجل )
( صان اللئيم وصنت وجهي ماله ... دوني فلم يبذل ولم أتبذل )
( أبكي لهم ضافني متأوبا ... إن الدموع قرى الهموم النزل )
( لا تنكروا شيبا ألم بمفرقي ... عجلا كأن سناه سلة منصل )
( فلقد دفعت إلى الهموم تنوبني ... منها ثلاث شدائد جمعن لي )
( أسف على ماضي الزمان وحيرة ... في الحال منه ووحشة المستقبل )
( ما أن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأول )
( لله عهد بالحمى لم أنسه ... أيام أعصي في الصبابة عذلي )
ويرحم الله ابن قلاقس الإسكندري إذ قال في معنى التمني المصدري

غافلا عن المكر ساهيا حسن ظن بأهلها اعتقده واغترارا بهم ما رواه ولا انتقده

( لعل زماني بالعذيب يعود ... فيقرب قرب أو يصد صدود )
( وأبصر كثبانا وهز روادف ... عليهن أغصان وهن قدود )
( وأقطف ورد الخد وهو مضرج ... وأجني أقاح الثغر وهو برود )
( وأدني ذراعي للعناق ذريعة ... فتنهى عن الإفراط فيه نهود )
( ويسري إلى البدر وهو ممنع ... ويغدو إلى الظبي وهو شرود )
( ونكرع في شكوى الفراق كأننا ... فوارط هيم راقهن ورود )
( وأكبر مقدار الهوى عن كبيرة ... وأحمي عفافي دونه وأذود )
وفرق ما بين الجوهر والعرض والصحة والبينة والمرض والدر والحصى والحسام والعصا والرجوع إلى التفويض للأقدار في أمور هذه الدار الكثيرة الأكدار هو المطلوب والمرجو من الله سبحانه جبر القلوب
( يا رب نفس همومي ... واكشف كروبي جميعا )
( فقد رجوت كريما ... وقد دعوت سميعا )

إصرار ابن شاهين على رأيه
ولم يجعل لي المذكور حفظه الله فسحة ولا مندوحة بعد هذه الأعذار المحمودة في الصدق الممدوحة ولسان حالي وقالي يثبتان عجزي عن أداء هذا الحق بشهادة من هو واد وقالي إذ من كان بصفة غير متمكنة مما تكون به متصفة واتسم بنعوت مختلفة وارتسم في غير ذوي الأحوال المؤتلفة كيف يحير في التصنيف جوابا أو ينتحي من التأليف صوابا ومن جفنه هام هامل وقصوره عام شامل كيف يقبض بالأنامل على ماء البحر الوافر الكامل ومن لبس من العي ملاه لا يعبر عمن طبق مفاصل

إلى حينه رجلاه وشغل المعتمد عن رثائه بطلب

الكلام وكلاه وقصرت ألسن البلغاء عن علاه وزانت صدور الدواوين حلاه وجمع خلالا حسانا وكان للدين لسانا وزاحمت مفاخره بالمناكب الكواكب وازدانت بمرآة النوادي والمواكب ونفحات الأزهار من آدابه ونسمات الأسحار عطر أذياله وأهدابه والسحر في كتابته والسحر من كنايته وروح النسيم من تعريضه والنثرة من نثره والشعرى من شعره وقريضه وحلل المجد لباسه وأنوار العلم اقتباسه
( له ذهن يعوص ببحر علم ... فيأتي منه بالدر النظيم )
( معانيه الرياض لأجل هذا ... سرت ألفظاه مثل النسيم )
ومباهيه النجوم ومضاهيه الغيث السجوم إلى آباء يحسدهم البدر والشمس وإباء لو كان للمشرفي لما تحيفه لمس وشرف لا مدعى ولا منتحل وهمة لو نالها البدر لاستخذى له زحل وبراعة أرهفت سنان قلمه ويراعة سارت أمراؤها تحت علمه فكم فتح بفكره أقفالها ووسم بذهنه الثاقب أغفالها وسبك معانيها في قالب إبريزا ورقم بيان لسانه برود إحسانه بلفظه البديع تطريزا فرفع في ميدان الإجادة لواؤه وأتيح من أنهار البراعة العذبة إرواؤه ونال سبقا وتبريزا
( وما زمن الشباب وأنت تجري ... مع الأحباب في لهو وطيب )
( ووصل من حبيب بعد هجر ... بأحلى من كلام ابن الخطيب )
فقصائده أرخصت جواهر البحور المنظومة قلائد للبات والنحور

سودا وكانت بكم بيضا ليالينا يا صاحب النجوى قف واستمع مني إياك أن تهوى إن الهوى يضني لا تقرب البلوى إسمع وقل عني بحاره مره خضنا على غره حينا فقام بها للنعي ناعينا من هام بالغيد لاقى بهم هما بذلت مجهودي لأحور ألمى يهم بالجود

( معان وألفاظ تنظم منهما ... عقود لآل في نحور الشمائل )
( وزهر كلام كالحدائق نسجه ... غنينا به عن حسن زهر الخمائل )
وكلماته غدت للإبداع إقليدا وجمعت طريفا من البلاغة وتليدا
( كسون عبيدا ثياب العبيد ... وأضحى لبيد لديها بليدا )
ومقطعاته ألذ في الأسماع من مطرب السماع وأبهى في الأحداق والنواظر من الحدائق ذوات الأغصان الملد النواضر يعترف بفضلها من انتحل الإنصاف دينا وانتخل الأوصاف فاختار العدل منها خدينا
( رقيقات المقاطع محكمات ... لو أن الشعر يلبس لارتدينا )
ورسائله كنقط العروس اللائحة في البياض أو كوشي الربيع أو قطع الرياض برزت أغصانها الحالية وتبرجت وتضوعت أفنانها العالية وتأرجت وقد ألبسها القطر زهرا وفجر خلالها نهرا فأخذت زخرفها وازينت ولاحت محاسنها غير محتجبة وتبينت فبهرت من لها قابل أستغفر الله لا بل
( هي الحديقة إلا أن صيبها ... صوب النهى وجناها زهرة الكلم )
وقوافيه ريشت بها قوادم الإتقان وخوافيه نبال مجاريها تستدثر الحصر وباع مباريها يستشعر القصر
( خطها روضة وألفاظها الأزهار ... يضحكن والمعاني ثمار )
تبدي لمبصرها وتري ما قال أبو عبادة البحتري
( وكلام

يخاطب الوزير أبا الحسين بن سراج ويذكر لمة إخوانه بقرطبة [ الكامل ] يا سيدي وأبي هدى وجلالة ورسول ودي إن طلبت رسولا عرج بقرطبة ولذ إن جئتها بأبي الحسين وناده تعويلا فإذا سعدت بنظرة من وجهه فاهد السلام لكفه تقبيلا واذكر له شكري وشوقي مجملا ولو استطعت سردته تفصيلا بتحية تهدى إليه كأنما جرت على زهر الرياض ذيولا وأشم منها المصحفي على النوى نفسا ينسي السوسن المبلولا وإلى أبي مروان منه نفحة تهدي له نور الربا مطلولا وإذا لقيت الأخطبي فسقه من صفو ودي قرقفا وشمولا وأبو علي سق منها ربعه مسكا بماء غمامة محلولا واذكر لهم زمنا يهب نسيمه أصلا كنفث الراقيات عليلا مولى ومولي نعمة وكرامة وأخا إخاء مخلصا وخليلا

( مشرق في جوانب السمع ما يخلقه ... عوده على المستعيد )
( ومعان لو فصلتها القوافي ... هجنت ما لجرول من نشيد )
( حزن مستعمل الكلام اختيار ... وتجنبن ظلمة التعقيد )
بل هي أجل مما وصف عند التحقيق وإمعان النظر الصحيح والتدقيق
( أين زهر الرياض وهو إذا ما ... طال عهدا بالغيث عاد هشيما )
( من قواف كأنها الانجم الزهر ... سناها زان الظلام البهيما )
وناهيك بمن أطلعته العلوم علىجلائلها ودقائقها وأرتهالفنون ما شاء من يانعات حدائقها وحيته الحكم الرياضية بأزاهارها وشقائقها وأرضعته الوزارة من ثديها وحلت به الإمارة صدر نديها وجعلته المرجوع إليه في تمييز جيد الأمور ورديها فغرس في أرض الرياسة من نخل السياسة ووديها وأعلى علم العدل وأغمد سيف الانتقام ودفع تنين الفتنة الذي فغر فاه للالتقام والعهد إذ ذاك قريب في وطن الاندلس الغريب باختلال الحال وتوالي الإمحال والتجري على قتل الملوك والتحري لقطع الطرق ومنع السلوك حيث أهواء المارقين ذات افتراق وضلوع الصادقين في قلق واحتراق وأيدي الإجن باطشة وسيوف المحن إلى الدماء عاطشة وعرش الحماية مثلول وصارم الكفاية مفلول ونطاق الرعاية محلول ودم الوقاية مطلول وجيب النصيحة مملول والتنور السلطاني بنار اختلاف الكلمة ملتهب والعدو

كل لجة بها كابية قد قربصت بالذهب واللازورد سماؤه وتأزرت بهما جوانبه وأرجاؤه والروض قد اعتدلت أسطاره وابتسمت من كمائمها أزهاره ومنع الشمس أن ترمق ثراه وتعطر النسيم بهبوبه عليه ومسراه شهدت به ليالي وأياما كأنما تصورت من لمحات الأحباب أو قدت من صفحات أيام الشباب وكانت لأبي عامر بن شهيد به فرج وراحات أعطاه فيها الدهر ما شاء ووالى عليه الصحو والانتشاء وكان هو وصاحب الروض المدفون بإزائه أليفي صبوة وحليفي نشوة عكفا فيه على جريالها وتصرفا بين زهوهما واختيالهما حتى رداهما الردى وعداهما الحمام عن ذلك المدى فتجاورا في الممات تجاورهما في الحياة وتقلصت عنهما وارفات تلك الفيآت وإلى ذلك العهد أشار ابن شهيد وبه عرض وبشوقه صحح وما مرض حيث يقول عند موته يخاطب أبا مروان صاحبه وأمر أن يدفن بإزائه ويكتب

وليس له في غير قطع شأفة المسلمين ابتغاء وإن عقد المهادنة في بعض الأحيان فهو يسر حسوا في ارتغاء وكلاب الباطل في دماء أهل الحق والغة ولله سبحانه وتعالى في خلقه إرادة نافذة وحكمة بالغة فرقع لسان الدين ثوب الأندلس ورفاه وأرغم رحمه الله الكفر الذي فعز فاه وشمر عن ساعد واجتهاده وحض باللسان وباليد على دفاعه وجهاده حتى لاحت للنصر بوارق وأمنت بالحزم الطوارىء والطوارق ثم ضرب الدهر ضربانه وأحرق الحاسد بنار أحقاده أنضر بانة وأظهر ما في قلبه على لسان الدين وابانه وتقرب الوشاة وهم ممن كان يخدمه ويغشاه إلى سلطانه الذي كان عزة أوطانه الذي كان يأمنه ولا يخشاه حتى فسد عليه ضميره وتكدر ومن يسمع يخل نميره فأحسن بظاهر التغير وصار في الباطن من أهل التحير وأجال قداح آرائه والتفت إلى جهة العدو من ورائه ففر مشمرا عن ذيله في لمة من خيله إلى أسد العرين سلطان بني مرين وكان إذا ذاك بتلسمان وهو من أهل العلم والعدل والإحسان فاهتز لمقدمه ولقيه بخاصته وخدمه وأكرم مثواه وجعله صاحب نجواه ثم أدرك السلطان الحمام وكسف بدره وقت التمام فرجع لسان الدين إلى فاس واستنشق بها اطيب الانفاس وكثرت بعد ذلك الأهوال وتغيرت بسببه بين رؤساء العدوة والأندلس الأحوال فما نجا من مكر العدا ولا سلم وأل أمره من الاغتيال وما نفع الاحتيال إلى ما علم على يد بعض أعدائه الذين كانوا يتربصون الدوائر لإرادئه فأصبح كأمس الذاهب وصارت أمواله وضياعه عرضة للناهب وغص بذلك من كان من أودائه وأذ الله ثاره من بعض من حرك عليه المكر وأثاره وتسبب في هلاكه حتى انتثرت جواهر أسلاكه ومات بدائه فالعيون

قال بعد كلام وركب أبو الحسن بن القبطرنة إلى سوق الدواب بقرطبة ومعه أبو الحسين بن سراج فنظر إلى أبي الحكم بن حزم غلاما كما عق تمائمه وهو يروق كأنه زهر فارق كمائمه فسأل أبا الحسين بن سراج أن يقول فيه فأرتج عليه فثنى عنان القول إليه فقال [ الطويل ] رأى صاحبي عمرا فكلف وصفه وحملني من ذاك ما ليس في الطوق فقلت له عمرو كعمرو فقال لي صدقت ولكن ذاك شب على الطوق وكان بنو القبطرنة بالأندلس أشهر من نار على علم وقد تصرفوا في البراعة والقلم ولهم الوزارة المذكورة والفضائل المشكورة ولذا قال أبو

الأكابر وغيرهم مما فعل به شاكية والألسنة والأقلام لمقاماته في الإسلام حاكية
فمن كان بهذه السمات وأكثر منها موصوفا لا يقدر مثلي على تحبير التعبير عنه ويخشى أن تكون فكرته كخرقاء نقضت قطنا أو صوفا

اعتزام المقري إجابة ابن شاهين إلى مطلبه
ثم إني لما تكرر علي في هذا الغرض الإلحاح ولم تقبل أعذاري التي زندها شحاح عزمت على الإجابة لما للمذكور علي من الحقوق وكيف أقابل بره حفظه الله بالعقوق وهو الذي يروي من أحاديث الفضل الحسان والصحاح فوعدته بالشروع في المطلب عند الوصول إلى القاهرة المعزية وأزمعت السير عن دمشق المعروفة المزية وألبسني السفر منها من الخلع زيه ورحلنا عن تلك الأرجاء المتألقة والقلوب بها وبمن فيها متعلقة
( حللنا ديارا للغرام سرت بها ... إلينا صبا نجد بطيب نسيم )
( وبان ردى الأشجان لما تجاذبت ... اكف المنى فيها رداء نعيم )
( فما أنشبتنا العيس ان قذفت بنا ... إلى فرقة والعهد غير قديم )
( فإن نك ودعنا

وما نضوها حتى صرعتهم العقار وطلحتهم تلك الأوقار فلما هم رداء الفجر أن يندى وجبين الصبح أن يتبدى قام الوزير أبو محمد فقال [ الخفيف ] يا شقيقي وافى الصباح بوجه ستر الليل نوره وبهاؤه فاصطبح واغتنم مسرة يوم لست تدري بما يجيء مساؤه ثم استيقظ أخوه أبو بكر فقال [ الخفيف ] يا أخي قم تر النسيم عليلا باكر الروض والمدام شمولا لا تنم واغتنم مسرة يوم إن تحت التراب نوما طويلا

وداع الشام
فخرج معنا أسماه الله مع جملة من الأعيان إلى داريا المضاهية لدارين في رياها وحبذا ريا فألفيناها
( ريا من الأنداء طيبة ... لها القدر الجليل )
( تهدي لنا أرجاؤها ... أرجا من الزهر البليل )
( وبها الغصون تمايلت ... ميل الخليل على الخليل )
ووصلنا عند الظهيرة وسرحنا العيون في بدائعها الشهيرة
( منزل كالربيع حلت عليه ... حاليات السحاب عقد النطاق )
( يمتع العين من طرائق حسن ... )
( تتجافى بها عن الإطراق )
وقلنا بها لما نزلنا بجنابها
( وبتنا والسرور لنا نديم ... وماء عيونه الصافي مدام )
( يسايره النسيم إذا تغنت ... حمائمه ويسقيه الغمام )
فيا لك من ليلة أربت في طيب النفح على ليلة الشريف الرضي بالسفح
( ونحن في روضة مفوفة ... قد وشيت بالغمائم الوكف )
(

ويتحسون ذوب ذهب لا يصهر به ما في بطونهم والجلود حتى تركتهم ابنة الخابية كأنهم أعجاز نخل خاوية فلما هزم رومي الصباح زنجي الظلام ونادى الديك حي على المدام

( ودوحها من نداه في وشح ... ومن لآلي الأزهار في شنف )
( والغصن من فوقه حمامته ... كأنها همزة على ألف )
وما أقرب قول الوزير ابن عمار من وصف ذلك المضمار الجامع للأقمار
( يا ليلة بتنا بها ... في ظل أكناف النعيم )
( من فوق أكمام الريا الرياض ... وتحت أذيال النسيم ) وناهيك بمحمل قرب من دمشق الغراء فخلعت عليه حلل الحبور والسراء وأمدته بضيائها وأودعته برق حياها وماء حيائها فصار ناضر الدوحات عاطر الغدوات والروحات مونق الانفاس والنفحات مشرق الأسرة هذا والقلوب من الفراق في قلق ولسان الحال ينشد
( وبي علاقة وجد ليس يعلمها ... إلا الذي خلق الإنسان من علق )
ويحث على انتهاز فرصة اللقاء إذ هي غنيمة ويذكر بقول من قال وأكف الدهر موقظة ومنيمة
( تمتع بالرقاد على شمال ... فسوف يطول نومك باليمين )
( ومتع من يحبك باجتماع ... فأنت من الفراق على يقين )
ثم حضر بعد تلك الليلة موقف الوداع والكل ما بينواجم وباك وداع فتمثلت بقول من قلبه لفراق الأحباب في انصداع
( ودعتهم ودموعي ... على الخدود غزار )
( فاستكثروا

طرفة الطرف وصدقنا ولم نقطع وكذبنا ولم ننف وأغضينا لإجلال عن أكرومة الظرف 2 ولم تنصف وقد جئنا ك ما ننهض من ضعف وكان الحكم أن تحم أو تردف في الردف

وقل آخر
( يا وحشة من جيرة مذ نأوا ... علو قدري في الهوى انحطا )
( حكت دموعي البحر من بعدهم ... لما رأت منزلهم شطا )
وحق لي أن أتمثل في ذلك بقول العزازي
( لا تسلني عما جناه الفراق ... حملتني يداه ما لا يطاق )
( أين صبري أم كيف أملك دمعي ... والمطايا بالظاعنين تساق )
( قف معي نندب الطلول فهذي ... سنة قبل سنها العشاق )
( وأعد لي ذكر الغوير فكم مال ... بعطفي نسيمه الخفاق )
( في سبيل الغرام ما فعلت بالعاشقين ... القدود والأحداق )
( يوم ولت طلائع الصبر منا ... ثم شنت غاراتها الأشواق
وبقول غيره
( كنا جميعا والدار تجمعنا ... مثل حروف الجميع ملتصقة )
( واليوم صار الوداع يجعلنا ... مثل حروف الوداع مفترقة )
وقول آخر
( حين هم الحبيب بالتوديع ... عيروني أني سفحت دموعي )
( لم يذوقوا طعم الفراق ولا ما ... أحرقت لوعة الأسى من ضلوعي ) حذف 1

بانت وما قضيت منها لبانات يدني التوهم للمشتاق منتزحا من الأمور وفي الأوهام راحات تقضى عدات إذا هب الكرى وإذا هب النسيم فقد تهدى تحيات زور يعلل قلب المستهام به دهرا وقد بقيت في النفس حاجات لعل عتب الليالي أن يعود إلى عتبى فتبلغ أوطار ولذات حتى نفوز بما جاد الخيال به فربما صدقت تلك المنامات ولما أعرس المستعين بالله ببنت الوزير الأجل أبي بكر بن عبد العزيز احتفل أبوه المؤتمن في ذلك احتفالا شهره وأبدع فيه إبداعا راق من حضره وبهره فإنه أحضر فيه من الآلات المبتدعة والأدوات المخترعة ما بهر الألباب وقطع بذكائه دون معرفتها الأسباب واستدعى إليه جميع أعيان الأندلس من دان وقاص ومطيع وعاص فأتوه مسرعين ولبوه متبرعين وكان مدير تلك الآراء ومدبرها ومنشئ مخاطباتها ومحبرها الوزير الكاتب أبو الفضل وصدرت عنه في ذلك الوقت كتب ظهر إعجازها وبهر اقتضابها وإيجازها فمن ذلك ما خاطب به صاحب المظالم أبا عبد الرحمن بن طاهر

( كيف لا أسفح الدموع على ربع ... حوى خير ساكن وجموع )
( هبك أني كتمت حالي أتخفى ... زفرات المتيم المصدوع )
( إنما يعرف الغرام بمن لا ... ح عليه الغرام بين الربوع )
وقول من قال
( أقول له عند توديعه ... وكل بعبرته مبلس ) ( لئن قعدت عندك أجسادنا ... لقد سافرت معك الأنفس )
وقول الصابي ( ولما حضرت لتوديعه ... وطرف النوى نحونا أشوس )
( عكست له بيت شعر مضى ... يليق به الحال إذ يعكس )
( لئن سافرت عنك أجسادنا ... لقد قعدت معك الأنفس )
وقول المهذب بن أسعد الموصلي
( دعني وما شاء التفرق والأسى ... واقصد بلومك من يطيعك أو يعي )
( لا قلب لي فأعي الملام فإنني ... أودعته بالأمس عند مودعي )
( هل يعلم المتحملون لنجعة ... أن المنازل أخصبت من أدمعي )
( كم غادروا حرضا وكم لوداعهم ... بين الجوانح من غرام مودع )
( والسقم آية ما أجن من الجوى ... والدمع بينة على

وقول الكمال التنوخي
( كم ليلة قد بتها أرعى السها ... جزعا لفرقتهم بمقلة أرمد )
( قضيتها ما بين نوم نافر ... وزفير مهجور وقلب مكمد )
( لم أنس أيام السرور وطيبها ... بين السدير وبين برقة ثهمد )
( والروض قد أبدي بدائع نوره ... من أزرق ومفضض ) والماء يبدو كالصوارم ساريا ... فيعيده مر الصبا كالمبرد )
( والطير بين مسجع ومرجع ... مغرد ومعدد ومردد )
وقول القاضي بهاء الدين السنجاري
( أحبابنا ما لي على بعد المدى ... جلد ومن بعد النوى يتجلد )
( لله أوقات الوصال ومنظر ... نضر وغصن الوصل غض أملد )
( أنى يطيق أخو الهوى كتمانه ... والخد بالدمع المصون مخدد )
( ما بعد مفترق الركاب تصبر ... عمن أحب فهل خليل يسعد )
( يا سعد ساعد بالبكاء أخا هوى ... يوم الوداع بكى عليه الحسد )
وقول ابن الأثير
( لم أنس ليلة ودعوا ... صبا وساروا بالحمول )
( والدمع من فرط الأسى

الغرر مفضض مذهب الآصال والبكر كأنما الدهر لما ساء أعتبنا فيه بعتبى وأبدى صفح معتذر نسير في زورق حف السفين به من جانبيه بمنظوم ومنتثر مد الشراع به نشرا على ملك بذ الأوائل في أيامه الأخر هو الإمام الهمام المستعين حوى علياء مؤتمن عن هدي مقتدر تحوي السفينة منه آية عجبا بحر تجمع حتى صار في نهر تصاد من قعره النينان مصعدة صيدا كما ظفر الغواص بالدرر وللندامى به عب ومرتشف كالريق يعذب في ورد وفي صدر والشرب في مدح مولى خلقه زهر يذكو وغرته أبهى من القمر وصف المتنزهات من ترجمة عبد الله ابن السيد البطليوسي 143 وصف المتنزهات من ترجمة عبد الله ابن السيد البطليوسي وقال في ترجمة العلامة الكبير الأستاذ أبي محمد عبد الله بن السيد البطليوسي شارح أدب الكتاب وسقط الزند وغيرهما ما صورته أخبرني أنه حضر مع المأمون بن ذي النون في مجلس الناعورة بالمنية التي تطمح إليها المنى ومرآها هو المقترح والمتمنى والمأمون قد احتبى وأفاض الحبا والمجلس يروق كأن الشمس في أفقه والبدر في مفرقه والنور عبق وعلى ماء النهر مصطبح ومغتبق والدولاب يئن كناقة إثر الحوار أو كثكلى من حر الأوار والجو قد عنبرته أنواؤه والروض قد رشته أنداؤه والأسد قد فغرت أفواهها ومجت أمواهها فقال [ المنسرح ]

( ولما وقفنا للوداع عشية ... وطرفي وقلبي هامع وخفوق )
( بكيت فأضحكت الوشاة شماتة ... كأني سحاب والوشاة بروق )
وقول ابن نباتة السعدي
( ولما وقفنا للوداع عشية ... ولم يبق إلا شامت وغيور )
( وقفنا فمن باك يكفكف دمعه ... وملتزم قلبا يكاد يطير )
وقول بعضهم
( لما حدا الحادي بترحالهم ... هيج أشواقي وأشجاني )
( وراح القلب يثني القلب عن غيرهم ... فهو لهم حاد ولي ثاني )
وقول الصفدي
( لما اعتنقنا لوداع النوى ... وكدت من حر الجوى أحرق )
( رأيت قلبي سار قدامهم ... وأدمعي تجري ولا تلحق )
وقوله أيضا
( تذكرت عيشا مر حلوا بكم فهل ... لأيامنا تلك الذواهب واهب )
( وما انصرفت آمال نفسي لغيركم ... ولا أنا عن هذي الرغائب غائب )
( سأصبر كرها في الهوى غير طائع ... لعل زماني بالحبايب آيب ) حذف

عنبرة وغيم ند وطش ما ورد والماء كاللازورد قد نظمت فيه اللآلي فواغر الأسد كأنما جاثل الحباب به يلعب في جانبيه بالنرد تراه يزهو إذا يحل به ال زهو الفتاة بالعقد تخاله إن بدا به قمرا تما بدا في مطالع السعد كأنما ألبست حدائقه ما حاز من شيمة ومن مجد كأنما جادها فروضها بوابل من يمينه رغد لا زال في رفعة مضاعفة متمم الرفد واري الزند وقال في وصف هذا المجلس بعينه في الكتاب الذي أفرده لترجمة ابن السيد ما صورته فمن ذلك أنه حضر مع القادر بالله بن ذي النون بمجلس الناعورة بطليطلة في المنية المتناهية البهاء والإشراق المباهية لزوراء العراق التي ينفح شذاها العطر ويكاد من الغضارة يمطر والقادر بالله رحمه الله قد التحف الوقار وارتداه وحكم العقار في جوده ونداه والمجلس يشرق كالشمس في الحمل ومن حواه يبتهج كالنفس عند منال الأمل والزهر عبق وعلى ماء النهر مصطبح ومغتبق والدولاب يئن كناقة إثر حوار إلى آخر ما سبق وقال الفضل

وقول ابن نباتة المصري
( في كنف الله وفي حفظه ... مسراك والعود بعزم صريح )
( لو جاز أن تسلك أجفاننا ... كنا فرشنا كل جفن قريح )
( لكنها بالبعد معتلة ... وأنت لا تسلك إلا الصحيح )
وقول الحافظ أبي الحسن علي بن الفضل
( عجبت لنفسي بعدهم ما بقاؤها ... ولم أحظ من لقياهم بمرادي )
( لعمرك ما فارقتهم منذ ودعوا ... ولكنما فارقت طيب رقادي )
( وقد منعوا مني زيارة طيفهم ... وكيف يزور الطيف حلف سهاد )
( وأعجب ما في الأمر شوقي إليهم ... وهم في سوادي ناظري وفؤادي )
وقوله رحمه الله تعالى
( رعى الله أيام المقام بروضة ... تروح علينا بالسرور وتغتدي )
( كأن الشقيق الغض بين بطاحها ... نجوم عقيق في سماء زبرجد )
وقول

سائغ الماء لعابا فكأنها آساد عين أدلعت ألسنة من لجين وهي لا تزال تقذف الماء ولا تفتر وتنظم لآلي الحباب بعد ما تنثر فأمره بوصف ذلك الموضع الذي تخد إليه ركائب القلوب وتوضع فقال بديها يا منظرا إلخ انتهى ثم قال الفتح في هذا التصنيف بعد كلام في المذكور ما نصه وما أبدع قوله في وصف الراح والحض على النبذ للهموم والاطراح بمعاطاة كأسها وموالاة إيناسها ومعاقرة دنانها واهتصار ثمار الفتوة من أفنانها والإعراض عن الأيام وأنكادها والجري في ميدان الصبوة إلى أبعد آمادها [ الكامل ] سل الهموم إذا نبا زمن بمدامة صفراء كالذهب مزجت فمن در على ذهب طاف ومن حبب على لهب وكأن ساقيها يثير شذى مسك لدى الأقوام منتهب ولله هو فقد ندب إلى المندوب وذهب إلى مداواة القلوب من الندوب وإبرائها من الآلام وإهدائها كل تحية وسلام وإبهاجها بآصال وبكر وعلاجها من هموم وفكر في زمن حلي عاطله وجلي في أحسن الصور

( رحلوا فلا خلت المنازل منهم ... ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم )
( وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم ... وضياء نور الشمس ما لا يكتم )
( وتبدلوا أرض العقيق عن الحمى ... روت جفوني أي أرض يمموا )
( نزلوا العذيب وإنما هو مهجتي ... رحلوا وفي قلب المتيم خيموا )
( ما ضرهم لو ودعوا من أودعوا ... نار الغرام وسلموا من أسلموا )
( هم في الحشا إن أعرقوا أو أيمنوا ... أو أشأموا أو أنجدوا أو أتهموا )
وقول الشاعر أبي طاهر الأصفهاني المعروف بالوثابي
( أشاعوا فقالوا وقفة ووداع ... وزمت مطايا للرحيل سراع )
( فقلت وداع لا أطيق عيانه ... كفاني من البين المشت سماع )
( ولم يملك الكتمان قلب ملكته ... وعند النوى سر الكتوم مذاع )
وقول أبي المجد قاضي ماردين
( رعى الله ربعا أنتم فيه أهله ... وجاد عليه هاطل وهتون )
( ولا زال مخضر الجوانب مترع الحياض ... وفيه للنعيم فنون )
( لئن قدر الله اللقاء وأينعت ... غصون التداني فالبعاد يهون )
( وإن حكمت أيدي الزمان بعسرة ... فكم قضيت للمعسرين ديون )
وقول آخر حذف 1

وعكف عليها ما تعداها ولا تخطاها حتى بلغه أنهم نقموا معاقرته العقار وجالت ألسنتهم في توبيخه مجال ذي الفقار فقال [ الطويل ] نقمتم علي الراح أدمن شربها وقلتم فتى راح وليس فتى مجد ومن ذا الذي قاد الجياد إلى الوغى سواي ومن أعطى كثيرا ولم يكد فديتكمو لم تفهموا السر إنما قليتكم جهدي فأبعدتكم جهدي ودعى ابن السيد ليلة إلى مجلس قد احتشد فيه الأنس والطرب وقرع فيه السرور نبعه بالغرب ولاحت نجوم أكواسه وفاح نسيم رنده وآسه وأبدت صدور أباريقه أسرارها وضمت عليه المجالس أزرارها والراح يديرها أهيف أوطف والأماني تجنى وتقطف فقال [ الكامل ] يا رب ليل قد هتكت حجابه بمدامة وقادة كالكوكب يسعى بها أحوى الجفون كأنها من خده ورضاب فيه الأشنب بدران بدر قد أمنت غروبه يسعى ببدر جانح للمغرب فإذا نعمت برشف بدر غارب فانعم برشفة طالع لم يغرب

( غبتم فما لي في التصبر مطمع ... عظم الجوى واشتدت الأشواق )
( لا الدار بعدكم كما كانت ولا ... ذاك البهاء بها ولا الإشراق )
( أشتاقكم وكذا المحب إذا نأى ... عنه أحبه قلبه يشتاق )
وقول أبي الحسن الهمداني
( ويوم تولت الأظعان عنا ... وقوض حاضر وأرن بادي )
( مددت إلى الوداع يدا وأخرى ... حبست بها الحياة على فؤادي )
وقول ابن الصائغ
( قد أودعوا القلب لما ودعوا حرفا ... فظل في الليل مثل النجم حيرانا )
( راودته يستعير الصبر بعدهم ... فقال إني استعرت اليوم نيرانا )
وقول الصدر بن الأدمي مكتفيا
( يوم توديعي لأحبائي غدا ... ذكر مي شاغلي عن كل شيء )
( فرنت نحوي وقالت يا ترى ... أنت حي في هوانا قلت مي )
وقول غيره
( ولي فؤاد مذ نأى شخصهم ... ظل كئيبا مدنفا موجعا )
( ومقلة

صباها وشمائلها والحوادث لا تعترضها والكوارث لا تقترضها ونازلها من عرس إلى موسم وآملها متصل بالأماني ومتسم فنزل منها في مثل الخورنق والسدير وتصرف فيها بين روضة وغدير فلم يخف على المستعين احتلاله ولم تخف لديه خلاله فذكره معلما به ومعرفا وأحضره منوها به ومشرفا وقد كان فر من ابن رزين فرار السرور من نفس الحزين وخلص من اعتقاله خلوص السيف من ثقاله فقال يمدحه [ الطويل ] هم سلبوني حسن صبري إذ بانوا بأقمار أطواق مطالعها بان لئن غادروني باللوى إن مهجتي مسايرة أظعانهم حيثما كانوا سقى عهدهم بالخيف عهد غمائم ينازعها نهر من الدمع هتان أأحبابنا هل ذلك العهد راجع وهل لي عنكم آخر الدهر سلوان ولي مقلة عبرى وبين جوانحي فؤاد إلى لقياكم الدهر حنان تنكرت الدنيا لنا بعد بعدكم وحفت بنا من معضل الخطب ألوان

( وليس لي من حيلة كلما ... لجت بي الأشواق إلا الدعا )
( أسأل من ألف ما بيننا ... وقدر الفرقة أن يجمعا )
وقول الرعيني الغرناطي
( محاسن ربع قد محاهن ما جرى ... من الدمع لما قيل قد رحل الركب )
( تناقض حالي مذ شجاني فراقهم ... فمن أضلعي نار ومن أدمعي سكب )
وفي معناه قوله أيضا
( وقائله ما هذه الدرر التي ... تساقطها عيناك سمطين سمطين )
( فقلت لها هذا الذي قد حشا به ... أبو مضر أذني تساقط من عيني )
وقو الزمخشري
( لم يبكني إلا حديث فراقهم ... لما أسر به إلي مودعي )
( هو ذلك الدر الذي أودعتم ... في مسمعي أجريته من مدمعي )
وقول الزغاري
( قد بعتهم قلبي يوم بينهم ... بنظرة التوديع وهو يحترق )
( ولم أجد من بعدها لرده ... وجها وكان الرد لو لم نفترق )
( وقول بعض الأندلسيين
( ساروا فودعهم طرفي وأودعهم ... قلبي فما بعدوا عني ولا قربوا )
( هم الشموس

تفد منا سوى الشعر وحده لحق لنا بر عليه وإحسان فكيف ولم نجعل بها الشعر مكسبا فيوجب للمكدي جفاء وحرمان ولا نحن ممن يرتضي الشعر خطة وإن قصرت عن شأونا فيه أعيان ومن أوهمته غير ذاك ظنونه فثم مجال للمقال وميدان خليلي من يعدي على زمن له إذا ما قضى حيف علي وعدوان وهل ريء من قبلي غريق مدامع يفيض بعينيه الحيا وهو حران وهل طرفت عين لمجد ولم يكن لها مقلة من آل هود وإنسان بوجه ابن هود كلما أعرض الورى صحيفة إقبال لها البشر عنوان فتى المجد في برديه بدر وضيغم وبحر وقدس ذو الهضاب وثهلان من النفر الشم الذين أكفهم غيوث ولكن الخواطر نيران ليوث شرى ما زال منهم لدى الوغى هزبر بيمناه من السم ثعبان وهل فوق ما قد شاد مقتدر لهم ومؤتمن بالله لقياه إيمان ألا ليس فخر في الورى غير فخرهم وإلا فإن الفخر زور وبهتان

وقلت أنا مضمنا بديهة
( لا كان يوم فراق ... ساق الشجون إلينا )
( فكم أذل نفوسا ... يا من يعز علينا )
وقلت أيضا مضمنا
( سلا أحبته من لم يذب كمدا ... يوم الوداع وإن أجرى الدموع دما )
( يا من يعز علينا أن نفارقهم ... من بعدكم هد ركن الصبر وانهدما )
( وإن نأى الجسم كرها عن منازلكم ... فالقلب ثاو بها لم يصحب القدما )
( وما نسينا عهودا للهوى كرمت ... نعم قرعنا عليها سننا ندما )
( وأظلمت بالنوى أرجاء مقصدنا ... وصار وجدان إلف غيركم عدما )
وقلت أيضا مضمنا
( لم أنس بالشام أنسا شمت بارقه ... جادت معاهده أنواء نيسان )
( لهفي لعيش قضينا في مشاهدها ... ما بين حسن من الدنيا وإحسان )
وقلت كذلك
( يا جيرة بانوا وأبقوا حسرة ... تجري دموعي بعدهم وفق القضا )
( كم قلت إذا ودعتهم والأنس لا ... ينسى وعهد ودادهم لن يرفضا
( يا موقف التوديع إن مدامعي ... فضت وفاضت في ثرى ذاك الفضا )
وكم تفاءلت بقول الأول مع علمي بأن على الله المعول

الاجتماع بمذهبك والاستمتاع بما شئته من براعة أدبك فأقاموا يعملون كأسهم ويصلون إيناسهم وباتوا ليلتهم ما طرقهم نوم ولا عداهم عن طيب اللذات سوم ثم قال بعد كلام كثير وحضر ابن السيد عند عبد الرحمن الظافر بن ذي النون مجلسا رفعت فيه المنى لواءها وخلعت عليه أضواءها وزفت

( إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمنك البعاد )
( وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع عادوا )
وضاقت بي الرحاب حين مفارقة أعيان الصحاب وكاثرت دموعي من بينهم السحاب وزند التذكر يقدح الأسف فيهيج الانتحاب وقد تمثلنا إذ ذاك والجوانح من الجوى في التهاب وذخائر الصبر ذات انتهاب بقول بعض من مزق البعد منه الإهاب
( ولما نزلنا منزلا طله الندى ... أنيقا وبستانا من النور حاليا )
( أجد لنا طيب المكان وحسنه ... مني فتمنينا فكانوا الأمانيا )
( وقد طفت في شرق البلاد وغربها ... وسيرت خيلي بينها وركابيا )
( فلم أر منها مثل بغداد منزلا ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا )
( ولا مثل أهليها أرق شمائلا ... وأعذب ألفاظا وأحلى معانيا )
وبقول من تأسف على مغاني التداني وهو أبو الحجاج الأندلسي الداني
( أبى الله إلا أن أفارق منزلا ... يطالعني وجه المنى فيه سافرا )
( كأن

في عرف الأنس والأرج لا يعرج إلا على ضفة نهر ولا يبتهج إلا بقطعة

وتخيلنا أن إقامتنا بدمشق وقاها الله كل صرف ما كانت إلا خطرة طيف ملم أو لمحة طرف
( وقفنا ساعة ثم ارتحلنا ... وما يغني المشوق وقوف ساعة )
( كأن الشمل لم يك في اجتماع ... إذا ما شتت البين اجتماعه )
وطالما عللت النفس بالعود إليها ثم إلى بقاعي منشدا قول الأديب الشهير بابن الفقاعي
( متى عاينت عيناي أعلام حاجر ... جعلت موطاي العيس فوق محاجري )
( وإن لاح من أرض العواصم بارق ... رجعت بأحشاء صواد صوادر )
( سقى الله هاتيك المواطن والربى ... مواطر أجفان هوام هوامر )
( وحيا الحيا من ساكني الحي أوجها ... سفرن بأنوار زواه زواهر )
( بحيث زمان الوصل غض وروضة ... أريض بأزهار بواه بواهر )
( وحيث جفون الحاسدين غضيضة ... رمقن بآماق سواه سواهر )
ثم حاولت خاطري الكليل فيما يشفي بعض الغليل فقال على طريق التضمين وقد غلب عليه الشوق والتخمين
( بأبي من أودعوا مذ ودعوا ... قلبي الشوق وللعيس ذميل
جيرة غر كرام خيرة ... كل شيء منهم يبدو جميل )
( وعلى الجملة ما لي غيرهم ... لو أرادو ان يملوا أو يميلوا )
ثم قلت وقد سدد التنائي إلي نبله موطئا للبيت الثالث كما في الأبيات قبله حذف

والشمس قد شدت مطي رحالها في حيث تنساب المياه أراقما وتعيرك الأفياء برد ظلالها وله [ الكامل ] لله حسن حديقة بسطت لنا منها النفوس سوالف ومعاطف تختال في حلل الربيع وحليه ومن الربيع قلائد ومطارف وصف المتنزهات من ترجمة ابن عمار 150 وصف المتنزهات من ترجمة ابن عمار وقال الفتح في ترجمة ابن عمار أخبرني ذو الوزارتين الأجل أبو المطرف بن عبد العزيز أنه حضر معه عند المؤتمن في يوم جادت فيه السماء بهطلها وأتبعت وبلها بطلها وأعقب رعدها برقها وانسكب دراكا ودقها والأزهار قد تجلت من كمامها وتحلت بدر غمامها والأشجار قد جلي صداها وتوشحت بنداها وأكؤس الراح كأنها كواكب تتوقد تديرها أنامل تكاد من اللطافة تعقد إذا بفتى من فتيان المؤتمن أخرس لا يفصح

( يا دمشقا حياك غيث غزير ... ووقاك الإله مما يضير )
( حسنك الفرد والبدائع جمع ... متناه فيه فعز النظير )
( أين أيامنا بظلك والشمل ... جميع والعيش غض نضير )
ثم أكثرت الالتفات عن اليمين وعن الشمال وقد شبهت البيداء والشوق ببدل الكل والاشتمال وتنسمت من نواحي تلك الأرجاء أريج الشمال وضمنت في المعنى قول بعض من ثنى الحب عطفه وأمال
( تنسمت أرواحا سرت من ديار من ... بهم كان جمع الشمل لمحة حالم )
( وجاوبت من يلحى على ذاك جاهلا ... بقول لبيب بالعواقب عالم )
( وما أنشق الأرواح إلا لأنها ... تمر على تلك الربى والمعالم )
وما أحسن قول الآخر
( سرت من نواحي الشام لي نسمة الصبا ... وقد أصبحت حسرى من السير ظالعة )
( ومن عرق مبلولة الجيب بالندى ... ومن تعب أنفاسها متتابعة )
وقلت أنا
( حمدت وحق الله للشام رحلة ... أتاحت لعيني اجتلاء محياه )
( وبعد التنائي صرت أرتاح للصبا ... لأن الصبا تسري بعاطر رياه )
( فلله عهد قد أتاح بجلق ... سرورا فحياها الإله وحياه )
واستحضرت عند جد السير قول صفوان بن

فيه الحميا وشبت غرامه بهجة ذلك المحيا واستنزلته سورة العقار من مرقب الوقار قال [ الكامل ] وهويته يسقي المدام كأنه قمر يدور بكوكب في مجلس متأرج الحركات تندى ريحه كالغصن هزته الصبا بتنفس يسعى بكأس في أنامل سوسن ويدير أخرى من محاجر نرجس يا حامل السيف الطويل نجاده ومصرف الفرس القصير المحبس إياك بادرة الوغى من فارس خشن القناع على عذار أملس جهم وإن حسر اللثام فإنما كشف الظلام عن النهار المشمس يطغى ويلعب في دلال عذاره كالمهر يمرح في اللجام المجرس سلم فقد قصف القنا غصن النقا وسطا بليث الغاب ظبي المكنس عنا بكاسك قد كفتنا مقلة حوراء قائمة بسكر المجلس

( أين أيامنا اللواتي تقضت ... إذ زجرنا للوصل أيمن طير )
ثم قول غيره ممن حن وأن وقلق قلبه وما اطمأن :
( أحن إلى مشاهد أنس إلفي ... وعهدي من زيارته قريب )
( وكنت أظن قرب العهد يطفي ... لهيب الشوق فازداد اللهيب )
وربما تجلدت مغالطا متعللا بقول من كان لإلفه مخالطا :
( حضرت فكنت في بصري مقيما ... وغبت فكنت في وسط الفؤاد )
( وما شطت بنا دار ولكن ... نقلت من السواد إلى السواد )
وقوله غيره
وكن كما شئت من قرب وبعد ... فالقلب يرعاك إن لم يرعك البصر )
وبقول الوداعي
( يا عاذلي في وحدتي بعدهم ... وأن ربعي ما به من جليس )
( وكيف يشكو وحدة من له ... دمع حميم وأنين أنيس )
ثم رددت هذه الطريقة بقول بعض من لم يبلغه السلو ريقه
( لا رعى الله عزمة ضمنت لي ... سلوة القلب والتبصر عنهم )
( ما وفت غير ساعة ثم عادت ... مثل قلبي تقول لا بد منهم )
وبقول ابن آجروم في مثل هذا الغرض المروم
( يا غائبا كان أنسي رهن طلعته ... كيف اصطباري وقد كابدت بينهما )

على لبه وبث سراياه في ضواحي قلبه جد في أن يستخرج تلك الدرة من ماء ذلك الدلاص وأن يجلي عنه سهكه كما يجلي الخبث عن الخلاص وأن يكون هو الساقي فأمره المؤتمن بقبول أمره وامتثاله واحتذاء مثاله فحين ظهرت تلك الشمس من حجبها ورميت شياطين النفوس من كميت المدام بشهبها ارتجل ابن عمار وهويته - الخ إلا أنه قال إثر قوله

( دعواي أنك في قلبي يعارضها ... شوقي إليك فكيف الجمع بينهما )
ثم جد بي السير إلى مصر واستمر فتذكرت قول الصفدي وقد اشتد بالرمل الحر
( أقول وحر الرمل قد زاد وقده ... وما لي إلى شم النسيم سبيل )
( أظن نسيم الجو قد مات وانقضى ... فعهدي به في الشام وهو عليل )
وقول ابن الخياط
( قصدت مصرا من ربى جلق ... بهمة تجري بتجريبي )
( فلم أر الطرة حتى جرت ... دموع عيني بالمريزيب )
وحين وصلت مصر لم أنس عهد الشام المرعي وأنشدت قول الشهاب الحنبلي الزرعي
( أحبتنا والله مذ غبت عنكم ... سهادي سميري والمدامع مدرار )
( ووالله ما اخترت الفراق وإنه ... برغمي ولي في ذلك الأمر أعذار )
( إذا شام برق الشام طرفي تتابعت ... سحائب جفني والفؤاد به نار )
( ألا ليت شعري هل يعودن شملنا

مخصب لما سألت به الغمام الممطرا من لا توازنه الجبال إذا احتبى من لا تسابقه الرياح إذا جرى ماض وصدر الرمح يكهم والظبا تنبو وأيدي الخيل تعثر في الثرى

وقول ابن عنين
( دمشق بنا شوق إليك مبرح ... وإن لج واش أو ألح عذول )
( بلاد بها الحصباء در وتربها ... عبير وأنفاس الرياح شمول )
( تسلسل منها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الروض وهو عليل )
وقول آخر
( نفسي الفداء لأنس كنت أعهده ... وطيب عيش تقضى كله كرم )
( وجيرة كان لي إلف بوصلهم ... والأنس أفضل ما بالوصل يغتنم )
( بالشام خلفتهم ثم انصرفت إلى ... سواهم فاعتراني بعدهم ألم )
( كانوا نعيم فؤادي والحياة له ... والآن كل وجود بعدهم عدم )
فإن أنشد لسان الحال فيما اقتضاه معنى البعد عنها والارتحال
( يا غائبا قد كنت أحسب قلبه ... بسوى دمشق وأهلها لا يعلق )
( إن كان صدك نيل مصر عنهم ... لا غرو فهو لنا العدو الأزرق )
أتيت في جوابه بقول بعض من برح الجوى به
( لله دهر جمعنا شمل لذته ... بالشام أعذب من أمن على فرق )
( مرت لياليه والأيام في خلس ... كأنما سلبته كف مسترق )
( ما كان أحسنها لولا تنقلها ... من النعيم إلى ذاك من الحرق )
( رق العذول لحالي بعدها ورثى ... لي في الجوى والنوى والشجو والأرق

فلقد وجدت نسيم برك أعطرا وصف المتنزهات من ترجمة ابن وهبون 154 وصف المتنزهات

وبالجملة فتلك الأيام من مواسم العمر محسوبة والسعود إلى طوالها منسوبة
( وكانت في دمشق لنا ليال ... سرقناهن من ريب الزمان )
( جعلناهن تاريخ الليالي ... وعنوان المسرة والأماني )
وهي مغاني التهاني التي ما نسيناها وأماني زماني التي نعمت بطور سيناها عليها وعلى وطني مقصورة والقلب في المعنى مقيم بهما وإن كان في غيرهما بالصورة والأشواق إليهما قضاياها موجهة وإن كانت غير محصورة
( ولله عهد قد تقضى فإن يعد ... فإني عن الأيام أعفو واصفح )
( بقلبي من ذكراه ما ليس ينقضي ... ومن برحاء الشوق ما ليس يبرح )
( إذا مسحت كفي الدموع تسترا ... بدت زفرة بين الجوانح تقدح )
( فإن جمعت شملي الليالي بقربهم ... تجمع غيلان ومي وصيدح )
( على أنها الأيام جد مزاحها ... ورب مجد في الأذى وهو يمزح )
وكثيرا ما يلهج اللسان بقول من قال
( وما تفضل الأوقات أخرى لذاتها ... ولكن أوقات الحسان حسان )
ويردد قول من شوقه متجدد :
( سقى معهد الأحباب ناقع صيب ... من المزن عن مغناه ليس يريم )
( وإن لم أكن من ساكنيه فإنه ... يحل به خل علي كريم )
وينشد من يلوم قول من في حشاه وله وفي قلبه كلوم
( قد أصبح آخر الهوى أوله ... فالعاذل في هواك ما لي وله )
( بالله عليك خل ما أوله ... وارحم

تفتحت للروض أبوابه وتوشحت بالأزر الذهبية أثوابه يخترقه جدول كالحسام المسلول وينساب فيه انسياب الأيم في الطلول وضفاته بالأدواح محفوفة والمجلس يروق كالخريدة المزفوفة وفيه يقول علي بن أحمد أحد شعرائها وقد حله مع طائفة من وزرائها [ المنسرح ] قم فاسقني والرياض لابسة وشيا من النور حاكه القطر في مجلس كالسماء لاح به من وجه من قد هويته بدر والشمس قد عصفرت غلائلها والأرض تندى ثيابها الخضر والنهر مثل المجر حف به من الندامى كواكب زهر فحللت ذلك المجلس وفيه أخدان كأنهم الولدان وهم في عيش لدن كأنهم في جنة عدن فأنخت لديهم ركائبي وعقلتها وتقلدت بهم رغائبي واعتقلتها وأقمنا نتنعم بحسنه طول ذلك اليوم ووافى الليل فذدنا عن الجفون طروق النوم وظللنا بليلة كأن الصبح منها مقدود والأغصان تميس كأنها قدود والمجرة تتراءى نهرا والكواكب تخالها في الجو زهرا والثريا كأنها راحة تشير وعطارد لنا بالطرب بشير فلما كان من الغد وافيت الرئيس أبا عبد الرحمن زائرا فأفضنا في الحديث إلى أن أفضى بنا إلى ذكر

شروعه في التصنيف بمصر
وقد امتد بنا الكلام وربما يجعله اللاحي ذريعة لزيادة الملام فلنرجع إلى ما كنا بصدده من إجابة المولى الشاهيني أمده الله سبحانه بمدده فأقول مستمدا من واهب العقول
إني شرعت بعد الاستقرار بمصر في المطلوب وكتبت منه نبذة تستحسنها من المحبين الأسماع والقلوب وسلكت في ترتيبه أحسن أسلوب وعرضت في سوقه كل نفيس غريب من الغرب إلى الشرق مجلوب تستحسن الأبصار ما عليه احتوى وتعرف الأفكار أنه غير مجتوى ثم وقف بي مركب العزم عن التمام واستوى فأخرته تأخير الغريم لدين الكريم وصدتني أعراض عن تكميل ما يشتمل عليه من أغراض وأضربت برهة عما له من منحي لاختلاف أحوال الدهر نفعا ودفعا ومنعا ومنحا ومرقت عن هدف الإصابة نبال وطرقت في سدف ليالي الكتابة أمور لم تكن تخطر ببال
رسالة من ابن شاهين تحثه على المضي في التأليف
فجاءتني من المولى المذكور آنفا رسالة دلت على أنه لم يكن عن انتجاز الوعد متجانفا فعدت لقضاء الوطر مستقبلا وللجملة مستأنفا وحداني خطابه الجسيم للإتمام وساقني وراقني كتابه الكريم لهاتيك الأيام وشاقني وذكرني تلك الليالي التي لم أنسها وحركني لهاتيك المعاهد التي لم أزل أذكر أنسها
( الإلف لا يصبر عن إلفه ... إلا كما

وقت حلت فيه الشمس برج شرفها واكتسب فيه الأرض بزخرفها فحللت به والدوح تميس معاطفه والنور يخجله قاطفه والمدام تطلع به وتغرب وقد حل فيه قحطان ويعرب وبين يدي المنصور مائة غلام ما يزيد أحدهم على العشر غير أربع ولا يحل غير الفؤاد من مربع وهم يديرون رحيقا خلتها في كأسها درا أو عقيقا فأقمنا والشهب تغازلنا وكأن الأفلاك منازلنا ووهب المنصور في ذلك اليوم ما يزيد على عشرين ألفا من صلات متصلات وأقطع ضياعا ثم توجع لذلك العهد وأفصح ما بين ضلوعه من الوجد وقال [ الكامل ] سقيا لمنزلة اللوى وكثيبها إذ لا أرى زمنا كأزماني بها كتاب من الفتح إلى بعض الملوك يصف متنزها 155 كتاب من الفتح إلى بعض الملوك يصف متنزها وما أحسن ما كتب به الفتح إلى بعض الملوك يصف نزهة ببعض منتزهات الأندلس المونقة ويذكر استضاءته فيها بشموس المسرة المشرقة وهو أطال الله سبحانه بقاء ناصر الدولة ومحيي الملة الذي حسن بلقياه العيش وتزين بمحياه الجيش وراق باسمه الملك وجرت بسعده الفلك وأنار به الليل الدامس ولاح له الأثر الطامس وجرى الدهر لسطوته خائفا وغدا السعد بعقوته طائفا والزمان ببرود علياه ملتحف ولثغور نداه

فيا له من كتاب أعرب عن ود صميم وذكر بعهد غير ذميم وود طيب العرف والشميم يخجل ابن المعتز لبلاغته وابن المعز تميم
( ولم تر عيناي من قبله ... كتابا حوى بعض ما قد حوى )
( كأن المباسم ميماته
ولاماته الصدغ لما التوى )
( وأعينه بعيون الحسان ... تغازلنا عند ذكر الهوى )
( كتاب ذكرنا بألفاظه ... عهودا زكت بالحمى واللوى )
فكأنه الروض المطرد الأنهار والدوح المدبج الأزهار
( رأينا به روضا تدبج وشيه ... إذا جاد من تلك الأيادي غمائم )
( به ألفات كالغصون وقد علا ... عليها من الهمز المطل حمائم )
وقد سيقت بأنهار البراعة السلسالة حدائق حلت بها غانية تلك الرسالة لتشفي صبها بالزيارة وتشرف بدنوها دياره
( زارت الصب في ليال من البعد ... فلما دنت رأى الصبح يلمح )
( قلدت بالعقيان جيد بيان ... ليس فيه للفتح من بعد مطمح )
فشفت النفس من آلامها وأحيت ميت الهوى مذ حيت بعذب كلامها
( كلام كالجواهر حين يبدو ... وكالند المعنبر إذ يفوح )
( له في ظاهر الألفاظ جسم ... ولكن المعاني فيه روح حذف

فلا بد أن أرسل كتائبه أفواجا وأفيض من بحره أمواجا وأصف ما شاهدته من اقتداره وعاينته من حسن إيراده وإصداره بمقال أفصح من شكوى المحزون وأملح من رياض الحزون وقد كنت أيدكم الله تعالى كلفا بالدول وبهائها لهجا بالبلوغ إلى انتهائها لأجد دولة أرتضيها وحظوة علياء أقتضيها فكل ملك فاوضته سرا وجهرا وكل ملك قلبته بطنا وظهرا والنفس تصد عنه صدود الجبان عن الحرب والملائكة الكرام عن الشرب إلى أن حصلت لديه ووصلت بين يديه فقلت الآن أمكن من راح البغية الانتشاء وتمثلت الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء [ فاطر الآية 34 الزمر 74 ] وما زلت أسايره حيث سار وآخذ اليمين تارة وتارة اليسار وكل ناحية تسفر لي عن خد روض أزهر وعذار نبت أخضر وتبسم عن ثغر حباب في نهر كالحباب وترفل من الربيع في ملابس سندسيات وتهدي إلينا نوافح مسكيات وتزهى بهجتها بأحسن منظر وتتيه بجلباب أينع من برد الشباب الأنضر فجلنا فيها يمينا وشمالا واستخبرنا عن أسرارها صبا وشمالا ثم مال بنا أيده الله تعالى عن هذه المسارح السنية والمنازل البهية إلى إحدى ضياعه الحالية وبقاعه العالية فحللناها والأيم قد عري من جلبابه واليوم قد اكتهل بعد شبابه فنزلنا في قصور يقصر عنها جعفري

فصيرت لي ذلك الكتاب سميرا ووردت من السرور مشرعا نميرا وتمثلت بقول بعض من أخلص في الود ضميرا
( يا مفردا أهدى إلى كتابه ... جملا يحار الذهن في أثنائها )
( كالدر أشرق في سموط عقوده ... والزهر والأنوار غب سمائها )
( فأفادني جذلا وبالي كاسد ... وأجار نفسي من جوى برحائها )
( وحسبت أيام الشباب رجعن لي ... فليست حلي جمالها وبهائها )
( لا يعدم الإخوان منك محاسنا ... كل المفاخر قطرة من مائها )
فأكرم به من كتاب جاء من السري العلي والماجد الأخ الولي
( فضضت ختامه فتبينت لي ... معانيه عن الخبر الجلي )
( وكان ألذ في عيني وأندى ... على كبدي من الزهر الجني )
( وضمن صدره ما لم تضمن ... صدور الغانيات من الحلي )
وأعرب عن اعتماد متماد ووداد مزداد وأطاب حين أطال وأدى دين الفصاحة دون مطال واشتمل من فصول العبارة على أحسن من الحدق المراض وأتى من أصول البراعة ببراهين ابن شاهين التي لا خلف فيها ولا افتراض وروينا من غيث أنامه الهتون وروينا عنه مسند أحمد حسن الأسانيد والمتون وحثنا على العود والرجوع وكان أجدى من الماء الزلال لذي ظمإ والمشتهى من الطعام لذي سغب وجوع حذف 1

بردا محبرا وتبدي من شذاها مسكا وعنبرا وقد لاحت من جوانبها نجوم أكواس لو رآها أبو نواس لجعلها شعاره ووقف على نعتها أشعاره ولم يتخذ سواها نجعة ولا نبه خماره بعد هجعة فتعاطيناها والسعد لنا خادم وما غير السرور

( واشهى في القلوب من الأماني ... وأحلى في العيون من الهجوع )
وجلا بنوره ظلام استيحاشي وحشر إلي أشتات المسرات دون أن يحاشي ووجدني في مكابدة شعوب وأشغال أشربت القلب الكسل واللغوب وحيرت الخواطر وصيرت سحب الأقلام غير مواطر فزحزح عني الغموم وسلاني وأولاني شكر الله صنيعه من المسرات ما أولاني
( حديثه أو حديث عنه يطربني ... هذا إذا غاب أو هذا إذا حضرا )
( كلاهما حسن عندي أسر به ... لكن أحلاهما ما وافق النظرا )
وقال آخر
( لست مستأنسا بشيء إذا غبت ... سوى ذكرك الذي لا يغيب )
( أنت دون الجلاس عندي وإن كنت ... بعيدا فالأنس منك قريب )
وضمنت فيه لما ورد مع جملة كتب من تلك الناحية وأنوار أهلها ذوي الفضائل الشهيرة أظهر من شمس الظهيرة في السماء الصاحية
( قلت لما أتت من الشام كتب ... من أجلاء نورهم يتألق )
( مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا ... بعيون رأت محاسن جلق )
وقلت ايضا
( قلت لما وافت من الشام كتب ... والليالي تتيح قربا وبعدا

يخاطب ابن عمار وقد توجه إليها [ الطويل ] ألا حي أوطاني بشلب أبا بكر وسلهن هل عهد الوصال كما أدري وسلم على قصر الشراجيب من فتى له أبدا شوق إلى ذلك القصر وقصر الشراجيب هذا متناه في البهاء والإشراق مباه لزوراء العراق ركضت فيه جياد راحاته وأومضت بروق أمانيه في ساحاته وجرى الدهر مطيعا بين بكره وروحاته أيام لم تحل عنه تمائمه ولا خلت من أزاهير

مقتطفات من رسالة ابن شاهين
وكان من فصول الكتاب الوارد من المولى الشاهيني الذي اقتنص بفضله كل شارد ما نصه ومما استخلص قلبي من يدي ترحي وجدد سروري ونبه فرحي حديث الكتاب وما حديث الكتاب حديث نسخ بحلاوته مرارة العتاب وأنساني حرارة المصاب في الأنسال والأعقاب وقضى به من حق لسان الدين دينه الذي تبرع به غريم مليء من البلاغة وهو غير مدين حتى كأني يا سيدي بهذه البشرى أحرزت سواري كسرى وكان في مسمعي كل حرف إليها منسوب قميص يوسف في أجفان يعقوب وحتى كدت أهجر أهلي وبيتي وأسرج لاستقبال هذه البشرى أشهبي وكميتي وحتى إنني حاربت نومي وقومي وعزمت على أن أرحل ناقتي في وقتي ويومي وإن ذلك التغليس والتهجير في جنب ما بشرت به لحقير وإن موقعها لدى هذا العبد الحقير لخطير وقد كنت سألت شيخي حين ورد دمشق الشام واشتم منها العرار والبشام وشرفني فعرفني وشاهدني فعاهدني على أن يجري ما دار بيننا لدى المجاورة من المسامرة والمحاورة في ديباجة ذلك الكتاب الذي فتن العقول خبره وسحر الألباب وما قصدت إلا أن يجري اسمي على قلمه ويرقم رسمي في مطاوي تحريره ورقمه ويكون ذكرى مختلطا بذكره كما أن سري مرتبط في المحبة بسره فرايت شيخي لم يتصد في أثناء هذه البشرى لما يفهمني بالذكرى لأنتظر النجاح في الأخرى ولم يساعدني على ذلك المتلمس وحبس عنان القلم فاحتبس فانكسرت سورة سروري بفتوري وتبين لنفسي عن بلوغ ذلك الأمل تخلفي وقصوري انتهى
ثم قال

شفاء فؤاد معل ويورق للعز غصن ذوى ويطلع للسعد نجم أفل فقد وعدتني سحاب الرضا بوابلها حين جادت بطل أيا ملكا أمره نافذ فمن شا أعز ومن شا أذل دعوت فطار بقلبي السرور إليك وإن كان منك الوجل كما يستطيرك حب الوغى إليها وفيها الظبا والأسل فلا غرو إن كان منك اغتفار وإن كان منا جميعا زلل

وحسبت أن سيدي وحاشاه نسي من ليس ينساه وظننت به الظنون لأمور تكون أولا تكون وهل يكره شيخي أن يهدى الدنيا في طبق ثم الأخرى على ذلك النسق ولا شك أن خطه هو الروضة الغنا لا بل جنة المأوى فطوبى لنفسي إن جنيت ثمرته طوبى ولعمر شخي إني بذلك لجدير وإني كنت أملك به الخورنق والسدير انتهى ما يتعلق بالمطلوب من ذلك الرقيم الذي شكل منطفه غير عقيم سلك الله تعالى بي وبمن وجهه الصراط المستقيم
وأتى في المكتوب بأنواع من البلاعة مما تركت ذكره هنا لعدم تعلقه بهذا الأمر الخاص الذي ييسر لكارع الأدب مساغه وختمه بقصيده نفيسة من نظمه يستنجز فيها ذلك الوعد وأشهد أنه قد حاز فيها قصب السبق والمجد وما قلت إلا بالذي علمت سعد وهذه صورتها
( يا سيدا أفديه بالأكثر ... من أصغر العالم والأكبر )
( ويا وحيدا قل قولي له ... عطارد أنت مع المشتري )
( ويا مجيدا ليس عندي له ... إلا مقال المادح المكثر )
( أقسمت بالبيت العتيق الذي ... حجت إليه الناس والمشعر )
( ما للعلا والعلم إلا ابو العباس ... شيخي أحمد المقري )
( ذاك الذي آثرني منه بالعلم ... الذي للغير لم يؤثر )
( وخصني منه بأشياء لم ... يفز بها غيري ولم يعثر )
( فرحت عبدا اذا وفاء له ... معترفا بالرق لا أمتري ) حذف

حضور نديك فيمن حضر ولا مطلعي وسط تلك السما ء بين النجوم وبين القمر

( فيا أبا العباس يا من غدا ... أعظم في نفسي من معشري )
( ومن إذا ما غاب عن ناظري ... كان سمير القلب للمحضر )
( هات أفدني سيدي عن علا المولى ... لسان الدين ذاك السري )
( ذاك الوحيد الفذ في عصره ... بل أوحد الأدهر والأعصر )
( ذاك الذي أخبرني سيدي ... عنه مزايا بعد لم تحصر )
( ذاك الذي العيوق لا يعتلي ... إلى معاليه ولا يجتري )
( ما قد وعدت العبد في جمعه ... من خبر عن فضله مسفر )
( بخطك الوضاح وهو الذي ... مخبره يربي على المنظر )
( والشيء لا يرجى إذا ما غدا ... منظره يربي على المخبر )
( نقش على طرس بياض كما ... لاحت عيون الرشإ الأحور )
( وأسطر قد سلسلت مثلما ... لاح عذار الشادن المقمر )
( ونزهة الأنفس معنى غدا ... ما بينها ينساب كالكوثر )
( عذب رقيق مثل ظبي إذا ... يلوح طاوي الكشح أو جؤذر )
( آثار أقلامك وهي التي ... أغنت عن الأبيض والأسمر )
( يراعك الجامع راو غدا ... يروي اللغي عن لفظك الجوهري )
( ينثر مسكا تارة ناظما ... وينظم الجوهر بالعنبر )
( هذا ابن شاهين الفتى أحمد ... عن ذكرك المأنوس لم يفتر )
( فاجعل له ذكرا كريما به ... يزدان مغبوطا إلى المحشر )
( واذكر بويتاتي وكل الذي ... كتبته نحوك ف يدفتري )
( أنت جدير بمديحي فكن ... ذاكر عبد بالوفا أجدر )
( وهاكها سيارة أعنقت ... على جواد كان للبحتري ) حذف

فلقي ابن خيرون منتظرا له وقد أعد لحلوله منزله فسار إلى مجلس قد ابتسمت ثغور نواره وخجلت خدود ورده من زواره وأبدت صدور أباريقه أسرارها وضمت عليه المحاسن أزرارها ولما حضر له وقت الأنس وحينه وأرجت له رياحينه وجه من يرقب المتوكل حتى يقوم جليسه ويزول موحشه لا أنيسه فأقام رسوله وهو بمكانه لا يريمه قد لازمه كأنه غريمه فما انفصل حتى ظن أن عارض الليل قد نصل فلما علم أبو محمد بانفصاله بعث إلى المتوكل قطيع راح وطبق ورد وكتب معهما [ الرجز ] إليكها فاجتلها منيرة وقد خبا حتى الشهاب الثاقب واقفة بالباب لم يؤذن لها إلا وقد كاد ينام الحاجب فبعضها من المخاف جامد وبعضها من الحياء ذائب فقبلها منه رحمه الله تعالى وعفا عنه وكتب إليه [ الرجز ] قد وصلت تلك التي زففتها بكرا وقد شابت لها ذوائب فهب حتى نسترد ذاهبا من أنسنا إن استرد ذاهب فركب إليه ونقل معه ما كان بالمجلس بين يديه وباتا ليلتهما لا يريمان السهر ولا يشيمان برقا إلا الكاس والزهر ثم قال بعد كلام وأخبرني الوزير الفقيه أبو أيوب بن أبي أمية أنه مر

( طرف كريم سابق صافن ... مطهم ذي أدب وأوفر )
( ورثته منه ولكنما ... من شاعر وافى إلى أشعر )
( ما للفتى الطائي شوط امرىء ... يصطاد نسر الجو بالمنسر )
( واسلم لعبد لا يرى سيدا ... سوى الذي في ثوبك الأطهر )
( في كرم العنصر فردا غدا ... طبعك فاشكر كرم العنصر )
( ما حن مشتاق أخو صبوة ... إلى خليل في الهوى مفكر )

تهمم المؤلف لاستئناف التصنيف )
فلما وصلني هذا الخطاب الذي ملأ من الفصاحة الوطاب وحلا في عيني وقلبي وطاب تحركت دواعي الوجد لذلك المجد الذي ولعت به ولوع ابن الدمينة بصبا نجد وأثار من الهيام والأوار ما يزيد على ما حصل للفرزدق لما فارق النوار وتضاعف الشوق إلى تلك الأنجاد والأغوار منشدا قول الأول لعل أبي المغوار وتذكرت والذكرى شجون وأطوار تلك الأضواء والأنوار المشرقة بقطر أزهر بالمحاسن وجرى نهره غير آسن فلم يذم فيه الجوار
( وإن اصطباري عن معاهد جلق ... غريب فما اجفى الفراق وأجفاني )
( سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها ... كحلت بها من شدة الشوق أجفاني )
وحصل التصميم على التكميل

والتنعم ببنفسجه وبهاره فلما حصل من أنسه في وسط المدى عمد إلى ورقة كرنب قد بللها الندى وكتب فيها بطرف غصن ناعم يستدعي الوزير أبا طالب بن غانم أحد ندمائه ونجوم سمائه [ البسيط ] أقبل أبا طالب إلينا وقع وقوع الندى علينا فنحن عقد بغير وسطى ما لم تكن حاضرا لدينا وصف المتنزهات من ترجمة ابن رزين 161 وصف المتنزهات من ترجمة ابن رزين وقال في ترجمة ابن رزين ما ملخصه أخبرني الوزير أبو عامر بن سنون أنه اصطبح يوما والجو سماكي العوارف لازوردي المطارف والروض أنيقة لباته رقيقة هباته والنور مبتل والنسيم معتل ومعه قومه وقد راقهم يومه وصلاته تصافح معتفيهم ومبراته تشافه موافيهم والراح تشعشع وماء الأماني ينشع فكتب إلى ابن عمار وهو ضيفه [ الطويل ] ضمان على الأيام أن أبلغ المنى إذا كنت في ودي مسرا ومعلنا فلو تسأل الأيام من هو مفرد بود ابن عمار لقلت لها أنا فإن حالت الأيام بيني وبينه فكيف يطيب العيش أو يحصل المنى فلما وصلت الرقعة إليه تأخر عن الوصول واعتذر بعذر مختل المعاني

أفاض الله تعالى عليه غيث البر العميم وأبقى ظل عزه ممدودا وخلى سؤدده مودودا وأناله من الخيرات ما ليس محصورا ولا معدودا وجمعني وإياه وأطلع لي بشر محياه وأنشقني عرف اجتماعه ورياه وكيف لا أستديم أمد بقياه واعتقد البشائر في لقياه واسقي غروس الود بسقياه وهو الصدر الذي أصفى لي الوداد والركن الذي لي بثبوته اعتداد
( فعليه من مصفي هواه تحية ... كالمسك لما فض عنه ختام )
( تترى بساحته السنية ما دعت ... فوق الغصون هديلهن حمام )
ودامت فضائله ظاهرة كالشمس محروسة بالسبع المثاني معوذة بالخمس
( ولا انفك ما يرجوه أقرب من غد ... ولا زال ما يخشاه أبعد من أمس )
وبقي من العناية في حرم أمين آمين
ولما حصل لي كمال الاغتباط بما دل على صحة حال الارتباط نشرت بساط الانبساط وحدثت لي قوة النشاط وانقشعت عني سحائب الكسل وانجابت وناديت فكرتي فلبت مع ضعفها وأجابت فاقتدحت من القريحة زيدا كان شحاحا وجمعت من مقيداتي حسانا وصحاحا وكنت كتبت شطره وملأت بما تيسر هامشه وسطره ورقمت من أنباء لسان الدين ابن الخطيب حللا لا تخلق جدتها الأعصر وسلكت من التعريف به رحمه الله مهامه تكل فيها واسعات الخطا وتقصر فحدث لي بعد ذلك عزم على زيادة ذكر الأندلس جملة ومن كان يعضد بها الإسلام وينصر وبعض مفاخرها الباسقة ومآثر أهلها المتناسقة لأن كل ذلك لا يستوفيه

فرأى أن الوصول بلا جواب إخجال لأدبه وإخلال لمنازله في الشعر ورتبه فلما كان من الغد ورد ابن عمار ومعه الجواب وهو [ الطويل ] هصرت لي الآمال طيبة الجنى وسوغتني الأحوال مقبلة الدنى وألبستني النعمى أغض من الندى وأجمل من وشي الربيع وأحسنا وكم ليلة أحظيتني بحضورها فبت سميرا للسناء وللسنا أعلل نفسي بالمكارم والعلا وأذني وكفي بالغناء وبالغنى سأقرن بالتمويل ذكرك كلما تعاورت الأسماء غيرك والكنى لأوسعتني قولا وطولا كلاهما يطوق أعناقا ويخرس ألسنا وشرفتني من قطعة الروض بالتي تناثر فيها الطبع وردا وسوسنا تروق بجيد الملك عقدا مرصعا وتزهو على عطفيه بردا مزينا فدم هكذا يا فارس الدست والوغى لتطعن طورا بالكلام وبالقنا وأخبرني الوزير أبو جعفر بن سعدون أنه اصطبح يوما بحضرته وللرذاذ رش وللربيع على وجه الأرض فرش وقد صقل الغمام الأزهار حتى أذهب نمشها وسقاها فأروى عطشها فكتب إليه [ الطويل ] فديناك لا يسطيعك النظم والنثر فأنت مليك الأرض وانفصل الأمر

من النظم والنثر بنبذة توضح للطالب سبله وتظهر علمه ونبله وتترع محاسنه من راح المذاكرة وإناءه حتى يرى إيثار هذا المصنف وإدناءه وكنت في المغرب وظلال الشباب ضافية وسماء الأفكار من قزع الأكدار صافية معتنيا بالفحص عن أنباء الأندلس وأخبار أهلها التي تنشرح لها الصدور والأنفس وما لهم من السبق في ميدان العلوم والتقدم في جهاد العدو الظلوم ومحاسن بلادهم ومواطن جدالهم وجلادهم حتى اقتنيت منها ذخائر يرغب فيها الأفاضل الأخاير وانتقيت جواهر فرائدها للعقول بواهر واقتطفت أزاهر أنجمها في افق المحاضرة زواهر وحصلت فوائد بواطن وظواهر طالما كانت أعين الألباء لنيلها سواهر وجمعت من ذلك كلما عالية لو خاطب بها الداعي صم الجلامد لا نبجس حجرها وحكما غالية لو عامل بها الأيام ربح متجرها وأسجاعا تهتز لها الأعطاف ومواعظ يعمل بمقتضاها من حفت به الألطاف وقوافي موفورة القوادم والخوافي يثني عليها من سلم من الغباوة والصمم ويعترف ببراعتها من لا يعتريه اللمم وطالما أعرض الجاهل الغمر بوجهه عن مثلها وأشاح وأنصت لها الحبر إنصات السوار لجرس الحلي ونغم الوشاح وفرح إن ظفر بشيء منها فرح الصائد بالقنيص والساري العاري ذي البطن الخميص بالزاد والقميص وتركت الجميع بالمغرب ولم أستصحب معي منه ما يبين عن المقصود ويعرب إلا نزرا يسيرا علق بحفظي وحليت بجواهره جيد لفظي وبعض أوراق سعد في جواب السؤال بها حظي ولو حضرني الآن ما خلفته مما جمعت في ذلك الغرض وألفته لقرت به عيون وسرت ألباب إذ هو والله الغاية في

إيناسهم فقال ذو الرياستين [ الطويل ] وروض كساه الطل وشيا مجددا فأضحى مقيما للنفوس ومقعدا إذا صافحته الريح خلت غصونه رواقص في خضر من القضب ميدا إذا ما انسكاب الماء عاينت خلته وقد كسرته راحة الريح مبردا وإن سكنت عنه حسبت صفاءه حساما صقيلا صافي المتن جردا وغنت به ورق الحمائم بيننا غناء ينسيك الغريض ومعبدا فلا تجفون الدهر ما دام مسعدا ومد إلى ما قد حباك به يدا وخذها مداما من غزال كأنه إذا ما سقى بدر تحمل فرقدا إلى أن قال وأخبرني الوزير أبو عامر بن سنون أنه كان معه في منية العيون في يوم مطرز الأديم ومجلس معزز النديم والأنس يغازلهم

واستطاعته وعذر مثلي باد للمنصفين من العباد إن قصرت فيما تبصرت أو تخلفت في الذي تكلفت أو أضعت تحرير ما وضعت والتقمت ثدي التقصير ورضعت أو أطعت داعي التواني فتأخرت عمن سبق وانقطعت ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) ومن كانت بضاعته مزجاة فهو عن الإنصاف بمنجاة إذ أتى بالمقدور وتبرأ من الدعوى في الورود والصدور وعين الرضا عن كل عيب كليلة والسلامة من الملامة متعذرة أو قليلة وقد قال إمامنا مالك صاحب المناقب الجليلة كل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام صاحب هذا القبر أزكى صلاة وأتم سلام وشفى بجاهه من اللآلام قلوبنا العليلة وجعلنا ممن كان اتباع سنته رائدة ودليله آمين
والحمد لله الذي يسر لي هذا القدر مع ضيق الصدر وقلة بضاعتي وكثرة إضاعتي فإن حمده جل جلاله تتضوع به المطالب طيبا وتقضي ببركته المآرب فيرقى صاحبها على منبر القبول خطيبا وتعذب به المشارب فتنبت في أرض القرطاس من زاكي الغراس ما يروق منظرا نضيرا ويورق غصنا رطيبا وقد أتيت من المقال بما يقر إن شاء الله تعالى عين وامق وبرغم أنف قال وإن كنت ممن هو في ثوب العي رافل وعن نسبته للقصور غير غافل وممن جعل النفس هدفا وصير مكان الدر صدفا إذ لسان الدين بن الخطيب إمام هذه الفنون المحقق لذوي الآمال الظنون المستخرج من بحار البلاغة درها المكنون وله اليد الطولى في العلوم على اختلاف

بكر - يعني ابن عبد العزيز - إلى روضته التي ودت الشمس أن يكون منها طلوعها وتمنى المسك أن تنضم عليه ضلوعها والزمان غلام والعيش أحلام والدنيا تحية وسلام والناس قد انتشروا في جوانبه وقعدوا على مذانبه وفي ساقيته الكبرى دولاب يئن كناقة إثر حوار أو كثكلى من حر الأوار وكل مغرم يجعل فيه ارتياحه بكرته ورواحه ويغازل عليه حبيبه ويصرف إليه تشبيبه فخرجت عليه ليلة والمتنبي الجزيري واقف وأمامه ظبي آنس تهيم

( ناهيك من فرد أغر ممدح ... رحب الذرا حر الكلام محسد )
( بهر الأنام رياسة وسياسة ... وجلالة في المنتمى والقعدد )
( وأتى بكل بديعة في نوعها ... لم تخترع وغريبة لم تعهد )
( ما شئت من شعر أرق من الصبا ... وكتابة أزهى من الزهر الندي )
( وبديع قرطاس توشح متنه ... بمنمنم من رقمه ومنجد )
( بهج كأن الحسن حل أديمه ... فكساه ريعان الشباب الأغيد )
( وكأنما سار العذار عليه أو ... خطته أيدي الغانيات بإثمد )
( يختال بين موصل ومفصل ... ومطرز ومنظم ومنضد )
( كالبدر في توشيعه والسلك في ... ترصيعه والوشى نمق باليد )
( قد قيد الأبصار والأفكار ... من ألفاظه بمثقف ومقيد )
( ما فيه مغرز إصبع إلا وفيه ... نتيجة لمفرع ومولد )
( ولكل جزء حكمة أو ملحة ... أو بدعة لمرسل ومقصد )
( أوليس مثلي قاصرا عن وصفه ... والحق نور واضح للمهتدي )
وكما قلت وقد عجزت عن أداء الواجب وحاولت المسنون وفضل الله سبحانه على من يشاء من عباده لي بممنوع ولا ممنون
( ليت شعري أي العبارات توفي ... واجب اب الخطيب مما أروم )
( وأنا عاجز عن البعض منها ... لقصوري وما العيي ملوم )
( وهو يدعي لسان دين وناهيك ... افتخارا به تتم الرسوم )
( فبأي الحلى أحلى علا من ... نال فضلا روته عرب وروم
( وعلى الفرض ما الذي انتحى منه ... لدى الوصف أن يخص العموم )
( الحفظ

له ليلته في مشيده وأطربه الأنس ببسطيه ونشيده فقال [ الخفيف ] كل قصر بعد الدمشق يذم فيه طاب الجنى وفاح المشم منظر رائق وماء نمير وثرى عاطر وقصر أشم بت فيه والليل والفجر عندي عنبر أشهب ومسك أحم وعبر صاحب البدائع عن هذه القصة بقوله تنزه ابن عمار بالدمشق بقرطبة وهو قصر شيده خلفاء بني أمية وزخرفوه ودفعوا صرف الدهر

( أم لفهم يستخرج الدر غوصا ... من بحار يخشى بها من يعوم )
( أم لفكر مؤلف في فنون ... عدة ما به تداوى الكلوم )
( أم لنظم كأنه جوهر السلك ... ) غلا قدره على من يسوم )
( تتباهى به الصدور حليا ... وتروق العيون منه نجوم )
( أم لنثر وافى بسحر بيان ... فهو كالروح والمعاني جسوم )
( وأظلته للبديع سماء ... تتلالا في جانبيها العلوم )
( فاستزادت منه النفوس رشادا ... واستزانت منه النهى والحلوم )
( أم لخط منمنم فاق حسنا ... مثل وشي تلوح منه الرقوم )
( أو كزهر في بهجة وراء ... ناضر والمداد غيث سجوم )
( تلك ست أعجزن وصفي فإني بسواها مما يجل أقوم )
ولم يكن جمعي علم الله هذا التأليف لرفد أستهديه أو عرض نائل أستجديه بل لحق ود أؤديه ودين وعد أقومه وأبديه ووقوف عند حد لا يجوز تعديه وتلبية داع أحييه وأفديه
( إن من يرجو نوالا وندى ... من بني الدنيا لذو حظ غبين )
( فلقد كان على غير الهدى ... من يسويهم برب العالمين )
( ويرجي منهم الرزق فهل ... خالق الكل فقير أو ضنين )
( أنخلي قصد رب مالك ... ونرى للخلق جهلا قاصدين )
( ما لنا من مخلص نأتي به ... غير جاه المصطفى الهادي الأمين )
( سيد الخلق العماد المترجى ... للملمات شفيع المذنبين )
( فعليه صلوات

أخيه وابن اليسع غائب عنها في عشية تجود بدمائها ويصوب عليها دمع سمائها والبطحاء قد خلع عليها سندسها ودرها نرجسها والشمس تنفض على الربا زعفرانها والأنوار تغمض أجفانها فكتب إلى ابن اليسع [ البسيط ]

( والرضى من بعد عن أربعة ... هم بحق أمراء المؤمنين )
( فيمينا إن من يهواهم ... ليكونن من آصحاب اليمين )
( وسط جنات تحييه بها ... آنسات قاصرات الطرف عين )
( بقوارير لجين شربة ... وأباريق وكأس من معين )
( والذي شرفهم يمنحنا ... حبهم والكون معهم أجمعين )
فدونك أيها الناظر في هذا الكتاب المتجافي عن مذهب النقد العتاب كلمات سوانح اختلست مع اشتعال الجوانح وتضاد الأمور الموانع والموانح وألفاظ بوارح اقتضت بين أشغال الجوارح وطرفا أسمت الطرف في مرعاها وكانت هملا غير سوارح وتحفا يحصل بها لناظره الإمتاع ولا يعدها من سقط المتاع المبتاع ويلهج بها المرتاح ويستأنس المستوحش المرتاع )

منهج الكتاب
وبعد أن خمنت تمام هذا التصنيف وأمعنت النظر فيما يحصل به التقريط لسماعه والتشنيف قسمته قسمين وكل منهما مستقل بالمطلوب فيصح أن يسميا باسمين
القسم الأول فيما يتعلق بالأندلس من الأخبار المترعة الأكواب والأنباء المنتحية صوب الصواب الرافلة من الإفادة في سوابغ الأثواب وفيه بحسب القصد والاقتصار وتحري التوسط في بعض

يروح لتعذيب النفوس ويغتدي ويطلع في أفق الجمال ويغرب ويحسد منه الغصن أي مهفهف يجيء على مثل الكثيب ويذهب وصف المتنزهات من ترجمة ابن السقاط 166 وصف المتنزهات من ترجمة ابن السقاط وقال في ترجمة الوزير أبي القاسم بن السقاط بعد كلام كثير ما صورته وحملنا الوزير القاضي أبو الحسن بن أضحى إلى إحدى ضياعه بخارج غرناطة

الباب الأول في وصف جزيرة الأندلس وحسن هوائها واعتدال مزاجها ووفور خيرها وكمالها واستوائها واشتمالها على كثير من المحاسن واحتوائها وكرم نباتها الذي سقته سماء البركات من جنباتها بنافع أنوائها وذكر بعض مآثرها المجلوة الصور وتعداد كثير مما لها من البلدان والكور المستمدة من أضوائها الباب الثاني : في إلقاء بلد الأندلس للمسلمين بالقياد وفتحها على يد موسى بن نصير ومولاه طارق بن زياد وصيرورتها ميدانا لسبق الجياد ومحط رحال الارتياء والارتياد وما يتبع ذلك من خبر حصل بازديانه ازدياد ونبأ وصل إليه اعتيام وتقرر بمثله اعتياد الباب الثالث : في سرد بعض ما كان للدين للدين بالأندلس من العز السامي العماد والقهر للعدو في الرواح والغدو والتحرك للهدو البالغ غاية الآماد وإعمال أهلها للجهاد بالجد والاجتهاد في الجبال والوهاد بالأسنة المشرعة والسيوف المستلة من الإغماد
الباب الرابع في ذكر قرطبة التي كانت الخلافة بمصرها للأعداء قاهرة وجامعها الاموي ذي البدائع الباهية الباهرة والإلماع بحضرتي الملك الزهراء الناصرية والعامرية الزاهرة ووصف جملة من متنزهات تلك الأقطار ومصانعها ذات المحاسن الباطنة والظاهرة وما يجر إليه شجون الحديث من أمور تقضي بحسن إيرادها القرائح الوقادة والأفكار الماهرة
الباب الخامس

الصفحة 167 ومن ترجمة ابن أضحى وقال في ترجمة الوزير القاضي أبي الحسن بن أضحى ما نصه وكان لصاحب البلد الذي كان يتولى القضاء به ابن من أحسن الناس صورة وكانت محاسن الأفعال والأقوال عليه مقصورة مع ما شئت من لسن وصوت حسن وعفاف واختلاط بالنبهاء والتفاف فحملنا إلى إحدى ضياعه بقرب من

الذاكية العرار والبشام ومدح جماعة من أولئك الأعلام ذوي الألباب الراجحة والأحلام لشامة وجنة الأرض دمشق الشام وما اقتضته المناسبة من كلام أعيانها وأرباب بيانها ذوي السؤدد والاحتشام ومخاطباتهم للمؤلف الفقير حين حلها عام سبعة وثلاثين وألف وشاهد برق فضلها المبين وشام
الباب السادس في ذكر بعض الوافدين على الأندلس من أهل المشرق المعتدين في قصدهم إليها بنور الهداية المضيء والمشرق والأكابر الذين حلوا منها بحلولهم فيها الجيد والمفرق وافتخروا برؤية قطرها المونق على المشئم والمعرق
الباب السابع في نبذة مما من الله تعالى به على أهل الأندلس من توقد الأذهان وبذلهم في اكتساب المعارف والمعالي ما عز أو هان وحوزهم في ميدان البراعة من قصب السبق خصل الرهان وجملة من أجوبتهم الدالة على لوذعيتهم وأوصافهم المؤذنة بألمعيتهم وغير ذلك من أحوالهم التي لها على فضلهم أوضح برهان
الباب الثامن في ذكر تغلب العدو الكافر على الجزيرة بعد صرفه وجوه الكيد إليها وتضريبه بين ملوكها ورؤسائها بمكره واستعماله في أمرها حيل فكره حتى استولى دمره الله عليها ومحا منها التوحيد واسمه وكتب على مشاهدها ومعاهدها وسمه وقرر مذهب التثليث والرأي الخبيث لديها واستغاثه من بها بالنظم والنثر أهل ذلك العصر من سائر الأقطار حين تعذرت بحصارها مع قلة حماتها وأنصارها المآرب

بالأموال والبشرات وصف المتنزهات من ترجمة ابن خفاجة 168 وصف المتنزهات من ترجمة ابن خفاجة وقال في ترجمة أديب الأندلس وشاعرها أبي إسحاق بن خفاجة بعد كلام ما صورته وقال يندب معاهد الشباب ويتفجع لوفاة الإخوان والأحباب

الله تعالى إليها كلمة الإسلام وأقام فيها شريعة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام ورفع يد الكفر عنها وعما حواليها آمين
ولم أخل بابا في هذا القسم من كلام لسان الدين بن الخطيب وإن قل مع أن القسم الثاني بذلك كما ستقف عليه قد استقل وهذا آخر ما تعلق بالقسم الأول وعلى الله سبحانه المتكل والمعول
القسم الثاني في التعريف بلسان الدين بن الخطيب وذكر أنبائه التي يروق سماعها ويتأرجح نفحها ويطيب وما يناسبها من أحوال العلماء الأفراد والأعلام الذين اقتضى ذكرهم شجون الكلام والاستطراد وفيه أيضا من الأبواب ثمانية موصلة إلى جنات أدب قطوفها دانية وكل غصن منها رطيب
الباب الأول في أولية لسان الدين وذكر أسلافه الذين ورث عنهم المجد وارتضع در أخلافه وما يناسب ذلك مما لا يذهب المنصف إلى خلافه
الباب الثاني في نشأته وترقيه ووزارته وسعادته ومساعدة الدهر له ثم قلبه له ظهر المجن على عادته في مصافاته ومنافاته وارتباكه في شباكهوما لقي من إحن الحاسد ذي المذهب الفاسد ومحن الكايد المستأسد وآفاته وذكر قصوره وأمواله وغير ذلك من أحواله في تقلباته عندما قابله الزمان بأهواله في بدئه وإعادته إلى وفاته
الباب الثالث في ذكر مشايخه الجلة هداة الناس ونجوم الملة وما

بذلك من الأخبار الشافية للعله والمواعظ المنحية من الأهواء المضلة والمناسبات الواضحة البراهين والأدلة
الباب الرابع في مخاطبات الملوك والأكابر الموجهة إلى حضرته العلية وثناء غير واحد من أهل عصره عليه وصرف القاصدين وجوه التأميل إليه واجتلائهم أنوار رياسته الجلية
الباب الخامس في إيراد جملة من نثره الذي عبق أريج البلاغة من نفحاته ونظمه الذي تألق نور البراعة من لمحاته وصفحاته وما يتصل به من بعض أزجاله وموشحاته ومناسبات رائقة من فنون الأدب ومصطلحاته
الباب السادس في مصنفاته في الفنون ومؤلفاته المحققة للواقف عليها الآمال والظنون وما كمل منها أو اخترمته دون اتمامه المنون
الباب السابع في ذكر بعض تلامذته الآخذين عنه المستدلين به على المنهاج المتلقين أنواع العلوم منه والمقتبسين أنوار الفهوم من سراجه الوهاج
الباب الثامن في ذكر أولاده الرافلين في حلل الجلالة المقتفين أوصافه الحميدة وخلاله الوارثين العلم والحلم والرياسة والمجد عن غير كلالة ووصيته لهم الجامعة لآداب الدين والدنيا المشتملة على النصائح الكافية والحكم الشافية من كل مرض بلا ثنيا المنقذة من أنواع الضلالة وما يتبع ذلك من المناسبات القوية والأمداح النبوية التي لها على حسن الختام أظهر

نذكر من محاسن قرطبة الزهراء والزهرا أو نصف من محاسن الأندلس التي تبصر بكل موضع منها ظلا ضافيا ونهرا صافيا وزهرا ويرحم الله تعالى أديبها المشهور الذي اعترف له بالسبق الخاصة والجمهور أبا إسحاق بن خفاجة إذ قال [ البسيط ] يا أهل أندلس لله دركم ماء وظل وأنهار وأشجار ما جنة الخلد إلا في دياركم ولو تخيرت هذا كنت أختار لا تحسبوا في غد أن تدخلوا سقرا فليس تدخل بعد الجنة النار ويروى مكان قوله ولو تخيرت هذا كنت أختار

وقد كنت أولا سميته ب ( عرف الطيب ) في التعريف بالوزير ابن الخطيب ثم وسمته حين ألحقت أخبار الأندلس به ب ( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب )
وله بالشام تعلق من وجوه عديدة هادية متأملها إلى الطرق السديدة
أولها أن الداعي لتأليفه أهل الشام أبقى الله مآثرهم وجعلها على مر الزمان مديدة
ثانيها أن الفاتحين للأندلس هم أهل الشام ذوو الشوكة الحديدة
ثالثها أن غالب أهل الأندلس من عرب الشام الذين اتخذوا بالأندلس وطنا مستأنفا وحضرة جديدة
ورابعها أن غرناطة نزل بها أهل دمشق وسموها باسمها لشبهها بها في القصر والنهر والدوح والزهر والغوطة الفيحاء وهذه مناسبة قوية العرى شديدة

خاتمة المقدمة
هذا وإني أسأل ممن وقف عليه أن ينظر بعين الإغضاء إليه كما أطلب ممن كان السبب في تصنيفه والداعي إلى تأليفه وترصيفه استنادا لركن الثقة واعتمادا على الود والمقة أن يصفح عما فيه من قصور ويسمح ويلاحظه بعين الرضى الكليلة ويلمح إذا ركبت شكل منطقه والأشجان غالبة وقضية الغربة موجبة

منزلته ولعمري إن هذا الجواب لجدير بالصواب وهكذا ينبغي أن تكون رسل الملوك في الافتنان روح الله تعالى أرواح الجميع في الجنان ! وأبو إسحاق بن خفاجة كان أوحد الناس في وصف الأنهار والأزهار والرياض والحياض والرياحين والبساتين وقد سبق بعض كلامه ويأتي أيضا منه بعض في أثناء الكتاب ومن ذلك قوله [ الكامل ]

بكل الغرض فلا يخلو من فائدة وقد يستدل على الجوهر بالعرض فإن أديت المقترض وذاك المرام الذي أرتضيه ويوجب الود ويقتضيه
( وإلا فحسبي أن بذلت به جهدي ... وأنفقت من وجدي على قدر ما عندي )
وقد توهمت أني لم أسبق إلى مثله في بابه إذ لم أقف له على نظير أتعلق بأسبابه ورجوت أن يكون هدية مستملحة مستعذبة وطرفة مقبولة مستغربة
( هديتي تقصر عن همتي ... وهمتي أكثر من مالي )
( وخالص الود ومحض الإخا ... أكثر ما يهديه أمثالي )
وأوردت فيه من نظم وإنشاء ما يكفي المقتصر عليه إن شاء ومن أخبار ملوك ورؤساء وطبقات من أحسن أو أساء ما فيه اعتبار للمتأمل وادكار للراحل المتحمل وزينة للذاكر المتجمل وتنكيت على أهل البطر وتبكيت لمن خرج من ديناه ولم يقض من الطاعة الوطر
( أرى أولاد آدم أبطرتهم ... حظوظهم من الدنيا الدنية )
( فلم بطروا وأولهم مني ... إذا نسبوا وآخرهم منية )
وفيه إيقاظ لمثلي من سنة الغفلة وحث على عدم الاغترار بالمهلة وتنبيه للابس برد الشباب القشيب أنه لا بد من حادث الموت قبل أو بعد المشيب
( لله در الشيب من واعظ ... وناصح منهاجه واضح )
( كل امرىء يعجبه شأنه ... وحادث الدهر له

عنها وتنزل بالجديب فيخصب كرموا فلا غيث السماحة مخلف يوما ولا برق اللطافة خلب من كل أزهر للنعيم بوجهه ماء يرقرقه الشباب فيسكب وقال يمدح الأمير أبا يحيى بن إبراهيم [ الكامل ]

فكم باك على عصر الشباب وشاك لفراق عهد الصبا والأحباب أنساه طارق الزمان سليمى والرباب
( مضى عصر الشباب كلمح برق ... وعصر الشيب بالأكدار شيبا )
( وما أعددت قبل الموت زادا ... ليوم يجعل الولدان شيبا )
وما أحسن قول بعض الأعلام
( مضى ما مضى من حلو عيش ومره ... كأن لم يكن إلا كأضغاث أحلام )
وقول من أرشد سفيها
( إنما هذه الحياة متاع ... فالجهول الجهول من يصطفيها )
ما مضى فات والمؤمل غيث ... ولك الساعة التي أنت فيها ) وفي معناه لغيره
( دنياك شيئان فانظر ... ما ذانك الشيئان )
( ما فات منها فحلم ... وما بقي فأماني )
وما أحكم قول ابن حطان مع وقوعه من البدعة في أشطان
( يأسف المرء على ما فاته ... من لبانات إذا لم يقضها )
( وتراه ضاحكا مستبشرا ... بالتي أمضى كأن لم يمضها )
( إنها عندي كأحلام الكرى ... لقريب بعضها من بعضها )
ولغيره
( والله لو كانت الدنيا بأجمعها ... تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا )
( ما

عباب الجود رحب الدار

ولآخر
( لا حظ في الدنيا لمستبصر ... يلمحها بالفكرة الباصرة )
( إن كدرت مشربه ملها ... وإن صفت كدرت الآخرة )
ويعجبني قول الوزير ابن المغربي
( إني أبثك من حديثي ... والحديث له شجون )
( فارقت موضع مرقدي ... ليلا ففارقني السكون )
( قل لي فأول ليلة ... للقبر كيف ترى أكون )
وقول مامية
( تأمل في الوجود بعين فكر ... تر الدنيا الدنية كالخيال )
( ومن فيها جميعا سوق يفنى ... ويبقى وجه ربك ذو الجلال )
وقول بعض العارفين
( استعدي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد )
( قد تبينت أنه ليس للحي ... خلود وما من الموت بد )
( إنما أنت مستعيرة ما سوف ... تردين والعواري ترد )
( أنت تسهين والحوادث لا

منحة وبشاشة أيدي العفاة وأعين الزوار أرج الندي بذكره فكأنه متنفس عن روضة معطار بطل جرى الفلك المحيط بسرجه واستل صارمه يد المقدار بيمينه يوم الوغى وشماله ما شاء من نار ومن إعصار والسمر حمر والجياد عوابس والجو كاس والسيوف عواري والخيل تعثر في شبا شوك القنا قصدا وتسبح في الدم الموار والبيض تحنى في الطلى فكأنما تلوى عرا منها على أزرار والنقع يكسر من سنى شمس الضحى فكأنه صدأ على دينار صحب الحسام النصر صحبة غبطة في كف صوال به سوار لو أنه أومى إليه بنظرة يوما لثار ولم ينم عن ثار ومضى وقد ملكته هرة عزة تحت العجاج وضحكة استبشار وقال رحمه الله تعالى [ الكامل ] وأراكة ضربت سماء فوقنا تندى وأفلاك الكؤوس تدار حفت بدوحتها مجرة جدول نثرت عليه نجومها الأزهار وكأنها وكأن جدول مائها حسناء شد بخصرها زنار زف الزجاج بها عروس مدامة تجلى ونوار الغصون نثار في روضة جنح الدجى ظل بها وتجسمت نورا بها الأنوار غناء ينشر وشيه البزاز لي فيها ويفتق مسكه العطار قام الغناء بها وقد نضح الندى وجه الثرى واستيقظ النوار

( أي ملك في الأرض أو أي حظ ... لامريء حظه من الأرض لحد )
( لا ترجي البقاء في معدن الموت ... ودار حتوفها لك ورد )
( كيف يرجو امرؤ لذاذة أيام ... عليه الأنفاس فيها تعد )
واسأل من مبلغ السائلين ما يرجون أن يصفح عن زلاتي ويسامحني فيما أوردت في هذا الكتاب من الهزل والمجون الذي جرت المناسبة إليه والحديث شجون وما القصد منه إلا ترويح قلوب الذين يسوقون عيس الأسمار ويزجون وفيما أوردت من المواعظ والنصائح وحكايات الأولياء الذين طيب زهر مناقبهم فائح والتوسل بمحاسن الأمداح النبوية أن يستر بفضله سبحانه القبائح ويرينا وجه القبول بلا اكتتام ويمنحنا الزلفى وحسن الختام
( ومن يتوسل بالنبي محمد ... شفيع البرايا السيد السند الأسنى )
( فذاك جدير أن يكفر ذنبه ... ويمنح نيل القصد والختم بالحسنى )
وهذا أوان الشروع في الأصول من هذا الكتاب والفروع وعلى الله سبحانه أعتمد

حسبها بالأيكة الخضراء من خضراء وأتتك تسفر عن وجوه طلقة وتنوب من لطف عن الشفراء يندى بها وجه الندى ولربما بسطت هنالك أوجه السراء فاستضحكت وجه الدجى مقطوعة حملت جمال الغرة الغراء وقال أيضا [ المجتث ] وصدر ناد نظمنا له القوافي عقدا في منزل قد سحبنا بظله العز بردا تذكو به الشهب جمرا ويعبق الليل ندا وقد تأرج نور غض يخالط وردا كما تنفس ثغر عذب يقبل خدا وقال من قصيدة يصف منتزها [ الكامل ]

وجهه ومنطقه مسلى قلوب وآذان أغار لخديه على الورد كلما بدا ولعطفيه على أغصن البان وهبني أجني ورد خد بناظري فمن أين لي منه بتفاح لبنان يعللني منه بموعد رشفة خيال له يغري بمطل وليان حبيب عليه لجة من صوارم علاها حباب من أسنة مران تراءى لنا في مثل صورة يوسف تراءى لنا في مثل ملك سليمان طوى برده منها صحيفة فتنة قرأنا له من وجهه سطر عنوان محبته ديني ومثواه كعبتي ورؤيته حجي وذكراه قرآني وقال [ الطويل ] وليل تعاطينا المدام وبيننا حديث كما هب النسيم على الورد نعاوده والكاس يعبق نفحه وأطيب منها ما نعيد وما نبدي

الباب الأول في وصف جزيرة الأندلس وحسن هوائها واعتد
ال مزاجها ووفرو خيراتها واستوائها واشتمالها على كثير من المحاسن واحتوائها وكرم بقعتها التي سقتها سماء البركات بنافع أنوائها وذكر بعض مآثرها المجلوة الصور وتعداد كثير مما لها من البلدان والكور المستمدة من أضوائها
فأقول محاسن الأندلس لا تستوفي بعبارة ومجاري فضلها لا يشق غباره وأني تجارى وهي الحائزة قصب السبق في أقطار الغرب والشرق
مقدمات عامة في مزايا الأندلس
قال ابن سعيد إنما سميت بأندلس بن طوبال بن يافث بن نوح لأنه نزلها كما أن أخاه سبت بن يافث نزل العدوة المقابلة لها وإليه تنسب سبتة قال وأهل الأندلس يحافظون على قوام اللسان العربي لأنهم إما عرب أو متعربون انتهى
وقال ابن غالب إنه أندلس بن يافث والله تعالى أعلم
وقال الوزير لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى في بعض كلام له حذف

بالمنى مرحبا أهلا وسهلا بالذي شئته يا بدر تم مهديا كوكبا لكنني آليت أسقى بها أو تودعنها ثغرك الأشنبا فمج لي في الكأس من ثغره ما حبب الشرب وما طيبا

أجرى فيه ذكر البلاد الأندليسة أعادها الله تعالى للإسلام ببركة المصطفى عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام ما نصه خص الله تعالى بلاد الأندلس من الربع وغدق السقيا ولذاذة الأقوات وفراهة الحيوان ودرور الفواكه وكثرة المياه وتبحر العمران وجودة اللباس وشرف الآنية وكثرة السلاح وصحة الهواء وابيضاض ألوان الإنسان ونبل الأذهان وقبول الصنائع وشهامة الطباع ونفوذ الإدراك وإحكام التمدن والاعتمار بما حرمه الكثير من الأقطار مما سواها انتهى
قال أبو عامر السالمي في كتابه المسمى ب درر القلائد وغرر الفوائد الأندلس من الإقليم الشامي وهو خير الأقاليم وأعدلها هواء وترابا وأعذبها ماء وأطيبها هواء وحيوانا ونباتا وهو أوسط الأقاليم وخير الأمور أوسطها انتهى
قال أبو عبيد البكري الأندلس شامية في طيبها وهوائها يمانية في اعتدالها واستوائها هندية في عطرها وذكائها أهوازية في عظم جبايتها صينية في جواهر معادنها عدنية في منافع سواحلها فيها آثار عظيمة لليونانيين أهل الحكمة وحاملي الفلسفة وكان من ملوكهم الذي أثروا الآثار بالأندلس هرقلس وله الأثر في الصنم بحزيرة قادس وصنم جليقية والأثر في مدينة طركونة لا نظير

وما نمت بي الصعداء أخشى الوشاة فما أفوه بلفظة والكتم عند العاشقين عناء لولا تشوق أرض حمص ما جرى دمعي ولا شمتت بي الأعداء لم أستطع كتما له فكأنني ما كان لي كتم ولا إخفاء والبدر مهما رام كتما من سرى فيه ينم على سراه ضياء بلد متى يخطر له ذكر هفا قلبي وخان تصبر وعزاء من بعده ما الصبح يشرق نوره عندي ولا يتبدل الظلماء كم لي به من ذي وفاء لم يخن عهدي وينمو بالوداد وفاء فتراه إذ ما مر ذكري سائلا عن حالتي إن قلت الأنباء يمسي ويصبح في تذكر مدة يرضى بها الإصباح والإمساء مع كل مبذول الوصال ممنع من غيرنا تسمو به الخيلاء كالظبي كالشمس المنيرة كالنقا كالغصن يثني معطفيه رخاء يسعى براح كالشهاب براحة كالبدر والوجه المنير ذكاء ما لان نحو الوصل حتى طال من الهجر واتصلت به البلواء خير المحبة ما تأتت عن قلى تدرى ببؤس الفاقة النعماء ما زلت أرقي بالقريض جنونه حتى استكان وكان منه إباء فظفرت منه بمدة لو أنها دامت لدامت لي بها السراء

مساحتها وأبعادها
قال المسعودي بلاد الأندلس تكون مسيرة عمائرها ومدنها نحو شهرين ولهم من المدن الموصوفة نحو من أربعين مدينة انتهى باختصار
ونحوه لابن اليسع إذ قال طولها من أربونة إلى أشبونة وهو قطع ستين يوما للفارس المجد وانتقد بأمرين أحدهما أنه يقتضي أن أربونة داخلة في جزيرة الأندلس والصحيح أنها خارجة عنها والثاني أن قوله ستين يوما للفارس المجد إعياء وإفراط وقد قال جماعة إنها شهر ونصف
قال ابن سعيد وهذا يقرب إذا لم يكن للفارس المجد والصحيح ما نص عليه الشريف من أنها مسيرة شهر وكذا قال الحجاري وقد سألت المسافرين المحققين عن ذلك فعملوا حسابا بالمراحل الجيدة أفضى إلى نحو شهر بنيف قيليل
قال الحجاري في موضع من كتابه إن طول الأندلس من الحاجز إلى أشبونة ألف ميل ونيف انتهى
وبالجملة فالمراد التقريب من غير مشاححة كما قاله ابن سعيد وأطال في ذلك ثم قال بعد كلام ومسافة الحاجز الذي بين بحر الزقاق والبحر المحيط أربعون ميلا

جزيرة وإلا فليست بجزيرة على الحقيقة لاتصال هذا القدر بالأرض الكبيرة وعرض جزيرة الأندلس في موسطتها عند طليطلة سنو عشر يوما واتفقوا على أن جزيرة الأندلس مثلثة الشكل واختلفوا في الركن الذي في الشرق والجنوب في حين أربونة فممن قال إنه في أربونة وإن هذه المدينة تقابلها مدينة برذيل التي في الركن الشرقي الشمالي أحمد بن محمد الرازي وابن حيان وفي كلام غيرهما أنه في جهة أربونة وحقق الأمر الشريف وهو أعرف بتلك الجهة لتردده في الأسفار برا وبحرا إليها وتفرغه لهذا الفن
قال ابن سعيد وسألت جماعة من علماء هذا الشأن فأخبروني أن الصحيح ما ذهب إليه الشريف وأن أربونة وبرشلونة غير داخلتين في أرض الأندلس وأن الركن الموفي على بحر الزقاق بالمشرق بين برشلونة وطركونة في موضع يعرف بوادي رنلقاطو وهنالك الحاجز الذي يفصل بين الأندلس والأرض الكبيرة ذات الألسن الكثيرة وفي هذا المكان جبل البرت الفاصل في الحاجز المذكور وفيه الأبواب التي فتحها ملك اليونانيين بالحديد والنار والخل ولم يكن للأندلس من الأرض الكبيرة قبل ذلك طريق في البر وذكر الشريف أن هذه الأبواب يقع في مقابلتها في بحر الزقاق البحر الذي بين جزيرتي ميورقة ومنورقة وقد أخبر بذلك جمهور المسافرين لتلك الناحية

الجبل الحاجز بين الركن الجنوبي والركن الشمالي أربعون ميلا
قال وشمال الركن المذكور عند مدينة برذيل وهي من مدن الإفرنجة مطلة على البحر المحيط في شمالي الأندلس قال ويتقهقر البر بعد تميز هذا الركن إلى الشمال في بلاد الفرنجة ولهم به جزائر كثيرة وذكر أن الركن الشمالي عند شنت ياقوه من ساحل الجلالقة في شمال الاندلس الغربي حيث تبتدىء جزيرة برطانية الكبيرة فيتصور هنالك بحر داخل بين ارضين من الناس من يجعله بحرا منفردا خارجا من البحر المحيط لطوله إلى الركن المتقدم الذكر عند مدينة برذيل
وذكر الشريف أن عند شنت ياقوه في هذا الركن المذكور على جبل بمجمع البحرين صنما مطلا مشبها بصنم قادس
والركن الثالث بمقربة من جبل الأغر حيث صنم قادس والجبل المذكور يدخل من غربه مع جنوبه بحر الزقاق من البحر المحيط مارا مع ساحل الأندلس الجنوبي إلى جبل البرت المذكور انتهى والكلام في مثل هذا طويل الذيل
قال الشيخ أحمد بن محمد بن موسى الرازي بلد الأندلس هو آخر الإقليم الرابع إلى المغرب وهو عند الحكماء بلد كريم البقعة

الجناب منبجس بالأنهار الغزار والعيون العذاب قليل الهوام ذوات السموم معتدل الهواء والجو النسيم ربيعه وخريفه ومشتاه ومصيفه على قدر من الاعتدال وسطة من الحال لا يتولد في أحدها فضل يتولد منه فيما يتلوه انتقاص تتصل فواكهه أكثر الأزمنة وتدوم متلاحقة غير مفقودة أما الساحل منه ونواحيه فيبادر بباكوره وأما الثغر وجهاته والجبال المخصوصة ببرد الهواء فيتأخر بالكثير من ثمره فمادة الخيرات بالبلد متمادية في كل الأحيان وفواكهه على الجملة غير معدومة في كل أوان وله خواص في كرم النبات يوافق في بعضها أرض الهند المخصوصة بجواهر الانبات منها أن المحلب وهو المقدم في الأفاويه والمفضل في أنواع الأشنان لا ينبت بشيء من الأرض إلا بالهند والأندلس وللأندلس المدن الحصينة والمعاقل المنيعة والقلاع الحريزة والمصانع الجليلة ولها البر والبحر والسهل والوعر وشكلها مثلث وهي معتمدة على ثلاثة أركان الأول هو الموضع الذي فيه صنم قادس المشهور بالأندلس ومنه مخرج البحر المتوسط الشامي الآخذ بقبلي الأندلس والركن الثاني هو بشرقي الأندلس بين مدينة نربونة ومدينة برذيل مما بأيدي الفرنجة اليوم بإزاء جزيرتي ميروقة ومنورقة بمجاورة من البحرين البحر المحيط والبحر المتوسط وبينهما البر الذي يعرف بالأبواب وهو المدخل إلى بلد الأندلس من الأرض الكبيرة على بلد إفرنجة ومسافته بين البحرين مسيرة يومين ومدينة نربونة تقابل البحر المحيط والركن الثالث منها هو ما بين الجوف والغرب من حيز جليقية حيث الجبل الموفي على البحر

العالي المشبه بصنم قادس وهو الطالع على بلد برطانية
قال والأندلس أندلسان في اختلاف هبوب رياحها ومواقع أمطارها وجريان أنهارها أندلس غربي وأندلس شرقي فالغربي منها ما جرت أوديته إلى البحر المحيط الغربي ويمطر بالرياح الغربية ومبتدأ هذا الحوز من ناحية المشرق مع المفازة الخارجة مع الجوف إلى بلد شنتمرية طالعا إلى حوز أغريطة المجاورة لطليطلة مائلا إلى الغرب ومجاورا للبحر المتوسط الموازي لقرطاجنة الحلفاء التي من بلد لورقة والحوز الشرقي المعروف بالأندلس الأقصى وتجري أوديته إلى الشرق وأمطاره بالريح الشرقية هو من حد جبل البشكنس هابطا مع وادي إبره إلى بلد شنت مرية ومن جوف هذا البحر وغربه المحيط وفي القبلة منه البحر الغربي الذي منه يجري البحر المتوسط الخارج إلى بلد الشام وهو البحر المسمى ببحر تيران ومعناه الذي يشق دائرة الأرض ويسمى البحر الكبير انتهى
قال أبو بكر عبد الله بن عبد الحكم المعروف بابن النظام بلد الأندلس

عند علماء أهله أندلسان فالأندلس الشرقي منه ما صبت أوديته إلى البحر الرومي المتوسط المتصاعد من أسفل أرض الأندلس إلى المشرق وذلك ما بين مدينة تدمير إلى سرقسطة والأندلس الغربي ما صبت أوديته إلىالبحر الكبير المعروف بالمحيط أسفل ذلك الحد إلى ساحل المغرب فالشرقي منهما يمطر بالريح الشرقية ويصلح عليها والغربي يمطر بالريح الغربية وبها صلاحه وجباله هابطة إلى الغرب جبلا بعد جبل وإنما قسمته الأوائل جزءين لاختلافهما في حال أمطارهما وذلك أنه مهما استحكمت الريح الغربية كثر مطر الأندلس الغربي وقحط الأندلس الشرقي ومتى استحكمت الريح الشرقية مطر الأندلس الشرقي وقحط الغربي وأودية هذا القسم تجري من الشرق إلى الغرب بين هذه الجبال وجبال الأندلس الغربي تمتد إلى الشرق جبلا بعد جبل تقطع من الجوف إلى القبلة والأودية التي تخرج من تلك الجبال يقطع بعضها إلى القبلة وبعضها إلى الشرق وتنصب كلها إلى البحر المتوسط للأندلس القاطع إلى الشام وهو البحر الرومي وما كان من بلاد جوفي الأندلس من بلاد جليقية وما يليها فإن أوديته تنصب إلى البحر الكبير المحيط بناحية الجوف وصفة الأندلس شكل مركن على مثال الشكل المثلث ركنها الواحد فيما بين الجنوب والمغرب حيث اجتماع البحرين عند صنم قادس وركنها الثاني في بلد جليقية حيث الصنم المشبه صنم قادس مقابل جزيرة برطانية وركنها الثالث بين مدينة نربونة ومدينة برذيل من بلد الفرنجة بحيث

فيصير بلد الأندلس جزيرة بينهما في الحقيقة لولا أنه يبقى بينهما برزخ برية صحراء وعمارة مسافة مسيرة يوم للراكب منه المدخل إلى الأرض الكبيرة التي يقال لها الأبواب ومن قبله يتصل بلد الأندلس بتلك البلاد المعروفة بالأرض الكبيرة ذات الألسن المختلفة

الأمم التي استوطنت الأندلس
قال وأول من سكن الأندلس على قديم الأيام فيما نقله الأخباريون من بعد عهد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلش معجمة الشين بهم سمي المكان فعرب فيما بعد بالسين غير المعجمة كانوا الذين عمروها وتناسلوا فيها وتداولوا ملكها دهرا على دين التمجس والإهمال والإفساد في الأرض ثم أخذهم الله بذنوبهم فحبس المطر عنهم ووالى القحط عليهم وأعطش بلادهم حتى نضبت مياهها وغارت عيونها ويبست أنهارها وبادت أشجارها فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم فأقفرت الأندلس منهم وبقيت خالية فيما يزعمون مائة سنة وبضع عشرة سنة وذلك من حد بلد الفرنجة إلى حد بحر الغرب الأخضر وكان عدة ما عمرتها هذه الأمة البائدة مائة عام وبضع عشرة سنة ثم ابتعت الله لعمارتها الأفارقة فدخل إليها بعد إقفارها تلك المدة الطويلة قوم منهم أجلاهم ملك افريقية

تخففا منهم لإمحال توالي على أهل مملكته وتردد عليهم حتى كاد يفنيهم فحمل منهم خلقا في السفن مع قائد من قبله يدعى أبطريقس فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رومة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله

الله عليه وغلبهم واستوت له مملكة الأندلس بأسرها ودان له من فيها فهدم مدينة طالقة ونقل رخامها وآلاتها إلى مدينة إشبيلية فاستم بناءها واتخذها دار مملكته واستغلظ سلطانه في الأرض وكثرت جموعه فعلا وعظم عتوه ثم غزا إليليا وهي القدس الشريف من إشبيلية بعد سنتين من ملكه خرج إليها في السفن فغنمها وهدمها وقتل فيها من اليهود مائة ألف واسترق مائة ألف وانتقل رخام إيليا وآلاتها إلى الأندلس وقهر الأعداء واشتد سلطانه انتهى
وذكر بعض المؤرخين أن الغرائب التي أصيبت في مغانم الأندلس أيام فتحها ك مائدة سليمان عليه الصلاة و السلام التي ألفاها طارق بن زياد بكنيسة طليطلة وقليلة الدر التي ألفها موسى بن نصير بكنيسة ماردة وغيرهما من طرائف الذخائر إنما كانت مما صار لصاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس إذ حضر فتحها مع بختنصر وكان اسم ذلك الملك بريان وفي سهمه وقع ذلك ومثله مما كانت الجن تأتي به نبي الله سليمان على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام انتهى
وقال غير واحد من المؤرخين كان أهل المغرب الأقصى يضرون بأهل الأندلس لاتصال الأرض ويلقون منهم الجهد الجهيد في كل وقت إلى أن اجتاز بهم الإسكندر فشكوا حالهم إليه فأحضر المهندسين وحضر إلى الزقاق فأمر المهندسين بوزن سطح الماء من المحيط والبحر الشامي فوجدوا المحيط يعلو البحر

علي فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى

الشامي ونقلها من الحضيض إلى الأعلى ثم أمر بحفر ما بين طنجة وبلاد الأندلس من الأرض فجفرت حتى ظهرت الجبال السفلية وبنى عليها رصيفا بالحجر والجيار بناء محكما وحعل طوله اثنى عشر ميلا وهي المسافة التي كانت بين البحرين وبنى رصيفا يقابله من ناحية طنجة وجعل بين الرصيفين سعة ستة أميال فلما كمل الرصيفان حفر من جهة البحر الأعظم وأطلق فم الماء بين الرصيفين فدخل في البحر الشامي ثم فاض ماؤه فأغرق مدنا كثيرة وأهلك أمما عظيمة كانت على الشطين وطفا الماء على الرصيفين إحدى عشرة قامة فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في بعض الأوقات إذا نقص الماء ظهورا بينا مستقيما على خط واحد وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة وأما الرصيف الذي من جهة العدة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض اثنى عشر ميلا وعلى طرفه من جهة المغرب قصر الجواز وسبتة وطنجة وعلى طرفه من الناحية الأخرى جبل طارق بن زياد وجزيرة طريف وغيرهما والجزيرة الخضراء وبين سبتة والجزيرة الخضراء عرض البحر انتهى ملخصا وقد تكرر بعضه مع ما جلبناه والعذر بين لارتباط الكلام بعضه ببعض

موقع الأندلس من الأقاليم
وقال ابن سعيد ذكر الشريف أن لا خظ لأرض الأندلس في الإقليم الثالث قال ويمر بجزيرة الأندلس من الأقاليم الرابع على ساحلها الجنوبي وما قاربه من قرطبة وإشبيلية ومرسية وبلنسية ثم يمر على جزيرة صقلية وعلى ما في سمتها من الجزائر والشمس

فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم حتى فتحها فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم حتى فتحها فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم حتى فتحها فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم حتى فتحها فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم حتى فتحها فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم حتى فتحها فأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم حتى فتحها رفأرسو بريف الأندلس الغربي واحتلوا بجزيرة قادس فأصابوا الأندلس قد أمطرت وأخصبت فجرت أنهارها وانفجرت عيونها وحييت أشجارها فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها فكثروا واستوسعوا في عمارة الأرض ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها إلى بلد الإفرنجة من شرقيها ونصبوا من أنفسهم ملوكا عليهم ضبطوا أمرهم وتوالوا على إقامة دولتهم وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب اليوم من أرض إشبيلية اخترعها ملوكهم وسكنوها فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عاما إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رمة بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكا ثم صار ملك الأندلس بعدهم إلى عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس إشبانية وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان فأحيل بلسان العجم وقيل بل كان مولده بأصبهان فغلب اسمها عليه وهو الذي بنى إشبيلية وكان إشبانية اسما خالصا لبلد إشبيلية الذي كان ينزله إشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله فالعجم إلى الآن يسمونه إشبانية لآثار إشبان هذا فيه وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا فيما زعموا وكان غزا الأفارقة عندما سلطه الله عليهم فيجموعه ففض عساكرهم وأثخن فيهم ونزل عليهم بقاعدتهم طالقة وقد تحصنوا فيها منه فابتنى عليهم مدينة إشبيلية اليوم واتصل حصره

والإقليم الخامس يمر على طليطلة وسرقسطة وما في سمتهما إلى بلاد أرغون التي في جنوبيها برشلونة ثم يمر على رومية وبلادها ويشق بحر البنادقة ثم يمر على القسطنطينية ومدبرته الزهرة
والسادس يمر على ساحل الأندلس الشمالي الذي على البحر المحيط وما قاربه وبعض البلاد الداخلة في قشتالة وبرتقال وما في سمتها وعلى بلاد برجان والصقالبة والروس ومدبرة عطارد
ويمر الإقليم السابع في البحر المحيط الذي في شمالي الأندلس إلى جزيرة انقلطرة وغيرها من الجزائر وما في سمتها من بلاد الصقالبة وبرجان قال البهقي وفيه تقع جزيرة تولى وجزيرتا أجبال والنساء وبعض بلاد الروس الداخلة في الشمال والبلغار ومدبره القمر انتهى
وقال بعض العلماء إن النصارى حرموا جنة الآخرة فأعطاهم الله جنة الدنيا بستانا متصلا من البحر المحيط بالأندلس إلى خليج القسطنطينية وعندهم عموم شاه بلوط والبندق والجوز والفستق وغير ذلك مما يكون أكثر وأمكن في الأقاليم الباردة والتمر عندهم معدوم وكذا الموز وقصب السكر وربما يكون شيء من ذلك في الساحل لأن هواء البحر يدفىء انتهى

رجع إلى الأمم التي استوطنتها
قال ابن حيان في المقتبس ذكر رواه العجم أن الخضر عليه السلام وقف بإشبان المذكور وهو يحرث الأرض بفدن

يا إشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان فإذا أنت غلبت على إيليا فارفق بذرية الأنبياء فقال له إشبان أساخر رحمك الله أنى يكون هذا مني وأنا ضعيف ممتهن حقير فقير ليس مثلي ينال السلطان فقال له قد قدر ذلك فيك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه فنظر إشبان إلى عصاه فإذا بها قد أورقت فريع لما رأى من الآية وذهب الخضر عنه وقد وقع الكلام بخلده ووقرت في نفسه الثقة بكونه فترك الامتهان من وقته وداخل الناس وصحب أهل البأس منهم وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى أدرك منه عظيما وكان منه ما كان ثم أتى عليه ما أتى على القرون قبله وكان ملكه كله عشرين سنة وتمادى ملك الإشبانيين بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكا
ثم دخل على هؤلاء الإشبانيين من عجم رومة أمة يدعون البشتولقات وملكهم طلوبش بن بيطه وذلك زمن بعث المسيح بن مريم عليه السلام أتوا الأندلس من قبل رومة وكانوا يملكون إفرنجة معها ويبعثون عمالهم إليها فاتخذوا دار مملكتهم بالأندلس مدينة ماردة واستولوا على مملكة الأندلس واتصل ملكهم بها مدة إلى أن ملك منهم سبعة وعشرون ملكا
ثم دخل على هؤلاء البشتولقات أمة القوط مع ملك لهم قغلبوا على الأندلس واقتطعوها من يومئذ من صاحب رومة وتفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلة دار مملكتهم وأقروا بها سرير ملكهم فبقي بإشبيلية علم الإشبانيين ورياسة أوليتهم
وقد كان عيسى المسيح عليه السلام بعث لحواريين

الخلق إلى ديانته فاختلف الناس عليهم وقتلوا بعضهم واستجاب لهم كثير منهم وكان من أسرعهم إجابة لمن جاءه من هؤلاء الحواريين خشندش ملك القوط فتنصر ودعا قومه إلى النصرانية وكان من صميم أعاظمهم وخير من تنصر من ملوكهم وأجمعوا على أنه لم يكن فيهم أعدل منه حكما ولا أرشد رايا ولا أحسن سيرة ولا أجود تدبيرا فكان الذي أصل النصرانية في مملكته ومضى أهلها على سنته إلى اليوم وحكموا بها والإنجيلات في المصاحف الأربعة التي يختلفون فيها من انتساخه وجمعه وتثقيفه فتناسقت ملك القوط بالأندلس بعده إلى أن غلبتهم العرب عليها وأظهر الله تعالى دين الإسلام على جميع الأديان
فوقع في تواريخ العجم القديمة أن عدة ملوك هؤلاء القوط بالأندلس من عهد أتاناوينوس الذي ملك في السنة الخامسة من مملكة فلبش القيصري لمضي أربعمائة وسبع من تاريخ الصفر المشهور عند العجم إلى عهد لذريق آخرهم الذي ملك في السنة التاسعة والأربعين وسبعمائة من تاريخ الصفر وهو الذي دخلت عليه العرب فأزالت دولة القوط ستة وثلاثون ملكا وأن مدة أيام ملكهم بالأندلس ثلاثمائة واثنتان وأربعون سنة انتهى
وقال جماعة إن القوط غير البشتولقات وإن البشتولقات من عجم رومة وإنهم جعلوا دار ملكهم ماردة واتصل ملكهم إلى أن ملك منهم سبعة وعشرون

وذكر الرازي أن القوط من ولد يأجوج بن يافث بن نوح وقيل غير ذلك انتهى

مناخها وخيراتها
وقال الرازي في موضع آخر نحو ما تقدم وزيادة ونصه أن الأندلس في آخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة التي هي ربع معمور الدنيا فهي موسطة من البلدان كريمة البقعة بطبع الخلقة طيبة التربة مخصبة القاعة منبجسة العيون الثرار منفجرة بالأنهار الغزار قليلة الهوام ذوات السموم معتدلة الهواء أكثر الأزمان لا يزيد قيظها زيادة منكرة تضر بالأبدان وكذا سائر فصولها في اعم سينها تأتي على قدر من الاعتدال وتوسط من الحال وفواكهها تتصل طول الزمان فلا تكاد تعدم لأن الساحل ونواحيه يبادر بباكوره كما أن الثغر وجهاته والجبال التي يخصها برد الهواء وكثافة الجو تستأخر بما فيها من ذلك حتىيكاد طرفا فاكهتها يلتقيان فمادة الخيرات فيها متصلة كل أوان ومن بحرها بجهة الغرب يخرج العنبر الجيد المقدم على أجناسه في الطيب والصبر على النار وبها شجر المحلب المعدود في الأفاويه المقدم في أنواع الأشنان كثير واسع وقد زعموا أنه لا يكون إلابالهند وبها فقط ولها خواص نباتية يكثر تعدادها انتهى
وقد ذكر غيره تفصيل بعض ذلك

البشرة عود الألنجوج لا يفوقه العود الهندي ذكاء وعطر رائحة وقد سبق منه إلى خيران الصقلي صاحب المرية وأن أصل منبته كان بين أحجار هنالك وبأكشونبة جبل كثيرا ما يتضوع ريحه ريح العود الذكي إذا أرسلت فيه النار وببحر شذونة يوجد العنبر الطيب الغربي وفي جبل منت ليون المحلب ويوجد بالأندلس القسط الطيب والسنبل الطيب والجنطيانة تحمل من الأندلس إلى جميع الآفاق وهو عقار رفيع والمر الطيب بقلعة أيوب وأطيب كهرباء الأرض بشذونة درهم منها يعدل دراهم من المجلوبة وأطيب القرمز قرمز الأندلس وأكثر ما يكون بنواحي إشبيلية ولبلة وشذونة وبلنسية ومن

لورقة من عمل تدمير يكون حجر اللازورد الجيد وقد يوجد في غيرها وعلى مقربة من حصن لورقة من عمل قرطبة معدن البلور وقد يوجد بجبل شحيران وهو شرقي يبره والحجر البجادي يوجد بناحية مدينة الأشبونة في جبل هنالك يتلألأ فيه ليلا كالسراج والياقوت الاحمر يوجد بناحية حصن منت ميور من كورة مالقة إلا أنه دقيق جدا لا يصلح للاستعمال لصغره ويوجد حجر يشبه الياقوت الأمر بناحية بجانة في خندق يعرف بقرية ناشرة أشكالا مختلفة كأنه مصبوغ حسن اللون صبور على النار وحجر المغناطيس الجاذب للحديد يوجد في كورة تدمير وحجر الشاذنة بجبال قرطبة كثير ويستعمل في دلك التذاهيب وحجر اليهودي في ناحية حصن البونت وهو أنفع شيء للحصاة وحجر المقرشيثا الذهبية في جبال أبذة لا نظير لها في الدنيا ومن الأندلس تحمل إلى جميع الآفاق لفضلها والمغنيسيا بالأندلس كثير وكذلك حجر الطلق ويوجد حجر اللؤلؤ بمدينة

أقل ما لقط منه في أقل من شهر نحو ثمانين ربعا ومعدن الذهب بنهر لاردة يجمع منه كثير ويجمع أيضا في ساحل الأشبونة ومعادن الفضة في الأندلس كثيرة في كورة تدمير وجبال حمة بجانة وبإقليم كرتش من عمل قرطبة معدن فضة جليل وبأكشونبة معدن القصدير لا نظير له يشبه الفضة وله معادن بناحية إفرنجة وليون ومعدن الزئبق فيجبل البرانس ومن هنالك يتجهز به إلى الآفاق ومعادن الكبريت الأحمر والأصفر بالأندلس كثيرة ومعدن التوتيا الطبية بساحل إلبيرة بقرية تسمى بطرنة وهي أزكى توتيا وأقواها في صبغ النحاس وبجبال قرطبة توتيا وليست كالبطرنية ومعدن الكحل المشبه بالأصفهاني بناحية مدينة طرطوشة يحمل منها إلى جميع البلاد ومعادن الشبوب والحديد والنحاس بالأندلس أكثر من أن تحصى وما ذكرت هنا وإن تكرر بعضه مع ما سبق أو يأتي فهو لجمع النظائر وما لم نذكره أكثر والله تعالى أعلم
ومن خواص طليطلة أن حنطتها لا تتغير ولا تتسوس على طول السنين يتوارثها الخلف عن السلف وزعفران طليطلة هو الذي يعم البلاد ويتجهز به الرفاق إلى الآفاق وكذلك الصبغ السماوي انتهى
وقال المسعودي في مروج الذهب بعد كلام ما نصه والعنبر كثير

له شنترين وشذونة تبلغ الأوقية منه بالأندلس ثلاثة مثاقيل ذهبا والأوقية بالبغدادي وتباع بمصر أوقيته بعشرة دنانير وهو عنبر جيد ويمكن أن يكون هذا العنبر الواقع إلى بحر الروم ضربته الأمواج من بحر الاندلس إلى هذا البحر لاتصال الماء وبالأندلس معدن عظيم للفضة ومعدن للزئبق ليس بالجيد يجهز إلى سائر بلاد الإسلام والكفر وكذلك يحمل من بلاد الأندلس الزعفران وعروق الزنجبيل وأصول الطيب خمسة أصناف المسك والكافور والعود والعنبر والزعفران وكلها تحمل من أرض الهند وما اتصل بها إلا الزعفران والعنبر انتهى وهو وإن تكرر مع ما ذكرته عن غيره فلا يخلو من فائدة والله تعالى أعلم
وذكر البعض أن في بعض بلاد الأندلس جميع المعادن الكائنات عن النيرات السبعة وهي الرصاص من زحل والقصدير الأبيض من المشتري والحديد من قسم المريخ والذهب من قسم الشمس والنحاس من الزهرة والزئبق من عطارد والفضة من القمر

الأندلسيون والأمم المجاورة
وذكر الكاتب إبراهيم بن القاسم

الأندلس فقال أهله أصحاب جهاد متصل يحاربون من أهل الشرك المحيطين بهم أمة يدعون الجلالقة يتاخمون حوزهم ما بين غرب إلى شرق قوم لهم شدة ولهم جمال وحسن وجوه فأكثر رقيقهم الموصوفين بالجمال والفراهة منهم ليس بينهم وبينهم درب فالحرب متصلة بينهم ما لم تقع هدنة ويحاربون بالأفق الشرقي أمة يقال لهم الفرنجة هم أشد عليهم من جميع من يحاربونه من عدوهم إذ كانوا خلقا عظيما في بلاد كثيرة واسعة جليلة متصلة العمارة آهلة تدعى الأرض الكبيرة هم أكثر عددا من الجليقين وأشد بأسا وأحد شوكة وأعظم أمدادا وهذه الأمة يحاربون أمة الصقالبة المتصلين بأرضهم لمخالفتهم إياهم في الديانة فيسبونهم ويبيعون رقيقهم بأرض الأندلس فلهم هنالك كثرة وتخصيهم للفرنجة يهود ذمتهم الذين بأرضهم وفي ثغر المسلمين المتصل بهم فيحمل حصيانهم من هنالك إلى سائر البلاد وقد تعلم الخصاء قوم من المسلمين هناك فصارو يخصون ويستحلون المثلة

بحر المجاز
قال ابن سعيد ومخرج بحر الروم المتصاعد إلى الشام هو بساحل الأندلس الغربي بمكان يقال له الخضراء ما بين طنجة من أرض المغرب وبين الأندلس فيكون قدار عرضه هناك كما زعموا ثمانية عشر ميلا وهذا عرض جزيرة طريف إلى قصر مصمودة بالقرب من سبتة وهناك كانت القنطرة التي يزعم الناس أن الإسكندر بناها ليعبر عليها من بر الأندلس إلى بر العدوة

ويعرف هذا الموضع بالزقاق وهو صعب المجاز لأنه مجمع البحرين لا تزال الامواج تتطاول فيه والماء يدور وطول هذا الزقاق الذي عرضه ثمانية عشر ميلا مضاعف ذلك إلى ميناء سبتة ومن هناك يأخذ البحر في الاتساع إلى ثمانمائة ميل وأزيد ومنتهاه مدينة صور من الشام وفيه عدد عظيم من الجزائر قال بعضهم إنها ثمان وعشرون جزيرة منها صقلية ومالطة وغيرهما انتهى وبعضه بالمعنى وقال بعضهم عند وصفه ضيق بحر الزقاق قرب سبتة ما صورته ثم يتسع كلما امتد حتى يصير إلى ما لا ذرع له ولا نهاية

نبذة عن خراجها
وقال بعضهم وكان مبلغ خراج الأندلس الذي كان يؤدي إلى ملوك بني أمية قديما ثلاثمائة ألف دينار دراهم أندلسية كل سنة قوانين وعلى كل مدينة من مدائنهم مال معلوم فكانوا يعطون جندهم ورجالهم الثلث من ذلك مائة ألف دينار وينفقون في أمورهم ونوائبهم ومؤن أهليهم مائة ألف دينار ويدخرون لحادث أيامهم مائة ألف دينار انتهى
وذكر غيره أن الجباية كانت بالأندلس أيام عبد الرحمن الأوسط ألف ألف دينار في السنة وكانت قبل ذلك لا تزيد على

خبر ابن خلدون عن الأمم التي استوطنتها
وقال قاضي القضاة ابن خلدون الحضرمي في تاريخه الكبير ما صورته كان هذا القطر الأندلسي من العدوة الشمالية من عدوتي البحر الرومي وبالجانب الغربي منها يسمى عند العجم الأندلوش وتسكنه أمم من إفرنجة المغرب أشدهم وأكثرهم الجلالقة وكان القوط قد تملكوه وغلبوا على أهله لمئين من السنين قبل الإسلام بعد حروب كانت لهم مع اللطينيين حاصروا فيها رومة ثم عقدوا معهم السلم على أن ينصرف القوط إلى الأندلس فصاروا إليها وملكوها ولما أخذ الروم واللطينيون بملة النصرانية حملوا من وراءهم بالمغرب من أمم الفرنجة والقوط عليها فدانوا بها وكان ملوك القوط ينزلون طليطلة وكانت دار ملكهم وربما تنقلوا ما بينها وبين قرطبة وإشبيلية وماردة وأقاموا كذلك نحوا من أربعمائة سنة إلى أن جاء الله بالإسلام والفتح وكان ملكهم لذلك العهد يسمى لذريق وهو سمة لملوكهم وكما هو جرجير سمة لملوك صقلية انتهى
شيء عن غرناطة وأعمالها
ومن أشهر بلاد الأندلس غرناطة وقيل إن الصواب أغرناطة بالهمز ومعناه بلغتهم الرمانة وكفاها شرفا ولادة لسان الدين بها
وقال الشقندي أما غرناطة فإنها

الأبصار ومطمح الأنفس ولم تخل من أشراف أماثل وعلماء وأكابر وشعراء أفاضل انتهى ولو لم يكن لها إلا ما خصها الله تعالى به من المرج الطويل العريض ونهر شنيل لكفاها
وفي بعض كلام لسان الدين ما صورته وما لمص تفخر بنيلها وألف منه في شنيلها يعني أن الشين عند أهل المغرب عددها ألف فقولنا شنيل إذا اعتبرنا عدد شينة كان ألف نيل انتهى وفيها قيل
( غرناطة ما لها نظير ... ما مصر ما الشام ما العراق )
( ما هي إلا العروس تجلى ... وتلك من جملة الصداق )
وتسمى كورة إلبيرة التي منها غرناطة دمشق لأن جند دمشق نزلوها عند الفتح وقيل إنما سميت بذلك لشبهها بدمشق في غزارة الانهار وكثرة الأشجار حكاه صاحب مناهج الفكر قال ولما استولى الفرنج على معظم بلاد الأندلس انتقل أهلها إليها فصارت المصر المقصود والمعقل الذي تنضوي إليه العساكر والجنود ويشقها نهر عليه قناطر يجاز عليها وفي قبليها جبل شلير وهو جبل لا يفارقه الثلج صيفا وشتاء وفيه سائر النبات الهندي لكن ليس فيه خصائصه انتهى
ومن أعمال غرناطة قطر لوشة وبها معدن للفضة جيد ومنها أعني لوشة أصل لسان الدين بن الخطيب وهذا القطر ضخم ينضاف إليه

والقرى كثير وقاعدته لوشة بينها وبين غرناطة مرحلة وهي ذات أنهار وأشجار وهي على نهر غرناطة الشهير بشنيل
ومن أعمال غرناطة الكبار عمل باغة والعامة يقولون بيغه وإذا نسبوا إليه قالوا بيغي وقاعدته باغه طيبة الزرع كثيرة الثمار غزيرة المياه ويجود فيها الزعفران
ومن أعمال غرناطه وادي آش ويقال وادي الأشات وهي مدينة جليلة قد أحدقت بها البساتين والأنهار وقد خص الله أهلها بالأدب وحب الشعر وفيها يقول أبو الحسن بن نزار
( وادي الأشات يهيج وجدي كلما ... أذكرت ما قضت بك النعماء )
( لله ظلك والهيجير مسلط ... قد بردت لفحاته الانداء )
( والشمس ترغب أن تفوز بلحظة ... منه فتطرف طرفها الأفياء )
( والنهر يبسم بالحباب كأنه ... سلخ نضته حية رقشاء )
( فلذاك تحذره الغصون فميلها ... أبدا على جنباته إيماء )
ومن أعمال وادي آش حصن جليانة وهو كبير يضاهي المدن وبه التفاح الجلياني الذي خص الله به ذلك الموضع يجمع عظم الحجم وكرم الجوهر وحلاوة الطعم وذكاء

آش اثنا عشر ميلا
ومن غرائب الأندلس أن به شجرتين من شجر القسطل وهما عظيمتان جدا إحداهما بسند وادي آش والأخرى ببشرة غرناطة في جوف كل واحدة منهما حائك ينسج الثياب وهذا أمر مشهور قاله أبو عبد الله بن جزي وغيره
وكانت إلبيرة هي المدينة قبل غرناطة فلما بنى الصنهاجي مدينة غرناطة وقصبتها وأسوارها انتقل الناس إليها ثم زاد في عمارتها ابنه باديس بعده

شهرة سرقسطة وبرجة ومالقة وأشبونة
وذكر غير واحد أن في كورة سرقسطة الملح الأندراني الأبيض الصافي الأملس الخالص وليس في الأندلس موضع فيه مثل هذا الملح
قال وسرقسطة بناها قيصر ملك رومة الذي تؤرخ من مدته مدة الصفر قبل مولد المسيح على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام وتفسير اسمها قصر السيد لأنه اختار ذلك المكان بالأندلس
وقيل إن موسى بن نصير شرب من ماء نهر جلق بسرقسطة فاستعذبه وحكم أنه لم يشرب بالأندلس أعذب منه وسأل عن اسمه فقيل جلق ونظر إلى ما عليه من البساتين فشبهها بغوطة جلق الشام وقيل إنها من بناء الإسكندر والله أعلم
وبمدينة برجه وهي من أعمال المرية معدن الرصاص وهي على واد مبهج يعرف بوادي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24