كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

( وخط هذا المقري عن عجل ... مؤملا من ربه عز و جل )
( غفران ما جنى من الذنوب ... والصفح عن معرة العيوب )
( بجاه خير العالمين أحمدا ... صلى عليه الله دأبا سرمدا )
( وآله وصحبه الأخيار ... ومن تلا لآخر الأعصار ) ولما سألني في الإجازة الفاضل الأديب سيدي محمد بن علي بن مولانا عالم الشام الشهير الذكر شيخ الإسلام سيدي ومولاي الشيخ عمر القاري - حفظه الله تعالى ! - وأنا مستوفز للسفر كتبت له عن عجل ما صورته
( أحمد من زين بالآثار ... جيدا من الراوي النبيه القاري )
( وشاد للعلياء في أوج السند ... منازلا لم يبلها طول الأمد )
( وميز الواعين للحديث ... بالفضل في القديم والحديث )
( وزان منهم سماء الدين ... فأشرقت بالحفظ والتبيين )
( فهم بها للمهتدي نجوم ... وإنها للمعتدي رجوم )
( فكم أزاحوا عن حديث المجتبى ... صلى عليه الله ما هبت صبا )
( تحريف ذي غل مضل غالي ... شان لمنهاج الرشاد قالي )
( وبعد فالإسناد للروايه ... وسيلة تزحزح الغوايه )
( والله قد خصص هذي الأمه ... به امتنانا وأزاح الغمه )
( هذا ولولا ذاك قال من شا ... ما شاءه فهو بحق منشا )
( فلم يزل أهل النهى كل زمن ... يسعون في تحصيله عن مؤتمن )

( وإن من جملة من تحرى ... ومن بسبق للعلوم غرا )
( الفاضل المسدد النجيب ... الواصل الممجد الأريب )
( محمد سليل ذي المجد علي ... ابن الإمام العالم الحبر الولي )
( عمرالشيخ الشهير القاري ... طود السكون هضبة الوقار )
( شيخ الشيوخ في دمشق الشام ... لا زال محفوفا بعز سامي )
( فكان من جملة من عني روى ... بعض الصحيح ظافرا بما نوى )
( وبعد ذاك اقترح الإجازة ... مني ووعدها اقتضى إنجازه )
( فانعجمت نفسي عن الإجابة ... إذ لست في ذا الأمر ذا نجابه )
( مع أنني مقصر ذو عي ... في مثل هذا المطلب المرعي )
( وخفت أن آتيها شنعاء بحملي الوشي إلى صنعاء )
( وبعد ذا أجزت قصد الأجر ... مرتجيا بذاك ربح التجر )
( وقد أجبته وإني أعلم ... أني من خوف الخطا لا أسلم )
( فليروها ببالغ التمني ... جميع ما يصح لي وعني )
( من ذلك الجامع للبخاري ... عن عمي الشهير ذي الفخار )
( سعيد الآخذ عن سفين ... عن قلقشندي مزيح المين )
( عن حافظ الإسلام أعني ابن حجر ... بما له من الروايات اشتهر )
( وبعضها في صدر فتح الباري ... مبين لطالب الأخبار )
( ولي أسانيد يطول شرحها ... والروضة الغناء يكفي نفحها )
( ومن رواياتي عن القصار ... مفتي البرايا بهجة الأعصار )
( حدثنا خروف الذاكي الأرج ... عن الشريف الطحطحائي فرج )
( سمعت في المنام طه يملي ... حديث من أصبح وفق النقل )
( أي آمنا في سربه معافى ... في جسمه مع قوت يوم وافى )

( وكل ما ألفت في الفنون ... أرجو به التحقيق للظنون )
( فليروه عني بشرط معتبر ... وربما يصدق الخبر الخبر )
( ولي تآليف على العشرينا ... زادت ثمانيا حوت تعنينا )
( فليروها إن شا بلا استثناء ... والله أرجو نيل قصد نائي )
( بجاه من شرف بالإدناء ... صلى عليه الله في الآناء )
( أحمد خير المرسلين الهادي ... غوث البرايا ملجإ الأشهاد )
( عليه أسنى صلوات زاكيه ... مع صحبه ذوي المزايا الزاكيه )
( ومن تلا ممن أطاب عمله ... فنال من رجائه ما أمله )
( وشم من عرف قبول أرجا ... فنال من حسن الختام ما رجا )
وخاطبني من أهلها أيضا خادم الشيخ الأكبر ابن عربي محيي الدين وهو الشيخ الأكرمي سيدي إبراهيم سلك الله بي وبه سبل المهتدين بقوله
( فكرت في فضل الإمام ... المقري الحبر حينا )
( فوجدته بكر الزمان ... وواحد الدنيا يقينا )
( ما إن رأيت ولا سمعت ... بمثله في العالمينا )
( وافى دمشقا زائرا ... لو أنه اضحى قطينا )
( وأتى عجيب الاتفاق ... بفطر شهر الصائمينا )
( فكأن غرته الهلال ... ونحن كنا ناذرينا )
( والعلم قال مؤرخا ... أدى بها فضلا مبينا )
وخاطبني أيضا منهم الفقيه النبيه سيدي مصطفى بن محب الدين حفظه الله

تعالى بقوله
( فضائل قطب الغرب في العلم والفضل ... هو المقري الأصل حائزة الخصل )
( حوى كل علم كل عن بعضه السوى ... فلا غرو أن أضحى فريدا بلا مثل )
( وحاز فنونا من ضروب معارف ... ومن فضل تحقيق ومن منطق فصل )
( توخى دمشق الشام فافتر ثغرها ... سرورا به وازينت من حلى الفضل )
( وشرف مصرا قبلها فاكتست به ... ملابس فخر زانها كرم الأصل )
( لقد أشرقت من أفق غرب شموسه ... وناهيك أفقا نوره قدره معلي )
( نفاسته فيها تنافست الورى ... بما قد غدا من در ألفاظه يملي )
( ملي من التحقيق إن عن مشكل ... تكفل بالتبيان والشرح والحل )
( إذا ما أدار الدر من كأس لفظه ... سقانا عقار الفضل علا على نهل )
( نظام له يحكي قلائد عسجد ... وثغر مليح فائق الحسن والدل )
( وأسجاعه إن حاك وشي نسيجها ... حكت حبرا حيكت نمارق من غزل )
( له القلم الأعلى بشرق ومغرب ... له الموضع الأسمى على الكل في الكل )
( فيا سيدا حاز المفاخر والعلا ... وفاقت حلى الآداب منه على الحلي )
( إليك من العبد الحقير تحية ... لقد نشأت عن خالص الود من خل )
( موال يوالي الحب والقرب منكم ... بظاهر غيب لا يحيد عن الوصل )
( فلا زلت محبوا بسابغ نعمة ... وفضل نعيم وافر وارف الظل )
( ودمت لدى الأسفار في نجح أوبة ... وجمع لشمل بالمواطن والأهل )
وخاطبني أيضا الشيخ سيدي محمد بن سعد الكلشني بقوله
( شهر شعبان جاءنا ليهنا ... بقدوم الأستاذ كنز الفضائل )

( بهجة الكون روض علم وحلم ... وهو مغني اللبيب إن جاء سائل )
( بمصابيح فضله قد أضاءت ... ساحة الجامع الكبير لآمل )
( وبمختار لفظه صار يحوي ... لحديث مسلسل عن أفاضل )
( ومن الغرب حين وافى لشرق ... فاق بدر التمام وسط المنازل )
( حل مني في القلب والطرف لما ... لاح سعد السعود لي غير آفل )
( وغدا بالأمان والسعد أرخ ... أحمد المقري بالشام قائل )
وقال أيضا شكرا لله تعالى نيته وبلغه أمنيته
( أتاك دمشق الشام أكرم وارد ... فقري به عينا وللحسن شاهدي )
( وهزي دلالا في أزاهر روضه ... معاطف لين كالغصون الأمالد )
( لك البشر يا عيني ظفرت بأمجد ... رفيع الذرى من فوق فرق الفراقد )
( لقد شاع بين الناس واسع فضله ... فكم قاصد يسعى لنيل الفوائد )
( من العالم الفرد المفيد الذي له ... أياد سمت بالجود تولى لقاصد )
( وذاك أبو العباس أحمد من صفت ... مناهله دوما إلى كل وارد )
( تراه إذا وافيته متهللا ... ويبسم حبا في وجوه الأماجد )
( إمام سما قدرا على النجم رفعة ... أرى وصفه في بيت نظم مشاهد )
( لديه ارتفاع المشتري وسعوده ... وسطوة بهرام وظرف عطارد )
( شهدت بأن الله أولاه منحة ... بنقل حديث في جميع المساجد )
( ومذ حل في وادي دمشق ركابه ... وسؤدده وافى بأعدل شاهد )
( حوى كل إفضال وكل فضيلة ... بها يهتدى حقا لنيل المقاصد )
( وماذا عسى في مدحه أنا قائل ... ولو جئت فيه مطنبا بالقصائد )
( إذا رمت أن تلقى نظيرا لمثله ... عجزت ورب الناس عن عد واحد )
( فكم من معان حازها ببيانه ... وفكرته قد قيدت للشوارد )
( ومنطقه حاوي الشفا بجواهر ... صحاح بها يزدان عقد القلائد )

( من الغرب وافى نحو شرق فأشرقت ... شموس علوم أسفرت عن محامد )
( فناديته يا سيدي من فضله ... تواترت الأخبار عن غير واحد )
( عسى عطفة منكم علي بنظرة ... فأنت لموصول الجدا خير عائد )
( وأنت على ريب الزمان مساعدي ... وأنت يميني للحسود وساعدي )
( فلا زلت تولي كل من هو آمل ... لبغيته من صادر ثم وارد )
( وتبقى مدى الأيام في المجد رافلا ... بثوب الهنا تكفى شرور الحواسد )
( وهاك عروسا تجتلي في حليها ... إليك أتت في زي عذراء ناهد )
( تهني بعيد الفطر من بعد صومكم ... بخير جزيل من لذيذ الموائد )
( وترجو جميل الستر إن هي مثلت ... بحضرتك العلياء يا خير ماجد )
( وعش في أمان الله بالعز دائما ... مدى الدهر ماسح الحيا في الفدافد )
- ( وما دارت الأفلاك من نحو ... قطبها وما بزغت شمس الضحى للمشاهد )
وقال أيضا زاده الله تعالى من فضله
( ظبي بوسط الفؤاد قائل ... أعجز بالوصف كل قائل )
( ظبي بأجفانه سباني ... وسحرها ينتمي لبابل )
( يرمي بسهم اللحاظ لما ... يرنو فيصمي الفؤاد عاجل )
( قد فتن العقل مذ تجنى ... علي حتى غدوت ذاهل )
( له قوام كخوط ... بان أو كالقنا السمهري عادل )
( بدر بدا كامل المعاني ... في القلب والطرف عاد نازل )
( قد أسر القلب في هواه ... بقيد حسن وفرع سابل )
( وما بقي منه لي خلاص ... سوى مديحي رضى الأفاضل )
( أعني به المقري من قد ... سما على البدر في المنازل )
( أحمد مولى له أياد ... كالغيث يغني لكل سائل )
( علامة حاز كل فضل ... سبقا ومن بالعلوم عامل )

( من قد نشا في العلوم طرا ... وحاز علم البيان كامل )
( طويل باع بسيط فضل ... مديد جود لكل آمل )
( ووافر العقل راح يهدي ... سريع فضل لكل فاضل )
( وجامع العلم في ابتهاج ... بمنطق في الأصول حافل )
( وهكذا في الكلام مهما ... أفاده في الدروس شامل )
( يروي صحيح الحديث دأبا ... بالسند الواصل الدلائل )
( وكم علوم أفاد من قد ... أتاه في مشكل المسائل )
( وحل إبهام كل شكل ... من فن وفق إلى الوسائل )
( وغاص في لجة المعاني ... واستخرج الدر في المحافل )
( وفي فنون البديع أضحى ... جناسه قد حوى رسائل )
( وكم دليل أقام لما ... برهانه أبهت المعازل )
( إن كان وافى لنا أخيرا ... فهو الذي فاخر الأوائل )
( بحر محيط يفيض منه ... على رياض بكل ساحل )
( وافى من المغرب نحو شرق ... يجوب من فوق متن بازل )
( في مهمه صحصح مهول ... وحزنه كم به غوائل )
( وحث فيه المسير حتى ... خلفه من وراء كاهل )
( وجاء باليمن في أمان ... وصحة الجسم والشمائل )
( وحل في الشام عند قوم ... من أكرم الناس في القبائل )
( ذاك ابن شاهين ذو المعالي ... رب الندى للألوف باذل )
( كأنه الشمس جاء يهدي ... للبدر نورا وليس آفل )
( بل كان غيثا لهم وكانوا ... روضا أريضا لشكر وابل )
( فبجلوه وعظموه ... وادخروا عاجلا لآجل )

( جزاهم الله كل خير ... وصانهم من جدال جاهل )
( وأحمد دام في أمان ... المقري الرضا المعامل )
( لربه في دجى الليالي ... ويرشد الناس في الأصائل )
( لا زال في نعمة وخير ... وفي أمان يعود عاجل )
وخاطبني الأديب الفاضل الشيخ أبو بكر العمري شيخ الأدباء بدمشق حفظه الله تعالى بقوله
( تاهت تلمسان على مدن الدنى ... بعالم في العالمين يحمد )
( المقري أحمد رب الحجى ... الكامل البحر الخضم المزبد )
( مالك هذا العصر شافعيه ... أحمده نعمانه المسدد )
( مذ حل مصر أذعنت أعلامها ... لفضله وبجلوا ومجدوا )
( وفي دمشق الشام دام سعدها ... كان له بها المقام الأسعد )
( العلماء أجمعوا جميعهم ... على معاليه التي لا تجحد )
( أقام شهرا أو يزيد وانثنى ... وفي الحشا منه المقيم المقعد )
( سالت على فراقه دموعنا ... وفي القلوب زفرة لا تخمد )
( لو قيل من يحمد في تاريخه ... ما قلت إلا المقري أحمد )
( لا برحت أوقاته مفيدة ... ما صاح فوق عوده مغرد )
قلت وذكري لكلام أعيان دمشق - حفظهم الله تعالى - ومديحهم لي ليس علم الله لاعتقادي في نفسي فضلا بل أتيت به دلالة على فضلهم الباهر حيث عاملوا مثلي من القاصرين بهذه المعاملة وكسوه حلل تلك المجاملة

مع كوني لست في الحقيقة له بأهل لما أنا عليه من الخطأ والخطل والجهل ولقد خاطبت من مصر مفتي الشام صدر الأكابر وارث المجد كابرا عن كابر ساحب أذيال الكمال صاحب الخلال المبلغة الآمال مولانا شيخ الإسلام الشيخ عبد الرحمن العمادي الحنفي بكتاب لم يحضرني منه الآن غير بيتين في أوله وهما
( يا حادي الأظغان نحو الشآم ... بلغ تحياتي لتلك الخيام )
( وابدأ بمفتيها العمادي الرضى ... دام به شمل الهنا في التئام )
فأجابني بما نصه
( إلى أهالي مصر أهدي السلام ... مبتدئا بالمقري الهمام )
( من ضاع نشر العلم من عرفه ... ولم يضع منه الوفا للذمام ) أهدي تحف التحية إلى حضرته العلية وذاته ذات الفضائل السنية الأحمدية التي من صحبها لم يزل موصولا بطرائف الصلات والعوائد الأوحدية الجامعة التي لها منها عليها شواهد
( وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد )
فيا من جذب قلوب أهل عصره إلى مصره وأعجز عن وصف فضله كل بليغ ولو وصل إلى النثرة بنثره أو إلى الشعرى بشعره ومن زرع حب حبه في القلوب فاستوى على سوقه وكاد كل قلب يذوب بعد بعده من

حر شوقه وظهرت شمس فضله من الجانب الغربي فبهرت بالشروق وأصبح كل صب وهو إلى بهجتها مشوق زار الشام ثم ما سلم حتى ودع بعد أن فرع بروضها أفنان الفنون فأبدع وأسهم لكل من أهلها نصبيا من وداده فكان أوفرهم سهما هذا المحب الذي رفع بصحبته سمك عماده وعلق بمحبته شغاف فؤاده فإنه دنا من قلبه فتدلى وفاز من حبه بالسهم المعلى أدام الله تعالى لك البقا وأحسن لنا بك الملتقى ومن علينا منك بنعمة قرب اللقا آمين بمنه ويمنه هذا وقد وصل من ذلك الخل الوفي كتاب كريم هو اللطف الخفي بل هو من عزيز مصر القميص اليوسفي جاء به البشير ذو الفضل السني الخل الأعز الأجل التاج المحاسني مشتملا على عقود الجواهر بل النجوم الزواهر بل الآيات البواهر تكاد تقطر البلاغة من حواشيه ويشهد بالوصول إلى طرفها الأعلى لموشيه فليت شعري بأي لسان أثني على فصوله الحسان العالية الشأن الغالية الأثمان التي هي أنفس من قلائد العقيان وأبدع من مقامات بديع الزمان فطفقت أرتع من معانيها في أمتع رياض وأقطع بأن في منشئها اعتياضا لهذا العصر عن عياض
( ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها ... عقود مدح فلا أرضى لها كلمي ) ولا سيما فصل التعزية والتسلية المشتمل على عقد التخلية بل عقود التحلية لتلميذكم الولد إبراهيم فإنه كان له كرقية السليم بعد أن كاد يهيم فجاء ولله دره في أحسن المحال ووقع الموقع حتى كأن الولد نشط ببركته من عقال
( وإذا الشيء أتى في وقته ... زاد في العين جمالا لجمال ) ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !

فجزاكم الله تعالى عنا أحسن الجزاء ثم أحسن لكم جميل العزاء فيمن ذكرتم من كريمتي الأصل والفرع وأبقى منكم ماكثا في الأرض من به للناس أ ' م النفع وأما من كان وليي وسميي ومنجدي الشهيد السعيد المرحوم الشيخ عبدالرحمن المرشدي فإنها وإن أصابت من ومنكم الأخوين فقد عمت الحرمين بل طمت الثقلين ولقد عد مصابه في الإسلام ثلمة وفقد به في حرم الله تعالى من كان يدعى للململة ولم يبق بعده إلا من يدعي إذا يحاس الحيس واستحق أن ينشد في حقه وإن لم يقس به قيس
( وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما ) فالله تعالى يرفع درجاته في عليين ويبقي وجودكم للإسلام والمسلمين وتلامذتكم الأولاد يرجون من بركات أدعيتكم أعظم الأمداد ويهدون أكمل التحبة إلى حضرتكم العلية ونبلغكم دعاء صاحب السعادة أدام الله تعالى إسعادكم وإسعاده ونحن من صحبته الشهية في رياض فنون أديبة أبهاها لمعات محاضرة في ذكر شمائلكم الجملية تنور المجالس وأشهاها نسمات محاورة بنشر فضائلكم الجليلة تعطر المجالس وسلام جملة الأصحاب من أهل الشام وعامة الخواص والعام والدعاء على الدوام المخلص الداعي عبد
الرحمن العمادي مفتي الحنفية بدمشق المحمية ووردت علي مع المكتوب المذكور مكاتبات لجماعة من أعيان الشام حفظهم الله تعالى فمنها من الصديق الحميم الرافل في حلل المجد الصميم الخطيب الأديب سيدي الشيخ المحاسنى يحيى أسمى الله تعالى قدره في الدين والدنيا كتابان نص أولهما باسمه سبحانه

( لئن حكمت أيدي النوى و تعرضت ... عوارض بين بيننا وتفرق )
( فطرني إلى رؤياكم متشوف ... وقلبي إلى لقياكم متشوق )
يقبل الأرض الشريفة لا زالت مركزا لدائرة التهاني وقطبا لفلك تجري المجرة في حجرته على الدقائق والثواني ولا برحت ألسن البلاغة عن تمييز براعة يراعه حامي حماها معربة وبلابل الآداب على الأغصان في رياض فضله بمثاني الثناء صادحة وبألحان سجعها مطربة
( أرض بها فلك المعالي دائر ... والشمس تشرق والبدور تحوم )
( ولها من الزهر المنضد أنجم ... ولها على أفق السماء نجوم )
عمر الله تعالى بالمسرات محلها وعم بالخيرات من حلها ويبتديء بسلام يخبر عن صحيح وده السالم ومزيد غرام يؤكد حبه الذي هو للولاء حازم وينعت شوقا يحرك ما سكن صميم الضمير من صدق حب سلم جمعه من التكسير ويؤكد السلام بتوابع المدح والثناء ويعرب عن محبة مشيدة البناء وينهى أن السبب في تسطيرها والباعث على تحريرها أشواق أضرم نارها في الفؤاد ومحبة لو تجسمت لملأت البلاد وأقول
( شوقي لذاتك شوق لا أزال أرى ... أجده يا إمام العصر أقدمه )
( ولي فم كاد ذكر الشوق يحرقه ... لو كان من قال نار أحرقت فمه )
هذا وإن تفضل المولى بالسؤال عن حال هذا العبد فهو باق على ما تشهد الذات العلية من صدق المحبة ورق العبودية ولم يزل يزين أفق المجالس بذكركم ولا يقتطف عند المحاضرة إلا من زهركم ولم ينس حلاوة العيش في تلك الأوقات التي مضت في خدمتكم المحروسة بعناية الملك المتعال وليالي الأنس التي قيل فيها وكانت بالعراق لنا ليال

( واها لما من ليال هل تعود كما ... كانت وأي ليال عاد ماضيها )
( لم أنسها مذ نأت عني ببهجتها ... وأي أنس من الأيام ينسيها )
فنسأل الله تعالى أن يمن بالتلاق ويفصل مانعة الجمع بطي شقة الفراق إن ذلك على الله يسير وهو على جمعهم إذا يشاء قدير وبعد فالمعروض على مسامع سيدي الكريمة لا زالت من كل سوء سليمة أنه وصلنا مكتوبكم الكريم صحبة العم المحب القديم فحصل لهذا العبد به جبر عظيم وأنس جسيم كما شهد بذلك السميع العليم فعزمت على ترك الإجابة لعدم الإجادة ومتى تبلغ الألفاظ المذمومة ما بلغته الألفاظ المقرية وأين يصل صاحب الزمر كما قيل إلى الدقات الخليلية ولكنني خشيت من ترك الإجابة توهم نقض ما أبنيه من رق العبودية وصحة الوداد ومن انقطاع برق شيخي الذي هو لبيت شرفي العمدة والعماد فلزم من ذلك أن كتبت لجنابه الشريف الجواب وإن كان خطؤه أكثر من الصواب وأرسلته قبل ذلك بعشرة أيام ومكتوب هذا العبد صحبته مكتوبان أحدهما من محبكم شيخ الإسلام المفتي العمادي والآخر من محبكم أحمد أفندي الشاهيني وهما وبقية أكابر البلدة وأعيانها يبلغونكم السلام التام ولا تؤاخذونا في هذا المكتوب فإني كتبته عجلا ومن جنابكم خجلا دام خيركم على الدوام إلى قيام الساعة وساعة القيام وحرره يوم الاثنين 11 من جمادى الثانية سنة 1038 الفقير الداعي يحيى المحاسني انتهى
ونص الكتاب الثاني من المذكور أسماه الله باسمه سبحانه مخلصك الذي محض لك وداده ومحبك الذي أسلم لمحبتك قياده بل عبدك الذي لا يروم الخروج عن رقك وتلميذك الذي لم يزل مغترفا من فيض علومك معترفا بحقك من أسكنك لبه وأخلص لك حبه وأتخذك من بين الأنام ذخرا نافعا وكهفا مانعا ومولى رفيعا وشهابا ساطعا وتشبث بأسباب علومك

وتمسك يهدي إليك سلاما كأنما تعطر بمسك ثنائك وتمسك واكتسب من لطف طبعك الرقة واستعار من سنا وجهك حلة مستحقة وتحية لم يكن مناه إلا أن تكون بالمواجهة والمحاضرة والمشافهة على أن فؤاده لم يبرح لك سكنا وأحشاءه لك موطنا ويبدي دعوات يحقق الفضل أنها من القضايا المنتجة وأن أبواب القبول لها غير مرتجة مقبلا أياديك التي وكفت بوابل جودها وكفت المهم بنتائج سعودها وحاكت الوشي المرقوم وسلكت الدر المنظوم فهذا يرفل في حللها وهذا يتحلى بعقودها [ فهي التي تعنو الرياض لرقمها ... ويغار منها الدر في تنضيدها (
( ويحار أرباب البيان لنظمها ... فهم بحضرتها كبعض عبيدها )
متمسكا من ولائك بوثيق العرى متمسكا من ثنائك الذي لا يزال الكون منه معنبرا متشوقا للقائك الذي بالمهج يستام وبالنفوس يشتري متشوقا إلى ما يرد من أنبائك التي تسر خبرا وتحمد أثرا أعني بذلك المولى الذي أقام بفناء الفسطاط مخيما وانتجع حماه رائد الفضل ميمما وشدت لفضائله الرحال ووقفت عندها بل دونها فحول الرجال وطلعت شموس علومه في سماء القاهرة فاختفت نجوم فضلائها والأشعة باهرة
( هو الشمس علما والجميع كواكب ... ذا ظهرت لم يبد منهن كوكب )
فهو العالم الذي سرى ذكره في الآفاق مسير الصبا جاذب ذيلها النسيم الخفاق الذي أطلع شمس التحقيق من أفق بيانه وأظهر بدر التدقيق من تبيانه فلهذا عقدت عليه الخناصر بين علماء عصره وانعطفت إليه الأواصر من فضلاء مصره فلا يضاهيه في ذلك أحد في زمانه وينسق ما نسقه من دره ومرجانه فهو المعول عليه في مشكلات العلوم معقولها ومنقولها والمنطوق والمفهوم الذي لم تسمح بمثله الأزمان والعصور ولم يأت بنظيره تتابع الأعصار

والدهور من عجز لسان القلم عن التصريح باسمه الشريف في هذا الرقم لا زالت المدارس مشرقة بإلقائه فيها الدروس ولا برحت البقع عامرة بوجوده بعد الدروس ما سطرت آيات الأشواق في الصحائف والطروس وأرسلت من تلميذ إلى أستاذ بسبب نسبته إليه فحصل على المطلوب من شرف النفوس هذا والذي يبدي لحضرتكم وينهي لطلعتكم أن الراقم لهذه الصحيفة المشرفة ببعض أوصافكم اللطيفة المرسلة لساحة فضائلكم المنيفة هو تلميذكم من تشرف بدرسكم وافتخر بإجازتكم يبدي لكم تلهفه لنيران أشواقه التي التهبت وتأسفه على الأيام السالفة مذهبة في خدمتكم لا ذهبت وتوجعه لهذه الأزمان التي استرجعت بالبعد عنه من ذمته ما وهبت وتطلعه إلى ما يشنف به الأسماع من فضائله التي سلبت العقول وانتبهت فلم يزل يسأل الرواة عنها ليلتقط منها وقد تحقق أن فرائدها لا يلفي لها نظيرا ولا يدرك لها كنها وكيف لا ومنها يتعلم الفاضل اللبيب وإليها يفتقر السعيد ويتودد حبيب وعليها يعتمد ابن العميد ولم تنفك راقية في درج المزيد وعبد الحميد عبد الحميد وعلم شيخي محيط بصدق محبتي وإخلاصها وشدة حرصي على تحصيل فوائد مولانا واقتناصها وأنني لا أزال ذاكرا لمحاسنه التي ليست في غيره مجموعة ومتطفلا على ثمار أفكاره التي هي لا مقطوعة ولا ممنوعة وخاطره الشريف على الحقيقة يشهد بذلك فلا يحتاج هذا العبد إلى بينة لدى مولانا الأستاذ المالك وحقيق على من فارق تلك الأخلاق الغر والشمائل الزهر والعشرة المعشوقة والسجايا الموموقة والفضائل الموفورة والمآثر المشهورة أن يشق جيب الصبر ويجعل النار حشو الصدر [

إني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر ولو ملكت مرادي لما اخضر إلا في ذراه مرادي بل لو دار الفلك على اختياري لما نضوت إلا عنده ليلي ونهاري [
( لو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الزمان )
( وتحت ضلوعي لوعة لو كتمتها ... لخفت على الأحشاء أن تتضرما )
( ولو بحت في كتبي بما في جوانحي ... لأنطقتها نارا وأبكيتها دما ) وأنا لا أقترح على الدهر إلا لقياه ولا أقطع حاضر الوقت إلا بذكراه وما عدا أيامي التي سعدت فيها بلقائه إلا مفاتح السرور ومطالع السعود والحبور ولست أعيبها إلا بقلة البقاء وسرعة الانقضاء وكذلك عمر السرور قصير والدهر بتفريق الأحبة بصير وربما اهتز العود بعد الذبول وطلع النجم بعد الأفول وأديل الوصال من الفراق وعاد العيش المر حلو المذاق [ بحر
( وما أنا من أن يجمع الله شملنا ... كأحسن ما كنا عليه بآيس ) فأما الآن فلا أزجي الوقت إلا بقلب شديد الاضطراب وجوانح لا تفيق من التوقد والالتهاب وكيف لا وحالي حال من ودع صفو الحياة يوم وداعه وانقطع عنه الأنس ساعة انقطاعه وطوى الشوق جوانحه على غليل وحل أضلاعه على كمد دخيل وأغرى بي فلزمني ولزمته وألف بيني وبين الوجد فألفني وألفته فلا أسلك للعزاء طريقا إلا وجدته مسدودا ولا أقصد للصبر بابا إلا ألفيته مردودا ولا أعد اليوم بعد فراق سيدي إلا شهرا والشهر دون لقائه إلا دهرا ولست بناس أيامنا التي هي تاريخ زماني وعنوان الأماني إذ ماء الاجتماع عذب وغصن الازدياد رطب وأعين الحواسد راقدة

وأسواق صروف الدهر كاسدة فما كانت إلا لمحة الطرف ووثبة الطرف ولمعة البرق الخاطف وزورة الخيال الطائف وما تذكر تلك الأيام في أكناف فضائله ونضرتها ورياض علومه في ظله وخضرتها إلا أوجب على عينه أن تدمع وانثنى على كبده خشية أن تصدع ثم لما ورد على عبدكم مكتوبكم الكريم صحبة حضرة العم المحب القديم فكان كالعافية للصب السقيم كما يشهد بذلك السميع العليم فوقف له منتصبا وخفف عنه برؤيته وصبا وذكر أيام الجمع فهام وجدا بها وصبا فاستخفه الإعجاب طربا وشاهد صدوره فقال هكذا تكون الرياض وعاين لطفه فقال هكذا تكون الصبا وقبل كل حرف منه ووضعه على الرأس وحصل له بعد ترقبه غاية المجاورة والاستئناس فعند ذلك أنشد قول بعض الناس [
( ورد الكتاب فكان عند وروده ... عيدا ولكن هيج الأشواقا )
( ألفاته قد عانقت صاداته ... كعناق مشتاق يخاف فراقا )
( فكأنما النونات فيه أهلة ... كأنما صاداته أحداقا )
( فعسى الإله كما قضى بفراقنا ... يقضي لنا يوما بأن نتلاقى )
فجعلته نصب عيني أتسلى به عند استيلاء الشوق على قلبه وأطفىء بتأمله نيران وجدي إذا التهبت في صدري وسررت به سرور من وجد ضالة عمره وأدرك جميع أمانيه من دهره وأنست بتصفحه أنس الرياض بانهلال القطر والساري بطلوع البدر والمسافر بتعريس الفجر وكيف لا وقد أصبح في وجه الأماني خدا بل في خدها وردا وصار حسنة من حسنات دهري

لا يمحو مرور الأيام موضعها من صدري وطلعت طوالع السرور وكانت آفلة واهتزت غصون الفرح وكانت ذابلة لا سيما لا تضمن من البشارة السارة بصحة المولى وسلامته وحلوله في منازل عزه وكرامته وموعده الكريم بعوده إلى دمشق الشام سقاها صوب الغمام مرة ثانية ويتم افتخارها على غيرها فلا تزال مفاخرة مباهية نسأل الله تعالى أن يحقق ذلك وأن يسلك بسيدي أحسن المسالك إنه سبحانه وتعالى سامع الأصوات ومجيب الدعوات فإن عودكم يا سيدي والله مرة أخرى هو الحياة الشهية والأمنية التي ترتجي النفس بلوغها قبل المنية وما أنا من الله بآيس من أن يتيح سببا يعيد المزار مقتربا والشمل مجتمعا وحبل البين منقطعا ثم ليعرض على مسامع سيدي الكريمة لا زالت من كل سوء سليمة أنا أوصلنا مكاتيبكم كما أمرتم لأربابها لا سيما مكتوب شيخ الإسلام سيدي عبد الرحمن أفندي المفتي يالشام ومكتوب المولى الأعظم والهممام الأفخم أحمد أفندي الشاهيني أعزه الله تعالى فإنه وقع عنده الموقع العظيم وحصل له به السرور المقيم كما يدل إلى ذلك جوابه الكريم المحفوف بالتعظيم والتكريم غير أنه قد ساءنا ما اتصل بمولانا من نفوذ قضاء الله تعالى الذي يعم في البنت والأم فجعل الله تعالى في عمر سيدي البركة ! وكان له في السكون والحركة ! وماذا عسى أن يذكر لجنابكم في أمر التعزية ويقرر ومنكم يستفاد مثله وعنكم يحرر والأستاذ أدرى بصروف الدهر وتفننها وأحوال الزمان وتلونها وأعرف بأن الدنيا دار لها بسكانها مدار وأن الحياة ثوب مستعار ونعيم الدنيا وبؤسها ما لواحد منهما فيها قرار وأن لكل طالع أفولا ولكل ناضر ذبولا ووراء كل ضياء ظلاما ولكل عروة من عرى الدنيا انفصاما فهو

محل لأن يقوى في العزاء عزائمه ويصغر في عينه نوائب الدهر وعظائمه ويغنيه عن عظة تجد له مقالا وتحل عن عقله عقالا وهو يتلقى المصائب بفكر ثاقب وفهم صائب وصبر يقصر عنه الطود الأشم وعزم ينفلق دونه الصخر الأصم وحلم يرجح إذا طاشت الأحلام وقدم تثبت إذا زلت الأقدام ومد المقال في ضرب الأمثال إلى جنابكم الشريف نوع من تجاوز حد الإجلال وأنا أسأل الله تعالى أن يجعل هذه المصيبة خاتمة ولا يريه بعدها إلا دولة قائمة ونعمة دائمة وأن يحرسه من غير الليل والنهار ويجعله وارث الأعمار بجاه نبينا محمد المختار على آله وصحبه الأطهار بمنه وكرمه
ثم أبلغ سيدي - أطال الله عمره وشرح صدره ونشر بالخير ذكره ! - السلام التام المقرون بألف تحية وإكرام من أهل البلدة جميعا لا سيما من مفتيها العمادي حرس الله ذاته التي هي منهل للصادي والغادي وأولاده الكرام المستحقين للإعزاز والإكرام ومن كبيرها ومدبرها ومشيرها أحمد أفندي الشاهيني أعزه الله تعالى بعزه وجعله تحت كنفه وحرزه ! ومن خطيبها مولانا الشيخ أحمد البهنسي ونقيب أشرافها مولانا السيد كمال الدين وجميع المحبين الداعين لذلكم الجناب والمتمسكين بتراب تلكم الأعتاب ومن الوالد والعم والله يا سيدي إنه ناشر لواء الثناء والمحامد وداع لذلك الجناب الكاسب للمفاخر والمحامد وحضرة شيخنا شيخ الإسلام وبركة الشام مولانا وسيدنا الشيخ عمر القاري أبقى الله تعالى وجوده وضاعف علينا إحسانه وجوده وأولاده يسلمون عليكم السلام الوافر وينهون لكم الشوق المتكاثر وحرر في 2 جمادى الثانية سنة 1038 المحب الداعي يحيى المحاسني انتهى وكتب إلي عمه الفاضل الأسمى ما صورته باسمه سبحانه وتعالى

( وإني لمشتاق إلى وجهك الذي ... تهلله أهدى السناء إلى البدر )
( وأخلاقك الغر اللواتي كأنها ... تساقط أنداء الغمام على الزهر ) سيدي الذي عبوديتي إليه مصروفة ودواعي محبتي لديه موفورة وعليه موقوفة علم الله سبحانه أنني لا أزجي أوقاتي إلا بذكراه ولا أرجي اليمن من ساعاتي إلا باستنشاق نسيم رياه وأنني إلى طلعته أشوق من الصادي إلى ماء صداء ومن كثير عزة إلى نوء تيماء
( يرنحني إليك الشوق حتى ... أميل من اليمين إلى الشمال )
( ويأخذني لذكراك اهتزاز ... كما نشط الأسير من العقال )
ولي على صدق هذه الدعوى من نباهة لبه شاهد معدل ومن نزاهة قلبه مزك غير ملوم ولا معذل كيف لا ومطالع البيان مشرقها من أفلاك فهومه وجواهر التبيان مقذفها من بحار علومه وهو بحر العلم الذي لا يقتحم بسفن الأفكار وجبل الحلم الذي رسخ بالهيبة والوقار
( لو اقتسمت أخلاقه الغر لم تجد ... معيبا ولا خلقا من الناس عائبا )
وماذا عسى أصف به مولانا وقد عجز عن وصفه لسان كل واصف وحار في بث فضائله أرباب المعارف والعوارف
( فلو نظمت الثريا ... والشعريين قريضا )
( وكاهل الأرض ضربا ... وشعب رضوى عروضا )
( وصفت للدر ضدا ... وللهواء نقيضا )
ولكنني أقول الثناء منجح أنى سلك والسخي جوده بما ملك وإن لم يكن خمر فخل وإن لم يصبها وابل فطل هذا وقد أوصلنا مكاتيبكم

الشريفة لأربابها فكانت لديهم أكرم قادم وأشرف منادم وقد تداولها الأفاضل وشهدوا أنها من بنات الأفكار التي لم يكشف عنها لغير سيدي حجب الأستتار وقد وجدنا كلا منهم ملتهبا بجمرات الشوق متجاوزا حد الصبابة والتوق ليس لهم شغل إلا ذكر أوصافكم الحميدة وبث ما أبديتموه بدروسكم المفيدة وما منهم إلا ويرجو بل الصدى ونقع الظما برؤية ذلك المحيا والتملي بتلك الطلعة العليا وإن سأل سيدي عن أخبار دمشق المحروسة دامت ربوعها ربوعها المأنوسة فهي ولله الحمد منتظمة الأحوال أمنها الله من الشرور والأهوال ولم يتجدد من الأخبار ما نعلم به ذلكم الجناب لا زال ملحوظا بعين عناية رب الأرباب وأنا أسأل الله تعالى أن يصون جوهر تلك الذات من عوارض الحدثان وأن يحمي تلك الحضرة العلية من طوارق حكم الدوران
( آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أضيف إليها ألف آمينا )
وهذا دعاء للبرية شامل - العبد الداعي بجميع البواعث والدواعي تاج الدين المحاسني عفا الله تعالى عنه انتهى
وبالهامش ما صورته وكاتب الأحرف العبد الداعي محمد المحاسني يقبل يدكم الشريفة ويخصكم بالسلام الوافر ويبث لديكم الشوق المتكاثر غير أنه قد نازعته نفسه في ترك المعاتبة لسيده الذي لم يسعد عبده منه بالمكاتبة على أنها مكاتبة تحكم عقد العبودية ولا تخرج رقبته من طوق الرقية والمطلوب أن يخصه سيده وشيخه بدعواته المستطابة التي لا شك أنها مستجابة كما هو في سائر أوقاته وحسبان ساعاته ودمتم وحرر في رابع جمادى الثانية سنة 1038 انتهى
وكتب سيدي التاج المذكور لي ضمن رسالة من بعض الأصحاب ما صورته
( يا فاضل العصر يا من ... للشرق والغرب شرف )

( يا أحمد الناس طرا ... في كل ما يتصرف )
( يهدي إليك محب ... دموعه تتذرف شوقا )
( وودا قديما ... منكرا يتعرف ) ولنختم مخاطبات أهل دمشق لي بما كتبه لي أوحد الموالي الكبراء السري عين الأعيان صدر أرباب البلاغة والبيان مولانا أحمد الشاهيني السابق الذكر في هذا التأليف مرات ضاعف الله تعالى لديه أنواع المبرات والمسرات آمين ليكون مسكا للختام إذ محاسنه ليس بها خفاء ولا لها انكتام ونص محل الحاجة منه هو الفياض
( يا سيدا أحرز خصل العلا ... بالبأس والرأي الشديد السديد )
( ومن على أهل النهى قد علا ... بطبعه السامي المجيد المجيد )
( ومن يزين الدهر منه حلى ... قول نظيم كالفريد النضيد )
( ومن صدا فكري منه جلا ... نظم له القلب عميد حميد )
( ومن له من يوم قالوا بلى ... في مهجتي حب جديد مزيد )
( ومن غدا بين جميع الملا ... بالعلم والحلم الوحيد الفريد )
( أفديك بالنفس مع الأهل لا ... بالمال والمال عتيد عديد )
( أقسم بالله الذي علت كلمته وعمت رحمته وسحرت القلوب والعقول رأفته ومحبته وجعل الأرواح جنودا مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف أنني أشوق إلى تقبيل أقدام شيخي من الظمآن للماء ومن الساري لطلعة ذكاء وليس تقبيل الأقدام مما يدفع عن المشوق الأوام وقد كانت الحال هذه وليس بيني وبينه حاجز إلا الجدار إذ كان حفظه الله تعالى جار الدار فكيف الآن بالغرام وهو حفظه الله تعالى بمصر وأنا بالشام

وليس غيبة مولانا الأستاذ عنا إلا غيبة العافية عن الجسم المضني بل غيبة الروح عن الجسد البالي المطروح ولا العيشة بعد فراقه وهجر أحبابه وفاقه إلا - كما قال بديع الزمان - عيشة الحوت في البر والثلج في الحر وليس الشوق إليه بشوق وإنما هو العظم الكسير والنزع العسير والسم يسري ويسير وليس الصبر عنه بصبر وإنما هو الصاب والمصاب والكبد في يد القصاب والنفس رهينة الأوصاب والحين الحائن وأين يصاب ولا أعرف كيف أصف شرف الوقت الذي ورد فيه كتاب شيخي بخطه مزينا بضبطه بلى قد كان شرف عطارد حتى اجتمع من أنواع البلاغة عندي كل شارد وأما خطه فكما قال الصاحب ابن عباد أهذا خط قابوس أم جناح الطاووس أو كما قال أبو الطيب
( من خطه في كل قلب شهوة ... حتى كأن مداده الأهواء ) وأنا أقول ما هو أبدع وأبرع وفي هذا الباب أنفع وأجمع بل هو خط الأمان من الزمان والبراءة من طوارق الحدثان والحرز الحريز والكلام الحر الإبريز والجوهر النفيس العزيز وأما الكتاب نفسه فقد حسدني عليه إخواني واستبشر به أهلي وخلاني وكان تقبيلي لأماليه أكثر من نظري فيه شوقا إلى تقبيل يد وشته وحشته واعتيادا للثم أنامل جسته ومسته وأما اليراعة فلا شك أنها ينبوع البراعة حتى جرى من سحر البلاغة منها ما جرى
( فجاء الكتاب كسحر العيون ... بما راح يسبي عقول الورى ) وينادي بإحراز خصل سحر البيان من الثريا إلى الثرى ولم أر كتابا قبل تكون محاسنه متداخلة مترادفة ولطائفه وبدائعه متضاعفة متراصفة وذلك لأنه سرد من غرر درره الأحاسن وورد على يد رأس أحبابنا تاج بني محاسن
( أولئك قوم أحرزوا الحسن كله ... فما منهم إلا فتى فاق في الحسن )

وكما قلت فيهم أيضا
( فبنو المحاسن بيننا ... كبنى المنجم في النجابه )
( فهم القرابة إن عد مت ... من الأنام هوى القرابه )
( فيهم محاسن جمة ... منها الخطابة والكتابه )
ثم لم يكتف سيدي وشيخي بما أنعم به وأحسن بكتبه من كتابه المزين بخطه المبين بضبطه المسمى بين أهل الوفاء بكتاب الأصفياء حتى أضاف إليه كتاب الشفاء في بديع الاكتفاء كأنه لم يرض طبعه الشريف المفرد المستثنى إلا أن تكون حسناته لدى أحبابه مثنى مثنى حتى كأن مراده بتضعيف هذا الإكرام والإحسان تعجيز العبد عن أداء خدمة الحمد بحصر البيان وعقد اللسان إذ لست ذا لسانين حتى أؤدي شكر إحسانين وغاية البليغ في هذا المضمار الخطير أن يعترف بالقصور ويلتزم بالتقصير
ومن فصول هذا الكتاب ما نصه ومن باب إدخال السرور على سيدي وشيخي وبركتي خبر المدرسة الداخلية التي تصدى لها ذلك المولى العظيم والسيد الحكيم صدر الموالي ورونق الأيام والليالي سيدي وسندي وعمادي ومعتمدي الفهامة شيخي أفندي المعروف بالعلامة حفظه الله ووقاه وأبقاه ! الذي صدق عليه وعلي قول الأول
( ولي صديق ما مسني عدم ... مذ وقعت عينه على عدمي )
( أغنى وأقنى فما يكلفني ... تقبيل كف له ولا قدم )
( قام بأمري لما قعدت به ... ونمت عن حاجتي ولم ينم )
وقول الثاني
( صديق لي له أدب ... صداقة مثله نسب )
( رعى لي فوق ما يرعى ... وأوجب فوق ما يجب )

( فلو نقدت خلائقه ... لبهرج عندها الذهب ) ولعمري إنه كذلك قد تصدى لحاجتي فقضاها ولحجتي فأمضاها ولم يكن لي في الروم سواه وسواها وما أصنع بالروم إذا تخلف عني ما أروم أبى الله إلا أن ينفعني ذلك الحر الكريم بنهيه وأمره وأن يكون بياني وبناني مرتبطين بحمده وشكره وهذه حاجة في نفسي قضيتها وأمنية رضيت بها وأرضيتها ولله الحمد
ولست أحصي ولا أستقصي يا سيدي ومولاي شوق أخيكم سيدي ومولاي المفتي العمادي حفظه الله تعالى وإياكم ! وقد بلغ به شوقه وغرامه وتعطشه [ وهيامه ] وأوامه أن أفرد لجناب مولانا كتابا يستجلب مفخرا وجوابا إذ الشام كما رأيتم عبارة عن وجوده الشريف والسلام وكذلك أولاده الكرام تلامذتكم يقبلون الأقدام وأما محبكم وصديقكم الشيخ البركة شيخ الإسلام مولانا عمر القاري فقد بلغته سلام سيدي فكان جوابه الدعاء والثناء مع العزيمة علي بأن أبالغ لجنابكم الكريم في تأدية سلامه وتبليغ ما يتضمنه من المحبة الخالصة فصيح كلامه
وأما الكريميان ولدكم محمد أفندي وأخوه سيدي أكمل الدين فهما لتقبيل أقدامكم من المستعدين
وكذلك لا أحصي ما هما عليه من الدعاء والثناء لجنابكم الكريم العالي تلميذاكم بل عبداكم ولدنا الشيخ يحيى ابن سيدي أبي الصفاء وولدنا الشيخ محمد بن سيدي تاج الدين المحاسنيان
وأما عبداكم وتلميذاكم ولداي الشيخان الداعيان الأخوان الشيخ عبد السلام والقاضي نعمان فليس لهما وظيفة إلا الدعاء والثناء في كل صبح ومساء لأن كلا منهما خليفتي والأشتغال بالدعاء لسيدي وظيفتي ولا يقنعان بتقبيل اليدين الكريمتين ولا بد من تقبيل القدمين المباركتين وبعد فلا ينقضي عجبي من بلاغة كتابكم الشريف الوارد لجناب أخيكم المفتي العمادي حفظكم الله تعالى وإياه ولا كان من يشناك ويشناه وعجبه به أعظم وأكبر

إذ هو - حفظه الله - بفهم كلام سيدي أحق وأجدر فلا عدمنا تلك الأنفاس الملكية الفلكية من كل منكما إذ هي والله البغية والأمنية كما قلت
( ليس فخري ولا اعتدادي بدهر ... غير دهر أراكما من بنيه )
اللهم اختم هذا الكلام للقبول التام بالصلاة على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ومن فصول هذا الكتاب ما صور ته أطال الله يا سيدي بقاءك ولا كان من يكره لقاءك ورعاك بعين عنايته ووقاك ! وأدامك وأبقاك وضمن لك جزاء الصبر ! وعوضك عن مصابك الخير والأجر ولقد كنت عزمت على أن أجعل في مصاب سيدي بأمه متعه الله بعمره وعلمه ودفع عنه سورة همه وغمه ! قصيدة تكون مرثية تتضمن تعزية وتسلية فنظرت في مرثية أبي الطيب المتنبي لأمه واكتفيت بنظمها ونثرها وعقدها وحلها وانتخبت قوله منها
( لك الله من مفجوعة بحبيبها ... قتيلة شوق غير مكسبها وصما ) ومنها
( ولو لم تكوني بنت أكرم والد ... لكان أباك الضخم كونك لي أما )
( لئن لذ يوم الشامتين بيومها ... لقد ولدت مني لآنفهم رغما ) فقلت هذه حال مولانا الراغم لأنوف الأعدا المجدد لأسلافه حمدا ومجدا القاتل بشوقه لا خطأ ولا عمدا ثم إني لما رأيت قوله في مرثية أخت سيف الدولة
( إن يكن صبر ذي الرزية فضلا ... تكن الأفضل الأعز الأجلا )
( أنت يا فوق أن تعزى عن الأحباب ... فوق الذي يعزيك عقلا )
( بألفاظك اهتدى فإذا عزاك ... قال الذي له قلت قبلا )

قد بلوت الخطوب حلوا ومرا ... وسلكت الأيام حزنا وسهلا )
( وقتلت الزمان علما فما يغرب ... قولا وما يجدد فعلا )
قلت هذه والله حلى مولانا الأستاذ الذي عرف للزمان فعله وفهم قوله قد استعارها أبو الطيب وحلى بها مخدومه سيف الدولة وكيف أستطيع إرشاد شيخي لطريق الصبر وأذكره بالثواب والأجر وكيف وأنا الذي استقيت من ديمه واهتديت إلى سبيل المعروف بشيمه وسلكت جادة البراعة بهداية ألفاظه وارتقيت إلى سماء البلاغة برعاية ألحاظه وهل يكون التلميذ معلما وهل يرشد الفرخ قشعما وكيف يعضد الشبل الأسد وهو ضعيف المنة والمدد ومن يعلم الثغر الابتسام والصدر الالتزام ويختبر الحسام وهو مجرب صمصام وهل تفتقر الشمس في الهداية إلى مصباح وهل يحتاج البدر في سراه إلى دلالة الصباح ذلك مثل شيخي ومثل من يرشده إلى فلاح أو نجاح وإنما نأخذ عنه ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة ونحذو حذوه في الطريق الموصلة إلى الجنة ثم لما وصلت في هذه القصيدة إلى قول أبي الطيب
( إن خير الدموع عينا لدمع ... بعثته رعاية فاستهلا )
رأيته قد أبدع في كل الإبداع ونظم ما يكاد يجري الدمع من طريق السماع فقلت إنا لله ! وأكثرت الاسترجاع وقلت في نفسي إن ذلك الدمع الذي بعثته رعاية الحقوق هو دمع شيخي الذي حمى الله قلبه الشفوق من العقوق للمصيبة في الأم التي حزنها يغم ومصابها يعم وكيف لا يعمنا مصابها وقد كمل للمصيبة كفاها الله بموتها نصابها هذا مع الفقد للسليلة الجليلة والكريمة الخليلة وأي دمع لم تبعثه تلك الرعاية وأي نفس لا تتمنى أن تكون لسيدنا من كل ما يكره وقاية وأي كبد قاسية لم تكن لأحبابها مواسية وأنى يتسنى للعبد المعنى تسلية شيخه وهو الصبور الشكور العارف بالأمور العالم بتصاريف الدهور وما ظننت أن بناني 11 يساعدني على تحرير

بياني لتعزية شيخي حفظه الله تعالى في أصله وفرعه وضرعه وزرعه وفرعه ونبته وأمه وبنته أما الوالدة الماجدة فإني إن أمسكت عن بيان كرم أصلها يسمو بها كرم فرعها ونسلها فرحم الله تعالى سلفها وأبقى خلفها ولا حرم سيدي ثمرة رضاها ورضي عنها وأرضاها وأما المخدرة الصغيرة فالمصيبة فيها كبيرة إذ العمومة مقرية والخؤولة وفائية فهي ذات النجارين وحائزة الفخارين كأن سيدي - أعزه الله تعالى ! - لم يرض لها كفوا ومهرا فاختار القبر أن يكون له صهرا وخطبة الحمام لا يمكن ردها وسطوة الأيام لا يستطاع صدها كما قال أبو الطيب المتنبي أيضا
( خطبة للحمام ليس لها رد ... وإن كانت المسماة ثكلا )
( وإذا لم تجد من الناس كفؤا ... ذات خدر أرادت الموت بعلا ) أسأل الله تعالى أن تكون هذه الخطبة قافية الخطوب وهذا الندب المبرح آخر الندوب وأن يعوض سيدي عن حبيبه المبرقع المقنع حبيبا معمما تتحرى النجابة منه المصنع وأن يبدله عن ذات الخمار والخضاب بمن يصول بالحراب ويسطو باليراع ويشتغل بالكتاب
( وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال )
اللهم يا أرحم الراحمين إني أتوسل إليك بنبيك محمد وآله الطيبين الطاهرين أن تأخذ بيد عبدك شيخي المقري في كل وقت وحين آمين ومن فصول هذه الكتاب ما صورته ولما وصلني سيدي بهديته التي أحسن بها من كتاب الاكتفاء داخل طبعي الصفاء ونشطت إلى نظم بيتين فيهما التزام عجيب لم أر مثله وهو أن يكون اللفظ المكتفي به بمعنى اللفظ المكتفي منه فإن الاحتفاء والاحتفال بمعنى الاعتناء كما أفاده شيخي فيكون على

هذا الاكتفاء وعدمه على حد سواء إذ لو قطع النظر عن لفظ الاحتفال لأغنى عنه لفظ الاحتفاء مع تسمية النوع فيهما وهما
( إن احتفال المرء بالمرء لا ... أحبه إلا مع الاكتفا )
( مبالغات الناس مذمومة ... فاسلك سبيل القصد في الاحتفا ) ولقد انقطع الثلج أيام الخريف وكانت الحاجة إليه شديدة بعد غيبة سيدي حفظه الله تعالى عن دمشق فتذكرت شغف شيخي به فزاد على فقده غرامي وفاض عليه تعطشي وأوامي فجعلت في ذلك عدة مقاطيع وأحببت عرضها على سيدي أولها
( ثلج يا ثلج يا عظيم الصفات ... أنت عندي من أعظم الحسنات )
( ما بياض بدا بوجهك إلا ... كبياض بدا بوجه الحياة )
ثانيها
( قد قلت لما ضل عني رشدي ... وما رأيت الثلج يوما عندي )
( لا تقطع اللهم عن ذا العبد ... أعظم أسباب الثنا والحمد ) ثالثها
( ثلج يا ثلج أنت ماء الحياة ... ضل من قال ضر ذاك لهاتي )
( ما بياض بدا بوجهك إلا ... كبياض قد لاح في المرآة )
( قد رأى الناس وجههم في المرايا ... وأنا فيك شمت وجه حياتي )
وما عللت سيدي هذا التعليل إلا لأشوقه إلى نسيم دمشق الذي خلفه سيدي حفظه الله عليلا وهو على الصحة غير عليل ولم يشف أعزه الله تعالى منه الغليل ولسيدي الدعاء بطول البقاء والارتقاء وهذه أبيات أحدثها العبد في وصف القهوة طالبا من سيده أن يغفر خطأه فيها وسهوه

( قهوة كالعنر السحيق ... سوداء مثل مقلة المعشوق )
( أتت كمسك فائح فتيق شبهتها في الطعم بالرحيق )
( تدني الصديق من هوى الصديق ... وتربط الود مع الرفيق )
( فلا عدمت مزجها بريق ... )
وما زلت ألهج بما أفادنيه شيخي من أماليه وأتصفح الدهر الذي جمعته فيه من أسافله إلى أعاليه واستشكل على الأحباب والأصحاب في أثناء المسامرة ما أفادنيه سيدي من تسمية المرحوم القاضي التنوخي كتابه نشوار المحاضرة حتى ظفرت بأصلها في القاموس في مادة نشر فإذا هي عربية محضة فإنه قال ونشورت الدابة نشوارا أبقت من علفها ولقد تعجبت من بلاغة هذه التسمية وعذوبتها وحسن المجاز فيها مع سلاستها وسهولتها وأحببت عرضها على شيخي حفظه الله تعالى ليفرح لي بين تلامذته كما فرح طبعي به حفظه الله تعالى بين أساتذته وليعلم أني لم أنس ما أفادنيه في خلال المحاورة أيام المؤانسة والمجاورة فوالله إنه سميري في ضميري وكليمي ما بين عظمي وأديمي
( يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم )
( الطرس طما وما مضت قصتنا ... لاذنب لنا حديثنا لذ فطال ) وحرر يوم السبت المبارك غرة جمادى الآخرة من شهور سنة ثمان وثلاثين بعد الألف أحسن الله ختامها بحرمة محمد وآله الطيبين الطاهرين وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير والحمد لله وحده عبده الفقير الحقير المشتاق المذنب المقصر لسيده عن اللحاق الذي لم يبرح عن العهد المتين أحمد الشامي بن شاهين انتهى
ولو تتبعت ما له حفظه الله تعالى من النظم والنثر اللذين غلب فيهما بلغاء

أهل العصر بالشام ومصر وغيرهما من الأقطار لا زال مقامه مقضي الأوطار لاستوعبت الأسفار وفي الإشارات ما يغني عن الكلم وقد تقدم في خطبة هذا التصنيف ذكر شيء من نظمه ونثره وأنه هو السبب الداعي إلى جمع هذا التأليف والله سبحانه يديم جناب هالسرى الشريف ويبوئه من العز الظل الوريف فلقد أولى من الحقوق ما لا نؤدي بعضه فضلا عن كله وناهيك بما جلبناه من كلامه دليلا على شرفه وفضله
ورسالته هذه إلي كانت جوابا عن مكتوب كتبته إليه من جملته
( يا من له طائر صيت علا ... في الجو فاصطاد الشريد الشديد )
( يا نجل شاهين البديع الحلى ... تمل بالعز الطويل المديد )
( وفز بخصل السبق بين الملا ... وسر بنهج للمعالي سديد )
( ورد مع الأحباب عذبا حلا ... منتظما من الأماني البديد )
( وارفل على طول المدى في ملا ... مسرة راقت وعز جديد )
( والوالد المحروس بالله لا ... بعدة الخلق ولا بالعديد ) ومن نثرها سيدي الذي في الأجياد من عوارفه أطواق وفي البلاد من معارفه ما تشهد به الفطرة السليمة والأذواق وتشتد إلى مجده المطنب الذي لا يحط له رواق الأشواق وتعمر بفوائده وفرائده من الآداب الأسواق وتنقطع دون نداه السحب السواكب وتقصر عن مداه في السمو الكواكب والله سبحانه له واق المولى الذي ألقت إليه البلاغة أفلاذها واتخذت البراعة طاعته عصمتها وملاذها إذ بذ أفرادها وأفذاذها وأمطرت سماء أفكاره على كل محب أوكاره طائر في جو أو مستقر في أوكاره صيبها ورذاذها وفاخرت دمشق بعلاه وحلاه أقطار البسيطة وبغذاذها ومنها أبقاه الله تعالى وحقيقة وعوده ينمقها النجاز وحقيقة سعوده لا يطرقها المجاز

ومنها فأنت الذي نفست عني مخنقا وأصفيت مشربي وكان مرنقا وكاثرت بما به آثرت وما استأثرت - رمل النقا فلو رآك المأمون بن الرشيد لعلم أنك المتمني بيتي الغناء الذي غني به والنشيد
( وإني لمشتاق إلى قرب صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت لديه )
( عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه )
ولم يقل أعطني هذا الصديق وخذ مني الخلافة وأنا أقول قد ظفرنا به بحمد الله ولم أجد أحدا في دهره وافق الغرض فلم نر خلافه ومنها فهذه يا ابن شاهين أياديك البيض تفرخ لك الشكر وتبيض فلا دليل على ولائي كإملائي ولا شاهد لما في أحنائي كثنائي ولا حجة على ودادي كتكراري ذكرك وتردادي وهي طويلة لا يحضرني الآن منها سوى ما ذكرته
ولنقتصر من مكاتبات أعيان العصر من أهل دمشق المحروسة على هذا المقدار ونسأل الله تعالى أن يحفظهم جميعا في الإيراد والإصدار

رسائل من المغرب ترد للمؤلفين
وفي تاريخ ورود هذه المكاتيب الشامية السابقة علي اتفق ورود كتب من المغرب وجهها جماعة من أعيانه إلي فمن ذلك كتاب كتبه لي الأستاذ المجود الأديب الفهامة معلم الملوك سيدي الشيخ محمد بن يوسف المراكشي التاملي نصه الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على سيدنا محمد تتوالى من المحب المخلص المشتاق إلى السيد الذي

وقع على محبته الاتفاق وطلعت شموس معارفه في غاية الإشراق وصار له في ميدان الكمال حسن الاستباق الصدر الكامل والعالم العامل الفقيه الذي تهتدي الفقهاء بعلمه وعمله البليغ الذي تقتدي البلغاء ببراعه قلمه ناشر ألوية المعارف ومسدي أنواع العوارف العلامة إمام العصر بجميع أدوات الحصر سيدي أحمد بن محمد المقري قدس الله السلف كما بارك في الخلف سلام من النسيم أرق وألطف من الزهر إذا عبق
وبعد فإن أخباركم دائما ترد علينا وتصل إلينا بما يسر الخاطر ويقر الناظر مع كل وارد وصادر والعبد يحمد الله تعالى على ذلك ويدعو الله بالاجتماع معكم هنالك
( ويرحم الله عبدا قال آمينا ... ) كتبته إليكم أيها السيد من الحضرة المراكشية مع كثرة أشواق لا تسعها أوراق كتبكم الله سبحانه فيمن عنده كما جعلكم ممن أخلص في موالاة الحق فصده وودي إليكم غض الحدائق مستجل في مطلع الوفاء بمنظر رائق لا يحيله عن مركز الثبوت عائق وحقيق بمودة ارتبطت في الحق وللحق معاهدها وأسست على المحبة في الله قواعدها أن يزيد عقدها على مر الأيام شدة وعهدها وإن شط المزار جدة وأنت تدخر للأخرى عدة وإني ويعلم الله تعالى لممن يعتقد محبتكم وموالاتكم عملا صالحا يقرب من الله تعالى ويزلف إليه ويعتمدهما وزرا يعول في الآخرة يوم لا ظل إلا ظله عليه فإنكم واليتم فأخلصتم في الولاء وعرفتم الله تعالى فقمتم بحقوق الصحبة على الولا معرضين في تلكم الأخوة عن غرض الدنيا وعرضها موفين

بشروط نفلها ومفترضها إلى أن قضى الله تعالى بافتراقنا وحقوقكم المتأكدة دين علينا والأيام تمطل بقضائها عنا وتوجه الملام إلينا فآونة أقف فأقرع السن على التقصير ندما وآونة أستنيم إلى فضلكم فأتقدم قدما وفي أثناء هذا لا يخطر بالبال حق لكم سابق إلا وقد كر عليه منكم آخر له لاحق حتى وقفت موقف العجز وضاقت على العبارة عن حقيقة مقامكم في النفس فكدت لا أتكلم إلا بالرمز إجلالا لحقكم الرفيع وإشفاقا من التقصير المضيع وقد كنت كتبت - أعزكم الله تعالى - إليكم قبل هذا بكتب أربعة أو خمسة فيها عجالة قصائد كالعصائد كالثريد من الكلام ككلامكم السلس الكثير الفوائد فعذرا ممن كان أخرس من سمكة وأشد تخبطا من طائر في شبكة فما عرفت أوصل شيء من ذلك أم حصل في أيدي المعاطب والمهالك وما رأيت غير رجل من صعاليك الحجاج التقيت به يوما بالحضرة المراكشية فقال لي الشيخ الإمام المقري يسأل عنك وقد أرسل معي كتابا إليك فوقع في البحر مع جملة ما وقع فقلت له لا غرابة في ذلك فقد رجع إلى أصله ومن ظلمة البحار تستخرج الدرر وقد جاءني كتاب من بعض الأخلاء الصديقين وهو الحاج الصالح السيد أبو بكر من مكه المكرمة شرفها الله تعالى وذكر لي فيه أنه متعه الله تعالى بلقائكم وأخبرني بسؤالكم عني كثيرا وإلى الآن يا نعم السيد إنما عرفته بما كتبته لسيدتكم تعريف تذكر لا تعريف منة فأنصفونا في الحكم عليكم في عدم الجواب بما ألفته الأدباء شريعة وسنة وبالجملة ففؤادي لمجدكم صحيح لا سقيم واعتدادي بودكم منتج غير عقيم والله تعالى يجعل الحب في ذاته الكريمة ويقضي عن الأحبة دين المحبة فيوفي كل غريم غريمه ويصلكم إن شاء الله تعالى هذا المرقوم

وبه سؤال منظوم لتتفضلوا بالجواب عنه بعد حمد الله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله
( إلى المقري الحبر صدر الأئمة ... من المخلص الوداد أزكى تحية )
( فذلك يا صدر الصدور عجالة ... لتسمح بالجواب عما أكنت )
( فتى قد رأى عند العذارى فتية ... محرمة عند الزوال فحلت )
( وعادت حراما عند عصر فعندما ... عشاء أتى عادت حلالا تجلت )
( وفي صبح ثاني اليوم عادت محرما ... وزالت زوالا منه في غير مرية )
( وفي ظهره حلت فطابت قريرة ... وفي عصره محرما قد تبدت )
( وعند العشاء بالضرورة حللت ... وذلك بعد غرم مال كفدية )
( وفي صبحه عادت حراما ترى به ... بروق سيوف لا معات بسنة )
( وكان يضيق حسرة و تأسفا ... وحلت له وقت العشاء وتمت )
( وعن أمة أيضا يموت سريها ... قد اولدها في ملكه بعد وطأة )
( وعادت لمملوك السري حليلة ... بعقد نكاح بعد من غير شبهة )
( فجاءت ببنت هل لها من تزوج ... بنجل السري بينوا لي قصتي )
( فإن السيوري مانع من تزوج ... له بابنة منها بتلك القضية )
( وما الفرق بينها وبين التي أتى ... بها ابن أبي زيد بأوضح حجة )
( وعن مشتر مملوكة غير محرم ... ومسلمة شرا صحيحا بشرعة )
( وليس بملكه له وطؤها يرى ... جوازا على التأبيد تأخير جلة )
( وما طالق من عدة خرجت ولا ... يجوز على التأبيد في خير ملة )
( نكاح لها من واحد ومطلق ... لها غير معصوم ترى في الشريعة )
( وتمت بحمد الله مبدية لكم ... سلاما كما أبدته في صدر طلعة )

وتقرير السؤال الثاني أمة أولدها سيدها فصارت حرة فمات عنها السيد ثم تزوجها عبد سيدها فأتت ببنت أما لولد سيدها أن يتزوج هذه البنت فإن الرجل له أن يتزوج بنت زوجة أبيه من رجل غيره وهذه سرية أبيه فإن الإمام السيوري يمنع هذه المسألة وما الفرق بينهما وتصلكم أيضا إن شاء الله تعالى عجالة رجزية في مآثركم السنية ضمنتها أشطارا من الألفية فتفضلوا بالإغضاء وحسن الدعاء أن يجمع الله شملنا بكم في تلك الأماكن المشرفة ثم المأمول من سيدنا ومولانا أن يتفضل علينا بكتاب طبقات القراء للإمام الحافظ الداني إذ ليس عندنا منه نسخة وأما تأليفكم الكثير الفوائد المسمى بأزهار الرياض في أخبار عياض وما يناسبها مما يحصل به للنفس ارتياح وللعقل ارتياض فقد انتشر بهذه الأقطار المراكشية وانتسخت منه نسخ عديدة من نسخة المرحوم سيدي أحمد بن عبد العزيز بن الولي سيدي أبي عمر وكسا الله سبحانه تأليفكم المذكور جلباب القبول فما رآه أحد إلا نسخه وعندي النسخة التي كتبها بخطه السيد أحمد المذكور بخط حسن وعلى هامشها في بعض الأماكن خطكم الرائق وبعض التنبيهات من كلامكم الفائق وأعلمونا بتأليفكم الذي سميتموه قطف المهتصر من أفنان المختصر هل خرج من المبيضة أم لا وودنا لو اتصلنا منه بنسخة وقد اشتاق فقهاء هذا الإقليم إليه غاية كالفقيه قاضي القضاة محبكم سيدي عيسى وغيره من أخلاء خليل في كل محفل جليل إلى أن قال وأنا أتمثل بكلام مولانا علي كرم الله وجهه حيث يقول تبركا به
( رضيت بما قسم الله لي ... وفوضت أمري إلى خالقي )
( كما أحسن الله فيما مضى ... كذلك يحسن فيما بقي )

ولي حفظكم الله تعالى تخميس على البيتين وذلك أنه نزلت بي شدة لا يمكن الخلاص منها عادة فما فرغت من تخميسهما إلا وجاء الفرج في الحين ونصه
( إذا أزمة نزلت قبلي ... )
( وضقت وضاقت بها حيلي ... )
( تذكرت بيت الإمام علي ... )
( رضيت بما أقسم الله لي وفوضت أمري إلى خالقي )
( لأن الإله اللطيف قضى ... )
( على خلقه حكمه المرتضى
( فسلم وقل قول من فوضا )
( كما أحسن الله فيما مضى ... كذلك يحسن فيما بقي ) فعذرا - أعزكم الله سبحانه ونفع بإخائكم - عن إغباب المراسلة بالمكاتبة عذرا وصبرا على بعد اللقاء صبرا فإن يقدر في هذه الدار نلنا فيها ما نتمنى وإلا فلن نعدم بفضل الله جزاء الحسنى ولقاء لا يبيد ولا يفنى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إيقانا بالوعد وتحقيقا فمن أوجب له محبته أدخله جنته وأحضره مأدبته وكمل له أمنيته جعلنا الله من المتحابين في جلاله بكرمه وإفضاله ! وكتبه محبكم ومعظمكم الواصل حبل وده بودكم المشرف لعهدكم المنوه بفخركم ومجدكم العبد الفقير الحقير المشفق على نفسه من التقصير والذنب الكبير محمد بن يوسف التاملي غفر الله ذنبه وسترعيبة وجبر قلبه وجمعه بمن أحبه بالنبي في عاشوراء المحرم فاتح سنة ثمان وثلاثين وألف انتهى
وصحبة هذا المكتوب ورقة نصها بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الل

ه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
( لله در العالم الجياني ... كأنما ينظر بالعيان )
( للمقري العالم المفضال ... منظرا بأحسن المثال )
( وعالم بأنني من بعده ... أشير في نظامنا لقصده )
( وها أنا بالله أستعين ... مضمنا وربنا المعين )
( بالشطر من ألفية ابن مالك ... أيدنا الله لنسج ذلك )
( قال محمد عبيد المالك ... وسالك الأحسن من مسالك )
( نشير بالتضمين للنحرير ... المقري الفاضل الشهير )
( ذاك الإمام ذو العلاء والهمم ... ( كعلم الأشخاص لفظا وهو عم )
( فلن ترى في علمه مثيلا ... ( مستوجبا ثنائي الجميلا ) )
( ومدحه عندي لازم أتى ... ( في النظم والنثر الصحيح مثبتا ) )
( أوصاف سيدي بهذا الرجز ... ( تقرب الأقصى بلفظ موجز ) )
( فهو الذي له المعاني تعتزي ... ( وتبسط البذل بوعد منجز ) )
( رتبته فوق العلا يا من فهم ... ( كلامنا لفظ مفيد كاستقم )
( وكم أفاد دهره من تحف ... ( مبدي تأول بلا تكلف ) )
( لقد رقى على المقام الطاهر ... ( كطاهر القلب جميل الظاهر ) ) وفضله للطالبين وجدا ( على الذي في رفعه قد عهدا ) قد حصل العلم وحرر السير ( وما بإلا أو بإنما انحصر ) في كل فن ماهر صفه ولا ( يكون إلا غاية الذي تلا )
( سيرته جرت على نهج الهدى ... ( ولا يلي إلا اختيارا أبدا ) )

( وعلمه وفضله لا ينكر ... ( مما به عنه مبينا يخبر ) )
( يقول دائمابصدر انشرح ... ( اعرف بنا فإننا نلنا المنح ) )
( يقول مرحبا لقاصديه من ... ( يصل إلينا يستعن بنا يعن ) )
( صدق مقالتي وكن متبعا ... ( ولم يكن تصريفه ممتنعا ) )
( وانهض إليه فهو بالمشاهده ... ( الخبر الجزء المتم الفائده ) )
( والزم جنابه وإياك الملل ... إن يستطل وصل وإن لم يستطل )
( واقصد جنابه ترى مآثره ... والله يقضي بهبات وافره )
( وانسب له فإنه ابن معطي ... ويقتضي رضى بغير سخط )
( واجعله نصب العين والقلب ولا ... تعدل به فهو يضاهي المثلا )
( قد طالما أفاد علم مالك ... أحمد ربي الله خير مالك )
( وحاسد له ومبغض زمن ... وهالك وميت به قمن )
( وليس يشفي مبغض له أعل ... ( عينا وفي مثل هراوة جعل )
( يقول عبد ربه محمد ... ( في نحو خير القول إني أحمد )
( وهو بدهره عظيم الأمل ... مروع القلب قليل الحيل )
( فادع له وسادة قد حضروا ... وافعل أوافق نغتبط إذ تشكر )
( واجبره بالدعا عساه يغتنم ... فجره وفتح عينه التزم )
( أنشدت فيكم ذا وقال قائل ... في نحو نعم ما يقول الفاضل )
( أدعو لكم بالستر في كل زمن ... لكونه بمضمر الرفع اقترن )
( مآثر لكم كثيرة سوى ... ما مر فأقبل منه ما عدل روى )
( قد انتهى تعريف ذا المعرف ... وذو تمام ما برفع يكتفي )
( لأنتم تاج الأئمة الأول ... وما بجمعه عنيت قد كمل )
( فالله يبقيكم لدينا وكفى ... مصليا على الرسول المصطفى )

( تترى عليه دائما منعطفا ... وآله المستكملين الشرفا )
ومن ذلك ما كتبه لي بعض الأصحاب ممن كان يقرأ علي بالمغرب وصورته سيدنا وسيد أهل الإسلام حامل راية علوم الأمة الأحمدية على صاحبها الصلاة والسلام آية الله في المعاني والمعالي وحسنة الأيام والليالي وواسطة عقود الجواهر واللآلي إمام مذهب مالك والأشعري والبخاري والواقدي والخليل العلامة القدوة السيد الكبير الشهير الجليل ذو الأخلاق العذبة المذاق والشمائل المفصحة عن طيب الأصول والأعراق كبير زمانه دون منازع وعالم أوانه من غير منكر ولا مدافع شيخنا ومعلمنا ومفيدنا وحبيب قلوبنا مولانا شيخ الشيوخ أبو العباس أحمد بن محمد المقري المغربي التلمساني نزيل فاس ثم الديار المصرية حفظه الله تعالى في مواطن استقراره ! ورفع درجته بإشادة فخاره على مناره عن شوق يود له الكاتب أن لو كان في طي كتابه وتوق إلى مشاهدتكم هو الغاية في بابه بعد إهداء السلام المحفوف بأنواع التحيات والكرامات والبركات الدائم ما دامت في الوجود السكنات والحركات لمقامكم الأكبر ومحفلكم الأشهر ومن تعلق بأذيالكم أو كان مستمطرا لنوالكم أو صبت عليه شآبيب أفضالكم من أهل ومحب وصاحب وخديم هذا وإنه ينهي إلى الوداد القديم أن أهل المغرب الأدنى والأقصى حاضرة وبادية كلهم يتفكهون بل يتقوتون بذكركم ويشتاقون لرؤية وجهكم ويتلذذون بطيب أخباركم وإن كان المغرب الآن في تفاقم أحوال وتراكم أهوال في الغاية مدائن وبوادي لا سيما مدينة فاس فإنها في شر عظيم وأميرها مولاي عبد الملك مات في السنة السابعة والثلاثين بل في ذي الحجة

صحبت بك الزمان أخا وفاء ... فها هو قد تنمر للقطيعه )
قال وكان من أهل المروءات عاشقا في قضاء الحوائج والسعي في حقوق الإخوان والمبادرة لإيناس الغرباء وفي ذلك يقول
( يحسب الناس بأني متعب ... في الشفاعات وتكليف الورى )
( والذي يتعبهم من ذاك لي ... راحة في غيرها لن أفكرا )
( وبودي لو أقضي العمر في ... خدمة الطلاب حتى في الكرى )
قال ومن أبدع ما أنشده رحمه الله تعالى أول رحلته
( طال شوقي إلى بقاع ثلاث ... لا تشد الرحال إلا إليها )
( إن للنفس في سماء الأماني ... طائرا لا يحوم إلا عليها )
( قص منه الجناح فهو مهيض ... كل يوم يرجو الوقوع لديها )
وقال إذا بلغ العبد أرض الحجاز ... فقد نال أفضل ما أم له )
( فإن زار قبر نبي الهدى ... فقد أكمل الله ما أمله )
وعاد رحمه الله تعالى إلى الأندلس بعد رحلته الأولى التي حل فيها دمشق والموصل وبغداد وركب إلى المغرب من عكا مع الإفرنج فعطب في خليج صقلية الضيق وقاسى شدائد إلى أن وصل الأندلس سنة 581 ثم أعاد المسير إلى المشرق بعد مدة إلى أن مات بالإسكندرية كما تقدم
ومن شعره أيضا
( لي صديق خسرت فيه ودادي ... حين صارت سلامتي منه ربحا )

قبلها وفي المحرم من سنة سبع وثلاثين توفي ملك المغرب السلطان أبو المعاليب زيدان وبويع من بعده ابنه مولاي عبد الملك وتقاتل مع أخويه الأميرين الوليد وأحمد وهزمهما وإلى الله عاقبة الأمور وأهل داركم بفاس بخير وعافية ونعم ضافية سوى ما أدركهم من طول الغيبة نسأل الله تعالى أن يملأ بقدومكم العيبة ومحبكم الأكبر ووليكم الأصغر سيد أهل المغرب اليوم وشيخ الطريقة والمربي في سلوك أهل الحقيقة العارف بالله الشيخ الرباني ذو المقامات والكرامات سيدي محمد بن أبي بكر الدلائي يحييكم ويعظم قدركم ولسانه لكم ذاكر ناشر شاكر وهو على خير وقد اجتمعت علي من بركتكم في مدينة سلا جماعة من طلاب العلم وفتح الله تعالى علي بتآليف عديدة منها كفاية الطالب النبيل في حل ألفاظ مختصر خليل ومنها شرح على المنهج المنتخب للزقاق في قواعد مالك ومنظومة في أكثر من ألف بيت في السير والشمائل ومنها في رجال البخاري ولا كنسخ الكلاباذي ومنها خطب وغير ذلك والكل من بركتكم ونسبته إليكم في صحيفتكم

والسلام من ولدكم المقر بفضلكم تراب نعالكم علي بن عبد الواحد الأنصاري لطف الله تعالى به وحامله كبير كبراء قومه ممن يحبكم ويعرفكم وما تفعلوا معه من خير فلن تكفروه والسلام انتهى
ومنها كتاب وافاني من علم قسمطينة وصالحها وكبيرها ومفتيها سلالة العلماء الأكابر ووارث المجد كابرا عن كابر المؤلف العلامة سيدي الشيخ عبد الكريم الفكون حفظه الله نصه بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على من أنزل عليه في القرآن ( وإنك لعلى خلق عظيم ) القل م 4 ] وآله وصحبه أفضل التسليم من مدنس الإزار المتسربل بسرابيل الخطايا والأوزار الراجي للتنصل منه رحمة العزيز الغفار عبد الله سبحانه عبد الكريم بن محمد الفكون أصلح الله بالتقوى حاله ! وبلغه من متابعة السنة النبوية آماله إلى الشيخ الشهير الصدر النحرير ذي الفهم الثاقب والحفظ الغزير الأحب في الله المؤاخي من أجله سيدي أبي العباس أحمد المقري أحمد الله عاقبتي وعاقبته ! وأسبل على الجميع عافيته أما بعد فإني أحمد الله إليك وأصلي على نبيه سيدنا محمد ولا أريد إلا صالح الدعاء وطلبه منكم فإني أحوج الناس إليه وأشدهم في ظني إلحاحا عليه لما تحققت من أحوال نفسي الأمارة واستبطنت من دخيلائها المثابرة على حب الدنيا الغرارة كأنها عميت عن الأهوال التي أشابت رؤوس الأطفال وقطعت أعناق كمل الرجال فتراها في لجج هواها خائضة وفي ميدان شهواتها راكضة طغت في غيها وما لانت وجمحت فما انقادت ولا استقامت فويلي ثم ويلي من يوم تبرز فيه

القبائح وتنشر الفضائح ومنادي العدل قائم بين العالمين ( ا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء 47 ] فالله أسأل حسن الإلطاف والستر عما ارتكبناه من التعدي والإسراف وأن يجعلنا من أهل الحمى العظيم وممن يحشر تحت لواء خلاصته الكريم سيدنا ومولانا وشفيعنا النبي الرؤوف الرحيم ولنكلف من القلم عنانه لما أرجو من أجله ثواب الله سبحانه وقد اتصل بيدي جوابكم أطال الله في العلم بقاءكم فرأيت من عذوبة ألفاظكم وبلاغة خطابكم ما يذهل من العلماء فحولها وينيلها لدى الجثو لسماعه سؤلها ومأمولها بيد ما فيه من أوصاف من أمره قاصر وعن الطاعة والاجتهاد فاتر وأصدق قول فيه عند مخبره ومرآه أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه لكن يجازيكم المولى بحسن النية البلوغ في بحبوحة الجنان غاية الأمنية وقد ذيلتم ذلك بأبيات أنا أقل من أن أوصف بمثلها على أني غير قائم بفرضها ونفلها فالله تعالى يمدكم بمعونته ويجعلكم من أهل مناجاته في حضرته ويسقينا من كاسات القرب ما نتمتع منه بلذيذ منادمته وقد ساعد البنان الجنان في إجابتكم بوزنها وقافيتها والعذر لي أنني لست من أهل هذا الشان والاعتراف بأنني جبان وأي جبان والكمال لكم في الرضى والقبول والكريم يغضي عن عورات الأحمق الجهول وظننا حققه الله تعالى أن نجعل على منظومتكم الكلامية يعني إضاءة الدجنة تقييدا أرجو من الله توفيقا وتسديدا بحسب قدري لا على قدركم وعلى مثل فكري القاصر لا على عظيم فكركم وإن ساعد الأوان وقضى بتيسيره رب الزمان فآتي به إن شاء

الله الآجل معي لأنني بالأشواق إلى حضرة راكب البراق ومخترق السبع الطباق وكنت عازما على أن أبعث لكم من الأبيات أكثر من الواقع إلا أن الرفقة أعجلت وصادفتني أيام موت قعيدة البيت فلم يتيسر عاجلا إلا ما ذكر وعلى الله قصد السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل
( يا نخبة الدهر في الدراية علما تعاضده الرواية )
( لا زلت بحرا بكل فن ... يروي به الطالبون غايه )
( لقد تصدرت في المعالي ... كما تعاليت في العناية )
( من فيك تستنظم المعاني ... بلغت في حسنها النهاية )
( رقاك مولاك كل مرقى ... تحوي به القرب والولايه )
( أعجوبة ما لها نظير ... في الحفظ والفهم والهدايه )
( يا أحمد المقري دامت ... بشراك تصحبها الرعاية )
( بجاه خير العباد طرا ... والآل والصحب والنقاية )
( صلى عليه الإله تترى ... نكفى بها الشر والغوايه )
وأختم كتابي بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وكتب بغاية عجلة يوم السبت سابع أو ثامن رجب من عام ثمانية وثلاثين وألف للهجرة على صاحبها الصلاة والسلام انتهى والمذكور عالم المغرب الأوسط غير مدافع وله سلف علماء ذوو شهرة ولهم في الأدب الباع المديد غير أن المذكور مائل إلى التصوف ونعم ما فعل تقبل الله تعالى عملي وعمله وبلغ كلا منا أمله ولأشهر أسلافه العلامة الشيخ

حسن بن علي بن عمر الفكون القسمطيني أحد أشياخ العبدري صاحب الرحلة قصيدة مشهورة عند العلماء بالمغرب وهي من در النظام وحر الكلام وقد ضمنها ذكر البلاد التي رآها في ارتحاله من قسمطينة إلى مراكش وأولها
( ألا قل للسري ابن السري ... أبي البدر الجواد الأريحي )
ومنها
( وكنت أظن أن الناس طرا ... سوى زيد وعمرو غير شي )
( فلما جئت ميلة خير دار ... أمالتني بكل رشا أبي )
( وكم أوردت ظباء بني مدار ... أوار الشوق بالريق الشهي )
( وجئت بجاية فجلت بدورا ... يضيق بوصفها حرف الروي )
( وفي أرض الجزائر هام قلبي ... بمعسول المراشف كوثري )
( وفي مليانة قد ذبت شوقا ... بلين العطف والقلب القسي )
( وفي تنس نسيت جميل صبري ... وهمت بكل ذي وجه وضي )
( وفي مازونة ما زلت صبا بوسنان المحاجر لوذعي )
( وفي وهران قد أمسيت رهنا ... بظامي الخصر ذي ردف روي )
( وأبدت لي تلمسان بدورا ... جلبن الشوق للقلب الخلي )

( ولما جئت وجدة همت وجدا ... بمنخنث المعاطف معنوي )
( وحل رشا الرباط رشا رباطي ... وتيمني بطرف بابلي )
( وأطلع قطر فاس لي شموسا ... مغاربهن في قلبي الشجي )
وما مكناسة إلا كناس ... لأحوى الطرف ذي حسن سني )
( وإن تسأل عن ارض سلا ففيها ... ظباء كاسرات للكمي )
( وفي مراكش يا ويح قلبي ... أتى الوادي فطم على القري )
( بدور بل شموس بل صباح ... بهي في بهي في بهي )
( أبحن مصارع العشاق لما ... سعين به فكم ميت وحي )
( بقامة كل أسمر سمهري ... ومقلة كل أبيض مشرفي )
( إذا أنسينني حسنا فإني ... أنسيهم هوى غيلان مي )
( فها أنا قد تخذت الغرب دارا ... وأدعى اليوم بالمراكشي )
( على أن اشتياقي نحو زيد ... كشوقك نحو عمرو بالسوي )
( تقسمني الهوى شرقا وغربا ... فيا للمشرقي المغربي )
( فلي قلب بأرض الشرق عان ... وجسم حل بالغرب القصي )
( فهذا بالغدو يهيم غربا ... وذاك يهيم شرقا بالعشي )
( فلولا الله مت هوى وشوقا ... وكم لله من لطف خفي )
( وقد خرجنا بالاستطراد إلى الطول وذلك منا استرسال مع جاذب الأدب فلنمسك العنان والله المستعان
وما عددناه من القصائد والمقطوعات في مدح دمشق الشام فهو غيض من فيض وفي نيتي أن أجمع في ذلك كتابا حافلا أسميه نشق عرف دمشق

أو مشق قلم المدح لدمشق ولسان حالي الآن ينشد قول بعض الأكابر
( نحن في مصر رهن شوق إليكم ... هل لديكم بالشام شوق إلينا )
( فعجزنا عن أن ترونا لديكم ... وأبيتم عن أن نراكم لدينا )
( وحفظ الله عهد من حفظ العهد ... ووفى به كما قد وفينا )
وقول ابن الصائغ
( وددت لو أن عيني ... مكان كتبي إليكم )
( حتى أراكم وأملي ... أخبار شوقي عليكم ) رجع إلى ابن جبير رحمه الله تعالى ومن شعره قوله
( إياك والشهرة في ملبس ... والبس من الأثواب أسمالها )
( تواضع الإنسان في نفسه ... أشرف للنفس وأسمى لها )
وقال
( تنزه عن العوراء مهما سمعتها ... صيانة نفس فهو بالحر أشبه )
( إذا أنت جاوبت السفيه مشاتما ... فمن يتلقى الشتم بالشتم أسفه ) وقال
( أقول وقد حان الوداع وأسلمت ... قلوب إلى حكم الأسى ومدامع )
( أيا رب أهلي في يديك وديعة ... وما عدمت صونا لديك الودائع )

وقال أبو عبد الله بن الحاج المعروف بمدغليس صاحب الموشحات يمدح ابن جبير المذكور
( لأبي الحسين مكارم لو أنها ... عدت لما فرغت ليوم المحشر )
( وله علي فضائل قد قصرت ... عن بعض نعماها عظام الأبحر ) وقال ابن جبير من قصيدة مطلعها
( يا وفود الله فزتم بالمنى ... فهنيئا لكم أهل منى )
( قد عرفنا عرفات بعدكم ... فلهذا برح الشوق بنا )
( نحن في الغرب ويجري ذكركم ... بغروب الدمع يجري هتنا )
ومنها
( فيناديه على شحط النوى ... من لنا يوما فقلت ملنا )
( سر بنا يا حادي الركب عسى ... أن نلاقي يوم جمع سربنا )
( ما دعا داعي النوى لما دعا ... غير صب شفه برح العنا )
( شم لنا البرق إذا لاح وقل ... جمع الله بجمع شملنا )

( علنا نلقى خيالا منكم ... بلذيذ الذكر وهنا علنا )
( لو حنا الدهر علينا لقضى ... باجتماع بكم بالمنحنى )
) ( لاح برق موهنا من نحوكم ... فلعمري ما هنا العيش هنا )
( أنتم الأحباب نشكو بعدكم ... هل شكوتم بعدنا من بعدنا )
وله رحمه الله تعالى من قصيدة مطولة أولها
( لعل بشير الرضى والقبول ... يعلل بالوصل قلب الخليل )
وله أخرى أنشدها عند استقباله المدينة المشرفة على صاحبها الصلاة وأتم السلام وهي ثلاثة وثلاثون بيتا من الغر أولها
( أقول وآنست بالليل نارا ... لعل سراج الهدى قد أنارا )
( وإلا فما بال أفق الدجى ... كأن سنا البرق فيه استطارا )
( ونحن من الليل في حندس ... فما باله قد تجلى نهارا )
وكان أبو الحسن بن جبير المترجم به قد نال بالأدب دنيا عريضة ثم رفضها وزهد فيها
وقال صاحب الملتمس في حقه الفقيه الكاتب أبو الحسين بن جبير ممن لقيته وجالسته كثيرا ورويت عنه وأصله من شاطبة وكان أبوه أبو جعفر من كتابها ورؤسائها ذكره ابن اليسع في تاريخه ونشأ أبو الحسين على طريقة أبيه وتولع بغرناطة فسكن بها قال ومما أنشدنيه لنفسه قوله يخاطب أبا عمران الزاهد بإشبيلية
( أبا عمران قد خلفت قلبي ... لديك وأنت أهل للوديعة )

( حسن القول سيىء الفعل كالجزار ... زاد سمى وأتبع القول ذبحا ) وحدث رحمه الله تعالى بكتاب الشفاء عن أبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي عن القاضي عياض ولما قدم مصر سمع منه الحافظان أبو محمد المنذري وأبو الحسين يحيى بن علي القرشي وتوفي ابن جبير بالإسكندرية يوم الأربعاء السابع والعشرين من شعبان سنة 614 والدعاء عند قبره مستجاب قاله ابن الرقيق رحمه الله تعالى وقال ابن الرقيق في السنة بعدها
وقال أبو الربيع بن سالم أنشدني أبو محمد عبد الله بن التميمي البجائي ويعرف بابن الخطيب لأبي الحسين بن جبير وقال وهو مما كتب به إلي من الديار المصرية في رحلته الأخيرة لما بلغه ولايتي قضاء سبتة وكان أبو الحسين سكنها قبل ذلك وتوفيت هنالك زوجته بنت أبي جعفر الوقشي فدفنها بها
( بسبتة لي سكن في الثرى ... وخل كريم إليها أتى )
( فلو أستطيع ركبت الهوا ... فزرت بها الحي والميتا )
وأنشد ابن جبير رحمه الله تعالى لنفسه عند صدوره عن الرحلة الأولى إلى غرناطة أو في طريقها قوله
( لي نحو أرض المنى من شرق أندلس ... شوق يؤلف بين الماء والقبس )
إلى آخرها

ومن شعره قوله
( يا خير مولى دعاه عبد ... أعمل في الباطل اجتهاده )
( هب لي ما قد علمت مني ... يا عالم الغيب والشهادة )
وقال ر حمه الله تعالى
( وإني لأوثر من أصطفي ... وأغضي على زلة العاثر )
( وأهوى الزيارة ممن أحب ... لأعتقد الفضل للزائر )
وقال رحمه الله تعالى
( عجبت للمرء في دنياه تطمعه ... في العيش والأجل المحتوم يقطعه )
( يمسي ويصبح في عشواء يخطبها ... أعمى البصيرة والآمال تخدعه )
( يغتر بالدهر مسرورا بصحبته ... وقد تيقن أن الدهر يصرعه )
( ويجمع المال حرصا لا يفارقه ... وقد درى أنه للغير يجمعه )
( تراه يشفق من تضييع درهمه ... وليس يشفق من دين يضيعه )
( وأسوأ الناس تدبيرا لعاقبة ... من أنفق العمر فيما ليس ينفعه ) وقال
( صبرت على غدر الزمان وحقده ... وشاب لي السم الزعاف بشهده )
( وجربت إخوان الزمان فلم أجد ... صديقا جميل الغيب في حال بعده )
( وكم صاحب عاشرته وألفته ... فما دام لي يوما على حسن عهده )
( وكم غرني تحسين ظني به فلم ... يضيء لي على طول اقتداحي لزنده )
( وأغرب من عنقاء في الدهر مغرب ... أخو ثقة يسقيك صافي وده )
( بنفسك صادم كل أمر تريده ... فليس مضاء السيف إلا بحده )
( وعزمك جرد عند كل مهمة ... فما نافع مكث الحسام بغمده )

( وشاهدت في الأسفار كل عجيبة ... فلم أر من قد نال جدا بجده )
( فكن ذا اقتصاد في أمورك كلها ... فأحسن أحوال الفتى حسن قصده )
( وما يحرم الإنسان رزقا لعجزه ... كما لا ينال الرزق يوما بكده )
( حظوظ الفتى من شقوة وسعادة ... جرت بقضاء لا سبيل لرده )
وقال
( الناس مثل ظروف حشوها صبر ... وفوق أفواهها شيء من العسل )
( تغر ذائقها حتى إذا كشفت ... له تبين ما تحويه من دخل )
وقال
( تغير إخوان هذا الزمان ... وكل صديق عراه الخلل )
( وكانوا قديما على صحة ... فقد داخلتهم حروف العلل )
( قضيت التعجب من أمرهم ... فصرت أطالع باب البدل ) وقد تقدم بيتان من هذه الثلاثة على وجه آخر أول ترجمة المذكور ورأيت بخط ابن سعيد البيتين على وجه آخر وهو قوله
( ثكلت أخلاء هذا الزمان ... فعندي مما جنوه خلل )
( قضيت التعجب من شأنهم ... فصرت أطالع باب البدل ) ولابن جبير رحمه الله تعالى
( من الله فاسأل كل أمر تريده ... فما يملك الإنسان نفعا ولا ضرا )
( ولا تتواضع للولاة فإنهم ... من الكبر في حال تموج بهم سكرا )

( وإياك أن ترضى بتقبيل راحة ... فقد قيل عنها إنها السجدة الصغرى ) وهو نحو قول القائل
( أيها المستطيل بالبغي أقصر ... ربما طأطأ الزمان الرءوسا
( وتذكر قول الإله تعالى ... ( إن قارون كان من قوم موسى )
وقال وقد شهد العيد بطندتة من قرى مصر
شهدنا صلاة العيد في أرض غربة ... بأحواز مصر والأحبة قد بانوا )
( فقلت لخلي في النوى جد بمدمع ... فليس لنا إلا المدامع قربان )
وقال
( قد أحدث الناس أمورا فلا ... تعمل بها إني امرؤ ناصح
( فما جماع الخير إلا الذي ... كان عليه السلف الصالح )
وقال
( رب إن لم تؤتني سعة ... فاطو عني فضلة العمر )
( لا أحب اللبث في زمن ... حاجتي فيه إلى البشر )
( فهم كسر لمنجبر ... ما هم جبر لمنكسر )
ولما وصل ابن جبير - رحمه الله تعالى - إلى مكة في 12 ربيع الآخر سنة 579 أنشد قصيدته التي أولها
( بلغت المنى وحللت الحرم ... فعاد شبابك بعد الهرم )

( فأهلا بمكة أهلا بها وشكرا لمن شكره يلتزم )
( وهي طويلة وسيأتي بعضها
وقال رحمه الله تعالى عند تحركه للرحلة الحجازية
( أقول وقد دعا للخير داع ... حننت له حنين المستهام )
( حرام أن يلذ لي اغتماض ... ولم أرحل إلى البيت الحرام )
( ولا طافت بي الآمال إن لم ... أطف ما بين زمزم والمقام )
( ولا طابت حياة لي إذا لم ... أزر في طيبة خير الأنام ) وأهديه السلام وأقتضيه ... رضى يدني إلى دار السلام ) وقال
( هنيئا لمن حج بيت الهدى ... وحط عن النفس أوزارها )
( وإن السعادة مضمونة ... لمن حج طيبة أو زارها ) ولنختم ترجمته بقوله
( أحب النبي المصطفى وابن عمه ... عليا وسبطيه وفاطمة الزهرا )
( هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم ... وأطلعهم أفق الهدى أنجما زهرا )
( موالاتهم فرض على كل مسلم ... وحبهم أسنى الذخائر للأخرى )
( وما أنا للصحب الكرام بمبغض ... فإني أرى البغضاء في حقهم كفرا )
( هم جاهدوا في الله حق جهاده ... وهم نصروا دين الهدى بالظبي نصرا )
( عليهم سلام الله ما دام ذكرهم ... لدى الملإ الأعلى وأكرم به ذاكرا )
وقوله في آخره الميمية
( نبي شفاعته عصمة ... فيوم التنادي به يعتصم )

( عسى أن تجاب لنا دعوة ... لديه فنكفي بها ما أهم )
( ويرعى لزواره في غد ... ذماما فما زال يرعى الذمم )
( عليه السلام وطوبى لمن ... ألم بتربته فاستلم )
( أخي كم نتابع أهواءنا ... ونخبط عشواءها في الظلم )
( رويدك جرت فعج واقتصد ... أمامك نهج الطريق الأعم )
( وتب قبل عض بنان الأسى ... ومن قبل قرعك سن الندم )
ومنها
( وقل رب هب رحمة في غد ... لعبد بسيما العصاة اتسم )
( جرى في ميادين عصيانه ... مسيئا ودان بكفر النعم )
( فيا رب صفحك عما جنى ... ويا رب عفوك عما اجترم ) 180 - ومن الراحلين إلى المشرق من الأندلس الأديب أبو عامر بن عيشون قال الفتح رجل حل المشيدات والبلاقع وحكى النسرين الطائر والواقع واستدر خلفي البؤس والنعيم وقعد مقعد البائس والزعيم فآونة في سماط وأخرى بين درانك وأنماط ويوما في ناووس وأخرى في مجلس مأنوس رحل إلى المشرق فلم يحمد رحلته ولم يعلق بأمل نحلته فارتد على عقبه ورد من حبالة الفوت إلى منتظره ومرتقبه ومع هذا فله تحقق بالأدب وتدفق طبع إذا مدح أو نسب وقد أثبت له ما تعلم حقيقة نفاذه وترى سرعة وخده في طريق الإحسان وإغذاذه
ثم قال وأخبرني أنه دخل مصر وهو سار في ظلم البوس عار من كل لبوس قد خلا من النقد كيسه وتخلى عنه إلا تعذيره وتنكيسه فنزل بأحد

شوارعها لا يفترش إلا نكده ولا يتوسد إلا عضده وبات بليلة ابن عبدل تهب عليه صرصر لا ينفخ منها عنبر ولا مندل فلما كان من السحر دخل عليه ابن الطوفان فأشفق لحاله وفرط إمحاله وأعلمه أن الأفضل ابن أمير الجيوش استدعاه ولو ارتاد جوده بقطعة يغنيها له لأخصب مرعاه فصنع له في حينه
( قل للملوك وإن كانت لهم همم ... تأوي إليها الأماني غير متئد )
( إذا وصلت بشاهنشاه لي سببا ... فلن أبالي بمن منهم نفضت يدي )
( من واجه الشمس لم يعدل بها قمرا ... يعشو إلى ضوئه لو كان ذا رمد )
فلما كان من الغد وافاه فدفع إليه خمسين مثقالا مصرية وكسوة وأعلمه أنه غناه وجود الإظهار للفظه ومعناه وكرره حتى أثبته في سمعه وقرره فسأله عن قائله فأعلمه بقلته وكلمه في رفع خلته فأمر له بذلك وله أيضا رحمه الله تعالى
( قصدت على أن الزيارة سنة ... يؤكدها فرض من الود واجب )
( فألفيت بابا سهل الله إذنه ... ولكن عليه من عبوسك حاجب )
مرضت ومرضت الكلام تثاقلا ... إلي إلى أن خلت أنك عاتب )
فلا تتكلف للعبوس مشقة ... سأرضيك بالهجران إذ أنت غاضب )
( فلا الأرض تدمير ولا أنت أهلها ... ولا الرزق إن أعرضت عني جانب ) وله يستعتبني
( كتبت ولو وفيت برك حقه ... لما اقتصرت كفي على رقم قرطاس )
( ونابت عن الخط الخطا وتبادرت ... فطورا على عيني وطورا على راسي )

( سل الكأس عني هل أديرت فلم أصغ ... مديحك ألحانا يسوغ بها كاسي )
( وهل نافح الآس الندامى فلم أذع ... ثنائي أذكى من منافحة الآس ) 181 - ومن الراحلين من الأندلس إلى المشرق أبو مروان الطبني وهو عبد الملك بن زيادة الله قال في الذخيرة كان أبو مروان هذا أحد حماة سرح الكلام وحملة ألوية الأقلام من أهل بيت اشتهروا بالشعر اشتهار المنازل بالبدر أراهم طرأوا على قرطبة قبل افتراق الجماعة وانتشار شمل الطاعة وأناخوا في ظلها ولحقوا بسروات أهلها وأبو مضر أبوه زيادة الله بن علي التميمي الطبني هو أول من بنى بيت شرفهم ورفع في الأندلس صوته بنباهة سلفهم
قال ابن حيان وكان أبو مضر نديم محمد بن أبي عامر أمتع الناس حديثا ومشاهدة وأنصعهم ظرفا وأحذقهم بأبواب الشحذ والملاطفة وآخذهم بقلوب الملوك والجلة وأنظمهم لشمل إفادة ونجعة انتهى المقصود منه
ثم قال في الذخيرة فأما ابنه أبو مروان هذا فكان من أهل الحديث والرواية ورحل إلى المشرق وسمع من جماعة من المحدثين بمصر والحجاز وقتل بقرطبة سنة سبع وخمسين وأربعمائة انتهى وقد ذكر قصة قتله المستبشعة واتهم باغتياله ابنه
ومن نظم أبي مروان الطبني المذكور ما وجده صاحب الذخيرة في بعض التعاليق بخط بعض أدباء قرطبة قال لما عدا أبو عامر أحمد بن محمد بن أبي

عامر على الحذلمي في مجلسه وضربه ضربا موجعا وأقر بذلك أعين مطالبيه قال أبو مروان الطبني فيه
( شكرت للعامري ما صنعا ... ولم أقل للحذيلمي لعا )
( ليث عرين عدا بعزته ... مفترسا في وجاره ضبعا )
( لا برحت كفه ممكنة ... من الأماني فنعم ما صنعا )
( وددت لو كنت شاهدا لهما ... حتى ترى العين ذل ما خضعا )
( إن طال منه سجوده فلقد ... طال لغير السجود ما ركعا )
موقف ابن نبسام في الذخيرة من الهجاء قال ابن بسام وابن رشيق القائل قبله
( كم ركعة ركع الصفعان تحت يدي ... ولم يقل سمع الله لمن حمده )
ثم قال ابن بسام في الذخيرة ما نصه والعرب تقول فلان يركع لغير صلاة إذا كنوا عن عهر الخلوة ومن مليح الكناية لبعض المتقدمين يخاطب امرأته
( قلت التشيع حب أصلع هاشم ... فترفضي إن شئت أو فتشيعي )
( قالت أصيلع هاشم وتنفست ... بأبي وأمي كل شيء أصلع )
ولما صنت كتابي هذا من شين الهجاء وأكبرنه أن يكون ميدانا للسفهاء

أجريت ههنا طلقا من مليح التعريض في إيجاز القريض مما لا أدب على قائليه ولا وصمة عظمى على من قيل فيه والهجاء ينقسم قسمين فقسم يسمونه هجو الأشراف وهو ما لم يبلغ أن يكون سبابا مقذعا ولا هجوا مستبشعا وهو طأطأ قديما من الأوائل وثل عرش القبائل إنما هو توبيخ وتعبير وتقديم وتأخير كقول النجاشي في بني العجلان وشهرة شعره منعتني عن ذكره واستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأنشدوه قول النجاشي فيهم فدرأ الحد بالشبهات وفعل ذلك بالزبرقان حين شكا الحطيئة وسأله أن ينشد ما قاله فيه فأنشده قوله
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي )
فسأل عن ذلك كعب بن زهير فقال والله ما أود بما قال له حمر النعم وقال حسان لم يهجه ولكن سلح عليه بعد أن أكل الشبرم فهم عمر رضي الله تعالى عنه بعقابه ثم استعطفه بشعره المشهور
وقال عبد الملك بن مروان يوما أحسابكم يا بني أمية فما أود أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس وأن الأعشى قال في
( تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا )
ولما سمع علقمة بن علاثة هذا البيت بكى وقال أنحن نفعل هذا بجاراتنا ! 4 ودعا عليه فما ظنك بشيء يبكي علاثة وقد كان عندهم لو ضرب بالسيف ما قال حس

وقد كان الراعي يقول هجوت جماعة من الشعراء وما قلت فيهم ما تستحي العذراء أن تنشده في خدرها
ولما قال جرير
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا )
أطفأ مصباحه ونام وقد كان بات ليلته يتململ لأنه رأى أنه قد بلغ حاجته وشفى غيظه
قال الراعي فخرجنا من البصرة فما وردنا ماء من مياه العرب إلا وسمعنا البيت قد سبقنا إليه حتى أتينا حاضر بني نمير فخرج إلينا النساء والصبيان يقولون قبحكم الله وقبح ما جئتمونا به
والقسم الثاني هو السباب الذي أحدثه جرير أيضا وطبقته وكان يقول إذا هجوتم فأضحكوا وهذا النوع منه لم يهدم قط بيتا ولا عيرت به قبيلة وهو الذي صنا هذا المجموع عنه وأعفيناه أن يكون فيه شيء منه فإن أبا منصور الثعالبي كتب منه في يتيمته ما شانه اسمه وبقي عليه إثمه
ومن مليح التعريض لأهل أفقنا قول بعضهم في غلام كان يصحب رجلا يسمى بالبعوضة
( أقول لشادنكم قولة ... ولكنها رمزة غامضة )
( لزوم البعوض له دائما ... يدل على أنها حامضة ) وأنشدت في مثله قول بعض أهل الوقت
( بيني وبينك سر لا أبوح به ... الكل يعلمه والله غافره )
وحكى أبو عامر بن شهيد عن نفسه قال عاتبت بعض الإخوان عتابا شديدا عن أمر أوجع فيه قلبي وكان آخر الشعر الذي خاطبته به هذا البيت

( وإني على ما هاج صدري وغاظني ... ليأمنني من كان عندي له سر )
فكان هذا البيت أشد عليه من عض الحديد ولم يزل يقلق به حتى بكى إلي منه بالدموع وهذا الباب ممتد الأطناب ويكفي ما مر ويمر منه في أضعاف هذا الكتاب انتهى كلام ابن بسام في الذخيرة بلفظه

من خطة الذخيرة
ولا خفاء أنه عارض بالذخيرة يتيمة الثعالبي ولذا قال في خطبة الذخيرة أما بعد حمد الله ولي الحمد وأهله والصلاة على سيدنا محمد خاتم رسله فإن ثمرة هذا الأدب العالي الرتب رسالة تنثر وترسل وأبيات تنظم وتفصل تنثال تلك انثيال القطار على صفحات الأزهار وتتصل هذه اتصال القلائد على نحور الخرائد وما زال في أفقنا هذا الأندلسي القصي إلى وقتنا هذا من فرسان الفنين وأئمة النوعين قوم هم ما هم طيب مكاسر وصفاء جواهر وعذوبة موارد ومصادر لعبوا بأطراف الكلام المشقق لعب الدجى بجفون المؤرق وحدوا بفنون السحر المنمق حداء الأعشى ببنات المحلق فصبوا على قوالب النجوم غرائب المنثور والمنظوم وباهوا غرر الضحى والأصائل بعجائب الأشعار والرسائل نثر لو رآه البديع لنسي اسمه أو اجتلاه ابن هلال لولاه حكمه ونظم لو سمعه كثير ما نسب ولا مدح أو تتبعه جرول ما عوى ولا نبح إلا أن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة أهل الشرق يرجعون إلى أخبارهم المعادة رجوع الحديث إلى قتادة حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب لجثوا

على هذا صنما وتلوا ذلك كتابا محكما وأخبارهم الباهرة وأشعارهم السائرة مرمى القصية ومناخ الرذية لا يعمر بها جنان ولا خلد ولا يصرف فيها لسان ولا يد فغاظني منهم ذلك وأنفت مما هنالك وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة وتصبح بحوره ثمادا مضمحلة مع كثرة أدبائه ووفور علمائه وقديما ضيعوا العلم وأهله ورب محسن مات إحسانه قبله وليت شعري من قصر العلم على بعض الزمان وخص أهل المشرق بالإحسان وقد كتبت لأرباب هذا الشان من أهل الوقت والزمان محاسن تبهر الألباب وتسحر الشعراء والكتاب ولم أعرض لشيء من أشعار الدولة المروانية ولا المدائح العامرية إذ كان ابن فرج الجياني قد رأى رأيي في النصفة وذهب مذهبي من الأنفة فأملى في محاسن أهل زمانه كتاب الحدائق معارضا لكتاب الزهرة للأصبهاني فأضربت أنا عما ألف ولم أعرض لشيء مما صنف ولا تعديت أهل عصري مما شاهدته بعمري أو لحقه أهل دهري إذ كل مردد ثقيل وكل متكرر مملول وقد مجت الأسماع
( يا دار مية بالعلياء فالسند ... )
إلى أن قال بعد ذكره أنه يسوق جملة من المشارقة مثل الشريف المرتضى والقاضي عبد الوهاب والوزير ابن المغربي وغيرهم ممن يطول ما صورته وإنما ذكرت هؤلاء ائتساء بأبي منصور في تأليفه المشهور المترجم بيتيمة الدهر في محاسن أهل العصر انتهى المقصود منه

البحراوي يهجو قومه
قلت وتذكرت بما أنشده في الهجاء قول الباقعة الشاعر المشهور أبي العباس أحمد الغفجومي الشهير بالجواري وعامة الغرب يقولون الجراوي يهجو قومه بني غفجوم وهم بربر بتادلا متوصلا بذلك إلى هجو أصلاء فاس بني الملجوم ومستطردا في ذلك ما هو في اطراده كالماء السجوم وهو [ قوله ]
( يا ابن السبيل إذا مررت بتادلا ... لا تنزلن على بني غفجوم )
( أرض أغار بها العدو فلن ترى ... إلا مجاوبة الصدى للبوم )
( قوم طووا ذكر السماحة بينهم ... لكنهم نشروا لواء اللوم ) ( لا حظ في أموالهم ونوالهم ... للسائل العافي ولا المحروم )
( لا يملكون إذا استبيح حريمهم ... إلا الصراخ بدعوة المظلوم )
( يا ليتني من غيرهم ولو أنني ... من أرض فاس من بني الملجوم )
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن أحد بني الملجوم قضاة فاس وأصلائها بيعت أوراق التي هي غير مجلدة بل متفرقة بستة آلاف دينار ويكفيك ذلك في معرفة قدر القوم ومع ذلك هجاهم بهذا والله سبحانه يغفر الزلات
رجع إلى ما كنا فيه من ذكر من ارتحل من علماء
الأندلس إلى البلاد المشرقية المحروسة فنقول
182 - ومنهم حبيب بن الوليد بن حبيب الداخل إلى الأندلس ابن عبد

الملك بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان من أهل قرطبة ويعرف بدحون [ رحل إلى المشرق أيام عبد الرحمن بن الحكم وحج ولقي أهل الحديث فكتب عنهم وقدم بعلم كثير وكانت له حلقة بجامع قرطبة يسمع الناس فيها وهو يلبس الوشي الشامي إلى أن أوصى إليه الأمير عبد الرحمن بترك ذلك فتركه وتوفي بعد المائتين
ومن شعره قوله
قال العذول وأين قلبك 8 كلما ... رمت اهتداءك لم يزل متحيرا )
( قلت اتئد فالقلب أول خائن ... لما تغير من هويت تغيرا )
( ونأى فبان الصبر عني جملة ... وبقيت مسلول العزاء كما ترى ) ومن ولده سعيد بن هشام وكان أديبا عالما فقيها رحم الله تعالى الجميع ودخل دمشق وطنهم الأقدم وعاملها يومئذ للمعتصم بن الرشيد عمر بن فرج الرخجي فوافق دخوله إياها غلاء شديدا ومجاعة أشكت أهلها فضجوا إلى الرخجي أن يخرج عنهم من عندهم من الغرباء القادمين عليهم من البلاد فأمر بالنداء في المدينة على كل من بها من طارىء وابن سبيل ليخرجوا عنها وضرب لهم أجلا ثلاثة أيام أوعد من تخلف منهم بعدها بالعقاب فابتدر الغرباء الخروج عنها وأقام حون لم يتحرك فجيء به إلى الرخجي بعد الأجل فقال له ما بالك عصيت أمري أو ما سمعت ندائي 2 فقال له دحون ذلك النداء الذي وقفني فقال له وكيف فانتمى له فقال

له الرخجي صدقت والله إنك لأحق بالإقامة فيها منا فأقم ما أحببت وانصرف إذا شئت
وكان لدحون هذا ابن يقال له بشر بن حبيب ويعرف بالحبيبي وهو من المشهورين بقرطبة وأمه المدنية الراوية عن مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه وبنته عبدة بنت بشر مشهورة ولها رواية عنه رحم الله تعالى الجميع 183 - ومنهم بهلول بن فتح من أهل أقليش له رحلة حج فيها وكان رجلا صالحا خيرا حكى عن نفسه أنه رأى في منامه بعد قدومه من الحج كأنه بمكة وقائل يقول انطلق بنا نصل مع النبي قال فكنت أقول لرجل من جيراني بأقليش يا أبا فلان انطلق بنا نصل مع النبي فيقول لي لست أجد إلى ذلك سبيلا فكنت أتوجه وأصلي مع الناس والنبي إمامنا فلما سلم من الصلاة رجع إلي وقال لي من أين أنت قلت له من الأندلس فكان يقول من أي موضع فكنت أقول من مدينة أقليش فيقول لي أتعرف أبا إسحاق البواني فكنت أقول هو جاري وكيف لا أعرفه فيقول لي أقرئه مني السلام
184 - ومنهم أبو الحسن ثابت بن أحمد بن عبد الولي الشاطبي روى عن ابي زيد عبد الرحمن بن يعيش المهري ورحل حاجا فسمع منه بالإسكندرية أبو الحسن بن المفضل المقدسي وحدث عنه بالحديث المسلسل في الأخذ باليد عن ابن يعيش المذكور عن ابي محمد عبد العزيز بن عبد الله بن سعيد بن خلف الأنصاري عن أبي الحسن طاهر بن مفوز وعليه مداره بالأندلس

عن نصر السمرقندي بإسناده وفيه بعد قال الحافظ ابن الأبار وقد رويته مسلسلا من طرق بعضها عن ابن المفضل وأنبأني به ابن أبي جمرة عن أبي بحر الأسدي عن نصر السمرقندي فصار ابن المفضل بمنزلة من سمعه ممن سمعه مني والحمد لله تعالى انتهى 185 - ومنهم أبو أحمد جعفر بن لب بن محمد بن عبد الرحمن بن يونس بن ميمون اليحصبي سكن شاطبة وأصله من أنشيان عملها ويكنى أبا الفضل أيضا حج وسمع أبا طاهر بن عوف والحافظ السلفي وأبا عبد الله بن الحضرمي وأبا الثناء الحراني وبدر بن عبد الله الحبشي وأبا الحسن بن المفضل وغيرهم وكان من أهل العناية بالرواية مع الصلاح والعدالة حسن الخط جيد الضبط سماه التجيبي في معجم مشيخته وهو في عداد أصحابه لاشتراكهما في السماع بإسكندرية وتركه هنالك ثم قدم عليه تلمسان من شاطبة في أضحى سنة ست وثمانين وخمسمائة وحكى مما أفاده عن ابن المفضل أن أبا عبد الله الكيزاني - وكان شاعرا مجيدا - أتته امرأة مات ولدها فسألته أن يرثيه فقال
( تبكي عليه بشجو ... فقلت لا تندبيه )
( هذا زمان عجيب ... قد عاش من مات فيه )
وأخذ عنه الحافظ أبو الربيع بن سالم وقال إنه توفي بعد التسعين وخمسمائة رحمه الله تعالى 186 - ومنهم أبو أحمد جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيدبونة الخزاعي العابد من أهل قسطنطانية عمل دانية أخذ القراءات عن ابن هذيل وسمع منه ومن ابن النعمة ببلنسية ورحل حاجا فأدى الفريضة ودخل الإسكندرية مرافقا لمن سمع من السلفي ولم يسمع منه هو شيئا قال ابن الأبار فيما علمت وقفل إلى بلده مائلا إلى الزهد والإعراض عن الدنيا وكان شيخ المتصوفة في وقته وعلا ذكره وبعد صيته في العبادة إلا أنه كانت فيه غفلة قال ابن الأبار ورأيته إذ قدم بلنسية لإحياء ليلة النصف من شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة وتوفي عن سن عالية تقارب المائة منتصف ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة وشهد جنازته بشر كثير من جهات شتى وانتاب الناس قبره دهرا طويلا يتبركون بزيارته إلى حين إجلاء الروم من كان يشاركهم من المسلمين ببلاد شرق الأندلس التي تغلبوا عليها وذلك في شهر رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة
187 - ومنهم أبو جعفر النحوي أندلسي نزل مصر وكان من رؤساء أهل العلم بالنحو وممن له حال جليلة ذكره الطبني فيما حكاه ابن الأبار 188 - ومنهم أبو الحسن جابر بن أحمد بن عبد الله الخزرجي القرطبي وكناه بعضهم أبا الفضل سمع ببلده من أبي محمد بن عتاب وغيره ورحل حاجا فأدى الفريضة وكان أديبا ناظما كتب عنه أبو محمد العثماني بالإسكندرية بعض شعره 189 - ومنهم أبو الحسن جهور بن خلف بن أبي عمر بن قاسم بن ثابت

المعافري رحل حاجا إلى المشرق فأدى الفريضة وسمع بالإسكندرية من أبي طاهر السلفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وسمع أيضا من غيره وطال مكثه هنالك وهو - فيما رجحه بعضهم - من أهل غرب الأندلس 190 - ومنهم أبو علي الحسن بن حفص بن الحسن البهراني الأندلسي رحل وتجول ببلاد المشرق فسمع أبا محمد عبد الله بن حمويه وأبا حامد أحمد بن محمد بن رجاء بسرخس وأبا محمد بن أبي شريح بهراة وأبا عبد الله الحسين بن عبد الله المفلحي بالأهواز وأبا بكر أحمد بن جعفر البغدادي وأبا حامد أحمد بن الخليل وأبا حاتم حامد بن العباس وأبا محمد الحسن بن رشيق بمصر وقدم دمشق فروى عنه من أهلها تمام بن محمد وبنيسابور أحمد بن منصور بن خلف المغربي وغيره ذكره ابن عساكر وقال أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن فطيمة وأبو القاسم زاهر بن طاهر قالا أنا أبو بكر أحمد بن منصور أنا أبو علي الحسن بن جعفر القضاعي وأنا الحسن بن رشيق بمصر أنا المفضل بن محمد الجندي أنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري قال سمعت مالك بن أنس يقول لا يحمل العلم عن أهل البدع كلهم ولا يحمل العلم عمن لم يعرف بالطلب ومجالسة أهل العلم ولا يحمل عمن يكذب في حديث الناس وإن كان في حديث رسول الله صادقا لأن الحديث والعلم إذا سمع من العالم فقد جعل حجة بين الذي سمعه وبين الله تبارك وتعالى وإنما قال فيه القضاعي لأن بهراء من قضاعة الأموي والحسن بن إبراهيم 191 - ومنهم أبو علي الحسن بن خلف بن يحيى بن إبراهيم بن محمد

الأموي من أهل دانية ويعرف بابن برنجال سمع من أبي بكر بن صاحب الأحباس وأبي عثمان طاهر بن هشام وغيرهما وله رحلة حج فيها وسمع من أبي إسحاق إبراهيم بن صالح القروي وببيت المقدس من أبي الفتح نصر بن إبراهيم سنة خمس وستين وأربعمائة وبعسقلان من أبي عبد الله محمد بن الحسن بن سعيد التجيبي وأخذ عنه كتاب الوقف والابتداء لابن الأنباري بسماعه من عبد العزيز الشعيري عن مؤلفه وكان فقيها على مذهب مالك وولي الأحكام ببلده وحدث وأخذ عنه وسمع الناس منه بالإسكندرية سنة تسع وستين ثم بدانية سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وتوفي في نحو الخمسمائة رحمه الله تعالى
192 - ومنهم أبو علي الحسن بن إبراهيم بن محمد بن تقي الجذامي المالقي روى بقرطبة عن أبي محمد بن عتاب وعن أبي سكرة الصدفي بمرسية سنة ثمان وخمسمائة وصحب أبا مروان بن مسرة وكان من أهل الرواية والتقييد وكانت له رحلة سمع فيها من أبي طاهر السلفي مجالسه التي أملاها بسلماس برجب سنة خمس عشرة وخمسمائة حسبما ألفى بخط السلفي وفي رحلته لقيه أبو علي الحسن بن علي البطليوسي نزيل مكة وحدث عنه أبو طالب أحمد بن مسلم المعروف بالتنوخي من أهل الإسكندرية بكتاب الاستيعاب لابن عبد البر وأجاز له إجازة عامة في السنة السابقة وقال ابن عساكر في تاريخه وذكر أبا ذر الهروي سمعت أبا الحسن علي بن سليمان المرادي الحافظ الأندلسي بنيسابور يقول سمعت أبا علي الحسن بن علي الأنصاري البطليوسي قال ابن عساكر وقد لقيته ولم أسمعها منه قال سمعت أبا علي الحسن بن إبراهيم بن تقي الجذامي المالقي يقول سمعت بعض

الشيوخ يقول قيل لأبي ذر الهروي أنت من هراة فمن أين تمذهبت لمالك والأشعري فقال إني قدمت بغداد أطلب الحديث فلزمت الدارقطني فلما كان في بعض الأيام كنت معه فاجتاز به القاضي أبو بكر بن الطيب فأظهر الدارقطني من إكرامه ما تعجبت منه فلما فارقه قلت أيها الشيخ الإمام من هذا الذي أظهرت من إكرامه ما رأيت فقال أو ما تعرفه قلت لا فقال هذا سيف السنة أبو بكر الأشعري فلزمت القاضي منذ ذلك واقتديت به في مذهبه انتهى 193 - ومنهم أبو علي الحسن بن علي بن الحسن بن عمر الأنصاري البطليوسي رحل إلى المشرق فأدى الفريضة وتجول هناك ولقي أبا الحسن بن المفرج الصقلي وأبا عبد الله الفراوي فسمع منهما الصحيحين بعلو وسمع من أبي الفتح ناصر بن أبي علي الطوسي سنن أبي داود وحدث بالموطأ عن أبي بكر الطرطوشي وله أيضا رواية عن زاهر بن طاهر الشحامي وعبد المنعم بن عبد الكريم القشيري وأبي محمد الحريري سمع منه مقاماته الخمسين ببستانه من بغداد ونزل بمكة وجاور بها وحدث فيها وفي غيرها وأسن وكان ثقة مسندا يروي عنه أبو عبد الله بن أبي الصيف اليمني وأبو جعفر بن شراحيل الأندلسي وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الإربلي وسمع منه في صفر سنة ست وستين وخمسمائة وقد لقيه أبو القاسم بن عساكر الحافظ وروى عنه
194 - ومنهم أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الأنصاري من أهل لرية عمل بلنسية ويعرف بابن الرهبيل سمع من أبي الحسن بن النعمة

كثيرا واختص به وعنه أخذ القراءات وسمع من ابن هذيل أيضا ثم رحل حاجا فلقي بالإسكندرية سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة أبا طاهر السلفي وأبا عبد الله بن الحضرمي وسمع منهما وجاور بمكة وأخذ بها عن أبي الحسن علي بن حميد الطرابلسي صحيح البخاري وكان يرويه عن أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي عن أبيه وسمع أيضا من أبي محمد المبارك بن الطباخ البغدادي وأجاز له أبو المفاخر سعيد بن الحسين الهاشمي وأبو محمد عبدالحق بن عبد الرحمن الإشبيلي ببجاية عند صدوره في ربيع الأول سنة سبع وسبعين وقفل إلى بلده فلزم الانقطاع والانقباض عن الناس والإقبال على ما يعنيه وكان قد خطب به قبل رحلته وحكى التجيبي أن طلبة الإسكندرية تزاحموا عليه لسماع التيسير لأبي عمرو المقرء منه بروايته عن ابن هذيل سماعا في سنة ثلاث وخمسين وصارت له بذلك عندهم وجاهة وبعد قفوله أصابه خدر منعه من التصرف وكان الصلاح غالبا عليه وتوفي غدوة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة وكانت جنازته مشهودة رحمه الله تعالى 195 - ومنهم الحسين بن أحمد بن الحسين بن حي التجيبي القطبي أخذ علم العدد والهندسة عن أبي عبد الله محمد بن عمر المعروف بابن برغوث وكان كلفا بصناعة التعديل وله زيج مختصر ذكره القاضي صاعد ونسبه وحكى أنه خرج من الأندلس في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة بعد أن نالته بها وبالبحر محن شداد ولحق بمصر ثم رحل عنها إلى اليمن واتصل بأميرها فحظي عنده وبعثه رسولا إلى القائم بأمر الله الخليفة ببغداد ونال هناك دنيا عريضة

وتوفي باليمن بعد انصرافه من بغداد سنة ست وخمسين وأربعمائة رحمه الله تعالى 196 - ومنهم أبو يوسف حماد بن الوليد الكلاعي أخذ بقرطبة عن أبي المطرف القنازعي وغيره ورحل إلى المشرق وحدث بالإسكندرية فسمع منه بها يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن شبل شرح الاعتقاد من تأليفه ورسالة قمع الحرص وقصر الأمل والحث على العمل وذلك في سنة سبع وأربعين وأربعمائة ولقيه هنالك أبو مروان الطبني فسمع منه بعض فوائده 197 - ومنهم أبو القاسم خلف بن فتح بن عبد الله بن جبير من أهل طرطوشة يعرف بالجبيري وهو والد أبي عبيد القاسم بن خلف الجبيري الفقيه وكانت له رحلة إلى المشرق ومعه رحل ابنه وهو صغير وكان من أهل العلم والنزاهة وعليه نزل القاضي منذر بن سعيد بطرطوشة في ولايته قضاء الثغور الشرقية قال أبو عبيد نزل القاضي منذر بن سعيد على أبي وهو يومئذ يتولى القضاء في الثغور الشرقية قبل أن يلي قضاء الجماعة بقرطبة فأنزله في بيته الذي كان يسكنه فكان إذا تفرغ نظر في كتب أبي فمر على يديه كتاب فيه أرجوزة ابن عبد ربه يذكر فيها الخلفاء ويجعل معاوية رابعهم ولم يذكر عليا فيهم ثم وصل ذلك بذكر الخلفاء من بني مروان إلى عبد الرحمن بن محمد فلما رأى ذلك منذر غضب وسب ابن عبد ربه وكتب في حاشية الكتاب
( أو ما علي - لا برحت ملعنا ... يا ابن الخبيثة عندكم بإمام )

( رب الكساء وخير آل محمد ... داني الولاء مقدم الإسلام )
قال أبو عبيد والأبيات بخطه في حاشية كتاب أبي إلى الساعة وكانت ولاية منذر للثغور مع الإشراف على العمال بها والنظر في المختلفين من بلاد الإفرنج إليها سنة ثلاثين وثلاثمائة 123 خلف الغرناطي وخلف القنطري وابن زرارة وطاهر المالقي 198 - ومنهم أبو القاسم خلف بن محمد بن خلف الغرناطي له رحلة روى فيها بالإسكندرية عن مهدي بن يوسف الوراق وحدث عنه أبو العباس بن عيسى الداني بالتلقين للقاضي عبد الوهاب 199 - ومنهم أبو القاسم خلف بن فرج بن خلف بن عامر بن فحلون القنطري من قنطرة السيف وسكن بطليوس ويعرف بابن الروية رحل حاجا فأدى الفريضة ولقي بمكة رزين بن معاوية الأندلسي فحمل عنه كتابه في تجريد الصحاح سنة خمس وخمسمائة وفيها حج وقفل إلى بلده بعد ذلك وكان فقيها مشاورا حدث عنه ابن خير في كتابه إليه من بطليوس في نحو الثلاثين وخمسمائة 200 - ومنهم زرارة بن محمد بن زرارة الأندلسي رحل حاجا إلى المشرق وسمع بمصر أبا محمد الحسن بن رشيق سنة سبع وستين وثلاثمائة وأبا بكر مسرة بن مسلم الصدفي حدث وأخذ عنه 201 - ومنهم طاهر الأندلسي من أهل مالقة يكنى أبا الحسين رحل إلى قرطبة وخرج منها لما دخلها البرابر عنوة سنة ثلاث وأربعمائة

فلم يزل بمكة إلى حدود الخمسين وأربعمائة وكان من أصحاب أبي عمر الطلمنكي وملازميه لقراءة القرآن وطلب العلم مع أبي محمد الشنتجالي وأبي أيوب الزاهد إمام مسجد الكوابين بقرطبة وجاور بمكة طويلا وأقرأ على مقربة من باب الصفا وكان الشيبيون يكرمونه ويفرجون له لضعفه عند دخوله البيت الحرام ذكره الطبني قال ابن الأبار وأحسبه المذكور في برنامج الخولاني والذي قرأ لهم أكثر المدونة على أبي عمر أحمد بن محمد الزيات انتهى 202 - ومنهم أبو الطاهر الأندلسي من أهل لبلة نزل مصر وكانت له حلقة بجامع عمرو بن العاص وكان - رحمه الله تعالى ! - نحويا له شعر وترسيل وتعلق بالملوك للتأديب بالنحو ثم ترك ذلك 203 - ومنهم أبو محمد طارق بن موسى بن يعيش المنصفي المخزومي والمنصفي نسبة إلى قرية بغربي بلنسية ويكنى أيضا أبا الحسن رحل قبل العشرين وخمسمائة فأدى الفريضة وجاور بمكة وسمع بها من أبي عبد الله الحسين بن علي الطبري ومن الشريف أبي محمد عبد الباقي الزهري المعروف بشقران أخذ عنه كتاب الأحياء للغزالي عن مؤلفه وسمع بالإسكندرية من أبي بكر الطرطوشي وأبي الحسن بن مشرف وأبي عبد الله الرازي وأبي طاهر السلفي وغيرهم ثم قفل إلى بلده فحدث وأخذ الناس عنه وسمعوا منه وكان شيخا صالحا عالي الرواية ثقة قال ابن عياد لم ألق أفضل منه وكان مجاب الدعوة وحدث عنه بالسماع والإجازة جلة منهم أبو الحسن بن هذيل وأبو محمد القلني وأبو مروان بن الصيقل وأبو العباس الإقليشي

وأبو بكر بن خير وابن سعد الخير وأبو محمد عبد الحق الإشبيلي وأبو بكر بن جزي وغيرهم ثم رحل ثانية إلى المشرق مع صهره أبي العباس الأقليشي وأبي الوليد بن خيرة الحافظ سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وقد نيف على السبعين فأقام بمكة مجاورا إلى أن توفي بها عن سن عالية رحمه الله تعالى - سنة تسع وأربعين وخمسمائة 204 - ومنهم محمد بن إبراهيم بن مزين الأودي من أهل أكشونبة غربي الأندلس يكنى أبا مضر ولاه عبد الرحمن بن معاوية قضاء الجماعة بقرطبة وذلك في المحرم سنة سبعين ومائة وأقام أشهرا ثم استعفى فأعفاه ورحل حاجا فأدى الفريضة وسمع في رحلته إمامنا مالك بن أنس وانصرف ومات عن سن عالية سنة ثلاث وثمانين ومائة وذكره ابن شعبان في الرواة عن مالك وحكي أنه روى عنه من قطع لسانه استؤني به عاما وأن مالكا قال له قد بلغني أن بالأندلس من نبت لسانه فإن لم ينبت أقيد انتهى الشاطبي وابن سماعة أحمد 205 - ومنهم أبو عبد الله محمد بن أحمد حياز الشاطبي الأوسي قدم مصر وكان قد أخذ عن ابن برطلة وابن البراء وغيرهما وعمل فهرست شيوخه على حروف المعجم وحج وعاد إلى بلده ومات يوم الجمعة حادي عشر رجب سنة ثماني عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى وغفر له 206 - ومنهم القاضي أبو مروان محمد بن أحمد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن شريعة بن رفاعة بن صخر بن سماعة اللخمي الأندلسي الإشبيلي
قال أبو شامة هو من

بيت كبير بالأندلس يعرف ببني الباجي مشهور كثير العلماء والفضلاء وأصلهم من باجة القيروان وليس منهم القاضي أبو الوليد الباجي الفقيه فإنه من بيت آخر من باجة الأندلس وقدم أبو مروان حاجا من بلاده في البحر إلى عكا من ساحل دمشق ثم دخل دمشق سادس شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة ونزل عندنا بالمدرسة العادلية وجده الأعلى أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قدم إلى الديار المصرية وحج منها ومعه ولده محمد أخو عبد الملك ويعرف بصاحب الوثائق وسمعا بها من جماعة من العلماء وذكر أبو عبد الله الحميدي أحمد بن عبد الله هذا في جذوة المقتبس وكناه أبا عمر وذكر أنه سكن إشبيلية وأثنى عليه كثيرا وقال مات في حدود الأربعمائة وروى عنه ابن عبد البر وغيره وأبوه عبد الله بن محمد بن علي يعرف بالرواية ذكره الحميدي أيضا
وذكر ابن بشكوال في الصلة عبد الملك بن عبد العزيز جد هذا الشيخ القادم وأثنى عليه وقال توفي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة
وكان هذا الشيخ أبو مروان حسن الأخلاق فاضلا متواضعا محسنا وسمعته يقول وقد سئل إعارة شيء فبادر إليه ثم قال عندي في قوله تعالى ( ويمنعون الماعون ) هو كل شيء واستفدنا من هذا الشيخ فائدة جليلة وهي معينة قدر مد النبي وهو عندهم متوارث وقد أخبر عن ذلك أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى وعايرت بذلك المد المد الذي لنا بدمشق حينئذ وهو الكيل الكبير فوجدت مدنا يسع صاعين إلا يسيرا ووجدته ممسوحا يسع صاعا ونصفا وشيئا فيكون مدان ممسوحان ثلاثة آصع زائدة وقرأت في كتاب

المحلى لابن حزم قال أبو محمد وخرط لي مد على تحقيق المد المتوارث عند آل عبد الله بن علي الباجي وهو عند أكثرهم لا يفارق داره أخرجه إلي ثقتي الذي كلفته ذلك علي بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن علي المذكور وذكر أنه مد أبيه وأن جده أخذه وخرطه على مد أحمد بن خالد وأخبره أحمد بن خالد أنه خرطه على مد يحيى بن يحيى على مد مالك قال أبو محمد ولا شك أن أحمد بن خالد صححه أيضا على مد محمد بن وضاح الذي صححه ابن وضاح بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام قال أبو محمد ثم كلته بالقمح الطيب ثم وزنته فوجدته رطلا ونصف رطل بالفلفلي لا يزيد حبة وكلته بالشعير إلا أنه لم يكن بالطيب فوجدته رطلا واحدا ونصف أوقية وسألت عن الرطل الفلفلي فقيل لي هو ست عشرة أوقية كل أوقية عشرة دراهم وفي تقدير ابن حزم نظر
وتوفي هذا الشيخ بالقاهرة سنة خمس وثلاثين وستمائة بعد رجوعه من الحج رحمه الله تعالى
انتهى كلام أبي شامة وبعضه بالمعنى 207 - ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد الواعظ الإشبيلي ثم المصري فاضل شرح الصدور بلفظه ومتكلم أحيا القلوب بوعظه أحواله مشهورة ومجالسه بالذكر معمورة وله معرفة بالأدب وخبرة بالشعر والخطب وكلام وجهه حسن ونظم يمتاز به على كثير من أرباب

اللسن قاله ابن حبيب الحلبي قال وهو القائل
( من أنت محبوبه من ذا يعيره ... ومن صفوت له من ذا يكدره )
( هيهات عنك ملاح الكون تشغلني ... والكل أعراض حسن أنت جوهره )
وقال
( اكشف البرقع عن بكر العقار ... واخل في ليلك مع شمس النهار )
( وانهب العيش ودعه غلطا ... ينقضي ما بين هتك واستتار )
( إن تكن شيخ خلاعات الصبا ... فالبس الصبوة في خلع العذار )
( وارض بالعار وقل قد آن لي ... في هوى خمار كاسي لبس عاري ) وقال
( حثوا إلى نجد نياق الهوى ... فثم واد جوه معشب )
( وانتظروا حتى يلوح الحمى ... فالعيش فيه طيب طيب )
وتوفي سنة أربع وثمانين وستمائة هكذا ذكر ترجمته ابن حبيب ثم بعد كتبها حصل لي شك هل هو ممن ارتحل بنفسه من الأندلس أو ولد بمصر وإنما ارتحل إليها بعض سلفه والله تعالى أعلم 208 - وكذا ذكر آخر بقوله في سنة سبع وثمانين وستمائة وفيها توفي الإمام زكي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى بن علي الإشبيلي المالكي محدث عالم زاهد فيما ليس بدائم كثير الخير

جزيل المير كان حسن المناهج قاضيا للحوائج محسنا إلى الصامت والمعرب مقصدا لمن يرد من الحجاز والمغرب سمع بمصر ودمشق وحلب وأفتى ودرس مفيدا لذوي الطلب ولم يبرح يعين بأياديه ويغيث وهو أول من باشر بظاهرية دمشق مشيخة الحديث وكانت وفاته بدمشق عن نيف وسبعين سنة انتهى 209 - ومنهم الأحق بالسبق والتقدم بقي بن مخلد بن يزيد أبو عبد الرحمن القرطبي الأندلسي الحافظ أحد الأعلام وصاحب التفسير والمسند أخذ عن يحيى بن يحيى الليثي ومحمد بن عيسى الأعشى وارتحل إلى المشرق ولقي الكبار وسمع بالحجاز مصعبا الزهري وإبراهيم بن المنذر وطبقتهما وبمصر يحيى بن بكير وزهير بن عباد وطائفة وبدمشق إبراهيم بن هشام الغساني وصفوان بن صالح وهشام بن عمار وجماعة وببغداد أحمد بن حنبل وطبقته وبالكوفة يحيى بن عبد الحميد الحماني ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبا بكر بن أبي شيبة وطائفة وبالبصرة أصحاب حماد بن زيد وعني بالأثر عناية عظيمة لا مزيد عليها وعدد شيوخه مائتان وأربعة وثلاثون رجلا وكان إماما زاهدا صواما صادقا كثير التهجد مجاب الدعوة قليل المثل مجتهدا لا يقلد بل يفتي بالأثر ولد في رمضان سنة إحدى ومائتين وتوفي في جمادي الآخرة سنة ست وسبعين ومائتين

قال ابن حزم أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره لا تفسير محمد بن جرير ولا غيره وكان محمد بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس محبا للعلوم عارفا بها فلما دخل بقي بن مخلد الأندلس بمصنف ابن أبي شيبة وقرىء عليه أنكر جماعة من أهل الرأي ما فيه من الخلاف واستبشعوه وقام جماعة من العامة عليه ومنعوه من قراءته فاستحضره الأمير محمد وإياهم وتصفح الكتاب جزءا جزءا حتى أتى على آخره ثم قال لخازن كتبه هذا الكتاب لا تستغني خزانتنا عنه فانظر في نسخه لنا وقال لبقي انشر علمك وارو ما عندك ونهاهم أن يتعرضوا له قال ابن حزم مسند بقي روي فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيف ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه فهو مسند ومصنف أعلم هذه الرتبة لأحد قبله مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث وله في فتاوى الصحابة والتابعين ممن ذكرهم أربى فيه على مصنف أبي بكر بن أبي شيبة وعلى مصنف عبد الرزاق وعلى مصنف سعيد بن منصور ثم ذكر تفسيره فقال فصارت تصانيف هذا الإمام الفاضل قواعد الإسلام لا نظير لها وكان متخيرا لا يقلد أحدا وكان جاريا في مضمار البخاري ومسلم والنسائي
وذكر القشيري أن امرأة جاءته فقالت له إن ابني قد أسرته الفرنج وإني لا أنام الليل من شوقي إليه ولي دويرة أريد أن أبيعها لأفتكه بها فإن رأيت أن تشير إلى من يأخذها ويسعى في فكاكه فليس لي ليل ولا نهار ولا صبر ولا قرار فقال نعم انصرفي حتى ننظر في ذلك إن شاء الله تعالى

وأطرق الشيخ وحرك شفتيه يدعو الله عز و جل لولدها بالخلاص فذهبت فما كان غير قليل حتى جاءت وابنها معها فقالت اسمع خبره يرحمك الله تعالى ! فقال كيف كان أمرك فقال إني كنت فيمن يخدم الملك ونحن في القيود فبينا أنا ذات يوم أمشي إذ سقط القيد من رجلي فأقبل علي الموكل بي فشتمني وقال فككت القيد من رجليك فقلت لا والله ولكن سقط ولم أشعر فجاءوا بالحداد فأعاده وسمر مسماره وأيده ثم قمت فسقط أيضا فسألوا رهبانهم فقالوا ألك والدة فقلت نعم فقالوا إنه قد استجيب دعاؤها له فأطلقوه فأطلقوني وخفروني إلى أن وصلت إلى بلاد الإسلام فسأله بقي عن الساعة التي سقط القيد من رجليه فيها فإذا هي الساعة التي دعا له فيها فC تعالى 210 - ومن الراحلين من الأندلس إلى المشرق يوسف بن يحيى بن يوسف الأزدي المعروف بالمغامي من أهل قرطبة وأصله من طليطلة وهو من ذرية أبي هريرة رضي الله تعال عنه ى سمع من يحيى بن يحيى وسعيد بن حسان وروى عن عبد الملك بن حبيب ومصنفاته وارتحل إلى مصر وسمع من يوسف بن زيد القراطيسي وعاد إلى الأندلس وكان فقيها نبيلا فصيحا بصيرا بالعربية ثم بعد عوده من مصر أقام بقرطبة أعواما ثم عاد إلى مصر وأقام بها وسمع الناس منه وعظم أمره بالبلاد بالمشرقية ثم إنه عاد إلى المغرب فتوفي بالقيروان سنة ثمان وثمانين ومائتين وبين بمصر الواضحة لابن حبيب وصنف شيئا في الرد على الشافعية في عشرة أجزاء وألف كتاب فضائل مالك رضي الله تعالى عنه والذي يرتضي أن من قلد إماما من المجتهدين لا ينبغي له أن يغض من

قدر غيره وإن كان ولا بد من الانتصار لمذهبه وتقوية حجته فليكن ذلك بحسن أدب مع الأئمة رضي الله تعالى عنهم فإنهم على هدى من ربهم وقد ضل بعض الناس فحمله التعصب لمذهبه على التصريح بما لا يجوز في حق العلماء الذين هم نجوم الملة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد حكى أبو عبدالله الوادي آشي - حسبما رأيته بخطه - أن القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي ألف كتابا لنصرة مذهب مالك على غيره من المذاهب في مائة جزء وسماه النصرة لمذهب إمام دار الهجرة فوقع الكتاب بخطه بيد بعض قضاة الشافعية بمصر فغرقه في النيل فقضى الله تعالى أن السلطان فرج بن برقوق سافر إلى الشام ومعه القضاة الأربعة وغيرهم من الأعيان لدفع تيمورلنك عن البلاد فلم يستطع شيئا وهزم إلى مصر وتفرقت العساكر وأخذ القضاة والعلماء أسارى ومن جملتهم ذلك القاضي فبقي في أسر تيمورلنك إلى أن ارتحل عن الشام فأخذ معه أسيرا إلى أن وصل إلى الفرات فغرق فيه أعني القاضي فرأى بعض الناس أن ذلك بسبب تغريقه الكتاب المذكور والجزاء من جنس العمل والله تعالى أعلم

بين ابن خلدون وتيمورلنك
وقد نجى الله تعالى من هذه الورطة قاضي القضاة أبا زيد عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي المالكي صاحب كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر فإنه كان من جملة القضاة الحاضرين في الهزيمة فلما أدخلوا على تيمور لنك قال لهم ابن خلدون قدموني للكلام تنجوا إن شاء الله تعالى وإلا فأنتم أخبر ف

قدموه وعليه زي المغاربة فلما رآه تيمورلنك قال ما أنت من هذه البلاد وتكلم معه فخلبه ابن خلدون بلسانه وكان آية الله الباهرة ثم قال لتيمورلنك إني ألفت كتابا في تاريخ العالم ثم قال له تيمورلنك كيف ساغ لك أن تذكرني فيه وتذكر بختنضر مع أننا خربنا العالم فقال له ابن خلدون أفعالكما العظيمة ألحقتكما بالذكر مع ذوي المراتب الجسيمة أو نحو هذا من العبارات فأعجبه ذلك وقيل إنه لما أنس بابن خلدون قال له يا خوند ما أسفي إلا على كتاب ألفته في التاريخ وأنفقت فيه أيام عمري وقد تركته بمصر وإن عمري الماضي ذهب ضياعا حيث لم يكن في خدمتك وتحت ظل دولتك والآن أذهب فآتي بهذا الكتاب وأرجع سريعا حتى أموت في خدمتك ونحو هذا من الكلام فأذن له فذهب ولم يعد إليه وقال بعض العلماء إنه لم ينج من يد ذلك الجبار أحد من العلماء غير ابن خلدون ورجل آخر وقد ذكر ذلك ابن عرب شاه في عجائب المقدور وقد طال عهدي به فليراجع وحكى غير واحد أن تيمورلنك لما أخذ حلب على الوجه المشهور في كتب التاريخ جمع العلماء فقال لهم على عادته في التعنت قتل منا ومنكم جماعة فمن الذي في الجنة قتلانا أو قتلاكم وكان مراده إبراز سبب لقتلهم لأنهم إن قالوا أحد الأمرين هلكوا فقال بعض العلماء وأظنه ابن الشحنة دعوني أجبه وإلا هلكتم فتركوه فقال له يا خوند هذا السؤال أجاب عنه رسول الله حين سئل عنه فغضب [ تيمورلنك ] وقال كيف يمكن أن يجيب عن هذا السؤال رسول الله ونحن لم نكن في زمانه أو كلاما هذا معناه فقال العالم المذكور روينا في الصحيح " أن النبي سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليذكر ويرى مكانه فمن الذي في الجنة فقال النبي من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الذي في الجنة " أو كما قال فتعجب تيمورلنك من هذا الجواب المفحم المسكت وحق له أن يتعجب منه فإن هذا من الأجوبة التي يقل نظيرها وفيها المخلص على كل حال بالإنصاف وقد وفق الله تعالى هذا العالم لهذا الجواب حتى يتخلص على يده أولئك الأقوام من الطاغية الجبار العنيد الذي جعل الله تعالى فتنته في الإسلام وفتنة جنكزخان وأولاده من أعظم الفتن التي وهى بها المسلمون وذكر بعض العلماء أن ابن خلدون لما أقبل على تيمورلنك قال له دعني أقبل يدك فقال ولم فقال له لأنها مفاتيح الأقاليم يشير إلى أنه فتح خمسة أقاليم وأصابع يده خمس فلكل أصبع إقليم وهذا أيضا من دهاء ابن خلدون وقد كدنا نخرج عن المقصود في هذه الترجمة فلنصرف العنان والله سبحانه المستعان ومن الراحلين من الأندلس الإمام الحافظ أبو بكر بن عطية رحمه الله تعالى ! قال الفتح شيخ العلم وحامل لوائه وحافظ حديث النبي وكوكب سمائه شرح الله تعالى لحفظه صدره وطاول به عمره مع كونه في كل علم وافر النصيب مياسرا بالمعلى والرقيب رحل إلى المشرق لأداء الفرض لابس برد من العمر الغض فروى وقيد

ولقي العلماء وأسند وأبقى تلك المآثر وخلد نشأ في بيئة كريمة وأرومة من الشرف غير مرومة لم يزل فيها على وجه الزمان أعلام علم وأرباب مجد ضخم قد قيدت مآثرهم الكتب وأطلعتهم التواريخ كالشهب وما برح الفقيه أبو بكر يتسنم كواهل المعارف وغواربها ويقيد شوارد المعاني وغرائبها لاستضلاعه بالأدب الذي أحكم أصوله وفروعه وعمر برهة من شبيبته ربوعه وبرز فيه تبريز الجواد المستولي على الأمد وجلى عن نفسه به كما جلى الصقال عن النصل الفرد وشاهد ذلك ما أثبته من نظمه الذي يروق جملة وتفصيلا ويقوم على قوة العارضة دليلا فمن ذلك قوله يحذر من خلطاء الزمان ويبنه على التحفظ من الإنسان
( كن بذئب صائد مستأنسا ... وإذا أبصرت إنسانا ففر )
( إنما الإنسان بحر ما له ... ساحل فاحذره إياك الغرر )
( واجعل الناس كشخص واحد ... ثم كن من ذلك الشخص حذر )
وله في الزهد
( أيها المطرود من باب الرضى ... كم يراك الله تلهو معرضا )
( كم إلى كم أنت في جهل الصبا ... قد مضى عمر الصبا وانقرضا )
( قم إذا الليل دجت ظلمته ... واستلذ الجفن أن يغتمضا )
( فضع الخد على الأرض ونح ... واقرع السن على ما قد مضى ) وله في هذا المعنى
( قلبي يا قلبي المعنى ... كم أنا أدعى فلا أجيب )
( كم أتمادى على ضلال ... لا أرعوي لا ولا أنيب )

( ويلاه من سوء ما دهاني ... يتوب غيري ولا أتوب )
( وا أسفى كيف برء دائي ... دائي كما شاءه الطبيب )
( لو كنت أدنو لكنت أشكو ... ما أنا من بابه قريب )
( أبعدني منه سوء فعلي ... وهكذا يبعد المريب )
( ما لي قدر وأي قدر ... لمن أخلت به الذنوب )
وله في هذا المعنى أيضا
( لا تجعلن رمضان شهر فكاهة ... تلهيك فيه من القبيح فنونه )
( واعلم بأنك لا تنال قبوله ... حتى تكون تصومه وتصونه )
( وله في مثل ذلك
( إذا لم يكن في السمع مني تصاون ... وفي بصري غض وفي مقولي صمت )
( فحظي إذا من صومي الجوع والظما ... وإن قلت إني صمت )
يوما فما صمت وله في المعنى الأول
( جفوت أناسا كنت آلف وصلهم ... وما في الجفا عند الضرورة من باس )
( بلوت فلم أحمد وأصبحت آيسا ... ولا شيء أشفى للنفوس من الياس )
( فلا تعذلوني في انقباضي فإنني ... رأيت جميع الشر في خلطة الناس )
وله يعاتب بعض إخوانه
( وكنت أظن أن جبال رضوى ... تزول وأن ودك لا يزول )
( ولكن الأمور لها اضطراب ... وأحوال ابن آدم تستحيل )
( فإن يك بيننا وصل جميل ... وإلا فليكن هجر طويل )

وأما شعره الذي اقتدحه من مرخ الشباب وعفاره وكلامه الذي وشحه بمآرب الغزل وأوطاره فإنه نسي إلى ما تناساه وتركه حين كساه العلم والورع من ملابسه ما كساه فمما وقع من ذلك قوله
( كيف السلو ولي حبيب هاجر ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا )
( لما درى أن الخيال مواصلي ... جعل السهاد على الجفون رقيبا )
وله أيضا
( يا من عهودي لديك ترعى ... أنا على عهدك الوثيق )
( إن شئت أن تسمعي غرامي ... من مخبر عالم صدوق )
( فاستخبري قلبك المعنى ... يخبرك عن قلبي المشوق )
انتهى كلام الفتح
وأبو بكر بن عطية المذكور هو والد الحافظ القاضي أبي محمد عبد الحق بن عطية صاحب التفسير الشهير رحم الله تعالى الجميع

ترجمة عبد الحق بن عطية
قال في الإحاطة في حقه ما ملخصه هو الشيخ الإمام المفسر عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي فقيه عالم بالتفسير والأحكام والحديث والفقه والنحو واللغة والأدب حسن التقييد له نظم ونثر ولي قضاء المرية سنة تسع وعشرين وخمسمائة في المحرم وكان غاية في الذكاء والدهاء والتهمم بالعلم سري الهمة في اقتناء الكتب توخى الحق وعدل في الحكم وأعز الخطة روى عن أبيه وأبوي علي الفساني والصدفي وطبقتهما وألف كتابه

الوجيز في التفسير فأحسن فيه وأبدع وطار بحسن نيته كل مطار وبرنامجا ضمنه مروياته وأسماء شيوخه فحرر وأجاد
ومن نظمه يندب عهد شبابه
( سقيا لعهد شباب ظلت أمرح في ... ريعانه وليالي العيش أسحار ) ( أيام روض الصبا لم تذو أغصنه ... ورونق العمر غض والهوى جار )
( والنفس تركض في تضمير شرتها ... طرفا له في زمان اللهو إحضار )
( عهدا كريما لبسنا فيه أردية ... كانت عيانا ومحت فهي آثار )
( مضى وأبقى بقلبي منه نار أسى ... كوني سلاما وبردا فيه يا نار )
( أبعد أن نعمت نفسي وأصبح في ... ليل الشباب لصبح الشيب إسفار )
( وقارعتني الليالي فانثنت كسرا ... عن ضيغم ما له ناب وأظفار )
( إلا سلاح خلال أخلصت فلها ... في منهل المجد إيراد وإصدار )
( أصبو إلى روض عيش روضه خضل ... أو ينثني بي عن العلياء إقصار
( إذا فعطلت كفي من شبا قلم ... آثاره في رياض العلم أزهار )
مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وتوفي في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ست وأربعين وخمسمائة بلورقة قصد ميورقة يتولى قضاءها فصد عن دخولها وصرف منها إلى لورقة اعتداء عليه رحمه الله تعالى انتهى
وقال الفتح في حقه ما نصه فتى العمر كله العلاء حديث السن قديم السناء لبس الجلالة بردا ضافيا وورد ماء الأصالة صافيا وأوضح للفضل رسما عافيا وثنى من ذهنه للأغراض فننا قصدا وجعل فهمه شهابا

رصدا سما إلى رتب الكهول صغيرا وشن كتيبه ذهنه على العلوم مغيرا فسباها معنى وفصلا وحواها فرعا وأصلا وله أدب يسيل رضراضا ويستحيل ألفاظا مبتدعة وأغراضا
وقال أيضا فيه نبعة دوح العلاء ومحرز ملابس الثناء فذ الجلالة وواحد العصر والأصالة وقار كما رسا الهضب وأدب كما اطرد السلسل العذب وشيم تتضاءل لها قطع الرياض وتبادر الظن به إلى شريف الأغراض سابق الأمجاد فاستولى على الأمد بعبابه ولم ينض ثوب شبابه أدمن التعب في السؤدد جاهدا فتى تناول الكواكب قاعدا وما اتكل على أوائله ولا سكن إلى راحات بكره وأصائله أثره في كل معرفة علم في رأسه نار وطوالعه في آفاقها صبح أو منار وقد أثبت من نظمه المستبدع ما ينفح عبيرا ويتضح منيرا فمن ذلك قوله من قصيدة
وليلة جبت فيها الجزع مرتديا ... بالسيف أسحب أذيالا من الظلم )
( والنجم حيران في بحر الدجى غرق ... والبرق في طيلسان الليل كالعلم )
( كأنما الليل زنجي بكاهله ... جرح فيثعب أحيانا له بدم )
انتهى المقصود منه
وهو - أعني أبا بكر - أحد مشايخ عياض حسبما ألمعت به في أزهار الرياض
212 - ومنهم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح - بالحاء المهملة

بن أحمد بن محمد الإمام الحافظ الزاهد بقية السلف اللخمي الإشبيلي الشافعي أسره الإفرنج سنة ست وأربعين وستمائة وخلص وقدم مصر سنة بضع وخمسين وقيل إنه تمذهب للشافعي وتفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام قليلا وسمع من شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصاري الحموي والمعين أحمد بن زين الدين وإسماعيل بن عزوز والنجيب بن الصيقل وابن علاق وبدمشق من ابن عبد الدائم وخلق وعني بالحديث وأتقن ألفاظه وعرف رواته وحفاظه وفهم معانيه وانتقى لبابه ومبانيه
قال الصفدي وكان من كبار أئمة هذا الشان وممن يجري فيه وهو طلق اللسان وهذا إلى ما فيه من ديانة وورع وصيانة وكانت له حلقة اشتغال بكرة بالجامع الأموي يلازمها ويحوم عليه من الطلب حوائمها سمع عليه الشيخ شمس الدين الذهبي واستفاد منه وروى في تصانيفه عنه وعرضت عليه مشيخة دار الحديث النورية فأباها ولم يقبل حباها وكان بزي الصوفية ومعه فقاهة بالشافعية ولم يزل على حاله حتى أحزن الناس ابن فرح وتقدم إلى الله وسرح وشيع الخلق جنازته وتولوا وضعه في القبر وحيازته وتوفي رحمه الله تعالى تاسع جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وستمائة ومولده سنة خمس وعشرين وستمائة
وله قصيدة غزلية في ألقاب الحديث سمعها منه الدمياطي واليونيني وسمع منه البرزالي والمقاتلي والنابلسي وأبو محمد بن الوليد ومات بتربة

أم الصالح بالإسهال
والقصيدة المذكورة هي هذه
( غرامي صحيح والرجا فيك معضل ... وحزني ودمعي مطلق ومسلسل )
( وصبري عنكم يشهد العقل أنه ... ضعيف ومتروك وذلي أجمل )
( ولا حسن إلا سماع حديثكم ... مشافهة يملى علي فأنقل )
( وأمري موقوف عليك وليس لي ... على أحد إلا عليك المعول )
( ولو كان مرفوعا إليك لكنت لي ... على رغم عذالي ترق وتعدل )
( وعذل عذولي منكر لا أسيغه ... وزور وتدليس يرد ويهمل )
( أقضي زماني فيك متصل الأسى ... ومنقطعا عما به أتوصل )
( وها أنا في أكفان هجرك مدرج ... تكلفني ما لا أطيق فأحمل )
( وأجريت دمعي بالدماء مدبجا ... وما هو إلا مهجتي تتحلل )
( فمتفق سهدي وجفني وعبرتي ... ومفترق صبري وقلبي المبلبل )
( ومؤتلف شجوي ووجدي ولوعتي ... ومختلف حظي وما منك آمل )
( خذ الوجد عني مسندا ومعنعنا فغيري موضوع الهوى يتحيل )
( وذي نبذ من مبهم الحب فاعتبر ... وغامضه إن رمت شرحا أحول )
( عزيز بكم صب ذليل لغيركم ... ومشهور أوصاف المحب التذلل )
( غريب يقاسي البعد عنك وما له ... وحق الهوى عن داره متحول )
( فرفقا بمقطوع الوسائل ما له ... إليك سبيل لا ولا عنك معدل )
( فلا زلت في عز منيع ورفعة ... وما زلت تعلو بالتجني فأنزل )
( أوري بسعدي والرباب وزينب ... وأنت الذي تعنى وأنت المؤمل )
( فخذ أولا من آخر ثم أولا ... من النصف منه فهو فيه مكمل )

( أبر إذا أقسمت أني بحبه ... أهيم وقلبي بالصبابة يشعل )
وقد ذكرت شرحها في الجزء الثلاثين من تذكرتي انتهى كلام الصفدي
وظاهر كلامه أنه ابن فرح - بفتح الراء - والذي تلقيناه عن شيوخنا أنه بسكون الراء وقد شرح هذه القصيدة جماعة من أهل المشرق والمغرب يطول تعدادهم وهي وحدها دالة على تمكن الرجل رحمه الله تعالى
213 - ومنهم عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر أبو الأصبغ الأموي الأندلسي سمع بمكة وبدمشق ومصر وغيرها وحدث عن سليمان بن أحمد بن يحيى بسنده إلى جابر بن عبد الله قال قال رسول الله " إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم وهم عترتي خلقوا من طينتي ويل للمكذبين بفضلهم من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله "
وحدث عن أبي العباس أحمد بن محمد البرذعي بسنده إلى عبد الله بن المبارك قال كنت عند مالك بن أنس وهو يحدثنا فجاءت عقرب فلدغته ست عشرة مرة ومالك يتغير لونه ويتصبر ولا يقطع حديث رسول الله فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس عنه قلت له يا أبا عبد الله قد رأيت منك عجبا قال نعم أنا صبرت إجلالا لحديث رسول الله
ولد أبو الأصبغ المذكور بقرطبة وتوفي ببخارى سنة 365 قال الحاكم أبو عبد الله رأيت أبا الأصبغ في المنام في بستان فيه خضرة ومياه جارية وفرش كثيرة وكأني أقول إنها له فقلت يا أبا الأصبغ بماذا وصلت إليه أبالحديث فقال إي والله وهل نجوت إلا بالحديث قال ورأيته أيضا وهو يمشي بزي أحسن ما يكون فقلت أنت أبو الأصبغ فقال

نعم قلت ادع الله تعالى أن يجمعني وإياك في الجنة فقال إن أمام الجنة أهوالا ثم رفع يديه وقال اللهم اجعله معي في الجنة بعد عمر طويل انتهى
214 - ومنهم القاضي أبو البقاء خالد البلوي الأندلسي رحمه الله تعالى وهو خالد بن عيسى بن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي ووصفه الشاطبي بأنه الشيخ الفقيه القاضي الأعدل انتهى
وهو صاحب الرحلة المسماة تاج المفرق في تحلية أهل المشرق ومما أنشده رحمه الله تعالى فيها لنفسه
( ولقد جرى يوم النوى دمعي دما ... حتى أشاع الناس أنك فاني )
( والله إن عاد الزمان بقربنا ... لكففت عن ذكر النوى وكفاني )
وهذه الرحلة المسماة بتاج المفرق مشحونة بالفوائد والفرائد وفيها من العلوم والآداب ما لا يتجاوزه الرائد وقد قال رحمه الله تعالى فيها في ترجمة الولي نجم الدين الحجازي رضي الله تعالى عنه ما نصه وذكر لي رضي الله تعالى عنه قال مما وصى به الجد الأكبر أبو الحجاج يوسف المذكور يعني سيدي أبا الحجاج يوسف بن عبد الرحيم الأقصري القطب الغوث رضي الله تعالى عنه وأعاد علينا من بركاته - خواصه وأصدقاءه قال إذا أدركتكم الضرورة والفاقة فقولوا حسبي الله ربي الله يعلم أنني في ضيق قال وذكر لي أيضا رضي الله تعالى عنه قال رأى هذا الجد يوسف المذكور النبي

في النوم بعد أن سأل الله تعالى ذلك وقد كان أصابته فاقة فشكا إلى النبي فقال له رسول الله قل يا بر يا رحيم يا بر يا رحيم الطف بي في قضائك ولا تول أمري أحدا سواك حتى ألقاك فلما قالها أذهب الله تعالى عنه فاقته قال وكان رحمه الله تعالى يوصي بها أصحابه وأحبابه انتهى
ونسب بعضهم القاضي خالدا المذكور إلى انتحال كمال العماد في البرق الشامي لأن خالدا أكثر في رحلته من الأسجاع التي للعماد فلذا قال لسان الدين ابن الخطيب فيه
( خليلي إن يقض اجتماع بخالد ... فقولا له قولا ولن تعدوا الحقا )
( سرقت العماد الأصبهاني برقه ... وكيف ترى في شاعر سرق البرقا ) وأظن أن لسان الدين كان منحرفا عنه ولذلك قال في كتابه خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف عندما جرى ذكر قنتورية وقاضيها خالد المذكور ما صورته لم يتخلف ولد عن والد وركب قاضيها ابن أبي خالد وقد شهرته النزعة الحجازية ولبس من خشن الحجازية وأرخى من البياض طيلسانا وتشبه بالمشارقة شكلا ولسانا والبداوة تسمه على الخرطوم وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم انتهى ومن نظم أبي البقاء خالد البلوي المذكور قوله
( أتى العيد واعتاد الأحبة بعضهم ... ببعض وأحباب المتيم قد بانوا )

( وأضحى وقد ضحوا بقربانهم وما ... لديه سوى حمر المدامع قربان )
وقال في ررحلته إنه قال هذين البيتين بديهة بمصلى تونس في عيد النحر من سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ومن نظمه أيضا قوله رحمه الله تعالى
( ومستنكر شيبي وما ذهب الصبا ... ولا جف إيناع الشبيبة من غصني )
( فقلت فراقي للأحبة مؤذن ... بشيبي وإن كنت ابن عشرين من سني )
ومحاسنه - رحمه الله تعالى - كثيرة وفي الرحلة منها جملة 215 - ومنهم برهان الدين أبو إسحاق بن الحاج إبراهيم النميري الغرناطي وهو أيضا مذكور في ترجمة ابن الخطيب بما يغني عن تكرير ذكره هنا وقال رحمه الله تعالى في رحلته أخبرني شيخنا - يعني الشيخ الإمام الصالح أبا عبد الله محمد المعروف بخليل التوزري إمام المالكية بالحرم الشريف رضي الله تعالى عنه - قال اعتكفت بجامع عمرو بن العاص كفا لشرتي عن الناس خصوصا أدى الغيبة نحو خمسين ليلة أردت أن أدعو لطائفة من أصحابي بمطالب مختلفة كل بحسب ظني فيه يومئذ فأدركتني حيرة في التمييز والتخصيص فألهمت أن قلت بديهة
( شهدنا بتقصير ألبابنا ... فحسن اختيارك أولى بنا )
( وأنت البصير بأعدائنا ... وأنت البصير بأحبابنا )
قال ثم أردفتها بدعاء وهو اللهم يا من لا يعلم خيره إلا هو أنت أعلم بأعدائنا وأودائنا فافعل بكل منهم ما يناسب حسن اختيارك لنا حسبما علمته منا وكفى بك عليما وكفى بك قديرا وكفى بك بصيرا

وكفى بك لطيفا وكفى بك خبيرا وكفى بك نصيرا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا كثيرا
وقال ابن الحاج المذكور في الرحلة المذكورة إذا التقى الرجل بعدوه وهو على خوف منه فليقرأ هذه الحروف " كهيعص " [ مريم 1 ] " حم عسق " وليعقد بكل حرف منها أصبعا يبدأ بإبهام يده اليمنى ويختم يإبهام يده اليسرى فإذا قرب من عدوه فليقرأ في نفسه سورة الفيل فإذا وصل إلى قوله " ترميهم " فليكررها وكلما كررها فتح أصبعا من أصابعه المعقودة تجاه العدو فيكررها عشر مرات ويفتح جميع أصابعه فإذا فعل ذلك أمن من شره إن شاء الله تعالى وهو مجرب انتهى
ومن بديع نظم أبي إسحاق ابن الحاج النميري المذكور قوله
( يا رب كاس لم يشج شمولها ... فاعجب لها جسما بغير مزاج )
( لما رأينا السحر من أشكالها ... جملا نسبناه إلى الزجاج ) وله فيما أظن
( له شفة أضاعوا النشر فيها ... بلثم حين سدت ثغر بدر )
( فما أشهى لقلبي ما أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر ) وهو حسن تضمين حس
216 - ومن الراحلين من الأندلس إلى المشرق إمام النحاة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الأثري الغرناطي
قال أبن مرزوق الخطيب في حقه هو شيخ النحاة بالديار

المصرية وشيخ المحدثين بالمدرسة المنصورية انتهت إليه رئاسة التبريز في علم العربية واللغة والحديث سمعت عليه وقرأت وأنشدني الكثير وإذا أنشدني شيئا ولم أقيده استعاده مني فلم أحفظه فأنشدني وكنت أظنه لنفسه ارتجالا إلى أن أخبرني أحد أصحابنا عنه أنه أخبره أنهما لأبي الحسن التجاني أنشدهما له ببيته بالمدرسة الصالحية رحمه الله تعالى
( إن الذي يروي ولكنه ... يحفظ ما يروي ولا يكتب )
( كصخرة تنبع أمواجها ... تسقي الأراضي وهي لا تشرب )
قال ورويت عنه تواليف ابن أبي الأحوص منها التبيان في أحكام القرآن والمعرب المفهم في شرح مسلم ولم أقف عليه والوسامة في أحكام القسامة والمشرع السلسل في الحديث المسلسل وغير ذلك
وحدثني بسنن أبي داود عن ابن خ طيب المزة عن أبي حفص بن طبرزد عن أبي البدر الكروخي ومفلح الرومي عن أبي بكر بن ثابت الخطيب عن أبي عمر الهاشمي عن اللؤلؤي عن أبي داود وبسنن النسائي عن جماعة عن ابن باقا عن أبي زرعة عن ابن حميد الدوسي عن أبي نصر الكسار عن ابن السني عن النسائي وبالموطأ عن أبي جعفر بن الطباع بسنده
وشكوت إليه يوما ما يلقاه الغريب من أذاة العداة فأنشدني لنفسه
( عداتي لهم فضل علي ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا )
( هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا )
وأنشدني أيضا من مداعباته وله في ذلك النظم الكثير مع طهارته وفضله
( علقته سبجي اللون قادحه ... ما ابيض منه سوى ثغر حكى الدررا )
( قد صاغه من سواد العين خالقه ... فكل عين إليه تدمن النظرا )

( وأنشدني في جاهل لبس صوفا وزها فيه
( أيا كاسيا من جيد الصوف نفسه ... ويا عاريا من كل فضل ومن كيس )
( أتزهى بصوف وهو بالأمس مصبح ... على نعجة واليوم أمسى على تيس )
انتهى ما اختصرته من كلام الخطيب ابن مرزوق
وأنشد الرحالة ابن جابر الوادي آشي لأبي حيان قوله
( وقصر آمالي مآلي إلى الردى ... وأني وإن طال المدى سوف أهلك )
( فصنت بماء الوجه نفسا أبية ... وجادت يميني بالذي كنت أملك )
ووقفت على أعيان العصر وأعوان النصرللصفدي فوجدت فيه ترجمة أبي حيان واسعة فرأيت أن أذكرها بطولها لما فيها من الفوائد وهي الشيخ الإمام العالم العلامة الفريد الكامل حجة العرب مالك أزمة الأدب أثير الدين أبو حيان الأندلسي الجياني - بالجيم والياء آخر الحروف مشددة وبعد الألف نون - وكان أمير المؤمنين في النحو والشمس السافرة شتاء في يوم الصحو والمتصرف في هذا العلم فإليه الإثبات والمحو لو عاصر أئمة البصرة لبصرهم أو أهل الكوفة لكف عنهم اتباعهم السواد وحذرهم نزل منه كتاب سيبويه في وطنه بعد أن كان طريدا وأصبح به التسهيل بعد تعقيده مفيدا وجعل سرحة شرحه وجنة راقت النواظر توريدا ملأ الزمان تصانيف وأمال عنق الأيام بالتواليف تخرج به أئمة في هذا الفن وروق لهم في عصره منه سلافة الدن فلو رآه يونس بن حبيب لكان بغيضا غير مجيب أو عيسى بن عمر لأصبح من تقصيره وهو محذر أو الخليل لكان بعينه قذاه أو سيبويه لما تردى من مسألته الزنبورية برداه أو الكسائي لأعراه حلة جاهه عند الرشيد وأناسه أو الفراء لفر منه ولم يقتسم ولدا المأمون تقديم مداسه أو اليزيدي لما ظهر نقصه من مكامنه أو الأخفش

لأخفى جملة من محاسنه أو أبو عبيدة لما تركه ينصب لشعب الشعوبية أو أبو عمرو لشغله بتحقيق اسمه دون التعلق بعربية أو السكري لما راق كلامه في المعاني ولا حلا أو المازني لما زانه قوله إن مصابكم رجلا أو قطرب لما دب في العربية ولا درج أو ثعلب لاستكن بمكره في وكره ولما خرج أو المبرد لأصبحت قواه مقترة أو الزجاج لأمست قواريره مكسرة أو ابن الوزان لعدم نقده أو الثمانيني لما تجاوز حده أو ابن باب لعلم أن قياسه ما اطرد أو ابن دريد لما بلع ريقه ولا ازدرد أو ابن قتيبة لأضاع رحله أو ابن السراج لمشاة إذا رأى وحله أو ابن الخشاب لأضرم فيه نارا ولم يجد معه نورا أو ابن الخباز لما سجر له تنورا أو ابن القواس لما أغرق في نزعه أو ابن يعيش لأوقعه في نزعه أو ابن خروف لما وجد له مرعى أو ابن إياز لما وجد لأوزاره وقعا أو ابن الطراوة لم يكن نحوه طريا أو ابن الدباج لكان من حلته الرائقة عريا وعلى الجملة فكان إمام النحاة في عصره شرقا وغربا وفريد هذا الفن الفذ بعدا وقربا وفيه قلت
( سلطان علم النحو أستاذنا الشيخ ... أثير الدين حبر الأنام )
فلا تقل زيد وعمرو فما ... في النحو معه لسواه كلام )
خدم هذا العلم مدة تقارب الثمانين وسلك من غرائبه وغوامضه طرقا متشعبة الأفانين ولم يزل على حاله إلى أن دخل في خبر كان وتبدلت حركاته بالإسكان وتوفي رحمه الله تعالى بمنزله خارج باب البحر بالقاهرة في يوم السبت بعد العصر الثامن والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة ودفن من الغد بمقبرة الصوفية خارج باب النصر وصلي عليه في الجامع الأموي بدمشق صلاة الغائب في شهر ربيع الآخر ومولده بمدينة مطخشارش في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة وقلت أنا أرثيه رحمه

( مات أثير الدين شيخ الورى ... فاستعر البارق واستعبرا )
( ورق من حزن نسيم الصبا ... واعتل في الأسحار لما سرى )
( وصادحات الأيك في نوحها ... رثته في السجع على حرف را )
( يا عين جودي بالدموع التي ... يروي بها ما ضمه من ثرى )
( واجري دما فالخطب في شأنه ... قد اقتضى أكثر مما جرى )
( مات إمام كان في فنه ... يرى إماما والورى من ورا )
( أمسى منادى للبلى مفردا ... فضمه القبر على ما ترى )
( يا أسفا كان هدى ظاهرا ... فعاد في تربته مضمرا )
( وكان جمع الفضل في عصره ... صح فلما أن قضى كسرا )
( وعرف الفضل به برهة ... والآن لما أن مضى نكرا )
( وكان ممنوعا من الصرف ... لا يطرق من وافاه خطب عرا )
( لا أفعل التفضيل ما بينه ... وبين من أعرفه في الورى ) ( لا بدل عن نعته بالتقى ... ففعله كان له مصدرا )
( لم يدغم في اللحد إلا وقد ... فك من الصبر وثيق العرى )
( بكى له زيد وعمرو فمن ... أمثلة النحو وممن قرا )
( ما أعقد التسهيل من بعده ... فكم له من عسرة يسرا )
( وجسر الناس على خوضه ... إذ كان في النحو قد استبحرا )
( من بعده قد حال تمييزه ... وحظه قد رجع القهقرى )
( شارك من قد ساد في فنه وكم له فن به استأثرا )
دأب بني الآداب أن يغسلوا ... بدمعهم فيه بقايا الكرى )
( والنحو قد سار الردى نحوه ... والصرف للتصريف قد غيرا )
( واللغة الفصحى غدت بعده ... يلغي الذي في ضبطها قررا ) تفسيره البحر المحيط الذي ... يهدي إلى وراده الجوهرا )
( فوائد من فضله جمة ... عليه فيها

( وكان ثبتا نقله حجة ... مثل ضياء الصبح إن أسفرا )
( ورحلة في سنة المصطفى ... أصدق من يسمع إن أخبرا )
( له الأسانيد التي قد علت ... فاستفلت عنها سوامي الذرى )
( ساوى بها الأحفاد أجدادهم ... فاعجب لماض فاته من طرا )
( وشاعرا في نظمه مفلقا ... كم حرر اللفظ وكم حبرا )
( لها معان كلما خطها ... تستر ما يرقم في تسترا )
أفديه من ماض لأمر الردى ... مستقبلا من ربه بالقرى )
( ما بات في أبيض أكفانه ... إلا وأضحى سندسا أخضرا )
( تصافح الحور له راحة كم ... تعبت في كل ما سطرا )
( إن مات فالذكر له خالد ... يحيا به من قبل أن ينشرا )
( جاد ثرى وافاه غيث إذا ... مساه بالسقي له بكرا )
( وخصه من ربه رحمة ... تورده في حشره الكوثرا )
وكان قد قرأ القراءات على الخطيب أبي محمد عبد الحق بن علي بن عبد الله نحوا من عشرين ختمة إفرادا وجمعا ثم على الخطيب الحافظ أبي جعفر أحمد الغرناطي المعروف بالطباع بغرناطة ثم قرأ السبعة إلى آخر سورة الحجر على الخطيب الحافظ أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص بمالقة ثم إنه قدم الإسكندرية وقرأ القراءات على عبد النصير بن علي بن يحيى المريوطي ثم قدم مصر فقرأ بها القراءات على أبي الطاهر إسماعيل بن هبة الله المليحي وسمع الكثير على الجم الغفير بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية والإسكندرية وديار مصر والحجاز وحصل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك واجتهد في طلب التحصيل والتقييد والكتابة ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه لأني لم أره قط إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ولم أره على غير ذلك وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم ونظم ونثر وله الموشحات

البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها وأما النحو والتصريف فهو إمام الناس كلهم فيهما لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في حياته وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وحوادثهم خصوصا المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترقيق وتفخيم لأنهم يجاورون بلاد الإفرنج وأسماؤهم قريبة من لغاتهم وألقابهم كذلك وقيده وحرره وسأله شيخنا الذهبي أسئلة فيما يتعلق بذلك وأجابه عنها
وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصر والقادمين وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخا في حياته وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك رحمه الله تعالى ورغبهم فيها وفي قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها وفتح لهم مقفلها وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب هذه نحو الفقهاء وكان التزم أن لا يقرىء أحدا إلا إن كان في كتاب سيبويه أو في التسهيل لابن مالك أو في تصانيفه ولما قدم من بلاده لازم الشيخ بهاء الدين رحمه الله تعالى كثيرا وأخذ عنه كتب الأدب وكان شيخا حسن العمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا الحمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر فيها لم تكن كثة عبارته فصيحة بلغة الأندلس يعقد حرف القاف قريبا من الكاف على أنه لا ينطق بها في القرآن إلا فصيحة وسمعته يقول ما في هذه البلاد من يعقد حرف القاف
وكانت له خصوصية بالأمير سيف الدين أرغون كافل الممالك ينبسط معه ويبيت عنده في قلعة الجبل ولما توفيت ابنته نضار طلع إلى السلطان الملك الناصر محمد وسأل منه أن يدفنها في بيته داخل القاهرة في البرقية فأذن له في ذلك وكان أولا يرى رأي الظاهرية ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله تعالى عنه بحث على الشيخ علم الدين العراقي المحرر للرافعي ومختصر المنهاج

للنووي وحفظ المنهاج إلا يسيرا وقرأ أصول الفقه على أستاذه أبي جعفر ابن الزبير بحث عليه من الإشارة للباجي ومن المستصفى للغزالي وعلى الخطيب أبي الحسن ابن فضيلة وعلى الشيخ علم الدين العراقي وعلى الشيخ شمس الدين الأصبهاني وعلى الشيخ علاء الدين الباجي وقرأ أشياء من أصول الدين على شيخه ابن الزبير وقرأ عليه شيئا من المنطق وقرأ أشياء من المنطق على بدر الدين محمد بن سلطان البغدادي وقرأ عليه شيئا من الإرشاد للعميدي في الخلاف ولكنه برع في النحو وانتهت إليه الرئاسة والمشيخة فيه وكان خاليا من الفلسفة والاعتزال والتجسيم وكان أولا يعتقد في الشيخ تقي الدين بن تيمية وامتدحه بقصيدة ثم إنه انحرف عنه لما وقف على كتاب العرش له قال الفاضل كمال الدين الأدفوي وجرى على مذهب كثير من النحويين في تعصبه للإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه التعصب المتين قال حكي لي أنه قال لقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة إن عليا رضي الله تعالى عنه عهد إليه النبي أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أتراه ما صدق في هذا ! فقال صدق قال فقلت له فالذين سلوا السيوف في وجهه يبغضونه أو يحبونه أو غير ذلكقال وكان سيىء الظن بالناس كافة فإذا نقل له عن أحد خبر لا يتكيف به وينثني عنه حتى عمن هو عنده مجروح فيقع في ذم من هو بألسنة العالم ممدوح وبسبب ذلك وقع في نفس جمع كبير منه ألم كثير انتهى
قلت أنا لم أسمع منه في حق أحد من الأحياء والأموات إلا خيرا وما كنت أنقم عليه شيئا إلا ما كان يبلغني عنه من الحط على الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد على أنني أنا ما سمعت في حقه شيئا نعم كان لا يثق بهؤلاء الذين يدعون الصلاح حتى قلت له يوما يا سيدي فكيف تعمل في الشيخ أبي مدين فقال هو رجل مسلم دين وإلا ما كان يطير في الهواء ولا يصلي الصلوات الخمس في مكة كما يدعي فيه هؤلاء الأغمار

وكان فيه - رحمه الله تعالى - خشوع يبكي إذا سمع القرآن ويجري دمعه عند سماع الأشعار الغزلية وقال كمال الدين المذكور قال لي إذا قرأت أشعار العشق أميل إليها وكذلك أشعار الشجاعة تستميلني وغيرهما إلا أشعار الكرم ما تؤثر في انتهى
قلت كان يفتخر بالبخل كما يفتخر غيره بالكرم وكان يقول لي أوصيك احفظ دراهمك ويقال عنك بخيل ولا تحتج إلى السفل
وأنشدني من لفظه لنفسه [ بحر الطويل ]
( رجاؤك فلسا قد غدا في حبائلي ... قنيصا رجاء للنتاج من العقم )
( أأتعب في تحصيله وأضيعه ... إذن كنت معتاضا من البرء بالسقم )
قلت والذي أراه فيه أنه طال عمره وتغرب وورد البلاد ولا شيء معه وتعب حتى حصل المناصب تعبا كثيرا وكان قد جرب الناس وحلب أشطر الدهر ومرت به حوادث فاستعمل الحزم وسمعته غير مرة يقول يكفي الفقير في مصر أربعة أفلس يشتري له بائته بفلسين وبفلس زبيبا وبفلس كوز ماء ويشتري ثاني يوم ليمونا بفلس يأكل به الخبز وكان يعيب على مشتري الكتب ويقول الله يرزقك عقلا تعيش به أنا أي كتاب أردته استعرته من خزائن الأوقاف وإذا أردت من أحد أن يعيرني دراهم ما أجد ذلك وأنشدني له إجازة
( إن الدراهم والنساء كلاهما ... لا تأمنن عليهما إنسانا )
( ينزعن ذا اللب المتين عن التقى ... فترى إساءة فعله إحسانا )
وأنشدني له من أبيات [ بحر الطويل ]
( أتى بشفيع ليس يمكن رده ... دراهم بيض للجروح مراهم )
( تصير صعب الأمر أهون ما يرى ... وتقضي لبانات الفتى وهو نائم )

ومن حزمه قوله
( عداتي لهم فضل ... ) - البيتين وقد مدحه كثير من الشعراء والكبار الفضلاء فمنهم القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر بقوله [ بحر الكامل ]
( قد قلت لما أن سمعت مباحثا ... في الذات قررها أجل مفيد )
( هذا أبو حيان قلت صدقتم ... وبررتم هذا هو التوحيدي ) وكان قد جاء يوما إلى بيت الشيخ صدر الدين بن الوكيل فلم يجده فكتب بالجص على مصراع الباب فلما رأى ابن الوكيل ذلك قال [ بحر الكامل ]
( قالوا أبو حيان غير مدافع ... ملك النحاة فقلت بالإجماع )
( اسم الملوك على النقود وإنني ... شاهدت كنيته على المصراع )
ومدحه شرف الدين ابن الوحيد بقصيدة مطولة أولها [ بحر الطويل ]
( إليك أبا حيان أعملت أينقي وملت إلى حيث الركائب تلتقي )
( دعاني إليك الفضل فانقدت طائعا ... ولبيت أحدوها بلفظي المصدق )
( ومدحه نجم الدين إسحاق بن المي التركي وسأله تكملة شرح التسهيل بقصيدة وأرسلها إليه من دمشق وأولها [ بحر الطويل ]
( تبدى فقلنا وجهه فلق الصبح ... وكمله باليمن فيه وبالنجح )
( وسهلت تسهيل الفوائد محسنا ... فكن شارحا صدري بتكملة الشرح ) ومدحه مجير الدين عمر بن الملطي بقصيدة أولهابحر السريع ]
( يا شيخ أهل الأدب الباهر ... من ناظم يلفى ومن ناثر )

ومدحه نجم الدين يحيى الإسكندري بقصيدة أولها [ بحر البسيط ]
( ضيف ألم بنا من أبرع الناس ... لا ناقض عهد أيامي ولا ناسي )
( عار من الكبر والأدناس ذو شرف ... لكنه من سرابيل العلا كاسي )
ومدحه نجم الدين الطوفي بقصيدتين أول الأولى [ بحر الطويل ]
( أتراه بعد هجران يصل ... ويرى في ثوب وصل مبتذل )
( قمر جار على أحلامنا ... إذ تولاها بقد معتدل ) وأول الثانية
( اعذروه فكريم من عذر ... قمرته ذات وجه كالقمر )
ومدحه بهاء الدين محمد بن شهاب الدين الخيمي بقصيدة أولها
( فضضت عن العذب النمير ختامها ... وفتحت عن زهر الرياض كمامها )
ومدحه جماعة آخرون يطول ذكرهم وكتبت أنا إليه من الرحبة سنة 729
( لو كنت أملك من دهري جناحين ... لطرت لكنه فيكم جنى حيني )
( يا سادة نلت في مصر بهم شرفا ... أرقى به شرفا ينأى عن العين )
( وإن جرى لسما كيوان ذكر علا ... أحلني فضلهم فوق السماكين )
( وليس غير أثير الدين أثله ... فشاد ما شاد لي حقا بلا مين )
( حبر ولو قلت إن الباء رتبتها ... من قبل صدقك الأقوام في ذين )

( أحيا علوما أمات الدهر أكثرها ... مذ جلدت خلدت ما بين دفين )
( يا واحد العصر ما قولي بمتهم ... ولا أحاشي امرءا بين الفريقين )
( هذي العلوم بدت من سيبويه كما ... قالوا وفيك انتهت يا ثاني اثنين ) فدم لها وبودي لو أكون فدى ... لما ينالك في الأيام من شين )
( يا سيبويه الورى في الدهر لا عجب ... إذا الخليل غدا يفديك بالعين )
يقبل الأرض وينهي ما هو عليه من الأشواق التي برحت بألمها وأجرت الدموع دما وهذا الطرس الأحمر يشهد بدمها وأربت بسحها على السحائب وأين دوام هذه من ديمها وفرقت الأوصال على السقم لوجود عدمها
( فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى ... ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى ) ويذكر ولاءه الذي تسجع به في الأرض الحمائم ويسير تحت لوائه مسير الرياح بين الغمائم وثناءه الذي يتضوع كالزهر بين الكمائم ويتنسم تنسم هامات الربى إذا لبست من الربيع ملونات العمائم ويشهد الله على ما قد قلته والله سبحانه نعم الشهيد
فكتب هو الجواب عن ذلك ولكنه عدم مني
وأنشدته يوما لنفسي
( قلت للكاتب الذي ما أراه ... قط إلا ونقط الدمع شكله )
( إن تخط الدموع في الخد شيئا ... ما يسمى فقال خط ابن مقله ) وأنشدني هو من لفظه لنفسه
( سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحب عني نقله )
( وأجاد الخطوط في صفحة الخد ... ولم لا يجيد وهو ابن مقله ) وأنشدني في مليح نوتي
( كلفت بنوتي كأن قوامه ... إذا ينثني خوط من البان ناعم )

( مجاذفه في كل قلب مجاذب ... وهزاته للعاشقين هزائم )
وأنشدته أنا لنفسي
( إن نوتي مركب نحن فيه ... هام فيه صب الفؤاد جريحه )
( أقلع القلب عن سلوي لما ... أن بدا ثغره وقد طاب ريحه )
وأنشدته لنفسي أيضا
( نوتينا حسنه بديع ... وفيه بدر السماء مغرى )
( ما حك برا إلا وقلنا ... يا ليت أنا نحك ) برا فأعجباه رحمه الله تعالى وزهزه لهما وأنشدني هو لنفسه في مليح أحدب
( تعشقته أحدبا كيسا ... يحاكي نحيبا حنين النعام )
( إذا كدت أسقط من فوقه ... تعلقت من ظهره بالسنام ) فأنشدته لنفسي
( وأحدب رحت به مغرما ... إذ لم تشاهد مثله عيني )
( لا غرو إن هام فؤادي به ... وخصره ما بين دفي ) ن وأنشدني من لفظه لنفسه في أعمى
( ما ضر حسن الذي أهواه أن سناه ... كريمتيه بلا شين قد احتجبا )
( قد كانتا زهرتي روض وقد ذوتا ... لكن حسنهما الفتان ما ذهبا )
( كالسيف قد زال عنه صقله فغدا ... أنكى وآلم في قلب الذي ضربا )
وأنشدته لنفسي في ذلك

( ورب أعمى وجهه روضة ... تنزهي فيها كثير الديون )
( وخده ورد غنينا به ... عن نرجس ما فتحته العيون )
وأنشدته أيضا لنفسي في ذلك
( فيا حسن أعمى لم يخف حد طرفه ... محب غدا سكران فيه وما صحا )
( إذا صاد خل بات يرعى حدوده ... غدا آمنا من مقلتيه الجوارحا )
وكتبت إليه استدعاء وهو المسؤول من إحسان سيدنا الإمام العالم العلامة لسان العرب ترجمان الأدب جامع الفضائل عمدة وسائل السائل حجة المقلدين زين المقلدين قطب المؤملين أفضل الآخرين وارث علوم الأولين صاحب اليد الطولى في كل مكان ضيق والتصانيف التي تأخذ بمجامع القلب فكل ذي لب إليها شيق والمباحث التي أثارت الأدلة الراجحة من مكامن أماكنها وقنصت أوابدها الجامحة من مواطىء مواطنها كشاف معضلات الأوائل سباق غايات قصر عن شأوها سحبان وائل فارع هضبات البلاغة في اجتلاء اجتلابها وهي في مرقى مرقدها سالب تيجان الفصاحة في اقتضاء اقتضابها من فوق فرقدها حتى أبرز كلامه جنان فكل جنان من بعده عن الدخول إليها جبان وأتى ببراهين وجوه حورها لم يطمثهن إنس قبله ولا جان وأبدع خمائل نظم ونثر لا تصل إلى أفنان فنونها يد جان أثير الدين أبي حيان لا زال ميت العلم يحييه وهل عجيب ذلك من أبي حيان
( حتى ينال بنو العلوم مرامهم ... ويحلهم دار المنى بأمان )
إجازة كاتب هذه الأحرف ما رواه فسح الله تعالى في مدته من المسانيد والمصنفات والسنن والمجاميع الحديثية والتصانيف الأدبية نظما ونثرا إلى غير ذلك من أصناف العلوم على اختلاف أوضاعها وتباين أجناسها وأنواعها مما تلقاه ببلاد الأندلس وإفريقية والإسكندرية والديار المصرية والبلاد الحجازية

وغيرها من البلدان بقراءة أو سماع أو مناولة أو إجازة خاصة أو عامة كيفما تأدى ذلك إليه وإجازة ما له أدام الله إفادته من التصانيف في تفسير القرآن العظيم والعلوم الحديثية والأدبية وغيرها وما له من نظم ونثر إجازة خاصة وأن يثبت بخطه تصانيفه إلى حين هذا التاريخ وأن يجيزه إجازة عامة لما يتجدد له من بعد ذلك على رأي من يراه ويجوزه منعما متفضلا إن شاء الله تعالى فكتب الجواب رحمه الله تعالى أعزك الله ظننت بإنسان جميلا فغاليت وأبديت من الإحسان جزيلا وما باليت وصفت من هو القتام يظنه الناس سماء والسراب يحسبه الظمآن ماء يا ابن الكرام وأنت أبصر من يشيم أمع الروض النضير يرعى الهشيم أما أغنتك فضائلك وفواضلك ومعارفك وعوارفك عن نغبة من دأماء وتربة من يهماء لقد تبلجت المهارق من نور صفحاتك وتأرجت الأكوان من أريج نفحاتك ولأنت أعرف من يقصد للدراية وأنقد من يعتمد عليه في الرواية لكنك أردت أن تكسو من مطارفك وتتفضل من تالدك وطارفك وتجلو الخامل في منصة النباهة وتنقذه من لكن الفهاهة فتشيد له ذكرا وتعلي له قدرا ولم يمكنه إلا إسعافك فيما طلبت وإجابتك فيما إليه ندبت فإن المالك لا يعصى والمتفضل المحسن لا يقصى وقد أجزت لك - أيدك الله تعالى - جميع ما رويته عن أشياخي بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وديار مصر والحجاز وغير ذلك بقراءة أو سماع أو مناولة أو إجازة بمشافهة وكتابة ووجازة وجميع ما أجيز لي أن أرويه بالشام والعراق وغير ذلك وجميع ما صنفته واختصرته وجمعته وأنشأته نظما ونثرا وجميع ما سألت في هذا الاستدعاء فمن مروياتي الكتاب العزيز قرأته بقراءة السبعة على جماعة من أعلاهم الشيخ المسند المعمر فخر الدين أبو الطاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي بن هبة الله المصري ابن المليحي آخر من روى القرآن بالتلاوة على أبي الجود والكتب الستة والموطأ ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمي ومسند الشافعي ومسند الطيالسي والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الصغير

له وسنن الدارقطني وغير ذلك وأما الأجزاء فكثيرة جدا ومن كتب النحو والآداب فأروي بالقراءة كتاب سيبويه والإيضاح 1والتكملة والمفصل وجمل الزجاجي وغير ذلك والأشعار الستة والحماسة وديوان حبيب والمتنبي والمعري وأما شيوخي الذين رويت عنهم بالسماع أو القراءة فهم كثير وأذكر الآن منهم جماعة فمنهم القاضي أبو علي الحسن بن عبد العزيز بن أبي الأحوص القرشي والمقريء أبو جعفر أحمد بن سعيد بن أحمد بن بشير الأنصاري وإسحاق بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الملك بن درباس وأبو بكر ابن عباس بن يحيى بن غريب القواس البغدادي وصفي الدين الحسين بن أبي منصور بن الخزرجي وأبو الحسين محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري ووجيه الدين محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الأزدي بن الدهان وقطب الدين محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن القسطلاني ورضي الدين محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي اللغوي ونجيب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمداني ومكي بن محمد بن أبي القاسم ابن حامد الأصبهاني الصفار ومحمد بن عمر بن محمد بن علي السعدي الضرير بن الفارض وزين الدين أبو بكر محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن الأنماطي ومحمد بن إبراهيم بن ترجم بن حازم المازني ومحمد بن الحسين بن الحسن بن إبراهيم الداري بن الخليلي ومحمد بن عبد المنعم بن محمد بن يوسف الأنصاري بن الخيمي ومحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر العنسي عرف بابن النن وعبد الله بن محمد بن هارون بن عبد العزيز الطائي القرطبي وعبد الله بن نصر الله بن أحمد بن رسلان بن فتيان بن كامل الخزمي وعبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن فارس التميمي وعبد الرحمن بن يوسف بن يحيى بن يوسف ابن خطيب المزة وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي المصري السكري وعبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن نصر بن الصيقل الحراني وعبد العزيز بن عبد القادر بن إسماعيل الفيالي الصالحي الكتاني وعبد المعطي بن عبد الكريم بن أبي المكارم بن منجى الخزرجي وعلي بن صالح بن أبي علي بن يحيى بن إسماعيل الحسني البهنسي المجاور وغازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الحلاوي والفضل بن علي بن نصر بن عبد الله بن الحسين بن رواحة الخزرجي ويوسف بن إسحاق بن أبي بكر الطبري المكي واليسر بن عبد الله بن محمد بن خلف بن اليسر القشيري ومؤنسة بنت الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي وشامية بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن محمد التيمية وزينب بنت عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغدادي وممن كتبت عنه من مشاهير الأدباء أبو الحكم مالك بن عبد الرحمن بن علي بن الفرج المالقي بن المرحل وأبو الحسن بن حازم بن محمد بن حازم الأنصاري القرطاجني وأبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الله الهذلي التطيلي وأبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن زنون المالقي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن جبير الجلياني العكي المالقي وأبو الحسين يحيى بن عبد العظيم بن يحيى الأنصاري الجزار وأبو عمرو عثمان بن سعيد بن عبد الرحمن بن تولو القرشي وأبو حفص عمر بن محمد بن أبي علي الحسن المصري الوراق وأبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن ياسين الكومي التلمساني وأبو العباس أحمد بن أبي الفتح نصر الله بن باتكين القاهري وأبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن محسن الصنهاجي البوصيري وأبو العباس أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي
وممن أخذت عنه من النحاة أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الخشني الأبدي وأبو الحسن علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي بن الضائع وأبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن الزبير الثقفي وأبو جعفر أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف الفهري اللبلي وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن نصر الحلبي ابن النحاس وممن لقيته من الظاهرية أبو العباس أحمد بن علي بن خالص الأنصاري

الإشبيلي الزاهد وأبو الفضل محمد بن محمد بن سعدون الفهري الشنتمري وجملة الذين سمعت منهم نحو من أربعمائة شخص وخمسين وأما الذين أجازوني فعالم كثير جدا من أهل غرناطة ومالقة وسبتة وديار إفريقية وديار مصر والحجاز والعراق والشام وأما ما صنفته فمن ذلك البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم إتحاف الأديب بما في القرآن من الغريب كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار شرحا لكتاب سيبويه كتاب التجريد لأحكام سيبويه كتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل كتاب التنخيل الملخص من شرح التسهيل كتاب التذكرة كتاب المبدع في التصريف كتاب الموفور كتاب التقريب كتاب التدريب كتاب غاية الإحسان كتاب النكت الحسان كتاب الشذا في مسألة كذا كتاب الفضل في أحكام الفصل كتاب اللمحة كتاب الشذرة كتاب الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء كتاب عقد اللآلي كتاب نكت الأمالي كتاب النافع في قراءة نافع الأثير في قراءة ابن كثير المورد الغمر في قراءة أبي عمرو الروض الباسم في قراءة عاصم المزن الهامر في قراءة ابن عامر الرمزة في قراءة حمزة تقريب النائي في قراءة الكسائي غاية المطلوب في قراءة يعقوب قصيدة النير الجلي في قراءة زيد بن علي الوهاج في اختصار المنهاج الأنوار الأجلى في اختصار المحلى الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية كتاب الإعلام بأركان الإسلام نثر الزهر ونظم الزهر قطر الحبي في جواب أسئلة الذهبي فهرست مسموعاتي نوافث السحر في دمائث الشعر تحفة الندي في نحاة الأندلس الأبيات الوافية في علم القافية جزء في الحديث مشيخة ابن أبي المنصور كتاب الإدراك للسان الأتراك زهو الملك في نحو الترك نفحة المسك في سيرة الترك كتاب الأفعال في لسان الترك منطق الخرس في

لسان الفرس ومما لم يكمل تصنيفه كتاب مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد كتاب منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك نهاية الإغراب في علمي التصريف والإعراب رجز مجاني الهصر في آداب وتواريخ لأهل العصر خلاصة التبيان في علمي البديع والبيان رجز نور الغبش في لسان الحبش المخبور في لسان اليخمور قاله وكتبه أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان وأنشدني الشيخ أثير الدين من لفظه لنفسه في صفات الحروف
( أنا هاو لمستطيل أغن ... كلما اشتد صارت النفس رخوه )
( أهمس القول وهو يجهر سبي ... وإذا ما انخفضت أظهر علوه )
( فتح الوصل ثم أطبق هجرا ... بصفير والقلب قلقل شجوه )
( لان دهرا ثم اغتدى ذا انحراف ... وفشا السر مذ تكررت نحوه )
وأنشدني أيضا لنفسه
( يقول لي العذول ولم أطعه ... تسل فقد بدا للحب لحيه )
( تخيل أنها شانت حبيبي ... وعندي أنها زين وحليه )
وأنشدني لنفسه أيضا
( شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي ... شوق شديد وجسمي الواهن الواهي )
( أسهرت طرفي وولهت الفؤاد هوى ... فالطرف والقلب مني الساهر الساهي )
( نهبت قلبي وتنهى أن أبوح بما ... يلقاه وأشوقه للناهب الناهي )
( بهرت كل مليح بالبهاء فما ... في النيرين شبيه الباهر الباهي )
( لهجت بالحب لما أن لهوت به ... عن كل شيء فويح اللاهج اللاهي )
وأنشدني من لفظه لنفسه

( راض حبيبي عارض قد بدا يا ... حسنه من عارض رائض )
( وظن قوم أن قلبي سلا ... والأصل لا يعتد بالعارض )
وأنشدني من لفظه لنفسه
( تعشقته شيخا كأن مشيبه ... على وجنتيه ياسمين على ورد )
( أخا العقل يدري ما يراد من الهوى ... أمنت عليه من رقيب ومن صد )
( وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى ... لسود اللحى ناس وناس إلى المرد )
( ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد ... صبوت إلى هيفاء مائسة القد )
( وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركا ... فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي )
وأنشدني من لفظه لنفسه
( ألا إن ألحاظا بقلبي عوابثا ... أظن بها هاروت أصبح نافثا )
( إذا رام ذو وجد سلوا منعنه ... وكن على دين التصابي بواعثا )
( وقيدن من أضحى عن الحب مطلقا ... وأسرعن للبلوى بمن كان رائثا )
( بروحي رشا من آل خاقان راحل ... وإن كان ما بين الجوانح لابثا )
( غدا واحدا في الحسن للفضل ثانيا ... وللبدر والشمس المنيرة ثالثا )
وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت
( أسحر لتلك العين في القلب أم وخز ... ولين لذاك الجسم في اللمس أم خز )
( وأملود ذاك القد أم أسمر غدا ... له أبدا في قلب عاشقه هز )
( فتاة كساها الحسن أفخر حلة ... فصار عليها من محاسنها طرز )
( وأهدى إليها الغصن لين قوامه ... فماس كأن الغصن خامره العز )
( يضوع أديم الأرض من نشر طيبها ... ويخضر من آثار تربتها الجرز )
( وتختال في برد الشباب إذا مضت ... فينهضها قد ويقعدها عجز )
( أصابت فؤاد الصب منها بنظرة ... فلا رقية تجدي المصاب ولا حرز )

وأنشدني إجازة في مليح أبرص ومن خطه نقلت
( وقالوا الذي قد صرت طوع جماله ... ونفسك لاقت في هواه نزاعها )
( به وضح تأباه نفس أولي النهى ... وأفظع داء ما ينافي طباعها )
( فقلت لهم لا عيب فيه يشينه ... ولا علة فيه يروم دفاعها )
( ولكنها شمس الضحى حين قابلت ... محاسنه ألقت عليه شعاعها )
وأنشدني من لفظه لنفسه في فحام
( وعلقته مسود عين ووفرة ... وثوب يعاني صنعة الفحم عن قصد )
( كأن خطوط الفحم في وجناته ... لطاخة مسك في جني من الورد )
وأنشدني إجازة ومن خطه نقلت
( سأل البدر هل تبدى أخوه ... قلت يا بدر لن تطيق طلوعا )
( كيف يبدو وأنت يا بدر باد ... أو بدران يطلعان جميعا ) وأنشدني من لفظه لنفسه موشحة عارض بها شمس الدين محمد بن التلمساني
( عاذلي في الأهيف الأنس ... لو رآه الآن قد عذرا )
( رشأ قد زانه الحور ... غصن من فوقه قمر )
( قمر من سحبه الشعر ... ثغر في فيه أم درر )
( حال بين الدر واللعس ... خمرة من ذاقها سكرا )
( رجة بالردف أم كسل ... ريقة بالثغر أم عسل )
( وردة بالخد أم خجل ... كحل بالعين أم كحل )
( يا لها من أعين نعس ... جلبت للناظر السهرا )

( مذ نأى عن مقلتي سني ... ما أذيقا لذة الوسن )
( طال ما ألقاه من شجن ... عجبا ضدان في بدن )
( بفؤادي جذوة القبس ... وبعيني الماء منفجرا )
( قد أتاني الله بالفرج ... إذ دنا مني أبو الفرج )
( قمر قد حل في المهج ... كيف لا يخشى من الوهج )
( غيره لو صابه نفسي ... ظنه من حره شررا )
( نصب العينين لي شركا ... فانثنى والقلب قد ملكا )
( قمر أضحى له فلكا ... قال لي يوما وقد ضحكا )
( أتجي من أرض أندلس ... نحو مصر تعشق القمرا )
وأما موشحة ابن التلمساني فهي
( قمر يجلو دجى الغلس بهر الأبصار مذ ظهرا )
( آمن من شبهة الكلف ... ذبت من عينيه بالكلف )
( لم يزل يسعى إلى تلفي ... بركاب الدل والصلف )
( آه لولا أعين الحرس ... نلت منه الوصل مقتدرا )
( يا أميرا جار مذ وليا ... كيف لا ترثي لمن بليا )
( فبثغر منك قد جليا ... قد حلا طعما وقد حليا )
( وبما أوتيت من كيس ... جد فما أبقيت مصطبرا )

( بدر تم في الجمال سني ... ولهذا لقبوه سني )
( قد سباني لذة الوسن ... بمحيا باهر حسن )
( هو خشفي وهو مفترسي ... فارو عن أعجوبتي خبرا )
( لك خد يا أبا الفرج ... زين بالتوريد والضرج )
( وحديث عاطر الأرج ... كم سبى قلبا بلا حرج )
( لو رآك الغصن لم يمس ... أو رآك البدر لاستترا )
( يا مذيبا مهجتي كمدا ... فقت في الحسن البدور مدى )
( يا كحيلا كحله اعتمدا ... عجبا أن تبرىء الرمدا )
( وبسقم الناظرين كسي ... جفنك السحار وانكسرا )
وأنشدني من لفظه لنفسه أيضا
( إن كان ليل داج وخاننا الإصباح ... فنورها الوهاج يغني عن المصباح )
( سلافة تبدو ... كالكوكب الأزهر )
( مزاجها شهد ... وعرفها عنبر )
( وحبذا الورد ... منها وإن أسكر )
( قلبي بها قد هاج فما تراني صاح ... عن ذلك المنهاج وعن هوى يا صاح )
( وبي رشا أهيف ... قد لج في بعدي )
( بدر فلا يخسف ... منه سنا الخد )
( بلحظه المرهف ... يسطو على الأسد )
( كسطوة الحجاج في الناس والسفاح ... فما ترى من ناج من لحظه السفاح )

( علل بالمسك ... قلب رشا أحور )
( منعم المسك ... ذي مبسم أعطر )
( رياه كالمسك ... وريقه كوثر )
غصن على رجراج طاعت له الأرواح ... فحبذا الآراج إن هبت الأرواح )
( مهلا أبا القاسم ... على أبي حيان )
( ما إن له عاصم ... من لحظك الفتان )
( وهجرك الدائم ... قد طال بالهيمان )
( فدمعه أمواج وسره قد باح ... لكنه ما عاج ولا أطاع اللاح )
( يا رب ذي بهتان ... يعذل في الراح )
( وفي هوى غزلان ... دافعت بالراح )
وقلت لا سلوان ... عن ذاك يا لاح )
( سبع الوجوه والتاج هي منية الأفراح ... فاختر لي يا زجاج قمصال وزوج أقداح )
وأنشدني من لفظه لنفسه القصيدة الدالية التي نظمها في مدح النحو والخليل و سيبويه ثم خرج منها إلى مديح صاحب غرناطة وغيره من أشياخه وأولها
( هو العلم لا كالعلم شيء تراوده ... لقد فاز باغيه وأنجح قاصده ) وهي قصيدة جيدة تزيد على مائة بيت وحكي لي أن الشيخ أثير الدين رحمه الله تعالى ضعف فتوجه إليه جماعة يعودونه وفيهم شمس الدين بن دانيال فأنشدهم الشيخ رحمه الله تعالى القصيدة المذكورة فلما فرغت قال ابن دانيال يا جماعة أخبركم أن الشيخ قد عوفي وما بقي عليه بأس لأنه لم يبق عنده فضلة قوموا باسم الله

وأنشدني من لفظه لنفسه رحمه الله تعالى قصيدته السينية التي أولها
( أهاجك ربع حائل الرسم دارسه ... كوحي كتاب أضعف الخط دارسه )
انتهى نص الصفدي وما ذكره رحمه الله تعالى في موضع ولادة أبي حيان غير مخالف لما ذكره في الوافي أنه ولد بغرناطة إلا أن قوله بمدينة مطخشارش فيه نظر لأنه يقتضي أنها مدينة وليس كذلك وإنما هي موضع بغرناطة ولذا قال الرعيني إن مولد أبي حيان بمطخشارش من غرناطة ونحوه لابن جماعة انتهى وهو صريح في المراد وصاحب البيت أدرى على أنه يمكن أن يرد كلام الصفدي لذلك والله تعالى أعلم
وذكر في الوافي أنه تولى تدريس التفسير بالقبة المنصورية والإقراء بالجامع الأقمر قال الصفدي وقال لي لم أر بعد ابن دقيق العيد أفصح من قراءتك وكان ذلك حين قرأت عليه المقامات الحريرية بمصر جماعة انتهى
وما وقع في كلام كثير من أهل المغرب أن أبا حيان توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة غير ظاهر لأن أهل المشرق أعرف بذلك إذ توفي عندهم وقد تقدم أنه توفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة فعلى كلام أهل المشرق في هذا المعول والله أعلم
وكانت نضار بنت أبي حيان حجت وسمعت بقراءة العلم البرزالي على بعض الشيوخ وحدثت بشيء من مروياتها وحضرت على الدمياطي وسمعت على جماعة وهي بضم النون وتخفيف الضاد وأجازها من المغرب أبو جعفر بن الزبير وحفظت مقدمة في النحو ولما توفيت عمل والدها فيها كتابا سماه النضار في المسلاة عن نضار وكان والدها يثني عليها كثيرا وكانت تكتب وتقرأ قال الصفدي قال لي والدها إنها خرجت جزءا لنفسها وإنها تعرب جيدا وأظنه قال لي إنها تنظم الشعر وكان يقول دائما ليت أخاها حيان كان مثلها وتوفيت رحمها الله تعالى في جمادي الآخرة

في حياة والدها فوجد عليها وجدا عظيما ولم يثبت وانقطع عند قبرها بالبرقية ولازمه سنة ومولدها في جمادي الآخرة سنة 702 قال الصفدي وكنت بالرحبة لما توفيت فكتبت لوالدها بقصيدة أولها
( بكينا باللجين على نضار ... فسيل الدمع في الخدين جاري )
( فيا لله جارية تولت ... فنبكيها بأدمعنا الجواري ) وقال الفقيه المحدث أبو عبد الله محمد بن سعيد الرعيني الأندلسي في برنامجه عند ذكره شيخه أبا حيان زيادة على ما قدمناه ما ملخصه إن أبا حيان قال سمعت بغرناطة ومالقة وبلش والمرية وبجاية وتونس والإسكندرية ومصر والقاهرة ودمياط والمحلة وطهرمس والجيزة ومنية بني خصيب ودشنا وقنا وقوص وبلبيس وبعيذاب من بلاد السودان وبينبع ومكة ش ؟ رفها الله تعالى وجدة وأيلة ثم فصل من لقيه في كل بلد إلى أن قال وبمكة أبا اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن عبد الله بن عساكر إلى أن قال فهذه نبذة من شيوخي وجملة من سمعت منه خمسمائة والمجيزون أكثر من ألف وعد من كتب القراءات التي أخذ تسعة عشر كتابا وقال في حق ابن المليحي إنه أعلى شيوخي في القراءات وإن آخر من روى عنه السبع أبو الجود غياث بن فارس المنذري اللخمي وإجازته منه سنة 604 قال وقرأت البخاري على جماعة أقدمهم إسنادا فيه أبو العز الحراني قرأته عليه بلفظي إلا بعض كتاب التفسير من قوله تعالى 15 ( ويسألونك عن المحيض ) إلى قوله سبحانه ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) في سورة النور فسمعته بقراءة غيري قال أنبأنا به أبو المعالي أحمد بن يحيى بن عبيد الله الخازن البيع سماعا عليه سنة ستمائة ببغداد أنبأنا أبو الوقت بسنده وكمل له رحمه الله تعالى جامع الترمذي بين قراءة وسماع على ابن الزبير بغرناطة وسمعه على محمد بن ترجم أنبأنا ابن البناء أنبأنا الكرو خي بسنده وقرأ السنن لأبي داود بغرناطة على أبي زيد عبد الرحمن الربعي عرف بالتونسي أنبأنا

به سهل بن مالك وقرأه بالقاهرة على أبي الفضل عبد الرحيم ابن خطيب المزة عن أبي حفص بن طبرزد عن أبي بدر الكروخي ومفلح الرومي عن أبي بكر بن ثابت الخطيب أنبأنا أبو عمر الهاشمي أنبأنا اللؤلؤي أنبأنا أبو داود وقرأ الموطأ على أبي حفص بن الطباع عن أبي القاسم بن بقي عن ابن عبد الحق عن ابن الطلاع بسنده وهذا أعلى سند يوجد عن يونس بن مغيث في عصره وسمع أبو حيان الأجزاء الخلعيات والغيلانيات والقطيعيات والنهروانيات والمحامليات والثقفيات وسداسيات الرازي بعلو قرأها على صفي الدين عبد الوهاب بن الفرات عن أبي الطاهر إسماعيل بن ياسين الجيلي وهو آخر م ن حدث عنه عن أبي عبد الله الرازي سماعا وقرأ جزء الأنصاري على أبي بكر بن الأنماطي بسماعه حضورا في الرابعة على أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزار سنة 532 أنبأنا إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قراءة عليه في رجب سنة 445 أنبأنا عبد الله بن إبراهيم بن ماس أنبأنا أبو مسلم الكشي البصري أنبأنا محمد بن عبد الله الأنصاري وقرأ جميع كتاب سيبويه على البهاء بن النحاس المشهور بالنحو في مصر والشام بقراءته على علم الدين أبي محمد القاسم بن أحمد بن الموفق بقراءته على التاج أبي اليمن الكندي أنبأنا أبو محمد عبد الله بن علي ابن أحمد البغدادي مؤلف كتاب المبهج أنبأ أبو الكرم المبارك بن فاخر بن محمد بن يعقوب عرف بابن الدباس أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر بن برهان الأسدي أنبأ أبو القاسم علي بن عبيدالله الرقيقي أنبأ علي بن عيسى بن عبد الله الرماني أنبأنا أبو بكر بن السراج أنبأنا أبو العباس المبرد أنبأنا أبو عمر الجرمي وأبو عثمان المازني قالا أنبأنا أبو الحسن الأخفش أنبأنا سيبويه قال الشيخ أبو حيان ولا أعلم راويا له بمصر والشام والعراق واليمن والمشرق غيري ورويته عن الأساتيذ أبوي علي بن الضائع وابن أبي الأحوص وأبي جعفر اللبلي عن أبي علي الشلوبين وسنده مشهور بالمغرب ووقع لأبي حيان تساعيات كثيرة وأغرب ما وقع له ثلاثة أحاديث بينه وبين

رسول الله فيها ثمانية أخبره المحدث نجيب محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمداني بقراءته عليه والجليلة السلطانية مؤنسة بنت الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي قراءة عليها وهو يسمع قالا أنبأنا أبو الفخر أسعد بن سعيد بن روح في كتابه أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد الجوزدانية أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريدة الضبي الأصبهاني أنبأنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطر اللخمي الطبراني أنبأنا عبيد الله بن رماحس القيسي برمادة الرملة سنة 274 أنبأنا أبو عمر زياد بن طارق وقد أتت عليه عشرون ومائة سنة قال سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمي يقول لما أسرنا رسو الله يوم هوازن أتيته فقلت
( امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وننتظر )
( امنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتت شملها في دهرها غير )
( أبقت لنا الدهر هتانا على حزن ... علا قلوبهم الغماء والغمر )
( إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختب )
( امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من محضها الدرر )
( إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... وإذ يريبك ما تأتي وما تذر )
( لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا معشر زهر )
( إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر )
( فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر )
( يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر )
( إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هذي البرية إذ تعفو وتنتصر )
( فاعف عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر )
( فلما سمع هذا الشعر قال " ما كان لي ولبني

عبد المطلب فهو لكم " فقالت قريش ما كان لنا فهو لله ولرسوله وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ولرسوله قال أبو القاسم الطبراني لا يروى عن زهير إلا بهذا الإسناد وتفرد به عبيد الله بن رماحس وبالإسناد إلى الطبراني أنبأنا جعفر بن حميد بن عبد الكريم بن فروخ بن ديزج بن بلال بن سعد الأنصاري الدمشقي قال حدثني جدي لأمي عمر بن أبان بن مفضل بن أبان المدني قال أراني أنس بن مالك الوضوء أخذ ركوة فوضعها عن يساره وصب على يده اليمنى فغسلها ثلاثا ثم أدار الركوة عن يده اليمنى وصب على يساره فغسلها ثلاثا وثلاثا ومسح برأسه ثلاثا وأخذ ماء جديدا لصماخيه فمسح صماخيه فقلت له قد مسحت أذنيك فقال يا غلام هل رأيت وفهمت أو أعيد عليك فقلت قد كفاني وقد فهمت قال فكذا رأيت رسول الله يتوضأ قال الطبراني لم يرو عمر بن أبان عن أنس حديثا غير هذا وبالإسناد إلى الطبراني حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد القصاص البصري أنبأنا دينار بن عبد الله مولى أنس بن مالك حدثني أنس بن مالك قال قال رسول الله " طوبى لمن رآني وآمن بي ومن رأى من رآني وآمن بي ومن رأى من رأى من رآني " ثم قال الرعيني وتصانيف أبي حيان تزيد على خمسين ما بين طويل وقصير ثم قال الرعيني وخرج أبو حيان من الأندلس مفتتح سنة 679 واستوطن القاهرة بعد حجه وأنشد لشيخه أبي الحسن الزجاج
( رضيت كفافي رتبة ومعيشة ... فلست أسامي موسرا ووجيها )
( ومن جر أثواب الزمان طويلة ... فلا بد يوما أن سيعثر فيها )

وأنشد بإسناده لموسى بن أبي تليد
( حالي مع الدهر في تقلبه ... كطائر ضم رجله شرك )
( فهمه في خلاص مهجته ... يروم تخليصها فتشتبك )
ثم أورد الرعيني جملة من نظم الإمام أبي حيان منها قوله
( أريد من الدنيا ثلاثا وإنها ... لغاية مطلوب لمن هو طالب )
( تلاوة قرآن ونفس عفيفة ... وإكثار أعمال عليها أواظب ) وقوله
( أرحت روحي من الإيناس بالناس ... لما غنيت عن الأكياس بالياس )
( وصرت في البيت وحدي لا أرى أحدا ... بنات فكري وكتبي هن جلاسي ) وقوله
( وزهدني في جمعي المال أنه ... إذا ما انتهى عند الفتى فارق العمرا )
( فلا روحه يوما أراح من العنا ... ولم يكتسب حمدا ولم يدخر أجرا )
وقوله
( يظن الغمر أن الكتب تجدي ... أخا ذهن لإدراك العلوم )
( وما يدري الجهول بأن فيها ... غوامض حيرت عقل الفهيم )
( إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم )
وتلتبس الأمور عليك حتى ... تصير أضل من توما الحكيم )
وله لغز في قيراط زاعما أنه لا يفك
( وما اسم خماسي إذا ما فككته ... يصير لنا فعلين أمرا وماضيا )

( بعكس وهو كل وجزء وجمعه ... بإبدال عين حار فيه التناهيا )
( ومع كونه فردا وجمعا فأول ... وآخره أضحى لشخص معاديا )
( وفي عكسه صوت فتبنيه صيغة ... وتبني بمعناه وما أنت بانيا )
( فكم فيه من معنى خفي وإنما ... عنيت بذكري للذي ليس خافيا )
ثم قال الرعيني وهو شيخ فاضل ما رأيت مثله كثير الضحك والانبساط بعيد عن الانقباض جيد الكلام حسن اللقاء جميل المؤانسة فصيح الكلام طلق اللسان ذو لمة وافرة وهمة فاخرة له وجه مستدير وقامته معتدلة التقدير ليس بالطويل ولا بالقصير انتهى ما لخصته من كلام الرعيني ولما قدم الأستاذ أبو حيان إلى مصر أوصى أهله بقوله ينبغي للعاقل أن يعامل كل أحد في الظاهر معاملة الصديق وفي الباطن معاملة العدو في التحفظ منه والتحرز وليكن في التحرز من صديقه أشد من التحرز من عدوه وأن يعتقد أن إحسان شخص إلى آخر وتودده إليه إنما هو لغرض قام له فيه يتعلق به يبعثه على ذلك لا لذات ذلك الشخص وينبغي أن يترك الإنسان الكلام في ستة أشياء في ذات الله تعالى وما يتعلق بصفاته وما يتعلق بأحوال أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ! وفي التعرض لما جرى بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وفي التعرض لأئمة المذاهب رحمهم الله تعالى ورضي عنهم وفي الطعن على صالحي الأمة نفع الله بهم ! وعلى أرباب المناصب والرتب من أهل زمانه وأن لا يقصد أذى أحد من خلق الله سبحانه وتعالى إلا على حسب الدفع عن نفسه وأن يعذر الناس في مباحثهم وإدراكاتهم فإن ذلك على حسب عقولهم وأن يضبط نفسه عن المراء والاستزراء والإستخفاف بأبناء زمانه وأن لا يبحث إلا مع من اجتمعت فيه شرائط الديانة والفهم والمزاولة لما يبحث وأن لا يغضب على من لا يفهم مراده ومن لم يدر ما يدركه وأن يلتمس مخرجا لمن ظاهر

كلامه الفساد وأن لا يقدم على تخطئة أحد ببادي الرأي وأن يترك الخوض في علوم الأوائل وأن يجعل اشتغاله بعلوم الشريعة وأن لا ينكر على الفقراء وليسلم لهم أحوالهم وينبغي للعاقل أن يلزم نفسه التواضع لعبيد الله سبحانه وتعالى وأن يجعل نصب عينيه أنه عاجز مفتقر وأن لا يتكبر على أحد وأن يقل من الضحك والمزاح والخوض فيما لا يعنيه وأن يتظاهر لكل بما يوافقه فيما لا معصية لله تعالى فيه ولا خرم مروءة وأن يأخذ نفسه باجتناب ما هو قبيح عند الجمهور وأن لا يظهر الشكوى لأحد من خلق الله تعالى وأن لا يعرض بذكر أهله ولا يجري ذكر حرمه بحضرة جليسه وأن لا يطلع أحدا على عمل خير يعمله لوجه الله تعالى وأن يأخذ نفسه بحسن المعاملة من حسن اللفظ وجميل التقاضي وأن لا يركن إلى أحد إلا إلى الله تعالى وأن يكثر من مطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلا جديدا والله سبحانه وتعالى اعلم
انتهت وصية أبي حيان الجامعة النافعة وقد نقلتها من خط الشيخ العلامة أبي الطيب بن علوان التونسي المالكي الشهير بالمصري وهو ممن أخذ عن تلامذة الشيخ أبي حيان رحمه الله تعالى
قلت وبما في هذه الوصية من نهيه عن الطعن في صالحي الأمة نفع الله تعالى بهم وأمره بالتسليم لأحوالهم وعدم الإنكار عليهم تعلم أن ما نقله الصفدي عنه فيما تقدم من قوله إن الشيخ أبا مدين إلى آخره كلام فيه نظر لأن أبا حيان رضي الله تعالى عنه لا ينكر كرامات الأولياء كيف وقد ذكر رحمه الله تعالى منها كثيرا فمن ذلك ما حكى عنه تلميذه الرعيني بسنده إلى الفقيه المقريء الصالح أبي تمام غالب بن حسن بن أحمد بن سيد بونة الخزاعي حدث أنه زار قبر أبي الحسن بن جالوت ولم يكن زاره قبل فاشتبه عليه فتركه فسمع النداء من قبر معين يا غالب أتمشي وما زرتني فزار ذلك القبر وقعد عنده ثم جاء

ابن أبي الحسن المذكور فسأله عن القبر فقال هو الذي قعدت عنده وغالب هذا وابن جالوت هما من أصحاب الشيخ أبي أحمد جعفر بن سيد بونة الخزاعي وهو من أصحاب الشيخ أبي مدين انتهى فكيف ينكر أبو حيان كرامات الصالحين وهو يوصي على من ينهى عن الطعن فيهم ويحكي كراماتهم نعم قول الصفدي قبل ذلك الكلام إنه كان ينكر على فقراء الوقت كلام صحيح في الجملة لكثرة الدعاوى الباطلة ممن ليس من أهل الصلاح وأما إنكار الكرامات مطلقا فمقام أبي حيان يجل عن انكارها والله تعالى أعلم
وقد أورد ابن جماعة له من قطعة قوله في أهل عصره
( ومن يك يدعي منهم صلاحا ... فزنديق تغلغل في الضلال ) وأول هذه القطعة
( حلبت الدهر أشطره زمانا ... وأغناني العيان عن السؤال )
( فما أبصرت من خل وفي ... ولا ألفيت مشكور الخلال )
( ذئاب في ثياب قد تبدت ... لرائيها بأشكال الرجال )
( ومن يك يدعي منهم صلاحا ... فزنديق تغلغل في الضلال )
( ترى الجهال تتبعه وترضى ... مشاركة بأهل أو بمال )
( فينهب مالهم ويصيب منهم ... نساءهم بمقبوح الفعال )
و ( تأخذ حاله زورا فيرمي ... عمامته ويهرب في الرمال )
( ويجرون التيوس وراء رجس ... تقرمط في العقيدة والمقال )
أي اعتقدوا رأي القرامطة ومذهبهم مشهور فلا نطيل به فظهر بما ذكر أن أبا حيان إنما أنكر على أهل الدعاوى لا على غيرهم والله تعالى أعلم
وقد أورد قاضي القضاة ابن جماعة للشيخ أبي حيان من النظم غير ما قدمنا ذكره قوله

( أما إنه لولا ثلاث أحبها ... تمنيت أني لا أعد من الأحيا )
( فمنها رجائي أن أفوز بتوبة ... تكفر لي ذنبا وتنجح لي سعيا )
( ومنهن صوني النفس عن كل جاهل ... لئيم فلا أمشي إلى بابه مشيا )
( ومنهن أخذي بالحديث إذا الورى ... نسوا سنة المختار واتبعوا الرأيا )
( أتترك نصا للرسول وتقتدي ... بشخص لقد بدلت بالرشد الغيا )
وقوله
( سال في الخد للحبيب عذار ... وهو لا شك سائل مرحوم )
( وسألت التثامة فتجنى ... فأنا اليوم سائل محروم )
وقوله
( أمدعيا علما ولست بقارئ ... كتابا على شيخ به يسهل الحزن )
( أتزعم أن الذهن يوضح مشكلا ... بلا موضح كلا لقد كذب الذهن ) و
( إن الذي تبغيه دون معلم ... كموقد مصباح وليس له دهن )
وقوله عداتي - البيتين قال وأخذ هذا المعنى من قول الطغرائي
( من خص بالود الصحاب فإنني ... أحبو بخالص ودي الأعداء )
( جعلوا التنافس في المعالي ديدني ... حتى وطئت بأخمصي الجوزاء )
( ونعوا إلي مثالبي فحذرتها ... ونفيت عن أخلاقي الأقذاء )
( ولربما انتفع الفتى بعدوه ... كالسم أحيانا يكون دواء )
ومن نظم أبي حيان
( يا منضي الطرف في ميدان لذته ... وناضي الطرف بين الراح والرود )

( ستشرب الروح راح الوقت كارهة ... ويذهب الجسم بين الترب في الدود ) وله رحمه الله تعالى قصيدة سماها بالمورد العذب في معارضة قصيدة كعب وقصيدة في مدح الإمام الشافعي مطلعها
( غذيت بعلم النحو إذ در لي ثديا ... )
وله رحمه الله تعالى من قصيدة في مدح أم ولده حيان
( جننت بها سوداء لون وناظر ... ويا طالما كان الجنون بسوداء
( وجدت بها برد النعيم وإن يكن ... فؤادي منها في جحيم ولأواء )
( وشاهدت معنى الحسن فيها مجسدا ... فأعجب لمعنى صار جوهر أشياء )
( أطاعنة من قدها بمثقف ... أصبت وما أغنى الفتى لبس حصداء )
( لقد طعنت والقلب ساه فما درى ... أبالقد منها أم بصعدة سمراء )
ثم غير البيت الأول وأنشد
( جننت بها سوداء شعر وناظر ... وسمراء لون تزدري كل بيضاء )
وقال يهنىء قال ابن جماعة خاطبني به ارتجالا عند ولادة ابني عمر بعد بنتين
( حبيت بريحانتي روضة ... وبعدهما جاء نجل أغر )
( وسميته اسم إمام إذا ... رآه أبو مرة منه فر )
( ولا عجب منك عبد العزيز ... إذا كان نجلك يسمى عمر )
( تفرعتما من إمام الهدى ... وبدر الدجى ورئيس البشر )
( فلا زال يوضح سبل الهدى ... ولا زلتما تقفوان الأثر )

وقال
( لقد زادني بالناس علما تجاربي ... ومن جرب الأيام مثلي تعلما )
( وإني وتطلابي من الناس راحة ... لكالمبتغي وسط الجحيم تنعما )
( سأزهد حتى لا أرى لي صاحبا ... وأنجد حتى لا ألاقي متهما )
قال ابن جماعة وقال في إملاك علي بن قاضي القضاة شمس الدين السروجي الحنفي وكان جميل الصورة على أختي شقيقتي فاطمة
( هنيئا بتأليف غريب نظامه ... لقد حار في أوصافه نظم عارف )
( غدت شمس حسن بنت بدر سيادة ... تزف لبدر نجل شمس معارف )
( سميان للزهرا البتول وللرضا ... علي ونجلا الأكرمين الغطارف )
( فدام علي عالي الجد سيدا ... ولا زال في ظل من العيش وارف )
وقال يخاطب شيخه ابن النحاس وقد أغب زيارته
( أعين حياتي والذي ببقائه ... بقائي لقد أصبحت نحوك شيقا )
( أقمت بقلبي غير أن لمقلتي ... برؤيتك الحظ الذي يذهب الشقا )
( وما كان ظني أنك الدهر تاركي ... ولو أنني أصبحت بين الورى لقا )
( لطائف معنى في العيان ولم تكن ... لتدرك إلا بالتزاور واللقا )
وقال يخاطب قاضي القضاة شمس الدين السروجي الحنفي وقد أعيد إلى منصب القضاء وكان يتطلع إليه رجل يدعى نجم الدين
( ذوو العلم في الدنيا نجوم زواهر ... وإنك فيها الشمس حقا بلا لبس )
( إذا لحت أخفى نوركم كل نير ... ألم تر أن النجم يخفى مع الشمس )

وقال
( لم أؤخر عمن أحب كتابي ... لقلى فيه أو لترك هواه )
( غير أني إذا كتبت كتابا ... غلب الدمع مقلتي فمحاه )
وقال
( تذكري للبلى في قعر مظلمة ... أصارني زاهدا في المال والرتب )
( أني أسر بحال سوف أسلبها ... عما قريب وأبقى رمة الترب
وقال
( أتيت وما أدعي وأقبلت سامعا ... فوائد مولى سيد ماجد ندب )
( وأحضر جمعا أنت فيه جماله ... أشنف سمعي منك باللؤلؤ الرطب ) وقال
( لنا غرام شديد في هوى السود ... نختارهن على بيض الطلى الغيد )
( لون به أشرقت أبصارنا وحكى ... في اللون والعرف نفح المسك والعود )
( لا شيء أحسن من آس تركبه ... في آبنوس ولا أشفى لمبرود )
( لا تهو بيضاء لون الجص واسم إلى ... سوداء حسناء لون الأعين السود )
( في جيدها غيد في قدها ميد ... في خدها صيد من سادة صيد )
( من آل حام حمت قلبي بنار جوى ... من هجرها وابتلت عيني بتسهيد )
وقال في عكسه
( إذا مال الفتى للسود يوما ... فلا رأي لديه ولا رشاد )
( أتهوى خنفساء كأن زفتا ... كسا جلدا لها وهو السواد )
( وما السوداء إلا قدر فرن ... وكانون وفحم أو مداد )

( وما البيضاء إلا الشمس لاحت ... تنير العين منها والفؤاد )
( سبيكة فضة حشيت بورد ... يلذ السهد معها والرقاد )
( وبين البيض والسودان فرق ... لدى عقل به اتضح المراد )
( وجوه المؤمنين بها ابيضاض ... ووجه الكافرين به اسوداد )
وقال رحمه الله تعالى
( أعاذل ذرني وانفرادي عن الورى ... فلست أرى فيهم صديقا مصافيا )
( نداماي كتب أستفيد علومها ... أحباي تغني عن لقائي الأعاديا )
( وآنسها القرآن فهو الذي به ... نجاتي إذا فكرت أو كنت تاليا )
( لقد جلت في غرب البلاد وشرقها ... أنقب عمن كان لله داعيا )
( فلم أر إلا طالبا لرياسة ... وجماع أموال وشيخا مرائيا )
( قبضت يدي عنهم وآثرت عزلة ... عن الناس واستغنيت بالله كافيا )
قال العز بن جماعة وخاطب والدي وقد أبل من ضعف أشيع فيه موته مهنئا له
( أدام الإله لك العافية ... وصير دور العدا عافية )
( إذا لاح من بدركم نوره ... فكل النجوم به خافية )
( تخذت كلام الإله الدوا ... فآياته كانت الشافية )
( تشوف ناس لمنصبكم ... ورتبتهم للعلا نافيه )
( فأين العلوم وأين الحلوم ... وخلق موارده صافية )
( هم عصبة لا تنال العلا ... ولو أنها قد سعت حافيه )
( إذا كان خرق تداركته ... وليست لما مزقت رافية )
( فإن عن خطب ثبت له ... وآراؤهم عنده هافية )
( سجاياك لين ورفق بنا ... وأخلاقهم كلها جافية )

( تصلي على سبعة منهم ... وثامنهم نفسه طافية )
( يقيمون في تربهم همدا ... وتسفي على قبرهم سافية )
( فلا زلت في صحة دائما ... تجر ذيول السنى ضافية )
( ويوردك الله عين الحياة ... فتحيا بها مائة وافية )
( فإن زاد عشرا فذاك المنى ... وعشرون أيضا هي الكافية )
( وهذي القوافي أتت كملا ... فلم تبق لي بعدها قافيه )
وقال رحمه الله تعالى أيضا
( خلق الإنسان في كبد ... بوجود الأهل والولد )
( كل عضو فيه نافعه ... غير عضو ضر للأبد )
( منتج ذلا وفقد غنى ... وفراخا جمة العدد )
( من يمت منهم يذقه أسى ... أو يعش ألقاه في نكد عاش في أمن فتى عزب مستريح الفكر والجسد )
وقال رحمه الله تعالى أيضا
( جن غيري بعارض فترجى ... أهله أن يفيق عما قريب )
( وفؤادي بعارضين مصاب ... فهو داء أعيا دواء الطبيب )
وقال
( سعت حية من شعره نحو صدغه ... وما انفصلت من خده إن ذا عجب )
( وأعجب من ذا أن سلسال ريقه ... برود ولكن شب في قلبي اللهب ) وقال
( طالع تواريخ من في الدهر قد وجدوا ... تجد خطوبا تسلي عنك ما تجد )
( تجد أكابرهم قد جرعوا غصصا ... من الرزايا بها كم فتتت كبد )

( عزل ونهب وضرب بالسياط وحبس ... ثم قتل وتشريد لمن ولدوا )
( وإن وقيت بحمد الله شرتهم ... فلتحمد الله فالعقبى لمن حمدوا )
وقال رحمه الله تعالى يمدح البخاري وكتابه الصحيح
( أسامع أخبار الرسول لك البشرى ... لقد سدت في الدنيا وقد فزت في الأخرى )
( تشنف آذانا بعقد جواهر ... تود الغواني لو تقلده النحرا )
( جواهر كم حلت نفوسا نفيسة ... فحلت بها صدرا وحلت بها قدرا )
( هل الدين إلا ما روته أكابر ... لنا نقلوا الأخبار عن طيب خبرا )
( وأدوا أحاديث الرسول مصونة ... عن الزيف والتصحيف فاستوجبوا الشكرا )
( وإن البخاري الإمام لجامع ... بجامعه منها اليواقيت والدرا )
( على مفرق الإسلام تاج مرصع ... أضاء به شمسا ونار به بدرا )
( وبحر علوم يلفظ الدر لا الحصا ... فأنفس بها درا وأعظم به بحرا )
( تصانيفه نور ونور لناظر ... فقد أشرقت زهرا وقد أينعت زهرا )
( نحا سنة المختار ينظم شتها ... يلخصها جمعا ويخلصها تبرا )
( وكم بذل النفس المصونة جاهدا ... فجاز لها بحرا وجاب لها برا )
( فطورا عراقيا وطورا يمانيا ... وطورا حجازيا وطورا أتى مصرا )
( إلى أن حوى منها الصحيح صحيفة ... فوافى كتابا قد غدا الآية الكبرى )
( كتاب له من شرع أحمد شرعة ... مطهرة تعلو السماكين والنسرا )
قلت وتتصل روايتي عن الإمام أبي حيان من طرق عديدة منها من عمي ولي الله العارف به شيخ الإسلام مفتي الأنام الخطيب الإمام ملحق الأحفاد بالأجداد سيدي سعيد بن أحمد المقري التلمساني عن شيخه العالم أبي عبد الله التنسي عن والده حافظ عصره سيدي محمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسي ثم التلمساني الأموي عن عالم الدنيا أبي عبد الله بن مرزوق عن جده الرئيس الخطيب سيدي أبي عبد الله محمد بن مرزوق عن الأثير أبي حيان بكل مروياته

فمنها أن أبا حيان قال حدثنا ابن أبي الأحوص عن قاضي الجماعة أبي القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه الإمام بقي بن مخلد عن أبي بكر المقدمي عن عمر بن علي وعبد الله بن يزيد عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمر أن النبي " مر بمجلسين أحدهما يدعون الله ويدعون إليه والآخر يتعلمون العلم ويعلمونه فقال كل المجلسين خير وأحدهما أفضل من الآخر أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل فهم أفضل وأما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأنا بعثت معلما ثم جلس معهم "
قال أبو حيان قلت لا أعرف حديثا اجتمعت فيه رواية الأبناء عن الآباء بعدد ما اجتمع في هذا إلا ما أخبرنا به أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن بن مامة بقراءتي عليه أنبأنا أبو المعالي الأبرموي أنبأنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن سابور القلانسي أنبأنا أبو المبارك عبد العزيز بن محمد بن منصور الشيرازي أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي قال سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب يقول سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز يقول سمعت أبا بكر الحارث يقول سمعت أبي أسدا يقول سمعت أبي الليث يقول سمعت أبي سليمان يقول سمعت أبي الأسود يقول سمعت أبي سفيان يقول سمعت أبي يزيد يقول سمعت أبي أكيمة يقول سمعت أبي الهشيم يقول سمعت أبي عبد الله يقول سمعت رسول الله يقول " ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة وعمتهم الرحمة " انتهى
قلت قال الحافظ ابن حجر في فوائده ما اجتمع حديث فيه من عدد الآباء أكثر من هذا انتهى
ورأيت بخط بعض الحفاظ على قول أبي أكيمة ما صورته صوابه أكينة

انتهى فليحرر ومنها أن أبا حيان قال أنبأنا الأستاذ أبو جعفر الزبير صاحب الصلة أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الأزدي أنبأنا عبد الله بن محمد بن حسن بن عطية ح قال أبو حيان وأنبأنا الأصولي أبو الحسين ابن القاضي أبي عامر بن ربيع الأشعري عن أبي الحسن أحمد بن علي الغافقي قال أنبأنا عياض ح وكتب لنا الخطيب أبو الحجاج يوسف بن أبي ركانة عن القاضي أبي القاسم أحمد بن عبد الودود بن سمحون عن عبد الله بن عطية قال هو وعياض أنبأنا القاضي أبو بكر بن العربي أنبأنا أبو محمد هبة الله الأكفاني أنبأنا الحافظ عبد العزيز الكناني الدمشقي أنبأنا أبو عصمة نوح بن الفرغاني قال سمعت أبا المظفر عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن قت الخزرجي وأبا بكر محمد بن عيسى البخاري قالا سمعنا أبا ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي يقول سمعت أبا المظفر محمد بن أحمد بن حامد بن الفضل البخاري يقول لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن يزيد الهمداني عن قضاء الري ورد بخارى سنة 318 لتجديد مودة كانت بينه وبين أبي الفضل البلعمي فنزل في جوارنا فحملني معلمي أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الختلي إليه فقال له أسألك أن تحدث هذا الصبي ما سمعته من مشايخك فقال ما لي سماع فقال وكيف وأنت فقيه فما هذا قال لأني لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى طلب الحديث ورواية الأخبار وسماعها فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في علم الحديث وأعلمته مرادي وسألته الإقبال على ذلك فقال لي يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره فقلت عرفني - رحمك الله تعالى ! - حدود ما قصدتك له ومقادير ما سألتك عنه فقال لي اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعا مع أربع كأربع مثل أربع في أربع عند أربع بأربع على أربع عن أربع لأربع وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع فإذا تمت له كلها

هان عليه أربع وابتلي بأربع فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع وأثابه في الآخرة بأربع قلت له فسر لي - رحمك الله تعالى - ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صاف بشرح كاف وبيان شاف طلبا للأجر الواف فقال نعم أما الأربع التي تحتاج إلى كتبها فهي أخبار الرسول وشرائعه والصحابة رضي الله تعالى عنهم ومقاديرهم والتابعين وأحوالهم وسائر العلماء وتواريخهم مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمانهم كالتحميد مع الخطب والدعاء مع التوسل والبسملة مع السورة والتكبير مع الصلوات مثل المسندات والمرسلات والموقوفات والمقطوعات في صغره وفي إدراكه وفي شبابه وفي كهولته عند فراغه وعند شغله وعند فقره وعند غناه بالجبال والبحار والبلدان والبراري على الأحجار والأخزاف والجلود والأكتاف إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره لوجه الله تعالى طلبا لمرضاته والعمل بما وافق كتاب الله عز و جل منها ونشرها بين طالبيها ومحبيها والتأليف في إحياء ذكره بعده ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع هي من كسب العبد أعني معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو مع أربع هي من إعطاء الله تعالى أعني القدرة والصحة والحرص والحفظ فإذا صحت له هذه الأشياء كلها هان عليه أربع الأهل والولد والمال والوطن وابتلي بأربع بشماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد العلماء فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله جل وعلا في الدنيا بأربع بعز القناعة وبهيبة النفس وبلذة العلم وبحياة الأبد وأثابه في الآخرة بأربع بالشفاعة لمن أراد من إخوانه وبظل العرش حيث لا ظل إلا ظله وبسقي من أراد من حوض نبيه وبجوار النبيين في أعلى عليين في الجنة فقد أعلمتك يا بني بمجملات جميع ما سمعت من مشايخي متفرقا في هذا الباب فأقبل الآن إلى ما قصدتني له أو دع فهالني

قوله فسكت متفكرا وأطرقت متأدبا فلما رأى ذاك مني قال وإن لم تطق حمل هذه المشاق كلها فعليك بالفقه يمكنك تعلمه وأنت في بيتك قار ساكن لا تحتاج إلى بعد الأسفار ووطء الديار وركوب البحار وهو ذا ثمرة الحديث وليس ثواب الفقيه دون ثواب المحدث في الآخرة ولا عزه بأقل من عز المحدث فلما سمعت ذلك نقض عزمي في طلب الحديث وأقبلت على دراسة الفقه وتعلمه إلى أن صرت فيه متقدما ووقفت منه على معرفة ما أمكنني من علمه بتوفيق الله تعالى ومنته فلذلك لم يكن عندي ما أمليه لهذا الصبي يا أبا إبراهيم فقال له أبو إبراهيم إن هذا الحديث الواحد الذي لا يوجد عند غيرك خير للصبي من ألف حديث يجده عند غيرك انتهى
وجاء أبو حيان إلى ابن تيمية والمجلس غاص فقال يمدحه ارتجالا
( لما أتينا تقي الدين لاح لنا ... داع إلى الله فرد ما له وزر )
( على محياه من سيما الألى صحبوا ... خير البرية نور دونه القمر )
( حبر تسربل منه دهره حبرا ... بحر تقاذف من أمواجه الدرر )
( قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تيم إذ عصت مضر )
( فأظهر الحق إذ آثاره درست ... وأخمد الشر إذ طارت له الشرر )
( كنا نحدث عن حبر يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظر )
ثم انحرف أبو حيان فيما بعد عن ابن تيمية ومات وهو على انحرافه ولذلك أسباب منها أنه قال له يوما كذا قال سيبويه فقال يكذب سيبويه فانحرف عنه رحم الله تعالى الجميع وحضر الشيخ أبو حيان مع ابن بنت الأعز في الروضة فكتب إلى أبي حيان ووجهه مع بعض غلمانه
( حييت أثير الدين شيخ الأدبا ... أقضي له حقا كما قد وجبا )
( حييت فتى بطاق آس نضر ... كالقد بدا ملئت منه طربا )

قال فأنشدته
( أهدى لنا غصنا من ناضر الآس ... أقضى القضاة حليف الجود والباس )
( لما رأى سقمي أهداه مع رشإ ... حلو التثني فكان الشافي الآسي )
ولما أنشد الشيخ أبو حيان قول نور الدين القصري في روضة مصر
( ذات وجهين فيهما قسم الحسن ... فأضحت بها القلوب تهيم )
( ذا يلي مصر فهو مصر وهذا ... يتولى وسيم فهو وسيم )
( قد أعادت عصر التصابي صباها ... وأبادت فيها الغموم الغيوم )
زاد فيها بيتا وهو
( فبلج البحار يسبح نون ... وبفج القفار يسفح ريم )
قال أبو حيان وكنت ماشيا بين القصرين مع ابن النحاس فعبر علينا صبي يدعى بجمال وكان مصارعا فقال البهاء لينظم كل منا فيه ثم قال
( مصارع تصرع الآساد شمرته ... تيها فكل مليح دونه سمج )
( لما غدا راجحا في الحسن قلت لهم ... عن حسنه حدثوا عنه ولا حرج )
فنظمت أنا
( سباني جمال من مليح مصارع ... عليه دليل للملاحة واضح )
( لئن عز منه المثل فالكل دونه ... وإن خف منه الخصر فالردف راجح )
وسمع العزازي نظمنا فقال وأنشدنيه
( هل حكم ينصفني في هوى ... مصارع يصرع أسد الشرى )
مذ فر عني الصبر في حبه ... حكى عليه مدمعي ما جرى )

( أباح قتلي في الهوى عامدا ... وقال كم لي عاشق في الورى )
( رميته في أسرحبي ومن ... أجفان عينيه أخذت الكرى ) وقال لسان الدين في الإحاطة كان أثير الدين أبو حيان نسيج وحده في ثقوب الذهن وصحة الإدراك والاضطلاع بعلم العربية والتفسير وطريق الرواية إمام النحاة في زمانه غير مدافع نشأ في بلده غرناطة مشارا إليه في التبريز بميدان الإدراك وتغيير السوابق في مضمار التحصيل ونالته نبوة لحق بسببها بالمشرق واستقر بمصر فنال بها ما شاء من عز وشهرة وتأثل وافر وحظوة وأضحى لمن حل بساحته من المغاربة ملجأ وعدة وكان شديد البسط مهيبا جهوريا مع الدعابة والغزل وطرح التسمت شاعرا مكثرا مليح الحديث لا يمل وإن أطال وأسن جدا فانتفع به قال لي بعض أصحابنا دخلت عليه وهو يتوضأ وقد استقر على إحدى رجليه لغسل الأخرى كما تفعل البرك والأوز فقال لي لو كنت اليوم جار شلير ما تركني لهذا العمل في هذا السن ثم قال لي بعد كلام حدثنا عنه الجملة الكثيرة من أصحابنا كالحاج أبي يزيد خالد بن عيسى والمقري الخطيب أبي جعفر الشقوري والشريف أبي عبد الله بن راجح وشيخنا الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق قال حدثنا شيخنا أبو حيان في الجملة سنة 735 بالمدرسة الصالحية بين القصرين بمنزله حدثنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير سماعا من لفظه وكتبه من خطه بغرناطة عن الكاتب أبي إسحاق بن عامر الهمداني الطوسي - بفتح الطاء - حدثنا أبو عبد الله بن محمد العنسي القرطبي وهو آخر من حدث عنه أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد الحافظ الجياني أنبأنا حكم بن محمد أنبأنا أبو بكر بن المهندس أنبأنا عبد الله بن محمد أنبأنا طالوت بن عباد بن نصال بن جعفر سمعت أبا أمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله يقول " اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا ائتمن فلا يخن وإذا وعد فلا يخلف

غضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم " ثم قال ابن الخطيب إن أبا حيان حملته حدة الشبيبة على التعرض للأستاذ أبي جعفر الطباع وقد وقعت بينه وبين أستاذة ابن الزبير الوحشة فنال منه وتصدى للتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته فرفع أمره للسلطان فامتعض له ونفذ الأمر بتنكيله فاختفى ثم أجاز البحر مختفيا ولحق بالمشرق يلتفت خلفه ثم قال وشعره كثير يتصف بالإجادة وضدها فمن مطولاته قوله لا تعذلاه فما ذو الحب معذول العقل مختبل والقلب متبول
( هزت له أسمرا من خوط قامتها ... فما انثنى الصب إلا وهو مقتول )
( جميلة فصل الحسن البديع لها فكم لها ... جمل منه وتفصيل )
( فالنحر مرمرة والنشر عنبرة ... والثغر جوهرة والريق معسول ) والطرف ذو غنج والعرف ذو أرج ... والخصر مختطف والمتن مجدول )
( هيفاء ينطق في الخصر الوشاح لها ... درماء تخرس في الساق الخلاخيل )
( من اللواتي غذاهن النعيم فما ... يشقين آباؤها الصيد البهاليل ) إلى أن قال وقوله
( نور بخدك أم توقد نار ... وضنى بجفنك أم فتور عقار )
( وشذا بريقك أم تأرج مسكة ... وسنا بثغرك أم شعاع دراري )
( جمعت معاني الحسن فيك فقد غدت ... قيد القلوب وفتنة الأبصار )
( متصاون خفرا إذا ناطقته ... أغضى حياء في سكون وقار )
( في وجهه زهرات روض تجتلى ... من نرجس مع وردة وبهار )
( خاف اقتطاف الورد من وجناتها ... فأدار من آس سياج عذار )
( وتسللت نمل العذار بخده ... ليردن شهدة ريقه المعطار )
( وبخده نار حمته وردها ... فوقفن بين الورد والإصدار )

( كم ذا أداري في هواه محبتي ... ولقد وشى بي فيه فرط أواري ) وقال ابن الرشيد حدثنا أبو حيان قال حدثنا التاجر أبو عبد الله البرجوني بمدينة عيذاب من بلاد السودان وبرجونه قرية من قرى دار السلام قال كنت بجامع لو لم من بلاد الهند ومعنا رجل مغربي اسمه يونس فقال لي اذكر لنا شيئا فقلت له قال علي رضي الله تعالى عنه إذا وضع الإحسان في الكريم أثمر خيرا وإذا وضع في اللئيم أثمر شرا كالغيث يقع في الأصداف فيثمر الدر ويقع في فم الأفاعي فيثمر السم فما راعنا إلا ويونس المغربي قد أنشد لنفسه
( صنائع المعروف إن أودعت ... عند كريم زكت النعما )
( وإن تكن عند لئيم غدت ... مكفورة موجبة إثما )
( كالغيث في الأصداف در وفي ... فم الأفاعي يثمر السما )
قال أبو حيان فلما سمعت هذه الأبيات نظمت معناها في بيتين وهما
( إذا وضع الإحسان في الخب لم يفد ... سوى كفره والحر يجزي به شكرا )
( كغيث سقى أفعى فجاءت بسمها ... وصاحب أصدافا فأثمرت الدرا )
قال أبو حيان وأنشدنا الأمير بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن سيف الدولة أبي المعالي بن رماح الهمداني لنفسه بالقاهرة
( فلا تعجب لحسن المدح مني ... صفاتك أظهرت حكم البوادي )
( وقد تبدي لك المرآة شخصا ... ويسمعك الصدى ما قد تنادي )
وبعد كتبي ما نقله ابن رشيد عن أبي حيان رأيت لبعضهم أن أبا حيان هذا الذي ذكره ابن رشيد ليس هو أبو حيان النحوي الأندلسي وإنما هو شخص

آخر وفيه عندي نظر لا يخفى والذي أعتقده ولا أرتاب فيه أنه أبو حيان النحوي
وقال ابن رشيد وأنشدني أبو حيان لنفسه
( إذا غاب عن عيني أقول سلوته ... وإن لاح حال اللون فاضطرب القلب )
( يهيجني عيناه والمبسم الذي ... به المسك منظوم به اللؤلؤ الرطب )
وقال الشريف بن راجح رأيت أن ما وضعه الشيخ أبو حيان في تقدم لسان الأتراك تضييع لعمره وقلت
( نفائس الأعمار أنفقتها ... أنا وأمثالي على غير شيء " )
( شيوخ سوء ليس يرضى بما ... ترضى به من المخازي صبي )
ومن نظم أبي حيان قوله
( إن علما تعبت فيه زماني ... باذلا فيه طارفي وتلادي )
( لجدير بأن يكون عزيزا ... ومصونا إلا على الأجواد ) وقوله
( وما لك والإتعاب نفسا شريفة ... وتكليفها في الدهر ما ليس يعذب )
( أرحها فعن قرب تلاقي حمامها ... فتنعم في دار البقا أو تعذب )
واستشكل هذان البيتان بأن ظاهرهما خلاف الشرع وأجيب بأن مراده أمر الرزق لا أمر التكليف وأفاد غير واحد أن سبب رحلة الشيخ أبي حيان عن الأندلس أنه نشأ شر بينه وبين شيخه أحمد بن علي بن الطباع فألف أبو حيان كتابا سماه الإلماع في إفساد إجازة ابن الطباع فرفع ابن الطباع أمره للأمير محمد بن نصر المدعو بالفقيه وكان أبو حيان كثير الاعتراض عليه أيام قراءته عليه فنشأ شر عن

ذلك وذكر أبو حيان أنه لم يقم بفاس إلا ثلاثة أيام وأدرك فيها أبا القاسم المزياتي وخرج أبو حيان من الأندلس سنة تسع وسبعين وستمائة
وكان جماعة من أعلام الأندلس رحلوا منها فلما وصلوا إلى العدوة أقاموا بها ولم يذهبوا إلى بلاد المشرقية 217 - منهم الشيخ النحوي الناظم الناثر أبو الحسن حازم بن محمد القرطاجني وهو القائل يمدح أمير المؤمنين المستنصر بالله صاحب تونس
( أمن بارق أورى بجنح الدجى سقطا ... تذكرت من حل الأجارع فالسقطا )
( وبان ولكن لم يبن عنك ذكره ... وشط ولكن طيفه عنك ما شطا )
( حبيب لو أن البدر جاراه في مدى ... من الحسن لاستدنى مدى البدر واستبطا )
( إذا انتجعت مرعى خصيبا ركابه ... غدا لحظ عيني يشتكي الجدب والقحطا )
( لقد أسرعت عني المطي بشادن ... تسرع في قتل النفوس وما أبطا )
( ظننت الفلا دار ابن ذي يزن بها ... وخلت المحاريب الهوادج والغبطا )
( فكم دمية للحسن فيها وصورة ... تروق وتمثال من الحسن قد خطا )
( حمائل لاحت كالخمائل بهجة ... سقيط الحيا فيهن لا يسأم السقطا )
( توسد غزلان الأوانس والمها ... به الوشي والديباج لا السدر والأرطى )
( ولم يسب قلبي غير أبهرها سنا ... وأطولها جيدا وأخفقها قرطا )
( أيا ربة الأحداج سيري فتعلمي ... وما بك جهل أن سهمك ما أخطا )

( قفي تستبيني ما بعينيك من ضنى ... كجسمي وعنوان الهوى فيه مختطا )
( فلم أر أعدى منك لحظا وناظرا ... لقلبي ولا أعدى عليه ولا أسطى )
( سقى الله عيشا قد سقانا من الهوى ... كؤوسا بمعسول اللمى خلطت خلطا )
( وكم جنة قد ردت في ظل كافر ... فلم أجز ما أولاه كفرا ولا غمطا )
( وكم ليلة قاسيتها نابغية ... إلى أن بدت شيبا ذوائبها شمطا )
( وبت أظن الشهب مثلي لها هوى ... وأغبطها في طول ألفتها غبطا )
( على أنها مثلي عزيزة مطلب ... ومن ذا الذي ما شاء من دهره يعطى )
( كأن الثريا كاعب أزمعت نوى ... وأمت بأقصى الغرب منزلة شحطا )
( كأن نجوم الهقعة الزهر هودج ... لها عن ذرا الحرف المناخة قد حطا )
( كان رشاء الدلو رشوة خاطب )
( لها جعل الأشراط في مهرها شرطا )
( كأن السها قد دق من فرط شوقه ... إليها كما قد دقق الكاتب النقطا )
( كأن سهيلا إذ تناءت وأنجدت ... غدا يائسا منها فأتهم وانحطا )
( كأن خفوق القلب قلب متيم ... تعدى عليه الدهر في البين واشتطا )
( كأن كلا النسرين قد ريع إذ رأى ... هلال الدجى يهوى له مخلبا سلطا )
( كأن الذي ضم القوادم منهما ... هوى واقعا للأرض أو قص أو قطا )
( كأن أخاه رام فوتا أمامه ... فلم يعد أن مد الجناح وأن مطا )
( كأن بياض الصبح معصم غادة ... جنت يدها أزهار زهر الدجى لقطا )
( كأن ضياء الشمس وجه إمامنا ... إذا ازداد بشرا في الوغى وإذا أعطى )
( محمد الهادي الذي أنطق الورى ... ثناء بما أسدى إليهم وما أنطى )
( إمام غدا شمس المعالي وبدرها ... وقد أصبحت زهر النجوم له رهطا )
( جميل المحيا مجمل طيب ذكره ... يعاطى سرورا كالحميا ويستعطى )
( إذا ما الزمان الجعد أبدى تجهما ... أرانا الحياء الطلق والخلق السبطا )

( كلا أبوي حفص نماه إلى العلا ... فأصبح عن مرقاته النجم منحطا )
( بسيماه تدري أن كعبا جدوده ... وإن هو لم يذكر رزاحا ولا قرطا )
( إذا قبض الروع الوجوه فوجهه ... يزيد لكون النصر نصلا له بسطا )
( به تترك الأبطال صرعى لدى الوغى ... كأن قد سقوا من خمر بابل إسفنطا )
( تراه إذا يعطي الرغائب باسما ... له جذل يربي على جذل المعطى )
( وكم عنق قد قلدت بنواله ... فريدا وقد كانت قلادتها لطا )
( متى ما تقس جود الكرام بجوده ... فبالبحر قايست الوقيعة والوقطا )
( يشف له عن كل غيب حجابه ... فتحسبه دون المحجب ما لطا )
( تطيع الليالي أمره في عصاته ... وتردي أعاديه أساودها نشطا )
( وتمضي عليهم سيفه وسنانه ... فتبري الكلى طعنا وتفري الطلى قطا )
( فكيف ترجت غرة منه فرقة ... غدا عزها ذلا ورفعتها هبطا )
وكم بالنهى والحلم غطى عليهم إلى أن جنوا ذنبا على العلم قد غطى )
( فأمطاهم دهم الحديد وطالما ... أنالهم دهم الجياد وما أمطى )
( ورام لهم هديا ولكنهم أبوا ... بغيهم إلا الضلالة والخبطا )
( وكان لهم يبغي المثوبة والرضى ... ولكن أبوا إلا العقوبة والسخطا )
( ولو قوبلت بالشكر منه مآرب ... لما اعتاض منها أهلها الأثل والخمطا )
( هو الناصر المنصور والملك الذي ... أعاد شباب الدهر من بعد ما أشمطا )
( أصاخت له الأيام سمعا وطاعة ... وأحكمت الدنيا له عهدها ربطا )
( فلا بد من أن يملك الأرض كلها ... وأن تملأ الدنيا أيالته قسطا )

( ويغزو في آفاق أندلس العدا ... بجيش تخط الأرض ذبله خطا )
( وكل جواد خف سنبكه فما ... يمس الثرى إلا مخالسة فرطا )
( يؤم بها الأعداء ملك أمامه ... من الرعب جيش يسرع السير إن أبطا )
( ويرمى جبال الفتح من شط سبتة ... بها فتوافي سبقا ذلك الشطا )
( بحيث التقى بالخضر موسى وطارق ... وموسى به رحلا لغزو العدا حطا )
( وسعيك ينسي ذكر سعيهما به ... ويوسع سعي المشركين به حبطا )
( ويوقع في الأعداء أعظم وقعة ... بها تملأ الأسماع طير الملا لغطا )
( تجاوب سحم الطير فيه وشهبها ... كما راطن الزنج النبيط أو القبطا )
( وتنكر فيها الجو والأرض ... أعين ترى الجو نارا والصعيد دما عبطا )
( فتخضب منهم من أشابت بخوفها ... نصول ترى منها بفود الدجى وخطا )
( ويحسم أدواء العدا كل صارم ... حسام إذا لاقى الطلى حده قطا )
( وكل كمي كلما خط صفحة ... بسيف غدا بالرمح ينقط ما خطا )
( شجاع إذا التف الرماحان مثل ما ... تقلقل في أسنان مشط يد مشطا ) ( إذا ما رجت منه أعاديه غرة ... رأت دون ما ترجو القتادة والخرطا )
( فيجدع آناف العداة بسيفه ... وينشقها بالرمح ريح الردى سعطا )
( يبيد الأعادي سطوة ومكيدة فيحكي الأسود الغلب والأذؤب المعطا )
( سرى في طلاب المعلوات فلم يزل ... يمد يدا مبسوطة وندى بسطا )
( ولو نازعت يمناه جذبا شماله ... لبوسا من الماذي لانعق وانعطا )
( يصول بخطي لكل مرشة ... به أثر يعزوه للحية الرقطا )
( قنا تبصر الآكام فرعا كواسيا ... بهن وقد أبصرن عارية مرطا )

( إذا نسبت للخط أو لردينة ... نسبن إلى العليا ردية والخطا )
( كماة حماة ما يزال إلى الوغى ... حنين لهم ما حن نضو وما أطا )
( عليهم نسيج السابغات كأنها ... جلود عن الحيات قد كشطت كشطا )
( إذا لمع للشمس لاحت عليهم ... رأيت صلالا ألبست حللا رقطا )
( ترجرج كالزاروق لينا ومثله ... ترى نقطة من بعد ما طرحت خطا )
( جيوش إذا غطى البلاد عبابها ... وأمواجها غطت نفوس العدا غطا )
( فكم قد حكت في حصر حصن ومعقل ... وشاحا على خصر فآسفنه ضغطا )
( وخيل كأمثال النعام تخالها ... لإفراط لوك اللجم تبغي لها سرطا )
( تخيلها فتخا إذا ارتفعت وإن ... سبحن بماء خلتها خفة بطا )
( فينعق منها مرط كل عجاجة ... موازع لا يسأمن مرا ولا مرطا )
( وكم خالطت سمر الرماح وأوردت ... مياها غدت حمر الدماء لها خلطا )
( يجمونها ليل السرى فإذا دعوا ... نزال امتطوا منهن أشرف ما يمطى )
( فكم جنبوها خلف معتادة السرى ... عوارف لم تسمع لها أذن نحطا )
( وقد وسمت أعناقهن أزمة ... بطول السرى حتى تظن لها علطا )
( إذا أوقدت نارا بقذف الحصا حكت ... وبحر الدجى طام سفينا رمت نفطا )
( إمام الهدى أعليت للدين معلما ... وسمت العدا من بعد رفعتهم حطا ) وألحقتهم عقم المنى عن حيالها ... فما ولدت عقما ولا نتجت سقطا )
( وصيرهم في عقلة سارح العدا ... وسرحتم الآمال من عقلها نشطا )
( ومن كان يشكو سطوة الدهر قد غدا ... بعدلك لا يعدى عليه ولا يسطى )

( ففي كل حال تؤثر القسط جاريا ... على سنن التقوى وتجتنب القسطا )
( فبوركت سبطا جده عمر الرضى )
( وبورك من جد غدوت له سبطا )
( تلوت الإمام العدل يحيى فلم تزل ... تزيد أمور الخلق من بعده ضبطا )
( فزدتم وضوحا بعده واستقامة ... وتوطئة نهج السبيل الذي وطا )
( وما كان أبقى غاية غير أنه ... حبيت بما لم يحب خلق ولم يعطا )
( إذا درر الأملاك في الفخر نظمت ... على نسق عقدا فدولتك الوسطى )
وله أيضا فيه
( في كل أفق من صباح دجاكم ... نور جلا خيط الظلام بخيطه )
( راقت محاسن مجدكم فبهرن ما ... كسيته من حبر المديح وريطه ) وله - رحمه الله تعالى ! - عدة تآليف وولد سنة 608 وتوفي ليلة السبت 24 رمضان سنة أربع وثمانين وستمائة بتونس وممن أخذ عنه الحافظ ابن رشيد الفهري وذكره في رحلته وأثنى عليه كما أثنى عليه العبدري في رحلته فقال : حازم وما أدراك ما حازم وقد عرفت به في أزهار الرياض مما يغني عن الإعادة وكان هو والحافظ أبو عبد الله بن الأبار فرسي رهان غير أن ابن الأبار كان أكثر منه رواية
218 - وهو الإمام الحافظ الكاتب الناظم الناثر المؤلف الراوية أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي الأندلسي البلنسي كتب ببلنسية عن السيد أبي عبد الله بن السيد أبي حفص ابن أمير

المؤمنين عبد المؤمن بن علي ثم عن ابنه السيد أبي زيد ثم كتب أمير ابن مردنيش ولما نازل الطاغية بلنسية بعثه الأمير زيان بن مردنيش مع وفد أهل بلنسية بالبيعة للسلطان أبي زكريا يحيى ابن عبد الواحد بن أبي حفص وفي ضمن ذلك استصرخه لدفع عادية العدو فأنشد السلطان قصيدته السينية التي مطلعها :
( أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا ) وقد ذكرناها في غير هذا الموضع ثم لما كان من أمر بلنسية ما كان رجع بأهله إلى تونس غبطة بإقبال السلطان عليه فنزل منه بخير مكان ورشحه لكتب علامته في صدور مكاتباته فكتبها مدة ثم أراد السلطان صرفها لأبي العباس الغساني لكونه يحسن كتابتها فكتبها مدة بالخط المشرقي وكان آثر عند السلطان من المغربي فسخط ابن الأبار أنفة من إيثار غيره عليه وافتأت على السلطان في وضعها في كتاب أمر بإنشائه لقصور الترسيل يومئذ في الحضرة عليه وأن يبقى موضع العلامة منه لكاتبها فجاهر بالرد ووضعها استبدادا وأنفة وعوتب على ذلك فاستشاط غضبا ورمى بالقلم وأنشد متمثلا :
( اطلب العز في لظى وذر الذل ... ولو كان في جنان الخلود ) فنمي ذلك إلى السلطان فأمر بلزومه بيته ثم استعتب السلطان بتأليف رفعه إليه عد فيه من عوتب من الكتاب وأعتبه وسماه إعتاب الكتاب واستشفع فيه بابنه المستنصر فغفر السلطان له وأقال عثرتهوأعاده إلى الكتابة ولما توفي السلطان رفعه أمير المؤمنين المستنصر إلى حضور مجلسه ثم حصلت له أمور معه كان آخرها أنه تقبض عليه وبعث إلى داره فرفعت إليه كتبه أجمع وألفى أثناءها فيما زعموا رقعة بأبيات أولها :

( طغى بتونس خلف ... سموه ظلما خليفه ) فاستشاط السلطان لها وأمر بامتحانه ثم بقتله فقتل قعصا بالرماح وسط محرم سنة 658 ثم أحرق شلوه وسيقت مجلدات كتبه وأوراق سماعه ودواوينه فأحرقت معه وكان مولده ببلنسية سنة 595 . وقال في حقه ابن سعيد في المغرب ما ملخصه : حامل راية الإحسان المشار إليه في هذا الأوان ومن شعره قوله يصف الياسمين :
( حديقة ياسمين لا ... تهيم بغيرها الحدق )
( إذا جفن الغمام بكى ... تبسم ثغرها اليقق )
( فأطراف الأهلة سال ... في أثنائها الشفق ) وكتب إلى الوزير أبي عبد الله بن أبي الحسين بن سعيد يستدعي منه منثورا :
( لك الخير أتحفني بخيري روضة ... لأنفاسه عند الهجوم هبوب )
( أليس أديب الروض يجعل ليله ... نهارا فيذكو تحته ويطيب )
( ويطوي مع الإصباح منشور نشره ... كما بان عن ربع المحب حبيب )
( أهيم به عن نسبة أدبية ... ولا غرو أن يهوى الأديب أديب ) وقوله في الخسوف :
( نظرت إلى البدر عند الخسوف ... وقد شين منظره الأزين )
( كما سفرت صفحة للحبيب ... يحجبها برقع أدكن )

وقوله في المعنى :
( ألم تر للخسوف وكيف أبدى ... ببدر التم لماع الضياء )
( كمرآة جلاها القين حتى ... أنارت ثم ردت غشاء ) وقوله :
( والثريا بجانب البدر تحكي ... راحة أومأت لتلطم خدا ) وقوله :
( من عاذري من بابلي طرفه ... ولعمره ما حل يوما بابلا )
( أعتده خوطا لعيشي ناعما ... فيعود خطيا لقتلي ذابلا ) وهو حافظ متقن له في الحديث والأدب تصانيف وله كتاب في متخير الأشعار سماه قطع الرياض وتكملة الصلة لابن بشكوال وهداية المعترف في المؤتلف والمختلف وكتاب التاريخ وبسببه قتله صاحب إفريقية وأحرقت كتبه على ما بلغنا رحمه الله تعالى وله تحفة القادم في شعر الأندلس والحلة السيراء في أشعار الأمراء . ومن شعره قوله :
( أمري عجيب في الأمور ... بين التواري والظهور )
( مستعمل عند المغيب ... ومهمل عند الحضور ) وسبب هذا أن ملك تونس كان إذا أشكل عليه شيء أو ورد عليه لغز أو

معمى أو مترجم بعث به إليه فيحله وإذا حضر عنده لا يكلمه ولا يلتفت إليه ووجد في تعاليقه ما يشين دولة صاحب تونس فأمر بضربهفضرب حتى مات وأحرقت كتبهC تعالى وكان أعداؤه يلقبونه بالفار وحصلت بينه وبين أبي الحسن علي بن شلبون المعافري البلنسي مهاجاة فقال فيه :
( لا تعجبوا لمضرة نالت جميع ... الناس صادرة عن الأبار )
( أو ليس فارا خلقة وخليقة ... والفار مجبول على الإضرار ) فأجابه ابن الأبار :
( قل لابن شلبون مقال تنزه ... غيري يجاريك الهجاء فجار )
( إنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار ) وهذا مضمن من شعر النابغة الذبياني انتهى ما لخصناه من كلام ابن سعيد في حقه . ومن شعر ابن الأبار أيضا :
( لو عن لي عون من المقدار ... لهجرت للدار الكريمة داري )
وحللت أطيب طيبة من طيبة ... جارا لمن أوصى بحفظ الجار )
حيث استبان الحق للأبصار ... لما استتار حفائظ الأنصار )
( يا زائرين القبر قبر محمد ... بشرى لكم بالسبق في الزوار )
( أوضعتم لنجاتكم فوضعتم ... ما آدكم من فادح الأوزار )
( فوزوا بسبقكم وفوهوا بالذي ... حملتم شوقا إلى المختار )

( أدوا السلام سلمتم وبرده ... أرجو الإجارة من ورود النار ) اللهم أجرنا منها يا رحيم يا رحمن يا كريم ! . ولنختم ترجمته بقوله :
( رجوت الله في اللأواء لما ... بلوت الناس من ساه ولاهي )
( فمن يك سائلا عني فإني ... غنيت بالافتقار إلى إلهي ) وقد جودت ترجمته في أزهار الرياض في أخبار عياض فليراجع ذلك فيه من شاء . رجع إلى ما كنا فيه من ذكر المرتحلين من الأندلس إلى المشرق : 219
- ومنهم الحافظ أبو المكارم جمال الدين بن مسدي وهو أبو بكر محمد ويقال أبو المكارم ابن أبي أحمد يوسف بن موسى بن يوسف بن موسى بن مسدي المهلبي الأزدي الأندلسي
شيخ السنة وحامل راياتها وفريد الفنون ومحكم آياتها عرف الأحاديث وميز بين شهرتها وغرابتها وكان المتلقي لراية السنة بيمين عرابتها طلع بمغربه شمسا قبل بزوغه بأفق المشرق وملأ جزيرته الخضراء من بحر علومه المتدفق وأفعمها بنوره المشرق وطاف البلاد الإسلامية المغربية والمشرقية فعقدت على كماله الخناصر وجعله أرباب الدراية لمقلة الدين الباصر ولقي أعيان الشيوخ في القطرين وأخذ عنهم ما تقر به العين ويدفع به عن القلب الرين مع فصاحة لسان وطلاقة بيان وبنان وخلال حسان وبلاغة سحبته على سحبان وظهر أزهار بان وفوضت إليه خطابة الحرم الشريف بمكة فكان كما يقال هذا السوار لمثل هذا المعصم

فكم وشى بها من مطارف للبلاغة وكم عنم حتى يظن الرائي عود منبره من وعظه مائسا ولئن مال من سجع الحمام رطبا فقد مال من سجع هذا الإمام يابسا وترجم على من لقي من الأعيان بسحر البيان وفصل أحوالهم بأحسن تبيان وعدتهم أربعة آلاف شيخ وناهيك بهذه مزية تقاد لها الفضائل في أرسان وأرى تحقيق قول القائل جمع الله تعالى العالم في إنسان وله موضوعات مفيدة من حديث وفقه ونظم ونثر وله مسند غريب جمع فيه مذاهب العلماء المتقدمين والمتأخرين وهو أشهر من نار على علم وكان يكتب بالقلمين المغربي والمشرقي وكلاهما في غاية الجودة ومثل هذا يعد نادرا توفي شهيدا مطعوما من أناس كانوا يحسدونه فختم الله تعالى له بالشهادة وبوىء بها دار السعادة وتوفي سنة 663 بمكة ومولده سنة 598 رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا بأمثاله
220 - ومنهم الكاتب أبو القاسم خلف بن عبد العزيز بن محمد بن خلف الغافقي القبتوري - بفتح القاف وسكون الباء الموحدة وفتح التاء ثالثة الحروف وسكون الواو وبعدها راء - الإشبيلي المولد والمنشأ ولد في شوال سنة 615 وقرأ على الأستاذ الدباج كتاب سيبويه والسبع وله باع مديد في الترسل مع التقوى والخير وله إجازة من الرضى بن برهان والنجيب بن الصيقل وكتب لأمير سبتة وحدث بتونس عن العرافي وجاور زمانا وتوفي بالمدينة سنة 704 وحج مرتين قال أبو حيان قدم القاهرة مرتين وحج في الأولى وأنشدني من لفظه لنفسه
( أسيلي الدمع يا عيني ولكن ... دما ويقل ذلك لي أسلي )

( فكم في الترب من طرف كحيل ... لترب لي ومن خد أسيل ) وقال
( ماذا جنيت على نفسي بما كتبت ... كفي فيا ويح نفسي من أذى كفي )
( ولو يشاء الذي أجرى علي بذا ... قضاءه الكف عنه كنت ذا كف )
وقال
( واحسرتا لأمور ليس يبلغها ... مالي وهن منى نفسي وآمالي )
( أصبحت كالآل لا جدوى لدي وما ... ألوت جهدا ولكن جدي الآلي ) وقال العلامة فتح الدين بن سيد الناس إنه أنشده لنفسه بالحرم الشريف النبوي سنة ثلاث وسبعمائة
( رجوتك يا رحمن إنك خير من رجاه لغفران الجرائم مرتجي )
( فرحمتك العظمى التي ليس بابها ... وحاشاك في وجه المسيء بمرتجي وقد أنشد له أبو حيان كثيرا من نظمه رحمه الله تعالى 221 - ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج بن أبي الخليل الأموي الإشبيلي النباتي المعروف بابن الرومية كان عارفا بالعشب والنبات صنف كتابا حسنا كثير الفائدة في الحشائش ورتب فيه أسماءها على حروف المعجم ورحل إلى البلاد ودخل حلب وسمع الحديث بالأندلس وغيرها
وقال البرزالي في حقه إنه كان يعرف الحشائش معرفة جيدة وسمع

الحديث بدمشق من ابن الحرستاني وابن ملاعب وابن العطار وغيرهم وقال بعضهم اجتمعت به وتفاوضت معه في ذكر الحشائش فقلت له قصب الذريرة قد ذكر في كتب الطب وذكروا أنه يستعمل منه شيء كثير وهذا يدل على أنه كان موجودا كثيرا وأما الآن فلا يوجد ولا يخبر عنه بخبر فقال هو موجود وإنما لا يعلمون أين يطلبونه فقلت له وأين هو فقال بالأهواز منه شيء كثير انتهى
وأجاز البحر بعد سنة 580 للقاء ابن عبيد الله بسبتة فلم يتهيأ له ذلك وحج - رحمه الله تعالى ! - في رحلته الأولى ولقي كثيرا وروى عن عدد من رجال ونساء ضمنهم التذكرة له وله مختصر كتاب الكامل لأحمد بن عدي في رجال الحديث وله كتاب المعلم بما زاده البخاري على كتاب مسلم ويعرف بالنباتي لمعرفته بالنبات ومولده في نحو سنة 561 وتوفي رحمه الله تعالى بإشبيلية منسلخ ربيع النبوي سنة 637 وقد رثاه أناس من تلامذته وألف بعضهم في التعريف به وسمع من ابن زرقون وابن الجد وابن عفير وغير واحد كأبي ذر الحبشي وسمع ببغداد من جماعة وحدث بمصر الأحاديث من حفظه ويقال له الحزمي بفتح الحاء - نسبة إلى مذهب ابن حزم لأنه كان ظاهري المذهب وكان زاهدا صالحا وحكى بعضهم عنه أنه كان جالسا في دكانه بإشبيلية يبيع الحشائش وينسخ فاجتاز به الأمير أبو عبد الله بن هود سلطان الأندلس فسلم عليه فرد عليه السلام واشتغل بنسخه ولم يرفع إليه رأسه فبقي واقفا منتظرا أن يرفع إليه رأسه ساعة طويلة فلما لم يحفل به ساق فرسه ومضى وله كتابان حسنان في علم الحديث أحدهما يقال له الحافل في تكملة الكامل لابن عدي وهو كتاب كبير قال ابن الأبار سمعت شيخنا أبا الخطاب بن واجب يثني عليه ويستحسنه والثاني اختصر فيه

الكامل لأبي أحمد بن عدي كما سبق في مجلدين وسمع بدمشق والموصل وغيرهما جماعة من أصحاب الحافظ أبي الوقت السجزي وأبي الفتح بن البطي وأبي عبد الله الغراوي وغيرهم من الأئمة وله فهرسة حافلة أفرد فيها روايته بالأندلس من روايته بالمشرق وكان متعصبا لابن حزم بعد أن تفقه في المذهب المالكي على ابن زرقون أبي الحسين وطالت صحبته له وكان بصيرا بالحديث ورجاله كثير العناية به واختصر كتاب الدارقطني في غريب حديث مالك وغيره أضبط منه وفاق أهل زمانه في معرفة النبات وقعد في دكان لبيعه قال ابن الأبار وهنالك رأيته ولقيته غير مرة ولم آخذ عنه ولم أستجزه وسمع منه جل أصحابنا ومولده في شهر المحرم سنة 567 وتوفي بإشبيلية ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر سنة 637 وقال ابن زرقون منسلخ شهر ربيع الأول وحكى ذلك عن ولده أبي النور محمد بن أحمد انتهى 222 - ومنهم أبو العباس أحمد بن عبد السلام الغافقي الإشبيلي الشهير بالمسيلي رحل حاجا وقفل إلى بلده وحدث عنه أبو بكر بن خير بوفاة القاضي ابن أبي حبيب وروى عن أبي محمد بن أبي السعادات المروروذي الخراساني وأنه أنشده بثغر الاسكندرية عند وداعه إياه قال أنشدني أبو تراب جندل عند الوداع لبعضهم
( السم من ألسن الأفاعي ... أعذب من قبلة الوداع )
( ودعتهم والدموع تجري ... لما دعا للوداع داعي ) 223 - ومنهم أبو العباس - ويقال أبو جعفر - أحمد بن معد بن عيسى

بن وكيل التجيبي الزاهد ويعرف بابن الإقليشي صاحب كتاب النجم من كلام سيد العرب والعجم عارض به شهاب القضاعي وأصل أبيه من أقليش وضبطها بعضهم بضم الهمزة وسكن دانية وبها ولد ونشأ سمع أباه أبا بكر وأبا العباس بن عيسى وتلمذ له ورحل إلى بلنسية فأخذ العربية والآداب عن أبي محمد البطليوسي وسمع الحديث من صهره أبي الحسن طارق بن يعيش والحافظ أبي بكر بن العربي وأبوي الوليد بن خيرة وابن الدباغ ولقي بالمرية أبا القاسم بن ورد وأبا محمد عبد الحق بن عطية وولي الله سيدي أبا العباس بن العريف ورحل إلى المشرق سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وجاور بمكة سنين وسمع بها من أبي الفتح الكروخي جامع الترمذي برباط أم الخليفة العباسي سنة سبع وأربعين وخمسمائة ثم كر راجعا إلى المغرب فقبض في طريقه وحدث بالأندلس والمشرق وكان عالما عاملا متصوفا شاعرا مجودا مع التقدم في الصلاح والزهد والعزوف عن الدنيا وأهلها والإقبال على العلم والعبادة وله تصانيف منها كتاب الغرر من كلام سيد البشر وكتاب ضياء الأولياء وهو أسفار عدة وحمل الناس عنه معشراته في الزهد وكتبها الناس وكان يضع يده على وجهه إذا قرأ القارىء فيبكي حتى يعجب الناس من بكائه وكان الناس يدخلون عليه بيته والكتب عن يمينه وشماله وقد وصف غير واحد إمامته وعلمه وورعه وزهده وروى عنه أبو الحسين بن كوثر وابن بيبش وغيرهما ومن شعره قوله
( أسير الخطايا عند بابك واقف ... له عن طريق الحق قلب مخالف ) ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !

( قديما عصى عمدا وجهلا وغرة ... ولم ينهه قلب من الله خائف )
( تزيد سنوه وهو يزداد ضلة ... فها هو في ليل الضلالة عاكف )
( تطلع صبح الشيب والقلب مظلم ... فما طاف منه من سنى الحق طائف )
( ثلاثون عاما قد تولت كأنها ... حلوم تقضت أو بروق خواطف )
( وجاء المشيب المنذر المرء أنه ... إذا رحلت عنه الشبيبة تالف )
( فيا أحمد الخوان قد أدبر الصبا ... وناداك من سن الكهولة هاتف )
( فهل أرق الطرف الزمان الذي مضى ... وأبكاه ذنب قد تقدم سالف )
( فجد بالدموع الحمر حزنا وحسرة ... فدمعك ينبي أن قلبك آسف )
وقد وافق في أول هذه القطعة قول أبي الوليد بن الفرضي أو أخذه منه نقلا وتوفي في صدره عن المشرق بمدينة قوص من صعيد مصر في عشر الخمسين وخمسمائة ودفن عند الجميزة التي في المقبرة التالية لسوق العرب وقال ابن عباد إنه توفي سنة خمسين أو إحدى وخمسين بعدها - رحمه الله تعالى - وقد نيف على الستين
224 - ومنهم أبو العباس أحمد بن عمر المعافري المرسي وأصله من طلبيرة ويعرف بابن إفرند روى عن أبي الحسين الصفدي وغيره كالقاضي الحافظ أبي بكر بن العربي وأبي محمد الرشاطي وأبي إسحاق بن حبيش وغيرهم وله رحلة حج فيها ولقي أبا الفتح بن الرندانقاني بلد بين سرخس ومرو من أصحاب أبي حامد الغزالي وأنشد عنه مما قاله في وداع إخوانه بالبيت المقدس
( لئن كان لي من بعد عود إليكم ... قضيت لبانات الفؤاد لديكم )

( وإن تكن الأخرى ولم تك أوبة ... وحان حمامي فالسلام عليكم )
وقد روى هذين البيتين أبو عمر بن عياد وابنه محمد عن ابن إفرند هذا وكان صالحا زاهدا متصوفا رحمه الله تعالى !
225 - ومنهم أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن عميرة بن يحيى الضبي من أهل لورقة رحل حاجا وكان منقبضا زاهدا صواما قواما وأقرأ القرآن وأسمع الحديث وممن حدث عنه الحافظان أبو سليمان وأبو محمد بن حوط الله ولقيه أبو سليمان بلورقة سنة 575 وتوفي رحمه الله تعالى سنة 577 وقد قارب المائة
226 - ومنهم أبو عمر بن عات وهو أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النفزي من أهل شاطبة سمع أباه وأبا الحسن بن هذيل وأبا عبد الله بن سعادة وابن حبيش وغير واحد وطائفة كثيرة ورحل إلى المشرق فأدى الفريضة وسمع أبا الطاهر السلفي وأبا الطاهر بن عوف وغيرهما ممن يطول ذكره وأجاز له أبو الفرج بن الجوزي وغيره ممن أخذ عنه وسمع منه وقد ضمن ذكر أشياخه وجملة صالحة من مروياته عنهم برنامجيه اللذين سمي أحدهما بالنزهة في التعريف بشيوخ الوجهة وهو كتاب حافل جامع والآخر بريحانة التنفس وراحة الأنفس في ذكر شيوخ الأندلس
قال ابن عبد الملك المراكشي في الصلة حدثنا عنه شيخنا أبو محمد حسن بن علي بن

القطان وكان من أكابر المحدثين وجلة الحفاظ المسندين للحديث والآداب بلا مدافعة يسرد الأسانيد والمتون ظاهرا فلا يخل بحفظ شيء منها متوسط الطبقة في حفظ فروع الفقه ومعرفة المسائل إذ لم يعن بذلك عنايته بغيره فكان أهل شاطبة يفاخرون بأبوي عمر بن عبد البر وابن عات وكان على سنن السلف الصالح في الانقباض ونزارة الكلام ومتانة الدين وأكل الحشف ولزوم التقشف والتقلل من الدنيا والزهد فيها والمثابرة على كثير من أفعال البر كالأذان والإمامة وبذل المعروف والتوسع بالصدقات على الضعفاء والمساكين
وحكي أنه حضر في جماعة من طلبة العلم لسماع السير على بعض شيوخهم فغاب الكتاب أو القاريء بكتابه فقال أبو عمر أنا أقرأ لكم فقرأ لهم من حفظه وقال أبو عمر عامر بن نذير لازمته مدة ستة أشهر فلم أر أحفظ منه وحضرت إسماع الموطإ وصحيح البخاري منه فكان يقرأ من كل واحد من الكتابين نحو عشر أوراق عرضا بلفظه كل يوم عقب صلاة الصبح لا يتوقف في شيء من ذلك انتهى
وقال بعض المؤرخين إنه كان آخر الحفاظ للحديث يسرد المتون والأسانيد ظاهرا لا يخل بحفظ شيء منها موصوفا بالدراية والرواية غالبا عليه الورع والزهد على منهاج السلف يلبس الخشن ويأكل الحشف وربما أذن في المساجد وله تآليف دالة على سعة حفظه مع حظ من النظم والنثر وشهد وقيعة العقاب التي أفضت إلى خراب الأندلس بالدائرة على المسلمين فيها وكانت السبب الأقوى في تحيف الروم بلادها حتى استولت عليها ففقد حينئذ ولم يوجد حيا ولا ميتا وذلك يوم الاثنين منتصف صفر سنة تسع وستمائة

ومولده سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة قاله ابن الأبار وهو ممن أجاز له المذكور فيما رواه أو ألفه رحمه الله تعالى
227 - ومنهم أبو العباس أحمد بن تميم بن هشام بن أحمد بن حنون البهراني من ساكني إشبيلية وأصله من لبلة روى عن أبيه وابن الجد وابن زرقون وابن جهور وغيرهم من أعلام الأندلس ثم رحل إلى المشرق فسمع ببغداد من أبي حفص عمر بن طبرزد وبخراسان من المؤيد الطوسي وبهراة من أبي روح عبد المعز وبمرو من عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني ومن جماعة غير هؤلاء وسمع أيضا بدمشق من أبي الفضل الحرستاني وسواه وبها توفي قبل العشرين وستمائة فيما نقل ابن الأبار عن ابن نقطة وقال غيره إنه مات سنة خمس وعشرين وستمائة 228 - ومنهم أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد المخزومي من أهل قرطبة ويعرف أبوه بكوزان روى عن أبيه وغيره من مشيخة بلده ورحل حاجا فلقي بالإسكندرية أبا الحسن بن المقدسي وسمع منه وأنشد من لفظه بعض أصحاب ابن الأبار قال أنشدني شرف الدين أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي قال أنشدتني تقية بنت غيث بن علي الأرمنازي لنفسها
( لا خير في الخمر على أنها ... مذكورة في صفة الجنه )
( لأنها إن خامرت عاقلا ... خامره في عقله جنه )
( يخاف أن تقذفه من عل ... فلا تقي مهجته جنه )

229 - ومنهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن عياش الكناني المرسي سمع من ابن بشكوال موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى والقعنبي وابن بكير بقراءة أبي محمد بن حوط الله ورحل إلى المشرق سنة تسع وسبعين وخمسمائة فحج سنة ثمانين بعدها وأقام بالحجاز والشام مدة ولقي أبا الطاهر الخشوعي بدمشق فسمع منه مقامات الحريري وأخذها الناس عنه ومما أفاد وزاد في قول الحريري
( إذا ما حويت جنى نخلة ... )
الأبيات - قوله
( ولا تأسفن على خارج ... إذا ما لمحت سنا الداخل )
( ولا تكثر الصمت في معشر ... وإن زدت عيا على باقل )
وسمع من أبي القاسم ابن عساكر السنن للبيهقي ومن أبي حفص الميانشي جامع الترمذي وقفل إلى الأندلس في سنة سبع وتسعين وحدث بيسير وكان يحسن عبارة الرؤيا وكف بصره سنة ثمان وعشرين وستمائة أو نحوها وتوفي على إثر ذلك ومولده سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة رحمه الله تعالى
230 - ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حصن بن أحمد بن حزم الغافقي ويقال فيه إبراهيم بن حصن بن عبد الله بن حصن أندلسي سكن دمشق وولي الحسبة بها ويكنى أبا إسحاق سمع ببغداد من أبي بكر بن مالك القطيعي وطبقته وبدمشق من عبد الوهاب الكلابي ويوسف بن القاسم الميانجي وبمصر من أبي طاهر الذهلي وأبي أحمد الغطريفي وله أيضا سماع

كتاب البخاري من طريق أبي الهيثم رحم الله تعالى الجميع
232 - 233 - ومنهم أبو القاسم بن فورتش وهو إسماعيل بن يحيى بن عبد الرحمن السرقسطي وأخوه القاضي محمد بن يحيى وكانا جميعا زاهدين لهما رحلة سمعا فيها من أبي ذر الهروي بمكة وعادا إلى بلدهما وولي محمد منهما القضاء وقد لقيهما القاضي الحافظ أبو علي بن سكرة ولم يسمع منهما ويرويان عن أبي عمر الطلمنكي وأبي الحزم بن أبي درهم وتوفي أبو القاسم في نحو الخمسمائة
234 - ومنهم أبو الطاهر إسماعيل بن أحمد بن عمر القرشي العلوي الإشبيلي رحل حاجا ودخل العراق والموصل وقيد الكثير ورواه وسمع من أبي حفص الميانشي بمكة سنة 570 وحدث بالموطإ عن أبي الحسن علي بن هابيل الأنصاري عن أبي الوليد الباجي وحدث أيضا عن غيره بما دل على أنه كان يخلط ولا يضبط وكذلك قال أبو الصبر كان له في الموطأ إسناد عال جدا فتصفحته فوجدته ينقص منه رجل واحد فاستربت في الرواية عنه بعد تحسين الظن به ولم يتنبه أبو الصبر لأن ابن هابيل وغيره من شيوخه مجهولون وأبو الصبر ممن روى عن المذكور وهو أبو الصبر السبتي والله تعالى أعلم بحقيقة حال الرجل
235 - ومنهم أبو الروح عيسى بن عبد الله بن محمد بن موسى بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن خليل النفزي الحميري التاكرني
قال في تاريخ إربل كان شابا متأدبا فاضلا قدم مصر وله شعر حسن وقال الحافظ عبد العظيم المنذري أنشدنا المذكور لنفسه

( يا قلب ما لك لا تفيق من الهوى ... أو ما يقر بك الزمان قرار )
( ألكل ذي وجه جميل حنة ... ولكل عهد سالف تذكار )
وله
( يا رب أضحية سوداء حالكة ... لم ترع في البيد إلا الشمس والقمرا )
( تخال باطنها في اللون ظاهرها ... فهي الغداة كزنجي إذا كفرا )
ولد سنة 590 بتاكرنا من بلاد الأندلس وهي من نظر قرطبة وتوفي بأرزن من ديار بكر سنة 629 عائدا من آمد رحمه الله تعالى
ومن بديع شعره
( إن أودع الطرس ما وشاه خاطره ... أبدى لعينيك أزهارا وأشجارا )
( وإن تهدد فيه أو يعد كرما ... بث البرية آجالا وأعمارا )
وتاكرنا - بضم الكاف والراء وتخفيفها وشد النون - وورد المذكور إربل سنة سبع وعشرين وستمائة وله قول أجاز فيها أبيات شرف الدين عمر بن الفارض في غلام اسمه بركات قال الأسدي الدمشقي ومن خطه نقلت كنت حاضر هذه الواقعة بالقاهرة بالجامع الأزهر إذ قال ابن الفارض
( بركات يحكي البدر عند تمامه ... حاشاه بل شمس الضحى تحكيه )
فقال أبو الروح وأنشدني ذلك
( هذا الكمال فقل لمن قد عابه ... حسدا وآية كل شيء فيه )
( لم تذو إحدى زهرتيه وإنما ... كملت بذاك ملاحة التشبيه )
( وكأنه قد رام يغلق جفنه ... ليصيب بالسهم الذي يرميه )
وقال ابن المستوفي في تاريخ إربل أنشدني أبو الروح لنفسه

( أوصيت قلبي أن يفر عن الصبا ... ظنا بأني قد دعوت سميعا )
( فأجابني لا تخش مني بعدما ... أفلت من شرك الغرام وقوعا )
( حتى إذا نادى الحبيب رأيته ... آوي إليه ملبيا ومطيعا )
( كذبالة أخمدتها فإذا دنا ... منها الضرام تعلقته سريعا )
قال وأنشدني
( وزائر زارني والليل معتكر ... والطيب يفضحه والحلي يشهره )
( أمسكت قلبي عنه وهو مضطرب ... والشوق يبعثه والصون يزجره )
( فبت أصدى إلى من لا يحلئني ... والورد صاف ولا شيء يكدره )
( تراه عيني وكفي لا تلامسه ... حتى كأني في المرآة أنظره )
قال وأنشدني الإمام أبو عمرو بن غياث الشريشي لنفسه رحمه الله تعالى
( صبوت وهل عار على الحر إن صبا ... وقيد ثغر الأربعين إلى الصبا )
( وقالوا مشيب قلت واعجبا لكم ... أينكر صبح قد تخلل غيهبا )
( وليس مشيبا ما ترون وإنما ... كميت الصبا لما جرى عاد أشهبا )
وتوفي أبو عمرو سنة 620 عن تسعين سنة
قال ابن المستوفي وأنشدني المذكور قال أنشدني أبو عمرو أيضا لنفسه
( أودع فؤادي حسرة أو دع ... نفسك تؤذي أنت في أضلعي )
( أمسك سهام اللحظ أو فارمها ... أنت بما ترمي مصاب معي )
( موقعها القلب وأنت الذي ... مسكنه في ذلك الموضع )
قال وأنشدني قال أنشدني مطرف الغرناطي

( أنا صب كما تشاء وتهوى ... شاعر ماجد كريم جواد )
( سنة سنها قديما جميل ... وأتى المحدثون مثلي فزادوا )
قال وأنشدني أيضا المطرف
( وفي فروع الأيك ورق إذا ... بل الندى أعطافها تسجع )
( أو هزها نفح نسيم الصبا ... شاقك منها غرد شرع )
( كأنما ريطتها منبر ... وهي خطيب فوقه مصقع )
( إن شبها في طرف لوعة ... جرى لها في طرف مدمع )
أخذه من قول عبد الوهاب بن علي المالقي الخطيب
( كأن فؤادي وطرفي معا ... هما طرفا غصن أخضر )
( إذا اشتعل النار في جانب ... جرى الماء في الجانب الآخر )
236 - ومن المرتحلين من الأندلس إلى المشرق الإمام النحوي اللغوي نور الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن حمدون الحميري الأندلسي المالقي قال شرف الدين الصابوني أنشدنا المذكور لنفسه سنة 667
( فؤاد بأيدي النائبات مصاب ... وجفن لفيض الدمع فيه مصاب )
( تناءت ديار قد ألفت وجيرة ... فهل لي إلى عهد الوصال إياب )
( وفارقت أوطاني ولم أبلغ المنى ... ودون مرادي أبحر وهضاب )
( مضى زمني والشيب حل بمفرقي ... وأبعد شيء أن يرد شباب )
( إذا مر عمر المرء ليس براجع ... وإن حل شيب لم يفده خضاب )
( فحل حمام الشيب في فرق لمتي ... وقد طار عنها للشباب غراب )
( وكم عظة لي في الزمان وأهله ... وبين فؤادي والقبول حجاب )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24