كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

لفراقه خفق وان تلألأ برق فعن حر حشاي ائتلق وان سحت السحب فمساعدة لجفنى وان طال بكاؤها فعنى حياها الله تعالى منازل لم تزل بمنظوم الشمل أواهل وحين انتثرت نثرت أزهارها أسفا ولم تثن الريح من أغصانها معطفا أعاد الله تعالى الشمل فيها الى محكم نظامه وجعل الدهر الذى فرقه يتأنق فى إحكامه وهو سبحانه يجبر الصدع ويعجل الجمع إنه بالإجابة جدير وعلى ما يشاء قدير
إية بنى كيف حال من استودعتهم أمانتك وألزمتهم صونك وصيانتك وألبستهم نسبك ومهدت لهم حسبك الله فى حفظهم فهو اللأئق بفعالك المناسب لشرف خلالك ارع لهم الاغتراب لديك والانقطاع اليك فهم أمانة الله تعالى فى يديك وهو سبحانه يحفظك بحفظهم ويوالى بلحظك أسباب لحظهم وان ذهبتم الى معرفة الأحوال فنعم الله تعالى ممتدة الظلال وخيراته وارفه السربال لولا الشوق الملازم والوجد الذى سكن الحيازم
49 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى بكر محمد بن محمد بن عبد الله ابن مقاتل المالقى ما نصه نابغة مالقية وخلف وبقية ومغربى الوطن أخلاقه مشرقية أزمع الرحيل الى المشرق مع اخضرار العود وسواد المفرق فلما توسطت السفينة اللجج وقارعت الثبج هال عليها البحر فسقاها كأس الحمام وأولدها قبل التمام وكان فيمن اشتملت عليه اعوادها وانضم على نوره سوادها من جملة الطلبة والأدباء وأبناء السراة الحسباء أصبح كل منهم مطيعا لداعى الردى وسميعا وأحيوا فرادى وماتوا جميعا فأجروا الدموع حزنا وأرسلوا العبرات عليهم مزنا وكأن البحر لما طمس سبيل خلاصهم وسدها وأهال هضبة سفينتهم وهدها غار على نفوسهم النفيسة فاستردها والفقيه ابو بكر مع إكثاره وانقياد نظامه ونثاره لم أظفر من أدبه

إلا بالقليل التافه بعد وداعه وانصرافه فمن ذلك قوله وقد أبصر فتى عاثرا
( ومهفهف هافى المعاطف احور ... فضحت أشعة نوره الأقمارا )
( زلت له قدم فاصبح عاثرا ... بين الأنام لعا لذاك عثارا )
( لو كنت أعلم ما يكون فرشت فى ... ذاك المكان الخد والأشفارا ) وقال
( أيا لبنى الرفاء تفضي ظباؤهم ... جفون ظباهم فالفؤاد كليم )
( لقد قطع الأحشاء منهم مهفهف ... له التبر خد واللجين أديم )
( يسدد إذ يرمى قسى حواجب ... وأسهمها من مقلتيه تسوم )
( وتسقمنى عيناه وهى سقيمة ... ومن عجب سقم جناه سقيم )
( ويذبل جسمى فى هواه صبابة ... وفى وصله للعاشقين نعيم ) كان غرقه فى أخريات عام تسعة وثلاثين وسبعمائة انتهى
50 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن محمد الشديد المالقى ما نصه شاعر مجيد حوك الكلام ولا يقصر فيه عن درجة الأعلام رحل الى الحجاز لأول أمره فطال بالبلاد المشرقية ثواؤه وعميت أنباؤه وعلى هذا العهد وقفت له على قصيدة بخطه غرضها نبيل ومرعاها غير وبيل تدل على نفس ونفس وإضاءة قبس وهى
( لنا فى كل مكرمة مقام ... ومن فوق النجوم لنا مقام ) ومنها
( روينا من مياه المجد لما ... وردناها وقد كثر الزحام )
( فنحن هم وقل لى من سوانا ... لنا التقديم قدما والكلام )
( لنا الأيدي الطوال بكل صوب ... يهز به لدى الروع الحسام )
( ونحن اللابسون لكل درع ... يصيب السمر منهن انثلام )

( بأندلس لنا أيام حرب ... مواقفهن فى الدنيا عظام )
( ثوى منها قلوب الروم خوف ... يخوف منه فى المهد الغلام )
( حمينا جانب الدين احتسابا ... فها هو لا يهان ولا يضام )
( وتحت الراية الحمراء منا ... كتائب لا تطاق ولا ترام )
( بنو نصر وما أدراك ما هم ... أسود الحرب والقوم الكرام )
( لهم فى حربهم فتكات عمرو ... فللأعمار عندهم انصرام )
( يقول عداتهم مهما ألموا ... أتونا ما من الموت اعتصام )
( اذا شرعوا الأسنة يوم حرب ... فحقق ان ذاك هو الحمام )
( كأن رماحهم فيها نجوم ... اذا ما اشبه الليل القتام )
( أناس تخلف الأيام ميتا ... بحى منهم فلهم دوام )
( رأينا من أبى الحجاج شخصا ... على تلك الصفات له قيام )
( موقى العرض محمود السجايا ... كريم الكف مقدام همام )
( يجول بذهنه فى كل شىء ... فيدركه وان عز المرام )
( قويم الرأى فى نوب الليالى ... اذا ما الرأى فارقه القوام )
( له فى كل معضلة مضاء ... مضاء الكف ساعدها الحسام )
( رؤوف قادر يغضي ويعفو ... وان عظم اجتناء واجترام )
( تطوف ببيت سؤدده القوافى ... كما قد طاف بالبيت الأنام )
( وتسجد فى مقام علاه شكرا ... ونعم الركن ذلك والمقام )
( أفارسها اذا ما الحرب أخنت ... على أبطالها ودنا الحمام )
( وممطرها اذا ما السحب كفت ... وكف أخى الندى أبدا غمام )
( لك الذكر الجميل بكل قطر ... لك الشرف الأصيل المستدام )
( لقد جبنا البلاد فحيث سرنا ... رأينا ان ملكك لا يرام )
( فضلت ملوكها شرقا وغربا ... وبت لملكها يقظا وناموا )
( فأنت لكل معلوة مدار ... وأنت لكل مكرمة إمام )

( جعلت بلاد أندلس اذا ما ... ذكرت تغار مصر والشام )
( مكان أنت فيه مكان عز ... وأوطان حللت بها كرام )
( وهبتك من بنات الفكر بكرا ... لها من حسن لقياك ابتسام )
( فنزه طرف مجدك فى حلاها ... فللمجد الأصيل بها اهتمام )
51 - وقال فى الإكليل فى ترجمة الشريف محمد بن الحسن العمرانى من أهل فاس ما صورته كريم الانتماء متظلل بأغصان الشجرة الشماء من رجل سليم الضمير ذى باطن أصفى من الماء النمير له فى الشعر طبع يشهد بعروبية أصوله ومضاء نصوله وذكر فى الإحاطة أن الشريف المذكور توفى فى حدود ثمانية وثلاثين وسبعمائة
52 - وقال فى الإكليل فى ترجمة محمد بن أحمد بن ابراهيم المرادى العشاب وهو قرطبى الأصل تونسى المولد والمنشأ ما صورته جواد لا يتعاطى طلقه وصبح فضل لا يماثل فلقه كانت كانت لأبيه رحمه الله تعالى من الدول الحفصية منزلة لطيفة المحل ومفاوضة فى العقد والحل ولم يزل تسمو به قدم النجابة من العمل الى الحجابة ونشأ ابنه هذا مقضى الديون مفدى بالأنفس والعيون والدهر ذو ألوان ومارق حرب عوان والأيام كرات تتلقف وأحوال لا تتوقف فألوى بهم الدهر وأنحى وأغام جوهم بعقب ما أصحى فشملهم الاعتقال وتعاورتهم النوب الثقال واستقرت بالمشرق ركابه وحطت به أقتابه فحج واعتمر واستوطن تلك المعاهد وعمر وعكف على كتاب الله تعالى فجود الحروف وقرأ المعروف وقيد وأسند وتكرر الى دور الحديث وتردد وقدم على هذا الوطن قدوم النسيم البليل على كبد العليل ولما استقر به قراره واشتمل على جفنه غراره بادرت الى مؤانسته وثابرت على مجالسته فاجتليت للسر شخصا وطالعت ديوان الوفاء مستقصى

وشعره ليس بحائد عن الإحسان ولا غفل عن النكت الحسان انتهى
53 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عمر بن على ابن ابراهيم المليكشى ما صورته كاتب الخلافة ومشعشع الأدب الذى يزرى بالسلافة كان بطل مجال ورب روية وارتجال قدم على هذه البلاد وقد نبا به وطنه وضاق ببعض الحوادث عطنه فتلوم تلوم النسيم بين الخمائل وحل منها محل الطيف من الوشاح الجائل ولبث مدة إقامته تحت جراية واسعة وميرة يانعه ثم آثر قطره فولى وجهه شطره واستقبله دهره بالإنابة وقلده خطة الكتابة فاستقامت حاله وحطت رحاله وله شعر أنيق وتصوف وتحقيق ورحلة الى الحجاز سعيها فى الخير وثيق ونسبها فى الصالحات عريق ومن شعره قوله
( رضى نلت ما ترضين من كل ما يهوى ... فلا توقفينى موقف الذل والشكوى )
( وصفحا عن الجانى المسىء لنفسه ... كفاه الذى يلقاه من شدة البلوى )
( بما بيننا من خلوة معنوية ... أرق من النجوى وأحلى من السلوى )
( قفى أتشكى لوعة البين ساعة ... ولا يك هذا آخر العهد بالنجوى )
( قفى ساعة فى عرصة الدار وانظري ... إلى عاشق ما يستفيق من البلوى )
( وكم قد سألت الريح شوقا اليكم ... فما حن مسراها على ولا ألوى )
( فيا ريح حتى أنت ممن يغار بى ... ويا نجد حتى أنت تهوى الذى أهوى )
( خلقت ولى قلب جليد على النوى ... ولكن على فقد الأحبة لا يقوى )
وحدث بعض من عنى بأخباره أيام مقامه بمالقه واستقراره أنه لقى بباب الملعب من أبوابها ظبية من ظبيات الإنس وقينة من قينات هذا الجنس فخطب وصالها واتقى بفؤاده نصالها حتى همت بالانقياد وانعطفت انعطاف الغصن

المياد فأبقى على نفسه وأمسك وأنف من خلع العذار بعدما تنسك وقال
( لم أنس وقفتنا بباب الملعب ... بين الرجا واليأس من متجنب )
( وعدت فكنت مراقبا لحديثها ... يا ذل وقفه خائف مترقب )
( وتدللت فذللت بعد تعزز ... ياتى الغرام بكل أمر معجب )
( بدوية أبدى الجمال بوجهها ... ما شئت من خد شريق مذهب )
( تدنو وتبعد نفرة وتجنيا ... فتكاد تحسبها مهاة الربرب )
( ورنت بلحظ فاتن لك فاتر ... انضى وأمضى من حسام المضرب )
( وأرتك بابل سحرها بجفونها ... فسبت وحق لمثلها ان تستبى )
( وتضاحكت فحكت بنير ثغرها ... لمعان نور ضياء برق خلب )
( بمنظم فى عقد سمطى جوهر ... عن شبه نور الأقحوان الأشنب )
( وتمايلت كالغصن أخضله الندى ... ريان من ماء الشبيبة مخصب )
( تثنية أرواح الصبابة والصبا ... فتراه بين مشرق ومغرب )
( أبت الروادف ان تميل بميله ... فرست وجال كأنه فى لولب )
( متتوجا بهلال وجه لاح فى ... خلل السحاب لحاجب ومحجب )
( يا من رأى فيها محبا مغرما ... لم ينقلب الا بقلب قلب )
( ما زال مذ ولى يحاول حيلة ... تدنيه من نيل المنى والمطلب )
( فأجال نار الفكر حتى أوقدت ... فى القلب نار تشوق وتلهب )
( فتلاقت الأرواح قبل جسومها ... وكذا البسيط يكون قبل مركب ) وقال
( أرى لك يا قلبى بقلبي محبة ... بعثت بها سرى اليك رسولا )
( فقابله بالبشرى وأقبل عشيه ... فقد هب مسكى النسيم عليلا )
( ولا تعتذر بالقطر أو بلل الندى ... فأحسن ما يأتى النسيم بليلا )

توفى عام أربعين وسبعمائة بتونس رحمه الله تعالى انتهى
54 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن على بن عمر العبدرى التونسى الشاطبى الأصل ما نصه غذى نعمة هامية وقريع رتبة سامية صرفت إلى سلفه الوجوه ولم يبق من إفريقية إلا من يخافه ويرجوه وبلغ هو مدة ذلك الشرف الغاية من الترف ثم قلب الدهر له ظهر المجن واشتد به الخمار عند فراغ الدن ولحق صاحبنا هذا بالمشرق بعد خطوب مبيرة وشدة كبيرة فامتزج بسكانه وقطانه ونال من اللذات به ما لم ينله فى أوطانه واكتسب الشمائل العذاب وكان كابن الجهم بعث إلى الرصافة ليرق فذاب ثم حوم على وطنه تحويم الطائر وألم بهذه البلاد المام الخيال الزائر فاغتنمت صفقة وده لحين وروده وخطبت موالاته على انقباضه وشروده فحصلت منه على درة تقتنى وحديقة طيبة الجنى أنشدنى فى أصحاب له بمصر قاموا ببره
( لكل أناس مذهب وسجيه ... ومذهب أولاد النظام المكارم )
( إذا كنت فيهم ثاويا كنت سيدا ... وان غبت عنهم لم تنلك المظالم )
( أولئك صحبي لا عدمت حياتهم ... ولا عدموا السعد الذى هو دائم )
( أغنى بذكراهم وطيب حديثهم ... كما غردت فوق الغصون الحمائم ) وقال
( أحبتنا بمصر لو رأيتم ... بكائى عند أطراف النهار )
( أكنتم تشفقون لفرط وجدي ... وما القاه من بعد الديار )
55 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى القاسم محمد بن أبى زكريا يحيى ابن أبى طالب عبد الله بن محمد بن احمد العزفى السبتى ما صورته فرع تأود من الرياسة فى دوحة وتردد بين غدوة فى المجد وروحة نشأ والرياسة العزفية

تعله وتنهله والدهر ييسر أمله الأقصى ويسهله حتى اتسقت أسباب سعده وانتهت اليه رياسة سلفه من بعده فألقت اليه رحالها وحطت ومتعته بقربها بعدما شطت ثم كلح له الدهر بعدما تبسم وعاد زعزعا نسيمة الذى كان يتنسم وعاق هلالة عن تمه ما كان من تغلب ابن عمه واستقر بهذه البلاد نازح الدار بحكم الأقدار وإن كان نبيه المكانة والمقدار وجرت عليه جراية واسعة ورعاية متتابعة وله أدب كالروض باكرته الغمائم والزهر تفتحت عنه الكمائم رفع منه رايه خافقه واقام له سوقا نافقه وعلى تدفق أنهاره وكثرة نظمه واشتهاره فلم أظفر منه إلا باليسير التافه بعد انصرافه انتهى
56 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المكودي الفاسى ما نصه شاعر لا يتقاصى ميدانه ومرعى بيان رف غضاه واينع سعدانه يدعو الكلام فيهطع لداعيه ويسعى فى اجتلاب المعانى فتنجح مساعيه غير أنه أفرط فى الانهماك وهوى إلى السمكة من أوج السماك قدم على هذه البلاد مفلتا من رهق تلمسان حين الحصار صفر اليمين واليسار من اليسار فل هوى انحى على طريفه وتلاده واخرجه من بلاده ولما جد به البين وحل هذه البلدة بحال تقتحمها العين والسيف بهزته لا بحسن بزته دعوناه إلى مجلس أعاره البدر هالته وخلع عليه الأصيل غلالته وروض تفتح كمامه وهمى عليه غمامه وكأس أنس تدور فتتلقى نجومها البدور فلما ذهبت المؤانسة بخجله وتذكر هواه ويوم نواه حتى خفنا حلول أجله جذبنا للمؤانسة زمامه واستسقينا منه غمامه فأمتع واحسب ونظر ونسب وتكلم فى المسائل وحاضر بطرف الأبيات وعيون الرسائل حتى نشر الصباح رايته وأطلع النهار آيته فمما نسبه إلى نفسه وأنشدناه قوله
( غرامى فيك جل عن القياس ... وقد سقيتنيه بكل كاس )
( ولا أنسى هواك ولو جفانى ... عليك أقاربى طرا وناسى )

( ولا أدرى لنفسى من كمال ... سوى أنى لعهدك غير ناسى ) وقال
( بعثت بخمر فيه ماء وأنما ... بعثت بماء فيه رائحة الخمر )
( فقل عليه الشكر إذ قل سكرنا ... فنحن بلا سكر وأنت بلا شكر )
57 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بيبش العبدرى الغرناطى ما صورته معلم مدرب مسهل مقرب له فى صنعة العربية باع مديد وفى هدفها سهم سديد ومشاركة فى الأدب لا يفارقها تسديد خاصي المنازع مختصرها مرتب الأحوال مقررها تميز أول وقته بالتجارة فى الكتب فسلطت منه عليها أرضه آكله وسهم أصاب من رميتها الشاكلة أثرى بسببها وأترب واغنى جهة وأفقر اخرى وانتقل لهذا العهد الأخير إلى سكنى مسقط رأسه ومنبت غرسه وجرت عليه جراية من احباسها ووقع عليه قبول من ناسها وبها تلاحق به الحمام فكان من ترابها البداية وإليها التمام وله شعر لم يقصر فيه عن المدى وأدب توشح بالإجادة وارتدى أنشدنى بسبته تاسع جمادى الأولى عام اثنين وخمسين وسبعمائة يجيب عن بيتى ابن العفيف التلمسانى
( يا ساكنا قلبى المعنى ... وليس فيه سواك ثانى )
( لأي معنى كسرت قلبى ... وما التقى فيه ساكنان ) فقال
( نحلتنى طائعا فؤادا ... فصار اذ حزته مكانى )
( لا غرو إذ كان لى مضافا ... أنى على الكسر فيه بانى )
وقال يخاطب الشريف أبا العباس وأهدى أقلاما

( أناملك الغر التى سيب جودها ... يفيض كفيض المزن بالصيب القطر )
( أتتنى منها تحفة مثل حدها ... إذا انتضيت كانت كمرهفة السمر )
( هى الصفر لكن تعلم البيض أنها ... محكمة فيها على النفع والضر )
( مهذبة الاوصال ممشوقة كما ... تصوغ سهام الرمى من خالص التبر )
( فقبلتها عشرا ومثلت أننى ... ظفرت بلثم فى أناملك العشر ) وقال فى ترتيب حروف الصحاح
( أساجعة بالواديين تبوئى ... ثمارا جنتها حاليات خواضب )
( دعى ذكر روض زاره سقى شربه ... صباح ضحى طير ظماء عواصب )
( غرام فؤادى قاذف كل ليلة ... متى ما نأى وهنا هواه يراقب )
مولده فى حدود ثمانين وستمائة وتوفى بغرناطة فى رجب عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة انتهى
قلت رأيت بخط الجلال السيوطى على هامش جوابه عن بيتي ابن العفيف التلمسانى ما صورته قلت فى هذا البيت تصريح بان المضاف إلى الياء مبنى على الكسر وهو رأي مرجوح عند النحاة ذهب إليه الجرجانى والصحيح أنه معرب على أن ذاك لا يحتاج إلى جواب كما يظهر بالتأمل قاله عبد الرحمن السيوطى انتهى ويعنى بذلك أن الساكنين أنما يكسر احدهما لا محلهما والله سبحانه اعلم
58 - وقال لسان الدين فى الإكليل فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن هانىء اللخمى السبتى وأصله من إشبيلية ما صورته علم تشير اليه الأكف ويعمل إلى لقائه الحافر والخف رفع للعربية ببلده راية لا تتاخر ومرج

منها لجة تزخر فانفسخ مجال درسه وأثمرت أنواع غرسه فركض ماشاء ومرح ودون وشرح إلى شمائل يملك الظرف زمامها ودعابه راشت الحلاوة سهامها ولما أخذ المسلمون فى منازلة الجبل وحصاره وأصابوا الكفر منه بجارحه إبصاره ورموا بالثكل فيه نازح امصاره كان ممن انتدب وتطوع وسمع النداء فاهطع فلازمه إلى أن نفذ لأهله القوت وبلغ من فسحة الأجل الموقوت فأقام الصلاة بمحرابه وحياه وقد غير محياه طول اغترابه وبادره الطاغية قبل أن يستقر نصل الإسلام فى قرابه أو يعلق أصل الدين فى ترابه وانتدب إلى الحصار ربه وتدرع ودعاه أجله فلبى وأسرع ولما هدر عليه الفنيق وركع إلى قبله المنجنيق اصيب بحجر دوم عليه كالجارح المحلق وانقض إليه انقضاض البارق المتألق فاقتنصه واختطفه وعمد إلى زهرة فاقتطفه فمضى إلى الله تعالى طوع نيته وصحبته غرابة المنازع حتى فى أمنيته انتهى
وقد جود ترجمته فى الإحاطة وقال أنه ألف كتبا منها شرح تسهيل الفوائد لابن مالك مبدع تنافس الناس فيه وكتاب الغرة الطالعة فى شعراء المائة السابعة وكتاب انشاد الضوال وإرشاد السؤال فى لحن العامة وهو مفيد وكتاب قوت المقيم ودون ترسيل أبى المطرف ابن عميرة وضمه فى سفرين وله جزء فى الفرائض وحدثنى شيخنا الشريف القاضى أبو القاسم قال خاطبت ابن هانىء بقصيدة من نظمى أولها
( هات الحديث عن الركب الذى شخصا ) فاجابنى بقصيدة على رويها أولها
( لولا مشيب بفودي للفواد عصى ... أنضيت فى مهمه التشبيب لى قلصا )

( واستوقفت عبراتى وهى جارية ... وكفاء توهم ربعا للحبيب قصا )
( مسائلا عن لياليه التى انتهزت ... أيدى الأمانى بها ما شئته فرصا )
( وكنت جاريت فيه من جرى طلقا ... من الإجادة لم يجمح ولا نكصا )
( أصاب شاكلة المرمى حين رمى ... من الشوارد ما لولاه ما اقتنصا )
( ومن اعد مكان النبل نبل حجى ... لم يرض إلا بابكار النهى قنصا )
( ثم انثنى ثانيا عطف النسيب إلى ... مدح به قد غلا ما كان قد رخصا )
( فظلت أرفل فيها لبسه شرفت ... ذاتا ومنتسبا أعزز بها قمصا )
( يقول فيها وقد خولت منحتها ... وجرع الكاشح المغرى بها غصصا )
( هذى عقائل وافت منك ذا شرف ... لولا أياديه بيع الحمد مرتخصا )
( فقلت هلا عكست القول منك له ... ولم يكن قابلا فى مدحه الرخصا )
( وقلت ذى بكر فكر من أخى شرف ... يردى ويرضى بها الحساد والخلصا )
( لها حلى حسنيات على حلل ... حسنية تستبى من حل أو شخصا )
( خولتها وقد اعتزت ملابسها ... بالبخت ينقاد للإنسان ما عوصا )
( خذها ابا قاسم منى نتيجة ذى ... ود إذا شئت ودا للورى خلصا )
( جاءت تجاوب عما قد بعثت به ... أن كنت تأخذ من در النحور حصى ) وهى طويلة ومما ينسب إليه
( ما للنوى مدت لغير ضرورة ... ولقبل ما عهدى بها مقصورة )
( أن الخليل وأن دعته ضرورة ... لم يرض ذاك فكيف دون ضروره ) وقال مضمنا للثانى
( لا تلمنى عاذلى حين ترى ... وجه من اهوى فلومى مستحيل )

( لو رأى وجه حبيبى عاذلى ... لتفارقنا على وجه جميل ) وأجاب الشريف المذكور عن قصيدة مهموزة بقوله
( يا أوحد الأدباء أو يا اوحد ... الفضلاء أو يا أوحد الشرفاء )
( من ذا تراه أحق منك إذا التوت ... طرق الحجاج بان يجيب ندائى )
( أدب أرق من الهواء وان تشا ... فمن الهوا والماء والصهباء )
( وألذ من ظلم الحبيب وظلمه ... بالظاء مفتوحا وضم الظاء )
( ما السحر إلا ما تصوغ بنانه ... ولسانه من حليه الإنشاء ) وهى طويلة يقول فيها بعد جملة أبيات
( لله نفثه سحر ما قد شدت لى ... من نفث سحرك فى مشاد ثناء )
( عارضت صفوانا بها فأريت ما ... يستعظم الراوى لها والرائى )
( لو راء لؤلؤك المنظم لم يفز ... من نظم لؤلؤه بغير عناء )
( بواتنى منها أجل مبوإ ... فلأخمصى مستوطىء الجوزاء )
( وسما بها اسمى سائرا فانا بما ... أسديت ذو الأسماء فى الأسماء )
( وأشدت ذكري فى البلاد فلى بها ... طول الثناء وان أطلت ثوائى )
( ولقومى الفخر المشيد بنيته ... يا حسن تشييد وحسن بناء )
( فليهن هانيهم يد بيضاء ما ... أن مثلها لك من يد بيضاء )
( حليت أبياتا له لخمية ... تجلى على مضرية غراء )
( فليشمخوا أنفا بما أوليتهم ... يا محرز الآلاء بالإيلاء ) ووصلها بنثر نصه هذا بني وصل الله سبحانه لك ولى بك علو المقدار

وأجرى وفق إرادتك وإرادتى لك جاريات الأقدار ما سنح به الذهن الكليل واللسان الفليل فى مراجعة قصيدتك الغراء الجالبة السراء الآخذة بمجامع القلوب الموفية بجوامع المطلوب الحسنة المهيع والأسلوب المتحلية بالحلى السنية العريقة المنتسب فى العلا الحسنية الجالية لصدإ القلوب ران عليها الكسل وخانها المسعدان السؤل والأمل فمتى حامت المعانى حولها ولو أقامت حولها شكت ويلها وعولها وحرمت من فريضة الفضيلة عولها وعهدي بها والزمان زمان وأحكامها الماضية أمانى مقضية وأمان تتوارد الأفها ويجمع إجماعها وخلافها ويساعدها من الألفاظ كل سهل ممتنع مفترق مجتمع مستأنس غريب بعيد الغور قريب فاضح الحلى واضح العلا وضاح الغرة والجبين رافع عمود الصبح المبين أيد من الفصاحة بأياد فلم يحفل بصاحبى طيىء وإياد وكسى نصاعة البلاغة فلم يعبأ بهمام وابن المراغة شفاء المحزون وعلم سر المخزون ما بين منثوره والموزون والآن لا ملهج ولا مبهج ولا مرشد ولا منهج عكست القضايا فلم تنتج فتبلد القلب الذكى ولم يرشح القلم الزكى وعم الإفحام وغم الإحجام وتمكن الإكداء والإجبال وكورت الشمس وسيرت الجبال وعلت سآمة وغلبت ندامة وارتفعت ملامة وقامت لنوعى الأدب قيامة حتى أذا ورد ذلك المهرق وفرع غصنه المورق وتغنى به الحمام الأورق وأحاط بعداد عداته الغصص والشرق وأمن من ذلك الغصب والسرق وأقبل الأمن وذهب لإقباله الفرق نفخ فى صور أهل المنظوم والمنثور وبعثر ما فى القبور وحصل ما فى الصدور وتراءت للأدب صور وعمرت للبلاغة كور وهمت لليراعة درر ونظمت البراعة درر وعندها تبين أنك واحد حلبة البيان والسابق فى ذلك الميدان يوم الرهان فكان لك القدم وأقر لك مع التأخر السابق الأقدم فوحق نصاعة الفاظ أجدتها حين أوردتها وأسلتها

حين أرسلتها وأزنتها حين وزنتها وبراعة معان سلكتها حين ملكتها وأرويتها حين رويتها أو رويتها وأصلتها حين فصلتها أو وصلتها ونظام جعلته بجسد البيان قلبا ولمعصمه قلبا وهصرت حدائقه غلبا وارتكبت روية صعبا ونثار أتبعته له خديما وصيرته لمدير كأسه نديما ولحفظه ذمامه المدامى أو مدامه الذمامى مديما لقد فتنتني حين أتتنى وسبتنى حين اطبتنى فذهبت خفتها بوقاري ولم يرعها بعد شيب عذاري بل دعت للتصابى فقلت مرحبا وحللت لفتنتها الحبا ولم أحفل بشيب وألفيت ما رد تصابى نصيب وأن كنا فرسى رهان وسابقى حلبة ميدان غير أن الجلدة بيضاء والمرجو الإغضاء بل الإرضاء بنى كيف رأيت للبيان هذا الطوع والخروج فيه من نوع إلى نوع اين صفوان بن إدريس ومحل دعواه بين رحله وتعريس كم بين ثغاء بقر الفلاة وبين الليث ذى الفريس كما أنى أعلم قطعا وأقطع علما وأحكم مضاء وأمضى حكما أنه لو نظر إلى قصيدتك الرائقة وفريدتك الحالية الفائقة المعارضة بها قصيدته المنتسخة بها فريدته لذهب عرضا وطولا ثم اعتقد لك اليد الطولى وأقر فارتفع النزاع وذهبت له تلك العلاقات والأطماع ونسى كلمته اللؤلؤية ورجع عن دعواه الأدبية واستغفر ربه من تلك الألية بنى وهذا من ذلك الجرى فى تلك المسالك والتبسط فى تلك المآخذ والمتارك أينزع غيري هذا المنزع أم المرء بنفسه وابنه مولع حيا الله الأدب وبنيه وأعاد علينا من أيامه وسنيه ما أعلى منازعه وأكبى منازعه وأجل مآخذه وأجهل تاركه واعلم آخذه وأرق طباعه وأحق اشياعه وأتباعه وأبعد طريقه واسعد فريقه وأقوم نهجه وأوثق نسجه وأسمح ألفاظه وأفصح عكاظه وأصدق معانيه وألفاظه وأحمد نظامه ونثاره

وأغنى شعاره ودثاره فعائبه مطرود وعاتبه مصفود وجاهله محصود وعالمه محسود غير أن الإحسان فيه قليل ولطريق الإصابة فيه علم ودليل من ظفر بهما وصل وعلى الغاية القصوى منه حصل ومن نكب عن الطريق لم يعد من ذلك الفريق فليهنك أيها الابن الذكى البر الزكي الحبيب الحفى الصفى الوفى أنك حامل رايته وواصل غايته ليس أولوه وآخروه لذلك بمنكرين ولا تجد أكثرهم شاكرين ولولا أن يطول الكتاب وينحرف الشعراء والكتاب لفاضت ينابيع هذا الفضل فيضا وخرجت الى نوع آخر من البلاغة أيضا قرت عيون أودائك وملئت غيظا صدور أعدائك ورقيت درج الآمال ووقيت عين الكمال وحفظ منصبك العالى بفضل ربك الكبير المتعالى والسلام الأتم الأنم الأكمل الأعم يخصك به من طال فى مدحه إرقالك وإغذاذك وراد روض حمدك وابلك وطلك ورذاذك وغدت مصالح سعيه فى سعى مصالحك وسينفعك بحول الله وقوته وفضله ومنته معاذك ووسمت نفسك بتلميذه فسمت نفسه بأنه أستاذك ابن هانىء وC تعالى وبركاته
وكانت وفاته شهادة فى أواخر ذى القعدة عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة ورثاه شيخنا أبو القاسم الحسنى بقصيدة أثبتت فى اسمه منها
( سقى الله بالخضراء أشلاء سؤدد ... تضمنهن الترب صوب الغمائم ) ورثاه شيخنا أبو بكر ابن شبرين فقال
( قد كان ما قال البريد ... فاصبر فحزنك لا يفيد )
( أودى ابن هانىء الرضى ... فاعتادنى للثكل عيد )
( بحر العلوم وصدرها ... وعميدها إذ لا عميد )

( قد كان زينا للوجود ... ففيه قد فجع الوجود )
( العلم والتحقيق والتوفيق ... والحسب التليد )
( تندى خلائقه فقل ... فيها هى الروض المجود )
( مغض عن الإخوان لا ... جهم اللقاء ولا كنود )
( أودى شهيدا باذلا ... مجهوده نعم الشهيد )
( لم أنسه حين المعارف ... باسمه فينا تشيد )
( وله صبوب فى طلاب ... العلم يتلوه صعود )
( لله وقت كان ... ينظمنا كما نظم الفريد )
( أيام نغدو أو نروح ... وسعينا السعى الحميد )
( وإذا المشيخة جثم ... هضبات حلم لا تميد )
( ومرادنا جم النبات ... وعيشنا خضر برود )
( لهفى على الإخوان ... والأتراب كلهم فقيد )
( لو جئت أوطانى ... لأنكرنى التهائم والنجود )
( ولراع نفسى شيب من ... غادرته وهو الوليد )
( ولطفت ما بين اللحود ... وقد تكاثرت اللحود )
( سرعان ما عاث الحمام ... ونحن أيقاظ هجود )
( كم رمت إعمال المسير ... فقيدت عزمى قيود )
( والآن أخلفت الوعود ... وأخلقت تلك البرود )
( ما للفتى ما يبتغى ... فالله يفعل ما يريد )
( أعلى القديم الملك يا ... ويلاه يعترض العبيد )
( يا بين قد طال المدى ... أبرق وأرعد يا يزيد )

( ولكل شىء غاية ... ولربما لان الحديد )
( ايه أبا عبد الإله ... ودوننا مرمى بعيد )
( أين الرسائل منك ... تأتينا كما نسق العقود )
( اين الرسوم الصالحات ... تصرمت اين العهود )
( أنعم مساء لا تخطيك ... البشائر والسعود )
( وأقدم على دار الرضى ... حيث الإقامة والخلود )
( والق الأحبة حيث دار ... الملك والقصر المشيد )
( حتى الشهادة لم تفتك ... فنجمك النجم السعيد )
( لا تبعدن وعدا لو أن ... البدء فى الدنيا يعود )
( فلئن بليت فان ذكرك ... فى الدنا غض جديد )
( تالله لا تنساك ... أندية العلا ما اخضر عود )
( وإذا تسومح فى الحقوق ... فحقك الحق الأكيد )
( جادت صداك غمامة ... يرمى بها ذاك الصعيد )
( وتعهدتك من المهيمن ... رحمة ابدا وجود )
وقوله أول هذه الرسالة عارضت صفوان بها إلى آخره يعنى بذلك همزية صفوان بن إدريس المشهورة بين أدباء المغرب ولنذكرها إفادة للغرض وهى
( جاد الربى من بانة الجرعاء ... نوءان من دمعى وغيم سماء )
( فالدمع يقضى عندها حق الهوى ... والغيم حق البانة الغناء )
( خلت الصدور من القلوب كما خلت ... تلك المقاصر من مها وظباء )
( ولقد أقول لصاحبى وإنما ... ذخر الصديق لآكد الأشياء )
( يا صاحبى ولا أقل إذا أنا ... ناديت من أن تصغيا لندائى )

( عوجا نجارى الغيث فى سقى الحمى ... حتى يرى كيف انسكاب الماء )
( ونسن فى سقى المنازل سنة ... نمضى بها حكما على الظرفاء )
( يا منزلا نشطت إليه عبرتى ... حتى تبسم زهرة لبكائى )
( ما كنت قبل مزار ربعك عالما ... أن المدامع أصدق الأنوار )
( يا ليت شعرى والزمان تنقل ... والدهر ناسخ شدة برخاء )
( هل نلتقى فى روضة موشية ... خفاقة الأغصان والأفياء )
( وننال فيها من تألفنا ولو ... ما فيه سخنة أعين الرقباء )
( فى حيث اتلعت الغصون سوالفا ... قد قلدت بلآلىء الآنداء )
( وبدت ثغور الياسمين فقبلت ... عنى عذار الآسة الميساء )
( والورد فى شط الخليج كأنه ... رمد ألم بمقلة زرقاء )
( وكان غض الزهر فى خضر الربى ... زهر النجوم تلوح بالخضراء )
( وكأنما جاء النسيم مبشرا ... للروض يخبره بطول بقاء )
( فكساه خلعة طيبة ورمى له ... بدراهم الأزهار رمى سخاء )
( وكأنما احتقر الصنيع فبادرت ... للعذر عنه نغمة الورقاء )
( والغصن يرقص فى حلى أوراقه ... كالخود فى موشيه خضراء )
( وافتر ثغر الأقحوان بما رأى )
( طربا وقهقه منه جرى الماء )
( أفدية من أنس تصرم فانقضى ... فكأنه قد كان فى الإغفاء )
( لم يبق منه غير ذكرى أو منى ... وكلاهما سبب لطول عناء )
( أو رقعة من صاحب هى تحفة ... إن الرقاع لتحفة النبهاء )
( كبطاقة الوشقى إذ حيا بها ... ان الكتاب تحية الخلطاء )
( ما كنت أدرى قبل فض ختامها ... أن البطائق أكؤس الصهباء )
( حتى ثنيت معاطفى طربا بها ... وجررت أذيالى من الخيلاء )
( فجعلت ذاك الطرس كأس مدامة ... وجعلت مهدية من الندماء )
( وعجبت من خل يعاطى خله ... كأسا وراء البحر والبيداء )

( ورأيت رونق خطها فى حسنها ... كالوشى نمق معصم الحسناء )
( فوحقها من تسع آيات لقد ... جاءت بتأييدي على أعدائى )
( فكاننى موسى بها وكانها ... تفسير ما فى سورة الإسراء )
( لو جاء فكر ابن الحسين بمثلها ... صحت نبوته لدى الشعراء )
( سوداء إذ أبصرتها لكنها ... كم تحتها لك من يد بيضاء )
( ولقد رأيت وقد تأوبنى الكرى ... فى حيث شابت لمة الظلماء )
( أن السماء أتى إلى رسولها ... بهدية ضاءت بها أرجائى )
( بالفرقدين وبالثريا أدرجا ... فى الطى من كافورة بيضاء )
( فكفى بذاك الطرس من كافورة ... وبنظم شعرك من نجوم سماء )
( قسما بها وبنظمها وبنثرها ... لقد انتحتنى ملء عين رجائى )
( وعلمت أنك أنت فى ابداعها ... لفظا وخطا معجز النبلاء )
( لا ما تعاطت بابل من سحرها ... لا ما ادعاه الوشى من صنعاء )
( ولقد رميت لها القياد وانها ... لقضية أعيت على البلغاء )
( وطلبت من فكرى الجواب فعقنى ... وكبا بكف الذهن زند ذكائى )
( فلذا تركت عروضها ورويها ... وهجرت فيها سنة الأدباء )
( ويعثتها ألفية همزية ... خدعا لفكر جامع إيبائى )
( علمت بقدرك فى المعارف فانبرت ... من خجلة تمشى على استحياء ) انتهت القصيدة ومن خط ناظمها صفوان نقلتها
رجع
59 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى فى ترجمة أبى محمد عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدي فى التاج ما صورته طويل القوادم والخوافى كلف على كبر سنة بعقائل القوافى شاب فى الأدب وشب ونشق ريح البيان لما هب فحاول رقيقة وجزله وأجاد جده وأحكم هزله فان مدح

صدح وأن وصف أنصف وأن عصف قصف وأن أنشأ ودون وتقلب فى أفانين البلاغة وتلون أفسد ما شاء الله وكون فهو شيخ الطريقة الأدبية وفتاها وخطيب حفلها كلما أتاها لا يتوقف عليه من أغراضها غرض ولا يضيع لديه منها مفترض ولم تزل بروقه تتألق ومعانيه بأذيال الإحسان تتعلق حتى برز فى أبطال الكلام وفرسانه وذعرت القلوب بسطوة لسانه وألقت إليه الصناعة زمامها ووقفت عليه أحكامها وعبر البحر منتجعا بشعره ومنفقا فى سوق الكساد من شعره فأبرق وأرعد وحذر وأوعد وبلغ جهد إمكانه فى التعريف بمكانه فما حرك ولا هز وذل فى طلب الرفد وقد عز وما برح أن رجع الى وطنه الذى اعتاده رجوع الحديث إلى قتاده وقد أثبت من نزعاته وبعض مخترعاته ما يدل على سعة باعه ونهضة ذراعه فمن النسيب قوله
( ما للمحب دواء يذهب الألما ... عنه سوى لمم فيه ارتشاف لمى )
( ولا يرد عليه نوم مقلته ... إلا الدنو إلى من شفه سقما )
( يا حاكما والهوى فينا يؤيده ... هواك فى بما ترضاه قد حكما )
ثم سردها وقال فى المديح
( إليك جد بى التسيار تأميلا ... فلى على فضلك المأمول تعويلا )
( الحمد لله حمدا لا كفاء له ... بسعد أيامك المأمول قد نيلا )
( يا راغبا مرتجاه دفع معضلة ... فصبره بصروف الدهر قد عيلا )
( ألمم بحضرة ملك كل مفتخر ... بالملك يوليه بالتعظيم ترسيلا )
( فرع من الدوحة النصرية اجتمعت ... فيه الفضائل تتميما وتكميلا )
( لديه مما لدى الصديق تسمية ... وميسم وكفاه ذاك تفضيلا )

60 - وقال لسان الدين فى الإكليل فى ترجمة أبى الحسن على بن إبراهيم ابن على بن خطاب السكاك من أهل غرناطة ما صورته متسور على بيوت القريض فى الطويل من الكلام والعريض ممن أطاعته براعة الخط وسلمت لأقلامه رماح الخط عانى كتابة الشروط لأول أمره ثم ألظت به محنته على توفر خصاله ونبل خلاله وهو الآن من كتاب ديوان الحساب يتعلل من الأمور المخزنية ببعض الألقاب انتهى
61 - وقال فى التاج فى ترجمة أبى الحسن على بن محمد بن عبد الحق ابن الصباغ العقيلي الغرناطى ما صورته اللسن العارف الناقد لجواهر المعانى كما يفعل بالسكة الصيارف والأديب المجيد الذى تحلى به للعصر النحر والجيد أن أجال جياد براعته فضح فرسان المهارق وأخجل بين بياض طرسه وسواد نقسه الطرر تحت المفارق وأن جلا أبكار أفكاره وأثار طير البيان من أوكاره سلب الرحيق المقدم فضل إسكاره إلى نفس لا يفارقها ظرف وهمه لا يرتد اليها طرف وإبانة لا يفل لها غرب ولا حرف وله أدب غض زهرة على مجتنيه منفض كتبت إليه أستنجز وعده فى الإتحاف برائقه والإمتاع بزهر حدائقه قولى
( عندي لموعدك افتقار محرج ... وعهودك افتقرت إلى إنجازها )
( والله يعلم فيك صدق مودتى ... وحقيقة الأشياء غير مجازها )
فاجابنى بقوله
( يا مهدى الدر الثمين منظما ... كلما حلال السحر فى ايجازها )
( أدركت حلبات الأوائل وانيا ... ورددت أولاها على أعجازها )

( أحرزت فى المضمار خصل سباقها ... ولأنت أسبقهم الى إحرازها )
( حليت بالسمطين منى عاطلا ... وبعثت من فكرى فتاه مفازها )
( فلأنجزن مواعدي مستعطفا ... فاسمح وبالإغضاء منك فجازها )
وقال فى الإحاطة فى حق المذكور إنه من أهل الفضل والسراوة والرجولة والجزالة فذ فى الكفاية ظاهر السذاجة والسلامة مصعب لأضداده شديد العصبية لأولى وداده يشتمل على خلال من خط بارع وكتابة حسنة وشعر جيد ومشاركة فى فقه وأدب ووثيقة ومحاضرة ممتعة ناب عن بعض القضاة وكتب الشروط وارتسم فى ديوان الجند وكتب عن شيخ الغزاة أبى زكريا يحيى بن عمر على عهده ثم انصرف إلى العدوة سابغ عشر جمادى الأولى من عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة فارتسم فى الكتابة السلطانية منوها به مستعملا فى خدم مجدية بان غناؤه فيها وظفرت كفايتة انتهى وقد وصفه بصاحبنا ثم قال ومن شعر المذكور قوله
( ليت شعري والهوى امل ... وأمانى الصب لا تقف )
( هل لذاك الوصل مرتجع ... أو لهذا الهجر منصوف )
وقال
( وظبى سبى بالطرف والعطف والجيد ... وما حاز من غنج ولين ومن غيد )
( أشرت اليه بالدنو مداعبا ... فقال أيدنو الظبى من غابة الأسد ) وقال فى مبدإ قصيدة مطولة
( حديث المغانى بعدهن شجون ... وأوجه أيام التباعد جون )

( لحا الله أيام الفراق فكم شجت ... وغادرت الجذلان وهو حزين )
( وحيا ديارا فى ربى أغرناطة ... وأنى بذاك القرب منك ضنين )
( لأرخصت فيها من شبابى ما غلا ... وعزمى على مال العفاف أمين )
( خليلي لا امر باربعها قفا ... فعندى إلى تلك الربوع حنين )
( الم تريانى كلما ذر شارق ... تضاعف عندى عبرة وأنين )
( إذا لم يساعدنى أخ منكما فلا ... حدت لخؤون بعد ذاك أمون )
( اليس عجيبا فى البرية من له ... إلى عهد إخوان الزمان ركون )
( فلا تثقن من ذى وفاء بعهده ... فقد اجن السلسال وهو معين )
( لقلبى عذر فى فراق ضلوعه ... وللدمع فى ترك الشؤون شؤون )
( ومن ترك الحزم المعين فانه ... لعان بأيدى الحادثات رهين )
( رعى الله ايامى الوثيق ذمامها ... فإن مكانى فى الوفاء مكين )
( ولم أر مثل الدهر أما عدوه ... فحب وأما خله فخؤون )
( ولولا أبو عمرو وجود بنانه ... لما كان فى هذا الزمان معين ) وقال
( زار الخيال ويا لها من لذة ... لكن لذات الخيال منام )
( ما زلت ألثم مبسما منظومه ... در ومورده الشهى مدام )
( وأضم غصن البان من أعطافه ... وأشم مسكا فض عنه ختام )
مولده عام ستة وسبعمائة وتوفى بفاس وقد تخلفه السلطان كاتب ولده عند توجهه لإفريقية فى العشرين من رمضان عام ثمانية وخمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى

وقد وهم لسان الدين فى شهر وفاة المذكور وإنما الصواب أنة توفى يوم الأحد ثامن شوال فاعلم ذلك والله سبحانه أعلم رجع
62 - وقال فى التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى وفى الإكليل الزاهر فيمن فضل عند نظم التاج من الجواهر وغيرهما مما ثبت فى حلى رؤساء الكتاب وحاملى ألوية الآداب فى ترجمة شيخه ابن الجياب ما نصه صدر الصدور الجلة وعلم أعلام هذه الملة وشيخ الكتابة وبانيها وهاصر أفنان البدائع وجانيها اعتمدته الرياسة فناء بها على حبل ذراعه واستعانت به السياسة فدارت أفلاكها على قطب من شباة يراعه فتفيأ للعناية ظلا ظليلا وتعاقبت الدول فلم تر به بديلا من ندب على علوه متواضع وحبر لثدى المعارف راضع لا تمر مذاكرة فى فن إلا وله فيه التبريز ولا تعرض جواهر الكلام على محكات الأفهام إلا وكلامه الإبريز حتى أصبح الدهر راويا لإحسانه وناطقا بلسانه وغرب ذكره وشرق وأشام واعرق وتجاوز البحر الأخضر والخليج الأزرق إلى نفس هذبت الآداب شمائلها وجادت الرياضة خمائلها ومراقبة لربه واستنشاق لروح الله من مهبه ودين لا يعجم عوده ولا تخلف وعوده وكل ما ظهر علينا معشر بنيه من شارة تجلى بها العين أو إشارة كما سبك اللجين فهى اليه منسوبة وفى حسناته محسوبة فإنما هى انفس راضها بآدابه وأعلقها بأهدابه وهذب طباعها كالشمس تلقى على النجوم شعاعها والصور الجميلة تترك فى الأجسام الصقيلة انطباعها وما عسى أن أقول

فى إمام الأئمة ونورالدياجى المدلهمة والمثل السائر فى بعد الصيت وعلو الهمة وقد أثبت من عيون قصائده وأدبه الذى علق الإحسان فى مصايده كل وثيق المعنى كريم المجنى جامع بين حصافة اللفظ ولطافة المعنى انتهى
والمذكور له ترجمة فى هذا الكتاب فى باب مشيخة لسان الدين فلتراجع
63 - وقال فى الإكليل فى حق عمر بن على بن غفرون الكلبى من أهل منتفريد ما صورته شيخ خدم قام له الدهر فيها على قدم وصاحب تعريض ودهاء عريض وفائز من الدول النصرية باياد بيض أصله من حصن منتفريد خدم به الدولة النصرية عند انتزاء أهله وكان ممن استنزلهم من حزنه إلى سهله وحكم الأمر الغالبي فى يافعه وكهله فكسب حظوة أرضته ووسيلة أرهفته وأمضته حتى عظم جاهة وماله وبسقت آماله ثم دالت الدول وتنكرت أيامه الأول وتغلب من يجانسة وشقى بمن كان ينافسه فجف عوده والتائت سعوده وهلك والخمول يظله والدهر يقوته من صبابه حرث كان يستغله وله شعر لم يتقنه النظر ولا وضحت منه الغرر توفى فى ذى الحجة عام أربعة واربعين وسبعمائة انتهى
64 - وقال فى الإكليل فى حق قاسم بن محمد بن الجد الفهرى المرى ما صورته هو من أئمة اهل الزمام خليق برعى الذمام ذو حظ كما تفتح زهر الكمام وأخلاق اعذب من ماء الغمام كان ببلده حاسبا ودرا فى لجة الإغفال راسبا صحيح العمل يلبس الطروس من براعته أسنى الحلل قال يمدح السلطان
( أرى اوجه الأيام قد اشرقت بشرا ... فقل لى رعاك الله ما هذه البشرى )
( وما بال انفاس الخزامى تعطرت ... فأرجت الأرجاء من نفحها عطرا )

( ونقبت الشمس المنيرة وجهها ... قصورا عن الوجه الذى أخجل البدرا )
وهى طويلة توفى المذكور عام خمسين وسبعمائة بالطاعون
65 - وقال فى الإكليل فى حق أبى عثمان سعيد الغسانى ما صورته هو ممن يتشوق إلى المعرفة والمقالات ويتسق الى الحقائق والمحالات ويشتمل على نفس رقيقة ويسير من تعليم القرآن على خير طريقة ويعانى من الشعر ما يشهد بنبله ويستظرف من مثله انتهى
66 - وقال فى الإكليل فى ترجمة أبى الحجاج يوسف بن على الطرطوشى ما صورته روض ادب لا تعرف الذواء أزهاره ومجموع فضل لا تخفى آثاره كان فى فنون الأدب مطلق الأعنة وفى معاركه ماضى الظبى والأسنة فإن هزل وإلى تلك الطريقة اعتزل أبرم من الغزل ما غزل وبزل من دنان راحة ما بزل وأن صرف إلى المغرب غرب لسانه وأعاره لمحة من إحسانه أطاعه عاصية واستجمعت لدية اقاصية ورد على الحضرة الأندلسية والدنيا شابة وريح القبول هابة فاجتلى محاسن أوطانها وكتب عن سلطانها ثم كر إلى أوطانه وعطف واسرع اللحاق كالبارق إذا خطف وتوفى عن سن عالية وبرود من العمر غالية
67 - وقال فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن أحمد بن المتأهل العذري من أهل وادي آش ما صورته رجل غليظ الحاشية معدود فى جنس السائمة والماشية تليت على العمال به سورة الغاشية ولى الأشغال السلطانية فذعرت الجباة لولايته وأيقنوا بقيام قيامتهم لطلوع آيته وقنطوا كل القنوط وقالوا جاءت الدابة تكلمنا وهى إحدى الشروط من رجل صائم الحشوة بعيد عن المصانعة والرشوة يتجنب الناس ويقول عند المخالطة لهم لا مساس عهدي

به فى الأعمال يحبط ويتبر وهو يهلل ويكبر ويحسن ويقبح وهو يسبح وقال يخاطب بعض أمراء الدولة
( عمادي ملاذى موئلى ومؤملى ... ألا انعم بما ترضاه للمتأهل )
( وحقق بنيل القصد منك رجاءه ... على نحو ما يرضيك يا ذا التفضل )
( فأنت الذى فى العلم يعرف قدره ... بخير زمان فيه لا زلت تعتلى )
( فهنيت يا معنى الكمال برتبة ... تقر لكم بالسبق فى كل محفل )
توفى عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة
انتهى وتذكرت بقوله ويحسن ويقبح وهو يسبح قول الآخر
( قد بلينا بأمير ... ظلم الناس وسبح )
( فهو كالجزار فيهم ... يذكر الله ويذبح ) رجع 68 - وقال لسان الدين فى ترجمة أبى عبد الله ابن باق من التاج ما صورته مدير أكؤس البيان المعتق ولعوب بأطراف الكلام المشقق انتحل لأول أمره الهزل من أصنافه فأبرز در معانية من أصدافه وجنى ثمرة الإبداع لحين قطافه ثم تجاوزه إلى المغرب وتخطاه فأدار كأسه المترع وعاطاه فأصبح لفنيه جامعا وفى فلكيه شهابا لامعا وله ذكاء يطير شرره وإدراك تتبلج غرره وذهن يكشف الغوامض ويسبق البارق الوامض وعلى ذلاقة لسانه وانفساح امد إحسانه فشديد الصبابة بشعره مغل لسعره انتهى والمذكور هو محمد بن إبراهيم بن على باق الأموي مرسي الأصل غرناطي النشأة مالقى الاستيطان
وقال فى عائد الصلة كان رحمه الله تعالى كاتبا أديبا ذكيا لوذعيا يجيد

الخط ويرسل النادرة ويقدم على العمل ويشارك فى الفريضة وبذ السباق فى الأدب الهزلى المستعمل بالأندلس غبر زمانا من عمره محارفا للفاقة يعالج بالأدب الكدية ثم استقام له الميسم وأمكنه البخت من امتطاء غاربه فأنشبت الحظوة فيه أناملها بين كاتب وشاهد وحاسب ومدير تجر فأثرى ونما ماله وعظمت حاله عهد عندها شارف الرحيل بجملة تناهز الألف من العين لتصرف فى وجوه من البر فتوهم انها كانت زكاة أمسك بها انتهى
وقال أيضا أخبرنى الكاتب ابو عبد الله ابن سلمة انه خاطبه بشعر أجابه عنه بقوله فى رؤية
( أحرز الخصل من بنى سلمة ... كاتب تخدم الظبى قلمة )
( يحمل الطرس من أنامله ... أثر الحسن كلما رقمه )
( وتمد البيان فكرته ... مرسلا حيث يممت ديمه )
( خصنى متحفا بخمس إذا ... بسم الروض فقن مبتسمه )
( قلت أهدى زهر الربى خضلا ... فإذا كل زهرة كلمه )
( أقسم الحسن لا يفارقها ... فأبر انتقاؤها قسمه )
( خط أسطارها ونمقها ... فأتت كالعقود منتظمة )
( كاسيا من حلاه لى حللا ... رسمها من بديع ما رسمه )
( طالبا عند عاطش نهلا ... ولديه الغيوث منسجمه )
( يبتغى الشعر من أخى بله ... أخرس العى والقصور فمه )
( أيها الفاضل الذى حفظت ... ألسن المدح والثنا شيمه )
( لا تكلف اخاك مقترحا ... نشر عار لديه قد كتمه )
( وابق فى عزة وفي دعة ... ضافى العيش واردا شبمه )
( ما ثنى الغصن عطفه طربا ... وشدا الطير فوقه نغمه ) ورأيت على هامش هذه القصيدة بخط ابى الحسن على بن لسان الدين ما صورته

نعم ما خاطب به شيخنا وبركة أهل الأندلس وصدر صدورهم أبا عبد الله ابن سلمة ومن لفظه سمعتها بالقاهرة وأنها لمن النظم العالى المتسق نسق الدر فى العقود رحمه الله تعالى قاله ابن المؤلف انتهى
وقرأ ابن باق المذكور على الأستاذ أبى جعفر ابن الزبير والخطيب أبى عثمان ابن عيسى وتوفى بمالقة فى اليوم الثامن والعشرين لمحرم فاتح عام اثنين وخمسين وسبعمائة وأوصى بعد أن يحفر قبره بين شيخيه الخطيبين أبى عبد الله الطنجالى وأبى عثمان ابن عيسى إن يدفن به وإن يكتب على قبره هذه الأبيات
( ترحم على قبر ابن باق وحيه ... فمن حق ميت الحي تسليم حيه )
( وقل آمن الرحمن روعه خائف ... لتفريطه فى الواجبات وغيه )
( قد اختار هذا القبر فى الأرض راجيا ... من الله تخفيفا بقدر وليه )
( فقد يشفع الجار الكريم لجاره ... ويشمل بالمعروف أهل نديه )
( وأنى بفضل الله اوثق واثق ... وحسبى وأن أذنبت حب نبيه ) انتهى
69 - وقال لسان الدين فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن إبراهيم بن سالم ابن فضيلة المعافري المرى المدعو بالنتو من الإكليل ما نصه شيخ أخلاقه لينة ونفسه كما قيل هينة ينظم الشعر سهلا مساقه محكما اتساقه على فاقة ما لها من إفاقة انشد المقام السلطانى بظاهر بلده قوله
( سرت ريح نجد من ربى أرض بابل ... فهاجت إلى مسرى سراها بلابلى )
( وذكرنى عرف النسيم الذى سرى ... معاهد احباب سراه افاضل )
( فأصبحت مشغوفا بذكر منازل ... ألفت فواشوقى لتلك المنازل )
( فيا ريح هبى بالبطاح وبالربى ... ومرى على أغصان زهر الخمائل )
( وسيري بجسمى للتى الروح عندها ... فروحى لديها من أجل الوسائل )

( وقولى لها عنى معناك بالنوى ... له شوق معمود وعبرة ثاكل )
( فيا بابى هيفاء كالغصن تنثنى ... تقد بقد كاد ينقد مائل )
وهى طويلة
ومن شعر المذكور قوله من قصيدة
( بهرت كشمس فى غلاله عسجد ... وكبدر تم فى قضيب زبرجد )
( ثم انثنت كالغصن هزته الصبا ... طربا فتزرى بالغصون الميد )
( حوراء بارعة الجمال غريرة ... تزهى فتزرى بالقضيب الأملد )
( أن أدبرت لم تبق عقل مدبر ... أو أقبلت قتلت ولكن لا تدي )
قال القاضى أبو البركات ابن الحاج وابتلى المذكور باختصار كتب الناس فمن ذلك مختصره المسمى الدرر الموسومة فى اشتقاق الحروف المرسومة وكتاب حكايات يسمى دوحة الجنان وراحة الجنان وغير ذلك
وقال أبو البركات وسألته عن مولده فقال لى اليوم ستون سنة وقال ذلك ليلة الخميس السابع والعشرين لذى قعده عام اربعين وسبعمائة وتوفى آخر رمضان من عام تسعة واربعين رحمه الله تعالى انتهى رجع
70 - قال لسان الدين فى الإكليل فى ترجمة الكاتب صاحب العلامة أبى العباس احمد بن على المليانى المراكشى ما نصه الصارم الفاتك والكاتب الباتك اي اضطراب فى وقار وتجهم تحته انس العقار اتخذه ملك المغرب صاحب علامته وتوجه تاج كرامته وكان يطالب جملة من أشياخ مراكش بثار عمه ويطوقهم دمه بزعمه ويقصر على الاستنصار منهم بنات همه إذ سعوا فيه حتى اعتقل ثم جدوا فى امره حتى قتل فترصد كتابا إلى مراكش

يتضمن امرا جزما ويشمل من أمور الملك عزما جعل فيه الأمر بضرب رقابهم وسبى اسبابهم ولما اكد على حامل فى العجل وضايقه فى تقدير الأجل تانى حتى علم أنه قد وصل وان غرضه قد حصل فر إلى تلمسان وهى بحال حصارها فاتصل بانصارها حالا بين أنوفها وأبصارها وتعجب من فراره وسوء اغتراره ورجمت الظنون فى آثاره ثم وصلت الأخبار بتمام الحيلة واستيلاء القتل على أعلام تلك القبيلة فتركها شنيعة على الأيام وعارا فى الأقاليم على حملة الأقلام وأقام بتلمسان إلى أن حل مخنق حصرها وازيل هميان الضيقة عن خصرها فلحق بالأندلس ولم يعدم برا ورعيا مستمرا حتى أتاه حمامه وانصرمت أيامه انتهى
والمذكور ترجمه فى الإحاطة بقوله صاحب العلامة بالمغرب الكاتب الشهير البعيد الشأو فى اقتضاء الترة المثل المضروب فى الهمة وقوة الصريمة ونفاذ العزيمة
حالة - كان نبيه البيت شهير الأصالة رفيع المكانة على سجية غريبة من الوقار والانقباض والصمت آخذا بحظ من الطب حسن الخط مليح الكتابة قارضا للشعر تذهب نفسه فيه كل مذهب
وصمته فتك فتكه شهيرة أساءت الظن بحملة الأقلام على ممر الدهر وانتقل إلى الأندلس بعد مشقة
شعره من شعره الذى يدل على بأوه وانفساح خطاه فى النفاسة وبعد شأوه قوله
( العز ما ضربت عليه قبابى ... والفضل ما اشتملت عليه ثيابى )

( والزهر ما أهداه غصن براعتى ... والمسك ما أبداه نقس كتابى )
( فالمجد يمنع أن يزاحم موردى ... والعزم يابى أن يضام جنانى )
( فإذا بلوت صنيعة جازيتها ... بجميل شكرى أو جزيل ثوابى )
( وإذا عقدت مودة أجريتها ... مجرى طعامى من دمى وشرابى )
( وإذا طلبت من الفراقد والسها ... ثارا فاوشك أن أنال طلابى )
وفاته توفى بغرناطة يوم السبت تاسع ربيع الآخر عام خمسة عشر وسبعمائة ودفن بجبانه باب البيرة تجاوز الله تعالى عنه انتهى
رجع إلى نثر ابن الخطيب رحمه الله تعالى
71 - فمن ذلك قوله فى الروضة فى ترجمة ضخام الغصون من شجرة السر المصون ما صورته وهى التى أفاءت الظل الظليل وزانت المراى الجميل وتكفلت لمحاسن الشجرة الشماء بالتكفيل وتتعدد إلى غصون المحبوبات وأقسام موضوعاتها المكتوبات وغصن المحبين أصنافهم المرتبين وغصن علامات المحبة وشواهد النفوس الصبة وغصن الأخبار المنقولة عن ذوى النفوس المصقولة وعند تعين هذه الأغصان المقسومة كمل شكل الشجرة المرسومة والسرحة الموصوفة الموسومة ففاءت الظلال وكرمت الخلال فحيي من تفرد وتوجد واستظل من استهدى واسترشد ووقف الهائم فخطب وأنشد
( يا سرحة الحى يا مطول ... شرح الذى بيننا يطول )
( عندى مقال فهل مقام ... تصغين فيه لما أقول )
( ولى ديون عليك حلت ... لو أنه ينفع الحلول )

( ماض من العيش كان فيه ... منزلنا ظلك الظليل )
( زال وماذا عليه ماذا ... يا سرح لو لم يكن يزول )
( حيا عن المذنب المعنى ... منبتك القطر والقبول )
وقال رحمه الله تعالى فصول فى المعرفة تغازل بها عيون الإشارة إذا قصرت عن تمام المعنى السن العبارة ولله در القائل
( وإذا العقول تقاصرت عن مدرك ... لم تتكل الا على أذواقها )
المعرفة اختراق المراتب الحسية والنفوس الجنسية والعقول القدسية والبروز إلى فضاء الأزل إذا فنى من لم يكن وبقى من لم يزل مع عمران المراتب ورؤية الجائز فى الواجب
( ومن عجب أنى احن اليهم ... وأسال شوقا عنهم وهم معى )
( وتبكيهم عينى وهم فى سوادها ... ويشكو النوى قلبى وهم بين أضلعى )
المعرفة مقام يأتلف من جمع مفروق وأفول وشروق وسل عروق ورد مسروق حتى يذهب الكيف والأين ويتعين العين فيجمع العدد ويجمل وينحى السوى ومع ذلك لا يهمل
( للعدا منك نصيب ... ولك السهم المصيب )
( أنما يومك يومان ... خصيب وعصيب )
المعرفة مقام سامى المنعرج عاطر الأرج ينقل من السعة إلى الحرج ومن الشدة إلى الفرج
( طريقك لا تخفى به إن تتبعت ... خطاك ولا يخفى مبيتك فيه )
( متاعك منشور على كل خيمة ... ورؤياك أمن من ترفع تيه )

المعرفة عين أن لم تبصر أجزاءها أحسن الله عزاءها وحقيقة أن لم يجعل الفراق إزاءها كانت الغيرة جزاءها فهى دائرة مركزها يجمع ومحيطها فى التفريق يطمع يستقل الملك أجمع ويرى من يرى ويسمع من يسمع
( بعد المحيط من المحدد واحد ... والكل فى حق الوجود سواء )
( والحق يعرف ذاته من ذاته ... صح الهوى فتلاشت الأهواء )
المعرفة صعود ونزول ووقوف ووصول فلا الوصول عن البداية يقطع ولا البداية عن النهاية تمنع
( من له الأمر اجمع ... كل ما شاء يصنع )
( حصل القصد واستقر ... فلم يبق مطمع ) العارف فى البداية يشكر الراكع والساجد ثم يعذر الواجد المتواجد ثم يرجم المنكر الجاحد فإذا انتهى ورد العدد إلى الواحد قال لسان حاله
( من رأى لى نشيدة ... أو على عينها أثر )
( فله الحكم قل له ... ذهب العين والأثر ) إلى أن قال قال الرئيس العارق هش بش بسام فيجل الصغير من تواضعه مثلما يجل الكبير ويبسط من الخامل مثلما يبسط من النبيه ثم علل فقال وكيف لا يهش وهو فرحان بالحق وبكل شىء فإنه يرى فيه الحق أنى لأجد ريح يوسف
( لمعت نارهم وقد عسعس الليل ... وضج الحادى وحار الدليل )
( فتأملتها وقلت لصحبى ... هذه النار نار ليلى فميلوا )

العارف شجاع وكيف لا وهو بمعزل عن هيبة الموت وجواد وكيف لا وهو بمعزل عن صحبة الباخل وصفاح وكيف لا ونفسه أكبر من أن تحرجها زلة بشر ونساء للأحقاد وكيف لا وذكره مشغول بالحق وقالوا من عرف الله تعالى صفا له العيش وطابت له الحياة وهابة كل شىء وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله رب العالمين
الشبلى ليس لعارف علاقة ولا لمحب شكوى ولا لعبد دعوى من عرف الله سبحانه انقطع بل خرس وانقمع لا أحصى ثناء عليك انت كما أثنيت على نفسك انتهى
72 - وقال رحمه الله تعالى فى بعض تراجم الروضة الفرع الصاعد إلى الهواء على خط الاستواء من رأس العمود القائم إلى منتهى الوجود الدائم ويشتمل على قشر لطيف وجرم شريف وأفنان ذوات الوان قنوان وغير قنوان وطلع نضيد وجنى سعيد فالقشر الحدود والرسوم وخواص العارف الذى هو المعروف بها والموسوم والفنون التى يقوم عليها والعلوم والجرم ظاهر الخلق المقسوم وعلاجه كما تعالج الجسوم وباطنه المجاهدات التى عليها يقوم وقلبه الرياضة والغصون المقامات فيها المقام المعلوم ومادتها السلوك الذى بتدريج غذائه تبلغ الأفنان والورقات ما تروم والزهرات اللوائح والطوالع والبواده التى لها الهجوم والواردات التى تدوم أو لا تدوم ثم الجنى وهو الولاية التى كان الغارس عليها يحوم انتهى ثم فصل الكل رحمه الله تعالى فليراجعه من أراده
73 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه على لسان سلطانه للأمير يلبغا الخاصكى وهو إلى الأمير المؤتمن على أمر سلطان المسلمين

المقلد بتدبيره السديد قلادة الدين المثنى على رسوم بره لمقامه لسان الحرم الأمين الآوى من مرضاة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم إلى الربوة ذات القرار والمعين المستعين من الله تعالى على ما تحمله وأمله بالقوى المعين سيف الدعوة ركن الدولة قوام الملة مؤمل الأمة تاج الخواص أسد الجيوش كافى الكفاة زين الأمراء علم الكبراء عين الأعيان حسنة الزمان الأجل المرفع الأسنى الكبير الأشهر الأسمى الحافل الفاضل الكامل المعظم الموقر الأمير الأوحد يلبغا الخاصكى وصل الله له سعادة تشرق غرتها وصنائع تسح فلا تشح درتها وأبقى تلك المثابة قلادة الله تعالى وهو درتها
سلام كريم طيب بر عميم يخص إمارتكم التى جعل الله تعالى الفضل على سعادتها أمارة واليسر لها شارة فيساعد الفلك الدوار مهما أعملت إدارة وتمتثل الرسوم كلما أشارت إشارة
أما بعد حمد الله تعالى الذى هو يعلمه فى كل مكان من قاص ودان وإليه توجه الوجوه وأن اختلفت السير وتباعدت البلدان ومنه يلتمس الإحسان وبذكره ينشرح الصدر ويطمئن القلب ويمرح اللسان والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله العظيم الشان ونبيه الصادق البيان الواضح البرهان والرضى عن آله واصحابه وأحزابه أحلاس الخيل ورهبان الليل وأسود الميدان والدعاء لإمارتكم السعيدة بالعز الرائق الخبر والعيان والتوفيق الوثيق البنيان فانا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم حظا من فضله وافرا وصنعا عن محيا السرور سافرا وفى جو الإعلام بالنعم الجسام مسافرا من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى دار ملك الأندلس دافع الله سبحانه عن حوزتها كيد العداة واتحف نصلها ببواكر النصر المهداة ولا رائد إلا الشوق إلى التعارف بتلك الأبواب الشريفة التى انتم عنوان كتابها المرقوم وبيت قصيدها المنظوم والتماس بركتها الثابتة الرسوم وتقرير المثول فى سبيل زيارتها بالارواح عند تعذره بالجسوم وإلى هذا فاننا كانت بين سلفنا تقبل الله تعالى جهادهم وقدس

نفوسهم وأمن معادهم وبين تلك الأبواب كما عرفتم من عدلها وإفضالها مراسلة ينم عرف الخلوص من خلالها وتسطع أنوار السعادة من آفاق كمالها وتلتمح من أسطار طروسها محاسن تلك المعاهد الزاكية المشاهد وتعرب عن فضل المذاهب وكرم المقاصد اشتقنا إلى أن نجددها بحسن منابكم ونواصلها بمواصلة جنابكم ونغتنم فى عودها الحميد مكانكم ونؤمل لها زمانكم فخاطبنا الأبواب الشريفة فى هذا الغرض مخاطبة خجلة من التقصير وجلة من الناقد البصير ونؤمل الوصول فى خفارة يدكم التى لها الأيادي البيض والموارد التى لا تغيض ومثلكم من لا تخيب المقاصد فى شمائله ولا تضحى المآمل فى ظل خمائله فقد اشتهر من حميد سيركم ما طبق الآفاق وصحب الرفاق واستلزم الإصفاق وهذه البلاد مباركة ما أسلف أحد فيها مشاركة إلا وجدها فى نفسه ودينه وماله وعياله والله سبحانه أكرم من وفى لأمرىء بمكياله والله عز و جل يجمع القلوب على طاعته وينفع بوسيلة النبى صلى الله عليه و سلم الذى نعول على شفاعته ويبقى تلك الأبواب ملجأ للإسلام والمسلمين وظلا لله تعالى على العالمين وإقامة لشعائر الحرم الأمين ويتولى إعانه امارتكم على وظائف الدين ويجعلكم ممن أنعم الله تعالى عليه من المجاهدين والسلام الكريم يخصكم وC تعالى وبركاته انتهى
74 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى قوله فى قضية امتناع بعض الموثقين من أكل طعامه بمدينة سلا وقد صدر به كتابه المسمى ب مثلى الطريقة فى ذم الوثيقة وهذا نصه أما بعد حمد الله الذى قرر الحكم وأحكمه وبين الحلال من الحرام بما اوضحه من الأحكام وعلمه ونوع جنس المعاش وقسمه وماز كل نوع منه ووسمه فأثبته متفاوتا فى درجات التفضيل ورسمه والصلاة والسلام على مولانا محمد رسوله الذى فضله على الأنبياء وقربه وطهر من دنس الشبهات شيمه فما استعمله فى غير طاعته ولا استخدمه ولا أعمل فى سوى

البر والهدى بنانه ولا قدمه والرضى عن آله وأصحابه الذين رعوا ذممه واستمطروا ديمه وتواصوا من أجله بالبر وتواصوا بالمرحمة فهذا كتاب مثلى الطريقة فى ذم الوثيقة دعا إلى جمعه قلة الإنصاف من المداهن والمعاصر والمباهت فى مدرك النور الباصر ورضى مظنة النيل منهم بالباع القاصر والمناضلة عن الحمى الذى لم يؤيده الحق بالولى ولا بالناصر ولوضعه حكاية ولنفثته شكاية إذ معرفة الأشياء بعللها مما يتشوق إليه ويحرص عليه وهو أنى لما قدمت على مدينة فاس حرسها الله تعالى مستخلصا بشفاعة الخلافة ذات الإنافة مستدعى برسالة الإيالة ذات الجلالة فانسحب والمنة لله الستر وانفسح الفتر وشفع من النعم الوتر واقتدى المرؤوس بالرئيس وتنافس الأعلام فى التأنيس واتصل الاحتفاء والاستدعاء وانتخب الموعى والوعاء وأخذ أعقاب الطيبات الوضوء والطيب والدعاء تعرفت فيمن جمعته الأخونة والمداعى المتعينة برجل من نبهاء موثقيها غرنى بمخيلة البشاشة التى يستفز بها الغريب ويستخلص هوى من لم يعمل التجريب فأنست بمكانه واستظهرت على ما يعرض من مكتتب بدكانه وشأنى فى الاغتباط بمن عرفت شانى فلست للمقة بشانى واسترسالى حتى لمن أسا لى طوع عنانى
( أفادتكم النعماء منى ثلاثة ... ضميرى ويتلوه يدى ولسان )
ولم يك إلا أن حللت بمدينة سلا حرسها الله تعالى مقصود المحل وإن رغم الدهر الذى رمى فأقصد معتمدا بفتوحات الله تعالى وإن أرتج الباب بزعمه وأوصد مصحبا بمدد عنايته وإن كمن وارصد لا يمر فاضل الا عرج على مثواى واتى من البر فوق هواي وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وتعرفت عن صاحبى الفاسى أنه قدم علينا من سخر عملية فلا لها الدسر المنهوبة وتخللها المسبعة المرهوبة واغتذى الأطعمة التى مرقتها الدموع ومطبختها الحمى المروع واستقر بالمدينة بعد إن لان وضرع وجدل وصرع نافق البقلة كاسد الورع

ونزل بمثوى خمول ومحط مجهول وكنف ممقوت وجوار لا يبخل بغيبة ولا يسمح بقوت فبادرت استدعاءه بفاضل من الطلبة ممن يتلقى به الوارد ويقتاد الشارد وقد أغرب بقراءة الاحتفاء والاحتفال واجنب الإغفاء والإغفال وجهزت السرايا إلى التماس نعم الله تعالى فحلت الأنفال فلما عرض عليه الدعوة تعجزف ونفر ولما مسح عطفه بالاستنزال نزا وطفر حتى بهت الرسول كما بهت الذى كفر وآب يحمل عذرا باردا واحتجاجا شاردا فأقطعته جانب شماسه وخليت بينه وبين وسواسه ومن الغد قصدنى فاعتذر وأكثر الهذر ولم ينبت الله النبات الحسن شيئا مما بذر وكان جوابى اياه ما نصه
( أبيتم دعوتى إما لبأو ... وتابى لومة مثلى الطريقة )
( وبالمختار للناس اقتداء ... وقد حضر الوليمة والعقيقة )
( وغير غريبة ان رق حر ... على من حاله مثلى رقيقة )
( واما زاجر الورع اقتضاها ... ويابى ذاك دكان الوثيقة )
( وغشيان المنازل لاختيار ... يطالب بالجليلة والدقيقة )
( شكرت مخيلة كانت مجازا ... لكم وحصلت بعد على الحقيقة )
وذاع خبرها فقلبت عنها الجنوب وكلف بها الطالب والمطلوب وهش الى المراجعة عنها أحد الموثقين بسلا ممن يحوم حول حمى الإدراك ويروم درجة الاختصاص ببعض الفنون والاشتراك وله فى الأدب مساس وجلب الباس بما نصه
( رسولك لم يبن لى عن طريقه ... تقرب من حديقتك الأنيقة )
( فلا بأو لدى ولا إباء ... ولكن ساء فى الغرض الطريقة )
( وهب انى أسات فكم صديق ... تدلل واعتدى فجفا صديقه )

( فلا عجب فديت لرفق حر ... يسكن عند خجلته رفيقه )
( وانى فيك معتقد ولكن ... أرى الأيام حاقدة حنيقه )
( على ذى الود فيمن ود حتى ... يفارقه وان اضحى رفيقه ) فراجعته بما نصه لما أسلفته من جزاء مصاعه وكلت له بصاعه
( من استغضبت من هذى الخليقه ... بمغضبة بانكار خليقه )
( ولم يغضب فتيس أو حمار ... مجازا لا لعمرى بل حقيقه )
( بعثت بمرسل لك مع عتيقى ... فلم تطع الرسول ولا عتيقه )
( وطوقت السفير الذنب لما ... عجلت به ولم تبلعه ريقه )
( إمام جماعة وقريع تقوى ... ومبلغ حجة وحفيظ سيقه )
( فبؤت بها على الأيام داء ... عضالا لا تفيق عليه فيقه )
( وقد عارضت عذرك باعتراف ... فزدت مذمة تسم الطريقة )
( وهل بعد اعتراف من نزاع ... وهل بعد افتصال من وثيقه )
( ومن جهل الحقوق اطاع نفسا ... ببحر الجهل راسبه غريقه )
( ومنجى نيقة أمر بعيد ... اذا نصب المهندس منجنيقه )
فأمسك حينئذ وأقصر ورأى الأمر يطول فاختصر إلا أنه نمى لى عنه قوله ان دكان الوثيقة أن نافى الورع فبغير بلده وأذهلته لذة لدده عما هو بصدده فارتهنت له أن أنصر الدعوى بما يسلمه المنصف المساهل وينكره الأرعن الجاهل وتشد به المنازل والمناهل والمعالم والمجاهل مستندا إلى الحكم الشرعى والسنن المرعى والمشاهدة والحس وشهادة الجن والإنس

( ولو ترك القطا ليلا لناما ... )
والله يجعله موقظا من السنات وازعا عن كثير من الهنات وينفع فيه بالنية فإنما الأعمال بالنيات وها أنا أبتدىء وعلى الله الإعانة وبحوله وقوته الإفصاح والإبانة
قلت ينحصر الكلام فيه فى سبعة أبواب الباب الأول فى جواز الإجارة فيها عند العلماء الباب الثانى فى الشركة المستعملة بين أربابها الباب الثالث فى محلها من الورع ان سوغها الفقه الباب الرابع فى منزلتها من الصنائع والمهن الباب الخامس فى أحوال منتحليها من حيث العلم غالبا الباب السادس فى أحوالهم من جهة استقامة الرزق وانحرافه الباب السابع فى رد بعض ما يحتج به فيها انتهت الخطبة المقتطعة من تأليف لسان الدين رحمه الله تعالى
وهذا التأليف فى نحو كراسة وقال فى آخره ما صورته فان قيل ترك الأجر وقبول العوض فى هذا الأمر يدعو الى تعطيله فيفقد الناس منفعة هذه الطريقة وغناءها قلت الإنصاف فيها اليوم ان لو كان متوليها يرتزق من بيت المال وأموال المصالح والأوقاف التى تسع ذلك وحال الجماهير فى فقدانها والاضطرار اليها ورفع أمورهم بها الى السلطان ورغبتهم فى نصب من يتولى ذلك حالهم فى فقدان أئمة الصلاة فى المساجد الراتبة فى جريانه من بيت المال بعلة التزامهم وارتباطهم فقط حسبما نقل الإجماع فيه القاضى ابو بكر ابن العربى رحمه الله تعالى ومنع الارتزاق من غيره إجماعا وقد كان بالمدن المعتبرة من بلاد الأندلس جبرها الله تعالى ناس من أولى التعفف والتعين كبنى الجد بإشبيلية وبنى الخليل وغيرهم بغيرها يتعيشون من فضول أملاكهم ووجائب رباعهم ويقعدون بدورهم عاكفين على بر منتابين لرواية وفتيا يقصدهم الناس فى الشهادة فيجاملونهم ويبركون على صفقاتهم ويهدونهم الى سبيل الحق فيها من غير أجر ولا كلفة إلا الحفظ على المناصب وما يجريه السلطان من الحرمة

والتفقد فى الضرورة وما يهديهم الناس من الإطراء والتجلة والله سبحانه ينيلهم من الأجر والمثوبة وبلغنى اليوم ان حالها بمدينة سجلماسة ينظر الى هذا الحال من طرف خفى ولم يفسد بها كل الفساد وكذلك لم نزل نتعرف ان الأمر فى شانها بمدينة تونس أقرب وبعض الشر أهون من بعض ولو بقيت بحالها لوجب تقرير فضلها وتقريظ منتحلها فالصدق أنجى والحق عند الله احجى والله عز و جل يستعملنا فيما يرضيه ويلطف بنا فيما يجريه علينا من أحكامه وما يقضيه ويجعلنا ممن ختم له بالحسنى ويقربنا الى ما هو أقرب من رحمته وأدنى وصلوات الله على سيدنا محمد وآله وصحبه انتهى
وكتب على ظهر الورقه الأولى من هذا التأليف شيخ شيوخ شيوخنا الإمام الكبير المؤلف الشهير سيدي أحمد الونشريسى رحمه الله تعالى ما صورته الحمد لله جامع هذا الكلام المقيد هذا باول ورقة منه قد كد نفسه فى شىء لا يعنى الأفاضل ولا يعود عليه فى القيامة ولا فى الدنيا بطائل وأفنى طائفة من نفيس عمره فى التماس مساوىء طائفة بهم تستباح الفروج وتملك مشيدات الدور والبروج وجعلهم أضحوكة لذوي الفتك والمجانة وانتزع عنهم جلباب الصدق والديانة سامحه الله تعالى وغفر له قال ذلك وخطه بيمنى يديه عبيد ربه احمد بن يحيى بن محمد بن على الونشريسى خار الله سبحانه له انتهى ما ألفيته
وقد كان لسان الدين رحمه الله تعالى كثيرا ما يعرض ويصرح بهجو بعض أهل سلا أو كلهم حتى قال
( أهل سلا صاحت بهم صائحه ... غادية فى دورهم رائحه )
( يكفيهم من عوز أنهم ... ريحانهم ليست له رائحه )
والله المرجو للعفو عن الزلات
75 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى خطبة كتابه فى المحبة الذى ما

ألف فى فنه أجمع منه ولنوردها فإن فيها دلالة على فضله وعظم قدر الكتاب وهى اللهم طيب بريحان ذكرك أنفاس أنفسنا الناشقة وعلل بجريال حبك جوانح أرواحنا العاشقة وسدد الى اهداف معرفتك نبال نبلنا الراشقة واستخدم فى تدوين حمدك شبا أقلامنا الماشقة ودل على حضرة قدسك خطرات خواطرنا الذائقة وابن لنا سبل السعادة التى جعلت فيها الكمال الأخير لهذه الأنفس الناطقة واصرفنا عند سلوكها عن القواطع العائقة حتى نأمن مخاوف أجبالها الشاهقة وأحزابها المنافقة وأوهامها الطارئة الطارقة وبرازخها القاسية الغاسقة فلا تسرق بضائعنا العوائد السارية السارقة ولا تحجبنا عنك العوارض الجسمية اللاحقة ولا الأنوار المغلظة البارقة ولا العقول المفارقة يا من له الحكمة البالغة والعناية السابقة وصل على عبدك ورسولك محمد درة عقود أحبابك المتناسقة وجالب بضائع توحيدك النافقة المؤيد بالبراهين الساطعة والمعجزات الخارقة ما أطلعت أفلاك الأدواح زهر أزهارها الرائقة وحدت قطار السحائب حداه رعودها السائقة وجمعت ريح الصبا بين قدود أغصانها المتعانقة
أما بعد فإنه لما ورد على هذه البلاد الأندلسية المحروسة بحدود سيوف الله حدودها الصادقة بنصر الله للفئة القليلة على الفئة الكثيرة وعودها وصل الله تعالى عوائد صنعه الجميل لديها وأبقاها دار ايمان الى ان يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ديوان الصبابة وهو الموضوع الذى اشتمل من أبطال العشاق على الكثير واستوعب من أقوالهم الحديثة والقديمة كل نظيم ونثير وأسدى فى غزل غزله وألحم ودل على مصارع شهدائهم من وقف وترحم فصدق الخبر المخبر وطمت اللجة التى لا تعبر وتأرج من مسراه المسك والعنبر وقالت العشاق عند طلوع قمره الله أكبر
( مررت بالعشاق قد كبروا ... وكان بالقرب صبي كريم )

( فقلت ما بالهم قال لى ... القى للحب كتاب كريم )
ولا غرو ان أقام بهذه الآفاق أسواق الأشواق وزاحم الزفرات فى مسالك الأطواق وأسال جواهر المدامع من بين أطباق تلك الحقاق وفتك نسيمها الضعيف العهد والميثاق بالنفوس الرقاق
( جنى النسيم علينا ... وما تبينت عذره )
( إذ صير الخلق نجدا ... والأرض أبناء عذره )
فوقع للحجة المصرية التسليم وقالت ألسنة الأقلام معربة عن ألسنة الأقاليم
( سلمت لمصر فى الهوى من بلد ... يهديه هواؤه لدى استنشاقه )
( من ينكر دعواي فقل عنى له ... تكفى امرأة العزيز من عشاقه )
فغمر المحافل والمجالس واستجلس الراكب واستركب الجالس يدعو الأدب الى مأدبته فلا يتوقف ويلقى عصا سحره المصري فتتلقف ما شئت من ترتيب غريب وتطريب من بنان أريب يشير الى الشعر فتنقاد اليه عيونه ويصيح بالأدب الشريد فتلبيه فنونه وانهى خبره للعلوم المقدسة ومدارك العز الموطدة المؤسسة سما به الجد صعدا الى المجلس السلطانى مقر الكمال ومطمح الأبصار والآمال حيث رفارف العز قد انسدلت وموازين القسط قد عدلت وفصول الفضل قد اعتدلت وورق أوراق المحامد قد هدلت مجلس السلطان المجاهد الفاتح الماهد المتحلى فى ريعان العمر الجديد والملك السعيد بحلى القانت الزاهد شمس أفق الملة وفخر الخلفاء الجلة بدر هالات السروج المجاهدة أسد الأبطال البارزة الى حومة الهياج الناهدة معشى الأبصار المشاهدة مظهر رضى الله تعالى عن هذه الأمة الغريبة عن الأنصار والأقطار من وراء أمواج

البحر الزخار باختياره لها واعتيامه وملبسها برود اليمن والأمان ببركة أيامه ومن أطلع الله تعالى أنوار الجمال من أفق جبينه وأنشا أمطار السماح من غمام يمينه وأجرى فى الأرض المثل السائر بحلمه وبسالته ودينه أمين الله تعالى على عهده الإسلام بهذا القطر وابن أمينه وابن أمينه فخر الأقطار والأمصار ومطمح الأيدى وملمح الأبصار وسلالة سعد بن عبادة سيد الأنصار ومن لو نطق الدين الحنيفى لحياة وفداه أو تمثل الكمال صورة ما تعداه مولانا السلطان الإمام العالم العامل المجاهد أمير المسلمين أبو عبد الله ابن مولانا أمير المسلمين ابى الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين ابى الوليد اسماعيل بن فرج بن نصر الأنصارى الخزرجى جعل الله تعالى ثغر الثغر مبتسما عن شنب نصره والفتح المبين مذخورا لعصره كما قصر آداب الدين والدنيا على مقاصير قصره وسوغه من أشتات مواهب الكمال ما تعجز الألسن عن حصره ولا زالت أفنان الأقلام تتحف الأقاليم بجنى فنون هصره فخصته عين استحسانه أبقاه الله تعالى بلحظة لحظ وما يلقاها إلا ذو حظ وصدرت الى منه الإشارة الكريمة بالإملاء فى فنه والمنادمة على بنت دنه وحسب الشحم من ذى ورم والله سبحانه يجعلنى عند ظنه ومتى قورن المثرى بالمترب أو وزن المشرق بالمغرب شتان بين من تجلى الشمس منه فوق منصتها وبين من يشره أفقه الغربى لابتلاع قرصتها لكنى امتثلت ورشت ونثلت ومكرها لا بطلا مثلث وكيف يتفرغ للتأليف ويتبرع للوفاء بهذا التكليف من حمل الدنيا فى سن الكهولة على كاهله وركض طرف الهوى بين معارفه ومجاهله واشترى السهر بالنوم واستنفد سواد الليل وبياض اليوم فى بعث يجهز وفرصة تنهز وثغر للدين يسد وأزر للملك يشد وقصه ترفع ووساطة تنفع وعدل يحرص على بذله وهوى يجهد فى عذله وكريم قوم ينصف من نذله ودين تزاح الشوائب عن سبله وسياسة تشهد للسلطان بنبله وإصابة نبله ما بين سيف وقلم وراحة وألم وحرب وسلم ونشر علم أو علم وجيش يعرض وعطاء

يفرض وقرض حسن لله تعالى يقرض فى وطن توافر العدو على حصره ودار به دور السوار على خصره وملك قصر الصبر والتوكل على قصره وعدد نسبته من العدد العظيم الطاقة الشديد الإضاقة نسبة الشعرة من جلد الناقة وبالله نستدفع المكروه واليه نمد الأيدي ونصرف الوجوه وسألت منه أيده الله تعالى القنوع بما يسره الوقت مما لا يناله المقت والذهاب بهذا الغرض لما يليق بالترب والسن ويؤمن من اعتراض الإنس والجن وما كنت ممن آثر على الجد الهزل واعتاض من الغزل الرقيق الغزل بشيمة الجزل ولا آنف من ذكر الهوى بعد ان خضت غماره واجتنيت ثماره وأقمت مناسكه ورميت جماره وما أبرىء نفسى ان النفس لأمارة فالهوى أول تميمة قلدتنى الداية والترب التى عرفتها فى البداية وانا الذى عن عروته نبت وبعثت الى الرصافة لأرق فذبت الى ان تبين الرشد من الغى وصار النشر الى الطى وتصايح ولدان الحى كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم كما من علي
( جزى الله عنى زاجر الشيب خير ما ... جزى ناصحا فازت يداي بخيره )
( ألفت طريق الحب حتى اذا انتهى ... تعوضت حب الله عن حب غيره )
حال السواد بحال الفؤاد وصوح المرعى فانقطعت الرواد ونهانى ازورار خيال الزوراء والتفات عاذل الشيب عن المقلة الحوراء وكيف الأمان وقد طلع منه النذير العريان يدل على الخبر بخبره وينذر بهاذم اللذات على أثره ولله در القائل
( دعتنى عيناك نحو الصبا ... دعاء يردد فى كل ساعة )
( فلولا وحقك عذر المشيب ... لقلت لعينيك سمعا وطاعه )
ولولا ان طيف هذا الكتاب الوارد طرق مضجعى وقد كاد يبدو الحاجب ويضيع من الفرض الواجب ويعجب من نوم الغفلة العاجب لجريت معه فى

ميدانه وعقدت بنانى ببنانه وتركت شانى وان رغم الشانى لشانه وقلت معتذرا عن التهويم فى بعض أحيانه
( أهلا بطيفك زائرا أو عائدا ... تفديك نفسى غائبا أو شاهدا )
( يا من على طيف الخيال أحالنى ... أتظن جفنى مثل جفنك راقدا )
( ما نمت لكن الخيال يلم بى ... فيجله طرفى فيطرق ساجدا )
ومن العصمة ان لا تجد هلا قبل المشيب ومع الزمن القشيب وقبل ان تمخض القربة وتبنى الخانقاه والتربة وتؤنس بالله الغربة وعلى ذلك فقد أثر وباء قلبى المعثر اللهم لا أكثر
( وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه )
( يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرا متمنع أركانه )
( فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا اليه ورددت أشجانه )
( فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه )
وجعلت الإملاء على حمل مؤازرته أيده الله تعالى علاوة وبعد الفراغ من ألوان ذلك الخوان حلاوة وقلت أخاطب مؤلف كتاب الصبابة بما يعتمده جانب إنصافه ويغطى على نقص ان وقع فيه كمال أوصافه
( يا من أدار من الصبابة بيننا ... قدحا ينم المسك من رياه )
( وأتى بريحان الحديث فكلما ... سمح النديم براحة حياه )
( أنا لا أهيم بذكر من قتل الهوى ... لكن أهيم بذكر من أحياه )
وعن لى ان أذهب بهذا الحب المذهب المتأدى الى البقاء الموصل الى ذروة السعادة في معارج الارتقاء الذى غايته نعيم لا ينقضى أمده ولا ينفد مدده ولا يفصل وصله ولا يفارق الفرع أصله حب الله المبلغ الى قربه المستدعى لرضاه

وحبه المؤثر بالنظر الى وجهه ويا لها من غاية الملقى رحل المتصف به بعد قطع بحار الفناء على ساحل الولاية
وكنت وقفت من الكتب المؤلفة فى المحبة على جملة منها كتاب يشهده العوام ويستخفه الهوام ورسالة ابن واصل رسالة مهذارة تطفو من داره الى داره فى مطاردة هر وفارة وكتاب ابن الدباغ القيروانى كتاب مفرقع ووجه المقصود منه متبرقع وكتاب ابن خلصون وهو أعدلها لولا بداوة تسم الخرطوم وتناسب الجمل المخطوم فكنت بما ذكر لا اقنع وأقول ما أصنع فالله يعطى ويمنع
( قلت للساخر الذى ... رفع الأنف واعتلى )
( أنت لم تأمن الهوى ... لا تعير فتبتلى ) شعر
( وعذلت أهل العشق حتى ذقته ... فعجبت كيف يموت من لا يعشق )
ومن المنقول لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك
( بلانى الحب فيك بما بلانى ... فشانى ان تفيض غروب شانى ) أجل بلانى بالغرض الذى هو من القلوب سر أسرارها ومن أفنان الأذهان بمنزلة أزهارها ومن الموجودات وأطوارها قطب مدارها ليكون كتابى هذا المقدم على المأزق المهلك المتشبع بما لا يملك وان يقنع الاتصاف فعسى ان يشفع الإنصاف والاقتراف يدرؤه الاعتراف انا عند المنكسرة قلوبهم ولا تجود يد إلا بما تجد وكل ينفق مما آتاه الله
( وابن اللبون اذا ما لز فى قرن ... لم يستطع صوله البزل القناعيس )

وعسى الذى أنطق شوقا ان ينطق ذوقا والذى حرك سفلا ان يحرك فوقا والذى يسره مقالا ان يكفيه حالا
( فأول الغيث طل ثم ينسكب )
( الحرب اول ما تكون لجاجة )
( وان الحرب أولها الكلام )
نحمد الله سبحانه على الكلف بهذه الطريقة ( وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) فصلت وللأرض نصيب من كأس الكريم
( أليس قليلا نظره ان نظرتها ... اليك وكلا ليس منك قليل )
( فاتنى ان أرى الديار بطرفى ... فلعلى ارى الديار بسمعى )
وعلى ذلك فذهبت فى ترتيبه اغرب المذاهب وقرعت فى التماس الإعانة باب الجواد الواهب وأطلعت فصوله فى ليل طلوع نجوم الغياهب وعرضت كتائب العزيمة عرضا وأقرضت الله قرضا وجعلته شجرة وأرضا فالشجرة المحبة مناسبة وتشبيها وإشارة لما ورد فى الكتب المنزلة وتنبيها والأرض النفوس التى تغرس فيها والأغصان أقسامها التى تستوفيها والأوراق حكاياتها التى تحكيها وأزهارها أشعارها التى تحييها والوصول الى الله تعالى ثمرتها التى ندخرها بفضل الله ونقتنيها شجرة لعمر الله يانعة وعلى الزعازع متمانعة ظلها ظليل والطرف عن مداها كليل والفائز بجناها قليل رست فى التخوم وسمت

الى النجوم وتنزهت عن أعراض الجسوم والرياح الحسوم وسقيت بالعلوم وغذيت بالفهوم وحملت كمائمها بالزهر المكتوم ووفيت ثمرتها بالغرض المروم فاز من استأثر بجناها وتعنى من عنى بلفظها دون معناها فمن استصبح بدهنها استضاء بسناها ما أبعدها وما أدناها عينا ملأت الأكف بغناها كم بين أوراقها من قلب مقلب وفى هوائها من هوى مغلب وكم فوق أفنانها من صادح وكم فى التماس سقيطها من كادح وكم دونها من خطب فادح ولأربابها من هاج ومادح تنوعت أسماؤها ولم تتنوع أرضها ولا سماؤها فسميت نخله تهز وتجنى وزيتونه مباركة يستصبح بزيتها الأسنى وسدرة اليها ينتهى المعنى أصلها للوجود أصل وليس لها كالشجر جنس ولا فصل وتربتها روح ونفس عقل وشرفها يعضده بديهة ونقل يحط الهائمون بفنائها ويصعد السالكون حول بنائها تخترق السبع الطباق ببراقها وتمحى ظلم الحس بنور إشراقها فسبحان الذى جعلها قطب الأفلاك ومدافن الأضواء والأحلاك ومغرد طيور الأملاك وسبب انتظام هذه الأسلاك لم يحل فيها طريد بعيد ولا اتصف بصفاتها إلا سعيد ولا اعتلق بأوجها هاو فى حضيض ولا بمحض برهانها متخبط فى شرك نقيض ولا تعرض لشيم بوارقها متسم بسمة بغيض الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله ومنه نستزيد الاستغراق فى بحارها والاستنشاق لنواسم أسحارها والاستدلال بذرى أفنانها عليه والوصول بسبب ذلك اليه انه ولى ذلك سبحانه فطاب لعمرى المنبت والنابت وسما الفرع الباسق ورسا الأصل الثابت وفاءت الأفنان وزخرفت الجنان وتعددت الأوراق والزهرات والأغصان ولم اترك فننا إلا جمعت بينه وبين مناسبه ولا فرعا إلا ضممته الى ما يليق به واستكثرت من الشعر لكونه من الشجرة بمنزلة النسيم الذى يحرك عذبات أفنانها ويؤدى الى الأنوف روائح بستانها وهو المزمار الذى ينفخ الشوق فى يراعته والعزيمة التى تنطق مجنون الوجد من ساعته وسلعة ألسن العشاق وترجمان ضمير الأشواق

ومجتلى صور المعانى الرقاق ومكامن قنائص الأذواق به عبر الواجدون عن وجدهم ومشى المحبوب الى قصدهم وهو رسول الاستلطاف ومنزل الألطاف اشتمل على الوزن المطرب والجمال المعجب المغرب وكان للأوطان مركبا ولانفعال النفوس سببا فلا شىء أنسب منه للحديث فى المحبة ولا أقرب للنفوس الصبة واجتلبت الكثير من الحكايات وهى نوافل فروض الحقائق ووسائل مجالس الرقائق ومراوح النفوس من كد الأفكار واحماض مسارح الأخبار وحظ جارحة السمع من منح الاعتبار وبعض الجواذب لنفوس المحبين والبواعث لهمم السالكين وحجتها واضحة بقوله تعالى ( وكلا نقص عليك ) هود فى القرآن المبين ونقلت شواهد من الحديث والخبر تجرى صحاحها مجرى الزكاة من الآموال والخواطر من الأحوال ويجرى ما سواها من غير الصحيح مجرى الأمثال ليكون هذا الكتاب لعموم خيره مسرحا للفاره وغيره ويجد كل ميدانا لسيره وملتقطا لطيره ومحكا لغيره فمن فاق كلف باصوله ومن قصر قنع بفصوله ومن وصل حمد الله تعالى على وصوله وسميته روضة التعريف بالحب الشريف ويحتوى على أرض زكية وشجرات فلكية وثمرات ملكية وعيون غير بكية
والحب حياة النفوس الموات وعلة امتزاج المركبات وسبب ازدواج الحيوان والنبات وسر قوله عز و جل ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ) الانعام ليس كالحب الذى دون فيه المدونون ولعبت بكرة أقباسه صوالج الجنون وقاد الهوى أهله بحبل الهون وساقت فيه المنى للمنون حين نظرت النفوس من سفلى الجنبتين ورضيت الأثر عن العين وباعت الحق بالمين ولم تحصل إلا على خفى حنين وارحمتا لعشاق الصور وسباق ملاعب الهوى والهور لقد كلفوا بالزخارف الحائنة الحائلة والمحاسن الزائفة الزائلة وسلع الجبانة وبضائع الإهانة أزمان التمتع بهم قصيرة والأنكاد عليهم مغيرة فتراهم ما بين طعين بعامل

قد ومضرج بدم خد واسير ثغر قد أعوز فداؤه وسقيم طرف قد أعضل داؤه وما شئت من ليل يسهر ونداء به يجهر وجيوب تشق وبصائر تخطف ابصارها اذا لمع البرق ونواسم تحمل التحيات وخلع أيك تتلقى بخلع الأريحيات وربما اشتد الختل وأصابت النبل فكان الخبل قلوب اشتغلت عن الله فشغلها الله بغيره وهب الحب الجسمانى لا تبعث عليه شهوة بهيمية ولا تدعو اليه قوة وهمية أليست الداعية مرتفعة والباعثة منقطعة وصورة الحسن داثرة وأجزاؤه المتناظمة متناثرة أليس الجراب العنصرى عائدا الى أصله اليس الجنس مفارقا لفصله ولله در على رضى الله تعالى عنه وقد نظر الى قدح الماء وقد أراد ان يشرب وعن الاعتبار اعرب فقال كم فيك من خد أسيل وطرف كحيل فأواه مكررة مرددة ووالهفاة معادة مجددة على قلب أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا وحسبنا مرارة الفراق ذلا وفقد النقد قلا والغفلة عن الله شقاء محتوما والكآبة على الفائت شوما
( صدنى عن حلاوة التشييع ... اتقائى مرارة التوديع )
( لم يقم أنس ذا بوحشة هذا ... فرأيت الصواب ترك الجميع )
وان كانت الشهوة فاخسس بها داعية والى الفضيحة ساعية حسبك من حمار يعلن بنداء المحبة نهاقة ويقذفه على السباق اهتياجه الى السفاد واشتياقه أسير خبال وصريع مبال اولى له ثم اولى لو تأمل محاسن الحسوم ما أكذب رائدها المطري واخبث زخرفها المغري واقصر مدة استمتاعها وأكثر المساعى تحت قناعها
( على وجه مى مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب العار لو كان باديا )
ما ثم إلا أنفاس تركد وتخبث وعلل تنشأ وتحدث وزخارف حسن تعاهد ثم

تنكث وتركيب يطلبه التحليل بدينه وياخذ أثره بعد عينه وأنس يفقد واجتماع كان لم يعقد وفراق ان لم يكن فكان قد
( ومن سره أن لا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا )
( منغص العيش لا ياوى الى دعه ... من كان ذا بلد أو كان ذا ولد )
( والساكن النفس من لم ترض همته ... سكنى مكان ولم يسكن الى أحد )
وقلت وقد مات سكن عزيز على أيام التغرب بسلا عظم جزعى عليه
( يا قلب كم هذا الجوى والخفوت ... ذماءك استبق لئلا يفوت )
( فقال لا حول ولا قول لى ... قد كان ما كان فحسبى السكوت )
( فارقنى الرشد وفارقته ... لما تعشقت بشىء يموت )
والزمان لا يعتبر وحاصله خبر والحازم من نظر فى العواقب نظر المراقب وعرف الإضاعة ولم يجعل الحلم بضاعة انما الحب الحقيق حب يصعدك ويرقيك ويخلدك ويبقيك ويطعمك ويسقيك ويخلصك الى فئة السعادة مما يشقيك ويجعل لك الكون روضا ومشرب الحق حوضا ويجنيك زهر المنى ويغنيك عن أهل الفقر والغنى ويخضع التيجان لنعلك ويجعل الكون متصرف فعلك ليس الا الحب ثم الوصل والقرب ثم الشهود ثم البقاء بعدما اضمحل الوجود فشفيت الآلام وسقط الملام وذهبت الأضغاث والأحلام واختصر الكلام ومحيت الرسوم وخفيت الأعلام ولمن الملك اليوم والسلام فالحذر الحذر أن يعجل النفس سيرها ويفارق القفص طيرها وهى بالعرض الفانى متثبطة وبنائى الثقيل مرتبطة وبصحبة الفانى مغتبطة ( أن تقول نفس

يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) الزمر وفى ذلك قلت
( أعشاق غير الواحد الأحد الباقى ... جنونكم والله أعيا على الراقى )
( جننتم بما يفنى وتبقى مضاضة ... تعذب بين البين مهجة مشتاق )
( وتربط بالأجسام نفسا حياتها ... مباينة الأجسام بالجوهر الراقى )
( فلا هى فازت بالذى علقت به ... ولا رأس مال كان ينفعها باقى )
( فراق وقسر وانقطاع وظلمة ... قنى البعد من نيل السعادة يا واقى )
( كأنى بها من بعد ما كشف الغطا ... صريعة أحزان لديغة أشواق )
( تقلب كفيها بخيط موصل ... رشيقة قد دون سبعة أطباق )
( فلا تطعموها السم فى الشهد ضلة ... فذلك سم لا يداوى بدرياق )
( بما اكتسبت تسعى الى مستقرها ... فأما بوفر محسب أو بإملاق )
( وليس لها بعد التفرق حيلة ... سوى ندم يذرى مدامع آماق )
( ولو كان مرمى الحزن منها الى مدى ... لهان الأسى ما بين وخد وإعناق )
( فجدوا فان الأمر جد وشمروا ... بفضل ارتياض او بإصلاح أخلاق )
( ولا تطلقوا فى الحس ثنى عنانها ... وشيموا بها للحق لمحة إشراق )
( ودسوا لها المعنى رويدا وأيقظوا ... بصيرتها من بعد نوم وإغراق )
( ومهما أفاقت فافتحوا لاعتبارها ... مصاريع ابواب واقفال أغلاق )
( وعاقبة الفانى اشرحوا وتلطفوا ... بأخلاقها المرضى تلطف إشفاق )
( فان سكرت واستشرفت عند سكرها ... لماهية المسقى ومعرفة الساقى )
( أطيلوا على روض الجمال خطورها ... الى ان يقوم الوجد فيها على ساق )
( وخلوا لهيب الشوق يطوي بها الفلا ... الى الوجد فى مسرى رموز وأذواق )
( فما هو إلا أن تحط رحالها )
( بمثوى التجلي والشهود بإطلاق )

( وتفنى اذا ما شاهدت عن شهودها ... وقد فنى الفانى وقد بقى الباقى )
( هنالك تلقى العيش تضفو ظلاله ... وتنعم من عين الحياة برقراق )
( وما قسم الأرزاق إلا عجيبة ... فلا تطرد السؤال يا خير رزاق ) وقد أخذ الكلام فى هذا الافتتاح حده وبلغ النهر مده فلآخذ أثر هذا الذى سردت فى تقرير ما أردت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت واليه انيب فنقول ينقسم هذا الموضوع الى أرض وشجر غض وكل منها ميسور جده وفن على حدة ما شئت من مرأى ومستمع فمن شاء أفرد ومن شاء جمع فلنبدأ بالأرض والفلاحة والتكسير والمساحة وتعيين حدود تلك الساحة ثم نأتى بالشجرة التى نؤمل جناها وننظر إناها ونجعل الزاد المبلغ معناها قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون
برنامج هذا الكتاب الذى يحصر الأجناس والفصول ويرد الفروع الى الأصول ويسر الباحث عن مسائله بسبب الوصول بحول الله وقوته خطبة الأعراس وتوطئة الغراس وتنحصر فى جملتين
الجملة الأولى فى صفة الأرض وأجزائها وجعل الاختيار بإزائها وفيها رتب
الرتبة الأولى رتبة الأطباق المفروضة والاعتبارات المعروضة وفيه مقدمة وأطباق
المقدمة فى تعيين الأرض المذكورة
الطبق الأول طبق القلب
الطبق الثانى طبق الروح
الطبق الثالث طبق النفس
الطبق الرابع طبق العقل
الرتبة الثانية رتبة العروق الباطنة والشعب الكامنة وفيها فصول

الفصل الأول فى العروق المعدنية
الفصل الثانى فى المقررات العينية
الفصل الثالث فى المدبرات البدنية
الفصل الرابع فى البحوث البرهانية
الجملة الثانية فى صفة الفلاحة والعمل المتكفل فيها بنيل الأمل وفيها اختيارات
الاختيار الأول فيما يصلح للاعتمار من هذه الأرض وفيه فصول
الفصل الأول فى أرض النفس المطمئنة
الفصل الثانى فى أرض النفس الأمارة
الفصل الثالث فى أرض النفس اللوامة
الاختيار الثانى فى محركات العزيمة لاعتمار هذه الأرض الكريمة وفيه فصول
الفصل الأول فى الجذب وما يتصل بذلك
الفصل الثانى فى الوعظ المثمر لليقظة
الفصل الثالث فى ذم الكسل
الاختيار الثالث يشتمل على جلب الماء لسقى هذه الأرض من عين العلم فى جدولى العقل المحرر والنقل المقرر وفيه مقدمة فى فضل العلم وتعدد أجناسه وفصول
الفصل الأول فى جدول العقل
الفصل الثانى فى جدول النقل
الفصل الثالث فى مقدار الماء المجلوب للفلح المطلوب
الفصل الرابع فى غبار التكوين وسبب التلوين

الاختيار الرابع فى الحرث وإخراج لبن هذه الفلاحة من بين الدم والفرث وفيه أقسام
اولها القليب الأول
ثانيها القليب الثانى الذى عليه المعول
ثالثها فى سكة الازدراع والتعمير وهو مظنة التثمير
الاختيار الخامس فى تنظيف الأرض المعتمرة من الأرض الخبيثة والجدر المعترضة والشعب المذمومة وفيه فصول
الفصل الأول فى إزالة شكوك تسبق الى المعتقد غالبا
الفصل الثانى فى قلع الشجر التى تضر بهذه الأرض وتعاديها بالطبع
الاختيار السادس فى أمور ضرورية تلزم لهذه الفلاحة وفيه فصول
الفصل الأول فى أمراض يشرع فى علاجها مما يرجع لطبع الأرض ومزاجها
الفصل الثانى فى اختيار أنواعها وأجزائها
الفصل الثالث فى أقوال تليق بأفحاص الفلاح وإصحاره عند ملاحظة عجائب الكون وآثاره
الفصل الرابع فى الوقت المختار لغراسة الأسباب فى الحب اللباب وتنحصر فى مقدمة علمية وجرثومة جرمية المقدمة العلمية فى ترتيب المحبة والمعرفة الجرثومة الجرمية تنقسم الى بيان يعطى الصورة ويشرح الضرورة والى بطن وظهر وسر وجهر وباسط وبرزخ واسط فالباطن الشرع والنقل وينقسم الى أصول
الأصل الأول الكلام فى النبوة من حيث النقل
الأصل الثانى فى الإيمان والاعتبار العامى
الأصل الثالث فيما يتبع ذلك من اليقظة والتوبة فى حق غير المحتاج الى ذلك

الأصل الرابع فى تقرير العناية والتوفيق فى حق غير المحتاج الى ذلك
الأصل الخامس فى الموعظة والسماع من حيث تهذيب الجميع والظاهر الطبع والعقل وينقسم الى أصول
الأصل الأول جزء الفلسفة العلمى والعملى
الأصل الثانى سلامة الفطرة فى حق المستغنى عن ذلك
الأصل الثالث فى معرفة الجمال والكمال
الأصل الرابع فى الاعتبار الخاصى
الأصل الخامس السلوك بالفكر
الأصل السادس فى التشبيه بالمبدإ الأول باسط الذكر الباسط والبرزخ الواسط الصاعد من التخوم الى النجوم وهو من أخص الأشياء بباطن الشجرة وأصولها المعتبرة ويشتمل على مقدمة وثلاثة أصول
الأصل الأول الأدعية والأذكار وله عشر شعب
الأصل الثانى أصل الأسماء وهى أصول الأرض والسماء وله تسع وتسعون شعبة
الأصل الثالث أصل السيمياء وهو الذى عفن بعضه وبقى الانتفاع ببعضه
العمود المشتمل على القشر والعود والجنى الموعود ينقسم قسمين قشر وخشب ودر مخشلب والقشر ظاهر يكسر ويخذو وباطن ينمى ويغذو فظاهره الذى يكسر ويخذو يتضمن الكلام فى المحبة وأقسامها من حيث اللسان لا من حيث نوع الإنسان وباطنه الذى ينمى ويغذو يتضمن الثناء على المحبة طبعا وعقلا وشرعا ونقلا
الخشب الذى يتخذ منه النشب ينقسم الى أقسام
القسم الأول فى الحدود والمعرفات والأسماء الدالة عليها والصفات
القسم الثانى معقول معناها المتجلى فيه نور سناها

القسم الثالث ارتباطها بالمقامات واختصاصها فيها بالكرامات
القسم الرابع تبيين ضروريتها وإيضاح مزيتها
الفرع الصاعد فى الهواء على خط الاستواء من رأس العمود القائم الى منتهى الوجود الدائم ويشتمل على قشر لطيف وجرم شريف
القشر الحدود للمعرفة والرسوم وخواص العارف الذى هو المعروف بها والموسوم وينقسم الى فصول
الفصل الأول فى حدود المعرفة ورسومها وما قيل فيها
الفصل الثانى فى أوصاف العارف
الفصل الثالث فى تفضيل العارف
الفصل الرابع فى علوم العارف
والجرم الشريف من الفرع المنيف ينقسم الى ظاهر وباطن وقلب فالظاهر ينقسم الى أقسام الكلام فى الأخلاق ومنشئها وطباعها بحسب القوى النفسانية وإفراطها وتفريطها واعتدالها وعلاجها وفيه المجاهدات
والباطن يتضمن الكلام فى أن النظر الى وجه الله تعالى هو السعادة الكبرى بكل نظر واعتبار
والقلب قلب الغصن يتضمن الرياضة والسلوك على المقامات كلها ويتفرع منه عشرة غصون
الغصن الأول غصن فروع البدايات
الغصن الثانى غصن فروع الأبواب
الغصن الثالث غصن فروع المعاملات
الغصن الرابع غصن فروع الأخلاق
الغصن الخامس غصن فروع الأصول
الغصن السادس غصن فروع الأدوية

الغصن السابع غصن فروع الأحوال
الغصن الثامن غصن فروع الولايات
الغصن التاسع غصن فروع الحقائق
الغصن العاشر غصن فروع النهايات ولكل فروع أوراق ويلحق به صورة السلوك بالذكر حتى يتاتى الوصول وعلى المقصود الحصول والكلام على زهرات الطوالع واللوائح والبواده والواردات ونختم بالجنى المقترن بنيل المنى وهى الولاية
تفرع ضخام الغصون من شجرة السر المصون وهى
غصن المحبوبات وأقسامها وتنقسم إلى أربعة أفنان
الفن الأول فن الرب المحبوب
الفن الثانى فن العبد المحبوب
الفن الثالث فن الدنيا المحبوب
الفن الرابع فن الآخرة المحبوبة
غصن المحبين وأصنافهم المرتبين ينقسم الى مقدمة بيان وستة أفنان
الفن الأول فى رأى الفلاسفة الأقدمين
الفن الثانى فى رأى أهل الأنوار والإشراقيين
الفن الثالث فى رأى الحكماء الإسلاميين
الفن الرابع فى رأى المكملين بزعمهم المتممين
الفن الخامس فى أهل الوحدة المطلقة من المتوغلين
الفن السادس فى الصوفية سادة المسلمين
غصن علامات المحبة وشواهد النفوس الصبة وينقسم إلى ثلاثة أفنان
الفن الأول فيما يرجع إلى حقوق المحبوب
الفن الثانى فيما يرجع إلى باطن المحب

الفن الثالث فيما يرجع إلى ظاهره
غصن اختيار المحبين فى ميدان جهادهم وتباين أحوال أفرادهم وهو ثلاثة أفنان
الفن الأول فن المجاهد الصريح
الفن الثانى فن المنبت الجريح
الفن الثالث فن الصريع الطريح
جوائح الشجرة ومضار فلاحتها المعتبرة وينقسم الى جوائح من نسبتها بالنظر إلى مائها وتربتها وإلى ما هو راجح إلى الخواطر وهى على عدد الرياح وإلى ما سببه غفلة الفلاح عذر الطائر الصادح على فرض القادح ووجود الهاجى والمادح
صورة الشجرة ذات الحسن الباهر والجنى والأزاهر وآثارها للحسن الظاهر بفضل المريد القاهر لا إله إلا هو سبحانه له الحمد انتهت الخطبة التى تدل على ما وراءها
وقال رحمه الله تعالى فى آخر هذا الكتاب ما نصه ونختم الكلام فى هذه الشجرة والاستدلال على شرف هذه الفلاحة الضمنية بهذه الأبيات
( فلاحتنا لها القدح المعلى ... وسرحتنا الضمينة للنجاح )
( ألست ترى منادي الخمس نادى ... بمختلف الجهات أو النواحي )
( يردد فى الأذان لكل واع ... على الآذان حي على الفلاح )
وهذا طائر على الشجرة صادح ولاحق كادح ومعتذر أن قدح قادح وتعارض هاج ومادح قال المؤلف ولا بد لنا من درى صادح على هذه الأفنان وشاد يهيج أشجان الجنان ويثير شجو الرأفة والحنان ويبين مجال الضرورة لذوى الاتصاف بكرم الأوصاف والناظرين إلى الهنات بعيون الإنصاف فيرحم من قد كان شره النقد ويعذر من تشوف لاستضعاف هذا القصد

والأعذار التى تقرر عنا هذا الطائر عديدة ومبدئه فى الصدق معيدة وقريبة من الحق لا بعيدة فمنها أن هذا الفرض اليوم بأكثر الأرض ميدان عدم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله من يجيل كما يحب جوادا ونفير لا يجيبه إلا من يكثر سوادا قد طمست الأعلام وسقط الحمد والملام وما لجرح بميت إيلام فمدلول هذا الفن بهذه التخوم عنقاء مغرب وإكسير يحدث عنه غير واصل ولا مجرب إنما يرجع فيه إلى كتب مقفلة وأغراض مغفلة وما عسى أن يعول المسكين مثلى على قاصر إدراكه مع اقتسام باله واشتراكه قصر العلم والعمل فاختلط المرعى والهمل وأخفق المسعى وخاب الأمل ومنها شواغل الدنيا التى اختطفت من المكاتب وموهت بالمراتب ولقبت بالوزير والكاتب وأقامت العبد الذى لا يملك شيئا مقام العاتب ومن كان بهذه المثابة وأن عد يقظا حازما ونحريرا عالما فأنما هو غريق وتائة لا يبدو له طريق ولا ينساغ له ريق ولا يطفأ ببرد اليقين منه حريق ولا يربع عليه من قصاد الله تعالى فريق ونستغفر الله فالذى ألهم لهذه العيوب يتكفل بإصلاح القلوب ومكاشفة الغيوب وأن كانت النفوس للحق جاحدة فما أمرى إلا واحدة
( لا تعجبن لطالب نال العلا ... كهلا وأخفق فى الزمان الأول )
( فالخمر تحكم فى العقول مسنة ... وتداس أول عصرها بالأرجل )
ومنها الاشتغال بالهذر عن العلم والنظر منذ أزمان عديدة ومدد مديدة فلم يبق مما حصل وإليه مما فى الزمان القديم توصل إلا رسم بلقع وسمل ما له مرقع ومنها أننى لم أنتدب إلى هذا الوظيف الذى قل من يتعاطاه ويثير قطاه ويقتعد مطاه من تلقاء نفس جاهلة ببعد مداه ومطل جداه ومطالبة مدعية بما كسبت منه يداه فلا يتجاوز طوره ولا يتعداه وإن طالب الحق من شرط وصوله سلب فصوله وحاله موته وانقطاع حسه فضلا عن صوته

لكنى خضت على عدم السباحة غمرا وامتثلت مع سقوط الاستطاعة أمرا وجئت بما فى وسعى انقيادا وامتثالا ومثلت مثالا فضرورتي بفضل الله تعالى مشروحة والدعوي عن كتفى مطروحة وعلى ذلك فقد علم الذى يعلم الأسرار ويقرب الأبرار ويقيل العثار ويقبل الأعذار أن مدة الاشتغال به لم تجاوز شهرين اثنين بين كتب وكتم وابتداء وختم مع ما يتخلل الزمان من حمل لو رمى به رضوى لتدعدع أو أنزل على ثبير لخشع من خشية الله تعالى وتصدع مداراة عدو قد تكالب على الإسلام وسياسة سواد صم عن الملام وتعدى حدود النهى والأحلام وارتقاب هجوم جيش الآجال وراية الشيب من الأعلام وقد انذر بالفجر انقشاع الظلام وكاد يصعد الخطيب فينقطع الكلام جعلت لنقله حصة من جنح الظلام الغاسق والليل الواسق وعاطيت حمياه نديم الغارق وتعرضت لاقتناص خياله الطارق وسرقته من أيدي الشواغل والليل معين السارق ولم يعمل فيه عبد القيس نظرا معادا ولا أنجز من تصحيحه علم الله تعالى ميعادا إنما هو كراس يفرغ من تسويده رجراج الحبر مختلط الترب بالتبر فيدفع ملموم الماسخ إلى يد الناسخ وكلفة المتثاقل إلى كف الناقل وتقذف صحيفته من الزبرة إلى الصاقل إذ كان الآمر أيده الله تعالى ونفعه حريصا على تعجيل المعارضة ومتحريا سبيل الشرع فى هذه المصارفة والمقارضة والجفن المشرق يعلن بالتبريح وينتظر مساعدة الريح فمن وقف عليه من فاضل أنار الله بصيرته وجبل على الإنصاف سيرته أو من كان من أهل الله الذى يعلم إن ما سوى الله تعالى ظل وفىء ويتحقق معنى قوله ( ليس لك من الأمر شىء ) فقد أوجب الإنصاف إن يمحو اقترافى باعترافى ويغطى أوصافى بإنصافى والرحماء يرحمهم الرحمن وقد عذر القنبرة سليمان ومع

الاستسلام الأمان ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا بأس إن يعرض بتلك الأخونة الخصيبة المثوى والمروج والحمل والفروج وفى السماء البروج وفى الأرض الفروج والأعرج يستندر منه العروج ونمد الأيدي المستعملة فى التقصير إلى الولى النصير والناقد البصير اللهم استر بسترك فضائحنا المخلفة وقبائحنا المجمعة المؤلفة فهو كله تحويم حول حماك ودندنة يا كريم بباب رحماك وزند أنت قدحته وتألق بارق أنت الحته فصل السبب يا واصل الأسباب واجعلنا ممن تذكر فنفعته الذكرى وما يتذكر إلا أولو الألباب اللهم دل نفوسنا الحائرة على عين الخبر واجذبها إلى المؤثر بزمام الأثر اللهم اجبر الضالة المثقلة الظهر وارفع عنها ملكه القهر وحيطة الدهر والسفر من بلد السر إلى بلد الجهر اللهم أعلق بعروة الحق أيدينا الخابطة وأظفر بعدو الهوى عزائمنا المرابطة اللهم أوصل سببنا بسببك واحملنا إليك بك لا إله إلا أنت وصل على عبدك ونبيك محمد خاتم النبيين والمرسلين وآله والصحابة أجمعين انتهى
وقال رحمه الله تعالى آخر بعض تراجم هذا الكتاب ما صورته خاتمة تشتمل على إشارات ونختال من الحق فى شارات قال بعض من يطأ بمطية السلوك حمى الملوك وينقض زوايا الغيوب عن المطلوب ببصر بصائر القلوب شهدت أصناف المحبين والعشاق على اختلاف البلاد وتباين الآفاق لا أدرى أقال كشفا وشهودا أو فرضا أو وجودا أو يقظة أو هجودا وقد ركضوا مطايا الأشواق وضربوا آباطها بعصى المشارب والأذواق وتزودوا ازواد الحقائق وودعوا أحباب العوائد والعلائق وتساهلوا فى المحبوب اعتراض العوائق وتفاضلوا فى اختيار الجواد واقتحام المضايق والطرق إلى الله تعالى عدد أنفاس الخلائق فمن خابط عشواء ومسقط أهواء يقول
( يا ليت أنى أوقد النارا ... فإن من يهواك قد حارا )

فيجيبه الصدى
( ومن طلب الوصول لدار ليلى ... بغير طريقها وقع الضلال )
ومثبت بحيث لا يبدو علم ولا يقتص خف ولا قدم فى مفازة وجود من حلها عدم وهو يصيح
( بأبى وأمى والذى ملكت يدي ... أفدي الذى يهدي الطريق اللاحبا ) ثم يقول
( ولقد سريت اليك لكن حين لم ... يكن الدليل أجل قصد السالك )
ومن طاو نفد زاده وفرغ مزاده قد استسلم وعجز أن يتكلم ولسان حاله ينشد
( إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ... ندمت على التفريط فى زمن البذر )
وراكض يقطع الدو ويعرف الجو يثبت الأعلام الخافية ويقصد الموارد الصافية والظلال الضافية حادية أمله ودليله علمه والراحلة عمله ينشد بأعلى صوته
( قرب اللقاء فكيف لا ترتاح ... للقاء سكان الحمى الأرواح ) وفرانق يركض البريد ويصحب التفريد بلغ الطية وأناخ المطية قبل وصول الرفقة البطية
( سرى سلخ شهر فى فواق حلوبة ... فلله ما أناى سراه وما أدنى ) ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) الكهف وقلت
( نهضوا وقد جن الدجى وتخالفت ... سبل الردى فمسد دون وضلل )

( سلنى عن المنبت حين تقطعت ... أسبابه تيها ولا من يسأل )
( قوم سطت بهم السباع وفرقه ... عطشوا وأين من الظماء المنهل )
( لفح الهجير وجوههم بسعيره ... فتهافتوا ببلاله وتعللوا )
( وجماعة ركبوا المفاوز دائما ... عثروا على أثر فشط المنزل )
( وركائب جعلوا الدليل أمامهم ... وسروا ففازوا بالذى قد أملوا )
( والليل متلفة ومدرجة الهوى ... لا يستقل بها المطى الذلل )
( والواصلون هم القليل وكيف لا ... قفر ومسبعة وليل أليل )
( يا رحمة للعاشقين تفحموا ... خطر النوى وعلى الشدائد عولوا )
( طارت بهم أشواقهم فعقولهم ... معقولة عن شأنها لا تعقل )
( عذرا لكم يا أهل عذرة شأنكم ... سلمت فيه لكم فقولوا وافعلوا )
حتى إذا خرجوا إلى قضاء القدر المشترك وافلت من أفلت من الشرك وسلم من قتيل المعترك واشرفوا بركاب الآمال على ثنيه الجمال زعقوا بإزاء الباب ونادوا من وراء الحجاب
( كل كنى عن شوقه بلغاته ... ولربما أبكى الفصيح الأعجم )
وأوصلوا رقاع شكواهم بسر هواهم وبرزوا صفا واستظهروا بشفعائهم التى ظنوا أنها لا تخفى ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) الزمر وقد تعينت ألاوصاف وتميزت وانتبذت الأصناف وتحيزت والعشاق نجت وسلمت مذ علمت منهم الصفوة والمجان والحرافيش والبهلوان ممن يعول على ذراعه وملء كمته وصواعه وطول باعه وصلابة طباعه وسلاطة لسانه وامتزاج إساءته بإحسانه شأنه البحث عن المحبوب مع الشروق والغروب والتوصل إلى وصله المطلوب بالحركة الرشيقة واللفظ الخلوب ومن اتسم بإذاعة الأسرار وصحبه الشرار

واللسان المهذار حسب من الأغيار ومنهم بذاة ليس لهم إلا المنادمة أدة تعذر عليهم تميز المحبوب فغلطوا وعكفوا على تنزيهه فافرطوا
( ربما ضر عاشق معشوقا ... ومن البر ما يكون عقوقا )
وغلبت على سجيتهم السلامة ولم تنلهم لعدم الموصل والمعرف الملامة وليس للقبول عليهم علامة ومنهم من شعاره الحشمة ولزيمه العفاف والعصمة أولو الحياء والوقار والكتم للأسرار ومخالطة الأبرار والتوسل إلى المحبوب بالافتقار وصفاء الضمائر من الأكدار لا تختلجهم الشواغل ولا يطرق شرابهم الواغل أغنتهم الشواهد عن الدعوى وأصمتهم الرضى عن الشكوى وتقسمت معاملاتهم الآداب وصح منهم إلى مراتب المراقبة الانتداب والناقد بصير وكلام النيات قصير ومنهم المغلوب الحال المحمول من فوق الرحال رقص وشطح وسكر فافتضح فهو بلخ الرفقة وملوع الحرقة دعنى وعبدي بلخ فانه يضحكنى سبع مرات فى اليوم ومنهم من لم يأخذه نعت ولا تعين له فوق ولا تحت ولا حمد ولا مقت ولا حين ولا وقت لو نطق لقال أنا المعدوم الموجود والشاهد المشهود ( ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ) هود
( قضى وصلها لى وابتلاكم بحبها ... وهل يأخذ الإنسان غير نصيبه )
ولم يكن إلا أن خرجت الرقاع وفضلت البقاع ( ووفيت كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ) آل عمران
فكان فى رقعة طائفة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا

فيوحى بإذنه ما يشاء ) الشورى قلدتم العقل وله طور ورأيتم الحركات لا يتناهى لها دور وعالم الجزئيات لا يسبر له غور وحور المعاد فى بعض الفروض لا يكون له كور ويا شر ما أصبحتم فى المعاد الأول تعتقدونه أن جعلتم التصرف فى عالم الملك لمن دونه قفوا مكانكم ولوموا أنفسكم ودعوا شأنكم
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) الحديد أساطين الحكمة المشرقية وفراش الأنوار الحقيقية دعونا من استكثار الأنوار واحتشاد الأطوار الحق نور إرشاد لا يطيق حسن ذاته إلا من ركب ظهر شتاته فارفعوا الكلف واذكروا مجرى من تقدم وسلف
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون ) الأنعام لم تتركوا البراهين على أصلها ولا ناسبتم جنس هذه الموضوعات بفصلها وأثرتم شغبا طويلا وأوسعتم المتشابه تأويلا ولم تعتمدوا من العقل دليلا ولا وقفتم فى مجازات العقول قليلا وهولتم باصطلاح غيركم تهويلا وادعيتم الشهود ولم يجعل الله تعالى فى الاحتجاج به إلا للأنبياء سبيلا وبنيتم الحقائق على قياس ونظر من غير عين للعقل والنقل ولا أثر
( رب خل أدار فى اعتقادا ... لم أكن قبله عرفت بفنه )
( حكمت نفسه على علم غيبي ... جعل الله باطنى عند ظنه )
وعسى أن تكونوا ممن أخطأ فى اجتهاده فأثيب واستغفر فسمع لا

تثريب فثمرتكم صحيحة والمقاصد من التبعة مريحة إذا كانت صريحة ولولا الافتيات لوضحت فى ميدان السبق لكم الشيات لكن شانكم الهذيان وقلبت منكم بضعفائكم من المتأخرين الأعيان كابن قسى وابن برجان فتبراوا من أتباعكم المطيفة وأحزابكم المخيفة وأخلصوا فعل الأنصار يوم قتال بنى حنيفة وحبذا الحكم المقتدى ومن يهد الله فهو المهتدى واكبحوا الألسن عن طلاقتها وذلاقتها ولا تكلفوا العقول فوق طاقتها فلا بد من توقيف وتسليم وفوق كل ذي علم عليم وإذا محيتم فاثبتوا أو نطق إنسان فاسكتوا ولا ترضوا أن تكتبوا مع الذين كبتوا ولكم الحظ السنى والوصل الهنى
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ) الأنبياء ذهب بوجودكم العدم وابتلع حدوثكم القدم ورضيتم بالإشراف فى الاستشراف والتوغل لزيم الانحراف ومن جعل الحس وهما فقد كابر العيان ظلما والعقل الذى غلطكم هو آلة حكمكم وأداة علمكم والعوالم أوثق من أن تكون تمويه راقش والوجود المطلق أبسط من أن يصير أبا براقش ثم ما لكم والتبجح والتشبع والتعقب والتتبع ولم يغن العراك ووقع فى ثمرتكم الاشتراك فالفيلسوف يتحد بالعلة القريبة من الخلق ثم يتلاشى فى ذات الحق والحكيم يجوز إلى عين الحق رتبة الفناء المطلق والمتشرع قد

عضده ونصره كنت سمعه وبصره وإن كان معظم القول الهذر ففيكم بعد نظر
وكان فى أخرى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت أنتم الأحباب ولكم يفتح من الجنان الأبواب ركبتم ظهور الأعمال وركب غيركم ظهور الآمال وفزتم بسحب الأذيال ومن دونكم يحوك عناكب الخيال فبدايتكم الأساس الوثيق الذى يبنى عليه التحقيق ونهايتكم إليها ينتهى الطريق وبها يحط فريق الله تعالى ونعم الفريق أولكم المقرب المدرب وأوسطكم الفرد المعرب وآخركم الولي المقرب حضرتم بذكر محبوبكم حتى غبتم فهنيئا لكم طبتم حواس مسدودة وخيوط أفكار كلها ممدودة ومشاهد مشهودة ومغلطات تتجاوز حراسها وقواطع معترضة بحل مراسها إلى أن لا توجد تقية ولا تبقى بقية عند تجلى المعالم الخفية لو اشتمل العلم على عملكم لكان الكل من هملكم بحيث تتعين المراتب وتتميز وتتقرر المشارب وتتحيز فلا يعترض قاطع إلا وقد علم شانه وتعين وقته ومكانه ولا تمثل غاية إلا ودرجها محدودة ومراحلها معدودة ومشاهدها قبل دخول الطريق مشهودة فهناك تطوى المراحل ويلوح فى اللمحة القريبة الساحل ويأمن طول الطريق الواصل
وكان فى رقعة المحبين الذين قربوا قبل هذا اليوم وأدخلوا من بعد ما تخيروا للاصطفاء وانتخلوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض

والله سميع عليم ) آل عمران أنتم الأحباب ولباب الألباب وبوساطتكم اتصلت بين النفوس وبين الحق الأسباب لولاكم لم يفتح الباب فلا يصل إلا من أوصلتم ولا يحجب إلا من قطعتم وفصلتم أنتم الرعاة والخلق الهمل وأنتم الدعاة لمن يريد نيل الأمل مهدت لكم سرر القرب تمهيدا وبعثتم إلى الناس ليوحدوا الله توحيدا ( ولتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة فطوبى لمن أصاخ منكم إلى ندا واستضاء بنور هدى صلوات الله عليكم أبدا أنتم أولو الألوية المعقودة والعساكر المحشورة المحشودة ورؤساء أهل المحبة وأدلاء مبتغى الوسيلة والقربة ومسالككم قد بينتها الصحف المنزلة والملائكة المرسلة ودخلت على العذارى خدورها وعمت السماء وبدورها وأغنت عن تقرير نحلها المكاتب المائجة بالصبيان والسنن المعقودة لها حلق التبيان والقواعد المفترضة على الأعيان والخزائن المرصوصة بعلوم الأديان ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة وقيل لأتباعهم من الجمهور وأقطاب فلكهم المشهور على قدر أتباعكم مناقل أبواعكم وبحسب أقتدائكم يكون سماع ندائكم والمهاد لمن وثره ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) الزلزلة وتأخيركم فى التوقيع هو التقديم وساقى القوم آخرهم شربا مثل قديم قال المخبر فرأيت وجوههم قد تهللت ونواسم المسرات نحوهم قد أقبلت ومن سواهم من خالص وزائف بين راج وخائف وسمعت أن طائفة استدعيت بحث حفى وأدخلت من باب خفى قيل لهم هم أصحاب الخبر المكتوم وأرباب المقام غير المعلوم جعلنا الله تعالى منهم برحمته
( ولولا الحب ما قطعوا الفيافى ... ولولا الحب ما قطعوا البحارا )
( فدعهم والذى ركبوا إليه ... وبحثا عن خلاصك واختبارا )

( فلا تشغل بحب ديار ليلى ... ولكن حب من سكن الديارا ) وقال قبل هذه الخاتمة بعد كلام كثير ما نصه وقد أتينا على ما شرطنا من تقرير ما أمكن من هذه الآراء وهم ما بين سابق للخيرات ومقتصد وظالم لنفسه ومع ذلك مخبون وعلى آثار الحبيب مكبون ما كل طريق توصل ولا كل تجارة على الربح تحصل ومن العشاق مهجور ومطرود وموصل وموعود ومغبوط ومحسود ومحروم ومجدود ومرحوم ومردود
( يا غايتى ولكل شىء غاية ... والحب فيه تأخر وتقدم )
( قل لى بأي وسيلة يحظى بما ... يرجوه غيرى من رضاك وأحرم )
ورقة ولكل دائرة مفروضة وهالة حول قمر الحق معروضة تعود الخطوط من محيطها المسدد إلى مركزها المحدد فالفيلسوف يروم التشبث بالعلة الأولى ويعنى بها ذات الحق أو أن يتحد بالثانية وهى مرآة وجه الحق والإشراقى يروم التجوهر بنور الأنوار المعبر عنه بالحق والاتصال به إما بواسطة من الحق أو بغير واسطة من الحق والحكيم أن يؤديه فكره إلى الحق ثم يفنى فى الحق ثم يبقى بالحق والمتشرع أن يجن فى جنة الحق ويحصل على جوار الحق وينظر إلى جوار الحق وصاحب الوحدة المطلقة أن يكون المتفرق عين الحق فسبحان الحق المعبود بالحق الموجد الجمع فى الفرق لا إله إلا هو وزيد فى هذا المحض الذى كثر فى قربه الدعداع وطال على الرؤوس منه الصداع ما تفرد له المقالة المختصرة والعناية الميسرة بحول من لا حول ولا قوة إلا به انتهى
وقال رحمه الله تعالى فى عد ما عدد من فرق الاعتزال ما نصه

( الحب حركهم لكل جدال ... والحب أقحمهم على الأهوال )
( والحب قاطع بينهم وأضلهم ... عن نيل ما راموه كل ضلال )
( والحب أنشأ فيهم عصبية ... بالقيل أضرم نارها والقال )
وأنما استكثرنا من ذكرهم عبرة لمن تأمل حركات هذا الفراش المختلف الآراء عن ذبال الحق يبتغون إليه الوسيلة قوم بالطاعة وقوم بالمعصية وما منهم إلا مدع فى المحبة متهالك حريص على السعادة بزعمه ( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ) الغاشية ممن قصد الحق فأخطأه وأراد الصواب فضل عنه واشتهر بالحكمة بعد فى الملة الإسلامية جماعة بالمشرق والأندلس فمن المشارقة أبو الفرج ويعقوب الكندي وحنين بن إسحاق وثابت بن قرة فكان عندهم مباشرتها من حيث الترجمة والمزاولة إلى أن قال ومن أهل الأندلس محمد بن مسعدة السرقسطى واحمد بن طاهر الطرطوشي ويحيى بن عمران القرطبى وطفيل بن عاصم وكليب بن همام البياسى والحسن بن حرب الدانى وابن مسرة ومسلمة المجريطى وأبو بكر ابن الصائغ وأبو بكر ابن طفيل وأبو الوليد ابن رشد وكل هؤلاء المتقدمين والمتأخرين محب عاشق مستهلك قال الشاعر
( وعلى أن أسعى وليس ... على إدراك النجاح )
( حيارى يميد بهم شجوهم ... كأنهم ارتضعوا الخندريسا )

( إذا لم يكن عون من الله للفتى ... أتته الرزايا من وجوه الفوائد ) ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) هود ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) الأعراف ( قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) الأنعام والخلق قد مدوا أبصارهم وآمالهم وتحركوا طوعا وكرها يعشون إلى نور الله تعالى فمن أعمى أصم لا يسمع ولا يبصر وأعمى فقط يجتزىء عن العيان بالمخبر وأحول يبصر الشىء شيئين والواحد اثنين كما قال الشاعر
( أحوى الجفون له رقيب أحول ... الشىء فى إدراكه شيئان )
( فيلوح فى عينى منه واحد ... ويلوح فى عينيه منه اثنان )
( يا ليته ترك الذى أنا مبصر ... وهو المخير فى الحبيب الثانى )
وضعيف لا يبصر من بعيد وأجهر لا يبصر من قريب وأعشى تكثر فى عينيه الأشعة وربما تندر وزرقاء اليمامة
( سبحان من قسم الحظوظ ... فلا عتاب ولا ملامة )
( أعشى وأعمى ثم ذو ... بصر وزرقاء اليمامة )
( لولا استقامة من هداه ... لما تبينت العلامة )
( ومجاور الغرر المخيف ... له البشارة بالسلامه )
أقام سبحانه الحجة وفرق بين الأمر والإرادة وأعطى الكفاية من القدرة ( فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) الحديد اقتصرنا من هذا البحر

على نقطة ومن هذا الودق على قطرة
( ومن يسد طريق العارض الهطل ... )
( عد الحصى والقطر ليس يرام ... )
وذكرنا الرسل والأنبياء والأتباع ذكرا من غير تبويب ولا تعيين لشياع آرائهم والعلم بمقاصد مللهم وأغراض دعواتهم من توحيد الله تعالى وتنزيهه وصفاته وأسمائه وكيف يحشر الناس ليوم لا ريب فيه ( ولتجزى كل نفس بما كسبت ) الجاثية وتعليم طرق النجاة وإيضاح سبيل الله تعالى والتحذير من الغفلة عمن إليه الرجعى وله الآخرة والأولى والتخويف من كل ما يقطع عنه والترغيب فيما يوصل إليه وشأن الرياضة والتدريج فى أحوالها حتى تنتقل من الظواهر إلى البواطن وتسرى فى الخلف من السلف والندب إلى الاقتصار على الضرورة والقناعة بالبلاغ وتبين الرسم فيها والتعيين لحدودها قد تضمنت ذلك كله آيات الله التى تكفل بحفظها وسنة رسوله التى قيض مناخل الصدق لتصحيح نقلها فالمكاتب والمنة لله تعالى مائجة والمدارس حافلة فما لنا والإطالة فى الموجود الذائع والمشهور الشائع
( والشمس تكبر عن حلى وعن حلل )
( فهى الدراري فى التقليد بالدرر )
ما أغنى الشمس عن مدح المادح تحصيل الحاصل عناء ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) التوبة
فلنذكر بعض أرباب الآراء من قريب وبعيد وخلق جديد على صورة

المثال المفروض وليكون كعرض الحبوب الذى تجزىء منه الحفنة عن الجفنة والقربة عن القرية ونقتصر على اليسير لإقامة الترتيب وإحكام التبويب وليرى الواقف عليه أننا قد نفضنا الزوايا ورشفنا الروايا وإمتككنا العظام واستقصينا النظام حرصا على نشيدة الحق أن تعقل وعلى الطباع أن تنقل وعلى المرائى الصدئة أن تصقل وعلى صورة النجاة أن تمقل ونسأل الله تعالى هداية توصل إليه لا إله إلا هو الرحمن الرحيم انتهى
وقال رحمه الله تعالى فيما قبل هذا الكلام بكلام ما صورته غصن المحبين وأصنافهم المرتبين ويشتمل على مقدمة بيان وستة أفنان
فالمقدمة فنقول أصناف المحبين والعشاق كثير وهباء نثير وجراد أثارها مثير بحيث يشق إحصاؤهم ولا يتاتى استقصاؤهم
( فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى ... قتيلك قالت أيهم فهم كثر ) ثم مد النفس بما لا يقتضى المقام الاختصاري ذكره فى هذا الموضع
وقال رحمه الله تعالى فى بعض تراجم الروضة وهى الخاتمة التى تنبه النفوس الصبة على حكم المحبة ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) الأنفال بعد كلام ما صورته فقر فى معنى هذه الخاتمة فيها حكم تنثال وتجرى مجرى الأمثال
المحبة بحر بعيد الشط وخط والفناء منتهى الخط ( إنا عرضنا الأمانة ) إلخ الأحزاب
المحبة مهوى بعيد ومجال وعد ووعيد مرجل يغلى ثم خيال يولي وليس له حد عليه يعول
المحبة ظهر لا يركبه من يرى الموت فيتنكبه ولا يعلوه من يأتى

إلى وادى الفناء فيسلوه ( إن الله مبتليكم بنهر ) البقرة كم قصمت المحبة من ظهر وكم سر صيرت إلى جهر أولها العار المشهور وآخرها الطى المنشور ثم الموت ثم النشور ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب ) الزمر
المحبة أنس يستدرج ثم شوق يلجم ويسرج ثم فناء يزعج عن الوجود ويخرج
( على قدر أهل العزم تأتى العزائم )
المحبة كاس كم جردت من كاس وآس من شمه لم يجد من آس
( متى أرتجى يوما شفائى من الضنى ... إذا كان من يجنى على طبيبي )
تزاحم أنفاس المحبين على خطرات الصبا تزاحم الهباء على مطارح شعاع الدبا فلولا بليلها لالتهبت وتعليل عليلها لتلك الأرماق لذهبت
( عليلة فى حواشى مرطها بلل ... يهدى لكل عليل منه إبلال )
المحبة رقة ثم فكرة مسترقة ثم ذوق يطير به شوق ثم وجل لا يبقى معه طوق ثم لا تحت ولا فوق
( أينما كنت لا أخلف رحلا ... من رآنى فقد رآنى ورحلى )
الهوى هوان وحمام له ألوان دمع ساجم ووجد هاجم وهيام لا يبرح ثم وراءه ما لا يشرح قال
( بمن جن وهل فى الورى ... ما يبعث الخبل سوى حبه )
من اقتحم بحر الهوى هوى لا تدخل فى بحر الهوى حتى تشاور صبرك وتجاور قبرك فان كنت منا أو فرح بسلام
الهوى طريق ولسلوكه فريق الزاد سر مكتوم ووفاء معلوم

( وللميادين أبطال لها خلقوا ... وللدواوين حساب وكتاب )
الحب حج ثان لا يثنى نفس المريد عنه ثان طريقة التجريد وزاده الذكر وطوافه المعرفة وإفاضته الفناء ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) البقرة
الغرام صعب المرام والدخول فيه حرام ما لم يكن فيه شروط كرام من عرف ما أخذ هان عليه ما ترك ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) القصص ظهر الهوى طريقا سهلا فكثر التائهون جهلا
( إذا لم يكن عون من الله للفتى ... أتته الرزايا من وجوه الفوائد ) والعكس
( قد يخبأ المحبوب فى مكروهها ... من يخبأ المكروه فى المحبوب ) وقال الشيخ
( هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل ... فما اختاره مضنى به وله عقل )
( وعش خاليا فالحب راحته عنا ... واوله سقم وآخره قتل )
( نصحتك علما بالهوى والذى أرى ... مخالفتى فاختر لنفسك ما يحلو )
( فمن لم يمت فى حبه لم يعش به ... ودون اجتناء النحل ما جنت النحل )
طريق القوم مبنية علىالموت وإليه الإشارة بقوله موتوا قبل أن تموتوا بيدى لا بيد عمرو وقال بعضهم رأيت رب العزة فقلت يا رب بم أصل اليك قال فارق نفسك وتعال

( رفض السوى فرض على العين ... لا تخلطن الحق بالمين )
( والأين والكيف سوى ظاهر ... فاستغن عن كيف وعن أين )
الخشب الذى يتخذ منه النشب ينقسم إلى أقسام وأجزاء جسام القسم الأول فى الحدود والمعرفات والأسماء الواقعة والصفات
وللسان الدين رحمه الله تعالى فى المواعظ اليد الطولى قال فى الروضة فى الفصل الثانى فى محركات العزيمة وهى اليقظة ما نصه قلت والمحركات المشتركات فى باعث اليقظة كثيرة منها الوعظ السائق بمقود الشارد عن الله تعالى إلى مربط التوبة ومحرك العزيمة يردد أذانه على نوام أهل الكهف وقد ضرب نوم الغفلة على آذانهم حتى يحول بينهم وبين أذانهم ويركبهم ظهر الرياضة التى تلحقهم بالمجذوبين من إخوانهم ولما كان حب الدنيا هو المانع عن الشروع فى إطلاق العمل والقاطع به بعده لم يجد أساة خبل الهوى وجنون الكسل أنجع من رقى العذل والتأنيب وتقبيح المحبوب سيما إذا انزعجت نبال نبله عن حنيات ضلوع الصدق وقال بعضهم الكلام إذا خرج من القلب دخل القلب
( أوقد النار من رسالة ليلى ... واحذر السيل بعدها من دموعى )
ولا تعدل الوعظ البليغ باللسان الفصيح والقلب القريح فإذا رأيت الأرض قد اهتزت وربت وهضاب القلوب القاسية قد تقلبت فشمر للغراس والزراع عن الذراع واغتنم السراع والإسراع
( إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فإن لكل عاصفة سكونا )
( حفر لها ماء يريها بدأة ... واضمن لها حوضا وإن لم تحفر )
( واربأ بنفسك عن تسامح بائع ... واغنم إذا سامتك شهوة مشترى )
قالوا الوعظ يضرب وجه النفس عن التثبط فى بساط اللذات وينقل

خطواتها عن الخطو فى ملعب الخطيئات ويمثل لها الصبر عيانا ويبين العواقب المحجوبة بيانا وينشىء سحاب الحزن فى أجواف أجزائها ويذكرها بمآلها وانتهائها ويعرض عليها مصارع فنائها وخراب بنائها وفراق حبائبها وأبنائها عند نزول هاذم اللذات بفنائها فترجع إلى الله تعالى بحكم الاضطرار أفكارها وتخشع من خيفة الله تعالى وجلاله أبصارها
والوعظ يكون بلسانين ويوجد فنين لسان حال ولسان مقال وربما كان لسان الحال ابلغ وهو يسمع من القبور الموحشة والقصور الخالية والعظام البالية وفيه حكايات وأخبار ولسان المقال كقوله سبحانه وتعالى ( وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ) إبراهيم وهو سبيل الله تعالى التى بعث بها النبيين وضمن فصولها الكتاب المبين والسوط الذى يحمل على الأوبة ويسوق ذود المتطهرين إلى غدير التوبة ونحن نجعله هينمة بين يدي الفراسة لتزكية النفوس إن صدق حكم الفراسة فمن ذلك ما صدر عنى على لسان واعظ
الحمد لله الولى الحميد المبدىء المعيد البعيد فى قربه من العبيد القريب فى بعده فهو أقرب من حبل الوريد محيى ربوع العارفين بتحيات حياة التوحيد ومغنى نفوس الزاهدين بكنوز احتقار الافتقار إلى العرض الزهيد ومخلص خواطر المحققين من سجون دجون التقييد إلى فسح التجريد نحمده وله الحمد المنتظمة درره فى سلوك الدوام وسموط التأبيد حمد من نزه أحكام وحدانيته وأعلام فردانيته عن مرابط التقليد ومخابط الطبع البليد ونشكره شكر من افتتح بشكره ابواب المزيد ونشهد أنه الله الذى لا إله إلا هو شهادة نتخطى بها معالم الخلق إلى حضرة الحق على كبد التفريد ونشهد أن محمدا عبده ورسوله قلادة الجيد المجيد وهلال العيد وفذلكة الحساب وبيت القصيد المخصوص بمنشور الإدلال

واقطاع الكمال بين مقام المراد ومقام المريد الذى جعله السبب الأوصل فى نجاة الناجى وسعادة السعيد وخاطب الخلائق على لسانه الصادق بحجتى الوعد والوعيد فكان مما أوحى به إليه وأنزل الملك به عليه من الذكر الحميد ليأخذ بالحجز والأطواق من العذاب الشديد ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ق الى قوله حديد صلى الله عليه وعلى آله صلاة تقوم ببعض حقه الأكيد وتسرى إلى تربتة الزكية من ظهور المواجد الجائية على البريد
( قعدت لتذكير ولو كنت منصفا ... لذكرت نفسى فهى أحوج للذكرى )
( إذا لم يكن منى لنفسى واعظ ... فيا ليت شعرى كيف أفعل فى الأخرى )
آه أي وعظ بعد وعظ الله تعالى يا أحبابنا يسمع وفى ماذا وقد تبين الرشد من الغي يطمع يا من يعطى ويمنع إذا لم تقم الصنيعة فماذا نصنع اجمعنا بقلوبنا يا من يفرق ويجمع ولين حديدها بنار خشيتك فقد استعاذ نبيك صلى الله عليه و سلم من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع اعلموا رحمكم الله أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من الأقوال والأحوال ومن الجماد والحيوان وما أملاه الملوان فإن الحق نور لا يضره أن يصدر من الخامل ولا يقصر بمحموله احتقار الحامل وانتم تدرون انكم فى أطوار سفر لا تستقر لها دون الغاية رحله ولا تتأتى معها إقامة ولا مهلة من الأصلاب إلى الأرحام إلى الوجود الى القبور الى النشور إلى إحدى داري البقاء أفى الله شك فلو أبصرتم مسافرا فى البرية يبنى ويفرش ويمهد ويعرش ألم تكونوا تضحكون من جهله وتعجبون من ركاكة عقله

ووالله ما أموالكم ولا أولادكم وشواغلكم عن الله التى فيها اجتهادكم إلا بقاء سفر فى قفر أو إعراس فى ليلة نفر كأنكم بها مطرحة تعبر فيها المواشى وتنبو العيون عن خبرها المتلاشي ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) الانفال ما بعد المقيل إلا الرحيل ولا بعد الرحيل إلا المنزل الكريم أو المنزل الوبيل وانكم تستقبلون أهوالا سكرات الموت بواكر حسابها وعتب أبوابها فلو كشف الغطاء عن ذرة منها لذهلت العقول وطاشت الألباب وما كل حقيقة يشرحها الكلام ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) فاطر أفلا أعددتم لهذه الورطة حيلة وأظهرتم للاهتمام بها مخيلة اتعويلا على عفوه مع المقاطعة وهو القائل فى مقام التهديد ( إن عذابى لشديد ) إبراهيم أأمنا من مكره مع المنابذة ( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) الاعراف أطمعا فى رحمته مع المخالفة وهو يقول ( فسأكتبها للذين يتقون ) الاعراف أمشاقة ومعاندة ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب الحشر أشكا فى الله فتعالوا نعيد الحساب ونقرر العقد ونتصف بدعوة الحق أو غيرها من اليوم تفقد عقد العقائد عند التساهل بالوعيد فالعامى يدمي الإصبع الوجعة والعارف يضمد لها مبدأ العصب
( هكذا هكذا يكون التعامى ... هكذا هكذا يكون الغرور )
( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) يس وما عدا عما بدا ورسولكم الحريص عليكم الرؤوف الرحيم يقول لكم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى فعلام بعد هذا المعول وماذا يتأول اتقوا الله سبحانه فى نفوسكم وانصحوها واغتنموا فرص الحياة واربحوها ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله وأن كنت لمن الساخرين )

الزمر وتنادي أخرى ( هل إلى مرد من سبيل ) الشورى وتستغيث أخرى ( يا ليتنا نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل ) الاعراف وتقول أخرى ( رب ارجعون ) المؤمنون فرحم الله من نظر لنفسه قبل غروب شمسه وقدم لغده من أمسه وعلم أن الحياة تجر إلى الموت والغفلة تقود الى الفوت والصحة مركب الألم والشبيبة سفينة تقطع إلى ساحل الهرم
وأن شاء قال بعد الخطبة إخوانى ما هذا التوانى والكلف بالوجود الفانى عن الدائم الباقى والدهر يقطع الأمانى وهاذم اللذات قد شرع فى نقض المبانى ألا معتبر فى عالم هذه المعانى ألا مرتحل عن مغابن هذه المغانى
( ألا أذن تصغى إلى سميعه ... احدثها بالصدق ما صنع الموت )
( مددت لكم صوتى فأواه حسرة ... على ما بدا منكم فلم يسمع الصوت )
( هو القدر الآتى على كل أمة ... فتوبوا سراعا قبل أن يقع الفوت )
يا كلفا بما لا يدوم يا مفتونا بغرور الوجود المعدوم يا صريع جدار الأجل المهدوم يا مشتغلا ببنيان الطرق قد ظهر المناخ وقرب القدوم يا غريقا فى بحار الأمل ما عساك تعوم يا معلل الطعام والشراب ولمع السراب لا بد أن تهجر المشروب وتترك المطعوم دخل سارق الأجل بيت عمرك فسلب النشاط وأنت تنظر وطوى البساط وانت تكرب واقتلع جواهر الجوارح وقد وقع بك النهب ولم يبق إلا أن يجعل الوسادة على أنفك ويقعد
( لو خفف الوجد عنى ... دعوت طالب ثاري )
( كلا إنها كلمة هو قائلها ) المؤمنون كيف التراخى والفوت مع الأنفاس ينتظر كيف الأمان وهاجم الموت لا يبقى ولا يذر كيف الركون الى الطمع الفاضح وقد صح الخبر من فكر فى كرب الخمار تنغصت عنده

لذة النبيذ من احس بلغط الحريق فوق جداره لم يصغ بصوته لنغمه العود من تيقن بذل العزلة هان عليه ترك الولاية
( ما قام خيرك يا زمان بشره ... أولى لنا ما قل منك وما كفى )
أوحى الله سبحانه الى موسى صلوات الله وسلامه عليه أن ضع يدك على متن ثور فبعدد ما حاذته من شعره تعيش سنين فقال يا رب وما بعد ذلك قال تموت قال يا رب فالآن
( رأى الأمر يفضى الى آخر ... فصير آخره أولا )
إذا شعرت نفسك بالميل الى شىء فاعرض عليها غصة فراقه ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) الانفال فالمفروح به هو المحزون عليه اين الأحباب مروا فيا ليت شعري اين استقروا استكانوا والله واضطروا واستغاثوا بأوليائهم ففروا وليتهم إذا لم ينفعوا ما ضروا فالمنازل من بعدهم خالية خاوية والعروش ذابلة ذاوية والعظام من بعد التفاضل متشابهة متساوية والمساكن تندب فى أطلالها الذئاب العاوية
( صحت بالربع فلم يستجيبوا ... ليت شعرى اين يمضى الغريب )
( وبجنب الدار قبر جديد ... منه يستسقى المكان الجديب )
( غاض قلبى فيه عند التماحى ... قلت هذا القبر فيه الحبيب )
( لا تسل عن رجعتى كيف كانت ... أن يوم البين يوم عصيب )
( باقتراب الموت عللت نفسى ... بعد إلفى كل آت قريب )
أين المعمر الخالد اين الولد اين الوالد اين الطارف اين التالد اين المجادل اين المجالد ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) مريم وجوه علاهن الثرى وصحائف تفض وأعمال على الله تعرض بحث الزهاد

والعباد والعارفون والأوتاد والأنبياء الذين يهدى بهم العباد عن سبب الشقاء الذى لا سعادة بعده فلم يجدوا إلا البعد عن الله تعالى وسببه حب الدنيا لن تجتمع أمتى على ضلالة
( هجرت حبائبى من أجل ليلى ... فما لي بعد ليلي من حبيب )
( وماذا أرتجي من وصل ليلى ... ستجزى بالقطيعة عن قريب )
وقالوا ما أورد النفس الموارد وفتح عليها باب الحتف إلا الأمل كلما قومتها مثاقف الحدود فتح لها أركان الرخص كلما عقدت صوم العزيمة أهداها طرف الغرور فى أطباق حتى وإذا ولكن وربما فأفرط القلب فى تقليبها حتى أفطر
( ما أوبق الأنفس إلا الأمل ... وهو غرور ما عليه عمل )
( يفرض منه الشخص وهما ما له ... حال ولا ماض ولا مستقبل )
( ما فوق وجه الأرض نفس حية ... إلا قد انقض عليها الأجل )
( لو أنهم من غيرها قد كونوا ... لامتلأ السهل بهم والجبل )
( ما ثم إلا لقم قد هيئت ... للموت وهو الآكل المستعجل )
( والوعد حق والورى فى غفلة ... قد خودعوا بعاجل وضللوا )
( اين الذين شيدوا واغترسوا ... ومهدوا وافترشوا وظللوا )
( اين ذوو الراحات زادت حسرة ... إذ جنبوا إلى الثرى وانتقلوا )
( لم تدفع الأحباب عنهم غير أن ... بكوا على فراقهم وأعولوا )
( الله فى نفسك أولى من له ... ذخرت نصحا وعتابا يقبل )
( لا تتركنها فى عمىوحيرة ... عن هول ما بين يديها تغفل )
( حقر لها الفانى وحاول زهدها ... وشوقها الى الذى تستقبل )
( وفد الى الله بها مضطرة ... حتى ترى السير عليها يسهل )

( هو الفناء والبقاء بعده ... والله عن حكمته لا يسأل )
( يا قرة العين ويا حسرتها ... يوم يوفى الناس ما قد عملوا )
يا طرداء المخالفة إنكم مدركون فاستبقوا باب التوبة فان رب تلك الدار يجير ولا يجار عليه فإذا أمنتم فاذكروا الله كما هداكم يا طفيلية الهمة دسوا أنفسكم بزمر التائبين وقد دعوا إلى دعوة الحبيب فإن لم يكن أكل فلا أقل من طيب الوليمة قال بعض العارفين اذا عقد التائبون الصلح مع الله تعالى انتشرت رعايا الطاعة فى عمالة الأعمال ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب ) الزمر معانى هذا المجلس والله نسيم سحر إذا استنشقه مخمور الغفلة أفاق سعوط هذا الوعظ ينغص إن شاء الله زكمه البطالة إن الذى أنزل الداء أنزل الدواء إكسير هذا الكتاب يقلب بحكمة جابر القلوب المنكسرة عين من كان له قلب ( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ) الانعام إلهى دلنا من حيرة يضل فيها إلا إن هديت الدليل وأجرنا من غمرة وكيف إلا بإعانتك السبيل نفوس صدىء على مر الأزمان منها الصقيل ونبا بجنوبها عن الحق المقيل وآذان أنهضها القول الثقيل وعثرات لا يقيلها إلا أنت يا مقيل العثار يا مقيل أنت حسبنا ونعم الوكيل انتهى
ومن مواعظ لسان الدين رحمه الله سبحانه ما أورده فى الروضة إثر ما سبق إذ قال إخوانى صمت الآذان والنداء جهير وكذب العيان والمشار إليه شهير اين الملك واين الظهير اين الخاصة اين الجماهير اين القبيل والعشير اين كسرى بن أردشير صدق والله الناعى وكذب البشير وغش المستشار واتهم المشير وسئل عن الكل فأشار إلى التراب المشير
( خذ من حياتك للممات الاتى ... وبدار ما دام الزمان مواتى )
( لا تغترر فهو السراب بقيعة ... قد خودع الماضى به والآتى )

( يا من يؤمل واعظا ومذكرا ... يوما ليوقظه من الغفلات )
( هلا اعتبرت ويا لها من عبرة ... بمدافن الآباء والآمات )
( قف بالبقيع وناد فى عرصاته ... فلكم بها من جيرة ولدات )
( درجوا ولست بخالد من بعدهم ... متميز عنهم بوصف حياة )
( والله ما استهللت حيا صارخا ... إلا وانت تعد فى الأموات )
( لا فوت عن درك الحمام لهارب ... والناس صرعى معرك الآفات )
( كيف الحياة لدارج متكلف ... سنة الكرى بمدارج الحيات )
( أسفا علينا معشر الأموات لا ... ننفك عن شغل بهاك وهات )
( ويغرنا لمع السراب فنغتدى ... فى غفلة عن هاذم اللذات )
( والله ما نصح امرءا من غشه ... والحق ليس بخافت المشكاة )
يا من غدا وراح والف المراح يا من شرب الراح ممزوجة بالعذب القراح وقعد لعيان صروف الزمان مقعد الأفراح كأنك والله باختلاف الرياح وسماع الصياح وهجوم غارة الاجتياح فأديل الخفوت من الارتياح ونسيت أصوات الغناء برنات الرياح وعوضت عرر النوب القباح من غرر الوجوه الصباح وتناولت الجسوم الناعمة أيدي الأطراح وتنوسيت العهود الكريمة بمر المساء عليها والصباح وأصبحت كماة النطاح من تحت البطاح وخملت المهندة والرماح ذليلة من بعد الجماع
( ولو كان هول الموت لا شىء بعده ... لهان علينا الأمر واحتقر الهول )
( ولكنه حشر ونشر وجنه ... ونار وما لا يستقل به القول )
يا مشتغلا بداره ورم جداره عن إسراعه الى النجاة وبداره يا من صاح بإنذاره شيب عذاره يا من طرف عين اعتذاره بأقذاره يا من قطعه بعد مزاره وثقل أوزاره يا معتلفا ينتظر هجوم جزاره يا مختلسا للأمانة

324 - يرتقب مفتش ما تحت إزاره يا من أمعن فى خمر الهوى خف من إسكاره يا من خالف مولى رقه توق من إنكاره يا كلفا بعارية ترد يا مفتونا بأنفاس تعد يا معولا على الإقامة والرحال تشد كأنى بك وقد أوثق الشد والصق بالوسادة الخد والرجل تقبض والأخرى تمد واللسان يقول ( يا ليتنا نرد ) الانعام
( إنا إلى الله وأنا له ... ما أشغل الإنسان عن شانه )
( يرتاح للأثواب يزهى بها ... والخيط مغزول لأكفانه )
( ويخزن الفلس لوراثه ... مستنفدا مبلغ أكوانه )
( قوض عن الفانى رحال امرىء ... مد اليه عين عرفانه )
( ما ثم إلا موقف زاهد ... قد وكل العدل بميزانه )
( مفرط يشقى بتفريطه ... ومحسن يجزى بإحسانه )
يا هذا خفى عليك مرض اعتقادك فالتبس الشحم بالورم جهلت قيم المعادن فبعت الشبه بالذهب فسد حس ذوقك فتفكهت بحنظلة اين حرصك من أجلك أين قولك من عملك يدركك الحياء من الطفل فتتحامى حمى الفاحشة فى البيت بسببه ثم تواقعها بعين خالق العين ومقدر الكيف والأين تالله ما فعل فعلك بمعبوده من قطع بوجوده ( ما يكون من نجوى ثلاثة - إلى عليم ) المجادلة تعود عليك مساعى الجوارح التى سخرها لك بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة فتبخل منها فى سبيله بفلس واحد الأمرين لازم إما التكذيب وإما الحماقة وجمعك بين الحالتين عجيب يرزقك السنين العديدة من غير حق وجب لك وتسىء الظن به فى يوم توجب الحق وتعتذر بالغفلة فما بال التمادي تعترف بالذنب فما

الحجة فى الإصرار ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) الاعراف يا مدعى النسيان ماذا فعلت بعد التذكير يا معتذرا بالغفلة اين ثمرة التنبيه يا من قطع بالرحيل اين الزاد يا ذبابه الحرص كم ذا تلجج فى ورطة الشهد يا نائما ملء عينيه حذار الأجل قد انذر يا ثمل الاغترار قرب خمار الندم تدعى الحذق بالصنائع وتجهل هذا القدر تبذل النصح لغيرك وتغش نفسك هذا الغش اندمل جرح توبتك على عظم قام بناء عزمتك على رمل نبتت خضراء دعوتك على دمنه عقدت كفك من الحق على قبضة ماء ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) فاطر إذا غام جو هذا المجلس وابتدأ رش غمام الدموع قالت النفس الأمارة حوالينا لا علينا فدالت رياح الغفلة وسحاب الصيف هفاف كلما شد طفل العزيمة على درة التوبة صانعته ظئر الشهوة عن ذلك بعصفور إذا ضيق الخوف فسحة المهل سرق الأمل حدود الجار قال بعض الفضلاء كانوا إذا فقدوا قلوبهم تفقدوا مطلوبهم ولو صدق الواعظ لأثر اللهم لا أكثر
( طبيب يداوي الناس وهو عليل )
والخطب جليل والمتفطن قليل فهل إلى الخلاص سبيل اللهم انظر الينا بعين رحمتك التى وسعت الأشياء وشملت الأموات والأحياء يا دليل الحائرين دلنا يا عزيز ارحم ذلنا يا ولى من لا ولى له كن لنا كلنا أن أعرضت عنا فمن لنا نحن المذنبون وأنت غفار الذنوب فقلب قلوبنا يا مقلب القلوب واستر عيوبنا يا ستار العيوب يا أمل الطالب ويا غاية المطلوب انتهى
ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى فى المواعظ ما خاطب به بعض من استدعى منه الموعظة ونصه

( إذا لم انح يوما على نفسى التى ... بجرائها احببت كل حبيب )
( وقد صح عندي أن عادية الردى ... تدب لها والله كل دبيب )
( فمنذا الذى يبكى عليها بادمعى ... إذا كنت موصوفا برأي لبيب )
كم قد نظرت إلى حبيب تغار من إرسال طرفك بكتاب الهوى إلى انسانه وقد ذبلت بالسقم نرجسه لحظة وذوت وردة خده واصفرت لمغيب الفراق شمس حسنه وهو يجود بنفسه التى كان يبخل منها بالنفس يخاطب بلسان حالة مترجما وليت الفجل يهضم نفسه وأنت على أثر مسحبة إلى دست الحكم ( وما أدري ما يفعل بى ولا بكم ) الاحقاف ومنها تالله لو لم يكن المخبر صادقا لنشب بحلق العيش بعده شوكة الشك
( ولو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي )
( ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسال بعده عن كل شي )
فالحازم من بتر الآمال طوعا وقال بيدي لا بيد عمرو ( يا أيها الناس أن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) فاطر وقال أمير الوعاظ رحمه الله تعالى
3 - ( وبضدها تتبين الأشياء )
يا مقتولا ما له طالب ثار بريد الموت مطلق الأعنة فى طلبك وما يحميك حصن ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك والأنفاس تستلب ذرات ذاتك وحركات الزمان قوية فى النسج الضعيف فيا سرعة التمزق يا رابطا مناه بخيط الأمل إنه ضعيف الفتل صياد التلف قد بث الصقور وأرسل العقبان ونصب الأشراك وقطع المواد فكيف السلامة تهيأ

لسرعة الموت وأشد منها قلب القلب ليت شعري لما يؤول الأمر
( فو الله لا أدرى أيغلبنى الهوى ... إذا جد جد البين أم أنا غالبه )
( فان استطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذى لاقيت يغلب صاحبه )
مركب الحياة يجرى فى بحر البدن برخاء الأنفاس ولا بد من عاصف قاصف بفلكه ويغرق الركاب
( فاقضوا مآربكم عجالا إنما ... أعماركم سفر من الأسفار )
وقال كأنك بحرب التلف قد قامت على ساق وانهزمت جنود الأمل وإذا بملك الموت قد بارز الروح يجذبها بخطاطيف الشدائد من قنان العروق وقد شد كتاف الذبيح وحار البصر لشدة الهول وملائكة الرحمة عن اليمين قد فتحوا أبواب الجنة وملائكة العذاب عن اليسار قد فتحوا أبواب النار وجميع المخلوقات تستوكف الخبر والكون كله قد فاء على صيحة سعد فلان أو شقى فلان فهنالك تنجلى أبصار الذين كانت أعينهم فى غطاء عن ذكرى ويحك تهيأ لتلك الساعة حصل زادا قبل الفوت
( تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار )
مثل لعينيك سرعة الموت وما قد عزمت أن تفعل حينئذ فى وقت الأسر فافعله فى وقت الإطلاق وقال أبو العتاهية
( خانك الطرف اتئد ... أيها القلب الجموح )
( فدواعى الخير والشر ... دنو ونزوح )
( كيف إصلاح قلوب ... إنما هن قروح )

( أحسن الله بنا ... أن الخطايا لا تفوح )
( فإذا المشهور منا ... بين ثوبيه فضوح )
( كم رأينا من عزيز ... طويت عنه الكشوح )
( صاح منه برحيل ... طائر الدهر الصدوح )
( موت بعض الناس فى الأرض ... على بعض فتوح )
( سيصير المرء يوما ... جسدا ما فيه روح )
( بين عيني كل حي ... علم الموت يلوح )
( كلنا فى غفلة ... والدهر يغدو ويروح )
( لبنى الدنيا من الدنيا ... غبوق وصبوح )
( رحن فى الوشي واصبحن ... عليهن المسوح )
( كل نطاح من الدهر ... له يوما نطوح )
( نح على نفسك يا ... مسكين ان كنت تنوح )
( لتنوحن ولو عمرت ... ما عمر نوح ) وقال فى المعنى
( لمن طلل اسائله ... معطلة مناهله )
( غداة رأيته تنعى ... أعاليه أسافله )
( وكنت أراه مأهولا ... ولكن باد آهله )
( وكل لاعتساف الدهر ... معرضة مقاتله )
( وما متملك إلا ... وريب الدهر شامله )
( فيصرع من يصارعه ... وينضل من يناضله )
( ينازل من يهم به ... وأحيانا يخاتله )

( واحيانا يؤخره ... وتارات يعاجله )
( كفاك به إذا نزلت ... على قوم كلاكله )
( وكم قد عز من ملك ... تحف به قبائله )
( ويثنى عطفه مرحا ... وتعجبه شمائله )
( فلما إن أتاه الحق ... ولى عنه باطله )
( فخفض عينه للموت ... واسترخت مفاصله )
( فما لبث السياق به ... إلى إن جاء غاسله )
( فجهزه إلى جدث ... سيكثر فيه خاذله )
( ويصبح شاحط المثوى ... مفجعة ثواكله )
( مخمشة نوادبه ... مسلبة حلائله )
( وكم قد طال من أمل ... فلم يدركه آمله )
( رأيت الحق لا يخفى ... ولا تخفى شواكله )
( ألا فانظر لنفسك أي ... زاد انت حامله )
( لمنزل وحدة بين ... المقابر أنت نازله )
( قصير السمك قد رضمت ... عليك به جنادله )
( بعيد تجاور الجيران ... ضيقة مداخله )
( أأيتها المقابر فيك ... من كنا ننازله )
( ومن كنا نتاجره ... ومن كنا نعامله )
( ومن كنا نعاشره ... ومن كنا نداخله )
( ومن كنا نشاربه ... ومن كنا نؤاكله )

( ومن كنا نفاخره ... ومن كنا نطاوله )
( ومن كنا نراقبه ... ومن كنا نزايله )
( ومن كنا نكارمه ... ومن كنا نجامله )
( ومن كنا له إلفا ... قليلا ما نزايله )
( ومن كنا له بالأمس ... إخوانا نواصله )
( فحل محله من حلها ... صرمت حبائله )
( ألا ان المنية منهل ... والخلق ناهله )
( اواخر من ترى تفنى ... كما فنيت أوائله )
( لعمرك ما استوى فى الأمر ... عالمه وجاهله )
( ليعلم كل ذي عمل ... بان الله سائله )
( فأسرع فأئزا بالخير ... قائله وفاعله )
ثم قال لسان الدين رحمه الله تعالى بعد ما سبق ما صورته وهذا الغرض بحر ويكفي من خزائنه عرض ومن بيت ماله قرض ان شاء الله تعالى
ثم قال تنبيه يشتمل على سؤالين أحدهما أن يقال الوعظ غير مناسب للمحبة إذ لا يحصل إلا بعد الفراغ واليقظة الثانى أن يقال عظمتم الحسرة لفراق عالم الحس وأطلتم فى قشور فنجيب عن الأول أنا لم نجلب الوعظ إلا بين يدى تأميل حضور المحبة فكأنه يجري مجرى الأسباب فإن الغرض به وجهة النفس من جو السرور واللعب بالزور إلى جو الحزن والارتماض ومن هنالك تأخذ بخطامها أيدي الاضطرار فتحصل اليقظة ثم التوبة ومنها يستقيم الطريق فى منازل السائرين إلى الحق

( والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد الى قليل تقنع )
وعند ذلك يطوى بساط الزجر والوعظ ويمد بساط الاعتبار والحب أن شاء الله تعالى فإنها كالثكلى بطبعها لما فارقته من عنصر نور الله تعالى والعوالم الروحانية التى هى الشعار والدثار والأمل والدار والحياة والجمال والوجود والكمال وأن كانت لا تشعر بالسبب ولا تستحضر ذكر العلة فإذا ذكر الفراق انت أو تنوشدت الآثار حنت ويطرقها الحزن عند الألحان الشجية وتحس بعض الأحيان بالمواجد العشقية
( وقالوا اتبكى كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى والدكادك )
( فقلت لهم أن الأسى يبعث الأسى ... دعونى فهذا كله قبر مالك )
وعن الثانى أن كثيرا من النفوس لا تشعر بوجود عالم الحس فضلا عن النظر فيه وأن شعرت بذلك عد منها نبلا ومن كان بهذه المثابة لا سبيل لندائه إلا من باب القشور ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) فصلت إلى أن يتأتى النداء من باب الله تعالى بفضل الله تعالى فالنفوس الشخصية غير متساوية وهى بهوى الهوى هاوية فالقريب منها يجذب بالأنامل والبعيد بالجزل الكوامل وعلى قدر المحمول تكون قوة الحامل ( يضع الهناء مواضع النقب )
( يكفي اللبيب إشارة مكتومة ... وسواه يدعى بالنداء العالى )
( وسواهما بالزجر من قبل العصا ... ثم العصا هى رابع الأحوال )

وقال رحمه الله تعالى فى فصل ذم الكسل ما صورته ونحن نجلب بعض الأمثال فى ذمة مما يسهل حفظه ويجب لحظه فمن ذلك الكسل مزلقة الربح ومسخرة الصبح إذا رقدت النفس فى فراش الكسل استغرقها نوم الغفلة ( لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير ) الملك الندامة فى الكسل كالسم فى العسل الكسل آفة الصنائع وأرضة فى البضائع العجز والكسل يفتحان الخمول ولا تسل الفلاح إذا مل الحركة عدم البركة
( ظهرأن لا يبلغان المرء ان ركبا ... باب السعادة ظهر العجز والكسل )
وفى اغتنام الأيام من أضاع الفرصة تجرع الغصة أن كان لك من الزمان شىء فالحال وما سواه فمحال تارك أمره إلى غد لا يفلح للأبد الإنسان ابن ساعته فليحطها من إضاعته التسويف سم الأعمال وعدو الكمال لم يحرم المبادر إلا فى النادر ما درجت أفراخ ذل إلا من وكر طماعة ولا بسقت فروع ندم إلا من جرثومة إضاعة العزم سوق والتاجر الجسور مرزوق من وثق بعهد الزمان علقت يداه بحبل الحرمان الربح فى ضمن الجسارة والمضيع اولى بالخسارة
ومن أمثالهم فى نظر الإنسان لنفسه قبل غروب شمسه قولهم اعلم أن كل حكيم صانع إذا فكر فى امره ونظر فى العواقب علم أنه لا بد يوما ان يخرب دكانه الذى هو محل بضاعته وتنحل انقاضه وتكل ادواته وتضعف قوته وتذهب ايام شبابه فمن بادر واجتهد قبل خراب الدكان واستغنى عن السعى فإنه لا يحتاج بعد ذلك إلى دكان آخر ولا إلى أدوات مجددة فيتجر بما اقتناه ويشتغل بالانتفاع والالتذاذ بما كسبت يداه وهذه حالة النفس بعد خراب الجسد فبادر واجتهد واحرص واستعجل وتزود قبل

خراب دكانك وهدم بنيته فان خير الزاد التقوى قال حسان
( إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... وأبصرت بعد اليوم من قد تزودا )
( ندمت على أن لا تكون كمثله ... ولم تترصد مثل ما كان أرصدا )
قال ابو الفرج ابن الطيب البغدادي فى اغتنام الوقت فى كتابة فى السياسة والآراء الفاضلة يجب أن تعيد وتمثل فإن الفكر مضطرب متشوش بكثرة نوازع النفس واختلاف قواها والعمى فى بعض الاوقات فإذا سنح للنفس وقت فاضل بصفاء جوهرها وابرمت قانونا أو صورة متوسطة فاضلة يجب أن يقيد بذلك وقت سعد ربما لا يعاود أو يعاود انتهى
76 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتب به على لسان سلطانه إلى شيخ الموحدين بتونس ابن تافراجين يخبره بالتمحيص الجاري عليه ونصه من أمير المسلمين ايده الله ونصره وأعلى أمره واظهره إلى ولينا فى الله تعالى الذى له القدم الرفيع المناصب والمجد السامى الذوائب والسياسة التى اخبارها سمر الركبان وحدو الركائب الشيخ الجليل الكبير الشهير الخطير الهمام الأمضى الرفيع الأعلى الأمجد الأوحد الأسعد الأصعد الأوفى الظاهر الطاهر الفاضل الباسل الأرضى الأنقى المعظم الموقر المبرور علم الأعلام سلالة أكابر اصحاب الإمام معيد دولة التوحيد إلى الانتظام أبى محمد عبد الله ابن الشيخ الجليل الكبير الشهير الماجد الخطير الرفيع الاسعد

الأمجد الحسيب الأصيل الأمضى الأرضى الأفضل الأكمل المعظم المقدس المرحوم أبى العباس تافراجين وصل الله تعالى له عزة تناسب شهرة فضله وسعادة تتكفل له فى الدارين برفعة محله سلام كريم يخص مجادتكم الفاضلة ورتبتكم الحافلة وC تعالى وبركاته
أما بعد حمد الذى يمحص ليثيب ويأمر بالاستقالة ليجيب ويعقب ليل الشدة بصبح الفرج القريب ويجنى من شجر التوكل عليه والتسليم إليه ثمر الصنع العجيب ويظهر العبر مهما كسر ثم جبر لكل ذى قلب منيب والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذى نلجأ إلى ظل شفاعته فى اليوم العصيب ونستظهر بجاهه على جهاد عبدة الصليب ونستكثر عدد بركاته فى هذا الثغر الغريب ونصول منه على العدو بالحبيب والرضى عن آله وصحبه نجوم الهداية من بعد الأمنة من الأفول والمغيب فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عزة متصلة وعصمه بالأمان من نوب الزمان متكفلة من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله تعالى الذى لطف وجبر وأظهر فى الإقالة وحسن الإدالة العبر ممن كتب الله تعالى له العقبى لما صبر الا الخبر الذى كسا الأعطاف الحبر والصنع الذى صدق خبره الخبر والحمد لله تعالى كثيرا كما هو اهله فلا فضل إلا فضله ولمكانتكم عندنا المحل الذى قررت شهرة فضلكم قواعده وأعلت مصاعده وأثبت التواتر شواهده إذ لا نزال نتحف بسيركم التى فى التدبيرات تقتفى وعلم يسترشد به إذا العلم اختفى والسبيل عفا وأن تلك الدولة بكم استقام اودها وقامت والحمد لله عمدها وانكم رعيتم فى البنين حقوق آبائها وحفظتم عليها ميراث عليائها ولو لم تتصل بنا انباؤكم الحميدة وآراؤكم السديدة بما يفيد العلم بفضل ذاتكم ويغرى قوى الاستحسان بصفاتكم لغبطنا بمخاطبتكم

ومفاتحتكم ما نجده من الميل لكم طبعا وجبله من غير أن نعتبر سببا أو علة فالتعارف بين الارواح لا ينكر والحديث الكريم يؤيد من ذلك ما ينقل ويذكر
وبحسب ذلك نطلعكم على غريب ما جرى به فى ملكنا القدر وحيث بلغ الورد وكيف كان الصدر وربما اتصلت بكم الحادثة التى أكفاها على دار ملكنا من لم يعرف غير نعمتها غاذيا ولا برح فى جوانب احسانها رائحا وغاديا يتيم حجرها الكافل ورضيع درها الحافل الشقى الخاسر الخائن الغادر محمد بن اسماعيل بن محمد المستجير بنسبنا من لؤم غدره الخفية عنا حيل مكره لخمول قدره إذا دعاه محتوم الحين ليهلك إلى أن يهلك وسولت له نفسه الأمارة بالسوء أن يملك أخانا الخاسر ثم يملك وسبحان الذى يقول ( يا نوح انه ليس من أهلك ) هود وكيف تم له ما أبرمه من تسور الاسوار واقتحام البوار وتملك الدار والاستيلاء على قطب المدار وأننا كنفتنا عصمه الله تعالى بمتحولنا الذي كان به ليلتئذ محل ثوائنا وكفت القدرة الإلهية أكف أعدائنا وخلصنا غلابا بحال انفراد إلا من عناية الله ونعم الرفيق وصدق اللجإ إلى رحمة الله تعالى التى ساحتها عن مثلنا لا تضيق مهما تنكر الزمان أو تفرق الفريق وشرذمة الغدر تأخذ علينا كل فج عميق حتى أوينا من مدينة وادي آش إلى الجبل العاصم والحجة المرغمة أنف المخاصم ثم أجزنا البحر بعد معاناة خطوب وتجهم من الدهر وقطوب وبلا الله هذا الوطن بمن لا يرجو لله وقارا ولا يألو شعائره المعظمة احتقارا فأضرمه نارا وجلل وجوه وجوهه خزيا وعارا حتى هتك الباطل حماه وغير اسمه ومسماه وبدد حاميته المتخيرة وشذ بها وسخم دواوينه التى محصها الترتيب والتجريب وهذبها وأهلك نفوسها وأموالها وأساء لولا

تدارك الله تعالى أحوالها
ولما تأذن جل جلاله فى إقالة العثار ودرك الثار وأنشات نواسم رضاه إدامة الاستغفار ورأينا قلادة الإسلام قد آن انتثارها والملة الحنيفية كادت تذهب آثارها ومسائل الخلاف يتعدد مثارها وجعلت الملتان نحونا تشير والملك يامل أن يوافيه بقدومنا البشير تحركنا حركة خفيفة تشعر أنها حركة الفتح ونهضنا نبتدر ما كتب الله تعالى من المنح وقد امتعض لنا الكون بما حمل واستخدم الفلك نفسه بمشيئته تعالى واكتمل وكاد يقرب لقرى ضيفنا الثور والحمل وظاهرنا محل أخينا السلطان الكبير الرفيع المعظم المقدس أبى سالم الذى كان وطنه مأوى الجنوح ومهب النصر الممنوح رحمه الله تعالى عليه مظاهرة مثله من الملوك الأعاظم وختم الجميل بالجميل والأعمال بالخواتم وأنف حتى عدو الدين لنعمتنا المكفورة وحقوقنا المحجوبة المستورة فأصبح بعد العدو حبيبا وعاد بعد الإباية منيبا وسخر اساطيله تحضيضا على الإجازة وترغيبا واستقبلنا البلاد وبحر البشر يزخر موجه وملك الإسلام قد خر على الحضيض أوجه والروم مستولية على الثغور وقد ساءت ظنون المؤمنين بالعقبى ولله عاقبة الأمور والخبيث الغادر الذى كان يموه بالإقدام قد ظهر كذب دعواه وهان مثواه وتورط فى أشراك المندمة تورط مثله ممن اتبع هواه وجحد نعمة مولاه فلولا أن الله عز و جل تدارك جزيرة الأندلس بركابنا وعاجل اوارها بانسكابنا لكانت القاضية ولم ترلها من بعد تلك الريح العقيم من باقية لكنا والفضل لله تعالى رفعنا عنها وطأة العدو وقد ناء بكلكل وابتززناه منها اي مشرب ومأكل واعتززنا عليه بالله تعالى الذى يعز ويذل ويهدى ويضل فلم نسامحه فى شرط يجر غضاضة ولا يخلف فى القلوب مضاضة وخضنا بحر الهول وبرئنا إلى الله تعالى ربنا عن القوة والحول وظهرت للمسلمين ثمرة سريرتنا وما بذلنا فى مصانعة

العدو عن الإجهاز عليهم من حسن سيرتنا فقويت فينا أطماعهم وانعقد على التحرم بنا إجماعهم
وقصدنا مالقة بعد أن انثالت الجهة الغربية وأذعنت المعاقل الأبية فيسر الله تعالى فتحها وهيأ منحها ثم توالت البيعات وصرخت بمآذن البلاد الدعاة واضطرب امر الخائن وقد دلفت المخاوف اليه وحسب كل صيحة عليه فاقتضت نعامته الشائلة ودولة بغيه الزائلة وآراؤه الفائلة ان ضم ما أمكنه من ذخيرة مكنونه وآله للملك مصونة واستركب أو باشه الذين استباح الحق دماءهم وعرف الخلق اعتزاءهم للغدر وانتماءهم وقصد سلطان قشتالة من غير عهد ولا وثيقة ولا مثلى طريقة ولا شيمة بالرعى خليقة لكن الله عز و جل حمله على قدمه لإراقة دمه وزين الوجود بعدمه فلحين قدومه عليه راجيا أن يستفزه بعرض أو يحيل صحه عقده المبرم إلى مرض ومؤملا هو وشيعته الغادرة كرة على الإسلام مجهزة ونصره لمواعيد الشيطان منجزه تقبض عليه وعلى شيعته وصم عن سماع خديعته وأفحش بهم المثلة وأساء بحسن رأيه فيهم القتلة فأراح الله تعالى بإبادتهم نفوس العباد وأحيا بهلاكهم أرماق البلاد
وحثثنا السير إلى دار ملكنا فدخلناها فى اليوم الأغر المحجل وحصلنا منها على الفتح الإلهى المعجل وعدنا إلى الأريكة التى نبا بنا عنها التمحيص فما حسبناه إلا سرارا أعقبه الكمال ومرضا عاجله الإبلال فثابت للدين الآمال ونجحت الأعمال وبذلنا فى الناس من العفو ما غفر الذنوب وجبر القلوب وأشعنا العفو فى القريب والقصى وألبسنا المريب ثوب البري وتألفنا الشارد وأعذبنا الموارد وأجرينا العوائد وأسنينا الفوائد إلا ما كان من شرذمة عظمت جرائرهم وخبثت فى معاملة الله تعالى سرائرهم وعرف شومهم وصدق من يلومهم فأقصيناهم وشردناهم وأجليناهم

عن هذا الوطن الجهادي وابعدناهم
ولما تعرف سلطان قشتالة باستقلالنا واستقرارنا بحضرة الملك واحتلالنا بادر يعرف بما كان من عمله فيمن لحق به من طائفة الغدر وإخوان الخديعة والمكر وبعث إلينا برؤوسهم ما بين رئيسهم الشقى ومرؤوسهم وقد طفا على جداول السيوف حبابها وراق بحناء الدماء خضابها وبرز الناس إلى مشاهدتها معتبرين وفى قدرة الله تعالى مستبصرين ولدفاع الناس بعضهم ببعض شاكرين وأحق الله تعالى الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين فأمرنا بنصب تلك الرؤوس بمسور الغدر الذى فرعته وجعلناها علما على عاتق العمل السيىء الذى اخترعته وشرعنا فى معالجة العلم وافضنا على العباد والبلاد حكم السلم فاجتمع الشمل كأحسن أحواله وسكن هذا الوطن بعد زلزاله وأفاق من أهواله
ولعلمنا بفضلكم الذى قضاياه شائعة ومقدماته ذائعة أخبرناكم به على اختصار واجتزاء واقتصار ليسر دينكم المتين بتماسك هذا الثغر الأقصى بعد استرساله وإشرافه على سوء مآله وكنا نخاطب محل أخينا السلطان الجليل المعظم الأسعد الأوحد الخليفة امير المؤمنين أبى اسحاق ابن الخليفة أمير المؤمنين المعظم المقدس أبى يحيى ابن أبى بكر ابن الأئمة المهتدين والخلفاء الراشدين وصل الله تعالى أسباب سعده وحرس أكناف مجده لولا اننا تعرفنا كونه فى هذه المدة مقيما بغير تلك الحضرة التونسية فاجتزأنا بمخاطبة جهتكم السنية وبين سلفنا وسلفكم من الود الراسخ البنيان والكريم الأثر والعيان ما يدعو إلى أن يكون سبب المخاطبة موصولا وآخرة الود خيرا من الأولى لكن الطريق جم العوائق والبحر مفروق البوائق وقبول العذر بشواغل

القطر بالفضل لائق ومرادنا أن يتصل الود ويتجدد العهد والله عز و جل يتولى أمور المسلمين بمتوارد إحسانه ويجمع قلوبهم حيث كانوا على طاعة الله تعالى ورضوانه وهو سبحانه يطيل سعادتكم ويحرس مجادتكم وينجح إدارتكم ويسنى إرادتكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة آله تعالى وبركاته
77 - ومن نثره رحمه الله تعالى ما أنشأه عن سلطانه الغنى بالله وذلك قوله يا أيها الناس ضاعف الله تعالى بمزيد النعم سروركم وتكفل بلطفه الخفى فى مثل هذا القطر الغريب أموركم أبشركم بما كتب به سلطانكم السعيد إليكم المترادفة بيمنه وسعادته نعم الله تعالى عليكم أمتع الله تعالى الإسلام ببقائه وأيده على أعدائه ونصره فى أرضه بملائكة سمائه وأن الله تعالى فتح له الفتح المبين وأعز بحركة جهاده الدين وبيض وجوه المؤمنين وأظفره باطريرة البلد الذى فجع المسلمين بأسرهم فجيعة تثير الحمية وتحرك الأنفس الأبية فانتقم الله تعالى منهم على يده وبلغه من استئصالهم غاية مقصده فصدق من الله تعالى لأوليائه وعلى اعدائه الوعد والوعيد وحكم بإبادتهم المبدىء المعيد ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن أخذه أليم شديد ) هود وتحصل من سبيه بعدما رويت السيوف من دمائهم آلاف عديدة لم يسمع بمثلها فى المدد المديدة والعهود البعيدة ولم يصب من إخوانكم المسلمين عدد يذكر ولا رجل يعتبر فتح هنى وصنع سنى ولطف خفى ووعد وفى فاستبشروا بفضل الله تعالى ونعمته وقفوا عند الافتقار والانقطاع لرحمته وقابلوا نعمه بالشكر يزدكم واستبصروا فى الدفاع عن دينكم ينصركم ويؤيدكم واغتبطوا بهذه الدولة المباركة التى لم تعدموا من الله تعالى معها عيشا خصيبا ولا رأيا مصيبا ولا نصرا عزيزا ولا فتحا قريبا وتضرعوا فى بقائها ونصر لوائها إلى من يزل سميعا للدعاء مجيبا والله عز و جل

يجعل البشائر الفاشية فيكم عادة ولا يعدمكم ولا أولى الأمر منكم توفيقا وسعادة والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته من مبلغ ذلك فلان انتهى
78 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما أنشاه عن سلطانه الغنى بالله تعالى حين وصله أبنه الذى كان بفاس يخاطب سلطان فاس ما نصه
المقام الذى تقلد نافلة الفضل شفعا وجود سورة الكمال إفرادا وجمعا واستولى وجمع ببره المنح والتهنئة والفتح فاحرز اصلا وفرعا واستحق الشكر عقلا وشرعا وأغرى ايدي جوده بالقصد الذى هو حظ وليه من وجوده فأثار من جيش اللقاء نقعا ووسط به جمعا مقام محل أخينا الذى اقلام مقاصده دربه بحسن التوقيع وعيون فضله مذكاة لإحكام الصنيع وعذبات فخره تهفو بذروة العلم المنيع ومكارمه تتفنن فيها مذاهب التنويع أبقاه الله تعالى والسن فضله ناطقة وأقيسة سعده صادقة وألويته بالنصر العزيز خافقة وبضائع مكارمه فى اسواق البر نافقة وعصائب التوفيق لركائب أغراضه موافقة السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا سلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الأعلى وطريقتكم المثلى وأخوتكم الفضلى ورحمة الله تعالى وبركاته مجل قدركم وملتزم بركم وموجب حمدكم وشكركم فلان
أما بعد حمد الله تعالى الذى جعل الشكر على المكرمات وقفا ونهج منه بإزائها سبيلا لا تلتبس ولا تخفى وعقد بينه وبين المزيد سببا وحلفا وجعل المودة فى ذاته مما يقرب إليه زلفى مربح تجارة من قصد وجهه بعمله حتى يرى الشىء ضعفا وناصر هذه الجزيرة من أوليائه الكرام السيرة بمن يوسعها فضلا وعطفا ومدنى ثمار الآمال فتتمتع بها اجتناء وقطفا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبى العربى الكريم الرؤوف الرحيم

الذى مد من الرحمة على الأمة سجفا وملأ قلوبها تعاطفا وتعارفا ولطفا القائل من أيقن بالخلف جاد بالعطية ووعد من عامل الله تعالى بربح المقاصد السنية وعدا لا يجد خلفا والرضى عن آله وأصحابه الذين كانوا من بعده للإسلام كهفا وعلى اهله فى الهواجر ظلا ملتفا غيوث الندى كلما شاموا سماحا وليوث العدى كلما شهدوا زحفا والدعاء لمقام أخوتكم الأسعد بالنصر الذى يكف من عدوان الكفر كفا والمجد الذى لا يغادر كتابه من المفاخر التى ترك الأول للآخر حرفا وإلى هذا أيدكم الله بنصر من عنده وحكم لملككم الأسمى باتصال سعده وانجز فى ظهوره على من عاند امره سابق وعده فاننا نقرر لدى مقامكم وأن كان الغنى باصالة عقله عن اجتلاء الشاهد ونقله وجلاء البيان وصقله أن الهدايا وأن لم تحل العين منها كما حلت أو تناولها الاستنزار فما نبهت فى لحظ الاعتبار ولا جلت أو كانت زيفا كلما أغري بها الاختبار قلت لا بد أن تترك فى النفوس ميلا وأن تستدعى من حسن الجزاء كيلا وأن تنال من جانب التراحم والتعاطف نيلا واي دليل اوضح محجة وابين حجة من قوله صلى الله عليه و سلم تهادوا تحابوا من غير تبيين مقدار ولا اعمال اعتبار ولا تفرقة بين لجين ولا نضار فكيف إذا كانت الهدية فلذة الكبد التى لا يلذ العيش بعد فراقها ولاتضىء ظلم الجوانح إلا بطلوع شمسها واشراقها وجمع الشمل الذى هو اقصى آمال النفوس الآلفة والبواطن المصاحبة للحنين المحالفة لا سيما إذا اقتعدت محل الهناء بالفتح الرائق السناء وحفت بها من خلفها وأمامها صنائع البر وقومه الاعتناء فهنالك تفخر السن الثناء وتتطابق اعلام الشكر السامية البناء
وأننا ورد علينا كتابكم الذى سطره البر واملاه وكنفه اللحظ وتولاه ووشحه البيان وحلاه مهنئا بما منح الله جل جلاله من رد الحق وتعيين الجمع ورفع الفرق وتطويق الأمان وأمان الطوق واسعاد السعد

وبلوغ القصد وقطع دابر من جحد نعمة الأب والجد وسل سيف البغى دامى الحد والحمد لله تعالى حمدا يلهمه ويتيحه ونسأله امدادا يسوغه ويبيحه على أن احسن العقبى وأعقب الحسنى وأرى النعم بين فرادى ومثنى وجمع الشمل الذى قد تبدد وجدد رسم السعادة لهذا القطر فتجدد واخذ الظالم فلم يجد من محيص وجمع لنا الاجر والفخر بين تخصيص وتمحيص وقلد برؤوس الفجرة الغدرة الفرضة التى فرعوها وأطفأ بمراق دمائهم نار الضلالة التى شرعوها وكتب لقبيلكم الفضل الذى يحمد ويشكر والحق الذى لا يجحد وى ينكر فلقد اوى لما تبرات الخلصان وتحفى عندما تنكر الزمان وسبب الإدالة وطاوع الأصالة والجلالة حتى فرج الله تعالى الكربة وآنس الغربة واقال العثرة وتقبل القربة له الحمد على آلائه وصله نعمائه ملء أرضه وسمائه
ووصل صحبته الولد مكنوفا بجناح اللطف ممهدا له ببركتكم مهاد العطف فبرزنا إلى تلقيه تنويها لهديتكم واشادة وابداء فى بركم واعادة واركبنا الجيش الذى آثرنا لحين استقلالنا عرضه وقررنا بموجب الاستحقاق فرضه فبرز إلى الفضاء الأفيح حسن الترتيب سافرا عن المرأى العجيب ولولا الحنان الذى تجده النفوس للأبناء وتستشعره والشوق إلى اللقاء الذى لا يجحده منصف ولا ينكره لما شق علينا طول مقامه فى حجركم ولا ثواؤه لصق أريكة امركم فجواركم محل لاستفادة رسوم الإمارة وتعلم السياسة والإدارة حتى يرد علينا يقدم كتيبة جهادكم ويقود إلينا طليعة نصركم ايانا وامدادكم فنحن الآن نشكر مقاصدكم التى اقتضى الكمال سياقها وزين المجد آفاقها وقدرها فاحكم طباقها ونقرر لديكم أن حظنا من ودادكم ومحلنا من جميل اعتقادكم حظ بان رجحانه وفضله ولم يتأت بين من يسلف من السلف مثله من الصحبة فى المنزل الخشن وهى الوسيلة وفى رعيها

تظهر الفضيلة والاشتراك فى لازم الوصول إلى الحق وضم اشتات الخلق والمودة الواضحة الطرق إلى ما بين السلف من الود الآمن بدره من الكلف المذخورة أذمته للخلف فإذا كانت المعاملة جارية على حسبة وشعبها راجعة إلى مذهبة جنى الإسلام ثمرة حافلة واستكفى الدين اياله كافلة فالله عز و جل يمهد البلاد بيمن تدبيركم ويجرى على مهيع السداد جميع اموركم ويجعلكم ممن زين الجهاد عواتق اعماله وكان رضى الله تعالى عنه اقصى آماله حتى تربى مآثركم على مآثر اسلافكم الذين عرف هذا الوطن الجهادى امدادهم وشكر جهادهم وقبل الله تعالى فيه اموالهم واولادهم وحسن من اجله معادهم
وقد حضر بين يدينا رسولكم الذى وجهتم الولد اسعده الله تعالى لنظره وتخيرتموه لصحبه سفرة فلان وهو من الأمانة والفضل والرجاحة والعقل بحيث طابق اختياركم واستحق ايثاركم فاطنب فى تقرير ما لديكم من عناية بهذه الأوطان عينت الرفد وضربت الوعد واخلصت فى سبيل الله تعالى القصد وغير ذلك مما يؤكد المودة المستقرة الأركان المؤسسة على التقوى والرضوان فأجبناه بأضعاف ذلك مما لدينا لكم وقابلنا بالثناء الجميل قولكم وعملكم والله تعالى يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته
79 - ومن ذلك ما كتبه رحمه الله تعالى على لسان الأمير سعد ابن سلطانه الغنى بالله تعالى إليه وهو
مولاي ومولى كبيرى ومولى المسلمين ورحمتى المتكفلة بالسعد الرائق الجبين يقبل قدمكم التى جعل الله تعالى العز فى تقبيلها والسعد فى اتباع سبيلها عبدكم الصغير فى سنه الكبير فى خدمتكم وخدمة كبيره فى حياتكم بفضل الله تعالى ومنه الهاش لتمريغ وجهه فى كتابكم حسن الذراع المنبئة طباعة

عن العبودية الكامنه بالبدار إلى ذلك والاسراع عبدكم وولدكم سعد كتبه من بابكم المحوط بعز امركم المتحف أن شاء الله تعالى بانباء نصركم وقد وصل إلى عبدكم تشريفكم السابغ الحلل وتنويهكم المبلغ غايات الأمل وخط يدكم الكريمة وغمامة رحمتكم الهامية الديمة فيا له من عز اثبت لى الفخر فى ابناء الملوك وسار بى من الترشيح لرتب حظوتكم على المنهج المسلوك قرر من عافيه مولاي وسعادته واقتران السعود حيث حل بوفادته ما تكفل ببلوغ الآمال وتمم لسان الحال فى شكر الله تعالى لسان المقال والله تعالى يديم أيام مولاي حتى يقوم بحق شكر النعم لسانه وتؤدى بعده جوارحه من الدفاع بين يدي سلطانه ما يسر به سلطانه وبعث جوابه منقولا ليد حامله من يده ليهنىء تقبيل اليد الكريمة بحال تأكيد ويقرر ما لعبده إلى وجهه الكريم من شوق شديد ويعرف شمول نعمة الله تعالى ونعمته لمن ببابه من خدم وحرم وعبيد ويمد يد الرغبة لمولاه فى صلة الإنعام بتشريفه واعلامه بتزايدات حركته وتعريفه ففى ضمن ذلك كل عز مشيد وخير جديد وينهى تحية أهل منزل مولاي على اختلافهم بحسب منازلهم من نعمة لحظه التى ياخذ منها كل بحظه والسلام الكريم ورحمة الله تعالى وبركاته
80 - وقال رحمه الله تعالى ومن نثري ما خاطبت به السلطان على لسان ولده من مالقة وقد وصلت به إليه من المغرب
مولاي الذى رضى الله تعالى مقرون برضاه والنجح مسبب عن نيته ودعاه وطاعته مرتبطة بطاعة الله ابقى الله تعالى علي بكم ظل رحماه وغمام نعماه وزادنى من مواهبة هداية فى توفيه حقه الكبير فإن الهدى هدى الله يقبل مواطىء اقدامكم التى ثراها شرف الخدود وفخر الجباه ويقرر من عبوديته ما يسجل الحق مقتضاه ويسلم على مثابة رحمتكم السلام الذى يحبه الله تعالى ويرضاه ولدكم وعبدكم يوسف من منزل تأييدكم

بظاهر مالقه حرسها الله والوجود السن بالعز بالله ناطقة والأعلام والشجر الوية بالسعد خافقة وانواع التوفيق متوافقة وصنائع اللطيف الخبير مصاحبة مرافقة
وقد وصل يا مولاي لعبدكم المفتخر بالعبودية لكم ما بعث به على مقامكم وجادت به سحائب انعامكم ولمن تحت حجبه ستركم المسدول وفى ظل اهتمامكم الموصول ولمن ارتسم بخدمة ابوابكم الشريفة من الخدام واولى المراقبة والالتزام ما يضيق عنه بيان العبارة ويفتضح فيه لسان القول والإشارة من عنايات سنية ونعم باطنه وجليه وملاحظة مولاية ومقاصد ملكية فما شئت من قباب مذهبه وملابس منتخبه وأسره مرتبة ومحاسن لا مستورة ولا محجبة واللواء الذى نشرتم على عبدكم ظله الظليل ومددتم عليه جناح العز الجليل جعله الله تعالى اسعد لواء يسير فى خدمتكم ومد على وعليه لواء حرمتكم حتى يكون لجهادى بين يديكم شاهدا وبالنصر العزيز والفتح المبين عليكم عائدا ولطائفه الخلوص لامركم قائدا ولأولياء بابكم هاديا ولأعدائكم كائدا
واتفق يا مولاي أن كان عبدكم قد ركب مغتنما برد اليوم ومؤثرا للرياضة فى عقب النوم والتف عليه الخدام والأولياء الكرام فلما عدنا تعرضت لنا تلك العنايات المجلوة الصور المتلوة السور وقد حشر الناس وحضرت منهم الأجناس فعلا الدعا وانتشر الثنا وراقت الأبصار تلك الهمة العليا فنسال الله تعالى يا مولاي أن يكافىء مقامكم بالعز الذى لا يتبدل والنصر الذى يستأنف ويستقبل والسعد الذى محكمه لا يتأول والعبد ومن له على حال اشتياق للورود على ابوابكم الرفيعة المقدار وارتياح لقرب المزار
( وابرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار )

والعمل على تيسير الحركة متصل والدهر لأوامر السعد محتفل بفضل الله تعالى والسلام على مقام مولاي مقام الشفقة والرحمة والمنة والنعمة وC تعالى وبركاته انتهى
81 - ومن انشاء لسان الدين فى تولية الأمير يوسف المذكور مشيخة الغزاة على لسان السلطان والده ما نصه
هذا ظهير كريم فاتح بنشر الألوية والبنود وقود العساكر والجنود وأجال فى ميدان الوجود جياد البأس والجود واضفى ستر الحماية والوقاية بالتهائم والنجود على الطائفين والعاكفين والركع السجود عقد للمعتمد به عقد التشريف والقدر المنيف زاكى الشهود واوجب المنافسة بين مجالس السروج ومضاجع المهود وبشر السيوف فى الغمود وأنشا ريح النصر آمنة من الخمود أمضى احكامه وانهد العز امامه وفتح من زهر السرور والحبور كمامه أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين ابى الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبى الوليد ابن فرج بن نصر ايد الله تعالى امره وخلد ذكره لكبير ولده وسابق امده وريحانه خلده وياقوتة الملك على يده الأمير الكبير الطاهر الظاهر الاعلى واسطة السلك وهلال سماء الملك ومصباح الظلم الحلك ومظنة العناية الأزلية من مدير الفلك ومجرى الفلك عنوان سعده وحسام نصره وعضده وسمى جده وسلالة فضله ومجده السعيد المظفرالهمام الأعلى الأمضى العالم العامل الأرضى المجاهد المؤمل المعظم أبى الحجاج يوسف البسه الله تعالى من رضاه عنه حللا لا تخلق جدتها الأيام ولا تبلغ كنهها الأفهام وبلغة فى خدمته المبالغ التى يسر بها الإسلام وتسبح فى بحار صنائعها الأقلام وحرس معاليها الباهرة بعينة التى لا تنام وكنفه بركنه الذى لا يضام فهو الفرع الذى جرى بخصله على أصله وارتسم نصره فى نصله واشتمل حده على فصله وشهدت السن خلاله برفعة

جلاله وظهرت دلائل سعادته فى بدء كل أمر واعادته لما صرف وجهه إلى ترشيحه لافتراع هضاب المجد البعيد المدى وتوشيحة بالصبر والحلم والبأس والندى وارهف منه سيفا من سيوف الله تعالى لضرب هام العدا واطلعه فى سماء الملك بدر هدى لمن راح وغدا واخذه بالآداب التى تقيم من النفوس اودا وتبذر فى اليوم فتجنى غدا ورقاه فى رتب المعالى طورا فطورا ترقى النبات ورقا ونورا ليجده بحول الله تعالى يدا باطشة باعدائه ولسانا مجيبا عند ندائه وطرازا على حله علائه وغماما من غمائم آلاله وكوكبا وهاجا بسمائه وعقد له لواء الجهاد على الكتيبة الأندلسية من جنده قبل أن ينتقل عن مهده وظلله بجناح رايته وهو على كتد دابته واستركب جيش الإسلام ترحيبا بوفادته وتنويها بمجادته وأثبت فى غرض الإمارة النصرية سهم سعادته رأى أن يزيده من عنايته ضروبا وأجناسا ويتبع أثره ناسا فناسا قد اختلفوا لسانا ولباسا واتفقوا ابتغاء لمرضاة الله والتماسا ممن كرم انتماؤه وزينت بالحسب العد سماؤه وعرف غناؤه وتأسس على المجادة بناؤه حتى لا يدع من العناية فنا إلا وجلبه إليه ولا مقادة فخر إلا جعلها فى يدية ولا حله عز إلا أضفى ملابسها عليه
ولما كان جيش الإسلام فى هذه البلاد الأندلسية أمن الله سبحانه خلالها وسكن زلزالها وصدق فى رحمة الله تعالى التى وسعت كل شىء آمالها كلف همته ومرعى ذمته وميدان اجتهاده ومتعلق أمل جهاده ومعرج إرادته إلى تحصيل سعادته وسبيل خلاله إلى بلوغ كماله فلم يدع له علة إلا أزاحها ولا طلبه إلا أجال قداحها ولا عزيمة إلا أورى اقتداحها ولا رغبة إلا فسح ساحها آخذا مدونته بالتهذيب ومصافه بالترتيب وآماله بالتقريب محسنا فى تلقى الغريب

348 - 8 وتأنيس المريب مستنجزا له وبه وعد النصر العزيز والفتح القريب ورفع عنه لهذا العهد نظر من حكم الأغراض فى حماته واستشعر عروق الحسائف لتشذيب كماته واشتغل عن حسن الوساطة لهم بمصلحة ذاته وجلب جباته وتثمير ماله وتوفير أقواته ذاهبا أقصى مذاهب التعمير بأمد حياته فانفرج الضيق وخلص إلى حسن نظره الطريق وساغ الريق ورضى الفريق رأى والله الكفيل لنجح رايه وشكر سعيه وصلة حفظه ورعيه أن يجهد لهم اختياره ويحسن لديهم آثاره ويستنيب فيما بينه وبين سيوف جهاده وأبطال جلاده وحماه أحوازة وآلات اعتزازه من يجرى مجرى نفسه النفيسة فى كل مبنى ويكون له لفظ الولاية وله أيده الله تعالى المعنى فقدمه على الجماعة الأولى كبرى الكتائب ومقادة الجنائب وأجمة الأبطال ومزنة الودق الهطال المشتملة من الغزاة على مشيخة آل يعقوب نسباء الملوك الكرام وأعلام الإسلام وسائر قبائل بنى مرين ليوث العرين وغيرهم من أصناف القبائل وأولى الوسائل ليحوط جماعتهم ويعرف بتفقده إطاعتهم ويستخلص لله تعالى ولابيه ايده الله تعالى طاعتهم ويشرف بإمارته مواكبهم ويزين بهلالة الناهض إلى الإبدار على فلك سعادة الأقدار كواكبهم تقديما أشرق له وجه الدين الحنيف وتهلل واحس باقتراب ما امل فللخيل اختيال ومراح وللأسل السمر اهتزاز وارتياح وللصدور انشرح وللآمال مغدى فى فضل الله تعالى ورواح
فليتول ذلك أسعده الله تعالى تولى مثله ممن أسره الملك اسرته واسوة النبى صلوات الله تعالى عليه أسوته والملك الكريم أصل لفرعه والنسب العربى منجد لطيب طبعه آخذا أشرافهم بترفيع المجالس بنسبة أقدارهم مغريا حسن اللقاء بإيثارهم شاكرا غناءهم مستدعيا ثناءهم مستدرا لأرزاقهم موجبا المزية بحسب استحقاقهم شافعا لديه فى رغباتهم المؤملة ووسائلهم المتحملة مسهلا الإذن لوفودهم المتلاحقة منفقا لبضائعهم النافقة

مؤنسا لغرمائهم مستجليا أحوال أهليهم وآبائهم مميزا بين أغفالهم ونبهائهم
وعلى جماعتهم رعى الله تعالى جهادهم ووفر أعدادهم أن يطيعوه فى طاعة الله تعالى وطاعة أبيه ويكونوا يدا واحدة على دفاع أعداء الله تعالى وأعادية ويشدوا فى مواقف الكريهة أزره ويمتثلوا نهيه وأمره حتى يعظم الانتفاع ويشهر الدفاع ويخلص المصال لله تعالى والمصاع فلو وجد أيده الله تعالى غاية فى تشريفهم لبلغها أو موهبة لسوغها لكن ما بعد ولده العزيز عليه مذهب ولا وراء مباشرتهم بنفسه معزب والله تعالى منجح الأعمال ومبلغ الآمال والكفيل بسعادة المآل
فمن وقف على هذا الظهير الكريم فليعلم مقدار ما تضمنه من أمر مطاع وفخر مستند إلى إجماع ووجوب اتباع وليكن خير مرعى لخير راع بحول الله تعالى
وأقطعه ايده الله تعالى ليكون بعض المواد لأزواد سفره وسماط نفره فى جملة ما أولاه من نعمه وسوغه من موارد كرمه جميع القرية المنسوبة إلى عرب عنان وهى المحلة الأثيرة والمنزلة الشهيرة تنطلق عليها أيدي خدامه ورجاله جارية مجرى صريح ماله محررة من كل وظيفة لاستغلاله أن شاء الله تعالى فهو المستعان سبحانه وكتب فى كذا انتهى
82 - وكتب لسان الدين رحمه الله تعالى فى شأن تقليد الأمير سعد أخى المذكور الأصغر منه سنا ما صورته
هذا ظهير جعل الله تعالى له الملائكة ظهيرا وعقد منه فى سبيل الله تعالى لواء منصورا واعطى المعتمد به باليمن كتابا منشورا ( وما كان عطاء ربك محظورا ) الإسراء واطلع صبح العناية المبصرة الآية يبهر سفورا ويسطع نورا وأقر عيونا للمسلمين وشرح صدورا ووعد الأهلة أن تصير بإمداد شمس الهدى إياها بدورا وبشر الإسلام بالنصر المنتظر والفتح الرائق الغرر

مواسط وثغورا وأتبع حماه الدين لواء الإمارة السعيدة النصرية فأسعد بها آمرا وأكرم بها مأمورا أمر به وامضى العمل بمقتضاه وحسبه امير المسلمين عبد الله محمد ابن امير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى الحجاج ابن امير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى الوليد ابن فرج بن نصر أعلى الله تعالى رايته وسدد رأيه وشكر عن الإسلام والمسلمين سعيه لقوة عينه ومقتضى حقه من العدو ودينه وغصن دوحه وآية لوحه ودرة قلادته ودرى أفلاك مجادته وسيف نصره وهلال قصره وزينه عصره ومتقبل هديه ورشده ومظنة إشراق سعده وانجاز وعده ولده الأسعد وسليل ملكه المؤيد الأمير الأجل الأعز الأسنى الأطهر الأظهر الأعلى لابس أثواب رضاه ونعمته ومنحة الله لنصره وخدمته ومظهر عزه وبعد همته التقى الرضى العالم العامل الماجد حامى الحمى تحت ظل طاعته وكافى الإسلام الذى يأمن من إضاعته المحرز مزايا الأعمار الطويلة حظ الشهر فى يومه وحظ اليوم فى ساعته الموقر المهيب المؤمل المعظم أبى النصر سعد عرفه الله تعالى ببركة سعد بن عبادة جده خال رسول الله صلى عليه وسلم وأعظم بمجده ووزيره فى حله وعقده وأجناه ثمرة النصر الذى كناه به ووصل سببه بسببه فما النصر إلا من عنده وانتج له الفتح المبين من مقدمتى نصره وسعده لما صرف وجه عنايته إليه فى هذه البلاد الأندلسية التى خلص لله انفرادها وانقطاعها وتمحض لأن تكون كلمة الله هى العليا قراعها وصدق مصالها فى سبيله جل وعلا ومصاعها إلى ما يمهد أرجاءها ويحقق رجاءها من سلم يعقد ولا يعدم الحزم معه ولا يفقد وعطاء ينقد ورأي لا يتعقب ولا ينقد وحرب تضمر له الجياد ويعتقل الأسل المياد وكان الجيش روض أمله الذى فى جناه يسرح ومرمى فكره الذى عنه لا يبرح فديوانه ديوان أمانيه الذى تسهب فيه وتشرح أسهمه من سياسته أوفى الحظوظ

وأسناها وقصر عليه لفظ العناية ومعناها ووقف عليه موحدها ومثناها فازاح علله واحيا امله وأنشا جذله ورفع عنه من لم يبذل الجد له ولا أخلص لله فيه عمله
واختار لقيادة مقانبه المنصورة وامارة غزواته المبرورة أقرب الناس إلى نفسه نسبا وأوصلهم به سببا واحقهم بالرتب المنيفة والمظاهر الشريفة ذاتا وأبا وحدا وشبا وأمره على أشرافه ودل به الأنفال على أعرافه وصرف إليه آماله واستعمل فى أسنته يمينه وفى اعنته شماله وعقد عليه الويته الخافقة لعزة نصره ورأى الظهور على أعداء الله تعالى جنى فهيأه لهصره وأدار هالة قتام الجهاد عن قرب بالولادة على بدره ونبه نفوس المسلمين على جلاله قدرة وقدمه على الكتيبة الثانية من عسكر الغزاة المشتملة على الأشياخ من اولاد يعقوب كبار بنى مرين وسائر قبائلهم المكرمين وغيرهم من القبائل المحترمين ينوب عن امره فى عرض مسائلهم وقرى وافدهم واجراء عوائدهم تقديما تهلل له الإسلام واستبشر وتيقن الظفر فاستبصر لما علم بمن استنصر فليخلصوا له فى طاعته الكبرى الطاعة وليعلقوا ببنان نداه بنان الطماعة ويؤملوا على يديه نجح الوسيلة الى مقامه والشفاعة ويعلموا أن اختصاصهم به هو العنوان على رفع محالهم لديه وعزة شأنهم عليه فلو وجد هضبة أعلى لفرعها لهم وعلاها أو عزة اعز لجلالها أو قبله ازكى لصرف وجوههم شطرها وولاها حتى تجنى ثمرة هذا القصد وتعود بالسعد حركة هذا الرصد وتعلو ذؤابة هذا المجد وتشهد بنصر الدين على يده ألسنة الغور والنجد بفضل الله سبحانه
وعليه اسعد الله الدولة باستعماله مكافحا باعلامها وزينا لأيامها وسيفا فى طاعة إمامها أن يقدم منهم فى مجلسة أهل التقديم ويقابل كرامهم بالتكريم ويستدعى آراء مشايخهم فى المشكلات فى امور الحرب ويغضى جفون عزائمهم فى موقف الصبر والضرب ويتفقدهم باحسانه عند الغناء ويقابل حميد سعيهم

بالثناء على هذا يعتمد وبحسبه يعمل وهو الواجب الذى لا يهمل وقصده بالإعظام والإجلال والانقياد الذى يعود بالآمال وينجح الأعمال بحول الله تعالى متقبل وكتب فى كذا انتهى
83 - ومما اشتمل على نظم لسان الدين ونثره ما كتب به من سلا إلى سلطانه الغنى بالله تعالى وقد بلغه ما كان من صنع الله سبحانه له وعودته إلى سلطانه
( هنيئا بما خولت من رفعه الشان ... وأن كره الباغى وأن رغم الشانى )
( وأن خصك الرحمن جل جلاله ... بمعجزة منسوبة لسليمان )
( اغار على كرسيه بعض جنه ... فالقت له الدنيا مقالد إذعان )
( فلما رآها فتنه خر ساجدا ... وقال الهى امنن على بغفران )
( وهب لى ملكا بعدها ليس ينبغى ... تقلده بعدى لإنس ولا جان )
( فآتاه لما أن اجاب دعاءه ... من العز ما لم يؤت يوما لإنسان )
( وأن كان هذا الأمر فى الدهر مفردا ... فأنت له لما اقتديت به الثانى )
( فقابل صنيع الله بالشكر واستعن ... به واجز إحسان الإله بإحسان )
( وحق الذى سماك باسم محمد ... لو أن الصبا قد عاد منه بريعان )
( لما بلغ النعمى عليك سروره ... اليه واف لا اليه خوان )
( فانى أنا العبد الصريح انتسابه ... كما أنت مولاي العزيز وسلطانى )
( إذا كنت فى عز وملك وغبطة ... فقد نلت اوطاري وراجعت اوطانى )
مولاى الذى شأنه عجب والإيمان بعناية الله تعالى به قد وجب وعزة أظهره من برداء العزة احتجب إذا كانت الغاية لا تدرك فاولى إن تسلم وتترك ومنه الله تعالى عليك ليست مما يشرح قد عقل العقل فما يبرح وقيد اللسان فما يرتعى فى مجال العبارة ولا يسرح اللهم الهمنا على هذه النعمة شكرا

ترضاه وامدادا من لدنك نتقاضاه يا الله يا الله سعود انارت بعد افول شهابها وحياة كرت بعد ذهابها واحباب اجتمعت بعد فراقها واوطان دنت بعد شامها من عراقها واعداء اذهب الله تعالى رسم بغيهم ومحاه وبغاة ادار عليهم الدهر رحاه وعباد اعطوا من كشف الغم ما سالوه ونازحون لو سئلوا فى اتاحة القرب بما فى ارماقهم لبذلوه وسبحان الذى يقول ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا انفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه ) النساء فليهن الإسلام بياض وجهه بعد اسودادة وتغلب اياله من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر على بلاده وعودة الملك المظلوم إلى معتاده واستواء الحق النائى جنبه فوق مهاده ورد الإرث المغصوب الى مستحقه عن آبائه واجداده والحمد لله الذى غسل عن وجه الأمة الحنيفية العار وأنقذ عهدتها وقد ملكها الذعار فرد المعار واعيد الشعار نحمدك اللهم حمدا يليق بقدسك لا بل لا نحصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك
والعبد يا مولاى قد بهرت عقله آلاء الله تعالى قبلك فالفكر جائل واللسان ساكت والعقل ذاهل والطرف باهت فإن اقام رسما للمخاطبة فقلم مرح وركض وطرس هز جناح الارتياح ونفض ليس هذا المرام مما يرام ولا هذه العناية التى تحار فيها الأفهام مما تصمى غرضه السهام فنسأل الله تعالى أن يجعل مولاي من الشاكرين وباحكام تقلبات الأيام من المعتبرين حتى لا يغره السراب الخادع والدهر المرغم للأنوف الجادع ولا يرى فى الوجود غير الله من صانع ولا معط ولا مانع ويمتعه بالعز الجديد ويوفقه للنظر السديد ويلهمه للشكر فهو مفتاح المزيد والسلام انتهى
84 - ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى أبا عبد الله ابن عمر التونسى قوله
سيدي الذى عهده لاينسى وذكره يصبح فى ترديده بالجميل ويمسى

ابقاكم الله تعالى تجلون من السعادة شمسا وتصرفون فى طاعته لسانا فردا وبنانا خمسا وصلنى كتابكم الأشعث الأغبر ومقتضبكم الذى أضغاثه لا تعبر شاهده بعدم الاعتناء اوضاعه معدوما امتاعه قصيرا فى التعريف بالحال المتشوف اليها باعه مضمنا الإحالة على خلى من معناها غير ملتبس بموحدها ولا مثناها سألته كما يسأل المريض عما عند الطبيب ويحرص الحبيب على تعرف احوال الحبيب فذكر أنه لم يتحمل غير تلك السحاءة المعنية فى الاختصار المجحفة بخظى الأسماع والأبصار فهممت بالعتب على البخيل بالكتب ثم عذرت سيدي بما يعترى مثله من شواغل تطرق وخواطر تومض وتبرق وإذا كان آمنا سربه مهنأ شربه فهو الأمل ويقنع هذا المجمل وأن كان التفسير هو الأكمل وما ثم ما يعمل ووده فى كل حال وده والله سبحانه بالتوفيق يمده والسلام
وكانت للسان الدين رحمه الله تعالى مخاطبات كثيرة لسلطان الدولة واعيانها دلت على قوة عارضته فى البلاغة وقد المعنا بجملة منها فى هذا الكتاب فى مواضع ولم نكثر منها طلبا للاختصار أو التوسط بحسب ما اقتضاه الباعث فى الحال والله سبحانه وتعالى يبلغ الآمال ويزكى الأعمال
85 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه عن السلطان أبى الحجاج يوسف بن نصر إلى سيد العالمين صلى الله عليه و سلم إثر نظم ونص الكل هو
( إذا فاتنى ظل الحمى ونعيمه ... فحسب فؤادى أن يهب نسيمه )
( ويقنعنى أنى به متكنف ... فزمزمه دمعى وجسمى حطيمة )
( يعود فؤادي ذكر من سكن الغصنا ... فيقعده فوق الغضا ويقيمه )
( ولم أر شيئا كالنسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه )
( نعلل بالتذكار نفسا مشوقة ... ندير عليها كأسه ونديمه )

( وما شفنى بالغور قد مرنح ... ولا شاقنى من وحش وجره ريمه )
( ولا سهرت عينى لبرق ثنيه ... من الثغر يبدو موهنا فاشيمه )
( برانى شوق للنبى محمد ... يسوم فؤادي برحة ما يسومه )
( ألا يا رسول الله ناداك ضارع ... على النأى محفوظ الوداد سليمه )
( مشوق إذا ما الليل مد رواقه ... تهم به تحت الظلام همومه )
( إذا ما حديث عنك جاءت به الصبا ... شجاه من الشوق الحثيث قديمه )
( أيجهر بالنجوى وانت سميعها ... ويشرح ما يخفى وأنت عليمه )
( وتعوزه السقيا وأنت غياثه ... وتتلقه الشكوى وأنت رحيمه )
( بنورك نور الله قد اشرق الهدى ... فاقماره وضاحة ونجومه )
( لك انهل فضل الله بالأرض ساكبا ... فانواؤه ملتفة وغيومه )
( ومن فوق اطباق السماء بك اقتدى ... خليل الذى اوطاكها وكليمه )
( لك الخلق الأرضى الذى جل ذكره ... ومجدك فى الذكر العظيم عظيمه )
( يجل مدى علياك عن مدح مادح ... فموسر در القول فيك عديمه )
( ولى يا رسول الله فيك وراثه ... ومجدك لا ينسى الذمام كريمه )
( وعندى الى انصار دينك نسبة ... هى الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه )
( وكان بودى أن ازور مبوأ ... بك افتخرت اطلاله ورسومه )
( وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذاك مرومه )
( وعذرى فى تسويف عزمى ظاهر ... اذا ضاق عذر العزم عمن يلومه )
( عدتنى باقصى الغرب عن تربك العدا ... جلالقة الثغر الغريب ورومه )
( اجاهد منهم فى سبيلك امة ... هى البحر يعيى امرها من يرومه )
( فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى ... لريع حماه واستبيح حريمه )
( فلا تقطع الحبل الذى قد وصلته ... فمجدك موفور النوال عميمه )

356 - ( وأنت لنا الغيث الذى نستدره ... وأنت لنا الظل الذى نستديمه )
( ولما نأت دارى واعوز مطمعى ... واقلقنى شوق يشب جحيمه )
( بعثت بها جهد المقل معولا ... على مجدك الأعلى الذى جل خيمه )
( وكلت بها همى وصدق قريحتى ... فساعدنى هاء الروى وميمه )
( فلا تنسنى يا خير من وطىء الثرى ... فمثلك لا ينسى لديه خديمه )
( عليك صلاة الله ما ذر شارق ... وما راق من وجه الصباح وسيمه )
إلى رسول الحق إلى كافة الخلق وغمام الرحمة الصادق البرق الحائز فى ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق خاتم الأنبياء وامام ملائكة السماء ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطين والماء شفيع أرباب الذنوب وطبيب أدواء القلوب والوسيلة إلى علام الغيوب نبى الهدى الذى طهر قلبه وغفر ذنبه وختم به الرسالة ربه وجرى فى النفوس مجرى الأنفاس حبه الشفيع المشفع يوم العرض المحمود فى ملإ السماء والأرض صاحب اللواء المنشور يوم النشور والمؤتمن على سر الكتاب المسطور ومخرج الناس من الظلمات إلى النور المؤيد بكفاية الله وعصمته الموفور حظه من عنايته ونعمته الظل الخفاق على أمته من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا أو كان للآباء رحمة قبله ذابت نفوسهم اشفاقا فائدة الكون ومعناه وسر الوجود الذى يبهر الوجود سناه وصفى حضرة القدس الذى لا ينام قلبه إذا نامت عيناه البشير الذى سبقت له البشرى ورأى من آيات ربه الكبرى ونزل فيه ( سبحان الذي أسرى ) الاسراء من الأنوار من عنصر نوره مستمدة والآثار تخلق وآثاره مستجدة من طوي بساط الوحى لفقده وسد باب الرسالة والنبوة من بعده واوتى جوامع الكلم فوقفت البلغاء حسرى دون حده الذى انتقل فى الغرر الكريمة نوره وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره وطفقت الملائكة تجيئه وفودها وتزوره واخبرت الكتب

357 - المنزلة على الأنبياء باسمائه وصفاته واخذ عهد الإيمان به على من اتصلت بمبعثه منهم ايام حياته المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر والسند المعتمد عليه فى أهوال المحشر ذو المعجزات التى أثبتتها المشاهدة والحس وأقر بها الجن والإنس من جماد يتكلم وجذع لفراقه يتألم وقمر له ينشق وحجر يشهد أن ما جاء به هو الحق وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس وماء من بين أصابعه يتبجس وغمام باستسقائه يصوب وطوى بصق فى اجاجها فاصبح ماؤها وهو العذب المشروب المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب المسمى بالحاشر العاقب ذو المجد البعيد المرامى والمراقب أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب ونجحت لديه قربة البعيد المقترب سيد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذى فاز بطاعته المحسنون واستنقذ بشفاعته المذنبون وسعد باتباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون صلى الله عليه و سلم ما لمع برق وهمع ودق وطلعت شمس ونسخ اليوم أمس
من عتيق شفاعته وعبد طاعته المعتصم بسببه المؤمن بالله ثم به المستشفى بذكره كلما تألم المفتتح بالصلاة عليه كلما تكلم الذى أن ذكر تمثل طلوعه بين اصحابه وآله وأن هب النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله وان سمع الأذان تذكر صوت بلاله وأن ذكر القرآن استشعر تردد جبريل بين معاهده وخلاله لاثم تربه ومؤمل قربه ورهين طاعته وحبه المتوسل به إلى رضى الله ربه يوسف بن اسماعيل بن نصر
كتبه اليك يا رسول الله والدمع ماح وخيل الوجد ذات جماح عن شوق يزداد كلما نقص الصبر وانكسار لا يتاح له إلا بدنو مزارك الجبر وكيف لا يعيى مشوقك الأمر وتوطأ على كبده الجمر وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربك المقدسة اللحد ووعدت الآمال ودانت باخلاف الوعد وانصرفت الرفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت والركائب اليك

358 - ما رحلت والعزائم قالت وما فعلت والنواظر فى تلك المشاهد الكريمة لم تسرح وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح فيا لها من معاهد فاز من حياها ومشاهد ما اعطر رياها بلاد نيطت بها عليك التمائم واشرقت بنورك منها النجود والتهائم ونزل فى حجراتها عليك الملك وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك مدارس الآيات والسور ومطالع المعجزات السافرة الغرر حيث قضيت الفروض وحتمت وافتتحت سورة الرحمن وختمت وابتدئت الملة الحنيفية وتممت ونسخت الآيات واحكمت
أما والذى بعثك بالحق هاديا واطلعك للخلق نورا باديا لا يطفىء غلتى إلا شربك ولا يسكن لوعتى إلا قربك فما اسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك واصبح بعد اداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك وعفر الخد فى معاهدك ومعاهد اسرتك وتردد ما بين داري بعثتك وهجرتك وأنى لما عاقتنى عن زيارتك العوائق وأن كان شغلى عنك بك وعدتنى الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك واصبحت بين بحر تتلاطم امواجه وعدو تتكاثف افواجه ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه فى طائفة من المؤمنين بك وطنوا على الصبر نفوسهم وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم واستعذبوا فى مرضاه الله تعالى ومرضاتك بوسهم يطيرون من هيعة إلى اخرى ويلتفتون والمخاوف عن يمنى ويسرى ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى لا يبلغون من عدو هو الذر عند انتشاره عشر معشاره قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا لان تكون كلمة الله تعالى هى العليا فيا له من سرب مروع وصريخ الا منك ممنوع ودعاء إلى الله وإليك مرفوع وصبية حمر

الحواصل تخفق فوق اوكارها اجنحة المناصل والصليب قد تمطى فمد ذراعيه ورفعت الأطماع وقد حجبت بالقتام السماء وتلاطمت أمواج الحديد والباس الشديد فالتقى الماء ولم يبق إلا وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تشاهده العيون إلى أن نلقاك غدا أن شاء الله تعالى وقد ابلينا العذر وارغمنا الكفر واعملنا فى الله تعالى وسبيلك البيض والسمر استنبت رقعتى هذه لتطير إليك من شوقى بجناح خافق من نيتى التى تصحبها برفيق موافق فتؤدي عن عبدك وتبلغ وتعفر الخد فى تربك وتمرغ بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك وتقف وقوف الخضوع والخشوع تجاه تابوتك وتقول بلسان عند التشبث باسبابك والتعلق منكسرة الطرف حذرا بهرجها من عدم الصرف يا غياث الأمة الرحمة ارحم غربتى وانقطاعي وتغمد بطولك قصر باعى وقو على هيبتك خور طباعى فكم جزت من مهول وجبت من حزون وسهول وقابل بالقبول نيابتى وعجل بالرضى اجابتى ومعلوم من كمال تلك الشيم تيك الديم أن لا يخيب قصد من حط بفنائها ولا يظمأ وارد اكب على انائها
اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة واعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن تحت ظلاله المنشورة وملكت امته ما زوى له من زوايا البسيطة المعمورة وجعلتنى من امته على حبه المفطورة وشوقتنى الى معاهده المبرورة ومشاهده المزورة ووكلت لسانى عليه وقلبى بالحنين إليه ورغبتنى بالتماس ما لديه فلا تقطع منه أسبابى ولا تحرمنى من ثوابى وتداركنى بشفاعته يوم أخذ كتابى
هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره وشط مزاره ولم يجعل بيده

اختياره
فأن لم تكن للقبول اهلا فأنت للإغضاء والسماح أهل وأن كانت الفاظها وعرة فجنابك سهل وإن كان الحب يتوارث كما اخبرت والعروق تدس حسبما إليه اشرت فلى بانتسابى سعد عميد انصارك مزية ووسيلة اثيرة حفية فإن لم يكن لى عمل ترتضيه فلى نية فلا تنسنى بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك على ايدي خيار امتك فأنما نحن بها وديعة تحت بعض نعوذ بوجه ربك من إغفالك ونستنشق من ريح عنايتك نفحة ونرتقب من محيا قبولك لمحة بها عدوا طغى وبغى وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى فمواقف التمحيص قد اعيت من كتب والبحر قد اصمت من استصرخ والطاغية فى العدوان مستبصر والعدو محلق والولى وبجاهك ندفع ما لا نطيق وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيق فلا تفردنا ولا تهملنا وناد ربك ( ربنا ولا تحملنا ) البقرة وطوائف امتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم وربك يقول لك وقوله ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) الأنفال 33 والصلاة والسلام عليك يا خير من طاف وسعى داعيا إذا دعا وصلى الله على جميع احزابك وآلك صلاة تليق بجلالك وتحق لكمالك وعلى وصديقيك وحبيبيك ورفيقيك خليفتك فى امتك وفاروقك المستخلف بعده على جلتك ذي النورين المخصوص ببرك ونحلتك وابن عمك سيفك المسلول على حلتك بدر سمائك اهلتك والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا أثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته وكتب بحضرة الأندلس غرناطة صانها الله تعالى ووقاها ودفع عنها ببركتك كيد عداها انتهت الرسالة86 - وكتب أيضا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على لسان مخدومه

السلطان الغنى بالله محمد ابن السلطان أبى الحجاج رحم الله تعالى الجميع ما صورته
( دعاك المغربين غريب ... وأنت على بعد المزار قريب )
( مدل باسباب الرجاء وطرفه ... على حكم الحياء مريب )
( يكلف قرص البدر حمل تحية ... إذا ما هوى والشمس حين )
( لترجع من تلك المعالم غدوة ... وقد ذاع من رد التحية طيب )
( ويستودع الريح الشمال ... من الحب لم يعلم بهن رقيب )
( ويطلب فى جيب الجيوب جوابها ... إذا ما اطلت جنيب )
( ويستفهم الكف الخضيب ودمعه ... غراما بحناء النجيع خضيب )
( ويتبع آثار مشيعا ... وقدزمزم الحادى وحن نجيب )
( إذا أثر الأخفاف لاحت محاربا ... يخر عليها وينيب )
( ويلقى ركاب الحج وهى قوافل ... طلاح وقد لبى النداء لبيب )
( فلا قول إلا أنه ... ولا حول إلا زفرة ونحيب )
( غليل ولكن من قبولك منهل ... عليل ولكن من رضاك )
( ألا ليت شعري والأمانى ضله ... وقد تخطىء الآمال ثم تصيب )
( اينجد نجد بعد مزاره ... ويكثب بعد البعد منه كثيب )
( وتقضى ديونى بعدما مطل المدى ... وينفذ بيعى معيب )
( وهل أقتضى دهري فيسمح طائعا ... وادعو بحظى مسمعا فيجيب
( ويا ليت شعرى لحومى مورد ... لديك وهل لى فى رضاك نصيب )
( ولكنك المولى الجواد وجاره ... على اي كان ليس يخيب )
( وكيف يضيق الذرع يوما بقاصد ... وذاك الجناب المستجار رحيب )
( وما هاجنى إلا بارق ... يلوح بفود الليل منه مشيب )

( ذكرت به ركب الحجاز وجيرة ... أهاب بها نحو الحبيب مهيب )
( فبت وجفنى من لآلىء دمعه ... غنى وصبرى للشجون سليب )
( ترنحنى الذكرى ويهفو بى الجوى ... كما مال غصن فى رطيب )
( واحضر تعليلا لشوقى بالمنى ... ويطرق وجد غالب فاغيب )
( مرامى لو الأمانى زوره ... يبث غرام عندها ووجيب )
( فقول حبيب إذ يقول تشوقا ... عسى وطن الى حبيب )
( تعجبت من سيفي وقد جاور الغضا ... بقلبى فلم يسبكه منه مذيب )
( واعجب لا يورق الرمح فى يدي ... ومن فوقه غيث المشوق سكيب )
( فيا سرح ذاك الحي لو اخلف ... لأغناك من صوب الدموع صبيب )
( ويا هاجر الجو الجديب تلبثا ... فعهدي رطب خصيب )
( ويا قادح الزند الشحاح ترفقا ... عليك فشوقى الخارجى شبيب )
( ايا خاتم المكين مكانه ... حديث الغريب الدار فيك غريب )
( فؤادي على جمر البعاد مقلب ... يماح للدموع قليب )
( فو الله ما يزداد إلا تلهبا ... أأبصرت ماء ثار عنه لهيب )
( فليلته ليل ويومها ... إذا شد للشوق العصاب عصيب )
( هواي هدى فيك اهتديت بنوره ... ومنتسبى منك نسيب )
( وحسبىعلى أنى لصحبك منتم ... وللخزرجيين الكرام نسيب )
( عدت عن المشوقة للعدا ... عقارب لا يخفى لهن دبيب )
( حراص على إطفاء نور قدحته ... فمستلب دونه وسليب )
( فكم من شهيد فى رضاك مجدل ... يظلله نسر ويندب ذيب )
( تمر الرياح فوق كلومهم ... فتعبق من انفاسها وتطيب )
( بنصرك عنك الشغل من غير منه ... وهل مشهد ومغيب )

( فإن صح منك الحظ طاوعت المنى ... ويبعد مرمى السهم وهو مصيب )
( ولولاك لم يعجم من عودها ... فعود الصليب الأعجمى صليب )
( وقد كانت الأحوال لولا مراغب ... ضمنت بالظهور تريب )
( فما شئت من نصر عزيز وانعم ... أثاب بهن المؤمنين مثيب )
( منابر اذن الفتح فوقها ... وأفصح للعضب الطرير خطيب )
( نقود الى هيجائها كل صائل ... كما ريع اللحاظ ربيب )
( ونجتاب من سرد اليقين مدارعا ... يكفتها من يجتنى ويثيب )
( إذا الخطى حول غديرها ... يروقك منها لجه وقضيب )
( فعذرا وإغضاء ولا تنس صارخا ... بعزك يرجو ان يجيب مجيب )
( وجاهك بعد الله نرجو وانه ... لحظ ملىء بالوفاء رغيب )
( صلاة الله ما طيب الفضا ... عليك مطيل بالثناء مطيب )
( وما اهتز قد للغصون مرنح ... افتر ثغر للبروق شنيب )
إلى حجة الله تعالى المؤيدة ببراهين أنواره وفائدة الكون ونكته ادواره وصفوة نوع البشر أطواره إلى المجتبى وموجود الوجود لم يغن بمطلق الوجود عديمة المصطفى من ذرية قبل أن يكسو العظام أديمة المحتوم فى القدم وظلمات العدم عند صدق القدم تفضيله وتقديمه وديعة النور المنتقل فى الجباة الكريمة والغرر ودرة الأنبياء التى لها الفضل على الدرروغمام الهامية الدرر إلى مختار الله تعالى المخصوص باجتبائه وحبيبه الذى له المزية على احبائه انبياء الله تعالى آبائه الى الذى شرح صدره وغسله ثم بعثه واسطة بينه وبين العباد وارسله عليه انعامة الذى اجزله وانزل عليه من الهدى والنور ما انزله إلى بشرى المسيح والذبيح لهم التجر الربيح المنصور بالرعب والريح المخصوص

بالنسب الصريح إلى الذى جعله فى المحول غماما وللأنبياء اماما وشق صدره لتلقى روح امره واعلم به فى التوراة والإنجيل اعلاما وعلم المؤمنين صلاة عليه وسلاما إلى الشفيع الذى لا فى العصاة شفاعته والوجيه الذى قرنت بطاعة الله تعالى طاعته والرؤوف الرحيم الذى إلى الله تعالى فى اهل الجرائم ضراعته صاحب الآيات التى لا يسع ردها والمعجزات اربى على الألف عدها فمن قمر شق وجذع حن له وحق وبنان يتفجر بالماء فيقوم بري وطعام يشبع الجمع الكثير يسيره وغمام يظلل به مقامه ومسيرة خطيب المقام المحمود إذا العرض واول من تنشق عنه الأرض ووسيله الله تعالى التى لولاها ما اقرض القرض ولا النفل والفرض محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف المحمود الخلال ذى الجلال الشاهد بصدقه صحف الأنبياء وكتب الأرسال وآياته التىأثلجت القلوب ببرد اليقين صلى الله عليه و سلم ما ذر شارق واومض بارق وفرق بين اليوم الشامس والليل الدامس صلاة تتأرج على شذا الزهر وتتبلج عن سنا الكواكب الزهر وتردد بين السر والجهر ساعات اليوم وأيام الشهر وتدوم بدوام الدهر
من عبد هداه ومستقرى مواقع نداه ومزاحم أبناء انصاره فى منتداه وبعض سهامه المفوقه إلى عداه مؤمل العتق من النار بشفاعته ومحرز طاعة الجبار بطاعته الآمن باتصال رعيه من الله تعالى وإضاعته متخذ الصلاة عليه وسائل نجاة وذخائر فى الشدائذ مرتجاه متاجر غير مزجاة الذى ملأ بحبه جوانح صدره وجعل فكره هالة لبدره وأوجب حقه على قدر لا على قدره محمد بن يوسف بن نصر الأنصارىالخزرجى نسيب سعد بن عبادة من وبوارق سحابه وسيوف نصرته وأقطاب دار هجرته ظلله الله تعالى يوم الفزع الأكبر من عنه بظلال الأمان كما أنار قلبه من هدايتك بانوار الهدى والإيمان وجعله

من أهل السياحة فى فضاء حبك والهيمان
كتبه اليك يا رسول الله واليراع تقتضى الهيبة صفرة لونه والمداد يكاد أن يحول سواد جونه الكتاب يخفق فؤادها حرصا على حفظ اسمك الكريم وصونه والدمع يقطر فتنقط به وتفصل الأسطر وتوهم المثول بمثواك المقدس لا يمر بالخاطر سواه ولا يخطر عن قلب عنك قريح وجفن بالبكاء جريح وتأوه عن تبريح كلما هب من ارضك نسيم ريح وانكسار له إلا جبرك واغتراب لا يؤنس فيه إلا قربك وإن يقض فقبرك وكيف لا يسلم فى مثلها الأسى الصباح والمسا ويرجف جبل الصبر بعدما رسا لولا لعل وعسى فقد سارت الركبان إليك يقض مسير وحومت الأسراب عليك والجناح كسير ووعدت الآمال فاخلفت وحلفت العزائم فلم بما حلفت ولم تحصل النفس من تلك المعاهد ذات الشرف الأثيل إلا على التمثيل ولا من الملتمسة التنوير إلا على التصوير مهبط وحى الله تعالى ومتنزل اسمائه ومتردد ملائكة ومدافن اوليائه وملاحد اصحاب خيرة انبيائه رزقنى الله تعالى الرضى بقضائه والصبر جاحم البعد ورمضائه من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى دار ملك الإسلام بالأندلس قاصية ومسحبة رجلك يا رسول الله وخيلك وأناى مطارح دعوتك ومساحب ذيلك حيث مصاف فى سبيل الله وسبيلك قد ظللها القتام وشهبان الأسنة أطلعها منه الإعتام واسواق بيع النفوس الله تعالى قد تعدد بها الأيامى والأيتام حيث الجراح قد تحلت بعسجد نجيعها النحور والشهداء بها الحور والأمم الغريبة قد قطعها عن المدد البحور حيث المباسم المفترة تجلوها المصارع فتحييها بالعراء ثغور الأزاهر وتندبها صوادح الأدواح برنات تلك المزاهر وتحلى السحاب المعطلة من ظلها بالجواهر وحيث الإسلام من عدوه المكايد بمنزلة

قطرة من عارض غمام وحصاه من ثبير أو شمام وقد سدت الطريق واسلم الفراق الفريق واغص ويئس من الساحل الغريق إلا أن الإسلام بهذه الجهة المتمسكة بحبل الله تعالى وحبلك بادلة سبلك سالم والحمد لله تعالى من الانصداع محروس بفضل الله تعالى من الابتداع من جديد الملة معدوم فيه وجود الطوائف المضلة إلا ما يخص الكفر من هذه العلة على جمع الكثرة من جموعه بجمع القلة
ولهذه الأيام يا رسول الله اقام الله تعالى اوده برا بوجهك الوجيه ورعيا وانجازا لوعدك وهو لا يخلف وعدا ولا يخيب سعيا وفتح لنا فتوحا اشعرتنا برضاه عن وطننا الغريب وبشرتنا منه بغفر التقصير ورفع التثريب ونصرنا وله المنة على عبده الصليب وجعل لألفنا الردينى السردي حكم التغليب وإذا كانت الموالى التى طوقت الأعناق مننها وقررت العوائد الحسان وسننها تبادر إليها نوابها الصرحاء وخدامها النصحاء بالبشائر والمسرات التى تشاع فى وتجلو لديها نتائج ايديها وغايات مباديها وتتاحفها وتهاديها بمجانى جناتها وأزاهر غواديها محاضرها بطرف بواديها فبابك يا رسول الله اولى بذلك واحق ولك الحق الحق والحر عبدك المسترق حسبما سجله الرق وفى رضاك من كل من يلتمس رضاه المطمع ومثواك وملوك الإسلام فى الحقيقة عبيد سدتك المؤملة وخول مثابتك المحسنة بالحسنات المجملة تعشو إلى بدورك المكملة وبعض سيوفك المقلدة فى سبيل الله تعالى المحملة وحرسة وسلاح جهادك وبروق عهادك
وأن مكفول احترامك الذى لا يخفر وربى انعامك الذى لا يكفر وملتحف جاهك الذى يمحى ذنبه أن شاء الله تعالى ويغفر يطالع روضة الجنة المفتحة ابوابها بمثواك ويفاتح صوان القدس اجنك وحواك

وينثر بضائع الصلاة عليك بين يدي الضريح الذى طواك ويعرض جنى ما غرست وبذرت ما بشرت به لما بشرت وانذرت وما انتهى إليه طلق جهادك ومصب عهادك لتقر عين التى انام العيون الساهرة هجوعها واشبع البطون ورواها ظمؤها فى الله تعالى وجوعها كانت الأمور بمرأى من عين عنايتك وغيبها متعرف بين إفصاحك وكنايتك ومجملة يا رسول صلى الله عليك وبلغ وسيلتى إليك هو أن الله سبحانه لما عرفنى لطفه الخفى فى التمحيص عدم المحيص ثم فى التخصيص المغنى بعيانه عن التنصيص وفق ببركاتك السارية فى القلوب ووسائل محبتك العائدة بنيل المطلوب إلى استفادة عظة واعتبار واغتنام اقبال ادبار ومزيد استبصار واستعانه بالله تعالى وانتصار فسكن هبوب الكفر بعد إعصار وحل الإسلام بعد حصار وجرت على سنن السنة بحسب الاستطاعة والمنة السيرة وجبرت القلوب الكسيرة وسهلت المآرب العسيرة ورفع بيد العزة الضيم وكشف بنور البصيرة الغيم القليل على الكثير وباء الكفر بخطه التعثير واستوى الدين الحنيف على المهاد الوثير فاهتبلنا رسول الله غرة العدو وانتهزناها وشمنا صوارم عزة الغدو وهززناها وأزحنا علل الجيوش
فكان مما ساعد عليه القدر والخطب المبتدر والورد الذى حسن بعده الصدر أننا عاجلنا مدينة وقد جرعت الأختين مالقه ورندة من مدائن دينك ومزابن ميادينك أكواس الفراق وأذكرت مثل بالعراق وسدت طرق التزاور عن الطراق واسالت المسيل بالنجيع المراق فى مراصد المراد ومنعت المراسلة مع هدير الحمام لا بل مع طيف المنام عند الإلمام فيسر الله تعالى اقتحامها بيض الشفار

فى زرق الكفار الحامها وازال بشر السيوف من بين تلك الحروف اقحامها فانطلق المسرى القواعد الحسرى وعدمت بطريقها المخيف مصارع الصرعى ومثاقف الأسرى والحمد على فتحه الأسنى ومنحه الأسرى ولا إله إلا هو منفل قيصر وكسرى وفاتح مغلقاتهما المنيعة واستولى الإسلام منها على قرار جنات وأم بنات وقاعدة حصون وشجرة غصون طهرت مساجدها المكرهة وفجع بحفظها الفيل الأفيل وابرهه وانطلقت بذكر الله الألسنة المدرهة وفاز بسبق جيادك الفرهة هذا وطاغية الروم على توفر جموعه وهول مرئيه ومسموعه قريب جواره يتصل خواره وقد حرك اليها الحنين حواره
ثم نازل المسلمون بعدها شجا الإسلام الذى اعيا النطاسى علاجه وكرك هذا القطر الذى لا أعلامه ولا تصاول اعلاجه وركاب الغارات التى تطوى المراحل إلى مكايدة المسلمين طى وحجر الحيات التى لا تخلع على اختلاف الفصول جلود الزرود ومنغص الورود فى العذب ومقض المضاجع وحلم الهاجع ومجهز الخطب الفاجىء الفاجع ومستدرك فاتكة الراجع هبوب الطائر الساجع حصن آشر حماه الله تعالى دعاء لا خبرا كما جعله للمتفكرين فى قدرته فأحاطوا به إحاطة القلادة بالجيد وأذلوا عزته بعزة ذى العرش المجيد وحفت به الرايات وسمك ويلوح فى صفحاتها اسم الله تعالى واسمك فلا ترى إلا نفوسا تتزاحم على مورد أسرابها وليوثا يصدق فى الله تعالى ضرابها وأرسل الله عليها رجزا إسرائيليا من جراد تشذ آياته عن الأفهام

وسدد إلى الجبل النفوس القابلة للإلهام من بعد الاستغلاق والاستبهام وقد عبثت جوارح صخوره قنائص الهام واعيا صعبه على الجيش اللهام فأخذ مسائغه النقض والنقب ورغا فوق أهله ونصبت المعارج والمراقى وقرعت المناكب والتراقى واغتنم الصادقون مع الله تعالى الحظ وقال الشهيد السابق يا فوز استباقى ودخل البلد فالحم السيف واستلب البحت والزيف ثم القصبة فعلت اعلامك فى ابراجها المشيدة وظفر ناشد دينك منها بالنشيدة وشكر الله فى قصدها مساعى النصائح الرشيدة وعمل ما يرضيك يا رسول الله فى سد ثلمها وصون ومداواة المها حرصا على الاقتداء فى مثلها باعمالك والاهتداء بمشكاة كمالك ورتب فيها تشجى العدو وتصل فى مرضاة الله تعالى ومرضاتك برواحها الغدو
ثم كان الغزو الى مدينة إطريرة بنت حاضرة الكفر اشبيلية التى اظلتها بالجناح الساتر وأنامتها ضمان الأمان للحسام الباتر وقد وتر الإسلام من هذه المومسة البائسة بوتر الواتر واحفظ منها الوقاح المهاتر لما جرته على أسراه من عمل الخاتل الخاتر حسب المنقول لا بل المتواتر اليها المسلمون المدى النازح ولم تشك المطى الروازح وصدق الجد جدها المازح وخفقت أو كارها اجنحة الأعلام وغشيتها أفواج الملائكة الموسومة وظلال الغمام وصابت من السهام الرهام وكاد يكفى السهام على الأرض ارتجاج اجوائها بكلمة الإسلام وقد صم خاطب عروس

عن الملام وسمح بالعزيز المصون مبايع الملك العلام وتكلم لسان الحديد الصامت وصمت إلا بذكر الله الكلام ووفت الأوتار بالأوتار ووصل بالخطى ذرع الأبيض البتار وسلطت النار على أربابها الله تعالى فى تبار تلك الأمة وتبابها فنزلوا على حكم السيف آلافا بعد أن اتلفوا بالسلاح إتلافا المقاتلة كتافا وقرنوا فى الجدل أكتافا اكتافا وحملت العقائل والخرائد والولدان والولائد من فوق الظهور واردافا واقلت منها أفلاك الحمول بدورا تضىء من ليالى المحاق اسدافا الأيدي من المواهب والغنائم بما لا يصوره حلم النائم وتركت العوافى تتداعى الى تلك وتفتن من مطاعمها فى الملائم وشنت الغارات على حمص فجللت خارجها مغارا وكست الروم بها صغارا وأجحرت ابطالها احجارا واستاقت من النعم ما لا يقبل الحصر استبحارا
ولم يكن إلا ان عدل القسم واستقل بالقفول العزيز الرسم ووضح من التوفيق الوسم فكانت الى قاعدة جيان قيعة الظل الأبرد ونسيجه المنوال المفرد وكناس الغيد الخرد وكرسى وبحر العمارة ومهوى هوى الغيث الهتون وحزب التين والزيتون حيث خندق الجنة تدنو النار مجانيه وتشرق بشواطىء الأنهار إشراق الأزهار زهر مبانية والقلعة التى تختمت بنان بخواتيم النجوم وهمت من دون سحابها البيض سحائب الغيث السجوم والعقيلة التى أبدى يوم طلاقها وهجوم فراقها سمة الوجوم لذلك الهجوم فرمتها البلاد المسلمة بأفلاذ اكبادها وأجابت منادي دعوتك الصادقة الصادعة وحبتها بالفادحة الفادعة فغصت الربى والوهاد بالتكبير والتهليل الخيل بالصهيل وانهالت الجموع المجاهدة فى الله تعالى انهيال الكثيب المهيل وفهمت نفوس العباد فى الله تعالى حق الجهاد معانى التيسير من ربها والتسهيل وسفرت الرايات عن المرأى وأربت المحلات المسلمة على التاميل ولما صبحتها

النواصى المقبلة الغرر والأعلام المكتتبة الطرر برز حاميتها مصحرين وللحوزة المستباحة فكاثرهم من سرعان الأبطال رجل الدبا ونبت الوهاد والربى فاقحموهم من وراء السور اقلام الرماح فى بسط عددهم المكسور وتركت صرعاهم ولائم للنسور ثم اقتحموا ربض الأعظم ففرعوه وجدلوا من دافع عن أسواره وصرعوه وأكواس الحتوف جرعوه ولم اولى الناس باخراهم ويحمد بمخيم النصر العزيز سراهم حتى خذل الكافر الصبر وأسلم ونزل على المسلمين النصر فدخل البلد وطاح فى السيل الجارف الوالد منه والولد وأتهم والمتلد فكان هولا بعيد الشناعة وبعثا كقيام الساعة أعجل المجانيق عن الركوع والسجود عن مطاولة النجود والأيدي عن ردم الخنادق والأغوار والأكبش عن مناطحة الأسوار عن إصعاق الفجار وعمد الحديد ومعاول البأس الشديد عن نقب الابراج ونقض الأحجار الكثبان وابيد الشيب والشبان وكسرت الصلبان وفجع بهدم الكنائس الرهبان واهبطت من مراقيها العالية وصروحها المتعالية وخلعت السنتها الكاذبة ونقل ما استطاعته الأيدي وعجزت عن الأسلاب ذوات الظهور وجلل الإسلام شعار العز والظهور بما خلت عن سوالف الدهور والأعوام والشهور وأعرست الشهداء ومن النفوس المبيعة من الله تعالى نحل والمهور ومن بعد ذلك هدم السور ومحيت عن محيطة المحكم السطور وكاد يسير ذلك الذى اقتعدته المدينة ويدك ذلك الطور ومن بعد ما خرب الوجار عقرت الأشجار وعفر المنار وسلطت على

372 - التراب والماء النار وارتحل عنها المسلمون وقد عمتها المصائب واصمى لبتها السهم الصائب وجللتها القشاعم العصائب فالذئاب فى الليل البهيم تعسل والضباع من الحدب البعيد تنسل وقد ضاقت الجدل عن المخانق وبيع العرض الثمين بالدانق وسبكت أسورة الأسوار وسويت الهضاب بالأغوار واكتسحت الأحواز القاصية سرايا الغوار وحجبت بالدخان مطالع الأنوار وتخلفت قاعتها عبرة للمعتبرين وعظة للناظرين وآية للمستبصرين ونادى لسان الحمية يا لثارات الإسكندرية فاسمع آذان المقيمين والمسافرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين
ثم كانت الحركة الى اختها الكبرى ولدتها الحزينة عليها العبرى مدينة أبدة ذات العمران المستبحر والربض الخرق المصحر والمبانى الشم الأنوف وعقائل المصانع الجمة الحلى والشنوف والغاب الأنوف بلدة التجر والعسكر المجر وأفق الضلال الفاجر الكذب على الله تعالى الكاذب الفجر فخذل الله تعالى حاميتها التى يعيي الحسبان عدها وسجر بحورها التى لايرام مدها وحقت عليها كلمة الله تعالى التى لايستطاع ردها فدخلت لأول وهلة واستوعب جمها والمنة لله تعالى فى نهلة ولم يكف السيف من عليها ولا مهلة فلما تناولها العفا والتخريب واستباحها الفتح القريب واسند عن عواليها حديث النصر الحسن الغريب وأقعدت أبراجها من بعد القيام والانتصاب واضرعت مسايفها لهول المصاب انصرف عنها المسلمون بالفتح الذى عظم صيته والعز الذى سما طرفه واشرأب ليته والعزم الذى حمد مسراه ومبيته والحمد لله ناظم الأمر وقد راب شتيته وجابر الكسر وقد افات الجبر مفيته

373 - ثم كان الغزو الى أم البلاد ومثوى الطارف والتلاد قرطبة وما قرطبةالمدينة التى على عمل أهلها فى القديم بهذا الإقليم كان العمل والكرسى الذى بعصاه رعى الهمل والمصر الذى له فى خطة المعمور الناقة والجمل والأفق الذى هو لشمس الخلافة العبشمية الحمل فخيم الإسلام بعقوتها المستباحة وأجاز نهرها المعيى على السباحة وعم دوحها الأشب بوارا وادار المحلات بسورها سوارا وأخذ بمخنقها حصارا واعمل النصر بشجر بصلها اجتناء ما شاء واهتصارا وجدل من أبطالها من لم يرض انجحارا فاعمل الى المسلمين إصحارا حتى فرغ بعض جهاتها غلابا جهارا ورفعت الأعلام إعلاما بعز الإسلام واظهارا فلولا استهلال الغوادي وان اتى الوادي لأفضت الى فتح الفتوح تلك المبادى ولقضى تفثه العاكف والبادى فاقتضى الرأى ولذنب الزمان فى اغتصاب الكفر إياها متاب تعمل ببشراه بفضل الله تعالى أقتاد واقتاب ولكل اجل كتاب ان يراض صعبها حتى يعود ذلولا وتعفى معاهدها الآهلة فتترك طلولا فاذا فجع الله تعالى بمارج النار طوائفها المارجة واباد بخارجها الطائرة والدارجة خطب السيف منها أم خارجة فعند ذلك أطلقنا بها ألسنة النار ومفارق الهضاب بالهشيم قد شابت والغلات المستغلات قد دعا بها القصل فما ارتابت وكأن صحيفة نهرها لما

374 - أضرمت النار فى ظهرها ذابت وحيته فرت أمام الحريق فانسابت وتخلفت لغمائم الدخان عمائم تلويها برؤوس الجبال ايدي الرياح وتنشرها بعد الركود ايدي الاجتياح واغريت باقطارها الشاسعة وجهاتها الواسعة جنود الجوع وتوعدت بالرجوع فسلب اهلها لتوقع الهجوم منزور الهجوع فأعلامها خاشعة خاضعة وولدانها لثدي البؤس راضعة والله سبحانه يوفد بخبر فتحها القريب ركاب البشرى وينشر رحمته قبلنا نشرا
ثم تنوعت يا رسول الله لهذا العهد أحوال العدو تنوعا يوهم إفاقته من الغمرة وكادت فتنته تؤذن بخمود الجمرة وتوقع الواقع وحذر ذلك السم الناقع وخيف الخرق الذى يحار فيه الراقع فتعرفنا عوائد الله سبحانه ببركة هدايتك وموصول عنايتك فأنزل النصر والسكينة ومكن العقائد المكينة فثابت العزائم وهبت واطردت عوائد الإقدام واستتبت وما راع العدو إلا خيل الله تعالى تجوس خلاله وشمس الحق توجب ظلاله وهداك الذى هديت يدحض ضلاله ونازلنا حصنى قنبيل والحائر وهما معقلان متجاوران يتناجى منهما الساكن سرارا وقد اتخذا بين النجوم قرارا وفصل بينهما حسام النهر يروق غرارا والتف معصمه فى حلة العصب وقد جعل الجسر سوارا فخذل الصليب بذلك الثغر من تولاه وارتفعت أعلام الإسلام باعلاه وتبرجت عروس الفتح المبين بمجلاه والحمد لله تعالى على ما أولاه
ثم تحركنا على تفئة تعدي ثغر الموسطة على عدوة المساور فى المضاجع ومصبحة بالفاجىء الفاجع فنازلنا حصن روطة الآخذ بالكظم المعترض بالشجا اعتراض العظم وقد شحنه العدو مددا بئيسا ولم يأل اختياره رايا ولا تلبيسا فاعيا داؤه واستقلت بالمدافعة أعداؤه ولما اتلع اليه جيد المنجنيق

375 - وقد برك عليه بروك الفنيق وشد عصام العزم الوثيق لجأ أهله إلى التماس العهود والمواثيق وقد غصوا بالريق وكاد يذهب بابصارهم لمعان البريق فسكناه من حاميه المجاهدين بمن يحمي ذماره ويقرر اعتماره واستولى أهل الثغور إلى هذا الحد على معاقل كانت مستغلقة ففتحوها وشرعوا أرشية الرماح إلى قلب قلوبها فمتحوها
ولم تكد الجيوش المجاهدة تنفض عن الأعراف متراكم الغبار وترخى عن آباط خيلها شد حزم المغار حتى عاودت النفوس شوقها واستتبعت ذوقها وخطبت التى لا فوقها وذهبت بها الآمال إلى الغاية القاصية والمدارك المتصاعبة على الأفكار المتعاصية فقصدنا الجزيرة الخضراء باب هذا الوطن الذى منه طرق وادعه ومطلع الحق الذى صدع الباطل صادعه وثنية الفتح التى برق منها لامعه ومشرف الهجوم الذى لم تكن لتعثر على غيره مطامعه وفرضه المجاز التى لا تنكر ومجمع البحرين فى بعض ما يذكر حيث يتقارب الشطان ويتوازى الخطان وكاد أن تلتقى حلقتا البطان وقد كان الكفر قدر قدر هذه الفرضة التى طرق منها حماه ورماه الفتح الأول بما رماه وعلم أن لا تتصل ايدي المسلمين باخوانهم إلا من تلقائها وأنه لا يعدم المكروه مع بقائها فاجلب عليها برجله وخيله وسد افق البحر باساطيله ومراكب اباطيله بقطع ليله وتداعى المسلمون بالعدوتين الى استنقاذها من لهواته أو امساكها من دون مهواته فعجز الحول ووقع بملكه إياها القول واحتازها قهرا وقد صابرت الضيق ما يناهز ثلاثين شهرا وأطرق الإسلام بعدها إطراق الوجم واسودت الوجوه لخبرها الهاجم وبكتها حتى دمووع الغيث الساجم وانقطع المدد إلا من رحمه من ينفس الكروب ويغري بالإدالة الشروق والغروب ولما شكنا بشبا الله تعالى نحرها واغصصنا بجيوش الماء وجيوش الأرض تكاثر نجم السماء برها وبحرها ونازلناها نذيقها شديد النزال ونحجها بصدق الوعيد فى سبيل الاعتزال راينا باوا لا يظاهر إلا بالله تعالى ولا يطال

376 - وممنعه يتحاماها الأبطال وجنابا روضة الغيث الهطال أما أسواقها فهى التى اخذت النجد والغور واستعدت بجدال الجلاد عن البلاد فارتكبت الدور تحوز بحرا من العمارة ثانيا وتشكك ان يكون الإنس لها بانيا وأما ابراجها فصفوف وصفوف تزين صفحات المسايف منها انوف وآذان لها من دوامغ الصخر شنوف وأما خندقها فصخر مجلوب وسور مقلوب فصدقها المسلمون القتال بحسب محلها من نفوسهم واقتران اغتصابها ببوسهم وافول شموسهم فرشقوها من النبال بظلالة تحجب الشمس فلا يشرق سناها وعرجوا فى المراقى البعيدة يفرعون مبناها ونفوسها انقابا وحصونها عقابا ودخلوا مدينه البنة بنتها غلابا واحسبوا السيوف استلالا والأيدي اكتسابا واستوعب القتل مقاتلتها السابغة الجنن البالغة المنن فاخذهم الهول المتفاقم وجدلوا كأنهم الأراقم لم تفلت منهم عين تطرف ولا لسان يلبى من يستطلع الخبر أو يستشرف
ثم سمت الهمم الإيمانية إلى المدينة الكبرى فداروا سوارا على سورها وتجاسروا على اقتحام اودية الفناء من فوق جسورها وادنوا إليها بالضروب من حيل الحروب بروجا مشيدة ومجانيق توثق حبالها منها نشيدة وخفقت بنصر الله تعالى عذبات الأعلام وأهدت الملائكة مدد السلام فخذل الله تعالى كفارها وأكهم شفارها وقلم بيد قدرته أظفارها فالتمسوا الأمان للخروج ونزلوا على مراقى العروج إلى الأباطح والمروج من سمائها ذات البروج فكان بروزهم إلى العراء من الأرض تذكرة بيوم العرض وقدر

377 - جلل المقاتلة الصغار وتعلق بالأمان النساء والصغار وبودرت المدينة بالتطهير ونطقت المآذن العالية بالأذان الشهير والذكر الجهير وطرحت كفارها الثماثيل عن المسجد الكبير وأزرى بالسنة النواقيس لسان التهليل والتكبير وانزلت عن الصروح اجرامها يعيي الهندام مرامها والفى منبر الإسلام بها مجفوا فانست غربته واعيد اليه قربة وقربته وتلا واعظ الجمع المشهود قول منجز الوعود ومورق العود ( وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التى يدعون من دون الله من شىء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك أذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد إن فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) هود فكان الدمع يغرق الآماق والوجد يستأصل الأرماق وارتفعت الرغبات وعلت السيات وجىء بأسرى المسلمين يرسفون فى القيود الثقال وينسلون من أحداب الاعتقال ففكت عن سوقهم أساود الحديد وعن أعناقهم فلكات البأس الشديد وظللوا بجناح اللطف العريض المديد وترتبت فى المقاعد الحامية وأزهرت بذكر الله تعالى المآذن السامية وعادت المدينة لأحسن أحوالها وسكنت من بعد أهوالها وعادت الجالية إلى اموالها ورجع إلى القطر شبابه ورد على دار الإسلام بابه واتصلت باهل لا إله إلا الله اسبابه فهى اليوم فى بلاد الإسلام قلادة النحر وحاضرة البر والبحر أبقى الله تعالى عليها وعلى ما وراءها من بيوت امتك ودائع الله تعالى فى ذمتك بكلمة دينك الصالحة الباقية وسدل عليه أستار عصمته الواقية وعدنا والصلاة عليك شعار البروز والقفول وهجيرا الشروق والأفول والجهاد يا رسول الله الشأن المعتمد ما امتد بالأجل الأمد والمستعان الفرد الصمد
ولهذا العهد يا رسول الله صلى الله عليك وبلغ وسيلتى إليك بلغ من هذا

378 - القطر المرتدى بجاهك الذى لا يذل من ادرعه ولا يضل من اهتدى بالسبيل الذى شرعه إلى أن لا طفنا ملك الروم باربعة من البلاد كان الكفر قد اغتصبها ورفع التماثيل ببيوت الله تعالى ونصبها فانجاب عنها بنورك الحلك ودار بادالتها إلى دعوتك الفلك وعاد إلى مكاتبها القرآن الذى نزل به على قلبك الملك فوجبت مطالعة مقرك النبوى باحوال هذه الأمة المكفولة فى حجرك المفضلة بإدارة تجرك المهتدية بانوار فجرك وهل هو إلا ثمرات سعيك ونتائج رعيك وبركة حبك ورضاك الكفيل برضى ربك وغمام رعدك وانجاز وعدك وشعاع من نور سعدك وبذر يجنى ريعه من بعدك ونصر رايتك وبرهان آيتك واثر حمايتك ورعايتك
واستنبت هذه الرسالة مائحة بحر الندى الممنوح ومفاتحة باب الهدى بفتح الفتوح وفارعة المظاهر والصروح وملقية الرحل بمتنزل الملائكة والروح لتمد إلى قبولك يد استمناح وتطير إليك من الشوق الحثيث بجناح ثم تقف موقف الانكسار وأن كان تجرها آمنا من الخسار وتقدم بانس القربة وتحجم بوحشة الغربة وتتاخر بالهيبة وتجهش لطول الغيبة وتقول ارحم بعد دارى وضعف اقتدارى وانتزاح اوطانى وخلو اعطانى وقلة زادي وفراغ مزادي وتقبل وسيلة اعترافى وتغمد هفوة اقترافى وعجل بالرضى انصراف متحملى لانصرافى فكم جبت من بحر زاخر وقفر بالركاب ساخر وحاش لله تعالى أن يخيب قاصدك أو تتخطانى مقاصدك أو تطردنى موائدك أو تضيق عنى عوائدك ثم تمد مقتضية مزيد رحمتك مستدعية دعاء من حضر من أمتك وأصحبتها يا رسول الله عرضا من النواقيس التى كانت بهذه البلاد المفتتحة تعيق الإقامة والأذان وتسمع الأسماع الضالة والآذان مما قبل الحركة وسالم المعركة ومكن من نقله الأيدي المشتركة واستحق بالقدوم عليك والإسلام بين يديك السابقة فى الأزل البركة وما سواها فكانت جبالا عجز عن نقلها الهندام فنسخ وجودها الإعدام وهى يا

379 - رسول الله جنى من جنانك ورطب من أفنانك وأثر ظهر علينا من مسحة حنانك
هذه هى الحال والانتحال والعائق أن تشد اليك الرحال ويعمل الترحال إلى أن نلقاك فى عرصات القيامة شفيعا ونحل بجاهك أن شاء الله تعالى محلا رفيعا ونقدم فى زمرة الشهداء الدامية كلومهم من أجلك الناهلة غللهم فى سجلك ونبتهل إلى الله تعالى الذى اطلعك فى سماء الهداية سراجا واعلى لك فى السبع الطباق معراجا وأم الأنبياء منك بالنبى الخاتم وقفى على آثار نجومها المشرقة بقمرك العاتم أن لا يقطع عن هذه الأمة الغريبة أسبابك ولا يسد فى وجوهها أبوابك ويوفقها لاتباع هداك ويثبت أقدامها على جهاد عداك وكيف تعدم ترفيها أو تخشى بخسا وانت موفيها أو يعذبها الله تعالى وأنت فيها وصلاة الله وسلامه تحط بفنائك رحال طيبها وتهدر فى ناديك شقاشق خطيبها ما أذكر الصباح الطلق هداك والغمام السكب نداك وما حن مشتاق إلى لثم ضريحك وبليت نسمات الأسحار عما استرقت من ريحك وكتب فى كذا
انتهت الرسالة وفيها ما لا خفاء به من براعة لسان الدين رحمه الله تعالى وقدس روحه الطاهرة آمين
87 - ومما علق بحفظى من نثره رحمه الله تعالى اثناء رسالة فى العزاء خاطب بها ملك المغرب قوله بعد كلام أين مروان بن الحكم ودهاؤه وعبد الملك بن مروان وبهاؤه والوليد وبناؤه وسليمان وغذاؤه وعمر بن عبد العزيز وثناؤه ويزيد ونساؤه وهشام وخيلاؤه والوليد وندماؤه والجعدى وآراؤه أم اين السفاح وحسامه والمنصور واعتزامه والمهدى واعظامه والهادى واقدامه والرشيد وأيامه والأمين وندامه والمأمون وكلامه والمعتصم واسراجه والجامه انتهى

380 - وقد تقدم كلام ابى الخطاب ابن دحية فى هذا المعنى بطوله فى الباب الثانى من هذا القسم فليراجع ثمة

للمقري محاكيا لسان الدين
قلت وقد تقدم فى الخطبة نظمى لمثل هذا وقد كنت نسجت على منوال لسان الدين وأنا بالمغرب نثرا مما لم يحضرنى منه الآن غير قولى اين الإسكندر ويونانه وشداد وبنيانه والنمروذ وعدوانه وفرعون وهامانه وقارون وطغيانه وكسرى انوشروان وإيوانه وقيصر وبطارقته وأعوانه وسيف ابن ذى يزن وغمدانه والمنذر ونعمانه إلى أن قلت واين أبو بكر رضى الله تعالى عنه وثباته وعمر رضى الله تعالى عنه ووثباته وعثمان رضى الله تعالى عنه ورهباته أم اين علي رضى الله تعالى عنه وشجاعته وعلمه وأين معاوية رضى الله تعالى عنه وحمله وأين يزيد وظلمه
ثم ذكرت ما تقدم للسان الدين وقلت بعده وأين الواثق وغناؤه والمتوكل ومواليه وأولياؤه وأبناؤه والمنتصر وآماله والمعتز وجماله والمستعين وعماله والمهتدي وأعماله والمعتضد وذكاؤه وإحاطته بالأخبار واشتماله والمقتدر ونساؤه وإهماله إلى أن قلت وأين بنو عبيد وضلالهم وبنو بويه وجلالهم وبنو سلجوق ونظامهم وبنو سامان وإعظامهم وبنو ايوب وصلاحهم والجراكسة ومبانيهم وسلاحهم
ثم قلت فى ملوك المغرب وأين عبد الرحمن الداخل وأمراؤه والناصر وزهراؤه والحكم ووزراؤه والمؤيد وظهراؤه أم اين المنصور بن أبى عامر وغزواته ومواليه والمظفر وأدواته ومعاليه أم أين بنو حمود

381 - وعلاهم وأوصافهم وحلاهم وبنو جهور وحزمهم وبنو باديس وعزمهم وأين معتضد بنى عباد ومعتمدهم الذى سنا كرمه للمعتفين باد وبنو ذى النون ومزيتهم وبنو صمادح ومريتهم وبنو الأفطس وبنو هود وما كان لهم من المكارم فى الحفل المشهود وأين لمتونه وصبرهم الذى ركبوا متونه أم أين الموحدون وناصرهم ومنصورهم ومصانعهم وقصورهم أم أين بنو الأحمر وغرناطتهم وإزالتهم عن حوزة الدين أدناس المعتدين وإماطتهم وجعلهم الأمور لمثل أبن الحكيم ولسان الدين واناطتهم أم أين بنو مرين وفارسهم ومغانيهم ومدارسهم وأين بنو زيان ومنازلهم الشاهقة وأشجار عزهم الباسقة واين الحفصيون ومستنصرهم الذى قضى للمعالى الديون وابو فارس الذى شنفت باخباره آذان الطروس والفهارس طحنت والله تعالى الجميع رحى المنون وتأيمت الأزواج ويتم البنون وطالت الأيام والسنون وبقيت القصور العالية خالية والرسوم المتكاثرة داثرة والسلوك المنظومة متناثرة وعن قريب يقف الكل بين يدي رب الأرباب فى يوم تذهل فيه الألباب وتنقطع إلا من رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسباب ويقتص للمظلوم من الظالم وتنبهم للنجاة الطرق والمعالم وتبلى السرائر لدى من هو بها عالم ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) آل عمران يوم يحكم الله تعالى فى الخلق بالحق حسبما سبق فى علمه إذ جعلهم قريبا وبعيدا وشقيا وسعيدا اللهم اجعلنا فى ذلك اليوم الصعب ممن فاز بالنجاة وحاز شفاعة نبيك ومصطفاك ذى الحرمة والجاه صلى الله عليه و سلم وشرف وكرم انتهى
رجع لنثر لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى 88 - ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى ما خاطب به سلطان المغرب

382 - أبا زيان لما تم له الأمر وهو مشتمل على نظم ونثر ونصه
( يا ابن الخلائف يا سمى محمد ... يا من علاه ليس يحصر حاصر )
( أبشر فانت مجدد الملك الذى ... لولاك أصبح وهو رسم داثر )
( من ذا يعاند منك وارثه الذى ... بسعوده فلك المشيئة دائر )
( ألقت اليك يد الخلافة أمرها ... إذ كنت انت لها الولى الناصر )
( هذا وبينك للصريخ وبينها ... حرب مضرسة وبحر زاخر )
( من كان هذا الصنع اول أمره ... حسنت له العقبى وعز الآخر )
( مولاي عندي فى علاك محبة ... والله يعلم ما تكن ضمائر )
( قلبى يحدثنى بانك جابر ... كسرى وحظى منك حظ وافر )
( بثرى جدودك قد حططت حقيبتى ... فوسيلتى لعلاك نور باهر )
( وبذلت وسعى واجتهادى مثلما ... يلقى لملكك سيف أمرك عامر )
( فهو الولى لدى الذى اقتحم الردى ... وقضى العزيمة وهو سيف باتر )
( وولى جدك فى الشدائد عندما ... خذلت علاه قبائل وعشائر )
( فاستهد منه النصح واعلم أنه ... فى كل معضلة طبيب ماهر )
( أن كنت قد عجلت بعض مدائحى ... فهى الرياض وللرياض بواكر )
مولانا وعمدة ديننا ودنيانا الذى سخر الله تعالى البر والبحر بامره وحكم فوق السموات السبع بعز نصره واغنى يوم سعده عن سل السلاح وشهرة وفتق عن زهر الصنع الجميل كمامه تسليمه وصبره وقيض له فى علم غيبه وزيرا مذخورا لشد أزره وقود الملك إليه على حال حصره الخليفة الإمام الذى استبشر به الإسلام وخفقت بعزة الأعلام ولاح بدر محياه فافتض الظلام المقتدى بالنبى الكريم سمية فى المراشد التى تألق منها الصبح والمقاصد التى لازمها النجح والتمحيص الذى نبع منه المنح حتى

383 - فى الهجرة التى جاءه بعدها الفتح أبو زيان ابن مولانا السلطان ولى العهد ترشيحا ومآلا ومؤمل الإسلام تقلدا للمذهب الصريح وانتحالا وامير المسلمين لو أوسعه القدر امهالا ووسطى عقد البنين خلائق متعددة وخلالا المتحف بالشهادة ولما يعرف بدره هلالا المعوض بما عند الله تعالى سعادة البسته سربالا وابلغته من رضوان الله تعالى آمالا أبى عبد الرحمن ابن مولانا أمير المسلمين عظيم الخلفاء وعنصر الصبر والوفاء وستر الله تعالى المسدول على الضعفاء والمجاهد فى سبيل الله تعالى بنفسه وماله المنيف على مراكز النجوم بهممه وآماله المقدس أبى الحسن أبن موالينا الخلفاء الطاهرين والأئمة المرضيين من قبيل بنى مرين وصفوة الله تعالى فى هذا المغرب الأقصى من أوليائه المؤمنين وزينة الدنيا وعمدة الدين هنأه الله تعالى ما أورثه من سرير الملك الأصيل وخوله من سعادة الدنيا والدين على الإجمال والتفصيل وتوجه من تاج العزة القعساء عند اشتباه السبيل وعوضه من قبيل الملائكة عند تشتت القبيل وجعل قدمه الراسخة وآياته الناسخة وربوته السامية الباذخة وغرة نصره الشادخة وأوزعه شكر آلائه فى الخلاص من ملكه أعدائه وخطر البحر وعدوان مائه وغول السفر وارتكاب الغرر وثبات أقدام اوليائه الذين ما بدلوا تبديلا ولا ارتضوا لقبله طاعته بعد إن ولوا وجوههم شطرها تحويلا بل صبروا صبرا جميلا وباعوا نفوسهم تتميما لعقدة إيمانهم وتكميلا
يسلم على مقامكم الذى وسم السعد مشرق جبينه وذخرت قبل الطاعة ليمينه وأقسم الدهر بمظاهرة أمره السعيد فبر والشكر لله تعالى فى يمينه عبدكم الذى اعتلق منكم بالوسيلة الكبرى وقر بملككم عينا وشرح صدرا وبذل الجهد وإن قل قدرة وقدرا والتمس لكم الدعاء علنا وسرا أبن الخطيب الذى حط رحل اقتصاده بتراب الملوك الكرام جدودكم محاريب

384 - بركم واسباب وجودكم وآبائكم الذين فى مظاهرتهم ورعيهم يظهر للناس مخايل هداكم وتدر سحائب جودكم ملتحفا منذ سنتين باصونه قبورهم وثيابها مستظلا بافنيتها المعظمة وقبابها ممرغا خده بترابها مواصلا الصراخ يا لمرين ويا ليعقوب متطارحا على ابوابها فلم يتح الله تعالى له نعره ترعى الضيف وتحمى الدخيل او حمية تدفع الضيم وتشفى الغليل إلا على يدكم يا أيها الكريم أبن الكريم أبن الكريم وبطل الميدان فى موقف الهول العظيم المذخور لنصر المظلوم وإنصاف الغريم واجالة اقلام الفتح بفتح الأقاليم
كتبه مهنئا بما سنى الله تعالى لملككم من الصنع الذى خرق حجاب العادة وأرى إعجاز السعادة معجلا ذلك بين يدي المبادرة إلى لثم بساطكم الذى شرف وجوهها بلثمه الوجوه وتخشاه الأملاك الجبابرة وترجوه واداء الواجب من القيام بمنظوم ثنائة فى الحفل المشهود وإبلاغ لسان الحمد وسع المجهود وإلقاء ما عند العبد من خلوص وجنوح وحب واضح اي وضوح فولى دعوتكم الشيخ أبو ثابت أعزة الله تعالى يقرره ويبين مجمله ويفسره والعبد واثق بفضل الله تعالى على يديكم وملتمس النصر لديكم وقاطع إن طلبته بكم تتسنى وانكم سبب عاقبته الحسنى إما بالظهور على الوطن الذى تجرأ به المنقلب على ملككم ومد اليد إلى نثر سلككم ونقص إرثكم المسلم المحرر وزلزل وطنكم المؤسس على الطاعة المقرر وأضرم النار فى بسائطكم وجبالكم وأطلق يد الفتنة على بيوت أموالكم متكثرا عليكم بالقلة متعززا بالذلة جانيا على داركم بما لا تبيحة الملة أو بالشفاعة الجازمة أن لم يتأذن الله تعالى فى الانتصاف والله يجعل الظهور بكم من الأوصاف ويعينكم على جبر الكسير وتيسير الأمر العسير ويهنيكم منيحة الملك الكبير ويبقى كلمته فى عقبكم بعد تملؤ التعمير والسلام

38589 - وله رحمه الله تعالى فى مخاطبة السلطان أبى زيان المذكور المولى الذى طوق المنن وأحيا السنن وأنبت الله تعالى حبه فى القلوب النبات الحسن ناظم كلمة الدين بعد انتشارها ومقيل عثارها والآخذ بثارها والمخلد لآثارها السلطان أبو زيان الخ ابقاكم الله تعالى عالى القدم منصور العلم ظاهرا على الأمم مقصود الحمى كالركن الملتزم
عبد مقامكم الذى آويتموه غريبا وأنستموه مريبا وأنلتموه على عدوه الدهر نصرا عزيزا وفتحا قريبا فلم يخش دركا وتثريبا ولا عدم حظوة وشفقة ونعمة وتقريبا ابن الخطيب عن ثناء يعطر الآفاق ويرقم الأوراق ويخلق الجيوب والأطواق وحب بهر نورا وراق وجاس اشتهاره الشام والعراق
ويطالع العبد محل مولاه الذى خلف ببابه قلبه وولده وصبره وجلده وصير وطنه داره الحقيقية وبلده أنه لما قدم على محل أخيه المعتد بما أودع الله تعالى من الخلال الشريفة فيه مولاي ابن مولاي أبى عبد الله كفل الله تعالى جميل رعيه وكرم عهده وحكم باعلاء جده ومضاء حده رعى الوسيلة وصدق المخيلة وجلا عند اجتلاء مخاطبتكم اسارير الفضيلة فلم يدع حقا إلا صرفه ولا نكرة إلا عرفه ولا نعمة إلا سكبها ولا مزية إلا اوجبها ولا رتبه إلا اعلاها ولا نعمة إلا أولاها وما ذاك يا مولاي وإن تعددت الرسائل والأذمة وادكرت القرب بعد امة إلا بوصاتكم التى لا تهمل وحرمتكم التى لا تجهل وعطف مقامكم الذى اشتهر واعتنائكم بعبدكم الذى راق وبهر فالعبد عبدكم بكل اعتبار وخديمكم وإن نات الدار ومحسوب على نعمة مقامكم الرفيع المقدار والامل فى مقامكم غير منقطع السبب والأهل والولد تحت كنف مقامكم الأصيل الحسب حتى يمن الله تعالى بحج بيته وزيارة رسوله على يديكم ويكون قضاء هذا الوطر منسوبا اليكم وبعد هذا يستقر القرار حيث يختار من يخلق ما يشاء ويختار بحول الله تعالى

386 - والعبد يذكر مولاه بما بشره به بين يدي وداعه وبمراى وزيره السعيد واستماعه من انجلاء الحركة عن عزة وظهوره ونجاح أحواله واستقامه أموره ويهنيه بصدق الوعد وامطار الرعد وظهور السعد وهى وسيلة إذا عدت الوسائل وروعيت الذمم الجلائل ومثل مولاي من رعى وابقى وسلك التى هى ابر واتقى وما قصر عنه القلم من حق مولاي فالرسول أعزه الله تعالى يتممه وما قصر عنه الرسول فالله تعالى يعلمه وهو جل وعلا يديم ايام مولاي ويبقى مجده ويصل سعده والسلام انتهى
90 - ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى شيخ الدولة يحيى بن رحو قوله سيدي الذى له المزية العظمى والمحل الأسمى شيخ قبيل بنى مرين وقطب مدار الأحرار على الإجمال والتعيين والتميز بالدهاء والرجاجة والمعرفة الفسيحة الساحة والصدقة المباحة وشروط الصوفيه من ترك الأذى ووجود الراحة أسلم على ذاتكم الطاهرة التى بخلت الأزمان والله إن تاتى بنظيرها وتنافست الدول فى تكبيرها وسارت المواكب الملوكية بمسيرها وأثنت الألسن بفضلها وخيرها وأقرر لديها أنى اعددت من معرفتها بالأندلس كنزا لم انفق منه إلى اليوم وزنا إعدادا له وخزنا إذ له يخرج العتاد الكبير إلا عن حاجة وفاقة ولا ترد اليد إلى الذخيرة إلا فى إضاقة وعجز طاقة وما كانت الوصلة بمثلها ليهملها مثلى جهلا بقيمتها العالية وازراء بجهتها الكافلة الكافيه لكن نابت عن يدها ايد وكفى عن ابتذالها ما كف الله تعالى من عمرو وزيد والآن أقرر إنى قد كادت حاجتى إلى ذلك العتاد إن تتمحض وزبدته إن تتمخض إذ هو حظى من رعى ذلك القبيل الذى قصرت عليه رياسته والوزير

الذى من رايه تستمد سياستة وإذا وفد خاصة هذه المدينة مهنين وبشكر ايالته الكريمة مثنين فخيمته ظل ظليل ومشاركته معتمدي فى الكثير فكيف ولا غرض لى إلا فى القليل وعندي إن رعيه لمثلى لا يفتقر إلى وسيلة تجلب ولا ذمام يحسب فمثله من قدر قدر الهناء وشد أعلام الحمد والثناء سامية البناء وعرف إن الدنيا على الله تعالى أحقر الأشياء وقد رفعت امرى كله بعد الله تعالى إلى رايك وغنيت عن سعيى لنفسى بجميل سعيك والسلام
91 - ومما خاطب به لسان الدين شيخه سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق التلمسانى رضى الله تعالى عنه قوله شافعا يا سيدي ابقاكم الله تعالى محط الآمال وقبلة الوجوه وبلغ سيادتكم ما تؤمله من فضل الله تعالى وترجوه وكلأ بعين حفظه ذاتكم الفاخرة وجعل عز الدنيا متصلا لكم بعز الآخرة بعد تقبيل يدكم التى يدها لا تزال تشكر وحسنتها عند الله تعالى تذكر انهى إلى مقامكم إن الشيخ الكذا أبا فلان مع كونه مستحق التجلة بهجرة إلى ابوابكم الكريمة قدمت ووسائل من أصالة وحشمة كرمت وفضل ووقار وتنويه للولاية إن كانت ذات احتقار وسن اقتضى الفضل بره وأدب شكر الاختبار عليه وسره له بمعرفة سلفكم الأرضى وسيلة مرعية وفى الاعتراف بنعمتكم مقامات مرضية وتوجه إلى بابكم والتمسك باسبابكم والمؤمل من سيدي سترة بجناح رعيه فى حال الكبرة ولحظة بطرف المبرة إما فى استعمال يليق بذوي الاحتشام أو سكون تحت رعى واهتمام وإعانة على عمل صالح يكون مسكة ختام وهو أحق الغرضين بالتزام واحالة سيدي فى حفظه رسم مثله على الله تعالى الذى يجزي المحسنين بفضله ومنه نسأل إن يديم أيام المجلس العلى محروسا من النوائب مبلغ الآمال والمآرب والمملوك قد قرر شأنه فى إسعاف المقاصد المأمولة من الشفاعة إليكم والتحسب فى هذه الأبواب عليكم وتقليب القلوب بيد الله تعالى الذى يعطى

ويمنع ويملك الأمر أجمع والسلام 92 - وكتب إليه أيضا فى الشفاعة بما نصه سيدي الأعظم وملاذى الأعصم وعروة عزي الوثقى التى لا تفصم أبقاك الله تعالى بقاء آثارك آية للعز تأمر الدهر فيأتمر ويلبى بفنائك الطائف والمعتمر بأي لسان أثنى على فواضلك وهى أمهات المنن وطرف الشام واليمن ومقامات بديع الزمن والتحف المرتفعة عن الثمن فحسبى دعاء أردده وأواليه وأرتقب مطلوب الإجابة من مقدمة وتاليه وإن تشوف المنعم للحال الموقوف خيرة بمشيئة الله تعالى على جميل سعيه الموسد على وطاء لطفه المغشى بغطاء رعيه قلب خافق وقلب مؤمن يجول به وسواس منافق وقد تجاوز موسى مجمع البحرين وأصبح سري بابه سري العين ولقد كانت مراحل الرمل قصيرة قبل إن يكسبها زجلى ثقل الحركة ويخلط خاصى فى وظائفها المشتركة وليت أمرى برز إلى طرف وأفضى الى منصرف وربما ظفر آيس بما يرجوه وزبرز المحبوب من المكروه والله تعالى لا يفضح جاه الكتاب الذى أحيا وأنشر وحيا وبشر وأعطى صحيفته باليمين وقد جمعت مثابتكم المحشر وموصل كتابى ينوب فى تقبيل اليد العليا منابى
وليعلم سيدي إن هذا القطر على شهرته وتألق مشتريه وزهرته إذا انتحل كرامه وعهد الفضل لم يبق إلا انصرامه فهو لبابه المتخير وزلاله الذى لا يتغير أصاله معروفة وهمة إلى الإيثار مصروفة ونبلا على السن والكبرة ورجولية خليقة بصلة الحرمة والمبرة والوسيلة لا تطرح والمعنى الذى لا يفسر لوضوحه ولا يشرح وهو انتماؤه إلى جناب سيدي حديثا وقديما واعترافه بنعمة مديرا لها ومديما والله تعالى يوفى من إيثار سيدي حظه ويجدد لديه رعيه ولحظه حتى يعود خافقا علم إقباله معلما برد اهتباله مسرورا

ببلوغ آماله فلعمرى أن محل ولايته لكفى وأن عهد أمانته لوفى وإن عامل جده لظاهر وخفى وما يفعله سيدي من رعيه وانجاح سعيه محسوب من مناقبه ومعدود فى فضل مذاهبه والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته انتهى
وقد تكررت فى كتابنا هذا مخاطبات لسان الدين رحمه الله تعالى للخطيب ابن مرزوق المذكور نظما ونثرا إذ كان اعنى ابن مرزوق رئيس الدولة ومعتمد الجلة وسبق منا التعريف ببعض أحواله فى باب مشايخ لسان الدين مما جرته المناسبة فليرجع إليه من أراده والله تعالى يجعل الجميع من أهل السعادة
93 - ومما اشتمل على نثر لسان الدين ونظمه ما خاطب به الرئيس أبا زيد ابن خلدون لما ارتحل من بحر المرية واستقر ببلد بسكرة عند رئيسها أبى العباس ابن مزنى صحبة رسالة خطبها أخوه أبو زكريا وقد تقلد كتابة صاحب تلمسان ووصل الكتاب عنه من إنشائه وهذه صورة ما كتبه لسان الدين رحمه الله تعالى
( بنفسى وما نفسى على بهينة ... فينزلنى عنها المكاس بأثمان )
( حبيب نأى عنى وصمم لا ينى ... وراش سهام البين عمدا فاصمانى )
( وقد كان هم الشيب لا كان كافيا ... فقد آدنى لما ترحل همان )
( شرعت له من دمع عينى موردا ... فكدر شربى بالفراق وأظمانى )
( وأرعيته من حسن عهدي حميمه ... فأجدب آمالى واوحش ازمانى )
( حلفت على ما عنده لى من رضى ... قياسا بما عندي فأحنث أيمانى )
( وأنى على ما نالنى منه من قلى ... لأشتاق من لقياه نغبه ظمآن )

( سألت جنونى فيه تقريب عرشه ... فقست بجن الشوق جن سليمان )
( اذا ما دعا داع من القوم باسمه ... وثبت وما استثبت شيمه هيمان )
( وتالله ما أصغيت فيه لعاذل ... تحاميته حتى ارعوى وتحامانى )
( ولا استشعرت نفسى برحمة عابد ... تظلل يوما مثله عبد رحمن )
( ولا شعرت من قبله بتشوق ... تخلل منها بين روح وجثمان )
أما الشوق فحدث عن البحر ولا حرج وأما الصبر فسل به أية درج بعد أن تجاوز اللوى والنعرج لكن الشدة تعشق الفرج والمؤمن ينشق من روح الله تعالى الأرج وأنى بالصبر على إبر الدبر لا بل الضرب الهبر ومطاولة اليوم والشهر حتى حكم القهر وهل للعين أن تسلو سلو المقصر عن إنسانها المبصر أو تذهل ذهول الزاهد عن سرها الرائى والمشاهد وفى الجسد بضعة يصلح إذا صلحت فكيف حاله إن رحلت عنه ونزحت وإذا كان الفراق هو الحمام الأول فعلام المعول أعيت مراوضة الفراق على الراق وكادت لوعة الأشتياق ان تفضى إلى السياق
( تركتمونى بعد تشييعكم ... أوسع أمر الصبر عصيانا )
( أقرع سنى ندما تاره ... واستميح الدمع أحيانا )
وربما تعللت بغشيان المعاهد الخالية وجددت رسوم الأسى بمباكرة الرسوم البالية أسال نون النوى عن أهلية وميم الموقد المهجور عن مصطليه وثاء الأثافى المثلثة عن منازل الموحدين وأحار بين تلك الأطلال حيرة الملحدين لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين كلفت لعمر الله بسال عن جفونى المؤرقة ونائم عن همومى المتجمعة المتفرقة ظعن عن ملال لا متبرما منى بشر خلال وكدر الوصل بعد صفائه وضرج النصل بعد عهد وفائه

( أقل اشتياقا أيها القلب ربما ... رأيتك تصفى الود من ليس جازيا )
فها أنا أبكى عليه بدم أساله وأنهل فيه أسى له وأعلل بذكراه قلبا صدعه وأودعه من الوجد ما أودعه لما خدعه ثم قلاه وودعه وأنشق رياه أنف ارتياح قد جدعه وأستعدي به على ظلم ابتدعه
( خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلى )
فلولا عسى الرجاء ولعله لا بل شفاعة المحل الذى حله لمزجت الحنين بالعتب وبثثت كتائبه كمناء فى شعاب الكتب تهز من الألفات رماحا خزر الأسنة وتوتر من النونات أمثال القسى المرنة وتقود من بياض الطرس وساد النقس بلقا تردى فى الأعنة ولكنه أوى إلى الحرم الأمين وتفيأ ظلال الجوار المؤمن من معرة العوار عن الشمال واليمين حرم الحلال المزنية والظلال اليزنية والهمم السنية والشيم التى لا ترضى بالدون ولا بالدنية حيث الرفد الممنوح والطير الميامن يزجر لها السنوح والمثوى الذى إليه مهما تقارع الكرام على الضيفان حول جوابى الجفان الميل والجنوع
( نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نورا ومن فلق الصباح عمودا )
ومن حل بتلك المثابة فقد اطمأن جنبه وتغمد بالعفو ذنبه ولله در القائل حيث يقول

( فوحقه لقد انتدبت لوصفه ... بالبخل لولا ان حمصا داره )
( بلد متى أذكره تهتج لوعتى ... واذا قدحت الزند طار شراره )
اللهم غفرا لا كفرا واين قراره النخيل من مثوى الأقلف البخيل ومكذبه المخيل واين ثانية هجر من متبوإ من الحد وفجر
( من أنكر غيثا منشؤه ... فى الأرض وليس بمخلفها )
( فبنان بنى مزنى مزن ... تنهل بلطف مصرفها )
( مزن مذ حل ببسكرة ... يوما نطقت بمصحفها )
( شكرت حتى بعبارتها ... وبمعناها وباحرفها )
( ضحكت بابى العباس من ... الايام ثنايا زخرفها )
( وتنكرت الدنيا حتى ... عرفت منه بمعرفها )
بل نقول يا محل الولد ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ) البلد لقد حل بينك عرى الجلد وخلق الشوق بعدك يا ابن خلدون فى الصميم من الخلد فحيا الله تعالى زمنا شفيت برقى قربك زمانته واجتليت فى صدف مجدك جمانته ويا من لمشوق لم تقض من طول خلتك لبانته وأهلا بروض أظلت أشتات معارفك بانته فحمائمه بعدك تندب فيساعدها الجندب ونواسمه ترق فتتغاشى وعشياته تتخافت وتتلاشى ومزنة باك ودوحه فى مأتم ذى اشتباك كأن لم تكن قمر هالات قبابه ولم يك أنسك شارع بابه إلى صفوة الظرف ولبابه ولم يسبح إنسان عينك فى ماء شبابه فلهفى عليك من درة اختلستها يد النوى ومطل بردها الدهر ولوى ونعق الغراب ببينها فى ربوع الجوى ونطق بالزجر فما نطق عن

الهوى وبأي شىء نعتاض منك أيتها الرياض بعد إن طمى نهرك الفياض وفهقت الحياض ولا كان الشانىء المشنوء والجرب المهنوء من قطع ليل أغار على الصبح فاحتمل وشارك فى الذم الناقة والجمل واستاثر جنحه ببدر النادى لما كمل نشر الشراع فراع واعمل الإسراع كأنما هو تمساح النيل ضايق الأحباب فىالبرهة واختطف لهم من الشط نزهة العين وعين النزهة ولجج بها والعيون تنظر والغمر عن الاتباع يحظر فلم يقدر إلا على الأسف والتماح الأثر المنشف والرجوع بملء العيبة من الخيبة ووقر الجسرة من الحسرة وأنما نشكو إلى الله البث والحزن ونستمطر من عبارتنا المزن وبسيف الرجاء نصول إذا شرعت لليأس النصول
( ما أقدر الله أن يدنى على شحط ... من داره الحزن ممن داره صول )
فان كان كلم الفراق رغيبا لما نويت مغيبا وجللت الوقت الهنىء تشغيبا فلعل الملتقى يكون قريبا وحديثه يروى صحيحا غريبا
إية ثقة النفس كيف حال تلك الشمائل المزهرة الخمائل والشيم الهامية الديم هل يمر ببالها من راعت بالبعد باله وأخمدت بعاصف البين ذباله أو ترثى لشؤون شأنها سكب لا يفتر وشوق يبت حبال الصبر ويبتر وضنى تقصر عن حلله الفاقعة صنعاء وتستر والأمر أعظم والله يستر وما الذى يضيرك صين من لفح السموم نضيرك بعد إن أضرمت وأشعلت

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24