كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

( مشمر للتقى اذيال مجتهد ... جرار اذيال سحب الجود ساحبه )
( قد أوسعت أمل الراجى مكارمه ... وأحسبت رغبة العافى رغائبه )
( وفاز بالأمن محبورا مسالمة ... وباء بالخزى مقهورا محاربه )
( كم وافد آمل معهود نائله ... أثنى وأثنت بما أولى حقائبه )
( ومستجير بعز من مثابته ... عزت مراميه وانقادت مآربه )
( وجاءه الدهر يسترضيه معتذرا ... مستغفرا من وقوع الذنب تائبه )
( لولا الخليفة إبراهيم لانبهمت ... طرق المعالى ونال الملك غاصبه )
( سمت لنيل تراث المجد همته ... والملك ميراث مجد وهو غاصبه )
( ينميه للعز والعليا أبو حسن ... سمح الخلائق محمود ضرائبه )
( من آل يعقوب حسب الملك مفتخرا ... بباب عزهم السامى تعاقبه )
( أطواد حلم رسا بالأرض محتده ... وزاحمت منكب الجوزا الجوزا مناكبه )
( تحفها من مرين أبحر زخرت ... أمواجها وغمام ثار صائبه )
( بكل نجم لدى الهيجاء ملتهب ... ينقض وسط سماء النقع ثاقبه )
( أكفهم فى دياجيها مطالعه ... وفى نحور أعاديهم مغاربه )
( يا خير من خلصت لله نيته ... فى الملك أو خطب العلياء خاطبه )
( جردت والفتنة الشعواء ملبسة ... سيفا من العزم لا تنبو مضاربه )
( وخضتها غير هياب ولا وكل ... وقلما أدرك المطلوب هائبه )
( صبرت نفسا لعقبى الصبر حامدة ... والصبر مذ كان محمود عواقبه )
( فليهن دين الهدى إذ كنت ناصرة ... أمن يواليه أو خوف يجانبه )
( لا زال ملكك والتأييد يخدمه ... تقضى بخفض مناويه قواضبه )
( ودمت فى نعم تضفو ملابسها ... فى ظل عز علا تصفو مشاربه )
( ثم الصلاة على خير البرية ما ... سارت إليه بمشتاق ركائبه )

ومن شعره ما قيده لى بخطه صاحب قلم الإنشاء بالحضرة المرينية الفقيه الرئيس الصدر المتفنن أبو زيد ابن خلدون
( صحا القلب عما تعلمين فأقلعا ... وعطل من تلك المعاهد أربعا )
( وأصبح لا يلوى على حد منزل ... ولا يتبع الطرف الخلى المودعا )
( وأضحى من السلوان فى حرز معقل ... بعيد عن الأيام أن يتضعضعا )
( يرد الجفون النجل عن شرفاته ... وإن لحظت عن كل أجيد اتلعا )
( عزيز على داعى الغرام انقيادة ... وكان إذ ناداه للوجد أهطعا )
( أهاب به للشيب أنصح واعظ ... أصاخ له قلبا منيبا ومسمعا )
( وسافر فى أفق التفكر والحجى ... زواهره لا تبرح الدهر طلعا )
( لعمرى لقد أنضيت عزمى تطلبا ... وقضيت عمرى رقبة وتطلعا )
( وخضت عباب البحر أخضر مزبدا ... ودست أديم الأرض أغبر أسفعا )
وقال حسبما قيده المذكور
( نهاه النهى بعد طول التجارب ... ولاح له منهج الرشد لاحب )
( وخاطبه دهره ناصحا ... بألسنة الوعظ من كل جانب )
( فأضحى إلى نصحه واعيا ... وألغى حديث الأمانى الكواذب )
( وأصبح لا تستبيه الغوانى ... ولا تزدريه حظوظ المناصب )
ثم قال فى الإحاطة وإحسانه كثير فى النثر والنظم والقصار والمطولات واستعمل فى السفارة إلى ملك مصر وملك قشتالة وهو الآن قاضى حضرة الملك

نسيج وحده فى السلامة والتخصص واجتناب فضول القول والعمل كان الله له انتهى
وكتب ابن المصنف بهامش ترجمة المذكور من الإحاطة ما صورته سيدى وشيخى علامة المغرب اليوم وحائز رتبه العلية من خطابه وقضاء وعلامة وهو أحق بها لخلاله الحميدة أبقاه الله تعالى قاله محبه على بن الخطيب انتهى
وكتب على القصيدة الميلادية المتقدمة ما نصه رويتها عنه وسمعتها من لفظه وأجازنى إياها بتلمسان انتهى
وكتب على حاشية قصيدته صحا القلب إلى آخره ما صورته سمعتها من لفظ سيدى وشقيق روحى الإمام العلامة الرائس أبى زيد ابن خلدون بالأندلس أمتع الله به تعالى قال ذلك أخوه على بن الخطيب
انتهى 21 - مخاطبات ابن زمرك للسان الدين
وقال فى الإحاطة فى ترجمة ابن زمرك ما صورته وشعره مترام إلى هدف الإجادة خفاجى النزعة كلف بالمعانى البديعة والألفاظ الصقيلة غزير المادة فمن ذلك ما خاطبنى به وهى من أول ما نظمه قصيدة مطلعها
( أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... )
يقول فيها بعد أبيات
( لك الله من فذ الجلالة أوحد ... تطاوعه الآمال فى النهى والأمر )
( لك القلم الأعلى الذي طال فخره ... على المرهفات البيض والاسل السمر )
( يقلد أجياد الطروس تمائما ... بصنفى لآل من نظام ومن نثر )

( تهيبك القرطاس فاحمر إذ غدا ... يقل بحورا من أناملك العشر )
( كأن رياض الطرس خد مورد ... يطرزه وشى العذار من الحبر )
( فشارة هذا الملك رائقة الحلى ... بألوية حمر وبالصحف الحمر )
( وما روضة غناء عاهدها الحيا ... تحوك بها وشى الربيع يد القطر )
( تغنى قيان الطير فى جنباتها ... فيرقص غصن البان فى حلل خضر )
( تمد لاكواس العرار أناملا ... من السوسن الغض المختم بالتبر )
( ويحرس خد الورد صارم نهرها ... ويمنع ثغر النور بالذابل النضر )
( يفاخر مرآها السماء محاسنا ... وتزرى نجوم الزهر منها على الزهر )
( إذا مسحت كف الصبا جفن نورها ... تنفس ثغر الزهر عن عنبر الشحر )
( بأعطر من ريا ثنائك فى السرى ... وأبهر حسنا من شمائلك الغر )
( عجبت له يحكى خلال خميلة ... وتفرق منه الأسد فى موقف الذعر )
( إذا أضرمت من بأسها الحرب جاحما ... تأجج منه العضب فى لجة البحر )
( وإن كلح الأبطال فى حومة الوغى ... ترقرق ماء البشر فى صفحة البدر )
( لك الحسب الوضاح والسؤدد الذى ... يضيق نطاق الوصف فيه عن الحصر )
( تشرف أفق أنت بدر كماله ... فغرناطة تختال تيها على مصر )
( تكلل تاج الملك منك محاسنا ... وفاخرت الأملاك منك بنو نصر )
( بعزمه مضمون السعادة أوحد ... وغرة وضاح المكارم والنجر )
( طوى الحيف منشور اللواء مؤيدا ... فعز حمى الإسلام بالطى والنشر )
( ومد ظلال الأمن إذ قصر العدا ... فيتلى سناء الملك بالمد والقصر )
( إذا احتفل الإيوان يوم مشورة ... وتضطرب الآراء من كل ذى حجر )
( صدعت بفصل القول غير منازع ... وأطلعت آراء قبسن من الفجر )
( فإن تظفر الخيل المغيرة بالضحى ... فعن رايك الميمون تظفر بالنصر )
( فلا زلت للعلياء تحمى ذمارها ... وتسحب أذيال الفخار على النسر )

( وللعلم فخر الدين والفتك بالعدا ... بأوت به يا ابن الخطيب على الفخر )
( فيهنيك عيد الفطر من أنت عيده ... ويثنى بما أوليت من نعم غر )
( جبرت مهيضا من جناحى ورشته ... وسهلت لى من جانب الزمن الوعر )
( وبواتنى من ذروة العز معتلى ... وشرفتنى من حيث أدرى ولا أدرى )
( وسوغتنى الآمال عذبا مسلسلا ... وأسميت من ذكرى ورفعت من قدرى )
( فدهرى عيد بالسرور وبالمنى ... وكل ليالى العمر لى ليلة القدر )
( فأصبحت مغبوطا على خير نعمة ... يقل لأدناها الكثير من الشكر ) وهى طويلة انتهى
قلت هذا الرئيس ابن زمرك صرح هنا بانه بجاه لسان الدين ابن الخطيب أدرك من العز ما أدرك ثم انقلب عليه مع الدهر وكفر نعمته وبها أشرك وحرك من دواعى قتله ما حرك وكم من صديق لك ضرك وعقك بعدما برك وساءك إثر ما سرك ولذا رأيت بخط ابن لسان الدين على هامش قوله فى هذه القصيدة ومد ظلال الأمن ألخ ما صورته هذا مدحه لحاه الله وعلى قوله وبوأتنى من ذروه العز إلخ ما مثاله هكذا شهادتك لحقه ثم تحولك عنه وكفر نعمته اغرب أخزاك الله انتهى
وكتب بهامش أول ترجمته من الإحاطة ما نصه أتبعه الله خزيا وعامله بما يستحقه فبهذا ترجمه والذي مولاه الذى رفع من قدره فيه ولم يقتله أحد غيره كفانا الله تعالى شر من أحسنا إليه
وكتب أيضا تحت هذا ما مثاله هذا الوغد ابن زمرك من شياطين الكتاب ابن حداد بالبيازين قتل أباه بيده أوجعه ضربا فمات من ذلك وهو أخس عباد الله تربية وأحقرهم صورة وأخملهم شكلا استعمله أبى فى الكتابة السلطانية فجنينا أيام تحولنا عن الأندلس منه كل شر وهو كان السبب فى قتل أبى مصنف هذا الكتاب الذى رباه وأدبه واستخدمه حسبما هو معروف

وكفانا الله شر من أحسنا إليه وأساء إلينا انتهى
وقد ألممنا بترجمته فى هذا الكتاب فى باب تلامذه لسان الدين فلتراجع هنالك
ومما كتب به ابن زمرك المذكور إلى لسان الدين ابن الخطيب جوابا عن رسالة قوله
( حيث صباحا فأحيت ساكنى القصبه ... واسترجعت أنفسا بالشوق مغتصبه )
( قضى البيان لها أن لا نظير لها ... فأحرزت من معانى خصله قصبه )
( ناجت طليح سرى لا يستفيق لها ... هدت جوارحه واستوهنت عصبه )
( فحركته على فتك الكلال به ... وأذهبت بسرور الملتقى نصبه )
( وأذكرت عهد مهديها على شحط ... فعاود القلب من تذكاره وصبه )
( ما كنت أسمح من دهرى بجوهره ... لو كان يسمح لى بالقلب من غصبه )
( سل أدمع الصب من أعدى السحاب بها ... وقلبه بجمار الشوق من حصبه )
( فالله يحفظ مهديها ويشكره ... فوجهها بعصاب الحسن قد عصبه )
( من كان وارث آداب يشعشعها ... بالفرض إنى فى إرثى لها عصبه )
( هو الملاذ ملاذ الناس قاطبة ... سبحان من لغياث الخلق قد نصبه )
وخاطبه كذلك بقوله
( يكلفنى مولاى رجع جوابه ... وما لتعاطى المعجزات وما ليا )
( أجيبك للفضل الذى أنت أهله ... وأكتب مما قد أفدت الأماليا )
( فأنت الذى طوقتنى كل منه ... وأحسبت آمالى وأكسبت ماليا )
( وأنت الذى أعدى الزمان كماله ... وصيرت أحرار الزمان مواليا )
( فلا زلت للفعل الجميل مواصلا ... ولا زلت للشكر الجزيل مواليا )

وخاطبه كذلك بقوله
( طالعتها دون الصباح صباحا ... لما جلت غرر البيان صباحا )
( ولقد رأيت وما رأيت كحسنها ... وجها أغر ومبسما وضاحا )
( عذراء أرضعها البيان لبانه ... وأطال مغدى عندها ومراحا )
( فأتت كما شاءت وشاء نجيبها ... تذكى الحجى وتنعم الأرواحا )
( لا بل كمثل الروض باكره الحيا ... وسقى به زهر الكمام ففاحا )
( وطوت بساط الشوق منى بعدما ... نشرت على من القبول جناحا )
وخاطبه كذلك بقوله
( ذرونى فإنى بالعلاء خبير ... أسير فإن النيرات تسير )
( وكم بت أطوى الليل فى طلب العلا ... كأنى إلى نجم السماء سفير )
( بعزم إذا ما الليل مد رواقه ... يكر على ظلمائه فينير )
( أخو كلف بالمجد لا يستفزه ... مهاد إذا جن الظلام وثير )
( إذا ما طوى يوما على السر كشحه ... فليس له حتى الممات نشور )
( وإنى وإن كنت الممنع جاره ... لتسبى فؤادى أعين وثغور )
( وما تعترينى فترة فى مدى العلا ... إلى أن أرى لحظا عليه فتور )
( وفى السرب من نجد تعلقت ظبية ... تصول على البابنا وتغير )
( وتمنع ميسور الكلام أخا الهدى ... وتبخل حتى بالخيال يزور )
( أسكان نجد جادها واكف الحيا ... هواكم بقلبى منجد ومغير )
( ويا سكنى بالأجرع الفرد من منى ... وأيسر حظ من رضاك كثير )
( ذكرتك فوق البحر والبعد بيننا ... فمدته من فيض الدموع بحور )

( وأومض خفاق الذؤابه بارق ... فطارت بقلبى أنه وزفير )
( ويهفو فؤادى كلما هبت الصبا ... أما لفؤادى فى هواك نصير )
( ووالله ما أدري أذكرك هزنى ... ام الكأس ما بين الخيام تدور )
( فمن مبلغ عنى النوى ما يسوءها ... وللبين حكم يعتدى ويجور )
( بأنا غدا أو بعده سوف نلتقى ... ونمسى ومنا زائر ومزور )
( إلى كم أرى أكنى ووجدى مصرح ... وأخفى اسم من أهواه وهو شهير )
( أمنجد آمالى ومغلى كاسدى ... ومصدر جاهى والحديث كثير )
( أأنسى ولا أنسى مجالسك التى ... بها تلتقينى نضرة وسرور )
( نزورك فى جنح الظلام وننثنى ... وبين يدينا من حديثك نور )
( على أننى إن غبت عنك فلم تغب ... لطائف لم يحجب لهن سفور )
( نروح ونغدو كل يوم وعندها ... رواح علينا دائم وبكور )
( فظلك فوقى حيثما كنت وارف ... ومورد آمالى لديك نمير )
( وعذرا فإنى إن أطلت فإنما ... قصاراى من بعد البيان قصور ) وكتب إليه خاتمه رسالة كذلك
( وحقك ما استطعمت بعدك غمضة ... من النوم حتى آذن النجم بالغروب )
( وعارضت مسرى الريح قلت لعلها ... تنم بريا منك عاطرة الهبوب )
( إلى أن بدا وجه الصباح كأنه ... محياك إذ يجلو بغرته الخطوب )
( فقلت لقلبى استشعر الأنس وابتهج ... فإن تبعد الأجسام لم تبعد القلوب )
( وسر فى ضمان الله حيث توجهت ... ركابك لا تخش الحوادث ان تنوب )
قلت هذه غاية فى معناها لولا خروجها عن القواعد فى ترتيب قافيتها ومبناها فانظر إلى تحوله عن لسان الدين بعد هذه المدائح ونسبته إليه بعده القبائح والأنسان خوان إلا النادر من الإخوان ولا حول ولا قوة إلا بالله

22 - من ابن سلبطور إلى لسان الدين
قال فى الإحاطة فى ترجمة ابن سلبطور ما نصه ومما خاطبنى به
( تالله ما أورى زناد القلق ... سوى بريق لاح لى بالأبرق )
( أيقنت بالحين فلولا نفحة ... نجديه منكم تلافت رمقى )
( لكنت أقضى بتلظى زفرة ... وحسرة بين الضلوع تلتقى )
( فآه من هول النوى وما جنى ... على القلوب موقف التفرق )
( يا حاكى الغصن انثنى متوجا ... بالبدر تحت لمة من غسق )
( الله فى نفس معنى اقصدت ... من لاعج الشوق بما لم تطق )
( أتى على أكثرها برح الأسى ... دع ما مضى منها وأدرك ما بقى ) ... ( ولو بالمام خيال فى الكرى ... إن ساعد الجفن رقيب الأرق )
( فرب زور من خيال زائر ... أقر عينى وإن لم يصدق )
( شقيت من برح الأسى لو ان من ... أصبح رقى فى يديه معتقى )
( ففى معاناة الليالى عائق ... عن التصابى وفنون العلق )
( وفى ضمان ما يعانى المرء من ... نوائب الدهر مشيب المفرق )
( هذا لعمرى مع أنى لم أبت ... منها بشكوى روعة أو فرق )
( فقد أخذت من خطوب غدرها ... بابن الخطيب الأمن مما اتقى )
( فخر الوزارة الذى ما مثله ... بدر علا فى مغرب أو مشرق )
( ومذ أرانيه زمانى لم ابل ... من صرفه بمرعد أو مبرق )
( لا سيما منذ حططت فى حمى ... مقامه الأمنع رحل اينقى )
( أيقنت أنى فى رجائى لم أخب ... وأن مسعى بغيتى لم يخفق )
( ندب له فى كل حسن آية ... تناسبت فى الخلق أو فى الخلق )

( فى وجهه مسحة بشر إن بدت ... تبهرجت أنوار شمس الأفق )
( تعتبر الأبصار فى اللألاء ما ... عليه من نور السماح المشرق )
( كالدهر فى استينائه وبطشه ... كالسيف فى حد الظبى والرونق )
( إن بخل الغيث استهلت يده ... بوابل من غيث جود غدق )
( وإن وشت صفحة طرس انجلى ... ليل دجاها عن سنا مؤتلق )
( بمثلها من حبرات أخجلت ... حواشى الروض خدود المهرق )
( ما راق فى الآذان أشناف سوى ... ملتقطات لفظه المفترق )
( تود أجياد الغوانى أن يرى ... حليها من در ذاك المنطق )
( فسل به هل آده الأمر الذى ... حمل فى شرخ الشباب المونق )
( إذا رأى الرأى فلا يخطئه ... يمن اختيار للطريق الأوفق )
( إيه أبا عبد الإله هاكها ... عذراء تحثو فى وجوه السبق )
( خذها إليك بكر فكر يزدرى ... لديك بالأعشى لدى المحلق )
( لا زلت مرهوب الجناب مرتجى ... موصول عز فى سعود ترتقى )
( مبلغ الآمال فيما تبتغى ... مؤمن الأغراض مما تتقى )

ترجمة ابن سلبطور
وابن سلبطور هو محمد بن محمد بن أحمد بن سلبطور الهاشمى
قال فى الإحاطة من أهل المرية يكنى أبا عبد الله من وجوه بلده وأعيانه نشأ نبيه البيت ساحبا بنفسه وبماله ذيل الحظوة متحليا بخصل من خط وأدب وزيرا متجندا ظريفا دربا على ركوب البحر وقيادة الأساطيل ثم انحط فى هواه انحطاطا أضاع مروءته واستهلك عقاره وهد بيته وألجأه أخيرا إلى اللحاق بالعدوة فهلك بها
وجرى ذكره فى الإكليل بما نصه مجموع شعر وخط وذكاء عن

درجة الظرفاء غير منحط إلى مجادة أثيلة البيت شهيرة الحى والميت نشأ فى حجر الترف والنعمة محفوفا بالمالية الجمة فلما عقل عن ذاته وترعرع بين لداته أجرى خيول لذاته فلم يدع منها ربعا إلا أقفره ولا عقارا إلا عقره حتى حط بساحلها واستولى بسفر الإنفاق على جميع مراحلها إلا انه خلص بنفس طيبة وسراوة سماؤها صيبة وتمتع ما شاء من زير وبم وتأنس لم يعط القياد لهم وفى عفو الله سعة وليس مع التوكل عليه ضعة

شعره
من شعره قوله يمدح السلطان وأنشدها إياه بالمضارب من وادى الغيران عند قدومه المرية
( أثغرك أم سمط من الدر ينظم ... وريقك أم مسك به الراح تختم )
( ووجهك أم باد من الصبح نير ... وفرعك أم داج من الليل مظلم )
( أعلل منك الوجد والليل متلفى ... وهل ينفع التعليل والخطب مؤلم )
( وأقنع من طيف الخيال بزورة ... لو أن جفونى بالمنام تنعم )
ثم سرد لسان الدين القصيدة وهى طويلة
ثم قال ومن شعره مذيلا على البيت الأخير حسبما نسب إليه ببلده
( نامت جفونك يا سؤلى ولم أنم ... ما ذاك إلا لفرط الوجد والسقم )
( أشكو إلى الله ما بى من محبتكم ... فهو العليم بما ألقى من الألم )
( إن كان سفك دمى أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمى )
ومما ينسب إليه كذلك
( قف بى وناد بين تلك الطلول ... أين الألى كانوا عليها نزول )
( أين ليالينا بهم والمنى ... نجنيه غضا بالرضى والقبول )

( لا حملوا بعض الذى حملوا ... يوم تولت بالقباب الحمول )
( إن غبتم يا أهل نجد ففى ... قلبى أنتم وضلوعى حلول )
ثم قال ناب فى القيادة البحرية عن خاله القائد أبى على الرنداحى وولى أسطول المنكب برهة وتوفى بمراكش عام خمسة وخمسين وسبعمائة رحمه الله تعالى انتهى
23

- من ابن راجح إلى لسان الدين
وقال لسان الدين كتب إلى أبو عبد الله ابن راجح التونسى بما يظهر من أبياته وهى
( أما والذى لى فى حلاك من الحمد ... ومالك ملاكى لدى من الرفد )
( لقد أشعرتنى النفس أنك معرض ... عن المسرف الآتى لفضلك يستجدي )
( فإن زلة منى بدت لك جهرة ... فصفحا فما والله أذنبت عن قصد ) 24 - جواب لسان الدين
فراجعته بقولى
( أجلك عن عتب يغض من الود ... وأكرم وجه العذر منك عن الرد )
( ولكننى أهدى إليك نصيحتى ... وإن كنت قد أهديتها ثم لم تجد )
( إذا مقول الإنسان جاوز حده ... تحولت الأغراض منه إلى الضد )
( فأصبح منه الجد هزلا مذمما ... وأصبح منه الهزل فى معرض الجد )
( فما اسطعت قبضا للعنان فإنه ... احق السجايا بالعلاء وبالمجد )

ترجمة ابن راجح
وقال فى الإحاطة فى حق ابن راجح المذكور ما محصله محمد بن على ابن الحسن بن راجح الشريف الحسنى باعترافه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الزمر والاسراء والأنعام تونسى أبو عبد الله يعرف بابن راجح صاحب رواء وأبهة نظيف البزة فاره المركب مطفف مكيال الإطراء جموح فى إيجاب الحقوق مترام إلى أقصى آماد التوغل سخى اللسان بالثناء ثرثاره مرسل لعنانه فى كل المحافل متواضع متودد فكه مطبوع حسن الخلق عذب الفكاهة مخصوص حيث حل من الملوك والأمراء بالأثرة وممن دونهم بالمداخلة والصحبة ينظم الشعر ويحاضر بالأبيات ويقوم على تاريخ بلده ويثابر على لقاء أهل المعرفة والأخذ عن أولى الرواية قدم الأندلس عام خمسين وسبعمائة مفلتا من الوقيعة بالسلطان أبى الحسن فمهد له سلطانها كنف بره وآواه إلى سعة رعيه وتأكدت بينى وبينه صحبة
25
- من لسان الدين إلى ابن راجح
كتبت إليه أول قدومه بما نصه أحذو حذو أبيات ذكر أن شيخنا أبا محمد الحضرمى خاطبه بها
( أمن جانب الغربى نفحة بارح ... سرت منه أرواح الجوى فى الجوارح )
( قدحت بها زند الغرام وإنما ... تجافيت فى دين السلو لقادح )
( وما هى إلا نسمة حاجرية ... رمى الشوق منها كل قلب بقادح )
( رجحنا لها من غير شك كأنها ... شمائل أخلاق الشريف ابن راجح )

( فتى هاشم سبقا إلى كل غاية ... وصبرا مغار الفتل فى كل فادح )
( أصيل العلا جم السيادة ذكره ... طراز نضار فى برود المدائح )
( وفرقان مجد يصدع الشك نوره ... حبا الله منه كل صدر بشارح )
( وفارس ميدان البيان إذا انتضى ... صحائفه أنست مضاء الصفائح )
( رقيق كما راقتك نغمة ساجع ... وجزل كما راعتك صولة جارح )
( إذا ما احتبى مستحضرا فى بلاغة ... وخوض خضم القول منه بسابح )
( وقد شرعت فى مجمع الحفل نحوه ... أسنة حرب للعيون اللوامح )
( فما ضعضعت منه لصولة صادع ... ولا ذهبت منه بحكمة ناصح )
( تذكرت قسا قائما فى عكاظة ... وقد غص بالشم الأنوف الجحاجح )
( ليهنك شمس الدين ما حزت من علا ... خواتمه موصولة بالفواتح )
( رعى الله ركبا أطلع الصبح مسفرا ... لمرآك من فوق الربى والبطائح )
( ولله ما أهدته كوماء أوضعت ... برحلك فى قفر عن الأنس نازح )
( أقول لقومى عندما حط كورها ... وساعدها السعدان وسط الأباطح )
( ذروها وأرض الله لا تعرضوا لها ... بمعرض سوء فهى ناقة صالح )
( إذا ما أردنا القول فيه فمن لنا ... بطوع القوافى وانبعاث القرائح )
( بقيت منى نفس وتحفة قادم ... ومورد ظمآن وكعبة مادح )
( ولا زلت تلقى البر والرحب حيثما ... أرحت السرى من كل غاد ورائح )
26

- جواب ابن راجح
فأجبنى بما نصه
( أمن مطلع الأنوار لمحة لامح ... تعاد لموفؤود عن الحى نازح )
( وهل بالمنى من مورد الوصل يرتوى ... غليل عليل للتواصل جانح )

( فيا فيض عين الدمع ما لك والحمى ... ورند الحمى والشيح شيح الأشايح )
( مرابع آرامى ومورد ناقتى ... فسقيا لها سقيا لناقة صالح )
( سقى الله ذاك الحى ودقا فإنه ... حمى لمحات العين عن لمح لامح )
( وأبدى لنا حور الخيام تزف فى ... حلى الحسن والحسنى وحلى الملامح )
( ترى حى تلك الحور للحور مهيع ... يدل وهل حسم لداء التبارح )
( ويا يا دوحة الريحان هل لى عودة ... لعفر عفار الأنس بين الأباطح )
( وهل أنت إلا حلة حاتمية ... تغص نواديها بغاد ورائح )
( أقام بها الفخر الخطيب منابرا ... لترتيل ايات الندى والمنائح )
( وشفع بالإنجيل حمد مديحه ... وأوتر بالتوراة شفع المدائح )
( وفرق بالفرقان كل فريقة ... نأت عن رشاد فيه محض النصائح )
( وهل هو إلا للبرية مرشد ... لكل هدى هاد لأرجح راجح )
( فبشرى لسان الدين ساد بك الورى ... وأورى الهدى للرشد أوضح واضح )
( متى قلت لم تترك مقالا لقائل ... وإن لم تقل لم يغن مدح لمادح )
( فمن حام بالحى الذى أنت ربه ... وعام ببحر من عطاياك طافح )
( يحق له أن يشفع الحمد بالثنا ... ويغدو بذاك البحر اسبح سابح )
( ويا فوز ملك دمت صدر صدوره ... وبشرى له قد راح أربح رابح )
( بآرائك اللاتى تدل على الهدى ... وتبدى لمن خصصت سبل المناجح )
( ملكت خصال السبق فى كل غاية ... وملكت ما ملكت يا ابن الجحاجح )
( مطامح آمال لأشرف همة ... أقل مراميها أجل المطامح )
( فدونكها يا مهدى المدح مدحة ... أجبت بها عن مدح أشرف مادح )

( تهنيك بالعام الذى عم مدحه ... مواهب هاتيك البحار الطوافح )
( فخذها سمى الفخر يا خير مسبل ... على الخلق إغضاء ستور التسامح )
( ودم خاطب العليا بها خير خاطب ... وأتوق تواق وأطمح طامح )

بقية ترجمة ابن راجح
ثم قال لسان الدين توفى يوم الخميس ثالث شعبان سنة خمس وستين وسبعمائة وقد ناهز السبعين ودفناه بروضتنا إلبيرة وأعفى شارب الشعر من ثانى مقصه عفا الله تعالى عنا وعنه انتهى
قلت رأيت بخط البدر البشتكى فى اختصاره لإحاطة لسان الدين وسماه ب مركز الإحاطة فى هذا المحل ما نصه قال كاتبه لو وفق الله تعالى هذا الرجل لم يجب عن مثل تلك الحائية بهذا الهذاء ولعل ما فى كتاب أبى البركات الذى اسمه شعر من لا شعر له أنزل من هذه الطبقة انتهى
وقد أشار لسان الدين لهذا بقوله السابق وأعفى شارب الشعر من ثانى مقصه فلله دره من لوذعى زان خاتم البراعة بفصة فلكم له من عبارة وجيزة يقضى بها ما لم يستطيع غيره أن يعبر عنه بإطنابه فعلى كل من يروم التعبير عما فى الضمير أن يتمسك بأطنابه
وقال ابن خاتمة حدثنى الشريف الأديب أبو عبد الله ابن راجح التونسى مقدمة علينا بالمرية قال سجن القاضى أبو عبد الله ابن عبد السلام شابا وسيما لحق تعين عليه فأنشدته مداعبا
( أقاضى المسلمين حكمت حكما ... غدا وجه الزمان له عبوسا )

( سجنت على الدراهم ذا جمال ... ولم تسجنه إذ غصب النفوسا )
فأجابنى بأن قال إنما شكاه لى أرباب الدراهم دون أرباب النفوس انتهى
رجع إلى ما خوطب به لسان الدين رحمه الله تعالى
27

- من العشاب إلى لسان الدين
ومما خاطبه به أبو عبد الله العشاب التونسى فى بعض الأعياد قوله
( بيمن أبى عبد الإله محمد ... تيمن هذا القطر وانسجم القطر )
( أفاض علينا من جزيل عطائه ... بحورا تديم المد ليس له جزر )
( وآنسنا لما عدمنا مغانيا ... إذا ذكرت فى القلب ليس لها ذعر )
( هنيئا بعيد الفطر يا خير ماجد ... كريم به تسمو السيادة والفخر )
( ودمت مدى الأيام فى ظل نعمة ... تطيع لك الدنيا ويعنو لك الدهر ) 28 - من محمد بن محمد بن عبد الملك المراكشى إلى لسان الدين
وقال لسان الرحمن الدين فى ترجمة ابن عبد الملك المراكشى ما صورته وخاطبنى بقوله
( وليت ولاية أحسنت فيها ... ليعلم أنها شرفت بقدرك )
( وكم وال أساء فقيل فيه ... دنى القدر ليس لها بمدرك )
وقال أيضا يخاطبنى فى المعنى

( وليت فقيل أحسن خير وال ... ففاق مدى مداركها بفضله )
( وكم وال أساء فقيل فيه ... دنا فمحا محاسنها بفعله )

ترجمة ولد ابن عبد الملك
وفى الإحاطة ما محصله أن المذكور محمد بن محمد بن عبد الملك بن سعيد الأنصاري الأوسي كان شديد الانقباض محجوب المحاسن تنبو العين عنه جهامة ووحشة ظاهر وغرابة شكل وفى طى ذلك أدب غض ونفس حرة وحديث ممتع وأبوة كريمة أحد الصابرين على الجهد المستمسكين بأسباب الحشمة الراضين بالخصاصة وأبوه قاضى القضاة نسيج وحده الإمام العالم التاريخى المتبحر فى الآداب تقلبت به أيدى الليالي بعد وفاته لتبعة سلطت على نشبه فاستقر بمالقة مقدورا عليه لا يهتدي لمكان فضله إلا من عثر عليه ومن شعره قوله
( من لم يصن فى أمل وجهه ... عنك فصن وجهك عن رده )
( واعرف له الفضل وعرف له ... حيث أحل النفس من قصده )
ثم قال توفى فى ذى القعدة عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة انتهى
29
- من المكودي إلى لسان الدين
ومما مدح به لسان الدين قول أبى عبد الله محمد المكودي الفاسي رحمه الله تعالى
( رحماك بى فلقد خلدت فى خلدي ... هوى أكابد منه حرقة الكبد )
( حللت عقد سلوى عن فؤادى إذ ... حللت منه محل الروح من جسدى )
( مرآك بدرى وذكراك التذاذ فمى ... ودين حبك إضمارى ومعتقدى )

( ومن جمالك نور لاح فى بصرى ... ومن ودادك روح حل فى خلدي )
( لا تحسبن فؤادى عنك مصطبرا ... فقبل حبك كان الصبر طوع يدي )
( وهاك جسمى قد أودى النحول به ... فلو طلبت وجودا منه لم تجد )
( بما بطرفك من غنج ومن حور ... وما بثغرك من در ومن برد )
( كن بين طرفى وقلبى منصفا فلقد ... حابيت بعضهما فاعدل ولا تحد )
( فقال لى قد جعلت القلب لى وطنا ... وقد قضيت على الأجفان بالسهد )
( وكيف تطلب عدلا والهوى حكم ... وحكمه قط لم يعدل على أحد )
( من لى بأغيد لا يرثى لذى شجن ... وليس يعرف ما يلقاه ذو كمد )
( ما كنت من قبل إذعانى لسطوته ... إخال أن الرشا يسطو على الأسد )
( إن جاد بالوعد لم تصدق مواعده ... فإن قنعت بزور الوعد لم يعد )
( شكوته علتى منه فقال ألا ... سر للطبيب فما برء الضنى بيدى )
( فقلت إن شئت برئى أو شفا ألمى ... فبارتشاف لماك الكوثرى جد )
( وإن بخلت فلى مولى يجود على ... ضعفى ويبرىء ما أضنيت من جسدى )
وخرج بعد هذا إلى مدح لسان الدين فأطال وأطاب وكيف لا وقد ملأ من إحسانه الوطاب رحم الله تعالى الجميع
30

- من اليتيم إلى لسان الدين
وقال لسان الدين كتبت إلى أبى عبد الله اليتيم أسأل منه ما أثبت فى كتاب التاج من شعره فكتب إلى بهذه الأبيات
( أما الغرام فلم أخلل بمذهبه ... فلم حرمت فؤادى نيل مطلبه )

( يا معرضا عن فؤاد لم يزل كلفا ... بحبه ذا حذار من تجنبه )
( قطعت عنه الذى عودته فغدا ... وحظه من رضاه برق خلبه )
( أيام وصلك مبذول وبرك بى ... مجدد قد صفا لى عذب مشربه )
( وسمع ودك عن إفك العواذل فى ... شغل وبدر الدجى ناس لمغربه )
( لا أنت تمنعنى نيل الرضى كرما ... ولا فؤادى بوان فى تطلبه )
( لله عرفك ما أذكى تنسمه ... لو كنت تمنحنى استنشاق طيبه )
( أنت الحبيب الذى لم أتخذ بدلا ... منه وحاشا لقلبى من تقلبه )
( يا ابن الخطيب الذى قد فقت كل سنا ... أزال عن ناظرى إظلام غيهبه )
( محمد الحسن فى خلق وفى خلق ... أكملت باسمك معنى الحسن فازه به )
( حضرت أو غبت ما لي عن هواك غنى ... لا ينقص البدر حسنا فى تغيبه )
( سيان حال التدانى والبعاد وهل ... لمبصر البدر نيل فى ترقبه )
( يا من أحسن ظنى فى رضاه وما ... ينفك يهدى قبيحا من تغضبه )
( إن كان ذنبى الهوى فالقلب منى لا ... يصغى لسمع ملام من مؤنبه )
31

- من لسان الدين
إلى اليتيم
فأجبته بهذه الرسالة وهى ظريفة فى معناها يا سيدى الذى إذا رفعت راية ثنائه تلقيتها باليدين وإذا قسمت سهام وداده على ذوى اعتقاده كنت صاحب الفريضة والدين دام بقاؤك لطرفة تبديها وغريبة تردفها بأخرى تليها وعقيلة بيان تجليها ونفس أخذ الحزن بكظمها وكلف الدهر بشت نظمها تؤنسها وتسليها لم أزل أشد على بدائعك يد الضنين وأقتنى

درر كلامك ونفثات أقلامك اقتناء الدر الثمين والأيام بلقائك تعد ولا تسعد وفى هذه الأيام انثالت على سماؤك بعد قحط وتواترت لدى آلاؤك على شحط وزارتنى من عقائل بيانك كل فاتنة الطرف عاطرة العرف رافلة فى حلل البيان والظرف لو ضربت بيوتها بالحجاز لأقرت لها العرب العاربة بالإعجاز ما شئت من رصف المبنى ومطاوعة اللفظ لغرض المعنى وطيب الأسلوب والتشبث بالقلوب غير أن سيدى أفرط فى التنزل وخلط المخاطبة بالتغزل وراجع الالتفات ورام استدراك ما فات ويرحم الله تعالى شاعر المعرة فلقد أجاد فى قوله وأنكر مناجاة الشوق بعد انصرام حوله
( أبعد حول تناجى الشوق ناجية ... هلا ونحن على عشر من العشر )
ولقد تجاوزت فى الأمد وأنسيت أخبار صاحبك عبد الصمد فأقسم بألفات القدود وهمزات الجفون السود وحامل الأرواح مع الألواح بالغدو والرواح لولا بعد مزارك ما أمنت غائلة ما تحت إزارك ثم إنى حققت الغرض وبحثت عن المشكل الذى عرض فقلت للخواطر انتقال ولكل مقام مقال وتختلف الحوائج باختلاف الأوقات ثم رفع اللبس خبر الثقات
ومنها وتعرفت ما كان من مراجعة سيدى لحرفة التكتيب والتعليم والحنين إلى العهد القديم فسررت باستقامة حاله وفضل ماله وإن لاحظ

اللاحظ ما قال الجاحظ فاعتراض لا يرد وقياس لا يطرد حبذا والله عيش التأديب فلا بالضنك ولا بالجديب معاهدة الإحسان ومشاهدة الصور الحسان
يمينا إن المعلمين لسادة المسلمين وإنى لأنظر منهم كلما خطرت على المكاتب أمراء فوق المراتب من كل مسيطر الدرة متقطب الأسرة متنمر للوارد تنمر الهرة يغدو إلى مكتبه كالأمير فى موكبه حتى إذا استقل فى فرشه واستوى على عرشه وترنم بتلاوة قالونه وورشه أظهر للخلق احتقارا وأزرى بالجبال وقارا ورفعت إليه الخصوم ووقف بين يديه الظالم والمظلوم فتقول كسرى فى إيوانه والرشيد فى أوانه أو الحجاج بين أعوانه فإذا استولى على البدر السرار وتبين للشهر الغرار تحرك إلى الخرج تحرك العود إلى الفرج أستغفر الله مما يشق على سيدى سماعه وتشمئز من ذكره طباعة شيم اللسان خلط الإساءة بالإحسان والغفلة من صفات الإنسان فأي عيش كهذا العيش وكيف حال أمير هذا الجيش طاعة معروفة ووجوه إليه مصروفه فإن أشار بالإنصات لتحقق القصات فكانما طمس على الأفواه ولأم بين الشفاه وإن أمر بالإفصاح وتلاوة الألواح علا الضجيج والعجيج وحف به كما حف بالبيت الحجيج وكم بين ذلك من رشوة تدس وغمزة لا تحس ووعد يستنجز وحاجة تستعجل وتحفز هنأ الله سيدى ما خوله وأنساه بطيب أخراه أوله وقد بعثت بدعابتى هذه مع إجلال قدره والثقة بسعة صدره فليتلقها بيمينه ويفسح لها فى المرتبة بينه وبين خدينه ويفرغ لمراجعتها وقتا من أوقاته عملا بمقتضى دينه وفضل يقينه والسلام

حذف

ترجمة أبى عبد الله اليتيم
ثم قال ومن المداعبة التى وقعت إليها الإشارة ما كتب به إليه صديقه أبو على ابن عبد السلام
( أبا عبد الإله نداء خل ... وفى جاء يمنحك النصيحة )
( إلى كم تألف الشبان غيا ... وخذلانا أما تخشى الفضيحة )
فأجابه بقوله
( فديتك صاحب السمة المليحة ... ومن طابت أرومته الصريحه )
( ومن قلبى وضعت له محلا ... فما عنه يحل بأن أزيحه )
( نأيت فدمع عينى فى انسكاب ... وأكبادى لفرقتكم قريحه )
( وطرفى لا يتاح له رقاد ... وهل نوم لأجفان جريحه )
( وزاد تشوقى أبيات شعر ... أتت منكم بألفاظ فصيحه )
( ولم تقصد بها جدا ولكن ... قصدت بها مداعبة وقيحه )
( فقلت أتألف الشبان غيا ... وخذلانا أما تخشى الفضيحه )
( ففيهم حرفتى وقوام عيشى ... وأحوالى بخلطتهم نجيحه )
( وأمرى فيهم أمر مطاع ... وأوجههم مصابيح صبيحه )
( وتعلم أننى رجل حصور ... وتعرف ذاك معرفة صحيحه )
ثم قال لسان الدين بعد إيراده ما مر ما صورته ولما اشتهر المشيب بعارضه ولمته وخفر الدهر بعهود صباه وأذمته أقلع واسترجع وتألم لما فرط وتوجع وهو الآن من جلة الخطباء طاهر العرض والثوب خالص

من الشوب باد عليه قبول قابل التوب وتوفى فى أخريات صفر سنة خمسين وسبعمائة فى الطاعون رحمه الله تعالى وغفر له انتهى
واليتيم المذكور هو أبو عبد الله محمد بن على العبدري المالقى وفى حقه يقول لسان الدين فى التاج ما مثاله هو مجموع أدوات حسان من خط ونغمة لسان أخلاقه روض تتضوع نسماته وبشره صبح تتألق قسماته ولا تخفى سماته يقرطس أغراض الدعابة ويصميها ويفوق سهام الفكاهة إلى مراميها فكلما صدرت فى عصره قصيدة هازلة أو ابيات منحطة عن الإجادة نازلة خمس أبياتها وذيلها وصرف معانيها وسيلها وتركها سمر الندمان وأضحوكة الأزمان وهو الآن خطيب المسجد الأعلى بمالقة متحل بوقار وسكينة حال من أهلها بمكانة مكينة لسهولة جانبه واتضاح مقاصده فى الخير ومذاهبه واشتغل لأول أمره بالتكتيب وبلغ الغاية فى التعليم والترتيب والشباب لم ينصل خضابه ولا سلت للمشيب عضابه ونفسه بالمحاسن كلفه صبه وشأنه كله هوى ومحبة ولذلك ما خاطبه بعض أودائه وكلاهما رمى أخاه بدائه حسبما يأتى خلال هذا المقول وفى أثنائه انتهى
وذكر نحو ما تقدم ذكره سامح الله الجميع بفضله
32

- مخاطبة الكرسوطى للسان الدين
وقال لسان الدين فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكرسوطى الفاسى نزيل مالقة ما صورته وأنشدنى وأنا بمالقه أحاول لوث العمامة وأستعين بالغير على الإحكام لها

( أمعمما قمرا تكامل حسنة ... أربى على الشمس المنيرة فى البها )
( لا تلتمس ممن لديك زيادة ... فالبدر لا يمتار من نور السها )

ترجمة أبى عبد الله الكرسوطى
قال لسان الدين وهو فقيه محدث متكلم ألف كتبا منها الغرر فى تكميل الطرر طرر أبى إبراهيم الأعرج ثم كتاب الدرر فى اختصار الطرر المذكور وتقييدان على الرسالة كبير وصغير ولخص التهذيب لابن بشير وحذف أسانيد المصنفات الثلاثة والتزم إسقاط التكرار واستدرك الصحاح الواقعة فى الترمذى على البخارى ومسلم وقيد على مختصر الطليطلى وشرع فى تقييد على قواعد الإمام أبى الفضل عياض بن موسى برسم ولدى ويصدر منه الشعر مصدرا لا تكنفه منه العناية وكانت له اليد الطولى فى عبارة الرؤيا ومولده بفاس عام تسعين وستمائة انتهى ملخصا
33
- مخاطبة ابن الزبير للسان الدين
وقال فى الترجمة أبى عمرو ابن الزبير ما صورته ومما خاطبنى به عند إيابى من العدوة فى غرض الرسالة قوله
( نوالى الشكر للرحمن فرضا ... على نعم كست طولا وعرضا )
( وكم لله من لطف خفى ... لنا منه الذى قد شا وأمضى )
( بمقدمك السعيد أتت سعود ... ننال بها نعيم الدهر محضا )
( فيا بشرى لأندلس بما قد ... به والاك بارينا وأرضى )
( ويا لله من سفر سعيد ... قد أقرضك المهيمن فيه قرضا )
( ورحت بنية أخلصت فيها ... فأبت بكل ما يبغى ويرضى )
( وثبت لنصره الإسلام لما ... علمت بأن الأمر إليك أفضى )

( لقد أحييت بالتقوى رسوما ... كما أرضيت بالتمهيد أرضا )
( وقمت بسنة المختار فينا ... تمهد سنة وتقيم فرضا )
( ورضت من العلوم الصعب حتى ... جنيت ثمارها رطبا وغضا )
( فرأيك راجح فيما تراه ... وعزمك من مواضى الهند أمضى )
( تدبر أمر مولانا فيلقى ... المسىء لديك إشفاقا وإغضا )
( فأعقبنا شفاء وانبساطا ... وقد كانت قلوب الناس مرضى )
( ومن أضحى على ظمإ وأمسى ... يرد إن شاء من نعماك حوضا )
( أبا عبد الإله إليك أشكو ... زمانى حين زاد الفقر عضا )
( ومن نعماك أستجدى لباسا ... تفيض به على الجاه فيضا )
( بقيت مؤملا ترجى وتخشى ... ومثلك من إذا ما جاد أرضى )

ترجمة أبى عمرو ابن الزبير
وأبو عمرو المذكور هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الزبير أبوه الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير أستاذ الزمان شيخ أبى حيان وغيره وقال فى الإحاطة فى حقه إنه فكه حسن الحديث ركض طرف الشبيبة فى ميدان الراحة منكبا عن سنن أبيه وقومه مع شفوف إدراك وجوده حفظ كانا يطمعان والده فى نجابته فلم يعدم قادحا شرق فنال حظوة وجرت عليه خطوب ثم عاد إلى الأندلس فتطور بها وهو الآن قد نال منه الكبر يزجى لوقته بمالقة متعللا برمق من بعض الخدم المخزنية استجاز له والده الطم والرم من أهل المغرب والمشرق وبضاعته فى الشعر مزجاة ثم قال مات تاسع المحرم عام خمسة وستين وسبعمائة انتهى

ترجمة أبى يحيى الأكحل
وقال فى ترجمة أبى يحيى محمد بن أحمد بن محمد بن الأكحل ما صورته شيخ هيدورى الذقن خدوع الظاهر خلوب اللفظ شديد الهوى إلى الصوفية والكلف بإطراء أهل الخير من بيت صون وحشمة متقدم فى معرفة الأمور العلمية خائض فى غمار التصوف وانتحال كيمياء السعادة راكب متن دعوى عريضة فى مقام التوحيد تكذبها أحواله الراهنة لمعاصاة خلقه على الرياضة واستيلاء الشره وغلبة سلطان الشهوة والمشاحة أيام الولاية والسباب الشاهد بالشدة والحلف المتصل بياض اليوم فى ثمن الخردلة باليمين التى فيها فساد الأنكحة والغضب الذى يقلب العين
34
- مخاطبة الأكحل للسان الدين
خاطبنى بين يدى نكبته ولم أكن أظن الشعر مما تلوكه جحفلته ولكنه من أهل الكفاية
( رجوتك بعد الله يا خير منجد ... وأكرم مأمول وأعظم مرفد )
( وأفضل من أملت للحادث الذى ... فقدت به صبرى وما ملكت يدي )
( وحاشا وكلا أن يخيب مؤملى ... وقد علقت بابن الخطيب محمد )
( وما أنا إلا عبد نعمته التى ... عهدت بها يمنى وإنجاح مقصدي )
( وأشرف من حض الملوك على التقى ... وأبدى لهم رشدا نصيحة مرشد )

( وساس الرعايا الآن خير سياسة ... مباركة فى كل غيب ومشهد )
( وأعرض عن دنياه زهدا وإنها ... لمظهرة طوعا له عن تودد )
( وما هو إلا الليث الغيث إن أتى ... له خائف أو جاء مغناه مجتدي )
( وبحر علوم دره كلماته ... إذا رددت فى الحفل أي تردد )
( صقيل مرائى الفكر رب لطائف ... محاسنها تجلى بحسن تعبد )
( بديع عروج النفس للملإ الذى ... تجلت له الأسرار فى كل مصعد )
( شفيق رفيق دائم الحلم راحم ... ورأى جميل للجميل معود )
( صفوح عن الجاني على حين قدرة ... مواصل تقوى الله فى اليوم والغد )
( أيا سيدى يا عمدتى عند شدتى ... ويا مشربى مهما ظمئت وموردى )
( حنانيك والطف بى وكن لى راحما ... ورفقا على شيخ ضعيف منكد )
( رجاك رجاء للذى أنت أهله ... ووافاك يهدى للثناء المجدد )
( وأمك مضطرا لرحماك شاكيا ... بحال كحر الشمس حر توقد )
( وعندى افتقار لا يزال مواصلا ... لاكرم مولى حاز أجرا وسيد )
( ترفق بأولاد صغار بكاؤهم ... يزيد لوقع الحادث المتزيد )
( وليس لهم إلا إليك تطلع ... إذا مسهم ضر أليم التعهد )
( أنلهم أيا مولاى نظرة مشفق ... وجد بالرضى وانظر لشمل مبدد )
( وعامل أخا الكرب الشديد برحمة ... وأسعف بغفران الذنوب وأسعد )
( ولا تنظرن إلا لفضلك لا إلى ... جريمة شيخ عن محلك مبعد )
( وإن كنت قد أذنبت إنى تائب ... فعود لى الفعل الجميل وجدد )
( بقيت بخير لا يزال وعزة ... وعيش هنىء كيف شئت وأسعد )
( وسخرك الرحمن للعبد إنه ... لمثن وداع للمحل المجد )
ثم قال وهو الآن من مسطرى الأعمال على تهور واقتحام كبره من

خط لا غاية وراءه فى الركاكة كما قال المعرى
( تمشت فوقه حمر المنايا ... ولكن بعدما مسخت نمالا ) 35 - مخاطبة ابن عياش للسان الدين
وقال فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن على بن عياش بن مشرف الأمى إنه من أهل الأصالة والحسب ظهرت منه على حداثة السن أبيات ونسب إليه شعر توسل به وتصرف فى الإشراف فحمدت سيرته وكتب إلى بقوله
( سفرت شموس اليمن والإقبال ... وبدت بدور السعد ذات كمال )
( لقدوم سيدنا الوزير محمد ... أعزز به من سيد مفضال )
( قمر تجلى بين زهر تجتلى ... يهدى لفعل الخير لا الإضلال )
( سر آمنا لا تكترث فلأنت فى ... حفظ الإله الواحد المتعالى )
( برا وبحرا لا تخاف ملمة ... وعدو ذاتك خلف ظهرك صالى )
( لا يستقر له قرار بعدكم ... مما يحل به من الاوجال )
( والآن ترجع سالما ومبشرا ... ببلوغ كل مسرة ومنال )
وهى طويلة نمطها متخلف عن الإجادة وهى من مثله مما يستظرف انتهى
36

- مخاطبة أبى عبد الله الوادى آشى للسان الدين
وقال فى ترجمة إبى عبد الله محمد بن محمد العراقى الوادى آشى فاضل

حذف 1 102

الأبوة بادى الاستقامة حسن الأخلاق تولى أعمالا كتب إلى وقد أبى عملا عرض عليه بقوله
( أأصمت ألفا ثم أنطق بالخلف ... وأفقد إلفا ثم آنس بالجلف )
( وأمسك دهرى ثم أفطر علقما ... ويمحق بدرى ثم ألحق بالخسف )
( وعزكم لا كنت بالذل عاملا ... ولو أن ضعفى ينتهى بى إلى الحتف )
( فإن تعملونى فى تصرف عزة ... وعدل وإلا فاحسموا علة الصرف )
( بقيتم وسحب العفو منكم تظلنى ... وحظ ثنائى دائما ثانى العطف ) 37 - مخاطبة أبى محمد الأزدى للسان الدين
وقال فى ترجمة أبى محمد عبد الله بن إبراهيم الأزدى ما صورته وخاطبنى لما وليت خطة الإنشاء وغيرها فى أواخر عام تسعة وأربعين وسبعمائة بما نصه
( حشاشة نفس أعلنت لمذيبها ... بتذكار أيام الوصال وطيبها )
( ونادته رحمى أحيها نفس مدنف ... تموت إذا لم تحيها بوجيبها )
( فداو بقرب منك لاعج وجدها ... وفيض أماقيها وطول نحيبها )
( وقد بلغت حدا به صح فى الهوى ... وأحكامه ثوب الضنى فى نصيبها )
( وهل يتداوى داء نفس تعيسة ... إذا كان يوما داؤها من طبيبها )
( لعل أوار الوجد تخمد ناره ... فيبرد عنها ما بها من لهيبها )
( إليك حداها الشوق يا بدرها الذى ... يعز عليها منه طول مغيبها )
( سلكت بها سبل الهوى فهى تبتغى ... لقاك وتبغى غفلة من رقيبها )
( أجبها بابقاء عليها فإنها ... ستفنى إذا ما لم تكن بمجيبها )
( ومل نحوها بالود فهى قد آذعنت ... كما تذعن الأقلام لابن خطيبها )
( وحيد الزمان الماهر الباهر الحلى ... وجهبذ آداب العلا وأديبها )
( إمام معاليها وبحر علومها ... وبدر دياجيها وصدر شعوبها )

( مصرفها كيف انثنت ومعيدها ... ومبدئها حيث انتهت ومصيبها )
( ورافع أعلام البلاغة والذى ... أتى ناثرا أو ناظما بعجيبها )
( وحامل رايات الرياسة رفعة ... قضى المجد تخصيصا له بوجوبها )
( من الغر ممن أوجبت لشبابها ... معاليهم الفضل العظيم وشيبها )
( من أبناء أرباب المنابر والأولى ... سما فخرهم بين الورى بركوبها )
( خلال ابن عبد الله طود الحجى أبى ... محمد باد حسنها من ضروبها )
( أجاد وأجدى فاسل عن ذكر طىء ... وحاتمها زهوا به وحبيبها )
( ففى كل ما يبدى محمد عبره ... محاسنها تنبى بسر غيوبها )
( تجيب القوافى إن دعا ببعيدها ... وتنقاد طوعا إن دعا بقريبها )
( تخير أخلاق الكرام فلم يكن ... نهى ولهى يرضى بغير رحيبها )
( تقدم فى دار الخلافة حاجبا ... لينجدها فى سلمها وحروبها )
( وقام لها فى ساحة العز كاتبا ... بمحضرها أسرارها ومغيبها )
( فأبدى من أنواع الفضائل أوجها ... تقر لها بالحسن عين لبيبها )
( هنيئا به يمنا بأسعد ماثل ... لغرناطة قاض بصرف خطوبها )
( فللسعد تأثير يجىء إذا جرى ... به قدر كالريح عند هبوبها )
( أموقد نار الفكر يقدح زندها ... فيسبى به الألباب سحر نسيبها )
( حدانى إليك الحب قدما ومال بى ... حديث لآمال خلت عن غريبها )
( فقدمتها نظما قوافى قصرت ... لديك بذاوى فكرتى ورطيبها )
( وكنت كمن وافى لدى الدار بالحصى ... يرفع منها ساهيا عن عيوبها )
( فصلها وخذ بالعفو فيها فلم أصل ... لأبلغ منها فاغتفر من ذنوبها )

قطع من شعر الأزدى
وصاحب هذا النظم من أهل بلش وله اقتدار على النظم والنثر قال فى

الإحاطة ما محصله ومما وقع له أثناء مقامات وأغراض تشهد باقتداره مهملا
( رعى الله عهدا حوى ما حوى ... لأهل الوداد وأهل الهوى )
( أراهم أمورا حلا وردها ... وأعطاهم السؤل كلا سوا )
( ولما حلا الوصل صالوا له ... وراموه مأوى وماء روا )
( وأوردهم سر أسرارهم ... ورد إلى كل داء دوا )
( وما أمل طال إلا وهى ... وما آمل صال إلا هوى )
وقال معجمه
( بث بينى يبثنى فيض جفنى ... شغفى شفنى فشبت ببينى )
( فتنتنى بغنج ظبى تجنى ... تبتغى نقض نيتى بتجنى )
( بزة زينت قضيب تثنى ... قضيت يغيتى ففزت بفن )
( خفت تشتيت بنيتى فجفتنى ... ثقة تنثنى فخيب ظنى ) وقال كلمة وكلمة
( الهوى شفنى وأهمل جفنى ... أدمعا تنثنى دما بتثنى )
( أحور شب حر بثى لما ... نقض العهد بين طول تجنى )
( حاكم يتقى ولا ذنب إلا ... شغف لم يخب لمسعاه ظنى )
( ما له ينقض العهود فيشجى ... ولها ينثنى مسهد جفن )
( لم يجز وصله فبت محالا ... يقتضى حل بغيتى كل فن )
وقال يرثى ديكا فقده ويصف الوجد الذى وجده ويبكى عدم أذانه إلى غير ذلك من مستظرف شانه
( أودى به الحتف لما جاءه الأجل ... ديكا فلا عوض منه ولا بدل )

( قد كان لى أمل فى أن يعيش فلم ... يثبت مع الحتف فى بقياه لى أمل )
( فقدته فلعمرى إنها عظة ... وبالمواعظ تذرى دمعها المقل )
( ما كان أبدع مرآه ومنظره ... وصفا به كل حين يضرب المثل )
( كأن مطرف وشى فوق ملبسه ... عليه من كل حسن باهر حلل )
( كأن إكليل كسرى فوق مفرقه ... وتاجه فهو عالى الشكل محتفل )
( موقت لم يكن يعزى له خطأ ... فيما يرتب من ورد ولا خلل )
( كأن زرقال فيما مر علمه ... علم المواقيت مما رتب الأول )
( يرحل الليل يحيى بالصراخ فما ... يصده كلل عنه ولا ملل )
( رأيته قد وهت منه القوى فهوى ... للأرض فعلا يريه الشارب الثمل )
( لو يفتدى بديوك الأرض قل له ... ذاك الفداء ولكن فاجأ الأجل )
( قالوا الدواء فلم يغن الدواء ولم ... ينفعه من ذاك ما قالوا وما فعلوا )
( أملت فيه ثوابا أجر محتسب ... إن نلت ذلك صح القول والعمل )
وأمره السلطان أبو عبد الله سادس الملوك النصريين وقد نظر إلى شلير وقد تردى بالثلج وتعمم وكمل ما أراد من بزته وتمم أن ينظم فى وصفه فقال بديها
( وشيخ جليل القدر قد طال عمره ... وما عنده علم بطول ولا قصر )
( عليه لباس أبيض باهر السنا ... وليس بثوب أحكمته يد البشر )
( فطورا تراه كله كاسيا به ... وكسوته فيها لأهل النهى عبر )
( وطورا تراه عاريا ليس يكتسى ... بحر ولا برد من الشمس والقمر )
( وكم مرت الأيام وهو كما ترى ... على حاله لم يشك ضعفا ولا كبر )
( وذاك شلير شيخ غرناطة التى ... لبهجتها فى الأرض ذكر قد اشتهر )

( بها ملك سامى المراقى أطاعه ... كبار ملوك الأرض فى حالة الصغر )
( تولاه رب العرش منه بعصمة ... تقيه مدى الأيام من كل ما ضرر )
وتوفى المذكور فى بلده بلش فى طاعون عام خمسين وسبعمائة انتهى
38

- من لسان الدين إلى ابن رضوان
وقال فى الإحاطة فى ترجمة صاحب القلم الأعلى بالمغرب أبى القاسم ابن رضوان النجارى ما صورته ولما ولى الإنشاء بباب ملك المغرب ظهر لسلطاننا بعض قصور فى المراجعات فكتبت إليه
( أبا قاسم لا زلت للفضل قاسما ... بميزان عدل ينصر الحق من نصر )
( مدادك وهو المسك طيبا ومنظرا ... وإلا سواد القلب والفود والبصر )
( عهدناه فى كل المعارف مطنبا ... فما باله فى حرمه الود مختصر )
( أظنك من ليل الوصال انتخبته ... إلينا وذاك الليل يوصف بالقصر )
( أردنا بك العذر الذى أنت أهله ... ومثلك لا يرمى بعى ولا حصر ) 39 - جواب ابن رضوان
فراجعنى ولا أدرى أهى من نظمه أم نظم غيره

( حقيق أبا عبد الإله بك الذى ... لمذهبه فى البر يتضح الأثر )
( وان الذى نبهت منى لم يكن ... نؤوما وحاشا الود أن أغمط الأثر )
( ورب اختصار لم يشن نظم ناظم ... ورب اقتصار لم يعب نثر من نثر )
( وعذرك عنى من محاسنك التى ... نظام حلاها فى الممادح ما انتثر )
( ومن عرف الوصف المناسب منصفا ... تأتى له نهج من العذر ما دثر )

ترجمة ابن رضوان
وهو عبد الله بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان النجارى من أهل مالقة صاحب العلامة العلية والقلم الأعلى بالمغرب قرأ على جماعة منهم بتونس قاضى الجماعة ابن عبد السلام قال فى التاج فيه أيام لم يفهق حوضه ولا أزهر روضه ما نصه أديب أحسن ما شاء ومتح قليبه فملأ الدلو وبل الرشاء وعانى على حداثته الشعر والإنشاء وله ببلده بيت معمور بفضل وأمانة ومجد وديانة ونشأ هذا الفاضل على أتم العفاف والصون فما مال إلى فساد بعد الكون وله خط بارع وفهم إلى الغوامض مسارع وقد أثبت من كلامه ونفثات أقلامه كل محكم العقود زار بابنة العنقود فمن ذلك قوله
( لعلكما أن ترعيا لى وسائلا ... فبالله عوجا بالركاب وسائلا )
ومنها
( لقد جار دهرى إذ نأى بمطالبى ... وظل بما أبغى من القرب ماطلا )
( عتبت عليه فاغتدى لى عاتبا ... وقال أصخ لى لا تكن قط عاذلا )
( أتعتبنى أن قد أفدتك موقفا ... لدى أعظم الأملاك حلما ونائلا )

( مليك حباه الله بالخلق الرضى ... وأعلى له فى المكرمات المنازلا )
وهى طويلة
ومن نظم ابن رضوان المذكور
( تبرأت من حولى إليك وأيقنت ... برحماك آمالى أصح يقين )
( فلا أرهب الأيام إذ كنت ملجأ ... وحسبى يقينى باليقين يقينى )
وكلفه أبو عنان وصف صيد من غدير فقال من أبيات
( ولرب يوم فى حماك شهدته ... والسرح ناشرة عليك ظلالها )
( حيث الغدير يريك من صفحاته ... درعا تجيد به الرياح صقالها )
( والمنشآت به تدير حبائلا ... للصيد فى حيل تدير حبالها )
( وتريك إذ يلقى بها اليم الذى ... أخفت جوانحه وغاب خلالها )
( فحسبتها زردا وأن عواليا ... تركت به عند الطعان نصالها )
وقال فيه ايضا
( أبصرت فى يوم الغدير عجائبا ... جاءت بآيات العجائب مبصره )
( سمكا لدى شبك فقل ليل بدت ... فيه الزواهر للنواظر نيره )
( فكأن ذا زرد تضاعف نسجه ... وكأن تلك أسنة متكسره )
ومما نظمه عن أمر الخلافة المستعينية ليكتب فى طرة قبة رياض الغزلان

من حضرته
( هذا محل المنى بالأمن معمور ... من حله فهو بالآمال محبور )
( مأوى النعيم به ما شئت من ترف ... تهوى محاسنه الولدان والحور )
( ويطلع الروض منه مصنعا عجبا ... يضاحك النور من لألائه النور )
( ويسطع الزهر من أرجائه أرجا ... ينافح الند نشر منه منشور )
( مغنى السرور سقاه الله ما حملت ... غر الغمام وحلته الأزاهير )
( انظر إلى الروض تنظر كل معجبه ... مما ارتضاه لرأى العين تحبير )
( مر النسيم به يبغى القرى فقرى ... دراهم النور تبديد وتنثير )
( وهامت الشمس فى حسن الظلال به ... ففرقت فوقها منه دنانير )
( والدوح ناعمة تهتز من طرب ... همسا وصوت غناء الطير مجهور )
( كأنما الطير فى أفنائها صدحت ... بشكر مالكها والفضل مشكور )
( والنهر شق بساط الروض تحسبه ... سيفا ولكنه فى السلم مشهور )
( ينساب للجة الخضراء أزرقه ... كالأيم جد انسيابا وهو مذعور )
( هذى مصانع مولانا التى جمعت ... شمل السرور وأمر السعد مأمور )
( وهذه القبة الغراء ما نظرت ... لشكلها العين إلا عز تنظير )
( ولا يصورها فى الفهم ذو فكر ... إلا ومنه لكل الحسن تصوير )
( ولا يرام بحصر وصف ما جمعت ... من المحاسن إلا صد تقصير )
( فيها المقاصير تحميها مهابته ... لله ما جمعت تلك المقاصير )
( كأنها الأفق تبدو النيرات به ... ويستقيم بها فى السعد تسيير )
( وينشأ المزن فى أرجائه وله ... من عنبر الشحر إنشاء وتسخير )
( وينهمى القطر منه وهو منسكب ... ماء من الورد يذكو منه تقطير )

( وتخفق الريح منه وهى ناسمة ... مما أهب به مسك وكافور )
( ويشرق الصبح منه وهو من غرر ... غر تلألأ منهن الأسارير )
( وتطلع الشمس فيه من سنا ملك ... تبسم الدهر منه وهو مسرور )
( لله منه إمام عادل بهرت ... أوصافه فهى للأمداح تحبير )
( غيث السماح وليث البأس فالق به ... محيى الهدى وهو للعادين تتبير )
( قل للمبارى وإن لم تلقه أبدا ... ورب فرض محال وهو تقدير )
( فخر الأنام أحل الفخر منزله ... فكل مدح على علياه مقصور )
( إذا أبو سالم مولى الملوك بدا ... بدرا تضىء بمرآه الدياجير )
( فأى خطب يخاف الدهر آمله ... وأى سؤل له فى النيل تعذير )
( بشراك بشراك يا نجل الخلافة ما ... خولت من نيلها والضد مقهور )
( لك الخلود بعز الملك فى نعم ... لا يعترى صفوها فى الدهر تكدير )
( فانعم هنيئا بلذات مواصلة ... لا يأتليهن إلمام وتكرير )
( لا زلت تلقى المنى فى غبطة أبدا ... ما دام لله تهليل وتكبير )
وقال وكتب به على قلم فضة
( إذا شهدت بالنصر خطية القنا ... فملكت أمر الفتح من دون ما شرط )
( كفى شاهدا منى بفضلك ناطقا ... لسانى مهما أفصحت ألسن الخطى )
وقال وكتب به علىسكين
( أرواح بأمر المستعين وأغتدى ... لإذهاب طغيان اليراع الرواقم )
( ويفعل فى الأقلام حدى مصلحا ... كفعل ظبى أسيافه فى الأقالم )
قال ومما كتب به على قصيدة عيدية
( لما رأيت هدايا العيد أعظمها ... هدية الطيب فى حسن وتعجيب )

( ولم أجد فى ضروب العاطرات شذا ... يحكى ثناءك فى نشر وفى طيب )
( أهديت نحوك منه كل ذى أرج ... أنفاسه بين تشريق وتغريب )
( وفى القبول منال السعد فالق به ... تلق الأمانى بتأهيل وترحيب )
وقال فى رجل يلقب بالبعير
( وذى لقب عنت له عند صحبه ... مآرب لم يسعد عليهن مسعد )
( دعوه بعيرا فاستشاط فقال مه ... أبا أحمد وارتد عنهم يهدهد )
( فقلت له عد نحوهم لتعود من ... مرامك بالمطلوب توفى وتحمد )
( فقال وقد غص الفضاء بصوته ... وقد هدرت منه الشقاشق تزبد )
( لئن عدت نادونى بعيرا كمثلها ... فقلت له لا تخش فالعود أحمد )
وقال
( وبخيل لما دعوه لسكنى ... منزل بالجنان ضن بذلك )
( قال لى مخزن بدارى فيه ... كل مالى فلست للدار تارك )
( قلت وفقت للصواب فحاذر ... قول خل مرغب فى انتقالك )
( لا تعرج على الجنان بسكنى ... ولتكن ساكنا بمخزن مالك )
وقال رحمه الله تعالى فى مركب
( يا رب منشأة عجبت لشأنها ... وقد احتوت فى البحر أعجب شان )
( سكنت بجنبيها عصابه شدة ... حلت محل الروح فى الجثمان )
( فتحركت بإرادة مع أنها ... فى جنسها ليست من الحيوان )

( وجرت كما قد شاءه سكانها ... فعلمت أن السر فى السكان )
وقال رحمه الله تعالى
( وذى خدع دعوة لاشتغال ... وما عرفوه غثا من سمين )
( فأظهر زهده وغنى بمال ... وجيش الحرص منه فى كمين )
( وأقسم لا فعلت يمين خب ... فيا عجبا لحلاف مهين )
( يغر بيسره ويمين حنث ... ليأكل باليسار وباليمين )
وهو الأن بحالة الموصوفة انتهى
40

- مخاطبة أبى بكر ابن عبد الملك للسان الدين
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى خاطبنى أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الملك مستدعيا إلى إعذار ولده بقوله
( أريد من سيدى الأعلى تكلفه ... إلى الوصول إلى دارى صباح غد )
( يزيدنى شرفا منه ويبصر لى ... صناعة القاطع الحجام فى ولدى )
فأجبته
( يا سيدى الأوحد الأسمى ومعتمدى ... وذا الوسيلة من أهلى ومن بلدى )
( دعوت فى يوم الأثنين الصحاب ضحى ... وفيه ما ليس فى سبت ولا أحد )
( يوم السلام على المولى وخدمته ... فاصفح وإن عثرت رجلى فخذ بيدى )
( والعذر أوضح من نار على علم ... فعد إن غبت عن لوم وعن فند )
( بقيت فى ظل عيش لا نفاد له ... مصاحبا غير محصور إلى أمد )

ترجمة أبى بكر ابن عبد الملك
وأبو بكر المذكور أصله من باغه ونشأ بلوشة وهو محسوب من الغرناطيين
وفى التاج فى حقه ما صورته فارض هاجى مداهن مداجى أخبث من نظر من طرف خفى وأغدر من تلبس بشعار وفى إلى مكيدة مبثوثة الحبائل وإغراء يقطع بين الشعوب والقبائل من شيوخ طريقة العمل المتقلبين من أحوالها بين الصحو والثمل المتعللين برسومها حين اختلط المرعى بالهمل وهو ناظم أرجاز ومستعمل حقيقة ومجاز نظم مختصر السيرة فى الألفاظ اليسيرة ونظم رجزا فى الزجر والفال نبه به تلك الطريقة بعد الإغفال انتهى
قال ومن شعره
( إن الولاية رفعة لكنها ... أبدا إذا حققتها تتنقل )
( فانظر فضائل من مضى من أهلها ... تجد الفضائل كلها لا تعزل )
توفى بالطاعون بغرناطة عام خمسين وسبعمائة انتهى
41
- مخاطبة أبى سلطان للسان الدين
وقال فى ترجمة أبى سلطان عبد العزيز بن على الغرناطى بن يشت ما صورته ومما خاطبنى به قوله
( أطلت عتب زمان فل من أملى ... وسمته الذم فى حل ومرتحل )
( عاتبته ليلين العتب جانبه ... فما تراجع عن مطل ولا بخل )

( فعدت أمنحه العتبى ليشفق لى ... فقال لى إن سمعى عنك فى شغل )
( فالعتب عندى كالعتبى فلست أرى ... أصغى لمدحك إذ لم أصغ للعذل )
( فقلت للنفس كفى عن معاتبه ... لا تنقضى وجواب صيغ من وجل )
( من يعتلق فى الدنا بابن الخطيب فقد ... سما عن الذل واستولى على الجذل )
( قالت فمن لى بتقريبى لخدمته ... فقد أجاب قريبا من جوابك لى )
( فقال للناس كفوا عن محادثتى ... فليس ينفعكم حولى ولا حيلى )
( قد اشتغلت عن الدنيا بآخرتى ... وكان ما كان من أيامى الأول )
( وقد رعيت وما أهملت من منح ... فكيف يختلط المرعى بالهمل )
( ولست أرجع للدنيا وزخرفها ... من بعد شيب غدا فى الرأس مشتعل )
( ألست تبصر أطمارى وبعدى عن ... نيل الحظوظ وإغذاذى إلى أجلى )
( فقلت ذلك قول صح مجمله ... لكن من شأنه التفصيل للجمل )
( ما أنت جالب أمر تستعين به ... على المظالم فى حال ومقتبل )
( ولا تحل حراما أو تحرم ما ... أحل ربك فى قول ولا عمل )
( ولا تبع آجل الدنيا بعاجلها ... كما الولاة تبيع اليم بالوشل )
( وأين عنك الرشا إن ظلت تطلبها ... هذا لعمرى أمر غير منفعل )
( هل أنت تطلب إلا أن تعود إلى ... كتب المقام الرفيع القدر فى الدول )
( فما لأوحد هذا الكون قاطبة ... وأسمح الخلق من حاف ومنتعل )
( لم يلتفت نحو ما تبغيه من وطر ... ولم يسد الذى قد بان من خلل )
( إن لم تقع نظره منه عليك فما ... يصفو لديك الذى أملت من أمل )
( فدونك السيد الأعلى فمطلبكم ... قد نيط منه بفضل غير منفصل )
( فقد خبرت بنى الدنيا بأجمعهم ... من عالم وحكيم عارف وولى )
( فما رأيت له فى الناس من شبه ... قل النظير له عندى فلا تسل )
( وقد قصدتك يا أسمى الورى همما ... وليس لى عن حمى علياك من حول )
( فما سواك لما أملت من أمل ... وليس لى عنك من زيغ ولا ميل )

( فانظر لحالى فقد رق الحسود لها ... واحسم زمانه ما قد ساء من علل )
( ودم لنا ولدين الله ترفعه ... ما أعقبت بكر الإصباح بالأصل )
( لا زلت معتليا عن كل حادثة ... كما علت ملة الإسلام فى الملل )
انتهى

ترجمة عبد العزيز أبى سلطان
والمذكور هو عبد العزيز بن على بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز بن يشت من غرناطة يكنى أبا سلطان قال فى الإحاطة فى حقه فاضل حيي حسن الصورة بادى الحشمة فاضل البيت سريه كتب فى ديوان الأعمال فأتقن وترقى إلى الكتابة السلطانية وسفر فى بعض الأغراض الغربية ولازم الشيخ أبا بكر عتيق بن مقدم من مشيخة الصوفية بالحضرة فظهرت عليه آثار ذلك فى نظمه ومقاصده فمن نظمه ما أنشده ليلة الميلاد المعظم
( القلب يعشق والمدامع تنطق ... برح الخفاء فكل عضو منطق )
( إن كنت أكتم ما أكن من الجوى ... فشحوب لونى فى الغرام مصدق )
( وتذللى عند اللقا وتملقى ... إن المحب إذا دنا يتملق )
( فلكم سترت عن الوجود محبتى ... والدمع يفضح ما يسر المنطق )
( ولكم أموة بالطلول وبالكنى ... وأخوض بحر الكتم وهو الأليق )
( ظهر الحبيب فلست أبصر غيره ... فبكل مرئى أرى يتحقق )
( ما فى الوجود تكثر لمكثر ... إن المكثر بالأباطل يعلق )
( فمتى نظرت فأنت موضع نظرتى ... ومتى نطقت فما بغيرك أنطق )
( يا سائلى عن بعض كنه صفاته ... كل اللسان وكل عنه المنطق )
( فاسلك مقامات الرجال محققا ... إن المحقق شأوه لا يلحق )
( مزق حجاب الوهم لا تحفل به ... فالوهم يستر ما العقول تحقق )

( واخلص إذا شئت الوصول ولا تئل ... فالعجز عن طلب المعارف موبق )
( إن التحلى فى التخلى فاقتصد ... ذاك الجناب فبابه لا يغلق )
( ولتقتبس نار الكليم ولا تخف ... والغ السوى إن كنت منها تفرق )
( ومتى تجلى فيك سر جماله ... وصعقت خوفا فالمكلم يصعق )
( دع رتبه التقليد عنك ولا تته ... تلق الذى قيدت وهو المطلق )
( واقطع حبال علائق وعوائق ... إن العوائق بالمكاره تطرق )
( جرد حسام النفس عن جفن الهوى ... إن العوائد بالتجرد تخرق )
( فإذا فهمت السر منك فلا تبح ... فالسيف من بث الحقائق أصدق )
( بالذوق لا بالعلم يدرك علمنا ... سر بمكنون الكتاب مصدق )
( وبما أتى عن خير من وطىء الثرى ... سر الوجود وغيثه المتدفق )
( خير الورى وابن الذبيحين الذى ... أنواره فى هديها تتألق )
( من أخبر الأنباء قبل ببعثه ... ولنصه سر الكتاب يصدق )
( رفعت له الحجب التى لم ترتفع ... إلا إليه فكل ستر يخرق )
( ورقى مقاما قصرت عن كنهه ... رتب الوجود وكع عنه السبق )
( وطىء البساط تدللا وجرى إلى ... أمد تناهى ما إليه مسبق )
( إنسان عين الكون مبلغ سره ... قطب الجمال وغيثه المتدفق )
( سر الوجود ونكته الدهر الذى ... كل الوجود بجوده يتعلق )
( من جاء بالآيات يسطع نورها ... والذكر فهو عن الهوى لا ينطق )
( يا سيد الأرسال غير مدافع ... وأجلهم سبقا وإن هم أعنقوا )
( بالفقر جئتك موئلى لا بالغنى ... فالذل والإذعان عندك ينفق )
( فاجبر كسير جرائر وجرائم ... فالقلب من عظم الخطايا يقلق )

( أرجوك يا غوث الأنام فلا تدع ... باب الرضى دونى يسد ويغلق )
( حاشاك تطرد من أتاك مؤملا ... فلأنت لى منى أحن وأرفق )
( ومحبتى تقضى بأنك منقذي ... مما أخاف فما بغيرك أعلق )
( يا هل تساعدنى الأمانى والمنى ... وأحل حيث سنا الرسالة يشرق )
( إن كان ثبطنى القضا بمقيد ... فعنان عزمى نحو مجدك مطلق )
( ولئن ثوى شخص بأقصى مغرب ... فتشوقىمنى إليك يشرق )
( فعليك يا أسنى الوجود تحية ... من طيب نفحتها البسيطة تعبق )
( وعلى صحابتك الذين تأنقوا ... رتب الكمال ومثلهم يتأنق )
( وعلى الألى آووك فى أوطانهم ... نالوا بذلك رتبة لا تلحق )
( أعظم بأنصار النبى وحزبه ... وبمن أتى بعباءة يتعلق )
( من مثل سعد أو كقيس نجله ... عرف السيادة من حماهم ينشق )
( أكرم بهم وبمن أتى من سرهم ... عز النظير فمجدهم لا يلحق )
( من مثل نصر أو بنيه ملوكنا ... كل الأنام لعزهم يتملق )
( بمحمد نجل الخليفة يوسف ... عز الهدى فحماه ما إن يطرق )
( مولى الملوك وتاج مفرق عزهم ... وأجل من تحدى إليه الأينق )
( ملك يرى أن التقدم مغنم ... مهما تعرض موكب أو فيلق )
( تروى أحاديث الوغى عن بأسه ... فالسيف يسند والعوالى تطلق )
( ملك البسالة والمكارم والنهى ... فعداته منه تغص وتفرق )
( ملئت قلوب عداه منه مهابة ... فمغرب من خوفه ومشرق )
( مولاى يا أسمى الملوك ومن غدت ... عين الزمان إلى سناه تحدق )
( لا تقطعوا عنى الذى عودتم ... فالعبد من قطع العوائد يشفق )
( لا تحرمونى مطلبى فمحبتى ... تقضى لسعيي أنه لا يخفق )
( فانعم بردى فى بساطك كاتبا ... وأعد لما قد كنت فهو الأليق )
( فاسلم أمير المسلمين لأمة ... أفواههم ما إن بغيرك تنطق )

( واهنا بها من ليلة نبوية ... جاءت بأكرم من به يتعلق )
( صلى عليه الله ما هبت صبا ... واهتز غصن فى الحديقة مورق )
ثم قال وهو الآن بحالته الموصوفة انتهى
42

- رسالة من النباهى للسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ما حكاه فى الإحاطة فى ترجمة القاضى أبى الحسن النباهى إذ قال ما نصه وخاطبنى بسبته وأنا يومئذ بسلا بقوله يا أيتها الآية البالغة وقد طمست الأعلام والغرة الواضحة وقد تنكرت الأيام والبقية الصالحة وقد ذهب الكرام أبقاكم الله تعالى البقاء الجميل وأبلغكم غاية المراد ومنتهى التأميل أبى الله أن يتمكن المقام بالأندلس بعدكم وأن يكون سكون النفس إلا عندكم سر من الكون غريب ومعنى فى التشاكل عجيب أختصر لكم الكلام فأقول بعد التحية والسلام تفاقمت الحوادث وتعاظمت الخطوب الكوارث واستأسدت الذئاب الأخابث ونكث الأكثر من ولد سام وحام ويافث فلم يبق إلا كاشح باحث أو مكافح عابث ويا ليت شعرى من الثالث فحينئذ وجهت وجهى للفاطر الباعث ونجوت بنفسى لكن منجى الحارث وقد عبرت البحر كسير الجناح دامى الجراح وإنى لأرجو الله سبحانه بحسن نيتكم أن يكون الفرج قريبا والصنع عجيبا فعمادى أعان الله على القيام بواجبه هو الركن الذى ما زلت أميل على جوانبه ولا تزيدنى الأيام إلا بصيرة فى الإقرار بفضله والاعتداد به وقد وصلنى خطاب سيدى الذى جلى الشكوك بنور يقينه ونصح النصح اللائق بعلمه ودينه وكأنه نظر إلى الغيب من وراء حجاب فأشار بما أشار به على سارية عمر بن الخطاب ومن العجب أنى عملت بمقتضى إشارته قبل بلوغ إضبارته فلله ما تضمنه مكتوبكم الكريم من الدر وحرره من الكلام

الحر وايم الله لو تجسم لكان ملكا ولو تنسم لكان مسكا ولو قبس لكان شهابا ولو لبس لكان شبابا فحل منى علم الله تعالى محل البرء من المريض وأعاد الأنس بما تضمنه من التعريض والكلم المزرية بقطع الروض الأريض فقبلته عن راحتكم وتخيلت أنه مقيم بساحتكم ثم وردت معينه الأصفى وكلت من بركات مواعظه بالمكيال الأوفى وليست بأول أياديكم وإحالتكم على الله فهو الذى يجازيكم وبالجملة فالأمور بيد الأقدار لا إلى المراد والاختيار
( وما كل ما ترجو النفوس بنافع ... ولا كل ما تخشى النفوس بضرار )
انتهى
قلت أين هذا الكتاب من الذى قدمناه عنه فى الباب الثانى حين أظلم بينه وبين لسان الدين الجو وعطفه إلى مهاجاته ثانى وسفر فى أمره إلى العدوة واجتهد فى ضرره بعد أن كان له به القدوة وقد قابله لسان الدين بما أذهب عن جفنه الوسن وألف فيه كما سبق خلع الرسن

ترجمة النباهى
على أنه عرف به فى الإحاطة أحسن تعريف وشرفه بحلاه أجمل تشريف إذ قال ما ملخصه على بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الله ابن الحسن بن محمد بن الحسن الجذامى المالقى أبو الحسن ويعرف بالنباهى هذا الفاضل قريع بيت مجادة وجلالة وبقية تعين وأصالة عف النشأة طاهر الثوب مؤثر للوقار والحشمة خاطب للشيخوخة مستعجل للشيبة ظاهر الحياء متحرك مع السكون بعيد الغور مرهف الجوانب

مع الانكماش مقتصد فى الملبس والآلة متظاهر بالسذاجة بريء من النوك والغفلة يقظ للمعاريض مهتد إلى الملاحن طرف فى الجود حافظ مقيد طلعة إخبارى قائم على تاريخ بلده شرع فى تكميل ما صنف فيه ملازم للتقييد والتطرير منقر عن الإجادات والفوائد استفدت منه فى هذا الغرض وغيره كثيرا حسن الخط ناظم ناثر نثره يشف على نظمه ذاكر للكثير استظهر محفوظات منها النوادر للقالى وناهيك به محفوظا مهجورا ومسلكا غفلا فما ظنك بسواه نشأ ببلده حر الطعمة فاضل الأبوة وقرأ به ثم ولى القضاء بملتماس ثم ببلش وعملها فسيح الخطة مطلق الجراية بعيد المدى فى باب النزاهة ماضيا غير هيوب حتى أربى فى الزمن القريب على المحتنكين وغبر فى وجوه أهل الدربة وجرت أحكامه مستندة إلى الفتيا جارية على المسائل المشهورة ثم نقل منها إلى النظر فى أمور الحل والعقد بمالقة مضافة إليه الخطط النبيهة وصدر له منشور من إملائى إلى أن قال فى ترجمة نظمه قال نظمت سمح الله تعالى لى قطعتين موطئا فيهما على البيتين المشهورين إحداهما
( بنفسى من غزلان حزوى غزالة ... جمال محياها عن النسك زاجر )
( تصيد بلحظ الطرف من رام صيدها ... ولو أنه النسر الذى هو طائر )
( معطرة الأنفاس رائقة الحلى ... هواها بقلبى فى المهامه سائر )
( إذا رمت عنها سلوة قال شافع ... من الحب ميعاد السلو المقابر )
والأخرى
( وقائلة لما رأت شيب لمتى ... لئن ملت عن سلمى فعذرك ظاهر )

( زمان التصابى قد مضى لسبيله ... وهل لك بعد الشيب فى الحب عاذر )
( فقلت لها كلا وإن تلف الفتى ... فما لهواها عند مثلى آخر )
( سيبقى لها فى مضمر القلب والحشا ... سريرة ود يوم تبلى السرائر )
وكتب على مثال النعل الكريم وأهداه لمزمع سفر
( فديتك لا يهدى إليك أجل من ... حديث نبى الله خاتم رسله )
( ومن ذلك الباب المثال الذى أتى ... به الأثر المأثور فى شأن نعله )
( ومن فضله مهما يكن عند حامل ... له نال ما يهواه ساعة حملة )
( ولا سيما إن كان ذا سفر به ... فقد ظفرت يمناه بالأمن كله )
( فدونك منه أيها العلم الرضى ... مثالا كريما لا نظير لمثله )
وقال مراجعا عن أبيات يظهر منها غرضها
( إذا كنت بالقصد الصحيح لنا تهوى ... فسلم لنا فى حكمنا ودع الشكوى )
( ولا تتبع أهواء نفسك والتفت ... لنا حيث كنا فى الرخاء وفى اللأوا )
( وكم من محب فى رضانا وحبنا ... محا كل ما يبدو سوانا له محوا )
( رآنا عيانا عين معنى وجوده ... فعاج عن الشكوى وفوض فى البلوى )
( وقال تحكم كيف شئت بما ترى ... رضيت بما تقضى وهمت بما تهوى )
( فحل لدينا بالخلوص وبالرضى ... محل اختصاص نال منه المنى صفوا )
( فإن كنت ترجو فى الصبابة والهوى ... لحاقا بهم فاسلك طريقهم الأضوا )
( ومت فى سبيل الحب إن كنت مخلصا ... لنا فى الهوى تحيا حياة أولى التقوى )
( هنالك تؤتى ما تريد وتقتضى ... ديونك منا دون مطل ولا دعوى )
( وتشرب من عين اليقين وتغتذى ... بخمر الصفا الصرف الزلال لكى تروى )

وقال
( لا تلجأن لمخلوق من الناس ... من يافث كان أصلا أو من الياس )
( وثق بربك لا تيأس تجد عجبا ... فلا أضر على عبد من الياس )
وقال
( فديتك لا تصحب لئيما ولا تكن ... معينا له إن اللئيم خؤون )
( فلا عهد يرعى لا ولا نعمة يرى ... ولا سر خل عن عداه يصون )
وقال يخاطب أبا القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان
( لك الله قلبى فى هواك رهين ... وروحى عنى إن رحلت ظعين )
( ملكت بحكم الفضل كلى خالصا ... وملكت للحر الصريح يزين )
( فهب لى من نطقى بمقدار ما به ... يترجم سر فى الفؤاد دفين )
( فقد شملتنا من رضاك ملابس ... وسح لدينا من نداك معين )
( أعنت على الدهر الغشوم ولم تزل ... بدنياك فى الأمر المهم تعين )
( وقصر من لم تعلم النفس أنه ... خذول إذا خان الزمان يخون )
( وأنى بحمد الله عنه لفى غنى ... وحسبى صبر عن سواك يصون )
( أبى لى مجد عن كرام ورثته ... وقوفا بباب للكريم يهين )
( ونفس سمت فوق السماكين همه ... وما كل نفس بالهوان تدين )
( ولما رأت عينى محياك أقسمت ... بأنك للفعل الجميل ضمين )
( وعاد لها الأنس الذي كان قد مضى ... برية إذ شرخ الشباب خدين )
( بحيث نشأنا لابسين حلى التقى ... وكل بكل عند ذاك ضنين )
( أما وسنا تلك الليالى وطيبها ... ووجد غرامى والحديث شجون )
( وفتيان صدق كالشموس وكالحيا ... حديثهم ما شئت عنه يكون )
( لئن نزحت تلك الديار فوجدنا ... عليها له بين الضلوع أنين )

( إذا مر حين زاده الشوق جده ... وليس بعاب للربوع حنين )
( وأنى بمسلاها وللبين لذعة ... اقل أذاها للسليم جنون )
( لقد عبثت أيدى الزمان بجمعنا ... وحان افتراق لم نخله يحين )
( وبعد التقينا فى محل تغرب ... وكل الذى دون الفراق يهون )
( فقابلت بالفضل الذى أنت أهله ... وما لك فى حسن الصنيع قرين )
( وغبت وما غابت مكارمك التى ... على شكرها الرب العظيم يعين )
( يمينا لقد أوليتنا منك نعمة ... تلذ بها عند العيان عيون )
( ويقصر عنها الوصف إذ هى كلها ... لها وجه حر بالحياء مصون )
( ولما قدمت الآن زاد سرورنا ... ومقدمك الأسنى بذاك قمين )
( لأنك أنت الروح منا وكلنا ... جسوم فعند البعد كيف نكون )
( ولو كان قدر الحب فيك لقاؤنا ... إليك لكنا باللزوم ندين )
( ولكن قصدنا راحة المجد جهدنا ... فراحته شمل الجميع تصون )
( هنيئا هنيئا أيها العلم الرضى ... بما لك فى طى القلوب كمين )
( لك الحسن والإحسان والعلم والتقى ... فحبك دنيا للمحب ودين )
( وكم لك فى باب الخلافة من يد ... أقرت لها بالصدق منك مرين )
( وقامت عليها للملوك أدلة ... فأنت لديها ما حييت مكين )
( فلا وجه إلا وهو بالبشر مشرق ... ولا نطق إلا عن علاك مبين )
( بقيت لربع الفضل تحمى ذماره ... صحيحا كما قد صح منك يقين )
( ودونك يا قطب المعالى بنية ... من الفكر عن حال المحب تبين )
( أتتك ابن رضوان تمت بودها ... وما لسوى الإغضاء منك ركون )
( فخل انتقاد البحث عن هفواتها ... ومهد لها بالسمح حيث تكون )
( وخذها على علاتها فحديثها ... حديث غريب قد عراه سكون )
وهو بحاله الموصوفة انتهى باختصار

43

- مخاطبات بين لسان الدين وابن الجياب
ولما كتب لسان الدين الى شيخه الرئيس الكاتب أبى الحسن الجياب قصيدة أولها
( أمستخرجا كنز العقيق بآماقى ... أناشدك الرحمن فى الرمق الباقى )
( فقد ضعفت عن حمل صبرى طاقتى ... عليك وضاقت عن زفيري أطواقى ) وهى طويلة أجابه عنها بقوله
( سقانى فأهلا بالمدامة والساقى ... سلافا بها قام السرور على ساق )
( ولا نقل إلا من بدائع حكمه ... ولا كأس إلا من سطور وأوراق )
( فقد أنشأت لى نشوة بعد نشوة ... تمد بروحانية ذات أذواق )
( فمن خطها الفانى متاع لناظرى ... وسمعى وحظ الروح من خطها الباقى )
( أعادت شبابى بعد سبعين حجة ... فأثوابه قد جددت بعد إخلاق )
( وما كنت يوما للمدامة صاحبا ... ولا قبلتها قط نشأة أخلاقى )
( ولا خالطت لحمى ولا مازجت دمى ... كفى شرها مولاى فالفضل للواقى )
( وهذا على عهد الشباب فكيف لى ... بها بعد ماء للشبيبة مهراق )
( تبصر فحكما القهوتين تخالفا ... فكم بين إثبات لعقل وإزهاق )
( وشتان ما بين المدامين فاعتبر ... فكم بين إنجاح لسعى وإخفاق )
( فتلك تهادى بين ظلم وظلمة ... وهذى تهادى بين عدل وإشراق )
( أيا علم الإحسان غير منازع ... شهادة إجماع عليها وإصفاق )

( فضائلك الحسنى على تواترت ... بمنهمر من سحب فكرك غيداق )
( خزائن آداب بعثت بدرها ... إلى ولم تمنن بخشية إنفاق )
( ولا مثل بكر حرة عربية ... زكية أخلاق كريمة أعراق )
( فأقسم ما البيض الحسان تبرجت ... تناجيك سرا بين وحى وإطراق )
( بدور بدت من أفق أطواقها على ... رياض شدت فى قطبها ذات أطواق )
( فناظر منها الأقحوان ثغورها ... وقابل منها نرجس سحر أحداق )
( وناسب منها الورد خدا موردا ... سقاه الشباب النضر بورك من ساق )
( وألسبن من صنعاء وشيا منمنما ... وحلين من در نفائس أعلاق )
( بأحلى لأفواه وأبهى لأعين ... وأحيى لألباب وأشهى لعشاق )
( رايت بها شهب السماء تنزلت ... إلى تحيينى تحية مشتاق )
( ألا إن هذا السحر لآسحر بابل ... فقد سحرت قلبى المعنى فمن راق )
( لقد أعجزت شكرى فضائل ماجد ... أبر بأحباب وأوفى بميثاق )
( تقاضى ديوان الشعر منى منبها ... رويدك لا تعجل على بإرهاق )
( فلو نشر الصادان من ملحديهما ... لإنصاف هذا الدين لاذا بإملاق )
( فخذ بزمام الرفق شيخا تقاصرت ... خطاه وعاهده بمعهود إشفاق )
( فلا زلت تحيي للمكارم رسمها ... وقدرك فى أهل العلا والنهى راقى )
قال وكتبت إليه فى غرض العتاب قصيدة أولها
( أدرنا وضوء الأفق قد صدع الفضا ... مدامة عتب بيننا نقلها الرضى )
( فلله عينا من رآنا وللحيا ... حبى بآفاق البشاشة أومضا )

( نفر إلى عدل الزمان الذى أتى ... ونبرأ من جور الزمان الذى مضى )
( ونأسو كلوم اللفظ باللفظ عاجلا ... كذا قدح الصهباء داوى وأمرضا )
فراجعنى عنها بهذه القصيدة
( ألا حبذا ذاك العتاب الذى مضى ... وإن جره واش بزور تمضمضا )
( أغارت له خيل فما ذعرت حمى ... ولكنها كانت طلائع للرضى )
( تألق منه بارق صاب مزنه ... على معهد الحب الصميم فروضا )
( تلألأ نورا للصداقة حافظا ... وإن ظن سيفا للقطيعة منتضى )
( فإن سود الشيطان منه صحيفة ... أتى ملك الرحمى عليها فبيضا )
( وما كان حب أحكم الصدق عهده ... ليرمى بوسواس الوشاة فيرفضا )
( أعيذ ودادا زاكى القصد وافيا ... تخلص من أدرانه فتمحضا )
( ونية صدق فى رضى الله أخلصت ... سناها بآفاق البسيطة قد أضا )
( من الآفك الساعى ليخفى نورها ... أيخفى شعاع الشمس قد ملأ الفضا )
( وكيف يحل المبطلون بإفكهم ... معاقد حب أحكمتها يد القضا )
( تعرض يبغى هدمها فكأنه ... لتشييد مبناها الوثيق تعرضا )
( وحرض فى تنفيره فكأنما ... على البر والتسكين والحب حرضا )
( وأوقد نارا فهو يصلى جحيمها ... يقلب منها القلب فى موقد الغضا )
( أيا واحدي المعدود بالألف وحده ... ويا ولدى البر الزكى إن ارتضى )
( بعثت من الدر النفيس قلائدا ... على ما ارتضى حكم المحبة واقتضى )
( نتيجة آداب وطبع مهذب ... أطال مداه فى البيان وأعرضا )
( ولا مثل بكر باكرتنى آنفا ... كزورة خل بعدما كان أعرضا )
( هى الروضة الغناء أينع زهرها ... تناظر حسنا مذهبا ومفضضا )
( أو الغادة الحسناء راقت فينقضى ... مدى العمر فى وصفى لها وهو ما انقضى )
( تطابق منها شعرها وجبينها ... فذا الليل مسودا وذا الصبح أبيضا )

( أو الشهب منها زينة وهداية ... ورجم لشيطان إذا هو قيضا )
( أتت ببديع الشعر طورا مصرحا ... بآياتك الحسنى وطورا معرضا )
( ومهدت الأعذار دون جناية ... ولو أنك الجانى لكنت المغمضا )
( لك الله من بر وفى وصاحب ... محضت له صدق الضمير فامحضا )
( لسانك فى شكوى مفيض تفضلا ... فيا حسن ما أهدى وأسدى وأقرضا )
( وقلبك فاضت فيه أنوار خلتى ... فالقى يدي تسليمه لى مفوضا )
( وقصدك مشكور وعهدك ثابت ... وفضلك منشور وفعلك مرتضى )
( فهل مع هذا ريبة فى مودة ... بحال وإن رابت فما أنا معرضا )
( فثق بولائى إننى لك مخلص ... هوى ثابتا يبقى فليس له انقضا )
( عليك سلام الله ما هبت الصبا ... وما بارق جنح الدجنة اومضا )
وقال لسان الدين من غريب ما خاطبنى به قوله
( أقسم بالقيسين والنابغتين ... وشاعري طيىء المولدين )
( وبابن حجر وزهير وابنه ... والأعشيين بعد ثم الأعميين )
( ثم بعشاق الثريا والرقيات ... وعزة ومى وبثين )
( وبأبى الشيص ودعبل ومن ... كشاعرى خزاعة المخضرمين )
( وولد المعتز والرضى ... والسري ثم حسن وابن الحسين )
( واختم بقس وبسحبان وإن ... اوجب حق أن يكونا أولين )
( وحلبتى نثرهم ونظمهم ... فى مشرقى أقطارهم والمغربين )
( إن الخطيب ابن الخطيب سابق ... بنثره ونظمه للحلبتين )
( راقتنىالصحيفة الحسنا التى ... شاهدت فيها المكرمات رأى عين )
( تجمع من براعة المعنى إلى ... براعة الألفاظ كلتا الحسنيين )

( أشهد أنك الذى سبقت فى ... طريقى الآداب أقصى الأمدين )
( شعر حوى جزالة ورقة ... تصاغ منه حلة للشعريين )
( رسائل أزهارها منثورة ... سرور قلب ومتاع ناظرين )
( يا أحوذيا يا نسيج وحده ... شهادة تنزهت عن قول مين )
( بقيت فى مواهب الله التى ... تقر عينيك تملأ اليدين )
انتهى
44

- من سعيد الغرناطى إلى لسان الدين
وحكى لسان الدين ان سعيد بن محمد الغرناطى الغسانى استعار منه كتابا فأرسله إليه وعلى ظهره هذه الأبيات
( هذا كتاب كله معجم ... أفحمنى معناه إفحاما )
( أعجمه منشئه أولا ... وزاده الناسخ إعجاما )
( أسقط من إجماله جملة ... وزاد فى التفصيل أقساما )
( وغير الألفاظ عن وضعها ... وصير الايجاد إعداما )
( فليس فى إصلاحه حيلة ... ترجى ولو قوبل أعواما )
ولم أقف على جواب لسان الدين له عنها والله تعالى أعلم
وولد سعيد المذكور سنة 699
45
- مخاطبات بين ابن البناء ولسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين لما تقلد الكتابة العليا قول ابى الحسن على بن محمد بن على بن البناء الوادي آشى رحمه الله تعالى
( هو العلاء جرى باليمن طائره ... فكان منك على الآمال ناصره )

( ولو جرى بك ممتدا الى امد ... لأعجز الشمس ما آبت عساكره )
( لقد حباه منيع العز خالقه ... بفاضل منك لا تحصى مآثره )
( فليزه فخرا فما خلق يعارضه ... ولا علاء مدى الدنيا يفاخره )
( لله اوصافك الحسنى لقد عجزت ... من كل ذى لسن عنها خواطره )
( هيهات ليس عجيبا عجز ذى لسن ... عن وصف بحر رمى بالدر زاخره )
( هل أنت إلا الخطيب ابن الخطيب ومن ... زانت حلى الدين والدنيا مفاخره )
( فان يقصر عن الأوصاف ذو أدب ... فما بدا منك فى التقصير عاذره )
( يا ابن الكرام الألى ما شب طفلهم ... إلا وللمجد قد شدت مآزره )
( مهلا عليك فما العلياء قافية ... ولا العلاء بسجع أنت ناثره )
( ولا المكارم طرسا أنت راقمه ... ولا المناقب طبا أنت ماهره )
( ماذا على سابق يسرى إلى سنن ... ان كان من رفقه خل يسايره )
( سر حيث شئت من العلياء متئدا ... فما أمامك سباق تحاذره )
( أنت الإمام لأهل الفخر ان فخروا ... أنت الجواد الذى عزت أوافره )
( ما بعد ما حزته من عزة وعلا ... شأو يطارد فيه المجد كابره )
( نادت بك الدولة النصرى محتدها ... نداء مستنجد أزرا يوازره )
( حليتها برداء البر مرتديا ... وصبح يمنك فجر السعد سافره )
( فالملك يرفل فى أبراده مرحا ... قد عمت الأرض إشراقا بشائره )
( فاهنأ بها نعمة ما إن يقوم لها ... من اللسان ببعض الحق شاكره )
( وليهنها أنها القت مقالدها ... إلى زكى زكت منه عناصره )
( فإنه بدر تم فى مطالعها ... قد طبق الأرض بالأنوار نائره )
وقال لسان الدين وأهدى الى قباقب خشب جوز وكتب معها
( هاكها ضمرا مطايا حسانا ... نشأت فى الرياض قضبا لدانا )
( وثوت بين روضة وغدير ... مرضعات من النمير لبانا )

( لابسات من الظلال برودا ... دونها القضب رقة وليانا )
( ثم لما أراد إكرامها الله ... وسنى لها المنى والأمانا )
( قصدت بابك العلى ابتدارا ... ورجت فى قبولك الإحسانا )
قال فأجبته
( قد قبلنا جيادك الدهم لما ... أن بلونا منها العتاق الحسانا )
( أقبلت خلف كل حجر تبيع ... خلعت وصفها عليه عيانا )
( فعنينا برعيها وفسحنا ... فى ربوع العلا لها ميدانا )
( وأردنا امتطاءها فاتخذنا ... من شراك الأديم فيها عنانا )
( قدمت قبلها كتيبة سحر ... من كتاب سبت به الأذهانا )
( مثلما تجنب الجيوش المذاكى ... عدة للقاء مهما كانا )
( لم يرق مقلتى ولا راق قلبى ... كعلاها براعة وبيانا )
( من يكن مهديا فمثلك يهدى ... لم أجد للثنا عليك لسانا )
وقال لسان الدين ومن أبدع ما هز به الى إقامة سوقه ورعى حقوقه قوله
( يا معدن الفضل موروثا ومكتسبا ... وكل مجد إلى عليائه انتسبا )
( بباب مجدكم الأسمى أخو أدب ... مستصرخ بكم يستنجد الأدبا )
( ذل الزمان له طورا فبلغه ... من بعض آماله فوق الذى طلبا )
( والآن أركبه من كل نائبه ... صعب الأعنة لا يألو به نصبا )
( فحملته دواعى حبكم وكفى ... بذاك شافع صدق يبلغ الأربا )
( فهل سرى نسمة من جاهكم فبها ... خليفة الله فينا يمطر الذهبا )

ترجمة ابن البناء
وقال لسان الدين فى الإكليل فى حق المذكور ما صورته فاضل يروقك وقارة وصقر بعد مطاره قدم من بلده يروم اللحاق بكتاب الإنشاء وتوسل بنظم أنيق ونسيب فى نسب الإجادة عريق تعرب براعته عن لسان ذليق وطبع طليق وذكاء بالأثرة خليق وبينما هو يلحم فى ذلك الغرض ويسدي ويعيد ويبدي وقد كادت وسائله ان تنجح وليل رجائه أن يصبح اغتاله الحمام وخانته الأيام والبقاء لله تعالى والدوام توفى بالطاعون فى عام واحد وخمسين وسبعمائة وسنة دون الثلاثين رحمه الله تعالى انتهى
46
- رسالة من لسان الدين الى سلطان تونس
ولما خوطب لسان الدين من سلطان تونس بما لم يحضرنى الآن أجاب عنه بما نصه المقام الإمامى الإبراهيمي المولوي المستنصري الحفصى الذى كرم فرعا وأصلا وشرف جنسا وفصلا وتملى فى ظل رعاية المجد من لدن المهد كرما وخصلا وصرفت متجردة الأقلام الى مثابة خلافته المنصورة الأعلام وجوه عبارة الكلام فاتخذ من مقام إبراهيم مصلى مقام مولانا أمير المؤمنين الخليفة الإمام أبى إسحاق ابن مولانا ابى يحيى أبى بكر ابن الخلفاء الراشدين أبقاه الله تعالى تهوى إليه الأفئدة كلما انتشت بذكره وتتنافس الألسنة فى إحراز غاية حمده وشكره وتتكفل الأقدار بإنفاذ نهيه وأمره وتغرى عوامل عوامله بحذف زيد عدوه وعمره ويتبرع أسمر الليل وأبيض النهار بإعمال بيضه وسمره ولا زال حسامه الماضى يغنى يومه فى النصر عن شهره والروض يحييه بمباسم زهره ويرفع إليه رقع الحمد ببنان قضبه الناشئة من معصم نهره وولى الدنيا والآخرة يمتعنا بهما بعد الإعانة على مهره يقبل بساطه المعود الاستلام بصفحات الخدود الرافع

عماده ظل العدل الممدود عبد مقامه المحمود ووارد غمر إنعامه غير المنزور ولا المثمود المثنى على نعمه العميمة ومنحه الجسيمة ثناء الروض المجود على العهود ابن الخطيب من باب المولى الموجب حقه المتأكد الفروض الثابت العهود المعتد منه بالود الجامع الرسوم والحدود والفضل المتوارث عن الآباء والجدود يسلم على مثابتها سلام متلو على مثلها ان وجد المثل فى الثانى ويعوذ كمالها بالسبع المثانى ويدعو الله تعالى لسلطانها بتشييد المبانى وتيسير الأمانى وينهى الى علوم تلك الخلافة الفاروقية المقدسة بمناسب التوحيد المستولية من مدارك الآمال على الأمد البعيد أن مخاطبتها المولوية تاهت على الملوك فارعة العلا مزعفرة الحلل والحلى ذهبية المجلى تفيد العز المكين والدنيا والدين وترعى فى الآباء والبنين على مر السنين ( صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) البقرة وقد حملت من مدحها الكريم ما أخفى للمملوك من قرة عين وردة زين جبين الشرف الوضاح ومستوجب الحق على مثله من الخلق بالنسب الصراح والغرر والأوضاح والأرج الفواح فاقتنى دره النفيس ووجد المروع فى جانب الخلافة التنفيس وقراه لما قراه التعظيم والتقديس وقال ( يا أيها الملأ إنى ألقى إلى كتاب كريم ) النمل وإن لم يكن بلقيس أعلى الله تعالى تلك اليد مطوقة الأيادي ومخجلة الغمائم والغوادى وأبقاها عامرة النوادى غالبة الأعادى وجعل سيفها السفاح ورأيها الرشيد وعلمها الهادى ووصل ما ألطف به رعيها من أشتات بر بلغت وموارد فضل سوغت أمدتها سعادة المولى بمدد لم يضر معه البحر الهائل ولا العدو الغائل وأقام أودها عند الشدائد الفلك المائل لا بل الملك الذى له إلى الله الوسائل وحسب الجفن رسالتكم الكريمة لحظا فصان وأكرم وعوذة فتعوذ بها وتحرم وتولى المملوك تنفيق عروضها

بانشراح صدره وعلى قدره فوقعت الموقع الذى لم يقعه سواها فأما الخيل فأكرم مثواها وجعلت جنان الصون مأواها ولو كسيت الربيع المزهر حللا وأوردت فى نهر المجرة علا ونهلا وقلدت النجوم العواتم صحلا ومسحت أعطافها بمنديل النسيم وألحفت بأردية الصباح الوسيم وأفترشت لمرابطها الحشايا وأقضمت حبات القلوب بالعشايا لكان بعض ما يجب لحقها الذى لا يجحد فضله ولا يحتجب وما عداها من الرقيق والفتيان رعاه ذلك الفريق تكفله الاستحسان وأطنب الاعتقاد وان قصر اللسان تولى الله تعالى تلك الخلافة بالشكر الذى يحسب العطاء والحفظ الذى يسبل الغطاء والصنع الذى ييسر من مطا الأمل الامتطاء وأما ما يختص بالمملوك فقد خصه بقبوله تبركا بتلك المقاصد التى سددها الدين وعددها الفضل المبين وأنشد الخلافة التى راق من مجدها الجبين
( قلدتنى بفرائد أخرجتها ... من بحر جودك وهو ملتطم الثبج )
( ورعيت نسبتها فإن سبيكة ... مما يلائم لونها قطع السبج )
والمملوك بهذا الباب النصرى أعزه الله تعالى على قدم خدمة وقائم بشكر منه لكم ونعمة وحاضر فى جملة الأولياء بدعائه وحبه ومتوسل فى دوام بقاء أيامكم ونصر أعلامكم إلى ربه وان بعد بجسمه فلم يبعد بقلبه والسلام الكريم الطيب البر العميم يخصها دائما متصلا وC تعالى وبركاته انتهى
47

- مخاطبة من ابن البربري المالقى إلى لسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين قول أبى الحسن على بن يحيى الفزارى المالقى

المعروف بابن البربرى وكان ممن يمدح الملوك والكبراء
( لبابك أم الآملون ويمموا ... وفى ساحتى رحماك حطوا وخيموا )
( ومن راحتى كفيك جدواك تنهمى ... فتروى عطاش من نداك وتنعم )
( وأنت لما راموه كعبه حجهم ... إذا شاهدوا مرآك لبوا وأحرموا )
( يطوفون سبعا حول بابك عندما ... يلوح لهم ذاك المقام المعظم )
( فيمناك يمن للرعايا ومنه ... ويسراك يسر للعفاة ومغنم )
( ولقياك بشر للنفوس وجنة ... ترن بها ورق المنى وترنم )
( فيا واحد الأزمان علما ومنصبا ... ويا من به الدنيا تروق وتبسم )
( ومن وجهه كالبدر يشرق نوره ... ومن جوده كالغيث بل هو أكرم )
( ومن ذكره كالمسك فض ختامه ... وكالشمس نورا بشره المتوسم )
( لقد حزت فضل السبق غير منازع ... فأنت على أهل السباق مقدم )
( حويت من العلياء كل كريمة ... بها الروض يندى والربى تتبسم )
( وباهيت أقلام الأنام براعة ... فلا قلم إلا يراعك يخدم )
( إذا فاخر الأمجاد يوما فإنما ... لمجدك فى حال الفخار يسلم )
( وإن سكتوا كنت البليغ لديهم ... تعبر عن سر العلا وتترجم )
ومنها
( فيا صاحبى نجواي عوجا برامة ... على ربعه حيث الندى والتكرم )
( وقولا له عبد ببابك يرتجى ... قضاء لبانات لديك تتمم )
( فليس له إلا علاك وسيلة ... ولا شىء أسمىمن علاك وأعظم )
( فجد بالذى يرجوه منك فما له ... كعقد ثمين من ثنائك ينظم )
( بقيت ونجم السعد عندك طالع ... يضىء له بدر وتشرق أنجم )
توفى المذكور بالطاعون عام خمسين وسبعمائة انتهى

48

- مخاطبة من الحرالى الى لسان الدين
ومما خوطب به قول أبى القاسم قاسم بن محمد الحرالى المالقى القاضى بانتقيرة قبل وفاته
( عليك قصرت المدح يا خير ماجد ... وأفضل موصوف بكل المحامد )
( ويا كهف ملهوف وملجأ خائف ... ومورد جود قد كفى كل وارد )
( لقد شهرت بالمجد منك شمائل ... محاسنها أزكى وأعدل شاهد )
( وكل الذى يبدو من الفضل بعض ما ... حبيت به أعظم بها من محامد )
( إذا أملت منك المكارم ألفيت ... تنادي هلموا فزتم بالمساعد )
( عطاؤكم جزل فمن أمل الغنى ... فمثلكم يبغى فيا سعد قاصد )
( وراثة مجد كابرا بعد كابر ... وأصل زكى الفرع عذب الموارد )
ترجمة أبى القاسم الحوالى
وتوفى المذكور بالطاعون عام خمسين وسبعمائة وفى حقه يقول فى الإكليل مشمر فى الطلب عن ساق مثابر على اللحاق بدرجات الحذاق منتحل للعربية جاد فى إحصاء خلافها ومعاطاه سلافها وربما شرست فى المذاكرة أخلاقه إذا بهرجت أعلاقه ونوزع تمسكه بالحجة واعتلاقه
وقال لسان الدين فى ترجمة شعر المذكور إنه ضعيف مهزول انتهى
49
- رسالة من المنتشاقري الى لسان الدين
ومما خوطب به قول أبى الحجاج يوسف بن موسى الجذامى المنتشاقري من أهل رندة ونصه
( حباك فؤادى نيل بشرى وأحياكا ... وحيد بآداب نفائس حياكا )

( بدائع أبداها بديع زمانه ... فطاب بها يا عاطر الروض رياكا )
( أمهديها أودعت قلبى علاقة ... وإن لم يزل مغرى قديما بعلياكا )
( إذا ما أشار العصر نحو فريده ... فإياك يعنى بالإشارة إياكا )
( لاتحفنى لقياك أسنى مؤملى ... وهل تحفة فى الدهر إلا بلقياكا )
( وأعقبت إتحافى فرائدك التى ... وجوب ثناها يا لسانى أعياكا )
ووصل هذا النظم بنثر صورته خصصتنى أيها المخصوص بمآثر أعيا عدها وحصرها ومكارم طيب أرواح الأزاهر عطرها وسارت الركبان بثنائها وشملت الخواطر محبة علائها بفرائدك الأنيقة وفوائدك المزرية جمالا على أزهار الحديقة ومعارفك التى زكت حقا وحقيقة وهدت الضال عن سبيل الأدب مهيعه وطريقة وسبق تحفتك أعلى التحف عندى وهو مأمول لقائك والتمتع بالتماح سناك الباهر وسنائك على حين امتدت لذلكم اللقاء أشواقى وعظم من فوت استنارتى بنور محياك إشفاقى وتردد لهجى بما يبلغنى من معاليك ومعانيك وما شاده فكرك الوقاد من مبانيك وما أهلت به بلاغتك من دراسه وما أضفيت على الزمان من رائق ملابسه وما جمعت من أشتاته وأحييت من امواته وأيقظت من سناته وما جاد به الزمان من حسناته فلترداد هذه المحاسن من أنبائك وتصرف الألسنة بثنائك علقت النفس من هواها بأشد علاقة وجنحت إلى لقائك جنوح والهة مشتاقة والحوادث الجارية تصرفها والعوائق الحادثة كلما عطفت أملها إليه لا تتحفها به ولا تعطفها إلى إن ساعد الوقت وأسعد البخت بلقائكم فى هذه السفرة الجهادية وجاد إسعاف الإسعاد من أمنيتى بأسنى هدية فلقيتكم لقيا خجل ولمحت أنواركم لمحة على وجل ومحبتى فى محاسنكم الرائقة ومعاليكم الفائقة على

ما يعلمه ربنا عز و جل وتذكرت عند لقائكم المأمول إنشاء قائل يقول
( كانت مساءلة الركبان تخبر عن ... محمد بن الخطيب أطيب الخبر )
( حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذنى بأحسن مما قد رأى بصرى )
قسم لعمرى أقوله وأعتقده واعتده واعمده فلقد بهرت منك المحاسن وفقت من يحاسن وقصر عن شأوك كل بليغ لسن وسبقت فطنتك النارية النورية بلاغة كل فطن وشهد لك الزمان أنك وحيده ورئيس عصبته الأدبية وفريدة فبورك لك فيما انلت من الفضائل وأوتيت من آيات المعارف التى بها نور الغزالة ضائل ولا زلت ترقى فى مراتب المعالى موقى صروف الأيام والليالى انتهى
50

- رسالة لسان الدين
الى المنتشاقرى
وهذا الخطاب جواب من المذكور لكلام خاطبه به لسان الدين نصه
( حمدت على فرط المشقة رحله ... أتاحت لعينى اجتلاء محياكا )
( وقد كنت بالتذكار فى البعد قانعا ... وبالريح إن هبت بعاطر رياكا )
( فحلت لى النعمى بما أنعمت به ... على فحياها الإله وحياكا )
أيها الصدر الذى بمخاطبته يباهى ويتشرف والعلم الذى بالإضافة إليه يتعرف والروض الذى لم يزل على البعد بأزهاره الغضة يتحف دمت تتزاحم على موارد ثنائك الألسن ويروى الرواة من أنبائك ما يصح ويحسن طالما مالت إليك النفوس منا وجنحت وزجرت الطائر الميمون من رقاعك كلما سنحت فالآن اتضح البيان وصدق الأثر العيان ولقد كنا للمقام بهذه الرحال نرتمض ويجن الظلام فلا نغتمض هذا يقلقه إصفار كيسه وهذا يتوجع لبعد أنيسه وهذا تروعه الأهوال وتضجره بتقلباتها الأحوال

فمن أنه لا تنفع وشكوى إلى الله تعالى ترفع فلما ورد بقدومك البشير وأشار إلى ثنية طلوعك المشير تشوفت النفوس الصدئة إلى جلائها وصقالها والعقول إلى حل عقالها والأنفس المفحمة إلى فصل مقالها ثم إن الدهر راجع التفاته واستدرك ما فاته فلم يسمح من لقائك إلا بلمحة ولا بعث من نسيم روضك بغير نفحة فما زاد إن هيج الأشواق فالتهبت وشن غاراتها على الجوانح فانتهبت واعل القلوب وأمرضها ورمى ثغرة الصبر فأصاب غرضها فإن رأيت إن تنفس عن نفس شد الشوق مخنقها وكدر مشارب انسها وأذهب رونقها وتتحف من آدابك بدرر تقتنى وروضة طيبة الجنى فليست ببدع فى شيمك ولا شاذة فى باب كرمك ولولا شاغل لا يبرح وعوائق أكثرها لا يشرح لنافست هذه السحاءة فى القدوم عليك والمثول بين يديك فتشوقى إلى اجتلاء أنوارك شديد وتشيعى إلى ابلاء الزمان جديد انتهى

ترجمة ابى الحجاج المنتشاقري
ووصف لسان الدين فى التاج المحلى أبا الحجاج المذكور بما صورته حسنة الدهر الكثير العيوب وتوبة الزمان الجم الذنوب ما شئت من أدب يتألق وفضل تتعطر به النسمات وتتخلق ونفس كريمة الشمائل والضرائب وقريحة يقذف بحرها بدرر الغرائب إلى خشية لله تعالى تحول بين القلوب وقرارها وتثنى النفوس عن اغترارها ولسان يبوح بأشواقه وجفن يسخو بدرر أماقه وحرص على لقاء كل ذى علم وأدب ومن يمت إلى أهل الديانة والعبادة بسبب سبق بقطره الحلبة وفرع من الأدب الهضبة ورفع الراية

وبلغ فى الإحسان الغاية فطارت قصائده كل المطار وتغنى بها راكب الفلك وحادى القطار وتقلد خطه القضاء ببلده وانتهت إليه رياسة الأحكام بين أهله وولده فوضحت المذاهب بفضل مذهبه وحسن مقصده وله شيمة فى الوفاء تعلم منها الآس ومؤانسة عذبه لا تستطيعها الأكواس وقد أثبت من كلامه ما تتحلى به مراتب المهارق ويجعل طيبه فوق المفارق وكنت أتشوق إلى لقائه فلقيته بالمحلة من جبل الفتح لقيا لم تبل صدى ولا شفت كمدا وتعذر بعد ذلك لقاؤه فخاطبته بهذه الرقعة
( حمدت على فرط المشقة رحله ... )
فذكر لسان الدين ما قدمنا إلى آخره
وقد أورد جملة من مطولاته وغيرها ومؤلفاته ولنلخص بعض ذلك فنقول
ومن شعر أبى الحجاج المذكور يمدح الجهة الكريمة النبوية مصدرا بالنسب لبسط الخواطر النفسانية قوله
( لما تناهى الصب فى تشويقه ... درر الدموع اعتاضها بعقيقه )
( متلهف وفؤاده متلهب ... كيف البقا بعد احتدام حريقه )
( متموج بحر الدموع بخده ... أنى خلاص يرتجى لغريقه )
( متجرع صاب النوى من هاجر ... ما ان يحن للاعجاب مشوقه )
( يسبى الخواطر حسنه ببديعه ... يصبى النفوس جماله بأنيقه )
( قيد النواظر إذ يلوح لرامق ... لا تنثنى الأحداق عن تحديقه )
( للبدر لمحته كبشر ضيائه ... للمسك نفحته كنشر فتيقه )
( سكرت خواطر لا محيه كأنهم ... شربوا من الصهباء كأس رحيقه )
( عطشوا لثغر لا سبيل لريقه ... إلا كلمحهم للمع بريقه )

( ما ضر مولى عاشقوه عبيده ... لو رق اشفاقا لحال رقيقه )
( عنه اصطبارى ما أنا بمطيعه ... مثل السلو ولا أنا بمطيقه )
( سجع الحمام بشوق ترجيع الهوى ... فأثار شجو مشوقه بمشوقه )
( وبكت هديلا راعها تفريقه ... ويحق إن يبكى أخو تفريقه )
( وبكاء أمثالى أحق لأننى ... لم اقض للمولى أكيد حقوقه )
( وغفلت فى زمن الشباب المنقضى ... أقبح بنسخ بروره بعقوقه )
( وبدا المشيب وفيه زجر ذوى النهى ... لو كنت مزدجرا لشيم بروقه )
( حسبى ندامة آسف مما جنى ... يصل النشيج لوزره بشهيقه )
( ويروم ما خرم الهوى زمن الصبا ... ويروم من مولاه رتق فتوقه )
( ويردد الشكوى لديه تذللا ... عل الرضى يحييه درك لحوقه )
( فيصح من سكر التصابى سكره ... نسخا لحكم صبوحه وغبوقه )
( لو كنت يممت التقى وصحبته ... وسلكت إيثار سواء طريقه )
( لأفدت منه فوائدا وفرائدا ... عرضت تسام لرابح فى سوقه )
( لله ارباب القلوب فانهم ... من حزب من نال الرضى وفريقه )
( قاموا وقد نام الأنام فنورهم ... هتك الدجى بضيائه وشروقه )
( وتأنسوا بحبيبهم فلهم به ... بشر لصدق الفضل فى تحقيقه )
( قصرت عنهم عندما سبقوا المدى ... ولسابق فضل على مسبوقه )
( لولا رجاء تلمح من نورهم ... يحيي الفؤاد بسيره وطروقه )
( وتأرج يستاف من أرواحهم ... سبب انتعاش الروح طيب خلوقه )
( لفنيت من جرا جرائرى التى ... من خوفها قلبى حليف خفوقه )
( ومعى رجاء توسل أعددته ... ذخرا لصدمات الزمان وضيقه )
( حبى ومدحى أحمد الهادى الذى ... فوز الأنام يصح فى تصديقه )
( أسمى الورى فى منصب وبمنسب ... من هاشم زاكى النجار عريقه )
( الحق أظهره عقيب خفائه ... والدين نظمه لدى تفريقه )

( ونفى هداه ضلالة من جائر ... مستوثق بيغوثه ويعوقه )
( سبحان مرسله الينا رحمة ... يهدى ويهدى الفضل من توفيقه )
( والمعجزات بدت بصدق رسوله ... وحقيقه بالمأثرات خليقه )
( كالظبى فى تكليمه والجذع فى ... تحنينه والبدر فى تشقيقه )
( والنار إذ خمدت بنور ولادة ... وأجاج ماء قد حلا من ريقه )
( والزاد قل فزاد من بركاته ... فكفى الجيوش بتمره وسويقه )
( ونبوع ماء الكف من آياته ... وسلام أحجار غدت بطريقة )
( والنخل لما إن دعاه مشى له ... ذا سرعة بعذوقه وعروقه )
( والآرض عاينها وقد زويت له ... فقريب ما فيها رأى كسحيقه )
( وكذا ذراع الشاة قد نطقت له ... نطق اللسان فصيحة وذليقة )
( ورمى عداه بكف حصبا فانثنت ... هربا كمذعور الجنان فروقه )
( وعليه آيات الكتاب تنزلت ... تتلى بعلو جلاله وبسوقه )
( وأذيق من كأس المحبة صرفها ... سبحان ساقيه بها ومذيقه )
( حاز السناء وناله بعروجه ... جاز السماء طباقها بخروقه )
( ولكم له من آية من ربه ... وعناية ورعاية بحقوقه )
( يا خيرة الأرسال عند إلهه ... يا محرز العليا على مخلوقه )
( علقت آمالى بجاهك عدة ... والقصد ليس يخيب فىتعليقه )
( وعلقت من حبل اعتمادى عمدة ... لتمسكى بقويه ووثيقه )
( ولئن غدوت أخيذ ذنبى إننى ... أرجو بقصدك أن أرى كطليقه )
( وكساد سوقى مذ لجأت لبابكم ... يقضى حصول نفوذه ونفوقه )
( ويحن قلبى وهو فى تغريبه ... لمزاره لرباك فى تشريقه )
( وتزيد لوعته متى حث السرى ... حاد حدا بجماله وبنوقه )
( وأرى قشيب العمر أمسى باليا ... ومرور دهرى جد فى تمزيقه )

( وأخاف أن أقضى ولم أقض المنى ... بنفوذ سهم منيتى ومروقه )
( فمتى أحط على اللوى رحلى وقد ... بلغت ركابى للحمى وعقيقه )
( وأمرغ الخدين فى ترب غدا ... كالمسك فى أرج شذا منشوقه )
( وأعيد إنشائى وإنشادى الثنا ... ببديع نظم قريحتى ورقيقه )
( حتى أميل العاشقين تطربا ... كالغصن مر صبا على ممشوقه )
( وتحية التسليم أبلغ شافع ... وثنا المديح حديثه وعتيقه )
( ولذى الفخار وذى الحلى ووزيره ... صديقه وأخى الهدى فاروقه )
( منى السلام عليهم كالزهر فى ... تأليفها والزهر فى تأنيقه )
وقال
( هواكم بقلبى ما لمحكمه نسخ ... ومن أجله جفنى بمدمعه يسخو )
( ومن نشأتى ما ان صحت منه نشوتى ... سواء به عصر المشيب أو الشرخ )
( عليه حياتى مذ تمادت وميتتى ... وبعثى إذا بالصور يتفق النفخ )
( ولى خلد أضحى قنيص غرامه ... ولا شرك يدنى إليه ولا فخ )
( قتلت سلوى حين أحييت لوعتى ... وما اجتيح بالإقرار فى حالتى لطخ )
( وأغدو الى سعدى بكرخ علاقتى ... وقصدى ليس سعدى ولا الكرخ )
( وناصح كتمى إذ زكت بيناته ... يجول عليه من دموع الأسى نضخ )
( وأرجو بتحقيقى هواكم بان أفى ... فعهد ولا نقض وعقد ولا فسخ )
( وما الحب إلا ما استقل ثبوته ... لمبناه رص فى الجوانح أو رسخ )

( إذا مسلك لم يستقم بطريقة ... سلكت اعتدالا مثلما يسلك الرخ )
( بدا لضميرى من سناكم تلمح ... فبخ لعقل لم يطر عندها بخ )
( على عود ذاك اللمح ما زلت نادبا ... كما تندب الورقاء فارقها الفرخ )
( يدي باياديكم وقلبىشاغل ... فمن فكرتى نسج ومن أنملى نسخ )
وقال
( إليك تحن النجب والنجباء ... فهم وهى فى أشواقهم شركاء )
( تخب بركاب تحب وصولها ... لأرض بها باد سنا وسناء )
( فأنفاسها ما إن تني صعداؤها ... وأنفسهم من فوقها سعداء )
( هم عالجوا إذ عجل السير داءهم ... وأشباه مثلى مدنفون بطاء )
( فعدت ودونى للحبيب ترحلوا ... وما قاعد والراحلون سواء )
( له وعليه حب قلبى وأدمعى ... وقد صح لى حب وسح بكاء )
( بطيبة هل أرضى وتبدو سماؤها ... وإن تك أرضا فالحبيب سماء )
( شذا نفحها واللمح منها كأنه ... ذكاء عبير والضياء ذكاء )
( فيا حاديا غنى وللركب حاديا ... عنانى بعد البعد عنك عناء )
( بسلع فسل عما أقاسى من الهوى ... وسل بقباء إذ يلوح قباء )
( وفى عالج منى بقلبى لاعج ... فهل لى علاج عنده وشفاء )
( وللرقمتين أرقم الشوق لادغ ... ودرياقه أن لو يباح لقاء )
( أماكن تمكين وأرض بها الرضى ... وأرجاء فيها للمشوق رجاء )
وقال
( أدب الفتى فى أن يرى متيقظا ... لأوامر من ربه ونواه )
( فإذا تمسك بالهوى يهوى به ... والحبل منه لمن تيقن واه )

وقال
( يا من بدنياه ظل فى لجج ... حقق بأن النجاة فى الشاطى )
( تطمع فى إرثك الفلاح وقد ... أضعت ما قبله من اشراط )
( كن حذرا فى الذى طمعت به ... من حجب نقص وحجب إسقاط )
وقال
( ترى شعروا أنى غبطت نسيمة ... ذكت بتلاقى الروض غب الغمائم )
( كما قابلت زهر الرياض وقبلت ... ثغور أقاحيه بلا لوم لائم ) وقال
( ورد المشيب مبيضا بوروده ... ما كان من شعر الشبيبة حالكا )
( يا ليته لو كان بيض بالتقى ... ما سودته مآثم من حالكا )
( إن المشيب غدا رداء للردى ... فإذا علاك أجد فى ترحالكا ) وقال
( لوعة الحب فى فؤادى تعاصت ... أن تداوى ولو أتى ألف راق )
( كيف يبرا من علة وعليها ... زائد علة النوى والفراق )
( فانسكاب الدموع جار فجار ... والتهاب الضلوع راق فراق )
ومن غرائب الاتفاق أنه قال كنت جالسا بين يدى الخطيب أبى القاسم التاكرونى صبيحة يوم بمسجد مالقة فقال لنا فى أثناء حديثه رأيت البارحة فى عالم النوم كأن أبا عبد الله الجليانى يأتينى ببيتي شعر فى يده وهما

( كل علم يكون للمرء شغلا ... بسوى الحق قادح فى رشاده )
( فإذا كان فيه لله حظ ... فهو مما يعده لمعاده )
قال فلم ينفصل المجلس حتى دخل علينا الفقيه الأديب أبو عبد الله الجليانى والبيتان معه فعرضهما على الشيخ فأخبره أنه صنعهما البارحة فقال له كل من فى المجلس أخبرنا بهما الشيخ قبل مجيئك فكان هذا من العجائب
ولأبى الحجاج المذكور تواليف منها كتاب ملاذ المستعين فى بعض خصائص سيد المرسلين أربعون حديثا وكتاب تخصيص القرب وتحصيل الأرب وقبول الرأى الرشيد فى تخميس الوتريات النبوية لابن رشيد وانتشاق النسمات النجدية واتساق النزعات الجدية وغرر الأمانى المسفرات فى نظم المكفرات والنفحات الرندية واللمحات الرندية مجموع شعره وحقائق بركات المنام فى مرأى المصطفى خير الأنام والاستشفاء بالعدة والاستشفاع بالعمدة فى تخميس البردة وتوجع الراثى فى تنوع المراثى واعتلاق السائل بأفضل الوسائل ولمح البهيج ونفح الأريج فى ترجيز كلام الشيخ أبى مدين من عبارات حكمية وإشارات صوفية وكتاب تجريد رؤوس مسائل البيان والتحصيل لتيسير البلوغ لمطالعتها والتوصيل وفهرسة روايته ورجز ذكر مشايخ ابى عمر الطنجى وكتاب أرج الأرجاء فى مزج الخوف والرجاء أربعون حديثا فى الرجاء والخوف
وكان رحمه الله تعالى حيا حين ألف لسان الدين الإحاطة رحم الله تعالى الجميع
ورأيت على ظهر أول ورقة من الريحانة بخط الإمام الكبير الشهير الشيخ إبراهيم الباعونى الدمشقى رحمه الله تعالى ما نصه قال كاتبه إبراهيم بن أحمد الباعونى غفر الله ذنوبه وستر عيوبه وبلغه من فضله مطلوبه صاحب كتاب الريحانة آية من آيات الله سبحانه لوجه أدبه طلاقة وللسانه ذلاقة

وللقلوب به علاقة وفى خطه غلاقة يعرفها من عرف اصطلاحه بمطالعته وينفتح له باب فهمها بتكرير مراجعته فليتأمل الناظر اليه والمقبل عليه ما فيه من الجواهر والنجوم الزواهر بل الآيات البواهر وليسبح الله تعالى تعجبا من قدرته جل وعلا ومواهبه التى عذب ماؤها النمير وحلا وليقل عند تأمل دره النظم ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) الحديد انتهى
وقوله رحمه الله تعالى وفى خطة غلاقة ليس المراد به إلا صعوبة الخط المغربى على أهل المشرق حسبما يعلم مما بعده وإلا فإن خط لسان الدين رحمه الله تعالى محمود عند المغاربة ولنقتصر من هذا الغرض على ماذكر فان تتبعه يطول إذ هو بحر لا ساحل له

نقل من الروض الآريض لابن عاصم
وكان لسان الدين رحمه الله تعالىمؤثرا لقضاء حاجة من أمله وقصد بابه وأم له سواء كان من أودائه أو من أعدائه وقد ذكر الوزير الرئيس الكاتب أبو يحيى ابن عاصم رحمه الله تعالى عنه فى ذلك حكاية فى أثناء كلام رأيت أن أذكر جملته لما اشتمل عليه من الفائدة وهو انه ذكر فى ترجمة شموس العصر من ملوك بنى نصر من كتابه ب المسمى الروض الأريض فى اسم السلطان الذى كان ابن الخطيب وزيره وهو الغنى بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر الخزرجى بعد كلام ما صورته كان قد جرى عليه التمحيص الذى أزعجه عن وطنه الى الدار البيضاء بالمغرب من إيالة بنى مرين فأفادته الحنكة والتجربة هذه السيرة التى وقف شيوخنا على حقيقتها وانتهجوا واضح طريقتها وبلغتنا منقولة بألسنة صدقهم معبرا عنها فى عرف

التخاطب بالعادة فلم يكن الوزير الكيس والرئيس الجهبذ يجريان من الاستقامة على قانون ولا يطردان من الصواب على اسلوب الا بالمحافظة على ما رسم من القواعد والمطابقة لما ثبت من العوائد وكان ذوو النبل من هذه الطبقة وأولو الحذق من أرباب هذه المهن السياسية يتعجبون من صحة اختياره لما رسم وجوده تمييزه لما قصد ويرون المفسدة فى الخروج عنها ضربة لازب وأن الاستمرار على مراسمها آكد واجب فيتحرونها بالالتزام كما تتحرى السنن ويتوخونها بالإقامة كما تتوخى الفرائض وسواء تبادر لهم معناها ففهموه أو خفى عليهم وجه رسمها فجهلوه حدثنى شيخنا القاضى أبو العباس أحمد بن أبى القاسم الحسنى أن الرئيس ابا عبد الله ابن زمرك دخل على الشيخ ذى الوزارتين ابى عبد الله ابن الخطيب يستأذنه فى جملة مسائل مما يتوقف عادة على إذن الوزير وكان معظمها فيما يرجع الى مصلحة الرئيس أبى عبد الله ابن زمرك قال الشريف فأمضاها كلها له ما عدا واحدة منها تضمنت نقض عادة مستمرة فقال له ذو الوزارتين ابن الخطيب لا والله يا رئيس ابا عبد الله لا آذن فى هذا لأنا ما استقمنا فى هذه الدار إلا بحفظ العوائد
ثم قال صاحب الروض فلما تأذن الله تعالى للدولة بالاضطراب واستحكم الوهن بتمكن الأسباب عدل عن تلك القواعد الراسخة واستخف بتلك القوانين الثابتة فنشأ من المفاسد ما أعوز رفعه وتعدد وتره وشفعه واستحكم ضرره حتى لم يمكن دفعه وتعذر فيه الدواء الذى يرجى نفعه وكان قد صحبه من الجد ما سنى آماله وأنجح بإذن الله تعالى أقواله وأعماله فكان يجرى الأمر على رسم من السياسة واضح ونظر من الآراء السديدة راجح ثم يحفه من الجد سياج لا يفارقه الى تمام الغاية المطلوبة من حصوله وتمكن مقتضى الإرادة السلطانية من فروعه وأصوله انتهى كلام ابن عاصم

وإذ جرى ذكره فلا بأس ان نلمع بشىء من أحواله لأن أهل الأندلس كانوا يسمونه ابن الخطيب الثانى فنقول

ترجمة أبى يحيى ابن عاصم
هو الإمام العلامة الوزير الرئيس الكاتب الجليل البليغ الخطيب الجامع الكامل الشاعر المفلق الناثر الحجة خاتمة رؤساء الأندلس بالاستحقاق ومالك خدم البراعة بالاسترقاق أبو يحيى محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم القيسى الأندلسى الغرناطى قاضى الجماعة بها كان رحمه الله تعالى من أكابر فقهائها وعلمائها ورؤسائها أخذ عن الإمام المحقق أبى الحسن ابن سمعت والإمام القاضى ابى القاسم ابن سراج والشيخ الراوية ابى عبد الله المنتورى والإمام ابى عبد الله البيانى وغيرهم ومن تآليفه شرح تحفة والده وذكر فيه أنه ولى القضاء سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ومنها كتاب جنة الرضى فى التسليم لما قدر الله تعالى وقضى وكتاب الروض الأريض فى تراجم ذوى السيوف والأقلام والقريض كأنه ذيل به إحاطة لسان الدين ابن الخطيب وله غير ذلك وقد أطلت الكلام فى ترجمته من كتابى أزهار الرياض فى اخبار عياض وما يناسبها مما يحصل للنفس به ارتياح وللعقل ارتياض
ووصفه ابن فرج السبتى بأنه الأستاذ العلم الصدر المفتى القاضى رئيس الكتاب ومعدن السماحة ومنبع الآداب انتهى
نموذج من نثر ابن عاصم
وقد تقدم بعض كلامه فيما مر ومن بديع نثره الذى يسلك به نهج ابن

الخطيب رحمه الله تعالى قوله من كلام جلبت جملته فى أزهار الرياض واقتصرت هنا على قوله بعد الحمدلة الطويلة ما صورته أما بعد فان الله على كل شىء قدير وانه بعباده لخبير بصير وهو لمن أهل نيته وأخلص طويته نعم المولى ونعم النصير بيده الرفع والخفض والبسط والقبض والرشد والغى والنشر والطى والمنح والمنع والضر والنفع والبطء والعجل والرزق والأجل والمسرة والمساءة والإحسان والإساءة والإدراك والفوت والحياة والموت اذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون وهو الفاعل على الحقيقة وتعالى الله عما يقول الآفكون وهو الكفيل بان يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون وان فى احوال الوقت الداهية لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد وعبره لمن يفهم قوله تعالى ( إن الله يفعل ما يشاء ) الحج ( إن الله يحكم ما يريد ) المائدة بينما الدسوت عامرة والولاة آمره والفئة مجموعة والدعوة مسموعة والإمرة مطاعة والأجوبة سمعا وطاعة واذا بالنعمة قد كفرت والذمة قد خفرت
إلى أن قال والسعيد من اتعظ بغيره ولا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا جعلنا الله تعالى ممن قضى عمره بخيره وبينما الفرقة حاصلة والقطيعة فاصلة والمضرة واصلة والحبل فى انبتات والوطن فى شتات والخلاف يمنع رعى متات والقلوب شتى من قوم أشتات والطاغية يتمطى لقصم الوطن وقضمه ويلحظه لحظ الخائف على هضمه والآخذ بكظمه ويتوقع الحسرة أن يأذن الله بجمع شمله ونظمه على رغم الشيطان ورغمه واذا بالقلوب قد ائتلفت والمتنافرة قد اجتمعت بعدما اختلفت والأفئدة بالألفة قد اقتربت الى الله تعالى وازدلفت والمتضرعة الى الله تعالى قد ابتهلت فى اصلاح الحالة التى سلفت فألقت الحرب أوزارها وأدنت الفرقة النافرة مزارها وجلت الألفة الدينية

أنوارها وأوضحت العصمة الشرعية آثارها ورفعت الوحشة الناشبة أظفارها أعذارها وأرضت الخلافة الفلانية أنصارها وغضت الفئة المتعرضة أبصارها وأصلح الله تعالى أسرارها فجمعت الأوطان بالطاعة والتزمت نصيحة الدين بأقصى الاستطاعة وتسابقت الى لزوم السنة والجماعة وألقت الى الإمامة الفلانية يد التسليم والضراعة فتقبلت فيأتهم وأحمدت جيأتهم وأسعدت آمالهم وارتضيت أعمالهم وكملت مطالبهم وتممت مآربهم وقضيت حاجاتهم واستمعت مناجاتهم وألسنتهم بالدعاء قد انطلقت ووجهتهم فى الخلوص قد صدقت وقلوبهم على جمع الكلمة قد اتفقت وأكفهم بهذه الإمامة الفلانية قد اعتلقت وكانت الإدالة فى الوقت على عدو الدين قد ظهرت وبرقت الى ان قال وكفت القدرة القاهرة والعزة الباهرة من عدوان الطاغية غوائل باعزاز دين الله الموعود بظهوره على الدين كله فواتح وأوائل ومعلوم بالضرورة أن الله تعالى لطيف بعباده حسبما شهد بذلك برهان الوجود ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ابراهيم دليل على ما سوغ من الكرم والجود انتهى المقصود منه وهو كلام بليغ ومن أراد جملته فعليه بأزهار الرياض -

من نظم ابن عاصم
ومن نظم ابن عاصم
المذكور قوله مخاطبا شيخه قاضى الجماعة ابا القاسم ا
بن سراج وقد طلب الاجتماع به زمن فتنة فظن أنه يستخبره عن سر من أسرار السلطان فأعده معتذرا ولم يصدق الظن
( فديتك لا تسأل عن السر كاتبا ... فتلقاه فى حال من الرشد عاطل )
( وتضطره إما لحالة خائن ... أمانته أو خائض فى الأباطل )
( فلا فرق عندى بين قاض وكاتب ... وشى ذا بسر أو قضى ذا بباطل )

قصيدة لابن الأزرق فى مدحه
ومن بديع ما نظم فى مدح الرئيس أبى يحيى ابن عاصم المذكور قول العلامة ابن الأزرق رحمه الله تعالى
( خضعت لمعطفه الغصون الميس ... ورنا فهام بمقلتيه النرجس )
( ذو مبسم زهر الربى فى كسبه ... متنافس عن طيبه متنفس )
( ومورد من ورده أو ناره ... يتنعم القلب العميد وييأس )
( فالورد فيه من دموعى يرتوي ... والنار فيه من ضلوعى تقبس )
( كملت محاسنه فقد ناضر ... ولو احظ نجل وثغر العس )
( صعب التعطف بالغرام حبيته ... فالحب يحبى والتعطف يحبس )
( غرس التشوق ثم أغرى الوجد بى ... فالوجد يغرى والتشوق يغرس )
( ما كنت أشقى لو حللت بجنة ... من وصله تحيا لديها الأنفس )
( ألحاظه ورضابه وعذاره ... حور بها أو كوثر أو سندس )
( وليال أنس قد أمنت بهن من ... واش ينم ومن رقيب يحرس )
( أطلعت شمس الراح فيها فاهتدى ... عاش إلينا فى الدجى ومغلس )
( صفراء كالعقيان فى الألوان ... للندمان كالشهبان منها أكؤس )
( صبت شقيقا فاستحالت نرجسا ... فى مزجها فمورد ومورس )
( وحبابها يغنى بأسنى جوهر ... أنفى لغم المعدمين وأنفس )
( يجلى بها للغم منها حندسا ... قمر عليه من الذؤابة حندس )
( حتى إذا عمشت مراة البدر من ... صبح بدا تلقاه إذ يتنفس )
( ناديته وسنا الصباح محصحص ... ينجاب عنه من الظلام معسعس )
( يا مطلع الأنوار زهرا يجتنى ... ومشعشع الصهباء نارا تلمس )
( بك مجلس الأنس اطمأن وبابن ... عاصم اطمأن من الرياسة مجلس )
( بدر بأنوار الهدى متطلع ... غيث بأشتات الندى متبجس )

( حامى فلم نرتع لخطب يعترى ... ووفى فلم نحفل بدهر يبخس )
( شيم مهذبة وعلم راسخ ... ومكارم هتن ومجد أقعس )
( لو كان شخصا ذكره لبدا على ... أعطافه من كل حمد ملبس )
( ذاكم أبو يحيى به تحمى العلا ... وبه خلال الفخر طرا تحرس )
( بيت على عمد الفخار مطنب ... مجد على متن السماك مؤسس )
( خيم وعرس فى حماه فكم حوى ... فيه المراد مخيم ومعرس )
( إنا لنغدو هيما فينيلنا ... ريا ويوحشنا النوى فيؤنس )
( حتى اقمنا والأمانى منهضات ... وابتسمنا والزمان معبس )
( لم ندر قبل يراعه وبنانه ... ان الذوابل بالغمائم تبجس )
( هن اليراع بها يؤمن خائف ... ويحاط مذعور ويغنى مفلس )
( مهما انبرت فهى السهام يرى لها ... وقع لأغراض البيان مقرطس )
( يشفى بمأمله الشكى المعترى ... يحيا بمأمنه الحمام المؤيس )
( فتقص حين تشق منها ألسن ... وتسير حين تقط منها أروس )
( من كل وشاء بأسرار النهى ... درب بإظهار السرائر يهجس )
( قد جمع الأضداد فى حركاته ... فلذا اطراد فخاره لا يعكس )
( عطشان ذو ري يبيس مثمر ... غضبان ذو صفح فصيح أخرس )
( لله من تلك اليراع جواذب ... للسحر منك كأنها المغنيطس )
( رضنا شماس القول فى أوصافها ... فهى التى راضت لنا ما يشمس )
( وإليكها حللا تشابه نسجها ... مثلى يفصلها ومثلك يلبس )
( واهنأ بعيد باسم متهلل )
( وافاك يجهر بالسرور ويهمس )
( واحبس لواء الفخر موقوفا فان ... الحمد موقوف عليك محبس )
قلت وعندى الآن شك فى صاحب هذه القصيدة هل هو قاضى الجماعة بغرناطة محمد بن الأزرق أو ابن الأزرق الثانى القائل فيما يكتب على السيف

( ان عمت الأفق من نقع الوغى سحب ... فشم بها بارقا من لمع إيماضى )
( وان نوت حركات النصر أرض عدا ... فليس للفتح إلا فعلى الماضى ) 3والله سبحانه أعلم

رسالة ابن عاصم الى ابن طركاط
ومن إنشاء الرئيس ابن عاصم المذكور ما كتب به يخاطب الكاتب أبا القاسم ابن طركاط وهو القضاء حفظ الله تعالى كمالك وأنجح آمالك اذا لم يحطه العدل من كلا جانبيه سبيل معوج ومذهب لا يوافق عليه مناظر ولا ينصره محتج كما أنه إذا حاطة العدل جاده للنجاة وسبب فى حصول رحمه الله تعالى المرتجاة وسوق لنفاق بضاعة العبد المزجاة وأجمل العدل ما تحلى به فى نفسه الحكم وجرى على مقتضى ما شهدت به الآراء المشهورة والحكم حتى يكون عن البغى رادعا وبالقسط صادعا ولأنف الأنفة من الإذعان للحق جادعا وأنت أجلك الله تعالى على سعة اطلاعك وشدة ساعد قيامك بالطريقة واضطلاعك ممن لا ينبه على ما ينبغى ولا يرد على طلبته من الإنصاف المبتغى فلك فى الطريقة القاضوية التبريز وأنت إذا كان غيرك الشبه الذهب الإبريز ولعلمية عدلك التوشية بالنزاهة والتطريز وليتنى كنت لمظهرك الحكمى حاضرا ولإعلام القضاة بآرائك المرتضاة محاضرا والوازع قد تمرس بالخصوم وجعل المتصدى للإذن فى محل المخصوم وأنت حفظك الله تعالى قد قمت من غلظ الحجاب بالمقام المعصوم ومثلت من سعة المنزل فى الفضل والطول كالشهر المصوم والباب قد سد وداعى الشفاعة قد رد والميقات للإذن قد حد ومطلب الأجرة المتعارفة قد بلغ الأشد حتى إذا قضى الواجب وأذن فى دخول الخصمين الحاجب وكبح السابقين الى الحد الذى

لا يعدونه وحفز إيماؤه من تعداه أو وقف دونه وقد حصل باللحظ واللفظ التساوى وأنتج المطالب الأربعة هذا اللازم المساوى ومجلسك قد رجح وقاره برضوى ومجتلاك قد فضح نوره البدر الأضوا وقد امتزت عن سواك من القضاة بمراسم لا تليق بجملتهم معارفها وتخصصت عنهم بملابس تعج عجيجا من جذامهم مطارفها بحيث تحد لخلع النعلين حدا لا يتجاوز طواه وتسد فى بعض الأوقات الباب سدا لا ترقع بالمحاجر كواه وتفصل بين الخصمين أحيانا بالنية دون الكلام ولكل امرىء ما نواه
وهذه أعانك الله تعالى مكملات من العدل فى الحكم وقف عياض دون تحقيق مناطها وأعيت ابن رشد فلم يهتد بيانه ولا تحصيله لاستنباطها فما بال النازحة عنك حسا ومعنى النازلة من تقاضى دينك بمنزلة الممطول المعنى المعتقلة من ملكة رقك بحيث أقصاها لاعج الشوق المعذبة من الصبابة فيك بما شب عمره عن الطوق تتنفس الصعداء مما تشاهده منك من مبتدعات الجور وتردد البكاء على ضياع ما استعار الحسن لصفاتها من النجد والغور وتقضى العجب مما تسمع من عدلك الذي لم تجتل لمحة من نوره ومن حلمك الذى أشقاها فلم تحضر لدكة طوره وتستصوب أنظار النحاة فى منع التهيئة والقطع فى العامل وتستجلب اصطلاح العروضيين فى المديد والبسيط دون الطويل والكامل فهلا راجعت فيها النظر وأنجزت لها الوعد المنتظر وكففت من

عيونها دموعا مستهلة واجتليت من جبينها الوضاح ما أخجل بدورا مشرقة وأهلة ولم تحوجها الى ان ينطق قرينها الروحانى بالشعر على لسانها ولسانك ولم تضطرها فى هذه المعاملة الى ما لا ترتضيه من كفر إحسانك والعذر أظهر والبرهان أبهر وخلافك فى العالم أشهر وأنت ان لم يكن ما يعصم الله تعالى منه لمقتضى الطبيعة أقهر
وقد أدرجت لك فى طى هذا ما يصل الى يدك وتلهج به فى يومك وغدك منتظرة منك إطفاء الجوى بالجواب ومحو ما سبق من الخطإ بالخطاب ان شاء الله تعالى والله تعالى يصل سعادته ويحفظ مجادته ومعاد السلام من الشاكر الذاكر ابن عاصم وفقه الله تعالى فى أوائل ذى الحجة عام خمسة وأربعين وثمانمائة انتهى وهو مما لم أذكره فى أزهار الرياض

ظهير بتقديم ابن عاصم للنظر فى أمور الفقهاء
ولنذكر هنا الظهير الذى جلبته فيها بتقديم المذكور للنظر فى أمور الفقهاء وغيرهم ونصه هذا ظهير كريم اليه انتهت الظهائر شرفا عليا وبه تقررت المآثر برهانا جليا وراقت المفاخر قلائد وحليا وتميزت الأكابر الذين افتخرت بهم الأقلام والمحابر اختصاصا مولويا
فهو وان تكاثرت المرسومات وتعددت وتوالت المنشورات وتجددت أكبر مرسوم تمم فى الاعتقاد نظرا خطيرا وأحكم فى التفويض أمرا كبيرا وأبرم فى الاستخلاص عزما أبيا
اعتمد بمسطوره العزيز واختص بمنشوره الذى تلقاه اليمن بالتعزيز من لم يزل

بالتعظيم حقيقا وبالإكبار خليقا وبالإجلال حريا فهو شهير لم يزل فى الشهرة سابقا هاد لم يزل بالهدى ناطقا بليغ لم يزل بالبلاغة دريا عظيم لم يزل فى النفوس معظما علم لم يزل فى الأعلام مقدما كريم لم يزل فى الكرام سنيا اشتملت منه محافل الملك على العقد الثمين وحلت به المشورة فى الكنف المحوط والحرم الأمين فكان فى مشكاة الأمور هاديا وفى ميدان المراشد جريا فالى مقاماته تبلغ مقامات الإخلاص والى مرتبته تنتهى مراتب الاختصاص فيمن حاز خصلا وزين حفلا وشرف نديا واستكمل همما واستحمل قلما واستخدم مشرفيا فلله ما أعلى قدر هذا الشرف الجامع بين المتلد والمطرف السابق فى الفضل أمدا قصيا الحال من الاصطفاء مظهرا الفارع من العلاء منبرا الصاعد من العز كرسيا حاز الفضل إرثا وتعصيبا واستوفى الكمال حقا ونصيبا ثناء أرجه كالروض لو لم يكن الروض ذابلا وهديا نوره كالبدر لو لم يكن البدر آفلا ومجد علوه كالسها لو لم يكن السها خفيا فما أشرف الملك الذى اصطفاه وكمل له حق التقريب ووفاه وأحله قرارة التمكين ومن اختصاصه بالمكان المكين فسبق فى ميدان التفويض وشأى ورأى من الأنظار الحميدة ما رأى صادعا بالحق إماما علما موضحا من الدين نهجا أمما هاديا من الواجب صراطا سويا بانيا للمجد صرحا مشيدا مشهرا للعدل قولا مؤيدا مبرما للخير سببا قويا فالله تعالى يصل لمقام هذا الملك الذى طلع فى سمائه بدرا دونه البدور وصدرا تلوذ به الصدور سعدا لا تمطله الأيام فى تقاضيه ونصرا يمضى به نصل الجهاد فلا يزال ماضيه على الفتح مبنيا ويوالى له عزا يذود عن حرم الدين ويمنحه تأييدا يصبح فى أعناق الكفر حديث سيفه قطعيا

أمر به مرسوما عزيزا لا تبلغ المرسومات الى مداه ولا يبدى بآثار الاختصاص مثل ما أبداه عبد الله أمير المسلمين محمد الغالب بالله أيد الله تعالى مقامه ونصر أعلامه وشكر إنعامه ويسر مرامه لإمام الأئمة وعلم الأعلام وعماد ذوى العقول والأحلام وبركة حملة السيوف والأقلام وقدوة رجال الدين وعلماء الإسلام الشيخ الفقيه أبى يحيى ابن كبير العلماء شهير العظماء حجة الأكابر والأعيان مصباح البلاغة والبيان قاضى القضاة وإمامهم أوحد الجلة وطود شمامهم الشيخ الفقيه أبى بكر ابن عاصم أبقاه الله تعالى ومناطق الشكر له فصيحة اللسان ومواهب الملك به معهودة الإحسان وقلائد الأيادي منه متقلدة بجيد كل إنسان قد تقرر والمفاخر لا تنسب إلا لبنيها والفضائل لا تعتبر إلا بمن يشيد أركانها ويبنيها والكمال لا يصفى شربه إلا لمن يؤمن سربه أن هذا العلم الكبير الذى لا يفى بوصفه التعبير علم بآثاره يقتدى وبأنظاره يهتدى وبإشارته يستشهد وبإدارته يسترشد إذ لا أمد علو إلا وقد تخطاه ولا مركب فضل إلا وقد تمطاه ولا شارقة هدى إلا وقد جلاها ولا لبة فخر إلا وقد حلاها ولا نعمة إلا وقد أسداها ولا حرمه إلا وقد أبداها لما له فى دار الملك من الخصوصية العظمى والمكانة التى تسوغ النعمى والرتب التى تسمو العيون إلى مرتقاها وتستقبلها النفوس بالتعظيم وتتلقاها حيث سر الملك مكتوم وقرطاسه مختوم وأمره محتوم والأقلام قد روضت الطروس وهى ذاوية وقسمت الأرزاق وهى طاوية شقت ألسنتها فنطقت وقطت أرجلها فسبقت ويبست فأثمرت إنعاما ونكست فأظهرت قواما وخطت فأعطت وكتبت فوهبت ومشقت فرفقت وأبرمت فأنعمت فكم يسرت الجبر

وعفرت الهزبر وشنفت المسامع وكيفت المطامع وأقلت فيما ارتفع من المواضع وأحلت لما امتنع من المراضع فهى تنجز النعم وتحجز النقم وتبث المذاهب وتحث المواهب وتروض المراد وتنهض المراد وتحرس الأكناف وتغرس الأشراف مصيخة لنداء هذا العماد الأعلى طامحة لمكانه الذى سما واستعلى فيما يملى عليها من البيان الذى يقر له بالتفضيل الملك الضليل ويشهد له بالإحسان لسان حسان ويحكم له ببرى القوس حبيب بن أوس ويهيم بما من الأساليب عنده شاعر كنده ويستمطر سحبه الثرة فصيح المعرة الى منثور تزيل الفقر فقره وتدر الرزق درره لو أنهى الى قس إياد لشكر فى الصنيعة أياديه واستمطر سحبه وغواديه أو بلغ الى سحبان لسحره وما فارقه عشيته ولا سحره ولو رآه الصابى لأبدى اليه من صبوته ما أبدى أو سمعه ابن عباد لكان له عبدا أو بلغ بديع الزمان لهجر بدائعه واستنزر بضائعه أو أتحف به البستى لأتخذه بستانا أو عرض على عبد الحميد لأحمد من صوبه هتانا فأعظم به من عال لا ترقى ثنيته ولا تحاز مزيته ولا يرجم أفقه ولا يكتم حقه ولا ينام له عن اكتساب الحمد ناظر ولا ينقاس به فى الفضل مناظر وهل تقاس الأجادل بالبغاث أو الحقائق بالأضغاث
ألا وان بيته هو البيت الذى طلع فى أفقه كل كوكب وقاد ممن وشج به للعلوم اتقاء واتقاد وترامى به للمدارك ذكاء وانتقاد فأعظم بهم أعلاما وصدورا وأهله وبدورا خلدت ذكرهم الدواوين المسطرة وسرت فى محامدهم الأنفاس المعطرة الى أن نشا فى سمائهم هذا الأوحد الذى شهرة فضله لا تجحد فكان قمرهم الأزهر ونيرهم الأظهر ووسيطة عقدهم الأنفس ونتيجة مجدهم الأقعس فأبعد فى المناقب آماده ورفع الفخر وأقام عماده وبنى على تلك الآساس المشيدة وجرى لإدراك تلك الغايات البعيدة

فسبق وجلى وشنف بذكره المسامع وحلى ورفع المشكل ببيانه وحرر الملتبس ببرهانه الى ان أحله قضاء الجماعة ذروة أفقه الأصعد وبوأه عزيز ذلك المقعد فشرف الخطة واخذ على الأيدى المشتطة لا يراقب إلا ربه ولا يضمر إلا العدل وحبه والمجلس السلطانى أسماه الله تعالى يختصه بنفسه ويفرغ عليه من حلل الاصطفاء ولبسه ويستمطر فوائده ويجرب بأنظاره حقوق الملك وعوائده فكان بين يديه حكما مقسطا ومقسما لحظوظ الإنعام مقسطا الى ان خصه بالكتابة المولوية ورأى له ذلك حق الأولوية إذ كان والده المقدس نعم الله تعالى ثراه ومنحه السعادة فى أخراه مشرف ذلك الديوان ومعلى ذلك الإيوان يحبر رقاع الملك فتروق وتلوح كالشمس عند الشروق فحل ابنه هذا الكبير شرفا الشهير سلفا مرتبته التى سمت وافترت به عن السعد وابتسمت فسحبت به للشرف مطارف وأحرزت به من الفخر التالد والطارف فهو اليوم فى وجهها غرة وفى عينها قرة ولله هو فى ملاحظة الحقائق ورعيها وسمع الحجج ووعيها فلقد فضل بذلك اهل الآختصاص وسبقهم فى تبيين ما يشكل منها وما يعتاص إذ المشكلة معه جلية الأغراض والآراء لديه آمنة من مأخذ الأعتراض فكم رتبه عمرها بذويها فأكسبها تشريفا وتنويها وعلى ذلك فأعلام قضاه الوطن ومن عبر منهم وقطن مع أقدارهم السامية ومعاليهم التى هى للزهر مسامية إنما رقتهم وساطته التى أحسنت وزينت بهم المجالس وحسنت فيه أمضوا أحكامهم وأعملوا فى الأباطيل احتكامهم وكتبوا الرسوم وكبتوا الخصوم وحلوا دست القضاء وسلوا سيف المضاء وفى زمانه تخرجوا

وفى بستانه تأرجوا ومن خلقه اكتسبوا والى طرقه انتسبوا وعلى موارده حاموا وحول فوائده قاموا وبتعريفه عرفوا وبتشريفه شرفوا وبصفاته كلفوا وبعرفاته وقفوا فأمنوا مع انسكاب سحب إفادته من الجدب وقاموا بذلك الفرض بسبب ذلك الندب وهل العلماء وان عمت فوائدهم وانتظمت بجياد الأذهان فرائدهم إلا من أنواره مستمدون والى الاستفادة من أنظاره ممتدون وببركاته معتدون وبأسبابه مشتدون فبه اجتنيت من أفنان المنابر ثمراتهم وتأرجت فى روضات المعارف زهراتهم وبه عمروا الحلق وائتلق من أنوارهم ما ائتلق إذ كل من اصطناعه محسوب والى بركته منسوب فهو بدرهم الأهدى وغيثهم الأجدى وعقدهم المقتنى وروضهم المجتنى وبدر منازلهم وصدر محافلهم
وعلى ما أعلى المقام المولوي من مكانه وقضى به من استمكانه واعتمد من إبرامه وأبرم من اعتماده ومهد من إكرامه وكرم من مهاده واختص من علاه وأعلى من اختصاصه واستخلص من حلاه وحلا من استخلاصه ووفى من تكرمه وكرم من وفائه واصطفى من مجده ومجد من اصطفائه وقدم من براعته وحكم من يراعته وشقق من كتابته وأنطق من خطابته وسجل من أنظاره وعجل من اختياره فذكا ذكره وسطا سطره وأمعن معناه وأغنى مغناه أشار أيده الله تعالى باستئناف خصوصيته وتجديدها وإثبات مقاماته وتحديدها لتعرف تلك الحدود فلا تتخطى وتكبر تلك المراتب فلا تستعطى فأصدر له شكر الله تعالى إصداره وعمر بالنصر داره هذا المنشور الذى تأرج بمحامده نشره وتضمن من مناقبه البديع فراق طيه ونشره وغدا وفرائد المآثر لديه موجدة مكونه وأصبح للمفاخر مالكا لما أتى به مدونه وخصه فيه بالنظر المطلق الشروط الملازم للتفويض ملازمة

الشرط للمشروط المستكمل الفروع والأصول المستوفى الأجناس والفصول فى الأمور التى تختص بأعلام القضاة الأكابر وكتاب القضاة ذوى الأقلام والمحابر وشيوخ العلم وخطباء المنابر وسائر أرباب الأقلام القاطن منهم والعابر بالحضرة العلية وجميع البلاد النصرية تولى الله تعالى جميع ذلك بمعهود ستره ووصل لديه ما تعود من شفع اللطف ووتره يحوط مراتبهم التى قطفت من روضاتها ثمرات الحكم وجنيت ويراعى أمورهم التى أقيمت على العوائد وبنيت وحقوقهم التى حفظت لهم فى المجالس السلطانية ورعيت ويحل كل واحد منهم فى منزلته التى تليق ومرتبته التى هو بها خليق على ما يقتضى ما يعلم من أدواتهم ويخبر من تباين ذواتهم ويرشح كل واحد الى ما استحقه ويؤتى كل ذى حق حقه اعتمادا على أغراضه التى عدلت وصدحت على أفنانها من الأفواه طيور الشكر وهدلت واستنادا فى ذلك الى آرائه وتفويضا له فى هذا الشأن بين خلصاء الملك وظهرائه وذلك على مقتضى ما كان عليه أعلام الرياسة الذين سبقوا وانتهضوا بهممهم واستبقوا كالشيخ الرئيس الصالح ابى الحسن ابن الجياب والشيخ ذى الوزارتين أبى عبد الله ابن الخطيب رحمهما الله تعالى
فليقم أبقاه الله تعالى بهذه الأعمال التى سمت واعتزت ومالت بها اعطاف العدل واهتزت وسار بها الخبر حثيث السرى وصار بها الحق مشدود العرى وعلى جميع القضاة الأمضياء والعلماء الأرضياء والخطباء الأولياء والمقرئين الأزكياء وحملة الأقلام الأحظياء ان يعتمدوا هذا الولى العماد فى كل ما يرجع الى عوائدهم ويختص فى دار الملك من مرتباتهم وفوائدهم وما يتعلق بولاياتهم وأمنياتهم ويليق بمقاصدهم ونياتهم فهو الذى يسوغهم المشارب ويبلغهم المآرب ويستقبل العلى بالعلى والعاطل بالحلى والمشكل بالجلى والمفرق بالتاج والمقدمة بالانتاج وعلى ذلك فهذا المنشور الكريم قد أقرهم على ولاياتهم وأبقاهم ولقاهم من حفظ المراتب ما رقاهم فليجروا

على ما هم بسبيله وليهتدوا بمرشد هذا الاعتناء ودليله وكتب فى صفر عام سبعة وخمسين وثمانمائة انتهى
قلت وانما أتيت به لوجوه أحدها ما يتعلق بلسان الدين اذ وقعت الإشارة الى مرتبته فى أخره والثانى ما اشتمل عليه من الإنشاء الغريب والثالث معرفة حال الرئيس أبى يحيى ابن عاصم وتمكنه من الرياسة لأنا بنينا هذا الكتاب على ذكر ما يناسبه من انباء أهل المغرب لكون أهل هذه البلاد المشرقية ليس لهم بها عناية والرابع أن بعض أكابر شيوخنا ممن ألف فى طبقات المالكية لما عرف بابى يحيى ذكره فى نحو أسطر عشرة وقال هذا الذى حضرنى من التعريف به والخامس ان ابن عاصم المذكور كما قاله الوادى آشى وغيره كان يدعى فى الأندلس بابن الخطيب الثانى ويعنون بذلك البلاغة والبراعة والرياسة والسياسة

رجع إلى أخبار لسان الدين فنقول
وأما كتب التأليف باسم لسان الدين رحمه الله تعالى فقد قال فى الإحاطة لما أجرى ذكر ذلك ما صورته وأما ما رفع الى من الموضوعات العلمية والوسائل الأدبية والرسائل الإخوانية لما أقامنى الملك صنما يعتمد وخيالا اليه يستند صادرة عن الأعلام وحملة الأقلام ورؤساء النثار والنظام فجم يضيق عنه الإحصاء ويعجز عن ضم نشره الاستقصاء وربما تضمن هذا الكتاب كتاب الإحاطة منه كثيرا ومنظوما أثيرا ودرا نثيرا جرى فى أثناء الأسماء وانتمى الى الإجادة أكرم الانتماء غفر الله تعالى لى ولقائله فما كان اولانى وإياه بستر زوره وإغراء الإضراب بغروره فأهون بما لا ينفع وإن ارتفع الكلم الطيب لا يرفع اللهم تجاوز عنا بفضلك وكرمك انتهى
وقد تقدم فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكرسوطى الفاسى نزيل مالقة صاحب التآليف العديدة أنه ألف تقييدا على قواعد الإمام القاضى

أبى الفضل عياض رحمه الله تعالى برسم ولد لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى وكذلك غير واحد من أهل عصره قصدوه بالنظم والنثر وهى سنة الله سبحانه وتعالى فى عبادة اذ السلطان سوق يجلب اليها ما ينفق فيها والله سبحانه وتعالى ولى المكافأة لا رب غيره ولا مأمول سواه انتهى

حذف

الباب الخامس
فى إيراد جملة من نثره الذى عبق أريج البلاغة من نفحاته ونظمه الذى تألق نور البراعة من لمحاته وصفحاته وما يتصل به من أزجاله وموشحاته ومناسبات رائقة فى فنون الأدب ومصطلحاته
اعلم سلك الله تعالى بى وبك اوضح محجه وجعلنا ممن انتحى صوب الصواب ونهجه أن هذا الباب هو المقصود بتأليف هذا الكتاب وغيره كالتبع له وها أنا أذكر ما حضرنى الآن من بنات أفكار لسان الدين التى هى بالمحاسن متقنعة وللبدائع منتعلة فاقول

أما نثره فهو البحر الزخار بل الدر الذى به الافتخار وناهيك أن كتبه الآن فى المغرب قبلة أرباب الإنشاء التى اليها يصلون وسوق دررهم النفيسة التى يزينون بها صدور طروسهم ويحلون وخصوصا كتابه ريحانة الكتاب ونجعه المنتاب فإنه وإن تعددت مجلداته على فن الإنشاء والكتابة مقصور وقد اشتمل على السلطانيات وغيرها ومخاطباته لأهل المشرق والمغرب على لسان ملوك الأندلس الذين علم بلاغتهم منصور وقد تركت نسختى منه فى المغرب ولو حضرتنى لكفتنى عن هذه الفوائد التى أتعبت خاطرى فى جمعها من مقيداتى التى صحبتها معى وهى قليلة
وقد مر فى هذا الكتاب جملة من نثره ونظمه والذى نجلبه هنا زيادة على ما سبق
وقال رحمه الله تعالى فى الإحاطة عند ترجمة نثره ما صورته وأما النثر

فبحر زاخر ومدى طوله مستاخر وإنك لم يفخر عليك كفاخر وقد مر منه فى تضاعيف هذا الديوان كثير ونحن نجلب منه ما يشير اليه مشير انتهى 1 - فمن ذلك قوله فى غرض التحميد مما افتتح به الكتاب فى التاريخ المتضمن دولة بنى نصر الحمد لله الذى جعل الأزمنة كالأفلاك ودول الأملاك كأنجم الأحلاك تطلعها من المشارق نيره وتلعب بها مستقيمة أو متحيرة ثم تذهب بها غائرة متغيرة السائق عجل وطبع الوجود مرتجل والحى من الموت وجل والدهر لا معتذر ولا خجل بينما ترى الدست عظيم الزحام والموكب شديد الالتحام والوزعة تشير والأبواب يقرعها البشير والسرور قد شمل الأهل والعشير والأطراف تلثمها الأشراف والطاعة يشهرها الاعتراف والأموال يحوطها العدل أو يبيحها الإسراف والرايات تعقد والأعطيات تنقد إذ رأيت الأبواب مهجورة والدسوت لا مؤملة ولا مزورة والحركات قد سكنت وأيدي الإدالة قد تمكنت فكأنما لم يسمر سامر ولا نهى ناه ولا أمر آمر ما أشبه الليلة بالبارحة والغادية بالرائحة ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح )
2 - ومن نثره قوله فى استدعاء إمداد وحض على الجهاد أيها الناس رحمكم الله تعالى إخوانكم المسلمون بالأندلس 4قد دهم العدو قصمه الله تعالى ساحتهم ورام الكفر خذله الله تعالى استباحتهم وزحفت أحزاب الطواغيت إليهم ومد الصليب ذراعيه عليهم وأيديكم بعزة الله تعالى أقوى وأنتم المؤمنون أهل البر والتقوى وهو دينكم فانصروه وجواركم الغريب فلا تخفروه وسبيل الرشد قد وضح فلتبصروه الحهاد الجهاد فقد تعين

الجار الجار فقد قرر الشرع حقه وبين الله الله فى الإسلام الله الله فى أمه محمد عليه الصلاة السلام الله الله فى المساجد المعمورة بذكر الله الله الله فى وطن الجهاد فى سبيل الله قد استغاث بكم الدين فأغيثوه قد تاكد عهد الله وحاشاكم أن تنكثوه أعينوا إخوانكم بما أمكن من الإعانة أعانكم الله تعالى عند الشدائد جددوا عوائد الخير يصل الله تعالى لكم جميل العوائد صلوا رحم الكلمة واسوا بأنفسكم وأموالكم تلك الطوائف المسلمة كتاب الله بين أيديكم وألسنة الآيات تناديكم وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قائمة فيكم والله سبحانه يقول فيه ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم ) الصف ومما صح عنه قوله ( من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرمهما الله على النار ) ولا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جهنم ) ( من جهز غازيا فى سبيل الله فقد غزا ) أدركوا رمق الدين قبل ان يفوت بادروا عليل الإسلام قبل ان يموت احفظوا وجوهكم مع الله تعالى يوم يسألكم عن عباده جاهدوا فى الله بالألسن والأقوال حق جهاده
( ماذا يكون جوابكم لنبيكم ... وطريق هذا العذر غير ممهد )
( ان قال لم فرطتم فى أمتى ... وتركتموهم للعدو المعتدى )
( تالله لو ان العقوبة لم تخف ... لكفى الحيا من وجه ذاك السيد )
اللهم اعطف علينا قلوب العباد اللهم بث لنا الحمية فى البلاد اللهم دافع عن الحريم والضعيف والأولاد اللهم انصرنا على أعدائك بأحبابك وأوليائك يا خير الناصرين اللهم أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا انتهى
3 - ومن ذلك قوله فى صداق أمره السلطان بإنشائه لكبير الشرفاء بفاس فى فصل منه تضمن ذكر أوليتهم واستيطانهم لتلك المدينة ما صورته
فضرب بفاس عمرها الله تعالى حلته وأورث منها بالبقعة الزكية

الرفيعة سراته وجلته فتبوأوا من ذلك الغور المعشب الروض الأرج النور هالة سعد وأفق برق ورعد ودست وعيد ووعد يتناقلون رتب الشرف الصريح كابرا عن كابر ويروى مسلسل المجد عن بيتهم الرفيع الجد كل حريص على عوالى المعالى مثابر
( فالكف عن صلة والأذن عن حسن ... والعين عن قرة والقلب عن جابر )
حيث الأنوف الشم والوجوه الغر والعزة القعساء والنسب الحر والفواطم فى صدف الصون من لدن الكون كأنهن الدر آل رسول الله ونعم الآل والموارد الصادقة اذا كذب الآل ومن أذا لم يصل عليهم فى الصلاة حبطت منها الأعمال طلبه الراكب ونشدة الطالب وسراة لؤى بن غالب وملتقى نور الله تعالى ما بين فاطمة الزهراء وعلى بن أبى طالب انتهى وهو طويل لم يحضرنى منه الآن سوى ما ذكرته 4 - ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى كتبت الى بعض السادة الفضلاء وقد بلغنى مرضه أيام كان الانزعاج عن الأندلس الى الإيالة المرينية
وردت على من فئتى التى اليها فى معركة الدهر أتحيز وبفصل فضلها فى الأقدار المشتركة أتميز سحاءة سرت وساءت وبلغت من القصدين ما شاءت أطلع بها سيدي صنيعة وده من شكواه على كل عابث فى السويداء موجب اقتحام البيداء مضرم نار الشفقة فى فؤاد لم يبق من صبره الا القليل ولا من إفصاح لسانه الا الأنين والأليل ونوى مدت لغير ضرورة يرضاها الخليل فلا تسأل عن ضنين تطرقت اليد الى رأس ماله أو عابد نوزع فى تقبل أعماله أو آمل ضويق فى فذلكة آماله لكنى رجحت دليل المفهوم على دليل المنطوق وعارضت القواعد الموحشة بالفروق ورايت الخط يبهر والحمد لله تعالى ويروق

واللفظ الحسن تومض فى حبره للمعنى الأصيل بروق فقلت ارتفع الوصب ورد من الصحة المغتصب وآلة الحس والحركة هى العصب واذا اشرق سراج الإدراك دل على سلامة سليطه والروح خليط البدن والمرء بخليطه وعلى ذلك فبليد احتياطى لا يقنعه إلا الشرح فبه يسكن الظمأ البرح وعذرا عن التكليف فهو محل الاستقصاء والاستفسار والإطناب والإكثار وزند القلق فى مثلها أورى والشفيق بسوء الظن مغرى والسلام 5 - ومن نثر لسان الدين ما ذكره فى الإحاطة فى ترجمة ابى عبد الله الشديد وهو محمد بن قاسم بن أحمد بن ابراهيم الأنصارى الجيانى الأصل ثم المالقى إذ قال ما صورته
جملة جمال من خط حسن واضطلاع بحمل كتاب الله بلبل دوح السبع المثانى وماشطة عروس ابى الفرج ابن الجوزي وآية صقعه ونسيج وحده فى حسن الصوت وطيب النغمة اقتحم لذلك دسوت الملوك وجر أذيال الشهرة عذب الفكاهة ظريف المجالسة قادرا على المحاكاة متسورا حمى الوقار ملبيا داعى الانبساط قلد شهادة الديوان بمالقة فكان مغار حبل الأمانة شامخ مارن النزاهة لوحا للألقاب وعززت ولايته ببعض الألقاب النبيهة وهو الآن الناظر فى أمور الحسبة ببلده ولذلك خاطبته برقعة أداعبه بها وأشير الى أضداده بما نصه
( يا أيها المحتسب الجزل ... ومن لديه الجد والهزل )
( يهنيك والشكر لمولى الورى ... ولاية ليس لها عزل )
كتبت أيها المحتسب المنتمى الى النزاهة المنتسب أهنيك ببلوغ تمنيك وأحذرك

من طمع نفس بالغرور تمنيك فكأننى بك وقد طافت بركابك الباعة ولزم أمرك السمع والطاعة وارتفعت فى مصانعتك الطماعة وأخذت أهل الريب بغتة كما تقوم الساعة ونهضت تقعد وتقيم وسطوتك الريح العقيم وبين يديك القسطاس المستقيم ولا بد من شرك ينصب وجماعة على ذى جاه تعصب ودالة يمت بها الجناب الأخصب فإن غضضت طرفك أمنت على الولاية صرفك وان ملأت ظرفك رحلت عنها حرفك وان كففت فيها كفك حفك العز فيمن حفك فكن لقالى المجبنة قاليا ولحوت السلة ساليا وأبد لدقيق الحوارى زهد حوارى وازهد فيما بأيدى الناس من العوارى وسر فى اجتناب الحلواء على السبيل السواء وارفض فى الشواء دواعى الأهواء وكن على الهراس وصاحب ثريد الراس شديد المراس وثب على طبيخ الأعراس ليثا مرهوب الافتراس وأدب أطفال الفسوق فى السوق لا سيما من كان قبل البلوغ والبسوق وصمم على استخراج الحقوق والناس أصناف فمنهم خسيس يطمع منك فى أكله ومستعد عليك بوكزة أو ركلة وحاسد فى مطية تركب وعطية تسكب فاخفض للحاسد جناحك وسدد الى حربه رماحك وأشبع الخسيس منهم مرقة فإنه حنق ودس له فيها عظما لعله يختنق واحفر لشريرهم حفرة عميقة فانه العدو حقيقة حتى اذا حصل وعلمت ان وقت الانتصار قد اتصل فأوقع وأوجع ولا ترجع وأولياءه من الشياطين فافجع والحق أقوى وأن تعفو أقرب للتقوى سددك الله تعالى الى غرض التوفيق وأعلقك

من الحق بالسبب الوثيق وجعل قدومك مقرونا برخص اللحم والزيت والدقيق انتهى
6 - ومما كتب به لسان الدين الى علي بن بدر الدين الطوسى بن موسى ابن رحو بن عبد الله بن عبد الحق من مدينة سلا ما نصه
( يا جملة الفضل والوفاء ... ما بمعاليك من خفاء )
( عندى بالود فيك عقد ... صحفه الدهر باكتفاء )
( ما كنت أقضى حلاك حقا ... لو جئت مدحا بكل فاء )
( فأول وجه القبول عذرى ... وحسبك الشك فى صفاء ) س
يدى الذى هو فصل جنسه ومزية يومه على أمسه فإن افتخر الدين من أبيك ببدره افتخر منك بشمسه رحلت على المنشإ والقرارة ومحل الصبوة والفرارة فلم تتعلق نفسى بذخيرة ولا عهد جيرة خيرة كتعلقها بتلك الذات التى لطفت لطافة الراح واشتملت بالمجد الصراح شفقة أن تصيبها معرة والله تعالى يقيها ويحفظها ويبقيها إذ الفضائل فى الأزمان الرذلة غوائل والضد عن ضده منحرف بالطبع ومائل فلما تعرفت خلاص سيدي من ذلك الوطن والقاءه وراء الفرضة بالعطن لم تبق لى تعلة ولا أحرضتنى له علة ولا أوتى جمعى من قلة فكتبت أهنىء نفسى الثانية بعد هناء نفسى الأولى وأعترف للزمان باليد الطولى فالحمد لله الذى جمع الشمل بعد شتاته وأحيا الأنس بعد مماته سبحانه لا مبدل لكلماته واياه أسال ان يجعل العصمة حظ سيدي ونصيبه فلا يستطيع حادث ان يصيبه وانا اخرج له عن بث كمين ونصح أنا به قمين

بعد أن أسبر غوره وأخبر طوره وأرصد دوره فان كان له فى التشريق أمل وفى ركب الحجاز ناقة وجمل والرأى فيه قد نجحت منه نية وعمل فقد غنى عن عرف البقرات بأزكى الثمرات وأطفا هذه الجمرات برمى الجمرات وتأنس بوصل السرى ووصال السراة وأنا به ان رضينى أرضى مرافق ولواء عزى به خافق وان كان على السكون بناؤه وانصرف الى الإقامة اعتناؤه فأمر له ما بعده والله يحفظ من الغير سعده والحق ان تحذف الأبهة وتختصر ويحفظ اللسان ويغض البصر وينخرط فى الغمار ويخلى عن المضمار ويجعل من المحظور مداخلة من لا خلاق له ممن لا يقبل الله تعالى قوله ولا عمله فلا يكتم سرا ولا يتطوق من الرجولة زرا ويرفض زمام السلامة وترك العلامة على النجاة علامة وأما حالى فكما علمتم ملازم كن ومهبط تجربة وسن أزجى الأيام وأروم بعد التفرق الألتئام خالى اليد ملىء القلب والخلد بفضل الواحد الصمد عامل على الرحلة الحجازية التى أختارها لكم ولنفسى وأصل فى التماس الإعانة عليها يومى بأمسى أوجب ما قررته لكم ما أنتم أعلم به من ود قررته الأيام والشهور والخلوص المشهور وما أطلت فى شىء عند قدومى على هذا الباب الكريم إطالتى فيما يختص بكم من موالاته وبذل مجهود القول والعمل فى مرضاته وأما ذكركم فى هذه الأوضاع فهو مما يقر عين المجادة والوظيفة التى ينافس فيها أولو السيادة والله يصل بقاءكم وييسر لقاءكم والسلام انتهى
7 - ومن نثر لسان الدين ما أثبته فى الإحاطة فى ترجمة ابن خلدون صاحب التاريخ الذى تكرر نقلنا منه فى هذا التأليف
ولنذكر الترجمة بجملتها فنقول قال رحمه الله تعالى فى الإحاطة ما نصه عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن

إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن خلدون الحضرمى من ذرية عثمان أخى كريب المذكور فى نبهاء ثوار الأندلس وينسب سلفهم الى وائل بن حجر وحاله عند القدوم على رسول الله صلى الله عليه و سلم معروفة انتقل سلفه من مدينة إشبيلية عن نباهة وتعين وشهرة عند الحادثة بها أو قبل ذلك فاستقر بتونس منهم ثانى المحمدين محمد بن الحسن وتناسلوا على حشمة وسراوة ورسوم حسنة وتصرف جد المترجم به فى القيادة وأما المترجم به فهو رجل فاضل حسن الخلق جم الفضائل باهر الخصل رفيع القدر ظاهر الحياء أصيل المجد وقور المجلس خاصى الزى عالى الهمة عزوف عن الضيم صعب المقادة قوى الجأش طامح لقنن الرياسة خاطب للحظ متقدم فى فنون عقلية ونقلية متعدد المزايا سديد البحث كثير الحفظ صحيح التصور بارع الخط مغرى بالتجلة جواد حسن العشرة مبذول المشاركة مقيم لرسم التعين عاكف على رعى خلال الأصالة مفخر من مفاخر التخوم المغربية 3قرأ القرآن ببلده على المكتب ابن برال والعربية على المقرىء الزواوي وغيره وتأدب بأبيه وأخذ عن المحدث ابى عبد الله ابن جابر الوادى آشى وحضر مجلس القاضى ابى عبد الله ابن عبد السلام وروى عن الحافظ ابى عبد الله السطى والرئيس ابى محمد عبد المهيمن الحضرمى ولازم العالم الشهير ابا عبد الله الآبلى وانتفع به انصرف من إفريقية منشئة بعد ان تعلق بالخدمة السلطانية على الحداثة وإقامته لرسم العلامة بحكم الاستنابة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة وعرف فضله وخطبه السلطان منفق سوق العلم والأدب أبو عنان فارس بن على بن عثمان واستحضره بمجلس المذاكرة فعرف حقه وأوجب فضله واستعمله على الكتابة أوائل عام ستة وخمسين ثم عظم عليه حمل الخاصة من طلبه الحضرة لبعده عن حسن التاتى وشفوفه بثقوب الفهم وجودة الإدراك فأغروا به

السلطان إغراء عضده ما جبل عليه عهدئذ من إغفال التحفظ مما يريب لديه فأصابته شدة تخلصه منها أجله كانت مغربة فى جفاء ذلك الملك وهناة جواره وإحدى العواذل لأولى الهوى فى القول بفضله وعدم الخشوع واهمال التوسل وإبادة المكسوب فى سبيل النفقة والإرضاخ على زمن المحنة وجار المنزل الخشن الى ان أفضى الأمر الى السعيد ولده فأعتبه قيم الملك لحينه وأعاده الى رسمه ودالت الدولة الى السلطان أبى سالم وكان له به الاتصال قبل تسوغ المحنة بما أكد حظوته فقلده ديوان الإنشاء مطلق الجرايات محرر السهام نبيه الرتبة الى آخر أيامه ولما ألقت الدولة مقادها بعده الى الوزير عمر بن عبد الله مدبر الأمر وله اليه وسيلة وفى حليه شركة وعنده حق رابه تقصيره عما ارتمى اليه أمله فساء ما بينهما بما آل الى انفصاله عن الباب المرينى وورد على الأندلس فى أول ربيع الأول عام أربعة وستين وسبعمائة واهتز له السلطان وأركب خاصته لتلقيه واكرم وفادته وخلع عليه وأجلسه بمجلسه ولم يدخر عنه برا ومؤاكله ومراكبه ومطايبه وفكاهة
8 - وخاطبنى لما حل بظاهر الحضرة مخاطبة لم تحضرنى الآن فأجبته عنها بقولى
( حللت حلول الغيث فى البلد المحل ... على الطائر الميمون والرحب والسهل )
( يمينا بمن تعنو الوجوه لوجهه ... من الشيخ والطفل المهدا والكهل )
( لقد نشأت عندى للقياك غبطة ... تنسى اغتباطى بالشبيبة والأهل )
أقسمت بمن حجت قريش لبيته وقبر صرفت أزمة الأحياء لميته ونور ضربت الأمثال بمشكاته وزيته لو خيرت أيها الحبيب الذى زيارته الأمنية السنية والعارفة

الوارفة واللطيفة المطيفة بين رجع الشباب يقطر ماء ويرف نماء ويغازل عيون الكواكب فضلا عن الكواعب إشارة وأيماء بحيث لا الوخط يلم بسياج لمته أو يقدح ذباله فى ظلمته أو يقوم حوارية فى ملته من الأحابش وأمته وزمانه روح وراح ومغدى فى النعيم ومراح وقصف صراح ورقى وجراح وانتحاب واقتراح وصدور ما بها إلا انشراح ومسرات تردفها أفراح وبين قدومك خليع الرسن ممتعا والحمد لله باليقظة والوسن محكما فى نسك الجنيد أو فتك الحسن ممتعا بظرف المعارف مالئا أكف الصيارف ماحيا بأنوار البراهين شبه الزخارف لما اخترت الشباب وان راقنى زمنه وأعيانى ثمنه وأجرت سحائب دمعى دمنه فالحمد لله الذى رقى جنون اغترابى وملكنى أزمة آرابى وغبطنى بمائى وترابى ومألف أترابى وقد أغصنى بلذيذ شرابى ووقع على سطوره المعتبرة إضرابى وعجلت هذه مغبطة بمناخ المطية ومنتهى الطية وملتقى السعود غير البطية وتهنى الآمال الوثيرة الوطية فما شئت من نفوس عاطشة الى ريك متجملة بزيك عاقلة خطى مهريك ومولى مكارمه نشيدة أمثالك ومظان مثالك وسيصدق الخبر ما هنالك ويسع فضل مجدك فى التخلف عن الإصحار لا بل اللقاء من وراء البحار والسلام
9 - ولما استقر بالحضرة جرت بينى وبينه مكاتبات أقطعها الظرف جانبه وأوضح الأدب مذاهبه فمن ذلك ما خاطبته به وقد تسرى جارية رومية اسمها هند صبيحة الابتناء بها
( أوصيك بالشيخ ابى بكره ... لا تأمنن فى حالة مكره )
( واجتنب الشك إذا جئته ... جنبك الرحمن ما تكره )

سيدى لا زلت تتصف بالوالج بين الخلاخل والدمالج وتركض فوقها ركض الهمالج أخبرنى كيف كانت الحال وهل حطت بالقاع من خير البقاع الرحال وأحكم بمرود المراودة الاكتحال وارتفع بالسقيا الإمحال وصح الانتحال وحصحص الحق وذهب المحال وقد طولعت بكل بشرى وبشر وزفت هند منك الى بشر فلله من عشيه تمتعت من الربيع بفرش موشية وأبدلت منها أي آساد وحشية وقد أقبل ظبى الكناس من الديماس ومطوق الحمام من الحمام وقد حسنت الوجه الجميل التطرية وأزيلت عن الفرع الأثيث الأبرية وصقلت الخدود فكأنها الأمرية وسلط الدلك على الجلود وأغريت النورة بالشعر المولود وعادت الأعضاء يزلق عنها اللمس ولا تنالها البنان الخمس والسحنة يجول فى صفحتها الفضية ماء النعيم والمسواك يلبى من ثنية التنعيم والقلب يرمى من الكف الرقيم بالمقعد المقيم وينظر الى نجوم الوشوم فيقول إنى سقيم وقد تفتح ورد الخفر وحكم لزنجى الضفيرة بالظفر واتصف أمير الحسن بالصدود المغتفر ورش بماء الطيب ثم أعلق بباله دخان العود الرطيب وأقبلت الغادة يهديها اليمن وتزفها السعادة فهى تمشى على استحيا وقد ذاع طيب الريا وراق حسن المحيا حتى إذا نزع الخف وقبلت الأكف وصخب المزمار وتجاوب الدف وذاع الأرج وارتفع الحرج وتجوز اللوى والمنعرج ونزل على بشر بزيارة هند الفرج اهتزت الأرض وربت وعوصيت الطباع البشرية فأبت ولله در القائل
( ومرت فقالت متى نلتقى ... فهش اشتياقا اليها الخبيث )
( وكاد يمزق سرباله ... فقلت اليك يساق الحديث )

فلما انسدل جنح الظلام وانتصفت من غريم العشاء الأخيرة فريضة السلام وخاطت خيوط المنام عيون الأنام تأتى دنو الجلسة ومسارقة الخلسة ثم عضة النهد وقبلة الفم والخد وإرسال اليد من النجد الى الوهد وكانت الإمالة القليلة قبل المد ثم الإفاضة فيما يغبط ويرغب ثم الإماطة لما يشوش ويشغب ثم إعمال المسير الى السرير
( وصرنا الى الحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة اي إذلال )
وهذا بعد منازعة للأطواق يسيرة يراها الغيد من حسن السيرة ثم شرع فى التكة ونزع الشكة وتهيئة الأرض العزاز عمل السكة ثم كان الوحى والاستعجال وحمى الوطيس والمجال وعلا الجزء الخفيف وتضافرت الخصور الهيف وتشاطر الطبع العفيف وتواتر التقبيل وكان الأخذ الوبيل وامتاز الأنوك من النبيل ومنها جائر وعلى الله قصد السبيل فيا لها من نعم متداركة ونفوس فى سبيل القحة متهالكة ونفس يقطع حروف الحلق وسبحان الذى يزيد فى الخلق وعظمت الممانعة وكثرت باليد المصانعة وطال التراوغ والتزاور وشكى التحاور وهنالك تختلف الأحوال وتعظم الأهوال وتخسر أو تربح الأموال فمن عصا تنقلب ثعبانا مبينا ونونة تصير تنينا وبطل لم يهمله المعترك الهائل والوهم الزائل ولا حال بينه وبين قرنه الحائل فتعدى فتكه السليك الى فتكه البراض وتقلد مذهب الأزارقة من الخوارج فى الاعتراض ثم شق الصف وقد خضب الكف بعد أن كان يصيب البوسى

بطعنته ويبوء بمقت الله ولعنته
( طعنت ابن عبد الله طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها )
وهناك هدأ القتال وسكن الخبال ووقع المتوقع فاستراح البال وتشوف الى مذهب الثنوية من لم يكن للتوحيد بمبال وكثر السؤال عن المبال بما بال وجعل الجريح يقول وقد نظر الى دمه يسيل على قدمه
( إنى له عن دمى المسفوك معتذر ... أقول حملته فى سفكه تعبا )
ومن سنان عاد عنانا وشجاع صار جبانا كلما شابته شائبة ريبه أدخل يده فى جيبه فانجحرت الحية وماتت الغريزة الحية وهناك يزيغ البصر ويخذل المنتصر ويسلم الأشر ويغلب الحصر ويجف اللعاب ويظهر العاب ويخفق الفؤاد ويكبو الجواد ويسيل العرق ويشتد الكرب والأرق وينشأ فى محل الأمن الفرق ويدرك فرعون الغرق ويقوى اللجاج ويعظم الخرق فلا تزيد الحال إلا شدة ولا تعرف تلك الجائحة المؤمنة إلا ردة
( إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجنى عليه اجتهاده )
فكم مغرى بطول اللبث وهو من الخبث يؤمل الكرة ليزيل المعرة ويستنصر الخيال ويعمل باليد الاحتيال
( إنك لا تشكو الى مصمت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت )

ومعتذر بمرض أصابه جرعه أو صابه ووجع طرقه جلب أرقه وخطيب أرتج عليه أحيانا فقال سيحدث الله بعد عسر يسرا وبعد وعى بيانا اللهم إنا نعوذ بك من فضائح الفروج إذا استغلقت أقفالها ولم تتسم بالنجيع أغفالها ومن معرات الأقذار والنكول عن الأبكار ومن النزول عن البطون والسرر والجوارح الحسنة الغرر قبل ثقب الدرر ولا تجعلنا ممن يستحيى من البكر بالغداة وتعلم منه كلال الأداة وهو مجال فضحت فيه رجال وفراش شكيت فيه أوجال وأعملت روية وارتجال فمن قائل
( أرفعه طورا على إصبعى ... ورأسه مضطرب أسفله )
( كالحنش المقتول يلقى على ... عود لكى يطرح فى مزبلة ) وقائل
( عدمت من أيرى قوى حسه ... يا حسرة المرء على نفسه )
( تراه قد مال على أصله ... كحائط خر على أسه )
وقائل
( أيحسدنى إبليس داءين أصبحا ... برجلى ورأسى دملا وزكاما )
( فليتهما كانا به وأزيده ... رخاوة أير لا يطيق قياما )
( إذا نهضت للنيك أزباب معشر ... توسد إحدى خصيتيه وناما )
وقائل
( أقول لأيرى وهو يرقب فتكه ... به خبت من اير وعالتك داهيه )
( إذا لم يكن للأير بخت تعذرت ... عليه وجوه النيك من كل ناحيه )
وقائل
( تعقف فوق الخصيتين كأنه ... رشاء الى جنب الركية ملتف )

( كفرخ ابن ذى يومين يرفع رأسه ... الى أبويه ثم يدركه الضعف )
وقائل
( تكرش أيري بعدما كان أملسا ... وكان غنيا من قواه فأفلسا )
( وصار جوابى للمها إن مررن بى ... ومضى الوصل الامنية تبعث الأسى )
وقائل
( بنفسى من حييته فاستخف بى ... ولم يخطر الهجران يوما على بالى )
( وقابلنى بالغور والنجد بعدما ... حططت به رحلى وجردت سربالى )
( وما أرتجى من موسر فوق تكة ... عرضت له شيئا من الحشف البالى )
هموم لا تزال تبكى وعلل الدهر تشكى وأحاديث تقص وتحكى فإن كنت أعزك الله سبحانه من النمط الأول ولم تقل
( وهل عند رسم دارس من معول ... )
فقد جنيت الثمر واستطبت السمر فاستدع الأبواق من أقصى المدينة واخرج على قومك فى ثياب الزينة واستبشر بالوفود وعرف المسمع عازفة الجود وتبجح بصلابة العود وإنجاز الوعود واجن رمان النهود من أغصان القدود واقطف ببنان اللثم أقاح الثغور وورد الخدود وأن كانت الأخرى فأخف الكمد وارض الثمد وانتظر الأمد وأكذب التوسم واستعمل التبسم واستكتم النسوة وأفض فيهن الرشوة وتقلد المغالطة وارتكب وجىء على قميصه بدم كذب واستنجد الرحمن واستعن على أمرك بالكتمان

( لا تظهرن لعاذل أو عاذر ... حاليك فى الضراء والسراء )
( فلرحمة المتفجعين حرارة ... فى القلب مثل شماتة الأعداء )
وانتشق الأرج وارتقب الفرج فكم غمام طما ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) الانفال واملك بعدها عنان نفسك حتى تمكنك الفرصة وترفع اليك القصة ولا تشره الى عمل لا تفىء منه بتمام وخذ عن إمام ولله در الحارث بن هشام
( الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا مهرى بأشقر مزبد )
( وعلمت أنى إن أقاتل دونهم ... أقتل ولم يضرر عدوى مشهدي )
( ففررت منهم والأحبة فيهم ... طعما لهم بعقاب يوم مفسد )
واللبانات تلين وتجمح والمآرب تدنو وتنزح وتحرن ثم تسمح وكم من شجاع خام ويقظ نام ودليل أخطأ الطريق وأضل الفريق والله عز و جل يجعلها خلة موصولة وشملا أكنافه بالخير مشمولة وبنية أركانها لركائب اليمن مأمولة حتى تكثر خدم سيدي وجواريه وأسرته وسراريه وتضفو عليه نعم باريه ما طورد قنيص واقتحم عيص وأدرك مرام عويص وأعطى زاهد وحرم حريص والسلام

بقية ترجمة ابن خلدون عن الإحاطة
تواليفه شرح البردة شرحا بديعا دل به على انفساح ذرعه وتفنن إدراكه

وغزارة حفظه ولخص كثيرا من كتب ابن رشد وعلق للسلطان أيام نظره فى العقليات تقييدا مفيدا فى المنطق ولخص محصل الإمام فخر الدين الرازى وبه داعبته أول لقيه فقلت له لى عليك مطالبة فإنك لخصت محصلى وألف كتابا فى الحساب وشرع فى هذه الأيام فى شرح الرجز الصادر عنى فى أصول الفقه بشىء لا غاية فوقه فى الكمال
وأما نثره وسلطانياته السجعية فخلع بلاغة ورياض فنون ومعادن إبداع يفرغ عنها يراعه الجرىء شبيهة البداءات بالخواتم فى نداوة الحروف وقرب العهد بجرية المداد ونفوذ أمر القريحة واسترسال الطبع
وأما نظمه فنهض لهذا العهد قدما فى ميدان الشعر ونقده باعتبار أساليبه فانثال عليه جوه وهان عليه صعبه فأتى منه بكل غريبة
خاطب السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الكريم عام اثنين وستين وسبعمائة بقصيدة طويلة أولها
( أسرفن فى هجري وفى تعذيبى ... وأطلن موقف عبرتى ونحيبى )
( وأبين يوم البين وقفة ساعة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيب )
( لله عهد الظاعنين وغادروا ... قلبى رهين صبابة ووجيب )
( غربت ركائبهم ودمعى سافح ... فشرقت بعدهم بماء غروبى )
( يا ناقعا بالعتب غلة شوقهم ... رحماك فى عذلى وفى تأنيبى )
( يستعذب الصب الملام واننى ... ماء الملام لدى غير شريب )
( ما هاجنى طرب ولا اعتاد الجوى ... لولا تذكر منزل وحبيب )
( أهفو الى الأطلال كانت مطلعا ... للبدرمنهم أو كناس ربيب )

( عبثت بها أيدى البلى وترددت ... فى عطفها للدهر آي خطوب )
( تبلى معاهدها وان عهودها ... ليجدها وصفى وحسن نسيبى )
( واذا الديار تعرضت لمتيم ... هزته ذكراها الى التشبيب )
( ايه على الصبر الجميل فإنه ... الوى بدين فؤادى المنهوب )
( لم أنسها والدهر يثنى صرفه ... ويغض طرفى حاسد ورقيب )
( والدار مونقة محاسنها بما ... لبست من الأيام كل قشيب )
( يا سائق الأظعان تعتسف الفلا ... وتواصل الإساد بالتأويب )
( متهافتا عن رحل كل مذلل ... نشوان من اين ومس لغوب )
( تتجاذب النفحات فضل ردائه ... فى ملتقاها من صبا وجنوب )
( ان هام من ظمإ الصبابة صحبه ... نهلوا بمورد دمعه المسكوب )
( أو تعترض مسراهم سدف الدجى ... صدعوا الدجى بغرامه المشبوب )
( فى كل شعب منية من دونها ... هجر الأمانى أو لقاء شعوب )
( هلا عطفت صدورهن الى التى ... فيها لبانة أعين وقلوب )
( فتؤم من أكناف يثرب مأمنا ... يكفيك ما تخشاه من تثريب )
( حيث النبوة آيها مجلوة ... تتلو من الآثار كل غريب )
( سر غريب لم يحجبه الثرى ... ما كان سر الله بالمحجوب )
ومنها بعد تعديد معجزاته صلى الله عليه و سلم
( يا سيد الرسل الكرام ضراعة ... تقضى منى نفسى وتذهب حوبى )
( عاقت ذنوبى عن جنابك والمنى ... فيها تعللنى بكل كذوب )
( لا كالألى صرفوا العزائم للتقى ... فاستأثروا منها بخير نصيب )

( لم يخلصوا لله حتى فرقوا ... فى الله بين مضاجع وجنوب )
( هب لى شفاعتك التى ارجو بها ... صفحا جميلا عن قبيح ذنوبى )
( ان النجاة وان أتيحت لامرىء ... فبفضل جاهك ليس بالتسبيب )
( انى دعوتك واثقا باجابتى ... يا خير مدعو وخير مجيب )
( قصرت فى مدحى فإن يك طيبا ... فبما لذكرك من أريج الطيب )
( ماذا عسى يبغى المطيل وقد حوى ... فى مدحك القرآن كل مطيب )
( يا هل تبلغنى الليالى زورة ... تدنى الى الفوز بالمرغوب )
( امحو خطيئاتى بإخلاصى بها ... وأحط أوزارى واصر ذنوبى )
( فى فتية هجروا المنى وتعودوا ... إنضاء كل نجيبه ونجيب )
( يطوى صحائف ليلهم فوق الفلا ... ما شئت من خبب ومن تقريب )
( إن رنم الحادى بذكرك رددوا ... أنفاس مشتاق اليك طروب )
( أو غرد الركب الخلى بطيبة ... حنوا لمغناها حنين النيب )
( ورثوا اعتساف البيد عن آبائهم ... إرث الخلافة فى بنى يعقوب )
( الطاعنون الخيل وهى عوابس ... يغشى مثار النقع كل سبيب )
( والواهبون المقربات صوافنا ... من كل خوار العنان لعوب )
( والمانعون الجار حتى عرضهم ... فى منتدى الأعداء غير معيب )
( تخشى بوادرهم ويرجى حلمهم ... والعز شيمة مرتجى ومهيب )
ومنها
( سائل به طامى العباب وقد سرى ... تزجى بريح العزم ذات هبوب )
( تهدية شهب أسنة وعزائم ... يصدعن ليل الحادث المرهوب )

( حتى انجلت ظلم الضلال بسعيه ... وسطا الهدى بفريقها المغلوب )
( يا ابن الألى شادوا الخلافة بالتقى ... واستأثروك بتاجها المعصوب )
( جمعوا بحفظ الدين آي مناقب ... كرموا بها فى مشهد ومغيب )
( لله مجدك طارفا أو تالدا ... فلقد شهدنا منه كل عجيب )
( كم رهبة أو رغبة لك والعلا ... تقتاد بالترغيب والترهيب )
( لا زلت مسرورا بأشرف دولة ... يبدو الهدى من أفقها المرقوب )
( تحيي المعالى غاديا أو رائحا ... وجديد سعدك ضامن المطلوب )
وقال من قصيدة خاطبه بها عند وصول هدية ملك السودان اليه وفيها الزرافة
( قدحت يد الأشواق من زندي ... وهفت بقلبى زفرة الوجد )
( ونبذت سلوانى على ثقة ... بالقرب فاستبدلت بالبعد )
( ولرب وصل كنت آمله ... فاعتضت منه مؤلم الصد )
( لا عهد عند الصبر أطلبه ... إن الغرام أضاع من عهدى )
( يلحى العذول فما أعنفه ... وأقول ضل فأبتغى رشدى )
( وأعارض النفحات أسالها ... برد الجوى فتزيد فى الوقد )
( يهدى الغرام الى مسالكها ... لتعللى بضعيف ما تهدى )
( يا سائق الوجناء معتسفا ... طى الفلاة لطية الوجد )
( أرح الركاب ففى الصبا نبأ ... يغنى عن المستنة الجرد )
( وسل الربوع برامة خبرا ... عن ساكنى نجد وعن نجد )
( ما لى تلام على الهوى خلقى ... وهى التى تأبى سوى الحمد )
( لأبيت إلا الرشد مذ وضحت ... بالمستعين معالم الرشد )
( نعم الخليفة فى هدى وتقى ... وبناء عز شامخ الطود )

( نجل السراة الغر شأنهم ... كسب العلا بمواهب الوجد )
ومنها
( لله منى إذ تاوبنى ... ذكراه وهو بشاهق فرد )
( شهم يفل بواترا قضبا ... وجموع أقيال أولى ايد )
( أوريت زند العزم فى طلبى ... وقضيت حق المجد من قصدى )
( ووردت عن ظمإ مناهلة ... فرويت من عز ومن رفد )
( هى جنة المأوى لمن كلفت ... آماله بمطالب المجد )
( لو لم أعل بورد كوثرها ... ما قلت هذى جنة الخلد )
( من مبلغ قومى ودونهم ... قذف النوى وتنوفة البعد )
( أنى أنفت على رجائهم ... وملكت عز جميعهم وحدى )
ومنها
( ورقيمة الأعطاف حالية ... موشية بوشائع البرد )
( وحشية الأنساب ما أنست ... فى موحش البيداء بالقرد )
( تسمو بجيد بالغ صعدا ... شرف الصروح بغير ما جهد )
( طالت رؤوس الشامخات به ... ولربما قصرت عن الوهد )
( قطعت اليك تنائفا وصلت ... إسادها بالنص والوخد )
( تخدي على استصعابها ذللا ... وتبيت طوع القن والقد )
( بسعودك اللائي ضمن لنا ... طول الحياة بعيشة رغد )
( جاءتك في وفد الأحابش لا ... يرجون غيرك مكرم الوفد )
( وافوك أنضاء تقلبهم ... أيدي السرى بالغور والنجد )
( كالطيف يستقري مضاجعه ... أو كالحسام يسل من غمد )

( يثنون بالحسنى التى سبقت ... من غير إنكار ولا جحد )
( ويرون لحظك من وفادتهم ... فخرا على الأتراك والهند )
( يا مستعينا جل في شرف ... عن رتبة المنصور والمهدي )
( جازاك ربك عن خليفته ... خير الجزاء فنعم ما تسدي )
( وبقيت للدنيا وساكنها ... في عزة أبدا وفي سعد )
وقال يخاطب عمر بن عبد الله مدير ملك الغرب
( يا سيد الفضلاء دعوة مشفق ... نادى لشكوى البث خير سميع )
( ما لي وللإفضاء بعد تعلة ... بالقرب كنت لها أجل شفيع )
( وأرى الليالي رنقت لي صافيا ... منها فأصبح في الأجاج شروعي )
( ولقد خلصت إليك بالقرب التى ... ليس الزمان لشملها بصدوع )
( ووثقت منك بأي وعد صادق ... أني المصون وأنت غير مضيع )
( وسما بنفسي للخليفة طاعة ... دون الأنام هواك قبل نزوع )
حتى انتحاني الكاشحون بسعيهم ... فصددتهم عني وكنت منيعي )
( رغمت أنوفهم بنجح وسائلي ... وتقطعت أنفاسهم بصنيعي )
( وبغوا بما نقموا علي خلائقي ... حسدا فراموني بكل شنيع )
( لا تطمعنهم ببذل في التى ... قد صنتها عنهم بفضل قنوعي )
( أنى أضام وفي يدي القلم الذي ... ما كان طيعة ولهم بمطيع )
( ولي الخصائص ليس تأبى رتبة ... حسبي بعلمي ذاك من تفريعي )
( قسما بمجدك وهو خير ألية ... أعتدها لفؤادي المصدوع )
( إني لتصطحب الهموم بمضجعي ... فتحول ما بيني وبين هجوعي )
( عطفا علي بوحدتي عن معشر ... نفث الإباء صدودهم في روعي )
( أغدوا إذا باكرتهم متجلدا ... وأروح أعثر في فضول دموعي )
( حيران أوجس عند نفسي خيفة ... فتسر في الأوهام كل مروع )

( أطوى على الزفرات قلبا آده ... حمل الهموم تجول بين ضلوعى )
( ولقد اقول لصرف دهر رابنى ... بحوادث جاءت على تنويع )
( مهلا عليك فليس خطبك ضائرى ... فلقد لبست له أجن دروع )
( إنى ظفرت بعصمة من أوحد ... بذ الجميع بفضله المجموع )
وقال يخاطب بعض الوزراء فى حال وحشة
( هنيئا بصوم لا عداه قبول ... وبشرى بعيد انت فيه منيل )
( وهنيتها من عزة وسعادة ... تتابع أعوام بها وفصول )
( سقى الله دهرا أنت إنسان عينه ... ولا مس ربعا فى حماك محول )
( فعصرك ما بين الليالى مواسم ... لها غرر وضاحة وحجول )
( وجانبك المأمول للجرد مشرع ... يحوم عليه عالم وجهول )
( عساك وان ضن الزمان منولى ... فرسم الأمانى من سواك محيل )
( أجرنى وليس الدهر لى بمسالم ... اذا لم يكن لى فى ذراك مقيل )
( وأوليتنى الحسنى بما انا آمل ... فمثلك يولى راجيا وينيل )
( ووالله ما رمت الترحل عن قلى ... ولا سخط للعيش فهو جزيل )
( ولا رغبة عن هذه الدار انها ... لظل على هذا الأنام ظليل )
( ولكن نأى بالشعب عنى حبائب ... دعاهن خطب للفراق طويل )
( يهيج بهن الوجد أنى نازح ... وأن فؤادى حيث هن حلول )
( عزيز عليهن الذى قد لقيته ... وأن اغترابى فى البلاد يطول )
( توارت بانبائى البقاع كأننى ... تخطفت أو غالت ركابى غول )

( ذكرتك يا مغنى الأحبة والهوى ... فطارت بقلبى أنه وعويل )
( وحييت عن شوق رباك كأنما ... يمثل لى نؤي بها وطلول )
( أأحبابنا والعهد بينى وبينكم ... كريم وما عهد الكريم يحول )
( اذا انا لم ترض الحمول مدامعى ... فلا قربتنى للقاء حمول )
( الام مقامى حيث لم ترد العلا ... مرادى ولم تعط القياد ذلول )
( أجاذب فضل العمر يوما وليلة ... وساء صباح بينها وأصيل )
( ويذهب فيما بين يأس ومطمع ... زمان بنيل المعلوات بخيل )
( تعللنى منه أمان خوادع ... ويؤيسنى ليان منه مطول )
( أما لليال لا ترد خطوبها ... ففى كبدى من وقعهن فلول )
( يروعنى من صرفها كل حادث ... تكاد له صم الجبال تزول )
( أدارى على رغم العدا لا لريبة ... يصانع واش خوفها وعذول )
( وأغدو بأشجانى عليلا كأنما ... تجود بنفسى زفرة وغليل )
( وإنى وان أصبحت فى دار غربة ... تحيل الليالى سلوتى وتزيل )
( وصدتنى الأيام عن خير منزل ... عهدت به ان لا يضام نزيل )
( لأعلم أن الخير والشر ينتهى ... مداه وان الله سوف يديل )
( وأنى عزيز بابن ماساى مكثر ... وإن هان أنصار وبان خليل )
وقال يمدح
( هل غير بابك للغريب مؤمل ... أو عن جنابك للأمانى معدل )
( هى همة بعثت إليك على النوى ... عزما كما شحذ الحسام الصيقل )
( متبوأ الدنيا ومنتجع المنى ... والغيث حيث العارض المتهلل )
( حيث القصور الزاهرات منيفة ... تعنى بها زهر النجوم وتحفل )

( حيث الخيام البيض يرفع للعلا ... والمكرمات طرافها المتهدل )
( حيث الحمى للعز دون مجاله ... ظل أفاءته الوشيج الذبل )
( حيث الكرام ينوب عن نار القرى ... عرف الكباء بحيهم والمندل )
( حيث الجياد أملهن بنو الوغى ... مما أطالوا فى المغر وأوغلوا )
( حيث الوجوه الغر قنعها الحيا ... والبشر فوق جبينها يتهلل )
( حيث الملوك الصيد والنفر الألى ... عز الجوار لديهم والمنزل )
وأنشد السلطان أبا عبد الله ابن الحجاج لأول قدومه ليلة الميلاد الكريم عام أربعة وستين وسبعمائة هذه القصيدة
( حى المعاهد كانت قبل تحيينى ... بواكف الدمع يرويها ويظمينى )
( إن الألى نزحت دارى ودارهم ... تحملوا القلب فى آثارهم دونى )
( وقفت أنشد صبرا ضاع بعدهم )
( فيهم وأسال رسما لا يناجينى )
( أمثل الربع من شوق وألثمة ... وكيف والفكر يذنيه ويقصينى )
( وينهب الوجد منى كل لؤلؤة ... ما زال جفنى عليها غير مأمون )
( سقت جفونى مغانى الربع بعدهم ... فالدمع وقف على أطلاله الجون )
( قد كان للقلب عن داعى الهوى شغل ... لو أن قلبى إلى السلوان يدعونى )
( أحبابنا هل لعهد الوصل مدكر ... منكم وهل نسمة منكم تحيينى )
( ما لى وللطيف لا يعتاد زائره ... وللنسيم عليلا لا يداوينى )
( يا أهل نجد وما نجد وساكنها ... حسنا سوى جنة الفردوس والعين )
( أعندكم أننى ما مر ذكركم ... إلا انثنيت كأن الراح تثنينى )
( أصبو الى البرق من أنحاء أرضكم ... شوقا ولولاكم ما كان يصبينى )

( يا نازحا والمنى تدنيه من خلدي ... حتى لاحسبه قربا يناجينى )
( أسلى هواك فؤادى عن سواك وما ... سواك يوما بحال عنك يسلينى )
( ترى الليالى أنستك اد كارى يا ... من لم يكن ذكره الأيام تنسينى )
ومنها
( أبعد مر الثلاثين التى ذهبت ... أولى الشباب بإحسانى وتحسينى )
( أضعت فيها نفيسا ما وردت به ... إلا سراب غرور لا يروينى )
( واحسرتى من أمان كلها خدع ... تريش غيي ومر الدهر يبرينى ) ومنها فى وصف المشور المبنى لهذا العهد
( يا مصنعا شيدت منه السعود حمى ... لا يطرق الدهر مبناه بتوهين )
( صرح يحار لديه الطرف مفتتنا ... فيما يروقك من شكل وتكوين )
( بعدا لإيوان كسرى أن مشورك ... السامى لأعظم من تلك الأواوين )
( ودع دمشق ومغناها فقصرك ذا ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون )
ومنها فى التعريض بالوزير الذى كان انصرافه بسببه
( من مبلغ عنى الصحب الألى جهلوا ... ودى وضاع حماهم إذ أضاعونى )
( أنى أويت من العليا الى حرم ... كادت مغانية بالبشرى تحيينى )
( واننى ظاعنا لم ألق بعدهم ... دهرا أشاكى ولا خصما يشاكينى )
( لا كالتى أخفرت عهدي ليالي إذ ... أقلب الطرف بين الخوف والهون )
( سقيا ورعيا لأيامى التى ظفرت ... يداي منها بحظ غير مغبون )
( أرتاد منها مليا لا يماطلنى ... وعدا وأرجوا كريما لا يعنينى )

ومنها
( وهاك منها قواف طيها حكم ... مثل الأزاهر فى طى الرياحين )
( تلوح ان جليت درا وإن تليت ... تثنى عليك بأنفاس البساتين )
( عانيت منها بجهدى كل شاردة ... لولا سعودك ما كانت تواتينى )
( يمانع الفكر عنها ما تقسمه ... من كل حزن بطى الصدر مكنون )
( لكن بسعدك ذلت لى شواردها ... فرضت منها بتحبير وتزيين )
( بقيت دهرك فى أمن وفي دعه ... ودام ملكك فى نصر وتمكين )
وهو الآن بحالته الموصوفة من الوجاهة والحظوة قد استعمل فى السفارة إلى ملك قشتالة فراقه وعرف حقه
مولده بتونس بلده فى شهر رمضان عام اثنين وثلاثين وسبعمائة انتهى كلام لسان الدين فى حق ابن خلدون

تعليق للمقرى والباعونى
قلت هذا كلام لسان الدين فى حق المذكور فى مبادىء أمره وأواسطه فكيف لو رأى تاريخه الكبير الذى نقلنا منه فى مواضع وسماه ديوان العبر وكتاب المبتدإ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر ورأيته بفاس وعليه خطه فى ثمانى مجلدات كبار جدا وقد عرف فى آخره بنفسه وأطال وذكر أنه لما كان بالأندلس وحظى عند السلطان أبى عبد الله شم من وزيره ابن الخطيب رائحة الانقباض فقوض الرحال ولم يرض من الإقامة بحال ولعب بكرته صوالجة الأقدار حتى حل بالقاهرة المعزية واتخذها خير دار وتولى بها قضاء القضاة وحصلت له أمور رحمه الله تعالى

وكان أعنى الولى ابن خلدون كثير الثناء على لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
ولقد رأيت بخط العالم الشهير الشيخ إبراهيم الباعونى الشامى فيما يتعلق بابن خلدون ما نص محل الحاجة منه تقلبت به الأحوال حتى قدم الى الديار المصرية وولى بها قضاة المالكية فى الدولة الشريفة الظاهرية وصحبته رحمه الله تعالى فى سنة 803 عند قدومه الى الشام صحبة الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق فى فتنة تمرلنك عليه من الله تعالى ما يستحقه وأكرمه تمرلنك غاية الإكرام وأعاده الى الديار المصرية وكنت أكثر الاجتماع به بالقاهرة المحروسة للمودة الحاصلة بينى وبينه وكان يكثر من ذكر لسان الدين ابن الخطيب ويورد من نظمه ونثره ما يشنف به الأسماع وينعقد على استحسانه الإجماع وتتقاصر عن إدراكه الأطماع فC تعالى عليهما وأزكى تحياته تهدى اليهما
ولقد كان ابن خلدون هذا من عجائب الزمان وله من النظم والنثر ما يزرى بعقود الجمان مع الهمة العلية والتبحر فى العلوم النقلية والعقلية وكانت وفاته بالقاهرة المعزية سنة 807 سقى الله تعالى عهده ووطأ فى الفردوس مهده
قاله وكتبه الفقير الى الله تعالى إبراهيم بن أحمد الباعونى الشافعى غفر الله تعالى له زلله وأصلح خلله انتهى
10 - ومن نثر لسان الدين ما ذكره فى الإحاطة فى ترجمة يحيى بن إبراهيم ابن يحيى البرغواطى من بنى الترجمان ولنذكر الترجمة بجملتها لأشتمالها على ما ذكر وغيره فى حق المذكور بعد قوله إنه من بنى الترجمان ما صورته
عزف عنهم وانقطع إلى لقاء الصالحين وصحبه الفقراء المتجردين وكان نسيج وحده فى طلاقة اللسان حافظا لكل غريبة من غرائب الصوفية يتكلم فى مشكلاتهم حفظ منازل السائرين للهروى وتائية ابن الفارض مليح الملبس مترفع عن الكدية حسن الحديث صاحب شهرة ومع ذلك

فمغضوض منه محمول عليه لما جبل عليه من رفض الاصطلاح واطراح التغافل مولع بالنقد والمخالفة فى كل ما يطرق سمعه مرشحا ذلك بالجدل المبرم ذاهبا أقصى مذاهب القحة كثير الفلتات نالته بسبب هذه البلية محن ووسم بالرهق فى دينه مع صحة العقل وهو الآن عامر الرباط المنسوب إلى اللجام على رسم الشياخة عديم التابع مهجور الفناء قيد الكثير من الأجزاء منها فى نسبة الذنب إلى الذاكر جزء نبيل غريب المأخذ ومنها فيما أشكل من كتاب ابى محمد ابن الشيخ وصنف كتابا كبير الحجم فى الاعتقادات جلب فيه كثيرا من الحكايات رأيت عليه بخط شيخنا أبى عبد الله المقرى ما يدل على استحسانه
ومن البرسام الذى يجرى على لسانه بين الجد والقحة والجهالة والمجانة قوله لبعض خدام باب السلطان وقد ضويق فى شىء أضجره منقولا من خطه بعد رد كثير منه للإعراب ما نصه الله نور السموات من غير نار ولا غيرها والسلطان ظل له وسراجه فى الأرض ولكل منهما فراش مما يليق به ويتهافت عليه فهو تعالى محرق فراشه بذاته ومغرقهم بصفاته وسراجه وظله هو السلطان محرق فراشه بناره مغرقهم بزيته ونواله ففراش الله تعالى ينقسم الى حافين ومسبحين ومستغفرين وأمناء وشاخصين وفراش السلطان ينقسمون إلى أقسام لا يشذ أحدهم عنها وهم وزغة ابن وزغة وكلب ابن كلب وكلب مطلقا وعار ابن عار وملعون ابن ملعون وقط فأما الوزغة فهو المغرق فى زيت نواله المشغول بذلك عما يليق بصاحب النعمة من النصح وبذل الجهد والكلب ابن الكلب هو الكيس المتحرز فى تهافته من إحراق وإغراق يعطى بعض الحق ويأخذ بعضه وأما الكلب مطلقا فهو المواجه وهو المشرد للسفهاء عن الباب المعظم القليل النعمة وأما العار ابن العار فهو المتعاطى فى تهافته ما فوق الطوق ولهذا امتاز هذا الاسم بالرياسة عند العامة اذا مر بهم جلف أو متعاظم يقولون هذا العار ابن العار يحسب نفسه رئيسا وذلك لقرب المناسبة فهو موضوع لبعض الرياسة كما أن الكلب ابن الكلب لبعض الكياسة وأما الملعون

ابن الملعون فهو المغالط المعاند المشارك لربه المنعم عليه فى كبريائه وسلطانه وأما القط فهو الفقير مثلى المستغنى عنه لكونه لا تختص به رتبة فتارة فى حجر الملك وتارة فى السنداس وتارة فى أعلى الرتب وتارة محسن وتارة مسىء تغفر سيئاته الكثيرة بأدنى حسنة إذ هو من الطوافين متطير بقتله وإهانته تياه فى بعض الأحايين بعزة يجدها من حرمة أبقاها له الشارع وكل ذلك لا يخفى
وأما الفراش المحرق فهو عند الدول نوعان تارة يكون ظاهرا وحصته مسح المصباح وتصفية زيته وإصلاح فتيله وستر دخانه ومسايسة ما يكون من المطلوب منه ووجود هذا شديد الملازمة ظاهرا وأما المحرق الباطن فهو المشار اليه فى دولته بالصلاح والزهد والورع فيعظمه الخلق ويترك لما هو بسبيله فيكون وسيلة بينهم وبين ربهم وخليفته الذى هو مصباحهم فإذا أراد الله تعالى إهلاك المروءة وإطفاء مصباحها تولى ذلك أهل البطالة والجهالة وكان الأمر كما رأيتم والكل فراش متهافت وكل يعمل على شاكلته
11 - قال الوزير لسان الدين وطلب منى الكتب عليه بمثل ذلك فكتبت ببعض أوراقه إثارة لضجره واستدعاء لفكاهة انزعاجه ما نصه
وقفت من الكتاب المنسوب لصاحبنا ابى زكريا البرغواطى على برسام محموم واختلاط مذموم وانتساب زنج فى روم وكان حقه ان يتهيب طريقا لم يسلكها ويتجنب عقيله لم يملكها اذ المذكور لم يتلق شيئا من علم الأصول ولا نظر من الإعراب فى فصل من الفصول إنما هى قحة وخلاف وتهاون بالمعارف واستخفاف غير أنه يحفظ فى طريق القوم كل نادرة وفيه رجولية ظاهرة وعنده طلاقة لسان وكفاية قلما تتأتى لإنسان فإلى الله نضرع ان يعرفنا مقادير الأشياء ويجعلنا بمعزل عن الأغبياء وقد قلت مرتجلا من أول نظره واجتزاء بقليل من كثره

( كل جار لغاية مرجوه ... فهو عندى لم يعد حق الفتوة )
( وأراك اقتحمت ليلا بهيما ... مولجا منك ناقة فى كوه )
( لا اتباعا ولا اختراعا أتتنا ... إذ نظرنا عروسك المجلوة )
( كل ما قلته فقد قاله الناس ... مقالا آياته متلوه )
( لم تزد غير أن أبحت حمى الإعراب ... فى كل لفظة مقروه )
( نسأل الله فكرة تلزم العقل ... الى حشمة تحوط المروه )
( وعزيز على ان كنت يحيى ... ثم لم تأخذ الكتاب بقوة )
12 - ومن بديع نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه لسلطان تلمسان إثر قصيدة سينية حازت قصب السبق ولنثبت الكل هنا فنقول قال الإمام الحافظ عبد الله التنسى نزيل تلمسان رحمه الله تعالى عندما جرى ذكر أمير المسلمين السلطان أبى حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يغمراسن بن زيان رحمه الله تعالى ما صورته وكان الفقيه ذو الوزارتين أبو عبد الله ابن الخطيب كثيرا ما يوجه إليه بالأمداح ومن أحسن ما وجه له قصيدة سينية فائقة وذلك عندما أحس بتغير سلطانه عليه فجعلها مقدمة بين يدى نجواه لتمهد له مثواه وتحصل له المستقر إذا ألجأه الأمر إلى المفر فلم تساعده الأيام كما هو شأنها فى أكثر الأعلام وهى هذه
( أطلعن فى سدف الفروع شموسا ... ضحك الظلام لها وكان عبوسا )
( وعطفن قضبا للقدود نواعما ... بوئن أدواح النعيم غروسا )
( وعدلن عن جهر السلام مخافة ... الواشى فجئن بلفظه مهموسا )
( وسفرن من دهش الوداع وقومهن ... الى الترحل قد أناخوا العيسا )
( وخلسن من خلل الحجال إشارة ... فتركن كل حجالها مخلوسا )
( لم أنسها من وحشة والحى قد ... زجر الحمول وآثر التغليسا )

( لا الملتقى من بعدها كثب ولا ... عوج الركائب تسأم التخييسا )
( فوقفت وقفة هائم برحاؤه ... وقفت عليه وحبست تحبيسا )
( ودعوت عينى عاتبا وعيونها ... بعصا النوى قد بجست تبجيسا )
( نافست يا عينى در دموعهم ... فعرضت درا للدموع نفيسا )
( ما للحمى بعد الأحبة موحشا ... ولكم تراءى آهلا مأنوسا )
( ولسربه حول الخميلة نافرا ... عمن يحس به وكان أنيسا )
( ولظله المورود غمر قليبه ... لا يقتضى وردا ولا تعريسا )
( حييته فأجابنى رجع الصدى ... لا فرق بينهما إذا ما قيسا )
( ما ان يزيد على الإعادة صوته ... حرفا فيشفى بالمزيد نسيسا )
( نضب المعين وقلص الظل الذى ... ظلنا عكوفا عنده وجلوسا )
( نتواعد الرجعى ونغتنم اللقا ... وندير من شكوى الغرام كؤوسا )
( فإذا سألت فلا تسائل مخبرا ... واذا سمعت فلا تحس حسيسا )
( عهدى به والدهر يتحف بالمنى ... وقد اقتضت نعماه ان لا بوسا )
( والعيش غض الريع والدنيا قد ... اجتليت بمغناه على عروسا )
( أترى يعيد الدهر عهدا للصبا ... درست مغانى الأنس فيه دروسا )
( أوطان أوطار تعوض أفقها ... من رونق البشر البهى عبوسا )
( هيهات لا تغنى لعل ولا عسى ... فى مثلها إلا لآية عيسى )
( والدهر فى دست القضاء مدرس ... فإذا قضى يستأنف التدريسا )
( تفتن فى جمل الورى أبحاثه ... لا سيما فى باب نعم وبيسا )
( وسجية الإنسان ليس بناصل ... من صبغها حتى يرى مرموسا )
( يغتر مهما ساعدت آماله ... فإذا عراه الخطب كان يؤوسا )

( فلو أن نفسا مكنت من رشدها ... يوما وقدسها الهدى تقديسا )
( لم تستفز رسوخها النعمى ولا ... هلعت اذا كشرت اليها البوسى )
( قل للزمان اليك عن متذمم ... بضمان عز لم يكن ليخيسا )
( فإذا استحر جلاده فأنا الذى ... استغشيت من سرد اليقين لبوسا )
( واذا طغى فرعونه فأنا الذى ... من ضره وأذاه عذت بموسى )
( أنا ذا أبو مثواه من يحمي الحمى ... ليثا ويعلم بالزئير الخيسا )
( بحمى أبى حمو حططت ركائبى ... لما اختبرت الليث والعريسا )
( أسد الهياج إذا خطا قدما سطا ... فتخلف الأسد الهزبر فريسا )
( بدر الهدى يأبى الضلال ضياؤه ... أبدا فيجلو الظلمة الحنديسا )
( جبل الوقار رسا وأشرف واعتلى ... وسما فطأطأت الجبال رؤوسا )
( غيث النوال اذا الغمام حلوبة ... مثلت بأيدي الحالبين بسوسا )
( تلقاه يوم الأنس روضا ناعما ... وتراه بأسا فى الهياج بئيسا )
( كم غمرة جلى وكم خطب كفى ... ان أوطأ الجرد العتاق وطيسا )
( كم حكمة أبدى وكم قصد هدى ... للسالكين أبان منه دريسا )
( أعلى بنى زيان والفذ الذى ... لبس الكمال فزين الملبوسا )
( جمع الندى والبأس والشيم العلا ... والسؤدد المتواتر القدموسا )
( والحلم ليس يباين الخلق الرضى ... والعلم ليس يعارض الناموسا )
( والسعد يغنى حكمه عن نصبة ... تستخبر التربيع والتسديسا )
( كم راض صعبا لا يراض معاصيا ... كم خاض بحرا لا يخاض ضروسا )

( بلغ التى لا فوقها متمهلا ... وعلا السها واستسفل البرجيسا )
( يا خير من خفقت عليه سحابة ... للنصر تمطره أجش بجيسا )
( وأجل من حملته صهوة سابح ... ان كر ضعضع كره الكردوسا )
( قسما بمن رفع السماء بغير ما ... عمد ورفع فوقها إدريسا )
( ودحا البسيطة فوق لج مزبد ... ما ان يزال على القرار حبيسا )
( حتى يهيب بأهله الوعد الذى ... حشر الرئيس اليه والمرؤوسا )
( ما أنت إلا ذخر دهرك دمت فى ... الصون الحريز ممتعا محروسا )
( لو ساومته الأرض فيك بما حوت ... لرآك مستاما بها مبخوسا )
( حلف البرور بها اليه صادق ... ويمين من عقد اليمين غموسا )
( من قاس ذاتك بالذوات فإنه ... جهل الوزان واخطا التقييسا )
( لا تستوى الأعيان فضل مزية ... وطبيعة فطر الإله وسوسا )
( لعناية التخصيص سر غامض ... من قبل ذرء الخلق خص نفوسا )
( من انكر الفضل الذى اوتيته ... جحد العيان وأنكر المحسوسا )
( من دان بالإخلاص فيك فعقده ... لا يقبل التمويه والتلبيسا )
( والمنتمى العلوى عيصك لم تكن ... لترى دخيلا فى بنيه دسيسا )
( بيت البتول ومنبت الشرف الذى ... تحمى الملائك دوحة المغروسا )
( أما سياستك التى أحكمتها ... ورميت بالتقصير أسطاليسا )
( فلو ان كسرى الفرس أبصر بعضها ... ما كان يطمع ان يعدى سوسا )
( لو سار عدلك فى السنين لما اشتكت ... بخسا ولم يك بعضهن كبيسا )

( ولو الجوارى الخنس انتسبت إلى ... إقدام عزمك ما خنسن خنوسا )
( قدت الصعاب فكل صعب سامح ... لك بالقياد وكان قبل شموسا )
( تلقى الليوث وللقتام غمامة ... قدح الصفيح وميضها المقبوسا )
( وكأنها تحت الدروع أراقم ... ينظرن من خلل المغافر شوسا )
( ما لابن مامة فى القديم وحاتم ... ضرب الزمان بجودهم ناقوسا )
( من جاء منهم مثل جودك كلما ... حسبوا المكارم كسوة أو كيسا )
( أنت الذى افتك السفين وأهله ... إذ أوسعت سبل الخلاص طموسا )
( أنت الذى أمددت ثغر الله ... بالصدقات تبلس كرة ابليسا )
( وأعنت أندلسا بكل سبيكة ... موسومة لا تعرف التدليسا )
( وشحينة بالبر فى سبل الرضى ... والبر قارب قاعها القاموسا )
( أن لم تجر بها الخميس فطالما ... جهزت فيها للنوال خميسا )
( وملأت ايديها وقد كادت على ... حكم القضاء تشافه التفليسا )
( صدقت للآمال صنعة جابر ... وكفيتها التشميع والتشميسا )
( والحل والتقطير والتصعيد ... والتخمير والتصويل والتكليسا )
( فسبكت من آمالها مالا ومن ... أوراقها ورقا وكن طروسا )
( بهتوا فلما استخبروا لم ينكروا ... وزنا ولا لونا ولا ملموسا )
( وتدبر من قلب السطور سبائكا ... منها ومن طبع الحروف فلوسا )
( ونحوت نحو الفضل تعضد منه ... بالمسموع ما ألفيت منه مقيسا )
( وجبرت بعد الكسر قومك جاهدا ... تغنى العديم وتطلق المحبوسا )

( ونشرت راية عزهم من بعد ما ... دال الزمان فسامها تنكيسا )
( احكمت حيلة برئهم بلطافه ... قد اعجزت فى الطب جالينوسا )
( وفللت من حد الزمان وانه ... أوحى وأمضى من غرار الموسى )
( وشحذت حدا كان قبل مثلما ... ونعشت جدا كان قبل تعيسا )
( لم ترج إلا الله جل جلاله ... فى شدة تكفى وجرح يوسى )
( قدمت صبحا فاستضأت بنوره ... ووجدت عند الشدة التنفيسا )
( ما أنت إلا فالح متيقن ... بالنجح تعمر ممرعا ويبيسا )
( ومتاجر جعل الأريكة صهوة ... عربية والمتكا القربوسا )
( ما ان تبايع أو تشارى واثقا ... بالربح إلا المالك القدوسا )
( والعزم يفترع النجوم بناؤه ... مهما أقام على التقى تأسيسا )
( ومقام صبرك واتكالك مذكر ... بحديثه الشبلى أو طاووسا )
( ومن ارتضاه الله وفق سعيه ... فرأى العظيم من الحظوظ خسيسا )
( ما ازددت بالتمحيص إلا جده ... ونضوت من خلع الزمان لبيسا )
( ولطالما طرق الخسوف أهله ... ولطالما اعترض الكسوف شموسا )
( ثم انجلت قسماتها عن مشرق ... للسعد ليس بحاذر تتعيسا )
( خذها اليك على النوى سينية ... ترضى الطباق وتشكر التجنيسا )
( ان طوولت بالدر من حول الطلى ... يوما تشكت حظها الموكوسا )
( لولاك ما أصغت لخطبة خاطب ... ولعنست فى بيتها تعنيسا )
( قصدت سليمان الزمان وقاربت ... فى الخطو تحسب نفسها بلقيسا )
( لى فيك ود لم أكن من بعد ما ... أعطيت صفقة عهده لأخيسا )
( كم لى بصحة عقده من شاهد ... لا يحذر التجريح والتدليسا )

( يقفو الشهادة باليمين وانه ... لمؤمن من ان يعد فسيسا )
( لا يستقر قرار أفكارى الى ... أن أستقر لدى علاك جليسا )
( وأرى تجاهك مستقيم السير ... للقصد الذى أعملته معكوسا )
( هى دين أيامى فإن سمحت به ... لم يبق من شىء عليه يوسى )
( لا زال صنع الله مجنوبا الى ... مثواك يهدي البشر والتأنيسا )
( متتابعا كتتابع الأيام لا ... يذر التعاقب جمعة وخميسا )
( فلو أنصفتك إياله الملك التى ... رضت الزمان لها وكان شريسا )
( قرنت بذكرك والدعاء لك الذى ... تختاره التسبيح والتقديسا )
( القلب أنت لها رئيس حياتها ... لم تعتبر مهما صلحت رئيسا )
ثم قال الحافظ التنسى رحمه الله تعالى بعد سرد هذه القصيدة ما معناه ان لسان الدين ابن الخطيب حذا فى هذه القصيدة السينية حذو أبى تمام فى قصيدته التى أولها
( أقشيب ربعهم أراك دريسا ... تقرى ضيوفك لوعة ورسيسا )
واختلس كثيرا من ألفاظها ومعانيها انتهى
ووصل لسان الدين هذه القصيدة بنثر بديع نصه
هذه القصيدة أبقى الله تعالى أيام المثابة المولوية الموسوية ممتعة بالشمل المجموع والثناء المسموع والملك المنصور الجموع نفثة من باح بسر هواه ولبى دعوة الشوق العابث بلبه وقد ظفر بمن يهدى خبر جواه إلى محل هواه ويختلس بعث تحيته إلى مثير أريحيته وهى بالنسبة إلى ما يعتقد

من ذلك الكمال الشاذ عن الآمال عنوان من كتاب وذواق من أوقار ذات أقتاب وإلا فمن يقوم بحق تلك المثابة لسانه أو يكافىء إحسانها إحسانه أو يستقل بوصفها يراعه أو تنهض بايسر وظيفها ذراعه ولا مكابرة بعد الاعتراف والبحر لا ينفد بالاغتراف لا سيما وذاتكم اليوم والله تعالى يبقيها ومن المكاره يقيها وفى معارج القرب من حضرة القدس يرقيها ياقوته اختارها واعتبرها ثم ابتلاها بالتمحيص فى سبيل التخصيص واختبرها وسبيكه أخلصها مسجرها فخلصها بتسجيره من الشوب وأبرزها من لباب الذوب وقصرت عن هذه الاثمان وسر بصدق دعواه البهرمان ليفاضل بين الجهام والصيب ( ليميز الله الخبيث من الطيب ) الانفال فأراكم أن لا جدوى للعديد ولا للعدة وعرفكم بنفسه فى حال الشدة ثم فسح لكم بعد ذلك فى المدة لتعرفوه إذا دال الرخاء وهبت بعد تلك الزعازع الريح الرخاء وملأكم من التجارب وأوردكم من ألطافه أعذب المشارب ونقلكم بين إمرار الزمان وإحلائه ولم يسلبكم إلا حقيرا عند أوليائه وأعادكم المعاد المطهر والبسكم من أثواب اختصاصه المعلم المشهر فأنتم اليوم بعين العناية بالإفصاح والكناية قد وقف الدهر بين يديكم موقف الاعتراف بالجناية فإن كان الملك اليوم علما يدرس وقوانين فى قوة الحفظ تغرس وبضاعة برصد التجارب تحرس فأنتم مالك دار هجرته المحسوبة وأصمعى شعوبه المنسوبه إلى ما حزتم من أشتات الكمال المربية على الآمال فالبيت علوى المنتسب والملك بين الموروث والمكتسب والجود يعترف به الوجود والدين يشهد به الركوع والسجود والبأس تعرفه التهائم والنجود والخلق يحسده الروض المجود والشعر يغترف من عذب نمير ويصدق ما قال بدىء بأمير وختم بأمير وإن مملوككم حوم

من بابكم على العذب البرود فعاقه الدهر عن الورود واستقبل افقه ليحقق الرصد ولكنه اخطأ القصد ومن أخطأ الغرض اعاد ورجا من الزمان الاسعاد فربما خبىء نصيب او كان مع الخواطىء سهم مصيب وكان يؤمل صحبة ركاب الحجاز فانتقلت الحقيقه منه الى المجاز وقطعت القواطع التى لم ينلها الحساب ومنعت الموانع التى خلص منها إلى الفتنة الانتساب ومن طلب الايام ان تجرى على اقتراحه وجب العمل على اطراحه فانما هي البحر الزاخر الذي لا يدرك منه الاخر والرياح متغايره والسفينه الحائره فتارة يتعذر من المرسى الصرف وتاره تقطع المسافه البعيده قبل أن يرتد الطرف هذا أن سالمها عطبها واعفي من الوقود حطبها ولقد علم الله جل جلاله أن لقاء ذلك المقام الكريم عند الملوك تمام المطلوب ممن يجبر كسر القلوب فإنه مما انعقد على كماله الإجماع وصح في عوالي معاليه السماع وارتفعت في وجود مثاله الاطماع اخلاقا هذبها الكرم الوضاح وسجية كلف بها الكمال الفضاح وحرصا على الذكر الجميل وما يتنافس فيه إلا من سمت هممه وكرمت ذممه وألفت الخلد رممه إذ الوجود سراب وما فوق التراب تراب ولا يبقى إلا عمل راق أو ذكر بالجميل يسطر فى أوراق حسبما قلت من قصيدة كتبتها على ظهر مكتوب موضوع أشار به من كانت له طاعة فوفت بمقترحه استطاعه
( يمضىالزمان وكل فان ذاهب ... إلا جميل الذكر فهو الباقى )
( لم يبق من إيوان كسرى بعد ذاك ... الحفل إلا الذكر فى الأوراق )
( هل كان للسفاح والمنصور ... والمهدى من ذكر على الإطلاق )
( أو للرشيد وللأمين وصنوه ... لولا شباه يراعة الوراق )
( رجع التراب الى التراب بما اقتضت ... فى كل خلق حكمة الخلاق )

( إلا الثناء الخالد العطر الشذا ... يهدى حديث مكارم الأخلاق )
والرغبة من مقامكم الرفيع الجناب أن يمكنها من حسن المناب فتحظى بحلول ساحته ثم بلثم راحته ثم بالإبتغاء ولا مزيد للايتغاء الى ان ترتفع الوساطة وتغنى عن التركيب البساطة وينسى الأثر بالعين ويحسن الدهر قضاء الدين ونسأل الذى أغرى بها القريحة ولم يجعل الباعث إلا المحبة الصريحة أن يبقى تلك المثابة زينا للزمان وذخرا مكنوفا باليمن والأمان مظللا برحمة الرحمن بفضله وكرمه انتهى
13 - ومما كتب به لسان الدين رحمه الله تعالى الى الشيخ الرئيس الخطيب شيخه أبى عبد الله ابن مرزوق رحمه الله تعالى حين كانت أزمة أمر المغرب بيده أيام السلطان أبى سالم ابن السلطان أبى الحسن المرينى رحم الله تعالى الجميع ما صورته
سيدي بل مالكى بل شافعى ومنتشلى من الهفوة ورافعى وعاصمى عند تجويد حروف الصنائع ونافعى الذى بجاهة أجزلت المنازل قراى وفضلت أولاي والمنة لله تعالى أخراي وأصبحت وقول الحسن هجيراي
( علقت بحبل من حبال محمد ... أمنت به من طارق الحدثان )
( تغطيت من دهرى بظل جناحه ... فعيني ترى دهرى وليس يرانى )
( فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت ... واين مكانى ما عرفن مكانى )
وصلت مكناسه حرسها الله تعالى حدانى حدو نداك سحائب لولا الخصال المبرة قلت يداك وكان الوطن لاغتباطه بجوارى أو ما رآه من انتياب زواري

أوغر إلى بهت يقطع الطريق وأطلع يده على التفريق وأشرق القوافل مع كثرة الماء بالريق فلم يسع إلا المقام أياما قعودا فى البر وقياما واختيارا لضروب الأنس واعتياما ورأيت بلده معارفها أعلام وهواؤها برد وسلام ومحاسنها تعمل فيها ألسنة وأقلام فحيا الله تعالى سيدي فلكم من فضل أفاد وأنس أحياه وقد باد وحفظ منه على الأيام الذخر والعتاد كما ملكه زمام الكمال فاقتاد وأنا أتطارح عليه فى صلات تفقده وموالاه يده بأن يسهمنى فى فرض مخاطبته مهما خاطب معتبرا بهذه الجهات ويصحبنى من مناصحته بكؤوس مسرة يعمل فيها هاك وهات فالعز بعزه معقود والسعد بوجوده موجود ومنهل السرور بسروره مورود والله عز و جل يبقيه بقاء الدهر ويجعل حبه وظيفة السر وحمده وظيفة الجهر ويحفظ على الأيام من زمنه زمن الزهر ويصل لنا تحت إيالته العام بالعام والشهر بالشهر آمين آمين انتهى
14 - ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى صاحب الأشغال بالمغرب أبا عبد الله ابن أبى القاسم بن أبى مدين يهنيه بتقلد المنصب من رسالة قوله
( تعود الأمانى بعد انصراف ... ويعتدل الشىء بعد انحراف )
( فإن كان دهرك يوما جنى ... فقد جاء ذا خجل واعتراف )
طلع البشير أبقاك الله تعالى بقبول الخلافة المرينية والإمامة السنية خصها الله تعالى ببلوغ الأمنية على تلك الذات التى طابت أرومتها وزكت وتأوهت العلياء لتذكر عهدها وبكت وكاد السرور ينقطع لولا أنها تركت منك الوارث الذى تركت فلولا العذر الذى تأكدت ضرورته والمانع الذى ربما تقررت لديكم صورته لكنت أول مشافه بالهناء ومصارف لهذا الاعتناء الوثيق البناء بنقود الحمد لله والثناء وهى طويلة
15 - ومما خاطب به رحمه الله تعالى قاضى الجماعة وقد نالته مشقة

جرها غلط الخدام السوء واشتراك الأسماء أعتبه عندها السلطان وخلع عليه وأشاد بقدره بما نصه
( تعرفت أمرا ساءنى ثم سرنى ... وفى صحة الأيام لا بد من مرض )
( تعمدك المحبوب بالذات بعدما ... جرى ضده والله يكفيه بالعرض )
فى مثلها سيدي يحمد الأختصار وتقصر الأنصار وتصرف الأبصار إذ لم يتعين ظالم ولم يتبين يقظ ولا حالم وإنما هى هدية أجر وحقيقة وصل أعقبت مجاز هجر وجرح جبار وأمر ليس به اعتبار ووقيعة لم يكن فيها إلا غبار وعثره القدم لا تنكر والله سبحانه يحمد فى كل حالة ويشكر وإذا كان اعتقاد الخلافة لم يشبه شائب وحسن الولاية لم يعبه عائب والعرى دائب والجانى تائب فما هو إلا الدهر الحسود لمن يسود خمش بيد ثم سترها ورمى عن قوس ما أصلحها والحمد لله ولا أوترها إنما باء بشينه وجنى من مزيد العناية محنة عينه ولا اعتراض على قدر أعقب بحظ معتذر وورد نغص بكدر ثم أنس بإكرام صدر وحسبنا أن نحمد الدفاع من الله تعالى والذب ولا نقول مع الكظم إلا ما يرضى الرب وإذا سابق أولياء سيدي في فخر مضمار وحماية ذمار واستباق الى بر وابتدار بجهد اقتدار فأنا ولا فخر متناول القصبة وصاحب الدين من بين العصبة لما بلوت من بر أوجبه الحسب والفضل الموروث والمكتسب ونصح وضخ منه المذهب وتنفيق راق منه الرداء المذهب هذا مجمل وبيانه إلى وقت الحاجة مؤخر ونبذه شره لتعجيلها يراع مسخر والله سبحانه يعلم ما أنطوى عليه لسيدي من إيجاب الحق والسير من إجلاله على أوضح الطرق والسلام انتهى

16 - وقال رحمه الله تعالى خاطبت بعض الفضلاء بقولى مما يظهر من الجملة غرضه
( تعرفت قرب الدار ممن أحبه ... فكنت أجد السير لولا ضروره )
( لاتلو من آي المحامد سورة ... وأبصر من شخص المحاسن صورة )
كنت أبقاك الله تعالى لاغتباطى بولائك وسرورى بلقائك أود أن أطوى إليك هذه المرحلة وأجدد العهد بلقياك المؤملة فمنع مانع وما ندرى فى الآتى ما الله صانع وعلى كل حال فشأنى قد وضح منه سبيل مسلوك وعلمه مالك ومملوك واعتقادى أكثر مما تسعة العبارة والألفاظ المستعارة وموصلها ينوب عنى فى شكر تلك الذات المستكملة شروط الوزارة المتصفة بالعفاف والطهارة والسلام
17 - وقال سامحه الله تعالى يخاطب السلطان أبا عبد الله ابن نصر جبره الله تعالى عند وصول ولده من الأندلس
( الدهر أضيق فسحة من ان يرى ... بالحزن والكمد المضاعف يقطع )
( واذا قطعت زمانه فى كربه ... ضيعت فى الأوهام ما لا يرجع )
( فاقنع بما أعطاك ربك واغتنم ... منه السرور وخل ما لا ينفع )
مولاي الذى له المنن والخلق الجميل والخلق الحسن والمجد الذى وضح منه السنن كتبه عبدك مهنئا بنعم الله تعالى التى أفاضها عليك وجلبها إليك من اجتماع شملك بنجلك وقضاء دينك من قرة عينك الى ما تقدم من إفلاتك وسلامة ذاتك وتمزق أعدائك وانفرادك بأودائك والزمن ساعة فى القصر لا بل كلمح البصر وكانى بالبساط قد طوى والتراب على الكل قد سوى فلا تبقى غبطة ولا حسرة ولا كربة ولا يسرة وإذا نظرت

ما كنت فيه تجدك لا تنال منه إلا أكله وفراشا وكنا ورياشا مع توقع الوقائع وارتقاب الفجائع ودعاء المظلوم وصداع الجائع فقد حصل ما كان عليه التعب وأمن الرهب ووضح الأجر المذهب والقدرة باقية والأدعية راقية وما تدرى ما تحكم به الأقدار ويتمخض عنه الليل والنهار وأنت اليوم على زمانك بالخيار فان اعتبرت الحال واجتنبت المحال لم يخف عليك أنك اليوم خير منك أمس من غير شك ولا لبس وكان من أملى التوجه إلى رؤية ولدكم ولكن عارضتنى موانع ولا ندرى فى الآتى ما الله تعالى صانع فاستنبت هذه فى تقبيل قدمه والهناء بمقدمه والسلام
18 - وقال رحمه الله تعالى قلت أخاطب محمد بن نوار وقد أعرس ببنت مزوار الدار السلطانية وهو معروف بالوسامة وحسن الصورة
( إن كنت فى العرس ذا قصور ... فلا حضور ولا دخاله )
( ينوب نظمى مناب تيس ... والنثر عن قفة النخاله )
هناكم الله سبحانه دعاء وخبرا والبسكم من السرور حبرا وعوذكم بالخمس حتى من عين الشمس فلعمرى لقد حصلت النسبة ورضيت هذه المعيشة الحسبة ومن يكن المزوار ذواقه كيف لا يشق البدر أطواقه وينشر القبول عليه رواقه وأنتم أيضا بركان جمال وبقية رأس مال ويمين فى الانطباع وشمال بمنزلكم اليوم بدر وهلال ولعقد التوفيق بفضل الله تعالى استقلال فأنا أهنيكم بتسنى أمانيكم والسلام
19 - وقال رحمه الله تعالى مخاطبا عميد مراكش المتميز بالرأى والسياسة

والهمة وإفاضة العدل وكف اليد والتجافى عن مال الجباية عامر بن محمد بن على الهنتاتى
( تقول لى الأظعان والشوق فى الحشا ... له الحكم يمضى بين ناه وآمر )
( إذا جبل التوحيد أصبحت فارعا ... فخيم قرار العين فى دار عامر )
( وزر تربة المعلوم ان مزارها ... هو الحج يفضى نحوه كل ضامر )
( ستلقى بمثوى عامر بن محمد ... ثغور الأمانى من ثنايا البشائر )
( ولله ما تبلوه من سعد وجهه ... ولله ما تلقاه من يمن طائر )
( وتستعمل الأمثال فى الدهر منكما ... بخير مزور أو بأغبط زائر )
لم يكن همى أبقاك الله تعالى مع فراغ البال وإسعاف الآمال ومساعدة الأيام والليال إذ الشمل جميع والزمان كله ربيع والدهر مطيع سميع إلا زيارتك فى جبلك الذى يعصم من الطوفان ويواصل أمنه بين النوم والأجفان وأن أرى الأفق الذى طلعت منه الهداية وكانت اليه العودة ومنه البداية فلما حم الواقع وعجز عن خرق الدولة الأندلسية الراقع وأصبحت ديار الأندلس وهى البلاقع وحسنت من استدعائك إياي المواقع وقوى العزم وإن لم يكن ضعيفا وعرضت على نفسى السفر بسببك فألفيته خفيفا والتمست الإذن حتى لا نرى فى قبله السداد تحريفا واستقبلتك بصدر مشروح وزند للعزم مقدوح والله سبحانه يحقق السول ويسهل بمثوى الأماثل المثول ويهيىء من قبل هنتاته القبول بفضله
20 - وللسان الدين ابن الخطيب مقامه عظيمة بديعة وصف بها بلاد الأندلس

والعدوة وأتى فيها من دلائل براعته بالعجب العجاب وقد تركتها مع كتبى بالمغرب ولم يحضرنى منها الآن إلا قوله فى وصف مدينة سبتة ما صورته
قلت فمدينة سبتة قال عروس المجلى وثنية الصباح الأجلى تبرجت تبرج العقيلة ونظرت وجهها من البحر فى المرآة الصقيلة واختص ميزان حسناتها بالأعمال الثقيلة وإذا قامت بيض أسوارها وكان جبل بنيونش شمامة أزهارها والمنارة منارة أنوارها كيف لا ترغب النفوس فى جوارها وتهيم الخواطر بين أنجادها وأغوارها إلى المينا الفلكية والمراقى الفلكية والركية الزكية غير المنزورة ولا البكية ذات الوقود الجزل المعد للأزل والقصور المقصورة على الجد والهزل والوجوه الزهر السحن المضنون بها عن المحن دار الناشبة والحامية المضرمة للحرب المناشبة والأسطول المرهوب المحذور الألهوب والسلاح المكتوب المحسوب والأثر المعروف المنسوب كرسى الأمراء والأشراف والوسيطة لخامس أقاليم البسيطة فلا حظ لها فى الانحراف بصرة علوم اللسان وصنعاء الحلل الحسان وثمرة امتثال قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) النحل الأمينة على الاختزان القويمة المكيال والميزان محشر أنواع الحيتان ومحط قوافل العصير والحرير والكتان وكفاها السكنى ببنيونش فى فصول الأزمان ووجود المساكن النبيهة بأرخص الأثمان والمدفن المرحوم غير المزحوم وخزانة كتب العلوم والآثار المنبئة عن أصالة الحلوم إلا أنها فاغرة أفواه الجنوب للغيث المصبوب عرضه للرياح ذات

الهبوب عديمة الحرث فقيرة من الحبوب ثغر تنبو فيه المضاجع بالجنوب وناهيك بحسنة تعد من الذنوب فأحوال أهلها رقيقة وتكلفهم ظاهر مهما ظهرت وليمة أو عقيقة واقتصادهم لا تلتبس منه طريقة وأنساب نفقاتهم فى تقدير الأرزاق عريقة فهم يمصون البلالة مص المحاجم ويجعلون الخبز فى الولائم بعدد الجماجم وفتنتهم ببلدهم فتنة الواجم بالبشير الهاجم وراعى الجديب بالمطر الساجم فلا يفضلون على مدينتهم مدينة الشك عندي فى مكة والمدينة انتهى
وقد سلك فى هذه المقامة وصف بلدان المغرب بالسجع والتقفية ووفاها من المدح وضده أكمل توفيه وعكس هذه الطريقة فى نفاضة الجراب فوصف فيها الأماكن بكلام مرسل جزل غير مسجع مع كونه أقطع من السيف إذا بان عنه القراب
21 - فمن ذلك قوله حين أجرى ذكر مدينة مكناسة الزيتون وأطلت مدينة مكناسة فى مظهر النجد رافلة فى حلل الدوح مبتسمة عن شنب المياه العذبة سافرة عن أجمل المراد قد أحكم وضعها الذى اخرج المرعى قيد النص وفذلكة الحسن فنزلنا بها منزلا لا تستطيع العين أن تخلفه حسنا ووضعا من بلد دارت به المداشر المغلة والتفت بسورة الزياتين المفيدة وراق بخارجه للسلطان المستخلص الذى يسمو اليه الطرف ورحب ساحة والتفاف شجرة ونباهة بنية وإشراف ربوة ومثلت بإزائها الزاوية القدمى المعدة للوراد ذات البركة النامية والمئذنة السامية والمرافق المتيسرة يصاقبها الخان البديع المنصب الحصين الغلق الخاص بالسابلة والجوابة فى الأرض يبتغون من فضل الله

تعالى تقابلها غربا الزاوية الحديثة المربية برونق الشبيبة ومزية الجدة والانفساح وتفنن الاحتفال الى ان قال وبداخلها مدارس ثلاث لبث العلم كلفت بها الملوك الجلة الهمم وأخذها التنجيد فجاءت فائقة الحسن ما شئت من أبواب نحاسية وبرك فياضة تقذف فيها صافى الماء أعناق أسدية وفيها خزائن الكتب والجراية الدارة على العلماء والمتعلمين وتفضل هذه المدينة كثيرا من لداتها بصحة الهواء وتبحر أصناف الفواكه وتعمير الخزائن ومداومة البر لجوار ترابها سليما من الفساد معافى من العفن إذ تقام ساحات منازلها غالبا على أطباق الآلاف من الأقوات تتناقلها المواريث ويصحبها التعمير وتتجافى عنها الأرض ومحاسن هذه البلدة المباركة جمة قال ابن عبدون من أهلها ولله دره
( إن تفتخر فاس بما فى طيها ... وبأنها فى زيها حسناء )
( يكفيك من مكناسة أرجاؤها ... والأطيبان هواؤها والماء )
ويسامتها شرقا جبل زرهون المنبجس العيون الظاهر البركة المتزاحم العمران الكثير الزياتين والأشجار قد جلله سكرا ورزقا حسنا فهو عنصر الخير ومادة المجبى وفى المدينة دور نبيهة وبنى أصيلة والله سبحانه ولى من اشتملت عليه بقدرته وفيها أقول
( بالحسن من مكناسة الزيتون ... قد صح عذر الناظر المفتون )
( فضل الهواء وصحة الماء الذى ... يجرى بها وسلامة المخزون )
( سحت عليها كل عين ثرة ... للمزن هامية الغمام هتون )
( فاحمر خد الورد بين أباطح ... وافتر ثغر الزهر بين غصون )
( ولقد كفاها شاهدا مهما ادعت ... قصب السباق القرب من زرهون )
( جبل تضاحكت البروق بجوه ... فبكت عذاب عيونه بعيون )

( وكأنما هو بربري فاقد ... فى لوحة والتين والزيتون )
( حييت من بلد خصيب أرضه ... مثوى أمان أو مناخ أمون )
( وضفت عليك من الإله عناية ... تكسوك ثوبى أمنة وسكون )
22 - وقد وصفها فى مقامة البلدان على منوال السجع فقال مكناسة مدينة أصيلة وشعب للمحاسن وفصيلة فضلها الله تعالى ورعاها وأخرج منها ماءها ومرعاها فجانبها مريع وخيرها سريع ووضعها له فى فقه الفضائل تفريع اعتدل فيها الزمان وانسدل الأمان وفاقت الفواكه فواكهها ولا سيما الرمان وحفظ أقواتها الاختزان ولطفت فيها الأوانى والكيزان ودنا من الحضرة جوارها فكثر قصادها من الوزراء وزوارها وبها المدارس والفقهاء ولقصبتها الأبهة والمقاصير والأبهاء

تعليق للمقري
ويعنى بالحضرة مدينة فاس المحروسة لأنها أذ ذاك كرسى الخلافة ومكناسة مقر الوزارة وأهل المغرب يعبرون عن المدينة التى فيها كرسى الخلافة بالحضرة
قلت دخلت مكناسة هذه مرارا عديدة وقد ابلى الدهر محاسنها التى كانت فى زمان لسان الدين ابن الخطيب جديدة واستولى عليها الخراب وتكدر منها بالفتن الشراب وعاث فىظاهرها الأعراب وفى باطنها سماسرة الفتنة العائقة عن كثير من الآراب حتى صار أهلها حزبين لبس كثير من أهلها ثياب البعد عنها والبين والله تعالى يجبر حالها ويعقب بالخصب إمحالها ويرحم الله تعالى ابن جابر إذ قال
( لا تنكرن الحسن من مكناسة ... فالحسن لم يبرح بها معروفا )
( ولئن محت أيدى الزمان رسومها ... فلربما أبقت هناك حروفا )

على أن ضواحيها كانت فى زمان لسان الدين مأوى للمحاربين واللصوص ومثوى للأعراب الذين أعضل داؤهم باقطار المغرب على العموم والخصوص ولذلك يقول لسان الدين رحمه الله تعالى
( مكناسة حشرت بها زمر العدا ... فمدى بريد فيه ألف مريد )
( من واصل للجوع لا لرياضة ... أو لابس للصوف غير مريد )
( فإذا سلكت طريقها متصوفا ... فانو السلوك بها على التجريد )
وما أشار إليه رحمه الله تعالى فيما سبق من ذكر الزاوية القدمى والجديدة أشار به إلى زاويتين بناهما السلطان أبو الحسن المرينى الكثير الآثار بالمغرب الأقصى والأوسط والأندلس وكان بنى الزاوية القدمى فى زمان ابيه السلطان أبى سعيد والجديدة حين تولى الخلافة وله فى هذه المدينة غير الزاويتين المذكورتين عدة آثار كثيرة جميلة من القناطر والسقايات وغيرها ومن أجل مآثره بها المدرسة الجديدة وكان قدم للنظر على بنائها قاضيه على المدينة المذكورة ولما أخبر السلطان بتمام بنائها جاء إليها من فاس ليراها فقعد على كرسى من كراسى الوضوء حول صهريجها وجىء بالرسوم المتضمنة للتنفيذات اللازمة فيها فغرقها فى الصهريج قبل أن يطالع ما فيها وأنشد
( لا بأس بالغالى إذا قيل حسن ... ليس لما قرت به العين ثمن ) وهذا السلطان أبو الحسن أشهر ملوك بنى مرين وأبعدهم صيتا وكان قد ملك رحمه الله تعالى المغرب بأسره وبعض الأندلس وامتد ملكه إلى طرابلس الغرب ثم حصلت له الهزيمة الشنعاء قرب القيروان حين قاتل أعراب إفريقية فغدره بنو عبد الواد الذين أخذ من يدهم ملك تلمسان وانتهزوا الفرصة فيه وهربوا إلى الأعراب عند المصافه فاختل مصافة وهزم أقبح هزيمة ورجع الى تونس مغلوبا وركب البحر فى أساطيله وكانت نحو الستمائة من السفن فقضى الله تعالى ان غرقت جميعا ونجا على لوح وهلك من كان معه من أعلام المغرب

وهم نحو أربعمائة عالم منهم السطى شارح الحوفى وابن الصباغ الذى أملى فى مجلس درسه بمكناسة على حديث يا أبا عمير ما فعل النغير أربعمائة فائدة
قال الأستاذ أبو عبد الله ابن غازى رحمه الله تعالى حدثنى بعض أعيان الأصحاب أنه بلغه أن الفقيه ابن الصباغ المذكور سمع بمنصورة تلمسان المحروسة ينشد كالمعاتب لنفسه
( يا قلب كيف وقعت فى أشراكهم ... ولقد عهدتك تحذر الأشراكا )
( أرضى بذل فى هوى وصبابة ... هذا لعمر الله قد أشقاكا )
ومات رحمه الله تعالى غريقا فى أسطول السلطان ابى الحسن المرينى على ساحل تدلس هو والفقيه السطى والأستاذ الزواوى وغير واحد فى نكبة السلطان أبى الحسن المعروفة
ومن نظم ابن الصباغ المذكور فى العلاقات المعتبرة فى المجاز وفى المرجحات له قوله رحمه الله تعالى
( يا سائلا حصر العلاقات التى ... وضع المجاز بها يسوغ ويجمل )
( خذها مرتبة وكل مقابل ... حكم المقابل فيه حقا يحمل )
( عن ذكر ملزوم يعوض لازم ... وكذا بعلته يعاض معلل )
( وعن المعمم يستعاض مخصص ... وكذاك عن جزء ينوب المكمل )
( وعن المحل ينوب ما قد حله ... والحذف للتخفيف مما يسهل )
( وعن المضاف اليه ناب مضافه ... والضد عن أضداده مستعمل )

( والشبه فى صفه تبين وصورة ... ومن المقيد مطلق قد يبدل )
( والشىء يسمى باسم ما قد كانه ... وكذاك يسمى بالبديل المبدل )
( وضع المجاور فى مكانه جاره ... وبهذه حكم التعاكس يكمل )
( واجعل مكان الشىء آلته وجىء ... بمنكر قصد العموم فيحصل )
( ومعرف عن مطلق وبه انتهت ... ولجلها حكم التداخل يشمل )
( وبكثرة وبلاغة ولزومه ... لحقيقة رجحانه يتحصل ) انتهى كلام شيخ شيوخ شيوخنا الإمام أبى عبد الله محمد بن غازى رحمه الله تعالى
وقد حكى ابن غازى المذكور عن شيخه القورى عن شيخه ابن جابر أن ابن الصباغ المذكور اعترض على القاضى ابن عبد السلام التونسى قال لما لقى ابن الصباغ بتونس اعترض عليه ابن الصباغ أربع عشرة مسألة لم ينفصل عن واحدة منها بل أقر بالخطإ فيها إذ ليس ينبغى اتصاف بالكمال إلا لربى الكبير المتعال انتهى
وذكر الشيخ أبو عبد الله الأبى رحمه الله تعالى فى شرح مسلم عند تكلمه على احاديث العين ما معناه ان رجلا كان بتلك الديار معروفا بإصابة العين فسأل منه بعض الموتورين للسلطان أبى الحسن أن يصيب أساطيله بالعين وكانت كثيرة نحو الستمائة فنظر إليها الرجل العائن فكان غرقها بقدرة الله الذى يفعل ما يشاء ونجا السلطان برأسه وجرت عليه محن واستولى ولده السلطان أبو عنان فارس على ملكه وكان خلفه بتلمسان ولم يزل فى اضطراب حتى ذهب الى سجلماسة ومنها خلص إلى جبل هنتاته قرب مراكش فذهب إلى حربه ابنه السلطان أبو عنان فارس بجيوشه وأناخ على الجبل بكلكله ولم تخفر أهل هنتاتة جواره لديهم ولا كبيراهم عامر بن محمد وأخوه وصبروا على الحصار وخراب الديار وحرق الأماكن حتى مات هناك رحمه الله تعالى ونقل بعد إلى شالة سلا مدفن أسلافه ومن أراد الوقوف على أخباره فعليه بكتاب الخطيب

ابن مرزوق الذى ألفه فيه وسماه المسند الصحيح الحسن من أحاديث السلطان أبى الحسن
ولما ذهب لسان الدين ابن الخطيب الى عامر بن محمد بجبله المشهور زار محل وفاة السلطان المذكور وقد ألم بذكر ذلك فى نفاضة الجراب إذ قال وشاهدت بجبل هنتاتة محل وفاة السلطان المقدس أمير المسلمين أبى الحسن رحمه الله تعالى حيث أصابه طارق الأجل الذى فصل الخطة وأصمت الدعوة ورفع المنازعة وعاينته مرفعا عن الابتذال بالسكنى مفترشا بالحصباء مقصودا بالابتهال والدعاء فلم أبرح يوم زيارة محل وفاته أن قلت
( يا حسنها من أربع وديار ... أضحت لباغى الأمن دار قرار )
( وجبال عز لا تذل أنوفها ... إلا لعز الواحد القهار )
( ومقر توحيد وأس خلافة ... آثارها تنبى عن الأخبار )
( ما كنت أحسب أن أنهار الندى ... تجرى بها فى جملة الأنهار )
( ما كنت أحسب أن أنوار الحجى ... تلتاح فى قنن وفى أحجار )
( محت جوانبها البرود وان تكن ... شبت بها الأعداء جذوة نار )
( هدت بناها فى سبيل وفائها ... فكانها صرعى بغير عقار )
( لما توعدها على المجد العدا ... رضيت بعيث النار لا بالعار )
( عمرت بجلة عامر وأعزها ... عبد العزيز بمرهف بتار )
( فرسا رهان أحرزا قصب الندى ... والبأس فى طلق وفى مضمار )
( ورثا عن الندب الكبير أبيهما ... محض الوفاء ورفعه المقدار )
( وكذا الفروع تطول وهى شبيهة ... بالأصل فى ورق وفى أثمار )
( أزرت وجوه الصيد من هنتاتة ... فى جوها بمطالع الأقمار )
( لله أي قبيلة تركت لها ... النظراء دعوى الفخر يوم فخار )

( نصرت أمير المسلمين وملكه ... قد أسلمته عزائم الأنصار )
( وارت عليا عندما ذهب الردى ... والروع بالأسماع والأبصار )
( وتخاذل الجيش اللهام واصبح ... الأبطال بين تقاعد وفرار )
( كفرت صنائعه فيمم دارها ... مستظهرا منها بعز جوار )
( وأقام بين ظهورها لا يتقى ... وقع الردى وقد ارتمى بشرار )
( فكأنها الأنصار لما أنست ... فيما تقدم غربه المختار )
( لما غدا لحظا وهم أجفانه ... نابت شفارهم عن الأشفار )
( حتى دعاه الله بين بيوتهم ... فأجاب ممتثلا لأمر البارى )
( لو كان يمنع من قضاء الله ما ... خلصت اليه نوافذ الأقدار )
( قد كان يأمل أن يكافىء بعض ما ... أولوه لولا قاطع الأعمار )
( ما كان يقنعه لو امتد المدى ... إلا القيام بحقها من دار )
( فيعيد ذاك الماء ذائب فضه ... ويعيد ذاك الترب ذوب نضار )
( حتى تفوز على النوى أوطانها ... من ملكه بجلائل الأوطار )
( حتى يلوح على وجوه وجوههم ... أثر العناية ساطع الأنوار )
( ويسوغ الأمل القصى كرامها ... من غير ما ثنيا ولا استعصار )
( ما كان يرضى الشمس أو بدر الدجى ... عن درهم فيهم ولا دينار )
( أو أن يتوج أو يقلد هامها ... ونحورها بأهلة ودراري )
( حق على المولى ابنه إيثار ما ... بذلوه من نصر ومن إيثار )
( فلمثلها ذخر الجزاء ومثله ... من لا يضيع صنائع الأحرار )
( وهو الذى يقضى الديون وبره ... يرضيه فى علن وفى إسرار )
( حتى تحج محله رفعوا بها ... علم الوفاء لأعين النظار )

( فيصير منها البيت بيتا ثانيا ... للطائفين اليه أي بدار )
( تغنى قلوب القوم عن هدى به ... ودموعهم تكفى لرمى جمار )
( حييت من دار تكفل سعيها ... المحمود بالزلفى وعقبى الدار )
( وضفت عليك من الإله عناية ... ما كر ليل فيك إثر نهار ) ويعنى بالمولى ابنه السلطان أبا سالم ابن السلطان أبى الحسن
ومن العجائب ان الرئيس عامر بن محمد الذى جرى فى هذه الأبيات ذكره كان يؤمل بإيوائه للسلطان أبى الحسن ونصرته له وعدم إخفار ذمته فيه أن ينال من أولاده الملوك بذلك عزا مستطيلا ورياسة زائدة على ما كان فيه فقضى الله تعالى أن كان حتفه على يد السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن إذ نازله بجنوده وحاصره بمعتقله حتى استولى عليه وقتله حسبما استوفى ذلك الشيخ الرئيس قاضى القضاة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الحضرمى المغربى نزيل مصر فى تاريخه الكبير الذى سماه ب كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر فى ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر فمن شاء فليراجعه ثمة
وكان الرئيس أبو ثابت عامر بن محمد الهنتاتى المذكور خرج على السلطان عبد العزيز بالسلطان المعتمد على الله ابى الفضل محمد ابن أخى السلطان عبد العزيز المذكور فكان من قتله ما ذكر والله غالب على أمره
ولنرجع الى ما كنا فيه من نثر لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى عنه فنقول
23 - ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى فى كتابه أعمال الأعلام ما صورته
وفى غرضى اذا من الله تعالى بانفراج الضيقة الوقتية ومعاودة الأزمان الهنية والنصبة النقية أن نصنف فى التاريخ كتابا مبنيا على التطويل مستوعبا

للكثير والقليل نسميه بضاعة المهولين فى أساطير الأولين يكون هذا الكتاب بالنسبة اليه الحصاة من الرمال والقطرة من الغيث المنثال بإعانة ذى القدرة والجلال انتهى
24 - ومن كلامه رحمه الله تعالى فما استبعد المرام من قصد الكرام وما فقد الإيناس من أمل الناس انتهى
وقد سلك لسان الدين رحمه الله تعالى فى كثير من كتبه ك الكتيبة الكامنة والتاج المحلى و الإكليل الزاهر وغيرها تحلية الأعلام من حملة السيوف والأقلام بالكلام المسجع الآخذ بحظه من الإتقان على طريقة صاحب القلائد والمطمح أبى نصر بن الفتح بن عبيد الله المدعو بابن خاقان بليغ الأندلس غير مدافع وعلى نهج مبارية ابن بسام صاحب الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة وهو كتاب ينبغى أن يراجع وقد رأيت أن آتى بشىء من كلام لسان الدين فيما ذكر ونلم بعد تحليته بالتعريف بحال من حلاه من الأعلام بحسب ما من به ويسره لى الملك العلام سبحانه وتعالى فنقول
25 - قال لسان الدين رحمه الله تعالى فى بعض كتبه فى وصف بعض من عرف به ما نصه أي نفس صافية من الكدر وصدر طيب الورد والصدر ودوحه عهد تندى أوراقها ومشكاة فضل يستطلع إشراقها تمسك برضاع الكأس يرى ذلك من حسن عهده وقسم لحظاته بين آس الرياض وورده فلما حوم حمامه للوقوع وكاد يقوض رحله عن الربوع وشعر بحبائل المنية تعتلقه وسرعان خيل الأجل تزهقه أقلع عن فنه وأمر بسفك دنه ولجأ الى الله تعالى بأوبته وضرع الى الله تعالى فى قبول توبته وغفران حوبته فكان ذلك عنوان الرضى وعلامة عفو الله تعالى عما مضى دخلت عليه فى مرضه وأشرت باستعمال الدواء المسمى بلحية التيس عند الأطباء فاستعمله فوجد بعض خفة

26 - وقال فى آخر كثيف الحاشية معدود فى جنس السائمة والماشية تليت على العمال به سورة الغاشية تولى الأشغال السلطانية فذعرت الجباة لولايته وقامت قيامتهم لطلوع آيته وقنطوا كل القنوط وقالوا جاءت الدابة تكلمنا وهى إحدى الشروط من رجل صائم الحشوة بعيد من المصانعه والرشوة يتجنب الناس ويقول عند المخاطبة لا مساس وعلى مسافة نجهه وتجهم وجهه فكان خالطا إساءته بإحسانه مشتغلا بشانه غاضا من عنان لسانه عهدى به فى الأعمال يقدر فيها ويدبر ويرجح ويعبر ويحبط ويتبر وهو مع ذلك يكبر ويحسن من الأزمنة ويقبح وهو يسبح ولما شرع فى البحث والتنقير والمحاسبة على القطمير والنقير أتاه قاطع الأجل فحن ركابه فاقضى العجل وصدرت عنه أبيات خضم فيها وقضم وحصل تحت القدر المشترك مع من نظم
27 - وقال فى آخر كودن حلبة الآداب وسنور عبد الله بيع بقيراط لما شاب هام بوادى الشعر مع من هام واستمطر منها الجهام فجاء بأبيات أوهى من بيت العنكبوت نسجا ومقاصد لا تبين قصدا ولا نهجا وله بيت معمور بقضاة أكابر فرسان اقلام ومحابر وعمال قادوا الدهر بأزمة أزمتهم وفرعوا الزهر بهمتهم وتكاثرت عليه رحمه الله الإحن وتعاورته المحن وتصرف آخر عمره فى بعض الأعمال المخزنية فتعلل بنزر القوت الى الأجل الموقوت
28 - وقال فى آخر معدود فى وقته من أدبائه ومحسوب فى أعيان بلده وحسبائه كان رخمه الله تعالى من أهل العدالة والخير سائرا على منهج الاستقامة

أحسن السير وله أدب لا يقصر عن السداد وان لم يكن بطلا فمن يكثر السواد قد أثبت له ما عثرت عليه مما ينسب الناس اليه
29 - وقال فى آخر معتر غير قانع ومنجع كل شهم وخانع نشأ ببلدة مالقة ابرع من أورد اليراعة فى نقس وهز غصنها فى روضة طرس إلا ما كان من سخافة عقله وقعوده تحت المثل اخبر تقله لا يرتبط الى رتبه ولا ينتمى الى عصبة ولا يتلبس بسمت ولا يستقيم من أمت أخبرنى من عنى بخبره وذكر عبره من صباه الى كبره أنه رشح فى بعض الدول وعرض لاكتساب الخيل والخول وخلعت عليه كسوة فاخرة وشارة بزهر الرياض ساخرة فانقاد طوع حرمانه ونبذ صفقة زمانه وحمله فرط النهم على ان ابتاع فى حجرة طعاما كثير الدسم وأقبل وأذياله منه تقطر كما اختلفت باللبن الأشطر فطرد ونبذ وطرح بعدما جبذ لقيته بمالقة وقد قلب له زمانه عينيه وسقط فى يديه فانتابنى بأمداحه وتعاورنى بأجاجه وقراحه
30 - وقال فى آخر أديب نار فكره تتوقد وأريب لا يعترض كلامه ولا ينقد أما الهزل فهو طريقته المثلى ركض فى ميدانها وجلى وطلع فى أفقها وتجلى فأصبح علم أعلامها وعابر أحلامها ان أخذ بها فى وصف الكاس وذكر الورد والآس وألم بالربيع وفصله والحبيب ووصله والروض وطيبه والغمام وتقطيبه شق الجيوب طربا وعل النفوس شربا وضربا وان ابتغى لاعتلال العشية فى فرش الربيع الموشية ثم تعداها الى وصف الصبوح وأجهز على الزق المجروح وأشار الى نغمات الورق يرفلن فى الحلل الزرق وقد اشتعلت فى عنبر الليل نار البرق وطلعت بنود الصباح فى

شرفات الشرق سلب الحليم وقاره وذكر الخليع كأسه وعقاره وحرك الأشواق بعد سكونها وأخرجها من وكونها بلسان يتزاحم على موارد الخيال ويتدفق من حافاته الأدب السيال وبيان يقيم أود المعانى ويشيد مصانع اللفظ محكمة المبانى ويكسو حلل الإحسان جسوم المثالث والمثانى الى نادرة لمثلها يشار ومحاضرة يجنى بها الشهد ويشار وقد أثبت من شعره المعرب وان كان لا يتعاطاه إلا قليلا ولا يجاوز إلا تعليلا أبياتا لا تخلو عن مسحة جمال على صفحاتها وهبة طيب ينم فى نفحاتها
31 - وقال أيضا فى آخر ظريف السجية كثير الأريحية ارتحل من لورقه فتحها الله تعالى واتخذ المرية دارا وألف بها استقرارا الى ان دعاه بها داعية وقام فيها ناعية
32 - وقال فى وصف آخر شيخ أخلاقه لينة ونفسه كما قيل فى نفس المؤمن هينة ينظم الشعر عذبا مساقه محكمة اتساقه على فاقة وحال ما لها من إفاقة أنشد المقام الكريم بظاهر بلده قصيدة استغرب منه منزعها واستعذب من مثله مشرعها
33 - وقال فى آخر من أئمة أهل الزمام خليق برعى المتات والذمام ذو خط كما تفتح زهر الكمام وأخلاق أعذب من ماء الغمام كان ببلده رحمه الله تعالى بدار إشرافه محاسبا ودرة فى لجة الإغفال راسبا صحيح العمل يلبس الطروس من براعته حسن الحلل وله شعر لا بأس به ولا خفاء بفضل مذهبه
34 - وقال فى آخر خير من استبق الى داعى الفلاح استباقا وانتمى الى القوم الذين هم فى الآخرة أطول أعناقا وان كانوا فى الدنيا أضيق أرزاقا مردد أذكار ومسبح أسحار وعامر مئذنة ومنار كان ببلده مؤذنا بجامعها

ومؤقتا بأم صوامعها ومعتبرا فيمن كان بها من السدنة ومن مثله قوله فكأنما قرب بدنه وله لسان مخيف وشعر سخيف توشح بحليته وجعله وسيلة كديته
35 - وقال فى آخر عظيم الهيئة حسن اللقاء أغرب فى حسن المداراة من العنقاء استمر عمره للحكم وصبر على حجج الصم والبكم وأفرط فى هشته وهزته وتنزل عن نخوة القضاء وعزته وله سلف فى القضاء عالى المراقب مزاحم للنجم الثاقب وقد أثبت من شعره ما تيسر إثباته ونجح بروض هذا المجموع نباته
36 - وقال فى آخر قاض توارث كل جلاله عن كلالة وجمع فى العلم الحسب بين الموروث والمكتسب أشرق بجيد معم فى العشيرة مخول وألقت عليه مقاليدها من منقول ومتأول الى نزاهة لا تغرها البيضاء ولا الصفراء وحلم لا تستهويه السعاية ولا يستفزه الإغراء ووقار يستخف الجبال الراسية ونظر يكشف الظلم الغاشية تولى قضاء الحضرة فأنفذ الأحكام وأمضاها وشام سيوف الجزالة وانتضاها ولبس أثواب النزاهة والانقباض فما نضاها وسلك الطريق التى اختارها السلف وارتضاها فاجتمعت الأهوال المفترقة عليه وصرف الثناء أعنة الألسن اليه ثم كر الى بلده واستقر خطيبا بقراره أهله وولده
37 - وقال فى آخر منتم الى معرفة متصف من الذكاء بأحسن صفة أقرأ ببلده علم اللسان وما حاد عن الإحسان وعانى الشعر فنظم قوافيه وما تكلف فيه وعلى غزارة مادته ووضوح جادته فشعره قليل البشاشة ذاهب الحشاشة وذو الإكثار كمثل العثار وله سلف يخوض فى الحقائق وينتحل بعض الكلام الرائق
38 - وقال فى آخر منتم لدين وعفة والى نفس بالعرض الأدنى

مستخفة ممن نزع الى سلوك ورياضة ويفيض فى طريق القوم بعض إفاضة
39 - وقال فى آخر ممن يتشوق الى المعارف والمقالات ويرتاح الى الحقائق والمحالات ويشتمل على نفس رقيقة ويسير من تعليم القرآن على خير طريقة ويعانى من الشعر ما يشهد بنبله ويستظرف من مثله
40 - وقال فى آخر مشمر فى الطلب عن ساق مثابر على اللحاق بدرجات الحذاق منتحل للعربية جاد فى إحصاء خلافها ومعاطاة سلافها وربما شرست فى المذاكرة أخلاقه إذا بهرجت أعلاقه ونوزع تمسكه بالحجة واعتلاقه ورحل الى المغرب فاستجدى بالشعر سلطانه ثم راجع أوطانه
41 - وقال فى آخر منتم الى زهد باذل فى التماس الخير الجهد نظمه لا يخلو من حلاوة ومعانيه فى طريقه عليها بعض طلاوة
42 - وقال فى آخر كاتب سجلات لا يساجل فى صحة فصولها وتوقيع فروعها على أصولها وكلما طلب بالنظم القريحة وأعمل الفكرة الصريحة مع إقلاله وعدم استعماله أجابت ولبت وتنسمت رياحها وهبت
43 - وقال رحمه الله تعالى وسامحه فى بعض العدول الصوفية الأخيار الذين وحدوا الله وفنوا عن سائر الأغيار خير عدل وممن له وقار وفضل متسم بخير معرض عن غير مشتمل بصفات مرضية ملم بالنظم فى الطريقة الصوفية
وللسان الدين رحمه الله تعالى ركض فى هذا الميدان لا يجارى فيه وثبوت فضل لا يستند الى دليل جاحده ونافيه
44 - وقال رحمه الله تعالى فى كتابه التاج المحلى فى مساجلة القدح

المعلى فى ترجمة محمج بن عبد الله بن محمد بن لب الأمى المريي ما صورته لج معرفة لا يغيض وصاحب قنوت يأخذ فيها ويفيض نشأ ببلده مشمرا عن ساعد اجتهاده وسائرا فى قنن العلم ووهاده حتى اينع روضه وفهق حوضه ثم أخذ فى راحة ذاته وشام بارق لذاته ثم سار فى البطالة سير الجموح وواصل الغبوق بالصبوح حتى قضى وطره وسئم بطره وركب الفلك وخاض اللجج الحلك واستقر بمصر على النعمة العريضة على شك فى قضاء حجة الفريضة وهو اليوم بمدرستها الصالحية نبيه المكانة معدود فى أهل العلم والديانة انتهى
وقال فى الإحاطة فى حق المذكور ما نصه من خط شيخنا ابى البركات فى الكتاب المؤتمن على انباء انباء الزمن كان سهلا سلس القياد لذيذ العشرة دمث الأخلاق ميالا الى الدعة نفورا عن النصب يركن الى فضل نباهة وذكاء يحاسب بهما عند التحصيل والدراسة والدؤوب على الطلب من رجل يجرى من الألحان على مضمار لطيف ولم يكن له صوت رخيم يساوق انطباعه فى التلحين فجبر ذلك بالأوتار وحاول من ذلك بيده مع أصحابه ما لاذ به الظرفاء منهم واستعمل بدار الأشراف بالمرية فأحكم تلك الطريقة فى أقرب زمان وجاء زمامه يروق من ذلك العمل من شأنه ثم نهضت به همته الى أرفع من ذلك فسار الى غرناطة فقرأ بها العربية وغيرها وانخرط فى سلك نبهاء الطلبة لأدنى مدة ثم رحل الى بلاد المشرق فى حدود العشرين وسبعمائة فلم يتجاوز القاهرة لموافقة هوائها علة كان يشكوها وأخذ فى إقراء العربية بها وعرف بها الى ان صار يدعى بأبى عبد الله النحوي قال شيخنا المذكور ورأى فى صغره فارة أنثى فقال هذه قرينة فلقب بذلك وصار هذا اللقب أغلب

عليه من اسمه ومعرفته
ثم قال لسان الدين فى حق المذكور ما ملخصه إنه قرأ بالحضرة على الخطيب أبى على القيجاطى وطبقته وأخذ بالقاهرة عن الأستاذ ابى حيان وانتفع بجاهه نقل الينا الحاج الحافظ أبو جعفر ابن غصن من شعره حسبما قيده عنه بمصر
( بعد المزار ولوعة الأشواق ... حكما بفيض مدامع الآماق )
( وخفوق نجدي النسيم اذا سرى ... أذكى لهيب فؤادى الخفاق )
( أمعللى ان التواصل فى غد ... من ذا الذى لغد فديتك باقى )
( ان الليالى سبق ان أقبلت ... واذا تولت لم تنل بلحاق )
( عج بالمطى على الحمى سقى الحمى ... صوب الغمام الواكف الرقراق )
( فيه لذى القلب السليم ودادة ... قلب سليم ما له من راق )
( قلب غداة فراقهم فارقته ... لا كان فى الأيام يوم فراق )
( يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفرى الفلا بنجائب ونياق )
( عرج على مثوى النبى محمد ... خير البرية ذى المقام الراقى )
( ورسول رب العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحة الميثاق )
( الظاهر الآيات قام دليلها ... والطاهر الأخلاق والأعراق )
( بدر الهدى وهو الذى آياته ... وجبينه كالشمس فى الإشراق )
( الشافع المقبول من عم الورى ... بالجود والإرفاد والإرفاق )
( الصادق المأمون أكرم مرسل ... سارت رسالته الى الآفاق )
( أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق )
( واشد خلق الله إقداما إذا ... حمى الوطيس وشمرت عن ساق )
( أمضاهم والخيل تعثر فى الوغى ... وتجول سبحا فى الدم المهراق )

( من صير الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك مضى ونفاق )
( واحلنا من حرمة الإسلام فى ... ظل ظليل وارف الأوراق )
( لو ان للبدر المنير كماله ... ما ناله كسف ونكس محاق )
( لو ان للبحرين جود يمينه ... أمن السفين غوائل الإيساق )
( لو ان للآساد شدة بأسه ... لثنت عن الانجاد والإعراق )
( لو أن للآباء رحمه قلبه ... ذابت نفوسهم من الإشفاق )
( ذو العلم والحلم الخفى المنجلى ... والجاه والشرف القديم الباقى )
( آياته شهب وغر بنانه ... سحب النوال تدر بالأرزاق )
( ماجت فتوح الأرض وهو غياثها ... وربت ربى الإيمان وهو الساقى )
( ذو رافة بالمؤمنين ورحمة ... وهدى وتأديب بحسن سياق )
( وخصال مجد أفردت بالخصل فى ... مرمى الفخار وغاية السباق )
( ذو المعجزات الغر والآي التى ... كم آية فقدت وهن بواقى )
( ثنت المعارض حائرا لما حكت ... فلق الصباح وكان ذا إفلاق )
( يقظ الفؤاد سرى وقد هجع الورى ... لمقام صدق فوق ظهر براق )
( وسما وأملاك السماء تحفة ... حتى تجاوزهن سبع طباق ) ومنها
( يا ذا الذى اتصل الرجاء بحبله ... وانبت من هذا الورى بطلاق )
( حبى اليك وسيلتى وذخيرتى ... إنى من الأعمال ذو إملاق )
( واليك أعملت الرواحل ضمرا ... تختال بين الوخد والإعناق )
( نجبا اذا نشدت حلى تلك العلا ... تطوى الفلا ممتدة الأعناق )
( يحدو بهن من النحيب مردد ... وتقودهن أزمة الأشواق )
( غرض اليه فوقتنا أسهما ... وهى القسى برين كالأفواق )
( فانختها بفنائك الرحب الذى ... وسع الورى بالنائل الدفاق )

( وقرى مؤملك الشفاعة فى غد ... وكفى بها هبة من الرزاق )
( وعليك يا خير الأنام تحية ... تحيي النفوس بنشرها الفتاق )
( تتأرج الأرجاء من نفحاتها ... أرج الندى بمدحك المصداق ) ومنها
( قسما بطيب تراب طيبة انه ... مسك الأنوف وإثمد الأحداق )
( وبشأن مسجدها الذى يرجى به ... لمعامل الرحمن أي نفاق )
( لأجود فيه بأدمع اسلاكها ... منظومة بترائب وتراق )
( أغدو بتقبيل على حصبائه ... وعلى كرائم جدره بعناق ) ومنها
( وعليك ذا النورين تسليم له ... نور يلوح بصفحة المهراق )
( كفؤ النبى وكفؤ أعلى جنة ... حيزت له بشهادة وصداق )
( وكفاه ما فى الفتح جاء ومصحف ... فى الفتح يحمده وفى الإطباق )
( وعلى ابى السبطين من سبق الألى ... سبقوا الى الاسلام يوم سباق )
( الطاهر الطهر ابن عم المصطفى ... شرف على التخصيص والإطلاق )
( مبدى القضايا من وراء حجابها ... ومفتح الأكمام عن أعلاق )
( يغزو العداة بغلظة فيهدهم ... بصوارم تفري الفقار رقاق )
( راياته لا شىء من عقبانها ... بمطار يوم وغى ولا بمطاق )
( وعلى كرام ستة عشرت بهم ... عند النظام لآلىء النساق )
( ما بين أروع ماجد نيرانه ... جنح الظلام تشب للطراق )
( وأخى حروب صده رشق القنا ... عما قدود مثلهن رقاق )
( ما غردت شجوا مطوقة وما ... شقت كمام الروض عن أطواق )
( وعلى القرابة والصحابة كلهم ... والتابعين لهم ليوم تلاق )

وذكر فى الإحاطة غير هذه
45 - وقال لسان الدين فى التاج فى ترجمة محمد بن عبد الرحيم الوادي آشى ما صورته ناظم أبيات وموضح غرر وشيات وصاحب توقيعات وقيعات وإشارات ذوات شارات وكان شاعرا مكثارا وجوادا لا يخاف عثارا دخل على أمير بلده المخلوع عن ملكه بعد انتثار سلكه وخروج الحضرة عن ملكه واستقراره بوادى آش مروع البال متعللا بالآمال وقد بلغه دخول طبرنش فى طاعته فأنشده من ساعته
( خذها اليك طبرنشا ... شفع بها وادى الأشا )
( والأم تأتى بنتها ... والله يفعل ما يشا ) ومن نوادره العذبة ما كتبه اليه يطلب منه الحسبة
( أنلنى ايا خير البرية خطة ... ترفعنى قدرا وتكسبنى عزا )
( فأعتز فى أهلى كما اعتز بيدق ... على سفرة الشطرنج لما انثنى فرزا ) فوقع له بما ثبت فى ترجمته انتهى
46 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله ابن العطار المزنى ما صورته ممن نبغ ونجب وحق له البر بذاته ووجب تحلى بوقار وشعشع للأدب كأس عقار إلا انه احترم فى اقتبال وأصيب للأجل بنبال انتهى
47 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن علي بن محمد ابن علي بن يحيى بن خاتمه الأنصاري المزنى ما صورته ممن ثكلته اليراعة وفقدته البراعة تأدب باخيه وتهذب وأراه فى النظم المذهب وكساه من التفهم والتعليم الرداء المذهب فاقتفى واقتدى وراح فى الحلبة واغتدى حتى

نبل وشدا ولو أمهله الدهر لبلغ المدى وأما خطه فقيد الأبصار وطرفه من طرف الأمصار واعتبط يانع الشبيبة مخضر الكتيبة مات عام خمسين وسبعمائة واورد له فى الإحاطة قوله
( ومض البرق فثار القلق ... ومضى النوم وحل الارق )
( مذ تذكرت لأيام خلت ... ضمنا فيها الحمى والأبرق )
( وعشيات تقضت باللوى ... فى محيا الدهر منها رونق )
( إذ شبابى والتصابى جمعا ... ورياض الأنس غض مورق )
( شت يوم البين شملى ليت ما ... خلق البين لقلب يعشق )
( آه من يوم قضى لى فرقة ... شاب منى يوم حلت مفرق ) وقوله
( الرفع نعتكم لا خانكم أمل ... والخفض شيمة مثلى والهوى دول )
( هل منكم لى عطف بعد بعدكم ... إذ ليس لى منكم يا سادتى بدل ) قلت البيت الثانى غاية فى معناه وأما الأول فسافل وان أسس على الرفع مبناه والله اعلم
48 - وقال فى الإكليل فى ترجمة ابى عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم ابن عيسى بن داود الحميري المالقى ما صورته علم من أعلام هذا الفن ومشعشع راح هذا الدن مجموع أدوات وفارس يراعة ودواة ظريف المنزع أنيق المرأى والمسمع اختص بالرياسة فأدار فلك إمارتها واتسم

باسم كتابتها ووزارتها ناهضا بالأعباء صاعدا فى درج التقريب والاجتباء مصانعا دهره فى راح وراحة آويا الى فضل وسماحة وخصب ساحة كلما فرغ من شأن خدمته وانصرف عن رب نعمته عقد شربا وأطفأ من الاهتمام بغير الأيام حربا وعكف على صوت يستعيده وظرف يبديه ويعيده فلما تقلبت بالرياسة الخال وقوضت منها الرحال استقر بالمغرب غريبا يقلب طرفا مستريبا ويلحظ الدنيا تبعه عليه وتثريبا وان كان لم يعدم من أمرائه حظوه وتقريبا وما برح يبوح بشجنه ويرتاح الى عهود وطنه ومما اعرب به عن براعة أدبه قوله
( يا نازحين ولم أفارق منهم ... شوقا تأجج فى الضلوع ضرامه )
( غيبتم عن ناظرى وشخصكم ... حيث استقر من الضلوع مقامه )
( رمت النوى شملى فشتت نظمه ... والبين رام لا تطيش سهامه )
( وقد اعتدى فينا وجد مبالغا ... وجرت بمحكم جوره أحكامه )
( أترى الزمان مؤخرا فى مدتى ... حتى أراه قد انقضت أيامه ) تحملها يا نسيم نجديه النفحات وجدية اللفحات تؤدى عنى الى الأحبة نفحها سلاما وتورد عليهم لفحها بردا وسلاما ولا تقل كيف تحملنى نارا وترسل على الأحبة منى إعصارا كلا اذا أهديتهم تحية إيناسى وآنسوا من جانب هبوبك نار ضرام أنفاسى وارتاحوا الى هبوبك واهتزوا فى كف مسرى جنوبك وتعللوا بك تعليلا وأوسعوا آثار مهبك تقبيلا أرسلها عليهم بليلا وخاطبهم بلطافة تلطفك عليلا الم ترونى كيف جئتكم بما حملنى

( كذاك تركته ملقى بأرض ... له فيها التعلل بالرياح )
( اذا هبت اليه صبا اليها ... وان جاءته من كل النواحى )
( تساعده الحمائم حين يبكى ... فما ينفك موصول النواح )
( يخاطبهن مهما طرن شوقا ... أما فيكن واهبة الجناح ) ولولا تعلله بالأمانى وتحدث نفسه بزمان التدانى لكان قد قضى نحبه ولم أبلغكم إلا نعيه أو ندبه لكنه يتعلل من الآمال بالوعد الممطول ويتطارح باقتراحاته على الزمن المجهول ويحدث نفسه وقد قنعت من بروق الآمال بالخلب ووثقت بمواعيد الدهر القلب فيناجيها بوحى ضميره وإيماء تصويره كيف أجدك يوم الالتقاء بالأحباب والتخلص من ربقة الاغتراب أبائنه الحضور أم بادية الاضطراب كأنى بك وقد استفزك وله السرور فصرفك عن مشاهدة الحضور وعاقتك غشاوة الاستعبار للاستبشار عن اجتلاء محيا ذلك النهار
( يوم يداوى زماناتى من آزمانى ... أزال تنغيص أحيانى فأحيانى )
( جعلت لله نذرا صومه ابدا ... أفى به واوفى شرط إيمانى )
( إذا ارتفعنا وزال البعد وانقطعت ... أشطان دهر قد التفت باشطانى )
( أعده خير أعياد الزمان اذا ... أوطانى السعد فيه ترب أوطانى ) أرأيت كيف ارتياحى الى التذكار وانقيادى الى معللات توهمات الأفكار كأن البعد باستغراقها قد طويت شقته وذهبت عنى مشقته وكأنى بالتخيل بين تلك الخمائل أتسم صباها وأتسم رباها وأجتنى أزهارها وأجتلى أنوارها وأجول فى خمائلها وأتنعم ببكرها وأصائلها وأطوف بمعالمها وأنتشق

أزهار كمائمها وأصيخ بأذن الشوق الى سجع حمائمها وقد داخلتنى الأفراح ونالت منى نشوة الارتياح ودنا السرور لتوهم ذهاب الأتراح فلما أفقت من غمرات سكرى ووثبت من هفوات فكرى وجدت مرارة ما شابه لى فى استغراق دهرى وكأنى من حينئذ عالجت وقفه الفراق وابتدأت منازعه الأشواق وكأنما أغمضنى النوم وسمح لى بتلك الفكرة الحلم
( ذكر الديار فهاجه تذكاره ... وسرت به من حينه أفكاره )
( فاحتل منها حيث كان حلوله ... بالوهم منها واستقر قراره )
( ما أقرب الآمال من غفواته ... لو انها قضيت بها أوطاره ) فاذا جئتها ايها القادم والأصيل قد خلع عليها بردا مورسا والربيع قد مد على القيعان منها سندسا فاتخذها فديتك معرسا واجرر ذيولك فيها متبخترا وبث فيها من طيب نفحاتك عنبرا وافتق عليها من نوافج أنفاسك مسكا أذفرا واعطف معاطف بانها وأرقص قضب ريحانها وصافح صفحات نهرها ونافح نفحات زهرها هذه كلها أمارات وعن أسرار مقاصدى عبارات هنالك تنتعش بها صبابات تعالج بإقبالك وتعكف صبابات تتعلل بإقبالك ونعكف على لثم أذيالك وتبدو لك فى صفة الفانى المتهالك لاطفها بلطافه اعتلالك وترفق بها ترفق أمثالك فاذا مالت بهم الى هواك الأشواق ولووا اليك الأرؤس والأعناق وسألوك عن اضطرابى فى الآفاق وتقلبى بين الإشآم والإعراق فقل لهم عرض له فى أسفاره ما يعرض للبدر فى سراره من سرار السرار ولحاق المحاق وقد تركته وهو يسامر الفرقدين ويساير النيرين وينشد اذا راعه البين
( وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا ) لم يفارق وعثاء الأسفار ولا ألقى من يده عصا التسيار يتهاداه الغور والنجد

ويتداوله الإرقال والوخد وقد لفحته الرمضاء وسئمه الإنضاء فالجهات تلفظه والآكام تبهظه يحمل همومه الرواسم وتحياته البواسم
( لا يستقر بأرض حين يبلغها ... ولا له غير حدو العيس إيناس ) ثم اذا استوفوا سؤالك عن حالى وتقلبى بين حلى وترحالى وبلغت القلوب منهم الحناجر وملأت الدموع المحاجر وابتلت ذيولك بمائها لا بل تضرجت بدمائها فحيهم عنى تحية منفصل ووداع مرتحل ثم اعطف عليك ركابك ومهد لهم جنابك وقل لهم اذا سألنى عن المنازل بعد سكانها والربوع بعد ظعن أظعانها بماذا أجيبة وبماذا يسكن وجيبه فسيقولون لك هى البلاقع المقفرات والمعارف التى أصبحت نكرات
( صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت غن منطق السائل ) قل لهم كيف الروض وآسه وعم تتأرج أنفاسه عهدى به والحمام يردد به أسجاعه والذباب يغنى به هزجا فيحك بذراعه ذراعه وغصونه تعتنق وأحشاء جداوله تصطفق وأسحاره تتنسم وآصاله تتوسم كما كانت بقية نضرته وكما عهدتها أنيقة خضرته وكيف التفاته عن أزرق نهره وتأنقه فى تكليل إكليله بيانع زهره وهل رق نسيم أصائله وصفت موارد جداوله وكيف انفساح ساحاته والتفاف دوحاته وهل تمتد كما كانت مع العشى فينانه سرحاته وعهدى بها المديدة الظلال المزعفرة السربال وهل تحدق الآن به عيون نرجسه ويمد بساط سندسه وانى منه مجالس لداتى ومعاهد غدواتى وروحاتى اذ ابارى فى المجون لمن أبارى وأسابق الى اللذات كل من أجاري فسيقولون لك ذوت أفنانه وانقصفت أغصانه وتكدرت غدرانه وتغير روحه وريحانه وأقفرت معالمه وأخرست حمائمه واستحالت حلل خمائله وتغيرت وجوه بكره وأصائله فإن صلصل حنين رعد فعن قلبى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24