كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

يعقوب بن عبدالحق أمده الله بالظفر وقرن عزمه بالتأييد في الآصال والبكر
سلام وشت البروق وشائعه وادخرت الكواكب ودائعه واستوعب الزمان ماضيه ومستقبله ومضارعه وثناء اتخذ النفحات المسكية طلائعه ونبه للتغريد في الروض سواجعه وجلى في كأسه من الشفق المحمر مدامه ومن النجوم فواقعه بعد حمد الله على نعم أدت لنا الأمانة في عود سلطنة والدنا الموروثة وأجلستنا على سرير مملكة زرابيها بين النجوم مبثوثة وأحسنت بنا الخلف عن سلف عهوده في الأعناق غير منكورة ولا منكوثة وصلاته على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه الذين بلغ بجهادهم في الكفرة غاية أمله وسوله صلاة تحط بالرضوان سيولها وتجر بالغفران ذيولها ما تراسل أصحاب وتواصل أحباب ويوضح للعلم الكريم ورود كتابكم العظيم وخطابكم الفائق على الدر النظيم تفاخر الخمائل سطوره ويصبغ خد الورد بالخجل منثوره ويحكي الرياض اليانعة فالألفات غصونه والهمزات عليها طيوره ويخلع على الآفاق حلل الأيام والليالي فالطرس صباحه والنفس ديجوره لفظه يطرب ومعناه يعرب فيغرب وبلاغته تدل على أنه آية لأن شمس بيانها طلعت من المغرب فاتخذنا سطوره ريحانا ورجعنا ألفاته ألحانا ورجعنا إلى الجد فشبهنا ألفاظه بظلال الرماح وورقه بصقال الصفاح وحروفه المفرقة بأفواه الجراح وسطوره المنتظمة بالفرسان المزدحمة في يوم الكفاح وانتهينا إلى ما أودعتموه من اللفظ المسجوع والمعنى الذي يطرب طائره المسموع والبلاغة التى فضح المتطبع بيانها المطبوع
فأما العزاء بأخيكم الوالد قدس الله روحه وسقى عهده وأحسن لسلفه خلفنا بعده فلنا برسول الله أسوة حسنة ولولا الوثوق بأنه في عدة الشهداء ما رأى القلب قراره ولا الطرف وسنه عاش سعيدا يملك الأرض ومات

شهيدا يفوز بالجنة يوم العرض قد خلد الله ذكره يسير مسير الشمس في الآفاق ويوقف على نضارة حدائقه نظرات الأحداق وورثنا منه حسن الإخاء لكم والوفاء بعهود مودة تشبه في اللطف شمائلكم واما الهناء بوراثة ملكه والانخراط مع الملوك في سلكه فقد شكرنا لكم منحى هذه المنحه وقابلناها بثناء يعطر النسيم في كل نفحه ووقفنا عليها حمدا جعل الود علينا إيراده وعلى أنفاس سرحه الروض شرحه وتحققنا به حسن ودكم الجميل وكريم إخائكم الذي لا يميد طود رسوخه ولا يميل
واما ما ذكرتموه من امر المصحفين الشريفين اللذين وقفتموهما على الحرمين المنيفين وانكم جهزتم كاتبكم الفقيه الأجل الأسنى الأسمى أبا المجد ابن كاتبكم أبي عبدالله ابن أبي مدين أعزه الله تعالى لتفقد احوالهما والنظر في امر أوقافهما فقد وصل المذكور بمن معه في حرز السلامة وأكرمنا نزلهم وسهلنا بالترحيب سبلهم وجمعنا على بذل الإحسان إليهم شملهم وحضر المذكور بين أيدينا وقربناه وسمعنا كلامه وخاطبناه وأمرنا في أمر المصحفين الشريفين بما أشرتم ورسمنا لنوابنا في نواحي أوقافهما بما ذكرتم وهذا الوقف المبرور جار على أحسن عادة الفها وأثبت قاعدة عرفها مرعي الجوانب محمي المنازل والمضارب آمن من إزالة رسمه أو إزالة حكمه بدره أبدا في مطالع تمه وزهره دائما يرقص في كمه لا يزداد إلا تخليدا ولا إطلاق ثبوته إلا تقييدا ولا عنق اجتهاده إلا تقليدا جريا على عادة أوقاف ممالكنا وقاعدة تصرفاتنا في مسالكنا وله مزيد من الرعاية وإفادة الحماية ووفادة العناية
وأما ما وصفتموه من أمر الجزيرة الخضراء ومالاقاه أهلها ومني به من

الكفار حزنها وسهلها فإنه شق علينا سماعه الذي أنكى أهل الإيمان وعدد به ذنوب الزمان كل قلب بأنامل الخفقان وطالما فزتم بالظفر ورزقتم النصر على عدوكم فجر ذيل الهزيمة وفر ولكن الحروب سجال وكل زمان لدوائه دولة ولرجائه رجال ولو أمكنت المساعدة لطارت بنا إليكم عقبان الجياد المسومة وسالت على عدوكم أباطحهم بقسينا المعوجة وسهامنا المقومة وكحلنا عيون النجوم بمراود الرماح وجعلنا ليل العجاج ممزقا ببروق الصفاح واتخذنا رؤوسهم لصوالج القوائم كرات وفرجنا مضايق الحرب بتوالي الكرات وعطفنا إليهم الأعنة وخضنا جداول السيوف ودسنا شوك الأسنة وفلقنا الصخرات بالصرخات وأسلنا العبرات بالرعبات ولكن أين الغاية من هذا المدى المتطاول وأين الثريا من يد المتناول وما لنا غير إمدادكم بجنود الدعاء الذي نرفعه نحن ورعايانا والتوجه الصادق الذي تعرفه ملائكة القبول من سجايانا
وأما ما فقدتموه من الأجفان التي طرقها طيف التلاف وأم حرم فنائها الفناء وطاف به بعد الإلطاف فقد روع هذا الخبر قلب الإسلام ونوع له الحزن على اختلاف الإصباح والإظلام وهذه الدار ما يخلو صفوها من كدر القدر وطالما أنامت بالأمن أول الليل وخاطبت بالخطب في السحر ولكن في بقائكم ما يسلي من خطب العطب ومع سلامة نفسكم الكريمة فالأمر هين لأن الدر يفدى بالذهب
وأما ما رأيتموه من الصلح فرأي عقده مبارك وامر ما فيه فارط عزم وإن كان فيتدارك والأمر يجيء كما يحب لا كما نحب والحروب يزورها نصرها تارة ويغب ومع اليوم غدا وقد يرد الله الردى ويعيد الظفر بالعدا
وأما عودكم إلى فاس المحروسة طلبا لإراحة من عندكم من الجنود

وتجهيزا لمن يصل من عندكم إلى الحجاز الشريف من الوفود فهذا أمر ضروري التدبير سروري التثمير لأن النفوس تمل وثير المهاد فكيف ملازمة صهوات الجياد وتسأم من مجالسة الشرب فكيف بممارسة الحرب وتعرض عن دوام اللذة فكيف بمباشرة المنايا الفذة وهذا جبل طارق الذي فتح الله به عليكم وساق هدي هديته إليكم لعله يكون سببا إلى ارتجاع ما شرد وحسما لهذا الطاغية الذي مرد وردا لهذا النازل الذي قدم ورد الصبر لما ورد فعادة الألطاف الإلهية بكم معروفة وعزماتكم إلى جهات الجهاد مصروفة وقد تفاءلنا لكم من هذا الجبل بأنه طارق خير من الرحمن يطرق وجبل يعصم من سهم يمر من قسي الكفار ويمرق
واما ما منحتموه من الخيل العتاق والملابس التى تطلع بدور الوجوه من مشارق الأطواق والأموال التي زكت عند الله تعالى ونمت على الإنفاق فعلى الله عز و جل خلفها ولكم في منازل الدنيا والآخرة شرفها وإليكم تساق هدايا أثنيتها وتحفكم تحفها وإذا وصل وفدكم الحاج وأنار له بوجه إقبالنا عليهم ليلهم الداج كانوا مقيمين تحت ظل إكرامنا وشمول إسعافنا لهم وإنعامنا يتخولون تحفا أنتم سببها ويتناولون طرفا في كؤوس الاعتناء بهم تنضد حببها وإذا كان أوان الرحيل إلى الحج فسحنا لهم الطريق وسهلنا لهم الرفيق وبلغناهم بحول الله تعالى مناهم من منى وسولهم ممن إذا زاروا حجرته الشريفة حازوا الراحة من العنا وفازوا بالغنى وإذا عادوا عاملناهم بكل جميل ينسيهم مشقة ذلك الدرب ويخيل إليهم أن لا مسافة لمسافر بين الشرق والغرب وغمرناهم بالإحسان في العود إليكم وأمرناهم بما ينهونه شفاها لديكم وعناية الله تعالى تحوط ذاتكم وتوفر لأخذ الثأر حماتكم وتخصكم بتأييد تنزلون روضة الأنضر وتجنون به ثمر النصر اليانع من ورق الحديد الأخضر وتتحفكم بسعد لا يبلى قشيبه وعز لا يمحو شبابه مشيبه وتحيته المباركة تغاديكم وتراوحكم وتفاوحكم انفاسها المعنبرة وتنافحكم بمنه وكرمه انتهى

إجازة من الصفدي رواية الرسالتين
ورأيت بخط منشىء هذا الجواب الصلاح الصفدي رحمه الله تعالى إثر ذكره ما نصه أما بعد حمد لله تعالى على نعمائه محمد عبده ورسوله خاتم أنبيائه فقد قرأ الشيخ الإمام العالم العامل العلامة المفيد القدوة عزالدين أبو يعلى حمزة ابن الرئيس الكبير الفاضل القاضي قطب الدين موسى بن أحمد ابن شيخ السلامية الأحمدي امتع الله بفوائده الكتاب الوارد من سلطان المغرب الملك المجاهد المرابط أبي الحسن المريني صاحب مراكش تغمده الله تعالى برحمته والجواب عنه عن السلطان الشهيد الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن السلطان الشهيد الملك الناصر محمد قدس الله تعالى روحهما من إنشائي وانا أسمع ذلك جميعا من أولهما إلى آخرهما قراءة أطربت السمع لفصاحتها وامالت العطف لرجاحتها
( وأخجلت ورق الحمى باللوى ... إن صدحت في ذروة الغصن )
( تكاد من لطف ومن رقة ... تدخل في الأذن بلا إذن )
وذلك في مجلس واحد في ذي القعدة سنة 756 بالجامع الأموي بدمشق المحروسة فإن رأى رواية ذلك عني فله علو الرأي في تشريفي بذلك وكتبه خليل ابن أبيك الصفدي الشافعي عفا الله عنه انتهى
أبو الحسن يكتب ثلاثة مصاحف
وكان السلطان ابو الحسن المريني المذكور كتب ثلاثة مصاحف شريفة بخطه وأرسلها إلى المساجد الثلاثة التى تشد إليها الرحال وأوقف عليها أوقافا جليلة كتب توقيعه سلطان مصر والشام بمسامحتها من إنشاء الأديب الشهير جمال الدين ابن نباتة المصري ونص ما يتعلق به الغرض منه هنا قوله وهو

400 - الذي مد يمينه بالسيف والقلم فكتب في أصحابها وسطر الختمات الشريفة فأيد الله حزبه بما سطر من أحزابها واتصلت اخبار ملائكة النصر بلوائه تغدو وتروح وكثرت فتوحه لأملياء الغرب فقالت أوقاف الشرق لا بد للفقراء من فتوح ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه المجيد المجدي وخط سطورها بالعربي وطالما خط في صفوف الأعداء بالهندي ورتب عليها اوقافا تجري أقلام الحسنات في إطلاقها وطلقها وحبس املاكا شامية تحدث بنعم الأملاك التى سرت من مغرب الأرض إلى مشرقها والله تعالى يمتع من وقف هذه الختمات بما سطر له في أكرم الصحائف وينفع الجالس من ولاة الأمور في تقريرها ويتقبل من الواقف انتهى
قلت وقد رأيت احد المصاحف المذكورة وهو الذي ببيت المقدس وربعته في غاية الصنعة

نبذة من أخبار أبي الحسن
وقال بعض المشارقة في حق السلطان أبي الحسن ما صورته ملك أضاء المغرب بانوار هلاله وجرت إلى المشرق انواء نواله وطابت نسماته واشتهرت عزماته كان حسن الكتابة كثير الإنابة ذا بلاغة وبراعة وشهامة وشجاعة كتب بخطه ثلاثة مصاحف ووقفها على المساجد الثلاثة أقام في الملك عشر سنين وسبعة أيام ثم صرف بولده أبي عنان بعد حروب يطول شرحها انتهى من كتاب نزهة الأنام
ولما ذكر الإمام الخطيب أبو عبدالله ابن مرزوق في كتابه المسند الصحيح الحسن من أخبار للسلطان أبي الحسن أمر الربعة التى أرسلها السلطان ابو الحسن بخطه قال ما ملخصه وأرسل معها السلطان الملك الناصر بن قلاوون صاحب الديار المصرية من احجار الياقوت العظيم القدر والثمن ثمانمائة وخمسة وعشرين ومن الزمرذ مائة وثمانية وعشرين ومن الزبرجد مائة وثمانية وعشرين

ومن الجوهر النفيس الملوكي ثلاثمائة وأربعة وستين وأرسل حللا كثيرة منها مذهبة ثلاثة عشر ومن الإناق عشرين مذهبة ومن الخلادي ستة وأربعين ومن القنوع ستة وعشرين مذهبة ومن المحررات المختمة ثمانمائة ومن الرصان عشرين شقة والأكسية المحررة أربعة وعشرين والبرانس المحررة ثمانية عشر والمشففات مائة وخمسين واحارم الصوف المحررة عشرين ومن شقق الملف الرفيع ستة عشر ومن الفضالي المنوعة والفرش والمخاد المنبوق والحلل ثمانمائة واوجه اللحف المذهبة عشرين وحائطان حلة وحنابل مائة واثني عشر كلها حرير وفرش جلد مخروز بالذهب والفضة ومن السيوف المحلاة بالذهب المنظم بالجوهر عشرة والسروج عشرة بركب ذهب ومهاميز ذهب كذلك وثلاثة ركب فضة وست مزججة ومذهبة ومضمتان من ذهب مما يليق بالملوك وشاشية حرير مطوقة بذهب مكلل بالجوهر ومن لزمات الفضة عشرة وسرج مخروزة بالفضة عشرة وعشر علامات معششة مذهبة وعشر رايات مذهبة وعشر براقع مذهبة وعشر أمثلة مرقومة وثلاثين جلد أشرك وأربعة آلاف درقة لمط منها مائتان بنهود الذهب وثمانية عشر بنهود الفضة وخباء قبه كبيرة من مائة بنيقة لها أربعة أبواب وقبة أخرى مضربة من ست وثلاثين بنيقة مبطنة بحلة مذهبة وهي حرير أبيض ومرابطها حرير ملون وعمودها عاج وآبنوس واكبارها من فضة مذهبة ومن البزاة الأحرار المنتقاة أربعة وثلاثين ومن عتاق الخيل العراب ثلاثمائة وخمسة وثلاثين ومن البغال الذكور والإناث مائة وعشرين ومن الجمال سبعمائة وتوجهت مع هذه الهدية أمم برسم الحج مع الربعة المكرمة وأعطى الحرة أم أخته أم

ولد أبيه مريم ثلاثة آلاف وخمسمائة ذهبا ولقاضي الركب ثلاثمائة وكسوة ولقائد الركب أربعمائة وكساوى متعددة وبغلات وللرسول المعين للهدية ألفا ولشيخ الركب احمد بن يوسف بن أبي محمد صالح خمسمائة ولجماعة الضعفاء من الحجاج ستمائة وبرسم العطاء للعرب ثلاثة آلاف وثمانمائة ولشراء ربع ستة عشر ألفا وخمسمائة ذهبا انتهى
وذكر في الكتاب المذكور أن السلطان أبا الحسن الموصوف أهدى هدايا غير هذه لكثير من الملوك ومنها لصاحب الأندلس صلة وصدقة في مرات ومنها لملوك النصارى بعد هداياهم ومنها لسلاطين السودان كصاحب مالي ومنها لصاحب إفريقية ومنها لصاحب تلمسان انتهى
وقال مؤرخ مصر المقريزي في كتاب السلوك في سنة 738 ما نصه وفي ثاني عشرين من رمضان قدمت الحرة من عند السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب المريني صاحب فاس تريد الحج ومعها هدية جليلة إلى الغاية نزل لحملها من الإصطبل السلطاني ثلاثون قطارا من بغال النقل سوى الجمال كان من جملتها أربعمائة فرس منها مائة حجرة ومائة فحل ومائتا بغل وجميعها بسرج ولجم مسقطة بالذهب والفضة وبعضها سرجها وركبها كلها ذهب وكذلك لجمها وعدتها اثنان وأربعون رأسا منها سرجان من ذهب مرصع بجوهر وفيها إثنان وثلاثون بازا وفيها سيف قرابه ذهب مرصع وحياصته ذهب مرلاصع وفيها مائة كساء وغير ذلك من القماش العال وكان قد خرج المهمندار إلى لقائهم وانزلهم بالقرافة قريب مسجد الفتح وهم جمع كبير جدا وكان يوم طلوع الهدية من الأيام المذكورة ففرق السلطان الهدية على الأمراء بأسرهم على قدر مراتبهم حتى نفدت كلها سوى الجواهر واللؤلؤ فإنه اختص به فقدرت قيمة هذه الهدية بما يزيد على مائة ألف دينار ثم نقلت الحرة إلى الميدان بمن معها ورتب لها من الغنم والدجاج والسكر والحلوى والفاكهة في كل يوم بكرة وعشية ما عمهم وفضل عنهم فكان

مرتبهم كل يوم عدة ثلاثين رأسا من الغنم ونصف إردب أرز وقنطار حب رمان وربع قنطار سكر وثماني فانوسيات شمع وتوابل الطعام وحمل إليها برسم النفقة مبلغ خمسة وسبعين ألف درهم وأجرة حمل أثقالهم مبلغ ستين ألف درهم ثم خلع على جميع من قدم مع الحرة فكانت عدة الخلع مائتين وعشرين خلعة على قدر طبقاتهم حتى خلع على الرجال الذين قادوا الخيول وحمل إلى الحرة من الكسوة ما يجل قدره وقيل لها أن تملي ما تحتاج إليه ولا يعوزها شيء وإنما تريد عناية السلطان بإكرامها وإكرام من معها حيث كانوا فتقدم السلطان إلى النشو وإلى الأمير أحمد أقبغا بتجهيزها اللائق بها فقاما بذلك واستخدما لها السقائين والضوية وهيئا كل ما تحتاج إليه في سفرها من أصناف الحلاوات والسكر والدقيق والبقسماط وطلبا الحمالة لحمل جهازها وأزودتها وندب السلطان للسفر معها جمال الدين متولي الجيزة وأمره أن يرحل بها في مركب لها بمفردها قدام المحمل ويمتثل كل ما تأمر به وكتب لأميري مكة والمدينة بخدمتها اتم خدمة
وقال في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ما نصه وفي نصف شعبان قدمت الحرة أخت صاحب المغرب في جماعة كثيرة وعلى يدها كتاب السلطان أبي الحسن يتضمن السلام وأن يدعو له الخطباء يوم الجمعة وخطبها ومشايخ الصلاح وأهل الخير بالنصر على عدوهم ويكتب إلى أهل الحرمين بذلك وذلك أن في السنة الخالية كانت بينه وبين الفرنج وقعة عظيمة قتل فيها ولده ونصره الله تعالى بمنه على العدو وقتل كثيرا منهم وملكوا منهم الجزيرة الخضراء فعمر الفرنج مائتي شيني وجمعوا طوائفهم وقصدوا المسلمين وأوقعوا بهم على حين غفلة فأستشهد عالم كثير ونجا أبو الحسن في طائفة من ألزامه بعد شدائد وملك الفرنج الجزيرة وأسروا وسبوا وغنموا شيئا يجل وصفه ثم مضوا إلى جهة غرناطة ونصبوا عليها مائة منجنيق حتى صالحهم أهلها على قطيعة يقومون بها وتهادنوا مدة عشر سنين انتهى كلامه

وقد تقدم نص هذا الكتاب الموجه من السلطان أبي الحسن فليراجع قريبا
وقال ابن مرزوق في المسند الصحيح الحسن بعد كلام ما ملخصه وكان يعني السلطان أبا الحسن مجتهدا في الجهاد بنفسه وحرمه وجاز للأندلس برسم ذلك بنفسه وأظهر آثاره الجميلة ومنها ارتجاع جبل الفتح ليد المسلمين بعد ان أنفق عليه الأموال وصرف إليه الجنود والحشود إذ كان من عمالته هو والجزيرة ورندة ونازلته جيوشه مع ولده وخواصه وضيقوا به إلى أن استرجعوه ليد المسلمين وأنفق على بنائه أحمال مال واعتنى بتحصينه وبنى حصنه وأبراجه وسوره وجامعه ودوره ومخازنه ولما كاد يتم ذلك نازله العدو برا وبحرا فصبر المسلمون صبر الكرام فخيب الله تعالى أمل العدو وعاد خاسرا والمنة لله فرأى أن يحصن سفح الحبل بسور يحيط به من جميع جهاته حتى لا يطمع عدو في منازلته ولا يجد سبيلا للتضييق عند محاصرته ورأى الناس ذلك من المحال فأنفق الأموال وانصف العمال فأحاط بمجموعه إحاطة الهالة بالهلال واما بناؤه للمحاسن والطوالع فامر غير مجهول انتهى

رسائل للسان الدين ابن الخطيب
1
- رسالة إلى أحد سلاطين بني مرين
وقد رأيت أن أذكر هنا بعض إنشاء لسان الدين ابن الخطيب في شأن ما يتعلق بجبل الفتح وغيره من بلاد الأندلس وحال العدو الكافر وما ينخرط في هذا السلك فمن ذلك على لسان سلطانه يخاطب به أحد السلاطين من أولاد السلطان أبي الحسن المريني ونصه
المقام الذي يصرخ وينجد ويتهم في الفضل وينجد ويسعف

ويسعد ويبرق في سبيل الله ويرعد فيأخذ الكفر من عزماته المقيم المقعد حتى ينجز من نصر الله تعالى الموعد مقام محل أخينا الذي حسن الظن بمجده جميل وحد الكفر بسعده كليل وللإسلام فيه رجاء وتأميل ليس للقلوب عنه مميل السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله تعالى وعزمه الماضي لصولة الكفر قامعا وتدبيره الناجح لشمل الإسلام جامعا وملكه الموفق لنداء الله مطيعا سامعا ومعظم مقداره وملتزم إجلاله وإكباره المعتد في الله بكرم شيمته وطيب نجاره المستظهر على عدو الله بإسراعه إلى تدمير الكافر وبداره
سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد حمد الله مجيب دعوة السائل ومتقبل الوسائل ومتيح النعم الجلائل مربح من عامله في هذا الوجود الزائف الزائل والأيام القلائل بالمتاع الدائم الطائل والنعيم غير الحائل ومقيم اود الإسلام المائل بأولي المكارم من اوليائه والفضائل محمد رسوله المنقذ من الغوائل المنجي من الروع الهائل الصادع بدعوة الحق الصائل بين العشائر والفصائل الذي ختم به وبرسالته ديوان الرسل والرسائل وجعله في الأواخر شرف الأوائل فحبه كنز العائل والصلاة عليه زكاة القائل والرضى عن آله وصحبه وعترته وحزبه تيجان الأحياء والقبائل المتميزين بكرم السجايا وطيب الشمائل والدعاء لمقام أخوتكم في البكر والأصائل بالسعد الصادق المخايل والصنع الذي تتبرج مواهبه تبرج العقائل والنصر الذي تهز له الصعاد الملد عطف المترانح المتخايل فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عزا يانع الخمائل ونصرا يكفل للكتائب المدونة في الجهاد ومرضاة رب العباد بسرد المسائل وإقناع السائل من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل اله سبحانه إلا استبصار في التوكل على من بيده الأمور وتسبب مشروع تتعلق به بإذن الله تعالى أحكام القدر

المقدور ورجاء فيما وعد به من الظهور يتضاعف على توالي الأيام وترادف الشهور والحمدلله كثيرا كما هو اهله فلا فضل إلا فضله ومقامكم المعروف محله الكفيل بالإرواء نهله وعله وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم وحرس مجدكم ووالى النعم عندنا وعندكم فإننا في هذه الأيام أهمنا من أمر الإسلام مارنق الشراب ونغص الطعام وذاد المنام لما تحققنا من عمل الكفر على مكايدته وسعي الضلال والله الواقي في استئصال بقيته وعقد النوادي للاستشارة في شأنه وشروع الحيل في هد أركانه ومن يؤمل من المسلمين لدفع الردى وكشف البلوى وبث الشكوى وأهله حاطهم الله تعالى وتولاهم وتمم عوائد لطفه الذي اولاهم فهو مولاهم في غفلة ساهون وعن المغبة فيه لاهون قد شغلتهم دنياهم عن دينهم وعاجلهم عن آجلهم وطول الأمل عن نافع العمل إلا من نور الله تعالى قلبه بنور الإيمان وتململ بمناصحة الله تعالى والإسلام تململ السليم واستدل بالشاهد على الغائب وصرف الكفر إلى مطالب الأمم النوائب فلما رأينا ان الدولة المرينية التي هي على مر الأيام شجا العدا ومتوعد من يكيد الهدى وفئة الإسلام التي إليها يتحيز وكهفه الذي إليه يلجأ قد أذن الله تعالى في صلاح امورها ولم شعثها وإقامة صغاها بأن صرف الله تعالى عنها هنات الغدر وأراحها من مس الضر ورد قوسها إلى يد باريها وصير حقها إلى وارثها وأقام لرعي مصالحها من حسن الظن بحسبه ودينه ورجي الخير من ثمرات نصحه ومن لم يعلم إلا الخير من سعيه والسداد من سيرته ومن لا يستريب المسلمون بصحة عقده واستقامة قصده أردنا ان نخرج لكم عن العهدة في هذا

الدين الحنيف الذي وسمت دعوته وجوه احبابكم شملهم الله تعالى بالعافية وتشبثت به انفس من صار إلى الله تعالى من السلف تغمدهم الله بالرحمة والمغفرة وفي هذا القطر الذي بلاده ما بين مكفول يجب رعيه طبعا وشرعا وجار يلزم حقه دينا ودنيا وحمية وفضلا وعلى الحالين فعليكم بعد الله المعول وفيكم المؤمل فأرعونا أسماعكم المباركة نقص عليكم ما فيه رضى الله والمنجاة من نكيره والفخر والأجر وحفظ النعم والخلف في الذرية بهذا وعدت الكتب المنزلة والرسل المرسلة وهو أن هذا القطر الذي تعددت فيه المحارب والمنابر والراكع والساجد والذاكر والعابد والعالم واللفيف والأرملة والضعيف قد انقطع عنه إرفاد الإسلام وشحت الأيدي به منذ أعوام وسلم إلى عبدة الأصنام وقوبلت ضرائره بالأعذار والمواعيد المستغرقة للأعمار وإن عرضت شواغل وفتن وشواغب وإحن فقد كانت بحيث لا يقطع السبب بجملته ولا يذهب المعروف بكليته
( ولابد من شكوى إلى ذي مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجع )
ولو كانت الأشغاب تقطع المعروف وتصرف عن الواجب لم يفتح المقدس والدكم جبل الفتح وهو منازل أخاه بسجلماسة ولا امده ولده السلطان أبو عنان وهو بمراكش وبالأمس بعثنا إلى الجبل وشمانة في جملة ما اهمنا مبلغ جهد وسداد من عوز وقد فضلت عن ضرائرنا اموال فرضت من اجل الله على عباده وطعام سمحنا به على الاحتياج إليه في سبيل جهاده فلم يسهم المتغلب منها لجانب الله بحبة ولا أقطعه منها ذرة مستخفا به جل وعلا متهاونا بنكيره الذي هو أحق أن يخشى فضاعت الأمور واختلت الثغور وتشذبت الحامية وتبددت العدد وخلت المخازن وهلكت بها الجرذان وعظمت

بها حسرة الإسلام أضعاف ما عظمت حبرته أيام ما كانت تكفلها همم الملوك الكرام والخلفاء العظام والوزراء والنصحاء والأشياخ الأمجاد قدس الله تعالى أرواحهم وضاعف انوارهم ولا كالحسرة في الجبل باب الأندلس وركاب الجهاد وحسنة بني مرين ومآثر آل يعقوب وكرامة الله للسلطان المقدس أبي الحسن والد الملوك وكبير الخلفاء والمجاهدين والدكم الذى ترد على قبره مع الساعات والأنفاس وفود الرحمة وهدايا الزلفة وريحان الجنة فلولا أنكم على علم من أحواله لشرحنا المجمل وشكلنا المهمل إنما هو اليوم شبح ماثل وطلل بائد لولا ان الله تعالى شغل العدا عنه بفتنة لم يصرف وجهه إلا إليه ولا حوم طيره إلا عليه ولكان بصدد أن يتخذه الصليب دارا وان يقر به عينا والعدوة فضلا عن الأندلس قد أوسعها شرا وأرهق ما يجاوره عسرا نسأل الله تعالى بنور وجهه أن لا يسود الوجوه بالفجع فيه ولا يسمع المسلمين الثكلة وما دونه فهو وإن أنعش بالتعليل عليله ووقع بالجهد خلقه لحم على وضم إلا أن يصل الله تعالى وقايته ويوالي دفاعه وعصمته لا إله إلا هو الولي النصير وما زلنا نشكو إلى غير المصمت ونمد اليد إليه إلى المدبر عن الله المعرض ونخطب له زكاة الأموال من المباني الضخمة والخزائن الثرة والأهراء الطامية والحظ التافه من المفترض برسمه فتمضي الأيام لا تزيد الضرائر فيها إلا ضيقا ولا الأحوال إلا شدة ولا الثغر إلا ضعة ولا نعلم أن نظرا وقع له ولا فكرا أعمل فيه إلا ما كان من تسخير رعيته الضعيفة وبلالة مجباه السخيفة في بناء قصر بمنت ميور من جباله
( شاده مرمرا وجلله كلسا ... فللطير في ذراه وكور )
جلب إليه الزليج واختلفت فيه الأوضاع في رأس نيق لأمل نزوة

وسوء فكرة فلما تم أقطع الهجران فهو اليوم ممتنع البوم وحظ الخراب فلا حول ولا قوة إلا بالله حتى جاء أمر الله خالي الصحيفة من البر صفر اليد من العمل الصالح نعوذ بالله من نكيره ونسأله الإلهام والسداد والتوفيق والرشاد وقد بذلنا جهدنا قولا وفعلا وموعظة ونصحا واستدعينا لتلك الجهة صدقة المسلمين محمولة على أكتاد العباد الضعفاء الذين كانت صدقات فاتحيه رضي الله تعالى عنهم ترفدهم ونوافله تتعهدهم فما حرك ذلك الجؤار حلوبا ولا استدعى مطلوبا ولا رفدا مجلوبا فإلى متى تنضى ركاب الصبر وقد بلغ الغاية واستنفد البلالة بعد أن اعاد الله تعالى العهد وجبر المال وأصلح السعي وأجرى ينابيع الخير وانشق رياح الإقالة وجملة ما نريد أن نقرره فهو الباب الجامع والقصد الشامل والداعي والباعث ان صاحب قشتالة لما عاد إلى ملكه ورجع إلى قطره جرت بيننا وبينه المراسلة التى أسفرت بعدم رضاه عن كدحنا لنصره ومظاهرتنا إياه على أمره وإن كنا قد بلغنا جهدا وأبعدنا وسعا واجلت عن شروط ثقيلة لم نقبلها وأغراض صعبة لم نكملها ونحن نتحقق انه غما إما تهيج حفيظته وتثور إحنته فيكشف وجه المطالبة مستكثرا بالأمة التى داس بها أهل قشتالة فراجع أمره غلابا وحقه ابتزازا واستلابا أو يصرفها ويهادن المسلمين بخلال ما لايدع جهة من جهات دينه الغريب إلا عقد معها صلحا وأخذ عليها بإعانتها إياه عهدا ثم تفرغ إلى شفاء غليله وبلوغ جهده ولا شك انها تجيبه صرف لبأسه عن نحورها ومقارضة كما وقع باطريرة من مضيق صدورها ومؤسف جمهورها وكل من له دين ما فهو يحرص على التقرب إلى من دانه به وكلفه وظائف تكليف رجاء لوعده وخوفا من وعيده وبالله ندفع ما لانطيق من جموع تداعت من الجزر ووراء البحور والبر المتصل الذي لا تقطعه الرفاق ولا تحصي ذرعه الحذاق وقد أصبحنا بدار غربة ومحل روعة ومفترس نبوة ومظنة فتنة والإسلام عدده قليل ومنتجعه في هذه البقعة جديب وعهده بالإرفاد والإمداد

من المسلمين بعيد ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا - إلى اخر السورة ) البقرة 286
وإذا تداعت أمم الكفر نصرة لدينها المكذوب وحمية لصليبها المنصوب فمن يستدعى لنصر دين الله وحفظ امانة نبيه إلا أهل ذلك الوطن حيث المآذن بذكر الله تعالى تملأ الآفاق وكلمة الإسلام قد عمت الربى والوهاد إنما الإسلام غريق قد تشبث باهدابكم يناشدكم الله في بقية الرمق وقبل الرمي تراش السهام وهذا اوان الاعتناء واختيار الحماة وإعداد الأقوات قبل أن يضيق المجال وتمنع الموانع وقد وجهنا هذا الوفد المبارك للحضور بين يديكم مقررا الضرورة منهيا الرغبة مذكرا بما يقرب عند الله مذكرا لذمام الإسلام جالبا على من وراءهم بحول الله تعالى من المسلمين البشرى التى تشرح الصدور وتسني الآمال وتستدعي الدعاء والثناء فالمؤمن كثير بأخيه ويد الله مع الجماعة والمسلمون يد على من سواهم والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا والتعاون على البر والتقوى مشروع وفي الذكر الحكيم مذكور وحق الجار مشهور وما كان جبريل يوصي به في الصحيح مكتوب وكما راع المسلمين اجتماع كلمة الكفر فنرجو ان يروع الكفر من العز بالله وشد الحيازيم في سبيل الله ونفير النفرة لدين الله والشعور في حماية الثغور وعمرانها وإزاحة عللها وجلب الأقوات إليها وإنشاء الأساطيل وجبر ما تلف من عدة البحر امور تدل على ما وراءها وتخبر بمشيئة الله تعالى عما بعدها ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) البقرة 197 ومن خطب على رضي الله تعالى عنه اما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه رهبة ألبسه الله تعالى سيما الخسف ووسمه بالصغار وما بعد الدنيا إلا الآخرة وما بعد الآخرة إلا إحدى داري البقاء أفي الله شك ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) : 9

والاعتناء بالجبل عنوان هذا الكتاب ومقدمة هذا الباب والغفلة عنه منذ اعوام قد صيرتنا لا نقنع باليسير وقد أبرمته المواعيد وغير رسومه الانتظار ومن المنقول ارحموا السائل ولو جاء على فرس والإسراف في الخير أرجح في هذا المحل من عكسه وكان بعض الأجواد يقول وقد أقتر اللهم هب لي الكثير فإن حالي لا تقوم على القليل وعسى ان يكون النظر له بنسبة الغفلة عنه والامتعاض له مكافئا للإزراء به وخلو البحر يغتنم لإمداده وإرفاده قبل أن يثوب نظر الكفر إلى قطع المدد وسد البحر ومن ضيع الحزم ندم ولا عذر لمن علم والله عز و جل يطلع من قبلكم على ما فيه شفاء الصدور وجبر القلوب وشعب الصدور وما نقص مال من صدقة وطعام الواحد كاف لاثنين والدين دينكم والبلاد بلادكم ومحل رباطكم وجهادكم وسوق حسناتكم ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وقد قلدنا العهد الحفيظ علينا المصروف العناية بفضل الله تعالى إلينا والله المستعان وعليه التكلان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته انتهى
وفي اعتقادي أن هذا المكتوب للسلطان أبي فارس عبدالعزيز ابن السلطان أبي الحسن المريني وأن المراد بالمتغلب الوزير عمر بن عبدالله الذي ظفر به أبو فارس المذكور واستقل بالملك بعد محو أثره حسبما ذكرناه في غير هذا المحل والله سبحانه أعلم
2

- رسالة أخرى في استنهاض السلطان المريني
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه في استنهاض عزم صاحب فاس السلطان المريني لنصرة الأندلس مانصه المقام الذي يؤثر حظ الله إذا اختلفت الحظوظ وتعددت المقاصد ويشرع الأدنى منه إذا تفاضلت المشارع وتمايزت

الموارد وتشمل عادة حلمه وفضله الشارد ويسع وارف ظله الصادر والوارد والغائب والشاهد ويعيد من نصر الله للإسلام العوائد ويسد الذرائع ويدر الفوائد مقام محل أخينا الذي حسنت في الملك سيره وتعاضد في الفضل خبره وخبره ودلت شواهد مداركه للحقوق وتغمده للعقوق على أن الله تعالى لا يهمله ولا يذره فسلك فخره متسقة درره ووجه ملكه شادخة غرره السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله رفيعا علاؤه هامية لديه منن الله تعالى وآلاؤه مزدانة بكواكب السعد سماؤه محروسة بعز النصر أرجاؤه مكملا من فضل الله تعالى في نصر الإسلام وكبت عبدة الأصنام امله ورجاؤه معظم قدره الذي يحق له التعظيم وموقر سلطانه الذي له الحسب الأصيل والمجد الصميم الداعي إلى الله تعالى باتصال سعادته حتى ينتصف من عدو الإسلام الغريم ويتاح على يد سلطانه الفتح الجسيم فلان سلام كريم طيب عميم ورحمة الله وبركاته
اما بعد حمد الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا ولا يخيب لمن أخلص الرغبة إليه أملا وموفي من ترك له حقه أجره المكتوب متمما مكملا وجاعل الجنة لمن اتقاه حق تقاته نزلا ملك الملوك الذي جل وعلا وجبار الجبابرة الذي لا يجدون عن قدره محيصا ولا من دونه موئلا ومولانا محمد الذي أنزل الله تعالى عليه الكتاب مفصلا وأوضح طريق الرشد وكان مغفلا وفتح باب السعادة ولولاه كان مقفلا والرضى عن آله وأصحابه وعترته وأحزابه الذين ساهموه فيما مر وما حلا وخلفوه من بعد بالسير التى راقت مجتلى ورفعوا عماد دينه فاستقام لا يعرف ميلا وكانوا في الحلم والعفو مثلا والدعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يلفى نصه صريحا لا متأولا والصنع الذي يبهر حالا ومستقبلا والعز الذي يرسو جبلا والسعد الذي لا يبلغ أمدا ولا أجلا فإنا كتبناه إليكم أصحب الله تعالى ركابكم حليف التوفيق حلا ومرتحلا وعرفكم عوارف

اليمن الذي يثير جذلا ويدعو وافد الفتح المبين فيرد مستعجلا من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم بما عندنا من التشيع لمقامكم حرس الله تعالى سلطانه ومهد اوطانه إلا الخبر الذي نسأل بعده تحسين العقبى وتوالي عادة الرحمى والحمد لله على التي هي أزكى وسدل جناح الستر الأضفى وصلة اللطائف التي هي اكفل واكفى وأبر وأوفى ومقامكم عندنا العدة التى بها نصول ونرهب والعمدة التى نطيل في ذكرها ونسهب وقد اوفدنا عليكم كل مازاد لدينا أو فتح الله تعالى به علينا ونحن مهما شد المخنق بكم نستنصر أو تراخى ففي ودكم نستبصر أو فتح الله تعالى فأبوابكم نهني ونبشر وقررنا عندكم ان العدو في هذه الأيام توقف عن بلاد المسلمين فلم تصل منه إليها سرية ولا بطشت له يد جرية ولا افترعت من تلقائه ثنية ولا ندري ألمكيدة تدبر أم آراء تنقض بحول الله وتتبر أو لشاغل في الباطن لا يظهر وبعد ذلك وردت على بابنا من بعض كبارهم وزعماء أقطارهم مخاطبات يندبون فيها إلى جنوحها للسلم في سبيل النصح لأياد سلفت منا لهم قررها ووسائل ذكرها فلم يخف عنا أنه أمر دبر بليل وخبية تحت ذيل فظهر لنا أن نسبر الغور ونستفسر الأمر فوجهنا إليه على عادتنا مع سلفه لنعتبر ما لديه وننظر إلى بواطن أمره ونبحث عن زيد قومه وعمره فتأتى ذلك وجر مفاوضة في الصلح أعدنا لأجلها الرسالة واستشعرنا البسالة ووازنا الأحوال واختبرنا واعتززنا في الشروط ماقدرنا ونحن نرتقب ما يخلق الله تعالى من مهادنة تحصل بها الأقوات المهيأة للأنتساف وتسكن ما ساء البلاد المسلمة من هذا الإرجاف

ونفرغ الوقت لمطاردة هذه الآمال العجاف أو حرب يبلغ الاستبصار فيه غايته حتى يظهر الله تعالى في نصر الفئة القليلة آيته ولم نجعل سبب الاعتزاز فيما أدرنا وشموخ الأنف فيما أصدرنا إلا ما أشعنا من عزمكم على نصرة الإسلام وارتقاب خفوق الأعلام والخفوف إلى دعوة الرسول وأن الأرض حمية لله تعالى قد اهتزت والنفرة قد غلبت النفوس واستفزت واستظهرنا بكتبكم التى تضمنت ضرب المواعد وشمرت عن السواعد وأن الخيل قد أطلقت إلى الجهاد في سبيل الله الأعنة والثنايا سدتها بروق الأسنة وفرض الجهاد قد قام به المؤمنون والأموال قد سمح بها المسلمون وهذه الأمور التى تمشت بقريبها او بعيدها أحوال الإسلام والأماني المعدة لتزجية الأيام ثم اتصل بنا الخبر الكارث بما كان من حور العزائم المؤمنة بعد كورها وتسويف مواعد النصرة بعد استشعار فورها وأن الحركة معملة إلى مراكش الجهة التى في يديكم زمامها وإليكم وإن تراخى الطول ترجع أحكامها والقطر الذي لا يفوتكم مع الغفلة ولا يعجزكم عن الصولة ولا يطلبكم إن تركتموه ولا يمنعكم إن طرقتموه وعركتموه فسقط في الأيدي الممدودة واختلفت المواعد المحدودة وخسئت الأبصار المرتقبة ورجفت المعاقل الأشبة وساءت الظنون وذرفت العيون وأكذب الفضلاء الخبر ونفوا أن يعتبر وقالوا هذا لا يمكن حيث الدين الحنيف والملك المنيف والعلماء الذين أخذ الله تعالى ميثاقهم وحمل النصيحة أعناقهم هذا المفترض الذي يبعد والقائم الذي يقعد يأباه الله تعالى والإسلام وتأباه العلماء والأعلام وتأباه المآذن والمنابر وتأباه الهمم والأكابر فبادرنا نستطلع طلع هذا النبأ الذي إن كان باطلا فهو الظن ولله المن وإن كان خلافه لرأي ترجح وتنفق بقرب الملك وتبجح فنحن نوفد كل من

يقدم إلى الله تعالى بهذا القطر في شفاعة ويمد إليه كف ضراعة ومن يوسم بصلاح وعبادة ويقصد في الدين بث إفادة يتطارحون عليكم في نقض ما أبرم ونسخ ما أحكم فإنكم تجنون به على من استنصركم عكس ما قصد وتحلون عليه ماعقد وهب العذر يقبل في عدم الإعانة وضرورة الاستعانة والاستكانة أي عذر يقبل في الاطراح والاعراض الصراح كأن الدين غير واحد كأن هذا القطر لكلمةالإسلام جاحد كأن ذمام الإسلام غير جامع كان الله غير راء ولا سامع فنحن نسألكم بالله الذي تساءلون به والأرحام ونأنف لكم من هذا الاحجام ونتطارح عليكم أن تتركوا حظكم في أهل تلك الجهة حتى يحكم الله بيننا وبين العدو الذي يتكالب علينا بإدباركم بعدما تضاءل لاستنفاركم ولا نكلفكم غير اقتراب داركم وما سامكم المسلمون بها شططا وما حملوكم إلا قصدا وسطا وما ذهبتم إليه لا يفوت ولايبعد وقد تجاورت البيوت إنما الفائت ما وراءكم من حديث تأنف من سماعه أوداؤكم ودين يشمت به أعداؤكم فأسعفوا بالشفاعة فيمن بتلك الجهة المراكشية قصدنا وحاشا إحسانكم أن يرضى فيه ردنا وانتم بعد بالخيار فيما يجريه الله على يديكم من قدره أو يلهمكم إليه من نصره وجوابكم مرتقب بما يليق بكم ويجمل بحسبكم والله سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
3

- رسالة على لسان يوسف بن نصر إلى سلطان فاس
ومن إنشاء لسان الدين أيضا في مخاطبة سلطان فاس والمغرب على لسان

سلطان غرناطة فيما يقرب من الأنحاء السابقة مانصه
المقام الذي أقمار سعده في انتظام واتساق وجياد عزه إلى الغاية القصوى ذات استباق والقلوب على حبه ذات اتفاق وعناية الله تعالى عليه مديدة الرواق وأياديه الجمة في الأعناق ألزم من الأطواق وأحاديث مجدة سمر النوادي وحديث الرفاق مقام محل أبينا الذي شأن قلوبنا الاهتمام بشأنه وأعظم مطلوبنا من الله تعالى سعادة سلطانه السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله تعالى والصنائع الإلهية تحط ببابه والألطاف الخفية تعرس في جنابه والنصر العزيز يحف بركابه وأسباب التوفيق متصلة بأسبابه والقلوب الشجية لفراقه مسرورة بإيابه معظم سلطانه الذي له الحقوق المحتومة والفواضل المشهورة المعلومة والمكارم المسطورة المرسومة والمفاخر المنسوقة المنظومة الداعي إلى الله تعالى في وقاية ذاته المعصومة وحفظها على هذه الأمة المرحومة الأمير عبدالله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن نصر سلام كريم طيب بر عميم كما سطعت في غيهب الشدة أنوار الفرج وهبت نواسم ألطاف الله عاطرة الأرج يخص مقامكم الأعلى ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله جالي الظلم بعد اعتكارها ومقيل الأيام من عثارها ومزين سماء الملك بشموسها المحتجبة وأقمارها ومريح القلوب من وحشة أفكارها ومنشىء سحاب الرحمة على هذه الأمة بعد افتقارها وشدة اضطرابها واضطرارها ومتداركها باللطف الكفيل بتمهيد أوطانها وتيسير أوطارها والصلاة ومولانا محمد رسوله صفوة النبوة ومختارها ولباب مجدها السامي ونجارها نبي الملاحم وخائض تيارها ومذهب رسوم الفتن ومطفىء نارها الذي لم ترعه الشدائد باضطراب بحارها حتى بلغت

كلمة الله ماشاءت من سطوع انوارها ووضوح آثارها والرضى عن آله وأصحابه الذين تمسكوا بعهده على احلاء الحوادث وإمرارها وباعوا نفوسهم في إعلاء دعوته الحنيفية وإظهارها والدعاء لمقامكم الأعلى باتصال السعادة واستمرارها وانسحاب العناية الإلهية وإسدال أستارها حتى تقف الأيام ببابكم موقف اعتذارها وتعرض على مثابتكم ذنوبها راغبة في اغتفارها فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم أو في ما كتب لصالحي الملوك من مواهب إسعاده وعرفكم عوارف الآلاء في اصدار أمركم الرفيع وإيراده وأجرى الفلك الدوار بحكم مراده وجعل العاقبة الحسنى كما وعد به في محكم كتابه المبين للصالحين من عباده من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى وليس بفضل الله الذي عليه في الشدائد الاعتماد وإلى كنف فضله الاستناد ثم ببركة جاه نبينا الذي وضح بهدايته الرشاد إلا الصنائع التى تشام بوارق اللطف من خلالها وتخبر سيماها بطلوع السعود واستقبالها وتدل مخايل يمنها على حسن مآلها لله الحمد على نعمه التى نرغب في كمالها ونستدر عذب زلالها وعندنا من الاستبشار باتساق أمركم وانتظامه والسرور بسعادة أيامه والدعاء إلى الله تعالى في إظهاره وإتمامه ما لا تفي العبارة بأحكامه ولا تتعاطى حصر أحكامه وإلى هذا أيد الله تعالى أمركم وعلاه وصان سلطانكم وتولاه فقد علم الحاضر والغائب وخلص الخلوص الذي لا تغيره الشوائب ما عندنا من الحب الذي وضحت منه المذاهب وأننا لما اتصل بنا ما جرت به الأحكام من الأمور التى صحبت مقامكم فيها العناية من الله والعصمة وجعل على العباد والبلاد الوقاية والنعمة لا يستقر بقلوبنا القرار ولا تتأتى بأوطاننا الأوطار تشوفا لما تتيحه لكم الأقدار ويبرزه من سعادتكم الليل والنهار

ورجاؤنا في استئناف سعادتكم يشتد على الأوقات ويقوى علما بأن العاقبة للتقوى وفي هذه الأيام عميت الأنباء وتكالبت في البر والبحر الأعداء واختلفت الفصول والأهواء وعاقت الوراد الأنواء وعلى ذلك من فضل الله الرجاء ولو كنا نجد للاتصال بكم سببا أو نلفى لاعانتكم مذهبا لما شغلنا البعد الذي بيننا اعترض والعدو بساحتنا في هذه الأيام ربض وكان خديمكم الذي رفع من الوفاء راية خافقة واقتنى منه في سوف الكساد بضاعة نافقة الشيخ الأجل الأوفى الأود الأخلص الأصفى أبو محمد ابن أحبانا سنى الله ماموله وبلغه من سعادة أمركم سوله وقد ورد على بابنا وتحيز إلى اللحاق بجنابنا ليتيسر له من جهتنا القدوم ويتأتى له بإعانتنا الغرض المروم فبينما نحن ننظر في تتميم غرضه وإعانته على الوفاء الذي قام بمفترضه إذ اتصل بنا خبر قرقورتين من الأجفان التى استعنتم بها على الحركة والعزيمة المقترنة بالبركة حطت إحداهما بمرسى المنكب والأخرى بمرسى المرية في كنف العناية الإلهية فتلقينا من الواصلين فيها الأنباء المحققة بعد التباسها والأخبار التى يغني نصها عن قياسها وتعرفنا ماكان من عزمكم على السفر وحركتكم المعروفة باليمن والظفر وانكم استخرتم الله تعالى في اللحاق بالأوطان التى يؤمن قدومكم خائفها ويؤلف طوائفها ويسكن راجفها ويصلح أحوالها ويسكن أهوالها وأنكم سبقتم حركتها بعشرة أيام مستظهرين بالعزم المبرور والسعد الموفور واليمن الرائق السفور والأسطول المنصور فلا تسألوا عن انبعاث الآمال بعد سكونها ونهوض طيور الرجاء من وكونها واستبشار الأمة المحمدية منكم بقرة عيونها وتحقق ظنونها وارتياح البلاد إلى دعوتكم التى ألبستها ملابس العدل والإحسان وقلدتها قلائد السير الحسان وما منها إلا من باح بما يخفيه من وجده وجهر

بشكر الله تعالى وحمده وابتهل إليه في تيسير غرض مقامكم الشهير وتتميم قصده واستئناس نور سعده وكم مطل الانتظار بديون آمالها والمطاولة من اعتلالها واما نحن فلا تسألوا عمن استشعر دنو حبيبه بعد طول مغيبة إنما هو صدر راجعه فؤاده وطرف ألفه رقاده وفكر ساعده مراده فلما بلغنا هذا الخبر بادرنا إلى انجاز ما بذلنا لخديمكم المذكور من الوعد واغتنمنا ميقات هذا السعد ليصل سببه بأسبابكم ويسرع لحاقه بجنابكم فعنده خدم نرجو أن ييسر الله تعالى أسبابها ويفتح بنيتكم الصالحة أبوابها وقد شاهد من امتعاضنا لذلك المقام الذي ندين له بالتشيع الكريم الوداد ونصل له على بعد المزار ونزوح الأقطار سبب الاعتداد ما يغني عن القلم والمداد وقد ألقينا إليه من ذلك كله ما يلقيه إلى مقامكم الرفيع العماد وكتبنا إلى من بالسواحل من ولاتنا نحد لهم ما يكون عليه عملهم في بر من يرد عليهم من جهة أبوتكم الكريمة ذات الحقوق العظيمة والأيادي الحديثة والقديمة وهم يعملون في ذلك بحسب المراد وعلة شاكلة جميل الاعتقاد ويعلم الله تعالى أننا لو لم تعق العوائق الكبيرة والموانع الكثيرة والأعداء الذين دهيت بهم في الوقت هذه الجزيرة ماقدمنا عملا على اللحاق بكم والاتصال بسببكم حتى نوفي لأبوتكم الكريمة حقها ونوضح من المسرة طرقها لكن الأعذار واضحة وضوح المثل السائر والله العالم بالسرائر وإلى الله تعالى نبتهل في أن يوضح لكم من التيسير طريقا ويجعل السعد لكم مصاحبا ورفيقا ولايعدمكم عناية منه وتوفيقا ويتم سرورنا عن قريب بتعرف أنبائكم السارة وسعودكم الدارة فذلك منه سبحانه غاية آمالنا وفيه إعمال ضراعتنا وسؤالنا هذا ماعندنا بادرنا لإعلامكم به أسرع البدار والله تعالى يوفد علينا أكرم الأخبار بسعادة ملككم السامي المقدار وييسر ما له من الأوطار ويصل سعدكم

ويحرس مجدكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
وكان طاغية النصارى الملعون لكثرة ما مارس من امور ملوك الأندلس وسلاطين فاس كثيرا ما يدس لأقارب الملوك القيام على صاحب الأمر ويزين له الثورة ويعده بالإمداد بالمال والعدة وقصده بذلك كله توهين المسلمين وإفساد تدبيرهم ونسخ الدول بعضها ببعض لما له في ذلك من المصلحة حتى بلغ أبعده الله تعالى من أمله الغاية
4

- رسالة إلى السلطان المريني في الاعتذار عن فرار أ
بي الفضل المريني من غرناطة
ومن إنشاء لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى عن سلطان الأندلس إلى سلطان فاس المريني يعتذر عن فرار الأمير أبي الفضل المريني الذي كان معتقلا بغرناطة فتحيل الطاغية في أمره حتى خرج طالبا للملك مانصه
المقام الذي شهد الليل والنهار بأصالة سعادته وجرى الفلك الدوار بحكم إرادته وتعود الظفر بمن يناوئه فاطرد والحمد لله جريان عادته فوليه متحقق لإفادته وعدوه مرتقب لإبادته وحلل الصنائع الإلهية تضفو على أعطاف مجادته مقام محل أخينا الذي سهم سعده صائب وأمل من كاده خاسر خائب وسير الفلك المدار في مرضاته دائب وصنائع الله تعالى له تصحبها الألطاف العجائب فسيان شاهد منه في عصمة وغائب السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله تعالى مسدد السهم ماضي العزم تجل سعوده عن تصور الوهم ولا زال مرهوب الحد ممتثل الرسم موفور الحظ من نعمة الله تعالى عند تعدد القسم فائزا بفلج الخصام عند لدد الخصم معظم قدره وملتزم بره المبتهج بما يسببه الله تعالى له من إعزاز نصره وإظهار أمره فلان سلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الأعلى ومثابتكم الفضلى التى حازت في الفخر الأمد البعيد وفازت من التأييد والنصر بالحظ السعيد ورحمة الله تعالى وبركاته

اما بعد حمدالله الذي فسح لملككم الرفيع في العز مدى وعرفه عوارف آلائه وعوائد النصر على اعدائه يوما وغدا وحرس سماء علائه بشهب من قدره وقضائه ( فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) ( الجن : 9 ) وجعل نجح اعماله وحسن مآله قياسا مطردا فرب مريد ضره ضر نفسه وهاد إليه أهدى وماهدى ومولانا محمد نبيه ورسوله الذي ملأ الكون نورا وهدى وأحيا مراسم الحق وقد صارت طرائق قددا أعلى الألنام يدا وأشرفهم محتدا الذي بجاهه نلبس أثواب السعادة جددا ونظفر بالنعيم الذي لا ينقطع أبدا والرضى عن آله وأصحابه الذين رفعوا لسماء سنته عمدا واوضحوا من سبيل اتباعه مقصدا وتقبلوا شيمه الطاهرة ركعا وسجدا سيوفا على من اعتدى ونجوما لمن اهتدى حتى علت فروع ملته صعدا وأصبح بناؤها مديدا مخلدا والدعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يتوالى مثنى وموحدا كما جمع لملككم ما تفرق من الألقاب على توالى الأحقاب فجعل سيفكم سفاحا وعلمكم منصورا ورأيكم رشيدا وعزمكم مؤيدا فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم صنعا يشرح للإسلام خلدا ونصرا يقيم للدين الحنيف أودا وعزما يملأ أفئدة الكفر كمدا وجعلكم ممن هيأ له من أمره رشدا ويسر لكم العاقبة الحسنى كما وعد في كتابه العزيز والله أصدق موعدا من حمراء غرناطة حرسها الله ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا استطلاع سعودكم في آفاق العناية واعتقاد جميل صنع الله في البداية والنهاية والعلم بأن ملككم تحدى من الظهور على أعدائه بآية وأجرى جياد السعد في ميدان لا يحد بغاية وخرق حجاب المعتاد بما لم يظهر إلا لأصحاب الكرامة والولاية ونحن على ما علمتم من السرور بما يهز لملككم المنصور عطفا ويسدل عليه من العصمة سجفا نقاسمه الارتياح لمواقع نعم الله تعالى نصفا ونصفا ونعقد بين أنباء مسرته وبين الشكر لله حلفا ونعد التشيع له مما يقربنا إلى الله زلفى ونؤمل

من امداده ونرتقب من جهاده وقتا يكفل به الدين ويكفى وتروى غلل النفوس وتشفى
وإلى هذا وصل الله سعدكم ووالى نصركم وعضدكم فإنا من لدن صدر عن أخيكم أبي الفضل ماصدر من الانقياد لخدع الآمال والاغترار بموارد الآل وفال رأيه في اقتحام الأهوال وتورط في هفوة حار فيها حيرة أهل الكلام في الأحوال وناصب من أمركم السعيد جبلا قضى الله له بالاستقرار والاستقبال ومن ذا يزاحم الأطواد ويزحزح الجبال وأخلف الظن منا في وفائه وأضمر عملا استأثر عنا بإخفائه واستعان من عدو االدين بمعين فلما يري لمن استنصر به زند ولا خفق لمن تولاه بالنصر بند وإن الطاغية اعانه وأنجده ورأى انه سهم على المسلمين سدده وعضب للفتنة جرده فسخر له الفلك وامل أن يستخدمه بسبب ذلك الملك فاورده الهلك والظلم الحلك علمنا أن طرف سعادته كاب وسحاب آماله غير ذات انسكاب وقدم غرته لم يستقر من السداد في غرز ركاب فإن نجاح اعمال النفوس مرتبط بنياتها وغايات الأمور تظهر في بداياتها وعوائد الله تعالى فيمن نازع قدرته لا تجهل ومن غالب أمر الله خاب منه المعول
فبينما نحن نرتقب خسار تلك الصفقة المعقودة وخمود تلك الشعلة الموقودة وصلنا كتابكم يشرح الصدور ويشرح الأخبار ويهدي طرف المسرات على أكف الاستبشار ويعرب بلسان حال المسارعة والابتدار عن الود الواضح وضوح النهار والتحقق بخلوصنا الذي يعلمه عالم الأسرار فأعاد في الافادة وأبدى وأسدى من الفضائل الجلائل ما أسدى فعلم منه مآل من رام أن يقدح زند الشتات من بعد الالتئام ويثير عجاجة المنازعة من بعد ركود القتام هيهات تلك قلادة الله تعالى التى ماكان يتركها بغير نظام ولم يدر

أنكم نصبتم له من الحزم حباله لا يفلتها قنيص وسددتم له من السعد سهما ما له عنه من محيص بما كان من ارسال جوارح الأسطول السعيد في مطاره حائلا بينه وبين اوطاره فما كان إلا التسمية والإرسال ثم الإمساك والقتال ثم الاقتيات والاستعمال فيا له من زجر استنطق لسان الوجود فجدله واستنصر البحر فخذله وصارع القدر فجد له لما جد له وإن خدامكم استولوا على ماكان فيه من مؤمل غاية بعيدة ومنتسب إلى نصبة غير سعيدة وشانىء غمرته من الكفار خدام الماء وأولياء النار تحكمت فيهم أطراف العوالي وصدور الشفار وتحصل منهم من تخطاه الحمام في قبضة الإسار فعجبنا من تيسير هذا المرام وإخماد الله لهذا الضرام وقلنا تكييف لا يحصل في الأوهام وتسديد لا تستطيع إصابته السهام كلما قدح الخلاف زندا أطفأ سعدكم شعلته أو أظهر الشتات ألما أبرأ يمن طائركم علته ماذاك إلا لنية صدقت معاملتها في جنب الله تعالى وصحت واسترسلت بركتها وسحت وجهاد نذرتموه إذا فرغت شواغلكم وتمت واهتمام بالإسلام يكفيه الخطوب التى أهمت فنحن نهنيكم بمنح الله ومننه ونسأله أن يلبسكم من عنايته أوقى جننه فأملنا أن تطرد آمالكم وتنجح في مرضاة الله أعمالكم فمقامكم هو العمدة التي يدفع العدو بسلاحها وتنبلج ظلمات صفاحها وكيف لا نهنيكم بصنع على جهتنا يعود وبآفاقنا تطلع منه السعود فتيقنوا ما عندنا من الاعتقاد الذي رسومه قد استقلت واكتفت وديمه بساحة الود قد وكفت والله عز و جل يجعل لكم الفتوح عادة ولا يعدمكم عناية وسعادة وهو سبحانه يعلى مقامكم وينصر أعلامكم ويهني الإسلام أيامكم والسلام الكريم

يخصكم ورحمة الله وبركاته انتهى
وكان سلطان الأندلس في الأزمان المتأخرة كثيرا ما يشم أرج الفرج في سلم الكفار ومهادنتهم حيث لم يقدر في الغالب على مقاومتهم ولذلك لما قتل السلطان أبو الحجاج الذي كان لسان الدين كاتبه ووزيره وقام بالأمر بعده ابنه محمد الغني بالله الذي ألقى مقاليده للسان الدين اكد أمر السلم وانتظر ما يبرمه القضاء الجزم والقدر الحتم
5

- رسالة على لسان الغني إلى ابي عنان
ومن إنشاء لسان الدين في ذلك على لسان الغني مخاطبا لسلطان فاس والمغرب أبي عنان ماصورته
المقام الذي يغني عن كل مفقود بوجوده ويهز إلى جميل العوائد أعطاف بأسه وجوده ونستضيىء عند إظلام الخطوب بنور سعوده ونرث من الاعتماد عليه أسنى ذخر يرثه الولد عن آبائه وجدوده مقام محل أبينا الذي رعي الأذمة شانه وصلة الرعي سجية انفرد بها سلطانه ومواعد النصر ينجزها زمانه والقول والفعل في ذات الله تعالى تكفلت بهما يده الكريمة ولسانه وتطابق فيهما إسراره وإعلانه السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله تعالى محروسا من غير الأيام جنابه موصولة بالوقاية الإلهية أسبابه مسدولا على ذاته الكريمة ستر الله تعالى وحجابه مصروفا عنه من صرف القدر ما يعجز عن رده بوابه ولا زال ملجأ تنفق لديه الوسائل التى تدخرها لأولادها أولياؤه وأحبابه ويسطر في صحف الفخر ثوابه وتشتمل على مكارم الدين والدنيا أثوابه وتتكفل بنصر الاسلام وجبر القلوب عند طوارق الأيام كتائبه وكتابه معظم ما عظم من حقه السائر من إجلاله وشكر خلاله على لاحب طرقه المستضيء في ظلمة الخطب بنور أفقه الأمير عبدالله محمد ابن أمير

المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد ابن فرج بن نصر سلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الأعلى ورحمة الله تعالى وبركاته
اما بعد حمد الله الذي لا راد لأمره ولا معارض لفعله مصرف الأمر بحكمته وقدرته وعدله الملك الحق الذي بيده ملاك الأمر كله مقدر الآجال والأعمار فلا يتأخر شيء عن ميقاته ولا يبرح عن محله جاعل الدنيا مناخ قلعة لا يغتبط العاقل بمائه ولا بظله وسبيل رحلة فما أكثب ظغنه من حله ومولانا محمد صفوة خلقه وخيرة أنبيائه وسيد رسله الذي نعتصم بسببه الأقوى ونتمسك بحبله ونمد يد الافتقار إلى فضله ونجاهد في سبيله من كذب به أو حاد عن سبله ونصل إليه ابتغاء مرضاته ومن أجله والرضى عن آله وأحزابه وانصاره وأهله المستولين من ميدان الكمال على خصله والدعاء الأعلى بعز نصره ومضاء فصله فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم وقاية لا تطرق الخطوب حماها وعصمه ترجع عنها سهام النوائب كلما فوقها الدهر ورماها وعناية لا تغير الحوادث اسمها ولا مسماها وعزا يزاحم اجرام الكواكب منتماها من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ونعم الله سبحانه تتواتر لدينا دفعا ونفعا وألطافه نتعرفها وترا وشفعا ومقامكم الأبوي هو المستند الأقوى والمورد الذي ترده آمال الإسلام فتروى وتهوي إليه أفئدتهم فتجد ما تهوى ومثابتكم العدة التي تأسست مبانيها على البر والتقوى
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم وأبقى مجدكم فإننا لما نعلم من مساهمة مجدكم التى تقتضيها كرام الطباع وطباع الكرم وتدعو إليها ذمم الرعي ورعي الذمم نعرفكم بعد الدعاء لملككم بدفاع الله تعالى عن ارتقائه وإمتاع المسلمين ببقائه بما كان من وفاة مولانا الوالد نفعه الله تعالى بالشهادة التى ألبسه حلتها والشهادة التى في اعماله الزكية كتبها والدرجة العالية التى حتمها له وأوجبها وبما تصير إلينا من أمره وضم بنا من نشره وسدل على من

خلفه من ستره وإنها لعبرة لمن ألقى السمع وموعظة تهز الجمع وترسل الدمع وحادثة اجمل الله سبحانه فيها الدفع وشرح مجملها وإن أخرس اللسان هولها وأسلم العبارة قوتها وحولها انه رضي الله تعالى عنه لما برز لإقامة سنة هذا العيد مستشعرا شعار كلمة التوحيد مظهرا سمة الخضوع للمولى الذي تضرع بين يديه رقاب العبيد آمنا بين قومه واهله متسربلا في حلل نعم الله تعالى وفضله قرير العين باكتمال عزه واجتماع شمله قد احترس بأقصى استطاعته واستظهر بخلصان طاعته والأجل المكتوب قد حضر والإرادة الإلهية قد أنفذت القضاء والقدر وسجد بعد الركعة الثانية من صلاته أتاه امر الله لميقاته على حين الشباب غض جلبابه والسلاح زاخر عبابه والدين بهذا القطر قد أينع بالأمن جنابه وأمر من يقول للشيء كن فيكون قد بلغ كتابه ولم يرعه وقد اطمانت بذكر الله تعالى القلوب وخلصت الرغبات إلى فضله المطلوب إلا شقي قيضه الله لسعادته غير معروف ولا منسوب وخبيث لم يكن بمعتبر ولا محسوب تخلل الصفوف المعقودة وتجاوز الأبواب المسدودة وخاض الجموع المشهودة والأمم المحشورة إلى طاعة الله المحشودة لاتدل العين عليه شارة ولا بزة ولا تحمل على الحذر من مثله انفة ولا عزة وإنما هو خبيث ممرور وكلب عقور وحية سمها وحي محذور وآلة مصرفة لينفذ بها قدر مقدور فلما طعنه وأثبته وأعلق به شرك الحين فما أفلته قبض عليه من الخلصان الأولياء من خبر ضميره واحكم تقريره فلم يجب عند الاستفهام جوابا يعقل ولا عثر منه على شيء عنه ينقل لطفا من الله افاد براءة الذمم وتعاورته للحين أيدي التمزيق وأتبع شلوه بالتحريق واحتمل مولانا الوالد العزيز رحمه الله تعالى إلى القصر وبه ذماء لم يلبث بعد الفتكة العمرية إلا أيسر من اليسير وتخلف الملك ينظر من الطرف الحسير وينهض بالجناح الكسير وقد عاد جمع السلامة الى التكسير إلا أن الله تعالى تدارك هذا القطر الغريب بأن أقامنا مقامه

لوقته وحينه ورفع بناء عماد ملكه ولم شعث دينه وكان جميع من حضر المشهد من شريف الناس ومشروفهم واعلامهم ولفيفهم قد جمعه ذلك الميقات وحضر الأولياء الثقات فلم تختلف علينا كلمة ولا شذت منهم عن بيعتنا نفس مسلمة ولا اخيف بري ولا حذر جري ولا فري فري ولا وقع لبس ولا استوحشت نفس ولا نبض للفتنة عرق ولا أغفل للدين حق فاستند النقل إلى نصه ولم يعدم من فقيدنا غير شخصه وبادرنا إلى مخاطبة البلاد نمهدها ونسكنها ونقررالطاعة في النفوس ونمكنها وامرنا الناس بها بكف الأيدي ورفع التعدي والعمل من حفظ شروط المسالمة المعقودة بما يجدي ومن شره منهم للفرار عاجلناه بالإنكار وصرفنا على النصارى ما اوصاه مصحبا بالاعتذار وخاطبنا صاحب قشتالة نرى ما عنده في صلة السلم إلى أمدها من الأخبار واتصلت بنا البيعات من جميع الأقطار وعفى على حزن المسلمين بوالدنا ما ظهر عليهم بولايتنا من الاستبشار واستبقوا تطير بهم أجنحة الابتدار جعلنا الله تعالى ممن قابل الحوادث بالاعتبار وكان على حذر من تصاريف الأقدار واختلاف الليل والنهار وأعاننا على إقامة دينه في هذا الوطن الغريب المنقطع بين العدو الطاغي والبحر الزخار وألهمنا من شكره لما يتكفل بالمزيد من نعمه ولا قطع عنا عوائد كرمه
وإن فقدنا والدنا فانتم لنا من بعده الوالد والذخر الذي تكرم منه العوائد والحب يتوارث كما ورد في الأخبار التى صحت منها الشواهد ومن اعد مثلكم لبنيه فقد تيسرت من بعد الممات امانيه وتأسست قواعد ملكه وتشيدت مبانيه فالاعتقاد الجميل موصول والفروع لها في التشيع إليكم أصول وفي تقرير فخركم محصول وانتم ردء المسلمين بهذه البلاد المسلمة الذي يعينهم

بإرفاده وينصرهم بإنجاده ويعامل الله تعالى فيها بصدق جهاده
وعندما استقر هذا الأمر الذي تبعت المحنة فيه المنحة وراقت من فضل الله تعالى ولطفه فيه الصفحة واخذنا من اهل حضرتنا بعد استدعاء خواصهم وأعيانهم وتزاحمت على رقها المنشور خطوط أيمانهم وتأصلت قواعد ألفاظها ومعانيها في قلوبهم وآذانهم وضمنوا الوفاء بما عاهدوا الله عليه وقد خبر سلفنا والحمد لله وفاء ضمانهم بادرنا تعريف مقامكم الذي نعلم مساهمته فيما ساء وسر وأحلى وأمر عملا بمقتضى الخلوص الذي ثبت واستقر والحب الذي ما مال يوما ولا أزور وما أحق تعريف مقامكم بوقوع هذا الأمر المحذور وانجلاء ليله عن صبح الصنع البادي السفور وإن كنا قد خاطبنا من خدامكم من يبادر إعلامكم بالأمور إلا أنه أمر له ما بعده وحادث يأخذ حده ونبعث إلى بابكم من شاهد الحال مابين وقوعها إلى استقرارها رأي العيان وتولى تسديد الأمور باعماله الكريمة ومقاصده الحسان ليكون أبلغ في البر وأشرح للصدر وأوعب للبيان فوجهنا إليكم وزير أمرنا وكاتب سرنا الكذا أبا فلان وألقينا إليه من تقرير تعويلنا على ذلك المقام الأسنى واستنادنا من التشيع إليه إلى الركن الوثيق المبنى مانرجو أن يكون له فيه المقام الأعنى والثمرة العذبة المجنى فلاهتمامه بهذا الغرض الأكيد الذي هو أساس بنائنا وقامع أعدائنا آثرنا توجيهه على توفر الاحتياج إليه ومدار الحال عليه والمرغوب من أبوتكم المؤملة أن يتلقاه قبولها بما يليق بالملك العالي والخلافة السامية المعالي والله عز و جل يديم أيامكم لصلة الفضل المتوالي ويحفظ مجدكم من غير الأيام والليالي وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويوالي نصركم وعضدكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته انتهى

وقوله في هذه الرسالة فوجهنا إليكم وزير امرنا إلى آخره هو لسان الدين رحمه الله تعالى إذ هو كان الوزير إذ ذاك والسفير في هذه القضية ومن صفحات هذا الكلام يتضح لك مانال لسان الدين رحمه الله تعالى من الرياسة والجاه ونفوذ الكلمة بالأندلس وبالمغرب رحمه الله تعالى وقد أكرمه السلطان أبو عنان في هذه الوفادة وغيرها غاية الإكرام وكان المقصود الأعظم من هذه الوقادة استعانة سلطان الأندلس الغني بالله بالسلطان أبي عنان على طاغية النصارى كما ألمعنا بذلك في الباب الثاني من القسم الثاني الذي يتعلق بلسان الدين وكان لسلطان أبو عنان ابن السلطان أبي الحسن معتنيا بالأندلس غاية الاعتناء وخصوصا بجبل الفتح حتى إنه بلغ من اهتمامه به أن أمرعليه ولده أبا بكر السعيد وهو الذي تولى الملك بعده
6

- رسالة عن الغني إلى الأمير السعيد
ومن إنشاء لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى على لسان سلطانه ماخاطب به الأمير السعيد المذكور إذ قلده والده جبل الفتح وهو
الإمارة التى أشرق في سماء الملك شهابها واتصلت بأسباب العز أسبابها واشتملت على الفضل والطهارة أثوابها وأجيلت قداح المفاخر فكان إلى جهة الله تعالى انتدابها إمارة محل أخينا الذي تأسس على مرضاة الله تعالى أصيل فخره واتسم بالمرابط المجاهد على اقتبال سنه وجدة عمره وبدأ بفضل الجهاد صحيفة أجره وافتتح بالرباط والصلاح ديوان نهيه وامره لما يسره من سعادة نصبته وحباه من عز نصره الأمير الأجل الأعز الأرفع الأسنى الأطهر الأظهر الأمنع الأصعد الأسمى الموفق الأرضى محل أخينا العزيز علينا المهداة أنباء مامول جواره إلينا أبي بكر السعيد ابن محل والدنا الذي مقاصده للإسلام واهله على مرضاة الله تعالى جارية وعزائمه على نصر الملة الحنيفية

متبارية السلطان الكذا أبو عنان ابن السلطان الكذا أبي الحسن ابن السلطان الكذا أبي سعيد ابن السلطان يعقوب بن عبدالحق أبقاه الله تعالى سديده آراؤه ناجحة أعماله ميسرة أغراضه من فضل الله تعالى متممة آماله رحيبا في السعد مجاله يكنفه من الله تعالى ومحل أبينا غمام وارفة ظلاله هامر نواله حتى يرضي الله تعالى مصاعه بين يديه ومصاله وتمضي في الأعداء امام رايته المنصورة نصاله أخوه المسرور بقربه المنطوي على مضمر حبه أمير المسلمين محمد ابن أمير المسلمين أبي اللحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد ابن فرج بن نصر سلام كريم طيب برعميم يخص أخوختكم الفضلى وإمارتكم التى آثار فضلها بحول الله تتلى ورحمة الله تعالى وبركاته
اما بعد حمد الله على ما كيف من ألطافه المشرقة الأنوار ويسره لهذه الأوطان بنصرته من الأوطار فكلما دجت بها شدة طلع الفرج عليها طلوع النهار وكلما اضطرب منها جانب أعاده بفضل الله تعالى من أقامه لذلك واختاره إلى حال السكون والقرار على سيدنا ومولانا محمد رسوله المصطفى المختار الذي أكد عليه جبريل صلوات الله عليه حق الجوار حتى كاد يلحقه بالوسائل والقرب الكبار الذي وصانا بالالتئام واتصال اليد في نصرة الإسلام فنحن نقابل وصاته بالبدار ونجري على نهجه الواضح الآثار ونرتجي باتباعه الجمع بين سعادة هذه الدار وتلك الدار والرضى عن آله وأصحابه وأنصاره وأحزابه أكرم الآل والأصحاب والأحزاب والأنصار الذين كانوا كما أخبر الله تعالى عنهم على لسان الصادق الأخبار رحماء بينهم أشداء على الكفار والدعاء لإمارتكم السعيدة السعيدية بالتوفيق الذي تجري به الأمور على حسب الاختيار والعز المنيع الذمار والسعد القويم المدار والوقاية التى يامن بها أهلها من السرار فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم أسنى ما كتب للأمراء الأرضياء الأخيار ومتعكم من بقاء والدكم بالعدة العظمى والسيرة الرحمى والجلال الرفيع المقدار من حمراء

غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أوضح برهانه إلا ألطاف باهرة وعناية من الله تعالى باطنة وظاهرة وبشارة بالقبول واردة وبالشكر صادرة والله تعالى يصل لدينا نعمه ويوالي فضله وكرمه
وإلى هذا فإننا اتصل بنا في هذه الأيام ماكان من عناية والدكم محل أبينا أبقاه الله تعالى بهذه البلاد المستندة إلى تأميل مجده وإقطاعها الغاية التى لا فوقها من حسن نظره وجميل قصده وتعيينكم إلى المقام بجبل الفتح إبلاغا في اجتهاده الديني وجده فقلنا هذا خبر إن صدق مخبره وتحصل منتظره فهو فخر تجددت أثوابه واعتناء تفتحت أبوابه وعمل عند الله تعالى ثوابه فإن الأندلس عصمها الله تعالى وإن أنجدته عدده وأمواله ونجحت في نصرها مقاصده الكريمة وأعماله لا تدري موقع النظر لها من نفسه وزيادة يومه في العناية على أمسه حتى يسمح لها بولده ويخصها بقرة عينه وفلذة كبده فلما ورد منه الخبر الذي راقت منه الحبر ووضحت من سعادته الغرر بإجازتكم البحر واختياركم في حال الشبيبة الفخر وصدق مخيلة الدين فيكم واستقراركم في الثغر الشهير الذي افتتحه سيف جدكم واستنقذه سعد أبيكم سررنا بقرب المزار ودنو الدار وقابلنا صنع الله تعالى بالاستبشار ووثقنا وإن لم نزل على ثقة من عناية الله تعالى وعناية محل والدنا بهذه الأقطار وحمدنا الله تعالى على هذه الآلاء المشرقة والنعم المغدقة والصنائع المتألقة بادرنا نهني أخوتكم اولا بما يسره الله تعالى لكم من سلامة المجاز ثم بما منحكم الله تعالى من فضل الاختصاص بهذا الغرض والامتياز فإمارتكم الإمارة التى أخذت بأسباب السماء وركبت إلى الجهاد في سبيل الله تعالى جياد الخيل والماء وأصبحت على حال الشبيبة شجا في حلوق الأعداء ونحن أحق بهذا

الهناء ولكنها عادة الود وسنة الإخاء فالله عز و جل يجعله مقدما ميمون الطائر متهلل البشائر تهلل بصنع الله بعده وجوه القبائل والعشائر ويجري خبر سعادتكم مجرى المثل السائر ويشكر محل والدنا فيما كان من اختياره ومزيد إيثاره ويجازيه جزاء من سمح في ذاته بمظنة ادخاره ومذ رأينا ان هذا الغرض لا يجتزى فيه بالكتابة دون الاستنابة وجهنا لكم من يقوم بحقه ويجري من تقرير ما لدينا على أوضح طرقه وهو القائد الكذا ومجدكم يصغي لما يلقيه ويقابل بالقبول ما من ذلك يؤديه والله تعالى يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام انتهى
وكان الطاغية الملعون أيام السلطان أبي عنان رحمه الله تعالى نازل جبل الفتح ثم كفى الله تعالى شره في ذلك التاريخ
7

- من أبي الحجاج إلى أبي عنان
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب أبا عنان سلطان فاس والمغرب وذلك بما نصه
المقام الذي رمى له الملك الأصيل بأفلاذه وأدى منه الإسلام إلى ملجئه الأحمى وملاذه وكفلت السعود بإمضاء أمره المطاع وإنفاذه وشأى حلبه الكرم فكان وحيد آحاده وفذ أفذاذه وابتدع غرائب الجود فقال لسان الوجود نعمت البدعه هذه مقام محل أخينا الذي أركان مجده راسية راسخة وغرر عزه بادية باذخة وأعلام فخره سامية شامخة وآيات سعده محكمة ناسخة السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله تعالى يجري بسعده الفلك ويجلى بنور هديه الحلك ويسطر حسنات ملكه الملك ويشهد بفضل بأسه

ونداه النادي والمعترك معظم حقوقه التى تأكد فرضها المثني على مكارمه التى أعيا الأوصاف البليغة بعضها أمير المسلمين عبدالله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر سلام كريم طيب بر عميم يخص أخوتكم الفضلى ورحمة الله وبركاته
اما بعد حمد الله الذي هيأ لملة الإسلام بمظاهرة ملككم المنصور الأعلام إظهارا وإعزازا وجعل لها العاقبة الحسنى بيمن مقامكم الأسنى تصديقا لدعوة الحق وإنجازا وسهل لها بسعدكم كل صعب المرام وقد سامتها صروف الأيام ليا وإعوازا واتاح لها منكم وليا يسوم أعداءها استلاما وابتزازا ويسكن آمالها وقد استشعرت انحفازا حمدا يكون على حلل النعم العميمة والآلاء الكريمة طرازا ومولانا محمد رسوله الذي بهرت آياته وضوحا وإعجازا واستحقت الكمال صفاته حقيقة لا مجازا ونبيه الذي بين للخلق أحكام دينه الحق امتناعا وجوازا ويسر لهم وقد ضلوا في مفاوز الشك مفازا والرضى عن آله وأصحابه المستولين على ميادين فضائل الدنيا والدين اختصاصا بها وامتيازا فكانوا غيوثا إن وجدوا محلا وليوثا إن شهدوا برازا والدعاء لمقام أخوتكم الأسمى بنصر على أعدائه تبدي له الجياد الجرد ارتياحا والرماح الملد اهتزازا وعز يطأ من أكناف البسيطة وأرجائها المحيطة سهلا وعزازا ويمن يشمل من بلاد الإيمان أقطارا نازحة ويعم أحوازا وسعد تجول في ميدان ذكره المذاع أطراف ألسنة اليراع إسهابا وإيجازا وفخر يجوب جيوب الأقطار جوب المثل السيار عراقا وحجازا ولا زالت كتائب سعده تنتهز فرص الدهر انتهازا وتوسع مملكات الكفر انتهابا واحتيازا فإنا كتبناه إلى مقامكم كتب الله تعالى لكم سعدا ثابت المراكز وعزا لا تلين قناته في يد الغامز وثناء لا يثني عنان سراه عرض المفاوز وصنعا رحيب الجوانب

رغيب الحوائز من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى وفضله عز و جل قد أدال العسر يسرا واحال القبض بسطا وقرب نوازح الآمال بعد أن تناءت ديارها شحطا وراض مركب الدهر الذي كان لا يلين لمن استمطى وقرب غريم الرجاء في هذه الأرجاء وكان مشتطا والتوكل عليه سبحانه وتعالى قد أحكم منه اليقين والاستبصار المبين ربطا ومشروط المزيد من نعمه قد لزم من الشكر شرطا ومقامكم هو عدة الإسلام إذا جد حفاظه وظله الظليل إذا لفح للكفر شواظه وملجؤه الذي تنام في كنف امنه أيقاظه ووزره الذي إلى نصره تمد أيديه وتشير ألحاظه ففي أرجاء ثنائه تسرح معانيه وألفاظه ولخطب تمجيده وتحميده يقول قسه وتحتفل عكاظه وتشيعنا إلى ذلك الجناب الكريم طويل عريض ومقدمات ودنا إياه لا يعترضها نقيض وأفلاك تعظيمنا له ليس لأوجها الرفيع حضيض وانوار اعتقادنا الجميل فيه يشف سواد الحبر على أوجهها البيض
وإلى هذا ألبسكم الله تعالى ثوب السعادة المعادة فضفاضا كما صرف ببركة إيالتكم الكريمة على ربوع الإسلام وجوه الليالي والأيام وقد ازورت إعراضا وبسطت آمالها وقد استشعرت انقباضا فإننا ورد علينا كتابكم الذي كرم أنحاء وأغراضا وجالت البلاغة من طرسه الفصيح المقال رياضا ووردت الأفكار من معانيه الغرائب وألفاظه المزرية بدرر النحور والترائب بحورا صافية وحياضا فاجتلينا منه حلة من حلل الود سابغة وحجة من حجج المجد بالغة وشمسا في فلك السعد بازغة الذي بين المقاصد الكريمة وشرحها وجلا الفضائل العميمة وأوضحها فما أكرم شيم ذلك الجلال وأسمحها وأفضل خلال ذلك الكمال وأرجحها خثتم فيه على إحكام السلم التى تحوط النفس والحريم بسياج ويداوى القطر العليل منها بأنجع علاج والحال ذات احتياج وساحة الجبل عصمه الله تعالى ميدان هياج ومتبوأ أعلاج ومظنة اختلاف الظنون الموحشة واختلاج فحضر لدينا محتمله وزيركم الشيخ

الأجل الأعظم الموقر الأسمى الخاصة الأحظى أبو علي ابن الشيخ الوزير الأجل الحافل الفاضل المجاهد الكامل أبي عبدالله ابن محلى والشيخ الفقيه الأستاذ الأعرف الفاضل الكامل أبو عبدالله ابن الشيخ الفقيه الأجل العارف الفاضل الصالح المبارك المبرور المرحوم أبي عبدالله الغشتالي وصل الله سبحانه سعادتهما وحرس مجادتهما حالين من مراتب ترفيعنا أعلى محل الإعزاز وواردين على أحلى القبول الذي لا تشاب حقيقته بالمجاز عملا بما يجب علينا لمن يصل إلينا من تلك الأنحاء الكريمة والأحواز فتلقينا ما اشتملت عليه الإحالة السلطانية من الود الذي كرم مفهوما ونصا والبر الذي ذهب من مذاهب الفضل والكمال الأمد الأقصى وقد كان سبقهما صنع الله جل جلاله بما أخلف الظنون وشرح الصدور وأقر العيون فلم يصلا إلينا إلا وقد أهلك الله تعالى الطاغية ومزق أحزابه الباغية نعمة منه سبحانه وتعالى ومنة ملأت الصدور انشراحا وعمت الأرجاء أفراحا وعنوانا على سعد مقامكم الذي راق غررا في المكرمات وأوضاحا ومد يده إلى سهام المواهب الإلهية فحاز أعلاها قداحا فتشوفت نفوس المسلمين إلى ما كانت تؤمله من فضل الله تعالى وترجوه وبدت في القضية التى أشرتم بأعمالها الوجوه وانبعثت الآمال بما آلت إليه هذه الحال انبعاثا والتاثت امور العدو قصمه الله تعالى التياثا وانتقض غزله من بعد قوته بفضل الله تعالى انكاثا واحتملت المسألة التى تفضلتم بعرضها وأشرتم إلى فرضها مأخذا وأبحاثا فألقينا في هذه الحال إلى رسوليكم أعزهما الله تعالى ما يلقيانه إلى مقامكم الأعلى ومثابتكم الفضلى وما يتزيد عندنا من الأمور فركائب التعريف بها إليكم محثوثة وجزئياتها بين يدي مقامكم الرفيع مبثوثة وقد اضطربت أحوال الكفر وفالت آراؤه واستحكم بالشتات داؤه وارتجت بزلزال الفتن

أرجاؤه وتيسرت آمال الإسلام بفضل الله تعالى ورجاؤه وما هو إلا السعد يذلل لكم صعب العدو ويروضه والله سبحانه يهيىء لكم فضل الجهاد حتى تقضى بكم فروضه
واما الذي لكم عندنا من الخلوص الصافية شرائعه والثناء الذي هو الروض تأرج ذائعه فأوضح من فلق الصبح إذا أشرقت طلائعه جعله الله تعالى في ذاته ووسيلة إلى مرضاته ورسولاكم يشرحان لكم الحال بجزئياته ويقرران ماعندنا من الود الذي سطع نور آياته وهو سبحانه وتعالى يصل لكم سعدا سامي المراتب والمراقي ويجمع لكم بعد بعد المدى وتمهيد دين الهدى بين نعيم الدنيا والنعيم الباقي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته انتهى
8

- رسالة عن يوسف النصري
وأبين من هذا في القضية كتاب آخر من إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى صورته
من أمير المسلمين عبدالله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر إلى محل أخينا الذي نثني على مجادته أكرم الثناء ونجدد له ما سلف بين الأسلاف الكرام من الولاء ونتحفه من سعادة الإسلام واهله بالأخبار السارة والأنباء السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله تعالى رفيع المقدار كريم المآثر والآثار وعرفه من عوارف فضله كل مشرق الأنوار كفيل بالحسنى وعقبى الدار سلام كريم بر عميم يخص جلالكم الأرفع ورحمة الله وبركاته
اما بعد حمدالله على عميم آلائه وجزيل نعمائه ميسر الصعب بعد إبائه والكفيل بتقريب الفرج وإدنائه له الحمد والشكر ملء أرضه وسمائه ومولانا محمد خاتم رسله الكرام وأنبيائه الهادي إلى سبيل الرشد وسوائه مطلع نور الحق يجلو ظلم الشك بضيائه والرضى

عن آله وأصحابه وانصاره وأحزابه وخلفائه السائرين في الدنيا والآخرة تحت لوائه الباذلين نفوسهم في إظهار دينه القويم وإعلائه والدعاء لمقامكم بتيسير أمله من فضل الله سبحانه ورجائه واختصاصه بأوفر الحظوظ من اعتنائه فإنا كتبناه إليكم كتبكم الله تعالى فيمن ارتضى قوله وعمله من أوليائه وعرفكم عوارف السعادة المعادة في نهاية كل امر وابتدائه من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم الذي اوضح برهانه وعظم أمره ورفع شانه ثم بما عندنا من الود الكريم وتجديد العهد القديم لمقامكم اعلى الله تعالى سلطانه إلا الخير الهامي السحاب واليسر المتين الأسباب واليمن المفتح الأبواب والسعد الجديد الأثواب ومقامكم معتمد بترفيع الجناب متعهد بالود الخالص والاعتقاد اللباب معلوم له من فضل الدين وأصالة الأحساب
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم مديد الأطناب ثاقب الشهاب وأطلع عليكم وجوه البشائر سافرة النقاب فإنه قد كان بلغكم ما آلت الحال إليه بطاغية قشتالة الذي كلب على هذه الأقطار الغربية من وراء البحار وما سامها من الإرهاق والأضرار وأنه جري في ميدان الأملاء والاغترار ومحص المسلمون على يده بالوقائع العظيمة الكبار وأنه نكث العهد الذي عقده وحل الميثاق الذي أكده وحمله الطمع الفاضح على أن أجلب على بلاد المسلمين بخيله ورجله ودهمها بتيار سيله وقطع ليله وأمل أن يستولي على جبل الفتح الذي يدعى منه فتحها وطلع للملة المحمدية صبحها فضيقه حصارا واتخذه دارا وعندما عظم الإشفاق وأظلمت الآفاق ظهر فينا لقدرة الله تعالى الصنع العجيب ونزل الفرج القريب وقبل الدعاء السميع المجيب وطرق الطاغية جند من جنود الله تعالى أخذه أخذة رابية ولم يبق له من باقية فهلك على الجبل حتف أنفه وغالته غوائل حتفه فتفرقت جموعه وأحزابه وانقطعت أسبابه وتعجل لنار الله تعالى مآبه وأصبحت البلاد

مستبشرة ورحمة الله منتشرة ورأينا ان هذه البشارة التى يأخذ منها كل مسلم بالنصيب الموفور ويشارك فيما جلبته من السرور انتم اولى من نتحفه بطيب رياها ونطلع عليه جميل محياها لما تقرر عندنا من دينكم المتين وفضلكم المبين وعملكم من المساهمة على شاكلة صالحي السلاطين فما ذلك إلا فضل نيتكم للمسلمين في هذه البلاد وأثر ما عندكم من جميل الاعتقاد
وقد ورد رسولنا إليكم القائد أبو عبدالله محمد بن أبي الفتح أعزه الله تعالى مقررا ما لديكم من الود الراسخ القواعد والخلوص الصافي الموارد الواضح الشواهد وأثنى على مكارمكم الأصيلة وألقى ما عندكم من المذاهب الجميلة فقابلنا ذلك بالشكر الذي يتصل سببه ويتضح مذهبه وسألنا الله أن يجعله ودا في ذاته ووسيلة إلى مرضاته وتعرفنا ماكان من تفضلكم بالطريدة المفتوحة المؤخر وما صدر عن الرئيس المعروف بالناظر من خدام دار الصنعة بالمرية من قبح محاولته وسوء معاملته فامرنا بقطع جرايته وثقافه بمطمورة القصبة جزاء لجنايته ولولا أننا توقفنا ان يكون عظيم عقابه مما لايقع من مقامكم بوفقه لمشهور عفافه ورفقه لجعلناه نكالا لأمثاله وعبرة لأشكاله وقد وجهنا جفنا سفريا لإيساق الخيل التى ذكرتم وإيصال ما إليه من ذلك أشرتم ويكمل القصد إن شاء الله تعالى تحت لحظ اعتنائكم وفضل ولائكم هذا ما تزيد عندنا عرفناكم به عملا على شاكلة الود الجميل والولاء الكريم الجملة والتفصيل فعرفونا بما يتزيد عندكم يكن من جملة أعمالكم الفاضلة ومكارمكم الحافلة والله تعالى يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم عليكم ورحمة الله وبركاته انتهى
9

- رسالة في حاجة الأندلس إلى بر العدوة
ومن إنشاء لسان الدين فيما يتعلق بالأندلس وانقطاعها وأنها لا غنى لها عن العدوة وغير ذلك ما صورته

المقام الذي بنور سعادته تنجلي الغماء وتتصل النعماء من نيته قد حصل منها لجانب الله تعالى الانتماء واتفقت منها المسميات والأسماء مقام محل أبينا الذي تتفيأ هذه الجزيرة الغربية أفياء نيته الصالحة وعمله وتثق بحسن العاقبة اعتمادا على وعد الله تعالى المنزل على خيرة رسله وتجتني ثمار النجح من أفنان آرائه المتألقة تألق الصبح حالي ريثه وعجله وتتعرف حالي المودود والمكروه عارفة الخير والخيرة من قبله أبقاه الله تعالى يحسم الأدواء كلما استشرت ويحلي موارد العافية كلما امرت ويعفي على آثار الأطماع الكاذبة مهما خدعت بخلبها وغرت ويضمن سعده عودة الأمور إلى أفضل ما عليه استقرت معظم مقامه الذي هو بالتعظيم حقيق وموقر ملكه الذي لا يلتبس منه في الفخر والعز طريق ولا يختلف في فضله العميم ومجده الكريم فريق
اما بعد حمد الله المثيب المعاقب الكفيل لأهل التقوى بحسن العواقب المشيد بالعمل الصالح إلى أرفع المراقي والمراقب يهدي من يشاء ويضل من يشاء فبقضائه وقدره اختلاف المسالك والمذاهب رسوله الحاشر العاقب ونبيه الكريم الرؤوف الرحيم ذي المفاخر السامية والمناقب والرضى عن آله وأصحابه وانصاره وأحزابه الذين ظاهروه في حياته بإعمال السمر العوالي والبيض القواضب وخلفوه في امته بخلوص الضمائر عند شوب الشوائب فكانوا في سماء ملته كالنجوم الثواقب والدعاء لمقامكم الأسمى بالسعادة المعادة في الشاهد من الزمن والغائب والنصر الذي يقضي بعز الكتائب والصنع الذي تطلع من ثناياه غرر الصنائع العجائب من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم بما عندنا من الاعتداد بمقامكم أعلى الله تعالى سلطانه وشمل بالتمهيد اوطانه إلا تشيع ثابت ويزيد وإخلاص ماعليه في ميدان الاستطاعة مزيد وتعظيم أشرف منه جيد وثناء راق فوق رياضة تحميد وتمجيد
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم وحرس الطاهر الكريم مجدكم فقد

وصلنا كتابكم الذي هو على الخلوص والاعتقاد عنوان وفي الاحتجاج على الرضى والقبول برهان تنطق بالفضل فصوله وتشير إلى كرم العقد فروعه الزكية وأصوله ويحق أن ينسب إلى ذلك الفخر الأصيل محصوله عرفتمونا بما ذهب إليه عيسى بن الحسين من الخلاف الذي ارتكبه وسبيل الصواب الذي انتكبه وتنبهون على ماحده الحق في مثل ذلك وأوجبه حتى لا يصل أحد من جهتنا سببه ولا يظاهره مهما ندبه ولا يسعف في الإيواء طلبه فاستوفينا ما استدعاه ذلك البيان الصريح وجلبه وخطه القلم الفصيح وكتبه وليعلم مقامكم وهو من أصالة النظر غني عن الإعلام ولكن لا بد من الاستراحة بالكلام والتنفس بنفثات الأقلام أننا إنما نجري امورنا مع هذا العدو الكافر الذي رمينا بجواره وبلينا والحمد لله بمصادمة تياره على تعداد أقطاره وإتساع براريه وبحاره بأن تكون الأمة المحمدية بالعدوتين تحت وفاق وأسواق النفاق غير ذات اتفاق والجماهير تحت عهد الله تعالى وميثاق فمهما تعرفنا أن اثنين اختلف منهما بالعدوتين عقد ووقع بينهما في قبول الطاعة رد ساءنا واقعه وعظمت لدينا مواقعه وسألنا أن يتدارك الخرق راقعه لما نتوقعه من التشاغل عن نصرنا وتفرغ العدو إلى ضرنا فكيف إذا وقعت الفتنة في صقعنا وقطرنا إنما هي شعلة في بعض بيوتنا وقعت وحادثة إلى جهتنا أشرعت وإن كان لسوانا لفظها فلنا معناها وعلى وطننا يعود جناها فنحن أحرص الناس على إطفائها وإخمادها وأسعى في اصلاح فسادها والمثابرة على كفها واستئسادها وما الظن بدار فسد بابها وآمال رثت أسبابها وجزيرة لا تستقيم أحوال من بها إلا بالسكون وسلم العدو المغرور المفتون حتى تقضى منه بإعانتكم الديون وإن اضطرابها إنما هو داء

نستنصر من رأيكم فيه بطبيب وهدف خطب نرميه من عزمكم بسهم مصيب وامر نضرع في تداركه إلى سميع للدعاء مجيب ونحن فيه يد امام يدكم ومقصدنا فيه تبع لقصدكم وتصرفنا على حد إشارتكم جار وعزمنا إلى منتهى مرضاتكم متبار وعقدنا في مشايعة أمركم غير متوار
وقد كنا لأول اتصال هذا الخبر القبيح العين والأثر بادرنا تعريفكم بجميع ما اتصل بنا في شأنه ولم نطو عنكم شيئا من إسراره ولا إعلانه وبعثنا رسولنا إلى بابكم العلي نعتد بسلطانه ونرتجي تمهيد هذا الوطن بتمهيد أوطانه وبادرنا بالمخاطبة من وجبت مخاطبته من أهل مربلة وأسطبونة نثبت بصائرهم في الطاعة ونقويها ونعدهم بتوجيه من يحفظ جهاتهم ويحميها وعجلنا إلى بعضها مددا من الرماة والسلاح ليكون ذلك عدة فيها وعلمنا ما اوجب الله تعالى من الأعمال التي يزلف بها ويرتضيها وكيف لا نظاهر أمركم الذي هو العدة المذخورة والفئة الناصرة المنصورة والباطل سراب يخدع والحق إليه يرجع والبغي يردي ويصرع وكم تقدم في الدهر منتز شذ عن الطاعة وخرج عن الجماعة ومخالف على الدول في العصور الأول بهرج الحق زائفه ورجمت شهب الأسنة طائفه وأخذت عليه الضيقة وهاده وتنائفه فتقلص ظله ونبا به محله وكما قال يذهب الباطل وأهله لا سيما وسعادة ملككم قد وطأت المسالك ومهدتها وقهرت الأعداء وتعبدتها وأطفأت جداول سيوفكم النار التى اوقدتها وكان بالأمور إذا أعملتم فيها رأيكم السديد وقد عادت إلى خير أحوالها والبلاد بيمن تدبيركم قد شفى ما ظهر من اعتلالها وعلى كل حال فإنما نحن على تكمبل مرضاتكم مبادرون وفي أغراضكم الدينية واردون وصادرون ولإشارتكم التى تتضمن الخير والخيرة منتظرون عندنا من ذلك عقائد لا يحتمل نصها التأويل ولا يقبل صحيحها التعليل فلتكن أبوتكم من ذلك على أوضح سبيل فشمس النهار لا تحتاج إلى دليل واله تعالى يسني لكم عوائد الصنع الجميل حتى لا يدع عزمكم

مغصوبا إلا رده ولا ثلما في ثغر الدين إلا سده ولا هدفا متعاصيا إلا هده ولا عرقا من الخلاف إلا جده وهو سبحانه يبقي ملككم ويصل سعده ويعلي امره ويحرس مجده والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته انتهى
10

- رسالة عن أبي الحجاج إلى الرعايا
ومن إنشائه رحمه الله تعالى من جملة رسالة على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب الرعايا ما نص محل الحاجة منه
وإلى هذا فقد علمتم ما كانت الحال آلت إليه من ضيقة البلاد والعباد بهذا الطاغية الذي جرى في ميدان الأمل جري الجموح ودارت عليه خمرة النخوة والخيلاء مع الغبوق والصبوح حتى طمح بسكر اغتراره ومحص المسلمون على يده بالوقائع التى تجاوز منتهى مقداره وتوجهت إلى استئصال الكلمة مطامع أفكاره ووثق بانه يطفىء نور الله بناره ونازل جبل الفتح فشد مخنق حصاره وأدار أشياعه في البر والبحر دور السوار على أسواره وانتهز الفرصة بانقطاع الأسباب وانبهام الأبواب والأمور التى لم تجر للمسلمين بالعدوتين على مألوف الحساب وتكالب التثليث على التوحيد وساءت الظنون في هذا القطر الوحيد المنقطع بين الأمة الكافرة والبحور الزاخرة والمرام البعيد وإننا صابرنا بالله تعالى تيار سيله واستضأنا بنور التوكل عليه في جنح هذا الخطب ودجنة ليله ولجأنا إلى من بيده نواصي الخلائق واعتقلنا من حبله المتين باوثق العلائق وفسحنا مجال الأمل في ذلك الميدان المتضايق واخلصنا لله مقيل العثار ومؤوي أولي الاضطرار قلوبنا ورفعنا إليه أمرنا ووقفنا عليه مطلوبنا ولم نقصر مع ذلك في ابرام العزم واستشعار الحزم وإمداد الثغور بأقصى الإمكان وبعث الجيوش إلى ما يلينا من بلاد على الأحيان فرحم الله تعالى انقطاعنا إلى كرمه والتجاءنا إلى حرمه فجلى بفضله

سبحانه ظلم الشدة ومد على الحريم والأطفال ظلال رحمته الممتدة وعرفنا عوارف الصنع الذي قدم به العهد على طول المدة ورماه بجيش من جيوش قدرته أغنى عن إيجاف الركاب واحتشاد الأحزاب وأظهر فينا قدرة ملكه عند إنقطاع الأسباب واستخلاص العباد والبلاد من بين الظفر والناب فقد كان جعجع على الحق بأباطيله وسد المجاز بأساطيله ورمى الجزيرة الأندلسية بشؤبوب شره وصيرها فريسة بين غربان بحره وعقبان بره فلم يخلص إلى المسلمين من إخوانهم مرقبة إلا على الخطر الشديد والإفلات من يد العدو العنيد مع توفر العزائم والحمدلله على العمل الحميد والسعي فيما يعود على الدين بالتأييد
وبينما شفقتنا على جبل الفتح تقيم وتقعد وكلب الأعداء عليه يبرق ويرعد واليأس والرجاء خصمان هذا يقرب وهذا يبعد إذ طلع علينا البشير بانفراج الأزمة وحل تلك العزمة وموت شاه تلك الوقعة وإبقاء الله تعالى على تلك البقعة وأنه سبحانه أخذ الطاغية أكمل ما كان اغترارا وأعظم أنصارا وزلزل أرض عزه وقد أصابت قرارا وأن شهاب سعده قد أصبح آفلا وعلم كبره انقلب سافلا وأن من بيده ملكوت السموات والأرض طرقه بحتفه وأهلكه برغم أنفه وأن محلته عاجلها التباب والتبار وعاثت في منازلها النار وتمخض عن سوء عاقبتها الليل والنهار وان حماتها يخربون بيوتهم بأيديهم وينادي بشتات الشمل لسان مناديهم وتلاحق الفرسان من جبل الفتح المعقل الذي عليه من عناية الله تعالى رواق مضروب والرباط الذي من حاربه فهو المحروب فأخبرت بانفراج الضيق وارتفاع العائق لها عن الطريق وبرء الداء الذي أشرق بالريق وأن النصارى دمرها الله تعالى جدت في ارتحالها وأسرعت بجيفة طاغيتها إلى سوء مآلها وحالها وسمحت للنار والنهب بأسلابها واموالها فبهرنا هذا الصنع الإلهي الذي مهد الأقطار بعد رجفانها وانام العيون بعد سهاد أجفانها وسألنا الله تعالى أن يعيننا على

شكر هذه النعمة التى إن سلطت عليها قوى البشر فضحتها ورجحتها ورأينا سر اللطائف الخفية كيف سريانه في الوجود وشاهدنا بالعيان أنوار اللطائف الإلهية والجود وقلنا إنما هو الفتح الأول شفع بثان وقواعد الدين الحنيف أيدت من صنع الله تعالى ببنيان اللهم لك الحمد على نعمك الباطنة والظاهرة ومننك الوافرة إنك ولينا في الدنيا والآخرة انتهى
11

- رسالة توضح ضيق حال الأندلس
ومن إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى من أخرى مما يتعلق بضيق حال المسلمين بالأندلس ما صورته
وإن تشوفتم إلى أحوال هذا القطر ومن به من المسلمين بمقتضى الدين المتين والفضل المبين فاعلموا أننا في هذه الأيام ندافع من العدو تيارا ونكابر بحرا زخارا ونتوقع إلا إن وقى الله تعالى خطوبا كبارا ونمد اليد إلى الله تعالى انتصارا ونلجأ إليه اضطرارا ونستمد دعاء المسلمين بكل قطر استعدادا به واستظهارا ونستشير من خواطر الفضلاء ما يحفظ أخطارا وينشىء ريح روح الله طيبة معطارا فإن القومس الأعظم قيوم دين النصرانية الذي يأمرها فتطيع ومخالفته لا تستطيع رمى هذه الأمة الغريبة المنقطعة منهم بجراد لا يسد طريقها ولا يحصى فريقها التفت على أخي صاحب قشتالة وعزمها أن تملكه بدله وتبلغه أمله ويكون الكل يدا واحدة على المسلمين ومناصبة هذا الدين واستئصال شأفة المؤمنين وهي شدة ليس لأهل هذا الوطن بها عهد ولا عرفها نجد ولا وهد وقد اقتحموا الحدود القريبة والله تعالى ولي هذه الأمة الغريبة وقد جعلنا مقاليد أمورنا بيد من يقوي الضعيف ويدرأ الخطب المخيف ورجونا أن نكون ممن قال الله تعالى فيهم ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) آل عمران 173

وهو سبحانه المرجو في حسن العقبى والمآل ونصر فئة الهدي على فئة الضلال وما قل من كان الحق كنزه ولا ذل من استمد من الله عزه ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين - الآية ) التوبة 52 ودعاء من قبلكم من المسلمين مدد موفور والله سبحانه على كل حال محمود مشكور انتهى
12

- من رسالة طويلة
ومن أخرى طويلة من جملتها ما صورته
وقد اتصل بنا الخبر الذي يوجب نصح الإسلام ورعي الجوار والذمام وماجعل الله تعالى للماموم على الإمام وإيقاظكم من مراقدكم المستغرقة وجمع أهوائكم المتفرقة وتهييئكم إلى مصادمة الشدائد المرعدة المبرقة وهو أن كبير دين النصرانية الذي إليه ينقادون وفي مرضاته يصادقون ويعادون وعند رؤية صليبه يكبرون ويسجدون لما رأى الفتن قد اكلتهم خضما وقضما وأوسعتهم هضما فلم تبق عصبا ولا عظما ونثرت ماكان نظما أعمل نظره فيما يجمع منهم ما افترق ويرفع ما طرق ويرفو ما مزق الشتات وخرق فرمى الإسلام بامة عددها القطر المنثال وأمرهم وشأنهم الامتثال أن يدمثوا لمن ارتضاه من امته الطاعة ويجمعوا في ملته الجماعة ويطلع الكل على هذه الفئة القليلة الغريبة بغتة كقيام الساعة وأقطعهم قطع الله تعالى بهم العباد والبلاد والطارف والتلاد وسوغهم الحريم والأولاد وبالله تعالى نستدفع ما لا نطيقه ومنه نسأل عادة الفرج فما سدت طريقه إلا أنا رأينا غفلة الناس مؤذنة البوار وأشفقنا للدين المنقطع من وراء البحار وقد أصبح مضغة في لهوات الكفار وأردنا أن نهزكم بالموعظة التى تكحل البصائر بميل الاستبصار فإن جبر اله تعالى الخواطر بالضراعة إليه والانكسار ونسخ الإعسار بالإيسار وأنجد اليمين بأختها اليسار وإلا فقد تعين في الدنيا والآخرة حظ الحسار فإن من ظهر عليه عدو دين الله تعالى وهو من الله مصروف

وبالباطل مشغوف وبغير العرف معروف وعلى الحطام المسلوب عنه ملهوف فقد تله الشيطان للجبين وقد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ومن نفذ فيه أو له قدر اللله عن اداء الواجب وبذل المجهود وأفرد بالعبودية وجه الواحد الأحد المعبود ووطن النفس على الشهادة المبوئة دار الخلود العائدة بالحياة الدائمة والوجود أو الظهور على عدوه المحشور إليه المحشود صبرا على المقام المحمود وبيعا من الله تعالى تكون الملائكة فيه الشهود حتى تعين يد الله في ذلك البناء المهدود والسواد الأعظم الممدود كان على أمريه بالخيار المردود ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين - الآية ) انتهى

ضياع المدن الأندلسية
وقال صاحب مناهج الفكر بعد وصفه لجزيرة الأندلس وأقطارها ما صورته
ولم تزل هذه الجزيرة منتظمة لمالكها في سلك الانقياد والوفاق إلى أن طما بمترفيها سيل العناد والنفاق فامتاز كل رئيس منهم بصقع كان مسقط راسه وجعله معقلا يعتصم فيه من المخاوف بأفراسه فصار كل منهم يشن الغارة على جاره ويحاربه في عقر داره إلى أن ضعفوا عن لقاء عدو في الدين يعادي ويراوح معاقلهم بالعيث ويغادي حتى لم يبق في أيديهم منها إلا ما هو في ضمان هدنة مقدرة وإتاوة في كل عام على الكبير والصغير مقررة كان ذلك في الكتاب مسطورا وقدرا في سابق علم الله مقدورا انتهى
وهذا قاله قبل أن يستولي العدو على جميعها والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين

حذف

طليطلة
- 478
ولنرجع إلى ما كنا بصدده من أخذ النصارى قواعد الأندلس فنقول قد قدمنا أوائل هذا الباب ان طليطلة أعادها الله تعالى من أول ما أخذ الكفار من المدن العظام بالأندلس قال ابن بسام لما توالت على اهل طليطلة الفتن المظلمة والحوادث المصطلمة وترادف عليهم البلاء والجلاء واستباح الفرنج لعنهم الله تعالى أموالهم وأرواحهم كان من أعجب ماجرى من النوادر الدالة على الخذلان ان الحنطة كانت تقيم عندهم مخزونة خمسين سنة لا تتغير ولا يؤثر فيها طول المدة بما يمنع من اكلها فلما كانت السنة التى استولى عليها العدو فيها لم ترفع الغلة من الأندر حتى أسرع فيها الفساد فعلم الناس أن ذلك بمشيئة الله تعالى لأمر أراده من شمول البلوى وعموم الضراء فاستولى العدو على طليطلة وأنزل من بها على حكمه وخرج ابن ذي النون منها على أقبح صورة وأفظع سيرة ورآه الناس وبيده إصطرلاب يأخذ به وقتا يرحل فيه فتعجب منه المسلمون وضحك عليه الكافرون وبسط الكافر العدل على أهل المدينة وحبب التنصر إلى عامة طغامها فوجد المسلمون من ذلك ما لا يطاق حمله وشرع في تغيير الجامع كنيسة فى ربيع الأول سنة ست وتسعين وأربعمائة
ومما جرى في ذلك اليوم أن الشيخ الأستاذ المغامي رحمه الله تعالى صار إلى الجامع وصلى فيه وأمر مريدا له بالقراءة ووافاه الفرنج لعنهم الله تعالى وتكاثروا لتغيير القبلة فما جسر أحد منهم على إزعاج الشيخ ولا معارضته وعصمه الله تعالى منهم إلى أن أكمل القراءة وسجد سجدة ورفع رأسه وبكى على الجامع بكاء شديدا وخرج ولم يعرض أحد له بمكروه وقيل لملك

النصارى ينبغي أن تلبس التاج كمن كان قبلك في هذا الملك فقال حتى نأخذ قرطبتهم واعد لذلك ناقوسا تأنق فيه وفيما رصع به من الجواهر فأكذبه الله وأزعجه وورد أمير المسلمين وناصر الدين يوسف بن تاشفين فما قصر فيما أثر من إذلال المشركين وإرغام الكافرين واستدراك أمور المسلمين انتهى ملخصا وقد مر مطولا

وقعة بطرنة
- 456
وكانت قبلها وقعة بطرنة سنة ست وخمسين وأربعمائة وذلك أن الفرنج خذلهم الله تعالى انتدبت منهم قطعة كثيفة ونزلت على بلنسية في السنة المذكورة وأهلها جاهلون بالحرب مغترون بأمر الطعن والضرب مقبلون على اللذات من الأكل والشرب وأظهر الفرنج الندم على منازلتها والضعف عن مقاومة من فيها وخدعوهم بذلك فانخدعوا وأطمعوهم فطمعوا وكمنوا في عدة أماكن جماعة من الفرسان وخرج أهل البلد بثياب زينتهم وخرج معهم أميرهم عبدالعزيز بن أبي عامر فاستدرجهم العدو لعنهم الله تعالى ثم عطفوا عليهم فاستأصلوهم بالقتل والأسر وما نجا منهم إلا من حصنه أجله وخلص الأمير نفسه ومما حفظ عنه أنه أنشد لما أعياه الأمر
( خليلي ليس الرأي في صدر واحد ... أشيرا علي اليوم ما تريان )
وفي أهل بلنسية يقول بعض الشعراء حين خرجوا في ثياب الزينة والترفه
( لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستم ... حلل الحرير عليكم ألوانا )
( ماكان أقبحهم وأحسنكم بها ... لو لم يكن ببطرنة ماكانا )

قال ابن بسام وهكذا جرى لأهل طليطلة فإن العدو خذله الله تعالى استظهر عليهم وقتل جماهيرهم وكان من جملة ما غنمه الفرنج من أهلها لما خرجوا إليهم في ثياب الترفه ألف غفارة خارجا عما سواها

بربشتر
وقال ابن حيان وكان تغلب العدو خذله الله تعالى على بربشتر قصبة بلد برطانية وهي تقرب من سرقسطة سنة ست وخمسين وأربعمائة وذلك أن جيش الأردمليس نازلها وحاصرها وقصر يوسف بن سليمان بن هود في حمايتها ووكل أهلها إلى نفوسهم فأقام العدو عليها أربعين يوما ووقع فيما بين أهلها تنازع في القوت لقلته واتصل ذلك بالعدو فشدد القتال عليها والحصر لها حتى دخل المدينة الأولى في خمسة آلاف مدرع فدهش الناس وتحصنوا بالمدينة الداخلة وجرت بينهم حروب شديدة قتل فيها خمسمائة إفرنجي ثم اتفق أن القناة التى كان الماء يجري فيها من النهر إلى المدينة تحت الأرض في سرب موزون انهارت وفسدت ووقعت فيها صخرة عظيمة سدت السرب بأسره فانقطع الماء عن المدينة ويئس من بها من الحياة فلاذوا بطلب الأمان على أنفسهم خاصة دون مال وعيال فأعطاهم العدو الأمان فلما خرجوا نكث بهم وغدر وقتل الجميع إلا القائد ابن الطويل والقاضي ابن عيسى في نفر من الوجوه وحصل للعدو من الأموال والأمتعة ما لايحصى حتى إن الذي خص بعض مقدمي العدو لحصنه وهو قائد خيل رومة نحو ألف وخمسمائة جارية أبكارا ومن أوقار الأمتعة والحلى

والكسوة خمسمائة جمل وقدر من قتل وأسر بمائة ألف نفس وقيل خمسون ألف نفس ومن نوادر ماجرى على هذه المدينة لما فسدت القناة وانقطعت المياه أن المرأة كانت تقف على السور وتنادي من يقرب منها أن يعطيها جرعة ماء لنفسها او ولدها فيقول لها أعطيني ما معك فتعطيه ما معها من كسوة وحلي وغيره
قال وكان السبب في قتلهم أنه خاف من يصل لنجدتهم وشاهد من كثرتهم ما هاله فشرع في القتل لعنه الله تعالى حتى قتل منهم نيفا وستة آلاف قتيل ثم نادى الملك بتامين من بقي وامر أن يخرجوا فازدحموا في الباب إلى ان مات منهم خلق عظيم ونزلوا من الأسوار في الحبال للخشية من الازدحام في الأبواب ومبادرة إلى شرب الماء وكان قد تحيز في وسط المدينة قدر سبعمائة نفس من الوجوه وحاروا في نفوسهم وانتظروا ما ينزل بهم فلما خلت ممن أسر وقتل وأخرج من الأبواب والأسوار وهلك في الزحمة نودي في تلك البقية بأن يبادر كل منهم إلى داره بأهله وله الأمان وأرهقوا وأزعجوا فلما حصل كل واحد بمن معه من أهله في منزله اقتسمهم الافرنج لعنهم الله تعالى بأمر الملك وأخذ كل واحد دارا بمن فيها من أهلها نعوذ بالله تعالى
وكان من أهل المدينة جماعة قد عاذوا برؤوس الجبال وتحصنوا بمواضع منيعة وكادوا يهلكون من العطش فأمنهم الملك على نفوسهم وبرزوا في صور الهلكى من العطش فأطلق سبيلهم فبينما هم في الطريق إذ لقيتهم خيل الكفر ممن لم يشهد الحادثة فقتلوهم إلا القليل ممن نجا بأجله
قال وكان الفرنج لعنهم الله تعالى لما استولوا على أهل المدينة يفتضون البكر بحضرة أبيها والثيب بعين زوجها وأهلها وجرى من هذه الأحوال مالم يشهد المسلمون مثله قط فيما مضى من الزمان ومن لم يرض منهم أن يفعل ذلك في خادم أو ذات مهنة أو وخش أعطاهن خوله وغلمانه يعيثون فيهن عيثة وبلغ الكفرة منهم يومئذ ما لا تلحقه الصفة على الحقيقة ولما عزم ملك الروم

على القفول إلى بلده تخير من بنات المسلمين الجواري الأبكار والثيبات ذوات الجمال ومن صبيانهم الحسان الوفا عدة حملهم معه ليهديهم إلى من فوقه وترك من رابطة خيله ببربشتر ألفا وخمسمائة ومن الرجالة ألفين انتهى
قال ابن حيان واختم هذه الأخبار الموقظة لقلوب اولي الألباب بنادرة منها يكتفى باعتبارها عما سواها وهي أن بعض تجار اليهود جاء بربشتر بعد الحادثة ملتمسا فدية بنات بعض الوجوه ممن نجا من أهلها حصلن في سهم قومس من الرابطة فيها كان يعرفه قال فهديت إلى منزله فيها واستأذنت عليه فوجدته جالسا مكان رب الدار مستويا على فراشه رافلا في نفيس ثيابه والمجلس والسرير كما تخلفهما ربهما يوم محنته لم يغير شيئا من رياشهما وزينتهما ووصائفه مضمومات الشعور قائمات على رأسه ساعيات في خدمته فرحب بي وسألني عن قصدي فعرفته وجهه وأشرت الى وفور ما أبذله في بعض اللواتي على رأسه وفيهن كانت حاجتي فتبسم وقال بلسانه ما أسرع ما طمعت فيمن عرضناه لك أعرض عمن هنا وتعرض لمن شئت ممن صيرته لحصني من سبيي وأسراي أقاربك فيمن شئت منهن فقلت له اما الدخول إلى الحصن فلا رأي لي فيه وبقربك أنست وفي كنفك اطمأننت فسمني ببعض من هنا فإني أصير إلى رغبتك فقال وماعندك قلت العين الكثير الطيب والبز الرفيع الغريب فقال كأنك تشميني ما ليس عندي يامجة ينادي بعض اولئك الوصائف يريد يا بهجة فغيره بعجمته قومي فاعرضي عليه ما في الصندوق فقامت إليه وأقبلت ببدر الدنانير وأكياس الدراهم وأسفاط الحلى فكشف وجعل بين يدي العلج حتى كادت تواري شخصه ثم قال لها أدني إلينا من تلك التخوت فأدنت منه عدة من قطع الوشي والخز والديباج الفاخر مما حار له ناظري وبهت

واسترذلت ما عندي ثم قال لي لقد كثر هذا عندي حتى ما ألذ به ثم حلف بإلهه انه لو لم يكن عنده شيء من هذا ثم بذل له بأجمعه في ثمن تلك ما سخت بها يدي فهي ابنة صاحب المنزل وله حسب في قومه اصطفيتها لمزيد جمالها لولادتي حسبما كان قومها يصنعون بنسائنا نحن أيام دولتهم وقد رد لنا الكرة عليهم فصرنا فيما تراه وازيدك بأن تلك الخودة الناعمة وأشار إلى جارية اخرى قائمة ألى ناحية أخرى مغنية والدها التى كانت تشدو له على نشواته إلى أن أيقظناه من نوماته يافلانة يناديها بلكنته خذي عودك تغني زائرنا بشجوك قال فأخذت العود وقعدت تسويه وإني لأتأمل دمعها يقطر على خدها فتسارق العلج مسحه واندفعت تغني بشعر ما فهمته أنا فضلا عن العلج فصار من الغريب أن حث شربه هو عليه وأظهر الطرب منه فلما يئست مما عنده قمت منطلقا عنه وارتدت لتجارتي سواه واطلعت لكثرة مالدى القوم من السبي والمغنم على ما طال عجبي به فهذا فيه مقنع لمن تدبره وتذكر لمن تذكره
قال ابن حيان قد أشفينا بشرح هذه الحادثة الفادحة مصائب جليلة مؤذنة بوشك القلعة طالما حذر أسلافنا لحاقها بما احتملوه عمن قبلهم من أثارة ولا شك عند ذوي الألباب أن ذلك مما دهانا من داء التقاطع وقد أمرنا بالتواصل والألفة فأصبحنا من استشعار ذلك والتمادي عليه على شفا جرف يؤدي إلى الهلكة لا محالة انتهى ببعض اختصار
وذكر بعده كلاما في ذم اهل ذلك الزمان من أهل الأندلس وانهم يعللون أنفسهم بالباطل وان من أول الدلائل على جهلهم اغترارهم بزمانهم وبعدهم عن طاعة خالقهم ورفضهم وصية نبيهم وغفلتهم عن سد ثغورهم حتى أطل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم يجوس من خلال ديارهم ويستقري بسائط بقاعهم ويقطع كل يوم طرفا ويبيد أمة ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم لهاة عن بثهم ما إن سمع عندنا بمسجد من

مساجدنا او محفل من محافلنا مذكر لهم او داع فضلا عن نافر إليهم أو ماش لهم حتى كأنهم ليسوا منا او كأن بثقهم ليس بمفض إلينا وقد بخلنا عليهم بالدعاء بخلنا عليهم بالغناء عجائب فاتت التقدير وعرضت للتغيير ولله عاقبة الأمور وإليه المصير
ولقد صدق رحمه الله تعالى فإن البثق سرى إليهم جميعا كما ستراه ولا حول ولا قوة إلا بالله
وقال قبله إن بربشتر هذه تناسختها قرون المسلمين منذ ثلاثمائة وثلاث وستين سنة من عهد الفتوح الإسلامية بجزيرة الأندلس فرسخ فيها الإيمان وتدورس القرآن إلى أن طرق الناعي بها قرطبتنا صدر رمضان من العام فصك الأسماع وأطار الأفئدة وزلزل أرض الأندلس قاطبة وصير لكل شغلا يشغل الناس في التحدث به والتساؤل عنه والتصور لحلول مثله أياما لم يفارقوا فيها عادتهم من استبعاد الوجل والاغترار بالأمل والاستناد إلى امرأة الفرقة الهمل الذين هم منهم مابين فشل ووكل يصدونهم عن سواء السبيل ويلبسون عليهم وضوح الدليل ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين هم كالملح فيهم الأمراء والفقهاء بصلاحهم يصلحون وبفسادهم يفسدون فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له ولا مخلص منه فالأمراء القاسطون قد نكبوا عن نهج الطريق ذيادا عن الجماعة وجريا إلى الفرقة والفقهاء أئمتهم صموت عنهم صدوف عما أكده الله تعالى عليهم من التبيين لهم قد أصبحوا ما بين آكل من حلوائهم وخابط في اهوائهم وبين مستشعر مخافتهم آخذ في التقية في صدقهم واولئك هم الأقلون فيهم فما القول في أرض فسد ملحها الذي هو المصلح لجميع أغذيتها وماهي إلا مشفية من بوارها ولقد طما العجب من أفعال هؤلاء الأمراء لم يكن عندهم لهذه الحادثة إلا الفزع لحفر الخنادق وتعلية الأسوار وشد الأركان وتوثيق البنيان كاشفين لعدوهم عن السوأة

السوأى من إلقائهم يومئذ بأيديهم إليه امور قبيحات الصور مؤذنات الصدور بأعجاز الغير
( أمور لو تدبرها حكيم ... إذا لنهى وهيب ما استطاعا )

استرجاع بربشتر
ثم قال ابن حيان فلما كان عقب جمادى الأولى سنة 457 شاع الخبر بقرطبة برجوع المسلمين إليها وذلك أن أحمد المقتدر بن هود المفرط فيها والمتهم على أهلها لانحرافهم إلى أخيه صمد لها مع إمداد لحليفه عباد وسعى لإصمات سوء المقالة عنه وقد كتب الله تعالى عليه منها ما لا يمحوه إلا عفوه فتأهب لقصد بربشتر في جموع من المسلمين فجالدوا الكفار بها جلادا ارتاب منه كل جبان وأعز الله سبحانه أهل الحفيظة والشجعان وحمي الوطيس بينهم إلى أن نصر الله تعالى اولياءه وخذل أعداءه وولوا الأدبار مقتحمين أبواب المدينة فاقتحمها المسلمون عليهم وملكوهم أجمعين إلا من فر من مكان الوقعة ولم يدخل المدينة فأجيل السيف في الكافرين واستؤصلوا أجمعين إلا من استرق من أصاغرهم وفدي من أعاظمهم وسبوا جميع من كان فيها من عيالهم وأبنائهم وملكوا المدينة بقدرة الخالق البارىء وأصيب على منحة النصر المتاح طائفة من حماة المسلمين الجادين في نصر الدين نحو الخمسين كتب الله تعالى شهادتهم وقتل فيه من أعداء الله الكافرين نحو ألف فارس وخمسة آلاف راجل فغسلها المسلمون من رجس الشرك وجلوها من صدا الإفك انتهى
وليت طليطلة البائسة استرجعت كهذه ومع هذا فقد غلب العدو بعد على الكل والله سبحانه المرجو في الإدالة

تطيلة وطرسونة
وقال ابن اليسع أخذ العدو مدينة تطيلة وأختها طرسونة سنة أربع وعشرين وخمسمائة
بلنسية والقنبيطور
ولما صار أمر بلنسية إلى الفقيه القاضي أبي أحمد ابن جحاف قاضيها صيرها لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين فحصره بها القادر بن ذي النون الذي مكن الأذفونش من طليطلة فهجم عليه القاضي في لمة من المرابطين وقتله ودفع ابن جحاف لما لم يعهد من تدبير السلطان ورجعت عنه طائفة الملثمين الذين كان يعتد بهم وجعل يستصرخ إلى أمير المسلمين فيبطىء عليه وفي أثناء ذلك أنهض يوسف بن أحمد بن هود صاحب سرقسطة ردريق الطاغية للاستيلاء على بلنسية فدخلها وعاهده القاضي ابن جحاف واشترط عليه إحضار ذخيرة كانت للقادر بن ذي النون فأقسم انها ليست عنده فاشترط عليه أنه إن وجدها عنده قتله فاتفق أنه وجدها عنده فأحرقه بالنار وعاث في بلنسية وفيها يقول ابن خفاجة حينئذ
( عاثت بساحتك الظبا يادار ... ومحا محاسنك البلى والنار )
( فان تردد في جنابك ناظر ... طال اعتبار فيك واستعبار )
( أرض تقاذفت الخطوب بأهلها ... وتمخضت بخرابها الأقدار )
( كتبت يد الحدثان في عرصاتها ... لا أنت أنت ولا الديار ديار )
وكان استيلاء القنبيطور لعنه الله تعالى عليها سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وقيل في التي قبلها وبه جزم ابن الأبار قائلا فتم حصار القنبيطور إياها

عشرين شهرا وذكر أنه دخلها صلحا وقال غيره إنه دخلهاعنوة وأحرقها وعاث فيها وممن أحرق فيها الأديب أبو جعفر ابن البني الشاعر المشهور رحمه الله تعالى وعفا عنه فوجه أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين الأمير أبا محمد مزدلي ففتحها الله تعالى على يديه سنه خمس وتسعين وأربعمائة وتوالى عليها أمراء الملثمين ثم صارت ليحيى بن غانية الملثم حين ولي جميع شرق الأندلس فقدم عليها أخاه عبدالله بن غانية ولما ثارت الفتنة في المائة السادسة أخرجه منها مروان بن عبدالعزيز إلى أن قام عليه جيش بلنسية سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وبايعوا لابن عياض ملك شرق الأندلس ففر مروان إلى المرية ثم رجعت بلنسية إلى أبي عبدالله ابن مردنيش ملك شرق الأندلس بعد ابن عياض وقدم عليه أخاه أبا الحجاج يوسف بن سعد بن مردنيش إلى أن رجع أبو الحجاج إلى جهة بني عبدالمؤمن إلى أن ولي عليها السيد أبوزيد عبدالرحمن ابن السيد أبي عبدالله ابن أبي حفص ابن أمير المسلمين عبدالمؤمن بن علي فلما ثار العادل بمرسية تمنع واعتز وأظهر طاعة في باطنها معصية ودام على ذلك مع أبي العلاء المأمون وكان قائد الأعنة المشار إليه في الدفاع عن بلنسية الأمير زيان بن أبي الحملات ابن أبي الحجاج ابن مردنيش فأخرجه من بلنسية وملكها وفر السيد إلى النصارى

نهاية بلنسية
ولم يزل أمر بلنسية يضعف باستيلاء العدو على أعمالها إلى أن حصرها ملك برشلونة النصراني فاستغاث زيان بصاحب إفريقية أبي زكريا ابن أبي حفص

وأوفد عليه في هذه الرسالة كاتبه الشهير أبا عبدالله ابن الأبار القضاعي صاحب كتاب التكملة واعتاب الكتاب وغيرهما فقام بين يدي السلطان منشدا قصيدته السينية الفريدة التى فضحت من باراها وكبا دونها من جاراها وهي
( أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا )
( وهب لها من عزيز النصر ما التمست ... فلم يزل منك عز النصر ملتمسا )
( وحاش مما تعانيه حشاشتها ... فطالما ذاقت البلوى صباح مسا )
( يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا ... للحادثات وأمسى جدها تعسا )
( في كل شارقة إلمام بائقة ... يعود مأتمها عند العدا عرسا )
( وكل غاربة اجحاف نائبة ... تثني الأمان حذارا والسرور أسى )
( تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم ... إلا عقائلها المحجوبة الأنسا )
( وفي بلنسية منها وقرطبة ... ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا )
( مدائن حلها الإشراك مبتسما ... جذلان وارتحل الإيمان مبتئسا )
( وصيرتها العوادي العائثات بها ... يستوحش الطرف منها ضعف ما أنسا )
( فمن دساكر كانت دونها حرسا ... ومن كنائس كانت قبلها كنسا )
( يا للمساجد عادت للعدا بيعا ... وللنداء غدا أثناءها جرسا )
( لهفي عليها إلى استرجاع فائتها ... مدارسا للمثاني أصبحت درسا )
( وأربعا نمنمت أيدي الربيع لها ... ما شئت من خلع موشية وكسا )
( كانت حدائق للأحداق مونقة ... فصوح النضر من أدواحها وعسا )
( وحال ما حولها من منظر عجب ... يستجلس الركب أو يستركب الجلسا )
( سرعان ما عاث جيش الكفر واحربا ... عيث الدبا في مغانيها التي كبسا )

( وابتز بزتها مما تحيفها ... تحيف الأسد الضاري لما افترسا )
( فأين عيش جنيناه بها خضرا ... وأين عصر جليناه بها سلسا )
( محا محاسنها طاغ أتيح لها ... مانام عن هضمها حينا ولا نعسا )
( ورج أرجاءها لما أحاط بها ... فغادر الشم من أعلامها خنسا )
( خلا له الجو فامتدت يداه إلى ... إدراك مالم تطأ رجلاه مختلسا )
( وأكثر الزعم بالتثليث منفردا ... ولو رأى راية التوحيد ما نبسا )
( صل حبلها أيها المولى الرحيم فما ... أبقى المراس لها حبلا ولا مرسا )
( وأحي ما طمست منها العداة كما ... أحييت من دعوة المهدي ما طمسا )
( أيام صرت لنصر الحق مستبقا ... وبت من نور ذاك الهدي مقتبسا )
( وقمت فيها بأمر الله منتصرا ... كالصارم اهتز أو كالعارض انبجسا )
( تمحو الذي كتب التجسيم من ظلم ... والصبح ماحية أنواره الغلسا )
( وتقتضي الملك الجبار مهجته ... يوم الوغى جهرة لا ترقب الخلسا )
( هذي رسائلها تدعوك من كثب ... وأنت أفضل مرجو لمن يئسا )
( وافتك جارية بالنجح راجية ... منك الأمير الرضى والسيد الندسا )
( خاضت خضارة يعليها ويخفضها ... عبابه فتعاني اللين والشرسا )
( وربما سبحت والريح عاتبة ... كما طلبت بأقصى شدة الفرسا )
( تؤم يحيى بن عبد الواحد بن أبي ... حفص مقبلة من تربه القدسا )
( ملك تقلدت الأملاك طاعته ... دينا ودنيا فغشاها الرضى لبسا )
( من كل غاد على يمناه مستلما ... وكل صاد إلى نعماه ملتمسا )
( مؤيد لو رمى نجما لأثبته ... ولو دعا أفقا لبى وما احتبسا )
( تا لله إن الذي ترجى السعود له ... ماجال في خلد يوما ولا هجسا )
( إمارة يحمل المقدار رايتها ... ودولة عزها يستصحب القعسا )

( يبدي النهار بها من ضوئه شنبا ... ويطلع الليل من ظلمائه لعسا )
( ماضى العزيمة والأيام قد نكلت ... طلق المحيا ووجه الدهر قد عبسا )
( كأنه البدر والعلياء هالته ... تحف من حوله شهب القنا حرسا )
( تدبيره وسع الدنيا وما وسعت ... وعرف معروفه واسى الورى وأسا )
( قامت على العدل والإحسان دولته ... وأنشرت من وجود الجود ما رمسا )
( مبارك هديه باد سكينته ... ماقام إلا إلى حسنى وما جلسا )
( قد نور الله بالتقوى بصيرته ... فما يبالي طروق الخطب ملتبسا )
( برى العصاة وراش الطائعين فقل ... في الليث مفترسا والغيث مرتجسا )
( ولم يغادر على سهل ولا جبل ... حيا لقاحا إذا وافيته بخسا )
( فرب أصيد لا تلفي به صيدا ... ورب أشوس لا تلقى له شوسا )
( إلى الملائك ينمى والملوك معا ... في نبعة أثمرت للمجد ما غرسا )
( من ساطع النور صاغ الله جوهره ... وصان صيقله أن يقرب الدنسا )
( له الثرى والثريا خطتان فلا ... أعز من خطتيه ما سما ورسا )
( حسب الذي باع في الأخطار يركبها ... إليه محياه أن البيع ما وكسا )
( إن السعيد امرؤ ألقى بحضرته ... عصاه محتزما بالعدل محترسا )
( فظل يوطن من أرجائها حرما ... وبات يوقد من أضوائها قبسا )
( بشرى لعبد إلى الباب الكريم حدا ... آماله ومن العذب المعين حسا )
( كأنما يمتطي واليمن يصحبه ... من البحار طريقا نحوه يبسا )
( فاستقبل السعد وضاحا أسرته ... من صفحة فاض منها النور وانعكسا )
( وقبل الجود طفاحا غواربه ... من راحة غاص فيها البحروانغمسا )
( يا أيها الملك المنصور أنت لها ... علياء توسع أعداء الهدى تعسا )
( وقد تواترت الأنباء أنك من ... يحيي بقتل ملوك الصفر أندلسا )

( طهر بلادك منهم إنهم نجس ... ولا طهارة مالم تغسل النجسا )
( واوطىء الفيلق الجرار أرضهم ... حتى يطأطىء رأسا كل من رأسا )
( وانصر عبيدا بأقصى شرقها شرقت ... عيونهم أدمعا تهمي زكا وخسا )
( هم شيعة الأمر وهي الدار قد نهكت ... داء متى لم تباشر حسمه انتكسا )
( فاملأ هنيئا لك التأييد ساحتها ... جردا سلاهب أو خطية دعسا )
( واضرب لها موعدا بالفتح ترقبه ... لعل يوم الأعادي قد أتي وعسى )
فبادر السلطان بإعانتهم وشحن الأساطيل بالمداد إليهم من المال والأقوات والكسى فوجدوهم في هوة الحصار إلى أن تغلب الطاغية على بلنسية ورجع ابن الأبار بأهله إلى تونس وكان تغلب العدو على بلنسية صلحا يوم الثلاثاء السابع عشر لصفر من سنة ست وثلاثين وستمائة فهزت هذه القصيدة من الملك عطف ارتياح وحركت من جنانه أخفض جناح ولشغفه بها وحسن موقعها منه أمر شعراء حضرته بمجاوبتها فجاوبها غير واحد وحال العدو بين بلنسية وبينه وتعاهد أهلها مع النصراني على أن يسلمهم في أنفسهم وذلك سنة سبع وثلاثين وستمائة أعادها الله تعالى للإسلام

كتندة
- 514
وقد كانت وقعة كتندة على المسلمين قبل هذا التاريخ بمدة وكتندة ويقال قتندة بالقاف من حيز دورقة من عمل سرقسطة من الثغر الأعلى وكانت

الهزيمة على المسلمين جبرهم الله تعالى قتل فيها من المطوعة نحو من عشرين ألفا ولم يقتل فيها من العسكر أحد وكان على المسلمين الأمير إبراهيم بن يوسف ابن تاشفين الذي ألف الفتح باسمه قلائد العقيان وكانت سنة أربع عشرة وخمسمائة وممن حضرها الشيخ أبو علي الصدفي السابق الذكر وقرينه في الفضل أبو عبدالله ابن الفراء خرجا غازيين فكانا ممن فقد فيها
وقال غير واحد إن العسكر انصرف مفلولا إلى بلنسية وإن القاضي أبا بكر ابن العربي كان ممن حضرها وسئل مخلصه منه عن حاله فقال حال من ترك الخباء والعباء وهذا مثل عند المغاربة معروف يقال لمن ذهبت ثيابه وخيامه بمعنى انه ذهب جميع ما لديه

لوشة
622
ودخل العدو لوشة سنة اثنتين وعشرين وستمائة مع السيد أبي محمد البياسي في الفتنة التي كانت بينه وبين العادل فعاثوا فيها أشد العيث ثم ردها المسلمون إلى أن أخذت بعد ذلك كما يأتي
المرية
- 542
ودخل العدو مدينة المرية يوم الجمعة السابع عشر من جمادي الأولى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة عنوة وحكي أبو زكريا الجعيدي عن أبي عبدالله ابن سعادة الشاطبي المعمر أن أبا مروان ابن ورد اتاه في النوم شيخ عظيم الهيئة فرمى يديه في عضديه من خلفه وهزه هزا عنيفا حتى أرعبه وقال له قل

( ألا أيها المغرور ويحك لا تنم ... فالله في ذا الخلق أمر قد انبهم )
( فلا بد أن يرزوا بأمر يسوءهم ... فقد أحدثوا جرما على حاكم الأمم )
قال وكان هذا في سنة أربعين وخمسمائة فلم يمض إلا يسير حتى تغلب الروم على المرية في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بعد تلك الرؤيا بعامين أو نحوهما وهو مما حكاه ابن الأبار الحافظ في كتاب التكملة له

ترجمة الرشاطي
وفي وقعة المرية هذه استشهد الرشاطي الإمام المشهور وهو أبو محمد عبدالله بن علي بن عبدالله بن علي بن خلف بن أحمد بن عمر اللخمي الرشاطي المريي وكانت له عناية كبيرة بالحديث والرجال والرواة والتواريخ وهو صاحب كتاب اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار أخذه الناس عنه وأحسن فيه وجمع وما قصر وهو على أسلوب كتاب أبي سعد ابن السمعاني الحافظ المسمى بالأنساب وولد الرشاطي سنة 466 بقرية من أعمال مرسية يقال لها أوريواله بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر الراء وضم المثناة التحتية وبعد الألف لام مفتوحة وبعدها هاء وتوفي شهيدا بالمرية عند تغلب العدو عليها صبيحة الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة 542 والرشاطي بضم الراء وفتح الشين المخففة وذكر هو أن أحد أجداده كان في جسمه شامة كبيرة وكانت حاضنته عجمية فإذا لاعبته قالت رشاطة وكثر ذلك منها فقيل له الرشاطي انتهى ملخصا من وفيات الأعيان وبعضه بالمعنى

استرداد المرية وضياعها نهائيا
وبعد أخذ النصارى المرية هذه المرة رجعت إلى ملك المسلمين واستنفذها الله تعالى على يد الموحدين وبقيت بأيدي أهل الإسلام سنين وكان أول الولاة عليها حين استولى عليها أمير المسلمين عبدالمؤمن بن علي رجلا يقال له يوسف ابن مخلوف فثار عليه أهل المرية وقتلوه وقدموا على أنفسهم الرميمي فأخذها النصارى منه عنوة كما ذكرنا وأحصي عدد من سبي من أبكارها فكان أربعة عشر ألفا
وقال ابن حبيش آخر الحفاظ بالأندلس كنت في قلعة المرية لما وقع الاستيلاء عليها أعادها الله تعالى للإسلام فتقدمت إلى زعيم الروم السليطين وهو ابن بنت الأذفونش وقلت له إني أحفظ نسبك منك إلى هرقل فقال لي قل فذكرته له فقال لي اخرج أنت وأهلك ومن معك طلقاء بلا شيء
وابن حبيش شيخ ابن دحية وابن حوط الله وأبي الربيع الكلاعي رحمهم الله تعالى
ولما أخذت المرية أقبل إليها السيدان أبو حفض وأبو سعيد ابنا أمير المؤمنين فحصرا النصارى بها وزحف إليهما أبو عبدالله ابن مردنيش ملك شرف الأندلس محاربا لهما فكانا يقاتلان النصارى والمسلمين داخلا وخارجا ثم رأى ابن مردنيش العار على نفسه في قتالهم مع كونهم يقاتلون النصارى فارتحل فقال النصارى مارحل ابن مردنيش إلا وقد جاءهم مدد فاصطلحوا ودخل الموحدون المدينة وقد خربت وضعفت إلى أن أحيا رمقها الرئيس أبو العباس أحمد بن كمال وذلك أن أخته أخذت سبية في دخلة عبدالمؤمن

لبجانة فاحتلت بقصره واعتنت بأخيها فولاه بلده فصلح به حالها وكان جوادا حسن المحاولة كثير الرفق واشتهر من ولاتها في مدة بني عبد المؤمن في المائة السابعة الأمير أبو عمران ابن أبي حفص عم ملك إفريقية أبي زكريا
ولما كانت سنة خمس وعشرين وستمائة وثارت الأندلس على مأمون بني عبد المؤمن بسبب قيام ابن هود بمرسية قام في المرية بدعوة ابن هود أبو عبد الله محمد بن عبدالله بن أبي يحيى ابن الرميمي وجده أبو يحيى هو الذي أخذها النصارى من يده ولما قام بدعوة ابن هود وفد عليه بمرسية وولاه وزارته وصرف إليه سياسته وآل أمره معه إلى أن أغراه بأن يحصن قلعة المرية ويجعلها له عدة وهو يبغي ذلك عدة لنفسه وترك ابن هود فيها جارية تعلق ابن الرميمي بها واجتمع معها فبلغ ذلك ابن هود فبادر الى المرية وهو مضمر الإيقاع بابن الرميمي فتغدى به قبل أن يتعشى به وأخرج من قصره ميتا ووجهه في تابوت إلى مرسية في البحر واستبد ابن الرميمي بملك المرية ثم ثار عليه ولده وآل الأمر بعد أحوال إلى أن تملكها ابن الأحمر صاحب غرناطة وبقيت في يد أولاده بعده إلى أن أخذها العدو الكافر عندما طوي بساط بلاد الأندلس كما سننبه عليه والله غالب على أمره

شعر في العقاب
وما أحسن قول أبي إسحاق ابراهيم بن الدباغ الإشبيلي في هزيمة العقاب بإشبيلية
( وقائلة أراك تطيل فكرا ... كأنك قد وقفت لدى الحساب )
( فقلت لها أفكر في عقاب ... غذا سببا لمعركة العقاب )
( فما في أرض أندلس مقام ... وقد دخل البلا من كل باب )

ابن وزير
وقول القائد أبي بكر ابن الأمير ملك شلب أبي محمد عبدالله بن وزير يخاطب منصور بني عبدالمؤمن وقد التقى هو وأصحابه مع جماعة من الفرنج فتناصفوا ثم كان الظفر للمسلمين
( ولما تلاقينا جرى الطعن بيننا ... فمنا ومنهم طائحون عديد )
( وجال غرار الهند فينا وفيهم ... فمنا ومنهم قائم وحصيد )
( فلا صدر إلا فيه صدر مثقف ... وحول الوريد للحسام ورود )
( صبرنا ولا كهف سوى البيض والقنا ... كلانا على حر الجلاد جليد )
( ولكن شددنا شدة فتبلدوا ... ومن يتبلد لا يزال يحيد )
( فولوا وللسمر الطوال بهامهم ... ركوع وللبيض والرقاق سجود )
وكان المذكور من فرسان الأندلس وكان ابنه الفاضل أبو محمد غير مقصر عنه فروسية وقدرا وأدبا وشعرا وولاه ناصر بني عبدالمؤمن مدينة قصر أبي دانس في الجهة الغربية وقتله ابن هود بإشبيلية وزعم انه يروم القيام عليه ومن شعره قوله في ابن عمرو صاحب أعمال إشبيلية
( لا تيأسن من الخلافة بعدما ... ولى ابن عمرو خطة الأشراف )
( تبا لدهر هذه أفعاله ... يضع النوافج في يدي كناف )
ضياع ماردة
رجع - ودخل العدو كورة ماردة من محمد بن هود سنة ست وعشرين

وستمائة وكانت مفتتح المصائب على يده اعادها الله تعالى للإسلام وهي قاعدة بلاد الجوف في مدة العرب والعجم والحضرة المستجدة بعدها هي مدينة بطليوس وبين ماردة وقرطبة خمسة أيام

المظفر ابن الأفطس وابنه المتوكل
وملك بطليوس وماردة وما إليها المظفر محمد بن المنصور بن الأفطس مشهور وهو من رجال القلائد والذخيرة وهو أديب ملوك عصره بلا مدافع ولا منازع وله التصنيف الرائق والتأليف الفائق المترجم ب التذكر المظفري خمسون مجلدا اشتمل على فنون وعلوم من مغاز وسير ومثل وخبر وجميع علوم الأدب وقال يوما والله ما يمنعني من إظهار الشعر إلا كوني لا أقول مثل قول أبي العشائر ابن حمدان
( أقرأت منه ما تخط يد الوغى ... والبيض تشكل والأسنة تنقط )
وقول ابي فراس ابن عمه
( وجررنا العوالي في مقام ... تحدث عنه ربات الحجال )
( كأن الخيل تعلم من عليها ... ففي بعض على بعض تعالي )
فأين هذا من قولي
( أنفت من المدام لأن عقلي ... أعز علي من أنس المدام )
( ولم أرتح إلى روض وزهر ... ولكن للحمائل والحسام )

( إذا لم املك الشهوات قهرا ... فلم أبغي الشفوف على الأنام )
وله رحمه الله تعالى
( يا لحظه زد فتورا ... تزد علي اقتدارا )
( فاللحظ كالسيف امضاه ... ما يرق غرارا )
وابنه المتوكل من رجال القلائد والمسهب وكان في حضرة بطليوس كالمعتمد بن عباد بإشبيلية قد اناخت الآمال بحضرتهما وشدت رحال الآداب إلى ساحتهما يتردد أهل الفضائل بينهما كتردد النواسم بين جنتين وينظر الأدب منهما عن مقلتين والمعتمد أشعر والمتوكل أكتب

شعر لأبي عبدالله الفازازي
رجع - وقال الفاضل الكاتب أبو عبدالله محمد الفازازي وقيل إنها وجدت برقعة في جيبه يوم موته
( الروم تضرب في البلاد وتغنم ... والجور يأخذ ما بقي والمغرم )
( والمال يورد كله قشتالة ... والجند تسقط والرعية تسلم )
( وذوو التعين ليس فيهم مسلم ... إلا معين في الفساد مسلم )
( أسفي على تلك البلاد وأهلها ... الله يلطف بالجميع ويرحم )
وقيل إن هذه الأبيات رفعت إلى سلطان بلده فلما وقف عليها قال بعدما بكى صدق رحمه الله تعالى ولو كان حيا ضربت عنقه

ترجمة أبي زيد الفازازي
وهذا الفازازي اخو الشاعر الشهير الكاتب الكبير أبي زيد عبدالرحمن الفازازي صاحب الأمداح في سيد الوجود وهو كما قال فيه بعضهم صاحب القلم الأعلى والقدح المعلى أبرع من ألف وصنف وأبدع من قرط وشنف فقد طاع القلم لبنانه والنظم والنثر لبيانه كان نسيج وحده رواية وأخبارا ووحيد نسجه روية وابتكارا وفريد وقته خبرا وإخبارا وصدر عصره إيرادا وإصدارا صاحب فهوم ورافع ألوية علوم اما الأدب فلا يسبق فيه مضماره ولا يشق غباره إن شاء إنشاء أنشى ووشى سائل الطبع عذب النبع له في مدح النبي قد خضع لها البيان وسلم أعجز بتلك المعجزات نظما ونثرا وأوجز في تحبير تلك الآيات البينات فجلا سحرا ورفع للقوافي راية استظهار تخير فيها الأظهر فعجم وعشر وشفع وأوتر وأما الأصول فهي من فروعه في متفرق منظومه ومنثور مجموعه وأما النسب فإلى حفظه انتسب واما الأيام والدول ففي تاريخه الأواخر والأول وقد سبك من هذه العلوم في منثوره وموزونه ما يشهد بإضافتها إلى فنونه وله سماع في الحديث ورواية وفهم بقوانينه ودراية سمع من أبي الوليد اليزيد بن عبدالرحمن بن بقي القاضي ومن أبي الحسن جابر بن احمد القرشي التاريخي وهو آخر من حدث عنه ومن أبي عبدالله التجيبي كثيرا وهو اول من سمع عنه في حياة الحافظ أبي الطاهر السلفي إذ قدم عليهم تلمسان وأجازه الحافظ السهيلي وابن خلف

الحافظ وغيرهما وولد بعد الخمسين والخمسمائة وتوفي بمراكش سنة 637 رحمه الله تعالى انتهى ملخصا

سقوط ميورقة عن ابن عميرة
رجع ولما ثارت الأندلس على طائفة عبدالمؤمن كان الوالي بجزيرة ميورقة ابو يحيى ابن أبي عمران التينمللي فأخذها الفرنج منه كذا قال ابن سعيد وقال ابن الأبار إنها أخذت يوم الاثنين الرابع عشر من صفر سنة سبع وعشرين وستمائة
وقال المخزومي في تاريخ ميورقة إن سبب أخذها من المسلمين ان أميرها في ذلك الوقت محمد بن علي بن موسى كان في الدولة الماضية أحد أعيانها ووليها سنة ست وستمائة واحتاج إلى الخشب المجلوب من يابسة فأنفذ طريدة بحرية وقطعة حربية فعلم بها والى طرطوشة فجهز إليها من أخذها فعظم ذلك على الوالي وحدث نفسه بالغزو لبلاد الروم وكان ذلك رأيا مشؤوما ووقع بينه وبين الروم وفي آخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة بلغه ان مسطحا من برشلونة ظهر على يابسة ومركبا آخر من طرطوشة انضم إليه فبعث ولده في عدة قطع إليه حتى نزل مرسى يابسة ووجد فيه لأهل جنوة مركبا كبيرا فأخذه وسار حتى أشرف على المسطح فقاتله واخذه وظن أنه غالب الملوك وغاب عنه انه أشأم من عاقر الناقة وان الروم لما بلغهم الخبر

قالوا لملكهم وهو من ذرية أذفونش كيف يرضى الملك بهذا الأمر ونحن نقاتل بنفوسنا واموالنا فأخذ عليهم العهد بذلك وجمع عشرين ألفا من اهل البلاد وجهز في البحر ستة عشر ألفا وشرط عليهم حمل السلاح وفي سنة ست وعشرين وستمائة اشتهر امر هذه الغزوة فاستعد لها الوالي وميز نيفا على ألف فارس من فرسان الحضر والرعية مثلهم ومن الرجالة ثمانية عشر ألفا وذلك في شهر ربيع الأول من السنة ومن سوء الاتفاق ان الوالي أمر صاحب شرطته أن يأتيه بأربعة من كبراء المصر فساقهم وضرب أعناقهم وكان فيهم ابن خاله وخالهما أبو حفص ابن سيري ذو المكانة الوجيهة فاجتمعت الرعية إلى ابن سيرى فأخبروه بما نزل وعزوه فيمن قتل وقالوا هذا أمر لا يطاق ونحن كل يوم إلى الموت نساق وعاهدوه على طلب الثأر وأصبح الوالي يوم الجمعة منتصف شوال والناس من خوفه في أهوال ومن أمر العدو في إهمال فأمر صاحب شرطته بإحضار خمسين من أهل الوجاهة والنعمة فأحضرهم وإذا بفارس على هيئة النذير دخل إلى الوالي وأخبره بأن الروم قد أقبلت وأنه عد فوق الأربعين من القلوع وما فرغ من إعلامه حتى ورد آخر من جانب آخر وقال إن اسطول العدو قد تظاهر وقال إنه عد سبعين شراعا فصح الأمر عنده فسمح لهم بالصفح والعفو وعرفهم بخبر العدو وأمرهم بالتجهز فخرجوا إلى دورهم كأنما نشروا من قبورهم ثم ورد الخبر بأن العدو قرب من البلد فإنهم عدوا مائة وخمسين قلعا ولما عبر وقصد المرسى أخرج الوالي جماعة تمنعهم النزول فباتوا على المرسى في الرجل والخيل وفي الثامن عشر من شوال وهو يوم الاثنين وقع المصاف وانهزم المسلمون وارتحل النصارى إلى المدينة ونزلوا منها على الحريبة الحزينة من جهة باب الكحل ولم يزل الأمر في شدة وقد أشرفوا على أخذ البلد ولما رأى ابن سيري ان العدو قد استولى على البلد خرج

إلى البادية ولما كان يوم الجمعة الحادي عشر من صفر قاتلوا البلد قتالا شديدا ولما كان يوم الأحد أخذ البلد واخذ منه أربعة وعشرون ألفا قتلوا على دم واحد وأخذ الوالي وعذب وعاش بعد ذلك خمسة وأربعين يوما ومات تحت العذاب واما ابن سيري فإنه صعد إلى الجبل وهو منيع لا ينال من تحصن فيه وجمع عنده ستة عشر ألف مقاتل ومازال يقاتل إلى أن قتل يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وجده من آل جبلة بن الأيهم الغساني واما الحصون فأخذت في آخر رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة وفي شهر شعبان لحق من نجا من المسلمين إلى بلاد الإسلام انتهى ما ذكره ابن عميرة المخزومي ملخصا
وكان بميورقة جماعة أعلام وشعراء ومن شعر ابن عبد الولي الميورقي
( هل أمان من لحظك الفتان ... وقوام يميل كالخيزران )
( مهجتي منك في جحيم ولكن ... جفوني قد متعت في جنان )
( فتنتني لواحظ ساحرات ... لست أخشى من فتنة الشيطان )

سعيد بن حكم في منورقة
ولما استولى النصارى على ميورقة في التاريخ المتقدم ثار بجزيرة منورقة وهي قريبة منها الجواد العادل العالم أبو عثمان سعيد بن حكم القرشي وكان وليها من قبل الوالي أبي يحيى المقتول وتصالح مع النصارى على ضريبة معلومة واشترط أن لا يدخل جزيرته أحد من النصارى وضبطها أحسن ضبط قال أبو الحسن على بن سعيد أخبرني أحد من اجتمع به أنه لقي منه برا حبب اليه الإقامة في تلك الجزيرة المنقطعة وذكر أنه ركب معه فنظر إلى حمالة سيف

ضيقة وقد أثرت في عنقه فأمر له بإحسان وغنباز وكتب معه
( حمالة السيف توهي جيد حاملها ... لا سيما يوم إسراع وإنجاز )
( وخير ما استعمل الإنسان يومئذ ... لحسم علتها إلباس غنباز )
والغنباز عند أهل المغرب صنف من الملبوس غليظ يستر العنق
وأصل أبي عثمان من مدينة طبيرة من غرب الأندلس وقد ألفت باسمه التآليف المشهورة بالمغرب ككتاب روح الشحر وروح الشعر وغيره وأخذ العدو منورقة بعد مدة

سقوط عدة مدن
واخذ العدو جزيرة شقر صلحا سنة تسع وثلاثين وستمائة في آخرها
وأخذ العدو دمره الله تعالى مدينة سرقسطة يوم الأربعاء لأربع خلون من رمضان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة
وكان إستيلاء الإفرنج على شرق الأندلس شاطبة وغيرها واجلاؤهم من يشاركهم من المسلمين فيما تغلبوا عليه منها في شهر رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة
وكان استيلاء العدو دمره الله تعالى على مدينة قرطبة يوم الأحد الثالث والعشرين لشوال من سنة ست وثلاثين وستمائة
وكان تملك العدو مرسية صلحا ظهر يوم الخميس العاشر من شوال قدم أحمد بن محمد بن هود ولد والي مرسية بجماعة من وجوه النصارى فملكهم إياها صلحا ولا حول ولا قوة إلا بالله
وحصر العدو إشبيلية سنة خمس وأربعين وستمائة وفي يوم الاثنين الخامس من شعبان للسنة بعدها ملكها الطاغية صاحب قشتالة صلحا بعد منازلتها حولا كاملا وخمسة أشهر أو نحوها وقال ابن الأبار في ترجمة أبي علي الشلوبين من التكملة

ماصورته وتوفي بين يدي منازلة الروم إشبيلية ليلة الخميس منتصف صفر سنة خمس وأربعين وستمائة وفي العام القابل ملكها الروم
موقعة أنيشة - 634 وترجمة أبي الربيع ابن سالم
وكانت وقعة أنيجة التى قتل بها الحافظ أبو الربيع الكلاعي رحمه الله تعالى يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة ولم يزل رحمه الله تعالى متقدما أمام الصفوف زحفا إلى الكفار مقبلا على العدو ينادي بالمنهزمين أعن الجنة تفرون حتى قتل صابرا محتسبا برد الله تعالى مضجعه وكان دائما يقول إن منتهى عمره سبعون سنة لرؤيا رآها في صغره فكان كذلك ورثاه تلميذه الحافظ أبو عبدالله ابن الأبار بقصيدته الميمية الشهيرة التى اولها
( ألما بأشلاء العلا والمكارم ... تقد بأطراف القنا والصوارم )
( وعوجا عليها مأربا وحفاوة ... مصارع خصت بالطلى والجماجم ) نحيي وجوها في الجنان وجيهة ... بما لقيت حمرا وجوه الملاحم )
( وأجساد إيمان كساها نجيعها ... مجاسد من نسج الظبى واللهاذم )
وهي طويلة
ومن شعر الحافظ أبي الربيع المذكور

( تولت ليال للغواية جون ... ووافى صباح للرشاد مبين )
( ركاب شباب أزمعت عنك رحلة ... وجيش مشيب جهزته منون )
( ولا أكذب الرحمن فيما أجنه ... وكيف ولا يخفى عليه جنين )
( ومن لم يخل أن الرياء يشينه ... فمن مذهبي أن الرياء يشين )
( لقد ريع قلبي للشباب وفقده ... كما ريع بالعلق الفقيد ضنين )
( وآلمني وخط المشيب بلمتي ... فخطت بقلبي للشجون فنون )
( وليل شبابي كان أنضر منظرا ... وآنق مهما لا حظته عيون )
( فآها على عيش تكدر صفوه ... وأنس خلا منه صفا وحجون )
( ويا ويح فودي او فؤادي كلما ... تزيد شيبي كيف بعد يكون )
( حرام على قلبي سكون بغرة ... وكيف مع الشيب الممض سكون )
( وقالوا شباب المرء شعبة جنة ... فما لي عراني للمشيب جنون )
( وقالوا شجاك الشيب حدثان ما اتي ... ولم يعلموا أن الحديث شجون )
وقوله
( أمولي الموالي ليس غيرك لي مولى ... وما أحد يارب منك بذا أولى )
( تبارك وجه وجهت نحوه المنى ... فأوزعها شكرا وأوسعها طولا )
( وما هو إلا وجهك الدائم الذي ... أقل حلى عليائه يخرس القولا )
( تبرأت من حولي إليك وقوتي ... فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا )
( وهب لي الرضى ما لي سوى ذاك مبتغى ... ولو لقيت نفسي على نيله الهولا )
وكان رحمه الله تعالى حافظا للحديث مبرزا في نقده تام المعرفة

بطرقه ضابطا لأحكام أسانيده ذاكرا لرجاله ريان من الأدب خطب ببلنسية واستقضى وكان مع ذلك من أولي الحزم والبسالة والإقدام والجزالة حضر الغزوات وباشر القتال بنفسه وأبلى بلاء حسنا وروى عن أبي القاسم ابن حبيش وطبقته وصنف كتبا منها مصباح الظلم في الحديث والأربعون عن أربعين شيخا لأربعين من الصحابة والأربعون السباعية والسباعيات من حديث الصدفي وحلية الأمالي في الموافقات والعوالي وتحفة الوراد ونجعة الرواد والمسلسلات والإنشادات وكتاب الاكتفاء في مغازي رسول الله الثلاثة الخلفاء وميدان السابقين وحلبة الصادقين المصدقين في غرض كتاب الاستيعاب ولم يكمله والمعجم فيمن وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة والإعلام بأخبار البخاري الإمام والمعجم في مشيخة أبي القاسم ابن حبيش وبرنامج رواياته وجني الرطب في سني الخطب ونكتة الأمثال ونفثة السحر الحلال وجهد النصيح في معارضة المعري في خطبة الفصيح والامتثال لمثال المبهج في ابتداع الحكم واختراع الأمثال ومفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة المعري في ملقي السبيل ومجاز فتيا اللحن للاحن الممتحن مائة مسألة ملغزة ونتيجة الحب الصميم وزكاة المنثور والمنظوم في مثال النعل النبوية على لابسها أفضل قال ابن رشيد لو قال وزكاة النثير والنظيم لكان أحسن وله كتاب الصحف المنشرة في القطع المعشرة وديوان رسائله سفر وديوان شعره سفر وكتب إلى الأديب الشهير أبي بحر صفوان بن إدريس المرسي عقب انفصاله من

بلنسية سنة 587
( أحن الى نجد ومن حل في نجد ... وماذا الذي يغني حنيني أو يجدي )
( وقد أوطنوها وادعين وخلفوا ... محبهم رهن الصبابة والوجد )
( تبين بالبين اشتياقي إليهم ... ووجدي فساوى ما أجن الذي أبدي )
( وضاقت علي الأرض حتى كأنها ... وشاح بخصر أو سوار على زند )
( إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى ... وبعض الذي لاقيته من جوى يردي )
( فراق أخلاء وصد أحبة ... كأن صروف الدهر كانت على وعد )
( فيا سرحتي نجد نداء متيم ... له أبدا شوق إلى سرحتي نجد )
( ظمئت فهل طل يبرد لوعتي ... ضحيت فهل ظل يسكن من وجدي )
( ويا زمنا قد بان غير مذمم ... لعل الأنس قد تصرم من رد )
( ليالي نجني الأنس من شجر المنى ... ونقطف زهر الوصل من شجر الصد )
( وسقيا لاخوان بأكناف حاجر ... كرام السجايا لا يحولون عنه عهد )
( وكم لي بنجد من سري ممجد ... ولا كابن إدريس أخي البشر والمجد )
( اخو همة كالزهر في بعد نيلها ... وذو خلق كالزهر غب الحيا العد )
( تجمعت الأضداد فيه حميدة ... فمن خلق سبط ومن حسب جعد )
( أيا راحلا أودى بصبري رحيله ... وفلل من عزمي وثلم من حدي )
( أتعلم ما يلقى الفؤاد لبعدكم ... ألا مذ نأيتم ما يعيد ولا يبدي )
( فيا ليت شعري هل تعود لنا المنى ... وعيش كما نمنمت حاشيتي برد )
( عسى الله أن يدني السرور بقربكم ... فيبدو ومنا الشمل منتظم العقد )

ابن العربي ومعركة
527
وقال الحافظ القاضي أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن عند تفسير

قوله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا ) التوبة 41 ما صورته ولقد نزل بنا العدو قصمه الله تعالى سنة سبع وعشرين وخمسمائة فجاس ديارنا وأسر جيرتنا وتوسط بلادنا في عدد حدد الناس عدده فكان كثيرا وإن لم يبلغ ما حددوه فقلت للوالي والمولى عليه هذا عدو الله قد حصل في الشرك والشبكة فلتكن عندكم بركة ولتكن منكم إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة فليخرج إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار فيحاط به فإنه هالك لا محالة إن يسركم الله له فغلبت الذنوب ورجفت بالمعاصي القلوب وصار كل أحد من الناس ثعلبا يأوي إلى وجاره وإن رأى المكيدة بجاره فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل انتهى
ولا خفاء أن هذا كان قبل أخذ العدو شرق الأندلس وسرقسطة وميورقة وغيرها مما قدمنا ذكره والبدايات عنوان على النهايات

قصيدة الوقشي في مدح أبي يعقوب
وقال أبو جعفر الوقشي البلنسي نزيل مالقة يمدح أمير المؤمنين يوسف ابن أمير المؤمنين عبدالمؤمن بن علي
( أبت غير ماء بالنخيل ورودا ... وهامت به عذب الجمام برودا )
( وقالت لحاديها أثم زيادة ... على العشر في وردي له فأزيدا )
( غلبتك ما هذا القنوع وما انا ... عهدتك لا تثنين عنه وريدا )
( أنونا إذا ما كنت منه قريبة ... وضبا إذا ماكان عنك بعيدا )
( ردي حضرة الملك الظليل رواقه ... لعمري ففيها تحمدين ورودا )
( بحيث إمام الدين يوسع فضله ... جميع البرايا مبدئا ومعيدا )

( أعاد إليها الأنس بعد شروده ... وأحيا لنا ماكان منه أبيدا )
( ولين أيام الزمان بعدله ... وكانت حديدا في الخطوب حديدا )
( فلا ليلة إلا يروقك حسنها ... ولا يوم إلا عاد يفضل عيدا )
ومنها يصف حال الأندلس ويبعث على الجهاد
( ألا ليت شعري هل يمد لي المدى ... فأبصر شمل المشركين طريدا )
( وهل بعد يقضى في النصارى بنصرة ... تغادرهم للمرهفات حصيدا )
( ويغزو أبو يعقوب في شنت ياقب ... يعيد عميد الكافرين عميدا )
( ويلقي على إفرنجهم عبء كلكل ... فيتركهم فوق الصعيد هجودا )
( يغادرهم جرحى وقتلى مبرحا ... ركوعا على وجه الفلا وسجودا )
( ويفتك من أيدي الطغاة نواعما ... تبدلن من نظم الحجول قيودا )
( وأقبلن في خشن المسوح وطالما ... سحبن من الوشي الرقيق برودا )
( وغبر منهن التراب ترائبا ... وخدد منهن الهجير خدودا )
( فحق لدمعي أن يفيض لأزرق ... تملكها دعج المدامع سودا )
( ويا لهف نفسي من معاصم طفلة ... تجاوز بالقد الأليم نهودا )
( ويا أسفا ما إن يزال مرددا ... على شمل أعياد أعيد بديدا )
( وآها تمد الصوت منتحبا على ... خلو ديار لو يكون مفيدا )
وقال في آخرها وهو مما استحسنه الناس
( حملت إليه من نظامي قلادة ... يلقبها أهل الكلام قصيدا )
( غدت يوم إنشاد القريض وحيدة ... كما قصدت في المعلوات وحيدا )
ولما تمهدت الأندلس لعبدالمؤمن وبنيه كان لهم فيها وقائع مع عدو الدين واجتاز إليها عبدالؤمن ثم لما ولي بعده ملكه ابنه يوسف دخل الأندلس سنة 566 وفي صحبته مائة ألف فارس من العرب والموحدين فنزل بإشبيلية

فخافه الأمير أبو عبدالله محمد بن سعد بن مردنيش صاحب شرق الأندلس مرسية وأعمالها وما انضاف إليها فحمل على قلبه فمرض فمات وشرع السلطان يوسف في استرجاع بلاد المسلمين من أيدي الفرنج فاتسعت مملكته بالأندلس وأغارت سراياه على طليطلة إذ هي قاعدة ملكهم ثم إنه حاصرها فاجتمعت طائفة الفرنج عليه واشتد الغلاء في عسكره فرحل عنها وعاد إلى حضرة ملكه مراكش المحروسة

قصيدة في استنهاض الحفصي بعد سقوط بلنسية
ولم يزل أهل الأندلس بعد ظهور النصارى دمرهم الله تعالى على كثير منها يستنهضون عزائم الملوك والسوقة لأخذ الثار بالنظم والنثار فلم ينفعهم ذلك حتى اتسع الخرق وأعضل الداء أهل الغرب والشرق فمن القصائد الموجهة في ذلك قول بعضهم لما أخذت بلنسية يخاطب صاحب إفريقية أبا زكريا ابن عبدالواحد بن أبي حفص
( نادتك أندلس فلب نداءها ... واجعل طواغيت الصليب فداءها )
( صرخت بدعوتك العلية فاحبها ... من عاطفاتك ما يقي حوباءها )
( واشدد بجلبك جرد خيلك أزرها ... تردد على أعقابها أرزاءها )
( هي دارك القصوى أوت لإيالة ... ضمنت لها مع نصرها إيواءها )
( وبها عبيدك لا بقاء لهم سوى ... سبل الضراعة يسلكون سواءها )
( خلعت قلوبهم هناك عزاءها ... لما رأت أبصارهم ما ساءها )
( دفعوا الأبكار الخطوب وعونها ... فهم الغداة يصابرون عناءها )
( وتنكرت لهم الليالي فاقتضت ... سراءها وقضتهم ضراءها )
( تلك الجزيرة لا بقاء لها إذا ... لم يضمن الفتح القريب بقاءها )
( رش أيها المولى الرحيم جناحها ... واعقد بأرشية النجاة رشاءها )

( أشفى على طرف الحياة ذماؤها ... فاستبق للدين الحنيف ذماءها )
( حاشاك أن تفنى حشاشتها وقد ... قصرت عليك نداءها ورجاءها )
( طافت بطائفة الهدى آمالها ... ترجو بيحيى المرتضى إحياءها )
( واستشرفت أمصارها لإمارة ... عقدت لنصر المستضام لواءها )
( ياحسرتي لعقائل معقولة ... سئم الهدى نحو الضلال هداءها )
( إيه بلنسية وفي ذكراك ما ... يمري الشؤون دماءها لا ماءها )
( كيف السبيل الى احتلال معاهد ... شب الأعاجم دونها هيجاءها )
( وإلى ربى وأباطح لم تعر من ... حلل الربيع مصيفها وشتاءها )
( طاب المعرس والمقيل خلالها ... وتطلعت غرر المنى أثناءها )
( بأبي مدارس كالطول دوارس ... نسخت نواقيس الصليب نداءها )
( ومصانع كسف الضلال صباحها ... فيخاله الرائي إليه مساءها )
( راحت بها الورقاء تسمع شدوها ... وغدت ترجع نوحها وبكاءها )
( عجبا لأهل النار حلوا جنة ... منها تمد عليهم أفياءها )
( أملت لهم فتعجلوا ما املوا ... أيامهم لا سوغوا إملاءها )
( بعدا لنفس أبصرت إسلامها ... فتوكفت عن حزبها إسلاءها )
( أما العلوج فقد أحالوا حالها ... فمن المطيق علاجها وشفاءها )
( أهدى إليها بالمكاره جارح ... للكفر كره ماءها وهواءها )
( وكفى أسى أن الفواجع جمة ... فمتى يقاوم أسوها أسواءها )
( هيهات في نظر الإمارة كف ما ... تخشاه ليت الشكر كان كفاءها )
( مولاي هاك معادة أنباءها ... لتنيل منك سعادة أبناءها )
( جرد ظباك لمحو آثار العدا ... تقتل ضراغمها وتسب ظباءها )
( واستدع طائفة الإمام لغزوها ... تسبق إلى أمثالها استدعاءها )
( لا غرو أن يعزى الظهور لملة ... لم يبرحوا دون الورى ظهراءها )
( إن الأعاجم للأعارب نهبة ... مهما أمرت بغزوها أحياءها )

( تالله لو دبت لها دبابها ... لطوت عليها أرضها وسماءها )
( ولو استقلت عوفها لقتالها ... لاستقبلت بالمقربات عفاءها )
( أرسل جوارحها تجئك بصيدها ... صيدا وناد لطحنها أرحاءها )
( هبوا لها يامعشر التوحيد قد ... آن الهبوب وأحرزوا علياءها )
( إن الحفائظ من خلالكم التى ... لا يرهب الداعي بهن خلاءها )
( هي نكتة المحيا فحيهلا بها ... تجدوا سناها في غد وسناءها )
( أولوا الجزيرة نصرة إن العدا ... تبغى على أقطارها استيلاءها )
( نقصت بأهل الشرك من أطرفها ... فاستحفظوا بالمؤمنين نماءها )
( حاشاكم أن تضمروا إلغاءها ... في أزمة أو تضمروا إقصاءها )
( خوضوا إليها بحرها يصبح لكم ... رهوا وجوبوا نحوها بيداءها )
( وافى الصريخ مثوبا يدعو لها ... فلتجملوا قصد الثواب ثواءها )
( دار الجهاد فلا تفتكم ساحة ... ساوت بها أحياؤها شهداءها )
( هذي رسائلها تناجي بالتي ... وقفت عليها ريثها ونجاءها )
( ولربما أنهت سوالب للنهى ... من كائنات حملت أنهاءها )
( وفدت على الدار العزيزة تجتني ... آلاءها أو تجتلي آراءها )
( مستسقيات من غيوث غياثها ... ما وقعه يتقدم استسقاءها )
( قد أمنت في سبلها أهواءها ... إذ سوغت في ظلها أهواءها )
( وبحسبها أن الأمير المرتضى ... مترقب بفتوحها آناءها )
( في الله ما ينويه من إدراكها ... بكلاءة يفدي أبي أكلاءها )
( بشرى لأندلس تحب لقاءه ... ويحب في ذات الإله لقاءها )
( صدق الرواة المخبرون بأنه ... يشفي ضناها أو يعيد رواءها )
( إن دوخ العرب الصعاب مقادة ... وأبى عليها أن تطيع إباءها )
( فكأن بفيلقه العرمرم فالقا ... هام الأعاجم ناسفا أرجاءها )
( أنذرهم بالبطشة الكبرى فقد ... نذرت صوارمه الرقاق دماءها )

( لايعدم الزمن انتصار مؤيد ... تتسوغ الدنيا به سراءها )
( ملك أمد النيرين بنوره ... وأفاده لألاؤه لألاءها )
( خضعت جبابرة الملوك لعزه ... ونضت بكف صغارها خيلاءها )
( أبقى أبو حفص إمارته له ... فسما إليها حاملا أعباءها )
( سل دعوة المهدي عن آثاره ... تنبيك أن ظباه قمن إزاءها )
( فغزا عداها واسترق رقابها ... وحمى حماها واسترد بهاءها )
( قبضت يداه على البسيطة قبضة ... قادت له في قدة أمراءها )
( فعلى المشارق والمغارب ميسم ... لهداه شرف وسمه أسماءها )
( تطمو بتونسها بحار جيوشه ... فيزور زاخر موجها زوراءها )
( وسع الزمان فضاق عنه جلالة ... والأرض طرا ضنكها وفضاءها )
( ما أزمع الإيغال في أكنافها ... إلا تصيد عزمه زعماءها )
( دانت له الدنيا وشم ملوكها ... فاحتل من رتب العلا شماءها )
( ردت سعادته على أدراجها ... ليل الزمان ونهنهت غلواءها )
( إن يعتم الدول العزيزة بأسه ... فالآن يولي جوده إعطاءها )
( تقع الجلائل وهو راس راسخ ... فيها يوقع للسعود جلاءها )
( كالطود في عصف الرياح وقصفها ... لا رهوها يخشى ولا هوجاءها )
( سامي الذوائب في أعز ذؤابة ... أعلت على قمم النجوم بناءها )
( بركت بكل محلة بركاته ... شفعا يبادر بذلها شفعاءها )
( كالغيث صب على البسيطة صوبه ... فسقى عمائرها وجاد قواءها )
( ينميه عبدالواحد الأرضى إلى ... عليا فتمنح بأسها وسخاءها )
( في نبعة كرمت وطابت مغرسا ... وسمت وطالت نضرة نظراءها )
( ظهرت لمحتدها السماء وجاوزت ... لسرادقات فخارها جوزاءها )
( فئة كرام لا تكف عن الوغى ... حتى تصرع حولها أكفاءها ) وتكب في نار القري فوق الذرا ... من عزة ألويها وكباءها )

( قد خلقوا الأيام طيب خلائق ... فثنت إليهم حمدها وثناءها )
( ينضون في طلب النفائس انفسا ... حبسوا على احرازها إمضاءها )
( وإذا انتضوا يوم الكريهة بيضهم ... أبصرت فيهم قطعها ومضاءها )
( لاعذر عند المكرمات لهم متى ... لم تستبن لعفاتهم عذراءها )
( قوم الأمير فمن يقوم بما لهم ... من صالحات أفحمت شعراءها )
( صفحا جميلا أيها الملك الرضى ... عن محكمات لم نطق إحصاءها )
( تقف القوافي دونهن حسيرة ... لا عيها تخفي ولا إعياءها )
( فلعل علياكم تسامح راجيا ... إصغاءها ومؤملا إغضاءها )

في رثاء طليطلة
ومن ذلك قول بعضهم يندب طليطلة أعادها الله تعالى للإسلام
( لثكلك كيف تبتسم الثغور ... سرورا بعدما سبيت ثغور )
( أما وأبي مصاب هد منه ... ثبير الدين فاتصل الثبور )
( لقد قصمت ظهور حين قالوا ... أمير الكافرين له ظهور )
( ترى في لدهر مسرورا بعيش ... مضى عنا لطيته السرور )
( أليس بها أبي النفس شهم ... يدير على الدوائر إذ تدور )
( لقد خضعت رقاب كن غلبا ... وزال عتوها ومضى النفور )
( وهان على عزيز القوم ذل ... وسامح في الحريم فتى غيور )
( طليطلة أباح الكفر منها ... حماها إن ذا نبأ كبير )
( فليس مثالها إيوان كسرى ... ولا منها الخورنق والسدير )
( محصنة محسنة بعيد ... تناولها ومطلبها عسير )
( ألم تك معقلا للدين صعبا ... فذلله كما شاء القدير )
( وأخرج أهلها منها جميعا ... فصاروا حيث شاء بهم مصير )

( وكانت دار ايمان وعلم ... معالمها التى طمست تنير )
( فعادت دار كفر مصطفاة ... قد اضطربت بأهليها الأمور )
( مساجدها كنائس أي قلب ... على هذا يقر ولا يطير )
( فيا أسفاه يا أسفاه حزنا ... يكرر ما تكررت الدهور )
( وينشر كل حسن ليس يطوى ... إلى يوم يكون به النشور )
( أديلت قاصرات الطرف كانت ... مصونات مساكنها القصور )
( وأدركها فتور في انتظار ... لسرب في لواحظه فتور )
( وكان بنا وبالقينات أولى ... لو انضمت على الكل القبور )
( لقد سخنت بحالتهن عين ... وكيف يصح مغلوب قرير )
( لئن غبنا عن الاخوان إنا ... بأحزان وأشجان حضور )
( نذور كان للأيام فيهم ... بمهلكهم فقد وفت النذور )
( فإن قلنا العقوبة أدركتهم ... وجاءهم من الله النكير )
( فإنا مثلهم وأشد منهم ... نجور وكيف يسلم من يجور )
( أنأمن أن يحل بنا انتقام ... وفينا الفسق أجمع والفجور )
( وأكل للحرام ولا اضطرار ... إليه فيسهل الأمر العسير )
( ولكن جرأة في عقر دار ... كذلك يفعل الكلب العقور )
( يزول الستر عن قوم إذا ما ... على العصيان أرخيت الستور )
( يطول علي ليلي رب خطب ... يطول لهوله الليل القصير )
( خذوا ثأر الديانة وانصروها ... فقد حامت على القتلى النسور )
( ولا تهنوا وسلوا كل عضب ... تهاب مضاربا منه النحور )
( وموتوا كلكم فالموت أولى ... بكم من ان تجاروا أو تجوروا )
( أصبرا بعد سبي وامتحان ... يلام عليها القلب الصبور )

( فأم الثكل مذكار ولود ... وأم الصقر مقلات نزور )
( نخور إذا دهينا بالرزايا ... وليس بمعجب بقر يخور )
( ونجبن ليس نزأر لو شجعنا ... ولم نجبن لكان لنا زئير )
( لقد ساءت بنا الأخبار حتى ... أمات المخبرين بها الخبير )
( أتتنا الكتب فيها كل شر ... وبشرنا بأنحسنا البشير )
( وقيل تجمعوا لفراق شمل ... طليطلة تملكها الكفور )
( فقل في خطة فيها صغار ... يشيب لكربها الطفل الصغير )
( لقد صم السميع فلم يعول ... على نبإ كما عمي البصير )
( تجاذبنا الأعادي باصطناع ... فينجذب المخول والفقير )
( فباق في الديانة تحت خزي ... تثبطه الشويهة والبعير )
( وآخر مارق هانت عليه ... مصائب دينه فله السعير )
( كفى حزنا بأن الناس قالوا ... إلى أين التحول والمسير )
( أنترك دورنا ونفر عنها ... وليس لنا وراء البحر دور )
( ولا ثم الضياع تروق حسنا ... نباكرها فيعجبنا البكور )
( وظل وارف وخرير ماء ... فلا قر هناك ولا حرور )
( ويؤكل من فواكهها طري ... ويشرب من جداولها نمير )
( يؤدى مغرم في كل شهر ... ويؤخذ كل صائفة عشور )
( فهم أحمى لحوزتنا وأولى ... بنا وهم الموالي والعشير )
( لقد ذهب اليقين فلا يقين ... وغر القوم بالله الغرور )
( فلا دين ولا دنيا ولكن ... غرور بالمعيشة ما غرور )
( رضوا بالرق يا لله ماذا ... رآه وما أشار به مشير )
( مضى الإسلام فابك دما عليه ... فما ينفي الجوى الدمع الغزير )
( ونح واندب رفاقا في فلاة ... حيارى لا تحط ولا تسير )
( ولا تجنح إلى سلم وحارب ... عسى أن يجبر العظم الكسير )

( أنعمى عن مراشدنا جميعا ... وما إن منهم إلا بصير )
( ونلقى واحدا ويفر جمع ... كما عن قانص فرت حمير )
( ولو أنا ثبتنا كان خيرا ... ولكن ما لنا كرم وخير )
( إذا ما لم يكن صبر جميل )
( فليس بنافع عدد كثير )
( ألا رجل له رأي أصيل ... به مما نحاذر نستجير )
( يكر إذا السيوف تناولته ... وأين بنا إذا ولت كرور )
( ويطعن بالقنا الخطار حتى ... يقول الرمح ما هذا الخطير )
( عظيم أن يكون الناس طرا ... بأندلس قتيل أو أسير )
( أذكر بالقراع الليث حرصا ... على أن يقرع البيض الذكور )
( يبادر خرقها قبل اتساع ... لخطب منه تنخسف البدور )
( يوسع للذي يلقاه صدرا ... فقد ضاقت بما تلقى صدور )
( تنغصت الحياة فلا حياة ... وودع جيرة إذ لا مجير )
( فليل فيه هم مستكن ... ويوم فيه شر مستطير )
( ونرجو أن يتيح الله نصرا ... عليهم إنه نعم النصير )

نونية الرندي وشيء من شعره
ومن مشهور ما قيل في ذلك قول الأديب الشهير أبي البقاء صالح بن شريف الرندي رحمه الله تعالى

( لكل شيء إذا ما تم نقصان ... فلا يغر بطيب العيش انسان )
( هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته ازمان )
( وهذه الدار لا تبقي على أحد ... ولا يدوم على حال لها شان )
( يمزق الدهر حتما كل سابغة ... إذا نبت مشرفيات وخرصان )
( وينتضي كل سيف للفناء ولو ... كان ابن ذي يزن والغمد غمدان )
( أين الملوك ذوو التيجان من يمن ... وأين منهم أكاليل وتيجان )
( وأين ما شاده شداد في إرم ... وأين ما ساسه في الفرس ساسان )
( وأين ما حازه قارون من ذهب ... وأين عاد وشداد وقحطان )
( أتى على الكل أمر لا مرد له ... حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا )
( وصار ماكان من ملك ومن ملك ... كما حكى عن خيال الطيف وسنان )
( دار الزمان على دارا وقاتله ... وأم كسرى فما آواه إيوان )
( كأنما الصعب لم يسهل له سبب ... يوما ولا ملك الدنيا سليمان )
( فجائع الدهر أنواع منوعة ... وللزمان مسرات وأحزان )
( وللحوادث سلوان يسهلها ... وما لما حل بالإسلام سلوان )
( دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ... هوى له أحد وانهد ثهلان )
( أصابها العين في الإسلام فامتحنت ... حتى خلت منه أقطار وبلدان )
( فاسأل بلنسية ما شأن مرسية ... وأين شاطبة أم أين جيان )
( وأين قرطبة دار العلوم فكم ... من عالم قد سما فيها له شان )
( وأين حمص وما تحويه من نزه ... ونهرها العذب فياض وملآن )
( قواعد كن أركان البلاد فما ... عسى البقاء إذا لم تبق أركان )
( تبكي الحنيفية البيضاء من أسف ... كما بكى لفراق الإلف هيمان )
( على ديار من الإسلام خالية ... قد أقفرت ولها بالكفر عمران )
( حيث المساجد قد صارت كنائس ما ... فيهن إلا نواقيس وصلبان )
( حتى المحاريب تبكي وهي جامدة ... حتى المنابر ترثي وهي عيدان )

( ياغافلا وله في الدهر موعظة ... إن كنت في سنة فالدهر يقظان )
( وماشيا مرحا يلهيه موطنه ... أبعد حمص تغر المرء أوطان )
( تلك المصيبة أنست ما تقدمها ... وما لها من طول الدهر نسيان )
( يا راكبين عتاق الخيل ضامرة ... كأنها في مجال السبق عقبان )
( وحاملين سيوف الهند مرهفة ... كأنها في ظلام النقع نيران )
( وراتعين وراء البحر في دعة ... لهم بأوطانهم عز وسلطان )
( أعندكم نبأ من أهل أندلس ... فقد سرى بحديث القوم ركبان )
( كم يستغيث بنا المستضعفون وهم ... قتلى وأسرى فما يهتز إنسان )
( ماذا التقاطع في الإسلام بينكم ... وأنتم يا عباد الله إخوان )
( ألا نفوس أبيات لها همم ... اما على الخير أنصار وأعوان )
( يامن لذلة قوم بعد عزهم ... أحال حالهم كفر وطغيان )
( بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم ... واليوم هم في بلاد الكفر عبدان )
( فلو تراهم حيارى لا دليل لهم ... عليهم من ثياب الذل ألوان )
( ولو رأيت بكاهم عند بيعهم ... لهالك الأمر واستهوتك أحزان )
( يا رب أم وطفل حيل بينهما ... كما تفرق أرواح وأبدان )
( وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت ... كانما هي ياقوت ومرجان )
( يقودها العلج للمكروه مكرهة ... والعين باكية والقلب حيران )
( لمثل هذا يذوب القلب من كمد ... إن كان في القلب إسلام وإيمان )
انتهت القصيدة الفريدة ويوجد بأيدي الناس زيادات فيها ذكر غرناطة وبسطة وغيرهما مما أخذ من البلاد بعد موت صالح بن شريف وما اعتمدته منها نقلته من خط من يوثق به على ما كتبته ومن له أدنى ذوق علم أن ما يزيدون فيها من الأبيات ليست تقاربها في البلاغة وغالب ظني أن تلك الزيادة لما أخذت غرناطة وجميع بلاد الأندلس إذ كان أهلها يستنهضون همم الملوك

بالمشرق والمغرب فكأن بعضهم لما أعجبته قصيدة صالح بن شريف زاد فيها تلك الزيادات وقد بينت ذلك في أزهار الرياض فليراجع
وصالح بن شريف الرندي صاحب القصيدة من أشهر أدباء الأندلس ومن بديع نظمه قوله
( سلم على الحي بذات العرار ... وحي من أجل الحبيب الديار )
( وخل من لام على حبهم ... فما على العشاق في الذل عار )
( ولا تقصر في اغتنام المنى ... فما ليالي الأنس إلا قصار )
( وإنما العيش لمن رامه ... نفس تدارى وكؤوس تدار )
( وروحه الراح ريحانه ... في طيبه بالوصل أو بالعقار )
( لا صبر للشيء على ضده ... والخمر والهم كماء ونار )
( مدامه مدنية للمنى ... في رقة الدمع ولون النضار )
( مما أبو ريق أباريقها ... تنافست فيها النفوس الكبار )
( معلتي والبرء من علتي ... ما أطيب الخمرة لولا الخمار )
( ما أحسن النار التى شكله ... كالماء لو كف شرار الشرار )
( وبي وإن عذبت في حبه ... ببعده على اقتراب المزار )
( ظبي غرير نام عن لوعتي ... ولا أذوق النوم إلا غرار )
( ذو وجنة كأنها روضة ... قد بهر الورد بها والبهار )
( رجعت للصبوة في حبه ... وطاعة اللهو وخلع العذار )
( ياقوم قولوا بذمام الهوى ... أهكذا يفعل حب الصغار )
( وليلة نبهت أجفانها ... والفجر قد فجر نهر النهار )
( والليل كالمهزوم يوم الوغى ... والشهب مثل الشهب عند الفرار )

( كأنما استخفى السها خيفة ... وطولب النجم بثار فثار )
( لذاك ما شابت نواصي الدجى ... وطارح النسر أخاه فطار )
( وفي الثريا قمر سافر ... عن غرة غير منها السفار )
( كأن عنقودا تثنى به ... إذ صار كالعرجون عند السرار )
( كأنها تسبك ديناره ... وكفها يفتل منه السوار )
( كأنما الظلماء مظلومة ... تحكم الفجر عليها فجار )
( كأنما الصبح لمشتاقه ... عز غنى من بعد ذل افتقار )
( كأنما الشمس وقد أشرقت ... وجه أبي عبدالإله استنار )
( محمد محمد كاسمه ... شخص له في كل معنى يشار )
( أما المعالى فهو قطب لها ... والقطب لا شك عليه المدار )
( مؤثل المجد صريح العلا ... مهذب الطبع كريم النجار )
( تزهى به لخم وساداتها ... وتنتمى قيس له في الفخار )
( يفيض من جود يديه على ... عافيه ما منه تحار البحار )
( اليمن من يمناه حكم جرى ... واليسر من شيمة تلك اليسار )
( أخ صفا منه لنا واحد ... فالدهر مما قد جنى في اعتذار )
( فإن شكرنا فضله مرة ... فقد سكرنا من نداه مرار )
( ونحن منه في جوار العلا ... تدور للسعد بنا منه دار )
( الحافظ الله وأسماؤه ... لذلك الجار وذاك الجوار )

رسالة ابن عميرة إلى ابن الأبار في سقوط بلنسية
رجع - وقد رأيت أن أثبت هنا رسالة خاطب بها الكاتب البارع القاضي أبو المطرف ابن عميرة المخزومي الشيخ الحافظ أبا عبدالله ابن الأبار يذكر له

أخذ العدو مدينة بلنسية وهي
( ألا فيئة للدهر تدنو بمن نأى ... وبقيا يرى منها خلاف الذي رأى )
( ويا من عذيري منه يغدر من أوى ... إليه ولا يدري سوى خلف من وأى )
( ذخائر مافي البر والبحر صيده ... فلا لؤلؤا أبقى عليه ولا وأى )
أيها الأخ الذي دهش ناظري لكتابه بعد أن أدهش خاطري من إغبابه وسرني من بشره إيماض بعد أن ساءني من جهته إعراض جرت على ذكره الصلة فقوم قدح نبعتها وروى أكناف تلعتها وأحدث ذكرا من عهدنا الماضي فنقط وجه عروسه وشعشع خمر كؤوسه وسقى بماء الشبيبة ثراه وأبرز مثل مرآة الغريبة مرآه فبورك فيه أحوذيا وصل رحمه وكسا منظره من البهجة ماكان حرمه وحيا الله تعالى منه وليا على سالف عهدي تمادى وبشعار ودي نادى وبين الإحسان شيمته وأبان والبيان لا تنجاب عنه ديمته ولا تغلو بغير قلمه قيمته واعتذر عن كلمة تمنى تبديلها ودعوة ذكر وجوم النادي لها ثم أرسلها ترجف بوادرها من خيفة وتوغر بوغم صدر قلم وصحيفة وتنذر من ريحانه قريش أن تمنعه عرفها وتحدق إليه طرفها واتقى غارة على غره من الناجي برأس طمرة ولم يأمن هجران المهاجر بعد وصله وعكر عكرمة المغطي بحلمه على أبي جهله وعند ذكر كتيبة خالد أجحم وذكر يوم أحاطت به فارس فاستلحم فاعتذر عما قال وأضمر الحذر إلا أن يقال فمهلا أيها الموفي على علمه النافث بسحر قلمه أتظن منزلتك في البلاغة ومهيعها لاحب ومنزعها بالعقول لاعب تسفل وقد ترفعت أو تخفى وإن تلفعت عرفناك ياسودة وشهرت حلة

عطارد الملاحة والجودة فلم حين تهيب الأخ الأوحد من قصي غطاريفها ولو استثار من حفائظها تالدها وطريفها لم يذكر يد قومه عند أبيها وقد رام خطة أشرف على تأبيها حين أهاب بكم لمهمة ودعا منكم أخاه لأمه ولولا ذلك لما خلا له وجه الكعبة ولا خلص من تلك المضايق الصعبة وبأن أعرتموه نجدتكم الموصوفة غلب على ماكان بأيدي صوفه فكيف نجحد اليد عند عمنا او نشحذ أسنة الألسنة لذمنا أو كيف نلقاكم بجدنا وأبوكم أبو بكر معدنا وما تيامنكم إلى سبأ بن يشجب وإن أطلنا فيه التعجب بالذي يقطع أرحامنا ويمنع اشتباكنا والتحامنا بعد أن شددنا فعالنا بفعالكم ورأينا أقدامنا في نعالكم ولو شئتم توعدتم بأسود سؤددكم عند الإقدام وإلحاح إلحافكم في ضرب الهام لكن نقول إن قومنا لكرام ولو شاءوا كان لنا منهم شرة وعرام
واعود من حيث بدا الأخ الذي أبثه شوقي وأتطعم حلاوة عشرته بقية في حاسة ذوقي طارحني حديث مورد جف وقطين خف فيا لله لأتراب درجوا وأصحاب عن الأوطان خرجوا قصت الأجنحة وقيل طيروا وانما هو القتل او الأسر أو تسيروا فتفرقوا أيدي سبا وانتشروا ملء الوهاد والربى ففي كل جانب عويل وزفرة وبكل صدر غليل وحسرة ولكل عين عبرة لا ترقأ من أجلها عبرة داء خامر بلادنا حين اتاها وما زال بها حتى سجى على موتاها وشجا ليومها الأطول كهلها وفتاها وأنذر بها في القوم بحران أنيجة يوم أثاروا أسدها المهيجة فكانت تلك الحطمة طل الشؤبوب وباكورة البلاء المصبوب أثكلتنا إخوانا أبكانا نعيهم ولله أحوذيهم

وألمعيهم ذاك أبو ربيعنا وشيخ جميعنا سعد بشهادة يومه ولم ير ما يسوءه في اهله وقومه وبعد ذلك أخذ من الأم بالمخنق وهي بلنسية ذات الحسن والبهجة والرونق وما لبث أن أخرس من مسجدها لسان الأذان وأخرج من جسدها روح الايمان فبرح الخفاء وقيل على آثار من ذهب العفاء وانعطفت النوائب مفردة ومركبة كما تعطف الفاء فأودت الخفة والحصافة وذهب الجسر والرصافة ومزقت الحلة والشملة وأوحشت الجرف والرملة ونزلت بالحارة وقعة الحرة وحصلت الكنيسة من جآذرها وظبائها على طول الحسرة فأين تلك الخمائل ونضرتها والجداول وخضرتها والأندية وأرجها والأودية ومنعرجها والنواسم وهبوب مبتلها والأصائل وشحوب معتلها دار ضاحكت الشمس بحرها وبحيرتها وأزهار ترى من أدمع الطل في أعينها ترددها وحيرتها ثم زحفت كتيبة الكفر بزرقها وشقرها حتى أحاطت بجزيرة شقرها فآها لمسقط الرأس هو نجمه ولفادح الخطب سرى كلمه ويالجنة أجرى الله تعالى النهر تحتها وروضة أجاد أبو إسحاق نعتها وإنما كانت داره التى فيها دب وعلى أوصاف محاسنها أكب وفيها اتته منيته كما شاء وأحب ولم تعدم بعده محبين قشيبهم إليها ساقوه ودمعهم عليها أراقوه وقد أثبت من النظم ما يليق بهذا الموضع وإن لم يكن له ذلك الموقع
( أقلوا ملامي أو فقولوا وأكثروا ... ملومكم عما به ليس يقصر )
( وهل غير صب ما تني عبراته ... إذا صعدت أنفاسه تتحدر )
( يحن وما يجدي عليه حنينه ... إلى أربع معروفها متنكر )

( ويندب عهدا بالمشقر فاللوى ... وأين اللوى منه وأين المشقر )
( تغير ذاك العهد بعدي وأهله ... ومن ذا على الأيام لا يتغير )
( وأقفر رسم الدار إلا بقية ... لسائلها عن مثل حالي تخبر )
( فلم تبق إلا زفرة إثر زفرة ... ضلوعي لها تنقد أو تتفطر )
( وإلا اشتياق لا يزال يهزني ... فلا غاية تدنو ولا هو يفتر )
( أقول لساري البرق في جنح ليلة ... كلانا بها قد بات يبكي ويسهر )
( تعرض مجتازا فكان مذكرا ... بعهد اللوى والشيء بالشيء يذكر )
( أتأوي لقلب مثل قلبك خافق ... ودمع سفوح مثل قطرك يقطر )
( وتحمل انفاسا كومضك نارها ... إذا رفعت تبدو لمن يتنور )
( يقر بعيني أن أعاين من نأى ... لما أبصرته منك عيناي تبصر )
( وأن يتراءاك الخليط الذين هم ... بقلبي وإن غابوا عن العين حضر )
( كفى حزنا أنا كأهل محصب ... بكل طريق قد نفرنا وننفر )
( وأن كلينا من مشوق وشائق ... بنار اغتراب في حشاه تسعر )
( ألا ليت شعري والأماني ضلة ... وقولي ألا يا ليت شعري تحير )
( هل النهر عقد للجزيرة مثلما ... عهدنا وهل حصباؤه وهي جوهر )
( وهل للصبا ذيل عليه تجره ... فيزور عنه موجه المتكسر )
( وتلك المغاني هل عليها طلاوة ... بما راق منها أو بما رق تسحر )
( ملاعب أفراس الصبابة والصبا ... تروح إليها تارة وتبكر )
( وقبلي ذاك النهر كانت معاهد ... بها العيش مطلول الخميلة أخضر )
( بحيث بياض الصبح أزرار جيبه ... تطيب وأردان النسيم تعطر )
( ليال بماء الورد ينضح ثوبها ... وطيب هواء فيه مسك وعنبر )
( وبالجبل الأدنى هناك خطى لنا ... إلى اللهو لا تكبو ولا تتعثر )
( جناب بأعلاه بهار ونرجس ... فأبيض مفتر الثنايا وأصفر )
( وموردنا في قلب قلت كمقلة ... حذارا علينا من قذى العين تستر )

( وكم قد هبطنا القاع نذعر وحشه ... وياحسنه مستقبلا حين يذعر )
( نقود إليه طائعا كل جارح ... له منخر رحب وخصر مضمر )
( إذا ما رميناه به عبثت به ... مؤللة الأطراف عنهن تكشر )
( تضم لأروى النيق حزان سهلها ... وقد فقدت فيها مهاة وجؤذر )
( كذاك إلى ان صاح بالقوم صائح ... وأنذر بالبين المشتت منذر )
( وفرقهم أيدي سبا وأصابهم ... على غرة منهم قضاء مقدر )
ونعود إلى حيث كنا من تبدد شمل الجيرة وطي بساط الجزيرة اما شاطبة فكانت من قصبتها شوساء الطرف وببطحائها عروسا في نهاية الظرف فتخلى عن الذروة من أخلاها وقيل للكافر شأنك وأعلاها فقبل أن تضع الحرب أوزارها كشط عنها إزارها فاستحل الحرمة أو تاولها وما انتظر أقصر المدة ولا أطولها واما تدميره فجاد عودها على الهصر وامكنت عدوها من القصر فداجى الكفر الايمان وناجى الناقوس الأذان وما وراءها من الأصقاع التى باض الكفر فيها وفرخ وانزل بها ما أنسى التاريخ ومن أرخ فوصفكم على الحادثة فيها أتى وفي ضمان القدرة الانتصاف من عدو عثا وعتا وإنا لنرجوها كرة تفك البلاد من أسرها وتجبرها بعد كسرها وإن كانت الدولة العامرية منعت بالقراع ذمارها ورفعت على اليفاع نارها فهذه العمرية بتلك المنقبة أخلق والعدو لها أهيب ومنها أفرق وما يستوي نسب مع البقل نبت وبالمستفيض من النقل ما ثبت وآخر علت سماؤه على اللمس ورسا ركنه في الإسلام رسو قواعده الخمس وكان كما قال أبو حنيفة في خبر المسح جاءنا مثل الشمس والأيام العمرية هي أم الوقائع المحكية ومن شاء عدها من اليرموكية إلى الأركية وهذه الأيام الزاهرة هي زبدة حلاوتها وسجدة تلاوتها وإمامتها العظمى أيدها الله تعالى تمهل الكافر مدة إملائه ثم تشفي الإسلام من دائه وتطهر الأرض بنجس دمائه بفضل الله تعالى المرجو

زيادة نعمه قبلها وآلائه
راجعت سيدي مؤديا ما يجب أداؤه ومقتديا وما كل أحد يحسن اقتداؤه وإنما ناضلت ثعليا وعهدي بالنضال قديم وناظرت جدليا وما عندي للمقال تقديم وأطعته في الجواب ولقريحتي يعلم الله تعالى نكول ورويتي لولا حق المسألة بطير الحوادث المرسلة عصف مأكول أتم الله تعالى عليه آلاءه وحفظ مودته وولاءه ومتع بخلته الكريمة أخلاءه بمنه والسلام انتهت الرسالة
ورأيت في رحلة ابن رشيد لما ذكر أبا المطرف ما صورته واما الكتابة فقد كان حامل لوائها كما قال بعض أصحابنا ألان الله تعالى له الكلام كما ألان الحديد لداود عليه السلام وأخبرني شيخنا أبو بكر أن شيخه أبا المطرف رأى رسول الله في النوم فأعطاه حزمة أقلام وقال استعن بهذه على كتابتك أو كما قال انتهى

رسالة ابن الأبار التى أجاب أبو المطرف عنها
وبعد كتبي لهذه الرسالة رأيت ان أذكر رسالة الحافظ ابن الأبار التى هذه جواب عنها وهي من غرض ما نحن فيه فلنقتبس نور البلاغة منها وهي
سيدي وإن وجم لها النادي وجمجم بها المنادي ذلك لصغرها عن كبره في المعارف الأعلام وصدرها يوغر صدور الصحائف والأقلام وأعيذ ريحانة قريش ان تروح من حفيظتها في جيش قد هابتها مغاوير كل حي وأجابتها الغطاريف من قصي تدلف بين يديها كتيبة خالد وتحلف لا قدحت نار الهيجاء بزند صالد او تنصف من غامطها وتقذف به وسط غطامطها

لا جرم أني من جريمتي حذر وعما وضحت به قيمتي للمجد معتذر إلا أن يصوح من الروض نبته وجناته ويصرح بالقبول حلمه واناته الحديث عن القديم شجون والشأن بتقاضي الغريم شؤون فلا غرو أن أطارحه إياه وأفاتحه الأمل في لقياه ومن لي بمقالة مستقلة أو إخالة غير مخلة أبت البلاغة إلا عمادها وعلى ذلك فاستنبىء عمادها درجت اللدات والأتراب وخرجت الروم بنا إلى حيث الأعراب أيام دفعنا لأعظم الأخطار وفجعنا بالأوطان والأوطار فالإم نداري برح الألم وحتام نساري النجم في الظلم جمع أوصاب ما له من انقضاض ومضض اغتراب شذ عن ابن مضاض فلو سمع الأول بهذا الحادث ماضرب المثل بالحارث يالله من جلاء ليس به يدان وثناء قلما يسفر عن تدان وعد الجد العاثر لقاءه فأنجز ورام الجلد الصابر انقضاءه فأعجز هؤلاء الاخوان مكثهم لا يمتع به أوان وبينهم كنبت الأرض ألوان بين هائم بالسرى ونائم في الثرى من كل صنديد بطل أو منطيق غير ذي خطأ ولا خطل قامت عليه النوادب لما قعدت النوائب وهجمت بيوتها لمنعاه الجماجم والذوائب وأما الأوطان المحبب عهدها بحكم الشباب المشبب فيها بمحاسن الأحباب فقد ودعنا معاهدها وداع الأبد وأخنى عليها الذي أخنى على لبد أسلمها الإسلام وانتظمها الانتثار والاصطلام حين وقعت أنسرها الطائرة وطلعت أنحسها الغائرة فغلب على الجذل الحزن وذهب مع المسكن السكن
( كزعزع الريح صك الدوح عاصفها ... فلم يدع من جنى فيها ولا غصن )
( واها واها يموت الصبر بينهما ... موت المحامد بين البخل والجبن )
أين بلنسية ومغانيها وأغاريد ورقها وأغانيها أين حلى رصافتها

وجسرها ومنزلا عطائها ونصرها أين أفياؤها تندى غضارة وذكاؤها تبدو من خضارة أين جداولها الطفاحة وخمائلها أين جنائبها النفاحة وشمائلها شد ما عطل من قلائد أزهارها نحرها وخلعت شعشعانية ضحاها بحيرتها وبحرها فأية حلية لا حيلة في صرفها مع صرف الزمان وهل كانت حتى بانت إلا رونق الحق وبشاشة الإيمان ثم لم يلبث داء عقرها أن دب إلى جزيرة شقرها فأمر عذبها النمير وذوى غصنها النضير وخرست حمائم أدواحها وركدت نواسم أرواحها ومع ذلك اقتحمت من الأيام دانية فنزحت قطوفها وهي دانية ويا لشاطبة وبطحائها من حيف الأيام وإنحائها والهفاه ثم لهفاه على تدمير وتلاعها وجيان وقلاعها وقرطبة ونواديها وحمص وواديها كلها رعي كلؤها ودهي بالتفريق والتمزيق ملؤها عض الحصار أكثرها وطمس الكفر عينها وأثرها وتلك إلبيرة بصدد البوار ورية في مثل حلقة السوار ولا مرية في المرية وخفضها على الجوار إلى بنيات لواحق بالأمهات ونواطق بهاك لأول هاتف بهات
ما هذا النفخ بالمعمور اهو النفخ في الصور أم النفر عاريا من الحج المبرور وما لأندلس أصيبت بأشرافها ونقصت من أطرافها قوض عن صوامعها الأذان وصمت بالنواقيس فيها الآذان أجنت ما لم تجن الأصقاع أعقت الحق فحاق بها الإيقاع كلا بل دانت للسنة وكانت من البدع في أحصن جنة هذه المروانية مع اشتداد أركانها وامتداد سلطانها ألقت حب آل النبوة في حبات القلوب وألوت ما ظفرت من خلعه ولا قلعه بمطلوب إلى المرابطة بأقاصي الثغور والمحافظة على معالي الأمور والركون إلى الهضبة المنيعة والروضة المريعة من معاداة الشيعة وموالاة الشريعة فليت شعري بم استوثق تمحيصها ولم تعلق بعموم البلوى تخصيصها اللهم غفرا طالما ضر ضجر ومن الأنباء ما فيه مزدجر جرى بما لم نقدره المقدور فما عسى أن ينفث به المصدور وربنا الحكيم العليم فحسبنا

التفويض له والتسليم وياعجبا لبني الأصفر أنسيت مرج الصفر ورميها يوم اليرموك بكل أغلب غضنفر دع ذا فالعهد به بعيد ومن اتعظ بغيره فهو سعيد هلا تذكرت العامرية وغزواتها وهابت العمرية وهبواتها أما الجزيرة بخيلها محدقة وبأحاديث فتحها مصدقة هذا الوقت المرتقب والزمان الذي زجيت له الشهور والحقب وهذه الإمامة أيدها الله تعالى هى المنقذة من أسرها والمنفذة لسلطانها مراسم نصرها فيتاح الأخذ بالثار ويزاح عن الجنة أهل النار ويعلم الكافر لمن عقبى الدار
حاورت سيدي بمثار الفاجي الفاجع وحاولت برء الجوى من جوابه بالعلاج الناجع وبودي لو تقع في الأرجاء مصاقبة فترفع من الأرزاء معاقبة أليس لديه أسو المكلوم وتدارك المظلوم وبيديه أزمة المنثور والمنظوم خيال يختر في اقناع إياد وصوغ ما لم يخطر على قلب زيد ولا بخاطر زياد بست الجبال الطوامح فما بست وأبو فتحها وغيضت البحار الطوافح فمن يعبأ بالركايا ومتحها أين أبو الفضل ابن العميد من العماد الفاضل وصمصامة عمرو من قلمه الفاصل هذا مدرهها الذي فعل الأفاعيل وأحمدها الذي سما على ابراهيم وإسماعيل وهما اماما الصناعة وهماما البراعة واليراعة بهما فخر من نطق بالضاد وبسببهما حسدت الحروف الصاد لكن دفعهم بالراح وأعرى مدرعهم من المراح وشرف دونهم ضعيف القصب على صم الرماح أبقاه الله تعالى وبيانه صادق الأنواء وزمانه كاذب الأسواء ولا زال مكانه مجاوزا ذؤابة الجوزاء وإحسانه مكافأ بأحسن الجزاء والسلام

فصول من درر السمط لابن الأبار
وقد عرفت بابن الأبار في أزهار الرياض بما لا مزيد عليه غير أني رأيت هنا أن أذكر فصولا مجموعة من كلامه في كتابه المسمى بدر السمط في خبر السبط
قال رحمه الله تعالى رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت فروع النبوة والرسالة وينابيع السماحة والبسالة صفوة آل أبي طالب وسراة بني لؤي بن غالب الذين حباهم الروح الأمين وحلاهم الكتاب المبين فقل في قوم شرعوا الدين القيم ومنعوا اليتيم ان يقهر والأيم ماقد من أديم آدم أطيب من أبيهم طينة ولا أخذت الأرض أجمل من مساعيهم زينة لولاهم ماعبد الرحمن ولا عهد الإيمان وعقد الأمان ذؤابة غير أشابة فضلهم ما شانه نقص ولا شابه سرارة محلتهم سر المطلوب وقرارة محبتهم حبات القلوب أذهب الله عنهم الرجس وشرف بخلقهم الجنس فان تميزوا فبشريعتهم البيضاء او تحيزوا فلعشيرتهم الحمراء من كل يعسوب الكتيبة منسوب لنجيب ونجيبة نجاره الكرم وداره الحرم نمته العرانين من هاشم إلى النسب الأصرح الأوضح إلى نبعة فرعها في السماء ومغرسها سرة الأبطح اولئك السادة أحيي وأفدي والشهادة بحبهم أوفي وأؤدي ومن يكتمها فإنه آثم قلبه
فصل - ما كانت خديجة لتأتي بخداج ولا الزهراء لتلد إلا ازاهر

كالسراج مثل النحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيبا خلدت بنت خويلد ليزكو عقبها من الحاشر العاقب ويسمو مرقبها على النجم الثاقب لم تخد بمثلها المهارى ولم يلد له غيرها من المهارى آمت من بعولتها قبله لتصل السعادة بحبلها حبله ملاك العمل خواتمه رب ربات حجال أنفذ من فحول رجال
( وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال )
هذه خديجة من أخيها حزام أحزم ولشعار الصدق من شعارات القص ألزم ركنت إلى الركن الشديد وسددت للهدى كما هديت للتسديد يوم نبىء خاتم الأنبياء وأنبىء بالنور المنزل عليه والضياء
فصل - وكان قبيل المبعث وبين يدي لم الشعث يثابر على كل حسنى وحسنة ويجاور شهرا من كل سنة يتحرى حراء بالتعهد ويزجي تلك المدة في التعبد وذلك الشهر المقصور على التبرر المقدور فيه رفع التضرر شهر رمضان المنزل فيه القرآن فبيناه لا ينام قلبه وإن نامت عيناه جاءه الملك مبشرا بالنجح وقد كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح فغمره بالكلاءة وأمره بالقراءة وكلما تحبس له غطه ثم أرسله وإذا أراد الله بعبد خيرا عسله
( تريدين إدراك المعالي رخيصة ... ولا بد دون الشهد من ابر النحل )
كذلك حتى عاذ بالأرق من الفرق وقد علق فاتحة العلق فلا يجري

غيرها على لسانه وكانما كتبت كتابا في جنانه
فصل ولما أصبح يؤم الأهل وتوسط الجبل يريد السهل وقد قضى الأجل وما نضا الوجل نوجي بما في الكتاب المسطور ونودي كما نودي موسى من جانب الطور فعرض له في طريقه ما شغله عن فريقه فرفع رأسه متاملا فأبصر الملك في صورة رجل متمثلا يشرفه بالنداء ويعرفه بالاجتباء وإنما عضد خبر الليلة بعيان اليوم وأري في اليقظة مصداق ما أسمع في النوم ليحق الله الحق بكلماته وعلى ما ورد في الأثر وسرد رواة السير فذلك اليوم كان عيد فطرنا الان وغير بدع ولا بعيد ان يبدأ الوحي بعيد كما ختم بعيد ( اليوم أكملت لكم دينكم ) المائدة 3 فبهت لما سمعه وراءه وثبت لا يتقدم امامه ولا يرجع وراءه
( وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متقدم عنه ولا متأخر )
ثم جعل في الخوف والرجاء لا يقلب وجهه في السماء إلا تعرض له في تلك الصورة وعرض عليه ما أعطاه الله سبحانه من السورة فيقف موقف التوكل ويمسك حتى عن التامل
( تتوق إليك النفس ثم أردها ... حياء ومثلي بالحياء حقيق )
( أذود سوام الطرف عنك وماله ... إلى أحد إلا إليك طريق )
فصل - وفطنت خديجة لاحتباسه فأمعنت في التماسه تزوجوا الودود

الولود ولفورها بل لفوزها بعثت في طلبه رسلها وانبعثت تأخذ عليه شعاب مكة وسبلها
( إن المحب إذا لم يستزر زارا )
طال عليها الأمد فطار إليها الكمد والمحب حقيقة من لا يفيق فيقه بالنفس النفيسة سماحه وجوده وفي وجود المحبوب الأشرف وجوده
( كأن بلاد الله مالم تكن بها ... وإن كان فيها الخلق طرا بلاقع )
( أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع ) ( نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع )
( لقد ثبتت في القلب منك محبة ... كما ثبتت في الراحتين الأصابع )
فصل وبعد لأي ماورد عليها وقعد مضيفا إليها فطفقت بحكم الإجلال تمسح أركانه وتفسح مجال السؤال عما خلف له مكانه فباح له بالسرالمغيب وقد لاح وسم الكرامة على الطيب المطيب فعلمت انه الصادق المصدوق وحكمت بانه السابق لا المسبوق اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وما زالت حتى أزالت ما به من الغمة وقالت إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة
( إني تفرست فيك الخير أعرفه ... والله يعلم أن ما خانني البصر )
( أنت النبي ومن يحرم شفاعته ... يوم الحساب فقد أزرى به القدر )
لا ترهب فسوف تبهر وسيبدو أمر الله تعالى ويظهر أنت الذي سجعت به الكهان ونزلت له من صوامعها الرهبان وسارت بخير كرامته الركبان انت الذي ما حملت أخف منه حامل ودرت ببركته الشاة فإذا هي حافل

( وأنت لما ولدت أشرقت الأرض ... وضاءت بنورك الأفق )
( فنحن في ذلك الضياء وفي النور ... وسبل الرشاد نخترق )
فصل - وما لبثت أن أغلقت أبوابها وجمعت عليها أثوابها وانطلقت إلى ورقة بن نوفل تطلبه بتفسير ذلك المجمل وكان يرجع إلى عقل حصيف ويبحث عمن يبعث بالدين الحنيف فاستبشر به ناموسا وأخبر انه الذي كان يأتي موسى فازدادت إيمانا وأقامت على ذلك زمانا ثم رأت أن خبر الواحد قد يلحقه التفنيد ودرت أن المجتهد لا يجوز له التقليد طلب العلم فريضة على كل مسلم فرجعت أدراجها في ارتياد الإقناع وألقي فى روعها إلقاء الخمار والقناع فهناك وضح لها البرهان وصح لها أن الآني ملك لا شيطان
( تدلى عليه الروح من عند ربه ... ينزل من جو السماء ويرفع )
( تشاوره فيما نريد وقصدنا ... إذا ما اشتهى أنا نطيع ونسمع )
فصل - سبقت لها من الله تعالى الحسنى فصنعت حسنا وقالت حسنا ومن يؤمن بالله يهد قلبه ما فتر الوحي بعدها ولا مطل الحق الحي وعدها وعد الله لا يخلف الله وعده دانت لحب ذي الإسلام فحياها الملك بالسلام من الملك السلام من كان لله كان الله له أغنت غناء الأبطال فغناها لسان الحال
( هل تذكرين فدتك النفس مجلسنا ... يوم التقينا فلم أنطق من الحصر )

( لا أرفع الطرف حولي من مراقبة ... بقيا علي وبعض الحزم في الحذر )
يسرت لاحتمال الأذى والنصب فبشرت ببيت في الجنة من قصب هل أمنت إذ آمنت من الرعب حتى غنيت عن الشبع بما في الشعب
( لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا ) واها لها احتملت عض الحصار وما أطاقت فقد المختار
( يطول اليوم لا ألقاك فيه ... وشهر نلتقي فيه قصير ) والحبيب سمع المحب وبصره وله طول محياه وقصره
( أنت كل الناس عندي فإذا ... غبت عن عيني لم ألق أحدا )
مكثت للرياسة مواسية وآسية فثلثت في بحبوحة الجنة مريم وآسية ثم ربعت البتول فبرعت نطقت بذلك الآثار وصدعت خير نساء العالمين أربع فصل - إلى البتول سير بالشرف التالد وسيق الفخر بالأم الكريمة والوالد حلت في الجيل الجليل وتحلت بالمجد الأثيل ثم تولت إلى الظل الظليل
( وليس يصح في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل ) وأبيها إن أم أبيها لا تجد لها شبيها نثره النبي وطله الوصي وذات

الشرف المستولي على الأمد القصي كل ولد الرسول درج في حياته وحملت هي ما حملت من آياته ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء لا فرع للشجرة المباركة من سواها فهل جدوى أوفر من جدواها والله أعلم حيث يجعل رسالاته حفت بالتطهير والتكريم وزفت إلى الكفؤ الكريم فوردا صفو العارفة والمنة وولدا سيدي شباب أهل الجنة عوضت من الأمتعة الفاخرة بسيدي الدنيا والآخرة ما أثقل نحوها ظهرا ولا بذل غير درعه مهرا كان صفر اليدين من البيضاء والصفراء وبحالة لا حيلة معها في اهداء الحلة السيراء فصاهره الشارع وخالله وقال في بعض صعلوك لا مال له نرفع درجات من نشاء
فصل
( أتنتهب الأيام أفلاذ أحمد ... وأفلاذ من عاداهم تتعدد )
( ويضحى ويظما أحمد وبناته ... وبنت زياد وردها لا يصرد )
( أفي دينه في أمنه في بلاده ... تضيق عليهم فسحة تتورد )
( وما الدين إلا دين جدهم الذي ... به أصدروا في العالمين واوردوا )
انتهى ما سنح لي ذكره من درر السمط وهو كتاب غاية في بابه ولم اورد منه غير ما ذكرته لأن في الباقي ما تشم منه رائحة التشيع والله سبحانه يسامحه بمنه وكرمه
رجع إلى ما كنا بسبيله فنقول قد ذكرنا في الباب الثاني رسالة أبي المطرف ابن عميرة إلى أبي جعفر ابن أمية وهي مشتملة على التلهف على الجزيرة الأندلسية حين أخذ العدو بلنسية وظهرت له مخايل الاستيلاء على ما بقي

من الأندلس فراجعها فيما سبق وإن كان التناسب التام في ذكرها هنا فالمناسبة هناك حاصلة أيضا والله سبحانه الموفق وذكرنا هنالك أيضا جملة غيرها من كلامه رحمه الله تعالى تتعلق بهذا المعنى وغيره فلتراجع ثمة

نهاية الأندلس كما يصورها كتاب جنة الرضى لابن عاصم
ورأيت أن أثبت هنا ما رأيته بخط الأديب الكاتب الحافظ المؤرخ أبي عبد الله محمد بن الحداد الوادي آشي نزيل تلمسان رحمه الله تعالى ما صورته
حدثني الفقيه العدل سيدي حسن ابن القائد الزعيم الأفضل سيدي إبراهيم العراف أنه حضر مرة لإنزال الطلسم المعروف بفروج الرواح من العلية بالقصبة القديمة من غرناطة بسبب البناء والإصلاح وأنه عاينه من سبعة معادن مكتوبا فيه
( إيوان غرناطة الغراء معتبر ... طلسمه بولاة الحال دوار )
( وفارس روحه ريح تدبره ... من الجماد ولكن فيه أسرار )
( فسوف يبقى قليلا ثم تطرقه ... دهياء يخرب منها الملك والدار )
وقد صدق قائل هذه الأبيات فإنه طرقت الدهياء ذلك القطر الذي ليس له في الحسن مثال ونسل الخطب إليه من كل حدب وانثال وكل ذلك من اختلاف رؤسائه وكبرائه ومقدميه وقضاته وامرائه ووزرائه فكل يروم الرياسة لنفسه ويجر نارها لقرصه والنصارى لعنهم الله تعالى يضربون بينهم بالخداع والمكر والكيد ويضربون عمرا منهم بزيد حتى تمكنوا من أخذ البلاد والاستيلاء على الطارف والتلاد قال الرائس القاضي العلامة الكاتب الوزير أبو يحيى ابن عاصم رحمه الله تعالى في كتابه جنة الرضى في التسليم

لما قدر الله تعالى وقضى ما صورة محل الحاجة منه ومن استقرأ التواريخ المنصوصة وأخبار الملوك المقصوصة علم أن النصارى دمرهم الله تعالى لم يدركوا في المسلمين ثارا ولم يرحضوا عن أنفسهم عارا ولم يخربوا من الجزيرة منازل وديارا ولم يستولوا عليها بلادا جامعة وأمصارا إلا بعد تمكينهم لأسباب الخلاف واجتهادهم في وقوع الافتراق بين المسلمين والاختلاف وتضريبهم بالمكر والخديعة بين ملوك الجزيرة وتحريشهم بالكيد والخلابة بين حماتها في الفتن المبيرة ومهما كانت الكلمة مؤتلفة والآراء لا مفترقة ولا مختلفة والعلماء بمعاناة اتفاق القلوب إلى الله مزدلفة فالحرب إذ ذاك سجال ولله تعالى في إقامة الجهاد في سبيله رجال وللممانعة في غرض المدافعة ميدان رحب ومجال وروية وارتجال
إلى أن قال وتطاولت الأيام ما بين مهادنة ومقاطعة ومضاربة ومقارعة ومنازلة ومنازعة وموافقة وممانعة ومحاربة وموادعة ولا أمل للطاغية إلا في التمرس بالإسلام والمسلمين وإعمال الحيلة على المؤمنين وإضمار المكيدة للموحدين واستبطان الخديعة للمجاهدين وهو يظهر أنه ساع للوطن في العاقبة الحسنى وأنه منطو لأهله على المقصد الأسنى ومهتم بمراعاة امورهم وناظر بنظر المصلحة لخاصتهم وجمهورهم وهو يسر حسوا في ارتغائه ويعمل الحيلة في التماس هلك الوطن وابتغائه فتبا لعقول تقبل مثل هذا المحال وتصدق هذا الكذب بوجه أو بحال وليت المغرور الذي يقبل هذا لو فكر في نفسه وعرض هذا المسموع على مدركات حسه وراجع أوليات عقله وتجربيات حدسه وقاس عدوه الذي لا ترجى مودته على أبناء جنسه فأنا أناشده الله هل بات قط بمصالح النصارى وسلطانهم مهتما وأصبح من خطب طرقهم مغتما ونظر لهم نظر المفكر في العاقبة الحسنة أو قصد لهم قصد المدبر

في المعيشة المستحسنة او خطر على قلبه أن يحفظ في سبيل القربة أربابهم وصلبانهم أو عمر ضميره من تمكين عزهم بما ترضاه احبارهم ورهبانهم فإن لم يكن ممن يدين بدينهم الخبيث ولم يشرب قلبه حب التثليث ويكون صادق اللهجة منصفا عند قيام الحجة فسيعترف أن ذلك لم يخطر له قط على خاطر ولا مر له ببال وأن عكس ذلك هو الذي كان به ذا اغتباط وبفعله ذا اهتبال وإن نسب لذلك المعنى فهو عليه أثقل من الجبال وأشد على قلبه من وقع النبال هذا وعقده التوحيد وصلاته التحميد وملته الغراء وشريعته البيضاء ودينه الحنيف القويم ونبيه الرؤوف الرحيم وكتابه القرآن الحكيم ومطلوبه بالهداية الصراط المستقيم فكيف نعتقد هذه المريبة الكبرى والمنقبة الشهرى لمن عقده التثليث ودينه المليث ومعبوده الصليب وتسميته التصليب وملته المنسوخة وقضيته المفسوخة وختانه التغطيس وغافر ذنبه القسيس وربه عيسى المسيح ونظره ليس البين ولا الصحيح وان ذلك الرب قد ضرج بالدماء وسقي الخل عوض الماء وأن اليهود قتلته مصلوبا وأدركته مطلوبا وقهرته مغلوبا وأنه جزع من الموت وخاف إلى سوى ذلك مما يناسب هذه الأقاويل السخاف فكيف يرجى من هؤلاء الكفرة من الخير مقدار الذرة أو يطمع منهم في جلب المنفعة أو دفع المضرة اللهم احفظ علينا العقل والدين واسلك بنا سبيل المهتدين
ثم قال بعد كلام ما صورته كانت خزانة هذه الدار النصرية مشتملة على كل نفيسة من الياقوت ويتيمة من الجوهر وفريدة من الزمرد وثمينة من الفيروزج وعلى كل واق من الدروع وحام من العدة وماض من الأسلحة وفاخر من الآلة ونادر من الأمتعة فمن عقود فذة وسلوك جمة وأقراط تفضل على قرطي مارية نفاسة فائقة وحسنا رائقا ومن سيوف شواذ في الإبداع غرائب في الإعجاب منسوبات الصفائح في الطبع خالصات الحلى من التبر ومن دروع مقدرة السرد متلاحمة النسج واقية للناس في يوم

الحرب مشهورة النسبة إلى داود نبي الله ومن جواشن سابغة اللبسة ذهبية الحلية هندية الضرب ديباجية الثوب ومن بيضات عسجدية الطرق جوهرية التنضيد زبرجدية التقسيم ياقوتية المركز ومن مناطق لجينية الصوغ عريضة الشكل مزججة الصفح ومن درق لمطية مصمتة المسام لينة المجسة معروفة المنعة صافية الأديم ومن قسي ناصعة الصبغة هلالية الخلقة منعطفة الجوانب زارية بالحواجب إلى آلات فاخرة من أتوار نحاسية ومنابر بلورية وطيافير دمشقية وسبحات زجاجية وصحاف صينية واكواب عراقية وأقداح طباشيرية وسوى ذلك مما لا يحيط به الوصف ولا يستوفيه العد وكل ذلك التهبه شواظ الفتنة والتقمه تيار الخلاف والفرقة فرزئت الدار منه بما يتعذر إتيان الدهور بمثله وتقصر ديار الملوك المؤثلة النعمة عن بعضه فضلا عن كله انتهى كلامه رحمه الله تعالى
رجع - ولما أخذت قواعد الأندلس مثل قرطبة وإشبيلية وطليطلة ومرسية وغيرها انحاز أهل الإسلام إلى غرناطة والمرية ومالقة ونحوها وضاق الملوك بعد اتساعه وصار تنين العدو يلتقم كل وقت بلدا او حصنا ويهصر من دوح تلك البلاد غصنا وملك هذا النزر اليسير الباقي من الجزيرة ملوك بني الأحمر فلم يزالوا مع العدو في تعب وممارسة كما ذكره ابن عاصم قريبا وربما أثخنوا في الكفار كما علم في أخبارهم وانتصروا بملوك فاس بني مرين في بعض الأحايين
ولما قصد ملوك الإفرنج السبعة في المائة الثامنة غرناطة ليأخذوها اتفق أهلها على أن يبعثوا لصاحب المغرب من بني مرين يستنجدونه وعينوا للرسالة الشيخ

أبا اسحاق ابن أبي العاصي والشيخ أبا عبدالله الطنجالي والشيخ ابن الزيات البلشي نفع الله تعالى بهم ثم بعد سفرهم نازل الإفرنج غرناطة بخمسة وثلاثين ألف فارس ونحو مائة الف راجل مقاتل ولم يوافقهم سلطان المغرب فقضى الله تعالى ببركة المشايخ الثلاثة أن كسر النصارى في الساعة التى كسر خواطرهم فيها صاحب المغرب وظهرت في ذلك كرامة لسيدي أبي عبدالله الطنجالي رحمه الله تعالى
ثم إن بني الأحمر ملوك الأندلس الباقية بعد استيلاء الكفار على الجل كانوا في جهاد وجلاد في غالب أوقاتهم ولم يزل ذلك شأنهم حتى أدرك دولتهم الهرم الذي يلحق الدول فلما كان زمان السلطان أبي الحسن على بن سعد النصري الغالبي الأحمري واجتمعت الكلمة عليه بعد أن كان أخوه أبو عبدالله محمد ابن سعد المدعو بالزغل قد بويع بمالقة بعد ان جاء به القواد من عند النصارى وبقي بمالقة برهة من الزمان ثم ذهب إلى أخيه وبقي من بمالقة من القواد والرؤساء فوضى وآل الحال إلى أن قامت مالقة بدعوة السلطان أبي الحسن وانقضت الفتنة واستقل السلطان أبو الحسن بملك ما بقي بيد المسلمين من بلاد الأندلس وجاهد المشركين وافتتح عدة اماكن ولاحت له بارقة الكرة على العدو الكافر وخافوه وطلبوا هدنته وكثرت جيوشه فأجمع على عرضها كلها بين يديه وأعد لذلك مجلسا أقيم له بناؤه خارج الحمراء قلعة غرناطة وكان ابتداء هذا العرض يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي الحجة عام اثنين وثمانين وثمانمائة ولم تزل الجنود تعرض عليه كل يوم إلى الثاني والعشرين من محرم السنة التى تليها وهو يوم ختام العرض وكان معظم المتنزهين والمتفرجين بالسبيكة وماقارب ذلك فبعث الله تعالى سيلا عرما على وادي حدره بحجارة وماء غزير كأفواه القرب عقابا من الله سبحانه وتأديبا لهم لمجاهرتهم بالفسق والمنكر واحتمل الوادي ماعلى حافتيه من المدينة من حوانيت ودور ومعاصر وفنادق وأسواق وقناطر وحدائق وبلغ تيار السيل إلى رحبة الجامع الأعظم

ولم يسمع بمثل هذا السيل في تلك البلاد وكان بين رؤساء الإفرنج في ذلك الوقت اختلاف فبعضهم استقل بملك قرطبة وبعض بإشبيلية وبعض بشريش وعلى ذلك كان صاحب غرناطة السلطان أبو الحسن قد استرسل في اللذات وركن الى الراحات وأضاع الأجناد وأسند الأمر إلى بعض وزرائه واحتجب عن الناس ورفض الجهاد والنظر في الملك ليقضي الله تعالى ما شاء وكثرت المغارم والمظالم فأنكر الخاصة والعامة ذلك منه وكان أيضا قد قتل كبار القواد وهو يظن ان النصارى لا يغزون بعد البلاد ولا تنقضي بينهم الفتنة ولا ينقطع الفساد واتفق ان صاحب قشتالة تغلب على بلادها بعد حروب وانقاد له رؤساء الشرك المخالفون ووجدت النصارى السبيل إلى الإفساد والطريق إلى الإستيلاء على البلاد وذلك أنه كان للسلطان أبي الحسن ولدان محمد ويوسف وهما من بنت عمه السلطان أبي عبدالله الأيسر وكان قد اصطفى على أمهما رومية كان لها منه بعض ذرية وكانت حظية عنده مقدمة في كل قضية فخيق ان يقدم أولاد الرومية على أولاد بنت عمه السنية وحدث بين خدام الدولة التنافر والتعصب لميل بعضهم إلى أولاد الحرة وبعض إلى أولاد الرومية وكان النصارى أيام الفتنة بينهم هادنوا السلطان لأمد حددوه وضربوه ولما تم امد الصلح وافق وقته هذا الشان بين أولياء الدولة بسبب الأولاد وتشكى الناس مع ذلك بالوزير والعمال لسوء ما عاملوا به الناس من الحيف والجور فلم يصغ إليهم وكثر الخلاف واشتد الخطب وطلب الناس تأخير الوزير وتفاقم الأمر وصح عند النصارى لعنهم الله تعالى ضعف الدولة واختلاف القلوب فبادروا إلى الحامة فأخذوها غدرا آخر أيام الصلح على يد صاحب قادس سنة سبع وثمانين وثمانمائة وغدوا للقلعة وتحصنوا بها ثم شرعوا في أخذ البلد فملأوا الطرق خيلا ورجالا وبذلوا السيف فيمن ظهر من المسلمين ونهبوا

الحريم والناس في غفلة نيام من غير استعداد كالسكارى فقتل من قضي الله تعالى بتمام أجله وهرب البعض وترك اولاده وحريمه واحتوى العدو على البلد بما فيه وخرج العامة والخاصة من أهل غرناطة عندما بلغهم العلم وكان النصارى عشرة آلاف بين ماش وفارس وكانوا عازمين على الخروج بما غنموه وإذا بالسرعان من أهل غرناطة وصلوا فرجع العدو الى البلد فحاصرهم المسلمون وشددوا في ذلك ثم تكاثر المسلمون خيلا ورجالا من جميع بلاد الأندلس ونازلوا الحامة وطمعوا في منع الماء عن العدو وتبين للعامة ان الجند لم ينصحوا فأطلقوا ألسنتهم بأقبح الكلام فيهم وفي الوزير وبينما هم كذلك إذا بالنذير جاء ان النصارى أقبلوا في جمع عظيم لإغاثة من بالحامة من النصارى فأقلع جند المسلمين من الحامة وقصدوا ملاقاة الواردين من بلاد العدو ولما علم بهم العدو ولوا الأدبار من غير ملاقاة محتجين بقلتهم وكان رئيسهم صاحب قرطبة
ثم إن صاحب إشبيلية جمع جندا عظيما من جيش النصارى الفرسان والرجالة واتى لنصرة من في الحامة من النصارى وعندما صح هذا عند العسكر اجتمعوا وأشاعوا عند الناس انهم خرجوا بغير زاد ولا استعداد والصلاح الرجوع إلى غرناطة ليستعد الناس ويأخذوا ما يحتاج إليه الحصار من العدة والعدد فعندما أقلع المسلمون عنها دخلتها النصارى والواردون وتشاوروا في اخلائها أو سكناها واتفقوا على الاقامة بها وحصنوها وجعلوا فيها جميع ما يحتاج إليه وانصرف صاحب إشبيلية وترك أجناده وفرق فيهم الأموال ثم عاد المسلمون لحصارها وضيقوا عليها وطمعوا فيها من جهة موضع كان النصارى في غفلة عنه ودخل على النصارى جملة وافرة من المسلمين وخاب السعد بذلك بأن شعر بهم النصارى فعادوا عليهم وتردى بعضهم من أعلى الجبل وقتل أكثرهم وكانوا من أهل بسطة ووادي آش فانقطع أمل الناس من الحامة ووقع الإياس من ردها

وفي جمادى الأولى من السنة تواترت الأخبار أن صاحب قشتالة أتى في جنود لا تحصى ولا تحصر فاجتمع الناس بغرناطة وتكلموا في ذلك وإذا به قد قصد لوشة ونازلها قصدا ان يضيفها إلى الحامة وجاء بالعدة والعدد واغارت على النصارى جملة من المسلمين فقتلوا من لحقوه وأخذوا جملة من المدافع الكبار ثم جاءت جماعة أخرى من أهل غرناطة وناوشوا النصارى فألجؤوهم إلى الخروج عن الخيام وأخذوها وغيرها فهرب النصارى وتركوا طعاما كثيرا وآلة ثقيلة وذلك في السابع والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة
وفي هذا اليوم بعينه هرب الأميران أبو عبدالله محمد وأبو الحجاج يوسف خوفا من أبيهما أن يفتك بهما بإشاره حظيته الرومية ثريا واستقرا بوادي آش وقامت بدعوتهما ثم بايعتهما تلك البلاد المرية وبسطة وغرناطة وهرب أبوهما السلطان أبو الحسن إلى مالقة
وفي صفر سنة ثمان وثمانين وثمانمائة اجتمع جميع رؤساء النصارى وقصدوا قرى مالقة وبلش في نحو الثمانية آلاف وفيهم صاحب إشبيلية وصاحب شريش وصاحب إستجة وصاحب أنتقيرة وغيرهم فلم يتمكنوا من اخذ حصن ونشبوا في اوعار ومضايق وخنادق وجبال واجتمع عليهم أهل بلش ومالقة وصار المسلمون ينالون منهم في كل محل حتى بلغوا مالقة ففر كبيرهم ومن بقي أسر أو قتل وكان السلطان ابو الحسن في ذلك الوقت قد تحرك لنواحي المنكب وبقي أخوه أبو عبدالله بمالقة ومعه بعض الجند وقتل من النصارى في هذه الوقعة نحو ثلاثة آلاف وأسر نحو ألفين من جملتها خال السلطان وصاحب إشبيلية وصاحب شريش وصاحب انتقيرة وغيرهم وهم نحو الثلاثين من الأكابر وغنم المسلمون غنيمة وافرة من الأنفس والأموال والعدة والذهب والفضة وبعقب ذلك سافر أهل مالقة لبلاد النصارى فكسروا هنالك كسرة شنيعة قتل فيها أكثر قواد غرب الأندلس

ولما استقر السلطان ابو عبدالله ابن السلطان أبي الحسن بغرناطة وطاعت له البلاد غير مالقة والغربية تحرك السلطان أبو الحسن على المنكب ونواحيها وأتى ابنه السلطان أبو عبدالله في جند غرناطة والجهة الشرقية والتقوا في موضع يعرف بالدب فكسر السلطان أبو عبدالله
ولما سمع السلطان أبو عبدالله صاحب غرناطة بان عمه بمالقة غنم من النصارى أعمل السفر للغزو بأهل بلاده من غرناطة والشرقية وذلك في ربيع الأول من السنة إلى ان بلغ نواحي لشانة وقتل وأسر وغنم فتجمعت عليه النصارى من جميع تلك النواحي ومعه كبير قبرة وحالوا بين المسلمين وبلادهم في جبال وأوعار فانكسر الجند وأسر من الناس كثير وقتل آخرون وكان في جملة من أسر السلطان ابو عبدالله ولم يعرف ثم علم به صاحب لشانة وأراد صاحب قبرة أن يأخذه منه فهرب به ليلا وبلغه الى صاحب قشتالة ونال بذلك عنده رفعة على جميع القواد وتفاءل به فقلما توجه لجهة او بعث سرية إلا وبعثه فيها
ولما أسر السلطان أبو عبدالله اجتمع كبراء غرناطة وأعيان الأندلس وذهبوا لمالقة للسلطان أبي الحسن وذهبوا به لغرناطة وبايعوه مع انه كان أصابه مثل الصرع إلى أن ذهب بصره وأصابه ضرر ولما تعذر أمره قدم أخاه أبا عبدالله وخلع له نفسه ونزل بالمنكب فأقام بها إلى أن مات واستقل اخوه أبو عبدالله المعروف بالزغل بالملك بعده
واما أبو عبدالله ابن السلطان أبي الحسن فهو في أسر العدو
وفي شهر ربيع الآخر من سنة تسعين وثمانمائة خرج العدو في قوة إلى نواحي مالقة بعد ان كان في السنة قبلها استولى على حصون فاستولى هذه السنة على بعض الحصون وقصد ذكوان فهد أسوارها وكان بها جملة من اهل الغربية ورندة ودخل ألف مدرع ذكوان عنوة فأظفر الله تعالى بهم أهل ذكوان فقتلوهم جميعا ثم طلبوا الأمان وخرجوا

ثم انتقل في جمادى الأولى إلى رندة وحاصرها وكان اهلها خرجوا إلى نصرة ذكوان وسواها فحاصر رندة وهد أسوارها وخرج اهلها على الأمان وطاعت له جميع تلك البلاد ولم يبق بغربي مالقة إلا من دخل في طاعة الكافر وتحت ذمته وضيق بمالقة وفرق حصصه على بعض الحصون ليحاصروا مالقة وعاد إلى بلاده
وفي تاسع عشر شعبان من العام سافر صاحب غرناطة لتحصين بعض البلاد وبينما هو كذلك إذا بالخبر جاءه ان محلة العدو خارجة لذلك الحصن
وفي صبيحة الثاني والعشرين من شعبان أصبحت جنودالنصارى على الحصن كانوا قد سروا إليه ليلا وأصبحوا عند الفجر مع جند المسلمين فقاتلهم المسلمون من غير تعبية فاختل نظام المسلمين ووصل النصارى إلى خباء السلطان ثم التحم القتال واشتد وقوى الله تعالى المسلمين فهزموا النصارى شر هزيمة وقتل منهم خلائق وقصر المسلمون خوفا من محلة سلطان النصارى إذ كانت قادمة في أثر هذه ولما رجعت إليهم الفلول رجعوا القهقرى واستولى المسلمون على غنائم كثيرة وآلات وجعلوا ذلك كله بالحصن ولم يحدث شيء بعد إلى رمضان فتوجه الكافر لحصن قنبيل ونازله وهد أسواره ولما رأى المسلمون ان الحصن قد دخل طلبوا الأمان وخرجوا بأموالهم واولادهم مؤمنين وفر الناس من تلك المواضع من البراجلة هاربين واستولى العدو على عدة حصون مثل مشاقر وحصن اللوز وضيق العدو بجميع بلاد المسلمين ولم يتوجه لناحية إلا استأصلها ولا قصد جهة إلا اطاعته وحصلها ثم إن العدو دبر الحيلة مع ما هو عليه من القوة فبعث إلى السلطان أبي عبدالله الذي تحت أسره وكساه ووعده بكل ما يتمناه وصرفه لشرقي بسطة واعطاه امال والرجال ووعده ان من دخل تحت حكمه من المسلمين وبايعه من أهل البلاد فإنه في الهدنة والصلح والعهد والميثاق الواقع بين السلطانين وخرج لبلش فأطاعه اهلها ودخلت بلش في طاعته ونودي بالصلح في الأسواق وصرخت

به في تلك البلاد الشياطين وسرى هذا الأمر حتى بلغ أرض البيازين من غرناطة وكانوا من التعصب وحمية الجاهلية والجهل بالمقام الذي لا يخفى وتبعهم بعض المفسدين المحبين في تفريق كلمة المسلمين وممن مال الى الصلح عامة غرناطة لضعف الدولة ووسوس للناس شياطين الفتنة وسماسرتها بتقبيح وتحسين إلى أن قام ربض البيازين بدعوة السلطان الذي كان مأسورا عند المشركين ووقعت فتنة عظيمة في غرناطة نفسها بين المسلمين لما أراده الله تعالى من استيلاء العدو على تلك الأقطار ورجموا البيازين بالحجارة من القلعة وعظم الخطب وكانت الثورة ثالث شهر ربيع لأول عام احد وتسعين وثمانمائة ودامت الفتنة إلى منتصف جمادى الأولى من العام وبلغ الخبر ان السلطان الذي قاموا بدعوته قدم على لوشة ودخلها على وجه رجاء الصلح بينه وبين عمه الزغل صاحب قلعة غرناطة بان العم يكون له الملك وابن أخيه تحت إيالته بلوشة او بأي المواضع أحب ويكونون يدا واحدة على عدو الدين وبينما هم في هذا إذا بصاحب قشتالة قد خرج بجند عظيم ومحلة قوية وعدد وعدد ونازل لوشة حيث السلطان أبو عبدالله الذي كان أسيرا وضيق بها الحصار وقد كان دخلها جماعة من اهل البيازين بنية الجهاد والمعاضدة وليهم وخاف اهل غرناطة وسواها من أن يكون ذلك حيلة فلم يأت لنصرتهم غير البيازين واشتد عليهم الحصار وكثرت الأقاويل وصرحت الألسن بان ذلك باتفاق بين السلطان المأسور وصاحب قشتالة ودخل على أهل لوشة في ربضهم وخافوا من الاستئصال فطلبوا الأمان في اموالهم وأنفسهم وأهليهم فوفى لهم صاحب قشتالة بذلك واخذ البلد في السادس والعشرين لجمادى الأولى سنة احدى وتسعين وثمانمائة وهي أعني لوشة كانت بلد سلف الوزير لسان الدين ابن الخطيب كما ذكرناه مستوفى في غير هذا الموضع وهاجر أهل لوشة الى غرناطة وبقي السلطان أبو عبدالله الذي كان مأسورا مع النصراني بلوشة فصرح عند ذلك أهل غرناطة بانه ماجاء للوشة إلا ليدخل إليها العدو الكافر

ويجعلها فداء له وقيل إنه سرح له حينئذ ابنه إذ كان مرهونا في الفداء وكثر القيل والقال بينهم وبين اهل البيازين في ذلك وظهر بذلك ما كان كامنا في القلوب ثم رجع صاحب قشتالة إلى بلاده ومعه السلطان المذكور
وفي نصف جمادى الثانية خرج إلى إلبيرة فهد بعض الأسوار وتوعد الناس فأعطاه اهله الحصن على الأمان فخرجوا وقدموا على غرناطة ثم فعل بحص المتلين مثل ذلك وقاتلوا قتالا شديدا ولما ضاقوا ذرعا اعطوه بالمقادة على الأمان فخرجوا الى غرناطة وأطاع أهل قلنبيرة من غير قتال فخرجوا إلى غرناطة ثم وصل العدو إلى منت فريد فرمى عليهم بالمحرقات وغيرها وأحرق دار العدة فطلبوا الأمان وخرجوا إلى غرناطة وانتقل للصخرة فاخذها وحصن هذه الحصون كلها وشحنها بالرجال والعدة ورتب فيها الخيل لمحاصرة غرناطة ثم عاد الكافر لبلاده وتعاهد مع السلطان الذي في أسره بأن من دخل في حكمه وتحت امره فهو في الأمان التام وأشعاعوا ان ذلك بسبب فتنة وقعت بينه وبين صاحب إفرنسية فخرج لبلش واطاعته ثم بعث لمن والاه من البلاد انه اتى بصلح صحيح وعقد وثيق وان من دخل تحت أمره أمن من حركة النصارى عليه وأن معه وثائق بخطوط السلاطين فلم يقبل الناس ذلك إلا القليل منهم مثل اهل البيازين فلهجوا بهذا الصلح وأقاموا على صحته الدلائل وتكلموا في اهل غرناطة بالكلام القبيح مع تمكن الفتنة والعداوة في القلوب فبعث له اهل البيازين انه إذا قدم بهذه الحجج لتلك الجهات اتبعه الناس وقاموا بدعوته من غير التباس فأتى على حين غفلة ولم يكن يظن إتيانه بنفسه فاتى البيازين ودخلها ونادى في أسواقها بالصلح التام الصحيح فلم يقبل ذلك منه أهل غرناطة وقالو ما بعهد لوشة من قدم ودخل ربض البيازين سادس شوال سنة احدى وتسعين وثمانمائة وعمه بالحمراء

انتقل للقلعة واشتد امر الفتنة ثم إن صاحب قشتالة أمد صاحب البيازين بالرجال والعدة والمال والقمح والبارود وغيرها واشتد أمره بذلك وعظمت أسباب الفتنة وفشا في الناس القتل والنهب ولم يزل الامر كذلك إلى السابع والعشرين من محرم سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة فعزم اهل غرناطة مع سلطانهم على الدخول على البيازين عنوة وتكلم أهل العلم فيمن انتصر بالنصارى ووجوب مدافعته ومن أطاعه عصى الله ورسوله ودخلوا على اهل البيازين دخول فشل ثم إن صاحب غرناطة بعث إلى الأجناد والقواد من أهل بسطة ووادي آش والمرية والمنكب وبلش ومالقة وجميع الاقطار وتجمعوا بغرناطة وتعاهدوا وتحالفوا على أن يدهم واحدة على اعداء الدين ونصرة من قصده العدو من المسلمين وخاف صاحب البيازين فبعث لصاحب قشتالة في ذلك فخرج بمحلته قاصدا نواحي بلش وكان صاحب البيازين بعث وزيره إلى ناحية مالقة وإلى حصن المنشأة يذكر ويخوف ومعه النسخة من عقود الصلح فقامت مالقة وحصن المنشأة بدعوته ودخلوا في إيالته خوفا من صاحب قشتالة وصولته وطمعا في الصلح وصحته ثم اجتمع كبار مالقة مع أهل بلش وذكروا لهم سبب دخولهم في هذه الدعوة والسبب الحامل لهم على ذلك فلم يرجع اهل بلش عما عاهدوا عليه اهل غرناطة وسائر الأندلس من العهود والمواثيق
وخرج صاحب قشتالة قاصدا بلش مالقة ونزل عليها في ربيع الثاني سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وحاصرها ولما صح عند صاحب غرناطة ذلك اجتمع بالناس فأشاروا بالمسير لإغاثة بلش للعهد الذي عقدوه واتى اهل وادي آش وغيرها وحشود البشرات وخرج صاحب غرناطة منها في الرابع والعشرين لربيع الثاني من السنة ووصل بلش فوجد العدو نازلا عليها برا وبحرا فنزل بجبل هنالك وكثر لغط الناس وحملوا على النصارى من غير تعبية وحين حركتهم للحملة بلغ السلطان الزغل ان غرناطة بايعت صاحب البيازين فالتقوا مع النصارى فشلين وقبل الالتحام انهزموا وتبددت جموعهم مع كون

النصارى خائفين وجلين منهم ولا حول ولا قوة إلا بالله فرجعوا منهزمين وقد شاع عند الخواص ثورة غرناطة على السلطان فقصدوا وادى آش وعاد النصارى الى بلش بعد ان كانوا رتبوا جيوشهم للقاء السلطان واهل غرناطة فلما عادوا إلى بلش دخلوا عنوة ربضها وضيقوا بها وكانت ثورة غرناطة خامس جمادى الأولى
ولما رأى اهل بلش تكالب العدو عليهم وادبار جيوش المسلمين عنهم طلبوا الأمان فخرجوا يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى من السنة واطاعت النصارى جميع البلاد التى بشرقي مالقة وحصن قمارش
ثم انتقل العدو الى حصار مالقة وكان أهل مالقة قد دخلوا في الصلح وأطاعوا صاحب البيازين وأتى إليها النصارى بالميرة ولما نزل بلش بعثوا هدية لصاحب قشتالة مع قائدهم وزير صاحب البيازين وقائد شريش الذي كان مأسورا عندهم فلم يلتفت إليهم صاحب قشتاله لقيام جبل فاره وهو حصن مالقة بدعوة صاحب وادي آش وارتحل صاحب قشتالة إلى مالقة ونازلها برا وبحرا وقاتله أهلها قتالا عظيما بمدافعهم وعدتهم وخيلهم ورجلهم وطال الحصار حتى اداروا على مالقة من البر الخنادق والسور والأجفان من البحر ومنع الداخل إليها ولم يدخلها غير جماعة من المرابطين حال الحصار وحاربوا حربا شديدا وقربوا المدافع ودخلوا الأرباض وضيقوا عليهم بالحصار إلى أن فني ما عندهم من الطعام فأكلوا المواشي والخيل والحمير وبعثوا الكتب للعدوتين وهم طامعون في الإغاثة فلم يأت إليهم احد وأثر فيهم الجوع وفشا في أهل نجدتهم القتل ولم يظهروا مع ذلك هلعا ولا ضعفا إلى أن ضعف حالهم ويئسوا من ناصر او مغيث من البر والبحر فتكلموا مع النصارى في الأمان كما وقع ممن سواهم فعوتبوا على ماصدر منهم وما وقع من الجفاء وقيل لهم

لما تحقق العدو التجاءهم تؤمنون من الموت وتعطون مفتاح القلعة والحصن والسلطان ما يعاملكم إلا بالخير اذا فعلتم وهذا خداع من الكفار فلما تمكن العدو منهم أخذهم أسرى وذلك اواخر شعبان سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة ولم يبق في تلك النواحي موضع إلا وملكه النصارى
وفي عام ثلاثة وتسعين وثمانمائة خرج العدو الكافر إلى الشرقية وبلش التى كانت في الصلح فاستولى عليها واحتجوا بالصلح فلم يلتفت إليهم وأخذ تلك البلاد كلها صلحا ثم رجع لبلاده
وفي عام أربعة وتسعين وثمانمائة خرج لبعض حصون بسطة فأخذها بعد حرب واستولى على ما هنالك من الحصون ثم نازل بسطة وكان صاحب وادي آش لما تعين العدو بمحلته بعث جميع جنده وقواده وحشد اهل نجدة تلك البلاد من وادي آش والمرية والمنكب والبشرات فلما نزل العدو بسطة اتت الحشود المذكورة ودخلوها ووقعت بين المسلمين والنصارى حروب عظيمة حتى تقهقر العدو عن قرب بسطة ولم يقدر على منع الداخل والخارج وبقي الأمر كذلك رجبا وشعبان ورمضان ومحلات المسلمين نازلة خارج البلد ثم ان العدو شد الحصار وجد في القتال وقرب المدافع والآلات من الأسوار حتى منع الداخل والخارج بعض منع واشتد الحال في ذي القعدة وذي الحجة وقل الطعام وفي آخر ذي الحجة اختبروا الطعام في خفية فلم يجدوا الا القليل وكانوا طامعين في اقلاع العدو عند دخول فصل الشتاء وإذا بالعدو بنى وعزم على الإقامة وقوي اليأس على المسلمين فتكلموا في الصلح على ما فعل غيرهم من الأماكن وظن العدو أن الطعام لم يبق منه شيء وان ذلك هو الملجىء لهم للكلام وفهموا عنه ذلك فاحتالوا في إظهار جميع انواع الطعام بالأسواق وأبدوا للعدو القوة مع كونهم في غاية الضعف والحرب خدعة فدخل بعض كبار النصارى للتكلم معهم وهو عين ليرى ما عليه البلد وما صفة الناس وعند تحققهم بقاء الطعام والقوة أعطوهم الأمان على أنفسهم دون من اعانهم من أهل

وادي آش والمنكب والمرية والبشرات فإن دفعوا هؤلاء عنهم صح لهم الأمان وإلا فلا فلم يوافق أهل البلد على هذا وطال الكلام وخاف أهل البلد من كشف الستر فاتفقوا على ان تكون العقدة على بسطة ووادي آش والمرية والمنكب والبشرات ففعلوا ذلك ودخل جميع هؤلاء فى طاعة العدو على شروط شرطوها وأمور أظهروا بعضها للناس وبعضها مكتوم وقبض الخواص مالا وحصلت لهم فوائد
وفي يوم الجمعة عاشر محرم سنة خمس وتسعين وثمانمائة دخل النصارى قلعة بسطة وملكوها ولم يعلم القوام كيفية ما وقع عليه الشرط والالتزام وقالوا لهم من بقي بموضعه فهو آمن ومن انصرف خرج بماله وسلاحه سالما ثم أخرج العدو المسلمين من البلد وأسكنهم بالربض خوف الثورة ثم ارتحل العدو للمرية وأطاعته جميع تلك البلاد ونزل صاحب وادي آش للمرية ليلقاه بها فلقيه وأخذ الحصون والقلاع والبروج وبايع له السلطان أبو عبدالله على أن يبقى تحت طاعته في البلاد التى تحت حكمه كما أحب فوعده بذلك وانصرف معه إلى وادي آش ومكنه من قلعتها أوائل صفر من العام المذكور وأطاعته جميع البلاد ولم يبق غير غرناطة وقراها وجميع ماكان في حكم صاحب وادي آش صار للنصارى في طرفة عين وجعل في كل قلعة قائدا نصرانيا وكان قائد من المسلمين أصحاب هذه البلاد دفع لهم الكفار مالا من عند صاحب قشتالة إكراما منه لهم بزعمهم فتبا لعقولهم وما ذلك منه إلا توفير لرجاله وعدته ودفع بالتى هي أحسن ثم أخذ برج الملاحة وغيره وبناه وحصنه وشحن الجميع بالرجال والذخيرة وأظهر الصحبة والصلح مع صاحب وادي آش وأباح الكلام بالسوء في حق صاحب غرناطة مكرا منه وخداعا ودهاء ثم بعث في السنة نفسها رسلا لصاحب غرناطة أن يمكنه من الحمراء كما مكنه عمه من القلاع والحصون ويكون تحت إيالته ويعطيه مالا جزيلا على ذلك وأي بلاد شاء من الأندلس يكون فيها تحت حكمه قالوا

وأطمعه صاحب غرناطة في ذلك فخرج العدو في محلاته لقبض الحمراء والاستيلاء على غرناطة وهذا في سر بين السلطانين فجمع صاحب غرناطة الأعيان والكبراء والأجناد والفقهاء والخاصة والعامة وأخبرهم بما طلب منه العدو وأن عمه أفسد عليه الصلح الذي كان بينه وبين صاحب قشتالة بدخوله تحت حكمه وليس لنا إلا احدى خصلتين الدخول تحته أو القتال فاتفق الرأي على الجهاد والوفاء بما عقده من صلح وخرج بمحلته ثم إن صاحب قشتالة نزل على مرج غرناطة وطلب من أهل غرناطة الدخول في طاعته وإلا أفسد عليهم زروعهم فأعلنوا بالمخالفة فأفسد الزرع وذلك في رجب سنة خمس وتسعين وثمانمائة ووقعت بين المسلمين والعدو حروب كثيرة ثم ارتحل العدو عند الإياس منهم ذلك الوقت وهدم بعض الحصون وأصلح برج همدان والملاحة وشحنهما بما ينبغي ثم رجع إلى بلاده وعند انصرافه نزل صاحب غرناطة بمن معه إلى بعض الحصون التى في يد النصارى ففتحها عنوة وقتل من فيها من النصارى وأسكنها المسلمين ورجع لغرناطة ثم أعمل الرحلة الى البشرات في رجب المذكور فأخذ بعض القرى وهرب من بها من النصارى والمرتدين أصحابهم ثم أتى حصن أندرش فتمكن منه وأطاعته البشرات وقامت دعوة الإسلام بها وخرجوا عن ذمة النصارى وهنالك عمه أبو عبدالله محمد بن سعد بجملة وافرة فقصدهم في شعبان من غرناطة واستقر عمه بالمرية واطاعت صاحب غرناطة جميع البشرات إلى برجة ثم تحرك عمه مع النصارى إلى أندرش فأخذها لرمضان وخرج صاحب غرناطة لقرية همدان وكان برجها العظيم مشحونا بالرجال والعدة والطعام فحاصره أهل غرناطة ونصبوا عليه انواعا من الحرب ومات فيه خلق كثير منهم ونقبوا البرج الأول والثاني والثالث وألجؤوهم للبرج الكبير وهو القلعة فنقبوها ثم أسروا من كان بها وهم ثمانون ومائة واحتووا على ما هنالك من عدة وآلات حرب

وفي آخر رمضان خرج صاحب غرناطة بقصد المنكب فلما وصل حصن شلوبانية نزله وأخذه عنوة بعد حصاره وامتنعت القلعة وجاءتهم الأمداد من مالقة بحرا فلم تقدر على شيء وضيقوا بالقلعة فوصلهم الخبر أن صاحب قشتالة خرج بمحلته لمرج غرناطة فارتحل صاحب غرناطة عن قلعة شلوبانية وجاء غرناطة ثالث شوال وبعد وصولهم غرناطة وصل العدو إلى المرج ومعه المرتدون والمدجنون وبعد ثمانية أيام ارتحل العدو لبلاده بعد هدم برج الملاحة وإخلائه وبرج آخر وتوجه إلى وادي آش فأخرج المسلمين منها ولم يبق بها مسلم في المدينة ولا الربض وهدم قلعة أندرش وحاف على البلاد ولما رأى ذلك السلطان الزغل وهو أبو عبداله محمد بن سعد عم سلطان غرناطة بادر بالجواز لبر العدوة فجاز لوهران ثم لتلمسان واستقر بها وبها نسله إلى الآن يعرفون ببني سلطان الأندلس ودخل صاحب قشتالة لأقاصي مملكته بسبب فتنة بينه وبين الإفرنج ثم تحرك صاحب غرناطة على برشانة وحاصرها وأخذها وأسر من كان بها من النصارى وأرادت فتيانه القيام على النصارى فجاء صاحب وادي آش ففتك فيهم
وفي ذي القعدة من السنة رفع صاحب غرناطة من السند وخلت تلك الأوطان من الانس
وفي ثاني عشري جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وثمانمائة خرج العدو بمحلاته إلى مرج غرناطة وأفسد الزرع ودوخ الأرض وهدم القرى وأمر ببناء موضع بالسور والحفير وأحكم بناءه وكانوا يذكرون أنه عزم على الانصراف فإذا به صرف الهمة إلى الحصار والإقامة وصار يضيق على غرناطة كل يوم ودام القتال سبعة أشهر واشتد الحصار بالمسلمين غير ان النصارى على بعد والطريق بين غرناطة والبشرات متصلة بالمرافق والطعام من ناحية

جبل شلير إلى أن تمكن فصل الشتاء وكلب البرد ونزل الثلج فانسد باب المرافق وقطع الجالب وقل الطعام واشتد الغلاء وعظم البلاء واستولى العدو على أكثر الأماكن خارج البلد ومنع المسلمين من الحرث والسبب وضاق الحال وبان الاختلال وعظم الخطب وذلك اول عام سبعة وتسعين وثمانمائة وطمع العدو في الاستيلاء على غرناطة بسبب الجوع والغلاء دون الحرب ففر ناس كثيرون من الجوع الى البشرات ثم اشتد الأمر في شهر صفر من السنة وقل الطعام ثم تفاقم الخطب فاجتمع ناس مع من يشار اليه من أهل العلم وقالوا انظروا في أنفسكم وتكلموا مع سلطانكم فأحضر السلطان أهل الدولة وأرباب المشورة وتكلموا في هذا المعنى وأن العدو يزداد مدده كل يوم ونحن لا مدد لنا وكان ظننا انه يقلع عنا في فصل الشتاء فخاب الظن وبنى وأسس وأقام وقرب منا فانظروا لأنفسكم وأولادكم فاتفق الرأي على ارتكاب أخف الضررين وشاع أن الكلام وقع بين النصارى ورؤساء الأجناد قبل ذلك في اسلام البلد خوفا على نفوسهم وعلى الناس ثم عددوا مطالب وشروطا أرادوها وزادوا أشياء على ما كان في صلح وادي آش منها أن صاحب رومة يوافق على الالتزام والوفاء بالشرط إذا امكنوه من حمراء غرناطة والمعاقل والحصون ويحلف على عادة النصارى في العهود وتكلم الناس في ذلك وذكروا أن رؤساء أجناد المسلمين لما خرجوا للكلام في ذلك امتن عليهم النصارى بمال جزيل وذخائر ثم عقدت بينهم الوثائق على شروط قرئت على أهل غرناطة فانقادوا إليها ووافقوا عليها وكتبوا البيعة لصاحب قشتالة فقبلها منهم ونزل سلطان غرناطة من الحمراء
وفي ثاني ربيع الأول من السنة أعني سنة سبع وتسعين وثمانمائة استولى النصارى على الحمراء ودخلوها بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو خمسمائة من الأعيان رهنا خوف الغدر وكانت الشروط سبعة وستين منها تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم

وعقارهم ومنها إقامة شريعتهم على ماكانت ولا يحكم احد عليهم إلا بشريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك وأن لا يدخل النصارى دار مسلم ولا يغصبوا أحدا وأن لا يولى على المسلمين إلا مسلم أو يهودي ممن يتولى عليهم من قبل سلطانهم قبل وأن يفتك جميع من أسر في غرناطة من حيث كانوا وخصوصا أعيانا نص عليهم ومن هرب من أسارى المسلمين ودخل غرناطة لا سبيل عليه لمالكه ولا سواه والسلطان يدفع ثمنه لمالكه ومن أراد الجواز للعدوة لا يمنع ويجوزون في مدة عينت في مراكب السلطان لا يلزمهم الا الكراء ثم بعد تلك المدة يعطون عشر مالهم والكراء وان لا يؤخذ أحد بذنب غيره وأن لا يقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم وأن من تنصر من المسلمين يوقف أياما حتى يظهر حاله ويحضر له حاكم من المسلمين وآخر من النصارى فإن أبى الرجوع إلى الإسلام تمادى على ما أراد ولا يعاتب على من قتل نصرانيا أيام الحرب ولا يؤخذ منه ما سلب من النصارى أيام العداوة ولا يكلف المسلم بضيافة أجناد النصارى ولا يسفر لجهة من الجهات ولا يزيدون على المغارم المعتادة وترفع عنهم جميع المظالم والمغارم المحدثة ولا يطلع نصراني للسور ولا يتطلع على دور المسلمين ولا يدخل مسجدا من مساجدهم ويسير المسلم في بلاد النصارى آمنا في نفسه وماله ولا يجعل علامة كما يجعل اليهود وأهل الدجن ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم ولا غيره من امور دينه ومن ضحك منه يعاقب ويتركون من المغارم سنين معلومة وان يوافق على كل الشروط صاحب رومة ويضع خط يده وامثال هذا مما تركنا ذكره
وبعد انبرام ذلك ودخول النصارى للحمراء والمدينة جعلوا قائدا بالحمراء وحكاما ومقدمين بالبلد ولما علم ذلك أهل البشرات دخلوا في هذا الصلح وشملهم حكمه على هذه لشروط ثم امر العدو الكافر ببناء ما يحتاج إليه في

الحمراء وتحصينها وتجديد بناء قصورها وإصلاح سورها وصار الطاغية يختلف إلى الحمراء نهارا ويبيت بمحلته ليلا إلى أن اطمأن من خوف الغدر فدخل المدينة وتطوف بها وأحاط خبرا بما يرومه ثم أمر سلطان المسلمين أن ينتقل لسكنى البشرات وانها تكون له وسكناه بأندرش فانصرف إليها وأخرج الأجناد منها ثم احتال في ارتحاله لبر العدوة وأظهر أن ذلك طلبه منه المذكور فكتب لصاحب المرية أنه ساعة وصول كتابي هذا لا سبيل لأحد ان يمنع مولاي أبا عبدالله من السفر حيث أراد من بر العدوة ومن وقف على هذا الكتاب فليصرفه ويقف معه وفاء بما عهد له فصرف في الحين بنص هذا الكتاب وركب البحر ونزل بمليلة واستوطن فاسا وكان قبل طلب الجواز لناحية مراكش فلم يسعف بذلك وحين جوازه لبر العدوة لقي شدة وغلاء ووباء
ثم إن النصارى نكثوا العهد ونقضوا الشروط عروة عروة إلى ان آل الحال لحملهم على المسلمين على التنصر سنة أربع وتسعمائة بعد امور وأسباب أعظمها وأقواها عليهم أنهم قالوا إن القسيسين كتبوا على جميع من كان أسلم من النصارى ان يرجعوا قهرا للكفر ففعلوا ذلك وتكلم الناس ولا جهد لهم ولا قوة ثم تعدوا إلى أمر آخر وهو ان يقولوا للرجل المسلم إن جدك كان نصرانيا فأسلم فترجع نصرانيا ولما فحش هذا الأمر قام أهل البيازين على الحكام وقتلوهم وهذا كان السبب للتنصر قالوا لأن الحكم خرج من السلطان أن من قام على الحاكم فليس إلا الموت إلا أن يتنصر فينجو من الموت وبالجملة فإنهم تنصروا عن آخرهم بادية وحاضرة وامتنع قوم من التنصر واعتزلوا الناس فلم ينفعهم ذلك وامتنعت قرى واماكن كذلك منها بلفيق واندرش وغيرهما فجمع لهم العدو الجموع واستأصلهم عن آخرهم قتلا وسبيا إلا ما كان من جبل بللنقة فإن الله تعالى اعانهم على عدوهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة مات فيها صاحب قرطبة وأخرجوا على الأمان إلى فاس بعيالهم وما خف من مالهم دون الذخائر ثم بعد هذا كله كان من أظهر التنصر من المسلمين

يعبد الله في خفية ويصلي فشدد عليهم النصارى في البحث حتى انهم أحرقوا منهم كثيرا بسبب ذلك ومنعوهم من حمل السكين الصغيرة فضلا عن غيرها من الحديد وقاموا في بعض الجبال على النصارى مرارا ولم يقيض الله لهم ناصرا إلى ان كان إخراج النصارى إياهم بهذا العصر القريب اعوام سبعة عشر وألف فخرجت ألوف بفاس وألوف أخر بتلمسان من وهران وجمهورهم خرج بتونس فتسلط عليهم الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى في الطرقات ونهبوا اموالهم وهذا ببلاد تلمسان وفاس ونجا القليل من هذه المعرة واما الذين خرجوا بنواحي تونس فسلم أكثرهم وهم لهذا العهد عمروا قراها الخالية وبلادها وكذلك بتطاوين وسلا ومتيجة الجزائر ولما استخدم سلطان المغرب الأقصى منهم عسكرا جرارا وسكنوا سلا كان منهم من الجهاد في البحر ماهو مشهور الآن وحصنوا قلعة سلا وبنوا بها القصور والدور والحمامات وهم الآن بهذا الحال ووصل جماعة إلى القسطنطينية العظمى وإلى مصر والشام وغيرها من بلاد الإسلام وهم لهذا العهد على ما وصف والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين
والسلطان المذكور الذي أخذت على يده غرناطة هو أبو عبدالله محمد الذي انقرضت بدولته مملكة الإسلام بالأندلس ومحيت رسومها ابن السلطان أبي الحسن ابن السلطان سعد ابن الأمير على ابن السلطان يوسف ابن السلطان محمد الغني بالله واسطة عقدهم ومشيد مبانيهم الأنيقة وسلطان دولتهم على الحقيقة وهو المخلوع الوافد على الأصقاع المرينية بفاس العائد منها لملكه في أرفع الصنائع الرحمانية العاطرة الأنفاس وهو سلطان لسان الدين ابن الخطيب وقد ذكرنا جملة من أخباره في غير هذا الموضع ابن السلطان أبي الحجاج يوسف ابن السلطان إسماعيل قاتل سلطان النصارى دون بطره بمرج غرناطة ابن فرج

ابن اسماعيل بن يوسف بن نصر بن قيس الأنصاري الخزرجي رحمهم الله تعالى جميعا
وانتهى السلطان المذكور بعد نزوله بمليلة إلى مدينة فاس بأهله وأولاده معتذرا عما أسلفه متلهفا على ما خلفه وبنى بفاس بعض قصور على طريق بنيان الأندلس رأيتها ودخلتها وتوفي رحمه الله تعالى بفاس عام أربعين وتسعمائة ودفن بإزاء المصلى خارج باب الشريعة وخلف ولدين اسم احدهما يوسف والآخر أحمد وعقب هذا السلطان بفاس إلى الآن وعهدي بذريته بفاس سنة 1027 يأخذون من أوقاف الفقراء والمساكين ويعدون من جملة الشحاذين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

رسالة المخلوع أبي عبدالله إلى الشيخ الوطاسي
وقد رأيت ان أذكر هنا الرسالة التى كتب بها المخلوع المذكور الى سلطان فاس الشيخ الوطاسي وهي من انشاء الكاتب المجيد البارع البليغ ابي عبدالله محمد بن عبدالله العربي العقيلي رحمه الله تعالى وسماها بالروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس ونصها بعد الافتتاح
( مولى الملوك ملوك العرب والعجم ... رعيا لما مثله يرعى من الذمم )
( بك استجرنا ونعم الجار أنت لمن ... جار الزمان عليه جور منتقم )
( حتى غدا ملكه بالرغم مستلبا ... وأفظع الخطب ما يأتي على الرغم )
( حكم من الله حتم لا مرد له ... وهل مرد لحكم منه منحتم )
( وهي الليالي وقاك الله صولتها ... تصول حتى على الآساد في الأجم )
( كنا ملوكا لنا في ارضنا دول ... نمنا بها تحت أفنان من النعم )

( فأيقظتنا سهام للردى صيب ... يرمى بأفجع حتف من بهن رمي )
( فلا تنم تحت ظل الملك نومتنا ... وأي ملك بظل الملك لم ينم )
( يبكي عليه الذي قد كان يعرفه ... بأدمع مزجت أمواهها بدم )
( كذلك الدهر لم يبرح كما زعموا ... يشم بو الصغار الأنف ذا الشمم )
( وصل اواصر قد كانت لنا اشتبكت ... فالملك بين ملوك الأرض كالرحم )
( وابسط لنا الخلق المرجو باسطه ... واعطف ولا تنحرف واعذر ولا تلم )
( لا تأخذنا بأقوال الوشاة ولم ... نذنب ولو كثرت أقوال ذي الوخم )
( فما أطقنا دفاعا للقضاء ولا ... أرادت انفسنا ماحل من نقم )
( ولا ركوبا بازعاج لسابحة ... في زاخر باكف الموج ملتطم )
( والمرء ما لم يعنه الله أضيع من ... طفل تشكى بفقد الام في اليتم )
( وكل ماكان غير الله يحرسه ... فإن محروسة لحم على وضم )
( كن كالسموأل إذ سار الهمام له ... في حجفل كسواد الليل مرتكم )
( فلم يبح أدرع الكندي وهو يرى ... أن ابنه البر قد أشفى على الرجم )
( أو كالمعلى مع الضليل الاروع إذ ... أجاره من أعاريب ومن عجم )
( وصار يشكره شكرا يكافىء ما ... أسدى إليه من الآلاء والنعم )
( ولا تعاتب على أشياء قد قدرت ... وخط مسطورها في اللوح بالقلم )
( وعد عما مضى إذ لا ارتجاع له ... وعد أحرارنا في جملة الخدم )
( إيه حنانيك يا ابن الأكرمين على ... ضيف ألم بفاس غير محتشم )

( فأنت أنت ولولا أنت ما نهضت ... بنا اليها خطا الوخادة الرسم )
( رحماك ياراحما ينمى إلى رحما ... في النفس والأهل والأتباع والحشم )
( فكم مواقف صدق في الجهاد لنا ... والخيل عالكة الأشداق وللجم )
( والسيف يخضب بالمحمر من علق ... ما ابيض من سبل واسود من لمم )
( ولا ترى صدر عضب غير منقصف ... ولا ترى متن لدن غير منحطم )
( حتى دهينا بدهيا لا اقتدار بها ... سوى على الصون للأطفال والحرم )
( فقل من لم يشاهدها فربتما ... يخال جامحها يقتاد بالخطم )
( هيهات لو زبنته الحرب كان بها ... أعيى يدا من يد جالت على رحم )
( تا لله ما أضمرت غشا ضمائرنا ... ولا طوت صحة منها على سقم )
( لكن طلبنا من الأمر الذي طلبت ... ولاتنا قبلنا في الأعصر الدهم )
( فخاننا عنده الجد الخؤون ومن ... تقعد به نكبات الدهر لم يقم )
( فاسود ما اخضر من عيش دهته عدا ... بالأسمر اللدن او بالأبيض الخذم )
( وشتت البين شملا كان منتظما ... والبين أقطع للموصول من جلم )
( فرب مبنى شديد قد أناخ به ... ركب البلا فقرته أدمع الديم )
( قمنا لديه أصيلانا نسائله ... أعيا جوابا وما بالربع من ارم )
( وما ظننا بان نبقى إلى زمن ... نرى به غرر الأحباب كالحمم )
( لكن رضى بالقضا الجاري وإن طويت ... منا الضلوع على برح من الألم )
( لبيك يامن دعانا نحو حضرته ... دعاء ابراهم الحجاج للحرم )
( واعط الأمان الذي رصت قواعده ... على أساس وفاء غير منهدم )
( خليفة الله وافاك العبيد فكن ... في كل فضل وطول عند ظنهم )
( وبين اسلافنا ماقد علمت به ... من اعتقاد بحكم الإرث مقتسم )

( وأنت منهم كأصل مطلع غصنا ... أو كالشراك الذي قد قد من أدم )
( وقد خطوت خطاهم في مآثرهم ... فلم يذموا إذن فيها ولم تذم )
( وصيت مولى الورى الشيخ الامام غدا ... في الناس أشهر من نار على علم )
( سلالة الأمراء الجلة الكبراء ... العلية الظهراء القادة البهم )
( بنو مرين ليوث في عرين ابوا ... رؤيا قرين لهم في البأس والكرم )
( النازلين من البيضاء وسط حمى ... أحمى من الأبلق السامي ومن إرم )
( والجائسين بدهم الخيل كل ذرا ... والداعسين بسمر الخط كل كمي )
( يريك فارسهم إن هز عامله ... في مارق بلظى الهيجاء مضطرم )
( ليثا على أجدل عار من أجنحة ... يسطو بأرقم لداغ بغير فم )
( في اللام يدغم من عساله ألفا ... ولم نجد ألفا أصلا بمدغم )
( أهل الحفيظة يوم الروع يحفظهم ... من عصمة الله ما يربي على العصم )
( يا من تطير شرار منه محرقة ... لكل مدرع بالحزم محتزم )
( هم بطائفة التثليث قد فتكوا ... كمثل ما يفتك السرحان بالغنم )
( وإن يلثمهم يوم الوغى رهج ... أنسوك ما ذكروه عن ذوي اللثم )
( تضىء آراؤهم في كل معضلة ... إضاءة السرج في داج من الظلم )
( هذا ولو من حياء ذاب محتشم ... لذاب منهم حياء كل محتشم )
( طابت مدائحهم إذ طابت أنفسهم ... فاشتقت النسمات اسما من النسم )
( لله درهم والسحب باخلة ... بدرهن على الأنعام والنعم )
( بحيث آلافق يرى من لون حمرته ... كالشيب يخضب بالحناء والكتم )
( هناك تنهل أيديهم بصوب حيا ... يحيي بالاجداث ما فيها من الرمم )
( وأن بيتي زياد طالما ذكرا ... إذ ألمت أحاديث بذكرهم )
( أحلام عاد وأجسام مطهرة ... من لمعقة والآفات والأثم )

( يرون حقا عليهم حفظ جارهم ... فلم يضر نازل فيهم ولم يضم )
( فروعه بالدواهي لا يراع ولا ... يغم منها بما يعرو من الغمم )
( هم البحار سماحا غير ان بها ... ماقد أناف على الأطواد من همم )
( وليس يسلم من حتف محاربهم ... حتى يكون إليهم ملقي السلم )
( كم فيهم من أمير اوحد ندس ... يقرطس الغرض المقصود بالفهم )
( ولا كسبط أبي حسون من حسنت ... امداحه حسن ما فيه من الشيم )
( هذاكم ابن أبي ذكرى الهمام فقل ... في أصله المنتقى من مجده العمم )
( خليفة الله حقا في خليقته ... كنائب ناب في حكم عن الحكم )
( مهما تنر قسمات منه نيرة ... تنل بنازله ماجل من نعم )
( فوجهه بدجى أو كفه بجدى ... أبهى من الزهر او أندى من الديم )
( وفضله وله الفضل المبين جرى ... كجري الامثال في الأقطار والأمم )
( وجوده المتوالي للبرية ما ... وجوده بينها طرا بمنهدم )
( إذا ابتغت نعما منه العفاة له ... لم يسمعوا كلمة منه سوى نعم )
( وإن يعبس زمان في وجوههم ... لم يبصروا غير وجه منه مبتسم )
( وجه تبين سمات المكرمات به ... كما تبين سمات الصدق في الكلم )
( وراحة لم تزل في كل آونة ... في نيلها راحة الشاكي من العدم )
( لله ما التزمته من نوافله ... أيام لا فرض مفروض بملتزم )
( أنسى الخلائف في حلم وفي شرف ... وفي سخاء وفي علم وفي فهم )
( فجاز معتمدا منهم ومعتضدا ... وامتاز عن واثق منهم ومعتصم )
( وناصر الدين في الإقبال فاق وفي ... محبة العلم أزرى بابنه الحكم )
( أفعال أعدائه معتلة أبدا ... متى يرم جزمها بالحذف تنجزم )

( فويل أهل القلى من حية ذكر ... للمتلئب اللهام المجر ملتقم )
( رموا عداوة من إن شاء غادرهم ... مثل الأحاديث عن عاد وعن إرم )
( فسوف يأكلهم من جيشه لجب ... بكل قرم إلى لحمانهم قرم )
( وإن الأعراب إذ ساروا لغايته ... لسائرون إلى لقم على لقم )
( وهم كما قاله ماض أرى قدمي ... بسعيه نحو حتفي قد اراق دمي )
( فقل إذن للمناوي الناو لان أذى ... ياغر غرك ما أبصرت في الحلم )
( له صوارم لو ناجتك ألسنها ... لبشرتك بعمر منك منصرم )
( وأن روحك عن قرب سيقبضه ... قبض المسلم ماقد حاز من سلم )
( فهو الذي ما له ند يشابهه ... من كل متصف بالدهي متسم )
( يدبر الأمر تدبيرا يخلصه ... مما عسى أن يرى فيه من الوهم )
( ويبصر الغيب لحظ الذهن منه إذا ... تعمى عن ادراكه ألحاظ كل عمي )
( وينعم النظر المفضي بناظره ... لصوب وجه صواب واضح اللقم )
( ذو منطق لم تزل تجلو نتائجه ... عن مبطل بخصام المبطل الخصم )
( ومسمع ليس يصغى للوشاة فلم ... ينفق لديه الذي عنهم إليه نمي )
( فعقله لا توازيه العقول وهل ... يوازن الطود ماقد طال من أكم )
( ايه جميع الورى من بدو أو حضر ... نداء مرتبط بالنصر مرتسم )
( شدوا وجدوا ولا تعنوا ولا تهنوا ... قد لفها الليل بالسواقة الحطم )
( هذا الإمام المريني السعيد له ... سعد يؤيده في كل مصطدم )
( قد أقسمت انه المنصور ألسنة ... من نخبة الأوليا مبرورة القسم )
( فشيعوه ووالوه تروا عجبا ... وتظفروا معه بالأجر والغنم )
( والحمد لله إذ أبقى خلافته ... كهفا لنا من يخيم فيه لم يرم )
( حرز حريز وعز قائم وندى ... غمر دراك بلا من ولا سام )
( دامت ودام لها سعد يساعدها ... في كل مبتدإ منه ومختتم )
( فالله عز اسمه قد زانها بحلى ... من غر امداحه كالدر في النظم )

( الواهب الألف بعد الألف من ذهب ... كالجمر يلمع في مستوقد الضرم )
( والفاعل الفعل لم يهمم به احد ... والقائل القول فيه حكمة الحكم )
( ذاكم هو الشيخ فاعجب إنه هرم ... جودا وحاشاه ان يعزى إلى هرم )
( وحسبنا ان أيدينا به اعتصمت ... من حبله بوثيق غير منفصم )
( فما محالفه يوما بمضطهد ... ولا مؤالفه يوما بمهتضم )
( ولا موافيه في جهد بمطرح ... ولا مصافيه في ود بمتهم )
( ولا محيا محييه بمنكسف ... ولا رجاء مرجيه بمنخرم )
( وما تكرمه سرا بمنكشف ... ولا تنكره جهرا بمكتتم )
( وليس لامح مرآه بمكتئب ... وليس راضع جدواه بمنفطم )
( ولا مقبل يمناه الكريمة في ... محل ممتهن بل دست محترم )
( وما وسيلتنا العظمى إليه سوى ... ما ليس ينكر ما فيها من العظم )
( وإنما هي وما أدراك ماهي من ... وسيلة ردها أدهى من الوخم )
( نبينا المصطفى الهادى بخير هدى ... محمد خير خلق الله كلهم )
( داعي الورى من اولي خيم وأهل قرى ... إلى طريق رشاد لاحب أمم )
( عليه منا ما ذكرت ... امن تذكر جيران بذي سلم )
( وما تشفع فيها بالشفيع له ... دخيل حرمته العلياء في الحرم )
ربنا ظلمنا انفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم نعم المولى ونعم النصير
اما بعد حمد الله الذي لا يحمد على السراء والضراء سواه محمد الذي طلع طلوع الفجر بل البدر فلاح يدعو إلى سبيل

كل فلاح أولي قلوب غافلة ونفوس سواه والرضى عن آله وأصحابه وعترته الأكرمين وأحزابه الذين تلقوا بالقبول ما اورده عليهم من اوامر ونواه وعزروه ونصروه في حال قربه ونواه فيا مولانا الذي أولانا من النعم ما اولانا لا حط الله تعالى لكم من العزة رواقا ولا أذوى لدوحة دولتكم أغصانا ولا اوراقا ولا زالت مخضرة العود مبتسمة عن زهرات البشائر متحفة بثمرات السعود ممطورة بسحائب البركات المتداركات دون بروق ولا رعود هذا مقام العائذ بمقامكم المتعلق بأسباب زمامكم المترجى لعواطف قلوبكم وعوارف إنعامكم المقبل الأرض تحت أقدامكم المتلجلج اللسان عند محاولة مفاتحة كلامكم وما الذي يقول من وجهه خجل وفؤاده وجل وقضيته المقضية عن التنصل والاعتذار تجل بيد اني أقول لكم ما أقوله لربي واجترائي عليه أكثر واحترامي اليه اكبر اللهم لا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر لكني مستقيل مستنيل مستعتب مستغفر ( وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) هذا على طريق التنزل والإنصاف بما تقتضيه الحال ممن يتحيز إلى حيز الإنصاف واما على جهة التحقيق فأقول ما قالته الأم ابنة الصديق والله إني لأعلم أني إن أقررت بما يقوله الناس والله يعلم أني منه بريئة لأقول ما لم يكن ولئن أنكرت ما تقولون لا تصدقوني فأقول ما قاله أبو يوسف صبر جميل والله المستعان على ما تصفون على اني لا انكر عيوبى فأنا معدن العيوب ولا أجحد ذنوبي فأنا جبل الذنوب إلى الله أشكو عجري وبجري وسقطاتي وغلطاتي نعم كل شيء ولا ما يقوله المتقول المشنع المهول الناطق بفم الشيطان المسول ومن أمثالهم سبني واصدق ولا تفتر ولا تخلق أفمثلي كان يفعل امثالها ويحتمل من الأوزار المضاعفة أحمالها ويهلك نفسه ويحبط أعمالها عياذا بالله

من خسران الدين وإيثار الجاحدين والمعتدين قد ضللت إذا وما انا من المهتدين وايم الله لو علمت شعرة في فودي تميل إلى تلك الجهة لقطعتها بل لقطفت ماتحت عمامتي من هامتي وقطعتها غير ان الرعاع في كل وقت واوان للملك أعداء وعليه أحزاب وأعوان كان أحمق أو أجهل من أبي ثروان أو أعقل أو أعلم من أشج بني مروان رب متهم بري ومسربل بسربال وهو منه عري وفي الأحاديث صحيح وسقيم ومن التراكيب المنطقية منتج وعقيم ولكن ثم ميزان عقل تعتبر به أوزان النقل وعلى الراجح الاعتماد ثم إشاعة الأحماد المتصل المتماد وللمرجوح الاطرح ثم التزام الصراح بعد النفض من الراح وأكثر ما تسمعه الكذب وطبع جمهور الخلق إلا من عصمه الله تعالى إليه منجذب ولقد قذفنا من الأباطيل بأحجار ورمينا بما لا يرمى به الكفار فضلا عن الفجار وجرى من الأمر المنقول على لسان زيد وعمرو ما لديكم منه حفظ الجار وإذا عظم الإنكاء فعلى تكاءة التجلد الاتكاء أكثر المكثرون وجهد في تعثيرنا المتعثرون ورمونا عن قوس واحدة ونظمونا في سلك الملاحدة اكفرا أيضا كفرا غفرا اللهم غفرا اعد نظرا ياعبد قيس فليس الأمر على ما خيل لك ليس وهل زدنا على أن طلبنا حقنا ممن رام محقه ومحقنا فطاردنا في سبيله عداة كانوا لنا غائظين فانفتق علينا فتق لم يمكنا له رتق وما كنا للغيب حافظين وبعد فاسأل أهل الحل والعقد والتمييز والنقد فعند جهينتهم تلقى الخبر يقينا وقد رضينا بحكمهم يؤثمنا فيوبقنا أو يبرئنا فيقينا إيه يا من اشرأب إلى ملامنا وقدح حتى في اسلامنا رويدا رويدا فقد وجدت قوة وأيدا ويحك إنما طال لسانك علينا وامتد بالسوء

إلينا لأن الزمان لنا مصغر ولك مكبر والأمر عليك مقبل وعنا مدبر كما قال كاتب الحجاج الموبر وعلى الجملة فهبنا صرنا إلى تسليم مقالك جدلا وذهبنا فأقررنا بالخطإ في كل ورد وصدر فلله در القائل
( إن كنت أخطأت فما أخطا القدر )
وكأنما بمعتسف إذا وصل إلى هنا وعدم انصافه يعلمه إلهنا وقد ازور متجانفا ثم افتر متهانفا وجعل يتمثل بقولهم إذا عيروا قالوا مقادير قدرت وبقولهم المرء يعجزه المحال فيعارض الحق بالباطل والحالي بالعاطل ومنزع بقول القائل رب مسمع هائل وليس تحته من طائل وقد فرغنا أول أمس من جوابه وتركنا الضغن يلصق حرارة الجوى به وسنلم الان بما يوسعه تسكيتا ويقطعه تبكيتا فنقول له ناشدناك الله تعالى هل اتفق لك قط وعرض خروج أمر ما عن القصد منك فيه والغرض مع اجتهادك أثناءه في اصدارك وإيرادك في وقوعه على وفق اقتراحك ومرادك او جميع ما تزاوله بإدارتك لايقع الا مطابقا لإرادتك او كل ما تقصده وتنويه تحرزه كما تشاء وتحويه فلا بد أن يقر اضطرارا بأن مطلوبه يشذ عنه مرارا بل كثيرا ما يفلت صيده من أشراكه ويطلبه فيعجز عن ادراكه فنقول ومسألتنا من هذا القبيل أيها النبيه النبيل ثم نسرد له من الأحاديث النبوية ما شينا مما يسايرنا في غرضنا منه ويماشينا كقوله كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس وقوله أيضا لو اجتمع أهل السموات والأرض على أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه أو كما قال

فأخلق به أن يلوذ باكناف الإحجام ويزم على نفثه فيه كأنما ألجم بلجام حينئذ نقول له والحق قد أبان وجهه وجلاه وقهره بحجته وعلاه ليس لك من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله وفي محاجة آدم وموسى ما يقطع لسان الخصم ويرخص عن أثواب أعراضنا ما عسى ان يعلق بها من درن الوصم وكيفما كانت الحال وإن ساء الرأي والانتحال ووقعنا في اوجال وأوحال فثل عرشنا وطويت فرشنا ونكس لوانا وملك مثوانا فنحن أمثل من سوانا وفي الشر خيار ويد اللطائف تكسر من صولة الأغيار فحتى الآن لم نفقد من اللطيف تعالى لطفا ولا عدمنا أدوات أدعية تعطف بلا مهلة على جملتنا المقطوعة جمل النعم الموصولة عطفا وإلا فتك بغداد دار السلام ومتبوأ الاسلام المحفوف بفرسان السيوف والأقلام مثابة الخلافة العباسية ومقر العلماء والفضلاء أولي السير الأويسية والعقول الإياسية قد نوزلت بالجيوش ونزلت وزوولت بالزحوف وزلزلت وتحيف جوانبها الحيف ودخلها كفار التتار عنوة بالسيف ولا تسل إذ ذاك عن كيف أيام تجلت عروس المنية كاشفة عن ساقها مبدية وجرت الدماء في الشوارع والطرق كالأنهار والأودية وقيد الأئمة والقضاة تحت ظلال السيوف المنتضاة بالعمائم في رقابهم والأردية وللنجيع سيول تخوضها الخيول فتخضبها الى أرساغها وتهم ظماؤها بوردها فتنكل عن تجرعها ومساغها فطاح عاصمها ومستعصمها وراح ولم يعد ظالمها ومتظلمها وخربت مساجدها وديارها واصطلم بالحسام أشرارها وخيارها فلم يبق من جمهور أهلها عين تطرف حسبما عرفت أو حسبما تعرف فلا تك متشككا متوقفا فحديث تلك الواقعة الشنعاء أشهر عند المؤرخين من قفا فأين تلك الجحافل والآراء المدارة في المحافل حين أراد الله تعالى

بإدالة الكفر لم تجد ولا قلامة ظفر إذن فمن سلمت له نفسه التى هي رأس ماله وعياله واطفاله اللذان هما من أعظم آماله وكل أو جل أو أقل رياشه وأسباب معاشه الكفيلة بانتهاضه وانتعاشه ثم وجد مع ذلك سبيلا الى الخلاص في حال مياسرة ومساهلة دون تصعب واعتياص بعدما ظن كل الظن أن لا محيد ولا مناص فما أحقه حينئذ وأولاه أن يحمد خالقه ورازقه ومولاه على ما أسداه إليه من رفده وخيره ومعافاته مما ابتلي به كثير من غيره ويرضى بكل ايراد وإصدار تتصرف فيهما الأحكام الإلهية والأقدار فالدهر غدار والدنيا دار مشحونة بالأكدار والقضاء لا يرد ولا يصد ولا يغالب ولا يطالب والدائرات تدور ولا بد من نقص وكمال للبدور والعبد مطيع لا مطاع وليس يطاع إلا المستطاع وللخالق القدير جلت قدرته في خليقته علم غيب للأذهان عن مداه انقطاع
ومالي والتكلف لما لا أحتاج إليه من هذا القول بين يدي ذي الجلال والمجادة والفضل والطول فله من العقل الارجح ومن الخلق الأسجح مال ا تلتاط معه تهمتي بصفرة ولا تنفق عنده وشاية الواشي لا عد من نفره ولا فاز قدحه بظفره والمولى يعلم ان الدنيا تلعب باللاعب وتجر براحتها إلى المتاعب وقديما للأكياس من الناس خدعت وانحرفت عن وصالهم أعقل ماكانوا وقطعت وفعلت بهم ما فعلت بيسار الكواعب تلك التي جبت وجدعت ولئن رهصت وهصرت فقد نبهت وبصرت ولئن قرعت وامعضت لقد أرشدت ووعظت ويا ويلنا من تنكرها لنا بمرة ورميها لنا في غمرة أي غمرة أيام قلبت لنا ظهر المجن وغيم أفقها المصحي وأدجن فسرعان ما عاينا حبالها منبتة ورأينا منها مالم نحتسب كما تقوم الساعة بغتة فمن استعاذ من شيء

فليستعذ مما صرنا إليه من الحور بعد الكور والانحطاط من النجد إلى الغور
( فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف )
( فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف )
وأبيها لقد أرهقتنا ارهاقا وجرعتنا من صاب الأوصاب كأسا دهاقا ولم نفزع الى غير بابكم المنيع الجناب المنفتح حين سدت الأبواب ولم نلبس غيرلباس نعمائكم حين خلعنا ما ألبسنا الملك من الأثواب وإلى أمه يلجأ الطفل لجأ اللهفان وعند الشدائد تمتاز السيوف في الأجفان من الأجفان ووجه الله تعالى يبقى وكل من عليه فان وإلى هنا ينتهي القائل ثم يقول حسبي هذا وكفان
ولا ريب في اشتمال العلم الكريم على ما تعارفته الملوك بينها في الحديث والقديم من الأخذ باليد عند زلة القدم وقرع الأسنان وعض البنان من الندم دينا تدينت حتى مع اختلاف الأديان وعادة اطردت فيهم على تعاقب الأزمان والأحيان
ولقد عرض علينا صاحب قشتالة مواضع معتبرة خير فيها وأعطى من امانه المؤكد فيه خطه بأيمانه ما يقنع النفوس ويكفيها فلم نر ونحن من سلالة الأحمر مجاورة الصفر ولا سوغ لنا الايمان الإقامة بين ظهراني الكفر وما وجدنا عن ذلك مندوحة ولو شاسعة وأمنا من المطالب المشاغب حمة شر لنا لاسعة وادكرنا أي ادكار قول الله تعالى المنكر لذلك غايى الإنكار ( ألم تكن أرض الله واسعة ) وقول الرسول عليه المبالغ في ذلك بأبلغ الكلام انا بريء من مؤمن مع كافر لا تتراءى ناراهما وقول الشاعر الحاث على

حث المطية المتثاقلة عن السير في طريق منجاتها البطية
( وما انا والتلدد نحو نجد ... وقد غصت تهامة بالرجال )
ووصلت أيضا من الشرق إلينا كتب كريمة المقاصد لدينا تستدعي الانحياز الى تلك الجنبات وتتضمن مالا مزيد عليه من الرغبات فلم نختر إلا دارنا التى كانت دار آبائنا من قبلنا ولم نرتض الانضواء إلا لمن بحبله وصل حبلنا وبريش نبله ريش نبلنا إدلالا على محل إخاء متوارث لا عن كلالة وامتثالا لوصاة أجداد لأنظارهم وأقدارهم أصالة وجلالة إذ قد روينا عمن سلف من أسلافنا في الايصاء لمن يخلف بعدهم من أخلافنا ان لا يبتغوا إذا دهمهم داهم بالحضرة المرينية بدلا ولا يجدوا عن طريقها في التوجه إلى فريقها معدلا فاخترقنا الى الرياض الأريضة الفجاج وركبنا إلى البحر الفرات ظهر البحر الأجاج فلا غرو أن نرد منه على ما يقر العين ويشفى النفس الشاكية من ألم البين ومن توصل هذا التوصل وتوسل بمثل ذلك التوسل تطارحا على سدة أمير المؤمنين المحارب للمحاربين والمؤمن للمستأمنين فهو الخليق الحقيق بأن يسوغ أصفى مشاربه ويبلغ أوفى مآربه على توالي الأيام والشهور والسنين ويخلص من الثبور إلى الحبور ويخرج من الظلمات الى النور خروج الجنين ولعل شعاع سعادته يفيض عينا ونفحة قبول إقباله تسري إلينا فتخامرنا أريحية تحملنا على أن نبادر لإنشاد قول الشريف الرضي في الخليفة القادر
( عطفا أمير المؤمنين فإننا ... في دوحة العلياء لا نتفرق )
( ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبدا كلانا في المعالي معرق )
( إلا الخلافة ميزتك فإنني ... أنا عاطل منها وانت مطوق )

لا بل الاحرى بنا والأحجى والأنجح لسعينا والأرجى ان نعدل عن هذا المنهاج ويقوم وافدنا بين يدي علاه مقام الخاضع المتواضع الضعيف المحتاج وينشد ماقال في الشيرازي ابن حجاج
( الناس يفدونك اضطرارا ... منهم وأفديك باختياري )
( وبعضهم في جوار بعض ... وأنت حتى أموت جاري )
( فعش لخبزي وعش لمائي ... وعش لداري وأهل داري )
ونستوهب من الوهاب تعالى جلت أسماؤه وتعاظمت نعماؤه رحمة تجعل في يد الهداية أعنتنا وعصمة تكون في مواقف المخاوف جنتنا وقبولا يعطف علينا نوافر القلوب وصنعا يسني لنا كل مرغوب ومطلوب ونسأله وطالما بلغ السائل سؤلا ومأمولا متابا صادقا على موضوع الندم محمولا ثم عزاء حسنا وصبرا جميلا عن أرض أورثها من شاء من عباده معقبا لهم ومديلا وسادلا وسادلا عليهم من ستور الإملاء الطويلة سدولا ( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) الفتح 23 فليطر طائر الوسواس المرفرف مطيرا كان ذلك في الكتاب مسطورا لم نستطع عن مورده صدورا وكان امر الله قدرا مقدورا ألا وإن لله سبحانه في مقامكم العلي الذي أيده واعانه سرا من النصر يترجم عنه لسان من النصل وترجع فروع البشائر الصادقة بالفتوحات المتلاحقة من قاعدته المتأصلة إلى أصل فبمثله يجب اللياذ والعياذ ولشبهه يحق الالتجاء والارتجاء ولأمر ما آثرناه واخترناه بعد أن استرشدنا الله سبحانه واستخرناه ومنه جل جلاله نرغب ان يخير لنا ولجميع المسلمين ويؤوينا من حمايته ووقايته إلى معقل منيع وجناب رفيع أمين آمين آمين ونرجو ان يكون ربنا الذي هو في جميع الأمور حسبنا قد خار لنا حيث أرشدنا وهدانا

وساقنا توفيقه وحدانا إلى الاستجارة بملك حفي كريم وفي أعز جارا من أبي دواد وأحمى انفا من الحارث بن عباد يشهد بذلك الداني والقاصي والحاضر والباد إن أغاث ملهوفا فما الأسود بن قنان يذكر وإن انعش حشاشة هالك فما كعب بن مامة على فعله وحده يشكر جليسه كجليس القعقاع بن شور ومذاكره كمذاكر سفيان المنتسب من الرباب إلى ثور إلى التحلي بامهات الفضائل التى أضدادها امهات الرذائل وهي الثلاث الحكمة والعدل والعفة التى تشملها الثلاثة الأقوال والأفعال والشمائل وينشأ منها ما شئت من عزم وحزم وعلم وحلم وتيقظ وتحفظ واتقاء وارتقاء وصول وطول وسماح ونائل فبنور حلاه المشرق يفتخر المغرب على المشرق وبمحتده السامي خطره في الأخطار وبيته الذي ذكره في النباهة والنجابة قد طار يباهي جميع ملوك الجهات والأقطار وكيف لا وهو الرفيع المنتمى والنجار الراضع من الطهارة صفو ألبان الناشىء من السراوة وسط أحجار في ضئضىء المجد وبحبوح الكرم وسراوة أسرة المملكة التى أكنافها حرم وذؤابة الشرف التى مجاذبتها لم ترم من معشر بخلوا إن وهبوا ما دون اعمارهم وجبنوا إن لم يحموا سوى ذمارهم بنومرين وما أدراك ما بنو مرين
( سم العداة وآفة الجزر )
( النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر )
لهم من الهفوات انتفاء وعندهم من السير النبوية اكتفاء انتسبوا إلى بر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24