كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

( لله منك أبا نصر أخو جلد ... إذا ألمت ملمات مهمات )
( أستودع الله نورا ضمه كفن ... كما تواري بدور التم هالات )
( قضت وليت شبابي كان موضعها ... هيهات لو قضيت تلك اللبانات )
( مضت ولما يقم من دونها أحد ... هلا وقد أعذرت فيها المروءات )
وله يصف زرزورا
( أمنبر ذاك أم قضيب ... يفرعه مصقع خطيب )
( يختال في بردتي شباب ... لم يتوضح بها مشيب )
( كأنما ضمخت عليه ... أبراده مسكة وطيب )
( أخرس لكنه فصيح ... أبله لكنه لبيب )
( جهم على أنه وسيم ... صعب على أنه أريب )
10 - أبو الحسن البرقي
بلنسي الدار نفيسي المقدار ما سمعت له بشرف ولا علمت له بسلف ولا اطلعت منه على غير سرف ورد إشبيلية سنة تسع وتسعين وأربعمائة واتصل بابن زهر فناهيك من حظ في أكنافه جال ومن لحظ فيما أراده أجال ومن أمل استوفر وحظ مسك أذفر ومن وجه جاه له أسفر سلك به ساحة الرغائب وتملك بسببه إباحة الحاضر والغائب وقال فما نبذت مقالته وأقال فما قيدت إقالته وكان حلو المجالسة مجلو المؤانسة ذا نشب وافر ومذهب في المساهمة سافر إلا أنه كان كلفا بالفتيان معنى بهم في كل الأحيان ونيف على السبعين وهو برداء الصبوة مرتد وبعترتها معتد مع أدب زهرته ترف وكأنه بحر والألباب منه تغترف وقد أثبت له بعض

ما وجدت له في الغلمان وأنشدت له في تلك الأزمان فمن ذلك قوله رحمه الله تعالى
( إن ذكرت العقيق هاجك شوق ... رب شوق يهيجه الادكار )
( يا خليلي حدثاني عن الرك ... ب سحيرا أأنجدوا أم أغاروا )
( شغلونا عن الوداع وولوا ... ما عليهم لو ودعوا ثم ساروا )
( أنا أهواهم على كل حال ... عدلوا في هواهم أم جاروا )
وعلق بإشبيلية فتى يعرف بابن المكر وبات من حبه طريحا بين أيدي الوساوس والفكر لا يمشي إلا صبا ولا يفشي إلا غراما وحبا وما زال يقاسي لوعته مقاساة يناجي به صرعته ويكابد جواه ويلازم هواه حتى اكتسى خده بالعذار وانمحت عنه بهجة آذار فسلا من كلفه وتصدى ذلك لمواصلته بصلفه فقال
( الآن لما صوحت وجناته ... شوكا وأضحت سلوة العشاق )
( واستوحشت منه المحاسن واكتست ... أنوار وجهك واهن الأخلاق )
( أمسيت تبذل لي الوصال تصنعا ... خلق اللئيم وشيمة المذاق )
( هلا وصلت إذ الشمائل قهوة ... وإذ المحيا روضة الأحداق )
( يا كم أطلت غرام قلب موجع ... كم قد ألب إليك بالأشواق )
( ما كنت إلا البدر ليلة تمه ... حتى قضت لك ليلة بمحاق )
( لاح العذار فقلت وجد نازح ... إن ابن داية مؤذن بفراق )
وله فيه مناقضا لذلك الغرض معارضا للوعة سلوه الذي كان عرض
( يلومون في ظبي تزايد حسنه ... بخطين خطا لوعتي وغراميا )

( وقد كنت أهوى خده وهو عاطل ... فكيف وقد أضحى لعيني حاليا )
وله أيضا في مثله
( أجيل الطرف في خد نضير ... يردد ناظري نظري إليه )
( إذا رمدت بحمرته جفوني ... شفاها منه إثمد عارضيه )
11 - أبو الحسن علي بن جودي
برز في الفهم وأحرز منه أوفر سهم وعانى العلوم بقريحة ذكية وواخى ينفس في المعارف زكية وله أدب واسع مداه يانع كالروض بلله نداه ونظم أرق من دمع العاني ولطيف المعاني وأعبق من نفس الخمائل في أكف الصبا والشمائل ونثر كالزهر المطلول أو السلك المحلول إلا أنه سها فأسرف وزها بما لا يعرف وتصدى إلى الدين بالافتراء ولم يراقب الله تعالى في ذلك الاجتراء واشتهرت عنه في ذلك أقوال سدد إلى الملة نصالها وأبدى بها ضلالها فعظمت به المحنة وكمنت له في كل نفس إحنة وما زال يتدرج فيها وينتقل حتى عثر وما كاد يستقل فمر لا يلوي على تلك النواحي وفر لا ينثني إلى لوائم ولواحي وما زال يركب الأهواء ويخوضها ويذلل النفس بها ويروضها حتى أسمحت ببعض الإسماح وكفت عن ذلك الجماح واستقر عند أبي مالك فآواه ومهد له مثواه وجعله في جملة من اختص من المبطلين واستخلص من المعطلين فكثيرا ما يصطفيهم ولا يدري أيدخرهم أم يقتنيهم وقد أثبت له ما يبهر سامعا ويظهر برقا لامعا فمن ذلك قوله
( أحن إلى ريح الشمال فإنها ... تذكرنا نجدا وما ذكرنا نجدا )
( تمر على ربع أقام به الهوى ... وبدل من أهليه جاثمة ربدا )

( فيا ليت شعري هل تقضى لبانة ... فأرتشف اللميا وأعتنق القدا )
( خليلي لا والله ما أحمل الهوى ... وإن كنت في غير الهوى رجلا جلدا )
وقوله أيضا
( سل الركب عن نجد فإن تحية ... لساكن نجد قد تحملها الركب )
( وإلا فما بال المطي على الوجى ... خفافا وما للريح مرجعها رطب )
وقوله أيضا
( إذا ارتحلت غربية فاعرضا لها ... فبالغرب من نهوى له البلد الغربا )
( لقد ساءنا أنا بعيد وأننا ... بأرضين شتى لا مزارا ولا قربا )
( يفجعنا إما بعاد مبرح ... وإما أمور باعثات لنا كربا )
( ظعنا على حكم الليالي وخطبها ... فيا ليت لم ندر الليالي ولا الخطبا )
( وكنت أرجي الدهر بعد الذي مضى ... ديارا وقربا والأصادق والصحبا )
( أحقا يسير الركب لم ترتحل بنا ... إليك ولم تحد الحداة لنا ركبا )
وقوله أيضا
( لقد هيج النيران يا أم مالك ... بتدمير ذكرى ساعدتها المدامع )
( عشية لا أرجو لقاءك عندها ... ولا أنا أن يدنو مع الليل طامع )
وقوله أيضا
( حننت إلى البرق اليماني وإنما ... نعالج شوقا ما هنالك هانيا )
( فيا راكبا يطوي البلاد تحملن ... تحيتنا إن كنت تلجأ لاقيا )
( ليالينا بالجزع جزع محجر ... سقى الله يا فيحاء تلك اللياليا )
( وما ضر صحبي وقفة بمحجر ... أحيي بها تلك الرسوم البواليا )

وله أيضا
( خليلي من نجد فإن بنجدهم ... مصيفا لبيت العامري ومربعا )
( ألا رجعا عنها الحديث فإنني ... لأغبط من ليلى الحديث المرجعا )
( عزيز علينا يا ابنة القوم أننا ... غريبان شتى لا نطيق التجمعا )
( فريق هوى منا يمان ومشئم ... يحاول يأسا أو يحاول مطمعا )
( كأنا خلقنا للنوى وكأنما ... حرام على الأيام أن تتجمعا )
ووجدت له في بعض نسخ المطمح قوله أيضا
( سقى دارك الآتي ببطن محصب ... مثاكيل من وفد الغمام المرنح )
( ألم تعلمي يا فتنة القلب أنني ... تطارحت من حبي لكم كل مطرح )
( إذا نعبت غربان دار وجدتني ... وشوقي مقيم بين ناء ونزح )
وله أيضا
( ألا خبر وللبلوى ضروب ... وفيك لكل مشتاق حبيب )
( حباك الله بالنعمى فنونا ... وجر لكم مع النعمى خطوب )
( متى تقضي بخسفتك الليالي ... وتعصف فيكم ريح هبوب )
( فإنكم تجرون المنايا ... وتعمر من مجانيكم قلوب )
وقد ذكر في المطمح له تخميسا جاريا على ألسنة الناس إلى الآن وهو
( أيا ساكنين بارض اللوى ... وصالكم لسقامي دوا )
( وعافاكم الله من ذا الجوى ... ملكتم فؤادي فصار الهوى )
( علي رقيب رقيب رقيب ... )

( ولما تبدت لهم حالتي ... وما حرك الهجر من زفرتي )
( بكوا رحمة لي من ساعتي ... فقلت متى الوصل يا سادتي )
( فقالوا قريب قريب قريب ... )
وهو وإن لم يكن في ذروة البلاغة فقد ذكرته لأنه مطروق بالمغرب عند أهل التلاحين وغيرهم
ولنذكر بعض نص خطبة المطمح قال رحمه الله تعالى فيه أما بعد حمد الله الذي أشعرنا إيمانا وإلهاما وصير لنا أفهاما ويسر لنا برود آداب ونشرنا للانبعاث لإثباتها والانتداب وصلى الله على سيدنا محمد الذي بعثه رحمة ونبأه منة منه ونعمة وسلم تسليما فإنه كان بالأندلس أعلام فتنوا بسحر الكلام ولقوا منه كل تحية وسلام فشعشعوا البدائع وروقوها وقلدوها بمحاسنهم وطوقوها ثم هووا في مهاوي المنايا وانطووا بأيدي الرزايا وبقيت مآثرهم الحسان غير مثبتة في ديوان ولا مجملة في تصنيف تجتلي فيه العيون وتجتني منه زهر الفنون إلى أن أراد الله تعالى إظهار إعجازها واتصال صدورها بأعجازها فحللت من الوزير أبي العاصي حكم بن الوليد عند من رحب وأهل وأعل بمكارمه وأنهل وندبني إلى أن أجمعها في كتاب وأدركني من التنشط إلى إقبال ما ندب إليه وكتابة ما حث عليه فأجبت رغبته وحليت بالإسعاف لبته وذهبت إلى إبدائها وتخليد عليائها وأمليت منها في بعض أيام ثلاثة أقسام القسم الأول يشتمل على سرد غرر الوزراء وتناسق درر الكتاب والبلغاء القسم الثاني يشتمل على محاسن أعلام العلماء وأعيان القضاة والحكماء القسم الثالث يشتمل على ذكر محاسن الأدباء النوابغ النجباء انتهى

وهذه خطبة المطمح الصغير وأما الكبير والآوسط فضمنهما ذكر الملوك والسلاطين حسبما نقلنا بعضه فيما مر من هذا الكتاب على أننا نقلنا بعضا من الصغير أيضا فليعلم ذلك من يقف على هذا الكتاب ومن له أدنى ممارسة وليراجع من الترجمة الفرق بين كلامه في الصغير وغيره وبالجملة فما رأيت ولا سمعت أحلى من عبارة الفتح رحمه الله تعالى في تحلية الناس ووصف أيام الانس وليس الخبر كالعيان وقد سردنا بعض كلامه في القلائد وفي المطمح

قطعة من الموشحات
ولنرجع الآن إلى ما كنا بصدده من أمر التوشيح فنقول وتمام موشحة ابن سهل التي عارضها لسان الدين هو قوله
( هلا درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صب حله عن مكنس )
( فهو في حر وخفق مثلما ... لعبت ريح الصبا بالقبس )
( يا بدورا أطلعت يوم النوى ... غررا تسلك بي نهج الغرر )
( ما لقلبي في الهوى ذنب سوى ... منكم الحسن ومن عيني النظر )
( أجتني اللذات مكلوم الجوى ... والتذاذي من حبيبي بالفكر )
( كلما أشكوه وجدا بسما ... كالربى بالعارض المنبجس )
( إذ يقيم القطر فيها مأثما ... وهي من بهجتها في عرس )
( غالب لي غالب بالتؤده ... بأبي أفديه من جاف رقيق )
( ما رأينا مثل ثغر نضده ... أقحوانا عصرت منه رحيق )
( أخذت عيناه منه العربده ... وفؤادي سكره ما إن يفيق )

( فاحم الجمة معسول اللمى ... أكحل اللحظ شهي اللعس )
( وجهه يتلو الضحى مبتسما ... وهو من إعراضه في عبس )
( أيها السائل عن ذلي لديه ... لي جزاء الذنب وهو المذنب )
( أخذت شمس الضحى من وجنتيه ... مشرقا للصب فيه مغرب )
( ذهبت أدمع أجفاني عليه ... وله خد بلحظي مذهب )
( يطلع البدر عليه كلما ... لاحظته مقلتي في الخلس )
( ليت شعري أي شيء حرما ... ذلك الورد على المغترس )
( كلما أشكو إليه حرقي ... غادرتني مقلتاه دنفا )
( تركت ألحاظه من رمقي ... أثر النمل على صم الصفا )
( وأنا أشكره فيما بقي ... لست ألحاه على ما أتلفا )
( فهو عندي عادل إن ظلما ... وعذولي نطقه كالخرس )
( ليس لي في الحب حكم بعدما ... حل من نفسي محل النفس )
( منه للنار بأحشائي اضطرام ... يلتظي في كل حين ما يشا )
( وهي في خديه برد وسلام ... وهي ضر وحريق في الحشا )
( أتقي منه على حكم الغرام ... أسد الغاب وأهواه رشا )
( قلت لما أن تبدى معلما ... وهو من ألحاظه في حرس )
( أيها الآخذ قلبي مغنما ... اجعل الوصل مكان الخمس )
وقد عارض هذا الموشح أيضا بعض متأخري المغاربة فقال
( يا عريب الحي من حي الحمى ... أنتم عيدي وأنتم عرسي )
( لم يحل عنكم ودادي بعدما ... حلتم لا وحياة الأنفس )

( من عذيري في الذي أحببته ... مالك قلبي شديد البرحا )
( بدر تم أرسلت مقلته سهم لحظ لفؤادي جرحا )
( إن تبدى أو تثنى خلته ... غصن بان فوقه شمس ضحى )
( تطلع الشمس عشاء عندما ... تنجلي منه بأبهى ملبس )
( وترى الليل أضا منهزم ... وترى الصبح أضا في الغلس )
( يا حياة النفس صل بعد النوى ... والها مضنى شديد الشغف )
( قد براه السقم حتى ذا الهوى ... كاد أن يفضي به للتلف )
( آه من ذكر حبيب باللوى ... وزمان بالمنى لم يسعف )
( كنت أرجو الطيف يأتي حلما ... عائدا يا نفس من ذا فايأسي )
( هل يعود الطيف صبا مغرما ... ساهرى أجفانه لم تنعس )
( همت في أطلال ليلى وأنا ... ليس في الأطلال لي من أرب )
( ما مرادي رامة والمنحنى ... لا ولا ليلى وسعدى مطلبي )
( إنما سؤلي وقصدي والمنى ... سيد العجم وتاج العرب )
( أحمد المختار طه من سما ... الشريف ابن الشريف الكيس )
( خاتم الرسل الكريم المنتمى ... طاهر الأصل زكي النفس )
وقال في مباراة هذه الموشحات السابقة
( لا تلمني يا عذولي تأثما ... ما ترى جسمي بسقم قد كسي )
( مثلما شرح غرامي علما ... حيث أشكو وحشة من مؤنس )

( ظبي أنس عن فؤادي نفرا ... وفؤادي مكتو من صده )
( وعذولي في هوى الحب فرى ... بملام مذ نهى عن وده )
( أنت أعمى يا عذولي ما ترى ... يانع الورد بدا من خده )
( وله ثغر إذا ما ابتسما ... كبروق أومضت في الغلس )
( وثناياه كدر نظما ... فضياها في الدجى كالقبس )
( كم ترى سحرى بجفنيه بدا ... لفؤاد في الهوى أضحى كليم )
( ليس سحر مقلتي هذا سدى ... يا فؤادي إن شفى السحر السقيم )
( خيفة أوجس قلبي وغدا ... راحلا صبري وها شوقي مقيم )
( يا إله العرش يا رب السما ... يا عليما بضمير الأنفس )
( قلبي الولهان يشكو ألما ... من جفا ظبي أغن أكيس )
( أغيد يسبي البرايا بالمقل ... أدعج الجفن بعينيه حور )
( لو رأته الشمس أضحت في خجل ... وهو للبدر بوجه قد قمر )
( من معاني حسنه رق الغزل ... في غزال قد غزاني بالنظر )
( آخذ بالروح مني كلما ... رمق الصب بطرف أنعس )
( يقنص الأسد بلحظ قد رمى ... أسهما تفتك من غير قسي )
( يا رعى الله زمانا سلفا ... بلويلات تقضت بانشراح )
( مثل دينار وها قد صرفا ... في ألذ العيش مع حب وراح )
( فاعذروا القلب الذي قد شغفا ... بحبيب ما له عنه براح )
( بدر تم أهيف حلو اللمى ... ريقه شهد شهي اللعس )
( كسلاف عهدها قد قدما ... تنجلي في كأسها كالعرس )

( قهوة بكر عجوز عتقت ... زمنا في دنها من قبل نوح )
( هي لما في زجاج أشرقت ... شمس راح غربت في كل روح )
( جددت بسطا وكم قد مزقت ... قلب صب في غبوق وصبوح )
( حلف الخمار عنها قسما ... أنها بالمكث كادت تنتسي )
( فاسقني صرفا ولا تمزج بما ... راحه كم أذهبت من عبس )
( في رياض قد شدا شحروره ... عاطنيها بين أكناف الشجر )
( وانظم الشمل ودع منثوره ... حول ورد وأقاح وزهر )
( وإذا الطل بدا شبوره ... كلل الأوراق منه بالدرر )
( ما ترى الريحان عبدا خدما ... حيث أضحى واقفا في المجلس )
( جلس النسرين لكن ربما ... إستحت منه عيون النرجس )
( فتنزه في رياض خضر ... وغصون غردت فيها هزار )
( وانتشق عرف زهور عطر ... ياسمين زينته الجلنار )
( وشذا الزهر كمسك أذفر ... واقبل العذر لابن البزددار )
( طامع في رحمة الله وما ... خاب عبد طامع لم ييأس )
( يا إلهي جد علينا كرم ... يا كريما قبل أخذ الأنفس )

رجع إلى موشحات ابن الخطيب
قال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى ومما قلته من الموشحات التي انفرد باختراعها الأندلسيون وطمس الآن رسمها

( رب ليل ظفرت بالبدر ... ونجوم السماء لم تدر )
( حفظ الله ليلنا ورعى ... )
( أي شمل من الهوى جمعا ... )
( غفل الدهر والرقيب معا ... )
( ليت نهر النهار لم يجر ... حكم الله لي على الفجر )
( علل النفس يا أخا العرب ... )
( بحديث أحلى من الضرب ... )
( في هوى من وصاله أربي ... )
( كلما مر ذكر من تدري ... قلت يا برده على صدري )
( صاح لا تهتمم بأمر غد ... )
( وأجز صرفها يدا بيد ... )
( بين نهر وبلبل غرد ... )
( وغصون تميل من سكر ... أعلنت يا غمام بالشكر )
( يا مرادي ومنتهى أملي ... )
( هاتها عسجدية الحلل ... )
( حلت الشمس منزل الحمل ... )
( وبرود الربيع في نشر ... والصبا عنبرية النشر )
( غرة الصبح هذه وضحت ... )
( وقيان الغصون قد صدحت ... )
( وكأن الصبا إذا نفحت ... )

( وهفا طيبها عن الحصر ... مدحة في علا بني نصر )
( هم ملوك الورى بلا ثنيا ... )
( مهدوا الدين زينوا الدنيا ... )
( وحمى الله منهم العليا ... )
( بالإمام المرفع الخطر ... والغمام المبارك القطر ... )
( إنما يوسف إمام هدى ... )
( حاز في المعلوات كل مدى ... )
( قل لدهر بملكه سعدا ... )
( افتخر جملة على الدهر ... كافتخارالربيع بالزهر )
( يا عمادالعلاء والمجد ... )
( أطلع العيد طالع السعد ... )
( ووفى الفتح فيه بالوعد ... )
( وتجلت فيه علىالقصر ... غرر من طلائع النصر )
( فتهنأ من حسنه البهج ... )
( بحياة النفوس والمهج ... )
( واستمعها ودع مقال شجي ... )
( قسما بالهوى لذي حجر ... ما لليل المشوق من فجر )
ومن بديع موشحات لسان الدين رحمه الله تعالى قوله

( كم ليوم الفراق من غصه ... في فؤاد العميد )
( نرفع الأمر فيه والقصة ... للولي الحميد )
( رحل الركب يقطع البيدا ... بسفين النياق )
( كل وجناء تتلع الجيدا ... وتبذ الرفاق )
( حسبت ليلة اللقا عيدا ... فهي ذات اشتياق )
( صائمات لا تقبل الرخصه ... قبل فطر وعيد )
( فهي مذ أملته مختصه ... بجهاد جهيد )
ومنه في آخره
( يا إمام العلاء والفخر ... ذا السنا المبهج )
( هاكها لا عدمت في الدهر ... آملا يرتجي )
( عارضت قول بائع التمر ... بمقال شجي )
( غربوك الجمال يا حفصه ... من مكان بعيد )
( من سجلماسة ومن قفصه ... وبلاد الجريد )
وقد ألف رحمه الله تعالى في هذا الفن كتابه المسمى بجيش التوشيح وأتى فيه بالغرائب وذيل عليه صاحبنا وزير القلم بالمغرب العلم الشهير المنفرد في عصره بحيازة قصب السبق في البلاغة سيدي عبد العزيز بن محمد الفشتالي رحمه الله تعالى بكتاب سماه مدد الجيش واستهله بقوله حمدا لمن أمد جيش محمد بعترته وأتى فيه بكثير من موشحات أهل عصرنا من المغاربة

وضمنه من كلام أمير المؤمنين مولانا المنصور أبي العباس أحمد الشريف الحسني رحمة الله تعالى ورضوانه عليه ما زاده زينا وأخبرني رحمه الله تعالى أنه ذكر فيه لأهل العصر في أمير المؤمنين ولأمير المؤمنين المذكور أزيد من ثلاثمائة موشح ولا حرج في إيراد بعضها هنا فمنها قول أحد الوافدين من أهل مكة على عتبة السلطان مولانا المنصور وهو رجل يقال له أبو الفضل ابن محمد العقاد وقد عارض بها موشحتي لسان الدين وابن سهل السابقتين
( ليت شعري هل أروي ذا الظما ... من لمى ذاك الثغير الألعس )
( وترى عيناي ربات الحمى ... باهيات بقدود ميس )
( يدخلون السقم من دار اللوى ... كلم الهجر فؤادي وأسر )
( هد من ركن اصطباري والقوى ... مبدلا أجفان نومي بالسهر )
( حين عز الوصل عن وادي طوى ... هملت أعين دمعي كالمطر )
( فعساكم أن تجودوا كرما ... بلقاكم في سواد الحندس )
( وتداووا قلب صب مغرما ... من جراحات العيون النعس )
( كلما جن ظلام الغسق ... هزني الشوق إليكم شغفا )
( واعتراني من جفاكم قلقي ... مذ تذكرت جيادا والصفا )
( وتناهت لوعتي من حرقي ... ثم زاد الوجد في التلفا )

( فانعموا لي ثم جودوا لي بما ... يطف نيران الجوى ذي القبس )
( ساعة لي من رضاكم مغنما ... وتداوي جثتي مع نفسي )
( كنت قبل اليوم في زهو وتيه ... مع أحبابي بسلع ألعب )
( ومعي ظبي بإحدى وجنتيه ... مشرق الشمس وأخرى مغرب )
( فرماني بسهام من يديه ... ضارب البين فقلبي متعب )
( لست أرجو للقاهم سلما ... غير مدحي للإمام الأرأس )
( أحمد المحمودحقا من سما ... الشريف ابن الشريف الكيس )
ومنها قول بعض المراكشيين
( واخجلتا للصباح ... والشمس إذلاح جؤذر )
( ساق يدير الكؤوسا ... تضيء خمرا وتزهر )
( تقادمت في الدنان ... من عهد نوح تروق )
( في لونها البهرماني ... تدار فينا وتعبق )
( قد أطلقت من عنان ... من عن صبوح يرقق )
( يسعى بها من ملاح ... من كان باللحظ يسكر )
( بالحسن يصبي الجليسا ... ويستخف الموقر )

( يثير كامن وجد ... في قلب كل سقيم )
( يسطو علينا بقد ... يزري بغصن قويم )
( أشقى بعشقي وودي ... في جنة ونعيم )
( من ذي الوجوه الصباح ... ياشادنا غن واذكر )
( وهات لحنا نفيسا ... نرويه عنك ونأثر )
( في مدح من ساد طفلا ... هذي الباريا وفاقا )
( من حاز مجدا وفضلا ... بين الأنام وفاقا )
( في عدله قال قولا ... يسري فيعدو العراقا )
( في احمد ذي السماح ... في الشرق والغرب ينصر )
( أحيا الهدى والنفوسا ... وذل ملة قيصر )
( تراه سلما وحربا ... من رأيه في جنوده )
( يختال لم يبغ عجبا ... من عزه في بروده )
( يهوى المعالي كسبا ... ويقتنيها بجوده )
( فخار أهل البطاح ... وعز من قد تمصر )
( ثناه يملا الطروسا ... عن صورة المجد عبر )
( ملك بنى في البديع ... منازلا كالدراري )
( فيا له من صنيع ... الروض والماء جاري )
( فقل بصوت رفيع ... إذ بان فجر النهار )

( أهدى نسيم الصباح ... مسكا شميما وعنبر )
( وجىء بها خندريسا ... من خد ساقيه تعصر )
ومن موشحات السلطان المنصور المذكور
( ريان من ماء الصبا ... أهيف وممتلي البرد )
( كالغصن هزته الصبا ... فوق الربى الشهب )
( قد قلت لما أن سبى ... بحسنه يسبي )
( من عينه سل ظبى ... وغمدها قلبي )
( أسرني ماضي الشبا ... أوطف مرنح القد )
( يا فاضح الروض سنا ... بل مخجل البدر )
( وقاطعي ظلما عنا ... ومن مقره صدري )
( إن لم تكن شمس دنا ... فإنها تجري )
( علقته من الظبا ... أسجف يسطو على الأسد )
( قلت له وقد نهد ... وجد في حربي )
( وغلب الظبي الأسد ... ففاز بالغلب )
( الشمس برجها الأسد ... فاسع إلى قلبي )
ولم يحضرني الآن تمامها
ومنها قوله يعارض لسان الدين وابن الصابوني

( وليالي الشعور إذ تسري ... ما لنهر النهار من فجر )
( حبذا الليل طال لي وحدي ... )
( لو تراني جعلته بردي ... )
( فاطميا في خلعة الجعدي ... )
( هي ليلى أخت بني بشر ... فأين أنت يا أبا بدر )
( كم سقطنا ألطف من طل ... )
( واجتمعنا وما درى ظلي ... )
( واسترحنا من كاشح نذل ... )
( رب ليل ظفرت بالبدر ... ونجوم السماء لم تدر )
( وبنفسي مهفهف ألمى ... )
( ومطيع وغرني لما ... )
( سألته وقانعي مما ... )
( في رباط قسمتني صدري ... لحنين وناظري بدر )
( وهلال في حسنه اكتملا ... )
( هو شمس وأضلعي الحملا ... )
( قام يشدو وينثني في ملا ... )
( قسما بالهوى لذي حجر ... ما لليل المشوق من فجر )

من مقطعات المنصور
ثم عن لنا أن نورد هنا جملة من مقطوعات مولانا السلطان المنصور مما تلقيناه عنه أيام كوننا في إيالته الشريفة فمن ذلك قوله رادا على من قال في ابن أبي الحديد
( لقد أتى باردا ثقيلا ... ولم يرث ذاك من بعيد )
( فهو كما قد علمت شيء ... أشهر ما كان في الحديد )
ما صورته
( لقد أتى صارما صقيلا ... ولم يرث ذاك من بعيد )
( شديد بأس متى يعادي ... وشدة البأس في الحديد )
ومن نظمه قوله
( لله تمر طيب ... وافى على البشرى انطوى )
( يا حسنه مجتمعا ... يحلو لنا بلا نوى )
وقوله معميا في قمر على طريقة الاكتفاء
( معذبي أعجزني نيله ... من لي بمن مسكنه في السما )
( لم أنس إذ قال إلا تكتفي ... قلت بمن بالطرف قلبي رمى )
وقوله
( تبدى وزند الشوق تقدحه النوى ... فتوقد أنفاسي لظاه وتضرم )
( وهش لتوديعي فأعرضت مشفقا ... على كبد حرى وقلب يقسم )

( ولولا ثواه بالحشا لأهنتها ... ولكنها تعزى إليه فتكرم )
( فاعجب لآساد الشرى كيف أحجمت ... على أنه ظبي الكناس ويقدم )
وقال قدس الله تعالى روحه موريا
( إن يوما لناظري قد تبدى ... فتملى من حسنه تكحيلا )
( قال جفني لصنوه لا تلاقي ... إن بيني وبين لقياك ميلا )
وقد تبارى خدام حضرة هذا السلطان في تخميس هذين البيتين ومن أشهر ذلك قول الأستاذ الحافظ سيدي أحمد الزموري رحمه الله تعالى وكان يصلي بالسلطان التراويح
( ورقيب يردد اللحظ ردا ... ليس يرضى سوى ازديادي بعدا )
( ساءه الطرف مذ جنى الخد وردا ... إن يوما لناظري قد تبدى )
( فتملى من حسنه تكحيلا ... )
( وتصدى من فحشه في استباق ... يمنع اللحظ من جنى واعتناق )
( أيأس العين من لحاظ ائتلاق ... قال جفني لصنوه لا تلاقي )
( إن بيني وبين لقياك ميلا ... )
ومن نظم السلطان المذكور وهو من أوليات شعره قوله في ورده مقلوبة بين يدي محبوبه
( ووردة شفعت لي عند مرتهني ... راقت وقد سجدت لفاتر الحدق )
( كأن خضرتها من فوق حمرتها ... خال على خده من عنبر عبق )
وقال أيضا من أولياته

( شادن نم عليه عرفه ... ما خلاصي من سهام كامنه )
( أحلال فيه أني خائف ... وغزالي بعد خوفي آمنه )
وقال في وصف رقيب ملازم
( رقيبي كأن الأرض مرآة شخصه ... فأين تولى الطرف مني يراه )
( مقيم بوجه الوصل حتى كأنما ... وصالي هلال والسواد صداه )
وقال
( أيا روضة ضنت علي بزهرها ... ولم يتلق ناظراي سواك )
( أبيحي لنفسي من شذاك بقاءها ... إذا فت طرفي عل الانف يراك )
وقال أيضا
( على جدول غطت عليه بشعرها ... لئلا يرى الشمس الرقيبة لي طرف )
( فبت أرى في جدول بدر وجهها ... غريقا ونقطات العبير به كلف )
وقال
( طرقت حماه والأسود خوادر ... به فتولى بالظبى وهو يبعد )
( فعلمت آساد الشرى كيف تقدم ... وعلم غزلان النقا كيف تشرد )
وقال
( لما نأى المحبوب رق لي الدجى ... وأتى يعللني برعي كواكبه )
( أولى غراب البين ردك يا حشا ... والبين مزني الصباح كواك به )

وقال معميا باسم حظيته الشهيرة الحسن والإحسان نسيم
( يا هلالا طلوعه بين جفني ... وغزالا كناسه بين جنبي )
( إن سهما رميت غادر هما ... لو تناهى ما شك آخر قلبي )
ورأيت بخطه على هذا المحل ما صورته قولي إن سهما تنصيص وغادر هما إسقاط وهو إشارة لإسقاط هما من هذا الاسم وقولي لو تناهى انتقاد والانتقاد الإشارة إلى بعض أجزاء الكلمة ليؤخذ جزء الاسم المطلوب كأن يذكر الوجه أو الصدر أو التاج أو الرأس ويعني به الحرف الأول من الكلمة والقلب والجوف والحشا والخصر ويراد به الوسط والآخر والمنتهى والختام ويقصد به آخر الكلمة فقولي لو تناهى معناه أنه أخذ لفظة هم غير متناه فبقيت الميم من هما وقولي ما شك آخر قلبي انتقاد أيضا وأردت بآخر قلبي الياء ويسمى أيضا التسمية وهو أن تذكر الاسم وتريد المسمى او تذكر المسمى وتريد الاسم وقد تم الاسم
واعلم أنهم لم يشترطوا في استخراج الاسم بطريق التعمية حصولها بحركاتها وسكناتها بل اكتفوا بحصول الكلمة من غير ملاحظة لهيئاتها الخاصة فإذا وقع ذلك فمن المحسنات ويسمى العمل التذييلي انتهى كلامه على البيتين في اسم نسيم
وقال في اسم غزال وقد جمع تعميتين ولغزا
( وأملد مطوي الحشا زال ردفه ... فلا خصر إلا إن تصورته وهما )
( بنصف اسمه يرمي القلوب وعكس ما ... بقي ابدا أذن المحب به أصمى )

78 - وكتب عليه ما صورته قولي أملد أردت به بعمل الترادف غصن ومطوي الحشا انتقاد و زال ردفه قضيت به غرضين أزلت به النون بعمل الإسقاط الباقي بعد طي الصاد التي بوسطه وأثبته أعني زال في مواضعها أي النون من غصن والحال أن الصاد محذوفة وذلك بعمل الانتقاد وأوضحت ذلك بقولي فلا خصر وآن كنت لا أحتاج إليه لئلا يكون في البيت شيء خارج عن التعمية انتهى تفسيره رحمه الله تعالى
ويعني بقوله بنصف اسمه يرمي القلوب غز لأنه نصف غزال ويعني بقوله وعكس ما بقي إلى آخره لفظة لا لأنها مقلوب ما بقي وهو ال
وقال في اسم سلاف على منهاج ما تقدم
( وأحور وسنان الجفون كأنما ... سقى لحظه من ريق فيه بقرقف )
( نضا صارما لا فل صارم لحظه ... تزايد فيه منذ سل تلاه في )
وفسره بقوله قولي تلاه في من طريق التسمية وفي من العمل التذييلي وهو أن يأتي بالكلمة بحركاتها وسكناتها وهي من المحسنات كما سبق
وقال في اسم آمنة من التعمية أيضا
( من شقائي قنصته وهو خشف ... في رضاه عن الملوك ابتدلت )
( أملد منه مذ تحلل خصر ... وتثنى عن حبه ما عدلت )
وكتب عليه ما صورته قولي أملد أردت الألف بعمل التشبيه وخصر منه انتقاد وأردت بالخصر وسط لفظ منه وتحلله أن ينحل السكون الذي على النون وقولي وتثنى أي الألف من التثنية لا التثني فتم الاسم

بحركاته وعدده انتهى تفسيره
وقال وقد لبس منصورية من النوع الذي يقال له قلب حجر والمنصورية نوع لبس معروف بالمغرب استخرجه السلطان المذكور وأضافه إلى اسمه
وصفوا اشتياقي للحبيب وسرهم ... قول الحبيب أنا أنا فيه )
( قلبي له حجر فقلت مغالطا ... للعاذل المؤذي أنا فيه )
قال وفي هذين البيتين عدة من المحسنات غير التعمية منهاجناس التركيب المسى بالملفق وحده بأن يكون كل من الركنين مركبا من كلمتين وهذا هو الفرق بين الملفق وبين المركب وقل من فرق بينهما ومنها الانسجام ومنها الاستخدام وعهدي بالفقيه علي بن منصور الشيظمي تعرض إلى شرحهما بكراسة والتعمية في هذين البيتين بالعمل الحسابي وهو كثير إلا أن هذا العمل أحسبني أبا عذرته إذ لم أره لغيري ومادة التعمية فيه أنا أنافيه قلبي له حجر فقولي انا أنافيه معناه أن تضرب أنا في ه وقولي في ه نص في الضرب ويخرج من هذا مائتان وستون عدد حروف هيماني وحقك وقولي قلبي له حجر بعمل القلب يصير رجح فصار المجموع هيماني وحقك يرجح وفيه التورية وهيماني وحقك الخارج من هذا الضرب فيه تهكم بالواشي فهو من المحسنات أيضا أعني قوله وحقك ويصلح أن تسمى هذه التعمية بالافتنان لأن الافتنان عندهم أن يفتن الشاعر فيأتي بفنين متضادين من فنون الشعر في بيت واحد وهذا وقع التضاد فيه في كلمة واحدة فظاهر أن أنافيه يضاد هيماني وحقك يرجح الذي يخرج بطريق الحساب فافهمه ويمكن استخراج تعمية أخرى من قولي للعاذل المؤذي أنافيه انتهى

والاستخدام الذي اشار إليه هو في قوله أنا فيه أي في هذا الثوب المسمى بقلب حجر كما دلت عليه الحكاية وأما المعنى الثاني لقوله أنا فيه فظاهر
وقال وقد قطف وردة من روض المسرة في زمن النرجس
( وافى بها البستان صنوك وردة ... يقضي بها لما مطلت وعودا )
( أهدى البهار محاجرا وأتى بها ... في وقته كيما تكون خدودا )
( فبعثتها مرتادة بنسيمها ... تثني من الروض النضير قدودا )
وقال
( لي حبيب يأتي بكل غريب ... هو عندي منكر ومعرف )
( لست أشكو لصيرفي ونحوي ... أنه بي نحا وفي تصرف )
( فعله في لازم متعد ... ومزيد مجرد ومضعف )
وقال
( لا وطيف علم السيف فقد ... في قوام كقنا الخط نهد )
( ووميض لاح لما بسمت ... فأرتنا منه درا او برد )
( ما هلال الأفق إلا حاسد ... منه حسنا وعلاء وغيد )
( ولذا عاش قليلا ناحلا ... كيف لا يفنى نحولا من حسد )
وقد ضمن قوله ما هلال الأفق أديب زمانه الشيخ إمام الدين الخليلي الوافد على حضرته من بيت المقدس فقال
( قسما بالبيت والركن الذي ... طاب حجا واستلاما للأبد )
( ما هلال الأفق إلا حاسد ... منه حسنا وعلاء وغيد )
وقد اتفق لإمام الدين هذا أنه اجتمع بالحضرة المنصورية هو والعقاد المكي

السابق والشريف المدني وهو رجل وافد من أهل المدينة انتمى إلى الشرف فقال إمام الدين يا أمير المؤمنين إن المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال شد أهلها إليك الرحال هذا مكي وذاك مدني وأنا مقدسي ثم أنشد
( إن أمير المؤمنين أحمد ... بحر الندى وفضله لا يجحد )
( فطيبة ومكة أهلها ... والمسجد الأقصى بذاك شهدوا )
رجع إلى نظم المنصور وقال
( وكيف بقلب في هواه مقلب ... وأنى له بين الضلوع مقام )
( فيا شادنا يرعى الحشا أنت بالحشا ... أما لمحل أنت فيه ذمام )
وقال يخاطب رئيس كتابه صاحبنا سيدي عبد العزيز الفشتالي السابق الذكر
( يا كاتبا ألفاظه ... تغرس روضا ذا فنن )
( إن جوابي للذي ... يشكو دناه اردد حزن )
وقال موريا بمصانعه الثلاثة البديع والمسرة والمشتهى
( بستان حسنك أبدعت زهراته ... ولكم نهيت القلب عنه فما انتهى )
( وقوام غصنك بالمسرة ينثني ... يا حسنه رمانة للمشتهى )
ولولا خوف الإطالة المملة لذكرت من محاسن مولانا أمير المؤمنين المنصور رحمه الله تعالى بعض ما أؤدي به حقه سقى الله تعالى عهاده وقد بسطت الكلام على السلطان المذكور في كتابي روضة الآسى العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام مراكش وفاس وأطال الكلام على ترجمته صاحبنا

الوزير الكبير الشهيد سيدي عبد العزيز بن محمد الفشتالي في كتابه المسمى بمناهل الصفا في فضائل الشرفا وعهدي به اكمل منه ثماني مجلدات وهو مقصور على دولة السلطان المذكور وذويه وألف كاتب أسراره الرئيس أبو عبد الله محمد بن عيسى فيه كتابا سماه الممدود والمقصور من سنا السلطان المنصور وهذه التسمية وحدها مطربة رحم الله تعالى الجميع

رجع إلى التوشيح
كتب إلي بعض أذكياء الأصحاب الأعيان موشحا يمدحني به في آخره عارض به موشح لسان الدين السابق الذي أوله
( جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصل بالأندلس )
ونصه
( عطر الأرجاء لما نسما ... شمأل للصبح عند الغلس )
( وأتت شمس الضحى تنسخ ما ... يقرأ الليل لنا من عبس )
( طاف بالكأس من الزهر فتى ... مولع بالصد عني مذ فتي )
( فتن الألباب لما التفتا ... واحتسى منه ببعض الشفة )
( وأنا ما بين حتى متى ... صده تيه الهوى عن ألفتي )
( وكؤوس الراح بين الندما ... أرجت بالعرف أفق المجلس )
( خمرة صفراء في البلور ما ... أشبه الحان بروض النرجس )
( بادر اللذة واجمع شملها ... بمدام وغلام مطرب )
( ذي عيون ناعسات كم لها ... من فنون السحر ما يلعب بي )
( وافر الأرداف عانى حملها ... ناحل الخصر وذا من عجب )

( كلما أترع كأسا قال ما ... أنت بالشاري حياة الأنفس )
( فابذل الجهد وكن مغتنما ... لنفيس النفس طيب الأنفس )
( فرص الأيام كن منتهزا ... مبتداها قبل حذف الخبر )
( ورحاب الأنس لج منتجزا ... قبل أن تمضي كلمح البصر )
( واجن من زهر الهوى محترزا ... من جنايات هجوم الكبر )
( لا تخف لوما ويمم حيثما ... لاحت اللذات كالمختلس )
( ما مضى أنس ووافى مثلما ... كان ذا الدهر لنا بالحرس )
( للرياض اذهب ترى بلبلها ... لاشتياق الورد مثل الثكل )
( وخدود الورد قد كللها ... دمع طل لاشتياق البلبل )
( وقدود البان قد قام لها ... مانع الوصل بحد الأسل )
( والربى فاحت تحاكي خدما ... وعليهن ثياب السندس )
( جيبها زرر بالزهر كما ... زر بالفضة ثوب الأطلس )
( وجلا الروض لنا أشجاره ... مائسات في قباء أخضر )
( وترى في جيدها نواره ... يتلالاكعقود الجوهر )
( خلع الليل به أطماره ... فغدا كالصبح باهي المنظر )
( وبقاياه زهت فيه أما ... في شفاه الغيد حسن اللعس )
( كعذار في محيا علما ... فبدا للغير لا الملتمس )
( حبذا الصبوة أيام الصبا ... وعيون الشيب في سهو الوسن )
( فإذا أيقظها دهر صبا ... لصروف حد شفريها وسن )
( جرد الشيب لنا بيض الشبا ... واقتفى شرخ شباب وطعن )

( وغدا الإنسان شيخا هرما ... واعتراه لاعج من وجس )
( فات إذ مات فيقضي ندما ... واغتنام الوقت شغل الكيس )
( لا تدع عمرك يمضي هدرا ... أنت إذ ذاك جبان غافل )
( وارق بالجهد من السؤل الذرا ... واجتهد والضرع ضخم حافل )
( إنما الأيام أمثال الشرى ... والجريء الشهم ليث باسل )
( ووحوش الإنس تسعى مغنما ... باردا للأسد المفترس )
( ترك الوهم وخاض الظلما ... وله العزم أضا كالقبس )
( ليس يحظى بالمنى إلا الذي ... كابد الأهوال حتى ظفرا )
( كان للراحة كالمنتبذ ... من وراء الظهر أنى ظهرا )
( مثلما قد بات ذا طرف قذي ... يقطع الليل جميعا سهرا )
( في طلاب العلم حتى علما ... أنه يملا بروح القدس )
( أحمدالناصب فينا علما ... للتقى فاز به من يأتسي )
( حل في مصر وإن كان العلا ... قد عفت لما اعتراها في خلل )
( ورياض الفضل لما أن علا ... نقع جهل جف منهن البلل )
( ازدرت أغصانها حتى خلا ... قاعها من عذب ما يشفي العلل )
( نفرت إذ حل فيها كالسما ... وهو بدر بكمال مكتس )
( حوله الطلاب كالشهب سما ... قدرها من نوره المقتبس )
( أيها الطالب للعلم اتئد ... ليس إلا بابه ينفعكا )
( إن ترم نيل المرجى فاجتهد ... في اتباع للذي يرفعكا )
( علم من يعمل إكسير فزد ... منه واترك حاسدا يدفعكا )

( والزم الأعتاب وانزل بالحمى ... خلاع الربقة من قول المسي )
( باعتقاد فاز من قد لثما ... نعله والكبر شأن المبلس )
( مذ خبرت الناس طرا نظرا ... لمناط الأمر في هذا الزمان )
( لم أجد إلا مقالا صدرا ... عن دعاو أخلفت عند العيان )
( غير ما يمليه فانظر لترى ... درر الألفاظ في سمط البيان )
( ببديع النطق لما نظما ... بهت المنطيق مثل الأخرس )
( وأتى يخضع جمع العلما ... نحو ذا المفرد في الملتمس )
( إنما المجد الرفيع الممتطي ... أرؤس الآساد قسرا مثل ذا )
( يدع المرفوع كالمنهبط ... ثم للنازل يعلي منفذا )
( ناظرا في أمره بالأحوط ... خافض الطرف على حر القذى )
( كل من أم حماه قد حمى ... بحسام العزم هش الملمس )
( فإذاجرد منه انفصما ... جلمد الصخر بذاك الميس )
( حبذا المغرب قطرا بالسنا ... فضله يبهر بدر الأفق )
( قطره الشامخ قد أهدى لنا ... سيدا قد فاق شمس المشرق )
( كل من فاتته أسباب المنى ... بعلاه للثريا يرتقي )
( قل لمن يرجو سوى المذكور ما ... ينبت الزهر بأرض اليبس )
( لا ولا الناس سواء إنما ... رأي من سواهم في هوس )
( لذ بشهم فاز من أمله ... بنوال فاق سح الهامل )
( أثقل السؤدد إذ حمله ... وقر فضل مستبين شامل )
( وحماه الأمن من أم له ... بلغ القصد فبشرى الآمل )

( بحره الوافر بالعلم طما ... كامل الأمداد لم يحتبس )
( نال منه الناس حتى عمما ... مشرقا والغرب للأندلس )
رجع إلى موشحات لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
فمن المنسوب إلى محاسنه قوله
( قد حرك الجلجل بازي الصباح ... والفجر لاح )
( فيا غراب الليل حث الجناح ... )
وهذا مطلع موشح بديع له لم يحضرني الآن تمامه لكوني تركته وجملة من كلام لسان الدين في كتبي بالمغرب جبرها الله تعالى علي وهو معارض للموشح الشهير الذي أوله
( بنفسج الليل تذكى وفاح ... بين البطاح )
( كأنه يسقى بمسك وراح ... )
وهذا المنحى هو الذي سلكه الجمال ابن نباته إذ قال مادحا لجلال الدين الخطيب رحم الله تعالى الجميع
( ما سح محمر دموعي وساح ... على الملاح )
( إلا وفي قلبي المعنى جراح ... )
( بي من بني الأتراك حلو الشباب ... مر السطا )
( عشقته حين عدمت الصواب ... من الخطا )
( تشكو حشا الغزلان منه التهاب ... إذا عطا )
( وربما تشكو الغصون اكتئاب ... إذا خطا )

( ما مس ذاك الغصن بين الوشاح ... إلا وراح )
( قولي عذولي كله في الرياح ... )
( آها لصب دمعه حيث كان ... دمع أريق )
( هذا أسير في وجوه الحسان ... وذا طليق )
( أرق جسمي بالضنى يوم بان ... بدر الفريق )
( فها أنا اليوم له يا فلان ... عبد رقيق )
( يزيد أجفاني ندى وارتياح ... نهي اللواح )
( مثل جلال الدين يوم السماح ... )
( حبر له في الخلق ذكر جميل ... لا يفترى )
( ماح على غيظ الغمام البخيل ... محل الثرى )
( ما رأت العين له من مثيل ... ولا ترى )
( يوقد في أوطانه للنزيل ... نار القرى )
( شرارها في الكيس حمر صحاح ... لها اقتداح )
( لكنها في القلب عذب قراح ... )
( يا مالك العلم وفيض الندى ... جزت المدى )
( فابق وكل العالمين الفدا ... دع العدا )
( أنت الذي أصبح غيث الجدا ... صبح الهدى )
( كم يقتفى منك وكم يقتدى ... ويجتدى )
( علم جلي ونوال صراح ... صفو مباح )
( يروي به راوي الرجا عن رباح ... )

( ومغرم لا يختشي من رقيب ... ولا عذول )
( معلق القلب بشجو عجيب ... ولا وصول )
( يسكر لكن بصفات الحبيب ... لا بالشمول )
( لما رنا الظبي وماس القضيب ... أضحى يقول )
( كم ينتضي جفنك وعطفك صفاح ... على رماح )
( ما ذي محاسن ذي خزاين سلاح ... )
ومن الموشحات الصادرة من المشارقة المعارضة للمغاربة قول عثمان البلطي يمدح القاضي الفاضل
( ويلاه من رواغ ... بجوره يقضي )
( ظبي له إغذاذ ... منه الحفا حظي )
ولم أقف على تمامها وقد بارى بها التوشيح المشهور للمغاربة وهو
( عقارب الأصداغ ... في السوسن الغض )
( تسبي تقى من لاذ ... بالنسك والوعظ )
( من قبل أن يعدو ... علي لم أحسب )
( أن تخضع الأسد ... لجؤذر الربرب )
( ظبي له خد ... مفضض مذهب )
( وشادن يبدو ... في صدغه عقرب )

( رقة زهر الباغ ... في جسمه الفضي )
( وقسوة الأفلاذ ... في قلبه الفظ )
( مهفهف بدع ... أصبحت مغرى به )
( قلبي له ربع ... لو كنت في قلبه )
( أصابني صدع ... مذ لج في عتبه )
( السهد والدمع ... حظي من قربه )
( والعين لا ينساغ ... لها جنى الغمض )
( والدمع ذو إغذاذ ... ناهيك من حظ )
ومن أحسن ما للمشارقة من التوشيح قول الشهاب العزازي يعارض أحمد ابن حسن الموصلي
( يا ليلة الوصل وكأس العقار ... دون استتار )
( علمتماني كيف خلع العذار ... )
( اغتنم اللذات قبل الذهاب ... )
( وجر أذيال الصبا والشباب ... )
( واشرب فقد طابت كؤوس الشراب ... )
( على خدود تنبت الجلنار ... ذات احمرار )
( طرزها الحسن بآس العذار ... )

( الراح لا شك حياة النفوس ... )
( فحل منها عاطلات الكؤوس ... )
( واستجلها بين الندامى عروس ... )
( تجلى على خطابها في إزار ... من النضار )
( حبابها قال مقام النثار ... )
( أما ترى وجه الهنا قد بدا ... )
( وطائر الأشجار قد غردا ... )
( والروض قد وشاه قطر الندى ... )
( فكمل اللهو بكأس تدار ... على افترار )
( مباسم النوار غب القطار ... )
( اجن من الوصل ثمار المنى ... )
( وأوصل الكأس بما أمكنا ... )
( مع طيب الريقة حلو الجنى ... )
( بمقلة أفتك من ذي الفقار ... ذات احورار )
( منصورة الأجفان بالانكسار ... )
( زار وقد حل عقود الجفا ... )
( وافتر عن ثغر الرضى والوفا ... )
( فقلت والوقت لنا قد صفا ... )
( يا ليلة أنعم فيها وزار ... شمس النهار )
( حييت من بين الليالي القصار ... )

ويعجبني من موشحات العزازي المذكور قوله
( ما على من هام وجدا بذوات الحلى ... )
( مبتلىبالحدق السود وبيض الطلى ... )
( باللوى ملي حسن لديوني لوى ... )
( كم نوى ... قتلي وكم عذبني بالنوى )
( قد هوى في حبه قلبي بحكم الهوى ... )
( واصطلى نار تجنيه ونار القلى ... )
( كيف لا يذوب من هام بريم الفلا ... )
( هل ترىيجمعنا الدهر ولو في الكرى ... )
( أم ترىعيني محيا من لجسمي برى ... )
( بالسرىيا حاديي ركب بليلي سرى ... )
( عللاقلبي بتذكار اللقا عللا ... )
( وانزلادون الحمى حي الحمى منزلا ... )
( بي رشا دمعي بسري في هواه فشا ... )
( لو يشابرد مني جمرات الحشا ... )
( ما مشى إلا انثنى في سكره وانتشى ... )
( عطلا من الحميا يا مدير الطلا ... )
( ما حلا إذا أدار الناظر الأكحلا ... )

( هلا يلام من غلب الحب عليه فهام ... )
( مستهام بفاتر اللحظ رشيق القوام ... )
( ذي ابتسام احسن نظما من حباب المدام ... )
( لو ملا من ريقه كأسا لأحيا الملا ... )
( أو جلا وجها رأيت القمر المجتلى )
( لو عفا قلبك عمن زل أو من هفا ... )
( أو صفا ما كان كالجلمد أو كالصفا ... )
( بالوفا سل عن فتى عذبته بالجفا ... )
( هل خلافؤاده من خطرات الولا ... )
( أو سلاأو خان ذاك الموثق الأولا ... )
وقوله أيضا يعارض الموصلي
( ما سلت الأعين الفواتر ... من غمد أجفانها الصفاح )
( إلا أسالت دم المحاجر ... من غير حرب ولا كفاح )
( تالله ما حرك السواكن ... غير الظباء الجآذر )
( لما استجاشت بكل طاعن ... من القدود النواضر )
( وفوقت أسهم الكنائن ... من كل جفن وناظر )
( عرب إذا صحن يا لعامر ... بين سرايا من الملاح )
( طلت علينا من المحاجر ... طلائع تحمل السلاح )

( أحبب بماتطلع الجيوب ... منها وما تبرز الكلل )
( من أقمر ما لها مغيب ... وأغصن زانها الميل )
( هيهات أن تعدل القلوب ... عنها ولو جارت المقل )
( لما توشحن بالغدائر ... سفرن عن أوجه صباح )
( فانهزم الليل وهو عاثر ... بذيله واختفى الصباح )
( وأهيف ناعم الشمائل ... تهزه نسمة الشمال )
( فينثني كالقضيب مائل ... كما انثنى شارب ومال )
( له عذار كالندى سائل ... لله كم من دم أسال )
( شقت على نبته المرائر ... من داخل الأنفس الصحاح )
( تكل في وصفه الخواطر ... وتخرس الألسن الفصاح )
( ظبي إلى الإنس لا يميل ... الشمس والبدر من حلاه )
( الحسن قالوا ولم يقولوا ... مبداه منه ومنتهاه )
( وطرفه الناعس الكحيل ... هيهات من سيفه النجاه )
( أذل بالسحر كل ساحر ... فهو له خافض الجناح )
( يجول في باطن الضمائر ... كما يجول القضا المتاح )
( أما ترى الصبح قد تطلع ... مذ غمضت أعين الغسق )
( والبدر نحو الغروب أسرع ... كهارب ناله فرق )
( والبرق بين السحاب يلمع ... كصارم حين يمتشق )
( وتحسب الأنجم الزواهر ... أسنة ألقت الرماح )
( فانهزم النهر وهو سائر ... فدرعته يد الرياح )

وموشحة الموصلي التي عارضها العزازي هي قوله
( رنا بأجفانه الفواتر ... لما انثنى واحد الملاح )
( فسل من طرفه بواتر ... وهز من عطفه رماح )
( ناظره جرد المهند ... وغمده مني الحشا )
( وعامل القد فهو أملد ... يطعن للقلب إن مشى )
( والعارض القائم المزرد ... لفتنة الناس قد نشا )
( والحاجب القوس بالفواتر ... لنبله في الحشا جراح )
( ومشرف الصدغ فهو جائر ... سلطانه للدما أباح )
( فجفنه الفاتك الكناني ... من ثعل راش لي نبال )
( وهو الخفاجي قد غزاني ... ووجهه من بني هلال )
( عبسي لحظ له سباني ... جسم زبيدي بالدلال )
( والردف يدعى من آل عامر ... وواضح الصلت من صباح )
( وخصره من هشيم ضامر ... يدور من حوله وشاح )
( فوجهه جنة وكوثر ... رضابه العذب لي حلا )
( والنار في وجنتيه تسعر ... حيالها خاله اصطلى )
( عجبت من خاله المعنبر ... إذ يعبد النار كيف لا )

( يحرق بالنار وهو كافر ... وما سقى ريقه القراح )
( كامل حسن معناه وافر ... بسيط وصف كالمسك فاح )
( ما اخضر نبت العذار إلا ... بآسه سيج الشقيق )
( وهو كنمل سعى وولى ... ولم يجد للجنى طريق )
( من ريقة البدر إذ تجلى ... في هالة العارض الأنيق )
( لما تبدى بالوجه دائر ... وحير العقل حين لاح )
( شق على خده المرائر ... وقطع الأنفس الصحاح )
( ورب يوم أتى وحيا ... كالشمس والنجم والقمر )
( بالكأس والراح والمحيا ... ثلاثة تفتن البشر )
( وقال قم يا نديم هيا ... اقض بنا لذة الوطر )
( فالخمر تجلى على المزاهر ... من اغتباق إلى اصطباح )
( وطافت الراح بالمجامر ... من عنبر الزهر في البطاح )
ومما يطربني من الموشحات قول بعضهم
( ما بي شمول إلا شجون ... مزاجها في الكاس دمع هتون )
( لله ما بذر ... من الدموع )
( صب قد استعبر ... من الولوع )
( أودى به جؤذر ... يوم الطلوع )

( فهو قتيل لا بل طعين ... بين الرجا والياس له سنون )
( جرحت للحين ... كفى بكفي )
( وحيل ما بيني ... وبين إلفي )
( لا شك بالبيت ... يكون حتفي )
( حال الرحيل ولي ديون ... إن ردها العباس فهو الأمين )
( أما ترى البدرا ... بدر السعود )
( قد اكتسى خضرا ... من البرود )
( إذا انثنى نضرا ... من القدود )
( أضحى يقول مت يا حزين ... قد اكتسى بالآسى الياسمين )
( قلت وقد شرد ... النوم عني )
( وأيأس العود ... السقم مني )
( صد فلما صد ... قرعت سني )
( جسمي نحيل لا يستبين ... يطلبه الجلاس حيث الأنين )
( تجاوز الحدا ... قلبي اشتياقا )
( وكلف السهدا ... من لا أطاقا )
( قلت وقد مدا ... ليلي رواقا )
( ليلي طويل ولا معين ... يا قلب بعض الناس أما تلين )

الباب السادس
في مصنفاته في الفنون ومؤلفاته المحققة للواقف عليها الآمال والظنون وما كمل منها أو اخترمته دون إتمامه المنون
اعلم أن تصانيف لسان الدين التي علمت نحو الستين وكلها في غاية البراعة بحيث إنه لم يأت أحد من أهل عصره بمثل ما جاء به بل وكثير من غير أهل عصره رحمه الله تعالى وقد وقفت بالمغرب على كثير منها وفيها أقول مضمنا ببعض تغيير
( تصانيف الوزير ابن الخطيب ... ألذ من الصبا الغض الرطيب )
( فأية راحة ونعيم عيش ... توازي كتبه أم أي طيب )
قال رحمه الله تعالى في تعريفه بنفسه آخر الإحاطة ما صورته
التواليف التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى و الكتيبة الكامنة في ادباء المائة الثامنة و الإكليل الزاهر فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر ثم النقاية بعد الكفاية هذا في نحو القلائد والمطمحين لأبي نصر الفتح بن محمد وطرفة العصر في دولة بني نصر في أسفار ثلاثة و بستان الدول موضوع غريب ما سمع بمثله قل أن شذ عنه فن من الفنون يشتمل على شجرات

عشر أولها شجرة السلطان ثم شجرة الوزارة ثم شجرة الكتابة ثم شجرة القضاء والصلاة ثم شجرة الشرطة والحسبة ثم شجرة العمل ثم شجرة الجهاد وهي فرعان أسطول وخيول ثم شجرة ما يضطر باب الملك إليه من الأطباء والمنجمين والبيازرة والبياطرة والفلاحين والندماء والشطرنجيين والشعراء والمغنين ثم شجرة الرعايا وتقسيم هذا كله غريب يرجع إلى شعب وأصول وجراثيم وعمد وقشر ولحاء وغصون وأوراق وزهرات مثمرة وغير مثمرة مكتوب على كل جزء من هذه الأجزاء بالصبغ اسم الفن المراد به وبرنامجه صورة بستان كمل منه نحو من ثلاثين سفرا ثم قطع عنه الحادث على الدولة وديوان شعري في سفرين سميته الصيب والجهام والماضي والكهام والنثر في غرض السلطانيات كثير والكتاب المسمى باليوسفي في صناعة الطب في سفرين كبيرين كتاب ممتع وعائد الصلة وصلت به صلة الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير في سفرين وكتاب الإحاطة بما تيسر من تاريخ غرناطة كتاب كبير في أسفار تسعة هذا متصل بآخرها وتخليص الذهب في اختيار عيون الكتب الأدبيات الئلاثة وجيش التوشيح في سفرين ومن بعد الانتقال من الأندلس وما وقع من كياد الدولة نفاضة الجراب في علالة الاغتراب موضوع جليل في أربعة أسفار وكتاب عمل من طب لمن حب ومنزلته في الصناعة الطبية بمنزلة كتاب أبي عمرو ابن الحاجب المختصر في الطريقة الفقهية لا نظير له ومن الأراجيز المسماة رقم الحلل في نظم الدول والأرجوزة المسماة بالحلل المرقومة في اللمع المنظومة ألفية من ألف بيت في أصول الفقه والأرجوزة المسماة بالمعلومة معارضة للمقدمة المسماة بالمجهولة في العلاج من الرأس إلى القدم

إذا أضيفت إلى رجز الرئيس أبي علي كملت بها الصناعة كمالا لا يشينه نقص والأرجوزة المسماة بالمعتمدة في الأغذية المفردة والأرجوزة في السياسة المدنية إلى ما يشذ عن الوصف كالرجز في عمل الترياق الفاروقي والكلام على الطاعون المعاصر والإشارة وقطع السلوك ومثلى الطريقة في ذم الوثيقة حتى في المويسيقى والبيطرة والبيزرة هذر كثف به الحجاب ولعب بالنفس الإيجاب وضاع الزمان ولا تسل بين الرد والقبول والنفي والإيجاب ولله در القائل وهو المؤلف
( والكون أشراك نفوس الورى ... طوبى لنفس حرة فازت )
( إن لم تحز معرفة الله قد ... أورطها الشيء الذي حازت )
وكل ميسر لما خلق له ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انتهى ما له في آخر الإحاطة بحروفه
قلت ولنذكر ما تأخر تأريخه عن الإحاطة أو أشير إليه فيها مجملا فنقول من أشهر تواليفه رحمه الله تعالى كتاب ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب في عدة مجلدات وهو داخل في قوله السابق في الإحاطة والنثر في غرض السلطانيات كثير وهذا الكتاب قد اشتمل من الإنشاء على كثير في أغراض شتى من مخاطبات الملوك على اختلاف أجناسهم وصدقاتهم وغير ذلك من أحوالهم وأحوال الكبراء ومخاطباتهم حتى ملوك النصارى وذكر في صدره خطب بعض كتبه وفي آخره بعض مقاماته وتحليته لأهل عصره وغير ذلك وبالجملة فهو كتاب مفرد في بابه
وقال الأمير الشهير العلامة أبو الوليد إسماعيل بن الأحمر رحمه الله تعالى في كتابه نثير فرائد الجمان فيمن نظمني وإياه الزمان ما صورته لابن الخطيب

الأوضاع المصنفات التي آذان إحسانها هي المقرطات المشنفات منها في التصوف الذي أكثر أهل الحقائق إليه نظر التشوف روضة التعريف بالحب الشريف انتهى وسرد غير هذا الكتاب مما قدمنا ذكره وغيره
وهذا الكتاب أعني روضة التعريف غريب المنزع وعارض به ديوان الصبابة لابن أبي حجلة صاحب السكردان وضمنه من التصوف وعبارات أهله العجب العجاب وتكلم فيه على طريقة أهل الوحدة المطلقة وبذلك سجل عليه أعداؤه في نكبته الآخرة التي ذهبت فيها نفسه ونسبوه إلى مذهب الحلول وغيره مما ذكره يطول حسبما ألمعنا بذلك فيما سبق وقد جعل هذا الكتاب شجرة ذات أفنان وعمود مشتمل على القشر والعود وأوراق وصورة طائر فوقها ولم أر في فنه مثله جازاه الله تعالى عن نيته فإنه في الحب الشريف الرباني مبلغ الناظر فيه غاية أمنيته
ومن تواليفه رحمه الله تعالى غير ما سبق اللمحة البدرية في الدولة النصرية وكتاب السحر والشعر ومعيار الأخبار و مفاضلة مالقة وسلا وخطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف وقد ذكرهما في الريحانة بنصهما وجعلهما من جملة ما اشتملت عليه والمسائل الطبية في مجلد والكتيبة الكامنة في شعراء المائة الثامنة ورسالة تكون الجنين والوصول لحفظ الصحة في الفصول وكتاب الوزارة ومقامة السياسة والغيرة على أهل الحيرة وحمل الجمهور على السنن المشهور و الزبدة الممخوضة والرد على أهل الإباحة وسد الذريعة في تفضيل الشريعة وتقرير الشبه وتحرير الشبه واستنزال اللطف الموجود في سر الوجود وأبيات الأبيات فيما أختاره رحمه الله تعالى من مطالع ما له من الشعر وفتات الخوان ولقط الصوان في سفر يتضمن المقطوعات فقط وكناسة الدكان بعد انتقال السكان والدرر الفاخرة واللجج الزاخرة جمع فيه نظم ابن صفوان وأعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يجر ذلك

من شجون الكلام و المباخر الطيبية في المفاخر الخطيبية وخلع الرسن في أمر القاضي ابن الحسن وتدوين شعر شيخه ابن الجياب وجمع نثر المذكور وسماه تافه من جم ونقطة من يم وشرحه لكتاب نفسه رقم الحلل في نظم الدول فهذا ما حضرني علمه من تواليف لسان الدين رحمه الله تعالى فأما البيزرة ففي مجلد وأما البيطرة فكذلك في مجلد جامع لما يرجع إليه من محاسن الخيل وغير ذلك وأما رجز الأصول فقد شرحه قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون صاحب التاريخ المشهور واما رقم الحلل في نظم الدول فهو في غاية الحلاوة والعذوبة والجزالة وقد كنت بالمغرب أحفظ أكثره فنسيته الآن وابتدأه بقوله
( الحمد لله الذي لا ينكره ... من سرحت في الكائنات فكره )
وعلق بحفظي الآن منه قوله في الوليد بن يزيد
( ثم الوليد بن يزيد العائث ... قد نقلت من فعله خبائث )
وفي آخر دولة بني أمية قوله
( وصار قصر الملك من أميه ... أقفر ربعا من ديار ميه )
وفي الأمين
( باع العلا بشادن وكاس ... وصحبة الشيخ أبي نواس )
وفي المعتصم
( وهو الذي تألف الأتراكا ... فنصبوا لقومه الأشراكا )
ومن أبيات هذا الكتاب قوله

( ويفسد الملك بالاحتجاب ... كذاك بالزهو وبالإعجاب )
وما أحسن قوله فيه عند ذكر موت بعض الملوك
( وأقفرت من ملكه أوطانه ... سبحان من لا ينقضي سلطانه )

معلومات عن كتاب الإحاطة
وأما كتاب الإحاطة فهو الطائر الصيت بالمشرق والمغرب والمشارقة أشد إعجابا به من المغاربة وأكثر لهجا بذكره مع قلته في هذه البلاد المشرقية وقد اعتنى باختصاره الأديب الشهير البدر البشتكي وسماه مركز الإحاطة في أدباء غرناطة وهو في مجلدين بخطه رأيت الأخير منهما بمصر وقال في آخره ما نصه هذا آخر ما أردت إيراده وفوفت أبراده من كل طرفة وتحفة وفائدة أدبية ونادرة تاريخية في كتاب الإحاطة بتاريخ غرناطة ولما كان المعول عليه والباعث الداعي إليه ذكر أدبائه ومآثر علمائه سميته مركز الإحاطة بأدباء غرناطة والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا علقه لنفسه ثم لمن شاء الله تعالى من بعده الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم بن محمد البدر البشتكي لطف الله تعالى به بمنه وكرمه مستهل صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل انتهى
وقد جعل كل أربعة أجزاء من الأصل في مجلد إذ هو في مجلدين كما سبق ونسخة الأصل في ثمانية مجلدات فنقص من الأصل ثلاثة أرباع أو نحوها
ولما وقف سلطان الأندلس من كتاب الإحاطة نسخة على بعض مدارس غرناطة كتب ابن عاصم حجة الوقفية بخطه ولنثبتها لما فيها من الفوائد قال

الأديب الفقيه أبو عبد الله محمد بن الحداد الشهير بالوادي آشي نزيل تلمسان المحروسة كان على ظهر النسخة الزائقة الجمال والفائقة الكمال من الإحاطة بتاريخ غرناطة المحبسة على المدرسة اليوسفية من الحضرة العلية بخط قاضي الجماعة ومنفذ الأحكام الشرعية المطاعة صدر البلغاء وعلم العلماء ووحيد الكبراء وأصيل الحسباء الوزير الرئيس المعظم أبي يحيى ابن عاصم رحمة الله تعالى عليه ما نصه الحمدلله الجاعل الاستدلال بالأثر على المؤثر مما سلمه الأعلام وشهدت به العقول الراجحة والأحلام وهو الحجة المعتمدة حين تتفاضل الألباب وتتقاصر الأفهام وبه الاستمساك إن طرقت الشكوك أو عرضت الأوهام وحسبك بما يسلم في هذا المقام العالي من الأدلة وما يعتمد في هذا المجال المتضايق من البراهين المستقلة فحقيق أن يتلقى هذا النوع من الاستدلال فيما دون الفن المشار إليه بالقبول ويستنبل المهتدي لاستنباطه لما فيه من التبادر للأفهام والتسابق للعقول وإذا ثبت أن المستدل بهذه الأدلة سالك على سواء سبيل ومنتم من صحة النظر إلى أكرم قبيل فلا خفاء أن كتاب الإحاطة للشيخ الرئيس ذي الوزارتين أبي عبدالله ابن الخطيب رحمه الله تعالى من أثر هذه الدولة النصرية أدامها الله تعالى بكل اعتبار ومآثرها التي هي عبرة لأولى الألباب وذكرى لذوي الأبصار اما الأول فلأن الأنباء التي أظهرت بهجتها وأوضحت حجتها وشرفت مقصدها وكرمت مصعدها إنما هي مناقب ملوكها الكرام ومكارم خلفائها الأعلام أو أخبار من اشتملت عليه دولتهم الشريفة من صدور حملة السيوف والأقلام وأفذاذ حفظة الدين والدنيا والشرف والعليا والملك والإسلام أو ما يرجع إلى مفاخر حضرة الملك وينتظم نظم الجمان في ذلك السلك من حصانة قلعتها وأصالة منعتها وقديم اختطاطها وكريم جهادها ورباطها وحسن ترتيبها ووضعها وما اشتمل عليه من مقاصد الأنس آهل ربعها وما سوى هذه الأقسام الثلاثة فمن قبيل القليل ومما يرجع إلى شرف الحضرة ممن انتابها

من أهل الفضل الواضح والمجد الأثيل وأما ثانيا فإن راسم آياتها المتلوة ومبدع محاسنها المجلوة وناقل صورتها من الفعل إلى القوة إنما هوحسنة من حسنات هذه الدولة النصرية الكريمة ونشأة من نشآت جودها الشامل النعمة الهامل الديمه فما ظهر عليه من كمالات الأوصاف على الانصاف فأخلاف هذه المكارم النصرية أرضعته وعناياتها الجميلة أسمته فوق الكواكب ورفعته وإليها ينسب إحسانه إن انتسب ومن كريم تشريفها اكتسب والحضرة هي منشؤة الذي عظم فيه قدره بل أفقه الذي أشرق فيه بدره والتشريفات السلطانية التي فتقت اللها باللها وأحلت من مراقي العز فوق السها وأمكنت الأيدي من الذخائر والأعلاق وطوقت المنن كالقلائد في الأعناق وقلدت الرياسة والأقلام أقلام وثنت الوزارة والأعلام أعلام فبهرت أنواع المحاسن وورد معين البلاغة غير المطروق ولا الآسن وبرعت التواليف في الفنون المتعددة واشتهرت التصانيف ومنها هذا التصنيف المشار إليه لما له من الأذمة المتأكدة إذ أظهر هذا الاستدلال وأوضح البيان ما كتمه الإجمال فلنفصح الآن بما قصد ولنحقق من أنجم السعادة ما رصد وذلك أن لمولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين الغالب بالله المؤيد بنصره أبي عبد الله محمد ابن الخلفاء النصريين أيده الله ونصرة وسنى له الفتح المبين ويسره مآثر لم يسبق إليها ومكارم لم يجر أحد ممن وسم بالكرم عليها لجلالة قدرها وضخامة أمرها من ذلك هذا المقصد الذي أثر لها كالكتاب المذكور وسواه مما هو واحد في فنه وفذ في معناه عقد في جميعها التحبيس على أهل العلم والطلبة بحضرته العليا هنالك ليشمل به الإمتاع ويعم به الانتفاع والله تعالى ينفع بهذا القصد الكريم ويتولى المثوبة على هذا العقد الجسيم وهذه النسخة في اثني عشر سفرا متفقة الخط والعمل اكتتب هذا

على ظهر الأول منها وبتاريخ رجب الفرد من عام تسعة وعشرين وثمانمائة عرف الله تعالى بركته بمنه انتهى
وكان لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى أرسل في حياته نسخة من الإحاطة إلى مصر ووقفها على أهل العلم وجعل مقرها بخانقاه سعيد السعداء وقد رأيت منها المجلد الرابع وهذا نص وقفيته الحمد لله وحده وقف الفقير الى رحمة الله تعالى الشيخ أبو عمرو ابن عبد الله بن الحاج الأندلسي نفع الله تعالى به عن موكله مصنفه الشيخ الإمام العلامة بركة الأندلس لسان الدين أبي عبد الله محمد ابن الشيخ أبي محمد عبد الله بن الخطيب الأندلسي السلماني فسح الله تعالى في مدته وفتح لنا وله أبواب رحمته ومنحنا وإياه من رفده وعطيته وأسكننا وإياه أعالي جنته جميع هذا الكتاب تاريخ غرناطة وهو ثمانية اجزاء هذا رابعها عن مصنفه المذكور بمقتضى التفويض الذي أحضره وهو أنه فوض اليه النيابة عنه في جميع أموره المالية كلها وشؤونه جميعها والنظر في احواله على اختلافها وتباين أجناسها تفويضا تاما على العموم والإطلاق والشمول والاستغراق لم يستثن شيئا مما تجوز النيابة فيه إلا أسنده إليه وهو ثابت على سيدنا ومولانا قاضي القضاة يومئذ بثغر الإسكندرية المحروس أدام الله تعالى أيامه كمال الدين خالصة أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن الربعي المالكي ثبوته مؤرخ بثالث ذي الحجة عام سبعة وستين وسبعمائة وقفا شرعيا على جميع المسلمين ينتفعون به قراءة ونسخا ومطالعة وجعل مقره بالخانقاه الصالحية سعيد السعداء رحم الله تعالى واقفها وجعل النظر في ذلك للشيخ العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حجلة حرسه الله تعالى ثم من بعده لناظر أوقاف الخانقاه المذكورة فلا يحل لأحد يؤمن بالله العظيم ويعلم أنه صائر الى ربه الكريم أن يبطله ولا شيئا منه

ولا يبدله ولا شيئا منه فمن فعل ذلك أو أعان عليه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ومن أعان على إبقائه على حكم الوقف المذكور جعله الله تعالى من الفائزين المطمئنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأشهد الواقف الوكيل عليه في ذلك في الثاني والعشرين لشهر الله تعالى المحرم عام ثمانية وستين وسبعمائة انتهى
وقد رأيت بظهر أول ورقة من هذه النسخة خطوط جماعة من العلماء فمن ذلك ما كتبه الحافظ المقريزي المؤرخ ونصه انتقى منه داعيا لمؤلفه أحمد ابن علي المقريزي في شهر ربيع سنة ثمان وثمانمائة
وما رقمه الحافظ السيوطي ونصه الحمد لله وحده طالعته على طبقات النحاة واللغويين وكتبه عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي سنة ثمان وستين وثمانمائة انتهى
وبعد هذين ما صورته انتقى منه داعيا لمؤلفه محمد بن محمد القوصوني سنة أربع وخمسين وتسعمائة
وبعده ما صورته أنهاه نظرا وانتقاء علي الحموي الحنفي لطف الله به
وبخط مولانا العارف الرباني علامة الزمان وبركة الأوان سيدي الشيخ محمد البكري الصديقي ما نصه طالعته مبتهجا برياضه المونقة وأزهار معانيه المشرقة مرتقيا في درج كلماته العذاب سماء الاقتباس مقتنيا من لطائفه دررا وجواهر بل أحاشيها بذلك القياس كتبه محمد الصديقي غفر الله له انتهى
ورأيت بهامش هذه النسخة كتابة جماعة من أهل المشرق والمغرب كابن دقماق والحافظ ابن حجر وغيرهما من أهل مصر ومن المغاربة ابن المؤلف ابي الحسن علي ابن الخطيب والخطيب الكبير سيدي أبي عبد الله ابن مرزوق والعلامة أبي الفضل ابن الإمام التلمساني والنحوي الراعي والشيخ الفهامة الشهير يحيى العجيسي شارح الألفية وصاحب التآليف وغير هؤلاء ممن يطول

تعدادهم رحم الله تعالى جميعهم
وقد اشار ابن الأحمر حفيد الغني بالله تعالى الذي كان ابن الخطيب وزيرا له ثم انفصل عنه حسبما تقدم إلى ما يتعلق بكتاب الإحاطة في جملة كلام نصه وتلقينا ممن نثق به أن الكاتب المجيد الأصيل حسبا البارع أدبا أبا عبد الله ابن جزي وفد على السلطان أبي عنان صاحب المغرب في حدود عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة فأكرم جنابه وكمل من تقريبه واصطناعه آرابه فانتدب إلى ذكر وطنه الأندلسي وصاح بمن عذله
( أيا ويح الشجي من الخلي ... )
وبرع غاية البراعة في التاريخ الذي جمعه ورفع راية البلاغة لما كلف به ووضعه فلم يكن شيء من الكلام إلا قال الإحسان وأنا معه استوعب ما شاء وأبدع في كل ما نقل سواء كان شعرا أو إنشاء لكن سابق أجله منع من الإمتاع بمجمله ومفصله وجاءت الحادثة العظمى من وفاة مولانا والد جدنا أمير المسلمين ابي الحجاج في غرة شوال من عام خمسة وخمسين وسبعمائة فعين لتعريف صاحب المغرب بالكائنة خاص الدولة ورئيس الجملة أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن الخطيب فوقف من تاريخ ابن جزي على شاطىء نهر فياض وانتشق من ورقاته أزاهر رياض وحمله النظر في بدائعه على أن يأخذ في جمع كتابه المسمى بالإحاطة فيما تيسر من تاريخ غرناطة ووجد لذلك موجبا أغراه بجمعه وهو أن الشيخ الحجة الشاعر المفلق أبا إسحاق ابن الحاج وفد على الأندلس بعد جوبه في الآفاق وترحله إلى ما وراء الشام والعراق وإعلامه أنه يذهب في بدأة تاريخ مذهب ابن جزي وغيره وكان وحيدا في فنون الآداب والمساجلة لأعلام الكتاب وبحكم الاتفاق على أثر وصول ابن الخطيب من الرسالة للسلطان ابي عنان وجد الحاجب الخطير أبا

النعيم رضوان قد استولى على وظيفة الحجابة والرياسة واقنعه بالاسم من ذلك المسمى وبأن وقفه دون طموحه إلى عادته من المرقب الأسمى فأنتج الانتباذ من تلك الرياسة الخطيبية أن ألفى الخطبة على جلالة مقدارها وتوضح أنوارها في مرتقى إجلالها وإكبارها وأخذ في تأليف الإحاطة مستدعيا تصحيح الموالد والوفيات والأسماء والمسميات ومستكثرا من طرف المصنفات ليتم قصده من الإطناب ونقله العيون الرائقة من كل كتاب وألقى جميع مقاصده والمعظم من تنظيم فرائده بيد الشيخ العمدة معلم الجملة منا كتاب الله وسنة رسوله ابي عبد الله الشريشي قدس الله تعالى ضريحه وهذا الشيخ الذي لم يجاوز سن الكهولة في ذلك الوقت هو الذي تولى من المبيضات نقله وأحكم جنسه وفصله وانختم على مجلدات ستة ولما عاد ابن الخطيب إلى الأندلس بعودة جدنا الغني بالله تعالى إلى ملكه عام ثلاثة وستين وسبعمائة تلاحقت الفروع من كتاب الإحاطة بالأصول وأنجز من التبحر في الوعد الممطول ووضعت بخانقاه سعيد السعداء نسخته المتممة من اثني عشر سفرا انتهى كلامه
وقد علمت أن المكتوب في الوقفية كما مر ثمانية مجلدات لا اثنا عشر فلعل ذلك الاختلاف بسبب الكبر والصغر والله سبحانه وتعالى أعلم
والكاتب أبو عبد الله ابن جزي الذي أشار إليه قد عرفنا به فيما سبق فليراجع

ترجمة أبن الحاج النميري
وأما العلامة ابن الحاج فهو أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم ابن محمد بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أحمد بن أسد بن قاسم الكاتب القاضي النميري ويعرف بابن الحاج الغرناطي قال

في الإحاطة نشأ على عفاف وطهارة وبر وصيانة وبلغ الغاية في جودة الخط وارتسم في كتاب الإنشاء عام أربعة وثلاثين وسبعمائة مع حسن سمت وجودة أدب وخط وظهور كفاية يقيد ولا يفتر ويروي الحديث مع الطهارة والنزاهة مليح الدعابة طيب الفكاهة شرق وحج وتطوف وقيد واستكثر ودون رحلة سفره وناهيك بها طرفة وقفل لإفريقية وخدم بعض ملوكها وكتب ببجاية ثم خدم سلطان المغرب أبا الحسن ثم كتب عن صاحب بجاية ثم تنزه عن الخدمة وانقطع بتربة الشيخ أبي مدين مؤثر الخمول ذاهبا مذهب العكوف بباب الله تعالى حجة على أهل الحرص والتهافت ثم جبر على الخدمة عند أبي عنان ثم أفلت عند موته فلحق بالأندلس وتلقي ببر وتنويه وعناية وولي القضاء بقرب الحضرة وهو الآن من صدور القطر وأعيانه متوسط الاكتهال روى عن مشيخة بلده واستكثر وأخذ في رحلته عن ناس شتى وألف تواليف منها إيقاظ الكرام بأخبار المنام وجزء في بيان الاسم الأعظم كثير الفائدة و نزهة الحدق في ذكر الفرق وكتاب اللباس والصحبة في جمع طرق المتصوفة المدعي أنه لم يجمع مثله وجزء في الفرائض على الطريقة البديعة التي ظهرت بالمشرق وجزء في الأحكام الشرعية سماه بالفصول المقتضبة في الأحكام المنتخبة ورجز في الجدل ورجز صغير في الحجب والسلاح ورجز صغير سماه بمثالث القوانين في التورية والاستخدام والتضمين مولده بغرناطة سنة ثلاث عشرة سبعمائة وامتحن بالأسر مع جماعة بعد قتال عام ثمانية وستين ثم فكه الله تعالى انتهى ملخصا
وأخذ عنه جماعة كالقاضي أبي بكر ابن عاصم صاحب التحفة وغيره وهو من الأدباء المكثرين وكان عندي بالغرب مجلد من رحلته التي بخطه

وقد أتى فيه بالعجب العجاب وتمهر في الحديث على طريقة أهل المشرق لأنه لقي جماعة من الحفاظ كالذهبي والبرزالي والمزي وناهيك بالثلاثة وغيرهم ممن يطول تعداده وله النظم الرائق العذب الجامع بين جزالة المغاربة ورقة المشارقة كما ستراه فمن نظمه يمدح الحافظ جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي وقد أبصره على أسرة دار الحديث الأشرفية بدمشق
( جمال الدين للإقراء يعلو ... أسرته إذا اصطف الرجال )
( فمذ جليت محاسنه بدا لي ... محيا في أسرته الجمال )
ضمن قول المعري
( اهل فبشر الأهلين منه ... محيا في اسرته الجمال )
وقوله في الحافظ علم الدين ابي القاسم محمد بن يوسف البرزالي
( نوى النوى علم الدين الرضى فأنا ... من بعد فرقته بالشام ذو ألم )
( فلا تلمني على حبي دمشق فقد ... أصبحت فيها زمانا صاحب العلم )
وقال فيه أيضا
( نوى النوى علم الدين الرضى فذكت ... نار اشتياقي حتى استعظموا ألمي )
( فقلت إني من قوم شعارهم ... جود فلا تنكروا ناري على العلم )
وقال في الحافظ شمس الدين الذهبي
( رحلت نحو دمشق الشام مبتغيا ... رواية عن ذوي الأحلام والأدب )
( ففزت في كتب الآثار حين غدت ... تروى بسلسلة عظمى من الذهب ي )

وقال في الحافظ المزي أيضا
( جمال الدين أضحى في دمشق ... إماما نحوه طال الذميل )
( فلم أعدم بمنزله جميلا ... فحيث هو الجمال هو الجميل )
وقال حين بدوره على الأمير الصالح المحدث الجليل قطب الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن الملك المجاهد سيف الدين إسحاق أبن السلطان الملك الرحيم بدر الدين بن لؤلؤ بن عبد الله النوري صاحب الموصل ليروي عنه
( إلى قصد قطب الدين وافيت عندما ... أقمت علىالترحال في الشرق والغرب )
( وأصبحت كالأفلاك في السير والسرى ... فها أنا في مصر أدور على القطب )
وقال في قاضي القضاة العالم الشهير صاحب التفسير عماد الدين الكندي وهو ممن أخذ عنه بثغر الإسكندرية
( ولما اختبرت ذوات الورى ... تعجبت من حسن ذات العماد )
( فتلك التي لم أكن مبصرا ... مدى عمري مثلها في البلاد )
وقال في القاضي وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي
( أضحى وجيه الدين أسبق سابق ... في العلم والعلياء والخلق النبيه )
( عجب الورى من سبقه وتعجبوا ... فأجبتهم لا تنكروا سبق الوجيه )
ومن بديع نظمه رحمه الله تعالى قوله
( قد قارب العشرين ظبي لم يكن ... ليرى الورى عن حبه سلوانا )
( وبدا الربيع بخده فكأنما ... وافى الربيع ينادم النعمانا )
وقوله
( وعارض في خده نباته ... بحسنه بين الورى يسحرنا )
( أجرى دموعي إذ جرى شوقا له ... فقلت ( هذا عارض ممطرنا )

وقال وقد توفي أبو يحيى أبو بكر صاحب تونس وولي ابنه أبو حفص عمر بعد قتله لإخوته
( وقالوا أبو حفص حوى الملك غاصبا ... وإخوته أولى وقد جاء بالنكر )
( فقلت لهم كفوا فما رضي الورى ... سوى عمر من بعد موت أبي بكر )
وقال
( أتوني فعابوا من أحب جماله ... وذاك على سمع المحب خفيف )
( فما فيه عيب غير أن جفونه ... مراض وأن الخصر منه ضعيف )
وقال
( أيا عجبا كيف تهوى الملوك ... محلي وموطن أهلي وناسي )
( وتحسدني وهو مخدومة ... وما أنا إلا خديم بفاس )
وقال
( لي المدح يروى منذ كنت كأنما ... تصورت مدحا للورى وثناء )
( وما لي هجاء فاعجبن لشاعر ... وكاتب سر لا يقيم هجاء )
وقال في حقه القاضي أبو البقاء خالد البلوي نقلت من خط سيجري ورفيقي وصديقي إمام المسلمين برهان الدين أبي إسحاق ابن إبراهيم بن عبدالله بن الحاج وأكثره مما كان أنشدنيه قديما من نظمه في التورية قوله
( ومهاة تقول إن هي كلت ... ودعا للمزاح خل ممازج )

( وازر الردف إن في الأزر مني ... رمل يبرين يا طبيب وعالج )
وقوله
( وروض ممحل جدب المراعي ... سريع القيظ وقدا والتهابا )
( حكى ابن أبي ربيعة لا شجونا ... ولكن كونه يهوى الربابا )
وقوله
( وظبي طر عارضه وأعفى ... عذارا بعد يزهو باخضرار )
( رأى سقما بمقلته فوافى ... بآس عاد لكن من عذار )
وقوله
( أتوني بنمام من الروض يانع ... سقته الغوادي كل أسجم مدرار )
( فلا غرو إن أصليته نار زفرتي ... وحكم على النمام الإلقاء في النار )
وقوله
( هذه الشمس بالحجاب توارت ... بعد نور لها ورحب وبشر )
( وأتى الليل بالنسيم عليلا ... فهو يمشي من أفقه لابن زهر )
يعني بذلك الوزير الكبير الشهير الطبيب ابن زهر الإشبيلي الأندلسي فإنه كان وحيد دهره في الطب فجاءت التورية بسبب ذلك محكمة الى الغاية
وقال أبو إسحاق النميري المذكور
( ايا ضوء الصباح ارفق بصب ... تسيل دموعه في الخد سيلا )
( وكنت بليلة ليلاء طالت ... فها أنا في الورى مجنون ليلا )

وقال يخاطب شيخه سيف الدين
( لمولاي سيف الدين في الفقه بيننا ... مقام اجتهاد ليس يلحقه الحيف )
( فتقليده فرض على أهل عصرنا ... ولا عجب عندي إذا قلد السيف )
وقال
( رعى الله معطار النسيم فإنه ... رأى من غصون البان ما شاء من عطف )
( وأبدى حديث الغيث وهومسلسل ... لذاك لعمري ليس يخلو من الضعف )
وترشحت التورية بكون المحدثين يقولون الحديث المسلسل لا يخلو من الضعف ولو في التزام التسلسل مع كون متن الحديث صحيحا كما قرر في محله
وقال رحمه الله تعالى
( نظرت إلى روض الجمال بوجهه ... وسقيته دمعا به العين تكلف )
( فصح حديث الحسن عن ورد خدها ... وإن كان أضحى وهو راو مضعف )
وقال رحمه الله تعالى
( بدا عارض المحبوب فاحمر خجلة ... وأهدى لنا وردا به الحسن ناهض )
( فقلت له لا تنكر الورد ناضرا ... فقد سال في خديك من قبل عارض )
وقال
( النوم عن إنسان عيني نافر ... كالوحش ليس يقارب الإنسانا )
( والدمع منها فاض طوفانا فلا ... عجب إذا ما غرق الأجفانا )
وقال رحمه الله تعالى

( بكت شجنا ففاض الدمع يحكي ... يتامى الدر إذ يهوي تؤاما )
( وسلت من محاجرها سيوفا ... فخفت على المحاجر واليتامى )
وقال القاضي خالد البلوي رحمه الله تعالى من نظم صاحبنا أبي إسحاق ابن الحاج النميري يخاطب شيخه وشيخنا أيضا صاحب ديوان الإنشاء الإمام جمال الدين إبراهيم ابن الإمام العلامة صاحب ديوان الإنشاء ملك الكلام قس الفصاحة شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي وقد تقرب إليه في قصد الرواية عنه
( إلى ابن شهاب الدين طال تغربي ... فلما سرت عيسي له وركابي )
( رويت حديث الفضل عنه فصح لي ... كما شئت مرويا عن ابن شهاب )
وقوله يخاطب كمال الدين بن جمال الدين المذكور
( أشبهت والدك الرضى في فضله ... وأخذته عنه بخير مناب )
( وملكتني فحديث فضلك في الورى ... عن مالك يروى عن ابن شهاب )
وقال رحمه الله تعالى
( لعمرك ما ثغره باسم ... ولكنه حبب لاعب )
( ولو لم يكن ريقه مسكرا ... لما دار من حوله الشارب )
وقال رحمه الله تعالى ملغزنا في القلم
( سألتك ما واش يراد حديثه ... ويهوى الغريب النازح الدار إفصاحه )
( تراه مدى الأيام أصفر ناحلا ... كمثل عليل وهو قد لازم الراحه )
وقال وقد وقف حاجب السلطان على عين ماء ببعض الثغور وشرب منها
( تعجبت من ثغر هذي البلاد ... ومولاي من عينها شارب )
( فلله ثغر أرى شاربا ... وعين بدا فوقها حاجب )

وقال
( وحمراء في الكأس مشمولة ... تحث على العود في كل بيت )
( فلا غرو أن جاءني سابقا ... إلى الأنس خل يحث الكميت )
وقال
( بروضتنا الظمياء طال اكتئابنا ... فلله غيث ميت آمالنا أحيا )
( وأشبه مهيارا فها تلك عينه ... تفيض إذا شام البروق على ظميا )
وقال
( اثنان عزا فلم يظفر بنيلهما ... وأعوزا من هما في الدهر مطلبه )
( أخ مودته في الله صادقة ... ودرهم من حلال طاب مكسبه )
وقال موريا بالقائد نافع على ما اختاره البخاري وجماعة أن أصح الأسانيد مالك عن نافع
( عن نافع أسند حديث أحبتي ... يا مالكا رقي بحسن صنائع )
( فأجل إسناد وخير رواية ... عندي رواية مالك عن نافع )
وقال ( إني لأعجب من فعالك في الهوى ... لما حللت بحسن ذاتك ذاتي )
( ونفيت نومي ثم اثبت الأسى ... فجمعت بين النفي والإثبات )
وقال
( ألا معصم للصب من وشي معصم ... أطلت إليه نظرة المتوسم )
( فأبقت به عيني حلى من سوادها ... وبعض سواد وسط قلبي المتيم )

( وليس خضابا ما علاه وإنما ... جرى فيه بعد الدمع ما عز من دمي )
( ولم يعد مني اللون لون سواده ... خلا أنني أشقى وقيل له انعم )
وقال وقد جاء الشاعر المفلق أبو العباس أحمد بن عبد المنان بيت الكتاب وفي عينه خضرة
( أيا احمد المرتضى للعلا ... ومن حاز في صنعه كل زين )
( تراءيت في العلم روضا نضيرا ... فلاتنكرن خضرة حول العين )
وله فيه
( لك الخير عدم السبك أبدل ناظري ... زمردة مخضرة من لجينه )
( فلا تنكروا ما راع من ذاك إنني ... لصائغ تبر القول ناقد شينه )
( ولا عجب إن أعوز السبك صائغا ... فأوجب عدم السبك خضرة عينه )
وقال فيمن يعرف بالصهال
( ألا رب فرسان توافوا فأدركوا ... مع الليل أوتارا لهم دون إمهال )
( وأجروا بصهال كميتا كما ابتغوا ... فلا تنكروا الإجراء منهم بصهال )
ولما كتب الرئيس الكاتب الجليل أبو عبد الله العزفي مداعبا
( يا عصبة كل فتى منهم علم ... فرغتم من كتبكم ردوا القلم )
أجابه ابن الحاج المذكور بقوله
( ألا احتسبوا ما قد أعرتم لفتية ... تكرمكم بالصفح عن فعلهم قاضي )
( ولا تطمعوا في الرد فالناس كلهم ... رأوا أن مولانا له القلم الماضي )
وقال الوادي آشي نقلت من خط الكاتب العلامة الصدر البارع الحاج

القاضي الناظم الناثر الجامع للمحاسن والمفاخر أبي إسحاق إبراهيم بن الحاج النميري ما نصه كتب إلي الفاضل النخبة أبو الفضل ابن رضوان متمثلا بقول المأمون
( ملك الثلاث الآنسات عناني ... )
فكتبت إليه في التورية
( هنيئا لك البشرى بهن فدم كما ... تريد بنعمى للسعادة جامعه )
( وإن كنت من أهل الصلاح فلا تكن ... بمائل قلب منك عن حب رابعه )
فأجابني بقوله
( يا سيدي ذكرتني بالرابعة ... لعلها لكل خير جامعه )
( إني أخاف أن تكون باقعه ... فتفرك المغازل المطاوعه )
ولابن الحاج المذكور من قصيدة طويلة
( لمن الخيام سطت ببيض صفاح ... وارت سوادا غال كل صباح )
( إن مزقت رقعت بنقع كتائب ... او قوضت عمدت بسمر رماح )
وله في رثاء الطبيب ابن عمار واقترح عليه ذلك ابن جزي
( إلا اسعدا عيني على السهد والبكا ... فقدواصل السهد المبرح تذكاري )
( وأبدى الردى فتك ابن عباد اذ سطا ... فلا غرو أن أبكي لفقد ابن عمار )
وقال مما يكتب في الترس
( أنا الترس قد أنشأت بالأمر عدة ... ليوم جهاد مطلع غرة النصر )

( فلاقوا بي الأعداء في زحفهم ولا ... تبالوا بقرع الزرق والبيض والسمر )
( ولا تنكروا ستري لمقتل حاملي ... ففي اسمي كما شاهدتم أحرف الستر )
وله يهني السلطان أبا عنان أمير المؤمنين المريني بالإبلال من المرض
( مطالب إلا أنهن مواهب ... قضى الله أن تقضى فنعم المطالب )
( شفاء أمير المؤمنين وإنه ... لأكرم من تحدى إليه الركائب )
( وكم قلت غاب البدر والشمس ضلة ... ورانت على قلبي الهموم النواصب )
( ولم يغبا لكن شكا الضر فارس ... وأوحش منه مجلس الملك غائب )
( لك الله يا خير الملوك وخير من ... تحن له حتى العتاق الشوازب )
( وقل لمن وافى بشيرا نفوسنا ... فما هي إلا بعض ما أنت واهب )
( أقول لجرد الخيل قبا بطونها ... معقدة منها لحرب سباسب )
( طوالع من تحت العجاج كأنها ... نعام بكثبان الصريم خواضب )
( محجلة غرا كأن رعالها ... بحار جرت فيها الصبا والجنائب )
( من الأعوجيات الصوافن ترتمي ... إذا رجفت يوم القراع مقانب )
( هنيئا فقد صح الإمام الذي به ... تفل السيوف المرهفات القواضب )
( ومستأصل الفل المغذ جياده ... لضرب كما ترغو الفحول الضوارب )
( ومن حطم السمر الطوال كعوبها ... بطعن كما امتاح الركية شارب )
( وكر على أرض العدا بفوارس ... كأنهم في الحرب أسد غوالب )
( كأن ظباهم في الهياج أكفهم ... تجود وأرواح العداة مواهب )
( كأن رماح الخط أحسابهم وما ... حوت من نفوس المعتدين مناقب )
( هم ما هم حدث عن البحر أو بني ... مرين فنهج القول أبلج لاحب )
( من البيت شادت قيس عيلان فخره ... فطالت معاليه وطابت مناسب )
( وأحيا له ملك الخليفة فارس ... مآثر غالتها الليالي الذواهب )

( كريم فلا الحادي النجائب مخفق ... لديه ولا المنضي الركاب خائب )
( أرى بذله النعمى ففضت مكاسب ... أرى بأسه الأنضى ففضت كتائب )
( أنامله يروي الورى صوب جودها ... فلولا دوام الرأي قلت السحائب )
( وكم خلت برقا في الدجى نور بشره ... تشيم سناه الناجيات النجائب )
( فأخجلني أني أرى البرق خلبا ... فلا الصوب هام لا ولا الجود ساكب )
( أعرني أمير المؤمنين بلاغة ... فإني عن عجز لمدحك هائب )
( وأنطق لساني بالبيان معلما ... فإني في التعليم للجود راغب )
( وكيف ترى لي بعد في الجود رغبة ... وجودك لي فوق الذي أنا طالب )
( وقد شبت الآمال إذ شبت ثم إذ ... تفقدتها لم يدر ما شب شائب )
( بلغت بك الآمال حتى كأنها ... وقد صدقت ما شئت صدقا كواذب )
( عجبت وما تولي وأوليت معجبا ... فلا برحت تنمو لديك العجائب )
( وحسبي دعاء لو سكت كفيته ... كما قيل لكن في الدعاء مذاهب )
( وما أنا إلا عبدك المخلص الذي ... يراقب في إخلاصه ما يراقب )
( فخذها تبث العذر لا المدح إنه ... هوالبحر قل هل يجمع البحر حاسب )
( بقيت بقاء الدهر ملكك قاهر ... وسيبك فياض وسيفك غالب )
( وغوفيت من ضر وأعطيت أجره ... ولا روعت إلا عداك النوائب )
وقال رحمه الله تعالى
( ولولا ثلاث جاء جبريل سائلا ... لخير الورى عنها لآثرت فقداني )
( مقامات إسلام أزيد بفعله ... ثوابا وإيمان أديم وإحساني )
وقال رحمه الله تعالى أنشدني السلطان أمير المؤمنين أبو عنان فارس ابن أمير المسلمين أبي الحسن المريني رحمهما الله تعالى لنفسه

( يا ملما بأرض تلك البلاد ... حي فاسا وحي أهل الوداد )
( إن تناءت بشخصها عن عياني ... فحماها مصور في فؤادي )

قصائد في مدح تلمساني وفاس
قلت تذكرت بهذا البحر والروي والغرض قول الفقيه الكاتب العلامة الناظم الناثر أبي عبد الله محمد بن يوسف الثغري كاتب سلطان تلمسان أمير المسلمين أبي حمو موسى بن يوسف الزياني يمدحه ويذكر تلمسان المحروسة
( أيها الحافظون عهد الوداد ... جددوا أنسنا بباب الجياد )
( وصلوها أصائلا بليال ... كلآل نظمن في الأجياد )
( في رياض منضدات المجاني ... بين تلك الربى وتلك الوهاد )
( وبروج مشيدات المباني ... باديات السنا كشهب بواد )
( رق فيها النسيب مثل نسيبي ... وصفا النهر مثل صفو ودادي )
( وزها الزهر والغصون تثنت ... وتغنت عليه ورق شواد )
( وانبرى كل جدول كحسام ... عاري الغمد سندسي النجاد )
( وظلال الغصون تكتب فيه ... احرفا سطرت بغير مداد )
( تذكر الوشم في معاصم خود ... نصبت فوقه ذوات امتداد )
( وكؤوس المنى تدار علينا ... بجنى عفة ونقل اعتقاد )
( واصفرار الأصيل فيها مدام ... وصفير الطيور نغمة شاد )
( كم غدونا بها لأنس ورحنا ... جادها رائح من المزن غاد )
( ولكم روحة على الدوح كادت ... أن تريح الصبا لنا وهو غاد )
( رقت الشمس في عشاياه حتى ... أحدثت منه رقة في الجماد )
( جددت بالغروب شجو غريب ... هاجه الشوق بعد طول البعاد )

( يا حيا المزن حيها من بلاد ... غرس الحب غرسها في فؤادي )
( وتعاهد معاهد الانس منها ... وعهود الصبا بصوب العهاد )
( حيث مغنى الهوى وملهى الغواني ... ومراد المنى ونيل المراد )
( ومقر العلا ومرقى الأماني ... ومجر القنا ومجرى الجياد )
( كل حسن على تلمسان وقف ... وخصوصا على ربى العباد )
( ضحك النور في رباها وأربى ... كهف ضحاكها على كل ناد )
( وسما تاجها على كل تاج ... ونما وهدها على كل واد )
( يدعي غيرها الجمال فيقضي ... حسنها أن تلك دعوى زياد )
( وبشعري فهمت معنى علاها ... من حلاها فهمت في كل وادي )
( حضرة زانها الخليفة موسى ... زينة الحلي عاطل الأجياد )
( وحباها بكل بذل وعدل ... وحماها من كل باغ وعاد )
( ملك جاوز المدى في المعالي ... فالنهايات عنده كالمبادي )
( معقل للهدى منيع النواحي ... مظهر للعلا رفيع العماد )
( قاتل المحل والأعادي ... جميعا بغرار الظبى وغر الأيادي )
( كلما ضنت السحائب أغنت ... راحتاه عن السحاب الغوادي )
( كم هبات له وكم صدقات ... عائدات على العفاة بواد )
( فأيادي خليفة الله موسى ... أبحر عذبة على الوراد )
( ركب الجود في بسيط يديه ... فتلافى به تلاف العباد )
( جل باريه ملجأ للبرايا ... كالحيا ضامنا حياة البلاد )
( جل من خصه بتلك المزايا ... باهرات من طارف وتلاد )
( شيم حلوة الجنى وسجايا ... شهد المجد أنها كالشهاد )
( يا إمام الهدى وشمس المعالي ... وغمام الندى وبدر النادي )

( لك بين الملوك سر خفي ... ليس معناه للعقول بباد )
( فكأن البلاد كفك مهما ... كان فيها من ينتمي لعناد )
( قبضت كفك البنان عليه ... فأتى بالاذعان حلف انقياد )
( بكم تصلح البلاد جميعا ... إن آراءكم صلاح البلاد )
( لم تزل دائما تحن إليكم ... كحنين السقيم للعواد )
( لو أعنيت بمنطق شكرتكم ... مثل شكر العفاة للأجواد )
( قد أطاعتكم البلاد جميعا ... طاعة ارغمت أنوف الأعادي )
( فأريحوا الجياد أتعبتموها ... وأقروا السيوف في الأغماد )
( واهنأوا خالدين في عز ملك ... قائم السعد دائم الإسعاد )
( وإليكم من مذهبات القوافي ... حكما سهلت ليان المقاد )
( كل بيت من النظام مشيد ... عطر الأفق بالثناء المجاد )
( ذو ابتسام كزهر روض مجود ... وانتظام كسلك در مجاد )
ولأبي المكارم منديل ابن الإمام الشهير صاحب المقدمة الآجرومية قصيدة في المنحى وافقت قصيدة الثغري في البحر وبعض المطلع فلا ندري أيهما نسج على منوال الآخر إذ هما متعاصران إلا أن ذاك قالها في تلمسان وهذا في مدينة فاس وهي
( أيها العارفون قدر الصبوح ... جددوا أنسنا بباب الفتوح )
يعني بباب الفتوح أحد أبواب فاس كما أن باب الجياد في كلام الثغري أحد أبواب تلسمان
ثم قال ابن آجروم بعد المطلع

( جددوا ثم أنسنا ثم جدوا ... يسرح الطرف في مجال فسيح )
( حيث شابت مفارق اللوز نورا ... وتساقطن كاللجين الصريح )
( وبدا منه كل ما احمر يحكي ... شفقا مزقته أيدي الريح )
( وكأن الذي تساقط منه ... نقط لحن من دم مسفوح )
( وإذا ما وصلتم للمصلى ... فلتحلوا بموضع التسبيح )
( وبطيفورها فطوفوا لكيما ... تبصروا من ذراه كل سطوح )
( ولتقيموا هناك لمحة طرف ... لتردوا به ذماء الروح )
( ثم حطوا رحالكم فوق نهر ... كل في وصفه لسان المديح )
( فوق حافاته حدائق خضر ... ليس عنها لعاشق من نزوح )
( وكأن الطيور فيها قيان ... هتفت بين أعجم وفصيح )
( وهي تدعوكم إلى قبة الجو ... ز هلموا إلى مكان مليح )
( فيه ما تشتهون من كل نور ... مغلق في الكمام أو مفتوح )
( وغصون تهيج رقصا إذا ما ... سمعت صوت كل طير صدوح )
( فأجيبوا دعاءها أيها السر ... ب وخلوا مقال كل نصيح )
( واجنحوا للمجون فهو جدير ... وخليق من مثلكم بالجنوح )
( واخلعوا ثم للتصابي عذارا ... إن خلع العذار غير قبيح )
( وإذا شئتم مكانا سواه ... هو أجلى من ذلكم في الوضوح )
( فاجمعوا أمركم لنحو خليج ... جاء كالصل من قفار فسيح )
( عطرت جانبيه كف الغوادي ... بشذا عرف زهرها الممنوح )
( قل لمهيار إن شممت شذاها ... قول مستخبر أخي تجريح )
( أين هذا الشذا الذكي من القي ... والرند والغضا والشيح )
( حبذا ذلك المهاد مهادا ... بين دان من الربى ونزوح )
( ثم من ذلك المهاد أفيضوا ... نحو هضب من الهموم مريح )

( فيه للحسن دوحة وروايا ... وانشراح لذي فؤاد قريح )
( وحجار تدعى حجار طبول ... غير أن التطبيل غير صحيح )
( تنثر الشمس ثم كل غدو ... زعفرانا مبللا بنضوح )
( وسوى من هناك يسبي عقولا ... ويجلي لحاظ طرف طموح )
( وعيون بها تقر عيون ... وكلاها يأسو كلوم الجريح )
( فرشت فوقها طنافس زهر ... ليس كالعهن نسجها والمسوح )
( كلما مر فوقهن طليح ... عاد من حسنهن غير طليح )
( فانهضوا أيها المحبون مثلي ... لنرى ذات حسنها الملموح )
( هكذا يربح الزمان وإلا ... كل عيش سواه غير ربيح )
وما أحسن قول الكاتب الثغري يمدح تلمسان والسلطان المذكور آنفا
( تاهت تلمسان بحسن شبابها ... وبدا طراز الحسن في جلبابها )
( فالبشر يبدو من حباب ثغورها ... متبسما أو من ثغور حبابها )
( قد قابلت زهر النجوم بزهرها ... وبروجها ببروجها وقبابها )
( حسنت بحسن مليكها المولى أبي ... حمو الذي يحمي حمى أربابها )
( ملك شمائله كزهر رياضها ... ونداه فاض بها كفيض عبابها )
( أعلى الملوك الصيد من أعلامها ... وأجلها من صفوها ولبابها )
( غارت بغرة وجهه شمس الضحى ... وتنقبت خجلا بثوب ضبابها )
( والبدر حين بدت أشعتها له ... حسنا تضاءل نوره وخبا بها )
( لله حضرته التي قد شرفت ... خدامها فسموا بخدمة بابها )
( فاللهم في يمناه يبلغها المنى ... والمدح في علياه من أسبابها )
وللثغرى المذكور قصيدة لامية بديعة في مدح السلطان أبي حمو

ووصف بلاد تلمسان وأجاد فيها إلى الغاية وهي
( قم مبصرا زمن الربيع المقبل ... تر ما يسر المجتني والمجتلي )
( وانشق نسيم الروض مطلولا وما ... أهداك من عرف وعرف فاقبل )
( وانظر إلى زهر الرياض كأنه ... در على لبات ربات الحلي )
( في دولة فاضت يداها بالندى ... وقضت بكل منى لكل مؤمل )
( بسطت بأرجاء البسيطة عدلها ... وسطت بكل معاند لم يعدل )
( سلطانها المولى أبو حمو الرضى ... ذو المنصب السامي الرفيع المعتلي )
( تاهت تلمسان بدولته على ... كل البلاد بحسن منظرها الجلي )
( راقت محاسنها ورق نسيمها ... فحلا بها شعري وطاب تغزلي )
( عرج بمنعرجات باب جيادها ... وافتح بها باب الرجاء المقفل )
( ولتغد للعباد منها غدوة ... تصبح هموم النفس عنك بمعزل )
( وضريح تاج العارفين شعيبها ... زره هناك فحبذا ذاك الولي )
( فمزاره للدين والدنيا معا ... تمحى ذنوبك أو كروبك تنجلي )
( وبكهفها الضحاك قف متنزها ... تسرح نفوسك في الجمال الأجمل )
( وتمش في جنباتها ورياضها ... واجنح إلى ذاك الجناب المخضل )
( تسليك في دوحاتها وتلاعها ... نغم البلابل واطراد الجدول )
( وبربوة العشاق سلوة عاشق ... فتنت وألحاظ الغزال الأكحل )
( بنواسم وبواسم من زهرها ... تهديك أنفاسا كعرف المندل )
( فلو امرؤ القيس بن حجر راءها ... قدما تسلى عن معاهد مأسل )

( أو حام حول فنائها وظبائها ... ما كان محتفلا بحومة حومل )
( فاذكر لها كلفي بسقط لوائها ... فهواي عنها الدهر ليس بمنسل )
( كم جاد لي فيها الزمان بمطلب ... جادته أخلاف الغمام المسبل )
( واعمد إلى الصفصيف يوما ثانيا ... وبه تسل وعنه دأبا فاسأل )
( واد تراه من الأزاهر خاليا ... أحسن به عطلا وغير معطل )
( ينساب كالأيم انسيابا دائما ... أو كالحسام جلاه كف الصيقل )
( فزلاله في كل قلب قد حلا ... وجماله في كل عين قد جلي )
( واقصد بيوم ثالث فوارة ... وبعذب منهلها المبارك فانهل )
( تجري على در لجينا سائلا ... أحلى وأعذب من رحيق سلسل )
( واشرف على الشرف الذي بإزائها ... لترى تلمسان العلية من عل )
( تاج عليه من المحاسن بهجة ... أحسن بتاج بالبهاء مكلل )
( وإذا العشية شمسها مالت فمل ... نحو المصلى ميلة المتمهل )
( وبملعب الخيل الفسيح مجاله ... أجل النواظر في العتاق الحفل )
( فلحلبة الأشراف كل عشية ... لعب بذاك الملعب المتسهل )
( فترى المجلي والمصلي خلفه ... وكلاهما في حريه لا يأتلي )
( هذا يكر وذا يفر فينثني ... عطفا على الثاني عنان الأول )
( من كل طرف كل طرف يستبي ... قيد النواظر فتنة المتأمل )
( ورد كأن أديمه شفق الدجى ... او أشهب كشهاب رجم مرسل )
( أو من كميت لا نظير لحسنه ... سام معم في السوابق مخول )
( أو أحمر قاني الأديم كعسجد ... أو أشقر يزهو بعرف أشعل )
( أو أدهم كالليل إلا غرة ... كالصبح بورك من أغر محجل )
( جمع المحاسن في بديع شياته ... مهما ترق العين فيه تسهل )
( عقبان خيل فوقها فرسانها ... كالأسد تنقض انقضاض الأجدل )
( فرسان عبد الواد آساد الوغى ... حامو الذمار أولو الفخار الأطور )

( فإذا دنت شمس الأصيل لغربها ... فإلى تلمسان الأصيل فادخل )
( من باب ملعبها لباب حديدها ... متنزها في كل ناد أحفل )
( وتأن من بعد الدخول هنيهة ... واعدل إلى قصر الإمام الأعدل )
( فهو المؤمل والديار كناية ... والسر في السكان لا في المنزل )
( فإذا أمير المؤمنين رأيته ... فالثم ثرى ذاك البساط وقبل )
( فالمجد لفظ في الحقيقة مجمل ... وحلاه تفصيل لذك المجمل )
( بشرى لعبد الواد بالملك الذي ... خلصوا به من كل خطب معضل )
( بأعزهم جارا وأمنعهم حمى ... وأجلهم مولى وأعظم موئل )
( بالعادل المستنصر المنصور وال ... والمهدي والمتوكل )
( وكفاهم سعدا أبو حمو الذي ... يحمي حماهم بالحسام الفيصل )
( وبحسن نيته لهم وبجده ... وبسعده وبسعيه المتقبل )
( ذو الهمة العليا التي آثارها ... حلت به فوق السماك الأعزل )
( بحر الندى الأحلى وفخر المنتدى ... وسنا الدجى الأجلى وزين المحفل ( ينهل منه لنا الجدا وبه الدجي ... تجلى بمشرق وجهه المتهلل ) تجلى بمشرق وجهه المتهلل )
( هنىء به زمن الربيع وقل له ... بشرى بأملح من حلاك وأجمل )
( وعلى علاه من صنيعة فضله ... ترداد نافحة السلام الأكمل )
وكأنه عارض بهذه القصيدة قطعة في بحرها ورويها في مدح مدينة فاس لبعض العلماء وأظنه القاضي المزدغي وهي
( يا فاس حيا الله أرضك من ثرى ... وسقاك من صوب الغمام المسبل )
( يا جنة الدنيا التي أربت على ... حمص بمنظرها البهي الأجمل )
( غرف على غرف ويجري تحتها ... ماء ألذ من الرحيق السلسل )
( وبساتن من سندس قد زخرفت ... بجداول كالأيم أو كالفيصل )
( وبجامع القروين شرف ذكره ... أنس بذكراه يهيج تململي )

( وبصحنه زمن المصيف عجائب ... فمع العشي الغرب فيه استقبل )
( واشرب بتلك البيلة الحسنا به ... واكرع بها عني فديتك وانهل )
وقد تمثل لسان الدين رحمه الله تعالى في مدينة فاس بقول القائل
( بلد أعارته الحمامة طوقها ... وكساه ريش جناحه الطاووس )
( فكأنما الأنهار فيه مدامة ... وكأن ساحات الديار كؤوس )
وما أحسن قوله أعني لسان الدين في مدح تلمسان
( حيا تلمسان الحيا فربوعها ... صدف يجود بدره المكنون )
( ما شئت من فضل عميم إن سقى ... أروى ومن ليس بالممنون )
( أو شئت من دين إذا قدح الهدى ... أورى ودنيا لم تكن بالدون )
( ورد النسيم لها بنشر حديقة ... قد أزهرت أفنانها بفنون )
( وإذا حبيبة أم يحيى أنجبت ... فلها الشفوف على عيون العين )
يعني بحبيبة أم يحيى عين ماء بتلمسان من أعذب المياه وأخفها وكانت جارية بالقصور السلطانية ولم تزل إلى الآن منها بقية آثار ورسوم والبقاء لله تعالى وحده
وممن مدح تلمسان الحاج الطبيب أبو عبد الله محمد بن أبي جمعة الشهير بالتلالسي رحمه الله تعالى إذ قال
( سقى الله من صوب الحيا هاطلا وبلا ... ربوع تلمسان التي قدرها استعلى )

( ربوع بها كان الشباب مصاحبي ... جررت إلى اللذات في دارها الذيلا )
( فكم نلت فيها من أمان قصية ... وكم منح الدهر الضنين بها النيلا )
( وكم غازلتني الغيد فيها تلاعبا ... وكم من عذول لا أطيع له قولا )
( وكم ليلة بتنا على رغم حاسد ... ندير كؤوس الوصل إذ بالصفا تملا )
( وكم ليلة بتنا بصفصيفها الذي ... تسامى على الأنهار إذ عدم المثلا )
( وكدية عشاق لها الحسن ينتهي ... يعود المسن الشيخ من حسنها طفلا )
( نعم وغدير الجوزة السالب الحجى ... نعمت بها طفلا وهمت بها كهلا )
( ومنه ومن عين أم يحيى شرابنا ... لانهما في الطيب كالنيل بل أحلى )
( وعبادها ما القلب ناس ذمامه ... به روضة للخير قد جعلت حلا )
( به شيخنا المذكور في الأرض ذكره ... أبو مدين أهلا به دائما أهلا )
( لها بهجة تزري على كل بلدة ... بتاج عليها كالعروس إذا تجلى )
( فيا جنة الدنيا التي راق حسنها ... فحازت على كل البلاد به الفضلا )
( ولا عجب أن كنت في الحسن هكذا ... وموسى الإمام المرتضى فيك قد حلا )
( ولاحت لدينا فيك منه محاسن ... كأن سناها حاجب الشمس إذ جلى )
( مطاع شجاع في الوغى ذو مهابة ... حسام على الباغين في الأرض قد سلا )
( كريم حليم حاتمي نواله ... سعيد حميد يصدق القول والفعلا )
( له راحة كالغيث ينهل ودقها ... وصارم نصر مرهف الحد لا فلا )
( هو الملك الأرقى هو الملك الرضى ... هو الملك الأسنى هو الملك الأعلى )
( ومن هذه الأوصاف فيه تجمعت ... حقيقا على كل المعالي قد استولى )
( إمام حباه الله ملكا مؤزرا ... فلا ملك إلا لعزته ذلا )
( من الزاب وافانا عزيزا مظفرا ... يجر من النصر المنوط به ذيلا )

( بدت لليك الغرب شدة بأسه ... وإنعامه للمعتفين وما أولى )
( فبادره بالصلح خوف فواته ... وسالمه إذ كان ذاك به أولى )
( فكان بحمد الله صلحا مهنأ ... به طابت الدنيا وجزنا به السبلا )
( له في المعالي رتبة لا ينالها ... سواه وكتب في فضائله تتلى )
( لطاعته كل الأنام تبادرت ... فيا سعد من وافى ويا ويح من ولى )
( أحساده موتوا فإن قلوبكم ... بجمر الغضا مما بها أبدا تصلى )
( لقد جبر الله البلاد بملكه ... به ملئت أمنا به ملئت عدلا )
( فلا زال هذا الملك فيه مخلدا ... وصارمه الأمضى وخادمه الأعلى )
ومما مدحت به تلمسان قول الإمام الصوفي أبي عبد الله محمد بن خميس الذي قدمنا ذكره في هذا الكتاب وبعض ما يتعلق به وذكرنا أيضا فيما مر بعض أمداحه لها
( تلمسان جادتك السحاب الروائح ... وأرست بواديك الرياح اللواقح )
( وسح على ساحات باب جيادها ... ملث يصافي تربها ويصافح )
( يطير فؤادي كلما لاح لامع ... وينهل دمعي كلما ناح صادح )
( ففي كل شفر من جفوني مائح ... وفي كل شطر من فؤادي قادح )
( فما الماء إلا ما تسح مدامعي ... ولا النار إلا ما تجن الجوانح )
( خليلي لا طيف لعلوة طارق ... بليل ولا وجه لصبحي لائح )
( نظرت فلا ضوء من الصبح ظاهر ... لعيني ولا نجم إلى الغرب جانح )
( بحقكما كفا الملام وسامحا ... فما الخل كل الخل إلا المسامح )
( ولا تعذلاني واعذراني فقلما ... يرد عناني عن علية ناصح )

( كتمت هواها ثم برح بي الأسى ... وكيف أطيق الكتم والدمع فاضح )
( لساقية الرومي عندي مزية ... وإن رغمت تلك الرواسي الرواشح )
( فكم لي عليها من غدو وروحة ... تساعدني فيها المنى والمنائح )
( فطرف على تلك البساتين سارح ... وطرف إلى تلك الميادين جامح )
( تحار بها الأذهان وهي ثواقب ... وتهفو بها الأحلام وهي بوارح )
( ظباء مغانيها عواط عواطف ... وطير مجانيها شواد صوادح )
( تقتلهم فيها عيون نواظر ... وتبكيهم منهم عيون نواضح )
( على قرية العباد مني تحية ... كما فاح من مسك اللطيمة فائح )
( وجاد ثرى تاج المعارف ديمة ... تغص بها تلك الربى والأباطح )
( إليك شعيب بن الحسين قلوبنا ... نوازع لكن الجسوم نوازح )
( سعيت فما قصرت عن نيل غاية ... فسعيك مشكور وتجرك رابح )
( نسيت وما أنسى الوريط ووقفة ... أنافح فيها روضه وأفاوح )
( مطلا على ذاك الغدير وقد بدت ... لإنسان عيني من صفاه صفائح )
( أماؤك أم دمعي عشية صدقت ... علية فينا ما يقول المكاشح )
( لئن كنت ملآنا بدمعي طافحا ... فإني سكران بحبك طافح )
( وإن كان مهري في تلاعك سائحا ... فذاك غزالي في عبابك سابح )
( قراح أتى ينصب من رأس شاهق ... بمثل حلاه تستحث القرائح )
( أرق من الشوق الذي أنا كاتم ... وأصفى من الدمع الذي أنا سافح )
( أما وهوى من لا أسميه إنني ... لعرضي كما قال النصيح لناصح )
( أبعد صيامي واعتكافي وخلوتي ... يقال فلان ضيق الصدر بائح )
( لبعت رشادي فيه بالغي ضلة ... وكم صالح مثلي غدا وهو طالح )
( وأي مقام ليس لي فيه حاسد ... وأي مقال ليس لي فيه مادح )

( الا قل لفرسان البلاغة أسرجوا ... فقد جاءكم مني المكافي المكافح )
( أيخمل ذكري عندهم وهو نابه ... ويغمط شجوي عندهم وهو شائح )
( بدور إذا جن الظلام كوامل ... وأسد إذا لاح الصباح كوالح )
( تركتك سوق البز لا عن تهاون ... وكيف وظبي سانح فيك بارح )
( وإني وقلبي في ولائك طامع ... وناظر وهمي في سماطك طامح )
( أيا أهل ودي والعشير مؤمن ... أتقضى ديوني أم غريمي فالح )
( وهل ذلك الظبي النصاحي للذي ... يقطع من قلبي بعينيه ناصح )
( كنيت بها عنه حياء وحشمة ... ووجه اعتذاري في القضية واضح )

تعريف بتلمسان
وتلمسان هذه هي مدينتنا التي علقت بها لتمائم وقد نزلها من سلفنا عبد الرحمن بن أبي بكر المقري بن علي صاحب الشيخ أبي مدين الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين وهو الأب الخامس كما سبق في ترجمة أخبارهم وهي من أحسن مدائن المغرب ماء وهواء حسبما قال ابن مرزوق
( يكفيك منها ماؤها وهواؤها ... )
وقال الكاتب أبو زكريا يحيى بن خلدون في كتابه بغية الرواد في اخبار بني عبد الواد وأيام أبي حمو الشامخة الأطواد بعد كلام في شأن البربر ما صورته ودار ملكهم وسط بين الصحراء والتل تسمى بلغة البربر تلمسن كلمة مركبة من تلم ومعناه تجمع وسن ومعناه اثنان أي الصحراء والتل فيما ذكره شيخنا العلامة أبو عبد الله الآبلي رحمه الله تعالى وكان

حافظا بلسان القوم ويقال تلمشان وهو أيضا مركب من تلم ومعناه لها وشان أي لها شأن وهي مدينة عريقة في التمدن لذيذة الهواء عذبة الماء كريمة المنبت اقتعدت بسفح جبل ودوين رأسه بسيط اطول من شرق إلى غرب عروسا فوق منصة والشماريخ مشرفة عليها إشراف التاج على الجبين ويطل منها على فحص أفيح معد للفلاحة تشق ظهوره الأسلحة عن مثل أسنمة المهارى وتبقر في بطونه عند تدميث الغمائم بطون العذارى وبها للملك قصور زاهرات اشتملت على المصانع الفائقة والصروح الشاهقة والبساتين الرائقة مما زخرفت عروشه ونمقت غروسه ونوسبت أطواله وعروضه فأزرى الخورنق وأخجل الرصافة وعبث بالسدير وتنصب إليها من عل أنهار من ماء غير آسن تتجاذبه أيدي المذانب والأسراب المكفورة خلالها ثم ترسله بالمساجد والمدارس والسقايات بالقصور وعليه الدور والحمامات فيفعم الصهاريج ويفهق الحياض ويسقي ريعه خارجها مغارس الشجر ومنابت الحب فهي التي سحرت الألباب رواء وأصبت النهى جمالا ووجد المادحون فيها المقال فأطالوا وأطابوا إلى أن قال فأنا أنشد ساكنها قول ابن خفاجة لاستحقاقها إياه عندي
( ما جنة الخلد إلا في منازلكم ... وهذه كنت لو خيرت أختار )

( لا تتقوا بعدها أن تدخلوا سقرا ... فليس تدخل بعد الجنة النار )
وتوسطت قطرا ذا كور عديدة تعمرها أمشاج البربر والعرب مريعة الجنبات منجبة للحيوان والنبات كريمة الفلاحة زاكية الإصابة فربما انتهت في الزوج الواحد منها إلى أربعمائة مد كبير ثم أطال في ذلك ابن خلدون المذكور بما يوقف عليه في الكتاب المذكور
ومما ينسب للسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى في وصفها ما صورته تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف ووضعت في موضع شريف كأنها ملك علما رأسه تاجه وحواليه من الدوحات حشمه وأعلاجه عبادها يدها وكهفها كفها وزنتها زيانها وعينها أعيانها هواها المقصور بها فريد وهواؤها الممدود صحيح عتيد وماؤها برود صريد حجبتها أيدي القدرة عن الجنوب فلا نحول فيها ولا شحوب خزانة زرع ومسرح ضرع فواكهها عديدة الأنواع ومتاجرها فريدة الانتفاع وبرانسها رقاق رفاع إلا أنها بسبب حب الملوك مطمعة للملوك ومن أجل جمعها الصيد في جوف الفرا مغلوبة للأمرا أهلها ليست عندهم الراحة إلا فيما قبضت عليه الراحة ولا فلاحة إلا لمن أقام رسم الفلاحة ليس بها لسع العقارب إلا فيما بين الأقارب ولا شطارة إلا فيمن ارتكب الخطارة انتهى
وقد كنت بالغرب نويت أن أجمع في شأنها كتابا ممتعا أسميه بأنواء نيسان في أنباء تلمسان وكتبت بعضه ثم حالت بيني وبين ذلك العزم الأقدار وارتحلت منها إلى حضرة فاس حيث ملك الأشراف ممتد الرواق فشغلت بأمور الإمامة والفتوى والخطابة وغيرها ثم ارتحلت بنية الحجاز وجعلت إلى الحقيقة المجاز وها أنا ذا إلى الآن في البلاد المصرية وفي علم الله تعالى ما لا نعلم والتسليم لأحكام الأقدار أسلم والله تعالى يختم لنا بالحسنى بجاه نبيه ومصطفاه

وبها ولدت أنا وأبي وجدي وجد جدي وقرأت بها ونشأت إلى أن ارتحلت عنها في زمن الشبيبة إلى مدينة فاس سنة تسع وألف ثم رحعت إليها آخر عام عشرة وألف ثم عاودت الرجوع إلى فاس سنة ثلاث عشرة وألف إلى أن ارتحلت عنها للمشرق أواخر رمضان سنة سبع وعشرين وألف ودخلت مصر برجب من عام ثمانية وعشرين وألف والشام بشعبان عام سبعة وثلاثين وألف وأبت منها إلى مصر أواخر شوال من العام وشرعت في هذا المؤلف بالقعدة من العام

ترجمة أبي مدين
وقد تخرج بتلمسان من العلماء والصلحاء ما لا ينضبط ويكفيها افتخارا دفن ولي الله سيدي أبي مدين بها وهو شعيب بن الحسين الأندلسي شيخ المشايخ وسيد العرافين وقدوة السالكين قال الشيخ أبو عبد الله محمد ابن التلمساني في كتابه النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المناقب كان الشيخ سيدي أبو مدين فردا من أفراد الرجال وصدرا من صدور الأولياء الأبدال حمع الله له علم الشريعة والحقيقة وأقامه ركن الوجود هاديا وداعيا للحق فقصد بالزيارة من جميع الأقطار واشتهر بشيخ المشايخ وذكر التادلي وغيره أنه خرج على يده ألف شيخ من الأولياء أولي الكرامات وقال أبو الصبر كبير مشايخ وقته كان أبو مدين زاهدا فاضلا عارفا بالله تعالى خاض بحار الأحوال ونال أسرار المعارف خصوصا مقام التوكل لا يشق غباره ولا تجهل آثاره قال التادلي كان مبسوطا بالعلم مقبوضا بالمراقبة كثير الالتفات بقلبه إلى الله تعالى حتىختم له بذلك أخبرني من شهد وفاته أنه رآه

في آخر الرمق يقول الله الحق وكان من أعلام العلماء وحفاظ الحديث خصوصا جامع الترمذي وكان يقوم عليه ورواه عن شيوخه عن أبي ذر وكان يلازم كتاب الإحياء ويعكف عليه وترد عليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في الوقت وله مجلس وعظ يتكلم فيه فتجتمع عليه الناس من كل جهة وتمر به الطيور وهو يتكلم فتقف تسمع وربما مات بعضها وكثيرا ما يموت بمجلسه أصحاب الحب تخرج عليه جماعة كثيرة من العلماء والمحدثين وأرباب الأحوال وكان شيخه أبو يعزى يثني عليه جميلا ويخصه بين أصحابه بالتعظيم والتبجيل قرأ بفاس بعد قدومه من الأندلس على الشيخ الحافظ أبي الحسن أبن حرزهم وعلى الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن ابن غالب
وذكر عنه أنه قال كنت في أول أمري وقراءتي على الشيوخ إذا سمعت تفسير آية او معنى حديث قنعت به وانصرفت لموضع خال خارج فاس أتخذه مأوى للعمل بما فتح به علي فإذا خلوت به تأتيني غزالة تأوي إلي وتؤنسني وكنت أمر في طريقي بكلاب القرى المتصلة بفاس فيدورون حولي ويبصبصون لي فبينا أنا يوما بفاس إذا برجل من معارفي بالأندلس سلم علي فقلت وجبت ضيافته فبعت ثوبا بعشرة دراهم فطلبت الرجل لأدفعها له فلم أجده هنالك فخليتها معي وخرجت لخلوتي على عادتي فمررت بقريتي فتعرض لي الكلاب ومنعوني الجواز حتى خرج من القرية من حال بيني وبينهم ولما وصلت لخلوتي جاءتني الغزالة على عادتها فلما شمتني نفرت عني وأنكرت علي فقلت ما أوتي علي إلا من أجل هذه الدراهم التي معي فرميتها فسكنت الغزالة وعادت لحالها معي ولما رجعت لفاس جعلت الدراهم معي ولقيت الأندلسي فدفعتها إليه ثم مررت بالقرية في خروجي للخلوة فدار بي كلابها وبصبصوا على عادتهم وجاءتني الغزالة فشمتني من

مفرقي لقدمي وأنست بي كعادتها وبقيت كذلك مدة وأخبار سيدي أبي يعزى ترد علي وكراماته يتداولها الناس وتنقل إلي فملأ قلبي حبه فقصدته مع جماعة الفقراء فلما وصلنا إليه أقبل على الجماعة دوني وإذا حضر الطعام منعني من الأكل معهم وبقيت كذلك ثلاثة أيام فأجهدني الجوع وتحيرت من خواطر ترد علي ثم قلت في نفسي إذا قام الشيخ من مكانه أمرغ وجهي في المكان فقام ومرغت وجهي فقمت وأنا لا أبصر شيئا وبقيت طول ليلتي باكيا فلما أصبح دعاني وقربني فقلت له يا سيدي قد عميت ولا أبصر شيئا فمسح بيده على عيني فعاد بصري ثم مسح على صدري فزالت عني تلك الخواطر وفقدت ألم الجوع وشاهدت في الوقت عجائب من بركاته ثم استأذنته في الانصراف بنية أداء الفريضة فأذن لي وقال ستلقى في طريقك الأسد فل يرعك فإن غلب خوفه عليك فقل له بحرمة يدنور إلا انصرفت عني فكان الأمر كما قال فتوجه الشيخ أبو مدين للشرق وأنوار الولاية عليه ظاهرة فأخذ عن العلماء واستفاد من الزهاد والأولياء وتعرف في عرفة بالشيخ سيدي عبد القادر الكيلاني فقرأ عليه في الحرم الشريف كثيرا من الحديث وألبسه خرقة الصوفية وأودعه كثيرا من أسراره وحلاه بملابس أنواره فكان أبو مدين يفتخر بصحبته ويعده افضل مشايخه الأكابر
وعن بعض الأولياء قال رأيت في النوم قائلا يقول قل لأبي مدين بث العلم ولا تبال ترتع غدا مع العوالي فإنك في مقام آدم أبي الذراري فقصصتها عليه فقال لي عزمت على الخروج للجبال والفيافي حتى أبعد عن العمران ورؤياك هذه تعدل بي عن هذا العزم وتأمرني بالجلوس فقولك ترتع غدا مع العوالي إشارة لحديث حلق الذكر مراتع أهل الجنة والعوالي أصحاب عليين ومعنى قوله أبي الذراري أن آدم أعطي قوة على النكاح

وأمر به ولم يجعل له قوة على كون ذريته مطيعين مؤمنين وكذا نحن أعطانا الله العلم وأمرنا ببثه وتعليمه ولا قدرة لنا على كون أتباعنا موفقين
وكان يقول كرامات الأولياء نتائج معجزات نبينا وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى بسنده عن الجنيد عن سري السقطي عن حبيب العجمي بالسند إلى رب العزة جل جلاله
وعن العارف عبد الرحيم المغربي قال سمعت سيدي أبا مدين يقول أوقفني ربي عز و جل بين يديه وقال لي يا شعيب ماذا عن يمينك قلت يا رب عطاؤك قال وعن شمالك قلت يا رب قضاؤك فقال يا شعيب قد ضاعفت لك هذا وغفرت لك هذا فطوبى لمن رآك أو رأى من رآك
وعن سيدي أبي العباس المرسي جلت في ملكوت الله تعالى فرأيت سيدي أبا مدين متعلقا بساق العرش وهو يومئذ أشقر أزرق فقلت له وما علومك وما مقامك فقال علومي أحد وسبعون علما وأما مقامي فرابع الخلفاء ورأس السبعة الأبدال
وسئل رضي الله عنه عما خصه الله تعالى به فقال مقامي العبودية وعلومي الألوهية وصفاتي مستمدة من الصفات الربانية ملأت علومه سري وجهري وأضاء بنوره بري وبحري فالمقرب من كان به عليما ولا يسمو إلا من أوتي قلبا سليما الذي يسلم مما سواه ولا يكون في الوعاء إلا ما جعل فيه مولاه فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شك ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب )
وسئل عن الحياء فقال أوله دوام الذكر وأوسطه الأنس بالمذكور وأعلاه أن لا ترى شيئا سواه
واختلف أهل مجلسه هل الخضر ولي أم نبي فرأى رجل صالح منهم معروف بالولاية النبي تلك الليلة فقال الخضر نبي وأبو مدين ولي

وذكر التادلي وغيره أن رجلا جاءه ليعترض عليه فجلس في الحلقة فأخذ صاحب الدولة في القراءة فقال له أبو مدين أمهل قليلا ثم التفت للرجل وقال له لم جئت فقال لأقتبس من نورك فقال له ما الذي في كمك قال له مصحف فقال له أفتحه واقرأ في أول سطر يخرج لك ففتحه وقرأ أول سطر فإذا فيه ( الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) فقال له أبو مدين أما يكفيك هذا فاعترف الرجل وتاب وصلح حاله
وذكر صاحب الروض عن الشيخ الزاهد أبي محمد عبد الرزاق أحد خواص أصحابه قال مر شيخنا أبو مدين في بعض بلاد المغرب فرأى أسدا افترس حمارا وهو يأكله وصاحبه جالس بالبعد على غاية الحاجة والفاقة فجاء أبو مدين وأخذ بناصية الأسد وقال لصاحب الحمار أمسك الأسد واستعمله في الخدمة موضع حمارك فقال له ياسيدي أخاف منه فقال لا تخف لا يستطيع أن يؤذيك فمر الرجل يقوده والناس ينظرون إليه فلما كان آخر النهار جاء الرجل ومعه الأسد للشيخ وقال له يا سيدي هذا الأسد يتبعني حيث ذهبت وأنا شديد الخوف منه لا طاقة لي بعشرته فقال الشيخ للأسد اذهب ولا تعد ومتى آذيتم بني آدم سلطتهم عليكم
ومن مشهور كراماته أنه كان ماشيا يوما على ساحل فأسره العدو وجعلوه في سفينة فيها جماعة من أسرى المسلمين فلما استقر في السفينة توقفت عن السير ولم تتحرك من مكانها مع قوة الريح ومساعدتها وأيقن الروم أنهم لا يقدرون على السير فقال بعضهم أنزلوا هذا المسلم فإنه قسيس ولعله من أصحاب السرائر عند الله تعالى وأشاروا له بالنزول فقال لا أفعل إلا إن أطلقتم جميع من في السفينة من الأسارى فعلموا أن لا بد لهم من ذلك

فأنزلوهم كلهم وسارت السفينة في الحال
ومن كراماته أنه لما اختلف طلبة بجاية في حديث إذا مات المؤمن أعطي نصف الجنة وأشكل عليهم ظاهره إذ بموت مؤمنين يستحقان كل الحنة فجاءوا إليه وهو يتكلم على رسالة القشيري فكاشفهم في الحال بلا سؤال وقال لهم المراد أنه يعطى نصف جنته هو فيكشف له عن مقعده ليتنعم به وتقر عينه ثم النصف الآخر يوم القيامة
وكان أولياء وقته يأتونه من البلدان للاستفتاء فيما يعرض لهم من المسائل
وذكر تلميذه الصالح سيدي عبد الخالق التونسي عنه أنه قال سمعت برجل يسمى موسى الطيار يطير في الهواء ويمشي على الماء وكان رجل يأتيني عند صدع الفجر فيسألني عن مسائل لا يفهمها الناس فوقع ليلة في نفسي أنه موسى الطيار الذي سمعت به وطال علي الليل في انتظاره فلما طلع الفجر نقر الباب رجل فإذا هو الذي يسألني فقلت له أنت موسى الطيار فقال نعم ثم سألني وانصرف ثم جاءني مع رجل آخر فقال لي صلينا الصبح ببغداد وقدمنا مكة فوجدناهم في صلاة الصبح فأعدنا معهم وجلسنا حتى صلينا الظهر وأتينا القدس فوجدناهم في الظهر فقال لي صاحبي هذا نعيد معهم فقلت لا فقال لي ولم أعدنا الصبح بمكة فقلت له كذلك كان شيخي يفعل وبه أمرنا فاختلفنا وأتيناك للجواب فقال أبو مدين فقلت لهم أما إعادة الصبح بمكة فلأنها بها عين اليقين وببغداد علم اليقين وعين اليقين أولى من علم اليقين وصلاتكم الظهر بمكة وهي أم القرى فلذلك لا تعاد في غيرها قال فقنعا به وانصرفا
وكان استوطن بجاية ويقول إنها معينة على طلب الحلال ولم يزل بها

يزداد حاله على مر الليالي رفعة ترد عليه الوفود وذوو الحاجات من الآفاق ويخبر بالوقائع والغيوب إلى أن وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور وقال له إنا نخاف منه على دولتكم فإن له شبها بالإمام المهدي وأتباعه كثيرون بكل بلد فوقع في قلبه وأهمه شأنه فبعث إليه في القدوم عليه ليختبره وكتب لصاحب بجاية بالوصية به والاعتناء وأن يحمل خير محمل فلما أخذ في السفر شق على أصحابه وتغيروا وتكلموا فسكتهم وقال لهم إن منيتي قربت وبغير هذا المكان قدرت ولا بد لي منه وأنا شيخ كبير ضعيف لا قدرة لي على الحركة فبعث الله تعالى من يحملني إليه برفق ويسوقني إليه أحسن سوق وأنا لا أرى السلطان ولا يراني فطابت نفوسهم وذهب بوسهم وعلموا أنه من كراماته فارتحلوا به على أحسن حال حتى وطئوا به حوز تلمسان فبدت له رابطة العباد فقال لأصحابه ما أصلحه للرقاد فمرض مرض موته فلما وصل وادي يسر اشتد به المرض ونزلوا به هناك فكان آخر كلامه الله الحق
وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وتسعين وخمسمائة فحمل إلى العباد مدفن الأولياء الأوتاد وسمع أهل تلمسان بجنازته فكانت من المشاهد العظيمة والمحافل الكريمة وفي ذلك اليوم تاب الشيخ أبو علي عمر الحباك وعاقب الله تعالى السلطان فمات بعده بسنة أو أقل
ونقل المعتنون بأخباره أن الدعاء عند قبره مستجاب وجربه جماعة وقد زرته مئين من المرات ودعوت الله تعالى عنده بما ارجو قبوله
وقد أطال في ترجمته التادلي في كتابه التشوف لرجال التصوف وقد

أفردها أبن الخطيب القسمطيني بتأليف سماه أنس الفقير
ومن كلامه من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم ومن اشتغل بطلب الدنيا ابتلي فيها بالذل ومن لم يجد من قلبه زاجرا فهو خراب
وقوله بفساد العامة تظهر ولاة الجور وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون
وقوله من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه ومن خدم الصالحين ارتفع ومن حرمه الله تعالى احترامهم ابتلاه الله بالمقت من خلقه وانكسار العاصي خير من صولة المطيع
وقوله من علامة الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق
وسئل عن المحو والشيخ فقال المحو من شهدت له ذاتك بالتقديم وسرك بالاحترام والتعظيم والشيخ من هداك بأخلاقه وأيدك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه إلى غير ذلك من كلامه النير وهو بحر لا ساحل له
وله نظم كثير مشهور بأيدي الناس ومما ينسب له قوله
( بكت السحاب فأضحكت لبكائها ... زهر الرياض وفاضت الأنهار )
( وقد اقبلت شمس النهار بحلة ... خضرا وفي أسرارها أسرار )
( وأتى الربيع بخيله وجنوده ... فتمتعت في حسنه الأبصار )
( والورد نادى بالورود إلى الجنى ... فتسابق الأطيار والأشجار )
( والكأس ترقص والعقار تشعشعت ... والجو يضحك والحبيب يزار )
( والعود للغيد الحسان مجاوب ... والطار أخفى صوته المزمار )
( لا تحسبوا الزمر الحرام مرادنا ... مزمارنا التسبيح والأذكار )
( وشرابنا من لطفه وغناؤنا ... نعم الحبيب الواحد القهار )
( والعود عادات الجميل وكأسنا ... كأس الكياسة والعقار وقار )

( فتألفوا وتطيبوا واستغنموا ... قبل الممات فدهركم غدار )
( والله أرحم بالفقير إذا أتى ... من والديه فإنه غفار )
( ثم الصلاة على الشفيع المصطفى ... ما رنمت بلغاتها الأطيار )
وإنما ذكرت ترجمة سيدي الشيخ أبي مدين للتبرك به ولكونه شيخ جدي فأنا في بركته لقول جدي إنه دعا له ولذريته بما ظهر قبوله ولأنا ذكرنا في هذا التأليف كثيرا من أنباء أبناء الدنيا فأردنا كفارة ذلك بذكر الصالحين والله الموفق بمنه وكرمه آمين

الباب السابع
في ذكر بعض تلامذته الآخذين عنه المستهدين به على المنهاج المتلقين أنواع العلوم منه والمقتبسين أنوار الفهوم من سراجه الوهاج
اعلم أن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى كثيرون إلا أنه لم يرزق السعادة في كثير منهم بل بارزوه بالعداوة واجتهدوا في إيصال المكروه إليه
فمن أشهرهم الوزير الكاتب أبو عبدالله ابن زمرك وارث مرتبته من بعده ومقتعد أريكة سعده وقد ألمع به في الإحاطة وكان إذ ذاك من جملة أتباعه إذ قال ما محصله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الصريحي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن زمرك
أصله من شرقي الأندلس وسكن سلفه ربض البيازين من غرناطة وبه ولد ونشأ وهو من مفاخره
حاله هذا الفاضل صدر من صدور طلبة الأندلس وأفراد نجبائها مختصر مقبول هش خلوب عذب الفكاهة حلو المجالسة حسن التوقيع خفيف الروح

عظيم الانطباع شره المذاكرة فطن بالمعاريض حاضر الجواب شعلة من شعل الذكاء تكاد تحتدم جوانبه كثير الرقة فكه غزل مع حياء وحشمة جواد بما في يده مشارك لإخوانه نشأ عفا طاهرا كلفا بالقراءة عظيم الدؤوب ثاقب الذهن أصيل الحفظ ظاهر النبل بعيد مدى الإدراك جيد الفهم فاشتهر فضله وذاع أرجه وفشا خبره واضطلع بكثير من الأغراض وشارك في كثير من الفنون وأصبح متلقف كرة البحث وصارخ الحلقة وسابق الحلبة ومظنة الكمال ثم ترقى في درج المعرفة والاضطلاع وخاض لجة الحفظ وركض قلم التقييد والتسويد والتعليق ونصب نفسه للناس متكلما فوق الكرسي المنصوب وفوق المحفل المجموع مستظهرا بالفنون التي بعد فيها شأوه من العربية والبيان واللغة وما يقذف به في لج النقل من الأخبار والتفسيرمتشوفا مع ذلك إلى السلوك مصاحبا للصوفية آخذا نفسه بارتياض ومجاهدة ثم عانى الأدب فكان أملك به وأعمل الرحلة في طلب العلم والازدياد فترقى إلى الكتابة عن ولد السلطان أمير المسلمين بالمغرب أبي سالم إبراهيم ابن أمير المسلمين أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب ثم عن السلطان وعرف في بابه بالإجادة
ولما جرت الحادثة على السلطان صاحب الأمر بالأندلس واستقر بالمغرب أنس له وانقطع إليه وكر في صحبة ركابه إلى استرجاع حقه فلطف منه محله وخصه بكتابة سره وثابت الحال ودالت الدولة وكانت له الطائلة فأقره على رسمه معروف الانقطاع والصاغية كثير الدالة مضطلعا بالخطة خطا وإنشاء ولسنا ونقدا فحسن منابه واشتهر فضله وظهرت مشاركته وحسنت وساطته ووسع الناس تخلقه وأرضى للسلطان حمله وامتد في ميدان النظم والنثرباعه فصدر عنه من المنظوم في أمداحه قصائد بعيدة الشأو في مدى الإجادة وهو بحاله الموصوفة إلى هذا العهد أعانه الله تعالى وسدده

شيوخه قرأ العربية على الأستاذ رحلة المغرب في فنها أبي عبد الله ابن الفخار ثم على القاضي الشريف إمام الفنون اللسانية أبي القاسم محمد بن أحمد الحسني والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد ابن لب واختص بالفقيه الخطيب الصدر المحدث أبي عبد الله ابن مرزوق فأخذ عنه كثيرا من الرواية ولقي القاضي الحافظ أبا عبد الله المقري عندما قدم على الأندلس وذاكره وقرأ الأصول الفقهية على أبي علي منصور الزواوي ويروي عن جملة منهم القاضي أبو البركات ابن الحاج والمحدث أبو الحسين ابن التلمساني والخطيب أبو عبد الله ابن اللوشي والمقرىء أبو عبد الله ابن بيبش وقرأ بعض الفنون العقلية بمدينة فاس على الشريف الرحلة الشهير أبي عبد الله العلوني التلمساني واختص به اختصاصا لم يخل فيه من استفادة مران وحنكة في الصنعة
شعره وشعره مترام الى هدف الإجادة خفاجي النزعة كلف بالمعاني البديعة والألفاظ الصقيلة غزير المادة فمن ذلك ما خاطبني به وهو من أول ما نظمه قصيدة مطلعها
( أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... )
وهي طويلة
ومن بدائعه التي عقم عن مثلها قياس قيس واشتهرت بالإحسان اشتهار الزهد بأويس ولم يحل مجاريه ومباريه إلا بويح وويس قوله في إعذار الأمير ولد سلطانه المنوه بمكانه وهي من الكلام الذي عنيت الإجادة بتذهيبه وتهذيبه وناسب الحسن بين مديحه ونسيبه

( معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا ... وأن يشغل اللوام بالعذل باليا )
( دعاني أعط الحب فضل مقادتي ... ويقضي علي الوجد ما كان قاضيا )
( ودون الذي رام العواذل صبوة ... رمت بي في شعب الغرام المراميا )
( وقلب إذا ما البرق أومض موهنا ... قدحت به زندا من الشوق واريا )
( خليلي إني يوم طارقة النوى ... شقيت بمن لو شاء أنعم باليا )
( وبالخيف يوم النفر يا أم مالك ... تخلفت قلبي في حبالك عانيا )
( وذي أشر عذب الثنايا مخصر ... يسقي به ماء النعيم الأقاحيا )
( أحوم عليه ما دجا الليل ساهرا ... وأصبح دون الورد ظمآن صاديا )
( يضيء ظلام الليل ما بين أضلعي ... إذا البارق النجدي وهنا بدا ليا )
( أجيرتنا بالرمل والرمل منزل ... مضى العيش فيه بالشبيبة حاليا )
( ولم أر ربعا منه أقضى لبانة ... وأشجى حمامات وأحلى مجانيا )
( سقت طلة الغر الغوادي ونظمت ... من القطر في جيد الغصون الآليا )
( أبثكم أني على النأي حافظ ... ذمام الهوى لو تحفظون ذماميا )
( أناشدكم والحر أوفى بعهده ... ولن يعدم الأحسان والخير جازيا )
( هل الود إلا ما تحاماه كاشح ... وأخفق في مسعاه من جاء واشيا )
( تأوبني والليل يذكي عيونه ... ويسحب من ذيل الدجنة ضافيا )
( وقد مثلت زهر النجوم بأفقه ... حبابا على نهر المجرة طافيا )
( خيال على بعد المزار ألم بي ... فأذكرني من لم أكن عنه ساليا )
( عجبت له كيف اهتدى نحو مضجعي ... ولم يبق مني السقم والشوق باقيا )
( رفعت له نار الصبابة فاهتدى ... وخاض لها عرض الدجنة ساريا )
( ومما أجد الوجد سرب على النقا ... سوانح يصقلن الطلى والتراقيا )

( نزعن عن الألحاظ كل مسدد ... فغادرن أفلاذ القلوب دواميا )
( ولما تراءى السرب قلت لصاحبي ... وأيقنت أن الحب ما عشت دانيا )
( حذارك من سقم الجفون فإنه ... سيعدي بما يعيي الطبيب المداويا )
( وإن أمير المسلمين محمدا ... ليعدي نداه الساريات الهواميا )
( تضيء النجوم الزاهرات خلاله ... وينفث في روع الزمان المعاليا )
( معال إذا ما النجم صوب طالبا ... مبالغها في العز حلق وانيا )
( يسابق علوي الرياح إلى الندى ... ويفضح جدوى راحتيه الغواديا )
( ويغضي عن العوراء إغضاء قادر ... ويرجح في الحلم الجبال الرواسيا )
( همام يروع الأسد في حومة الوغى ... كما راعت الأسد الظباء الجوازيا )
( مناقب تسموللفخار كأنما ... تجاري الى المجد النجوم الجواريا )
( إذا استبق الأملاك يوما لغاية ... أبيت وذاك المجد إلا التناهيا )
( بهرت فأخفيت الملوك وذكرها ... ولا عجب فالشمس تخفي الدراريا )
( جلوت ظلام الظلم من كل معتد ... ولا غرو أن تجلو البدور الدياجيا )
( هديت سبيل الله من ضل رشده ... فلا زلت مهديا إليه وهاديا )
( أفدت وحي الملك مما أفدته ... وطوقت اشراف الملوك الأياديا )
( وقد عرفت منها مرين سوابقا ... تقر لها بالفضل أخرى الليالي )
( وكان أبو زيان جيدا معطلا ... فزينته حتى اغتدى بك حاليا )
( لك الخير لم تقصد بما قد أفدته ... جزاء ولكن همة هي ما هيا )
( فما تكبر الأملاك غيرك آمرا ... ولا ترهب الأشراف غيرك ناهيا )
( ولا تشتكي الأيام من داء فتنة ... فقد عرفت منك الطبيب المداويا )
( وأندلسا أوليت ما أنت أهله ... وأوردتها وردا من الأمن صافيا )
( تلافيت هذا الثغر وهو على شفا ... وأصبحت من داء الحوادث شافيا )
( ومن بعد ما ساءت ظنون بأهلها ... وحاموا على ورد الأماني صواديا )

( فما يأملون العيش إلا تعللا ... ولا يعرفون الأمن إلا أمانيا )
( عطفت على الأيام عطفة راحم ... وألبستها ثوب امتنانك ضافيا )
( فآنس من تلقائك الملك رشده ... ونال بك الإسلام ما كان راجيا )
( وقفت على الإسلام نفسا كريمة ... تصد عدوا عن حماه وعاديا )
( فرأي كما انشق الصباح وعزمة ... كما صقل القين الحسام اليمانيا )
( وكانت رماح الخط خمصا ذوابلا ... فأنهلت منها في الدماء صواديا )
( وأوردت صفح السيف أبيض ناصعا ... فأصدرته في الروع أحمر قانيا )
( لك العزم تستجلي الخطوب بهديه ... ويلفى إذا تنبو الصوارم ماضيا )
( إذا أنت لم تفخر بما أنت أهله ... فما الصبح وضاح المشارق عاليا )
( ويهنيك دون العيد عيد شرعته ... نبث به في الخافقين التهانيا )
( أقمت به من فطرة الدين سنة ... وجددت من رسم الهداية عافيا )
( صنيع تولى الله تشييد فخره ... وكان لما أوليت فيه مجازيا )
( تود النجوم الزهر لو مثلت به ... وقضت من الزلفى إليك الأمانيا )
( وما زال وجه اليوم بالشمس مشرقا ... سرورا به والليل بالشهب حاليا )
( على مثله فليعقد الفخر تاجه ... ويسمو به فوق النجوم مراقيا )
( به تغمر الأنواء كل مفوه ... ويحدو به من كان بالقفر ساريا )
( ويوسف فيه بالجمال مقنع ... كأن له من كل قلب مناجيا )
( وأقبل ما شاب الحياء مهابة ... يقلب وجه البدر أزهر باهيا )
( وأقدم لا هيابة الحفل واجما ... ولا قاصرا فيه الخطا متوانيا )
( شمائل فيه من أبيه وجده ... ترى العز فيها مستكنا وباديا )
( فيا علقا اشجى القلوب لو اننا ... فديناك بالأعلاق ما كنت غاليا )
( جريت فأجريت الدموع تعطفا ... وأطلعت فيها للسرور نواشيا )
( وكم من ولي دون بابك مخلص ... يفديه بالنفس النفيسة واقيا )

( وصيد من الحيين أبناء قيلة ... تكف الأعادي أو تبيد الأعاديا )
( بهاليل غر إن أعدوا لغارة ... أعادوا صباح الحي أظلم داجيا )
( فوالله لولا أن توخيت سنة ... رضيت بها أن كان ربك راضيا )
( لكان بها للأعوجيات جولة ... تشيب من الغلب الشباب النواصيا )
( وتترك أوصال الوشيج مقصدا ... وبيض الظبي حمر المتون دواميا )
( ولما قضى من سنة الله ما قضى ... وقد حسدت منه النجوم المساعيا )
( أفضنا نهني منك أكرم منعم ... ابي لعميم الجود إلا تواليا )
( فيهني صفاح الهند والبأس والندى ... وسمر العوالي والعتاق المذاكيا )
( ويهني البنود الخافقات فإنها ... سيعقدها في ذمة النصر غازيا )
( كأني به يشقي الصوارم والظبي ... ويحطم في اللأم الصلاب العواليا )
( كأني به قد توج الملك يافعا ... وجمع أشتات المكارم ناشيا )
( وقضى حقوق الفخر في ميعة الصبا ... وأحسن من دين الكمال التقاضيا )
( وما هو إلا السعد إن رمت مطلعا ... وسددت سهما كان ربك راميا )
( فلا زلت يا فخر الخلافة كافلا ... ولا زلت يا خير الأئمة كافيا )
( ودمت قرير العين منه بغبطة ... وكان له رب البرية واقيا )
( نظمت له حر الكلام تمائما ... جعلت مكان الدر فيها القوافيا )
( لآل بها تبأى الملوك نفاسة ... وجلت لعمري أن تكون لآليا )
( أرى المال يرميه الجديدان بالبلى ... وما إن أرى إلا المحامد باقيا )
وورد على السلطان أبي سالم ملك المغرب رحمة الله تعالى عليه وفد الأحابيش بهدية من ملك السودان ومن جملتها الحيوان الغريب المسمى بالزرافة فأمر من يعاني الشعر من الكتاب بالنظم في ذلك الغرض فقال وهي من بدائعه

( لولا تألق بارق التذكار ... ما صاب واكف دمعي المدرار )
( لكنه مهما تعرض خافقا ... قدحت يد الأشواق زند أواري )
( وعلى المشوق إذا تذكر معهدا ... أن يغري الأجفان باستعبار )
( أمذكري غرناطة حلت بها ... أيدي السحاب أزرة النوار )
( كيف التخلص للحديث وبيننا ... عرض الفلاة وطافح الزخار )
( هذا على أن التغرب مركبي ... وتولج الفيح الفساح شعاري )
( فلكم أقمت غداة زمت عيسهم ... أبغى القرار ولات حين قرار )
( وطفقت أستقري المنازل بعدهم ... يمحو البكاء مواقع الآثار )
( إنا بني الآمال تخدعنا المنى ... فنخادع الآمال بالتسيار )
( نتجشم الأهوال في طلب العلا ... ونروع سرب النوم بالأفكار )
( لا يحرز المجد الخطير سوى امرىء ... يمطي العزائم صهوة الأخطار )
( إما يفاخر بالعتاد ففخره ... بالمشرفية والقنا الخطار )
( مستبصر مرمى العواقب واصل ... في حمله الإيراد بالإصدار )
( فأشد ما قاد الجهول إلى الردى ... عمه البصائر لا عمى الأبصار )
( ولرب مربد الجوانح مزبد ... سبح الهلال بلجه الزخار )
( فتقت كمائم جنحه عن أنجم ... سفرت زواهرهن عن أزهار )
( مثلت على شاطي المجرة نرجسا ... تصطف منه على خليج جاري )
( وكأنما بدر التمام بجنحه ... وجه الإمام بجحفل جرار )
( وكأنما خمس الثريا راحة ... ذرعت مسير الليل بالأشبار )
( أسرجت من عزمي مصابيحا بها ... تهدي السراة لها من الأقطار )

( وارتاع من بازي الصباح غرابه ... لما أطل فطار كل مطار )
ومنها
( وغريبة قطعت إليك على الونى ... بيدا تبيد بها هموم الساري )
( تنسيه طيته التي قد أمها ... والركب فيها ميت الأخبار )
( يقتادها من كل مشتمل الدجى ... وكأنما عيناه جذوة نار )
( تشدو بحمد المستعين حداتها ... يتعللون به على الأكوار )
( إن مسهم لفح الهجير أبلهم ... منه نسيم ثنائك المعطار )
( خاضوا بها لجج الفلا فتخلصت ... منها خلوص البدر بعد سرار )
( سلمت بسعدك من غوائل مثلها ... وكفى بسعدك حاميا لذمار )
( وأتتك يا ملك الزمان غريبة ... قيد النواظر نزهة الأبصار )
( موشية الأعطاف رائقة الحلى ... رقمت بدائعها يد الأقدار )
( راق العيون أديمها فكأنه ... روض تفتح عن شقيق بهار )
( ما بين مبيض وأصفر فاقع ... سال اللجين به خلال نضار )
( يحكي حدائق نرجس في شاهق ... تنساب فيه أراقم الأنهار )
( تحدو قوائم كالجذوع وفوقها ... جبل أشم بنوره متوار )
( وسمت بجيد مثل جذع مائل ... سهل التعطف لين خوار )
( تستشرف الجدران منه ترائبا ... فكأنما هو قائم بمنار )
( تاهت بكلكلهاوأتلع جيدها ... ومشى بها الإعجاب مشي وقار )
( خرجوا لها الجم الغفير وكلهم ... متعجب من لطف صنع الباري )
( كل يقول لصحبه قوموا انظروا ... كيف الجبال تقاد بالأسيار )
( ألقت ببابك رحلها ولطالما ... ألقى الغريب به عصا التسيار )
( علمت ملوك الأرض أنك فخرها ... فتسابقت لرضاك في مضمار )

( يتبوأون به وإن بعد المدى ... من جاهك الأعلى أعز جوار )
( فارفع لواء الفخر غير مدافع ... واسحب ذيول العسكر الجرار )
( واهنأ بأعياد الفتوح مخولا ... ما شئت من نصر ومن أنصار )
( وإليكها من روض فكري نفحة ... شف الثناء بها على الأزهار )
( في فصل منطقها ورائق رسمها ... مستمتع الأسماع والأبصار )
( وتميل من أصغى لها فكأنني ... عاطيته منها كؤوس عقار )
وأنشد السلطان في ليلة ميلاد رسول الله عقب ما فرغ من البنية الشهيرة ببابه رحمه الله تعالى
( تأمل أطلال الهوى فتألما ... وسيما الجوى والسقم منها تعلما )
( أخو زفرة هاجت له نار ذكرة ... فأنجد في شعب الغرام وأتهما )
وسرد لسان الدين هذه القصيدة بطولها وهي تقارب التسعين بيتا ثم قال ما نصه وأنشد السلطان في وجهة للصيد أعملها وأطلق أعنة الجياد في ميادين ذلك الطراد وأرسلها قوله
( حياك يا دار الهوى من دار ... نوء السماك بديمة مدرار )
( وأعاد وجه رباك طلقا مشرقا ... متضاحكا بمباسم النوار )
( أمذكري دار الصبابة والهوى ... حيث الشباب يرف غصن نضار )
( عاطيتني عنها الحديث كأنما ... عاطيتني عنها كؤوس عقار )
( إيه وإن أذكيت نار صبابتي ... وقدحت زند الشوق بالتذكار )
( يا زاجر الأظعان وهي مشوقة ... أشبهتها في زفرة وأوار )
( حنت إلى نجد وليست دارها ... وصبت إلى هنديه والغار )
( شاقت به برق الحمى واعتادها ... طيف الكرى بمزارها المزوار )

( هل تبلغ الحاجات إن حملتها ... إن الوفاء سجية الأحرار )
( عرض بذكري في الخيام وقل إذا ... جئت العقيق مبلغ الأوطار )
( عار بقومك يا ابنة الحيين أن ... تلوي الديون وأنت ذات يسار )
( أمنعت ميسور الكلام أخا الهوى ... وبخلت حتى بالخيال الساري )
( وأبان جاري الدمع عذر هيامه ... لكن أضعت له حقوق الجار )
( هذا وقومك ما علمت خلالهم ... أوفى الكرام بذمة وجوار )
( الله في نفس شعاع كلما ... هب النسيم تطير كل مطار )
( بالله يا لمياء ما منع الصبا ... أن لا تهب بعرفك المعطار )
( يا بنت من تشدو الحداة بذكره ... متعللين به على الأكوار )
( ما ضر نسمة حاجر لو أنها ... أهدت لنا خبرا من الأخبار )
( هل بانه من بعدنا متأود ... متجاوب مترنم الأطيار )
( وهل الظباء الآنسات كعهدنا ... يصرعن أسد الغاب وهي ضوار )
( يفتكن من قاماتها ولحاظها ... بالمشرفية والقنا الخطار )
( أشعرت قلبي حبهن صبابة ... فرمينني من لوعتي بجمار )
( وعلى الكثيب سوانح حمر الحلى ... بيض الوجوه يصدن بالأفكار )
( أدنى الحجيج مزارهن ثلاثة ... بمنى لو أن منى ديار قرار )
( لكن يوم النفر جدن لنا بما ... عودننا من جفوة ونفار )
( يا ابن الألى قد أحرزوا خصل العلا ... وسموا بطيب أرومة ونجار )
( وتنوب عن صوب الغمام أكفهم ... وتنوب أوجههم عن الأقمار )
( من آل سعد رافعي علم الهدى ... والمصطفين لنصرة المختار )

( أصبحت وارث مجدهم وفخارهم ... ومشرف الأعصار والأمصار )
( وجه كما حسر الصباح نقابه ... ويد تمد أناملا ببحار )
( جددت دون الدين عزمة أروع ... جددت منها سنة الأنصار )
( حطت البلاد ومن حوته ثغورها ... وكفى بسعدك حاميا لذمار )
( لله رحلتك التي نلنا بها ... أجر الجهاد ونزهة الأبصار )
( أوردتنا فيها لجودك موردا ... مستعذب الإيراد والإصدار )
( وأفضت فينا من نداك مواهبا ... حسنت مواقعها على التكرار )
( أضحكت ثغر الثغر لما جئته ... وخصصته بخصائص الإيثار )
( حتى الفلاة تقيم يوم وردتها ... سنن القرى بثلاثة الأثوار )
( وسرت عقاب الجو تهديك الذي ... تصطاد من وحش ومن أطيار )
( والأرض تعلم أنك الغوث الذي ... تضفي عليها واقي الأستار )
( ولرب ممتد الأباطح موحش ... عالي الربى متباعد الأقطار )
( همل المسارح لا يراع قنيصه ... إلا لنبأة فارس مغوار )
( سرحت عنان الريح فيه وربما ... ألقت بساحته عصا التسيار )
( باكرته والأفق قد خلع الدجى ... مسحا ليلبس حلة الإسفار )
( وجرى به نهر النهار كمثل ما ... سكب النديم سلافة من قار )
( عرضت به المستنفرات كأنها ... خيل عراب جلن في مضمار )
( أتبعتها غرر الجياد كواكبا ... تنقض رجما في سماء غبار )
( والهاديات يؤمها عبل الشوى ... متدفق كتدفق التيار )

( أزجيتها شقراء رائقة الحلى ... فرميته منها بشعلة نار )
( أثبت فيه الرمح ثم تركته ... خضب الجوانح بالدم الموار )
( حامت عليه الذابلات كأنها ... طير أوت منه إلى أوكار )
( طفقت أرانبه غداة أثرتها ... تبغي الفرار ولات حين فرار )
( هل ينفع الباع الطويل وقد غدت ... يوم الطراد قصيرة الأعمار )
( من كل منحفز بلمحة بارق ... فاتت خطاه مدارك الأبصار )
( وجوارح سبقت إليه طلابها ... فكأنما طالبنه بالثار )
( سود وبيض في الطراد تتابعت ... كالليل طارده بياض نهار )
( ترمي بها وهي الحنايا ضمرا ... مثل السهام نزعن عن أوتار )
( ظنت بأن ينجو لها كلا ولو ... أغريته بأرانب الأقمار )
( ولكل فتخاء الجناح إذا ارتمت ... فكأنها نجم السماء الساري )
( زجل الجناح مصفق كمن الردى ... في مخلب منه وفي منقار )
( أجلى الطريد من الوحوش وإن رمى ... طيرا أتاك به على مقدار )
( وأريتنا الكسب الذي أعداده ... ملأت جمالا أعين النظار )
( بيض وصفر خلت مطرح سرحها ... روضا تفتح عن شقيق بهار )
( من كل موشي الأديم مفوف ... رقمت بدائعه يد الأقدار )
( خلط البياض بصفرة في لونه ... فترى اللجين يشوب ذوب نضار )
( أوأشعل راق العيون كأنه ... غلس يخالط سدفة بنهار )
( سرحت بمخضر الجوانب يانع ... تنساب فيه أراقم الأنهار )
( قد أرضعته الساريات لبانها ... وحللن فيه أزرة النوار )
( أخذت سعودك حذرها فلحكمة ... أغرت جفون المزن باستعبار )
( لما أرتك الشمس صفرة حاسد ... لجبينك المتألق الأنوار )
( نفثت عليك السحب نفث معوذ ... من عينها المتوقع الإضرار )
( فارفع لواء الفخر غير مدافع ... واسحب ذيول العسكر الجرار )

( واهنأ بمقدمك السعيد مخولا ... ما شئت من عز ومن أنصار )
( قد جئت دارك محسنا ومؤملا ... متعت بالحسنى وعقبى الدار )
( وإليكها من روض فكري نفحة ... شف الثناء بها على الأزهار )
ومن شعره في غير المطولات قوله
( لقد زادني وجدا وأغرى بي الجوى ... ذبال بأذيال الظلام قد التفا )
( تشير وراء الليل منه بنانة ... مخضبة والليل قد حجب الكفا )
( تلوح سنانا حين لا تنفح الصبا ... وتبدي سوارا حين تثني له العطفا )
( قطعت به ليلا يطارحني الجوى ... فآونة يبدو وآونة يخفى )
( إذا قلت لا يبدو أشال لسانه ... وإن قلت لا يخفى الضياء به كفا )
( إلى أن أفاق الصبح من غمرة الدجى ... وأهدى نسيم الروض من طيبه عرفا )
( لك الله يا مصباح أشبهت مهجتي ... وقد شفها من لوعة الحب ما شفا )
ومما ثبت له صدر رسالة
( أزور بقلبي معهد الأنس والهوى ... وأنهب من أيدي النسيم رسائلا )
( ومهما سألت البرق يهفو من الحمى ... يبادره دمعي مجيبا وسائلا )
( فيا ليت شعري والأماني تعلل ... أيرعى لي الحي الكرام الوسائلا )
( وهل جيرتي الأولى كما قد عهدتهم ... يوالون بالإحسان من جاء سائلا )
ومن أبياته الغراميات
( قيادي قد تملكه الغرام ... ووجدي لا يطاق ولا يرام )
( ودمعي دونه صوب الغوادي ... وشجوي فوق ما يشكو الحمام )

( إذا ما الوجد لم يبرح فؤادي ... على الدنيا وساكنها السلام )
وفي غرض يظهر من الأبيات
( ومشتمل بالحسن أحوى مهفهف ... قضى رجع طرفي من محاسنه الوطر )
( فأبصرت أشباه الرياض محاسنا ... وفي خده جرح بدا منه لي أثر )
( فقلت لجلاسي خذوا الحذر إنما ... به وصب من أسهم الغنج والحور )
( ويا وجنة قد جاورت سيف لحظه ... ومن شأنها تدمى من اللمح بالبصر )
( تخيل للعينين جرحا وإنما ... بدا كلف منه على صفحة القمر )
ومما يرجع إلى باب الفخر ولعمري لقد صدق
( ألائمة في الجود والجود شيمة ... جبلت على إيثارها يوم مولدي )
( ذريني فلو أني أخلد بالغنى ... لكنت ضنينا بالذي ملكت يدي )
وقال
( لقد علم الله أني امرؤ ... أجرر ذيل العفاف القشيب )
( فكم غمض الدهر أجفانه ... وفازت قداحي بوصل الحبيب )
( وقيل رقيبك في غفلة ... فقلت أخاف الإله الرقيب )
وفي مدح كتاب الشفاء وقد طلبه الفقيه أبو عبد الله ابن مرزوق عندما شرع في شرحه
( ومسرى ركاب للصبا قد ونت به ... نجائب سحب للتراب تزوعها )
( تسل سيوف البرق أيدي حداتها ... فتنهل خوفا من سطاها دموعها )
( تعرضن غربا يبتغين معرسا ... فقلت لها مراكش وربوعها )
( لتسقي أجداثا بها وضرائحا ... عياض إلى يوم المعاد ضجيعها )

( وأجدر من تبكي عليه يراعة ... بصفحة طرس والمداد نجيعها )
( فكم من يد في الدين قد سلفت له ... يرضي رسول الله عنه صنيعها )
( ولا مثل تعريف الشفاء حقوقه ... فقد بان فيه للعقول جميعها )
( بمرآة حسن قد جلتها يد النهى ... فأوصافه يلتاح فيه بديعها )
( نجوم اهتداء والمداد يجنها ... وأسرار غيب واليراع تذيعها )
( لقد حزت فضلا يا أبا الفضل شاملا ... فيجزيك عن نصح البرايا شفيعها )
( ولله ممن قد تصدى لشرحه ... فلباه من غر المعاني مطيعها )
( فكم مجمل فصلت منه وحكمة ... إذا كتم الإدماج منه تشيعها )
( محاسن والإحسان يبدو خلالها ... كما افتر عن زهر البطاح ربيعها )
( إذا ما أجلت العين فيها تخالها ... نجوما بآفاق الطروس طلوعها )
( معانيه كالماء الزلال لذي صدى ... وألفاظ در يروي نصيعها )
( رياض سقاها الفكر صوب ذكائه ... فأخصب للوراد منها مريعها )
( تفجر عن عين اليقين زلالها ... فلذ لأرباب الخلوص شروعها )
( إلا يا ابن جار الله يا ابن وليه ... لأنت إذا عد الكرام رفيعها )
( إذا ما أصول المرء طابت أرومة ... فلا عجب أن أشبهتها فروعها )
( بقيت لأعلام الزمان تنيلها ... هدى ولأحداث الخطوب تروعها )
مولده رابع عشر شوال من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة انتهى كلام لسان الدين في الإحاطة في ترجمة تلميذه أبي عبد الله ابن زمرك
قلت ورأيت بخط أبي الحسن علي بن لسان الدين رحمهما الله تعالى على هامش هذه الترجمة من الإحاطة كلاما في حق ابن زمرك رأيت أن أذكره بجملته الآن وإن تقدم بعضه في هذا الكتاب
فمن ذلك أنه كتب على حاشية أول الترجمة ما صورته أتبعه الله تعالى خزيا وعامله بما يستحقه فبهذا ترجمه والدي مولاه الذي رفع من قدره فيه ولم

يقتله أحد غيره كفانا الله تعالى شر من أحسنا إليه انتهى
وكتب على قوله نشأ عفا طاهرا إلى آخره ما نصه هذا الوغد ابن زمرك من شياطين الكتاب ابن حداد بالبيازين قتل أباه بيده أوجعه ضربا فمات من ذلك وهو أخس عباد الله تربية وأحقرهم صورة وأخملهم شكلا استعمله أبي في الكتابة السلطانية فجنينا أيام تحولنا عن الأندلس منه كل شر وهو كان السبب في قتل أبي مصنف هذا الكتاب الذي رباه وأدبه واستخدمه جسبما هو معروف وكفانا الله تعالى شر من أحسنا إليه وأساء إلينا انتهى
وكتب على قول والده فترقى إلى الكتابة إلى آخره ما صورته على يد سيدي أبي عبد الله ابن مرزوق ولا حول ولا قوة إلا بالله انتهى
وكتب على قول معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا إلى آخره ما نصه هذه القصيدة نظم له مولاي الوالد تغمده الله تعالى برحمته منها النسيب كله وهكذا جرت عادته معه في الأمداح السلطانية حضرة الملك والله المطلع على ذلك قاله ابن المصنف علي بن الخطيب انتهى
وكتب على قوله لولا تألق بارق التذكار إلى آخره ما صورته هذا الرجس الشيطان كثيرا ما ينظم في هذا الوزن ويتبع حمارة هذه الراء حتى لا يتركها جملة إذ الرجل ابن حمار مكاري حداد فالنفس تميل بالطبع انتهى
وكتب على قوله حياك يا دار الهوى من دار إلى آخره ما صورته انظر إلى كثرة تحريكه لحمارة هذه الراء وعلقت له بها مالخوليا انتهى
وكتب على قوله وجوارح سبقت إليه طلابها إلى آخره ما صورته سرق طردية إبراهيم بن خفاجة فانظرها تجده سرق المعاني والألفاظ مع أن

والدي نظم له أكثرها على حسب عادته معه قال علي بن الخطيب انتهى
وكتب على قوله يا مصباح ما نصه كان يحب صبيا اسمه مصباح وهو الآن مجنون العقل بتونس يحترف بالحياكة انتهى
وكتب على قوله الائمتي في الجود إلى آخره ما صورته كذبت يا نجس من أين الفخر لك أو لبيتك لست والله من الجود في شيء نعم سخنة عين الجود انتهى
وكتب على قوله لقد علم الله أني امرؤ إلى آخره ما معناه لا والله فأنت مشهور بكذا يا قرد فمن أين العفاف وأنت بالآندلس كذا وكذا إلى أن قال وأنحسهم بيتا قاله مولاك الذي ربيت في نعمته ونعمة الله علي بن الخطيب بالقاهرة انتهى
وقد نسبه إلى ما لا يليق فالله أعلم بحقيقة الأمر
وكتب غيره على قول ابن زمرك أزور بقلبي الأبيات المتقدمة عند قوله سائلا في موضعين هما من السؤال فحصل على الإيطاء المذموم انتهى
قلت أما ما ذكره ابن لسان الدين من أن أباه كان ينظم لابن زمرك فذلك والله أعلم كان في ابتداء أمره وإلا فقد جاء ابن زمرك في آخر أيام لسان الدين وبعد موته بالبدائع التي لا تنكر كما سنذكره وأما كونه سعى في قتل لسان الدين مع إحسانه إليه فقد جوزي من جنس عمله وقتل بمرأى من أهله ومسمع وأزهقت معه روح ابنيه حسبما نذكره وهذا قصاص الدنيا وعفو الله تعالى في الآخرة منتظر للجميع
ولنذكر ترجمة ابن زمرك من كلام ابن السلطان ابن الأحمر في مجلد ضخم رأيته بالمغرب جمع فيه شعر ابن زمرك وموشحاته وعرف به في أوله إذ قال ما نصه أما بعد ما يجب من حمد الله تعالى في كل حال وشكره على ما

أولى ويسر من صلاح الأحوال والصلاة والسلام على سيدنا محمد صفوة الأنبياء وسيد الأرسال والرضى عمن له من صحب وأنصار وآل فإن من المعلوم أن الأدب له بالنفس علاقة تؤديه إلى الاستحسان وتؤثر من اشتهر به بالملاحظة بلحظ الحظ مع تعاقب الأحيان ولا خفاء أن أيام مولانا الجد المقدس الغني بالله تولاه الله تعالى برضوانه كانت غررا في وجوه الأيام ومواسم تجمع الطم والرم من الرؤساء الأعلام الآخذين بأعنة الكلام السابقين في حلبة النثار والنظام وأن الفقيه الرئيس المدرك الناظم الناثر أبا عبد الله محمد بن يوسف أبن زمرك عفا الله تعالى عنه وحسبك بمن ارتضاه مولانا الجد رحمه الله تعالى لكتابته وصرفه في الوجوه المتعددة من رسالته وحجابته وكان بذلك خليقا لما جمع من أدوات الكمال علما وتحقيقا وإدراكا ونبلا وفقها وأصولا وفروعا وأدبا وتحصيلا وبيانا وتفسيرا ونظما وترسيلا لما كان قد أخفت الأيام سنا صبحه وخابت وسائل نصحه وعادت بعدوانها بعد فوز قدحه وعثر بين أقدام أقوام لا يعرفون أي ذخر فقدوا ولا أي مطلق من تصريفاته الجميلة قيدوا مستبصرين بالجهل في دياجي غيهم معجبين بما ارتكبوه من جياد بغيهم جميعهم يلحظه بمقل دامية وألفاظ حامية يصابحونه بأوجه خلت عن الوجاهة سيماها الحسد وضميرها السخط بما قدره الواحد الصمد
( فخر على الألاءة لم يوسد ... كأن جبينه سيف صقيل )
فيا لله من أشلاء هنالك ضائعة وأعلاق غير مصونة ووسائل مخفورة وأذمة قطعت أرحامها ولم يرع ذمامها وعاثت الأيدي الفاتكة حينئذ على بنيه وارتكبوها شنعاء في أهله وذويه

( هل كان إلا حيا تحيا العباد به ... هل كان إلا قذى في عين ذي عور )
( إن قال قولا ترى الأبصار خاشعة ... لما يخبر من وحي ومن أثر )
( يا لهف قلبي لو قد كنت حاضره ... غداة جرعه أدهى من الصبر )
( لما تركت له شلوا بمضيعة ... ولا تولى صريع الناب والظفر )
( وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر )
وإن سأل سائل عن الحبرالذي ألمعنا بذكره وضمنا هذا البيت ذروا من فظيع أمره فذلك عندما نسب صاحب الأمر إليه ما راب وتله وابنيه للجبين معفرين بالتراب وصدمه في جنح الليل والمصحف بين يديه يتوسل بآياته ويتشفع بعظيم بركاته فأخذته السيوف وتعاورته الحتوف واذهبه سليبا قتيلا مصيرا مصراع منزله كثيبا مهيلا وكنا على بعدمن هذه الآزفة التي أورثت القولب شجنا طويلا وذكرتنا بعناية مولانا الجد الغني بالله لجانبه أعظم ذكرى فأغرينا برثائه خلدا وفكرا وارتجلنا عند ذكره الآن هذه الأبيات إشارة مقنعة وكناية في السلوان مطمعة وأرضينا بالشفقة أو داءه وأرغمنا بتأبينه أعداءه ولما تبلج الصبح لذي عينين وتلقينا راية الفرج بالراحتين عطفتنا على أبنائه عواطف الشفقة وأطلقنا لهم ما عاثت الأيدي عليه صلة لرحم طالما أضاعها من جهل الأذمة وأخفر عهود تخدمه لمن سلف من الأئمة وصرفنا للبحث والتفتيش وجوه آمالنا وجعلنا ضم ما نثرته الحوادث من منظوماته من أكيد أعمالنا وكان تعلق بمحفوظنا جملة وافرة من كلامه مشتملة على ما راق وحسن من نثاره ونظامه فأضفنا ذلك إلى ما وقع عليه اجتهادنا من رقاعه الحائلة المنتهبة بأيدي النوائب الداثرة المستلبة بتعدي النواصب فخلص من الجملة قلائد عقيان وعقود در ومرجان ترتاح

النفوس النفيسة لإنشادها وتحضر الأبصار والأسماع عند إيرادها إلى ما يتخللها من تخليد مآثر سلفنا والإشارة بعظيم ملكنا فشرعنا في تقيد أوابداها الشاردة وإحياء روسومها البائدة كلفا بالأدب لوضوح فضله وتأدية لما يجب من رعاية أهله ولنبدأ بالتعريف بحال هذا الرئيس المنبه عليه ونظهر ما كنا نضمره من الميل إليه في كل ما له أو عليه فنقول
هو الفقيه الكاتب الفذ الأوحد أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن يوسف الصريحي ويعرف بابن زمرك
أصله من شرق الأندلس وسكن سلفه بالبيازين من غرناطة وبها ولد فنشأ ضئيلا كالشهاب يتوقد مختصر الجرم والأعين بإطالة فواضله تشهد ومكتب الفئة القرآنية يؤثره بالجناب الممهد فاشتغل أول نشأته بطلب العلم والدؤوب على القراءة وأخذ نفسه بملازمة حلقات التدريس ولم يبلغ حد وجوب المفترضات إلا وهو متحمل الرواية وملتمس لفوائد الدراية ومصابح كل يوم أعلام العلوم ومستمد بمصابيح الحدود العلمية والرسوم فافتتح أبواب الكتب النحوية بالإمام أبي عبد الله ابن الفخار الآية الكبرى في فن العربية وتردد الأعوام العديدة إلى قاضي الجماعة أبي القاسم الشريف فأحسن الإصغاء وبذ النحاة البلغاء بما أوجب رثاءه عند الوقوف على ضريحه بالقصيدة الفريدة التي أولها
( أغرى سراة الحي بالإطراق ... )
واهتدى في طريق الخطبة ومناهج الصوفية بالخطيب المعظم أبي عبد الله ابن مزروق الوافد على مولانا الجد أبي الحجاج رضي الله تعالى عنه في عام ثلاثة

وخمسين وسبعمائة وإليه جنح وإياه قصد عند تغربه إلى المغرب في دولة السلطان ابي سالم فتوجه بالعمامة التي ارتجل بين يديه فيها
( توجتني بعمامه ... توجت تاج الكرامه )
( فروض حمدك يزهى ... مني بسجع الحمامه )
وأخذ علم الأصلين عن الحافظ الناقد ابي علي منصور الزواوي وبرع في الأدب أثناء الانقطاع وأول الطلب لأبي عبد الله ابن الخطيب ولكن لم يحمد بينهما المآل واقتدى في العلوم العقلية بالشريف ابي عبد الله التلمساني قدوة الزمان وحصلت له الإجازة والتحديث بقاضي الجماعة وشيخ الجملة أبي البركات ابن الحاج وبالخطيب البليغ أبي عبد الله اللوشي وبالخطيب الورع ابي عبد الله ابن بيبش العبدري رضي الله تعالى عنه وعن جميعهم وبواجب محافظتنا على عهدهم إذ نحن وردنا بالإجازة التامة عذب وردهم وصل سببنا بهم الكثير من شيوخنا مثل الإمام المعظم أبي محمد عبد الله بن جزي ومعلمنا الثقة المجتهد أبي عبد الله الشريشي والقاضي الإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن علاق وغيرهم رحمة الله تعالى عليهم لذلك صار صدرا في نوادي طلبة الأندلس وأفراد نجبائها فما شاءه المحاضر يجده في خضله ويتلقاه من باهر فضله فكاهة ومجالسة أنيقة ممتعة ومحادثة أريضة مزهرة وجوابا مطبقا للمفصل وذهنا سابقا لإيضاح المشكل مع انقياد الطبع وإرسال الدمعة في سبيل الخشوع والرقة ورشح الجبين عند تلقي الموعظة وصون الوجه بجلباب الحياء ومقابلة الناظر إليه بالاحتشام والمبادرة للاستدعاء على طهارة وبذل وسع وكرم نفس لم يعهد أجمل مشاركة منه لإخوانه ولا أمتع منه بجاهه إلى مبالغة في الهشة

والمبرة والإيثار بما منح وجنوح إلى حب الصالحين وذلك بالانضواء إلى شيخ الفرق الصوفية الولي أبي جعفر ابن الزيات وأخيه الفاضل الناسك شيخنا أبي مهدي قدس الله تعالى مغناه وسواهما من أهل الاندلس والعدوة وحمله أشد الحمل على كل ملبس كأبي زكريا البرغواطي وسواه ومن تنديراته زعموا على أبي الحسن المحروق لميله عنه
( ولد الفقر والرباط ولكن ... نفسه للسلوك ذات افتقار )
وخطب الأدب يافعا وكهلا وحاز علمه إدراكا ونهلا ولما كانت الحادثة على مولانا الجد رحمة الله تعالى واجتاز إلى المغرب كما تقرر في غير هذا كلف به وأنس إليه لحلاوة منطق ورفع استيحاش ومراوضة خلق ثم كر في صحبة ركابه فعلت منزلته ولطف محله
وقفنا على رقعة من رقاعة وهو يبدىء فيها ويعيد ويقول خدمته سبعا وثلاثين سنة ثلاثا بالمغرب وباقيها بالأندلس أنشدته فيها ستا وستين قصيدة في ستة وستين عيدا وكل ما في منازله السعيدة من القصر والرياض والدشار والسبيكة من نظم رائق ومدح فائق في القباب والطاقات والطرز وغير ذلك فهو لي وكنت أواكله وأواكل ابنه مولاي أبا الحجاج وهما كبيرا ملوك أهل الأرض وهنأته بكذا وكذا قصيدة وفوض لي في عقد الصلح بين الملوك بالعدوتين وصلح النصارى عقدته تسع مرات ألخسة فوض إلي ذلك
قلنا صدق في جميع ما ذكره والعقود بذلك شاهدة له وخصه عام ثلاثة وسبعين بكتابة سره واستعمله بعد أعوام في السفارة بينه وبين ملوك عصره فحمد منابه ونمت أحواله ورغد جنابه وكان هنالك بعض تقولات تشين

وجه اجتهاده وتومىء بما احتقبه من سوء مقاصده وما صرفه من قبيح أغراضه وهاجت الفتنة فكانت سفارته أعظم أسبابها
وعند الأشد من عمره عرضت لأفكاره تقلبات وأقعدته عن قداح السياسة آفات مختلفات وأشعرته حدة ذهنه أن يتخبط في أشراك وقعات فقعد بجامع مالقة ثم بمسجد الحمراء ملقيا على الكرسي فنونا جمة وعلوما لم يزل يتلقاها عن أولياء التعظيم والتجلة فانحاز إلى مادة أمم بمالقة طما منهم البحر وتراءى لأبصارهم وبصائرهم الفخر وكان التفسير أغلب عليه لفرط ذكائه وما كان قيده وحصله أيام قراءته وإقرائه فما شئت من بيان وإعجاز قرآن وآيات توحيد وإخلاص ومناهج صوفية تؤذن بالخلاص يوم الأخذ بالنواص ومرارا عدة سمع ما يلقيه ولي الأمر ويا شدة البلوى التي أذاقه مرها وأمطاه إلى طية الهلاك ظهرها ويا قرب ما كان الفوت والحسام الصلت من متباعد هذه القرب التي ألغيت
قلنا لقد جمح جواد القلم فأطلقنا ونحن نشير إلى هذا الرئيس وتبدل طباعه بعد انقضاء أعوام شاهدة باضطلاعه وإحراز شيم أدت إلى علو مقداره واستقامة مداره فآل عمر مولانا جدنا إلى النفاد ورمت رئيس كتابه هذا أسهم الحساد فظهر الخفي وسقط به الليل على سرحان وقد طالما جرب الوفي والصفي وكان من شأنه الاستخفاف بأولياء الأمر من حجاب الدولة والاسترسال في الرد عليهم بالطبع والجبلة مع الاستغراق في غمار الفتن أندلسا وغربا ومراعاة حظوظ نفسه استيلاء وغصبا أما الجراءة فانتضى سيوفها

وأما إكفاء السماء على الأرض فقواصم نوع صنوفها وأما المجاهرة فوقف بميدان الاعتراض صفوفها وأما المجاملة فنكر معروفها أداه هذا النبأ العظيم إلى سكنى المعتقل بقصبة المرية وعلى الأثر كان الفرج قريبا وسطور المؤاخذة قد أوسعها العفو تضريبا ونالته هذه المحنة عند وفاة مولانا الجد الغني بالله وكانت وفاته غرة شهر صفر عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة لأسباب يطول شرحها أطهرها شراسة في لسانه واغترار بمكانه وتضريب بين خدام السلطان وأعوانه فكبا لليدين والفم إلى أن من الله تعالى بسراحه وأعاده إلى الحضرة في أول شهر رمضان المعظم من عام أربعة وتسعين وسبعمائة فكان ما كان من وفاة مولانا الوالد رحمه الله تعالى وقيام أخينا محمد مقامه بالأمر فاستمر الحال أياما قلائل وقدم للكتابة الفقيه ابن عاصم لمدة من عام ثم أعاد المذكور إلى خطته وقد دمثت بعض أخلاقه وخمدت شراسته وحلا بعض مذاقه فما كان إلا كلا وليت وإذا به قد ساء مشهدا وغيبا وأوسع الضمائر شكا وريبا وغلبت الإحن عليه وغلت مراجلها لديه فصار يتقلب على جمر الغضا ويتبرم بالقضا ويظهر النصح وفي طيه التشفي ويسم نفسه بالصلاح ويعلن بالخشوع ويشير بأنه الناصح الأمين ويتلو قوله تعالى ( ولكن لا تحبون الناصحين ) ورتب على المشتغلين كبيرهم وصغيرهم ذنوبا لم يقترفوها ونسب إليهم نسبا من التضييع لم يعرفوها وأنهم احتجنوا الأموال وأساءوا الأعمال والأقوال فلم يظفر من ذلك بكبير طائل ولا حصل على تفاوت أعداده على حاصل هذا على قلة معرفته بتلك الطريقة الاشتغالية وعدم اضطلاعه بالأمور الجبائية فمن نفس يروع سربها ويكدر بالامتحان والامتهان شربها ومن ضارعة خاشعة لله تعالى سلبت وطولبت بغير ما اكتسبت وتعدت الأيدي إلى أقوام جلة سعدوا بشقائه وامتحنوا وهم المبرأون من تزويره واعتدائه وسيسألون يوم لا يغني مال ولا بنون

وصار يصرف أغراضه ويظهر أحقاده بين إفصاح بما كان الإعجام خيرا من إلقائه وإن عمر المسكين المستضعف لا حاجة في طول بقائه إلى مجاهرة عهد منه أيام شبيبته نقيضها وانعكس في شاخته تصريحها المنغص وتعريضها لا يريح نفسه من جهد ولا يقف من اللجلجة عند حد وقد كان ثقل سمعه فساءت إجابته وطغت أخلاقه فسئم الناس وساطته وربما استحلف فلم يكن بين اللازمة واللازمة إلا الحنث عن قصد وغير قصد ودعا على نفسه وأبنائه بإنجاز وعد وأن يقيض الله له ولهم قاتل عمد فسبحان القاهر فوق عباده الرحيم بهذا الشخص وبالأموات من شيعته وأولاده فاستمر على ذلك إلى إحدى الليالي فهلك في جنح الليل في جوف داره على يد مخدومه تلقاه زعموا عند الدخول عليه وهو بالمصحف رافع يديه فجدلته السيوف وتناولته الحتوف فقضي عليه وعلى من وجد من خدامه وابنيه كل ذلك بمرأى عين من أهله وبناته ولم يتقوا الله فيه حق تقاته فكانت أنكى الفجائع وأفظع الوقائع وساءت القالة وعظم المصاب وكل شيء إلى أجل نافذ وكتاب انتهى كلام ابن الأحمر في مقدمة كتابه
وقد اطلعت منه على تصاريف أحوال ابن زمرك وقتله على الوجه الذي يعلم منه أن ثأر لسان الدين ابن الخطيب لديه لا يترك بل قتلته أفظع من قتلة لسان الدين لأن هذا قتل بين عياله وأهله وقتل معه ابناه ومن وجد من خدمه ولسان الدين رحمه الله تعالى خنق بمفرده وعند الله تجتمع الخصوم وهو العفو الغفور
وقد فهم من مضمون ما سبق أن قتل ابن زمرك بعد عام خمسة وتسعين وسبعمائة ولم أقف من أمره على غير ما تقدم

ولا بأس أن نلم بشيء من نظمه البارع مما كنت انتقيته بالغرب من تأليف ابن الأحمر المذكور وأوردت كثيرا منه في أزهار الرياض
فمن ذلك قوله في ذكر غرناطة العلية وتهنئة سلطانه الغني بالله ببعض المواسم العيدية ووصف كرائم جياده وآثار ملكه وجهاده
( يا من يحن إلى نجد وناديها ... غرناطة قد ثوت نجد بواديها )
( قف بالسبيكة وانظر ما بساحتها ... عقيلة والكثيب الفرد جاليها )
( تقلدت بوشاح النهر وابتسمت ... أزهارها وهي حلي في تراقيها )
( وأعين النرجس المطلول يانعة ... ترقرق الطل دمعا في مآقيها )
( وافتر ثغر أقاح من أزاهرها ... مقبلا خد ورد من نواحيها )
( كأنما الزهر في حافاتها سحرا ... دراهم والنسيم اللدن يجبيها )
( وانظر إلى الدوح والأنهار تكنفها ... مثل الندامى سواقيها سواقيها )
( كم حولها من بدور تجتني زهرا ... فتحسب الزهر قد قبلن أيديها )
( حصباؤها لؤلؤ قد شف جوهرها ... والنهر قد سال ذوبا من لآليها )
( نهر المجرة والزهر المطيف به ... زهر النجوم إذا ما شئت تشبيها )
( يزيد حسنا على نهر المجرة قد ... أغناه در حباب عن دراريها )
( يدعى المنجم رائيه وناظره ... مسميات أبانتها أساميها )
( إن الحجاز مغانيه بأندلس ... ألفاظها طابقت منها معانيها )
( فتلك نجد سقاها كل منسجم ... من الغمام يحييها فيحييها )
( وبارق وعذيب كل مبتسم ... من الثغور يجليها مجليها )
( وإن أردت ترى وادي العقيق فرد ... دموع عشاقها حمرا جواريها )
( وللسبيكة تاج فوق مفرقها ... تود در الدراري لو تحليها )

( فإن حمراءها والله يكلؤها ... ياقوتة فوق ذاك التاج يعليها )
( إن البدور لتيجان مكللة ... جواهر الشهب في أبهى مجاليها )
( لكنها حسدت تاج السبيكة إذ ... رأت أزاهره زهرا يجليها )
( بروجها لبروج الأفق مخجلة ... فشهبها في جمال لا تضاهيها )
( تلك القصور التي راقت مظاهرها ... تهوي النجوم قصورا عن معاليها )
( لله لله عينا من رأى سحرا ... تلك المنارة قد رقت حواشيها )
( والصبح في الشرق قد لاحت بشائره ... والشهب تستن سبقا في مجاريها )
( تهوي إلى الغرب لما غالها سحر ... وغمض الفجرمن أجفان واشيها )
( وساجع العود في كف النديم إذا ... ما استوقفت ساجعات الطير يغريها )
( يبدي أفانين سحر في ترنمه ... يصبي العقول بها حسنا ويسبيها )
( يجسه ناعم الأطراف تحسبها ... لآلئا وهي نور في تلاليها )
( مقاتل بلحاظ قوس حاجبها ... ترمي القلوب بها عمدا فتصميها )
( فباكر الروض والأغصان مائلة ... يثني النفوس لها شوقا تثنيها )
( لم يرقص الدوح بالأكمام من طرب ... حتى شدا من قيان الطير شاديها )
( وأسمعتها فنون السحر مبدعة ... ورق الحمام وغناها مغنيها )
( غرناطة آنس الرحمن ساكنها ... باحت بسر معانيها أغانيها )
( أعدى نسيمهم لطفا نفوسهم ... فرقة الطبع طبع منه يعديها )
( فخلد الله أيام السرور بها ... صفرا عشياتها بيضا لياليها )
( وروض المحل منها كل منبجس ... إذا اشتكت بغليل الجدب يرويها )
( يحكي الخليفة كفا كلما وكفت ... بالجود فوق موات الأرض يحييها )
( تغني العفاة وقد أمت مكارمه ... عن السؤال وبالإحسان يغنيها )

( له بنان فلا غيث يساجلها ... جودا ولا سحبه يوما تدانيها )
( فإن تصب سحبه بالماء حين همت ... بعسجد ولجين صاب هاميها )
( يا أيها الغيث أنت الغوث في زمن ... ملوكه تلفت لولا تلافيها )
( إن الرعايا جزاك الله صالحة ... ملكت شرقا وغربا من يراعيها )
( إن الخلائق في الأقطار أجمعها ... سوائم أنت في التحقيق راعيها )
( فكل مصلحة للخلق تحكمها ... وكل صالحة في الدين تنويها )
( إذا تيممت أرضا وهي مجدبة ... فرحمة الله بالسقيا تحييها )
( يا رحمة بثت الرحمى بأندلس ... لولاك زلزلت الدنيا بمن فيها )
( في فضل جودك قد عاشت مشيختها ... في ظل أمنك قد نامت ذراريها )
( في طول عمرك يرجو الله آملها ... بنصر ملكك يدعو الله داعيها )
( عوائد الله قد عودت أفضلها ... لتبلغ الخلق ما شاءت أمانيها )
( سل السعود وخل البيض مغمدة ... واضرب بها فرية التثليث تفريها )
( لله أيامك الغر التي اطردت ... فيها السعود بما ترضى ويرضيها )
( لله دولتك الغراء إن لها ... لكافلا من إله العرش يكفيها )
( هيهات أن تبلغ الأعداء مأربة ... في جريها وجنود الله تحميها )
( هذي سيوفك في الأجفان نائمة ... والمشركون سيوف الله تفنيها )
( سريرة لك في الإخلاص قد عرفت ... حسنى عواقبها حتى أعاديها )
( لم يحجب الصبح شهب الأفق عن بصر ... إلا وهديك للأبصار يبديها )
( يا ابن الملوك وأبناء الملوك إذا ... تدعو الملوك إلى طوع تلبيها )
( أبناء نصر ملوك عز نصرهم ... وأوسعوا الخلق تنويها وترفيها )
( هم المصابيح نور الله موقدها ... تضيء للدين والدنيا مشاكيها )
( هم النجوم وأفق الهدي مطلعها ... فوزا لمهديها عزا لهاديها )

( هم البدور كمال ما يفارقها ... هم الشموس ظلام لا يواريها )
( قضت قواضبها أن لا انقضاء لها ... وأمضت الحكم في الأعدا مواضيها )
( وخلدت في صفاح الهند سيرتها ... وأسندت عن عواليها معاليها )
( وأورثتك جهادا أنت ناصره ... والأجر منك يرضيها ويحظيها )
( كم موقف ترهب الأعداء موقعه ... والخيل تردي ووقع السمر يرديها )
( ثارت عجاجته واليوم محتجب ... والنقع يؤثر غيما من دياجيها )
( وللأسنة شهب كلما غربت ... في الدارعين تجلت من عواليها )
( وللسيوف بروق كلما لمعت ... تزجي الدماء وريح النصر يزجيها )
( أطلعت وجها تريك الشمس غرته ... تبارك الله ما شمس تساميها )
( من أين للشمس نطق كله حكم ... يفيدها كل حين منك مبديها )
( لك الجياد إذا تجري سوابقها ... فللرياح جياد ما تجاريها )
( إذا انبرت يوم سبق في أعنتها ... ترى البروق طلاحا لا تباريها )
( من أشهب قد بدا صبحا تراع له ... شهب السماء فإن الصبح يخفيها )
( إلا التي في لجام منه قيدها ... فإنه سامها عزا وتنويها )
( أو أشقر مر عن شقر البروق وقد ... أبقى لها شفقا في الجو تنبيها )
( أو أحمر جمره في الحرب متقد ... يعلو لها شرر من بأس مذكيها )
( لون العقيق وقد سال العقيق دما ... بعطفه من كماة كر يدميها )
( أو أدهم ملء صدر الليل تنعله ... أهلة فوق وجه الأرض يبديها )
( إن حارت الشهب ليلا في مقلده ... فصبح غرته بالنور يهديها )
( أو أصفر بالعشيات ارتدى مرحا ... وعرفه بتمادي الليل ينبيها )

( مموه بنضار تاه من عجب ... فليس يعدم تنويها ولا تيها )
( ورب نهر حسام رق رائقه ... متى ترده نفوس الكفر يرديها )
( تجري الرؤوس حبابا فوق صفحته ... وما جرى غير أن البأس يجريها )
( وذابل من دم الكفار مشربه ... يجني الفتوح وكف النصر تجنيها )
( وكم هلال لقوس كلما نبضت ... ترى النجوم رجوما في مراميها )
( أئمة الكفر ما يممت ساحتها ... إلا وقد زلزلت قسرا صياصيها )
( يا دولة النصر هل من مبلغ دولا ... مضين أنك تحييها وتنسيها )
( أو مبلغ سالف الأنصار مألكة ... والله بالخلد في الفردوس يجزيها )
( ان الخلافة أعلى الله مظهرها ... أبقت لنا شرفا والله يبقيها )
( يا ابن الذين هم في كل مكرمة ... مفاخر ولسان الدهر يمليها )
( أنصار خير الورى مختار هجرته ... جيران روضته أكرم بأهليها )
( سمتهم الملة السمحاء تكرمة ... أنصارها وبهم عزت أواليها )
( ففي حنين وفي بدر وفي أحد ... تلفي مفاخرهم مشهورة فيها )
( ولتسأل السير المرفوع مسندها ... فعن مواقفهم تروى مغازيها )
( مآثر خلد الرحمن أثرتها ... ينصها من كتاب الله قاريها )
( ماذا يجيد بليغ أو ينمقه ... من الكلام ووحي الله تاليها )
( له الجهاد به تسري الرياح إلى ... ممالك الأرض من شتى أقاصيها )
( تحدى الركاب إلى البيت العتيق به ... فمكة عمرت منه نواديها )
( بشائر تسمع الدنيا وساكنها ... إذا دعا باسمك الأعلى مناديها )
( كفى خلافتك الغراء منقبة ... أن الإله يوالي من يواليها )
( وقد أفاد بنيه الدهر تجربة ... أن السعود تعادي من يعاديها )
( إذا رميت سهام العزم صائبة ... فما رميت بل التوفيق راميها )
( شكرا لمن عظمت منا مواهبه ... وإن تعد فليس العد يحصيها )

( عما قريب ترى الأعياد مقبلة ... من الفتوح ووفد النصر حاديها )
( وتبلغ الغاية القصوى بشائرها ... فقد أظلت بما ترضى مباديها )
( فاهنأ بما شئت من صنع تسر به ... وانو الأماني فالأقدار تدنيها )
( مولاي خذها كما شاءت بلاغتها ... ولو تباع لكان الحسن يشريها )
( أرسلتها حيثما الأرواح مرسلة ... نوادرا تنشر البشرى أماليها )
( جاءت تهنيك عيد الفطر معجبة ... بحسنها ولسان الصدق يطريها )
( البشر في وجهها واليمن في يدها ... والسحر في لفظها والدر في فيها )
( لو رصع البدر منها تاج مفرقه ... لم يرض در الدراري أن تحليها )
( فإن تكن بنت فكري وهو أوجدها ... نعماك في حجره كانت تربيها )
( في روض جودك قد طوقتني مننا ... طوق الحمام فما سجعي موفيها )
( ولو أعرت لسان الدهر يشكرها ... لكان يقصر عن شكر يوفيها )
( بقيت للدين والدنيا إمام هدى ... مبلغ النفس ما ترجو أمانيها )
( والسعد يجري لغايات تؤملها ... ما دامت الشهب تجري في مجاريها )
وقال رحمه الله تعالى شاكرا لنعم وصلته من المذكور في عاشوراء
( مولاي يا ابن السابقين إلى العلا ... والرافعين لواءها المنشورا )
( إن لوحظوا في المعلوات فإنهم ... طلعوا بآفاق العلاء بدورا )
( أو فوخروا في المكرمات فإنهم ... نظموا بأسلاك الفخار شذورا )
( أبناء أنصار النبي وصحبه ... في الذكر أصبح فخرهم مذكورا )
( والمؤثرين وربنا أثنى بها ... في الحشر خلد وصفهم مسطورا )
( فاضت علينا من نداك غمائم ... وتفجرت من راحتيك بحورا )
( من كف شفاف الضياء تخاله ... لصفاء جوهره تجسد نورا )

( نعم منوعة تعدد وفرها ... أعجزت عنها شكري الموفورا )
( في موسم للدين قد جددته ... وأقمت فينا عيده المشهورا )
( أضعاف ما أهديتنا من منة ... تهدي إليك ثوابها عاشورا )
( وعلى الطريق بشائر محمودة ... ألقاك جذلانا بها مسرورا )
وقال يصف زهر القرنفل الصعب الاجتناء بجبل الفتح وقد وقع له السلطان الغني بالله المذكور بذلك فارتجل قطعا منها
( أتوني بنوار يروق نضارة ... كخد الذي أهوى وطيب تنفسه )
( وجاءوا به من شاهق متمنع ... تمنع ذاك الظبي في ظل مكنسه )
( رعى الله مني عاشقا متقنعا ... بزهر حكى في الحسن خد مؤنسه )
( وإن هب خفاق النسيم بنفحة ... حكت عرفه طيبا قضى بتأنسه )
ومنها
( رعى الله زهرا ينتمي لقرنفل ... حكى عرف من أهوى وإشراق خده )
( ومنبته في شاهق متمنع ... كما امتنع المحبوب في تيه صده )
( أميل إذا الأغصان مالت بروضة ... أعانق منها القضب شوقا لقده )
( وأهفو لخفاق النسيم إذا سرى ... وأهوى أريج الطيب من عرف نده )
ومنها
( يقر بعيني أن أرى الزهر يانعا ... وقد نازع المحبوب في الحسن وصفه )
( وما أبصرت عيني كزهر قرنفل ... حكى خد من يسبي الفؤاد وعرفه )
( تمنع في أعلى الهضاب لمجتن ... تمنعه مني إذا رمت إلفه )
( وفي جبل الفتح اجتنوه تفاؤلا ... بفتح لباب الوصل يمنح عطفه )
( وما ضر ذاك الغصن وهو مرنح ... إذا ما ثنى نحو المتيم عطفه )

قال ابن الأحمر في الكتاب المذكور فيما مر ومن القصائد التي يود الصبح سناها والنسيم اللدن رقة معناها يهنىء مولانا الجد رضي الله تعالى عنه عند وصول خالصة مقامه وكبير خدامه القائد خالد رحمه الله تعالى من تلمسان بالهدية وتجديد المقاصد الودية ووافق استئناف راحة من الذا ت العلية ومن بعض فروع دوحتها الزكية
( أدرها ثلاثا من لحاظك واحبس ... فقد غال منها السكر أبناء مجلس )
( إذا ما نهاني الشيب عن أكؤس الطلا ... تدير علي الخمر منها بأكؤس )
( عذيري من لحظ ضعيف وقد غدا ... يحكم منا في جسوم وأنفس )
( وروض شباب ماس غصن قوامه ... وفتح فيه اللحظ أزهار نرجس )
( وما زال ورد الخد وهو مضعف ... يعير أقاح الثغر طيب تنفس )
( وكم جال طرف الطرف في روض حسنه ... يقيده فيه العذار بسندس )
( أما وليالي الوصل في روضة الصبا ... ومألف احبابي وعهد تأنسي )
( لئن نسيت تلك العهود أحبتي ... فقلبي عهد العامرية ما نسي )
( وحاشا لنفسي بعدما افتر فودها ... من الشيب عن صبح به متنفس )
( وألبسها ثوب الوقار خليفة ... به لبس الإسلام أشرف ملبس )
( وجدد للفتح المبين مواسما ... أقام بها الإيمان أفراح معرس )
( وأورثه العلياء كل خليفة ... نماه إلى الأنصار كل مقدس )
( فيا زاجر الأظعان وهي ضوامر ... بغير الفلا والوحش لم تتأنس )
( إذا جئت من دار الغني بربه ... مناخ العلا والعز فاعقل وعرس )
( فإن شئت من بحر السماحة فاغترف ... وإن شئت من نور الهداية فاقبس )

( أمولاي إن السعد منك لآية ... أنارت بها الأكوان جذوة مقبس )
( إذا شئت أن ترمي القصي من المنى ... تدور لك الأفلاك مرفوعة القسي )
( فترمي بسهم من سعودك صائب ... سديد لأغراض الأماني مقرطس )
( أهنيك بالإبلال ممن شفاؤه ... شفاؤك فاشكر من تلافى وقدس )
( ودعني أرد يمناك فيه غمامة ... بتخل صوب العارض المتبجس )
( أقبل منها راحة إثر راحة ... أتتك بها الركبان من بيت مقدس )
( ومن نسب الفتح المبين ولادة ... إليه بغير الفخر لم يتأسس )
( فيا أيها المولى الذي بكماله ... خلائف هذا العصر في الفخر تأتسي )
( لآمنت موسى من عوادي سميه ... ولولاك لم يبرح بخيفة موجس )
( بعثت بميمون النقيبة في اسمه ... خلود لعز ثابت متأسس )
( فجاءك بالمال العريض هدية ... بها الدين أثواب المسرة يكتسي )
( وشفعها بالصافنات كأنها ... وقد راق مرآها جآذر مكنس )
( تنص من الإشراف جيد غزالة ... وترنو من الإيجاس عن لحظ أشوس )
( لك الخير موسى مثل موسى كلاهما ... بغير شعار الود لم يتلبس )
( فلا زلت في ظل النعيم وكل من ... يعاديك لا ينفك يشقى بأبؤس )
( عليك سلام مثل حمدك عاطر ... تنفس وجه الصبح عنه بمعطس )
وقال في مولد عام سبعة وستين وسبعمائة وألم في أخرياتها بوصف المشور الأسنى الرفيع المبنى
( زار الخيال بأيمن الزوراء ... فجلا سناه غياهب الظلماء )
( وسرى مع النسمات يسحب ذيله ... فأتت تنم بعنبر وكباء )
( هذا وما شيء ألذ من المنى ... إلا زيارته مع الإغفاء )

( بتنا خيالين التحفنا بالضنى ... والسقم ما نخشى من الرقباء )
( حتى أفاق الصبح من غمراته ... وتجاذبت أيدي النسيم ردائي )
( يا سائلي عن سر من أحببته ... السر عندي ميت الأحياء )
( تالله لاأشكو الصبابة والهوى ... لسوى الأحبة أو أموت بدائي )
( يا دين قلبي لست أبرح عانيا ... أرضى بسقمي في الهوى وعنائي )
( أبكي وما غير النجيع مدامع ... أذكي ولا ضرم سوى أحشائي )
( أهفو إذا تهفو البروق وأنثني ... لسرى النواسم من ربى تيماء )
( بالله يا نفس الحمى رفقا بمن ... أغريته بتنفس الصعداء )
( عجبا له يندى على كبدي وقد ... أذكى بقلبي جمرة البرحاء )
( يا ساكني البطحاء أي إبانة ... لي عندكم يا ساكني البطحاء )
( أترى النوى يوما تخيب قداحها ... ويفوز قدحي منكم بلقاء )
( في حيكم قمر فؤادي أفقه ... تفديه نفسي من قريب نائي )
( لم تنسني الأيام يوم وداعه ... والركب قد أوفى على الزوراء )
( أبكي ويبسم اوالمحاسن تجتلى ... فعلقت بين تبسم وبكاء )
( يا نظرة جاذبتها أيدي النوى ... حتى استهلت أدمعي بدماء )
( من لي بثانية تنادي بالأسى ... قدك اتئد أسرفت في الغلواء )
( ولرب ليل بالوصال قطعته ... أجلو دجاه بأوجه الندماء )
( أنسيت فيه القلب عادة حلمه ... وحثثت فيه أكؤس السراء )
( وجريت في طلق التصابي جامحا ... لا أنثني لمقادة النصحاء )
( أطوي شبابي لمشيب مراحلا ... برواحل الإصباح والإمساء )

( يا ليت شعري هل أرى أطوي إلى ... قبر الرسول صحائف البيداء )
( فتطيب في تلك الربوع مدائحي ... ويطول في ذاك المقام ثوائي )
( حيث النبوة نورها متألق ... كالشمس تزهى في سنا وسناء )
( حيث الرسالة في ثني قدسها ... رفعت لهدي الخلق خير لواء )
( حيث الضريح ضريح أكرم مرسل ... فخر الوجود وشافع الشفعاء )
( المصطفى والمرتضى والمجتبى ... والمنتقى من عنصر العلياء )
( خير البرية مجتباها ذخرها ... ظل الإله الوارف الأفياء )
( تاج الرسالة ختمها وقوامها ... وعمادها السامي على النطراء )
( لولاه للأفلاك ما لاحت بها ... شهب تنير دياجي الظلماء )
( ذو المعجزات الغر والآي الألى ... أكبرن عن عد وعن إحصاء )
( وكفاك رد الشمس بعد مغيبها ... وكفاك ما قد جاء في الإسراء )
( والبدر شق له وكم من آية ... كأنامل جاءت بنبع الماء )
( وبليلة الميلاد كم من رحمة ... نشر الإله بها ومن نعماء )
( قد بشر الرسل الكرام ببعثه ... وتقدم الكهان بالأنباء )
( أكرم بها بشرى على قدم سرت ... في الكون كالأرواح في الأعضاء )
( أمسى بها الإسلام يشرق نوره ... والكفر أصبح فاحم الأرجاء )
( هو آية الله التي أنوارها ... تجلو ظلام الشك أي جلاء )
( والشمس لا تخفى مزية فضلها ... إلا على ذي المقلة العمياء )
( يا مصطفى والكون لم تعلق به ... من بعد أيدي الخلق والإنشاء )
( يا مظهر الحق الجلي ومطلع ال ... السني الساطع الأضواء )
( يا ملجأ الخلق المشفع فيهم ... يا رحمة الأموات والأحياء )
( يا آسي المرضى ومنتجع الرضى ... ومواسي الأيتام والضعفاء )

( أشكو إليك وأنت خير مؤمل ... داء الذنوب وفي يديك دوائي )
( إني مددت يدي إليك تضرعا ... حاشا وكلا أن يخيب رجائي )
( إن كنت لم أخلص إليك فإنما ... خلصت إليك محبتي وندائي )
( وبسعد مولاي الإمام محمد ... تعد الأماني أن يتاح لقائي )
( ظل الإله على البلاد وأهلها ... فخر الملوك السادة الخلفاء )
( غوث العباد وليث مشتجر القنا ... يوم الطعان وفارج الغماء )
( كالدهر في سطواته وسماحه ... تجري صباه بزعزع ورخاء )
( رقت سجاياه وراقت مجتلى ... كالنهر وسط الروضة الغناء )
( كالزهر في إيراقه والبدر في ... إشراقه والزهر في لألاء )
( يا ابن الألى إجمالهم وجمالهم ... فلق الصباح وواكف الأنواء )
( أنصار دين الله حزب رسوله ... والسابقون بحلبة العلياء )
( يا ابن الخلائف من بني نصر ومن ... حاطوا ذمار الملة السمحاء )
( من كل من تقف الملوك ببابه ... يستمطرون سحائب النعماء )
( قوم إذا قادوا الجيوش إلى الوغى ... فالرعب رائدهم إلى الأعداء )
( والعز مجلوب بكل كتيبة ... والنصر معقود بكل لواء )
( يا وارثا عنها مناقبها التي ... تسمو مراقيها على الجوزاء )
( يا فخر أندلس وعصمة أهلها ... يجزيك عنها الله خير جزاء )
( كم خضت طوع صلاحها من مهمه ... لا تهتدي فيه القطا للماء )
( تهدي بها حادي السرى بعزائم ... تهدي نجوم الأفق فضل ضياء )
( فارفع لواء الفخر غير مدافع ... واسحب ذيول العزة القعساء )
( واهنأ بمبناك السعيد فإنه ... كهف ليوم مشورة وعطاء )

( لله منه هالة قد أصبحت ... حرم العفاة مصرع الأعداء )
( تنتابها طير الرجاء فتجتني ... ثمر المنى من دوحة الآلاء )
( لله منه قبة مرفوعة ... دون السماء تفوت لحظ الرائي )
( راقت بدائع وشيها فكأنها ... وشي الربيع بمسقط الأنداء )
( عظمت ميلاد النبي محمد ... وشفعته بالليلة الغراء )
( أحييت ليلك ساهرا فأفدتنا ... قوت القلوب بذلك الإحياء )
( يا أيها الملك الهمام المجتبى ... فاتت علاك مدارك العقلاء )
( من لي بأن أحصي مناقبك التي ... ضاقت بهن مذاهب الفصحاء )
( وإليك مني روضة مطلولة ... أرجت أزاهرها بطيب ثناء )
( فافسح لها أكناف صفحك إنها ... بكر أتت تمشي على استحياء )
قال ابن الأحمر ومن إعذاريات ابن زمرك المحكمة نسقا ورصفا المتناهية في كل فن حسن تحلية غريبة ووصفا حسبما اقتضته ملاحظة النسبة الرفيعه مولانا رحمة الله تعالى عليه واحتفاله المناسب لعز ملكه من تعميم الخلق بالجفلى في دعواهم واستدعاء أشراف الأمم من أهل المغرب وسواهم تفننا في مكارم متعددة أيامها عن أصالة المجد معربة وإغراء لهمم الملك بما لتتميم الأنس من أوضاع مغرية ومباهاة بعرض الجيوش والكتائب للعدو الكافر وتكاثرا من مماليك دولته بالعدد الوافر مما ألجم اللسن الذكي عيا وغادر الإعذار الذنوني منسيا كافأ الله سبحانه أبوته المولوية عنا وعن آبائنا وتلقى بالقبول الكفيل بتجديد الرضوان ما يصل له من خالص دعائنا أنه منعم جواد قوله في الصنيع المختص من ذلك بمولانا الوالد قدس الله تعالى روحه وذلك سنة أربع وستين وسبعمائة

( معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا ... )
القصيدة وقد تقدمت بتمامها فراجعها
ثم قال ومن ذلك ما أنشد في الصنيع الثاني المخصوص بعمينا السيدين الأميرين سعد ونصر رحمة الله تعالى عليهما وأجاد في وصف الجند والجرد والطلبة وغرائب الأوضاع
( اللمحة من بارق متبسم ... أرسلته دمعا تضرج بالدم )
( وللمحة تهفو ببانات اللوى ... يهفو فؤادك عن جوانح مغرم )
( هي عادة عذرية من يوم أن ... خلق الهوى تعتاد كل متيم )
( قد كنت أعذل ذا الهوى من قبل أن ... أدري الهوى واليوم أعذل لومي )
( كم زفرة بين الجوانح ما ارتقت ... حذر الرقيب ومدمع لم يسجم )
( إن كان واشي الدمع قد كتم الهوى ... هيهات واشي السقم لما يكتم )
( ولقد أجد هواي رسم دارس ... قد كاد يخفى عن خفي توهم )
( وذكرت عهدا في حماة قد انقضى ... فأطلت فيه ترددي وتلومي )
( ولربما أشجى فؤادي عنده ... ورقاء تنفث شجوها بترنم )
( لا أجدب الله الطلول فطالما ... أشجى الفصيح بها بكاء الأعجم )
( يا زاجر الأظعان يحفزها السرى ... قف بي عليها وقفة المتلوم )
( لترى دموع العاشقين برسمها ... حمرا كحاشية الرداء المعلم )
( دمن عهدت بها الشبيبة والهوى ... سقيا لها ولعهدها المتقدم )
( وكتيبة للشوق قد جهزتها ... أغزو بها السلوان غزو مصمم )
( ورفعت فيها القلب بندا خافقا ... وأريت للعشاق فضل تهممي )
( فأنا الذي شاب الحماسة بالهوى ... لكن من أهواه ضايق مقدمي )
( فطعنت من قد القوام بأسمر ... ورميت من غنج اللحاظ بأسهم )

( يا قاتل الله الجفون فإنها ... مهما رمت لم تخط شاكلة الرمي )
( ظلمت قتيل الحب ثم تبينت ... للسقم فيها فترة المتظلم )
( يا ظبية سنحت بأكناف الحمى ... سقي الحمى صوب الغمام المسجم )
( ما ضر إذ أرسلت نظرة فاتك ... أن لو عطفت بنظرة المترحم )
( فرأيت جسما قد أصيب فؤاده ... من مقلتيك وأنت لم تتأثمي )
( ولقد خشيت بأن يقاد بجرحه ... فوهبت لحظك ما أحلك من دمي )
( كم خضت دونك من غمار مفازة ... لا تهتدي فيها الليوث لمجثم )
( والنجم يسري من دجاه بأدهم ... رحب المقلد بالثريا ملجم )
( والبدر في صفح السماء كأنه ... مرآة هند وسط لج ترتمي )
( والزهر زهر والسماء حديقة ... فتقت كمائم جنحها عن أنجم )
( والليل مربد الجوانح قد بدا ... فيه الصباح كغرة في أدهم )
( فكأنما فلق الصباح وقد بدا ... مرأى ابن نصر لاح للمتوسم )
( ملك أفاض على البسيطة عدله ... فالشاة لا تخشى اعتداء الضيغم )
( هو منتهى آمال كل موفق ... هومورد الصادي وكنز المعدم )
( لاحت مناقبه كواكب أسعد ... فرأت ملامح نوره عين العمي )
( ولقد تراءى بأسه وسماحه ... فأتى الجلال من الجمال بتوأم )
( مثل الغمام وقد تضاحك برقه ... فأفاد بين تجهم وتبسم )
( أنسى سماحة حاتم وكذاك في ... يوم اللقاء ربيعة بن مكدم )
( سير تسير النيرات بهديها ... وتعير عرف الروض طيب تنسم )
( فالبدر دونك في علا وإنارة ... والبحر دونك في ندى وتكرم )
( ولك القباب الحمر ترفع للندى ... فترى العمائم تحتها كالأنجم )
( يذكى الكباء بها كأن دخانه ... قطع السحاب بجوها المتغيم )
( ولك العوالي السمر تشرع للعدى ... فتخر صرعى لليدين وللفم )

( ولك الأيادي البيض قد طوقتها ... صيد الملوك ذوي التلاد الأقدم )
( شيم يقر الحاسدون بفضلها ... والصبح ليس ضياؤه بمكتم )
( ورث السماحة عن أبيه وجده ... فالأكرم ابن الأكرم ابن الأكرم )
( نقلوا المعالي كابرا عن كابر ... كالرمح مطرد الكعوب مقوم )
( وتسنموا رتب العلاء بحقها ... ما بين جد في الخلافة وابنم )
( يا آل نصر أنتم سرج الهدى ... في كل خطب قد تجهم مظلم )
( الفاتحون لكل صعب مقفل ... والفارجون لكل خطب مبهم )
( والباسمون إذا الكماة عوابس ... والمقدمون على السواد الأعظم )
( أبناء أنصار النبي وحزبه ... وذوي السوابق والجوار الأعصم )
( سل عنهم أحدا وبدرا تلقهم ... أهل الغناء بها وأهل المغنم )
( وبفتح مكة كم لهم في يومه ... بلواء خير الخلق من متقدم )
( أقسمت بالحرم الأمين ومكة ... والركن والبيت العتيق وزمزم )
( لولا مآثرهم وفضل علاهم ... ما كان يعزى الفضل للمتقدم )
( ماذا عسى أثني وقد أثنت على ... عليائهم آي الكتاب المحكم )
( يا وارثا عنها مآثرها التي ... قد شيدت للفخر أشرف معلم )
( يا فخر أندلس لقد مدت إلى ... علياك كف االلائذ المستعصم )
( أماسعودك في الوغى فتكفلت ... بسلامة الإسلام فاخلد واسلم )
( وافيت هذا الثغر وهو على شفا ... فشفيت معضل دائه المستحكم )
( ورعيته بسياسة دارت على ... مختطه دور السوار بمعصم )
( كم ليلة قد بت فيها ساهرا ... تهدي الأمان إلى العيون النوم )
( يا مظهر الألطاف وهي خفية ... ومهب ريح النصر للمتنسم )
( لله دولتك التي آثارها ... سيرالركاب لمنجد أو متهم )
( ما بعد يومك في المواسم بعدما ... أتبعت عيد الفطر أكرم موسم )

( وافتك أشراف البلاد ليومه ... من كل ندب للعلا متسنم )
( صرفوا إليك ركابهم وتيمموا ... من بابك المنتاب خير ميمم )
( وتبوأوا منه بدار كرامة ... فالكل بين مقرب ومنعم )
( ودت نجوم الأفق لو مثلت به ... لتفوز فيه برتبة المستخدم )
( والروض مختال بحلية سندس ... من كل موشي الرقوم منمنم )
( ورياحه نسمت بنشر لطيمة ... وأقاحه بسمت بثغر ملثم )
( وأريتنا فيه عجائب جمة ... لم تجر في خلد ولم تتوهم )
( أرسلت سرعان الجياد كأنها ... أسراب طير في التنوفة حوم )
( من كل منحفز بخطفة بارق ... قد كاد يسبق لمحة المتوهم )
( طرف يشك الطرف في استثباته ... فكأنه ظن بصدر مرجم )
( ومسافر في الجو تحسب أنه ... يرقى إلى أوج السماء بسلم )
( رام استراق السمع وهو ممنع ... فأصيب من قضب العصي بأسهم )
( رجمته من شهب النصال حواصب ... لولا تعرضه لها لم يرجم )
( ومداره الأفلاك أعجز كنهها ... إبداع كل مهندس ومهندم )
( يمشي الرجال بجوفها وجميعهم ... عن مستوى قدميه لم يتقدم )
( ومنوع الحركات قد ركب الهوا ... يمشي على خط به متوهم )
( فإذا هوى من جوه ثم استوى ... أبصرت طيرا حول صورة آدم )

( يمشي على فتن الرشاء كأنه ... فيه مساور ذابل أو أرقم )
( وإليك من صون العقول عقيلة ... وقفت ببابك وقفة المسترحم )
( ترجو قبولك وهو أكبر منحة ... فاسمح به خلدت من متكرم )
( طاردت فيها وصف كل غريبة ... فنظمت شارده الذي لم ينظم )
( ودعوت أرباب البيان أريهم ... كم غادر الشعراء من متردم )
( ما ذاك إلا بعض أنعمك التي ... قد علمتنا كيف شكر المنعم )
ثم قال وأنشد من ذلك في الصنيع المخصوص بعمنا الأمير أبي عبد الله رحمة الله تعالى عليه وأطنب في وصف دار الملك وغير ذلك من ضخامة آثار مولانا رضي الله تعالى عنه
( سل الأفق بالزهر الكواكب حاليا ... فإني قد أودعته شرح حاليا )
( وحملت معتل النسيم أمانة ... قطعت بها عمر الزمان أمانيا )
( فيا من رأى الأرواح وهي ضعيفة ... أحملها ما يستخف الرواسيا )
( وساوس كم جدت وجد بي الهوى ... فعد به القلب المقلب هازيا )
( ومن يطع الألحاظ في شرعة الهوى ... فلا بد أن يعصي نصيحا ولاحيا )
( عدلت بقلبي عن ولاية حكمه ... غداة ارتضى من جائر اللحظ واليا )
( وما الحب إلا نظرة تبعث الهوى ... وتعقب ما يعيي الطبيب المداويا )
( فيا عجبا للعين تمشي طليقة ... ويصبح من جرائها القلب عانيا )
( ألا في سبيل الله نفس نفيسة ... يرخص منها الحب ما كان غاليا )
( ويا رب عهد للشباب قضيته ... وأحسنت من دين الوصال التقاضيا )
( خلوت بمن أهواه من غير رقبة ... ولكن عفافي لم أكن عنه خاليا )

( ويوم بمستن الظباء شهدته ... أجد وصالا باليا فيه باليا )
( ولم أصح من خمر اللحاظ وقد غدا ... به الجو وضاح الأسرة صاحيا )
( وجرد من غمد الغمامة صارما ... من البرق مصقول الصفيح يمانيا )
( تبسم فاستبكى جفوني غمرة ... ملأت بدر الدمع منها ردائيا )
( وأذكرني ثغرا ظمئت لورده ... ولا والهوى العذري ما كنت ناسيا )
( وراح خفوق القلب مثلي كأنما ... ببرق الحمى من لوعة الحب ما بيا )
( وليلة بات البدر فيها مضاجعي ... وباتت عيون الشهب نحوي روانيا )
( كرعت بها بين العذيب وبارق ... بمورد ثغر بات بالدر حاليا )
( رشفت به شهد الرضاب سلافة ... وقبلت في ماء النعيم الأقاحيا )
( فيا برد ذاك الثغر رويت غلتي ... ويا حر أنفاسي أذبت فؤاديا )
( وروضة حسن للشباب نضيرة ... هصرت بغصن البان فيها المجانيا )
( وبت أسقي وردة الخد أدمعي ... فأصبح فيها نرجس اللحظ ذاويا )
( ومالت بقلبي مائلات قدودها ... فما للقدود المائلات وما ليا )
( جزى الله ذاك العهد عودا فطالما ... أعاد على ربعي الظباء الجوازيا )
( وقل لليال في الشباب نعمتها ... وقضيتها أنسا سقيت لياليا )
( ويا واديا رفت علي ظلاله ... ونحن ندير الوصل قدست واديا )
( رمتني عيون السرب فيه وإنما ... رمين بقلبي في الغرام المراميا )
( فلولا اعتصامي بالأمير محمد ... لما كنت من فتك اللواحظ ناجيا )
( فقل للذي يبني على الحسن شعره ... عليه مع الإحسان لا زلت بانيا )
( فكم من شكاة في الهوى قد رفأتها ... ورفعتها بالمدح إذ جاء تاليا )

( وكم ليلة في مدحه قد سهرتها ... أباهي بدر النظم فيه الدراريا )
( ولاح عمود الصبح مثل انتسابه ... رفعت عليه للمديح المبانيا )
( إمام أفاد المكرمات زمانه ... وشاد له فوق النجوم المعاليا )
( وجاوز قدر البدر نورا ورفعة ... ولم يرض إلا بالكمال مواليا )
( هو الشمس بثت في البسيطة نفعها ... وأنوارها أهدت قريبا وقاصيا )
( هو البحر بالإحسان يزخر موجه ... ولكنه عذب لمن جاء عافيا )
( هو الغيث مهما يمسك الغيث سحبه ... يرو بسحب الجود من كان صاديا )
( شمائل لو أن الرياض بحسنها ... لما صار فيها زهرها الغض ذاويا )
( فيا ابن الملوك الصيد من آل خزرج ... وذا نسب كالصبح عز مساميا )
( ألست الذي ترجو العفاة نواله ... فتخجل جدواه السحاب الغواديا )
( ألست الذي تخشى البغاة صياله ... فتوجل علياه الصعاب العواديا )
( وهديك مهما ضلت الشهب قصدها ... تولته في جنح الدجنة هاديا )
( وعزمك أمضى من حسامك في الوغى ... وإن كان مصقول الغرارين ماضيا )
( فكم قادح في الدين يكفر ربه ... قدحت له زند الحفيظة واريا )
( وما راعة إلا حسام وعزمة ... يضيئان في ليل الخطوب الدواجيا )
( فلولاك يا شمس الخلافة لم يبن ... سبيل جهاد كان من قبل خافيا )
( ولولاك لم ترفع سماء عجاجة ... تلوح بها بيض النصول دراريا )
( ولولاك لم تنهل غصون من القنا ... وكانت إلى ورد الدماء صواديا )
( فأثمر فيها النصل نصرا مؤزرا ... وأجنى قطاف الفتح غضا ودانيا )
( ومهما غدا سفاح سيفك عاريا ... يغادر وجه الأرض بالدم كاسيا )

( قضى الله من فوق السموات أنه ... على من أبى الإسلام في الأرض قاضيا )
( فكم معقل للكفر صبحت أهله ... بجيش أعاد الصبح أظلم داجيا )
( رقيت إليه والسيوف مشيحة ... قد بلغت فيه النفوس التراقيا )
( ففتحت مرقاه الممنع عنوة ... وبات به التوحيد يعلو مناديا )
( وناقوسه بالقسر أمسى معطلا ... ومنبره بالذكر أصبح حاليا )
( عجائب لم تخطر ببال وإنما ... ظفرنا بها عن همة هي ما هيا )
( فمنك استفاد الدهر كل عجيبة ... يباهي بها الأملاك أخرى لياليا )
( وعنك يروي الناس كل غريبة ... تخط على صفح الزمان الأماليا )
( ولله مبناك الجميل فإنه ... يفوق على حكم السعود المبانيا )
( فكم فيه الأبصار من متنزه ... تجد به نفس الحليم الأمانيا )
( وتهوى النجوم الزهر لو ثبتت به ... ولم تك في أفق السماء جواريا )
( ولو مثلت في سابقيه لسابقت ... إلى خدمة ترضيك منها الجواريا )
( به البهو قد حاز البهاء وقد غدا ... به القصر آفاق السماء مباهيا )
( وكم حلة جللته بحليها ... من الوشي تنسي السابري اليمانيا )
( وكم من قسي في ذراه ترفعت ... على عمد بالنور باتت حواليا )
( فتحسبها الأفلاك دارت قسيها ... تظل عمود الصبح إذ بات باديا )
( سواري قد جاءت بكل غريبة ... فطارت بها الأمثال تجري سواريا )
( به المرمر المجلو قد شف نوره ... فيجلو من الظلماء ما كان داجيا )
( إذا ما أضاءت بالشعاع تخالها ... على عظم الأجرام منها لآليا )
( به البحر دفاع العباب تخاله ... إذا ما انبرى وفد النسيم مباريا )
( إذا ما جلت أيدي الصبا متن صفحه ... أرتنا دروعا أكسبتنا الأياديا )

( وراقصة في البحر طوع عنانها ... تراجع ألحان القيان الأغانيا )
( إذا ما علت في الجو ثم تحدرت ... تحلي بمرفض الجمان النواحيا )
( بذوب لجين سال بين جواهر ... غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا )
( تشابه جار للعيون بجامد ... فلم أدر أيا منهما كان جاريا )
( فإن شئت تشبيها له عن حقيقة ... تصيب بها المرمى وبوركت راميا )
( فقل أرقصت منها البحيرة متنها ... كما يرقص المولود من كان لاهيا )
( أرتنا طباع الجود وهي وليدة ... ولم ترض في الإحسان إلا تغاليا )
( سقت ثغر زهر الروض عذب برودها ... وقامت لكي تهدي إلى الدهر ساقيا )
( كأن قد رأت نهر المجرة ناضبا ... فرامت بأن تجري إليه السواقيا )
( وقامت بنات الدوح فيه مواثلا ... فرادى ويتلو بعضهن مثانيا )
( رواضع في حجر الغرام ترعرعت ... وشبت فشبت حبها في فؤاديا )
( بها كل ملتف الغدائر مسبل ... تجيل به أيدي النسيم مداريا )
( وأشرف جيد الغصن فيها معطلا ... فقلدت النوار منه التراقيا )
( إذا ما تحلت در زهر غروسه ... يبيت لها النمام بالطيب واشيا )
( مصارفة النقدين فيها بمثلها ... أجاز بها النقدين منها كما هيا )
( فإن ملأت كف النسيم بمثلها ... دراهم نور ظل عنها مكافيا )
( فيملأ حجر الروض حول غصونها ... دنانير شمس تترك الروض حاليا )
( تغرد في أفنانها الطير كلما ... تجس به أيدي القيان الملاهيا )
( تراجعها سجعا فتحسب أنها ... بأصواتها تملي عليها الأغانيا )

( فلم ندر روضا منه أنعم نضرة ... وأعطر أرجاء وأحلى مجانيا )
( ولم نر قصيرا منه أعلى مظاهرا ... وأرفع آفاقا وأفسح ناديا )
( معاني من نفس الكمال انتقيتها ... وزينت منها بالجمال المغانيا )
( وفاتحت مبناه بعيد شرعته ... تبث به في الخافقين التهانيا )
( ولما دعوت الناس نحو صنيعه ... أجابوا لهم من جانب الغور داعيا )
( وأموه من أقصى البلاد تقربا ... وما زال منك السعد يدني الأقاصيا )
( وأذكرت يوم العرض جودا ومنعة ... بموقف عرض كنت فيه المجازيا )
( جزيت به كلا على حال سعيه ... فما غرست يمناه اصبح جانيا )
( وأطلعت من جزل الوقود هوادجا ... تذكر يوم النفر من كان ساهيا )
( وحين غدا يذكي ببابك للقرى ... فلا غرو أن أجريت فيه المذاكيا )
( وطامحة في الجو غير مطالة ... يرد مداها الطرف أحسر عانيا )
( تمد لها الجوزاء كف مسارع ... ويدنو لها بدر السماء مناجيا )
( ولاعجب أن فاتت الشهب بالعلا ... وأن جاوزت منها المدى المتناهيا )
( فبين يدي مثواك قامت لخدمة ... ومن خدم الأعلى استفاد المعاليا )
( وشاهد ذا أني ببابك واقف ... وقد حسدت زهر النجوم مكانيا )
( وقد أرضعت ثدي الغمائم قبلها ... بحجر رياض كن فيه نواشيا )
( فلما أبينت عن قراره أصلها ... أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا )
( وعدت لقاء السحب عيدا وموسما ... لذاك اغتدت بالزمر تلهي الغواديا )
( فأضحكت البرق الطروب خلالها ... وباتت لأكواس الدراري معاطيا )
( رأت نفسها طالت فظنت بأنها ... تفوت على رغم اللحاق المراميا )

( فخفت إليها الذابلات كأنها ... طيور إلى وكر أطلن تهاويا )
( حكت شبها للنحل والنحل حوله ... عصي إلى مثواه تهوي عواليا )
( فمن مثبت منها الرمية مدرك ... ومن طائش في الجو حلق وانيا )
( وحصن منيع في ذراها قد ارتقى ... فأبعد في الجو الفضاء المراقيا )
( كأن بروق الجو غارت وقد أرت ... بروج قصور شدتهن سواميا )
( فأنشأت برجا صاعدا متنزلا ... يكون رسولا بينهن مداريا )
( تطور حالات أتى في ضروبها ... بأنواع حلي تستفز الغوانيا )
( فحجل برجليها وشاح بخصرها ... وتاج إلى ما حل منها الأعاليا )
( وما هو إلا طير سعد بذروة ... غدا زاجرا من أشهب الصبح بازيا )
( أمولاي يا فخر الملوك ومن به ... سيبلغ دين الله ما كان راجيا )
( بنوك على حكم السعادة خمسة ... وذا عدد للعين ما زال واقيا )
( تبيت لهم كف الثريا معيذة ... ويصبح معتل النواسم راقيا )
( أسام عليها للسعادة ميسم ... ترى العز فيها مستكنا وباديا )
( جعلت أبا الحجاج فاح طرسهم ... وقد عرفت منك الفتوح التواليا )
( وحسبك سعد ثم نصر يليهم ... محمد الأرضى فلا زلت راضيا )
( أقمت به من فطرة الدين سنة ... وجددت من رسم الهداية عافيا )
( وجاءوا به ملء العيون وسامة ... يقبل وجه الأرض أزهر باهيا )
( فيا عاذرا ما كان أجرا مثله فمثلك لا يدمي الأسود الضواريا )
( وجاءتك من مصر التحايا كرائما ... فما فتقت أيدي التجار الغواليا )

( ووافتك من أرض الحجاز تميمة ... تتمم صنع الله لا زال باديا )
( وناداك بالتمويل سلطان طيبة ... فيا طيب ما أهدى إليك مناديا )
( وقام وقد وافى ضريح محمد ... لسلطانك الأعلى هنالك داعيا )
( سريرتك الرحمى جزاك بسعيها ... إله يوفي بالجزاء المساعيا )
( فوالله لولا سنة نبوية ... عهدناه مهديا إليها وهاديا )
( وعذر من الإعذار قرر حكمه ... من الشرع أخبار رفعن عواليا )
( لراعت بها للحرب أهوال موقف ... تشيب بمبيض النصول العواليا )
( لك الحمد فيه من صنيع تعده ... فثالثه في الفخر عزز ثانيا )
( تشد له الجوزاء عقد نطاقها ... لتخدم فيه كي تنال المعاليا )
( وهنيت بالأمداح فيه وقد غدا ... وجودك فيه بالإجادة وافيا )
( ودونك من بحر البيان جواهرا ... كرمن فما يشرين إلا غواليا )
( وطاردت فيها وصف كل غريبة ... فأعجزت من يأتي ومن كان ماضيا )
( فيا وارث الأنصار لا عن كلالة ... تراث جلال يستخف الرواسيا )
( بأمداحه جاء الكتاب مفصلا ... يرتله في الذكر من كان تاليا )
( لقد عرف الإسلام مما أفدته ... مكارم أنصارية وأياديا )
( عليك سلام الله فاسلم مخلدا ... تجدد أعيادا وتبلي أعاديا )
ثم قال ومن ذلك في الصنيع المختص بالأمراء الجلة أخينا المعز لدولتنا أبي الحسن وأخينا أبي العباس وابن عمنا أبي عبد الله وصل الله تعالى سعودهم
ولقد ابدع في تشييده وتأسيسه وبسط يد الحسن من براعته وتخميسه وذلك

على ذكر عودة مولانا رحمة الله تعالى عليه من سبتة لما عادت إلى ملكه
( أرقت لبرق مثل جفني ساهرا ... ينظم من قطر الغمام جواهرا )
( فيبسم ثغر الروض قد عنه أزاهرا ... وصبح حكى وجه الخليفة باهرا )
( تجسم من نور الهدى وتجسدا ... )
( شفاني معتل النسيم إذا انبرى ... وأسند عن دمعي الحديث الذي جرى )
( وقد فتق الأرجاء مسكا وعنبرا ... كأن الغني بالله في الروض قد سرى )
( فهبت به الأرواح عاطرة الردا ... )
( عذيري من قلب إلى الحسن قد صبا ... تهيجه الذكرى ويصبو إلى الصبا )
( ويجري جياداللهو في ملعب الصبا ... ولولا ابن نصر ما أفاق وأعتبا )
( رأى وجهه صبح الهداية فاهتدى ... )
( إليك أمير المسلمين شكاية ... جنى الحسن فيها للقلوب جناية )
( وأعظم فيها بالعيون نكاية ... وأطلع في ليل من الشعر آية )
( محيا جميلا بالصباح قد ارتدى ... )
( بهديك تهدى النيرات وتهتدي ... وأنواؤها جدوى يمينك تجتدي )
( وعدلك للأملاك أوضح مرشد ... بآثاره في مشكل الأمر تقتدي )
( فما بال سلطان الجمال قد اعتدى ... )
( نحكم منا في نفوس ضعيفة ... وسل سيوفا من جفون نحيفة )
( ألم يدر أنا في ظلال خليفة ... ودولة أمن لا تراع منيفة )
( بها قد رسا دين الهوى وتمهدا ... )

( خذوا بدم المشتاق لحظا أراقه ... وبرقا بأعلام الثنية شاقه )
( وإن كلفوه فوق ما قد أطاقه ... يبث حديثاما ألذ مساقه )
( خليفتنا المولى الإمام محمدا ... )
( تقلد حكم العدل دينا ومذهبا ... وجور الليالي قد أزاح وأذهبا )
( فيا عجبا للشوق أذكى وألهبا ... وسل صباحا صارم البرق مذهبا )
( وقد بات في جفن الغمامة مغمدا ... )
( يذكرني ثغرا لأسماء أشنبا ... إذا ابتسمت تجلو من الليل غيهبا )
( كعزم أمير المسلمين إذا احتبى ... وأجرى به طرفا من الصبح أشهبا )
( وأصدر في ذات الإله وأوردا ... )
( فسبحان من أجرى الرياح بنصره ... وعطر أنفاس الرياض بشكره )
( فبرد الصبا يطوى على طيب نشره ... ومهما تجلى وجهه وسط قصره )
( ترى هالة بدر السماء بها بدا ... )
( إمام أفاد المعلوات زمانه ... فما لحقت زهر النجوم مكانه )
( ومد على شرق وغرب أمانه ... ولا عيب فيه غير أن بنانه )
( تغرق مستجديه في أبحر الندى ... )
( هو البحر مد العارض المتهللا ... هو البدر لكن لا يزال مكملا )
( هو الدهر لا يخشى الخطوب ولا ولا ... هو العلم الخفاق في هضبة العلا )
( هو الصارم المشهور في نصره الهدى )
( أماوالذي أعطى الوجود وجوده ... وأوسع من فوق البسيطة جوده )
( لقد أصحب النصر العزيز بنوده ... ومد بأملاك السماء جنوده )
( وأنجز للإسلام بالنصر موعدا ... )

( أمولاي قد أنجحت رأيا وراية ... ولم تبق في سبق المكارم غاية )
( فتهدي سجايا كابن رشد نهاية ... وإن كان هذا السعد منك بداية )
( سيبقى على مر الزمان مخلدا ... )
( سعودك تغني عن قراع الكتائب ... وجودك يزري بالغمام السواكب )
( ووإن زاحمتها شهبها بالمناكب ... ووجهك بدر المنتدى والمواكب )
( وقد فسحت في الفخر أبناؤك المدى ... )
( بنوك كأمثال الأنامل عدة ... أعدت لما يخشى من الدهر عدة )
( وزيد بهم برد الخلافة جدة ... أطال لهم في ظل ملكك مدة )
( إله يطيل العمر منك مؤبدا ... )
( بدور بأوصاف الكمال استقلت ... غمام بفياض النوال استهلت )
( سيوف على الأعداء بالنصر سلت ... نجوم بآفاق العلاء تجلت )
( ولاحت كما شاءت سعودك اسعدا ... )
( وإن أبا الحجاج سيفك منتضى ... وبدر بآفاق الجمال تعرضا )
( بنورك يا شمس الخلافة قد أضا ... وراقت على أعطافه حلل الرضى )
( فحل محلا من علاك ممهدا ... )
( مليك له تعنو الملوك جلالة ... يجرر أذيال الفخار مطالة )
( وتفرق أسد الغاب منه بسالة ... وترضاه أنصار الرسول سلالة )
( فأبناؤه طابوا فروعا ومحتدا ... )
( أزاهر في روض الخلافة أينعت ... زواهر في أفق العلاء تطلعت )

( جواهر أغيت في الجمال وأبدعت ... وعن قيمة الأعلاق قدرا ترفعت )
( يسر بها الإسلام غيبا ومشهدا ... )
( بعهد ولي العهد كرم عهده ... وأنجز في تخليد ملكك وعده )
( تنظم منهم تحت شملك عقده ... وأورثهم فخرا أبوه وجده )
( فأعلى عليا حين أحمد أحمدا ... )
( تحوط بهم ملكا عزيزا وملة ... وتلحظ عين السعد منهم أهلة )
( ستبدو على أفق العلا مستقلة ... وسحبا بفياض العلا مستهلة )
( تفجر بحرا للسماحة مزبدا ... )
( ونجلك نصر يقتفي نجل رسمه ... أمير يزين العقل راجح حلمه )
( أتاك بنجل يستضاء بنجمه ... لحب رسول الله سماه باسمه )
( وباسمك في هذي الموافقة اقتدى ... )
( أقمت بإعذار الإمارة سنة ... وطوقت من حلي بفخرك منة )
( وأسكنتها في ظل برك جنة ... وألحفتها برد امتنانك جنة )
( وعمرت منها بالتلاوة مسجدا ... )
( فلله عينا من رآهم تطلعوا ... غصونا بروض الجود منك ترعرعوا )
( وفي دوحة العلياء منك تفرعوا ... ملوك بجلباب الحياء تقنعوا )
( أضاء بهم من أفق قصرك منتدى ... )
( وقد أشعروا الصبر الجميل نفوسهم ... وأضفوا به فوق الحلي لبوسهم )
( وقد زينوا بالبشر فيه شموسهم ... وعاطوا كؤوس الأنس فيه جليسهم )
( وأبدوا على هول المقام تجلدا ... )

( شمائل فيهم من أبيهم وجدهم ... تفصل آي الفخر فيها بحمدهم )
( وتنسبها الأنصار قدما لسعدهم ... تضيء بها نورا مصابيح سعدهم )
( ولم لا ومن صحب الرسول توقدا ... )
( فوالله لولا سنة قد أقمتها ... وسيرة هدي للنبي علمتها )
( وأحكام عدل للجنود رسمتها ... لجالت بها الأبطال تقصد سمتها )
( وتترك أوصال الوشيج مقصدا ... )
( ويا عاذرا أبدى لنا الشرع عذره ... طرقت حمى قد عظم الله قدره )
( وأجريت طيبا يحسد الطيب نشره ... لقذ جئت ما تستعظم الصيد أمره )
( وتفديه إن يقبل خليفتها فدا ... )
( رعى الله منها دعوة مستجابة ... أفادت نفوس المخلصين إنابة )
( ولم تلف من دون القبول حجابة ... وعاذرها لم يبد عذرا مهابة )
( فأوجب عن نقص كمالا تزيدا ... )
( فنقص كمال المال وفر نصابه ... وما السيف إلا بعد مشق ذبابه )
( وما الزهر إلا بعد شق إهابه ... بقطع يراع الخط حسن كتابه )
( وبالقص يزداد الذبال توقدا ... )
( ولما قضوا من سنة الشرع واجبا ... ولم نلق من دون الخلافة حاجبا )
( أفضنا نهني منك جذلان واهبا ... أفاض علينا أنعما ومواهبا )
( تعود بذل الجود فيما تعودا ... )
( هنيئا هنيئا قد بلغت مؤملا ... وأطلعت نورا يبهر المتأملا )

( وأحرزت أجر المنعمين مكملا ... تبارك من أعطى جزيلا وأجملا )
( وبلغ فيك الدين والملك مقصدا ... )
( ألا في سبيل العز والفخر موسم ... يظل به ثغر المسرة يبسم )
( وعرف الرضى من جوه يتنسم ... وأرزاق أرباب السعادة تقسم )
( ففي وصفه ذهن الذكي تبلدا ... )
( وجللت في هذا الصنيع مصانعا ... تمنى بدور التم منها مطالعا )
( وأبديت فيها للجمال بدائعا ... وأجريت للإحسان فيها مشارعا )
( يود بها نهر المجرة موردا )
( وأجريت فيها الخيل وهي سوابق ... وإن طلبت في الروع فهي لواحق )
( نجوم وآفاق الطراد مشارق ... يفوت التماح الطرف منها بوارق )
( إذا ما تجاري الشهب تستبق المدى ... )
( وتطلع في ليل القتام كواكبا ... وقد وردت نهر النهار مشاربا )
( تقود إلى الأعداء منها كواكبا ... فترسم من فوق التراب محاربا )
( تحور رؤوس الروم فيهن سجدا ... )
( سوايح بالنصر العزيز سوانح ... وهن لأبواب الفتوح فواتح )
( تقود إليك النصر والله مانح ... فما زلت باب الخير والله فاتح )
( وما تم شيء قد عدا بعد ما بدا ... )
( رياح لها مثنى البروق أعنة ... ظباء فإن جن الظلام فجنة )
( تقيها من البدر المتمم جنة ... وتشرع من زهر النجوم أسنة )
( فتقذف شهب الرجم في أثغر العدا ... )

( فأشهب من نسل الوجيه إذا انتمى ... جرى فشأى شهب الكواكب في السما )
( وخلف منها في المقلد أنجما ... تردى جمالا بالصباح وربما )
( يقول له الإصباح نفسي لك الفدا ... )
( وأحمر قد أذكى به البأس جمرة ... وقد سلب الياقوت والورد حمرة )
( أدار به ساق من الحرب خمرة ... وأبدى حبابا فوقها الحسن غرة )
( يزين بها خدا أسيلا موردا ... )
( وأشقر مهما شعشع الركض برقه ... أعار جواد البرق في الأفق سبقه )
( بدا شفقا قد جلل الحسن أفقه ... ألم تر أن ألله أبدع خلقه )
( فسال على أعطافه الحسن عسجدا ... )
( وأصفر قد ود الأصيل جماله ... وقد قد من برد العشي جلاله ( إذا أسرجوا جنح الظلام ذباله ... فغرته شمس تضيء مجاله )
( وفي ذيله ذيل الظلام قد ارتدى ... )
( وأدهم في مسح الدجى متجرد ... يجيش بها بحر من الليل مزبد )
( وغرته نجم به تتوقد ... له البدر سرج والنجوم مقلد )
( وفي فلق الصبح المبين تقيدا ... )
( وأبيض كالقرطاس لاح صباحه ... على الحسن مغداه وفيه مراحه )
( وللظبيات الآنسات مراحه ... تراه كنشوان أمالته راحه )
( وتحسبه وسط الجمال معربدا ... )

( وذاهبة في الجو ملء عنانها ... وقد لفعتها السحب برد عنانها )
( يفوت ارتداد الطرف لمح عيانها ... وختمت الجوزاء سبط بنانها )
( وصاغت لها حلي النجوم مقيدا ... )
( أراها عمود الصبح علو المصاعد ... وأوهمها قرب المدى المتباعد )
( ففاتته سببقا في مجال الرواعد ... وأتحفت الكف الخضيب بساعد )
( فطوقت الزهر النجوم بها يدا ... )
( وقد قذفتها للعصي حواصب ... قد انتشرت في الجو منها ذوائب )
( تزاور منها في الفضاء حبائب ... فبينهما من قبل ذاك مناسب )
( لأنهما في الروض قبل تولدا ... )
( بنات لأم قد حبين لروحها ... دعاها الهوى من بعد كتم لبوحها )
( فأقلامها تهوي لخط بلوحها ... فبالأمس كانت بعض أغصان دوحها )
( فعادت إليها اليوم من بعد عودا ... )
( ويا رب حصن في ذراها قد اعتلى ... أنارت بروج الأفق في مظهر العلا )
( بروج قصور شدتها متطولا ... فأنشأت برجا صاعدا متنزلا )
( يكون رسولا بينهما مترددا ... )
( وهل هي إلا هالة حول بدرها ... يصوغ لها حليا يليق بنحرها )
( تطور أنواعا تشيد بفخرها ... فحجل برجليها وشاح بخصرها )
( وتاج بأعلى رأسها قد تنضدا ... )

( أراد استراق السمع وهو ممنع ... فقام بأذياك الدجى يتلفع )
( وأصغى لأخبار السما يتسمع ... فأتبعه منها ذوابل شرع )
( لتقذفه بالرعب مثنى وموحدا ... )
( وما هو إلا قائم مد كفه ... ليسأل من رب السموات لطفه )
( لمولى تولاه وأحكم رصفه ... وكلف أرباب البلاغة وصفه )
( وأكرم منه القانت المتهجدا ... )
( ملاقي ركب من وفود النواسم ... مقبل ثغر للبروق البواسم )
( مختم كف بالنجوم العواتم ... مبلغ قصد من حضور المواسم )
( تجدده مهما صنيع تجددا ... )
( ومضطرب في الجو أثبت قامة ... تقدم يمشي في الهواء كرامة )
( تطلع في غصن الرشاء كمامة ... وتحسبه تحت الغمام غمامة )
( يسيل على أعطافها عرق الندى ... )
( هوى واستوى في حالة وتقلبا ... كخاطف برق قد تألق خلبا )
( وتحسبه قد دار في الأفق كوكبا ... ومهما مشى واستوقف العقل معجبا )
( تقلب فيه العين لحظا مرددا ... )
( لقد رام يرقى للسماء بسلم ... فيمشي على خط به متوهم )
( أجل في الذي يبديه فكر توسم ... ترى طائرا قد حل صورة آدمي )
( وجنا بمهواة الفضاء تمردا ... )
( ومنتسب للخال سموه ملجما ... له حكمات حكمها فاه ألجما )
( تخالف جنسا والداه إذا انتمى ... كما جنسه أيضا تخالف عنهما )
( عجبت له إذ لم يلد وتولدا ... )

( ثلاثتها في الذكر جاءت مبينة ... من اللاء سماها لنا الله زينة )
( وأنزل فيها آية مستبينة ... وأودع فيها للجهول سكينة )
( وآلاءه فيها على الخلق بددا ... )
( كسوه من الوشي اليماني هودجا ... يمد على ما فوقه الظل سجسجا )
( وكم صورة تجلى به تبهر الحجى ... وجزل وقود ناره تصدع الدجى )
( وقلب حسود غاظ مذكيه موقدا ... )
( وما هي إلا مظهر لجهاده ... أرتنا بها الأفراح فضل اجتهاده )
( ملاعبها هزت قدود صعاده ... وأذكرت الأبطال يوم طراده ) ( فما ارتبت فيه اليوم صدقته غدا ... )
( ألا جدد الرحمن صنعا حضرته ... ودوح الأماني في ذراه هصرته )
( بقصر طويل الوصف فيه اختصرته ... يقيد طرف الطرف مهما نظرته )
( ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا ... )
( دعوت له الأشراف من كل بلدة ... فجاءوا بآمال لهم مستجدة )
( وخصوا بألطاف لديه معدة ... أياد بفياض الندى مستمدة )
( فكلهم من فضله قد تزودا ... )
( وجاءتك من آل النبي عصابة ... لها في مرامي المكرمات إصابة )
( أحبتك حبا ليس فيه استرابة ... ولبت دواعي الفوز منها إجابة )
( وناداهم التخصيص فابتدروا الندا ... )
( أجازوا إليك البحر والبحر يزخر ... لبحر سماح مده ليس يجزر )

( فرواهم من عذب جودك كوثر ... وواليت من نعماك ما ليس يحصر )
( وعظمتهم ترجو النبي محمدا ... )
( عليه صلاة الله ثم سلامه ... به طاب من هذا النظام اختتامه )
( وجاء بحمد الله حلوا كلامه ... يعز على أهل البيان مرامه )
( وتمسي له زهر الكواكب حسدا ... )
( أبث به حادي الركاب مشرقا ... حديث جهاد للنفوس مشوقا )
( رميت به من بالعراق مفوقا ...
( وأرسلت منه بالبديع مطوقا )
( حماما على دوح الثناء مغردا ... )
( ركضت به خيل البيان إلى مدى ... فأحرزت خصل السبق في حلبة الهدى )
( ونظمت من نظم الدراري مقلدا ... وطوقت جيد الفخر عقدا منضدا )
( وقمت به بين السماطين منشدا ... )
( نسقت من الإحسان فيه فرائدا ... وأرسلت في روض المحاسن رائدا )
( وقلدت عطف الملك منه قلائدا ... تعودت فيه للقبول عوائدا )
( فلا زلت للفعل الجميل معودا ... )
( ولا زلت للصنع الجميل مجددا ... ولا زلت للفخر العظيم مخلدا )
( وعمرت عمرا لا يزال مجددا ... وعمرت بالأبناء أوحد أوحدا )
( وقرت بهم عيناك ما سائق حدا ... )
وقال في عيد
( بشرى كما وضح الزمان وأجمل ... يغشى سناها كل من يتهلل )

( أبدى لها وجه النهار طلاقة ... وافتر من ثغر الأقاح مقبل )
( ومنابر الإسلام يا ملك الورى ... بحلاك أو بحليها تتكلل )
( تجلو لنا الأكوان منك محاسنا ... تروى على مر الزمان وتنقل )
( فالشمس تأخذ من جبينك نورها ... والبشر منك بوجهها يتهلل )
( والروض ينفح من ثنائك طيبه ... والورق فيه بالممادح تهدل )
( والبرق سيف من سيوفك منتضى ... والسحب تهمي من يديك وتهمل )
( يا أيها الملك الذي أوصافه ... در على جيد الزمان يفصل )
( الله أعطاك التي لا فوقها ... وحباك بالفضل الذي لا يجهل )
( وجه كما حسر الصباح نقابه ... لضيائه تعشو البدور الكمل )
( تلقاه في يوم السماحة والوغى ... والبشر في جنباته يتهلل )
( كف أبت أن لا تكف عن الندى ... أبدا فإن ضن الحيا تسترسل )
( وشمائل كالروض باكره الحيا ... وسرت برياه الصبا والشمأل )
( خلق ابن نصر في الجمال كخلقه ... ما بعدها من غاية تستكمل )
( نور على نور بأبهى منظر ... في حسنه لمؤمل ما يأمل )
( فاق الملوك بسيفه وبسيبه ... فبعدله وبفضله يتمثل )
( وإذا تطاول للعميد عميدهم ... فله عليه تطاول وتطول )
( يا آية الله التي أنوارها ... يهدى بها قصد الرشاد الضلل )
( قل للذي التبست معالم رشده ... هيهات قد وضح الطريق الأمثل )
( قد ناصح الإسلام خير خليفة ... وحمى عزيز الملك أغلب مشبل )
( فلقد ظهرت من الكمال بمستوى ... ما بعده لذوي الخلافة مأمل )

( وعناية الله اشتملت رداءها ... وعلقت منها عروة لا تفصل )
( فالجود إلا من يديك مقتر ... والغيث إلا من نداك مبخل )
( والعمر إلا تحت ظلك ضائع ... والعيش إلا في جنابك ممحل )
( حيث الجهاد قد اعتلت راياته ... حيث المغانم للعفاة تنفل )
( حيث القباب الحمر ترفع للقرى ... قد عام في أرجائهن المندل )
( يا حجة الله التي برهانها ... عز المحق به وذل المبطل )
( قل للذي ناواك يرقب يومه ... فوراءه ملك يقول ويفعل )
( والله جل جلاله إن أمهلت ... أحكامه مستدرجا لا تهمل )
( يا ناصر الإسلام وهو فريسة ... أسد الفلا من حولها تتسلل )
( يا فخر أندلس وعصمة أهلها ... لك فيهم النعمى التي لا تجهل )
( لا يهمل الله الذين رعيتهم ... فلأنت أكفى والعناية أكفل )
( لا يبعد النصر العزيز فإنه ... آوى إليك وأنت نعم الموثل )
( لولا نداك لها لما نفع الندى ... ولجف من ورد الصنائع منهل )
( لولاك كان الدين يغمط حقه ... ولكان دين النصر فيه يمطل )
( لكن جنيت الفتح من شجر القنا ... وجنى الفتوح لمن عداك مؤمل )
( ولقبل ما استفتحت كل ممنع ... من دونه باب المطامع مقفل )
( ومتى نزلت بمعقل متأشب ... فالعصم من شعفاته تستنزل )
( وإذا غزوت فإن سعدك ضامن ... أن لا تخيب وأن قصدك يكمل )
( فمن السعود أمام جيشك موكب ... ومن الملائك دون جندك جحفل )

( وكتيبة أردفتها بكتيبة ... والخيل تمرح في الحديد وترفل )
( من كل منحفز كلمعة بارق ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل )
( أوفى بهاد كالظليم وخلفه ... كفل كما ماج الكثيب الأهيل )
( حي إذا ملك الكمي عنانه ... يهوي كما يهوي بجو أجدل )
( حملت اسود كريهة يوم الوغى ... ما غابها إلا الوشيج الذبل )
( لبسوا الدروع غدائرا مصقولة ... والسمر قضب فوقها تتهدل )
( من كل معتدل القوام مثقف ... لكنه دون الضريبة يعسل )
( أذكيت فيه شعلة من نصله ... يهدى بها إن ضل عنه المقتل )
( ولرب لماع الصقال مشهر ... ماض ولكن فعله مستقبل )
( رقت مضاربه وراق فرنده ... فالحسن فيه مجمل ومفصل )
( فإذا الحروب تسعرت أجزالها ... ينساب في يمناك منها جدول )
( وإذا دجا ليل القتام رأيته ... وكأنه فيه ذبال مشعل )
( فاعجب لها من جذوة لا تنطفي ... في أبحر زخرت وهن الأنمل )
( هي سنة أحييتها وفريضة ... أديتها قرباتها تتقبل )
( فإذا الملوك تفاخرت بجدودها ... فلأنت أحفى بالجهاد وأحفل )
( يا ابن الذين جمالهم ونوالهم ... شمس الضحى والعارض المتهلل )
( يا ابن الإمام ابن الإمام ابن الإما ... م ابن الإمام وقدرها لا يجهل )
( آباؤك الأنصار تلك شعارهم ... فلحيهم آوى النبي المرسل )
( فهم الألى نصروا الهدى بعزائم ... مصقولة وبصائر لا تخذل )
( ماذا يحبر شاعر في مدحهم ... وبفضلهم أثنى الكتاب المنزل )
( مولاي لا أحصي مآثرك التي ... بحديثها تنضى المطي الذلل )

( وإذا الحقائق ليس يدرك كنهها ... سيان فيها مكثر ومقلل )
( فإليك من شوال غرة وجهه ... أهداكها يوم أغر محجل )
( عذراء راق العيد رونق حسنها ... فغدا بنظم حليها يتجمل )
( رضعت لبان العلم في حجر النهى ... فوفت لها منه ضروع حفل )
( سلك البيان بها سبيل إجادة ... لولا صفاتك كان عنها يعدل )
( جاءت تهني العيد أيمن قادم ... وافى بشهر صيامه يتوسل )
( وطوى الشهور مراحلا معدودة ... كيما يرى بفناء جودك ينزل )
( وأتى وقد شف النحول هلاله ... ولشوقه للقاء وجهك ينحل )
( عقدت بمرقبه العيون مسرة ... فمكبر لطلوعه ومهلل )
( فاسلم لألف مثله في غبطة ... ظل المنى من فوقه يتهدل )
( فإذا بقيت لنا فكل سعادة ... في الدين والدنيا بها تتكفل )
وقال ابن الأحمر ومن جياد أناشيده المتميزة بالسبقية وبارقات تهانيه في المواسم العقيقية قوله يهنئه رضوان الله تعالى عليه بطلوع مولانا الوالد قدس الله تعالى روحه
( طلع الهلال وأفقه متهلل ... فمكبر لطلوعه ومهلل )
( أوفى على وجه الصباح بغرة ... فغدا الصباح بنوره يتجمل )
( شمس الخلافة قد أمدت نوره ... وبسعدها يرجو التمام ويكمل )
( لله منه هلال سعد طالع ... لضيائه تعشو البدر الكمل )
( وألحت يا شمس الهداية كوكبا ... يعشي سناه كل من يتأمل )
( والتاج تاج البدر في أفق العلا ... ما زال بالزهر النجوم يكلل )

( ولئن حوى كل الجمال فإنه ... بالشهب أبهى ما يكون وأجمل )
( أطلعت يا بدر السماح هلاله ... والملك أفق والخلافة منزل )
( يبدو بهالات السروج وإنه ... من نور وجهك في العلا يستكمل )
( قلدت عطف الملك منه صارما ... بغنائه ومضائه يتمثل )
( حليته بحلى الكمال وجوهرال ... النفيس وكل خلق يجمل )
( يغزو أمامك والسعود أمامه ... وملائك السبع العلا تتنزل )
( من مبلغ الأنصار منه بشارة ... غر البشائر بعدها تسترسل )
( أحيا جهادهم وجدد فخرهم ... بعد المئين فملكهم يتأثل )
( فبه إلى الأجر الجزيل توصلوا ... وبهم إلى رب السما يتوسل )
( من مبلغ الأذواء من يمن وهم ... قد توجوا وتملكوا وتقيلوا )
( أن الخلافة في بنيهم أطلعت ... قمرا به سعد الخليقة يكمل )
( من مبلغ قحطان آساد الشرى ما غابها إلا الوشيج الذبل )
( أن الخلافة وهو شبل ليوثهم ... قد حاط منها الدين ليث مشبل )
( يهني بني الأنصار أن إمامهم ... قد بلغته سعوده ما يأمل )
( يهني البنود فإنها ستظله ... وجناح جبريل الأمين يظلل )
( يهني الجياد الصافنات فإنها ... بفتوحه تحت الفوارس تهدل )
( يهني المذاكي والعوالي والظبي ... فبها إلى نيل المنى يتوصل )
( يهني المعالي والمفاخر أنه ... في مرتقى أوج العلا يتوقل )
( سبقت مقدمة الفتوح قدومه ... وأتاك وهو الوادع المتمهل )
( وبدت نجوم السعد قبل طلوعه ... تجلو المطامع قبله وتؤثل )

( وروت أحاديث الفتوح غرائبا ... والنصر يملي والبشائر تنقل )
( ألقت إإليك به السعود زمامها ... فالسعد يمضي ما تقول ويفعل )
( فالفتح بين معجل ومؤجل ... ينسيك ماضيه الذي يستقبل )
( أوليس في شأن المشير دلالة ... أن المقاصد من طلابك تكمل )
( ناداهم داعي الضلال فأقبلوا ... ودعاهم داعي المنون فجدلوا )
( عصوا الرسول إباية وتحكمت ... فيهم سيوفك بعدها فاستمثلوا )
( كانوا جبالا قد علت هضباتها ... نسفتهم ريح الجلاد فزلزلوا )
( كانوا بحارا من حديد زاخر ... أذكتهم نار الوغى فتسيلوا )
( ركبت أرجلها الأداهم كلما ... يتحركون إلى قيام تصهل )
( كان الحديد لباسهم وشعارهم ... واليوم لم تلبسه إلا الأرجل )
( الله أعطاك التي لا فوقها ... فتحا به دين الهدى يتأثل )
( جددت للأنصار حلي جهادها ... فالدين والدنيا به تتجمل )
( من يتحف البيت العتيق وزمزما ... والوفد وفد الله فيه ينزل )
( متسابقين إلى مثابة رحمة ... من كل ما حدب إليه تنسل )
( هيما كأفواج القطا قد ساقها ... ظمأ شديد والمطاف المنهل )
( من كل مرفوع الأكف ضراعة ... والقلب يخفق والمدامع تهمل )
( حتى إذا روت الحديث مسلسلا ... بيض الصوارم والرماح العسل )
( من فتحك الأسنى عن الجيش الذي ... بثباته أهل الوغى تتمثل )
( أهدتهم السراء نصرة دينهم ... واستبشروا بحديثها وتهللوا )
( وتناقلوا عنك الحديث مسرة ... بسماعه واهتز ذاك المحفل )
( ودعوا بنصرك وهو أعظم مفخرا ... إن الحجيج بنصر ملكك يحفل )

( فاهنأ بملكك واعتمد شكرا به ... لطف الإله وصنعه تتخول )
( شرفت منه باسم والدك الرضى ... يحيا به منه الكريم المفضل )
( أبديت من حسن الصنيع عجائبا ... تروى على مر الزمان وتنقل )
( خفقت به أعلامك الحمر التي ... بخفوقها النصر العزيز موكل )
( هدرت طبول العز تحت ظلالها ... عنوان فتح إثرها يستعجل )
( ودعوت أشراف البلاد وكلهم ... يثني الجميل وصنع جودك أجمل )
( وردوا ورود الهيم أجهدها الظما ... فصفا لهم من ورد كفك منهل )
( وأثرت فيه للطراد فوارسا ... مثل الشموس وجوههم تتهلل )
( من كل وضاح الجبين كأنه نجم وجنح النقع ليل مسبل )
( يرد الطراد على أغر محجل ... في سرجه بطل أغر محجل )
( قد عودوا قنص الكماة كأنما ... عقبانها ينقض منها أجدل )
( يستتبعون هوادجا موشية ... من كل بدع فوق ما يتخيل )
( قد صورت منها غرائب جمة ... تنسي عقول الناظرين وتذهل )
( وتضمنت جزل الوقود حمولها ... والنصر في التحقيق ما هي تحمل )
( والعاديات إذا تلت فرسانها ... آي القتال صفوفها تترتل )
( لله خيلك إنها لسوابح ... بحر القتام وموجه متهيل )
( من كل برق بالثريا ملجم ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل )
( أوفى بهاد كالظليم وخلفه ... كفل كما ماج الكثيب الأهيل )
( هن البوارق غير أن جيادها ... عن سبق خيلك يا مؤيد تنكل )
( من أشهب كالصبح يعلو سرجه ... صبح به نجم الظلالة يأفل )
( أو أدهم كالليل قلد شهبه ... خاض الصباح فأثبتته الأرجل )

( أو أشقر سال النضار بعطفه ... وكساه صبغة بهجة لا تنصل )
( أو أحمر كالجمر أضمر بأسه ... بالركض في يوم الحفيظة يشعل )
( كالخمر أترع كأسها لندامها ... وبها حبابة غرة تتسيل )
( أو أصفر لبس العشي ملاءة ... وبذيله لليل ذيل مسبل )
( أجملت في هذا الصنيع عوائدا ... الجود فيها مجمل ومفصل )
( أنشأت فيها من نداك غمائما ... بالفضل تنشأ والسماحة تهمل )
( فجرت من كفيك عشرة أبحر ... تزجي سحاب الجود وهي الأنمل )
( من قاس كفك بالغمام فإنه ... جهل القياس ومثلها لا يجهل )
( تسخو الغمام ووجهها متجهم ... والوجه منه مع الندى يتهلل )
( والسحب تسمح بالمياه وجوده ... ذهب به أهل الغنى تتمول )
( من قاس بالشمس المنيرة وجهه ... ألفيته في حكمه لا يعدل )
( من أين للشمس المنيرة منطق ... ببيانه در الكلام يفصل )
( من أين للشمس المنيرة راحة ... تسخو إذا بخل الزمان الممحل )
( من قاس بالبدر المنير كماله ... فالبدر ينقص والخليفة يكمل )
( من أين للبدر المنير شمائل ... تسري برياها الصبا والشمأل )
( من أين للبدر المنير مناقب ... بجهادها تنضى المطي الذلل )
( يا من إذا نفحت نواسم حمده ... فالمسك يعبق طيبه والمندل )
( يا من إذا لمحت محاسن وجهه ... تعشو العيون ويبهرالمتأمل )
( يا من إذا تليت مفاخر قومه ... آي الكتاب بذكرها تتنزل )
( كفل الخلافة منك يا ملك العلا ... والله جل الجلاله لك أكفل )
( مأمونها وأمينها ورشيدها ... منصورها مهديها المتوكل )

( حسب الخلافة أن تكون وليها ... ومجيرها من كل من يتحيل )
( حسب الزمان بأن تكون إمامه ... فله بذلك عزة لا تهمل )
( حسب الملوك بأن تكون عميدها ... ترجو الندى من راحتيك وتأمل )
( حسب المعالي أن تكون إمامها ... فعليك أطناب المفاخر تسدل )
( يا حجة الله التي برهانها ... عز المحق به وذل المبطل )
( أنت الإمام ابن الإمام ابن الإما ... م ابن الإمام وفخرها لا يعدل )
( علمت حتى لم تدع من جاهل ... أعطيت حتى لم تدع من يسأل )
( وعناية الله اشتملت رداءها ... وعلقت منها عروة لا تفصل )
ومنها
( أخذت قلوب الكافرين مهابة ... فعقولهم من خوفها لا تعقل )
( حسبوا البروق صوارما مسلولة ... أرواحهم من بأسها تتسلل )
( وترى النجوم مناصلا مرهوبة ... فيفر منها الخائف المتنصل )
( يا ابن الألى وجمالهم ... شمس الضحى والعارض المتهلل )
( مولاي لا أحصي مآثرك التي ... بجهادها يتوصل المتوسل )
( أصبحت في ظل امتداحك ساجعا ... ظل المنى من فوقه يتهدل )
( طوقته طوق الحمائم أنعما ... فغدا بشكرك في المحافل يهدل )
( فإليك من صون العقول عقيلة ... أهداكها صنع أغر محجل )
( عذراء راق الصنع رونق حسنها ... فغدا بنظم حليها يتكلل )
( خيرتها بين المنى فوجدتها ... أقصى مناها أنها تتقبل )

( لا زلت شمسا في سماء خلافة ... وهلالك الأسمى يتم ويكمل )
قال ومن رقيق منازعه في بعض نزه مولانا رضوان الله عليه بالقصر السلطاني من شنيل قوله
( نفسي الفداء لشادن مهما خطر ... فالقلب من سهم الجفون على خطر )
( فضح الغزالة والأقاحة والقنا ... مهما تثنى أو تبسم أو نظر )
( عجبا لليل ذوائب من شعره ... والوجه يسفر عن صباح قد سفر )
( عجبا لعقد الثغر منه منظما ... والعقد من دمعي عليه قد انتثر )
( ما رمت أن أجني الأقاح بثغره ... إلا وقد سل السيوف من الحور )
( لم أنسه ليل ارتقاب هلاله ... والقلب من شك الظهور على غرر )
( بتنا نراقبه بأول ليلة ... فإذا به قد لاح في نصف الشهر )
( طالعته في روضة كخلاله ... والطيب من هذي وتلك قد اشتهر )
( وكلاهما يبدي محاسن جمة ... ملء التنسم والمسامع والبصر )
( والكأس تطلع شمسها في خده ... فتكاد تعشي بالأشعة والنظر )
( نورية كجبينه وكلاهما ... يجلو ظلام الليل بالوجه الأغر )
( هي نسخة للشيخ فيها نسبة ... ما إن يزالا يرعشان من الكبر )
( أفرغت في جسم الزجاجة روحها ... فرأيت روح الأنس منها قد بهر )
( لا تسق غير الروض فضلة كأسها ... فالغصن في ذيل الأزاهر قد عثر )
( ما هب خفاق النسيم مع السحر ... إلا وقد شاق النفوس وقد سحر )
( ناجى القلوب الخافقات كمثله ... ووشى بما تخفي الكمام من الزهر )

( وروى عن الضحاك عن زهر الربى ... ما أسند الزهري عنه عن مطر )
( وتحملت عنه حديث صحيحه ... رسل النسيم وصدق الخبر الخبر )
( يا قصر شنيل وربعك آهل ... والروض منك على الجمال قد اقتصر )
( لله بحرك والصبا قد سردت ... منه دروعا تحت أعلام الشجر )
( والأس حف عذاره من حوله ... عن كل من يهوى العذار قد اعتذر )
( قبل بثغر الزهر كف خليفة ... يغنيك صوب الجود منه عن المطر )
( وافرش خدود الورد تحت نعاله ... واجعل بها لون المضاعف عن خفر )
( وانظم غناء الطير فيه مدائحا ... وانثر من الزهر الدراهم والدرر )
( المنتقى من جوهر الشرف الذي ... في مدحه قد أنزلت آي السور )
( والمجتبى من عنصر النور الذي ... في مطلع الهدي المقدس قد ظهر )
( ذو سطوة مهما كفى ذو رحمة ... مهما عفا ذو عفة مهما قدر )
( كم سائل للدهر أقسم قائلا ... والله ما أيامه إلا غرر )
( مولاي سعدك كالمهند في الوغى ... لم يبق من رسم الضلال ولم يذر )
( مولاي وجهك والصباح تشابها ... وكلاهما في الخافقين قد اشتهر )
( إن الملوك كواكب أخفيتها ... وطلعت وحدك في مظاهرها قمر )
( في كل يوم من زمانك موسم ... في طيه للخلق أعياد كبر )
( فاستقبل الأيام يندى روضها ... ويرف والنصر العزيز له ثمر )
( قد ذهبت منها العشايا ضعف ما ... قد فضضت منها المحاسن في السحر )
( يا ابن الذين إذا تعد خلالهم ... نفد الحساب وأعجزت منها القدر )
( إن أوردوا هيم السيوف غدائرا ... مصقولة فلطالما حمدوا الصدر )
( سائل ببدر عنهم بدر الهدى ... فبهم على حزب الضلال قد انتصر )

( واسأل مواقفهم بكل مشهر ... واقر المغازي في الصحيح وفي السير )
( تجد الثناء ببأسهم وبجودهم ... في مصحف الوحي المنزل مستطر )
( فبمثل هديك فلتنر شمس الضحى ... وبمثل قومك فليفاخر من فخر )
( ماذا أقول وكل وصف معجز ... والقول فيك مع الإطالة مختصر )
( تلك المناقب كالثواقب في العلا ... من رامها بالحصر أدركه الحصر )
( إن غاب عبدك عن حماك فإنه ... بالقلب في تلك المشاهد قد حضر )
( فاذكره إن الذكر منك سعادة ... وبها على كل الأنام قد افتخر )
( ورضاك عنه غاية ما بعدها ... إلا رضى الله الذي ابتدع البشر )
( فاشكر صنيع الله فيك فإنه ... سبحانه ضمن المزيد لمن شكر )
( وعليك من روح الإله تحية ... تهفو إليك مع الأصائل والبكر )
ثم قال ومن أغراضه الوقتية استرسالا مع الطبع البديهي في الشكر عن ضروب من التحف التي يقتضيها التحفي السلطاني باولياء خدمته نبذ متعددة فيما يظهر فيها فمنها قوله
( يا خير من ملك الملوك بجوده ... وبفضله قد أشبه الأملاكا )
( والله ما عرف الزمان وأهله ... أمنا ويمنا دائما لولاكا )
( وافيت أهلي بالرياض عشية ... في روض جاهك تحت ظل ذراكا )
( فوجدته قد طله صوب الندى ... بسحائب تنهل من يمناكا )
( وسفائن مشحونة ألقى بها ... بحر السماح يجيش من نعماكا )
( رطب من الطلع النضيد كأنها ... قد نظمت من حسنها أسلاكا )
( من كل ما كان النبي يحبها ... وأحبها الأنصار من أولاكا )
( وبدائع التحف التي قد أطلعت ... مثل البدور أنارت الأحلاكا )

( نطف من النور المبين تجسمت ... حتى حسبنا أنهن هداكا )
( يحلو على الأفواه طيب مذاقها ... لولا التجسد خلتهن ثناكا )
( طافت بها النشأ الصغار كأنها ... سرب القطا لما وردن نداكا )
( نجواهم مهما سمعت كلامهم ... ونداؤهم مولاي أو مولاكا )
( بلغت في الأبناء عبدك سؤله ... لا زلت بتلغ في بنيك مناكا )
( يتدارسون من الدعاء صحائفا ... كيما يطيل الله في بقياكا )
( فبقيت شمسا في سماء خلافة ... وهم البدور أمدهن سناكا )
ومنها وقد أهداه نعمة الله أطباقا من حب الملوك
( كتب الإله على العباد محبة ... لك كان فرض كتابها موقوتا )
( وأنا الذي شرفته من بينهم ... حتى جعلت له المحبة قوتا )
( ما زلت تتحفه بكل ذخيرة ... حتى لقد أتحفته الياقوتا )
( وإلى الملوك قد اعتزى من عزه ... فغدا له ياقوتها ممقوتا )
ومنها في مثل ذلك
( يا خير من ملك الملوك ... أهديتني حب الملوك )
( فكأنما ياقوتها ... نظمت لنا نظم السلوك )
( إن الملوك إذا لجوا ... فغياثهم أن أملوك )
( وكذا العفاة إذا شكوا ... فغناهم أن يسألوك )
( فالله يقبل من دعا ... لعلاك من أهل السلوك )
( لا زلت تطلع غرة ... كالشمس في وقت الدلوك )

( ومنها وقد أهداه صيدا مما صاده أولاده
( يا خير من ورث السماح عن الألى ... نصروا الألى وتبوأوا إيمانا )
( في كل يوم منك تحفة منعم ... والى الجميل وأجزل الإحسانا )
( قد أذكرت دار النعيم عبيده ... وتضمنت من فضله رضوانا )
( تهدي موالي الذين تفرعوا ... عن دوح فخرك في العلا أغصانا )
( لجلالك الأعلى قنيصا أتعبوا ... في صيده الأرواح والأبدانا )
( فتخصني منه بأوفر قسمة ... فسحت لعبدك في الرضى ميدانا )
( لله من مولى كريم بالذي ... تهدي الموالي يتحف العبدانا )
( تدعو بني إلى الغني بربه ... يا ربنا أغن الذي أغنانا )
( وعليك من قدس الإله تحية ... تهديك منه الروح والريحانا )
ومنها وقد أهداه أصنافا من الفواكه
( يا من له الوجه الجميل إذا بدا ... فاقت محاسنه البدور كمالا )
( والمنتقى من جوهر الفخر الذي ... فاق الخلائف عزة وجمالا )
( ما أبصرت عيناي مثل هدية ... أبدت لنا صنع الإله تعالى )
( فيها من التفاح كل عجيبة ... تذكي برياها صبا وشمالا )
( تهدي لنا نهد الحبيب وخده ... وتري من الورد الجني مثالا )
( وبها من الأترج شمس أطلعت ... من كل شطر للعيون هلالا )
( ويحفها ورق يروق كأنه ... ورق النضار وقد أجاد نبالا )
( لون العشية ذهبت صفحاتها ... رقت وراقت بهجة وجمالا )

( وبها من النقل الشهي مذكر ... عهدا تولى ليته يتوالى )
( لله منها خضرة من حضرة ... تغني العفاة وتحسب الآمالا )
( أذكرتني العهد القديم ومعهدا ... كانت شموس الراح فيه تلالا )
( فأردت تجديد العهود وإنما ... كتب المشيب على عذاري لالا )
( فأدرت من ذكراك كأس مدامة ... وشربت من حبي لها جريالا )
( فبقيت شمسا في سماء خلافة ... لا يستطيع لها الزمان زوالا )
ومنها يوم عاشوراء
( يا أيها المولى الذي بركاته ... رفعت لواء للندى منشورا )
( لك راحة تزجي الغمام بأنمل ... فجرت منها بالنوال بحورا )
( واليوم موسم قربة وعبادة ... وغدا ظفرت بأجره عاشورا )
( راعيت فيه سنة نبوية ... تروي الثقات حديثه المشهورا )
( لا زلت عامك كله في غبطة ... لقيت منها نضرة وسرورا )
ومنها في بعض قطعة
( واليت ما أوليت يا بحر الندى ... ووحق جودك ما رأيت كهذه )
( فإذا يهز لها اللسان حسامه ... فصفات فخرك قد قضت بنفاذه )
( علمت فرسان الكلام نظامها ... كتعلم التلميذ من أستاذه )
( والبحر تمتار السحائب ماءه ... فتجوده من غيثها برذاذه )
ومنها وقد أهداه باكورا
( يا وارث الأنصار وهي مزية ... بفخارها أثنى الكتاب المنزل )
( أهديتني الباكور وهي بشارة ... ببواكر الفتح الذي يستقبل )

( وولادة لهلال تم طالع ... وجه الزمان بوجهه يتهلل )
( هو أول الأنوار في أفق الهدى ... وترى الأهلة بعده تسترسل )
( مولاي صدق الفال قد جربته ... من لفظ عبدك والعواقب أجمل )
ومنها في جفنة
( طعامك من دار النعيم بعثته ... فشرفته من حيث أدري ولا أدري )
( بهضبة نعمى قد سمونا لأوجها ... فصدنا بأعلاها الشهي من الطير )
( وقوراء قد درنا بهالة بدرها ... كما دارت الزهر النجوم على البدر )
( وقد حملت فوق الرؤوس لأنها ... هدية مولى حل في مفرق الفخر )
( فما شئت من طعم زكي مهنإ ... وما شئت من عرف ذكي ومن نشر )
( فلو أنها قد قدمت لخليفة ... لأعظمها قدرا وبالغ في الشكر )
( وكم لك من نعمى علي عميمة ... يقل لأدناها الجميل من الذكر )
( فلا زلت يا مولى الملوك مبلغا ... أماني ترجوها إلى سالف الدهر )
ومنها شكرا عن كتاب
( مولاي يوم الجمعه ... سعوده مجتمعه )
( فانعم صباحا واغتنم ... أوقاته المجتمعه )
( وابشر بصنع عاجل ... أعلامه مرتفعه )
( وانتظر الفتح الذي ... يأتيك بالنصر معه )
( وبيضه وسمره ... إلى العداة مشرعه )
( واللطف مرجو فرد ... بفضل ربي مشرعه )

( فاتحتني شرفتني ... برقعة مرفعه )
( بل روضة ممطورة ... أزهارها منوعه )
( حديقة قد جدتها ... بصوب جود مترعه )
( وراية منشورة ... وآية مستبدعه )
( كم حكم لطيفة ... في طيهامستودعه )
( عقيلة صورتها ... من الجمال مبدعه )
( سقيتني من فضلها ... بفضل كاس مترعه )
( فدم وأملاك الورى ... على علاك مجمعه )
ومنها شكرا على خلعه
( يا بدر تم في سماء خلافة ... حفت نجوم السعد هالة قصره )
( ألبست عبدك من ثيابك ملبسا ... قد قصرت عنه مدارك شكره )
( ورضاك عنه خير ما ألبسته ... فلقد أشاد بجاهه وببره )
( ألبستني أركبتني شرفتني ... أهديتني ما لا أقوم بحصره )
( نظري لوجهك وهو أجمل نير ... يزري على شمس الزمان وبدره )
( أعلى وأعظم منة لا سيما ... وأنا المنعم في الحضور ببشره )
( لا زلت مولى للملوك مؤملا ... وحلاك للإسلام مفخر دهره )
ومنها وقد خلع رضوان الله تعالى عليه على سول من أرساله
( أبحر سماح مد عشرة أبحر ... تفيض غمام الجود وهي الأنامل )
( بكفك غيث للبلاد وأهلها ... يروض محل الأرض والعام ماحل )

( لك الخير إن أصبحت بحر سماحة ... يعم نداه فالمواهب ساحل )
( خلعت على هذا الرسول ملابسا ... بها تتسنى في علاك المآمل )
( وبلغته آماله كيف شاءها ... فبلغت يا مولاي ما أنت آمل )
ومنها وقد مرض بعض أبنائه رحمة الله تعالى على الجميع قوله سائلا عن حاله
( أسائل بدر التم كيف هلاله ... وأدعو له الرحمن جل جلاله )
( وأسأله تعجيل راحته التي ... وسيلتنا فيها النبي وآله )
( ستبلغ فيه ما تؤمل من منى ... ويرضيك يا بدر الكمال كماله )
وفي مثله
( أقول لبدر التم كيف هلالكا ... نعمت صباحا بالسعود وآلكا )
( وبلغت في النجل الكريم سعادة ... تقر بها عينا وينعم بالكا )
( وخصصت بالبشرى من الله ربنا ... كما عم أقطار البلاد نوالكا )
ومن التورية باسم قائد ولاه على جماعة من الجند
( يا أيها المولى الذي أيامه ... تهمي بسحب الجود من آلائه )
( أبشر لجيشك بالسعادة كلما ... يغزو ونصر الله تحت لوائه )
وأنشده في ملبس اتخذه
( أمولاي يا ابن السابقين إلى العلا ... ومن نصروا الدين الحنيفي أولا )
( غنيت بنور الله عن كل زينة ... وألبست من رضوانه أشرف الحلى )
( وقارك زاد الملك عزا وهيبة ... وسوغه من رحمة الله منهلا )

( ويا شمس هدي في سماء خلافة ... وأبناؤه الزهر المنيرة تجتلى )
( تبارك من أبداك في كل مظهر ... جميلا جليلا مستعاذا مؤملا )
( فيخجل منك الشمس شمس هداية ... ويحسد منك البدر بدرا مكملا )
( إذا أنت ألبست الزمان وآله ... ملابس عز ليس يدركها البلى )
( وطوقت أجياد الملوك أياديا ... وتوجتهم بالفخر تاجا مكللا )
( فما شئت فالبس فالمشاهد قائل ... تبارك ما أبهى وأسنى وأجملا )
( ألا كل من صلى وضحى ومن دعا ... ومد يديه ضارعا متوسلا )
( وجودك شرط في حصول قبوله ... وجودك أثرى كفه فتنفلا )
وقال برسم ما يرسم على ثوب في بعض هدايا مولانا رحمه الله تعالى للسلطان أبي العباس
( أهدي أبا العباس ... ملك الندى والباس )
( ثوب السماء لأنه ... بدر بدا للناس )
( فلق الصباح بوجهه ... عوذته بالناس )
( يكسو إماما لم يزل ... بحلى المحامد كاسي )
( فيا له من مرتد ... ثوب التقى لباس )
( أذياله من حمده ... مسكية الأنفاس )
( وبطرزه مدح زرى ... بالمدح في القرطاس )
( إن كنت في لون السما ... ء بنسبة وقياس )
( فلأنت يا بدر العلا ... شرفتني بلباس )
( أنا منشد ما في وقو ... فك ساعة من باس )

( لترى رياضا أطلعت ... زهرا على أجناس )
( أوراقها توريقها ... بقضيبها المياس )
( ومن المديح مدامتي ... ومن المحابر كاسي )
( فالله يمتع لابسي ... بالبشر والإيناس )
وقال في مثل ذلك
( إن الإمام محمدا ... أهدى الخليفة أحمدا )
( للباسه ثوبا وقد ... لبس المحامد وارتدى )
( وعمامة الشفق التي ... من فوقها شمس الهدى )
( يا حسنها إذ أرسلت ... من كفه غيث الندى )
( وكأن وشي رقومها ... بالبرق طرز عسجدا )
( وبطرزه لون السماء ... ووجهه قمر بدا )
( لله منه نير ... حل المنازل اسعدا )
( مستنصر أعلى له ... فوق المنازل أسعدا )
ثم قال وأنشده وهو على جواد أدهم
( تجلى لنا المولى الإمام محمد ... على أدهم قد راق حسن أديمه )
( فأبصرت صبحا فوق ليل وقد حكى ... مقلد ذاك الطرف بعض نجومه )
وكتب له مع هدية زهر
( أمولاي تقبيلي ليمناك شاقني ... ولا ينكر الظمآن شوقا إلى البحر )
( ولما رأيت الدهر ماطلني بها ... وشوقني من حيث أدري ولا أدري )

( بعثت لك الزهر الجني لعله ... يقبلها عني ثغور من الزهر )
وكتب إليه أيضا متشوقا
( كتبت ودمعي بلل الركب قطره ... وأجرى به بين الخيام السواقيا )
( حنينا لمولى أتلف المال جوده ... ولكنه قد خلد الفخر باقيا )
( وما عشت بعد البين إلا لأنني ... أرجي بفضل الله منه التلاقيا )
وأنشده أيضا وهو بحال تألم
( كأني بلطف الله قد عم خلقه ... وعافى إمام المسلمين وقد شفى )
( وقاضي القضاء الحتم سجل ختمه ... وخط على رسم الشفاء له اكتفى )
وله في مثل ذلك
( لك الخير يا مولاي أبشر بعصمة ... عقدت مع الأيام في حفظها صلحا )
( وعافية في صحة مستجدة ... تجدد للدين السعادة والنجحا )
( ووجه التهاني مشرق متهلل ... وجو الأماني بعدما غام قد أضحى )
( وقد ظهرت للبرء منك علامة ... علامتك العليا تقول لنا صحا )
وفي مثل ذلك
( يا إماما قد تخذنا ... ه من الدهر ملاذا )
( خط يمناك ينادي ... صح هذا صح هذا )
وقال مهنئا بالشفاء

( الحمد لله بلغنا المنى ... لما رأيناك وزال العنا )
( وفزت بالأجر وكبت العدا ... وفزت بالعز وطيب الثنا )
( فالحمد لله على ما به ... من علينا من طهور السنا )
وقال أيضا في نحوه
( نعم قرت العينان وانشرح الصدر ... وقد لاح من وجه الإمام لنا البدر )
( سرينا بليل التيه يكذب فجره ... فلما تجلى فجره صدق الفجر )
( أغر المحيا بالحياء مقنع ... زهاه الكلام الحر والنسب الحر )
( إمام الهدى قد خصه بخلافة ... إله له في خلقه النهي والأمر )
وقال في مثله وقد ركب رحمه الله تعالى لمعاهد حضرته
( هنيئا هنيئا لا نفاد لعده ... وبشرى لدين الله إنجاز وعده )
( فقد لاح بدر التم في أفق العلا ... وحل كما يرضى منازل سعده )
( وطاف أمير المسلمين محمد ... بحضرته العليا مبلغ قصده )
( ولاحت بها الأنوار من بشر وجهه ... وفاح بها النوار من نشر حمده )
( وأبصرت الأبصار شمس هداية ... وأشرقت الأرجاء من زهر رفده )
( ولوحت الأعلام فيها بنصره ... كما لوح الصبح المبين ببنده )
( ستهدي له الأيام كل مسرة ... ويحيي به الرحمن آثار جده )
( فسل الحسام السعد واضرب به العدا ... وخل حسام الهند في كنز غمده )
( فسيفك سيف الله مهما سللته ... يقيم حدود الله قائم حده )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24