كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

( غزال من الفردوس تسقيه أدمعي ... ويأوي إلى قلبي مقيلا ومكنسا )
( طغى ورد خديه بجنات صدغه ... فأضعفه بالآس نبتا وما أسا )
وهذا البيت محال على معنى فلاحي قال أهل الفلاحة إن الآس إذا اغترس بين شجر الورد أضعفه بالخاصية
وقال رحمه الله تعالى ورضي عنه
( نام طفل النبت في حجر النعامى ... لاهتزاز الطل في مهد الحزامى )
( وسما الوسمي أغصان النقا ... فهوت تلثم أفواه الندامى )
( كحل الفجر لهم جفن الدجى ... وغدا في وجنة الصبح لثاما )
( تحسب البدر محيا ثمل ... قد سقته راحة الصبح مداما )
( حوله الزهر كؤوس قد غدت ... مسكة الليل عليهن ختاما )
( يا عليل الريح رفقا علني ... أشف بالسقم الذي حزت سقاما )
( أبلغن شوقي عريبا باللوى ... همت في أرض بها حلوا غراما )
( فرشوا فيها من الدر حصى ... ضربوا فيها من المسك خياما )
( كنت أشفي غلة من صدكم ... لو أذنتم لجفوني أن تناما )
( واستفدت الروح من ريح الصبا ... لو أتت تحمل من سلمي سلاما )
وقال منها أيضا
( نشأت للصب منها زفرة ... تسكب الدمع على الربع سجاما )
( طرب البرق مع القلب بها ... وبها الأنات طارحن الحماما )

( طلل لا تشتفي الأذن به ... وهو للعينين قد ألقى كلاما )
( ترك الساكن لي من وصله ... ضمة الجدران لثما والتزاما )
( نزعات من سليمان بها ... فهم القلب معانيها فهاما )
( شادن يرعى حشاشات الحشا ... حسب حظي منه أن أرعى الذماما )
وقال
( أأرجو أمانا منك واللحظ غادر ... ويثبت عقلي فيك والطرف ساحر )
ومنها
( أعد سليمان أليم عذابه ... لطائر قلبي فهو للبين صائر )
( أشاهد منه الحسن في كل نظرة ... وناظر أفكاري بمغناه ناظر )
( دعت للهوى أنصار سحر جفونه ... فقلبي له عن طيب نفس مهاجر )
( إذا شق عن بدر الدجى أفق زره ... فإني بتمويه العواذل كافر )
( وفي حرم السلوان طابت خواطري ... وقلبي لما في وجنتيه مجاور )
( وقد ينزع القلب المبلى لسلوة ... كما اهتز من قطر الغمامة طائر )
( يقابل أغراضي بضد مرادها ... ولم يدر أن الضد للضد قاهر )
( ونار اشتياقي صعدت مزن أدمعي ... فمضمر سري فوق خدي ظاهر )
( وقد كنت باكي العين والبين غائب ... فقل لي كيف الدمع والبين حاضر )

( وليس النوى بالطبع مرا وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر )
وقال
( يا بارقا قاد الخيال فأومضا ... اقصد بطيفك مدنفا قد غمضا )
( ذاك الذي قد كنت تعهد نائما ... بالسهد من بعد الأحبة عوضا )
( لا تحسبني معرضا عن طيفه ... لكن منامي عن جفوني أعرضا )
ومنها
( عجب الوشاة لمهجتي أن لم تذب ... يوم النوى وتشككت فيما مضى )
( خفيت لهم من سر صبري آية ... ما فهمت إلا سليمان الرضى )
( لله درك ناهجا سبل الهوى ... فلمثله أمر الهوى قد فوضا )
( أمنت نملا فوق خدك سارحا ... وسللت سيفا من جفونك منتضى )
وقال في المدح
( حريص على جر الذوائب والقنا ... إذا كعت الأبطال والجو عابس )
( ويعتنق الأبطال لولا سقوطها ... لقلت لتوديع أتته الفوارس )
( إذا اختطفتهم كفه فسروجهم ... مجال وهم في راحتيه فرائس )
وقال يمدح السلطان أبا الوليد ابن نصر عند قدومه من فتح أشكر
( بحيث البنود الحمر والأسد الورد ... كتائب سكان السماء لها جند )
( وتحت لواء النصر ملك هو الورى ... تضيق به الدنيا إذا راح أو يغدو )

( تأمنت الأرواح في ظل بنده ... كأن جناح الروح من فوقه بند )
( فلو رام إدراك النجوم لنالها ... ولو هم لانقادت له السند والهند )
ومنها
( بعيني بحر النقع تحت أسنة ... تنمنمه وهنا كما نمنم البرد )
( سماء عجاج والأسنة شهبها ... ووقع القنا رعد إذا برق الهند )
( وظنوا بأن الرعد والصعق في السما ... محاق به من أيده الصعق والرعد )
( عجائب أشكال سما هرمس بها ... مهندسة تأتي الجبال فتنهد )
( ألا إنها الدنيا تريك عجائبا ... وما في القوى منها فلا بد أن يبدو )
وقال وهو معتقل
( تباعد عني منزل وحبيب ... وهاج اشتياقي والمزار قريب )
( وإني على قرب الحبيب مع النوى ... يكاد إذا اشتد الأنين يجيب )
( لقد بعدت عني ديار قريبة ... عجبت لجار الجنب وهو غريب )
( أعاشر أقواما تقر نفوسهم ... فللهم فيها عند ذاك ضروب )
( إذا شعروا من جارهم بتأوه ... أجابته منهم زفرة ونحيب )
( فلا ذاك يشكو هم هذا تأسفا ... لكل امرىء مما دهاه نصيب )
( كأني في غاب الليوث مسالم ... يروعني منه الغداة وثوب )
( تحكم فيها الدهر والعقل حاضر ... بكل قياس والأديب أديب )
( ولو مال بالجهال ميلته بنا ... لجاء بعذر إن ذا لعجيب )
( رفيق بمن لا ينثني عن جريمة ... بطوش بمن ما أوبقته ذنوب )
( ويطعمنا منه بوارق خلب ... نقول عساه يرعوي فيؤوب )

( إذا ما تشبثنا بأذيال برده ... دهتنا إذا جر الخطوب خطوب )
( أدار علينا صولجانا ولم يكن ... سوى أنه بالحادثات لعوب )
ومنها
( أيا دهر إني قد سئمت تهدفي ... أجرني فإن السهم منك مصيب )
( إذا خفق البرق الطروق أجابه ... فؤادي ودمع المقلتين سكوب )
( وإن طلع الكف الخضيب بسحرة ... فدمعي بحناء الدماء خضيب )
( تذكرني الأسحار دارا ألفتها ... فيشتد حزبي والحمام طروب )
( إذا علقت نفسي بليت وربما ... تكاد تفيض أو تكاد تذوب )
( دعوتك ربي والدعاء ضراعة ... وأنت تناجي بالدعا فتجيب )
( لئن كان عقبى الصبر فوزا وغبطة ... فإني على الصبر الجميل دروب )
قال وبعثت إليه هدية من البادية فقال يصف منها ديكا
( أيا صديقا جعلته سندا ... فراح فيما أحبه وغدا )
( طلبت منكم سريدكا خنثا ... وجئتم لي مكانه لبدا )
( صير مني مؤرخا ولكم ... ظللت في علمه من البلدا )
( قلت له آدم اتعرفه ... قال حفيدي بعصرنا ولدا )
( نوح وطوفانه رأيتهما ... قال علونا بفيضه أحدا )
( فقلت هل لي بجرهم خبر ... فقال قومي وجيرتي السعدا )
( فقلت فحطان هل مررت به ... قال نفثنا ببرده العقدا )
( فقلت صف لي سبا وساكنها ... فعند هذا تنفس الصعدا )

( فقال كم لي بدجنهم سحرا ... من صرخة لي وللنؤوم هدا )
( فقلت هاروت هل سمعت به ... فقال ريشي لسهمه نفدا )
( فقلت كسرى وآل شرعته ... فقال كنا بجيشه وفدا )
( ولوا وصاروا وها أنا لبد ... فهل رأيتم من فوقهم أحدا )
( ديك إذا ما انثنى لفكرته ... رأى وجودا طرائقا قددا ) ... ( يرفل في طيلسانه ولها ... قد صير الدهر لونه كمدا )
( إذا دجا الليل غاب هيكله ... كأن حبرا عليه قد جمدا )
( كأنما جلنار لحيته ... برجان جازا من الهواء مدى )
( كأن حصنا علا بهامته ... أعده للقتال فيه عدا )
( يرنو بياقوتتي لواحظه ... كأنما اللحظ منه قد رمدا )
( كأن متجالتي ذوائبه ... قوس سماء من أصله بعدا )
( وعوسج مدد من مخالبه ... طغى بها في نقاره وعدا )
( فذاك ديك جلت محاسنه ... له صراخ بين الديوك بدا )
( يطلبني بالذي فعلت به ... فكم فللنا بلبتيه مدى )
( وجهته محنة لآكله ... والله ما كان ذاك منك سدى )
ولم نزل بعد نستعدي عليه بإقراره بقتله ونطلبه بالقود عند تصرفه بالعمل فيوجه الدية لنا في ذلك رسائل
وقال في غرض أبي نواس
( طرقنا ديور القوم وهنا وتغليسا ... وقد شرفوا الناسوت إذ عبدوا عيسى )
( وقد رفعوا الإنجيل فوق رؤوسهم ... وقد قدسوا الروح المقدس تقديسا )
( فما استيقظوا إلا لصكة بابهم ... فأدهش رهبانا وروع قسيسا )

( وقام بها البطريق يسعى ملبيا ... وقد لين الناقوس رفعا وتأنيسا )
( فقلنا له أمنا فإنه عصابة ... أتينا لتثليث وإن شئت تسديسا )
( وما قصدنا إلا الكؤوس وإنما ... لحنا له في القول خبثا وتدليسا )
( ففتحت الأبواب بالرحب منهم ... وعرس طلاب المدامة تعريسا )
( فلما رأى رقي أمامي ومزهري ... دعاني أتأنيسا لحنت وتلبيسا )
( وقام إلى دن يفض ختامه ... فكبس أجرام الغياهب تكبيسا )
( وطاف بها رطب البنان مزنر ... فأبصرت عبدا صير الحر مرؤوسا )
( سلافا حواها القار لبسا فخلتها ... مثالا من الياقوت في الحبر مغموسا )
ومنها
( إلى أن سطا بالقوم سلطان نومهم ... ورأس فتيل الشمع نكس تنكيسا )
( وثبت إليه بالعناق فقال لي ... بحق الهوى هب لي من الضم تنفيسا )
( كتبت بدمع العين صفحة خده ... فطلس حبر الشعر كتبي تطليسا )
( فبئس الذي احتلنا وكدنا عليهم ... وبئس الذي قد أضمروا قبل ذا بيسا )
( فبتنا يرانا الله شر عصابة ... نطيع بعصيان الشريعة إبليسا )
وقال بديهة في غزالة من النحاس ترمي الماء على بركة
( عنت لنا من وحش وجرة ظبية ... جاءت لورد الماء ملء عنانها )
( وأظنها إذا حددت آذانها ... ريعت بنا فتوقفت بمكانها )
( حيت بقرني رأسها إذ لم تجد ... يوم اللقاء تحية ببنانها )
( حنت على الندمان من إفلاسهم ... فرمت قضيب لجينها لحنانها )
( لله در غزالة أبدت لنا ... در الحباب تصوغه بلسانها )

قال لسان الدين وفلج المذكور فلزم منزلي لمكان فضله ووجوب حقه وقد كانت زوجه توفيت وصحبه عليها وجد فلما ثقل وقربت وفاته استدعاني وكاد لسانه لا يبين فأوصاني وقال
( إذا مت فادفني حذاء حليلتي ... يخالط عظمي في التراب عظامها )
( ولا تدفنني في البقيع فإنني ... أريد إلى يوم الحساب التزامها )
( ورتب ضريحي كيفما شاءه الهوى ... تكون أمامي أو أكون أمامها )
( لعل إله العرش يجبر صدعتي ... فيعلي مقامي عنده ومقامها )
ومات رحمه الله تعالى في الخامس والعشرين لذي قعدة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة ودفن بحذاء زوجه كما عهد رحمه الله تعالى انتهى
ومن نظم ابن هذيل
( وظبي زارني والليل طفل ... إلى أن لاح لي منه اكتهال )
( وألغى الشك من وصل فقلنا ... بليل الشك يرتقب الهلال )
23 - ومن أشياخ لسان الدين الشيخ أبو بكر ابن ذي الوزارتين وهو أعني أبا بكر الوزير الكاتب الأديب الفاضل المشارك المتفنن المتبحر في الفنون أبو بكر محمد ابن الشيخ الشهير ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم الرندي ومن نظمه قوله
( تصبر إذا ما أدركتك ملمة ... فصنع إله العالمين عجيب )
( وما يلحق الإنسان عار بنكبة ... ينكب فيها صاحب وحبيب )

( ففي من مضى للمرء ذي العقل أسوة ... وعيش كرام الناس ليس يطيب )
( ويوشك أن تهمي سحائب نعمة ... فيخصب ربع للسرور جديب )
( إلهك يا هذا قريب لمن دعا ... وكل الذي عند القريب قريب )
قال ابن خاتمة وأنشدني الوزير أبو بكر مقدمه على المرية غازيا مع الجيش المنصور قال أنشدني أبي
( ولما رأيت الشيب حل بمفرقي ... نذيرا بترحال الشباب المفارق )
( رجعت إلى نفسي فقلت لها انظري ... إلى ما أرى هذا ابتداء الحقائق )

ترجمة أبي عبد الله ابن الحكيم
وبيتهم بيت كبير وأخذ عن غير واحد وعن والده وهو ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي الرندي الكاتب البليغ الأديب الشهير الذكر بالأندلس وأصل سلفه من إشبيلية من أعيانها ثم انتقلوا إلى رندة في دولة بني عباد ويحيى جد والده هو المعروف بالحكيم لطبه وقدم ذو الوزارتين على حضرة غرناطة أيام السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن نصر إثر قفوله من الحج في رحلته التي رافق فيها العلامة أبا عبد الله ابن رشيد الفهري فألحقه السلطان بكتابه وأقام يكتب له في ديوان الإنشاء إلى أن توفي هذا السلطان وتقلد الملك بعده ولي عهده أبو عبد الله المخلوع فقلده الوزارة والكتابة وأشرك معه في الوزارة أبا سلطان عبد العزيز بن سلطان الداني فلما توفي أبو سلطان أفرده السلطان بالوزارة ولقبه ذا الوزارتين

وصار صاحب أمره إلى أن توفي بحضرة غرناطة قتيلا نفعه الله تعالى غدوة يوم الفطر مستهل شوال سنة ثمان وسبعمائة وذلك لتاريخ خلع سلطانه وخلافة أخيه أمير المسلمين أبي الجيوش مكانه ومولده برندة سنة ستين وستمائة
وكان رحمه الله تعالى علما في الفضيلة والسراوة ومكارم الأخلاق كريم النفس واسع الإيثار متين الحرمة عالي الهمة كاتبا بليغا أديبا شاعرا حسن الخط يكتب خطوطا على أنواع كلها جميلة الانطباع خطيبا فصيح القلم زاكي الشيم مؤثرا لأهل العلم والأدب برا بأهل الفضل والحسب نفقت بمدته للفضائل أسواق وأشرقت بإمداده للأفاضل آفاق ورحل للمشرق كما سبق فكانت إجازته البحر من المرية فقضى فريضة الحج وأخذ عمن لقي هنالك من الشيوخ فمشيخته متوافرة وكان رفيقه كما مر الخطيب أبا عبد الله ابن رشد الفهري فتعاونا على هذا الغرض وقضيا منه كل نفل ومفترض واشتركا فيمن أخذا عنه من الأعلام في كل مقام وكانت له عناية بالرواية وولوع بالأدب وصبابة باقتناء الكتب جمع من أمهاتها العتيقة وأصولها الرائقة الأنيقة ما لم يجمعه في تلك الأعصر أحد سواه ولا ظفرت به يداه أخذ عنه الخطيب الصالح أبو إسحاق ابن أبي العاصي وتدبج معه رفيقه أبو عبد الله ابن رشيد وغير واحد وكان ممدحا وممن مدحه الرئيس أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي والرئيس أبو الحسن ابن الجياب وناهيك بهما
ومن بديع مدح ابن الجياب له قصيدة رائية رائقة يهنيه فيها بعيد الفطر منها في أولها
( يا قادما عمت الدنيا بشائره ... أهلا بمقدمك الميمون طائره )
( ومرحبا بك من عيد تحف به ... من السعادة أجناد تظافره )

( قدمت فالخلق في نعمى وفي جذل ... أبدى بك البشر باديه وحاضره )
( والأرض قد لبست أثواب سندسها ... والروض قد بسمت منه أزاهره )
( حاكت يد الغيث في ساحاته حللا ... لما سقاها دراكا منه باكره )
( فلاح فيها من الأنوار باهرها ... وفاح فيها من النوار عاطره )
( وقام فيها خطيب الطير مرتجلا ... والزهر قد رصعت منه منابره )
( موشي ثوب طواه الدهر آونة ... فها هو اليوم للأبصار ناشره )
( فالغصن من نشوة يثني معاطفه ... والطير من طرب تشدو مزاهره )
( وللكمام انشقاق عن أزاهرها ... كما بدت لك من خل ضمائره )
( لله يومك ما أزكى فضائله ... قامت لدين الهدى فيه شعائره )
( فكم سريرة فضل فيك قد خبئت ... وكم جمال بدا للناس ظاهره )
( فافخر بحق على الأيام قاطبة ... فما لفضلك من ند يظاهره )
( فأنت في عصرنا كابن الحكيم إذا ... قيست بفخر أولي العليا مفاخره )
( يلتاح منه بأفق الملك نور هدى ... تضاءل الشمس مهما لاح زاهره )
( مجد صميم على عرش السماك سما ... طالت مبانيه واستعلت مظاهره )
( وزارة الدين والعلم التي رفعت ... أعلامه والندى الفياض زاخره )
( وليس هذا ببدع من مكارمه ... ساوت أوائله فيه أواخره )
( يلقى الأمور بصدر منه منشرح ... بحر وآراؤه العظمى جواهره )
( راعى أمور الرعايا معملا نظرا ... كمثل علياه معدولا نظائره )
( والملك سير في تدبيره حكما ... تنال ما عجزت عنه عساكره )
( سياسة الحلم لا بطش يكدرها ... فهو المهيب وما تخشى بوادره )
( لا يصدر الملك إلا عن إشارته ... فالرشد لا تتعداه مصايره )
( تجري الأمور على أقصى إرادته ... كأنما دهره فيه يشاوره )
( وكم مقام له في كل مكرمة ... أنست موارده فيها مصادره )

( ففضلها طبق الآفاق أجمعها ... كأنه مثل قد سار سائره )
( فليس يجحده إلا أخو حسد ... يرى الصباح فيعشى منه ناظره )
( لا ملك أكبر من ملك يدبره ... لا ملك أسعد من ملك يوازره )
( يا عز أمر به اشتدت مضاربه ... يا حسن ملك به ازدانت محاضره )
( تثني البلاد وأهلوها بما عرفوا ... ويشهد الدهر آتيه وغابره )
( بشرى لآمله الموصول مأمله ... تعسا لحاسده المقطوع دابره )
( فالعلم قد أشرقت نورا مطالعه ... والجود قد أسبلت سحا مواطره )
( والناس في بشر والملك في ظفر ... عال على كل عالي القدر قاهره )
( والأرض قد ملئت أمنا جوانبها ... بيمن من خلصت فيها سرائره )
( وإلى أياديه من مثنى وموحدة ... تساجل البحر إن فاضت زواخره )
( فكل يوم تلقانا عوارفه ... كساه أمواله الطولى دفاتره )
( فمن يؤدي لما أولاه من نعم ... شكرا ولو أن سحبانا يظاهره )
( يا أيها العيد بادر لثم راحته ... فلثمها خير مأمول تبادره )
( وافخر بأن قد لقيت ابن الحكيم على ... عصر يباريك أو دهر تفاخره )
( ولى الصيام وقد عظمت حرمته ... فأجره لك وافيه ووافره )
( وأقبل العيد فاستقبل به جذلا ... واهنأ به قادما عمت بشائره )
ومن نثر ذي الوزارتين آخر إجازة ما صورته وها أنا أجري معه على حسن معتقده وأكله في هذا الغرض إلى ما رآه بمقتضى تودده وأجيز له ولولديه أقر الله بهما عينه وجمع بينهما وبينه رواية جميع ما نقلته وحملته وحسن اطلاعه يفصل من ذلك ما أجملته فقد أطلقت لهم الإذن في جميعه وأبحت لهم الحمل عني ولهم الإختيار في تنويعه والله سبحانه يخلص أعمالنا لذاته ويجعلها في ابتغاء مرضاته قال هذا محمد بن عبد الرحمن بن الحكيم حامدا لله عز و جل ومصليا

ومن شعر ذي الوزارتين ابن الحكيم قوله
( ما أحسن العقل وآثاره ... لو لازم الإنسان إيثاره )
( يصون بالعقل الفتى نفسه ... كما يصون الحر أسراره )
( لا سيما إن كان في غربة ... يحتاج أن يعرف مقداره )
وقوله رحمه الله
( إني لأعسر أحيانا فيلحقني ... يسر من الله إن العسر قد زالا )
( يقول خير الورى في سنة ثبتت ... أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا )
وهو من أحسن ما قال رحمه الله
ومن شعر ذي الوزارتين المذكور قوله
( فقدت حياتي بالعراق ومن غدا ... بحال نوى عمن يحب فقد فقد )
( ومن أجل بعدي عن ديار ألفتها ... جحيم فؤادي قد تلظى وقد وقد )
وقد سبقه إلى هذا القائل
( أواري أواري بالدموع تجلدا ... وكم رمت إطفاء اللهيب وقد وقد )
( فلا تعذلوا من غاب عنه حبيبه ... فمن فقد المحبوب مثلي فقد فقد )
كذا رواه ابن خاتمة ورواه غيره هكذا
( أواري أواري والدموع تبينه ... )
وهو الصواب قال ابن خاتمة وأنشدني رئيس الكتاب الصدر البليغ

الفاضل أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان النجاري قال أنشدني رئيس الكتاب الجليل أبو محمد عبد المهيمن بن محمد الحضرمي قال أنشدني رئيس الكتاب ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن الحكيم رحمه الله
( صح الكتاب وعنه ... واختم على مكتنه )
( واحذر عليه من مخالسة ... الرقيب بجفنه )
( واجعل لسانك سجنه ... كيلا ترى في سجنه )
قال ابن خاتمة وفي سند هذه القطعة نوع غريب من التسلسل
وحكى أن ذا الوزارتين المذكور لما اجتمع مع الجليل الفقيه الكاتب ابن أبي مدين أنشده ابن أبي مدين
( عشقتكم بالسمع قبل لقاكم ... وسمع الفتى يهوى لعمري كطرفه )
( وحببني ذكر الجليس إليكم ... فلما التقينا كنتم فوق وصفه )
فأنشد ذو الوزارتين ابن الحكيم
( ما زلت أسمع من علياك كل سنا ... أبهى من الشمس أو أجلى من القمر )
( حتى رأى بصري فوق الذي سمعت ... أذني فوفق بين السمع والبصر )
ويعجبني في قريب من هذا المعنى قول الحاج الكاتب أبي إسحاق الحسناوي رحمه الله
( سحر البيان بناني صار يعقده ... والنفث في عقده من منطقي الحسن )
( لا أنشد المرء يلقاني ويبصرني ... أنا المعيدي فاسمع بي ولا ترني )
رجع وقال لسان الدين في عائد الصلة في حق ذي الوزارتين ابن الحكيم

ما صورته كان رحمه الله فريد دهره سماحة وبشاشة ولوذعية وانطباعا رقيق الحاشية نافذ العزمة مهتزا للمديح طلقا للأمل كهفا للغريب برمكي المائدة مهلبي الحلوى ريان من الأدب مضطلعا بالرواية مستكثرا من الفائدة يقوم على المسائل الفقهية ويتقدم الناس في باب التحسين والتقبيح ورفع راية الحديث والتحديث نفق بضاعة الطلب وأحيا معالم الأدب وأكرم العلم والعلماء ولم تشغله السياسة عن النظر ولا عاقه تدبير الملك عن المطالعة والسماع وأفرط في اقتناء الكتب ختى ضاقت قصوره عن خزائنها وأثرت أنديته من ذخائرها قام له الدهر على رجل وأخدمه صدور البيوتات وأعلام الرياسات وخوطب من البلاد النازحة وأمل في الآفاق النائية انتهى المقصود منه
ومن أحسن ما رثي به الوزير ابن الحكيم رحمه الله قول بعضهم
( قتلوك ظلما واعتدوا ... في فعلهم حد الوجوب )
( ورموك أشلاء وذا ... أمر قضته لك الغيوب )
( إن لم يكن لك سيدي ... قبر فقبرك في القلوب )
وقال لسان الدين في الإحاطة في حق رحلة ذي الوزارين ابن الحكيم ما صورته رحل إلى الحجاز الشريف من بلده على فتاء سنة أول عام ثلاثة وثمانين وستمائة فحج وزار وتجول في بلاد المشرق منتجعا عوالي الرواية في مظانها ومنقرا عنها عند مسني شيوخها وقيد الأناشيد الغربية والأبيات المرقصة واقام بمكة شرفها الله من شهر رمضان إلى انقضاء الموسم فأخذ بها

عن جماعة وانصرف إلى المدينة المشرفة ثم قفل مع الركب الشامي إلى دمشق ثم كر إلى المغرب لا يمر بمجلس علم أو تعلم إلا روى أو روى واحتل رندة حرسها الله أواخر عام خمسة وثمانين وستمائة وفأقام بها عينا في قرابته وعلما في أهله معظما لديهم إلى أن أوقع السلطان بالوزراء من بني حبيب الوقيعة البرمكية وورد رندة في أثر ذلك فتعرض إليه وهنأه بقصيدة طويلة من أوليات شعره أولها
( هل إلى رد عشيات الوصال ... سبب أم ذاك من ضرب المجال )
فلما أنشدها إياه أعجب به وبحسن خطه ونصاعة ظرفه فأثنى عليه واستدعاه إلى الوفادة على حضرته فوفد آخر عام ستة وثمانين فأثبته في خواص دولته وأحظاه لديه إلى أن رقاه إلى كتابة الإنشاء ببابه واستمرت حاله معظم القدر مخصوصا بالمزية إلى أن توفي السلطان ثاني الملوك من بني نصر وتقلد الملك بعده ولي عهد أبو عبد الله فزاد في إحظائه وتقريبه وجمع له بين الكتابة والوزارة ولقبه بذي الوزارتين وأعطاه العلامة وقلده الأمر فبعد الصيت وطاب الذكر إلى أن كان من أمره ما كان انتهى ملخصا
وقال في الإحاطة بعد كلام طويل في ترجمته قال شيخنا الوزير أبو بكر ابن الحكيم ولده وجدت بخطه رحمه الله تعالى رسالة خاطب بها أخاه الأكبر أبا إسحاق إبراهيم افتتحها بقصيدة أولها
( ذكر اللوى شوقا إلى أقماره ... فقضى أسى أو كاد من تذكاره )
( وعلا زفير حريق نار ضلوعه ... فرمى على وجناته بشراره )

وقد ذكرناها في غير هذا المحل
وقال ممايكتب على قوس
( أنا عدة للدين في يد من غدا ... لله منتصرا على أعدائه )
( أحكي الهلال وأسهمي في رجمها ... لمن اعتدى تحكي رجوم سمائه )
( قد جاء في القرآن أني عدة ... إذ نص خير الخلق محكم آية )
( وإذا العدو أصابه سهمي فقد ... سبق القضاء بهلكه وفنائه )
قال لسان الدين ومن توقيعه ما نقلته من خط ولده يعني أبا بكر في كتابه المسمى بالموارد المستعذبة وكان بوادي آش الفقيه الطرائفي فكتب إلى خاصة والدي أبي جعفر ابن داود قصيدة على روي السين يتشكى فيها من مشرف بلدهم إذ ذاك أبي القاسم ابن حسان منها
( فيا صفي أبي العباس كيف ترى ... وأنت أكيس من فيها من أكياس )
( ولوه إن كان ممن ترتضون به ... فقد دنا الفتح للأشراف في فاس )
ومنها يستطرد ذكر ذي الوزارتين
( للشرق فضل فمنه أشرقت شهب ... من نورهم أقبسونا كل مقباس )
فوقع عليها رحمه الله تعالى
( إن أفرطت بابن حسان غوائله ... فالأمر يكسوه ثوب الذكر والباس )
( وإن تزل به في جورة قدم ... كان الجزاء له ضربا على الراس )

( فقد أقامني المولى بنعمته ... لبث أحكامه بالعدل في الناس )
ثم أطال في أمره إلى أن قال في ترجمة قتله ما صورته واستولت يد الغوغاء على منازله شغلهم بها مدبر الفتنة خيفة من أن يعاجلوه قبل تمام أمره فصاع بها مال لا يكتب وعروض لا يعلم لها قيمة من الكتب والذخيرة والفرش والآنية والسلاح والمتاع والخرثي وأخفرت ذمته وتعدى به عدوه القتل إلى المثلة وقانا الله مصارع السوء فطيف بشلوه وانتهب فضاع ولم يقبر وجرت فيه شناعة كبيرة رحمه الله تعالى انتهى المقصود منه
رجع
24 - ومن مشايخ لسان الدين الأستاذ أبو الحسن علي القيجاطي
وقال في حقه في الإحاطة ما محصله علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي أبو الحسن أوحد زمانه علما وتخلقا وتواضعا وتفننا ورد على غرناطة مستدعى عام اثني عشر وسبعمائة وقعد بمسجدها الأعظم يقرىء فنونا من العلم من قراءات وفقه وعربية وأدب وولي الخطابة وناب عن بعض القضاة بالحضرة مشكور المأخذ حسن السيرةعظيم النفع وقصده الناس وأخذوا عنه وكان أديبا لوذعيا فكها حلوا وهو أول أستاذ قرأت عليه القرآن والعربية والأدب إثر قراءة المكتب وله تآليف في فنون وشعر ونثر فمن شعره قوله
( روض المشيب تفتحت أزهاره ... حتى استبان ثغامه وبهاره )

( ودجى الشباب قد استبان صباحه ... وظلامه قد لاح فيه نهاره )
( فأتى حمام لا يعاف وقوعه ... ومضى غراب لا يخاف مطاره )
( والعمر مثل البدر يبدو حسنه ... حينا ويعقب بعد ذاك سراره )
( ما للإخاء تقلصت أفياؤه ... ما للصفاء تكدرت آثاره )
( والحر يصفح إن أخل خليله ... والبر يسمح إن تجرأ جاره )
( فتراه يدفع إن تمكن جاهه ... وتراه ينفع إن علا مقداره )
( ولأنت تعلم أنني زمن الصبا ... ما زلت زندا والحياء سواره )
( ولأنت تعلم أنني زمن الصبا ... مازلت ممن عف فيه إزاره )
( والهجر ما بين الأحبة لم يزل ... ترك الكلام أو السلام مثاره )
( ولكم تجافى عن جفاء خليله ... فطن وقد ظفرت به أظفاره )
( ولكم أصر على التدابر مدبر ... أفضى إلى ندم به إصراره )
( فأقام كالكسعي بأن نهاره ... أو كالفرزدق فارقته نواره )
( أنكرتم من حق معترف لكم ... بالحق ما لا ينبغي إنكاره )
( والشرع قد منع التقاطع نصه ... قطعا وقد وردت به أخباره )
( والسن سن تورع وتبرع ... وتسرع لتشرع تختاره )
( ما يومنا من أمسنا قدك اتئد ... ذهب الشباب فكيف ينفى عاره )
( هلا حظرتم أو حذرتم منه ما ... حق عليكم حظره وحذاره )
( عجبا لمن يجري هواه لغاية ... محدودة إضماره مضماره )
( يأتي ضحى ما كان يأتيه دجى ... فكأنه ما شاب منه عذاره )
( فيعد ما تفنى به حسناته ... ويعيد ما تبقى به أوزاره )
( فالنفس قد أجرته ملء عنانها ... يشتد في مضمارها إحضاره )
( والمرء من إخوانه في جنة ... بل جنة تجري بها أنهاره )
( واليمن قد مدت إليه يمينه ... واليسر قد شدت عليه يساره )

( شعر به أشعرت بالنصح الذي ... يهديه من أشعاره إشعاره )
( ولو اختبرتم نقده بمحكة ... لامتاز بهرجه ولاح نضاره )
( هذا هدى فبه اقتده تنل المنى ... أو أنت في هذا وما تختاره )
( وعليكم مني سلام مثلما ... أرجت بروض يانع أزهاره )
وقال من قصيدة رثائية
( حمام حمام فوق أيك الأسى تشدو ... تهيج من الأشجان ما أوجد الوجد )
( وذلك شجو في حناجرنا شجا ... وذلك هزل في ضمائرنا جد )
( أرى أرجل الأرزاء تشتد نحونا ... وأيديها تسعى إلينا فتمتد )
( ونحن أولو سهو عن الأمر ما لنا ... سوى أمل إيجابنا عنده جحد )
( فإن خطرت للمرء ذكرى بخاطر ... فتسبيحة الساهي إذا سمع الرعد )
( مصاب به قدت قلوب وأنفس ... لدينا إذا في غيره قطعت برد )
( تلين له الصم الصلاب وتنهمي ... عيون ويبكي عنده الحجر الصلد )
( فلا مقلة ترنو ولا أذن تعي ... ولا راحة تعطو ولا قدم تعدو )
( وقد كان يبدو الصبر منا تجلدا ... وهذا مصاب صبرنا فيه ما يبدو )
ومولده عام خمسين وستمائة وتوفي بغرناطة ضحى السبت في السابع والعشرين لذي حجة عام ثلاثين وسبعمائة وحضره السلطان فمن دونه رحمه الله تعالى انتهى
25 - ومنهم العلامة شيخ الشيوخ أبو سعيد فرج بن لب
قال في الإحاطة في حقه ما محصله فرج بن قاسم بن أحمد بن لب

قال ابن الصباغ من شعر ابن لب يمدح رسول الله
( إذا القلب ثار أثار ادكارا ... لقلبي فأذكى عليه أوارا )
( تروم جفوني لنار الهوى ... خمودا فتهمي دموعا غزارا )
( فماء جفوني يسح انهمالا ... ونارفؤادي تهيج استعارا )
( أطيل العويل صباحا مساء ... كئيبا ولست أطيق اصطبارا )
( رقيت مراقي للحب شتى ... فأفنى مرارا وأحيا مرارا )
( أحن اشتياقا لريح سرت ... وأبدي هياما لبرق أنارا )
( حنينا وشوقا إلى معلم ... حوى شرفا خالدا لا يجارى )
( به أسكن الله أسمى الورى ... نبيا كريما وصحبا خيارا )
( هو المصطفى المنتقى المجتبى ... أرى معجزات وآيا كبارا )
( يحق علينا ركوب البحار ... وجوب القفار إليه ابتدارا )
ومنها
( فيا فوز من فاز في طيبة ... بلثم المغاني جدارا جدارا )
( وألصق خدا على تربها ... وأكمل حجا بها واعتمارا )
( وأهدى السلام لخير الأنام ... على حين وافى عليه مزارا )
( فيا هادي الخلق دار نعيم ... تناهت جمالا وطابت قرارا )
( لأنت الوسيلة والمرتجى ... ليوم يرى الناس فيه سكارى )
( وما هم سكارى ولكنهم ... دهتهم دواه فهاموا حيارى )
( ترى المرء للهول من أمه ... ومن أقربيه يطيل الفرارا )
( وكل يخاف على نفسه ... فيكسوه خوف الإله انكسارا )
( فصلى الإله رسول الهدى ... عليك وأبقى هداك منارا )
( وقدس ربي ثرى روضة ... يعم الجهات سناها انتشارا )

( أعير شذا المسك منها الثرى ... بل المسك منه شذاه استعارا )
( هنيئا لمن بهداك اهتدى ... ومغناك وافى وإياك زارا )
وقصد رحمه الله تعالى بهذه القصيدة معارضة قصيدة الشهاب محمود التي نظمها بالحجاز في طريق المدينة المشرفة على ساكنها الصلاة والسلام وهي طويلة ومطلعها
( وصلنا السرى وهجرنا الديارا ... وجئناك نطوي إليك القفارا )
وقد تبارى الشعراء في هذا الوزن وهذا الروي ومنه القصيدة المشهورة
( أقول وآنست بالحي نارا ... )
ولابن لب رحمه الله تعالى الفتاوي المشهورة
وقال في الإحاطة في حقه ما محصله فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي غرناطي أبو سعيد من أهل الخير والطهارة والذكاء والديانة وحسن الخلق رأس بنفسه وبرز بمزية إدراكه وحفظه فأصبح حامل لواء التحصيل وعليه مدار الشورى وإليه مرجع الفتوى لقيامه على الفقه وغزارة علمه وحفظه إلى المعرفة بالعربية واللغة ومعرفة التوثيق والقيام على القراءات والتبريز في التفسير والمشاركة في الأصلين والفرائض والأدب وجودة الحفظ وأقرأ بالمدرسة النصرية في الثامن والعشرين لرجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة معظما عند الخاصة والعامة مقرونا اسمه بالتسويد قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ وولي الخطابة بالجامع قرأ على القيجاطي والعربية على ابن الفخار وأخذ عن ابن جابر الوادي آشي فمن شعره في النسيب
( خذوا للهوى من قلبي اليوم ما أبقى ... فما زال قلبي كله للهوى رقا )

( دعوا القلب يصلى في لظى الوجد ناره ... فنار الهوى الكبرى وقلبي هو الأشقى )
( سلوا اليوم أهل الوجد ماذا به لقوا ... فكل الذي يلقون بعض الذي ألقى )
( فإن كان عبد يسأل العتق سيدا ... فلا أبتغي من مالكي في الهوى عتقا )
( بدعوى الهوى يدعو أناس وكلهم ... إذا سئلوا طرق الهوى جهلوا الطرقا )
( فطرق الهوى شتى ولكن أهله ... يحوزون في يوم السباق بها السبقا )
( وكم جمعت طرق الهوى بين أهلها ... وكم أظهرت عند السوى بينهم فرقا )
( بسيما الهوى تسمو معارف أهله ... فحيث ترى سيما الهوى فاعرف الصدقا )
( فمن زفرة تزجي سحائب عبرة ... إذا زفرة ترقى فلا عبرة ترقا )
( إذا سكتوا عن وجدهم أعربت به ... بواطن أحوال وما عرفت نطقا )
وقال في وداع شهر رمضان
( أأزمعت يا شهر الصيام رحيلا ... وقاربت يا بدر الزمان أفولا )
( أجدك قد جدت بك الآن رحلة ... رويدك أمسك للوداع قليلا )
( نزلت فأزمعت الرحيل كأنما ... نويت رحيلا إذ نويت نزولا )
( وما ذاك إلا أن أهلك قد مضوا ... تفانوا فأبصرت الديار طلولا )
( تفكرت في الأوقات ناشئة التقى ... أشد به وطأ وأقوم قيلا )
وهي طويلة
وكان موجودا عند تأليف الإحاطة رحمه الله تعالى انتهى بالمعنى
وقال الحافظ ابن حجر إنه صنف كتابا في الباء الموحدة وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي ومات سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة انتهى
وقال تلميذه المنتوري ما نصه من شيوخي الشيخ الأستاذ الخطيب المقرئ

المتفنن المفتي أبو سعيد ابن لب مولده سنة إحدى وسبعمائة وتوفي ليلة السبت لسبع عشرة ليلة مضت من ذي الحجة عام اثنين وثمانين انتهى
وهو مخالف لما سبق عن ابن حجر لكن صاحب البيت أدرى إذ المنتوري تلميذه ونحوه للشيخ أبي زكريا السراج في فهرسته إذ قال شيخنا الفقيه الخطيب الأستاذ المقرىء العالم العلم الصدر الأوحد الشهير كان شيخ الشيوخ وأستاذ الأستاذين بالأندلس إليه انتهت فيها رياسة الفتوى في العلوم كان أهل زمانه يقفون عندما يشير إليه قرأ على أبي علي القيجاطي بالسبع وتفقه عليه كثيرا في أنواع العلوم ولازمه إلى أن مات وأجازه عامة وعليه اعتمد وأخذ عن أبي جعفر ابن الزيات وأبي إسحاق ابن أبي العاصي وابن جابر الوادي آشي وقاضي الجماعة أبي بكر سمع عليه البخاري وتفقه عليه وقرأ عليه أكثر عقيدة المقترح تفهما وبعض الإرشاد وبعض التهذيب وعن أبي محمد ابن سلمون والبركة أبي عبد الله الطنجالي الهاشمي وأجازه انتهى بمعناه
وبالجملة فهو من أكابر علماء المالكية بالمغرب حتى قال المواق فيه شيخ الشيوخ أبو سعيد ابن لب الذي نحن على فتاويه في الحلال والحرام انتهى
وقل من لم يأخذ عنه في الأندلس في وقته فممن أخذ عنه الشاطبي وابن علاق وأبو محمد ابن جزي والأستاذ القيجاطي والأستاذ الحفار والشيخ الوزير ابن الخطيب السلماني والكاتب ابن زمرك في خلق كثير من طبقتهم ثم من الطبقة الثانية أبو يحيى ابن عاصم وأخوه القاضي أبو بكر ابن عاصم والشيخ أبو القاسم ابن سراج والمنتوري في خلق لا يحصون
وله تواليف فمنها شرح جمل الزجاجي وشرح تصريف التسهيل

وكتاب ينبوع عين الثرة في تفريع مسألة الإمامة بالأجرة وله فتاوي مدونة بأيدي الناس وممن جمعها الشيخ ابن طركاط الأندلسي وله كتابة في مسألة الأدعية إثر الصلوات على الهيئة المعروفة وقد رد عليه في هذا التأليف تلميذه أبو يحيى ابن عاصم الشهيد في تأليف نبيل انتصارا لشيخه أبي إسحاق الشاطبي رحم الله تعالى الجميع
26 - ومن أشياخ لسان الدين ابن الخطيب أبو القاسم ابن جزي ففي الإحاطة ما ملخصه محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي أبو القاسم من أهل غرناطة وذوي الأصالة والنباهة فيها شيخنا وأصل سلفه من ولبة من حصن البراجلة نزل بها أولهم عند الفتح صحبة قريبهم أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي وعند خلع دولة المرابطين كان لجدهم يحيى رياسة وانفراد بالتدبير وكان رحمه الله تعالى على طريقة مثلى من العكوف على العلم والاقتصار على الاقتيات من حر النشب والاشتغال بالنظر والتقييد والتدوين فقيها حافظا قائما على التدريس مشاركا في فنون من عربية وفقه وأصول وقراءات وأدب وحديث حفظة للتفسير مستوعبا للأقوال جماعة للكتب ملوكي الخزانة حسن المجلس ممتع المحاضرة قريب الغور صحيح الباطن تقدم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنه فاتفق على فضله وجرى على سنن أصالته قرأ على الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير العربية والفقه والحديث والقرآن وعلى ابن الكماد ولازم الخطيب أبا عبد الله ابن رشيد وطبقتهم كالحضرمي وابن أبي الأحوص وابن برطال وأبي عامر ابن ربيع الأشعري والولي أبي عبد الله

الطنجالي وابن الشاط
وله تواليف منها وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم والأنوار السنية في الكلمات السنية والدعوات والأذكار المخرجة من صحيح الأخبار والقوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية وكتاب تقريب الوصول إلى علم الأصول وكتاب النور المبين في قواعد عقائد الدين وكتاب المختصر البارع في قراءة نافع وكتاب أصول القراء الستة غير نافع وكتاب الفوائد العامة في لحن العامة إلى غير ذلك مما قيده في التفسير والقراءات وغير ذلك وله فهرسة كبيرة اشتملت على جملة كبيرة من علماء المشرق والمغرب
ومن شعره قوله في الأبيات الغينية ذاهبا مذهب المعري وابن المظفر والسلفي وأبي الحجاج ابن الشيخ وأبي الربيع ابن سالم وابن أبي الأحوص وغيرهم من علماء المشرق والمغرب
( لكل بني الدنيا مراد ومقصد ... وإن مرادي صحة وفراغ )
( لأبلغ في علم الشريعة مبلغا ... يكون به لي للجنان بلاغ )
( ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى ... وحسبي من دار الغرور بلاغ )
( فما الفوز إلا في نعيم مؤبد ... به العيش رغد والشراب يساغ )
وقال
( أروم امتداح المصطفى فيردني ... قصوري عن إدراك تلك المناقب )
( ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر ... ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب )
( ولو أن أعضائي غدت ألسنا إذا ... لما بلغت في المدح بعض مآربي )
( ولو أن كل العالمين تألفوا ... على مدحه لم يبلغوا بعض واجب )
( فأمسكت عنه هيبة وتأدبا ... وعجزا وإعظاما لأرفع جانب )

( ورب سكوت كان فيه بلاغة ... ورب كلام فيه عتب لعاتب )
وقال
( يا رب إن ذنوبي اليوم قد كثرت ... فما أطيق لها حصرا ولا عددا )
( وليس لي بعذاب النار من قبل ... ولا أطيق لها صبرا ولا جلدا )
( فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكني ... ولا تذيقنني حر الجحيم غدا )
وقال
( وكم من صفحة كالشمس تبدو ... فيسلي حسنها قلب الحزين )
( غضضت الطرف عن نظري إليها ... محافظة على عرضي وديني )
مولده يوم الخميس تاسع ربيع الثاني عام ثلاثة وتسعين وستمائة وفقد وهو يحرض الناس يوم الكائنة بطريف ضحوة يوم الإثنين تاسع جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة وعقبه ظاهر بين القضاء والكتابة انتهى

شعر لابن لؤلؤة
وأذكرني روي الغين الصعب قول الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف السكوني الأندلسي المعروف بابن لؤلؤة رحمه الله ورضي عنه
( أمن بعد ما لاح المشيب بمفرقي ... أميل لزور بالغرور يصاغ )
( وأرتاح للذات والشيب منذر ... بما ليس عنه للأنام مراغ )
( ومن لم يمت قبل الممات فإنه ... يراع بهول بعده ويراغ )
( فيا رب وفقني إلى ما يكون لي ... به للذي أرجوك منه بلاغ )
توفي المذكور بالطاعون سنة 750 وكان خطيبا بحصن قمارش رحمه الله تعالى

من نظم ابن جزي
ومن نظم ابن جزي المذكور قوله
( أيا من كففت النفس عنه تعففا ... وفي النفس من شوقي إليه لهيب غرام )
( ألا إنما صبري كصبر وإنما ... على النفس من تقوى الإله رقيب لجام )
وهما من التخيير المعلوم في فن البديع
وقول لسان الدين رحمه الله تعالى وله عقب ظاهر بين القضاء والكتابة يريد به بنيه البارع أبا بكر والعلامة أبا عبد الله والقاضي أبا محمد عبد الله
تراجم أولاد ابن جزي
ولنذكرهم فنقول أما أبو بكر أحمد فهو الذي ألف أو أبوه الأنوار السنية وهو من أهل الفضل والنزاهة وحسن السمت والهمة واستقامة الطريقة غرب في الوقار ومال إلى الانقباض وله مشاركة حسنة في فنون من فقه وعربية وأدب وخط ورواية وشعر تسمو ببعضه الإجادة إلى غاية بعيدة وقرأ على والده ولازمه واستظهر ببعض تآليفه وتفقه وتأدب به وقرأ على بعض معاصري أبيه ثم ارتسم في الكتابة السلطانية لأول دولة السلطان أبي الحجاج ابن نصر وولي القضاء ببرجة وبأندرش ثم بوادي آش مشكور السيرة معروف النزاهة
ومن شعره
( أرى الناس يولون الغني كرامة ... وإن لم يكن أهلا لرفعة مقدار )
( ويلوون عن وجه الفقير وجوههم ... وإن كان أهلا أن يلاقي بإكبار )
( بنو الدهر جاءتهم أحاديث جمة ... فما صححوا إلا حديث ابن دينار )

ومن بديع نظمه الصادر عنه تصديره أعجاز قصيدة امرىء القيس بن حجر الكندي بقوله
( أقول لعزمي أو لصالح أعمالي ... ألا عم صباحا أيها الطلل البالي )
( أما واعظي شيب سما فوق لمتي ... سمو حباب الماء حالا على حال )
( أنار به ليل الشباب كأنه ... مصابيح رهبان تشب لقفال )
( تهاني عن غي وقال منبها ... ألست ترى السمار والناس أحوالي )
( يقولون غيره لتنعم برهة ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي )
( أغالط دهري وهو يعلم أنني ... كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي )
( ومؤنس نار الشيب يقبح لهوه ... بآنسة كأنها خط تمثال )
( أشيخا وتأتي فعل من كان عمره ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال )
( وتشغفك الدنيا وما إن شغفتها ... كما شغف المهنوءة الرجل الطالي )
( ألا إنها الدنيا إذا ما اعتبرتها ... ديار لسلمى عافيات بذي خال )
( فأين الذين استأثروا قبلنا بها ... لناموا فما إن من حديث ولا صال )
( ذهلت بها غيا فكيف الخلاص من ... لعوب تنسيني إذا قمت سربالي )
( وقد علمت مني مواعد توبتي ... بأن الفتى يهذي وليس بفعال )
( ومذ وثقت نفسي بحب محمد ... هصرت بغصن ذي شماريخ ميال )
( وأصبح شيطان الغواية خاسئا ... عليه قتام سيء الظن والبال )
( ألا ليت شعري هل تقول عزائمي ... لخيلي كري كرة بعد إجفال )
( فأنزل دارا للرسول نزيلها ... قليل هموم ما يبيت بأوجال )
( فطوبى لنفس جاورت خير مرسل ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي )
( ومن ذكره عند القبول تعطرت ... صبا وشمال في منازل قفال )
( جوار رسول الله مجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي )

( ومن ذا الذي يثني عنان السرى وقد ... كفاني ولم أطلب قليل من المال )
( ألم تر أن الظبية استشفعت به ... تميل عليه هونة غير مجفال )
( وقال لها عودي فقالت له نعم ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي )
( فعادت إليه والهوى قائل لها ... وكان عداء الوحش مني على بال )
( رثى لبعير قال أزمع مالكي ... ليقتلني والمرء ليس بفعال )
( وثور ذبيح بالرسالة شاهد ... طويل القرا والروق أخنس ذيال )
( وحن إليه الجذع حنة عاطش ... لغيث من الوسمي رائده خال )
( وأصلين من نخل قد التأما له ... فما احتبسا من لين مس وتسهال )
( وقبضة ترب منه ذلت لها الظبي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال )
( وأضحى ابن جحش بالعسيب مقاتلا ... وليس بذي رمج وليس بنبال )
( وحسبك من سوط الطفيل إضاءة ... كمصباح زيت في قناديل ذبال )
( وبذت به العجفاء كل مطهم ... له حجبات مشرفات على الفال )
( ويا خسف أرض تحت باغية إذ علا ... على هيكل نهد الجزارة جوال )
( وقد أخمدت نار لفارس طالما ... أصابت غضا جزلا وكفت بأجزال )
( أبان سبيل الرشد إذ سبل الهدى ... يقلن لأهل الحلم ضلا بتضلال )
( لأحمد خير العالمين انتقيتها ... وريضت فذلت صعبة أي إذلال )
( وإن رجائي أن ألاقيه غدا ... ولست بمقلي الخلال ولا قالي )
( فأدرك آمالي وما كل آمل ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي )
ولا خفاء ببراعة هذا النظم وإحكام هذا النسج وشدة هذه العارضة

قصيدتان لحازم
قلت وقد أذكرني هذا التصدير قصيدة الأديب حازم صاحب المقصورة

إذ صدر قصيدة امرىء القيس قفا نبك ولنذكرها هنا قال رحمه الله تعالى
( لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل ... قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل )
( وفي طيبة فانزل ولا تغش منزلا ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل )
( وزر روضة قد طالما طاب نشرها ... لما نسجتها من جنوب وشمال )
( وأثوابك اخلع محرما ومصدقا ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل )
( لدى كعبة قد فاض دمعي لبعدها ... على النحر حتى بل دمعي محملي )
( فيا حادي الآبال سر بي ولا تقل ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل )
( فقد حلفت نفسي بذاك وأقسمت ... علي وآلت حلفه لم تحلل )
( فقلت لها لاشك أني طائع ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل )
( وكم حملت في أظهر العزم رحلها ... فيا عجبا من رحلها المتحمل )
( وعاتبت العجز الذي عاق عزمها ... فقالت لك الويلات إنك مرجلي )
( نبي هدى قد قال للكفر نوره ... ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي )
( تلا سورا ما قولها بمعارض ... إذا هي نصته ولا بمعطل )
( لقد نزلت في الأرض ملة هديه ... نزول اليماني ذي العياب المحمل )
( أتت مغربا من مشرق وتعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفصل )
( ففازت بلاد الشرق من زينة بها ... بشق وشق عندنا لم يحول )
( فصلى عليه الله ما لاح بارق ... كلمع اليدين في حبي مكلل )
( نبي غزا الأعداء بين تلائع ... وبين إكام بعد ما متأمل )
( فكم ملك وافاه في زي منجد ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل )
( وكم من يمان واضح جاءه اكتسى ... بضاف فويق الأرض ليس بأعزل )

( ومن أبطحي نيط منه نجاده ... بجيد معم في العشيرة مخول )
( أزالوا ببدر عن بروجهم العدا ... كما زلت الصفواء بالمتنزل )
( وفادوا ظباهم لا بفتك فتى ولا ... كبير أناس في بجاد مزمل )
( وفضي جموعا فدفدا جامعا بها ... لنا بطن حقف ذي ركام عقنقل )
( وأحموا وطيسا في حنين كأنه ... إذا جاش فيه حميه غلي مرجل )
( ونادوا بنات النبع بالنصر أثمري ... ولا تبعدينا من جناك المعلل )
( وممن له سددت سهمين فاضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل )
( فما أغنت الأبدان درع بها اكتست ... ترائبها مصقولة كالسجنجل )
( وأضحت لواليها ومالكها العدا ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل )
( وقد فر منصاع كما فر خاضب ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل )
( وكم قال يا ليل الوغى طلت فانبلج ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل )
( فليت جوادي لم يسر بي إلى الوغى ... وبات بعيني قائما غير مرسل )
( وكم مرتق أوطاس منهم بمسرج ... متى ما ترق فيه تسهل )
( وقرطه خرصا كمصباح مسرج ... أمال السليط بالذبال المفتل )
( فيرنو لهاد فوق هاديه طرفه ... بناظرة من وحش وجرة مطفل )
( ويسمع من كافورتين بجانبي ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل )
( ترفع أن يعزى له شد شادن ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل )
( ولكنه يمضي كما مر مزبد ... يكب على الأذقان دوح الكنهبل )
( ويغشى العدا كالسهم أو كالشهاب أو ... كجلمود صخر حطه السيل من عل )
( جياد أعادت رسم رستم دارسا ... وهل عند رسم دارس من معول )
( وريعت بها خيل القياصر فاختفت ... جواحرها في صرة لم تزيل )
( سبت عربا من نسوة العرب تستبي ... إذا ما اسبكرت بين درع ومجول )
( وكم من سبايا الفرس والصفر أسهرت ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل )

( وحزن بدورا من ليالي شعرها ... تضل العقاص في مثنى ومرسل )
( وأبقت بأرض الشام هاما كأنها ... بأرجائها القصوى أنابيش عنصل )
( وما جف من حب القلوب بغورها ... وقيعانها كأنه حب فلفل )
( لخضراء ما دبت ولا نبتت بها ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل )
( شدا طيرها في مثمر ذي أرومة ... وساق كأنبوب السقي المذلل )
( فشدت بروض ليس يذبل بعدها ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل )
( وكم هجرت في القيظ تحكي ذوارعا ... عذارى دوار في ملاء مذيل )
( وكم أدلجت والقتر يهفو هزيزه ... ويلوي بأثواب العنيف المثقل )
( وخضن سيولا فضن بالبيد بعدما ... أثرن غبارا بالكديد المركل )
( وكم ركزوا رمحا بدعص كأنه ... من السيل والغثاء فلكه مغزل )
( فلم تبن حصنا خوف حصنهم العدا ... ولا أطما إلا مشيدا بجندل )
( فهدت بغضب شيب بعد صقاله ... بأمراس كتان إلى صم جندل )
( وجيش بأقصى الأرض ألقى جرانه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل )
( يدك الصفا دكا ولو مر بعضه ... وأيسره عالي الستار ويذبل )
( دعا النصر والتأييد راياته اسحبي ... على أثرينا ذيل مرط مرحل )
( لواء منير النصل طاو كأنه ... منارة ممسى راهب متبتل )
( كأن دم الأعداء في عذباته ... عصارة حناء بشيب مرجل )
( صحاب بروا هام العداة وكم قروا ... صفيف شواء أو قدير معجل )
( وكم أكثروا ما طاب من لحم جفرة ... وشحم كهداب الدمقس المفتل )
( وكم جبن من غبراء لم يسق نبتها ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل )
( حكى طيب ذكراهم ومر كفاحهم ... مداك عروس أو صلاية حنظل )
( لأمداح الخلق قلبي قد صبا ... وليس فؤادي عن هواها بمنسل )
( فدع من لأيام صلحن له صبا ... ولا سيما يوم بدارة جلجل )

( وأصبح عن أم الحويرث ما سلا ... وجارتها أم الرباب بمأسل )
( وكن في مديح المصطفى كمدبج ... يقلب كفيه بخيط موصل )
( وأمل به الأخرى ودنياك دع فقد ... تمتعت من لهو بها غير معجل )
( وكن كنبيث للفؤاد منابث ... نصيح على تعذاله غير مؤتل )
( ينادي إلهي إن ذنبي قد عدا ... علي بأنواع الهموم ليبتلي )
( فكن لي مجيرا من شياطين شهوة ... علي حراص لو يسرون مقتلي )
( وينشد دنياه إذا ما تدللت ... أفاطم مهلا بعض هذا التدلل )
( فإن تصلي حبلي بخير وصلته ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي )
( وأحسن بقطع الحبل منك وبته ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل )
( أيا سامعي مدح الرسول تنشقوا ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل )
( وروضة حمد للنبي محمد ... غذاها نمير الماء غير المحلل )
( ويا من أبى الإصغاء ما أنت مهتد ... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي )
( فلو مطفلا أنشدتها لفظها ارعوت ... فألهيتها عن ذي تمائم محول )
( ولو سمعته عصم طود أمالها ... فأنزل منها العصم من كل منزل )
وقد عرفت بحازم هذا في أزهار الرياض وذكرت جملة من نظمه ومن بارع ما وقع له قوله
( أدر المدامة فالنسيم مؤرج ... والروض مرقوم البرود مدبج )
( والأرض قد لبست برود جمالها ... فكأنما هي كاعب تتبرج )
( والنهر مما ارتاح معطفه إلى ... لقيا النسيم عبابه متموج )
( يمسي الأصيل بعسجدي شعاعه ... أبدا يوشى صفحه ويدبج )
( وتروم أيدي الريح تسلب ما اكتسى ... فتزيده حسنا بما هي تنسج )
( فارتح لشرب كؤوس راح نورها ... بل نارها في مائها تتوهج )

واسكر بنشوة لحظ من أحببته ... أو كأس خمر من لماه تمزج )
( واسمع إلى نغمات عود تطبي ... قلب الخلي إلى الهوى وتهيج )
( بم وزير يسعدان مثانيا ... ومثالثا طبقاتها تتدرج )
( من لم يهيج قلبه هذا فما ... للقلب منه محرك ومهيج )
( فأجب فقد نادى بألسن حاله ... للأنس دهر للهموم مفرج )
( طربت جمادات وأفصح أعجم ... فرحا وأصبح من سرور يهزج )
( أفيفضل الحي الجماد مسرة ... والحي للسراء منه أحوج )
( ما العيش إلا ما نعمت به وما ... عاطاك فيه الكأس ظبي أدعج )
( ممن يروقك منه ردف مردف ... عبل وخصر ذو اختصار مدمج )
( فإذا نظرت لطرة ولغرة ... ولصفحة منه بدت تتأجج )
( أيقنت أن ثلاثهن وما غدا ... من تحتها ينآد أو يتموج )
( ليل على صبح على بدر على ... غصن تحمله كثيب رجرج )
( كأس ومحبوب يظل بلحظه ... قلب الخلي إلى الهوى يستدرج )
( يا صاح ما قلبي بصاح عن هوى ... شيئان بينهما المنى تستنتج )
( وبمهجتي الظبي الذي في أضلعي ... قد حل وهو يشبها ويؤجج )
( ناديت حادي عيسه يوم النوى ... والعيس تحدى والمطايا تحدج )
( قف أيها الحادي أودع مهجة ... قد حازها دون الجوانح هودج )
( لما تواقفنا وفي أحداجها ... قمر منير بالهلال متوج )
( ناديتهم قولوا لبدركم الذي ... بضيائه تسري الركاب وتدلج )
( يحيي العليل بلفظة أو لحظة ... تطفي غليلا في الحشا يتأجج )
( قالوا نخاف يزيد قلبك لاعجا ... فأجبتهم خلوا اللواعج تلعج )
( وبكيت واستبكيت حتى ظل من ... عبراتنا بحر ببحر يمرج )
( وبقيت أفتح بعدهم باب المنى ... ما بيننا طورا وطورا يرتج )

( وأقول يا نفس اصبري فعسى النوى ... بصباح قرب ليلها يتبلج )
( فترقب السراء من دهر شجا ... والدهر من ضد لضد يخرج )
( وترج فرجة كل هم طارق ... فلكل هم في الزمان تفرج )
وتذكرت هنا جيمية ابن قلاقس وهي
( عرضت لمعترض الصباح الأبلج ... حوراء في طرف الظلام الأدعج )
( فتمزقت شيم الدجى عن غرتي ... شمسين في أفق وكلة هودج )
( ووراء أستار الجمول لواحظ ... غازلن معتدل الوشيج الأعوج )
( من كل مبتسم السنان إذا جرى ... دمع النجيع من الكمي الأهوج )
( ولقد صحبت الليل قلص برده ... لعباب بحر صباحه المتموج )
( وكأن منتثر النجوم لآلىء ... نظمت على صرح من الفيروزج )
( وسهرت أرقب من سهيل خافقا ... متفردا وكأنه قلب الشجي )
( واستعبرت مقل السحاب فأضحكت ... منها ثغور مفوف ومدبج )
ولنعد إلى ذكر أبي بكر ابن جزي فنقول
وله تقييد في الفقه على كتاب والده المسمى بالقوانين الفقهية ورجز في الفرائض وإحسانه كثير وتقدم قاضيا للجماعة بحضرة غرناطة ثامن شوال عام ستين وسبعمائة ثم صرف عنها ثم لما توفي الأستاذ الخطيب العالم الشهير أبو سعيد فرج بن لب رحمه الله تعالى وكان خطيب الجامع الأعظم بغرناطة ولي عوضا عنه أستاذا وخطيبا عام اثنين وثمانين وسبعمائة فبقي في الخطابة ثلاثة أعوام ثم توفي وأظن وفاته آخر عام خمسة وثمانين وسبعمائة رحمه الله تعالى

وأما أخوه أبو عبد الله محمد فهو الكاتب المجيد أعجوبة الزمان وتوفي بفاس رحمه الله تعالى عام ثمانية وخمسين وسبعمائة وقيل وهو الصواب إن وفاته آخر شوال من السنة قبلها حسبما ألفيته بخط بعض أكابر الثقات بداره من البيضاء وهي فاس الجديدة قرب مغرب يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شوال من عام سبعة وخمسين وسبعمائة وكان دفنه يوم الأربعاء بعد صلاة العصر وراء الحائط الشرقي الذي بالجامع الأعظم من المدينة البيضاء وكان مولده في شوال من عام واحد وعشرين وسبعمائة انتهى
قال الأمير ابن الأحمر في نثير الجمان أدركته ورأيته وهو من أهل بلدنا غرناطة وكان أبوه أبو القاسم محمد أحد المفتين بها عالم الأندلس الطائرة فتياه منها إلى طرابلس وقتل شهيدا بطريف بعد أن أبلى بلاء حسنا وأبو عبد الله ابنه هذا كتب بالأندلس في حضرة ابن عم أبينا أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف وله فيه أمداح عجيبة ولم يزل كاتبا في الحضرة الأحمرية النصرية إلى أن امتحنه أمير المسلمين أبو الحجاج انتهى
ويعني ابن الأحمر بهذا الامتحان أنه ضربه بالسياط من غير ذنب اقترفه بل ظلمه ظلما مبينا هكذا ألفيته في بعض المقيدات
ثم قال ابن الأحمر فقوض الرحال عن الأندلس واستقر بالعدوة فكتب بالحضرة المرينية لأمير المسلمين أبي عنان إلى أن توفي بها رحمه الله تعالى وكان رحمه الله تعالى طلع في سماء العلوم بدرا مشرقا وسارت براعته مغربا ومشرقا وسما بشعره فوق الفردقين كما أربى بنثره على الشعرى والبطين له باع مديد في التاريخ واللغة والحساب والنحو والبيان والآداب بصير بالفورع والأصول والحديث عارف بالماضي من الشعر والحديث

إن نظم أنساك أبا ذؤيب برقته ونصيبا بمنصبه ونخوته وإن كتب أربى على ابن مقلة بخطه وإن أنشأ رسالة أنساك العماد بحسن مساقها وضبطه وهو رب هذا الشان وفارس هذا الميدان ومع تفننه في الشعر فهو في العلوم قد نبغ وما بلغ أحد من شعراء عصره منه ما بلغ بل سلموا التقدم فيه إليه وألقوا زمام الاعتراف بذلك في يديه ودخلوا تحت راية الأدب التي حمل إذ ظهر ساطع براعته ظهور الشمس في الحمل أنشدني لنفسه يمدح أمير المسلمين أبا الحجاج يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل عم أبينا ابن جدنا الرئيس الأمير أبي سعيد فرج هذه القصيدة البارعة وحذف منها الراء المهملة
( قسما بوضاح السنا الوهاج ... من تحت مسدول الذوائب داج )
( وبأبلج بالمسك خطت نونه ... من فوق وسنان اللواحظ ساجي )
( وبحسن خد دبجت صفحاته ... فغدت تحاكي مذهب الديباج )
( وبمبسم كالعقد نظم سلكه ... ولمى حكى الصهباء دون مزاج )
( وبمنطق تصبو القلوب لحسنه ... أنسى المسامع نغمة الأهزاج )
( وبمائس الأعطاف تثنيه الصبا ... فيميس كالخطي يوم هياج )
( ومنعم مثل الكثيب يقله ... مستضعف يشكو من الإدماج )
( وبموعد للوصل أنجز فجأة ... من بعد طول تمنع ولجاج )
( وبأكؤس أطلعن في جنح الدجى ... شمس السلافة في سماء زجاج )
( وحدائق سحب السحاب ذيوله ... فيها وبات لها النسيم يناجي )
( وجداول سلت سيوفا عندما ... فجئت بجيش للصبا عجاج )
( وبأقحوان قد تضاحك إذ بكت ... عين الغمام بمدمح ثجاج )
( وقدود أغصان يملن كأنها ... تخفي حديثا بينها وتناجي )
( وحمائم يهتفن شجوا بالضحى ... فهديلهن لذي الصبابة شاجي )

( إن المعالي والعوالي والندى ... والبأس طوع يدي أبي الحجاج )
( ملك تتوج بالمهابة عندما ... لم يستجز في الدين لبس التاج )
( وأفاض حكم العدل في أيامه ... فالحق أبلج واضح المنهاج )
( هو منقذ العاني ومغني المعتفي ... ومذلل العاتي وغوث اللاجي )
( ماضي العزيمة والسيوف كليلة ... طلق المحيا والخطوب دواجي )
( علم الهدى والناس في عمياء قد ... ضلوا لوقع الحادث المهتاج )
( غيث الندى والسحب تبخل بالحيا ... والمحل يبدي فاقه المحتاج )
( ليث الوغى والخيل تزجي بالقنا ... والبيض تنهل في دم الأوداج )
( يتقشع الإظلام إذ يبدو له ... وجه كمثل الكوكب الوهاج )
( من آل قيلة من ذؤابة سعدها ... أعلى بني قحطان دون خلاج )
( حيث العلا ممدودة الأطناب لم ... تخلق معالمها يد الإنهاج )
( والأعوجيات السوابق تمتطي ... فتظلل الآفاق سحب عجاج )
( والبيض والأسل العوامل تقتضي ... مهج الكماة بأبلغ الإزعاج )
( مجد ليوسف جمعت أشتاته ... أعيا سواه بعد طول علاج )
( مولاي هاك عقيلة تزهو على ... أخواتها كالغادة المغناج )
( إنشاء عبد خالص لك حبه ... ومن العبيد مداهن ومداجي )
( آوى إلى أكناف نعماك التي ... ليست إليه صلاتها بخداج )
( سباق ميدان البلاغة والوغى ... لشعاب كل منهما ولاج )
( جانب أخت الزاي منها عامدا ... فأتت من الإحسان في أفواج )
( فافتح لها باب القبول وأول من ... أهداكها ما يبتغي من حاج )
ثم قال ابن الأحمر وأنشدني أيضا لنفسه يمدح أمير المؤمنين المتوكل على الله أبا عنان فارس ملك المغرب

( إن قلبي لعهدة الصبر ناكث ... عن غزال في عقدة السحر نافث )
( أضرم النار في فؤادي وولي ... قائلا لا تخف فإني عابث )
( ورماني من مقلتيه بسهم ... ثم قال اصطبر لثان و ثالث )
( كم عذول أتى يناظر فيه ... كان تعذاله على الحب باعث )
( ويمين آليتها بالتسلي ... فقضى حسنه بأني حانث )
( جبر الله صدع قلب عميد ... صدعت شمله صروف الحوادث )
( فهو يهفو إلى البروق ويروي ... عن نسيم الصبا ضعاف الأحادث )
( سلبته الأشجان إلا بقايا ... من أماني حبالهن رثائث )
( وبكاء على عهود مواض ... ملأت صدره هموما حدائث )
( لست وحدي أشكو بليلة وجدي ... إن داء الغرام ليس بحادث )
( يا مضيع العهود والله يعفو ... عنك إنى ارتضيت خطه ناكث )
( غرني منك والجمال غرور ... وظبي اللحظ في القلوب عوابث )
( مقل يقتسمن أعشار قلبي ... بالرضى مني اقتسام الموارث )
( كيف غيرت بانتزاحك حالي ... وتغيرت لي ولست بحارث )
( فرط حبي وفرط بخلك آلى ... أن عينيك بالفتور نوافث )
( وندى فارس وحسبك ردا ... قول من قال سد باب البواعث )
( ملك البأس والندى فهو بالسيف ... وبالسيب عائث أو غائث )
( محرز المجد والثناء فهذا ... سائر في الورى وذلك لابث )
( أوطأ الشهب رجله وترقى ... صاعدا في سموه غير ماكث )
( فدرار تسري وما لحقته ... ونجوم خلف القصور لوابث )
( وله المقربات لا بل هي العقبان ... من فوقها الليوث الدلاهث )

( مطلعات من كل نعل هلالا ... فلهذا تجلو دجى كل حادث )
( إن ترافقن فالجبال الرواسي ... أو تسابقن فالغيوث الحثائث )
( والمواضي كأنها قد أعيرت ... حدة الذهن منه عند المباحث )
( هي نار محرقات الأعادي ... وهي ماء مطهرات الخبائث )
( فيردن الوغى ذكورا عطاشا ... ثم يصدرن ناهلات طوامث )
( من معانيه قد رأينا عيانا ... كل فضل ينصه من يحادث )
( خلق كالنسيم مر سحيرا ... بالأزاهير في البطاح الدمائث )
( في سبيل الإله يقصي ويدني ... ويوالي في ذاته ويناكث )
( شرف الملك منه سام وحام ... ففدته سام وحام ويافث )
( هاكها من بنات فكري بكرا ... ليس يسمو لها من الناس طامث )
( ذات لفظ لا يعتريه اختلال ... ومعان لا تنتحيها المباحث )
( زعماء القريض أبقوا بقايا ... كنت دون الورى لهن الوارث )
( من أراد انتقادها فهي هذي ... عرضة البحث فليكن جد باحث )
ورأيت بخط ابن الصباغ العقيلي على هامش قوله وندى فارس وحسبك ردا 000البيت ما نصه ما أبدع تخلصه للمدح وأطبعه فإنه أشار إلى قول الشاعر رادا عليه بالتبكيت ومعقبا له بالتعنيت
( قالوا تركت الشعر قلت ضرورة ... باب السماحة والملاحة مغلق )
( مات الكرام فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق )
وقيل إن السلطان أبا عنان أطل من برج يشاهد الحرب بين الثور والأسد على ما جرت به عادة الملوك فقال ابن جزي المذكور في وصف الحال

( لله يوم بدار الملك مر به ... من العجائب ما لم يجر في خلدي )
( لاح الخليفة في برج العلا قمرا ... يشاهد الحرب بين الثور والأسد )
ومن بارع نظمه رحمه الله تعالى قوله
( أ با حسن إن شتت الدهر شملنا ... فليس لود في الفؤاد شتات )
( وإن حلت عن عهد الإخاء فلم يزل ... لقلبي على حفظ العهود ثبات )
( وهبني سرت مني إليك إساءة ... الم تتقدم قلبها حسنات )
وقوله وهو بحال مرض
( إن يأخذ السقم من جسمي مآخذه ... وأصبح القوم من أمري على خطر )
( فإن قلبي بحمد الله مرتبط ... بالصبر والشكر والتسليم للقدر )
( فالمرء في قبضة الأقدار مصرفه ... للبرء والسقم أو للنفع والضرر )
وحكي أن الفقيه الرحال أبا اسحاق إبراهيم ابن الحاج النميري بقي في خلوته جميع شهر رمضان المعظم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة فلما خرج في يوم عيد الفطر أنشده صهره أبو عبد الله ابن جزي المذكور لنفسه
( ما سرار البدور إلا ثلاث ... فلماذا أرى سرارك شهرا )
( أتعجلته سرارا لعام ... ثم تبقى في سائر العام بدرا )
وحكي أنه كتب للرئيس صاحب القلم الأعلى والعلامة بفاس أبي القاسم ابن رضوان يطلب منه شراب سكنجبين وقصد التصحيف بقوله أحسن زان بيتك نجيب تسر به بر مرضي تصحيفه أحب شراب سكنجبين شربه برء مرضي قال فجاوبني ابن رضوان بقوله أن برك نفيس تصحيفه مقلوبا يشفيك ربنا
ومن نظم ابن جزي المذكور قوله

( رعى الله عهدا بالمرية ما أرى ... به أبدا ما عشت في الناس بالناسي )
( وكيف ترى بالله صحبة معشر ... مجاهد بعض منهم وابن عباس )
وقوله في الزاوية التي أنشأها السلطان أبو عنان
( هذا محل الفضل والإيثار ... والرفق بالسكان والزوار )
( دار على الاحسان شيدت والتقى ... فجزاؤها الحسنى وعقبى الدار )
( هي ملجأ للواردين ومورد ... لابن السبيل وكل ركب ساري )
( آثار مولانا الخليفة فارس ... أكرم بها في المجد من آثار )
( لا زال منصور اللواء مظفرا ... ماضي العزائم سامي المقدار )
( بنيت على يد عبدهم وخديم بابهم ... العلي محمد بن جدار )
( في عام أربعة وخمسين انقضت ... من بعد سبع مئين في الاعصار )
ومن نظمه قوله موريا
( وما أنسى الأحبة يوم بانوا ... تخوض مطيهم بحر الدموع )
( وقالوا اليوم منزلنا الحنايا ... فقلت نعم ولكن من ضلوعي )
وقوله موريا أيضا
( ورب يهودي أتى متطببا ... ليأخذ ثارات اليهود من الناس )
( إذا جس نبض المرء أودى بنفسه ... سريعا ألم تسمع بفتكة جساس )
وقوله
( من أي أشجاني التي جنت النوى ... أشكو العذاب وهن في تنويع )
( من وصلي الموقوف أو من هجري الموصول ... أو من نومي المقطوع )

( أو من حديث تولهي وتولعي ... خبرا صحيحا ليس بالموضوع )
( يرويه خدي مسندا عن أدمعي ... عن مقلتي عن قلبي المفجوع )
وأول هذه القصيدة
( ذهبت حشاشة قلبي المصدوع ... بين السلام ووقفة التوديع )
وقد ضمن شطرها الفقيه عبيد شارح الحلبة اذ قال من قصيدة مطلعها
( اهمي دموعك ساعة التوديع ... يا مقلتي ممزوجة بنجيع )
بقوله
( يوم استقلت عيسهم وترحلوا ... ذهبت حشاشة قلبي المصدوع )
وقوله
( بخدي وجسمي والفؤاد وأدمعي ... شهود بهم دعوى الغرام تصحح )
( ومن عجب أن رجح الناس نقلهم ... وكلهم ذو جرحة فيه تقدح )
( فجسمي ضعيف والفؤاد مخلط ... ودمعي مطروح وخذي مجرح )
وقوله
( يا محيا كتب الحسن به ... أحرفا أبدع فيها وبرع )
( ميم ثغر ثم نون حاجب ... ثم عين هي تتميم البدع )
( أنا لا أطمع في وصلك لي ... وعلى وجهك مكتوب منع )
ثم قال ابن الأحمر ومن إنشائه البارع موريا بالكتب ورفعها لأمير المؤمنين

المتوكل على الله أبي عنان فارس رحمه الله تعالى يهنيه بإبلال ولده ولي عهده الأمير أبي زيان محمد بن مرض
( ماذا عسى أدب الكتاب يوضح من ... خصال مجدك وهو الزاهر الزاهي )
( وما الفصيح بكليات موعبها ... كاف فيأتي بأنباء وإنباه )
أبقى الله تعالى مولانا الخليفة ولسعادته القدح المعلى ولزاهر كماله التاج المحلى تجلى من حلاه نزهة الناظر ويسير بعلاه المثل السائر ويتسق من سناه العقد المنظم ويتضح بهداه القصد الامم ولا زالت مقدمات النصر له مبسوطة ومعونة السعد بإشارته منوطة وهدايته متكلفلة باحياء علوم الدين وإيضاح منهاج العابدين وإرشاده يتولى تنبيه الغافلين ويأتي من شفاء الصدور بالنور المبين وميقات الخدمة ببابه مطمح الانفس وملخص الجود من كفه بغية الملتمس قد حكم ادب الدين والدنيا بأنك سراج الملوك لما أتت عوارفك بالمشرع السلسل ومعارفك بنظم السلوك ووضحت معالم مجدك وضوح انوار الفجر وزهت بعدلك المسالك والممالك زهو خريدة القصر فلك في جمهرة الشرف النسب الوسيط ومن جمل المآثر الخلاصة والبسيط وسيل الخيرات لها برعايتك تيسير ومحاسن الشريعة لها بتحصيلك تحبير وانت حجة العلماء الذي تقصر عن تقصي مآثره فطن الاذكياء ان انبهم التفسير ففي يدك ملاك التأويل أو اعتاص تفريع الفقه فعندك فصل البيان له والتحصيل وان تشعب التاريخ فلديك استيعابه أو تطاول الادب ففي ايجاز بيانك اقتضابه وان ذكر الكلام ففي انتقائك من برهانه المحصول او المنطق ففي موجز آمالك لبابه المنخول وليس اساس البلاغة الا ما تأتي به من فصل المقال ولا جامع

الخير الا حزته من تهذيب الكمال ولذلك صارت خدمتك غاية المطلوب وحبك قوت القلوب ولا غرو ان كنت من العلياء درتها المكنونة فاسلافك الكرام هم جواهرها الثمينة بحماستهم أصيبت مقاتل الفرسان وبجود جودهم تسنى ري الظمآن وبتسهيل عدلهم وضحت شعب الايمان وانت المنتقى من سمط جمانهم والواسطة في قلائد عقيانهم عنك تؤثر سيرة الاكتفاء وعن فروعك السعداء تروى أخبار نجباء ألابناء فهم لمملكتك العلية بهجة مجالسها وأنس مجالسها وقطب سرورها ومطالع نورها وولي عهدك درتهم الخطيرة وذخيرتهم الأثيرة لا زال كامل سعادته بطول مقامك محكما وحرز أمانيه بالجمع بين الصحيحين حبك ورضاك معلما وقد وجبت التهنئة بما كان في حيلة برئه من التيسير وما تهيأ في استقامة قانون صحته من نجح التدبير ولم يكن الا ان بعدت به عنك المسالك واعوز نور طرفه تقريب المدارك وتذكر ما عهده من الايناس الموطأ جنابه عند أفضل مالك فوري شوقه سقط الزند والتهب في جوانحه قبس الوجد فأمددته من دعائك بحلية الاولياء فظفر لما شارف مشارق الأنوار من حضرتك بالشفاء وقد حاز اكمال الأجر بذلك العارض الوجيز وكان له كتشبيب الابريز وها هو قادم بالطالع السعيد آيب بالمقصد الأسنى من الفتح والتمهيد يطلع بين يديك طلوع الشهاب ويبسم عن مفصل الثناء في الهناء بذلك زهر الآداب فاعد له تحفة القادم من احسانك الكامل واخصصه بالتكملة من إيناسك الشامل فهو الكوكب الدري المستمد من أنوارك السنية وفي تهذيب شمائله ايضاح للخلق الكريمة الفارسية لازالت تزدان بصحاح مآثرك عيون الاخبار وتتعطر بنفحة الزهر من ثنائك روضة الأزهار وتتلى من محامدك الآيات البينات وتتوالى عليك الألطاف الالهيات بمن الله سبحانه وفضله والسلام الكريم

يعتمد المقام العلي ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
وللمذكور عدة مقطعات يوري فيها بأسماء الكتب فمنها قوله
( ظبي هو الكامل في حسنه ... وثغره أبهى من العقد )
( جماله المدهش لكنما ... أخلاقه تحكي صبا نجد )
وقوله أيضا
( لك الله من خل حباني برقعة ... حبتني من آياتها بالنوادر )
( رسالة رمز في الجمال نهاية ... ذخيرة نظم أتحفت بالجواهر )
وقوله
( قصتي في الهوى المدونة ... الكبرى وأخبار عشقي المبسوطة ) ( حجتي في الغرام واضحة إذ ... لم تزل مهجتي بوجد منوطة )

نماذج من التورية بأسماء الكتب
وتذكرت بالتورية بأسماء الكتب قول الأرجاني
( لما تألق بارق من ثغره ... جادت دموعي بالسحاب الممطر )
( فكأن عقد الدر حل قلائد العقيان ... منه على صحاح الجوهري )
وقول لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( وظبي لأوضاع الجمال مدرس ... عليم بأسرار المحاسن ماهر )
( أرى جيده نص المحلى وقررت ... ثناياه ما ضمت صحاح الجواهر )

وقول ابن خاتمة
( ومعظم الأنفاس يبسم دائما ... عن در ثغر زانه ترتيب )
( من لم يشاهد منه عقد جواهر
لم يدر ما التنقيح والتهذيب )
وقوله أيضا
( سفهني عاذلي عليه ... وقال لي وده عليل )
( فقلت معتل أو صحيح ... يودعه عينه الخليل )
وقوله أيضا
( حازالجمال بصورة قمرية ... تجلو عليك مشارق الأنوار )
( وحوى الكمال بصورة عمرية ... تتلو عليك مناقب الأبرار )
وقول الرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي
( من اغتدى موطأ أكنافه ... صح له التمهيد في أحواله )
( وقابل استذكاره بالمنتقى ... من رأيه المختار من أعماله )
( وأضحت المسالك الحسنى له ... تدني تقصيا قصى آماله )
( وسار من مشارق الأنوار في ... أدنى المدارك إلى إكماله )
ولما وقف على هذه القطعة الفاضل أبو علي حسين بن صالح بن أبي دلامة عارضها وزاد ذكر القبس والمعلم

( قل للموطأ للورى أكنافه ... بشراه بالتمهيد في الأحوال )
( وإذا اكتفى بالمنتقى استذكاره ... وفى له المختار في الأعمال )
( ومسالك الحسنى تؤديه إلى ... أقصى التقصي من قصى الآمال )
( ويلوح من قبس الهداية رشده ... من معلم التفصيل والإجمال )
رجع إلى ابن جزي ومن نظمه
( يا دوحة الأنس من بطحاء واسجة ... هل من سبيل إلى أيامك الأول )
( إذ تجتلي أوجه الإيناس مسفرة ... ونجتني ثمر اللذات والغزل )
ومن نظمه رحمه الله تعالى عند خروجه إلى بلاد المغرب وورى بكتابي تحفة القادم وزاد المسافر فقال
( وإني لمن قوم يهون عليهم ... ورود المنايا في سبيل المكارم )
( يطيرون مهما ازور للدهر جانب ... بأجنحة من ماضيات العزائم )
( وما كل نفس تحمل الذل إني ... رأيت احتمال الذل شأن البهائم )
( إذا أنا لم أظفر بزاد مسافر ... لديكم فعند الناس تحفة قادم )
وزاد المسافر لصفوان والتحفة لابن الأبار
ومن نظمه قوله
( نصب الحبائل للورى بالحسن إذ ... رفع اللثام وذيله مجرور )
( وأماله عني العواذل غيلة ... فهو الممال وقلبي المكسور )
وقوله أيضا
( تلك الذؤابة ذبت من شوقي لها ... واللحظ يحميها بأي سلاح )
( يا قلب فانج وما إخالك ناجيا ... من فتنة الجعدي والسفاح )

وقوله أيضا
( وعاشق صلى ومحرابه ... وجه غزال ظل يهواه )
( قالوا تعبدت فقلت نعم ... تعبدا يفهم معناه )
وقوله رحمه الله تعالى
( لاتعد صنفك إن ذهبت لصاحب ... تعتده لكن تخير وانتق )
( أوما ترى الأشجار مهما ركبت ... إن خولفت أصنافها لم تعلق )
وقوله رحمه الله تعالى
( أيتها النفس قفي عندما ... ألزمت فعلا كان أو قولا )
( فمن يكن يرضى بما ساءه ... أوسره فهو له الأولى )
( لا يترك العبد وما شاءه ... إلا إذا أهمله المولى )
وقوله أيضا
( لولا ثلاث قد شغفت بحبها ... ما عفت في حوض المنية موردي )
( وهي الرواية للحديث وكتبه ... والفقه فيه وذاك حسب المهتدي )
وأما أخوهما القاضي أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم بن جزي فهو الإمام العالم العلامة المعمر رئيس العلوم اللسانية قال في الإحاطة هذا الفاضل قريع بيت نبيه وسلف شهير وأبوة خير وأخوة بليغة وخؤولة اديب حافظ قائم على فن العربية مشارك في فنون لسانية ظرف في الإدراك جيد النظم مطواع القريحة باطنه نبل وظاهره غفلة قعد للإقراء ببلده غرناطة معيدا ومستقلا ثم تقدم للقضاء بجهات نبيهة على زمن الحداثة أخذ عن والده

الأستاذ الشهير الشهيد أبي القاسم أشياء كثيرة وعن القاضي أبي البركات ابن الحاج وقاضي الجماعة الشريف السبتي والأستاذ البياني والأستاذ الأعرف أبي سعيد ابن لب والشيخ المقرىء أبي عبد الله ابن بيبش وأجازه رئيس الكتاب أبو الحسن ابن الجياب وقاضي الجماعة أبو عبد الله ابن بكر وأبو محمد ابن سلمون والقاضي ابن شبرين والشيخ أبو حيان وقاضي الجماعة أبو عبد الله المقري وأبو محمد الحضرمي وجماعة آخرون وشعره نبيل الأغراض حسن المقاصد انتهى المقصود منه
وممن أخذ عنه العباس البقني شارح البردة والقاضي أبو بكر ابن عاصم وبالإجازة الإمام ابن مرزوق الحفيد وغيرهم
وقد عرف ابن فرحون في الديباج المذهب بأبيه الشهيد أبي القاسم وأخيه القاضي أبي بكر دونه وعرف ابن الخطيب في الإحاطة بأبيه وأخويه أبي بكر وأبي عبد الله وفيما ذكرنا من أمرهم كفاية
ومما نسبه الوادي آشي لأبي محمد عبد الله بن جزي قوله
( يا من أتاني بعده بعدما ... عاملته بالبر واللطف )
( إني تأملت وقد سرني ... بجملة من سورة الكهف )
وله أيضا
( لقد قطعت قلبي يا خليلي ... بهجر طال منك على العليل )
( ولكن ما عجيب منك هذا ... إذ التقطيع من شأن الخليل )
رجع إلى مشايخ لسان الدين رحمه الله تعالى

27 - ومنهم القاضي الأديب جملة الظرف أبو بكر ابن شبرين
وقد استوفى ترجمته في الإحاطة وذكره أيضا في ترجمة ذي الوزارتين ابن الحكيم بأن قال بعد حكايته قتل ابن الحكيم ما صورته وممن رثاه شيخنا أبو بكر ابن شبرين رحمه الله تعالى بقوله
( سقى الله أشلاء كرمن على البلى ... وما غض من مقدارها حادث البلا )
( ومما شجاني أن أهين مكانها ... وأهمل قدر ما عهدناه مهملا )
( ألا اصنع بها يا دهر ما أنت صانع ... فما كنت إلا عبدها المتذللا )
( سفكت دما كان الرقوء نواله ... لقد جئتما شنعاء فاضحة الملا )
( بكفي سبنتى أزرق العين مطرق ... عدا فغدا في غيه متوغلا )
( لنعم قتيل القوم في يوم عيده ... قتيل تبكيه المكارم والعلا )
( ألا أن يوم ابن الحكيم لمثكل ... فؤادي فما ينفك ما عشت مثكلا )
( فقدناه في يوم أغر محجل ... ففي الحشر نلقاه أغر محجلا )
( سمت نحوه الأيام وهو عميدها ... فلم تشكر النعمى ولم تحفظ الولا )
( تعاورت الأسياف منه ممدحا ... كريما سما فوق السماكين مزحلا )
( وخانته رجل في الطواف به سعت ... فناء بصدر للعلوم تحملا )
( وجدل لم يحضره في الحي ناصر ... فمن مبلغ الأحياء أن مهلهلا )

( يد الله في ذاك الأديم ممزقا ... تبارك ما هبت جنوبا وشمالا )
( ومن حزني أن لست أعرف ملحدا ... له فأرى للترب منه مقبلا )
( رويدك يا من قد غدا شامتا به ... فبالأمس ما كان العماد المؤملا )
( وكنا نغادي أو نراوح بابه ... وقد ظل في أوج العلا متوقلا )
( ذكرناه يوما فاستهلت جفوننا ... بدمع إما ما أمحل العام أخضلا )
( ومازج منا الحزن طول اعتبارنا ... ولم ندر ماذا منهما كان أطولا )
( وهاج لنا شجوا تذكر مجلس ... له كان يهدي الحي والملأ الألى )
( به كانت الدنيا تؤخر مدبرا ... من الناس حتما أو تقدم مقبلا )
( لتبك عيون الباكيات على فتى ... كريم إذا ما أسبغ العرف أجزلا )
( علىخادم الآثار تتلى صحائحا ... على حامل القرآن يتلى مفصلا )
( على عضد الملك الذي قد تضوعت ... مكارمه في الأرض مسكا ومندلا )
( على قاسم الأموال فينا على الذي ... وضعنا لديه كل إصر على علا )
( وأنى لنا من بعده متعلل ... وما كان في حاجاتنا متعللا )
( ألا يا قصير العمر يا كامل العلا ... يمينا لقد غادرت حزنا مؤثلا )
( يسوء المصلى أن هلكت ولم تقم ... عليك صلاة فيه يشهدها الملا )
( وذاك لأن الأمر فيه شهادة ... وسنتها محفوظة لن تبدلا )
( فيا أيها الميت الكريم الذي قضى ... سعيدا حميدا فاضلا ومفضلا )
( لتهنك من رب السماء شهادة ... تلاقي ببشرى وجهك المتهللا )
( رثيتك عن حب ثوى في جوانحي ... فما ودع القلب العميد وما قلى )
( ويا رب من أوليته منك نعمة ... وكنت له ذخرا عتيدا وموئلا )
( تناساك حتى ما تمر بباله ... ولم يدكر ذاك الندى والتفضلا )

( يرابض في مثواك كل عشية ... صفيف شواء أو قديرا معجلا )
( لحي الله من ينسى الأذمة رافضا ... ويذهل مهما أصبح الأمر مشكلا )
( حنانيك يا بدر الهدى فلشد ما ... تركت بدور الأفق بعدك أفلا )
( وكنت لآمالي حياة هنيئة ... فغادرت مني اليوم قلبا مقتلا )
( فلا وأبيك الخير ما أنا بالذي ... على البعد ينسى من ذمامك ما خلا )
( فأنت الذي آويتني متغربا ... وأنت الذي أكرمتني متطفلا )
( فآليت لا ينفك قلبي مكمدا ... عليك ولا ينفك دمعي مسبلا )
وكتب ابن لسان الدين على هامش هذه القطعة ما صورته شكر الله وفاءك يا ابن شبرين وقدس لحدثك وأين مثلك في الدنيا حسنا ووفاء وعلما لا كما صنع ابن زمرك في ابن الخطيب مخدومه قاله علي بن الخطيب انتهى
28 - ومن أشياخ لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى الشيخ الأستاذ العلامة العلم الأوحد الصدر المصنف المحدث الأفضل الأصلح الأورع الأتقى الأكمل أبو عثمان سعد ابن الشيخ الصالح التقي الفاضل المبرور المرحوم أبي جعفر احمد بن ليون التجيبي رضي الله تعالى عنه وهو من أكابر الأئمة الذين أفرغوا جهدهم في الزهد والعلم والنصح وله تواليف مشهورة منها اختصار بهجة المجالس لابن عبد البر واختصار المرتبة العليا لابن راشد القفصي وكتاب في الهندسة وكتاب في الفلاحة وكتاب كمال الحافظ وجمال اللافظ في الحكم والوصايا والمواعظ وكان مولعا باختصار الكتب وتواليفه تزيد على المائة فيما يذكر وقد وقفت منها بالمغرب على أكثر من عشرين
ومما حكي عن بعض كبراء المغرب أنه رأى رجلا طوالا فقال لمن

حضره لو رآه ابن ليون لاختصره إشارة إلى كثرة اختصاره للكتب
ومن تواليفه كتاب نفح السحر في اختصار روح الشحر وروح الشعر لابن الجلاب الفهري رحمه الله ومنها كتاب أنداء الديم في الوصايا والمواعظ والحكم وكتاب الأبيات المهذبة في المعاني المقربة وكتاب نصائح الأحباب وصحائح الآداب أورد فيه مائتي قطعة من شعره تتضمن نصائح متنوعة ولننقح منها نبذه فنقول منها في التحريض على العلم قوله رحمه الله تعالى
( زاحم أولي العلم حتى ... تعتد منهم حقيقة )
( ولا يردك عجز ... عن أخذ أعلى طريقة )
( فإن من جد يعطى ... فيما يحب لحوقه )
وقوله
( شفاء داء العي حسن السؤال ... فاسأل تنل علما وقل لا تبال )
( واطلب فالاستحياء والكبر من ... موانع العلم فما إن ينال )
وقوله
( علمت شيئا وغابت عنك أشياء ... فانظر وحقق فما للعلم إحصاء )
( للعلم قسمان ما تدري وقولك لا ... أدري ومن يدعي الإحصاء هذاء )
وقوله
( من لم يكن علمه في صدره نشبت ... يداه عند السؤالات التي ترد )
( العلم ما أنت في الحمام تحضره ... وماسوى ذلك التكليف والكمد )

وقوله
( الدرس رأس العلم فاحرص عليه ... فكل ذي علم فقير إليه )
( من ضيع الدرس يرى هاذيا ... عند اعتبار الناس ما في يديه )
( فعزة العالم من حفظه ... كعزة المنفق فيما عليه )
وقال رحمه الله تعالى في غير ما سبق
( ثلاث مهلكات لا محالة ... هوى نفس يقود إلى البطالة )
( وشح لا يزال يطاع دأبا ... وعجب ظاهر في كل حاله )
وقال
( اللهو منقصة بصاحبه ... فاحذر مذلة مؤثر اللهو )
( واللغو نزه عنه سمعك لا ... تجنح له لا خير في اللغو )
وقال
( لا تمالىء على صديقك وادرأ ... عنه ما اسطعت من أذى واهتضام )
( ما تناسى الذمام قط كريم ... كيف ينسى الكريم رعي الذمام )
( تطعم الكلب مرة فيحامي ... عنك والكلب في عداد اللئام )
وقال
( احذر مؤاخاة الدنيء فإنها ... عار يشين ويورث التضريرا )
( فالماء يخبث طعمه لنجاسة ... إن خالطته ويسلب التطهيرا )
وقال

( تحفظ من الناس تسلم ولا ... تكن في تقربهم ترغب )
( ولا تترك الحزم في كل ما ... تريد ولا تبغ ما يصعب )
وقال
( إخوانك اليوم إخوان الضرورة لا ... تثق بهم يا أخي في قول أو فعل )
( لا خير في الأخ إلا أن يكون إذا ... عرتك نائبة يقيك أو يسلى )
وقال
( طلب الإنصاف من قلة ... إنصاف فساهل )
( لا تناقش وتغافل ... فاللبيب المتغافل )
( قلما يحظى أخو الإنصاف ... في وقت بطائل )
وقال
( من خافه الناس عظموه ... وأظهروا بره وشكره )
( ومن يكن فاضلا حليما ... فإنما حظه المضرة )
( فامرر وكن صارما مبيرا ... يهبك من قد تخاف شره )
وقال
( إن تبغ عدلا فما ترضى لنفسك من ... قول وفعل به أعمل في الورى تسد )
( وكل ما ليس ترضاه لنفسك لا ... تفعله مع أحد تكن أخا رشد )
وقال
( حسبي الله لقد ضلت بنا ... عن سبيل الرشد أهواء النفوس )
( عجبا أن الهوى هون وأن ... نؤثر الهون وإذلال الرؤوس )

وقال
( من يخف شره يوف الكرامة ... ويوالي الرعاية المستدامه )
( وأخو الفضل والعفاف غريب ... يحمل الذل والجفا والملامه )
وقال
( دع من يسيء بك الظنون ولا ... تحفل به إن كنت ذا همه )
( من لم يحسن ظنه أبدا ... بك فاطرحه تكتفي همه )
وقال
( نزه لسانك عن قول تعاب به ... وارغب بسمعك عن قيل وعن قال )
( لا تبغ غير الذي يعنيك واطرح الفضول ... تحيا قرير العين والبال )
وقال
( كثرة الأصدقاء كثرة غرم ... وعتاب يعيي وإدخال هم )
( فاغن بالبعض قانعا وتغافل ... عنهم في قبيح فعل وذم )
وقال
( ذل المعاصي ميتة يا لها ... من ميتة لا ينقضي عارها )
( عز التقي هو الحياة التي ... ذو العقل والهمة يختارها )
وقال
( لا تسمع يوما صديقك قولا ... فيه غض ممن يحب الصديق )
( إن بر الصديق لا شك منه ... لصديق الصديق أيضا فريق )

وقال
( للجار حق فاعتمد بره ... واحمل أذاه مغضيا ساترا )
( فالله قد وصى به فاغتفر ... زلله الباطن والظاهرا )
وقال
( سالم الناس ما استطعت وداري ... أخسر الناس أحمق لا يداري )
( ضرك الناس ضر نفسك يجني ... لا يقوم الدخان إلا لنار )
وقال
( النصح عند الناس ذنب فدع ... نصح الذي تخاف أن يهجرك )
( الناس أعداء لنصاحهم ... فاترك هديت النصح فيمن ترك )
وقال
( تجري الأمور على الذي قد قدرا ... ما حيلة أبدا ترد مقدرا )
( فارض الذي يجري القضاء به ولا ... تضجر فمن عدم الرضى أن تضجرا )
وقال :
( أخوك الذي يحميك في الغيب جاهدا ... ويستر ما تأتي من السوء والقبح )
( وينشر ما يرضيك في الناس معلنا ... ويغضي ولا يألو من البر والنصح )
وقال
( لا تصحب الأردى فتردى معه ... وربما قد تقتفي منزعه )
( فالحبل إن يجرر على صخرة ... أبدى بها طريقة مشرعة )
وقال

( ما فات او كان لا تندم عليه فما ... يفيد بعد انقضاء الحادث الندم )
( ارجع إلى الصبر تغنم أجره وعسى ... تسلو به فهو مسلاة ومغتنم )
وقال
( السخط عند النائبات زيادة ... في الكرب تنسي ما يكون من الفرج )
( من لم يكن يرضى بما يقضى فيا ... لله ما أشقى وأصعب ما انتهج )
وقال
( إن تبتغ الإخوان ما إن تجد ... أخا سوى الدينار والدرهم )
( فلا تهنهما وعززهما ... تعش عزيزا غير مستهضم )
وقال
( من يستهن بصديقه ... يعن العدو على أذاته )
( بر الصديق مهابة ... للمرء تخمل من عداته )
( فاحفظ صديقك ولتكن ... تبدي المحاسن من صفاته )
وقال
( نعوذ بالله من شر اللسان كما ... نعوذ بالله من شر البريات )
( يجني اللسان على الإنسان ميتته ... كم للسان من آفات وزلات )
وقال
( من لم يكن مقصده مدحة ... فقد أتى بحبوحة العافيه )
( محبة المدحة رق بلا ... عتق وذل يا له داهيه )
( من لا يبالي مدحا ولا ... ذما أصاب العيشة الراضية )

وقال
( شر إخوانك من لا ... تهتدي فيه سبيلا )
( يظهر الود ويخفي ... مكره داء دخيلا )
( يتقي منك اتقاء ... وهو يوليك الجميلا )
وقال
( قوام العيش بالتدبير فاجعل ... لعيشك منه في الأيام قسطا )
( وخذ بالصبر نفسك فهو عز ... تلوذ به إذا ما الخطب شطا )
وقال
( العيش ثلث فطنة ... والغير منه تغافل )
( فتغافل أن كنت امرأ ... إيثار عيشك تامل )
وقال
( ينفذ المقدور حتما لا يرد ... فعلاء الحرص دأبا والكمد )
( أرح النفس تعش في غبطة ... وكل الأمر إلى الله فقد )
وقال زر من تحب وزره ثم زره ولا ... تمل واجعله دأبا موضع النظر )
( لولا متابعة الأنفاس ما بقيت ... روح الحياة ولا دامت مدى العمر )
وقال
( لا تترك الحزم في شيء فإن به ... تمام أمرك في الدنيا وفي الدين )
( من ضيع الحزم تصحبه الندامة في ... أيامه ويرى ذل المهاوين )

وقال
( كن إذا زرت حاضر القلب واحذر ... أن تمل المزور أو أن تطيلا )
( لا تثقل على جليس وخفف ... إن من خف عد شخصا نبيلا )
وقال
( من خلا عن حاسد قد ... مات في الأحياء ذكره )
( إنما الحاسد كالنار ... لعود طاب نشره )
( لا عدمنا حاسدا في ... نعمة ليست تسره )
وقال
( حبيبك من يغار إذا زللتا ... ويغلظ في الكلام متى أسأتا )
( يسر إن اتصف بكل فضل ... ويحزن إن نقصت أو انتقصتا )
( ومن لا يكترث بك لا يبالي ... أحدت عن الصواب أم اعتدلتا )
وقال
( لن لمن تخشى أذاه ... والقه في باب داره )
( إنما الدنيا مداراة ... فمن تخشاه داره )
وقال
( حسد الحاسد رحمه ... لا يرى إلا لنعمه )
( إنما الحاسد يشكو ... حر أكباد وغمه )
( لا عدمنا حاسدا في ... نعمة تكثر همه )
وقال
( تبديل شخص بشخص ... خسران الاثنين جملة )

( فاشدد يديك على من ... عرفت وارفع محله )
( فإن قطع خليل ... بعد التواصل زله )
وقال
( أنت بخير ماتركت الظهور ... والقال والقيل وطرق الشرور )
( من خاض بحرا فهو لا بد يبتل ... ومن يجر يصبه العثور )
( سلامة المرء اشتغال بما ... يهمه لنفسه من أمور )
وقال
( أنت حر ما تركت الطمعا ... وعزيز ما تبعت الورعا )
( وكفى بالعز مع حرية ... شرفا يختاره من قنعا )
وقال
( خل بنيات الطرق ... ووافق الناس تفق )
( من خالف الناس أتى ... أعظم أبواب الحمق )
( فكن مع الناس فترك ... جملة الناس خرق )
وقال
( لا تضق صدرا بحاسد ... فهو في نار يكابد )
( من يرى أنك خير ... منه تعروه شدائد )
( إنما الحاسد يشقى ... وهو لا يحظى بعائد )

وقال
( من يستمع في صديق قول ذي حسد ... لا شك يقصيه فاحذر غيلة الحسد )
( يهابك الناس ما تدني الصديق فإن ... أقصيته زدت للأعداء في العدد )
وقال
( كم من أخ صحبته ... والنفس عنه راغبة )
( خشيت إن فارقته ... بالهجر سوء العاقبة )
وقال
( إذا كانت عيوبك عند نقد ... تعد فأنت أجدر بالكمال )
( متى سلمت من النقد البرايا ... وحسبك ما تشاهد في الهلال )
وقال
( إذا انطوت القلوب على فساد ... فإن الصمت ستر أي ستر )
( فلا تنطق وقلبك فيه شيء ... بغير الحق واحذر قول شر )
وقال
( إن كنت لا تنصر الصديق فدع ... سماعك القول فيه واجتنب )
( سماع عرض الصديق منقصة ... لا يرتضيها الكريم ذو الحسب )
وقال
( أنت في الناس تقاس ... بالذي اخترت خليلا )
( فاصحب الأخيار تعلو ... وتنل ذكرا جميلا )

( صحبة الخامل تكسو ... من يواخيه خمولا )
وقال
( اسمح يزنك السماح ... إن السماح رباح )
( لا تلق إلا ببشر ... فالبشر فيه النجاح )
( تقطيبك الوجه جد ... أجل منه المزاح )
وقال
( من كنت تعرفه كن فيه متئدا ... يكفيك من خلقه ما أنت تعرفه )
( لا تبغ من أحد عرفته أبدا ... غير الذي كنت منه قبل تألفه )
وقال
( حاسب حبيبك كالعدو تدم له ... ولك المحبة فالتناصف روحها )
( من كان يغمض في حقوق صديقه ... نقصت مودته وشيب صريحها )
وقال
( تغافل في الأمور ولا تناقش ... فيقطعك القريب وذو المودة )
( مناقشة الفتى تجني عليه ... وتبدله من الراحات شده )
وقال
( إن شئت تعرف نعمة الله التي ... أولاك فانظر كل من هو دونكا )
( لا تنظر الأعلى فتنسى ما لديك ... ومن من الضعفاء يستجدونكا )
وقال
( عجبا أن ترى قبيح سواكا ... وتعادي الذي يرى منك ذاكا )

( لو تناصفت كنت تنكر ما فيك ... وترضى الوصاة ممن نهاكا )
وقال
( جرب الناس ما استطعت تجدهم ... لا يرى الشخص منهم غير نفسه )
( فالسعيد السعيد من أخذ العفو ... ودارى جميع أبناء جنسه )
وقال
( فرط حب الشيء يعمي ويصم ... فليكن حبك قصدا لا يصم )
( نقص عقل أن يغطي حسك الحب ... أويلهيك عن أمر مهم )
وقال
( سلم وغض احتسابا ... فذا هو اليوم أسلم )
( النقد نار تخلي ... في القلب جمرا تضرم )
( فاطو اعتراضك واغفل ... عن عيب غيرك تسلم )
وقال
( عدة الكريم عطية ... لا مطل في عدة الكريم )
( المطل تحريض العداة ... وذاك من فعل اللئيم )
( فدع المطال إذا وعدت ... فإنه عمل ذميم )
وقال
( من تناسى ذنوبه قتلته ... وأبانت عنه الولي الحميما )

( ذكرك الذنب نفرة عنه تبقى ... لك إنكار فعله مستديما )
وقال
( عجبا لمادح نفسه لا يهتدي ... لتنقص يبديه فيه مدحها )
( مدح الفتى عند التحدث نفسه ... ذكرى معايبه فيدرى قبحها )
وقال
( ومن حست أخلاقه عاش في ... نعمى وفي عز هنيء وود )
( ومن تسؤ للخلق أخلاقه ... يعش حقيرا في هموم وكد )
وقال
( من كان يحمي ناسه صار ذا ... عز و هابته نفوس البشر )
( ومن يكن يخذل أحبابه ... هان ومن هان فلا يعتبر )
وقال
( قارب وسدد إذا ما كنت في عمل ... إن الزيادة في الأعمال نقصان )
( ما حالف القصد في كل الأمور هوى ... نفس وكل هوى شؤم وحرمان )
وقال ( بقدر همته يعلو الفتى أبدا ... لا خير في خامل الهمات ممتهن )
( هيهات يعلو فتى خمول همته ... يقوده لابتذال النفس والمهن )

وقال
( اصحب ذوي الحدة وارغب عن الخبيث ... فالصحبة ذا داؤها )
( وانظر إلى قول نبي الهدى ... خيار أمتي أحداؤها )
قال
( ما صديق الإنسان في كل حال ... يا أخي غير درهم يقتنيه )
( لا تعول على سواه فتغدو ... خائب القصد دون ما تبتغيه )
وقال ( يستفز الهوى للإنسان حتى ... لا يرى غير محنة أو ضلال )
( ويرى الرشد غير رشد ويغدو ... يحسب الحق من ضروب المحال )
وقال
( لا تبالغ في الشر مهما استطعتا ... وتغافل واحلم إذا ما قدرتا )
( فانقلاب الأمور أسرع شيء ... وتجازي بضعف ما قدرتا )
وقال
( مثل عواقب ما تأتي وما تذر ... واحذر فقد ترتجي أن ينفع الحذر )
( لا تقدمن على أمر بلا نظر ... فإن ذلك فعل كله خطر )
( وانظر وفكر لما ترجو توقعه ... فعمدة العاقل التفكير والنظر )
وقال
( حافظ على نفسك من كل ما ... يشينها من خلل أو زلل )

( واحرص على تخليصها بالذي ... تنجو به من قول أومن عمل )
وقال
( سكر الولاية ما له صحو ... وكلامها وحراكها وزهو )
( يهذي الفتى أيام عزتها ... فإذا تقضت نابه شجو )
( فحذار لا تغررك صولتها ... وزمانها فثبوتها محو )
وقال
( دع الجدال ولا تحفل به أبدا ... فإنه سبب للبغض ما وجدا )
( سلم تعش سالما من غير متعبة ... قرير عين إذا لم تعترض أحدا )
وقال
( إذا ترى المبتلي اشكر أن نجوت ولا ... تشمت به ولتسل من ربك العافية )
( وخف من أن تبتلى كما ابتلي فترى ... كما تراه وما تقيك من واقية )
وقال
( العمر ساعات تقضى فلا ... تقضها في السهو والغفلة )
( واعمل لما أنت له صائر ... ما دمت من عمرك في مهلة )
( ولا تكن تأوي لدينا وقل ... لا بد لابد من النقله )
وقال
( كن رفيقا إذا قدرت حليما ... وتغافل تسلك طريقا قويما )
( لا تظن الزمان يبقى على من ... سره أو ينيل عزا سليما )

( إن للدهر صولة وانقلابا ... ولهذا نعيمه لن يدوما )
وقال
( من لم يكن ينفع في الشدة ... فلا تكن معتمدا وده )
( لا تعتمد إلا أخا حرمه ... إن ناب خطب تلفه عده )
( وخل من يهزأ في وده ... ولا ترى في معضل جده )
وقال
( أخوك الذي تلفيه في كل معضل ... يدافع عنك السوء بالمال والعرض )
( ويستر ما تأتي من القبح دائما ... وينشر ما يرضى وإن سؤته يغضي )
وقال
( ولا تنه عما أنت فاعله ... وانظر لما تأتيه من ذنب )
( وابدأ بنفسك فانهها فإذا ... تقفو الصواب فأنت ذو لب )
وقال
( ليس الصديق الذي يلقاك مبتسما ... ولا الذي في التهاني بالسرور يرى )
( إن الصديق الذي يولي نصيحته ... وإن عرت شدة أغنى بما قدرا )
وقال
( عجبا لمستوف منافع نفسه ... ويرى منافع من سواه تصعب )
( ما ذاك إلا عدم إنصاف ومن ... عدم التناصف كيف يرجو يصحب )
وقال
( من عدم الهمة في راحة ... من أمره يكرم أو يهتضم )

( وإنما يشقي أخو همة ... فإن الانكاد بقدر الهمم )
وقال
( قلما تنفع المداراة إلا ... عند أهل الحفاظ والأحساب )
( من يداري اللئيم فهو من يستعمل ... الدر في نحور الكلاب )
وقال
( دنياك هذي عرض زائل ... تفتن ذا الغرة والغفلة )
( فاعمل لأخراك وقدم لها ... ما دمت من عمرك في مهله )
وقال
( نصيحة الصديق كنز فلا ... ترد ما حييت نصح الصديق )
( وخذ من الأمور ما ينبغي ... ودع من الأمور ما لا يليق )
وقال
( أنت حر ما لم يقيدك حب ... أو تكن في الورى يرى لك ذنب )
( الهوى كله هوان وشغل ... والمعاصي ذل يعانى وكرب )
وقال
( هون عليك الأمورا ... تعش هنيئا قريرا )
( واعلم بأن الليالي ... تبلي جديدا خطيرا )
( وتستبيح عظيما ... ولا تجير حقيرا )
وقال
( ألف صديق قليل ... والود منهم جميل )

( كما عدو كثير ... إذ ضره لا يزول )
( فلا تضيع صديقا ... فالنفع فيه جليل )
وقال
( دع الحسود تعاتبه لظى حسده ... حتى تراه لقى بموت من كمده )
( ما للحسود سوى الإعراض عنه وأن ... يبقى إلى كربه في يومه وغده )
وقال
( الناس حيث يكون الجاه والمال ... فخل عنك ولا تحفل بما قالوا )
( وعد عمن يقول العلم قصدهم ... أو الصلاح أما تبدو له الحال )
( انظر لماذا هم يسعون جهدهم ... بين لك الحق لا يعروه إشكال )
وقال
( توسط في الأمور ولا تجاوز ... إلى الغايات فالغايات غي )
( كلا الطرفين مذموم إذا ما ... نظرت وأخذك المذموم عي )
وقال
( عامل جميع الناس بالحسنى ... إن شئت أن تحظى وأن تهنا )
( ولا تسىء يوما إلى واحد ... فتجمع الراحة والأمنا )
وقال
( لا تفكر فللأمور مدبر ... وارض ما يفعل المهيمن واصبر )
( أنت عبد وحكم مولاك يجري ... بالذي قد قضى عليك وقدر )

وقال
( إذا رأيت القبيحا ... فقل كلاما مليحا )
( وأغض واستر وسلم ... وكن حليما صفوحا )
( تعش هنيئا وتلقى ... برا وشكرا صريحا )
وقال
( من ينكر الإحسان لا توله ... ما عشت إحسانا فلا خير فيه )
( البذر في السباخ ما إن له ... نفع فذره فهو فعل السفيه )
وقال
( من لم يكن ينفع في وده ... دعه ولا تقم على عهده )
( ود بلا نفع عناء فلا ... تعن بشيء حاد عن حده )
وقال
( در مع الدهر كيفما ... دار إن شئت تصحبه )
( ودع الحذق جانبا ... ليس بالحذق تغلبه )
( وحذار انقلابه ... فكثير تقلبه )
وقال
( من ليبس يغني في مغيب عنك لا ... تحفل به فوداده مدخول )
( يثني عليك وأنت معه حاضر ... فإذا تغيب يكون عنك يميل )
وقال
( دع نصح من يعجبه رأيه ... ومن يرى ينجحه سعيه )

( النصح وإرشاد فلا توله ... إلا فتى يحزنه غيه )
( لا يقبل النصح سوى مهتد ... يقوده لرشده هديه )
وقال
( البخت أفضل ما يؤتي الفتى فإذا ... يفوته البخت لا ينفك يتضع )
( يكفيك في البخت تيسير الأمور وأن ... يكون ما ليس ترضى عنك يندفع )
وقال
( افعل الخير ما استطعت ففعل الخير ... ذكر لفاعليه وذخر )
( وتواضع تنل علاء وعزا ... فاتضاع النفوس عز وفخر )
وقال
( صديق المرء درهمه ... به ما دام يعظمه )
( فصنه ما استطعت ولا ... تكن في اللهو تعدمه )
( ففقر المرء ميتته ... لذا تغدو فترحمه )
وقال
( لاتقرب ما اسطعت خل عدو ... فخليل العدو حلف عداوة )
( وتحفظ منه وداره وانظر ... هل ترى من سيماه إلا القساوة )
وقال
( لا تعد ذكر ما مضى فهو أمر ... قد تقضى وقد مضى لسبيله )
( وتكلم فيما تريد من الآتي ... ودبر للشيء قبل حلوله
وقال
( قساوة المرء من شقائه فإذا ... يلين ساد بلا أين ولا نصب )

لا يرحم الله إلا الراحمين فمن ... يرحم ينل رحمة في كل منقلب )
وقال
( جىء بالسماح إذا ما جئت في غرض ... ففي العبوس لدى الحاجات تصعيب )
( سماحة المرء تنبي عن فضيلته ... فلا يكن منك مهما اسطعت تقطيب )
وقال
لا تسامح يوما دنيا إذا ما ... قال في فاضل كلاما رديا )
( إن قصد الدني إنزال أهل الفضل ... حتى يرى عليهم عليا )
وقال
( خذ من القول بعضه فهو أولى ... وتحفظ مما يقول العداة )
( ربما تأخذ الكلام بجد ... وهو هزل قد نمقته عدات )
( فاحترز من غرور الأقوال واعلم ... أن الاقوال بعضها كذبات )
وقال
( نافس الأخيار كيما ... تحرز المجد الأثيلا )
( لا تكن مثل سراب ... ريء لم يشف غليلا )
( إنما أنت حديث ... فلتكن ذكرا جميلا )
وقال
( الصمت عز حاضر ... وسلامة من كل شر )
( فإذا نطقت فلا تكثر ... واجتنب قول الهذر )
( وحذار مما يتقى ... وحذار من طرق الغرر )

وقال
( سلامة الإنسان في وحدته ... وأنسه فيها وفي حرفته )
( ما بقي اليوم صديق ولا ... من ترتجي النصرة في صحبته )
( فقر في بيتك تسلم ودع ... من ابتلى بالناس في محنته )
وقال
( مطاوعة النساء إلىالندامة ... وتوقع في المهانة والغرامة )
( فلا تطع الهوى فيهن واعدل ... ففي العدل الترضي والسلامة )
وقال
( كانت مشاورة الإخوان في زمن ... قول المشاور فيهم غير متهم )
( والآن قد يخدع الذي تشاوره ... إشماتا أو حسدا يلقيك في الندم )
( فاضرع إلى الله فيما أنت تقصده ... يهديك للرشد في الأفعال والكلم )
وقال
( عد عمن يراك تصغر عنه ... وتحفظ من قربه وأبنه )
( إن من لا يراك في الناس خيرا ... منه فالخير في التحفظ منه )
وقال
( رزانة المرء تعلي قدره أبدا ... وطيشه مسقط له وإن شرفا )
( فاربأ بنفسك من طيش تعاب به ... وإن تكن حزت معه العلم والشرفا )
وقال
( الصدق عز فلا تعدل عن الصدق ... واحذر من الكذب المذموم في الخلق )

( من لازم الصدق هابته الورى وعلا ... فالزمه دأبا تفز بالعز والسبق )
وقال
( ليس التفضل يا أخي أن تحسنا ... لأخ يجازي بالجميل من الثنا )
( إن التفضل أن تجازي من أسالك ... بالجميل وأنت عنه في غنى )
وقال
( من واصل اللذات لا بد أن ... تعقبه منها الندامات )
( فخذ من اللذات واترك ولا ... تسرف ففي الإسراف آفات )
وقال
( دع معجبا بنفسه ... في غيه ولبسه )
( لا يقبل النصح لها ... من نخوة برأسه )
( فخله لكيده ... وعجبه بنفسه )
وقال
( عتب الصديق دلالة ... منه على صدق المودة )
( فإذا يقول فقصده التنزيه ... عما قام عنده )
( فاحلم إذا عتب الصديق ... ولا تخيب فيك قصده )
وقال
( ترتجى في النوائب الإخوان ... هم لدى كل شدة أعوان )
( فإذا لم يشاركوا فسواء ... هم والأعداء كيفما قد كانوا )

وقال
( انصر أخاك على علاته أبدا ... تهب وتسلك سبيل العز والظفر )
( ولا تدعه إلى الإشمات مطرحا ... فإن ذلك عين الذل والصغر )
وقال
من عز كانت له الأيام خادمة ... تريه آماله في كل ما حين )
( ومن يهن أولغت فيه المدى وأدت ... له النوائب في أثوابها الجون )
وقال
( خل المنجم يهذي في غوايته ... واقصد إلى الله رب النجم والفلك )
( لو كان للنجم حكم لم تجد أحدا ... يخالف النجم إلا انهد في درك )
وقال
( حماية المرء لمن يصحب ... تدل أن أصله طيب )
( لا خير فيمن لا يرى ناصرا ... صديقه وهو له ينسب )
وقال
( يا عاتبا من لا له همة ... ألا اتئد إلى متى تعتب )
( هل يسمع الميت أو يبصر الأعمى ... محال كل ما تطلب )
وقال
( لا يعرف الفضل لأهل الفضل ... إلا أولو الفضل من أهل العقل )
( هيهات يدري الفضل من ليس له ... فضل ولو كان من اهل النبل )

وقال
( لا تطلب المرء بما اعتدت من ... أخلاقه والمرء في وهن )
( تنتقل الأخلاق لا شك مع ... تنقل الحالات والسن )
وقال
( لا تعامل ما عشت غيرك إلا ... بالذي أنت ترتضيه لنفسك )
( ذاك عين الصواب فالزمه فيما ... تبتغيه من كل أبناء جنسك )
وقال
( باعد الناس يوالوكا ... واعتزل عنهم يهابوكا )
( فإذا ما تصطفيهم وقعوا فيك وعابوكا )
وقال
( إياك لا تخذل الصديقا ... وارع له العهد والحقوقا )
( نصرته ما قدرت عز ... تمهده للعلا طريقا )
( فلا تسامح به عدوا ... وكن له ناصرا حقيقا )
وقال
( حدث جليسك ما أصغى إليك فإن ... تراه يعرض فاقطع عنه وانصرف )
( خفف فقد يضجر الذي تجالسه ... طول المقام أو التحديث في سرف )
وقال
( جماع الخير في ترك الظهور ... وإظهار التواضع والبرور )
( وفي أضدادها من غير شك ... جميع وجوه أنواع الشرور )

وقال
( محبة الدرهم طبع البشر ... فاقنع من المرء بما قد حضر )
( وقس على نفسك في بذله ... تقف على تحقيق عين الخبر )
وقال
( لايلم غير نفسه كل من قد ... عرض النفس أن تهان فذلا )
( ينظر العاقل الأمور فيأبى ... أن يرى منه غير ما هو أولى )
وقال
( أعذر الناس من أتته المضرة ... من أخ كان يرتجي منه نصره )
( مثل من غص بالشراب فكان ... الهلك فيما رجاه يدفع ضره )
وقال
( سلم تعش سالما مما يقال ... من يعترض يعترض في كل حال )
( نقد الفتى غافلا عن عيبه ... لا يرتضى عند أرباب الكمال )
وقال
( تواضع المرء ترفيع لرتبته ... وكبره ضعة من غير ترفيع )
( في نخوة الكبر ذل لا اعتزاز له ... وفي التواضع عز غير مدفوع )
وقال

( إياك لا تنكر فضيلة كل من ... تدري فضيلته فترمي بالحسد )
( إنكارها يجني عليك تنقصا ... ويزيده شرفا يديم لك الكمد )
وقال
( انصر أخاك ما استطعت فإنما ... تعتز بالإخوان ما عزوا )
( من يخذل الإخوان يخذل نفسه ... ويهن وما لهوانه عز )
وقال
( إذا جزاك بسوء من أسأت له ... فذاك عدل وما في العدل من زلل )
( جزاء سيئة بالنص سيئة ... لا حيف في ذاك في قول ولا عمل )
وقال
( نفس وشيطان ودنيا والهوى ... يارب سلم من شرور الأربعة )
( أنت المخلص من رجاك وإنني ... أرجوك فيما أتقي أن تدفعه )
وقال
( لا تعظم يا أخي نفسك ... إن شئت السلامة )
( من يعظم نفسه يجن ... امتهانا وملامة )
( فتواضع تلق عزا ... واحتفاء وكرامة )
وقال
( دع لذة الدنيا فمن يبتلى ... بحبها ذاق عذاب السموم )
( لذاتها حلم وأيامها ... لمح ولكن كم لها من هموم )
( محبة الدنيا هلاك فمن ... يرومها أهلكه ما يروم )

وقال
( كل خل ما أنت تخطي ... لا تعول على صفاء وداده )
( إنما الخل من تناسى خطاياك ... ويبقى له جميل اعتقاده )
وقال
( من عامل الناس بالإنصاف شاركهم ... في ما لهم وأحبوه بلا سبب )
( إنصافك الناس عدل لا تزال به ... تعلو إلى أن ترى في أرفع الرتب )
وقال
( قل جميلا ان تكلمت ولا ... تقل الشر فعقبي الشر شر )
( من يقل خيرا ينل خيرا ومن ... يقل الشر اذا يخشى الضرر )
وقال
( اذا التأمت أمورك بعض شيء ... بأرضك فاستقم فيها ولازم )
( فما في غربة الانسان خير ... وما بالغربة الدنيا تلايم )
وقال ( الى متى تسرح مرخى العنان ... قل يا أخي حتى متى ذا الحران )
( ارجع الى الله وخل الهوى ... فما الهوى يا صاح الا هوان )
( قد أنذر الشيب فهل سامع ... أتن فمصغ للذي قد أبان )
وقال
( من يكفر النعمة لا بد أن ... يسلبها من حيث لا يشعر )
( ومن يكن يشكرها معلنا ... دامت له نامية تكثر )

وقال ( اعذر أخا الفقر في أن ... يضيق ذرعا بنفسه )
( الفقر موت ولكن ... من للفقير برمسه )
( إن الفقير لميت ... ما بين أبناء جنسه )
وقال
( كما تدين أنت يا صاحبي ... تدان فاعمل عمل الفاضل )
( أنت كما أنت فخل الذي ... تزين النفس من الباطل )
( وأين أنت ثم أنت أدر ذا ... حسبك فاحذر زلل العاقل )
وقال
( مالك ما أنفقته قربة ... لله والباقي حساب عليك )
( فقدم المال ترد آمنا ... من بعده وهو ثواب لديك )
وقال ( دع مدح نفسك ان أردت زكاءها ... فبمدح نفسك من مقامك تسقط )
( ما أنت تخفضها يزيد علاؤها ... والعكس فانظر أيما لك أحوط )
وقال
( ذو النقص يصحب مثله ... فالشكل يألف شكله )
( فاصحب أخا الفضل كيما ... تقفو بفعلك فعله )
( أما ترى المسك دأبا ... يكسب طيبا محله )
وقال
( من عيني المرء يبدو ما يكتمه ... حتى يكون الذي يرعاه يفهمه )

( ما يضمر المرء يبدو من شمائله ... لناظر فيه يهديه توسمه )
وقال
( انما الدنيا خيال ... وأمانيها خبال )
( حبها سكر ولكن ... وصلها ما ان ينال )
( فتنزه عن هواها ... فهوى الدنيا ضلال )
وقال
( قلما يؤذيك من لا يعرفك ... فتحفظ من صديق يألفك )
( لا تثق بالود ممن تصطفي ... كم صديق تصطفيه يتلفك )
وقال
( لا تضجرن في الامور وارض بما ... يقضي به الله فهو مكتتب )
( ما قدر الله لا مرد له ... فما يفيد العناء والتعب )
وقال
( تنزه عن دنيات الأمور ... وخذ بالحزم في الامر الخطير )
( فأشراف الأمور لها جمال ... وخطر في البهاء وفي الظهور )
( وفي سفسافها لا شك وهن ... وتمهين يشين مدى الدهور )
وقال
( من يبتلى من أهله بمنغص ... يصبر فما أحد بغير منغص )
( ومن أزمنت بالوجه منه قرحة ... يعزم على ضرر يشين مخصص )
وقال
( من كان في عزته داره ... وكرر المشي الى داره )

( قبل يدا تعجز عن قطعها ... ولن لمن تخشى من اضراره )
وقال
( لا تبتغ النعمة من جائع ... لم يرها قبل لآبائه )
( لا يرشح الاناء ما لم يكن ... ملآن قد أفعم من مائه )
وقال
( مروءة المرء رأس ماله ... وصونه أشرف اعتماله )
( من لم يصن نفسه تردى ... وزال عن رتبة اكتماله )
وقال
( ترك المطامع عزه ... واليأس أهنأ وانزه )
( هيهات يعتز مثر ... أضحى للاطماع نهزه )
( نزاهة النفس عز ... ما ذل من يتنزه )
وقال
( تعظيمك الناس تعظيم لفسك في ... قلوب الأعداء طرا والأوداء )
( من يعظم الناس يعظم في النفوس بلا ... مؤونة وينل عز الأعزاء )
وقال
( اقنع من الناس بمقدار ما ... يعطون لا تبتغ منهم مزيد )
( حسبك من كل امرىء قدر ما ... يعطيك فالأطماع ما إن تفيد )
وقال
( لن إذا كانت الأمور صعابا ... وتواضع لها تجدها قرابا )

( دار من شئت تنتفع منه واترك ... صوله الكبر فهي تجني عذابا )
( لا تكن تأخذ الأمور بعنف ... من يعاني الأمور بالعنف خابا )
وقال
( سامح الناس إن أساؤوا إليكا ... وتغافل إذا تجنوا عليكا )
( ما ترى كيف أنت تعصي ومولاك ... يزيد الإنعام دأبا لديكا )
وقال
( اغتنم ساعة الأنس ... وانس ما كان بالأمس )
( ليس للمرء من الدنيا ... سوى راحة نفس )
( من يكن حلف هموم ... باع دنياه ببخس )
وقال
( حبك الشيء يغطي قبحه ... فتراه حسنا في كل حال )
( لا يرى المحبوب إلا حسنا ... كان قبح فيه مع ذا أو جمال )
( حتم الحب على ذي الحب أن ... لا يرى المحبوب إلا في كمال )
وقال
( يحسب الناقص أن الناس قد ... غفلوا عن حاله في ضعته )
( لا يرى الناقص إلا أنه ... كامل من نعته في صفته )
( غلط المرء يغطي عقله ... أن يرى النقص الذي في جهته )
وقال

( أيام عمرك هذي ... ساعاتها رأس مالك )
( فاحرص على الخير فيها ... قبل أوان ارتحالك )
( فإنما أنت طيف ... تجتاب سبل المهالك )
وقال
( تجد الناس على النقص ولا ... تجد الكامل إلا من ومن )
( زمن الباطل وافى أهله ... وكذاك الناس أشباه الزمن )
وقال
( قل جميلا إذا أردت الكلاما ... تجن عزا مهنأ مستداما )
( إن قول القبيح يورث بغضا ... وصغارا عند الورى وملاما )
وقال
( حسن الظن تعش في غبطة ... إن حسن الظن من أوقى الجنن )
( من يظن السوء يجزى مثله ... قلما يجزى قبيح بحسن )
وقال
( إن تبغ إخوان الصفاء فهم ... تحت التراب انتقلوا للقبور )
( إخوانك اليوم كأزمانهم ... مشتبهون في جميع الأمور )
وقال
( ومستقبح من أخ خلة ... وفيه معايب تسترذل )
( كأعمى يخاف على أعور ... عثارا وعن نفسه يغفل )

وقال
( من يبتغ الود من الناس ... يكن لما قالوه بالناسي )
( أغض عن الناس تنل ودهم ... إنك لا تغني عن الناس
وقال
( أعيت مع الناس الحيل ... وبار فيهم العمل )
( في أي وجه أملوا ... يخيب منهم الأمل )
( فآثر العزلة عن ... هم تنج من كل خلل )
وقال
( لا ترج غير الله في شيء تنل ... ما تبتغيه وتكف كل تخوف )
( الله أعظم من رجوت فثق به ... فهو الذي أعطى وأنجى من كفي )
وقال
( توسل إلى الله في كل ما ... تحب بمحبوبه المصطفى )
( تنل ما تحب كما تنبغي ... وحسبك جاها به كفى )
انتهى ما لخصت واخترت من الكتاب المذكور
وهذه نبذة من كتابه الأبيات المهذبة في المعاني المقربة فمن ذلك قوله
( اكتم السر واجعل الصدر قبره ... لا تبح ما حييت منه بذرة )
( أتت ما لم تبح بسرك حر ... فإذا بحت صرت عبدا بمرة )
( من يرد أن يعيش عيشا هنيئا ... يتحفظ مما عسى أن يضره )

وقال
( عداوة العاقل مع عسرها ... آمن من صداقة الأحمق )
( يمكن الأحمق من نفسه ... عمدا ومن أحبابه يتقي )
( لا يحفظ الأحمق خلا ولا ... يرضاه للصحبة إلا شقي )
وقال
( إذا أمعنت في الدنيا اعتبارا ... رأيت سرورها رهن انتحاب )
( بعاج عن تدان وافتقار ... عن استغنا وشيب عن شباب )
( حياة كلها أضغاث حلم ... وعيش ظله مثل السراب )
وقال
من تره يسرف في ماله ... يتلفه في لذة وانهماك )
( فذلك المغبون في رأيه ... يسلك بالنفس سبيل الهلاك )
وقال
من لا يرى نفسه في الناس قاصرة ... عن الكمالات لم يكمل له أدب )
( ومن يكن راضيا عن نفسه أبدا ... فذاك غر عن الآداب محتجب )
( آداب الانسان تحقيقا تواضعه ... وجريه دائما على الذي يجب )
( وقال
( يحق الحق حتما دون شك ... وإن كره المشكك والملد )
( صريح الحق قد يخفى ولكن ... بعيد خفائه لا شك يبدو )
وقال
( كل ما قد فات لا رد له ... فلتكن عن ذاك مصروف الطمع )

( أيعود الحسن من بعد الصبا ... قلما أدبر شيء فرجع )
وقال
( اغتنم غفلة الزمان وبادر ... لذة العيش ما بقيت سليما )
( أمر هذي الحياة أيسر من ان تغتدي فيه لائما أو ملوما )
وقال
( لا تغرنك صولة الجاه يوما ... أو تظنن أنها تتمادى )
( صولة الجاه لفح نار ولكن ... كل نار لا بد تلفى رمادا )
وقال
( تنح عن الناس مهما استطعت ... ولا تك في الناس بالراغب )
( من اعتمد الناس يشقى ولا ... يرى غير منتقد عائب )
وقال
( لا تقل يوما أنا ... فتقاسي محنا )
( من يعظم نفسه ... يلق هونا وعنا )
( شر ما يأتي الفتى ... مدحه لو فطنا )
وقال
( الناس إخوان ذي الدنيا وإن قبحت ... أفعاله وغدا لا يعرف الدنيا )
( يعظمون أخا الدنيا وإن عثرت ... يوما به أولغوا فيه السكاكينا )
وقال
( العدل روح به تحيا البلاد كما ... هلاكها أبدا بالجور ينحتم )

( الجور شين به التعمير منقطع ... والعدل زين به التمهيد ينتظم )
( يا قاتل الله أهل الجور كم خربت ... ) بهم بلاد وكم بادت بهم أمم )
وقال
( اليأس أسلى وأغنى ... من نيل ما يتمنى )
( يسلو أخو اليأس ... حتى يهنا ولا يتعنى )
( لليأس برد فمن لم ... يذقه لم يتهنا )
قال
( إذا عظمت نفس امرىء صار قدره ... حقيرا وحيث احتل فالذل صاحبه )
( يسود ويعلو ذو التواضع دائما ... ويحظى كما يرضى وتقضى مآربه )
وقال
( ود من يصطفيك للنفع زور ... والجميل الذي يريك غرور )
( إنما الود ود من ليس يخشى ... فيك ممن يلوم أو من يضير )
وقال
( اشكر لمن والاك معروفا ... تكن بفضل النفس معروفا )
( شكر أخي المنة عدل فكن ... بالعدل مهما اسطعت موصوفا )
( من يكفر الإحسان لا بد أن ... يلفى عن الإحسان مصروفا )
وقال
( حسب الإنسان ماله ... وهو في الدنيا كماله )
( يضجر الفقر أخا الحلم ... وإن طال احتماله )
( عزة المرء غناه ... وبه تحسن حاله )

وقال
( لا تصاحب أبدا من ... عقله غير متين )
( إن نقص العقل داء ... يتقى مثل الجنون )
( صحبة الأحمق عار ... لاحق في كل حين )
وقال
( وافق الناس إن أردت السلامة ... إن روح الوفاق روح كرامه )
( من يوافق يعش هنيئا قريرا ... آمنا من أذية وملامه )
( فتوق الخلاف واحذر أذاه ... فركوب الخلاف عمدا ندامه )
وقال
( ظلمات الخطوب مهما ادلهمت ... يجلها كالصباح فجر انفراج )
( أرح النفس لا تبت حلف هم ... كم هموم فيها السرور يفاجي )
وقال
( من لم يكن يقصد أن يحمدا ... يعش هنيئا وينل أسعدا )
( من يبتغي المدحة لا بد أن ... يلحقه الذل وأن يجهدا )
( عيش الفتى في ترك تقييده ... وموته البحت إذا قيدا )
وقال
( قل لأهل الحاجات مهما ابتغوها ... حسبكم ما أتى من التنبيه )
( إن تريدوا الحاجات من غير بطء ... فاطلبوها عند الحسان الوجوه )

وقال
( خذ الأمور برفق واتئد أبدا ... إياك من عجل يدعو إلى وصب )
( الرفق أحسن ما تؤتى الأمور به ... يصيب ذو الرفق أو ينجو من العطب )
( من يصحب الرفق يستكمل مطالبه ... كما يشاء بلا أين ولا تعب )
وقال
( من يبتغي السؤدد لا بد أن ... يرهقه الجهد فلا يضجر )
( يصعب إدراك المعالي فمن ... يرم لحاق بعضها يصبر )
( لا يحصل السؤدد هينا ولا ... يظفر بالبغية إلا جري )
وقال
( عاش في الناس من درى قدر نفسه ... ثم دارى جميع أبناء جنسه )
( علم الإنسان قدره نبل عقل ... وذكاء يبين عن فضل حدسه )
وقال
( عظم الناس تنل تعظيمهم ... واجتنب تحقيرهم فهو الردى )
( من ير الناس بتحقير يكن ... عندهم مؤذى حقيرا أبدا )
( لا يغرنك إهمال امرىء ... ربما يؤذي الذباب الأسدا )
وقال
( حب الرياسة يا له من داء ... كم فيه من محن وطول عناء )
( طلب الرياسة فت أعضاد الورى ... وأذاق طعم الذل للكبراء )
( إن الرياسة دون مرتبة التقى ... فإذا اتقيت علوت كل علاء )

وقال
( لا تركنن إلى بشر ... إن شئت تأمن كل شر )
( ذهب الذين إذا ركنت ... لهم أمنت من الضرر )
( لم يبق إلا شامت ... أو من يضر إذا قدر )
وقال
( خل رأي الجهال ما اسطعت واتبع ... رأي أهل الحلوم والتجريب )
( لا تحد عن مشورة في مهم ... فهي مما تنمي حياة القلوب )
( رأي أهل الصلاح نور يجلي ... ظلمة الكرب في ليالي الخطوب )
وقال
( لا يرتضي بالدون إلا امرؤ ... مقصر ذو همة حاملة )
( الموت خير من حياة الفتى ... مهتضما ذا رتبة سافلة )
( روح حياة المرء في عره ... من ذل مات الميتة العاجله )
وقال
( استغن عمن تشاء ... فالله يغنيك عنه )
( من أمل الناس يشقى ... وليس يقنع منه )
( فإن ظفرت بحر ... فاحفظ عليه وصنه )
وقال
( خذ من صديقك قدر ما يعطيكا ... لا تبغ أزيد واحذر أن يجفوكا )
( من يبغ مقدار الذي يحتاجه ... من أخيه يبق مخيبا متروكا )
( شأن الألى رزقوا الحجى أن يقنعوا ... فابغ القناعة إنها تغنيكا )

وقال
( هن إذا عز أخوكا ... واخش أن يقرض فيكا )
( إن من عاند أقوى ... منه قد ضل سلوكا )
( نقص عقل أن تعادى ... بشرا لا يتقيكا )
وقال
( تنزه ما حييت عن القبيح ... وخالف من يرى رد النصيح )
( وخذ بالحزم مهما اسطعت واحذر ... من أن يلقيك حزمك في فضوح )
( فلا تعدل عن الحق التفاتا ... لغير الحق من بعد الوضوح )
وقال
( لا تخف في الحق لوما ... صدقه ينجيك حتما )
( ينجلي الحق ويبدو ... نوره لا يتعمى )
( شأن ذي الحق اهتداء ... وأخو الباطل أعمى )
وقال
( عامل بجد جميع الناس تحظ به ... وجنب الهزل إن الهزل يرديكا )
( الجد أحسن ماتبديه من خلق ... والجد أشرف ما في الناس يعليكا )
( من لازم الجد هابته النفوس ومن ... يهزل يكن أبدا في الناس مهتوكا )
وقال
( كفاك الله شر من اصطفيتا ... وضر من اعتمدت ومن عرفتا )
( جميع الناس موتى عنك إلا ... معارفك الذين لهم ركنتا )
( تحفظ من قريب أو صديق ... وكن في الغير دهرك كيف شئتا )

وقال
( من كان يرغب عن أحبابه ويرى ... تقريب أعدائه لا شك يهتضم )
( يدني العدو فلا تدنو مودته ... هيهات كل معاد قربه ندم )
( فاحفظ صديقك واحذر أن تعاديه ... إن الصديق إذا عاديته يصم )
وقال
( جامل عدوك كي يلين حقده ... فيكف بعض البعض من إيذائكا )
( واحفظ صديقك ما استطعت فإنه ... أدرى بطرق الضر من أعدائكا )
وقال
( إذا ظفرت بمن أنحى عليك فخذ ... بالحلم فيه ودع ما منه قد فرطا )
( إن المسيء إذا جازيته أبدا ... بفعله زدته في غيه شططا )
( العفو أحسن ما يجزى المسيء به ... يهينه أو يريه أنه سقطا )
وقال
( قاتل عدوك بالفضائل إنها ... أعدى عليه من السهام النفذ )
( كسب الفضائل عدة تعليك في ... رتب بها سبل السعادة تحتذى )
( فاحرص على نيل الفضائل جاهدا ... إن الفضيلة صعبة في المأخذ )
وقال
( وعد الكريم وفاء ... تجنيه كيف تشاء )
( ما حال قط كريم ... ولا ثناه التواء )
( فأنجز الوعد مهما ... وعدت فهو الزكاء )

وقال
( ليس الغني عن كثرة العرض ... إن الغني في النفس إن ترض )
( رأس الغني ترك المطامع عن ... زهد بلا ميل ولا غرض )
( فازهد تعش أغنى البرية في ... عز بلا هم ولا مضض )
وقال
( زمن الفضائل قد مضى لسبيله ... ولوى بطيب العيش وشك رحيله )
( ركدت رياح الجد بعد هبوبها ... وعلا فريق الهزل بعد خموله )
( هيهات ما زمن الكرام وما هم ... ذهبوا وجد الدهر في تحويله )
وقال
( مروءة المرء ثوبه ... والعري في الناس عيبه )
( بثوبه المرء يعلو ... قدرا ويحفظ قربه )
( من لم يصن ثوبه لم ... يصن وإن لاح شيبه )
وقال
( لا تصخ ما بقيت حيا لقول ... ليس يجني عليك إلا المضره )
( واطرح ما اتاك منه وجنب ... من يرى بالفضول واتق ضره )
وقال
( ثقيل تراه النفس في العين كالقذى ... وكالجبل الراسي على الصدر والقلب )
( تثير غموم المرء رؤية وجهه ... وتشكو جفاه الأرض شكوى ذوي الكرب )
وقال
( أما ترى الأشجار مصفرة ... أوراقها كالشمس عند المغيب )

( ما هي إلا صفرة آذنت ... بأنها ترحل عما قريب )
وقال
( كل ما تحب وتشتهي ... ودع الطبيب وما يرى )
( حفظ الغذاء مشقة ... ليست ترد مقدرا )
( كم عد من متحفظ ... كم صح ممن قصرا )
( كل التحفظ زائد ... لابد مما قدرا )
وقال
( من كان يأكل ما اشتهى ... ويرى مخالفة الطبيب )
( سيرى مضرة ما أتى ... بطرا ويندم عن قريب )
( إن التحفظ في الأمور ... لشيمة الفطن اللبيب )
( من لم يكن متحفظا ... يخطي ويبعد أن يصيب )
وقال
( وللحمام حاءات إذا ما ... ظفرت بها عثرت على النعيم )
( فحناء وحكاك مجيد ... وقل حجر يمر على الأديم )
( وحوض مفعم ماء لذيذا ... وحجام على النهج القويم )
( وللحلق الحديدة حين تنمى ... وأطيبها حديث أخ كريم )
وقال في الغزل وهي آخر كتابه المذكور
( الله أكبر جلت فتنة البشر ... بنور غرتك المغني عن البصر )
( شمس تطلع في أفق الجمال لها ... نور تألق في داج من الشعر )
( ووردة الخد في أبراد سوسنها ... شقائق زانها التغليف بالدرر )

( ومسكة الخال فوق الخد شاهدة ... بأن إبداعها إحكام مقتدر )
وهذه نبذة من كتابه أنداء الديم في المواعظ والوصايا والحكم وكل ما فيه كالذي قبله من نظمه رحمه الله تعالى فمن ذلك قوله رحمه الله
( العلم نور وهدى ... فكن بجد طالبه )
( واحرص عليه واعتمد ... فيه الأمور الواجبة )
( من لازم العلم علا ... على الأنام يخاطبة )
وقال
( خالف النفس عند قصد هواها ... تبق ما عشت سالما من أذاها )
( فاتباع الهوى هوان ولكن ... هان للنفس كي تنال مناها )
وقال
( من يخالف في شيء الناس يرجع ... هدفا للسهام من كل راشق )
( كم مع الناس كيف كانوا ووافق ... إن من لا يوافق الناس مائق )
وقال
( أرح النفس تنتفع بحياتك ... واغنم العيش قبل يوم وفاتك )
( واطرح عيب من سواك وسالم ... جملة الناس يغفلوا عن أذاتك )
( واعتبر بالذين بادوا وبادر ... ما يدانيك من سبيل نجاتك )
وقال
( سالم الناس ما استطعت وجامل ... من يعاديك إن أردت السلامه )
( وتنزه عن القبيح وجنب ... من يرى بالفضول واحذر كلامه )

وقال
( صديقي أنت ما أبقى بخير ... وموتي غير محتاج إليكا )
( فإن أحتج إليك فأنت مني ... بريء لا صداقة لي عليكا )
وقال
( من أنت عنه غني ... كن فيه مثل اعتقاده )
( فإن يكن منه ود ... فجازه بوداده )
( وإن يكن منه بعد ... فخله لبعاده )
وقال
( عليك بنفسك لا تشتغل ... بشيء سواها وخل الفضول )
( تعش رائح القلب في غبطة ... فلا من يضر ولا من يقول )
وقال
( اترك الفكر في الأمور ودعها ... فكما قدرت تكون الأمور )
( كل فكر وكل رأي وحزم ... غير مجد إذا جرى المقدور )
وقال
( هون عليك خطوب الدهر إن لها ... نهاية والتناهي عنده الفرج )
( واصبر فإن لحسن الصبر عاقبة ... بصبحها ظلمة المكروب تنبلج )
وقال
( احذر البخل إنه شر خلق ... يتحلى به وشر طريقه )
( من يجد غير مسرف فهو في الناس ... موقى تثني عليه الخليقه )

وقال
( الذل في طلب الإفادة عزة ... فاحرص على نيل الإفادة ترشد )
( إن التعزز في الذي تحتاجه ... كبر وكبر المرء أقبح مقصد )
وقال
( دع من عرفت ولا تشدد عليه يدا ... وداره وتحفظ منه ما بقيا )
( أما ترى البلد الذي نشأت به ... محقرا كلما أصبحت معتليا )
( وغيره من بلاد الله قاطبة ... يعليك لا سيما إن كنت متقيا )
وقال
( ينبغي للذي تحلى بعقل ... أن يرى كالبازي مدة عمره )
( بين أيدي الملوك أو في فلاه ... خيفة من شرور أبناء دهره )
وقال
( العزل يضحك ذله ... من تيه سلطان الولاية )
( فإذا وليت فسر على ... نهج الدماثة والرعاية )
( واقصد مداراة الورى ... واحذر كيود ذوي السعاية )
وقال
( لا تقبل الحكم على بلدة ... نشأت فيها إنه يحقد )
( رياسة المرء على الأهل والجيران ... والخلان لا تحمد )
وقال
( هي الدنيا إذا فكرت فيها ... رأيت نعيمها سما نقيعا )

( فلا تجفل بها واحذر أذاها ... فإن لسمها قتلا ذريعا )
( ولا تأسف على ما فات منها ... وبادر في حياتك أن تطيعا )
وقال
( كن وحيدا ما عشت تحيا بخير ... سالما ... من شرور كل البرية )
( إن من لا يخالط الناس يبقى ... دهره لا تعروه منهم أذية )
وقال
( لا تبح ما حييت يوما بسر ... لصديق ولا لغير صديق )
( إن سرا يجاوز الصدر فاش ... يدريه العدا ومن في الطريق )
وقال
( لا تصاحب ما عشت إلا الكبارا ... تنم ذكرا وتعتلي مقدارا )
( إن من ماشى في طريق حقيرا ... يكتسي منه مهنة واحتقارا )
( فتحفظ من أن تؤاخي دنيا ... فهو يعديك ذلة وصغارا )
وقال
( محدثات الأمور أردى الشرور ... فتحفظ من محدثات الأمور )
( إنما المحدثات غي فدعها ... واجتهد أن ترى مع الجمهور )
( كل من يتبع الحوادث يشقى ... ويرى نفسه بغير نظير )
وقال
( من تفضلت عليه ... أنت لا شك أميره )
( ومن احتجت إليه ... أنت بالرغم أسيره )
( ومن استغنيت عنه ... أنت في الدنيا نظيره )

وقال
( لم يبق من يطمع في وده ... كلا ولا من ترتضى صحبته )
( الناس أشباه ذئاب فهل ... يعلم ذئب حسنت عشرته )
( من يبتغي اليوم صديقا كما ... يرضى فقد زلت به بغيته )
وقال
( فاعل الخير موقى كل ما ... يتقي من ضر أو من فتنة )
( ليس يخشى فاعل الخير أذى ... إن فعل الخير أوقى جنة )
وقال
( تحفظ من صديقك في أمور ... فربتما يضر بك الصديق )
( من اعتمد الصديق ولم يبال ... يصبه الضر وهو به خليق )
وقال
( لا تركنن لمخلوق وكن أبدا ... ممن توكل في الدنيا على الله )
( ولا تمل لسواه ما حييت فمن ... يرجو سوى الله هاو حبله واهي )
وقال
( طلب الغاية اتباع غوايه ... فاعتمد في الأمور ترك النهاية )
( من يكن راضيا بما يتسنى ... عاش عيش الملوك دون أذايه )
وقال
( لا تعتمد أبدا على مخلوق أن ... تبغ النجاح وتقصد الرشدا )

( من يرج غير الله يحرم رشده ... ويذل وهو مخيب قصدا )
وقال
( سفر المرء قطعة من عذابه ... فيه تخليق جسمه وثيابه )
( إنما العيش للفتى بين أهليه ... وخلانه وفي أحبابه )
( من يرده بخير الله يكفى ... كرب تجواله وذل اغترابه )
وقال
( سلم ولا تعترض يوما على أحد ... إن شئت تسلم من حقد وأضرار )
( من يعترض يعترض لا شك وهو حر ... بذاك فالشر مقدار بمقدار )
وقال
( إن الصديق لعون ... في كل ما تبتغيه )
( فلا تسىء لصديق ... واحذر وقوعك فيه )
( فالمرء قيل كثير ... بنفسه وأخيه )
وقال
( افعل الخير ما استطعت تنل ما ... تبتغيه من الثناء الجميل )
( فاعل الخير آمن ليس يخشى ... صرف دهر ولا حلول جليل )
وقال
( يحق الحق حتما دون شك ... وإن كره المشكك والملد )

( صريح الحق قد يخفى ولكن ... بعيد خفائه لا شك يبدو )
وقال
( إن شئت عزا دائما ... فاسلك سبيل من اقتنع )
( إن القناعة عزة ... والذل عاقبة الطمع )
( المرء إن قنع اعتلى ... قدرا وإن طمع اتضع )
وقال
( استعن في الأمور بالكتمان ... وتحفظ من شر كل لسان )
( كل ما لا يدرى من أمرك فضل ... ليس فيه شيء من الخسران )
وقال
( من مال عنك بشبر ... مل أنت عنه بميل )
( فالله يغنيك عنه ... فمنه كل جميل )
( فليس في الود خير ... مع ترك حسن القبول )
وقال
( لا تقطعن صديقا ... وإن يضق بك صدرا )
( واحرص عليه وزده ... إن يجف برا وشكرا )
( فإن قطع صديق ... لا شك يعقب ضرا )
وقال
( خل التأنق في اللباس وسر على ... نهج الأفاضل في اختصار الملبس )
( إن التأنق في اللباس يكثر الحساد ... والأعداء للمتلبس )
( فالبس كمثل الناس لا تخرج عن المعتاد ... في شيء فتحظى أو تسي )

وقال
( لا تحقرن عدوا ... ولو يكون كذره )
( واحذره ما اسطعت واجهد ... أن لا تحرك شره )
( إن البعوضة تؤذي الملوك ... فوق الأسرة )
وقال
( ما أهنأ الإنسان في عيشه ... ما بين أهليه وفي منزله )
( الذل في الغربة يا كربها ... وكرب من قوض عن معقله )
( وفي اقتلوا أو اخرجوا شاهد ... ساوى خروج المرء مع مقتله )
وقال
( المال يستر عيب المرء فاقتتنه ... واحفظه تبق موقى مدة الزمن )
( من ضيع المال أبدى عيبه وجنى ... تمهينه أبدا من كل ممتهن )
وقال
( سريرة المرء تبديها شمائله ... حتى يرى الناس ما يخفيه إعلانا )
( فاجعل سريرتك التقوى ترى أملا ... في كل ما انت تبغيه وبرهانا )
وقال
( ما تمت الدنيا لشخص ولا ... أمل ذا فيها سوى من فتن )
( عادتها الفتك بمن رامها ... وكل من أعرض عنها أمن )
( فلا تغرنك بلذاتها ... فإن من غر بها قد غبن )
وقال
( لا يكن عندك الخديم نديما ... إن قدر الخديم دون النديم )

( من ينادم خديمه يتأذى ... ويصير الخديم غير خديم )
( إنما يصلح الخديم ابتعاد ... واشتغال بشأنه المعلوم )
وقال
( تثبت في الأمور ولا تبادر ... لشيء دون ما نظر وفكر )
( قبيح أن تبادر ثم تخطي ... وترجع للتثبت دون عذر )
وقال
( كن في زمانك كيف يرضى أهله ... ولا تعد طورهم ولا تتبدل )
( فإذا ترى الحمقى تحامق معهم ... وإذا ترى العقلاء فلتتعقل )
( من لم يكن أبدا كأهل زمانه ... يشقى ولا يحظى بنيل مؤمل )
وقال
( الفاضل اليوم غريب بلا ... عون على شيء من الحق )
( إن غاب لم يحضر وإن قال لم ... يسمع ولم يؤبه بما يلقي )
( ما أضيع الفاضل يا ويحه ... كانه ليس من الخلق )
وقال وهو آخر أنداء الديم
( العز عاقبة التقى ... والذل عاقبة الرياسة )
( فإذا اتقيت علوت في ... أهل المجادة والنفاسة )
( وإذا رأست نزلت في ... طرق التخلق والسياسة )
( فلتختر التقوى ولا ... ترأس فتخطيك الكياسة )
وكان تاريخ فراغه من كتاب أنداء الديم نصف شعبان عام واحد وثلاثين وسبعمائة
ولنذكر بعض أناشيده التي كان ينشدها أهل مجلسه ببلد قصبة المرية أعادها

الله تعالى فما أنشده رحمه الله تعالى لأبي العباس أحمد بن العريف صاحب محاسن المجالس
( من لم يشاور عالما بأصوله ... فيقينه في المشكلات ظنون )
( من أنكر الأشياء دون تيقن ... وتثبت فمعاند مفتون )
( الكل تذكار لمن هو عالم ... وصوابها بمحالها معجون )
( والفكر غواص عليها مخرج ... والحق فيها لؤلؤ مكنون )
وأنشد رحمه الله تعالى من وجادة
( أعوذ بالله من أناس ... تشيخوا قبل أن يشيخوا )
احدودبوا وانحنوا رياء ... فاحذرهم إنهم فخوخ )
وأنشد لنفسه رحمه الله تعالى
( أقلل العشرة تغبط ... وإن من أكثر ينحط )
( وعليك الصدق واحذر ... أن ترى في القول تشتط )
( والزم الصمت إذا ما ... خفت أن تلحى فتغلط )
( فعلى الفاضل يلفى ... كل مفضول مسلط )
وأنشد لنفسه أيضا
( جنة العالم لا أدري ... إذا ما احتاج جنة )
( فإذا ما ترك الجنة ... بانت فيه جنة )
( فالزم الجنة تسلم ... إنما الجنة جنة )
وأنشد للحلاج رحمه الله تعالى

( يا بدر يا شمس يا نهار ... أنت لنا جنة ونار )
( تجنب الإثم فيك واثم ... وخشية العار فيك عار )
( يخلع فيك العذار قوم ... فكيف من لا له عذار )
وأنشد مما ينسب للحلاج أيضا
( سقمي في الحب عافيتي ... ووجودي في الهوى عدمي )
( وعذاب ترتضون به ... في فمي أحلى من النعم )
( ما لضر في محبتكم ... عندنا والله من ألم )
وأنشد لسيدي أبي العباس ابن العريف في محاسن المجالس وهي أحسن ما قيل في طول الليل
( لست أدري أطال ليلي أم لا ... كيف يدري بذاك من يتقلى )
( لو تفرغت لاستطالة ليلي ... ولرعي النجوم كنت مخلا )
( إن للعاشقين عن قصر الليل ... وعن طوله من الفكر شغلا )
وأنشد رحمه الله تعالى مما أنشده بعض الوعاظ الغرباء
( عانقت لام صدغها صاد لثمي ... فأرتها المرآة في الخد لصا )
( فاسترابت لما رأت ثم قالت ... أكتابا أرى ولم أر شخصا )
( قلت بالكشط ينمحي قالت اكشط ... بالثنايا وتابع الكشط مصا )
( ثم لما ذهبت أكشط قالت ... كان لصا فصار والله فصا )
( قلت إن الفصوص تطبع باللثم ... على خد كل من كان رخصا )
وأنشد لابن خفاجة

( وأغر كاد لطافة وطلاقة ... ينساب ماء بيننا مسكوبا )
( قد قام في سطر الندامى فاستوى ... فحسبه ألفا به مكتوبا )
( وأكب يشربها وتشرب ذهنه ... فرأيت منه شاربا مشروبا )
( مشمولة بينا ترى في فكه ... ماء ترى في خده ألهوبا )
وأنشد لابن عبد ربه صاحب العقد مما نسبه له الفتح في مطمح الأنفس ومسرح التأنس
( يا لؤلؤ يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتقطيع القلوب رفيقا )
( ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درا يعود من الحياء عقيقا )
( وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... ألفيت وجهك في سناه عريقا )
( يا من تقطع خصره من رقة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا )
وأنشد لابن عبد ربه أيضا
( ودعتني بزفرة واعتناق ... ثم قالت متى يكون التلاقي )
( وتصدت فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق )
( يا سقيم الجفون من غير سقم ... بين عينيك مصرع العشاق )
( إن يوم الفراق أفظع يوم ... ليتني مت قبل يوم الفراق )
وأنشد له أيضا
( هيج البين دواعي سقمي ... وكسا جسمي ثوب الألم )
( أيها البين أقلني مرة ... فإذا عدت فقد حل دمي )
( يا خلي الذرع نم في غبطة ... إن من فارقته لم ينم )
( ولقد هاج لقلبي سقما ... حب من لو شاء داوى سقمي )

وأنشد للمصحفي
( صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت ... في الجسم دبت مثل صل لاذع )
( عبث الزمان بجسمها فتسترت ... عن عينه برداء نور سابغ )
( خفيت على شرابها فكأنما ... يجدون ريا في إناء فارغ )
وأنشد لابن شهيد
( هب من رقدته منكسرا ... مسبل للكم مرخ للردا )
( يمسح النعسة عن عيني رشا ... صائد في كل يوم أسدا )
( شربت أعطافه خمر الصبا ... وسقاه الحسن حتى عربدا )
( رشأ بل غادة ممكورة ... عممت صبحا بليل أسودا )
( أححت من عضتي في نهدها ... ثم عضت حر وجهي عمدا )
( فأنا المجروح من عضتها ... لا شفاني الله منها أبدا )
وأنشد لصفوان بن إدريس
( حمى الهوى قلبه وأوقد ... فهو على أن يموت أو قد )
( وقال عنه العذول سال ... قلده الله ما تقلد )
( وباللوى شاذن عليه ... جيد غزال ولحظ فرقد )
( علله ريقه بخمر ... حتى انتشى طرفه فعربد )
( لا تعجبوا لانهزام طرفي ... فجيش أجفانه مؤيد )
( أنا له كالذي تمنى ... عبد نعم عبده وأزيد )
( إن بسملت عينه لقتلي ... صلى فؤادي على محمد )

وأنشد لأبي علي إدريس بن اليماني
( علقته شادنا صغيرا ... وكنت لا أعشق الصغارا )
( يسفر عن مستنير وجه ... صير جنح الدجى نهارا )
( لم أر من قبل ذاك ماء ... أضرم فيه الحياء نارا )
وأنشد للرمادي أو لابن برد القرطبي
( لما بدا في لازور ... دي الحرير وقد بهر )
( كبرت من فرط الجمال ... وقلت ما هذا بشر )
( فأجابني لا تنكروا ... ثوب السماء على القمر )
وأنشده من وجادة
( يا ذا الذي عذب محبوبه ... أنخت عيس العز مغنى الهوان )
( لم ينبت الشعر على خده ... بل دب في أصداغه عقربان )
( رفقا على نفسك لا تفنها ... فجوهر الأنفس در يصان )
وأنشد من حديقة ابن يربوع
( غزا القلوب غزال ... حجت إليه العيون )
( خطت بخديه نون ... وآخر الحسن نون )
وأنشد من وجادة
( أودع فؤادي حرقا أو دع ... ذاتك تؤذي أنت في أضلعي )
( وارم سهام اللحظ أو كفها ... أنت بما ترمي مصاب معي )
( موقعها قلبي وأنت الذي ... مسكنه في ذلك الموضع )

وأنشد من حديقة ابن يربوع
( يخط الشوق شخصك في ضميري ... على بعد التزاور خط زور )
( وتدنيك الأماني من فؤادي ... دنو البرق من لمح البصير )
( فلا تذهب فإنك نور عيني ... إذا ما غبت لم تطرف بنور )
وأنشد للوزير المصحفي
( لعينيك في قلبي علي عيون ... وبين ضلوعي للشجون فنون )
( لئن كنت صبا مخلقا في يد الهوى ... فحبك غض في الفؤاد مصون )
( نصيبي من الدنيا هواك وإنه ... عذابي ولكني عليه ضنين )
وأنشد لصالح بن شريف
( أيها العاذل بالله اتئد ... لك قلب في ضلوعي أو كبد )
( هي أجفاني فذرها تنهمي ... هي أحشائي فدعها تتقد )
( لا تظن الحب شيئا هينا ... ليس في الحب قياس يطرد )
( أنت خلو وأنا صب شج ... فإذا حدثت عني قل وزد )
( فاترك اليوم ملامي إنه ... يترك الشيء إذا ما لم يفد )
( أنا أسلو عن حبيبي ساعة ... يا عذولي قل هو الله أحد )
وأنشد له أيضا
( وافى وقد زانه جماله ... فيه لعشاقه اعتذار )
( ثلاثة ما لها شبيه ... الوجه والخد والعذار )
( فمن رآه رأى رياضا ... الورد والآس والبهار )
وأنشد من حديقة ابن يربوع
( عليك بإكرام وبر لستة ... من الناس واحذر شرهم وتوقه )

( طبيب وحجام وشيخ وشاعر ... وصاحب ديوان ومن يتفقه )
وأنشد لبعض الصوفية
( ما ترى عند أحمق ... في أمور توسطا )
( بل تراه في أمره ... مفرطا أو مفرطا )
وأنشد لبعض الأدباء
( الصبر أولى بوقار الفتى ... من قلق يهتك ستر الوقار )
( من لازم الصبر على حالة ... كان على أيامه بالخيار )
ولنقتتصر من ترجمة ابن ليون على هذا القدر فقد حصلت الإطالة بل ونكتفي من مشايخ لسان الدين بمن ذكرنا ولنورد ما في الإحاطة في ترجمة مشيخته وإن تكرر مع ما تقدم ونصه

ثبت عام بشيوخ لسان الدين
المشيخة قرأت كتاب الله عز و جل على المكتب نسيج وحده في تحمل المنزل حق حمله تقوى وصلاحا وخصوصية وإتقانا ونغمة وعناية وحفظا وتبحرا في هذا الفن واطلاعا لغرائبه واستيعابا لسقطات الأعلام الأستاذ الصالح أبي عبد الله ابن عبد الولي العواد تكتيبا ثم حفظا ثم تجويدا إلى مقرءات أبي عمرو رحمة الله عليهما ثم نقلني إلى أستاذ الجماعة ومطية الفنون ومفيد الطلبة الشيخ الخطيب

المتفنن أبي الحسن علي القيجاطي فقرأت عليه القرآن والعربية وهو أول من انتفعت به وقرأت على الخطيب الحسيب الصدر أبي القاسم ابن جزي رحمه الله تعالى ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير والمعتمد عليه العربية على الشيخ الأستاذ الخطيب أبي عبد الله ابن الفخار البيري الإمام المجمع على إمامته في فن العربية المفتوح عليه من الله فيها حفظا واطلاعا ونقلا وتوجيها بما لا مطمع فيه لسواه وقرأت على قاضي الجماعة الصدر المتفنن أبي عبد الله ابن بكر رحمه الله وتأدبت بالشيخ الرئيس صاحب القلم الأعلى الصالح الفاضل أبي الحسن ابن الجياب ورويت عن الكثير ممن جمعهم الزمان بهذا القطر من أهل الرواية كالمحدث أبي عبد الله ابن جابر وأخيه أبي جعفر والقاضي الشهير الشيخ بقية السلف شيخنا أبي البركات ابن الحاج والشيخ المحدث الصالح أبي محمد ابن سلمون وأخيه القاضي أبي القاسم ابن سلمون وأبي عمرو ابن الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير وله رواية عالية والأستاذ اللغوي أبي عبد الله ابن بيبش والمحدث الكاتب أبي الحسن التلمساني المسن والحاج أبي القاسم ابن المهني المالقي والعدل أبي محمد السعدي يحمل عن الإمام ابن دقيق العيد والقائد الكاتب ابن ذي الوزارتين أبي بكر ابن الحكيم والقاضي المحدث الأديب جملة الظرف أبي بكر ابن شبرين والشيخ أبي عبد الله ابن عبد الملك والخطيب أبي جعفر الطنجالي والقاضي أبي بكر ابن منظور والراوية أبي عبد الله ابن حزب الله كلهم من مالقة والقاضي أبي عبد الله المقري التلمساني والشريف أبي علي حسن بن يوسف والخطيب الرئيس أبي عبد الله ابن مرزوق كلهم من تلمسان والمحدث الفاضل الحسيب أبي العباس ابن يربوع والرئيس أبي محمد الحضرمي

السبتيين والشيخ المقرىء أبي محمد ابن أيوب المالقي آخر الرواة عن ابن أبي الأحوص وأبي عثمان ابن ليون من أهل المرية والقاضي أبي الحجاج المنتشاقري من أهل رندة وطائفة كبيرة من المعاصرين تحملا وتدبجا ومن أهل العدوة الغربية والمشرق وإفريقية الكثير بالإجازه وأخذت الطب والتعاليم والمنطق وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكريا ابن هذيل ولازمته هذا على سبيل الإلماع ولو تفرغت لذكر أفذاذهم لخرج هذا التأليف عما وضع له انتهى كلامه في الإحاطة
وقد ذكرت في هذا الباب زيادة في بعض التراجم على ما في الإحاطة على ما اقتضاه الحال إذ ذلك لا يخلو من فائدة زائدة وحكمة بالخير عائدة
ولو لم يكن في هذا الكتاب غير هذا الباب لكان كافيا لاشتماله على تصوف وحكم وكرامات وآداب ووصايا وإنشادات وغيرها مما يغني عن خبره العيان ويشتاق إلى الوقوف عليه ذوو الملكة في البيان ولو لم يشتمل إلا على المدائح النبوية التي فيه لتمت محاسنه والله سبحانه وتعالى ينفع به بجاه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه وحزبه
انتهى المجلد الخامس

الباب الرابع
فى مخاطبات الملوك والأكابر الموجهة إلى حضرته العلية وثناء غير واحد من أعلام أهل عصره عليه وصرف القاصدين وجوه التأميل إليه واجتلائهم أنوار رياسته الجلية وكتبهم بعض المؤلفات باسمه ووقوفهم عند إشارته ورسمه وما يضاهي ذلك فى حظه وقسمه وسعيهم بين يديه
اعلم سلك الله بى وبك الطريق الأقوم الأقوى وحلى صدور جميعنا بزينة التقوى أن لسان الدين ذكر فى كتبه كالإحاطة ونفاضة الجراب وغيرهما جملة مما خاطبه به الملوك وغيرهم من تبجيل وتنويه ولنذكر بعض ذلك من كتبه ومن غيرها تتميما للمقصود وتبليغا لنفوس الناظرين فى هذه العجالة ما تؤمله وتنويه
1
- ظهير من أبى زيان المرينى للسان الدين
فمن ذلك ما ذكره فى الإحاطة من إكرام السلطان أبى زيان المرينى ابن الأمير أبى عبد الرحمن ابن السلطان أبى الحسن له وسرد ما كتب له به من قوله هذا ظهير الى قوله أيده الله ونصره وسنى له الفتح المبين ويسره

وبعده ما صورته للشيخ الفقيه الأجل الأسنى والأعز الأحظى الأرفع الأمجد الأسمى الأوحد الأنوه الأرقى العالم العلم الرئيس الأعرف المتفنن الأبرع المصنف المفيد الصدر الأحفل الأفضل الأكمل أبى عبد الله ابن الشيخ الفقيه الوزير الأجل الأسنى الأعز الأرفع الأمجد الوجيه الأنوه الأحفل الأفضل الحسيب الأصيل الأكمل المبرور المرحوم أبى محمد ابن الخطيب قابله أيده الله بوجه القبول والإقبال وأضفى عليه ملابس الإنعام والإفضال ورعى له خدمة السلف الرفيع الجلال وما تقرر من مقاصده الحسنة فى خدمة أمرنا العال وأمر فى جملة ما سوغه من الآلاء الوارفة الظلال الفسيحة المجال بأن يجدد له حكم ما بيده من الأوامر المتقدم تاريخها المتضمنة تمشية خمسمائة دينار من الفضة العشرية فى كل شهر عن مرتب له ولولده الذى لنظره من مجبى مدينة سلا حرسها الله فى كل شهر ومن حيث جرت العادة أن يتمشى له ورفع الاعتراض ببابها فيما يجلب من الأدم والأقوات على اختلافها من حيوان وسواه وفيما يستفيده خدامه بخارجها وأحوازها من عنب وقطن وكتان وفاكهة وخضر وغير ذلك فلا يطلب فى شىء من ذلك بمغرم ولا وظيف ولا يتوجه فيه إليه بتكليف يتصل له حكم جميع ما ذكر فى كل عام تجديدا تاما واحتراما عاما أعلن بتجديد الحظوة واتصالها وإتمام النعمة وإكمالها من تواريخ الأوامر المذكورة إلى الآن ومن الآن الى ما يأتى على الدوام واتصال الأيام وأن يحمل جانبه فيمن يشركه أو يخدمه محمل الرعى والمحاشاة فى السخر مهما عرضت والوظائف إذا افترضت حتى يتصل له تالد العناية بالطارف

وتتضاعف أسباب المنن والعوارف بفضل الله وتحرر له الأزواج التى يحرثها بتالمغت من كل وجيبة وتحاشى من كل مغرم أو ضريبة بالتحرير التام بحول الله وعونه ومن وقف على هذا الظهير الكريم فليعمل بمقتضاه وليمض ما أمضاه إن شاء الله وكتب فى العاشر من شهر ربيع الآخر من عام ثلاثة وستين وسبعمائة وكتب فى التاريخ انتهى

وقوله وكتب فى التاريخ هو العلامة السلطانية فى ذلك الزمان يكتب بقلم غليط وبعض ملوك المغرب يكتب عند العلامة صح فى التاريخ
ترجمة أبى زيان المرينى
وقد عرف لسان الدين فى الإحاطة بهذا السلطان بما نصه محمد بن يعقوب أبى عبد الرحمن بن على أمير المسلمين بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أمير المسلمين بالمغرب إلى هذا العهد يكنى أبا زيان وصل الله نصره على عدو الدين وارشده الى سنن الخلفاء المهتدين
حاله فاضل سكون منقاد مشتغل بخاصة نفسه قليل الكلام حسن الشكل درب بركض الخيل مفوض للوزراء عظيم التأتى لأغراضهم ووكل الأمور لمن استكفاه منهم استقدم من أرض النصارى بالأندلس وقد فر

إليهم خوفا على نفسه فسمح به ملك الروم بعد اشتراط واشتطاط فكان وصوله إلى مدينة الملك بفاس يوم الاثنين الثانى والعشرين لصفر عام ثلاثة وستين وسبعمائة ودخوله داره مغرب ليلة الجمعة بطالع الثامن من السرطان وبه السعد الأعظم كوكب المشترى من الكواكب السيارة وقد كان الوزير قيم الأمر والمثل فى الكفاية والاضطلاع بالعظيمة عمر بن عبد الله بن على اليابانى لما ثار بعمه السلطان أبى سالم رحمه الله تعالى وأقام الرسم بأخيه المعتوه المدعو بأبى عمر استدعى هذا المترجم به وقد نازله الأمير عبد الحليم ابن عمهم وتوجه عنه رسوله أثناء الحصار لما رأى الأمر لا يستقيم بمن نصبه فتلطف فيه إلى طاغية النصارى واستعان بالسلطان أبى عبد الله ابن نصر وقد جمعتهما إيالته فتم له اللحاق بالمغرب وانصرف الأمير عبد الحليم إلى سجلماسة فتملكها وتم الأمر للأمير أبى زيان يقوم به عنه وزيره ومستدعيه المذكور مصنوعا له فى خدمته أعانه الله تعالى وأصلح حاله وأحوال الخلق على يديه ووفدت عليه من محل الانقطاع بسلا وأنشدته قولى
( لمن علم فى هضبة الملك خفاق ... أفاقت به من غشية الهرج آفاق )
( تقل رياح النصر منه غمامة ... تمد لها أيد وتخضع أعناق )
( وبيعة شورى أحكم السعد عقدها ... وأعمل إجماع عليها وإصفاق )
( قضى عمر فيها بحق محمد ... فسجل عهد للوفاء وميثاق )
( أحلما ترى عيناى أم هى فترة ... أعندكما فى مشكل الأمر مصداق )
( وفاض لفضل الله فى الأرض تبتغى ... ومجتمعات لا تريب وأسواق )
( وسرح تهنيه الكلاءة بالكلا ... وفلح لسقى الغيث قام له ساق )

( وقد كان طيف الحلم لا يعمل الخطا ... وللفتنة العمياء فى الأرض إطباق )
( وللغيث إمساك وفى الأرض رجة ... وللدين والدنيا وجوم وإطراق )
( فكل فريق فيه للبغى راية ... وكل طريق فيه للعيث طراق )
( أجل إنه من آل يعقوب وارث ... يحن له البيت العتيق ويشتاق )
( له من جناح الروح ظل مسجف ... ومن رفرف العز الإلهى رستاق )
( أطل على الدنيا وقد عاد ضوءها ... دجى وعلى الأحداق للذعر إحداق )
( فأشرقت الأرجاء من نور ربها ... وساح بها لله لطف وإشفاق )
( فمن ألسن لله بالشكر أعلنت ... وكان لها من قبل همس وإطباق )
( وليس لأمر أبرم الله ناقض ... وليس لمسعى أنجح الله إخفاق )
( محمد قد أحييت دين محمد ... وللخلق أذماء تفيض وأرماق )
( ولو لم تثب غطى على شفق الضحى ... دم لسيوف البغى فى الأرض مهراق )
( فأيمن بمشحون من الفلك سابح ... له باختيار الله حط وايساق )
( اقلك والدأماء تظهر طاعة ... إليك وصفح الماء أزرق رقراق )
( إلى هدف السعد أنبرى منه والدجى ... يضل الحجى سهم من السعد رشاق )
( فخطت لتقويم القوام جداول ... وصحت من التوفيق واليمن أوفاق )
( تبارك من أهداك للخلق رحمة ... ومستبعد أن يهمل الخلق خلاق )
( هو الله يبلو الناس بالخير فتنة ... وبالشر والأيام سم وترياق )
( سمت منك أعناق الورى لخليفة ... له فى مجال السعد وخد وإعناق )

( وقالوا بنان ما استقل بكفه ... تفيض على العافين أم هى أرزاق )
( وأطنب فيك المادحون وأغرقوا ... فلم يجد إطناب ولم يغن إغراق )
( ألست من القوم الذين أكفهم ... غمام ندى ان أخلف الغيث غيداق )
( ألست من القوم الذين وجوههم ... بدور لها فى ظلمة الروع إشراق )
( رياض إذا العافى استظل ظلالها ... ففيها جنى ملء الأكف وإيراق )
( أبوك ولى العهد لو سالم الردى ... وجدك قد فاق الملوك وإن فاقوا )
( فمن ذا له جد كجدك أو أب ... لآلىء والمجد المؤثل نساق )
( وحسب العلا فى آل يعقوب أنهم ... هم الأصل فى العلياء والناس ألحاق )
( أسود سروح أو بدور أسرة ... فان حاربوا راعوا وإن سالموا راقوا )
( يطول لتحصيل الكمال سهادهم ... فهم للمعالى والمكارم عشاق )

ومنها
( لئن نسيت إحسان جدك فرقة ... تزر على أعناقهم منه أطواق )
( أجازت خروج ابن أبنه عن تراثه ... ولم تدر ما ضمت من الذكر أوراق )
( ومن دون ما راموه لله قدرة ... ومن دون ما أموه للفتح أغلاق )
( خذ العفو وابذل فيهم العرف ولتسع ... جريرة من أبدي لك الغدر أخلاق )
( فربتما تنبو مهندة الظبى ... وتهفو حلوم القوم والقوم حذاق )
( وما الناس إلا مذنب وابن مذنب ... ولله إرفاد عليهم وإرفاق )
( ولا ترج فى كل الأمور سوى الذى ... خزائنه ما ضرها قط إنفاق )
( إذا هو أعطى لم يضر منع مانع ... وإن حشدت طسم وعاد وعملاق )
( عرفت الردى واستأثرت بك للعدا ... تخوم بمختط الصليب وأعماق )
( فيسر لليسرى وأحيا بك الورى ... وللروع إرعاد عليك وإبراق )
( فجاز صنيع الله وازدد بشكره ... مواهب جود غيثها الدهر دفاق )
( وأوف لمن أوفى وكاف الذى كفى ... فأنت كريم طهرت منك أعراق )

( وتهنيك يا مولى الملوك خلافة ... شجتها تباريح اليك وأشواق )
( فقد بلغت اقصى المنى بك نفسها ... وكم فاز بالوصل المهنإ مشتاق )
( فلا راع منها السرب للدهر رائع ... ولا نال منها جدة السعد إخلاق )
( أمولاي راع الدهر سربى وغالنى ... فطرفى مذعور وقلبى خفاق )
( وليس لكسرى غيرك اليوم جابر ... ولا ليدي إلا بمجدك أعلاق )
( ولى فيك ود واعتداد غرسته ... فراقت به من يانع الحمد أوراق )
( وقد عيل صبرى فى ارتقابى خليفة ... تحل به للضر عنى أوهاق )
( وأنت حسام الله والله ناصر ... وأنت أمين الله والله رزاق )
( وأنت الأمان المستجار من الردى ... إذا راع خطب أو توقع إملاق )
( وأهون ما ترجى لديك شفاعة ... إذا لم يكن عزم حثيث وإرهاق )
( ودونكها من ذائع الحمد مخلص ... له فيك تقييد يروق وإطلاق )
( اذا قال أما كل سمع لقوله ... فمصغ وأما كل أنف فنشاق )
( ودم خافق الأعلام بالنصر كلما ... ذهبت لمسعى لم يكن فيه إخفاق )
وعدت منه ببر كثير واحترام شهير
دخوله غرناطة لحق بها مفلتا عند القبض على قرابته وبنى عمه وتقريبهم إلى مصارعهم فكان وصوله فى رمضان من عام خمسين وسبعمائة ثم رابه رائب لحق لأجله بصاحب قشتالة وأقام فى جملته إلى حين استدعائه المتقرر آنفا وهو لهذا العهد أمير المسلمين بالمغرب أعانه الله تعالى على الخير وأطلق به يده وألهمه لما يرضىمنه بفضله وكرمه انتهت الترجمة
ورأيت على هامش هذا المحل من الإحاطة بخط الخطيب الشهير الإمام

أبى عبد الله ابن مرزوق التلمسانى رحمه الله ما صورته توفى يعنى السلطان أبا زيان مغتالا عام ستة وستين على يد مظاهره الخائن عمر بن عبد الله ابن على الوزير رداه فى بئر وأشاع انه أفرط فى السكر وألقى نفسه فى البئر المعروفة برياض الغزلان وبايع لعمه عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن فسلطه الله عليه وأخذ حقوق الخلائق على يديه فقتله غيلة بعد أن كان تغلب عليه فأعمل الحيلة فى قتله واستمر ملك عبد العزيز ظاهرا ظافرا قد جمع بين المغرب إلى أقصاه وبين ملك تلمسان وقد شرد أهلها كل مشرد فعندما أقبلت الدنيا عليه واستقام ملكه وكاد يلحق ملك أبيه أو يزيد مات رحمه الله تعالى قيل مطعونا وقيل غير ذلك وذلك فى حدود أربع وسبعين وولى ولده ثم عزل بابن عمه أبى العباس ابن السلطان أبى سالم وحاز ملك المغرب إلى حين كتب هذا سنة سبع وسبعين وسبعمائة انتهى ما ألفيته بخط سيدي أبى عبد الله ابن مرزوق
ورأيت تحته بخط ابن لسان الدين أبى الحسن على ما صورته رحمه الله عليك يا عمر بن عبد الله بن على فلقد كنت غسلت ملك المغرب من درن كبير وقمت على ملك لهو وضعف شهير وشهرت سيف الحق على الزواكرة الخرق فابتهج منبر الدين انتهى
ومراده بهذا الكلام الرد على ابن مرزوق فى ذمه للوزير عمر وقوله الزواكرة لفظ يستعمله المغاربة ومعناه عندهم المتلبس الذى يظهر النسك والعبادة ويبطن الفسق والفساد وعند الله تجتمع الخصوم

2

- رسالة من أبى سالم الى لسان الدين
ولنرجع إلى ما كنا بسبيله فنقول
ومما خوطب به ابن الخطيب رحمه الله تعالى من قبل سلطان المغرب المستعين بالله أبى سالم إبراهيم ابن السلطان أبى الحسن المرينى ما صورته بعد البسملة والصلاة
من عبد الله المستعين بالله إبراهيم أمير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى الحسن ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد فى سبيل رب العالمين أبى يوسف يعقوب ابن عبد الحق أيد الله أمره وأعز نصره إلى الشيخ الفقيه الأجل الأسنى الأعز الأحظى الأوجه الأنوه الصدر الأحفل المصنف البليغ الأعرف الأكمل أبى عبد الله ابن الشيخ الأجل الأعز الأسنى الوزير الأرفع الأنجد الأصيل الأكمل المرحوم المبرور أبى محمد ابن الخطيب وصل الله عزته ووإلى رفعته سلام عليكم وC وبركاته
أما بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم المصطفى والرضى عن آله وصحبه أعلام الإسلام وأئمة الرشد والهدى وصلة الدعاء لهذا الأمر العلى العزيز المنصور المستعينى بالنصر الأعز والفتح الأسنى فإنا كتبناه اليكم كتب الله تعالى لكم بلوغ الأمل ونجح القول والعمل من منزلنا الأسعد بضفة وأدى ملوية يمنه الله وصنع الله جميل ومنه جزيل والحمد لله ولكم عندنا المكانة الواضحة الدلائل والعناية المتكفلة برعى الوسائل ذلكم لما تميزتم به من التمسك بالجناب العلى المولوى العلوى جدد الله تعالى عليه ملابس غفرانه وسقاه غيوث رحمته وحنانه

وما أهديتم إلينا من التقرب لدينا بخدمة ثراه الطاهر والاشتمال بمطارف حرمته السامية المظاهر
وإلى هذا وصل الله حظوتكم ووإلى رفعتكم فإنه ورد علينا خطابكم الحسن عندنا قصده المقابل بالإسعاف المستعذب ورده فوقفنا على ما نصه واستوفينا ما شرحه وقصه فآثرنا حسن تلطفكم فى التوسل بأكبر الوسائل الينا ورعينا أكمل الرعاية حق ذلكم الجناب العزيز علينا وفى الحين عينا لكمال مطلبكم وتمام مأربكم والتوجه بخطابنا فى حقكم والاعتماد بوفقكم خديمينا أبا البقاء ابن تاسكورت وأبا زكريا ابن فرقاجة أنجدهما الله وتولاهما وأمس تاريخه انفصلا مودعين إلى الغرض المعلوم بعد التأكيد عليهما فيه وشرح العمل الذى يوفيه فكونوا على علم من ذلكم وابسطوا له جملة آمالكم وإنا لنرجو ثواب الله فى جبر أحوالكم وبرء اعتلالكم والله سبحانه وتعالى يصل مبرتكم ويتولى تكرمتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته كتب فى الرابع والعشرين لرجب عام واحد وستين وسبعمائة
3

- جواب لسان الدين
فراجعه ابن الخطيب بما نصه مولاى خليفة الله بحق وكبير ملوك الأرض عن حجة ومعدن الشفقة والحرمة ببرهان وحكمة أبقاكم الله تعالى عالي الدرجة فى المنعمين وافر الحظ عند جزاء المحسنين وأراكم ثمرة بر أبيكم فى البنين وصنع لكم فى عدوكم الصنع الذى لا يقف عند معتاد وأذاق العذاب الأليم من أراد فى مثابتكم بإلحاد عبدكم الذى ملكتم رقه

وآويتم غربته وسترتم أهله وولده وأسنيتم رزقه وجبرتم قلبه يقبل موطىء الأخمص الكريم من رجلكم الطاهرة المستوجبة بفضل الله تعالى لموقف النصر الفارعة هضبة العز المعملة الخطو فى مجال السعد وميسر الحظ ابن الخطيب من شاله التى تأكد بملككم الرضى احترامها وتجدد برعيكم عهدها واستبشر بملككم دفينها وأشرق بحسناتكم نورها
وقد ورد على العبد الجواب المولوي البر الرحيم المنعم المحسن بما يليق بالملك الأصيل والقدر الرفيع والهمة السامية والعزة القعساء من رعى الدخيل والنصرة للذمام والاهتزاز لبر الأب الكريم فثاب الرجاء وانبعث الأمل وقوى العضد وزار اللطف فالحمد لله الذى أجرى الخير على يدكم الكريمة وأعانكم على رعى ذمام الصالحين المتوسل اليكم أولا بقبورهم ومتعبداتهم وتراب أجداثهم ثم بقبر مولاي ومولاكم ومولى الخلق أجمعين الذى تسبب فى وجودكم واختصكم بحبه وغمركم بلطفه وحنانه وعلمكم آداب الشريعة وأورثكم ملك الدنيا وهيأتكم دعواته بالاستقامة إلى ملك الآخرة بعد طول المدى وانفساح البقاء وفى علومكم المقدسة ما تضمنت الحكايات عن العرب من النعرة عن طائر داست أفراخه ناقة فى جوار رئيس منهم وما انتهى إليه الامتعاض لذلك مما أهينت فيه الأنفس وهلكت الأموال وقصارى من امتعض لذلك أن يكون كبعض خدامكم من عرب تامسنا فما الظن بكم وأنتم الكريم ابن الكريم ابن الكريم فيمن لجأ أولا إلى رحماكم بالأهل والولد عن حسنة تبرعتم بها وصدقة حملتكم الحرية

على بذلها ثم فيمن حط رحل الاستجارة بضريح أكرم الخلق عليكم دامع العين خافق القلب واهى الفزعة يتغطى بردائه ويستجير بعليائه كأننى تراميت عليهم فى الحياة أمام الذعر الذى يذهل العقل ويحجب عن التمييز بقصر داره ومضجع رقاده ما من يوم إلا وأجهر بعد التلاوة يا ليعقوب يا لمرين نسأل الله تعالى ان لا يقطع عنى معروفكم ولا يسلبنى عنايتكم ويستعملنى ما بقيت فى خدمتكم ويتقبل دعائى فيكم
ولحين وصول الجواب الكريم نهضت إلى القبر المقدس ووضعته بإزائه وقلت يا مولاي يا كبير الملوك وخليفة الله وبركة بنى مرين صاحب الشهرة والذكر فى المشرق والمغرب عبدك المنقطع اليك المترامى بين يدي قبرك المتوسل إلى الله ثم إلى ولدك بك ابن الخطيب وصله من مولاه ولدك ما يليق بمقامه من رعي وجهك والتقرب إلى الله تعالى برعيك والاشتهار فى مشرق الدنيا وغربها ببرك وأنتم من أنتم من إذا صنع صنيعة كملها وإذا من منة تممها وإذا أبدى يدا أبرزها طاهرة بيضاء غير معيبة ولا ممنونة ولا منتقضة وأنا بعد تحت ذيل حرمتك وظل دخيلك حتى يتم أملى ويخلص قصدي وتحف نعمتك بى ويطمئن إلى مأملك قلبى
ثم قلت للطلبة أيها السادة بيني وبينكم تلاوة كتاب الله تعالى منذ أيام ومناسبة النحلة وأخوة التأليف بهذا الرباط المقدس والسكنى بين أظهركم فأمنوا على دعائى بإخلاص من قلوبكم واندفعت فى الدعاء والتوسل الذى نرجو أن يتقبله الله تعالى ولايضيعه وخاطب العبد مولاه شاكرا لنعمته مشيدا بصنيعته مسرورا بقبوله وشأنه من التعلق والتطارح شأنه حتى يكمل القصد ويتم الغرض معمور الوقت بخدمة يرفعها ودعاء يردده والله المستعان

4

- رسالة من لسان الدين الى أبى سالم
وكان تقدم من لسان الدين كتاب للسلطان المذكور وكان ما سبق من كتاب السلطان جوابا له وذلك بعد رجوع لسان الدين من مراكش واستقراره فى مدينة سلا برباط شالة مدفن السلاطين من بنى مرين ومنهم السلطان ابو الحسن والد السلطان أبى سالم المذكور ونص الكتاب
مولاي المرجو لإتمام الصنيعة وصلة النعمة وإحراز الفخر أبقاكم الله تعالى تضرب بكم الأمثال فى البر والرضى وعلو الهمة ورعى الوسيلة مقبل موطىء قدمكم المنقطع إلى تربة المولى والدكم ابن الخطيب من الضريح المقدس بشالة وقد حط رحل الرجاء فى القبة المقدسة وتذمم بالتربة الزكية وقعد بإزاء لحد المولى أبيكم ساعة إيابه من الوجهة المباركة وزيارة الربط المقصودة والترب المعظمة وقد عزم أن لا يبرح طوعا من هذا الجوار الكريم والدخيل المرعى حتى يصله من مقامكم ما يناسب هذا التطارح على قبر هذا المولى العزيز على أهل الأرض ثم عليكم والتماس شفاعته فى أمر سهل عليكم لا يجر إنفاد مال ولا اقتحام خطر إنما هو إعمال لسان وخط بنان وصرف عزم وإحراز فخر وأجر وإطابة ذكر وذلك أن العبد عرفكم يوم وداعكم أنه ينقل عنكم إلى المولى المقدس بلسان المقال ما يحضر مما يفتح الله تعالى فيه ثم ينقل عنه لكم بلسان الحال ما يتلقى عنه من الجواب وقال لى صدر دولتكم وخالصتكم وخالصة المولى والدكم سيدي الخطيب يعنى ابن مرزوق سنى الله تعالى أمله من سعادة مقامكم وطول عمركم أنت يا فلان والحمد لله ممن لا ينكر عليه الوفاء بهذين الفرضين وصدر عنكم من البشر والقبول والإنعام ما صدر جزاكم الله تعالى جزاء المحسنين

وقد تقدم تعريف مولاي بما كان من قيام العبد بما نقله إلى التربة الزكية عنكم حسبما أداه من حضر ذلك المشهد من خدامكم والعبد الآن يعرض عليكم الجواب وهو أنى لما فرغت من مخاطبتة بمرأى من الملإ الكبير والجم الغفير أكببت على اللحد الكريم داعيا ومخاطبا وأصغيت بأذنى عند قبره وجعل فؤادي يتلقى ما يوحيه إليه لسان حاله فكأنى به يقول لى قل لمولاك يا ولدي وقرة عيني المخصوص برضاي وبري ومن ستر حريمى ورد ملكى وصان أهلى وأكرم صنائعي ووصل عملى أسلم عليك وأسال الله تعالى أن يرضى عنك ويقبل عليك الدنيا دار غرور والآخرة خير لمن اتقى
( وما الناس إلا هالك وابن هالك ... )
ولا تجد إلا ما قدمت من عمل يقتضى العفو والمغفرة أو ثناء يجلب الدعاء بالرحمة ومثلك من ذكر فتذكر وعرف فما أنكر وهذا ابن الخطيب قد وقف على قبري وتهمم بي وسبق الناس الى رثائى وأنشدنى ومجدنى وبكاني ودعا لي وهنأني بمصير أمري اليك وعفر وجهه فى تربى وأملنى لما انقطعت مني آمال الناس فلو كنت يا ولدى حيا لما وسعنى أن اعمل معه إلا ما يليق لى وأن أستقل فيه الكثير وأحتقر العظيم لكن لما عجزت عن جزائه وكلته اليك وأحلته يا حبيب قلبى عليك وقد أخبرنى أنه سليب المال كثير العيال ضعيف الجسم قد ظهر فى عدم نشاطه أثر السن وأمل أن ينقطع بجواري ويستتر بدخيلي وخدمتى ويرد عليه حقه بخدمتى ووجهى ووجوه من ضاجعنى من سلفي ويعبد الله تعالى تحت حرمتك وحرمتى وقد كنت تشوفت إلى استخدامه فى الحياة حسبما يعلمه حبيبنا الخالص المحبة وخطيبنا العظيم المزية القديم القربة أبو عبد الله ابن مرزوق فاسأله يذكرك

واستخبره يخبرك فأنا اليوم أريد أن يكون هذا الرجل خديمي بعد الممات إلى أن نلحق جميعا برضوان الله تعالى ورحمته التى وسعت كل شىء وله يا ولدي ولد نجيب يخدم ببابك وينوب عنه فى ملازمة بيت كتابك وقد استقر بدارك قراره وتعين بأمرك مرتبة ودشاره فيكون الشيخ خديم الشيخ والشاب خديم الشاب هذه رغبتى منك وحاجتى اليك واعلم أن هذا الحديث لا بد له أن يذكر ويتحدث به فى الدنيا وبين أيدي الملوك والكبار فاعمل ما يبقى لك فخره ويتخلد ذكره وقد أقام مجاورا ضريحي تاليا كتاب الله تعالى على منتظرا ما يصله منك ويقرؤه على من السعى فى خلاص ماله والاحتجاج بهذه الوسيلة فى جبره وإجراء ما يليق بك من الحرمة والكرامة والنعمة فالله الله يا إبراهيم اعمل ما يسمع عنى وعنك فيه ولسان الحال أبلغ من لسان المقال انتهى
والعبد يا مولاي مقيم تحت حرمته وحرمة سلفة منتظر منكم قضاء حاجته ولتعلموا وتتحققوا أنى لو ارتكبت الجرائم ورزأت الأموال وسفكت الدماء وأخذت حسائف الملوك الأعزة ممن وراء النهر من الططر وخلف البحر من الروم ووراء الصحراء من الحبشة وأمكنهم الله تعالى منى من غير عهد بعد أن بلغهم تذممى بهذا الدخيل ومقامى بين هذه القبور الكريمة ما وسع أحدا منهم من حيث الحياء والحشمة من الأحياء والأموات وإيجاب الحقوق التى لا يغفلها الكبار للكبار إلا الجود الذى لا يتعقبه البخل والعفو الذى لا تفسده المؤاخذة فضلا عن سلطان الأندلس أسعده الله تعالى بموالاتكم فهو فاضل وابن ملوك أفاضل وحوله أكياس ما فيهم من يجهل قدركم وقدر سلفكم لا سيما مولاي والدكم الذى أتوسل به اليكم وإليهم فقد كان يتبنى مولاي أبا الحجاج ويشمله بكنفه وصارخه بنفسه وأمده بأمواله

ثم صير الله تعالى ملكه إليكم وأنتم من أنتم ذاتا وقبيلا فقد قرت يا مولاي عين العبد بما رأت فى هذا الوطن المراكشى من وفور حشودكم وكثرة جنودكم وترادف أموالكم وعددكم زادكم الله تعالى من فضله ولا شك عند عاقل أنكم ان انحلت عروة تأميلكم وأعرضتم عن ذلك الوطن استولت عليه يد عدوه
وقد علم تطارحى بين الملوك الكرام الذين خضعت لهم التيجان وتعلقى بثوب الملك الصالح والد الملوك الكرام مولاي والدكم وشهرة حرمة شالة معروفة حاش لله أن يضيعها أهل الأندلس وما توسل إليهم قط بها إلا الآن وما يجهلون اغتنام هذه الفضيلة الغريبة وأملى منكم أن يتعين من بين يديكم خديم بكتاب كريم يتضمن الشفاعة فى رد ما أخذ لى ويخبر بمثواي متراميا على قبر والدكم ويقرر ما ألزمكم بسبب هذا الترامى من الضرورة المهمة والوظيفة الكبيرة عليكم وعلى قبيلكم حيث كانوا وتطلبون منه عادة المكارمة بحل هذه العقدة ومن المعلوم أنى لو طلبت بهذه الوسائل من صلب ما وسعهم بالنظر العقلي إلا حفظ الوجه مع هذا القبيل وهذا الوطن فالحياء والحشمة يأبيان العذر عن هذا فى كل ملة ونحلة
وإذا تم هذا الغرض ولا شك فى إتمامه بالله تعالى تقع صدقتكم على القبر الكريم بي وتعينوني لخدمة هذا المولى وزيارته وتفقده ومدح النبى صلى الله عليه و سلم ليلة المولد فى جواره وبين يديه وهو غريب مناسب لبركم به إلى أن أحج بيت الله بعناية مقامكم وأعود داعيا مثنيا مستدعيا للشكر والثناء من أهل المشرق والمغرب وأتعوض من ذمتى بالأندلس ذمة بهذا الرباط المبارك يرثها ذريتى وقد ساومت فى شىء من ذلك منتظرا ثمنه مما يباع بالأندلس بشفاعتكم ولو ظننت أنهم يتوقفون لكم فى مثل هذا أو يتوقع فيه وحشة أو جفاء والله ما طلبته لكنهم أسرى وأفضل وانقطاعى أيضا لوالدكم مما لا يسع مجدكم إلا عمل ما يليق بكم فيه وها أنا أرتقب جوابكم بما لي عندكم

من القبول ويسعنى مجدكم فى الطلب وخروج الرسول لاقتضاء هذا الغرض والله سبحانه يطلع من مولاي على ما يليق به والسلام
وكتب فى الحادي عشر من رجب عام أحد وستين وسبعمائة
وفى مدرج الكتاب بعد نثر هذه القصيدة
( مولاي ها أنا فى جوار أبيكا ... فابذل من البر المقدر فيكا )
( أسمعه ما يرضيه من تحت الثرى ... والله يسمعك الذى يرضيكا )
( واجعل رضاه إذا نهدت كتيبة ... تهدي اليك النصر أو تهديكا )
( واجبر بجبرى قلبه تنل المنى ... وتطالع الفتح المبين وشيكا )
( فهو الذى سن البرور بأمه ... وأبيه فاشرع شرعه لبنيكا )
( وابعث رسولك منذرا ومحذرا ... وبما تؤمل نيله يأتيكا )
( قد هز عزمك كل قطر نازح ... وأخاف مملوكا به ومليكا )
( فإذا سموت إلى مرام شاسع ... فغصونه ثمر المنى تجنيكا )
( ضمنت رجال الله منك مطالبى ... لما جعلتك فى الثواب شريكا )
( فلئن كفيت وجوهها فى مقصدي ... ورعيتها بركاتها تكفيكا )
( وإذا قضيت حوائجى وأريتنى ... أملا فربك ما أردت يريكا )
( واشدد على قولى يدا فهو الذى ... برهانه لا يقبل التشكيكا )
( مولاي ما استأثرت عنك بمهجتى ... إنى ومهجتى التى تفديكا )
( لكن رأيت جناب شالة مغنما ... يضفى على العز فى ناديكا )
( وفروض حقك لا تفوت فوقتها ... باق إذا استجزيته يجزيكا )
( ووعدتنى وتكرر الوعد الذى ... أبت المكارم أن يكون أفيكا )
( أضفى عليك الله ستر عناية ... من كل محذور الطريق يقيكا )

( ببقائك الدنيا تحاط وأهلها ... فالله جل جلاله يبقيكا )
فلما وصل الكتاب إلى السلطان أجابه بما مر آنفا
ورأيت بخط الفقيه الأديب المؤرخ أبى عبد الله محمد بن الحداد الوادي آشى نزيل تلمسان على هامش قول ابن الخطيب فى هذه الرسالة ولا شك عند عاقل أنكم إن انحلت عروة تأميلكم إلخ ما صورته كذلك وقع آخر الأمر وكان الاستيلاء على مدينة غرناطة آخر ما بقى من بلاد الأندلس للإسلام فى محرم عام سبعة وتسعين وثمانمائة فرحم الله تعالى ابن الخطيب العاقل اللبيب وغفر له برحمته انتهى
ومما خاطب به لسان الدين السلطان أبا سالم فى الغرض المتقدم قوله
( عن باب والدك الرضى لا أبرح ... يأسو الزمان لأجل ذا أو يجرح )
( ضربت خيامى فى حماه فصبيتي ... تجني الجميم به وبهمي تسرح )
( حتى يراعى وجهه فى وجهتى ... بعناية تشفى الصدور وتشرح )
( أيسوغ عن مثواه سيري خائبا ... ومنابر الدنيا بذكرك تصدح )
( أنا فى حماه وأنت أبصر بالذى ... يرضيه منك فوزن عقلك أرجح )
( فى مثلها سيف الحمية ينتضى ... فى مثلها زند الحفيظة يقدح )
( وعسى الذى بدأ الجميل يعيده ... وعسى الذى سد المذاهب يفتح ) ترجمة ابى سالم المرينى
وقد عرف في الإحاطة بالسلطان أبي سالم فقال بعد كلام أملاك المسلمين وحماة الدين وأمرأء المغرب الأقصى من بني مرين غيوث المواهب وليوث العرين ومعتمد الصريخ وسهام الكافرين حفظ الله تعالى على الإسلام والمسلمين ظلهم وزين ببدور الدنيا والدين هالتهم وأبقى الكلمة فيمن اختاره منهم أو من

أقاربهم فما عسى أن يطنب اللسان فى مدحهم وأين تقع العبارة وماذا يحصر الوصف إلى أن قال وفاته وفى ليلة العشرين من ذي القعدة من عام اثنين وستين وسبعمائة ثار عليه بدار الملك وبلد الإمارة المعروف بالبلد الجديد من مدينة فاس الخائن الغادر مخلفه عليها عمر بن عبد الله بن علي نسمه السوء وجملة الشؤم والمثل البعيد فى الجراءة على الله تعالى وقد اهتبل غرة انتقاله الى القصر السلطانى بالبلد القديم متحولا إليه حذرا من قاطع فلكى كان يحذر منه استعجله بضعف نفسه وأعانه على فرض صحة الحكم به وسد الباب فى وجهه ودعا الناس إلى بيعة أخيه المعتوه وأصبح حائرا بنفسه يروم ارتجاع أمر ذهب من يده ويطوف بالبلد يلتمس وجها إلى نجاح حيلة فأعياه ذلك ورشقت من معه السهام وفرت عنه الأجناد والوجوه وأسلمه الدهر وتبرأ منه الجد وعندما جن عليه الليل فر لوجهه وقد التف عليه الوزراء فسفهت حلومهم وفالت آراؤهم ولو قصدوا به بعض الجبال المنيعة لولوا أوجههم شطر مظنه الخلاص واتصفوا بإبلاغ الأعذار ولكنهم نكلوا عنه ورجعوا أدراجهم وتسللوا راجعين إلى يد غادر الجملة قد سلبهم الله سبحانه لباس الحياء والرجولية وتأذن الله تعالى لهم بعد بسوء العاقبة
وقصد بعض بيوت البادية وقد فضحه نهار الغد واقتفى المتبعة أثره حتى وقعوا عليه فسيق إلى مصرعه وقتل بظاهر البلد ثانى اليوم الذى غدر به فيه جعلها الله تعالى له شهادة ونفعه فلقد كان بقية البيت وآخر القوم دماثة وحياء وبعدا عن

الشرور وركونا للعافية وأنشدت على قبره الذى ووريت به جثته بالقلعة من ظاهر المدينة قصيدة أديت فيها بعض حقه
( بني الدنيا بنى لمع السراب ... لدوا للموت وابنوا للخراب )
انتهى المقصود من الترجمة
وكان يصف لسان الدين بمقربي وجليسي كما سبقت الإشارة إليه من كلام لسان الدين فيما خاطب به ابن أبى رمانة والله يسبل على الجميع رداء عفوه سبحانه
وقد تقدم أنه شفع لابن الخطيب عند أهل الأندلس ولذلك قال يخاطبهم
( سمي خليل الله أحييت مهجتي ... وعاجلنى منك الصريخ على بعد )
( فإن عشت أبلغ فيك نفسى عذرها ... وإن لم أعش فالله يجزيك من بعدي ) ثناء المغاربة والمشارقة على لسان الدين
وقال الرئيس الأمير الأديب أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر فى حق ابن الخطيب ما صورته هو شاعر الدنيا وعلم المفرد والثنيا وكاتب الأرض إلى يوم العرض لا يدافع مدحه في الكتب ولا يجنح فيه إلى العتب آخر من تقدم في الماضى وسيف مقوله ليس بالكهام إذ هو الماضي وإلا فانظر كلام الكتاب الأول من العصبة كيف كان فيهم بالإفادة صاحب القصبة للبراعة باليراعة وبه أسكت صائلهم وما حمدت بكرهم وأصائلهم للجزالة المشربة بالحلاوة الممكنة من مفاصل الطلاوة وهو نفيس العدوتين ورئيس الدولتين بالإطلاع على العلوم العقلية والإمتاع بالفهوم النقلية لكن

صل لسانه فى الهجاء لسع ونجاد نطاقه فى ذلك اتسع حتى صدمنى وعلى القول فيه أقدمنى بسبب هجوه فى ابن عمي ملك الصقع الأندلسى سلطان ذلك الوطن فى النفر الجنسي المعظم فى الملوك بالقول الجنى والإنسى ثم صفحت عنه صفحة القادر الوارد من مياه الظفر غير القاذر لأن مثلى لا يليق به إظهار العورات ولا يجمل له تتبع العثرات اتباعا للشرع فى تحريم الغيبة وضربا عن الكريهة وإثباتا لحظوظ النقيبة الرغيبة فما ضره لو اشتغل بذنوبه وتأسف على ما شربه من ماء اللهو بذنوبه وقد قال بعض الناس من تعرض للأعراض صار عرضه هدفا لسهام الأغراض انتهى
ومثل هذا فى لسان الدين لا يقدح وما زالت الأشراف تهجى وتمدح وعلى تقدير صدور ما يخدش وجه جنابه الرفيع فالأولى أن ينشد
( وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع )
وممن أثنى على لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى بعض أكابر علماء تلمسان ولم يحضرنى الآن اسمه فى تأليف عرف فيه بالشيخ العلامة سيدي أبى عبد الله الشريف التلمساني وابنيه العالمين أبى يحيى وسيدي عبد الله فقال بعد كلام فى حق الشريف ما نصه وكان علماء الأندلس أعرف الناس بقدره وأكثرهم تعظيما له حتى إن العالم الشهير لسان الدين ابن الخطيب صاحب الأنباء العجيبة والتآليف البديعة كلما ألف تأليفا بعثه إليه وعرضه عليه وطلب أن يكتب عليه بخطه وكان الشيخ الإمام الصدر المفتى أبو سعيد ابن لب شيخ علماء الأندلس وآخرهم كلما أشكلت عليه مسألة كاتبه بها وطلب منه بيان ما أشكل عليه مقرا له بالفضل انتهى ما نقلته من الكتاب المذكور

رجع
وكتب لسان الدين ابن الخطيب متمثلا بشيخه الأوحد قاضى الجماعة أبى البركات ابن الحاج البلفيقي رحمهما الله تعالى
( أيتها النفس إليه اذهبي ... فحبه المشهور من مذهبي )
( أيأسنى التوبة من حبه ... طلوعه شمسا من المغرب )
ويغلب على ظنى أنه خاطبه بذلك عند قدومه أعنى لسان الدين من المغرب إلى الأندلس والله تعالى أعلم
وكان قاضى القضاة برهان الدين الباعوني الشامى كثير الثناء على لسان الدين رحمه الله تعالى لأنه تلقى أخباره من قاضي القضاة ابن خلدون حسبما ذكرناه فى غير هذا الموضع ولقد رأيت بخطه على هامش بعض تآليف لسان الدين فى الإنشاء ما نصه هذا بليغ إلى الغاية انتهى
وكتب أثره بعض أكابر علماء المشرق ما نصه هذا خط العلامة قاضى القضاة برهان الدين الباعوني وهو شديد الاعتناء والمدح للمصنف ابن الخطيب الأندلسى معظم له ولإنشائه وهو خليق بالتعظيم جدير بمزيد التمجيد والتكريم وكيف لا وهو شاعر مفلق وخطيب مصقع وكاتب مترسل بليغ لولا ما فى إنشائه من الإكثار الذى لا يكاد يخلو من عثار والإطناب الذى يفضى الى الاجتناب والإسهاب الذى يقد الإهاب ويورث الالتهاب انتهى

قلت وهذا الانتقاد غير مسلم فإن لسان الدين وإن أطنب وأسهب فقد سلك من البلاغة أحسن مذهب ويرحم الله تعالى العلامة البرهان الباعوني المذكور أعلاه إذ كتب بخطه فى آخر بعض تآليف لسان الدين فى الإنشاء ما صورته قال كاتبه إبراهيم بن أحمد الباعونى لطف الله تعالى به الحمد لله على ما ألهم من البيان وعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم وقفت على هذا الكتاب من أوله إلى آخره وعمت من بحر بلاغته فى زاخره وعددته من مناقب مؤلفه ومفاخره فإنه برز فيه غاية التبريز وأتى بما هو أحسن من الذهب الإبريز لا بل هو أبهى من الجواهر والنجوم الزواهر وعجبت من تلك الألفاظ المشبهة لسحر الألحاظ ورقة المعانى المحكمة المبانى انتهى
فانظر أيدك الله تعالى بعين الإنصاف إلى كلام هذا الفاضل المنصف الكامل وقسه مع كلام ذلك المنتقد المتعصب الناقص الخامل مع أن الكلام الذى تعرض له ذاك بالقدح هو الذى تصدى له الباعوني بالمدح وكل إناء بالذى فيه ينضح وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل والأمر أجلى من أن يقام عليه دليل وأوضح

رجع إلى ما كنا بصدده
وقال الوزير ابن عاصم عندما أجرى ذكر سلطان ابن الخطيب أمير المسلمين الغنى بالله بعد كلام كثير ما صورة محل الحاجة منه وكان هذا السلطان من نيل الأغراض على أكمل ما يكون عليه مثله ممن نزع غرقا فى قوس الخلافة حكى لي شيخنا القاضى أبو العباس الحسنى أن كبير ولده الأمير أبا الحجاج طلب من الشيخ ذي الوزارتين أبى عبد الله ابن الخطيب أن يطلب من أبيه الغنى بالله أن يبادر بإعذاره إذ كان قد جاوز سن الإثغار دون إعذار لمكان ما لحق والده من التمحيص وغير ذلك من الحوادث المهمة فأسعده الشيخ بذلك وقال

للغنى بالله يا مولانا إن سيدي يوسف وكلنى على طلب إعذاره من مولانا نصره الله على ما يليق بك وبه فقال له الغنى بالله حسبي الله وسكت سكتة لطيفة تشعر بفصل الكلام بعضه من بعض ثم قال ونعم الوكيل فعدها الأكياس من مدارك نبله ومحاسن قوله وفعله انتهى
قلت هذا من السلطان فى حق لسان الدين غاية التبجيل أعنى قوله ونعم الوكيل فأين هذا من سماع كلام أعدائه فيه بعد حتى آل أمره إلى النحس بعد ذلك السعد وسقاه دهره بعد الحلاوة ما مر ولم يكن قتله إلا بتسبب السلطان المذكور كما مر
( ثلاثة ليس لها أمان ... البحر والسلطان والزمان ) 5 - رسالة ابن خاتمة الى لسان الدين
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ولما قضى الله عز و جل بالإدالة ورجعنا الى أوطاننا من العدوة واشتهر عنى ما اشتهر من الانقباض عن الخدمة والتيه على السلطان والدولة والتكبر على أعلى رتب الخدمة وتطارحت على السلطان فى استنجاز وعد الرحلة ورغبت فى تبرئة الذمة ونفرت عن الأندلس بالجملة خاطبنى يعنى أبا جعفر ابن خاتمة بعد صدر بلغ من حسن الإشارة وبراعة الاستهلال الغاية بقوله وإلى هذا يا سيدي ومحل تعظيمي واجلالى أمتع الله تعالى الوجود بطول بقائكم وضاعف فى العز درجات ارتقائكم فإنه من الأمر الذى لم يغب عن رأى العقول ولا اختلف فيه أرباب المعقول أنكم بهذه الجزيرة شمس أفقها وتاج مفرقها وواسطة سلكها وطراز ملكها وقلادة نحرها وفريدة دهرها وعقد جيدها المنصوص وتمام

زينتها على العموم والخصوص ثم أنتم مدار أفلاكها وسر سياسة أملاكها وترجمان بيانها ولسان إحسانها وطب مارستانها والذى عليه عقد إدارتها وبه قوام إمارتها فلدية يحل المشكل واليه يلجأ فى الأمر المعضل فلا غرو أن تتقيد بكم الأسماع والأبصار وتحدق نحوكم الأذهان والأفكار ويزجر عنكم السانح والبارح ويستنبأ ما تطرف عنه العين وتختلج الجوارح استقراء لمرامكم واستطلاعا لطالع اعتزامكم واستكشافا عن مرامى سهامكم لا سيما مع إقامتكم على جناح خفوق وظهوركم فى ملتمع بروق واضطراب الظنون فيكم مع الغروب والشروق حتى تستقر بكم الديار ويلقى عصاه التسيار ولها العذر فى ذلك إذ صدعها بفراقكم لم يندمل وسرورها بلقائكم لم يكتمل ولم يبرأ بعد جناحها المهيض ولا جم ماؤها المغيض ولا تميزت من داجيها لياليها البيض ولا استوى نهارها ولا تألفت أنهارها ولا اشتملت نعماؤها ولا نسيت غماؤها بل هى كالناقة والحديث العهد بالمكاره يستشعر نفس العافية ويتمسح منكم باليد الشافية فبحنانكم عليها وعظيم حرمتكم على من لديها لا تشوبوا لها عذب المجاج بالأجاج وتفطموها عما عودت من طيب المزاج فما لدائها وحياة قربكم غير طبكم من علاج
وإنى ليخطر بخاطرى محبة فيكم وعناية بما يعنيكم ما نال جانبكم صانه الله تعالى بهذا الوطن من الجفاء ثم أذكر ما نالكم من حسن العهد وكرم الوفاء وأن الوطن إحدى المواطن الأظآر التى يحق لهن جميل الاحتفاء وما يتعلق بكم من حرمة أولياء القرابة وأوداء الصفاء فيغلب على ظنى أنكم لحسن العهد أجنح وبحق نفسكم عن حق أوليائكم أسمح وللتى هى أعظم قيمة من فضائلكم أوهب وأسجح وهب أن الدر لا يحتاج فى الإثبات إلى شهادة النحور واللبات والياقوت غنى فى المكان عن مظاهرة القلائد والتيجان أليس أنه أعلى للعيان وأبعد عن مكابرة البرهان تألقها فى تاج الملك أنو شروان فالشمس وإن كانت أم الأنوار وجلاء الأبصار مهما أغمى مكانها من الأفق

قيل أليل هو أم نهار وكما فى علمكم ما فارق ذوو الأرحام وأولو الأحلام مواطن استقرارهم وأماكن قرارهم إلا برغمهم واضطرارهم واستبدال دار خير من دارهم ومتى توازن الأندلس بالمغرب أو يعوض عنها إلا بمكة أو يثرب ما تحت أديمها أشلاء أولياء وعباد وما فوقه مرابط جهاد ومعاقد ألوية فى سبيل الله ومضارب أوتاد ثم يبوأ ولده مبوأ أجداده ويجمع له بين طارفه وتلاده أعيذ أنظاركم المسددة من رأى فائل وسعى طويل لم يحل منه بطائل فحسبكم من هذا الإياب السعيد والعود الحميد وهى طويلة
6

- من لسان الدين إلى ابن خاتمة
قال لسان الدين رحمه الله تعالى فأجبته بقولى
( لم فى الهوى العذرى أو لا تلم ... فالعذل لا يدخل أسماعى )
( شأنك تعنيفي وشأنى الهوى ... كل امرىء فى شأنه ساعى )
أهلا بتحفة القادم وريحانة المنادم وذكر الهوى المتقادم لا يصغر الله مسراك فما أسراك لقد جبت إلى من همومى ليلا وجست رجلا وخيلا ووفيت من صاع الوفاء كيلا وظننت بى الأسف على ما فات فأعملت الالتفات لكيلا فأقسم لو أن الأمر اليوم بيدى أو كانت اللمة السوداء من عددى ما أفلت أشراكى المنصوبة لأمثالك حول المياه وبين المسالك ولا علمت ما هنالك لكنك طرقت حمى كسعته الغارة الشعواء وغيرت

ربعة الأنواء فخمد بعد ارتجاجه وسكت أذين دجاجه وتلاعبت الرياح الهوج فوق فجاجه وطال عهده بالزمن الأول وهل عند رسم دارس من معول وحيا الله ندبا إلى زيارتى ندبك وبآدابه الحكمية أدبك
( فكان وقد أفاد بك الأمانى ... كمن أهدى الشفاء إلى العليل )
وهى شيمة بوركت من شيمة وهبة الله تعالى قبله من لدن المشيمة ومن مثله فى صلة رعى وفضل سعى وقول وعى
( قسما بالكواكب ... الزهر والزهرعاتمة )
( إنما الفضل ملة ... ختمت بابن خاتمه )
كسانى حله فضله وقد ذهب زمان التجمل وحملنى شكره وكتدى واه عن التحمل ونظرنى بالعين الكليلة عن العيب فهلا أجاد التأمل واستطلع طلع نثى ووالى فى مبرك المعجزة حثى ( إنما أشكو بثى )
( ولو ترك القطا ليلا لناما ... )
وما حال شمل وتده مفروق وقاعدته فروق وصواع بنى أبيه مسروق وقلب قرحه من عضة الدهر دام وجمرة حسرته ذات احتدام هذا وقد صارت الصغرى التى كانت الكبرى لمشيب لم يدع أن هجم لما نجم ثم تهلل عارضة وانسجم
( لا تجمعى هجرا على وغربة ... فالهجر فى تلف الغريب سريع )

3 - ظرت فإذا الجنب ناب والنفس فريسة ظفر وناب والمال أكيلة انتهاب والعمر رهن ذهاب واليد صفر من كل اكتساب وسوق المعاد مترامية والله سريع الحساب
( ولو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الزمان )
وهب أن العمر جديد وظل الأمن مديد ورأى الاغتباط بالوطن سديد فما الحجة لنفسى إذا مرت بمطارح جفونها وملاعب هفوتها ومثاقف قناتها ومظاهر عزاها ومناتها والزمان ولود وزناد الكون غير صلود
( وإذا إمرؤ لدغته أفعى مرة ... تركته حين يجر حبل يفرق )
ثم إن المرغب قد ذهب والدهر قد استرجع ما وهب والعارض قد اشتهب وآراء الاكتساب مرجوحة مرفوضة وأسماؤه على الجوار مخفوضة والنية مع الله على الزهد فيما بأيدى الناس معقودة والتوبة بفضل الله عز و جل منقودة والمعاملة سامرية ودروع الصبر سابرية والاقتصاد قد قرت العين بصحبته والله قد عوض حب الدنيا بمحبته فإذا راجعها مثلى من بعد الفراق وقد رقى لدغتها ألف راق وجمعتنى بها الحجرة ما الذى تكون الأجرة جل شانى وإن رضى الوامق وسخط الشانى إنى إلى الله تعالى مهاجر وللعرض الأدنى هاجر ولأظعان السرى زاجر لنجد إن شاء الله تعالى وحاجر لكن دعانى للهوى إلى هذا المولى المنعم هوى خلعت نعلى الوجود وما خلعته وشوقى أمرنى فأطعته وغالب والله صبرى فما استطعته والحال أغلب وعسى أن لا يخيب المطلب فإن يسر رضاه فأمر كمل وراحل احتمل وحاد أشجى الناقة والجمل وإن كان خلاف ذلك فالزمان جم العلائق والتسليم

بمقامى لائق
( ما بين غمضة عين وانتباهتها ... يصرف الأمر من حال إلى حال ... )
وأما تفضيله هذا الوطن ليمن طيره وعموم خيره وبركة جهاده وعمران رباه ووهاده بأشلاء عباده وزهاده حتى لا يفضله إلا أحد الحرمين فحق برىء من المين لكننى للحرمين جنحت وفى جو الشوق إليهما سنحت فقد أفضت إلى طريق قصدى محجته ونصرتنى والمنة لله تعالى حجته وقصد سيدى استى قصد توخاه الحمد والشكر ومعروف عرف به النكر والآمال من فضل الله بعد تمتار والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار ودعاؤه بظهر الغيب مدد وعدة وعدد وبره حالى الظعن والإقامة معتمل معتمد ومجال المعرفة بفضله لا يحصره أمد والسلام أنتهى
ومن خط ابن الصباغ ما صورته يكفى ابن خاتمه الغاية التى سلمها له إمام الطريقة وواحدها الفذ على الحقيقة حيث قال
( إنما الفضل ملة ... ختمت بابن خاتمه )
ومن نظمه وقد تخلى عن الكتابة وطلب منه أن يعود فأبى وأنشد
( تقضى فى الكتابة لى زمان ... كشأن العبد ينتظر الكتابه )
( فمن الله من عتقى بما لا ... يطيق الشكر أن يملا كتابه )
( وقالوا هل تعود فقلت كلا ... وهل حر يعود إلى الكتابه )
فانظر حسن هذه التورية العجيبة انتهى

رسالة ابن خاتمة إلى ابن جزى
ولابن خاتمة يخاطب ابن جزى يا أخى الذى سما وده أن يجازى

وسيدى الذى علا مجده عن أن يوازى وصل الله تعالى لك أسباب الاعتلاء والاعتزاز وكافأ ما لك من الاختصاص بالفضائل والامتياز أما إنه لو وسع التخلف عن جواب أخ أعز ولم يجب التكلف عمن قد عجز لغطيت عجزى عن عين تعجيزك ولما تعاطيت المثول بين يدى مناهزك أو مجيزك لكنه فى حكم الود المكنون المكنوز مما لا يحل ولا يجوز فلكم الفضل فى الإغضاء عن عاجز دعاه حكم التكلف إلى القيام مقام مناجز وإن لم يكن ذلك عند الإنصاف وحميد الأوصاف من السائغ الجائز فعن جهد ما بلغ وليك إلى هذه الأحواز ولم يحصل الحقيقة إلا على المجاز
أما ما ذهبتم إليه من تخميس القصيدة التى أعجزت وبلغت من البلاغة الغاية التى عزت مناهضتها وأعوزت فلم أكن لأستهدف ثانيا لمضاضة الإعجاز وأسجل على نفسى بالإفلاس والإعواز انتهى
وكتب قبلها قصيدة زائية أجابه بها عن قصيدة زائية التزم فيها ابن جزى ترك الراء لأنه كان الثغ يبدلها غينا رحم الله تعالى الجميع
وقال لسان الدين فى ترجمة ابن خاتمة المذكور إنه الصدر المتفنن المشارك القوى الإدراك السديد النظر الثاقب الذهن الكثير الاجتهاد الموفور الآدوات المعين الطبع الجيد القريحة الذى هو حسنة من حسنات الأندلس أحمد بن على بن خاتمة من أهل المرية
7

- رسالة من ابن خاتمة إلى لسان الدين
إلى أن قال ومما خاطبنى به بعد إلمام الركاب السلطانى ببلده وأنا صحبته ولقائه إياي بما يلقى به مثله من تأنيس وبر وتودد وتردد
( يا من حصلت على الكمال بما رأت ... عيناى منه من الجمال الرائع )

( قمر يروق وفى عطافى برده ... ما شئت من كرم ومجد بارع )
( أشكو إليك من الزمان تحاملا ... فى فض شمل لى بقربك جامع )
( هجم البعاد عليه ضنا باللقا ... حتى تقلص مثل برق لامع )
( فلو آننى ذو مذهب لشفاعة ... ناديته يا مالكى يا شافعى )
شكواى إلى سيدى ومعظمى أقر الله تعالى بسنائه أعين المجد وأدر بثنائه ألسن الحمد شكوى ظمآن صد عن القراح العذب لأول وروده والهيمان رد عن استرواح القرب لمعضل صدوده من زمان هجم على بابعاده على حين إسعاده ودهمنى بفراقه غب إنارة أفقى به وإشراقة ثم لم يكفه ما اجترم فى ترويع خياله الزاهر حتى حرم عن تشييع كماله الباهر فقطع عن توفية حقه ومنع من تأدية مستحقه لا جرم أنه أنف لشعاع ذكائه من هذه المطالع النائية عن شريف الإنارة وبخل بالإمتاع بذكائه عن هذه المسامع النائية عن لطيف العبارة فراجع أنظاره واسترجع معارة وإلا

فعهدى بغروب الشمس إلى الطلوع وأن البدر يتصرف بين الإقامة والرجوع فما بال هذا النير الأسعد غرب ثم لم يطلع من الغد ما ذاك إلا لعدوى الأيام وعدوانها وشأنها فى تغطية إساءتها وجه إحسانها وكما قيل عادت هيف إلى أديانها أستغفر الله أن لا يعد ذلك من المغتفر فى جانب ما أولت من الأثر التى أزرى العيان فيها بالأثر وأربى الخبر على الخبر فقد سرت متشوفات الخواطر وأقرت مستشرفات النواظر بما حوت من ذلكم الكمال الباهر والجمال الناضر الذى قيد خطا الأبصار عن التشوف والاستبصار وأخذ بأزمة القلوب عن سبيل كل مأمول ومرغوب وأنى للعين بالتحول عن كمال الزين أو بالطرف بالتنقل عن خلال الظرف أو للسمع من مراد بعد

ذلكم الإصدار الأدبى والإيراد أو للقلب من مراد غير تلكم الشيم الرافلة من ملابس الكرم فى حلل وأبراد وهل هو إلا الحسن جمع فى نظام والبدر طالع لتمام وأنواع الفضل ضمها جنس اتفاق والتئام فما ترعى العين منه فى غير مرعى خصيب ولا تستهدف الأذن بغير سهم فى حدق البلاغة مصيب ولا تستطلع النفس سوى مطلع له فى الحسن والإحسان أوفر نصيب لقد أزرى بناظم حلاه فيما يتعاطاه التقصير وانفسح مدى علاه بكل باع قصير وسفه حلم القائل إن الإنسان عالم صغير شكرا للدهر على يد أسداها بقرب مزاره وتحفة أهداها بمطلع أنواره على تغاليه فى ادخار نفائسه وبخله بنفائس ادخاره لا غرو أن يضيق عنا نطاق الذكر ولا يتسع لنا سوار الشكر فقد عمت هذه الأقطار بما شاءت من تحف بين تحف وكرامة واجتنت أهلها ثمرة الرحلة فى ظل الإقامة وجرى لهم الأمر فى ذلك مجرى الكرامة
ألا وإن مفاتحتى لسيدى ومعظمى حرس الله تعالى مجده وضاعف سعده مفاتحة من ظفر من الدهر بمطلوبه وجرى له القدر على وفق مرغوبة فشرع له إلى أهله بابا ورفع له من خجله جلبابا فهو يكلف بالاقتحام ويأنف من الإحجام غير أن الحصر عن درج قصده يقيده والبصر يبهرج نقده فيقعده فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى ويجدد عزما ثم لا يتحرى فإن أبطأ خطابى فلواضح الأعذار ومثلكم من قبل جليات الأقدار والله سبحانه يصل لكم عوائد الإسعاد والإسعاف ويحفظ بكم ما للمجد من جوانب وأكناف إن شاء الله تعالى وكتب فى عاشر ربيع الأول عام ثمانية وأربعين وسبعمائة انتهى
ومن خاتمة رسالة من إنشاء ابن خاتمة المذكور فلنصرف عنان البطالة عن الإطالة ونسلم على السيادة الطاهرة الأصالة بأطيب تسليم ختامة مسك ومزاجه من تسنيم

ومن نظم ابن خاتمة المذكور
( هو الدهر لا يبقي على عائذ به ... فمن شاء عيشا يصطبر لنوائبه )
( فمن لم يصب بفي نفسه فمصابه ... بفوت أمانيه وفقد حبائبه ) ومنه قوله
( ملاك الأمر تقوى الله فاجعل ... تقاه عدة لصلاح أمرك )
( وبادر نحو طاعته بعزم ... فما تدري متى يقضى بعمرك ) 8 - رسالة أخرى من ابن خاتمة إلى لسان الدين
وقال لسان الدين وكتب إلى يعني ابن خاتمة المذكور عقب انصرافه من غرناطة في بعض قدماته عليها ما نصه مما قلته بديهة عند الإشراف على جنابكم السعيد ودخوله مع النفر الذين أتحفتهم سيادتكم بالإشراف عليه والدخول إليه وتنعيم الأبصار في المحاسن المجموعة لديه وإن كان يوما قد غابت شمسه ولم يتفق أن كمل أنسه وأنشدته حينئذ بعض من حضر ولعله لم يبلغكم وان كان قد بلغكم ففضلكم يحملني في إعادة الحديث
( أقول وعين الدمع نصب عيوننا ... ولاح لبستان الوزارة جانب )
( أهذى سماء أم بناء سما به ... كواكب غضت عن سناها الكواكب )
( تناظرت الاشكال منه تقابلا ... على السعد وسطى عقده والحبائب )
( وقد جرت الامواه فيه مجرة ... مذانبها شهب لهن ذوائب )
( وأشرف من علياه بهو تحفه ... شماسي زجاج وشيها متناسب )

( يطل على ماء به الآس دائرا ... كما افتر ثغر أو كما اخضر شارب )
( هنالك ما شاء العلا من جلالة ... بها يزدهي بستانها والمراتب )
ولما أحضر الطعام هنالك داعي شيخنا القاضي أبو البركات فاعتذر أنه صائم قد بيته من الليل فحضرني ان قلت
( دعونا الخطيب أبا البركات ... لاكل طعام الوزير الأجل )
( وقد ضمنا في نداه جنان ... به احتفل الحسن حتى كمل )
( فأعرض عنا لعذر الصيام ... وما كل عذر له مستقل )
( فإن الجنان محل الجزاء ... وليس الجنان محل العمل ) وعندما فرغنا من الطعام أنشدت الأبيات شيخنا أبا البركات فقال لي لو اتشدتنيها وانتم بعد لم تفرغوا منه لأكلت معكم برا بهذه الابيات والحوالة في ذلك على الله تعالى انتهى
ومن نظم ابن خاتمة المذكور في فران
( رب فران جلا صفحته ... لهب الفرن جلاء العسجد )
( يضرم النار بأحشاء الورى ... مثلما يضرم في المستوقد )
( فكأن الوجه منه خبزة ... فوقها الشعر كقدر أسود ) احمد بن ضفوان

وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ولما قدمت مالقة آي
با من السفارة الى ملك المغرب محفوفا بفضل الله تعالى وجميل صنعه موفي المآرب مصحبا

بالاعانة لقيني على عادته مهنيا يعني احمد بن صفوان أحد أعلام مالقة وبقية أدبائها وصدور كتابها وأنشدني معيدا في الود مبديا وضمن غرضا له تعجل قضاءه والحمد لله تعالى
( قدمت بما سر النفوس اجتلاؤه ... فهنيت ما عم الجميع هناؤه )
( قدوما بخير وافر وعناية ... وعز مشيد بالمعالي بناؤه )
( ورفعة قدر لا يداني محلها ... رفيع وان ضاهى السماك اعتلاؤه )
( عنيت بأمر المسلمين فكلهم ... بما يرتجيه قد توالى دعاؤه )
( بلغت الذي أملته من صلاحهم ... فأدركت مأمولا عظيما جزاؤه )
( فيا واحدا أغنت عن الجمع ذاته ... وقام بأعباء الامور غناؤه )
( تشوقك الملك الذي بك فخره ... وأنت حقيقا حسنه وبهاؤه )
( فلا زال مزدانا بحليك جوده ... ولا زال موفورا عليك اصطفاؤه )
( وخصصت من رب العباد بنعمة ... ينيلكها تخصيصه واحتفاؤه )
( وعشت عزيزا في النفوس محببا ... يلبي بتبجيل وبر نداؤه )
( وقد جاءني داعي السرور مؤديا ... لحق هناء فرض عين أداؤه )
( ولي بعد هذا مأرب متوقف ... على فضلك الرحب الجناب قضاؤه )
( هززت له عطف البطرني راجيا ... له النجح فاستعصى وخاب رجاؤه )
( ولم يدر اني من علائك منتض ... حساما كفيلا بالنجاح انتضاؤه )
( يصمم إن هزته كفى لمعضل ... فيكفي العنا تصميمه ومضاؤه )
( فحقق له دامت سعودك حرمتي ... لديك يرحني مطله والتواؤه )
( وشارك محبا خالصا لك حبه ... قديما كريما عهده ووفاؤه )
( وصل بجزيل الرعى حبل ذمامه ... يصلك جزيلا شكره وثناؤه )
( بقيت وصنع الله يدني لك المنى ... ويوليك من مصنوعة ما تشاؤه )
( بحرمة من حقت سيادته على ... بني آدم والخير منه ابتداؤه )

وجمعت ديوان شعره أيام مقامي بمالقة عند توجهي صحبة الركاب السلطاني إلى إصراخ الخضراء عام أربعة وأربعين وسبعمائة وقدمت صدره خطبة وسميت الجزء ب الدرر الفاخرة واللجج الزاخرة
9

- أجازة ابن صفوان للسان الدين
وطلبت منه أن يجيزني وولدي عبد الله رواية ذلك عنه فكتب بخطه الرائق بظهر المجموع ما نصه الحمد لله مستحق الحمد أجبت سؤال الفقيه الاجل الافضل السرى الماجد الأوحد الاحفل الاديب البارع الطالع في افق المعرفة والنباهة والرفعة المكينة والوجاهة بابهى المطالع المصنف الحافظ العلامة الحائز في فني النظم والنثر واسلوبي الكتابة والشعر رتبة الرياسة والامامة محلي جيد العصر بتاليفة الباهرة الرواء ومجلي محاسن بنية الرائقة على منصة الاشادة والانباء ابي عبد الله ابن الخطيب وصل الله تعالى سعادته وحرس مجادته وسني من الخير الاوفر والصنع الابهر مقصده وإرادته وبلغه في نجله الاسعد وابنه الراقي بمحتده الفاضل ومنشئه الاطهر محل الفرقد افضل ما يؤمل نحلته اياه من المكرمات وافادته وأجزت له ولابنه عبد الله المذكور ابقاهما الله تعالى في عزة سنية الخلال وعافية ممتدة الافياء وارفة الظلال رواية جميع ما تقيد في الأوراق المكتتب على ظهر اول ورقة منها من نظمي ونثري وما توليت انشاءه واعتمدت بالارتجال والرواية اختياره وانتقاءه ايام عمري وجميع ما لي من تصنيف وتقييد ومقطوعة وقصيد وجميع ما أحمله عن أشياضي رضى الله تعالى عنهم من العلوم وفنون المنثور والمنظوم باي وجه تأدى ذلك الي وصح حملي له وثبت اسناده لدي اجازة تامة في ذلك كله عامة على سنن الاجازات الشرعي وشرطها

المأثور عند أهل الحديث المرعى والله ينفعنى وإياهما بالعلم وحمله وينظمنا جميعا فى سلك حزبه المفلح وأهله ويفيض علينا من أنوار بركته وفضله قال ذلك وكتبه بخط يده الفانية العبد الفقير الى الله الغنى به أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان ختم الله تعالى له بخير حامدا الله تعالى ومصليا ومسلما على نبيه المصطفى الكريم وعلى آله الطاهرين ذوى المنصب العظيم وصحابته البررة أولى الأثرة والتقديم فى سادس ربيع الآخر عام أربعة وأربعين وسبعمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل انتهى
10

- من العذرى إلى لسان الدين
وكتب الفقيه أبو جعفر ابن عبد الملك العذرى من أهل سبتة الى لسان الدين رحمه الله تعالى فى بعض الأغراض
( إنى بمجدك لم أزل مستيقنا ... أن لا يهدم بالتغير ما بنى )
( إذ أنت أعظم ماجد يعزى له ... صفح وأكرم من عفا عمن جنى ) وكتب أيضا
( إن كان دهرى قد أساء وجارا ... فذمام مجدك لا يضيع جارا )
( فلأنت أعظم ملجإ ينجى إذا ... ما الدهر أنجد موعدا وأغارا )
11
- رسالة من لسان الدين الى ابن نفيس
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى خاطبت الشيخ الشريف الفاضل أبا عبد الله ابن نفيس صحبة ثمن مسكن اشتريته منه وكان قد أهدانى فرسا عتيقا
( جزيت يا ابن رسول الله أفضل ما ... جزى الإله شريف البيت يوم جزى )

( إن أعجز الشكر منى منه ضعفت ... عن بعض حقك شكر الله ما عجزا )
سيدى أبقى الله شرفك تشهد به الطباع إذا بعدت المعاهد المقدسة والرباع وتعترف به الأبصار والأسماع وإن جحدت عارضها الإجماع بأى لسان أثنى أم أي الأفنان أهصر واجنى أم أى المقاصد الكريمة أعنى أمطيت جوادك المبارك وأسكنت دارك وأوسعت مطلبى اصطبارك وهضمت حقك وبوأت جوارك ووصلت للغرباء إيثارك أشهد بانك الكريم ابن الكريم لا أقف فى تعدادها عند حد إلى خير جد فإن أعان الدهر على مجازاة وإن ترفع كرمك عن موازاة فحاجة نفس قضيت وأحكام آمال أمضيت وإن اتصل العجز فعين على القذى أغضيت ومناصل عزم ما انتضيت وعلى كل حال فالثناء ذائع والحمد شائع واللسان والحمد لله طائع والله مشتر ما أنت بائع وقد وجهت من يحاول لسيدى ثمن ما اكتسبه مجده وسفر عنه حمده والعقيدة بعد التراضى وكمال التقاضى وحميد الصبر وسعة التغاضى وكونه الخصم والقاضى أنه هبة سوغها إنعامه وأكله هناها مطعامه نسأل الله تعالى أن يعلى ذكره ويتولى شكره وينمى ماله ويرفع قدره والولد جاره الغريب الذى برز إلى مقارعة الأيام عن خبره قاصرة وتجربة غير منجده على الدهر وناصرة قد جعلته وديعة فى كرم جواره ووضعته فى حجر إيثاره فإن زاغ فيده العليا فى تبصيرة ومؤاخذته بتقصيره ومن نبه مثله نام ومن استنام إليه بمهمة أكرم بمن إليه استنام وإن تشوف سيدى لحال محبه فمطلق للدنيا من عقال ورافض أثقال ومؤمل اعتياض بخدمة الله تعالى وانتقال انتهى

12

- من لسان الدين إلى ابن رضوان
وقال رحمه الله تعالى مما خاطبت به صدر الفضلاء الفقيه المعظم أبا القاسم ابن رضوان بما يظهر داعيته من فحواه
( مرضت فأيامى لديك مريضة ... وبرؤك مقرون ببرء اعتلالها )
( فلا راع تلك الذات للضر رائع ... ولا وسمت بالسقم غر خلالها )
وردت على من فئتى التى إليها فى معرك الدهر أتحيز وبفضل فضلها فى الأقدار المشتركة أتميز سحاءة سرت وساءت وبلغت من القصدين ما شاءت أطلع بها سيدى صنيعة وده من شكواه على كل عابث فى السويداء موجب اقتحام البيداء مضرم نار الشفقة فى فؤاد لم يبق من صبره إلا القليل ولا من إفصاح لسانه إلا الأنين والأليل ونوى مدت الغير ضرورة يرضاها الخليل فلا تسأل عن ضنين تطرقت اليد إلى رأس ماله أو عابد نوزع متقبل أعماله أو آمل ضويق فى فذلكة آماله لكننى رجحت دليل المفهوم على دليل المنطوق وعارضت القواعد الموحشة بالفروق ورايت الخط يبهر والحمد لله تعالى ويروق واللفظ الحسن تومض فى حبره للمعنى الأصيل بروق فقلت ارتفع الوصب ورد من الصحة المغتصب وآله الحس والحركة هى العصب وإذا أشرق سراج الإدراك دل على سلامة سليطه والروح خليط البدن والمرء بخليطة وعلى ذلك فلا يقنع بليد احتياطى إلا الشرح ففيه يسكن الظمأ البرح وعذرا عن التكليف فهو محل الاستقصاء والاستفسار والإطناب والإكثار وزند القلق فى مثلها أورى والشفيق بسوء الظن مغرى وسيدى هو العمدة التى سلمت لى الأيام فيها وقالت حسب آمالك ويكفيها فكيف لا أشفق ومن أنفق من عينه فأنا من عينى لا أنفق والله لا يحبط سعيى فى سؤال عصمتها ولا يخفق ويرشد إلى شكره على ما وهب منها ويوفق والسلام الكريم على سيدى البر الوصول

الذى زكت منه الفروع لما طابت الأصول وخلص من وده لابن الخطيب المحصول وC تعالى وبركاته
13

- جواب ابن رضوان
قال فراجعنى حفظ الله سيادته بما نصه
( متى شئت ألفى من علائك كل ما ... ينيل من الآمال خير منالها )
( كبرء اعتلال من دعائك زارنى ... وعادات بر لم ترم عن وصالها )
أبقى الله ذلك الجلال الأعلى متطولا بتأكيد البر متفضلا بموجبات الحمد والشكر وردتنى سحاءته المشتملة على معهود تشريفه وفضله الغنى عن تعريفه متحفيا فى السؤال عن شرح الحال ومعلنا بما تحلى به من كرم الخلال والشرف العال والمعظم على ما يسر ذلك الجلال الوزارى الرياسى أجراه الله تعالى على أفضل ما عوده كما أعلى فى كل مكرمة يده ذلك ببركة دعائه الصالح وحبه المخيم بين الجوانح والله سبحانه المحمود على نعمه ومواهب لطفه وكرمه وهو سبحانه المسؤول أن يهيىء لسيدى قرار الخاطر على ما يسره فى الباطن والظاهر بمن الله تعالى وفضله والسلام الكريم على جلاله الأعلى ورحمة الله وبركاته كتبه المعظم الشاكر الداعى الذاكر المحب ابن رضوان وفقه الله تعالى فى ذى الحجة ختام عام واحد وستين وسبعمائة انتهى
14
- من لسان الدين إلى الجنان
وقال رحمه الله تعالى وفاتحته يعنى الشيخ الجنان محركا قريحته ومستثيرا ما عنده بقولى

( إن كانت الآداب أضحت جنة ... فلقد غدا جنانها الجنان )
( أقلامه القضب اللدان بدوحها ... والزهر ما رقمته منه بنان )
وذكر بعد البيتين سجعا بليغا
15

- جواب الجنان
ثم قال فراجعنى الجنان بما نصه
( يا خاطب الآداب مهلا فقد ... ردك عن خطبتها ابن الخطيب )
( هل غيره فى الأرض كفء لها ... وشرطها الكفاة قول مصيب )
( أصبح للشرط بها معرسا ... فاستفت فى الفسخ فهل من مجيب )
أيها السيد الذى يتنافس فى لقائه ويتغالى ويصادم بولائه صرف الزمان ويتعالى وتستنتج نتائج الشرف بمقدمات عرفانه وتقتنص شوارد العلوم بروايات كلامه فكيف بمداناة عيانه جلوت على من بنات فكرك عقائل نواهد وأقمت بها على معارفك الجمة دلائل وشواهد واقتنصت بشرك بديهتك من المعانى أوابد شوارد وفجرت من بلاغتك وبراعتك حياضا عذبة الموارد ثم كلفتنى من إجراء ظالعى فى ميدان ضليعها مقابلة الشمس المنيرة بسراج عند طلوعها فأخلدت إخلاد مهيض الجناح وفررت فرار الأعزل عن شاكى السلاح وعلمت أنى إن أخذت نفسى بالمقابلة وأدليت دلو قريحتى للمساجلة كنت كمن كلف الأيام مراجعة أمسها أو طلب ممن علته السماء محاولة لمسها وإن رضيت من القريحة بسجيتها وأظهرت القدر الذى كنت امتحت من ركيتها أصبحت مسخرة للراوين والسامعين ونبت عن أسمى دواوينهم نانها الجنان )
( أقلامه القضب اللدان بدوحها ... والزهر ما رقمته منه بنان ) وذكر بعد البيتين سجعا بليغا 15 - جواب الجنان ثم قال فراجعنى الجنان بما نصه
( يا خاطب الآداب مهلا فقد ... ردك عن خطبتها ابن الخطيب )
( هل غيره فى الأرض كفء لها ... وشرطها الكفاة قول مصيب )
( أصبح للشرط بها معرسا ... فاستفت فى الفسخ فهل من مجيب )
أيها السيد الذى يتنافس فى لقائه ويتغالى ويصادم بولائه صرف الزمان ويتعالى وتستنتج نتائج الشرف بمقدمات عرفانه وتقتنص شوارد العلوم بروايات كلامه فكيف بمداناة عيانه جلوت على من بنات فكرك عقائل نواهد وأقمت بها على معارفك الجمة دلائل وشواهد واقتنصت بشرك بديهتك من المعانى أوابد شوارد وفجرت من بلاغتك وبراعتك حياضا عذبة الموارد ثم كلفتنى من إجراء ظالعى فى ميدان ضليعها مقابلة الشمس المنيرة بسراج عند طلوعها فأخلدت إخلاد مهيض الجناح وفررت فرار الأعزل عن شاكى السلاح وعلمت أنى إن أخذت نفسى بالمقابلة وأدليت دلو قريحتى للمساجلة كنت كمن كلف الأيام مراجعة أمسها أو طلب ممن علته السماء محاولة لمسها وإن رضيت من القريحة بسجيتها وأظهرت القدر الذى كنت امتحت من ركيتها أصبحت مسخرة للراوين والسامعين ونبت عن أسمى دواوينهم

كما تنبو عن الأشيب عيون العين ثم إن أمرك يا سيدى لا يحل وثيق مبرمه ولا يحل نسخ محكمه فامتثلته امتثال من لم يجد فى نفسه حرجا من قضائك ورجوت حسن تجاوزك واغضائك أبقاك الله تعالى قطبا لفلك المكارم والمآثر وفصا لخاتم المحامد والمفاخر والسلام انتهى

ترجمة ابن الجنان
والجنان المذكور مغربى من مكناسة الزيتون وهو الشيخ الفقيه العدل الأديب الأخبارى المشارك أبو جعفر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأوسى الجنان من أهل الظرف والانطباع والفضيلة كاتب عاقل ناظم ناثر مشارك فى فنون من العلم له تصنيف حسن فى ثلاث مجلدات سماه المنهل المورود فى شرح المقصد المحمود شرح فيه وثائق أبى القاسم الجزيرى المالكى فأربى على غيره بيانا وإفاده قال فى نفاضه الجراب وناولنى إياه وأذن لى فى حملى عنه وأنشدنى كثيرا من شعره فمن ذلك ما صدر به رسالة يهنىء بها ناقها من مرض
( البس الصحة بردا قشيبا ... وارشف النعمة ثغرا شنيبا )
( واقطف الآمال زهرا نضيرا ... واعطف الإقبال غصنا رطيبا )
( إن يكن ساءك وعك تقضى ... تجد الأجر عظيما رحيبا )
( فانتعش فى دهرنا ذا سرور ... يصبح الحاسد منه كئيبا )
مقطعات وقصائد تكتب على المبانى
وقال أيضا لسان الدين فى النفاضة قرأت بالدور الخشبى فى الدار التى

نزلت بها بمكناسة الزيتون أبياتا منقشة استحسنتها لسهولتها فأخبرنى أنها من نظمه وهى
( انظر إلى منزل متى نظرت ... عيناك يعجبك كل ما فيه )
( ينبىء عن رفعة لمالكه ... وعن ذكاء الحجى لبانيه )
( يناسب الوشى فى أسافله ... ما يرقم النقش فى أعاليه )
( كأنه روضة مدبجة ... جاد لها وابل بما فيه )
( فأظهرت للعيون زخرفها ... ووافقتها على تجليه )
( فهو على بهجة تلوح به ... ورونق للجمال يبديه )
( يشهد للساكنين أن لهم ... من جنة الخلد ما يحاكيه )
قلت قد تذكرت هنا والشىء بالشىء يذكر ما رأيته مكتوبا على دائرة مجرى الماء بمدرسة تلمسان التى بناها أمير المسلمين ابن تاشفين الزيانى وهى من بدائع الدنيا وهو
( انظر بعينك بهجتى وسنائى ... وبديع إتقانى وحسن بنائى )
( وبديع شكلى واعتبر فيما ترى ... من نشأتى بل من تدفق مائى )
( جسم لطيف ذائب سيلانه ... صاف كذوب الفضة البيضاء )
( قد حف بى أزهار وشى نمقت ... فغدت كمثل الروض غب سماء )
وما أنشده بعض أهل العصر فى المغرب بقصد أن يرسم فى الأستار المذهبة المحكمة الصنعة التى جعلها السلطان المنصور أبو العباس الشريف الحسنى رحمه الله تعالى لكى يستر بها النواحى الأربع من القبة الكبيرة بالبديع وتسمى هذه الستور عند أهل المغرب بالحائطى ففى الجهة الأولى
( متع جفونك من بديع لباسى ... وأدر على حسنى حميا الكاس )

( هذي الربى والروض من جرعائها ... مما اغتذى بالعارض البجاس )
( أنى لروض أن يروق بهاؤه ... مثلى وأن يجرى على مقياس )
( فالروض تغشاه السوام وانما ... تأوى الى كنفى ظباء كناس )
وعلى الجهة الثانية
( من كل حسنا كالقضيب إذا انثنى ... تزرى بغصن البانة المياس )
( ولقد نشرت على السماك ذوائبى ... ونظرت من شزر إلى الكناس )
( وجررت ذيلى بالمجرة عابثا ... فخرا بمخترعى أبى العباس )
( ما نيط مثلى فى القباب ولا ازدهت ... بفتى سواه مراتب وكراسى )
وعلى الجهة الثالثة
( ملك تقاصرت الملوك لعزه ... ورماهم بالذل والإتعاس )
( غيث المواهب بحر كل فضيلة ... ليث الحروب مسعر الأوطاس )
( فرد المحاسن والمفاخر كلها ... قطب الجمال أخو الندى والباس )
( ملك إذا وافى البلاد تأرجت ... منه الوهاد بعاطر الأنفاس ) وعلى الجهة الرابعة
( وإذا تطلع بدره من هالة ... يعشي سناه نواظر الجلاس )
( أيامه غررا تجلت كلها ... ابهى من الأعياد والأعراس )
( لا زال للمجد السنى يشيده ... ويقيم مبناه على الآساس )
( ما مال بالغصن النسيم وحببت ... دررالندى فى جيده المياس )
وما أنشدنيه بعض العصريين من المغاربة لصاحبنا المرحوم الفقيه الكاتب

المحقق أبى محمد الحسن بن أحمد المسفيوي المراكشى أحد مشاهير الكتاب بباب أمير المؤمنين المنصور بالله أبى العباس الشريف الحسنى ملك المغرب صب الله تعالى على الجميع أمطار الرضوان مما كتب فى بعض مبانى صاحبنا الوزير العلامة الأجل سيدى عبد العزيز الفشتالى رحمه الله تعالى وهو
( أجل المعلى من قداح سرورى ... وأدر كؤوس الأنس دون شرور )
( ... خلعت على عطف البهاء محاسنى ... فكست به الآفاق ثوب حبور )
( وتناسق الوشى المفوف حلتى ... نسق الشذور على نحور الحور )
( شأو القصور قصورها عن رتبة ... لى بالسنا الممدود والمقصور )
( فى المبتنى المراكشى وأفقه ... أزرى على الزوراء والخابور )
( أعلى مقامى البارع الأسمى الذى ... قد حاز سبق النظم والمنثور )
( فإذا أقل بنانه أقلامه ... نفثت عقود السحر بين سطور )
( عبد العزيز أخو الجلالة كاتب ... سر الخليفة أحمد المنصور )
( لا زال فى يمن وأمن ما شدت ... ورق بروض بالندى ممطور )
وبعضه كتبته بالمعنى من حفظى لطول العهد والغاية فى هذا الباب ما أنشدنيه لنفسه الوزير أبو فارس عبد العزيز الفشتالى المذكور وهى جملة من قصائد كتبت فى المبانى الملوكية المنصورية بالحضرة المراكشية حاطها الله تعالى فمنها ما كتب خارج القبة الخمسينية أى التى فيها خمسون ذراعا بالعمل وذلك قوله رحمه الله تعالى على لسان القبة

( سموت فخر البدر دونى وانحطا ... وأصبح قرص الشمس فى أذنى قرطا )
( وصغت من الإكليل تاجا لمفرقى ... ونيطت بى الجوزاء فى عنقى سمطا )
( ولاحت بأطواقى الثريا كأنها ... نثير جمان قد تتبعته لقطا )
( وعديت عن زهر النجوم لاننى ... جعلت على كيوان رحلى منحطا )
( وأجريت من فيض السماحة والندى ... خليجا على نهر المجرة قد غطى )
( عقدت عليه الجسر للفخر فارتمت ... إليه وفود البحر تغرف ما أنطى )
( تنضنض ما بين الغروس كأنه ... وقد رقرقت حصباؤه حية رقطا )
( حواليه من دوح الرياض خرائد ... وغيد تجر من خمائلها مرطا )
( إذا أرسلت لدن الفروع وفتحت ... جنى الزهر لاح فى ذوائبها وخطا )
( يرنحها مر النسيم إذا سرى ... كما مال نشوان تشرب إسفنطا )
( يشق رياضا جادها الجود والندى ... سواء لديها الغيث أسكب أم أخطا )
( وسالت بسلسال اللجين حياضه ... بحارا غدا عرض البسيط لها شطا )
( تطلع منها وسط وسطاه دمية ... هى الشمس لا تخشى كسوفا ولا غمطا )
( حكت وحباب الماء فى جنباتها ... سنا البدر حل من نجوم السما وسطا )
( إذا غازلتها الشمس ألقى شعاعها ... على جسمها الفضى نهرا بها لطا )
( توسمت فيها من صفاء أديمها ... نقوشا كأن المسك ينقطها نقطا )
( إذا اتسقت بيض القباب قلادة ... فإنى لها فى الحسن درتها الوسطى )
( تكنفنى بيض الدمى فكأنها ... عذارى نضت عنها القلائد والريطا )
( قدود ولكن زانها الحسن عريها ... وأجمل فى تنعيمها النحت والخرطا )
( نمت صعدا تيجانها فتكسرت ... قوارير أفلاك السماح بها ضغطا )
( فيا لك شأوا بالسعادة آهلا ... بأكنافه رحل العلا والهدى حطا )

( وكعبة مجد شادها العز فانبرت ... تطوف بمغناها امانى الورى شوطا )
( ومسرح غزلان الصريم كناسها ... حنايا قباب لا الكثيب ولا السقطا )
( فلكن به ما طاب لا الأثل والخمطا ... ووسدن فيه الوشى لا السدر والأرطى )
( تراه من المسك الفتيت مدبرا ... إذا مازجته السحب عاد بها خلطا )
( وأن باكرته نسمة سحرا سرى ... إلى كل أنف عرف عنبره قسطا )
( أقرت له الزهراء والخلد وانتقت ... أواوين كسرى الفرس تغبطه غبطا )
( جناب رواق المجد فيه مطنب ... على خير من يعزى لخير الورى سبطا )
( إمام يسير الدهر تحت لوائه ... وترسى سفان للعلا حيثما وطا )
( وفتاح أقطار البلاد بفيلق ... يفلق هامات العدا بالظبى خبطا )
( تطلع من خرصانه الشهب فانثنت ... ذوائب أرض الزنج من ضوئها شمطا )
( كتائب نصر إن جرت لملمة ... جرت قبلها الأقدار تسبقها فرطا )
( إذا ما عقدن راية علوية ... جعلن ضمان الفتح فى عقدها شرطا )
( فما للسما تلك الأهلة إنما ... سنابكها أبقت مثالا بها خطا )
( يطاوع أيدى المعلوات عنانها ... فيعتاض من قبض الزمان بها بسطا )
( يد لأمير المؤمنين بكفها ... زمام يقود الفرس والروم والقبطا )
( أدار جدارا للعلا وسرادقا ... يحوط جهات الأرض من رعية حوطا )
وقوله مما كتب ببهوها بمرمر اسود فى أبيض
( لله بهو عز منه نظير ... لما زها كالروض وهو نضير )
( رصفت نقوش حلاه رصف قلائد ... قد نضدتها فى النحور الحور )
( فكأنها والتبر سال خلالها ... وشى وفضة تربها كافور )

( وكأن أرض قراره ديباجة ... قد زان حسن طرازها تشجير )
( وإذا تصعد نده نوءا ففى ... أنماطه نور به ممطور )
( شأو القصور قصورها عن وصفه ... سيان فيه خورنق وسدير )
( فإذا أجلت اللحظ فى جنباته ... يرتد وهو بحسنه محسور )
( وكأن موج البركتين أمامه ... حركات سجف صافحته دبور )
( صفت بصفتها تماثل فضة ... ملك النفوس بحسنها تصوير )
( فتدير من صفو الزلال معتقا ... يسرى إلى الأرواح منه سرور )
( ما بين آساد يهيج زئيرها ... وأساود يسلى لهن صفير )
( ودحت من الأنهار أرض زجاجة ... وأظلها فلك يضىء منير )
( راقت فمن حصبائها وفواقع ... تطفو عليها اللؤلؤ المنثور )
( يا حسنه من مصنع فبهاؤه ... باهى نجوم الأفق وهى تنور )
( وكأنما زهر الرياض بجنبه ... حيث التفت كواكب وبدور )
( ولدسته الأسمى تخير رصفه ... فخر الورى وإمامها المنصور )
( ملك أناف على الفراقد رتبة ... وأقلة فوق السماك سرير )
( قطب الخلافة تاج مفرق دولة ... رميت بجحفلها اللهام الكور )
( وجرى إلى أقصى العراق لرعيها ... جيش على جسر الفرات عبور )
( نجل النبى ابن الوصى سليل من ... حقن الدماء وعف وهو قدير )
( بحر الندى لكنه متموج ... سيف العلا لكنه مطرور )
( طود يخف لحلمه ووقاره ... ولجيشه يوم النزال ثبير )
( دامت معاليه ودام ومجده ... طوق على جيد العلا مزرور )
( وتعاهدته عن الفتوح بشائر ... يغدو عليه بها المسا وبكور )

)
( ما دام منزل سعده يرقى به ... نصر يرف لواؤه المنشور )
( ومشت به مرحا جياد مسرة ... وأدار كاس الأنس فيه سمير )
وقوله مما كتب بداخل القبة المذكورة
( جمال بدائعى سحر العيونا ... ورونق منظرى بهر الجفونا )
( وقد حسنت نقوشى واستطارت ... سنا يعشى عيون الناظرينا )
( وأطلع سمكى الأعلى نجوما ... ثواقب لا تغورالدهر حينا )
( وجوى من دخان الند ألقى ... على أرضى الغياهب والدجونا )
( علوت دوائر الأفلاك سبعا ... لذاك الدهر ما ألفت سكونا )
( فصغت من الأهلة والحنايا ... أساور والخلاخل والبرينا )
( تكنفنى حياض مائحات ... أمامى والشمال أو اليمينا )
( يقيد حسنها الطرف انفساحا ... ويجرى الفلك فيها والسفينا )
( تدافع نهرها نحوي فلما ... تلاقى البحر فى جرى دفينا )
( ترى شهب السماء بهن غرقى ... فتحسبها بها الدر المصونا )
( وقد نشر الحباب على سماها ... لآلىء تزدري العقد الثمينا )
( فخرت وحق لى لما اجتبانى ... لمجلسه أمير المؤمنينا )
( هو المنصور حائز خصل سبق ... وبانى المجد بنيانا مكينا )
( وليث وغى إذا زأر امتعاضا ... يروع زئيره هندا وصينا )
( إذا أمت كتائبه الأعادى ... بعثن برعبه جيشا كمينا )

( يدير عليهم من كل حرب ... تدقهم رحى أو منجنونا )
( إمام بالمغارب لاح شمسا ... بها الشرق اكتسى نورا مبينا )
( بقيت بذي القصور الغر بدرا ... تلوح بافقهن مدى السنينا )
( تحف بكم عواكف عند بابى ... ملائكة كرام كاتبونا )
( لك البشرى أمير المؤمنين اد ... خلوها بسلام آمنينا )
وقوله فى بعض المبانى المنصورية
( معانى الحسن تظهر فى المغانى ... ظهور السحر فى حدق الحسان )
( مشابه فى صفات الحسن أضحت ... تمت بها المغانى للغوانى )
( بكل عمود صبح من لجين ... تكون فى استقامة خوط بان )
( مفصلة القدود مثلثات ... مواصلة العناق من التدانى )
( تردت سابرى الحسن يزرى ... بحسن السابرى الخسروانى )
( وتعطو الخيزرانة من دماها ... بسالفة القطيع البرهمانى )
( لمجدك تنتمى لكن نماها ... إلى صنعاء ما صنع اليدان )
( يدين لك ابن ذى يزن ويعنو ... لها غمدان فى أرض اليمان )
( غدت حرما ولكن حل فيها ... لوفدكم الأمان مع الأمانى )
( مبان بالخلافة آهلات ... بها يتلوالهدى السبع المثانى )
( هى الدنيا وساكنها إمام ... لأهل الأرض من قاص ودانى )
( قصور ما لها فى الأرض شبه ... وما فى المجد للمنصور ثانى )
وقوله رحمه الله تعالى مما كتب فى المصرية المطلة على الرياض المرتفعة

على القبة الخضراء من بديع المنصور وكان إنشاؤها فى جمادى الأولى من عام خمسة وتسعين وتسعمائة
( باكر لدى من السرور كؤوسا ... وارض النديم أهلة وشموسا )
( واعرج على غرفى المنيف سماؤها ... تلق الفراقد فى حماي جلوسا )
( وإذا طلعت بأوجها قمر العلا ... لا ترتضى غير النجوم جليسا )
( شرق القصور بريقها لما اجتلت ... منى على بسط الرياض عروسا )
( واعتضت بالمنصور أحمد ضيغما ... وردا تحيز من بديعى خيسا )
( ملك أرى كل الملوك ممالكا ... لعلاه والدنيا عليه حبيسا )
( دامت وفود السعد وهي عواكف ... تصل المقيل لدي والتعريسا )
( وهناك يا شرف الخلافة دولة ... تلقى برايتها طلائع عيسى )
وقوله من جملة قصيدة من نمط ما تقدم لم أستحضر أولها
( سلبت تماثلها الحجى لما اغتدت ... تزهو بحسن طرازها تذهيبا )
( ولقد تشامخ فى العلو سماكها ... فجرى على الفلك المنير جنيبا )
( وسما الى الشهب الزواهر فاغتدى ... الإكليل منها تاجها المعصوبا )
( هذا البديع يعز شبه بدائع ... أبدعتهن به فجاء غريبا )
( أضنى الغزالة حسنة حسدا لذا ... أبدى عليها للأصيل شحوبا )
( وانقضت الزهر المنيرة إذ رأت ... زهر الرياض به ينور عجيبا )
( شيدتهن مصانعا وصنائعا ... أنجزن وعدك للعلا المرقوبا )

( وجريت فى كل الفخار لغاية ... أدركتها أو ما مست لغوبا )
( فانعم بملكك فيه دام مؤبدا ... تجنى به فنن النعيم رطيبا )
( وإليكها عذراء فكر أهديت ... وجعلت مدحك مهرها الموهوبا )
( ونظمت من درر البلاغة عقدها ... فغدا يروق بجيدها ترتيبا )
( ورفعتها لمقامكم تمشى على ... استحيا فيزعجها الولا ترغيبا )
( فأتت على شرف لكم فتوقفت ... لما رأت ذاك الجلال مهيبا )
( شفعت إليك بحب جدك أحمد ... لتنيلها منك الرضى المرغوبا )
( دامت بك الدنيا يروق جمالها ... وإلى القيامة أمركم مرهوبا )
( وكلاكم الله العظيم كلاءة ... يرعى بها خلفا لكم وعقيبا )

رسالة من الفشتالى إلى المؤلف
ومحاسن صاحبنا المذكور فى النظم والنثر يضيق عنها هذا التأليف وكنت أثبت منها جملة فى غير هذا الموضع
ولما أحس بعزمى على الرحلة إلى الحجاز واقتضائى من سلطان المغرب فى وعده لى بها النجاز كتب إلى من حضرة مراكش وأنا حينئذ بفاس ما صورته بعد سطر الافتتاح
( يا نسمة عطست بها أنف الصبا ... فتضمخت بعبيرها قنن الربى )
( هبى على ساحات أحمد واشرحى ... شوقى إلى لقياه شرحا مطنبا )
( وصفى له بالمنحنى من أضلعى ... قلبا على جمر الغضا متقلبا )
( بان الأحبة عنه حى قد توى ... منهم وآخر قد ناى وتغيبا )
( فعساك تسعد يا زمان بقربهم ... فأقول أهلا باللقاء ومرحبا )
السيادة التى سواها الله من طينة الشرف والحسب وغرس دوحتها الطيبة بمعدن العلم الزاكى المحتد والنسب سيادة العالم الذى تمشى تحت علم فتياه

العلماء الأعلام وتخضع لفصاحته وبلاغته صيارفة النثر والنظام وحملة الأقلام كلما خط أو كتب وإذا استطار بفكرة الوقاد سواجع السجع انثالت عليه من كل أو كارها ونسلت من كل حدب وحكت بانسجامها السيل والقطر فى صبب الفقيه العالم العلم والمحصل الذى ساجلت العلماء لتدرك فى مجال الإدراك شأوه فلم سيدنا الفقيه الحافظ حامل لواء الفتيا ومالك المملكة فى المنقول والمعقول من غير شرط ولا ثنيا أبو العباس سيدى أحمد بن محمد المقرى أبقاه الله تعالى للعلم يفتض أبكاره ويجنى من روضه اليانع ثماره سلام الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته كتبه المحب الشاكر عن ود راسخ العماد ثابت الأوتاد مزهر الأغوار والأنجاد ولا جديد إلا الشوق الذى تحن إلى لقياكم ركائبه وترتاح وتحوم على مورد الأنس بكم حوم ذات الجناح على العذب القراح جمع الله تعالى الأرواح المؤتلفة على بساط السرور وأسرة الهنا وأتاح للنفوس من حسن محاضرتكم قطف المشتهى وهو غض الجنى
وقد اتصل بالمحب الودود الرقيم الذى راقت من سواد النقش وبياض الطرس شياته وأرانا معجز أحمد فبهرت آياته وخبا سقط الزند لما أشرقت من سماء فكركم آياته فأطربنا بتغريد طيور همزاته على أغصان ألفاته وعوذنا بالسبع المثانى بنانا أجادت نثر زهراته على صفحاته ثم مررنا بتضاعيفه بسوق الرقيق فرمنا السلوك على منحاها فعمى علينا الطريق وقلنا واها على سوق ابن نباتة وكساد رقيقها واستلاب البهجة عن نفيس دررها وأنيقها لا كسوق نفق فيها سوق الغزل وعلا كعب الرامح والأعزل وتضافر على سحر النفوس والألباب هاروت الجد وماروت الهزل وقد ألقينا السلاح وجنحنا للسلم وتهيأنا للسباحة فوقفنا بساحل اليم وسلمنا لمن استوت به سفينة البلاغة على الجودى فأبنا والحمد لله على السلامة بالفهاهة والعى وقلنا ما لنا وللإنشاء فهو فضل الله يؤتيه من يشاء
وعذرا أيها الشيخ عن البيت الذى عطست به أنف الصبا فقذفت به البديهة

من الفم وشرقت به صدر قناة القلم كما شرقت صدر القناة من الدم
وأما ما تحمل الرسول من كلام فى صورة ملام لا بل مدام أترع به من سلاف المحبة كأس وجام فلا وربك ما هى إلا نفحة نفحت لا سموم لفحت هززنا بها جذع أدبكم كى يتساقط علينا رطبا جنيا ويهمى ودقه على الربع المحيل من أفكارنا وسميا ووليا فجاد وأروى وأجاد فيما روى وأحيا من القرائح ميتا كان حديثا يروى وطرسا بين أنامل الأيام ينشر ويطوى أحيا الله تعالى قلوبنا بمعرفتة ونواسم رحمته وعرج بأرواحنا عند الممات إلى المحل الأخص بالمؤمن من حضرته
وأهدى السلام المزرى بمسك الختام إلى الفقيهين الأمجدين الصدرين الأنجدين الفذين التوأمين الفاضلين المجيدين فارسى البراعة واليراعة ورئيسى الجماعة فى هذه الصناعة رضيعى لبان الأدب وواسطتى عقده ومجيلى قدحه المعلى وموريى زنده الممتعين بشميم عراره ورنده الكارعين بالبحر الفياض من هزله وجده الآتيين بالجنس والفصل من رسمه وجده الكاتب البارع أبى الحسن سيدي على ابن أحمد الشامى والكاتب البليغ أبى عبد الله سيدى محمد بن على الوجدى وأقرر لهما الود المستحكم المعاقد الصافى المناهل العذب الموارد وأنى قائم بورد الثناء عليكم وعليهما لدى المقام العلى الإمامى الناصرى دام سلطانه وتمهدت أوطاره وأوطانه
وننهى إليكم أن الفقيه المحب الأستاذ سيدى محمد بن يوسف طلق اللسان بالشكر صادح على أيك الثناء عن تلكم السيادة بما واليتموه به من جزيل الإحسان وقابلتموه به عند الورود والصدر من البشر والكرامة وجميل الأمتنان والسلام التام معاد عليكم وC تعالى وبركاته وبه وجب الكتب إليكم

والله سبحانه يرعاكم فى يوم الخميس موفى عشرين من محرم الحرام فاتح سبعة وعشرين وألف المحب الودود الشاكر عبد العزيز بن محمد الفشتالى لطف الله تعالى به وخار له بمنه وكرمه انتهى
ومن أراد شيئا من أخباره فعليه بكتابى الموسوم ب روضة الآس العاطر الأنفاس فى ذكر من لقيته من أعلام مراكش وفاس وقد بلغتنى وفاته رحمه الله تعالى وأنا فى مصر بعد عام ثلاثين وألف رحمه الله تعالى فلقد كان أوحد عصره حتى ان سلطان المغرب كان يقول إن الفشتالى نفتخر به على ملوك الأرض ونبارى به لسان الدين ابن الخطيب رحم الله تعالى الجميع

تعريف بأبى الحسن الشامى
والشامى الذى أشار إليه هو من أعيان أهل فاس وذوى البيوت بها وجده قدم من الشام على حضره فاس فشهر بنوه بالنسبة إلى الشام وقد بلغتنى وفاته أيضا بعد الثلاثين بعد الألف وقد أجاب عن الأبيات البائية التى خاطبنى بها الوزير سيدى عبد العزيز الفشتالى المذكور رحم الله تعالى الجميع بقوله
( نمت نوافح عرف أنفاس الصبا ... فنمى بها روض الوداد وأخصبا )
( نثرت جواهر سلكها فتتوج ... الغصن النضير بدرها وتعصبا )
( ورمت محاجر منحنى ذاك الحمى ... فغدا بها خيف القلوب محصبا ... )
( وروت أحاديث الغرام صحيحة ... فشفت فؤادا من بعادك موصبا )
( لا غرو أن طارت حشاشة لبه ... طربا فما خلو الغرام كمن صبا )
( لا زلتم والزهر ينشق عرفكم ... والزهر تحسد من كمالك منصبا ) 4
ولنمسك عنان البنان ونرجع إلى ما كنا بصدده من شأن لسان الدين ابن الخطيب المريع منه بمزن البلاغة والفصاحة جنان الجنان فنقول والله سبحانه ولى التوفيق والإمداد وليس إلا عليه الاعتماد

16

- بين ابن الجياب ولسان الدين
وقال ابن الصباغ العقيلى كان أبو الحسن ابن الجياب رئيس كتاب الأندلس وهم رؤساء غيرهم واختص به ذو الوزارتين أبو عبد الله ابن الخطيب اختصاصا تاما وأورثه رتبة من بعده وعهد بها إليه مشيرا بذلك على من استشاره من أعلام الحجاب عند حضور عمره وتدرب بذكائه حتى استحق أزمته فأنسى بحسن سياسته شيخه المذكور ونال التى لا فوقها من الحظوة وبعد الصيت وسعادة البخت اتفق له يوما بعدما عزم النصرانى على ورود البلد وضاقت به الصدور فأنشد ابن الجياب بديها بمحضر الكتاب
( هذا العدو قد طغى ... وقد تعدى وبغى )
وقال لابن الخطيب أجز أبا عبد الله فأنشده بديها
( وأظهر السلم وقد ... أسر حسوا فى ارتغا )
( فبلغ الرحمن سيف ... النصر فيه ما ابتغى )
( ورده رد ثمود ... والفصيل قد رغا )
( حتى يرى وليمة ... لكل مرهوب الثغا )
فقال ابن الجياب هكذا وإلا فلا وعجب الحاضرون من هذه البديهة انتهى 17 -
قصيدتان للبلوى يخاطب بهما لسان الدين
ومما خوطب به لسان الدين قول الفقيه أبى يحيى البلوى المرى رحم الله الجميع

( عللونى ولو بوعد محال ... وصلونى ولو بطيف خيال )
( واعلموا اننى أسير هواكم ... لست أنفك دائما عن عقال )
( فدموعى من بينكم فى انسكاب ... وفؤادى من هجركم فى اشتغال )
( يا أهيل الحمى كفانى غرامى ... لا تزيدوا حسبى بما قد جرى لى )
( من مجيرى من لحظ ريم ظلوم ... حلل الهجر بعد طيب الوصال )
( ناعس الطرف أسهر الجفن منى ... طال منه الجفا بطول الليالى )
( بابلى اللحاظ أصمى فؤادى ... وزماه من غنجه بنبال )
( وكسا الجسم من هواه نحولا ... قصده فى النوى بذاك انتحالى )
( ما ابتدى فى الوصال يوما بعطف ... مذ روى فى الغرام باب اشتغالى )
( ليس لى منه فى الهوى من مجير ... غير تاج العلا وقطب الكمال )
( علم الدين عزه وسناه ... ذروه المجد بدر أفق الجلال )
( هو غيث الندى وبحر العطايا ... هو شمس الهدى فريد المعالى )
( ان وشى فى الرقاع بالنقش قلنا ... صفحة الطرس حليت باللآلى )
( أو دجا الخطب فهو فيه شهاب ... زانه الصبح فى ظلام الضلال )
( أو نبا الأمر فهو فى الأمر عضب ... صادق العزم عند ضيق المجال )
( لست تلقى مثاله فى زمان ... جل فى الدهر يا أخى عن مثال )
( قد نأى بى حبى له عن ديارى ... لا لجدوى ولا لنيل نوال )
( لكن اشتقت أن ارى منه وجها ... نوره فاضح لنور الهلال )
( وكما همت فيه ألثم كفا ... جاد لى بالنوال قبل السؤال )
( هاكها ابن الخطيب عذراء جاءت ... تلثم الأرض قبل شسع النعال )
( وتوفى حق الوزارة عمن ... هو ملك لها على كل حال )

ومن نظمه قوله يخاطبه مهنئا فى إعذاره أولاده بعد نث
ر نصه يعتذر عن خدمة الإعذار ويصل المدح والثناء على بعد الدار بتاريخ الوسط من شهر

شعبان عام تسعة وأربعين وسبعمائة
( لا عذر لى عن خدمة الإعذار ... ولئن نأى وطنى وشط مزارى )
( أو عاقنى عنه الزمان وصرفه ... تقضى الأمانى عادة الاعصار )
( قد كنت أرغب أن أفوز بخدمتى ... وأحط رحلى عند باب الدار )
( بادى المسرة بالصنيع وأهله ... متشمرا فيه بفضل إزارى )
( من شاء أن يلقى الزمان وأهله ... ويرى جلالا شاع فى الأقطار )
( فليأت حى ابن الخطيب ملبيا ... فيفوز بالإعظام والإكبار )
( كم ضم من صيد كرام قدرهم ... يسمو ويعلو فى ذوى الأقدار )
( إن جئت ناديه فنب عنى وقل ... نلت المنى بتلطف ووقار )
( يا من له الشرف القديم ومن له ... الحسب الصميم العد يوم فخار )
( يهنيك ما قد نلت من أمل به ... فى الفرقدين النيرين لسارى )
( نجلاك قطبا كل مجد باذخ ... أملان مرجوان فى الإعسار )
( عبد الإله وصنوه قمر العلا ... فرعان من أصل زكا ونجار )
( ناهيك من قمرين فى أفق العلا ... ينميهما نور من الأنوار )
( زاكى الأرومة معرق فى مجده ... جم الفضائل طيب الأخبار )
( رقت طبائعه وراق جماله ... فكأنما خلقا من الأزهار )
( وحلت شمائل حسنة فكأنما ... خلعت عليه رقة الأسحار )
( فإذا تكلم قلت طل ساقط ... أو وقع در من نحور جوارى )
( أو فت حبر المسك فى قرطاسه ... فالروض غب الواكف المدرار )
( تتبسم الأقلام بين بنانه ... فتريك نظم الدر فى الأسطار )
( فتخال من تلك البنان كمائما ... ظلت تفتح ناضر النوار )

( تلقاه فياض الندى متهللا ... يلقاك بالبشرى والاستبشار )
( بحر البلاغة قسها وإيادها ... سحبانها حبر من الأحبار )
( إن ناظر العلماء فهو إمامهم ... شرف المعارف واحد النظار )
( أربى على العلماء بالصيت الذى ... قد طار فى الآفاق كل مطار )
( ما ضره أن لم يجىء متقدما ... بالسبق يعرف آخر المضمار )
( إن كان أخره الزمان لحكمه ... ظهرت وما خفيت كضوء نهار )
( الشمس تحجب وهى أعظم نير ... وترى من الآفاق إثر درارى )
( يا ابن الخطيب خطبتها لعلاكم ... بكرا تزف لكم من خجل الأفكار )
( جاءتك من خجل على قدم الحيا ... قد طيبت بثنائك المعطار )
( وأتت تؤدى بعض حق واجب ... عن نازح الأوطان والأوطار )
( مدت يد التطفيل نحو علاكم ... فتوشحت من حليكم بنضار )
( فابذل لها فى النقد صفحك إنها ... تشكو من التقصير فى الأشعار )
( لا زلت فى دعة وعز دائم ... ومسرة تترى مع الأعمار ) ترجمة أبى يحيى البلوى
قال لسان الدين فى حق المذكور فى الإحاطة هو محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوى من أبناء النعم وذوى البيوتات كثير السكون والحياء آل به ذلك أخيرا إلى لوثة لم يستفق منها لطف الله به حسن الخط مطبوع الأدب سيال الطبع معينة وناب عن بعض القضاة وهو الآن رهين ما ذكر يتمنى أهله موته والله ولى المعافاة
وجرى ذكره فى الإكليل بما نصه من أولى الاتصال بأولى الخلال البارعة والخصال خطا رائقا ونظما بمثله لائقا ودعابه يسترها تجهم

وسكونا فى طيه إدراك وتفهم عنى بالدراية والتقييد ومال فى النظم إلى بعض التوليد وله أصالة نبتت فى السرو عروقها وتألقت فى سماء المجادة بروقها وتصرف بين النيابة فى الأحكام الشرعية وبين الشهادات العلمية المرعية انتهى
ورأيت بخط أبى الحسن على بن لسان الدين على هامش هذا المحل من الإحاطة ما صورته رحمه الله عليه ما أعذب حلاوته وأعظم مروءته وأكرم أصالته وبنو البلوى ذوو حسب وأهل نعيم وتربية ملوكية حياهم الله وبياهم قال ذلك حبيبهم وأخوهم على بن الخطيب انتهى
18

- من ابن مرزوق إلى لسان الدين
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى عند ذكر الخطيب الرئيس أبى عبد الله محمد ابن مرزوق التلمسانى ما صورته ولما قدمت على مدينة فاس فى غرض الرسالة خاطبنى بمنزل الشاطبى على مرحلة منها بما نصه
( يا قادما وافى بكل نجاح ... أبشر بما تلقاه من أفراح )
( هذى ذرى ملك الملوك فلذ بها ... تنل المنى وتفز بكل سماح )
( مغنى الإمام أبى عنان يممن ... تظفر ببحر فى العلا طفاح )
( من قاس جود أبى عنان فى الندى ... بسواه قاس البحر بالضحضاح )
( ملك يفيض على العفاة نواله ... قبل السؤال وقبل بسطة راح )
( فلجود كعب وابن سعدى فى الندى ... ذكر محاه عن نداه ماحى )
( ما إن سمعت ولا رأيت بمثله ... من أريحى للندى مرتاح )
( بسط الأمان على الأنام فاصبحوا ... قد ألحفوا منه بظل جناح )
( وهمى على العافين سيب نواله ... حتى حكى سح الغمام الساحى )

( فنواله وجلاله وفعاله ... فاقت وأعيت ألسن المداح )
( وبه الدنا أضحت تروق وأصبحت ... كل المنى تنقاد بعد جماح )
( من كان ذا ترح فرؤية وجهه ... متلافة الأحزان والأتراح )
( فانهض أبا عبد الإله تفز بما ... تبغيه من أمل ونيل نجاح )
( لا زلت ترتشف الأمانى راحة ... من راحة المولى بكل صباح )
فالحمد لله يا سيدى وأخى على نعمة التى لا تحصى حمدا يؤم به جميعنا المقصد الأسنى فيبلغ الأمد الأقصى فطالما كان معظم سيدى للأسى فى خبال وللأسف بين اشتغال بال واشتعال بلبال ولقد ومكم على هذا المقام المولوي فى ارتقاب ولمواعيدكم بذلك فى تحقق وقوعه من غير شك ولا ارتياب فها أنت تجتلى من هذا المقام العلى بتشيعك وجوه المسرات صباحا وتتلقى أحاديث مكارمه ومواهبه مسندة صحاحا بحول الله تعالى ولسيدى الفضل فى قبول مركوبه الواصل إليه بسرجه ولجامه فهو من بعض ما لدى المعظم من إحسان مولاه وإنعامه ولعمرى لقد كان وافدا على سيدى فى مستقره مع غيره فالحمد لله الذي يسر فى إيصاله على أفضل أحواله
19

- جواب لسان الدين
فراجعته بما نصه
( راحت تذكرنى كؤوس الراح ... والقرب يخفض للجنوح جناحى )
( وسرت تدل على القبول كأنما ... دل النسيم على انبلاج صباح )
( حسناء قد غنيت بحسن صفاتها ... عن دملج وقلادة ووشاح )
( أمست تحض على اللياذ بمن جرت ... بسعوده الأقلام فى الألواح )

( بخليفة الله المؤيد فارس ... شمس المعالى الأزهر الوضاح )
( ما شئت من شيم ومن همم غدت ... كالزهر أو كالزهر فى الأدواح )
( فضل الملوك فليس يدرك شأوه ... أنى يقاس الغمر بالضحضاح )
( أنسى بنى عباسهم بلوائه ... المنصور أو بحسامه السفاح )
( وغدت مغانى الملك لما حلها ... تزهى ببدر هدى وبحر سماح )
( وحياة من أهداك تحفة قادم ... فى العرف منها راحة الأرواح )
( ما زلت أجعل ذكره وثناءه ... روحى وريحانى الأريج وراحى )
( ولقد تمازج حبه بجوارحى ... كتمازج الأجسام بالأرواح )
( ولو أننى أبصرت يوما فى يدى ... أمرى لطرت إليه دون جناح )
( فالآن ساعدنى الزمان وأيقنت ... من قربه نفسى بفوز قداحى )
( إيه أبا عبد الإله وانه ... لنداء ود فى علاك صراح )
( أما إذا استنجدتنى من بعد ما ... ركدت لما جنت الخطوب رياحى )
( فإليكها مهزولة وأنا امرؤ ... قررت عجزى واطرحت سلاحى )
سيدى أبقاك الله لعهد تحفظه وولى بعين الوفاء تلحظه وصلتنى رقعتك التى أبدعت وبالحق من مولى الخليقة صدعت وألفتنى وقد سطت بى الأوجال حتى كادت تتلف الرحال والحاجة إلى الغذاء قد شمرت كشح البطين وثانية العجماوين قد توقع فوات وقتها وإن كانت صلاتها صلاة الطين والفكر قد غاض معينه وضعف وعلى الله جزاء المولى الذى يعينه فغزتنى بكتيبة بيان أسدها هصور وعلمها منصور وألفاظها ليس فيها قصور ومعانيها عليها الحسن مقصور واعتراف مثلى بالعجز فى المضايق حول ومنة وقول لا أدرى للعالم فكيف لغيره جنة لكنها بشرتنى بما يقل لمؤديه بذل النفوس وإن جلت وأطلعتنى من السراء على وجه تحسده الشمس إذا تجلت بما أعلمتنى به من جميل اعتقاد مولانا أمير المؤمنين أيده الله فى

عبده وصدق المخيلة فى كرم مجده وهذا هو الجود المحض والفضل الذى شكره هو الفرض وتلك الخلافة المولويه تتصف بصفات من يبدأ بالنوال من قبل الضراعة والسؤال من غير اعتبار للأسباب ولا مجازاة للأعمال نسأل الله تعالى أن يبقى منها على الإسلام أوفى الظلال ويبلغها من فضله أقصى الآمال ووصل ما بعثه سيدى صحبتها من الهدية والتحفة الودية وقبلتها امتثالا واستجليت منها عتقا وجمالا وسيدي فى الوقت أنسب لاتخاذ ذلك الجنس وأقدر على الاستكثار من إناث البهم والإنس وأنا ضعيف القدرة غير مستطيع على ذلك إلا فى الندوة فلو راء سيدي ورأيه سداد وقصده فضل ووداد أن ينقل القضية إلى باب العارية من باب الهبة مع وجود الحقوق المترتبة لبسط خاطرى وجمعه وعمل فى رفع المؤونة على شاكله حالى معه وقد استصحبت مركوبا يشق على هجرة ويناسب مقامى شكله ونجره وسيدي فى الإسعاف على الله أجره وهذا أمر عرض وفرض فرض وعلى نظره المعول واعتماد إغضائه هو المعقول الأول والسلام على سيدي من معظم قدره وملتزم بره ابن الخطيب فى ليلة الأحد السابع والعشرين لذى قعدة خمس وخمسين وسبعمائة والسماء قد جادت بمطر سهرت منه الأجفان وظن أنه الطوفان واللحاق فى غدها بالباب المولوى مؤمل بحول الله انتهى
20

- من البرجى إلى لسان الدين
وكتب القاضى أبو القاسم البرجى للسان الدين فى غرض الشفاعة لبعض قرابته قوله

( أيا سابقا فى مجال البراعة ... وفارس ميدان أهل اليراعة )
( ومن بدره فى سماء المعالى ... يزين بوصف الكمال ارتفاعه )
( بما لك فى الفضل من حجة ... ومن إمره فى ذويه مطاعه )
( قضاءك فى معسر حل دين ... عليه فإرجاؤه قد أضاعه )
( وقد كان يبغى لديكم شفيعا ... توسط عندكم فى شفاعة )
( على أنه فى اقتضاء الوداد ... يوفى موازينه أو صواعه )
( وما هو فى سوق تقريظكم ... ونشر حلاكم بمزجى البضاعه )
كتبت يا سيدى أدام الله تعالى علاكم وحرس مجدكم الطاهر وسناكم وأنا بين خجل مفحم وعجل مقحم أتذكر تسويفى بلقائكم حين سمح الدهر باقترابكم فأحجم وأفكر فى أن إحجامى عند ذلك بإرجائى عسى أن يكون وفق رجائى أفاتنى المقصود فأرى الحزم فى أن أقدم وموقفها بين يديكم فلان يطالبنى مطالبة الغريم وأروم مطاله فلا يبرح ولا يريم والانقياد فى زمام طاعته مما توجبه المروة بعدما أوجبه الشارع إذ جعل له حظا فى الأبوة وقد أعلقته من ذمام علائكم بالحبل المتين وأنزلته من حماكم بربوة ذات قرار ومعين فإن أعرتموه من لحظكم الجميل طرف اهتبال وأقبلتموه من اعتنائكم الجزيل وجه إقبال فقد عاد دهره بعد النفار مواتيا ونزل على أهل المهلب شاتيا ومجدكم كفيل بتبليغ أمله وتوسيع جذله وذلكم يد على معظمكم شكرها وعلى الله أجرها انتهى

ترجمة أبى القاسم البرجي
والبرجى المذكور هو محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن على بن إبراهيم الغسانى البرجى يكنى أبا القاسم من أهل غرناطة قال فى الإحاطة هو فاضل مجمع على فضله صالح الأبوة طاهر النشأة بادي الصيانة والعفة

طرف فى الخير والحشمة صدر فى الأدب جم المشاركة ثاقب الفهم جميل العشرة ممتع المجالسة حسن الشعر والخط والكتابة فذ فى الانطباع صناع اليد محكم لعمل الكثير من الآلات العلمية ويجيد تسفير الكتب رحل إلى العدوة ولقى جلة وتوسل إلى ملكها مجدد الرسم ومعتام أولى الشهرة وعامر دست الشعر والكتابة أمير المسلمين أبى عنان فاشتمل عليه ونوه به وملأ بالخير يده فاقتنى جده وحظوة وذكرا وشهرة وانقبض مع استرسال الملك لفضل عقله حتى تشكى إلى سلطانه بث ذلك عند قدومى عليه وآثر الراحة وجهد فى التماس الرحلة الحجازية ونبذ الكل وقصر الخطوة وسلا الحظوة فأسعفه سلطانه بغرضه وجعل حبل همه على غاربه وأصحبه إلى النبى الكريم صلوات الله عليه رسالة من إنشائه وقصيدة من نظمه وكلاهما يعلن فى الخلفاء ببعد شأوه ورسوخ قدم علمه وعراقة البلاغة فى نسب خصله ولما هلك وولى ابنه قدمه قاضيا بمدينة ملكه وضاعف له التنويه فأجرى الخطة على سبيل من السداد والنزاهة ثم لما ولى السلطان أبو سالم عمه أجراه على الرسم المذكور واستجلى المشكلات بصدقه وهو الآن بحاله الموصوفة مفخر من مفاخر ذلك الباب السلطانى على تعدد مفاخره
شعره ثبت فى كتاب نفاضة الجراب من تأليفنا عند ذكر المدعى الكبير بباب ملك المغرب ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر من أنشد ليلتئذ من الشعراء ما نصه وتلاه الفقيه الكاتب الحاج القاضى جملة السذاجة وكرم الخلق وطيب النفس وخدن العافية وابن الصلاح والعبادة ونشأة القرآن

المتحيز إلى حزب السلامة المنقبض عن الغمار العزوف عن فضول القول والعمل جامع المحاسن الأشتات من عقل رصين وطلب ممتع وأدب نقاوة ويد صناع أبو القاسم ابن أبى زكريا البرجى فأنشدت له على الرسم المذكور هذه القصيدة الفريدة
( أصغى إلى الوجد لما جد عاتبه ... صب له شغل عمن يعاتبه )
( لم يعط للصبر من بعد الفراق يدا ... فضل من ظل إرشادا يخاطبه )
( لولا النوى لم يبت حران مكتئبا ... يغالب الوجد كتما وهو غالبه )
( يستودع الليل أسرار الغرام وما ... تمليه أشجانه فالدمع كاتبه )
( لله عصر بشرقى الحمى سمحت ... بالوصل أوقاته لو عاد ذاهبه )
( يا جيرة أودعوا إذ ودعوا حرقا ... يصلى بها من صميم القلب ذائبه )
( يا هل ترى تجمع الأيام ألفتنا ... كعهدنا أو يرد القلب سالبه )
( ويا أهيل ودادى والنوى قذف ... والقرب قد أبهمت دونى مذاهبه )
( هل ناقض العهد بعد البعد حافظه ... وصادع الشمل يوم الشعب شاعبه )
( ويا ربوع الحمى لا زلت ناعمة ... يبكى عهودك مضنى الجسم شاحبه )
( يا من لقلب مع الأهواء منعطف ... فى كل أوب له شوق يجاذبه )
( يسمو إلى طلب الباقى بهمته ... والنفس بالميل للفانى تطالبه )
( وفتنه المرء بالمألوف معضلة ... والأنس بالإلف نحو الإلف جاذبه )
( أبكى لعهد الصبا والشيب يضحك بى ... يا للرجال سبت جدى ملاعبه )
( ولن ترى كالهوى أشجاه سالفه ... ولا كوعد المنى أحلاه كاذبه )
( وهمه المرء تغليه وترخصه ... من عز نفسا لقد عزت مطالبه )

( ما هان كسب المعالى أو تناولها ... بل هان فى ذاك ما يلقاه طالبه )
( لولا سرى الفلك السامى لما ظهرت ... آثاره ولما لاحت كواكبه )
( فى ذمة الله ركب للعلا ركبوا ... ظهر السرى فأجابتهم نجائبه )
( يرمون عرض الفلا بالسير عن عرض ... طي السجل إذا ما جد كاتبه )
( كأنهم فى فؤاد الليل سر هوى ... لولا الضرام لما خفت جوانبه )
( شدوا على لهب الرمضاء وطأتهم ... فغاص فى لجة الظلماء راسبه )
( وكلفوا الليل من طول السرى شططا ... فخلفوه وقد شابت ذوائبه )
( حتى إذا أبصروا الأعلام مائلة ... بجانب الحرم المحمى جانبه )
( بحيث يأمن من مولاه خائفه ... من ذنبه وينال القصد راغبه )
( فيها وفى طيبة الغراء لى أمل ... يصاحب القلب منه ما يصاحبه )
( إن أنس لا أنس أياما بظلهما ... سقى ثراه عميم الغيث ساكبه )
( شوقى إليها وإن شط المزار بها ... شوق المقيم وقد سارت حبائبه )
( إن ردها الدهر يوما بعدما عبثت ... فى الشمل منا يداه لا نعاتبه )
( معاهد شرفت بالمصطفى فلها ... من فضله شرف تعلو مراتبه )
( محمد المجتبى الهادى الشفيع إلى ... رب العباد أمين الوحى عاقبه )
( أوفى الورى ذمما أسماهم همما ... أعلاهم كرما جلت مناقبه )
( هو المكمل فى خلق وفى خلق ... زكت حلاه كما طابت مناسبه )
( عناية قبل بدء الخلق سابقة ... من أجلها كان آتيه وذاهبه )
( جاءت تبشرنا الرسل الكرام به ... كالصبح تبدو تباشيرا كواكبه )
( أخباره سر علم الأولين وسل ... بدير تيماء ما أبداه راهبه )
( تطابق الكون فى البشرى بمولده ... وطبق الأرض أعلاما تجاوبه )

( فالجن تهتف إعلانا هواتفه ... والجن تقذف إحراقا ثواقبه )
( ولم تزل عصمة التأييد تكنفه ... حتى انجلى الحق وانزاحت شوائبه )
( سرى وجنح ظلام الليل منسدل ... والنجم لا يهتدى فى الأفق ساربه )
( يسمو لكل سماء منه منفرد ... عن الأنام وجبرائيل صاحبه )
( لمنتهى وقف الروح الأمين به ... وامتاز قربا فلا خلق يقاربه )
( لقاب قوسين أو أدنى فما علمت ... نفس بمقدار ما أولاه واهبه )
( أراه أسرار ما قد كان أودعه ... فى الخلق والأمر باديه وغائبه )
( وآب والبدر فى بحر الدجى غرق ... والصبح لما يؤب للشرق آيبه )
( فأشرقت بسناه الأرض واتبعت ... سبل النجاة بما أبدت مذاهبه )
( واقبل الرشد والتاحت زواهره ... وادبر الغى فانجابت غياهبه )
( وجاء بالذكر آيات مفصلة ... يهدى بها من صراط الله لاحبه )
( نور من الحكم لا تخبو سواطعه ... بحر من العلم لا تفنى عجائبه )
( له مقام الرضى المحمود شاهده ... فى موقف الحشر إذ نابت نوائبه )
( والرسل تحت لواء الحمد يقدمها ... محمد أحمد السامى مراتبه )
( له الشفاعات مقبولا وسائلها ... إذا دهى الأمر واشتدت مصاعبه )
( والحوض يروى الصدى من عذب مورده ... لا يشتكى غله الظمآن شاربه )
( محامد المصطفى لا ينتهى أبدا ... تعدادها هل يعد القطر حاسبه )
( فضل تكفل بالدارين يوسعها ... نعمى ورحمى فلا فضل يناسبه )
( حسبى التوسل منها بالذى سمحت ... به القوافى وجلتها غرائبه )
( حياه من صلوات الله صوب حيا ... تحدى إلى قبره الزاكى نجائبه )
( وخلد الله ملك المستعين به ... مؤيد الأمر منصورا كتائبه )
( إمام عدل بتقوى الله مشتمل ... فى الأمر والنهى يرضيه يراقبه )
( مسدد الحكم ميمون نقيبته ... مظفر العزم صدق الرأى صائبه )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24