كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني

وقال ابن سيده صاحب المحكم يخاطب إقبال الدولة
( ألا هل الى تقبيل راحتك اليمنى ... سبيل فإن الأمن في ذاك واليمنا )
قال في المطمح الفقيه أبو الحسن على بن أحمد المعروف بابن سيده إمام فى اللغة العربية وهمام فى الفئة الأدبية وله فى ذلك أوضاع لأفهام أخلافها استدرار واسترضاع حررها تحريرا وأعاد طرف الذكاء بها قريرا وكان منقطعا الى الموفق صاحب دانية وبها أدرك أمانيه ووجد تجرده للعلم وفراغه وتفرد بتلك الاراغة ولا سيما كتابة المسمى بالمحكم فإنه أبدع كتاب وأحكم ولما مات الموفق رائش جناحه ومثبت غرره وأوضاحه خاف من ابنه إقبال الدولة وأطاف به مكروها بعض من كان حوله إذ أهل الطلب كحيات مساورة ففر الى بعض الأعمال المجاورة وكتب إليه منها مستعطفا
( ألا هل الى تقبيل راحتك اليمنى ... سبيل فإن الأمن فى ذاك واليمنا )
( فتنضى هموم طلحته خطوبها ... ولا غاربا يبقين منه ولا متنا )
( غريب نأى أهلوه عنه وشفه ... هواهم فأمسى لايقر ولا يهنا )
( فيا ملك الأملاك إنى محلأ ... عن الورد لا عنه أذاد ولا أدنى )
( تحققت مكروها فأقبلت شاكيا ... لعمري أمأذون لعبدك أن يعنى )
( وإن تتأكد في دمي لك نية ... فإني سيف لا أحب له جفنا )
( إذا ماغدا من حر سيفك باردا ... فقدما غدا من برد نعماكم سخنا )
( وهل هي إلا ساعة ثم بعدها ... ستقرع ماعمرت من ندم سنا )

( ومالي من دهري حياة ألذها ... فتجعلها نعمى علي وتمتنا )
( إذا ميتة أرضتك عنا فهاتها ... حبيب إلينا مارضيت به عنا )
4 - وقال الفقيه أبومحمد غانم بن الوليد الأندلسي المخزومي المالقي
( صير فؤادك للمحبوب منزلة ... سم الخياط مجال للمحبين )
( ولا تسامح بغيضا في معاشرة ... فقلما تسع الدنيا بغيضين )
وله
( الصبر أولى بوقار الفتى ... من قلق يهتك سترالوقار )
( من لزم الصبر على حالة ... كان على أيامه بالخيار )
وقال في المطمح فيه إنه عالم متفرس وفقيه مدرس وأستاذ متجرد وإمام لأهل الأندلس مجرد وأما الأدب فكان جل شرعته ورأس بغيته مع فضل وحسن طريقة وجد في جميع الأمور وحقيقة انتهى
5 - وقال المحدث الحافظ أبو عمر ابن عبدالبر يوصي ابنه بمقصورة
( تجاف عن الدنيا وهون لقدرها ... ووف سبيل الدين بالعروة الوثقى )

( وسارع بتقوى الله سرا وجهرة ... فلا ذمة أقوى هديت من التقوى )
( ولا تنس شكر الله فى كل نعمة ... يمن بها فالشكر مستجلب النعمى )
( فدع عنك ما لا حظ فيه لعاقل ... فإن طريق الحق أبلج لا يخفى )
( وشح بأيام بقين قلائل ... وعمر قصير لا يدوم ولا يبقى )
( ألم تر ان العمر يمضي موليا ... فجدته تبلى ومدته تفنى )
( نخوض ونلهو غفلة وجهالة ... وننشر أعمالا وأعمارنا تطوى )
( تواصلنا فيه الحوادث بالردى ... وتنتابنا فيه النوائب بالبلوى )
( عجبت لنفس تبصر الحق بينا ... لديها وتأبى أن تفارق ما تهوى )
( وتسعى لما فيه عليها مضرة ... وقد علمت أن سوف تجزى بما تسعى )
( ذنوبي أخشاها ولست بآيس ... وربي اهل أن يخاف وأن يرجى )
( وإن كان ربي غافرا ذنب من يشا ... فإني لا أدري أأكرم أم أخزى )
وقال فى المطمح الفقيه الإمام العالم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر إمام الأندلس وعالمها الذي التاحت به معالمها صحح المتن والسند وميز المرسل من المسند وفرق بين الموصول والقاطع وكسا الملة منه نور ساطع حصر الرواة وأحصى الضعفاء منهم والثقات وجد في تصحيح السقيم وجدد منه ماكان كالكهف والرقيم مع معلنات العلل وإرهاف ذلك العلل والتنبيه والتوقيف والإتقان والتثقيف وشرح المقفل واستدراك المغفل وله فنون هي للشريعة رتاج وفي مفرق الملة تاج أشهرت للحديث ظبى وفرعت لمعرفته ربى وهبت لتفهمه شمال وصبا وشفت منه وصبا وكان ثقة والأنفس على تفضيله متفقة وأما أدبه فلا تعبر

لجته ولاتدحض حجته وله شعر لم نجد منه إلا مانفث به أنفه وأقصى فيه عن معرفة فمن ذلك قوله وقد دخل اشبيلية فلم يلق فيها مبرة ولم يلق من أهلها تهلل أسرة فأقام بها حتى أخلقه مقامه وأطبقه اغتمامه فارتحل وقال
( تنكر من كنا نسر بقربه ... وعاد زعافا بعدما كان سلسلا )
( وحق لجار لم يوافقه جاره ... ولا لاءمته الدار أن يتحولا )
( بليت بحمص والمقام ببلدة ... طويلا لعمري مخلق يورث البلى )
( إذا هان حر عند قوم أتاهم ... ولم ينأ عنهم كان أعمى وأجهلا )
( ولم تضرب الأمثال إلا لعالم ... وما عوتب الإنسان إلا ليعقلا )
6 - وقال الفقيه أبوبكر ابن ابي الدوس
( إليك أبا يحيى مددت يد المنى ... وقدما غدت عن جود غيرك تقبض )
( وكانت كنوز العين يلمع بالدجى ... فلما دعاه الصبح لباه ينهض )
وقال في المطمح إنه من أبدع الناس خطا وأصحهم نقلا وضبطا اشتهر بالإقراء واقتصر بذلك على الأمراء ولم ينحط لسواهم ومطل الناس بذلك ولواهم وكان كثير التحول عظيم التجول لا يستقر في بلد ولا يستظهر على حرمانه بجلد فقذفته النوى وطردته عن كل ثوا ثم استقر آخر عمره بأغمات وبها مات وكان له شعر بديع يصونه أبدا ولا يمد به يدا أخبرني من دخل عليه بالمرية فرآه في غاية الإملاق وهو في ثياب أخلاق وقد توارى فى منزله توارى المذنب وقعد عن الناس قعود

مجتنب فلما علم ماهو فيه وترفعه عمن يجتديه عاتبه فى ذلك الاعتزال وآخذه حتى استنزله بفيض الاستنزال وقال له هلا كتبت الى المعتصم فما في ذلك ما يصم فكتب إليه إليك أبا يحيى مددت يد المنى البيتين انتهى
7 - وقال الفقيه القاضي الفاضل أبو الفضل ابن الأعلم حين أقلع وأناب وودع ذلك الجناب وتزهد وتنسك وتمسك من طاعة الله بما تمسك وتذكر يوما يتجرد من أمله وينفرد فيه بعمله
( الموت يشغل ذكره ... عن كل معلوم سواه )
( فاعمر له ربع ادكا رك ... فى العشية والغداه )
( واكحل به طرف اعتبا رك ... طول أيام الحياه )
( قبل ارتكاض النفس ما ... بين الترائب واللهاه )
( فيقال هذا جعفر ... رهن بما كسبت يداه )
( عصفت به ريح المنون ... فصيرته كما تراه )
( فضعوه فى أكفانه ... ودعوه يجني ماجناه )
( وتمتعوا بمتاعه ... المخزون واحووا ماحواه )
( يا منظرا مستبشعا ... بلغ الكتاب به مداه )
( لقيت فيه بشارة ... تشفي فؤادي من جواه )
( ولقيت بعدك خير من ... نباه ربي واجتباه )
( في دار خفض ما اشتهت ... نفس المقيم بها اتاه )
وقال في المطمح إنه كهل الطريقة وفتى الحقيقة تدرع الصيانة

وبرع فى الروع والديانة وتماسك عن الدنيا عفافا وما تماسك التماسا بأهلها والتفافا فاعتقل النهى وتنقل فى مراتبها حتى استقر فيها في السها وعطل أيام الشباب ومطل فيها سعاد وزينب والرباب إلا ساعات وقفها على المدام وعطفها الى الندام حتى تخلى عن ذلك واترك وأدرك من المعلومات ما أدرك وتعرى من الشبهات وسرى الى الرشد مستيقظا من تلك السنات وله تصرف في شتى الفنون وتقدم فى معرفة المفروض والمسنون وأما الأدب فلم يجاره في ميدانه أحد ولا استولى على إحسانه فيه حصر ولا حد وجده أبو الحجاج الأعلم هو خلد منه ما خلد ومنه تقلد ما تقلد وقد أثبت لأبي الفضل هذا ما يسقيك ماء الإحسان زلالا ويريك سحر البيان حلالا فمن ذلك ماكتب به الي وقد مررت على شنت مرية بعدما رحل عنها وانتقل واعتقل من نوانا وبيننا ما عتقل وشنت مرية هذه داره وبها كمل هلاله وإبداره وفيها استقضي وشيم مضاؤه وانتضي فالتقينا بها على ظهر وتعاطينا ذكر ذلك الدهر فجددت من شوقه ماكان قد شب عن طوقه فرامني على الإقامة وسامني على ذلك بكل كرامة فأبيت إلا النوى وانثنيت عن الثوا فودعني ودفع الي تلك القطعة حين شيعني
( بشراي أطلعت السعود على ... آفاق أنسي بدرها كملا )
( وكسا أديم الأرض منه سنا ... فكست بسائطها به حللا )
( إيه أبا نصر وكم زمن ... قصر ادكارك عندي الأملا )
( هل تذكرن والعهد يخجلني ... هل تذكرن أيامنا الأولا )
( أيام نعثر فى أعنتنا ... ونجر من أبرادنا خيلا )
( ونحل روض الأنس مؤتنفا ... وتحل شمس مرادنا الحملا )

( ونرى ليالينا مساعفة ... تدعو إلينا رفقنا الجفلى )
( زمن نقول على تذكره ... ماتم حتى قيل قد رحلا )
( عرضت لزورتكم وماعرضت ... إلا لتمحق كل ما فعلا )
ووافيته عشية من العشايا أيام ائتلافنا وعودنا إلى مجلس الطلب واختلافنا فرأيته مستشرقا متطلعا يرتاد موضعا يقيم به لثغور الأنس مرتشفا ولثديه مرتضعا فحين مقلني تقلدني إليه واعتقلني وملنا إلى روضة قد سندس الربيع في بساطها ودبج الزهر درانك أوساطها وأشعرت النفوس فيها بسرورها وانبساطها فأقمنا بها نتعاطى كؤوس أخبار ونتهادى أحاديث جهابذة وأحبار إلى أن نثر زعفران العشي وأذهب الأنس خوف العالم الوحشي فقمت وقام وعوج الرعب من ألسنتنا ماكان استقام وقال
( وعشية كالسيف إلا وحده ... بسط الربيع بها لنعلي خده )
( عاطيت كأس الأنس فيها واحدا ... ماضره أن كان جمعا وحده )
وتنزه يوما بحديقة من حدائق الحضرة قد اطرد نهرها وتوقد زهرها والريح يسقطه فينظم بلبة الماء ويتبسم به فتخاله كصفحة خضرة السماء فقال
( انظر إلى الأزهار كيف تطلعت ... بسماوة الروض المجود نجوما )
( وتساقطت فكأن مسترقا دنا ... للسمع فانقضت عليه رجوما )
( وإلى مسيل الماء قد رقمت به ... صنع الرياح من الحباب رقوما )
( ترمي الرياح لها نثيرا زهره ... فتمده في شاطئيه رقيما )
وله يصف قلم يراعة وبرع في صفته أعظم براعة

( ومهفهف ذلق صليب المكسر ... سبب لنيل المطلب المتعذر )
( متألق تنبيك صفرة لونه ... بقديم صحبته لآل الأصفر )
( ماضره أن كان كعب براعة ... بوحكمة اطردت كعوب السمهري )
وله عندما شارف الكهولة واستأنف قطع صرة كانت موصولة
( أما أنا فقد ارعويت عن الصبا ... وعضضت من ندم عليه بناني )
( فأطعت نصاحي ورب نصيحة ... جاءوا بها فلججت في العصيان )
( أيام أسحب من ذيول شبيبتي ... مرحا وأعثر في فضول عناني )
( وأجل كأسي أن ترى موضوعة ... فعلى يدي أو في يدي ندماني )
( أيام أحيا بالغواني والغنا ... وأموت بين الراح والريحان )
( في فتية فرضوا اتصال هواهم ... فمناهم دن من الأدنان )
( هزت علاهم أريحيات الصبا ... فهي النسيم وهم غصون البان )
( من كل مخلوع الأعنة لم يبل ... في غيه بمصارف الأزمان )
إلى أن قال ومن نثره يصف فرسا انظر إليه سليم الأديم كريم القديم كأنما نشأ بين الغبراء واليحموم نجم إذا بدا ووهم إذا عدا يستقبل بغزال ويستدبر برال ويتحلى بشيات تقسيمات الجمال
وله يصف سرجا بزة جياد ومركب أجواد جميل الظاهر رحيب مابين القادمة ولآخر كأنما قد من الخدود أديمة واختص بإتقان الحبك تقويمه
وله في وصف لجام متناسب الأشلاء صر يح الانتماء الى ثريا السماء فكله نكال وسائره جمال
وله في وصف رمح مطرد الكعوب صحيح اتصال الغالب والمغلوب أخ ينوب كلما استنيب ويصيب
وله في وصف قميص كافوري الأديم بابلي الرسوم تباشر منه الجسوم ما يباشر الروض من النسيم
وله في وصف بغل مقرف النسب مستخبر الشرف آمن الكبب إن ركب امتنع اعتماله أو ركب استقل به أخواله
وله في وصف حمار وثيق المفاصل عتيق النهضة إذا ونت المراسل انتهى ببعض اختصار
8 - وقال الأديب الشاعر أبو عمر يوسف بن هرون الكندي المعروف بالرمادي
( اومى لتقبيل البساط خنوعا ... فوضعت خدي في التراب خضوعا )
( ماكان مذهبه الخنوع لعبده ... إلا زيادة قلبه تقطيعا )
( قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلما ... يمين علي برده مصدوعا )
( العبد قد يعصي وأحلف أنني ... ماكنت إلا سامعا ومطيعا )
( مولاي يحيى في حياة كاسمه ... وأنا أموت صبابة وولوعا )
( لا تنكروا غيث الدموع فكل ما ... ينحل من جسمي يكون دموعا )
والرمادي المذكور عرف به غير واحد منهم الحافظ أبو عبدالله الحميدى فى كتابه جذوة المقتبس وقال أظن أن احدا آبائه كان من أهل الرمادة وهي موضع بالمغرب وهو قرطبي كثير الشعر سريع القول مشهور عند

وله في وصف رمح مطرد الكعوب صحيح اتصال الغالب والمغلوب أخ ينوب كلما استنيب ويصيب
وله في وصف قميص كافوري الأديم بابلي الرسوم تباشر منه الجسوم ما يباشر الروض من النسيم
وله في وصف بغل مقرف النسب مستخبر الشرف آمن الكبب إن ركب امتنع اعتماله أو ركب استقل به أخواله
وله في وصف حمار وثيق المفاصل عتيق النهضة إذا ونت المراسل انتهى ببعض اختصار
8 - وقال الأديب الشاعر أبو عمر يوسف بن هرون الكندي المعروف بالرمادي
( اومى لتقبيل البساط خنوعا ... فوضعت خدي في التراب خضوعا )
( ماكان مذهبه الخنوع لعبده ... إلا زيادة قلبه تقطيعا )
( قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلما ... يمنن علي برده مصدوعا )
( العبد قد يعصي وأحلف أنني ... ماكنت إلا سامعا ومطيعا )
( مولاي يحيى في حياة كاسمه ... وأنا أموت صبابة وولوعا )
( لا تنكروا غيث الدموع فكل ما ... ينحل من جسمي يكون دموعا )
والرمادي المذكور عرف به غير واحد منهم الحافظ أبو عبدالله الحميدى فى كتابه جذوة المقتبس وقال أظن أن احد آبائه كان من أهل الرمادة وهي موضع بالمغرب وهو قرطبي كثير الشعر سريع القول مشهور عند

الخاصة والعامة هنالك لسلوكه في فنون من المنظوم والمنثور مسالك حتى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون فتح الشعر بكندة وختم بكندة يعنون امرأ القيس والمتنبي ويوسف بن هرون على أن في كون المتنبي من كندة القبيلة كلاما مشهورا
وأخذ أبو عمر ابن عبدالبر عن الرمادي هذا قطعة من شعره وضمنها بعض تأليفه
قال ابن حيان توفي الرمادي سنة 403 وذكر ابن سعيد في المغرب أن الرمادي اكتسب صناعة الأدب من شيخة أبي بكر يحيى بن هذيل الكفيف عالم أدباء الأندلس وهو القائل رحمه الله تعالى
( لا تلمني على الوقوف بدار ... أهلها صيروا السقام ضجيعي )
( جعلوا لي الى هواهم سبيلا ... ثم سدوا علي باب الرجوع )
وروى الرمادي عن أبي علي كتاب النوادر ومدح أبا علي بقصيدة كما أشرنا إليه في غير هذا الموضع
وقال في المطمح إنه شاعر مفلق انفرج له من الصناعة المغلق وومض له برقها المؤتلق وسال بها طبعه كالماء المندفق فاجمع على تفضيله المختلف والمتفق فتارة يحزن وأخرى يسهل وفى كلتيهما بالبديع يعل وينهل فاشتهر عند الخاصة والعامة بانطباعه فى الفريقين وإبداعه في الطريقين وكان هو وأبو الطيب متعاصرين وعلى الصناعة متغايرين وكلاهما من كندة وما منهما إلا من اقتدح في الإحسان زنده وتمادى بأبي عمر طلق العمر حتى أفرده صاحبه ونديمه وهريق شبابه واستشن أديمه

ففارق تلك الأيام وبهجتها وأدرك الفتنة فخاض لجتها وأقام فرقا من هيجانها شرقا بأشجانها ولحقته فيها فاقة نهكته وبعدت عنه الإفاقة حتى أهلكته وقد أثبت من محاسنه ما يعجبك سرده ولا يمكنك نقده فمن ذلك قوله
( شطت نواهم بشمس في هوادجهم ... لولا تلألؤها في ليلهن عشوا )
( شكت محاسنها عيني وقد غدرت ... لأنها بضمير القلب تنجمش )
( شعر ووجه تبارى في اختلافهما ... بحسن هذا وذاك الروم والحبش )
( شككت في سقمي منها أفي فرشي ... منها نكست وإلا الطيف والفرش )
الى أن قال وكان كلفا بفتى نصراني استسهل لباس زناره والخلود معه في ناره وخلع بروده لمسوحه وتسوغ الأخذ عن مسيحه وراح في بيعته وغدا من شيعته ولم يشرب نصيبه حتى حط عليه صليبه فقال
( أدرها مثل ريقك ثم صلب ... كعادتهم على وهمي وكاسي )
( فيقضى ما أمرت به اجتلابا ... لمسروري وزاد خضوع راسي )
وله في مثله
( ورأيت فوق النحر درعا ... فاقعا من زعفران )
( فزجرته لونا سقامي بالنوى والزجر شاني )
( يامن نأى عني ... كما تنأى العيون الفرقدان )
( فأرى بعيني الفرقدي ... ن ولا أراه ولا يراني )

( لا قدرت لك أوبة ... حتى يؤوب القارظان )
( هل ثم إلا الموت فردا ... لا تكون منيتان )
وله أيضا
( اشرب الكاس يانصير وهات ... إن هذا النهار من حسناتي )
( بأبي غرة ترى الشخص فيها ... في صفاء أصفى من المرآة )
( تنزع الناس نحوها بازدحام ... كازدحام الحجيج في عرفات )
( هاتها يا نصير إنا اجتمعنا ... بقلوب فى الدين مختلفات )
( إنما نحن في مجالس لهو ... نشرب الراح ثم أنت مواتي )
( فإذا ما انقضت دنانة ذا اللهو ... اعتمدنا مواضع الصلوات )
( لو مضى الدهر دون راح وقصف ... لعددنا هذا من السيئات )
وشاعت عنه أشعار فى دولة الخلافة وأهلها سدد اليهم صائبات نبلها وسقاهم كؤوس نهلها أوغرت عليه الصدور ونفرت عليه المنايا ولكن لم يساعدها المقدور فسجنه الخليفة دهرا وأسكنه من النكبة وعرا فاستعطفه أثناء ذلك واستلطفه وأجناه كل زهر من الإحسان وأقطفه فما أصغى اليه ولا ألغى موجدته عليه وله في السجن أشعار صرح فيها ببثه وأفصح فيها عن جل الخطب لفقد صبره ونكثه فمن ذلك قوله
( لك الأمن من شجو يزيد تشوقي )

ومنها
( فوافوا بنا الزهراء في حال خالع الأئمة ... لاستيفائهم في التوثق )
( وحولي من أهل التأدب مأتم ... ولا جؤذر إلا بثوب مشقق )
( فلو أن في عيني الحمام كروضها ... وإن كان في ألوانه غير مشفق )
( ونادى حمامي مهجتي لتقلقلت ... فهلا أجابت وهو عندي لمحنق )
( أعيني إن كانت لدمعي فضلة ... تثبت صبري ساعة فتدفقي )
( فلو ساعدت قالت أمن عدة الأسى ... تنقت دمومي أم من البحر تستقي )
ومنها
( وقالت تظن الدهر يجمع بيننا ... فقلت لها من لي بظن محقق )
( ولكنني فيما زجرت بمقلتي ... زجرت اجتماع الشمل بعد التفرق )
( فقد كانت الأشفار في مثل بعدنا ... فلما التقت بالطيف قالت سنلتقي )
( أباكية يوما ولم يأت وقته ... سينفد قبل اليوم دمعك فارفقي )
إلي أن قال وله أيضا
( على كبري تهمي السحاب وتذرف ... ومن جزعي تبكي الحمام وتهتف )
( كأن السحاب الواكفات غواسلي ... وتلك على فقدي نوائح هتف )
( ألا ظعنت ليلى وبان قطينها ... ولكنني باق فلوموا وعنفوا )
( وآنست فى وجه الصباح لبينها ... نحولا كأن الصبح مثلي مدنف )
( وأقرب عهد رشفة بلت الحشا ... فعاد شتاء باردا وهو صيف )
( وكانت على خوف فولت كأنها ... من الردف في قيد الخلاخل ترسف )

وله
( قبلته قدام قسيسه ... شربت كاسات بتقديسه )
( يقرع قلبي عند ذكري له ... من فرط شوقي قرع ناقوسه )
وسجن معه غلام من أولاد العبيد فيه مجال وفي نفس متأملة من لوعته أوجال فكتب يخاطب الموكل بالسجن بقطعة منها
( جليسك ممن أتلف الحب قلبه ... ويلذع قلبي حرقة دونها الجمر )
( هلال وفي غير السماء طلوعه ... وريم ولكن ليس مسكنه القفر )
( تأملت عينيه فخامرني السكر ... ولا شك في أن العيون هي الخمر )
( أناطقه كيما يقول وإنما ... أناطقه عمدا لينتثر الدر )
( أنا عبده وهو المليك كما اسمه ... فلي منه شطر كامل وله شطر )
انتهى باختصار
9 - وقال محمد بن هانىء
( قد مررنا على مغانيك تلك ... فرأينا بها مشابه منك )
( عارضتنا المها الخواذل سربا ... عند أجراعها فلم نسل عنك )
( لا يرع للمها بذكرك سرب ... أشبهتك فى الوصف إن لم تكنك )
( كن عذيرى لقد رأيت معاجي ... يوم تبكي بالجزع ولهى وأبكي )
( بحنين مرجع وتشك ... وأنين موجع كتشكي )
وقال صاحب المطمح في حقه الأديب أبو القاسم محمد بن هانىء ذخر

خطير وروض أدب مطير غاص في طلب الغريب حتى أخرج دره المكنون وبهرج بافتنانه فيه كل الفنون وله نظم تتمنى الثريا أن تتوج به وتتقلد ويود البدر أن يكتب ما اخترع فيه وولد زهت به الأندلس وتاهت وحاسنت ببدائعه الأشمس وباهت فحسد المغرب فيه المشرق وغص به من بالعراق وشرق غير أنه نبت به أكنافها وشمخت عليه آنافها وبرئت منه وزويت الخيرات فيها عنه لأنه سلك مسلك المعري وتجرد من التدين وعري وأبدى الغلو وتعدى الحق المجلو فمجته الأنفس وأزعجته الأندلس فخرج على غير اختيار وما عرج على هذه الديار إلى أن وصل الزاب واتصل بجعفر ابن الأندلسية مأوى تلك الجنسية فناهيك من سعد ورد عليه فكرع ومن باب ولج فيه وماقرع فاسترجع عنده شبابه وانتجع وبله وربابه وتلقاه بتأهيل ورحب وسقاه صوب تلك السحب فأفرط فى مدحه فيه في الغلو وزاد وفرغ عنده تلك المزاد ولم يتورع ولا ثناه ذو ورع وله بدائع يتحير فيها ويحار ويخال لرقتها أنها أسحار فإنه اعتمد التهذيب والتحرير واتبع في اغراضه الفرزدق مع جرير وأما تشبيهاته فخرق فيها المعتاد وما شاء منها اقتاد وقد أثبت له ما تحن له الأسماع ولا تتمكن منه الأطماع فمن ذلك قوله
( أليلتنا إذ أرسلت واردا وحفا ... وبتنا نرى الجوزاء فى أذنها شنفا )
( وبات لنا ساق يقوم على الدجى ... بشمعة صبح لا تقط ولا تطفا )
( أغن غضيض خفف اللين قده ... وثقلت الصهباء أجفانه الوطفا )
( ولم يبق إرعاش المدام له يدا ... ولم يبق إعنات التثني له عطفا )
( نزيف نضاه السكر إلا ارتجاجة ... إذا كل عنها الخصر حملها الردفا )
( يقولون حقف فوقه خيزرانة ... أما يعرفون الخيزرانة والحقفا )
( جعلنا حشايانا ثياب مدامنا ... وقدت لنا الأزهار من جلدها لحفا )

( فمن كبد توحي الى كبد هوى ... ومن شفة تومي الى شفة رشفا )
ومنها
( كأن السماكين اللذين تراهما ... على لبدتيه ضامنان له حتفا )
( فذا رامح يهوي إليه سنانه ... وذا أعزل قد عض أنمله لهفا )
( كأن سهيلا فى مطالع أفقه ... مفارق إلف لم يجد بعده إلفا )
( كأن بني نعش ونعشا مطافل ... بوجرة قد أضللن في مهمة خشفا )
( كأن سهاها عاشق بين عود ... فآونة يبدو وآونة يخفى )
( كأن قدامى النسر والنسر واقع ... قصصن فلم تسم الخوافي له ضعفا )
( كأن أخاه حين حوم طائر ... أتى دون نصف البدر فاختطف النصفا )
( كأن ظلام الليل إذ مال ميلة ... صريع مدام بات يشربها صرفا )
( كأن عمود الصبح خاقان معشر ... من الترك نادى بالنجاشي فاستخفى )
( كأن لواء الشمس غرة جعفر ... رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا )
وله أيضا
( فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ... وأمدكم فلق الصباح المسفر )
( وجنيتم ثمر الوقائع يانعا ... بالنصر من علق الحديد الأحمر )
( أبني العوالي السمهرية وزالسيوف ... المشرفية والعديد الأكثر )
( من منكم الملك المطاع كأنه ... تحت السوابغ تبع في حمير )
( جيش تعد له الليوث وفوقها ... كالغيل من قصب الوشيج الأخضر )
( وكأنما سلب القشاعم ريشها ... مما يشق من العجاج الأكدر )
( لحق القبول مع الدبور وسار في ... جمع الهرقل وعزمة الإسكندر )

( في فتية صدأ الحديد لباسهم ... في عبقري البيض جنة عبقر )
( وكفاه من حب السماحة أنه ... منها بموضع مقلة من محجر )
ومنها
( نعماؤه من رحمة ولباسه ... من جنة وعطاؤه من كوثر )
وله أيضا من قصيدة في جعفر بن علي
( ألا أيها الوادي المقدس بالندى ... وأهل الندى قلبي اليك مشوق )
( ويا أيها القصر المنيف قبابه ... على الزاب لا يسدد إليك طريق )
( ويا ملك الزاب الرفيع عماده ... بقيت لجمع المجد وهو فريق )
( فما أنس لا أنس الأمير إذا غدا ... تروع بحورا فلكه وتروق )
( ولا الجود يجري من صفيحة وجهه ... إذا كان من ذاك الجبين شروق )
( وهزته للمجد حتى كأنما ... جرت في سجاياه العذاب رحيق )
( أما وأبي تلك الشمائل إنها ... دليل على أن النجار عتيق )
( فكيف بصبر النفس عنه ودونه ... من الأرض مغبر الفجاج عميق )
( فكن كيف شاء الناس أو شئت دائما ... فليس لهذا الملك غيرك فوق )
( ولا تشكر الدنيا على نيل رتبة ... فما نلتها إلا وأنت حقيق )
وله من أخرى
( خليلي أين الزاب مني وجعفر ... وجنات عدن بنت عنها وكوثر )
( فقبلي نأى عن جنة الخلد آدم ... فما راقه من جانب الأرض منظر )
( لقد سرني أني أمر بباله ... فيخبرني عنه بذلك مخبر )

( وقد ساءني أني أراه ببلدة ... بها منسك منه عظيم ومشعر )
( وقد كان لي منه شفيع مشفع ... به يمحص الله الذنوب ويغفر )
( أتى الناس افواجا إليك كأنما ... من الزاب بيت أو من الزاب محشر )
( فأنت لمن قد مزق الله شمله ... ومعشره والأهل أهل ومعشر )
وله أيضا
( ألا طرقتنا والنجوم ركود ... وفي الحي أيقاظ وهن هجود )
( وقد أعجل الفجر الملمع خطوها ... وفي أخريات الليل منه عمود )
( سرت عاطلا غضبى على الدر وحده ... ولم يدر نحر ما دهاه وجيد )
( فما برحت إلا ومن سلك أدمعي ... قلائد في لباتها وعقود )
( ويا حسنها في يوم نضت سوالفا ... تريع إلى أترابها وتحيد )
( ألم يأتها أنا كبرنا عن الصبا ... وأنا بلينا والزمان جديد )
( ولا كالليابي مالهن مواثق ... ولا كالغواني ما لهن عهود )
( ولا كالمعز ابن النبي خليفة ... له الله بالفخر المبين شهيد )
وله من قصيدة يمدح بها يحيى بن علي بن رمان
( قفا بي فلا مسرى سرينا ولا نسري ... وإلا نرى مشي القطا الوارد الكدر )
( قفا نتبين أين ذا البرق منهم ... ومن أين تأتي الريح طيبة النشر )
( لعل ثرى الوادي الذي كنت مرة ... أزورهم فيه تضوع للسفر )
( وإلا فما واد يسيل بعنبر وإلا فما تدري الركاب ولا ندري )
( أكل كناس بالصريم تظنه ... كناس الظباء الدعج والشدن العفر )
( وهل عجبوا أني أسائل عنهم ... وهم بين أحناء الجوانح والصدر )
( وهل علموا اني أيمم أرضهم ... ومالي بها غير التعسف من خبر )
( ولي سكن تأتي الحوادث دونه ... فيبعد عن عيني ويقرب من فكري )

( إذا ذكرته النفس جاشت بذكره ... كما عثر الساقي بجام من الخمر )
( فلا تسألالي عن زماني الذى خلا ... فوالعصر إني قبل يحيى لفي خسر )
( وآليت لا أعطي الزمان مقادتي ... على مثل يحيى ثم أغضي على الوتر )
( حنيني اليه ظاعنا ومخيما ... وليس حنين الطير إلا إلى الوكر )
وله من قصيدة
( فتكات طرفك ام سيوف أبيك ... وكؤوس خمرك أم مراشف فيك )
( أجلاد مرهفة وفتك محاجر ... لا أنت راحمة ولا اهلوك )
( يا بنت ذي السيف الطويل نجاده ... أكذا يجوز الحكم في ناديك )
( عيناك أم مغناك موعدنا على ... وادي الكرى ألقاك ام واديك )
وله أيضا
( أحبب بهاتيك القباب قبابا ... لا بالحداة ولا الركاب ركابا )
( فيها قلوب العاشقين تخالها ... عنما بأيدي البيض أو عنابا )
( والله لولا أن يعنفني الهوى ... ويقول بعض العاذلين تصابى )
( لكسرت دملجها بضيق عناقها ... ورشفت من فيها البرود رضابا )
( بنتم فلولا أن أغير لمتي ... عبثا وألقاكم علي غضابا )
( لخضبت شيبا في مفارق لمتي ... ومحوت محو النقس عنه شبابا )
( وخضبت مبيض الحداد عليكم )
( لوأنني أجد البياض خضابا )
( وإذا أردت على المشيب وفادة ... فاحثث مطيك دونه الأحقابا )
( فلتأخذن من الزمان حمامة ... ولتبعثن الى الزمان غرابا )
ومنها
( قد طيب الأقطار طيب ثنائه ... من أجل ذا نجد الثغور عذابا )
( لم تدنني أرض إليك وإنما ... جئت السماء ففتحت أبوابا )

( ورأيت حولي وفد كل قبيلة ... حتى توهمت العراق الزابا )
( أرض وطئت الدر من رضراضها ... والمسك تربا والرياض جنابا )
( ورأيت أجبل أرضها منقادة ... فحسبتها مدت إليك رقابا )
( سد الإمام بها الثغور وقبلها ... هزم النبي بقومك الأحزابا )
وقال ابن هانىء يصف الأسطول
( معطفة الأعناق نحومتونها ... كما نبهت أيدي الحواة الأفاعيا )
( إذا ما وردن الماء شوقا لبرده ... صدرن ولم يشربن غرفا صواديا )
( إذا أعملوا فيها المجاذيف سرعة ... ترى عقربا منها على الماء ماشيا )
10 - وقال الأديب أبو عمر احمد بن فرج الجياني رحمه الله تعالى
( وطائعة الوصال عدوت عنها ... وما الشيطان فيها بالمطاع )
( بدت فى الليل ساترة ظلام الدياجي ... منه سافرة القناع )
( وما من لحظة إلا وفيها ... إلى فتن القلوب لها دواعي )
( فملكت النهى جمحات شوقي ... لأجري بالعفاف على طباعي )
( وبت بها مبيت الطفل يظما ... فيمنعه الفطام عن الرضاع )
( كذاك الروض ليس به لمثلي ... سوى نظر وشم من متاع )
( ولست من السوائم مهملات ... فأتخذ الرياض من المراعي )
وقال
( للروض حسن فقف عليه ... واصرف عنان الهوى إليه )

( أما ترى نرجسا نضيرا ... يرنو إليه بمقلتيه )
( نشر حبيبي على رباه ... وصفرتي فوق وجنتيه )
وقال
( بمهلكة يستهلك الحمد عفوها ... ويترك شمل العزم وهو مبدد )
( ترى عاصف الأرواح فيها كأنها ... من الأين تمشي ظالع أو مقيد )
وقال فيه في المطمح محرز الخصل مبرز فى كل معنى وفصل متميز بالإحسان منتم الى فئة البيان ذكي الخلد مع قوة العارضة والمنة الناهضة حضر مجلس بعض القضاة وكان مشتهر الضبط منتهرا لمن انبسط فيه بعض البسط حتى إن اهله لا يتكلمون فيه الا رمزا ولا يخاطبون إلا ايماء فلا تسمع لهم ركزا فكلم فيه خصما له كلاما استطال به عليه لفضل بيانه وطلاقة لسانه ففارق عادة المجلس في رفض الأنفة وخفض الحجة المؤتنفة وهز عطفه وحسر عن ساعده وأشار بيده مادا بها لوجه خصمه خارجا عن حد المجلس ورسمه فهم الأعوان بتقويمه وتثقيفه ووزعهم رهبة منه وخشية حتى تناوله القاضي بنفسه قوال له مهلا عافاك الله اخفض صوتك واقبض يدك ولا تفارق مركزك ولا تعد حقك وأقصر عن ادلالك فقال له مهلا يا قاضي أمن المخدرات انا فاخفض صوتي وأستر يدي وأغطي معاصمي لديك ام من الأنبياء انت فلا يجهر بالقول عندك وذلك لم يجعله الله تعالى إلا لرسوله لقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي

الى قوله ( لا تشعرون ) الحجرات 2 ولست به ولا كرامة وقد ذكر الله تعالى ان النفوس تجادل في القيامة في موقف الهول الذي لا يعد له مقام ولا يشبه انتقامه انتقام فقال تعالى ( يوم تاتي كل نفس تجادل عن نفسها ) الى قوله تعالى ( وهم لا يظلمون ) النحل 111 لقد تعديت طورك وعلوت فى منزلك وانما البيان بعبارة اللسان وبالنطق يستبين الحق من الباطل ولابد في الخصام من إفصاح الكلام وقام وانصرف فبهت القاضي ولم يحر جوابا وكان في الدولة صدرا من اعيانها وناسق درر تبيانها ونفق فى سوقها وصنف وقرط محاسنها وشنف وله الكتاب الرائق المسمى بالحدائق وأدركه فى الدولة سعي ورفض له فيها الرعي واعتقله الخليفة وأوثقه في مكان أخيه فلم يومض له عفو ولم يشب كدر حاله صفو حتى قضى معتقلا ونعي للنائبات نعيا مثكلا وله فى السجن أشعار كثيرة وأقوال مبدعات منيرة فمن ذلك ما انشده ابن حزم يصف خيالا طرقة بعدما أسهره الوجد وأرقه
( بأيهما انا في الشكر بادي ... بشكر الطيف ام شكر الرقاد )
( سرى وازداد في أملي ولكن ... عففت فلم أجد منه مرادي )
( وأما في النوم من حرج ولكن ... جريت من العفاف على اعتيادي
11 - وقال الشاعر المشهور أبو عبدالله محمد بن الحداد
( ياغائبا خطرات القلب محضرة ... الصبر بعدك شيء لست أقدره )
( تركت قلبي وأشواقي تفطره ... ودمع عيني وأحداقي تحدره )
( لو كنت تبصر في تدمير حالتنا ... إذن لأشفقت مما كنت تبصره )

( فالعين دونك لا تحلى بلذتها ... والدهر بعدك لا يصفو تكدره )
( أخفي اشتياقي وما أطويه من أسف ... عن البرية والأنفاس تظهره )
قال في المطمح هو شاعر مادح وعلى أيك الندى صادح لم ينطقه إلا معن أو صمادح فلم يرم مثواهما ولم ينتجع سواهما واقتصر على المرية واختصر قطع المهامه وخوض البرية فعكف فيها ينثر درره في ذلك المنتدى ويرشف أبدا ثغور ذلك الندى مع تميزه بالعلم وتحيزه الى فئة الوقار والحلم وانتمائه الى آية سلف ومذهبه مذاهب أهل الشرف وكان له لسن ورواء يشهدان له بالنباهة ويقلدان كاهله ماشاء من الوجاهة وقد أثبت له بعض ما قذفه من درره وفاه به من محاسن غرره فمن ذلك قوله
( إلى الموت رجعى بعد حين فإن أمت ... فقد خلدت خلد الزمان مناقبي )
( وذكري فى الآفاق طار كانه ... بكل لسان طيب عذراء كاعب )
( ففي أي علم لم تبرز سوابقي ... وفي أي فن لم تبرز كتائبي )
وحضر مجلس المعتصم بحضور ابن اللبانة فأنشد فيه قصيدا أبرز به من عرى الإحسان مالم ينفصم واستمر فيها يستكمل بدائعها وقوافيها فإذا هو قد أغار على قصيد ابن الحداد الذي أوله
( عج بالحمى حيث الظباء العين )
فقال ابن الحداد مرتجلا
( حاشا لعدلك يا ابن معن أن يرى ... في سلك غيري دري المكنون )

( وإليكها تشكو استلاب مطيها ... عج بالحمى حيث الظباء العين )
( فاحكم لها واقطع لسانا لا يدا ... فلسان من سرق القريض يمين )
وله
( إن المدامع والزفير ... قد أعلنا مافي الضمير )
( فعلام أخفي ظاهرا ... سقمي علي به ظهير )
( هب لي الرضى من ساخط ... قلبي بساحته الأسير )
وله أيضا
( أيها الواصل هجري ... أنا في هجران صبري )
( ليت شعري أي نفع ... لك في ادمان ضري )
وله أيضا
( يا مشبه الملك الجعدي تسمية ... ومخجل القمر البدري أنوارا )
وله
( تطالبني نفسي بما فيه صونها ... فأعصي ويسطو شوقها فأطيعها )
( ووالله مايخفي علي ضلالها ... ولكنها تهوي فلا أستطيعها )
وقال
( بخافقه القرطين قلبك خافق ... وعن خرس القلبين دمعك ناطق )
( وفي مشرق الصدغين للبدر مغرب ... وللفكر حالات وللعين شارق )
( وبين حصى الياقوت ماء وسامة ... محلأة عنه الظباء السوابق )

( وحشو قباب الرقم أحوى مقرطق ... كما آس روض عطفه والقراطق )
انتهى باختصار
12 - وقال الأسعد بن بليطة
( برامة ريم زارني بعدما شطا ... تقنصته بالحلم في الشط فاشتطا )
( رعى من أفانين الهوى ثمر الحشا ... جنيا ولم يرع العهود ولا الشرطا )
( خيال لمرقوم غرير برامة ... تأوبني بالرقمتين لدى الأرطى )
( فأكسبني من خدها روضة الجنى ... وألدغني من صدغها حية رقطا )
( وباتت ذراعاها نجادا لعاتقي ... إذا ما التقاها الحلي غنى لها لغطا )
( وسل اهتصاري غصنها من مخصر ... طواه الضنى طي الطوامير فامتطا )
( وقد غاب كحل الليل في دمع فجره ... إلى أن تبدى الصبح في اللمة الشمطا )
ومنها في وصف الديك
( وقام لها ينعى الدجى ذو شقيقة ... يدير لنا من عين أجفانه سقطا )
( إذا صاح أصغى سمعه لأذانه ... وبادر ضربا من قوادمه الإبطا )
( كأن أنوشروان أعلاه تاجه ... وناطت عليه كف مارية القرطا )
( سبى حلة الطاووس حسن لباسها ... ولم يكفه حتى سبى المشية البطا )
ومن غزلها
( غلامية جاءت وقد جعل الدجى ... لخاتم فيها فص غالية خطا )
( فقلت أحاجيها بما في جفونها ... وما في الشفاه اللعس من حسنها المعطى )
( محيرة العينين من غير سكرة ... متى شربت ألحاظ عينيك إسفنطا )

( أرى نكهة المسواك في حمرة اللمى ... وشاربك المخضر بالمسك قد خطا )
( عسى قزح قبلته فإخاله ... على الشفة اللمياء قد جاء مختطا )
وقال في المطمح في تحلية الأسعد إنه سرد البدائع أحسن السرد وافترس المعاني كالأسد الورد وأبرز درر المحاسن من صدفها وحاز من بحر الإجادة وشرفها ومدح ملوكا طوقهم من مدائحه قلائد وزف إليهم منها خرائد وجلاها عليهم كواعب بالألباب لواعب فأسالت العوارف وماتقلص له من الحظوة ظل وارف وقد أثبت له مايعترف بحقه ويعرف به مقدار سبقه فمن ذلك قوله
( لو كنت شاهدنا عشية أمسنا ... والمزن يبكينا بعيني مذنب )
( والشمس قد مدت أديم شعاعها ... في الارض تجنح غير ان لم تغرب )
وقوله
وتلذ تعذبني كأنك خلتني ... عودا فليس يطيب مالم يحرق )
وهو مأخوذ من قول ابن زيدون
( تظنونني كالعود حقا وإنما ... تطيب لكم أنفاسه حين يحرق )
انتهى ببعض اختصار
13 - وقال الأديب أبو بكر عبادة بن ماء السماء وهو كما في المطمح من فحول الشعراء وأئمتهم الكبراء وكان منتجعا بشعره مسترجعا من صروف دهره وكانت له همة أطالت همه وأكثرت كمده وغمه

( يؤرقني الليل الذي أنا نائمه ... فتجهل ما ألقى وطرفك عالمه )
( وفي الهودج المرقوم وجه طوى الحشا ... على الحزن فيه الحسن قد حار راقمه )
( إذا شاء وقفا أرسل الحسن فرعه ... يضلهم عن منهج القصد فاحمه )
( أظلما رأوا تقليده الدر أم زروا ... بتلك اللآلي أنهن تمائمه )
14 - وقال الأديب أبوعبدالله ابن عائشة في فتى طرزت غلالة خده وركب من عارضه سنان على صعدة قده
( إذا كنت تهوى خده وهو روضة ... به الورد غض والأقاح مفلج )
( فزد كلفا فيه وفرط صبابة ... فقد زيد فيه من عذار بنفسج )
وحلاه في المطمح بأن قال اشتهر صونا وعفافا ولم يخطب بعقيلة حضرة زفافا فآثر انقباضا وسكونا واعتمد إليها ركونا إلى أن أنهضه أمير المسلمين إلى بساطه فهب من مرقد خموله وشب لبلوغ مأموله فبدا منه في الحال انزواء في تسنم تلك الرسوم والتواء وقعود عن مراتب الأعلام وجمود لا يحمد فيه ولا يلام إلا أن أمير المسلمين ألقى عليه منه محبه جلبت إليه مسرى الظهور ومهبه وكان له أدب واسع المدى يانع كالزهر بلله الندى ونظم مشرق الصفحة عبق النفحة إلا أنه قليلا ماكان يحل ربعه ويذيل له طبعه وقد أثبت له منه مايدع الألباب حائرة والقلوب إليه طائرة فمن ذلك قوله في ليلة سمحت له بفتى كان يهواه ونفحت له هبة وصل بردت جواه
( لله ليل بات عندي به ... طوع يدي من مهجتي في يديه )
( وبت أسقيه كؤوس الطلا ... ولم أزل أسهر شوقا إليه )
( عاطيته حمراء ممزوجة ... كأنها تعصر من وجنتيه )

وخرج من بلنسية يوما الى منية الوزير الأجل أبي بكر ابن عبدالعزيز وهي من أبدع منازل الدنيا وقد مدت عليها أدواحها الأفيا وأهدت إليها أزهارها العرف والريا والنهر قد غص بمائه والروض قد خص بمثل أنجم سمائه وكانت لبني عبدالعزيز فيها أطراب تهيأ لهم فيها من الأيام آراب فلبسوا فيها الأشر حتى أبلوه ونشروا فيها الأنس وطووه أيام كانوا بذلك الأفق طلوعا لم تضم عليهم النوب ضلوعا فقعد أبوعبدالله مع لمة من الأدباء تحت دوحة من أدواحها فهبت ريح أنس من أرواحها سطت بإعصارها وأسقطت لؤلؤها على باسم أزهارها فقال
( ودوحة قد علت سماء ... تطلع أزهارها نجوما )
( هفا نسيم الصبا عليها ... فأرسلت فوقنا رجوما )
( كأنما الجو غار لما ... بدت فأغرى بها النسيما )
وكان في زمان عطلته ووقت اصفراره وعلته ومقاساته من العيش أنكده ومن التخوف أجهده كثيرا ما ينشرح بجزيرة شقر ويستريح ويستطيب تلك الريح ويجول في أجارع واديها وينتقل من نواديها إلي بواديها فإنها صحيحة الهواء قليلة الأدواء خضلة العشب والأزاهر قد أحاط بها نهرها كما تحيط بالمعاصم الأساور والأيك قد نشرت ذوائبها على صفيحة والروض قد عطر جوانبه بريحه وأبو إسحاق ابن خفاجة هو كان منزع نفسه ومصرع أنسه نفح له بالمنى عبق وشذا ومسح عن عيون مسراته القذى وغدا على ما كان وراح وجرى متهافتا في ميدان ذلك المراح قريب عهد بالفطام ودهره ينقاد في خطام فلما اشتعل رأسه شيبا وزرت عليه الكهولة جيبا أقصر عن تلك الهنات واستيقظ من تلك السنات وشب

عن ذلك الطوق وأقصر عن الهوى والشوق وقنع بأدنى تحية وما يستشعره في وصف تلك العهاد من أريحية فقال
( ألا خلياني والأسى والقوافيا ... أرددها شجوي وأجهش باكيا )
( أآمن شخصا للمسرة باديا ... وأندب رسما للشبيبة باليا )
( تولى الصبا إلا توالي فكرة ... قدحت بها زندا وما زلت واريا )
( وقد بان حلو العيش إلا تعلة ... تحدثني عنها الأماني خاليا )
( ويابرد هذا الماء هل منك قطرة ... تهل فيستسقى غمامك صاديا )
( وهيهات حالت دون حزوى وأهلها ... ليال وأيام تخال اللياليا )
( فقل في كبير عاده صائد الظبا ... إليهن مهتاجا وقد كان ساليا )
( فيا راكبا يستعمل الخطو قاصدا ... ألا عج بشقر رائحا أو مغاديا )
( وقف حيث سال النهر ينساب أرقما ... وهب نسيم الأيك ينفث راقيا )
( وقل لأثيلات هناك وأجرع ... سقيت أثيلات وحييت واديا )
انتهى ببعض اختصار
وابن عائشة أشهر من أن يطال في أمره وليس الخبر كالعيان
523 - وقال أبو عمرو يزيد بن عبدالله بن أبي خالد اللخمي الإشبيلي الكاتب في فتح المهدية سنة 602
( كم غادر الشعراء من متردم ... ذخرت عظائمه لخير معظم )
( تبعا لمذخور الفتوح فإنه ... جاءت له بخوارق لم تعلم )
( من كل سامية المنال إذا انتمت ... رفعت إلى اليرموك صوت المنتمي )

( وتوسطت في النهروان بنسبة ... كرمت ففازت بالمحل الأكرم )
قال ابن الأبار في تحفة القادم هو صدر في نبهائها وأدبائها يعني إشبيلية وممن له قدر في منجبيها ونجبائها والى سلفه ينسب المعقل المعروف بحجر أبي خالد وتوفي بها سنة 612 وأورد له قوله
( ويا للجواري المنشآت وحسنها ... طوائر بين الماء والجو عوما )
( إذا نشرت في الجو أجنحة لها ... رأيت به روضا ونورا مكمما )
( وإن لم تهجه الريح جاء مصافحا ... فمدت له كفا خضيبا ومعصما )
( مجاذف كالحيات مدت رؤوسها ... على وجل في الماء كي تروي الظما )
( كما أسرعت عدا أنامل حاسب ... بقبض وبسط يسبق العين والفما )
( هي الهدب في أجفان أكحل أوطف ... فهل صنعت من عندم أو بكت دما )
قال ابن الأبار أجاد ما أراد في هذا الوصف وإن نظر الى قول أبي عبدالله ابن الحداد يصف أسطول المعتصم بن صمادح
( هام صرف الردى بهام الأعادي ... أن سمت نحوهم لها أجياد )
( وتراءت بشرعها كعيون ... دأبها مثل خائفيها سهاد )
( ذات هدب من المجاذيف حاك ... هدب باك لدمعه إسعاد )
( حمم فوقها من البيض نار ... كل من أرسلت عليه رماد )
( ومن الخط في يدي كل در ... ألف خطها على البحر صاد )
قالل وما أحسن قول شيخنا أبي الحسن ابن حريق في هذا المعنى من قصيدة أنشدنيها

( وكأنما سكن الأراقم جوفها ... من عهد نوح خشية الطوفان )
( فإذا رأين الماء يطفح نضنضت ... من كل خرق حية بلسان )
قال ولم يسبقهم الى الإحسان وإنما سبقهم بالزمان علي بن محمد الإيادي التونسي في قوله
( شرعوا جوانبها مجاذف أتعبت ... شادي الرياح لها ولما تتعب )
( تنصاع من كثب كما نفر القطا ... طورا وتجتمع اجتماع الربرب )
( والبحر يجمع بينها فكأنه ... ليل يقرب عقربا من عقرب )
( وعلى جوانبها أسود خلافة ... تختال في عدد السلاح المذهب )
( وكأنما البحر استعار بزيهم ... ثوب الجمال من الربيع المعجب )
ومن هذه القصيدة الفريدة في ذكر الشراع
( ولها جناح يستعار يطيرها ... طوع الرياح وراحة المتطرب )
( يعلو بها حدب العباب مطاره ... في كل لج زاخر معلولب )
( يسمو بآخر في الهواء منصب ... عريان منسرح الذؤابة شوذب )
( يتنزل الملاح منه ذؤابة ... لو رام يركبها القطا لم يركب )
( وكأنما رام استراقة مقعد ... للسمع إلا أنه لم يشهب )
( وكأنما جن ابن داود هم ... ركبوا جوانبها بأعنف مركب )
( سجروا جواهم بينهم فتقاذفوا ... منها بألسن مارج متلهب )
( من كل مسجون الحريق إذا انبرى ... من سجنه انصلت انصلات الكوكب )
( عريان يقدمه الدخان كأنه ... صبح يكر على ظلام غيهب )
ومن اولها

( أعجب بأسطول الإمام محمد ... وبحسنه وزمانه المستغرب )
( لبست به الأمواج أحسن منظر ... يبدو لعين الناظر المتعجب )
( من كل مشرفة على ما قابلت ... إشراف صدر الأجدل المتنصب )
ومنها
( جوفاء تحمل موكبا في جوفها ... يوم الرهان وتستقل بموكب )
وهي طويلة من غرر القصائد وقد سرد جملة منها صاحب المناهج وغيره
وقال أبو عمر القسطلي
( وحال الموج بين بني سبيل ... يطير بهم الى الغول ابن ماء )
( أغر له جناح من صباح ... يرفرف فوق جنح من سماء )
وأخذه أبو إسحاق ابن خفاجة فقال
( وجارية ركبت بها ظلاما ... يطير من الصباح بها جناح )
( إذا الماء اطمأن ورق خصرا ... علا من موجه ردف رداح )
( وقد فغر الحمام هناك فاه ... وأتلع جيده الأجل المتاح )
ولا يخفاك حسن هذه العبارة الصقيلة المرآة فالله تعالى يرحم قائلها وقال ابن الأبار وقد قلت أنا في ذلك
( ياحبذا من بنات الماء سابحة ... تطفو لما شب اهل النار تطفئه )
( تطيرها الريح غربانا بأجنحة الحمائم ... البيض للأشراك ترزؤه )

( من كل أدهم لا يلفى به جرب ... فما لراكبه بالقار يهنؤه )
( يدعي غرابا وللفتخاء سرعته ... وهو ابن ماء وللشاهين جؤجؤه )
واجتمع ابن أبي خالد وأبو الحسن ابن الفضل الأديب عند أبي الحجاج ابن مرطير الطبيب بحضرة مراكش وجرى ذكر قاضيها حينئذ أبي عمران موسى ابن عمران بينهم وماكان عليه من القصور والبعد عما أتيح له وأوثر به فقال أبو الحجاج
ليس فيه من أبي موسى شبه
فقال أبو الحسن
( فأبوه فضة وهو شبه ... )
فقال ابن أبي خالد
( كم دعاه إذ رآه عرة ... وأباه إذ دعاه يا أبه )
524 - وقال أبو العباس الأعمى
( بهيمة لو جرى في الخيل أكبرها ... لفاتت الريح فى الأحجال والغرر )
( تجرى فللماء ساقا عائم درب ... وللرياح جناحا طائر جذر )
( قد قسمتها يد التقدير بينهما ... على السواء فلم تسبح ولم تطر )
525 - وقال عبد الجليل بن وهبون يصف الأسطول

( يا حسنها يوما شهدت زفافها ... بنت الفضاء الى الخليج الأزرق )
( ورقاء كانت أيكة فتصورت ... لك كيف شئت من الحمام الأورق )
( حيث الغراب يجر شملة عجبه ... وكأنه من عزة لم ينعق )
( من كل لابسة الشباب ملاءة ... حسب اقتدار الصانع المتأنق )
( شهدت لها الأعيان أن شواهنا ... أسماؤها فتصحفت في المنطق )
( من كل ناشرة قوادم أجنح ... وعلى معاطفها وهادة سوذق )
( زأرت زئير الأسد وهي صوامت ... وزحفن زحف مواكب في مأزق )
( ومجاذف تحكي أراقم ربوة ... نزلت لتكرع من غدير متأق )
526 - وقال ابن خفاجة
( سقيا لها من بطاح خز ... ودوح نهر بها مطل )
( فما ترى غير وجه شمس ... أطل فيه عذار ظل )
وهو من بديع الشعر وكم لابن خفاجة من مثله
527 - قطعة منقولة عن المغرب
1 - وقال عبيدالله بن جعفر الإشبيلي وقد زار صاحبا له مرات ولم يزره هو فكتب على بابه
( يامن يزار على بعد المحل ولا ... يزورنا مرة من بين مرات )
( زرمن يزورك واحذر قول عاذلة ... تقول عنك فتى يؤتى ولا يأتي )

ومن مجونياته سامحه الله تعالى
( وأغيد ليس تعدوه الأماني ... ولو حكمت عليه باشتطاط )
( سقيت الراح حتى مال سكرا ... ونام على النمارق والبساط )
( وأسلم لي على طول التجني ... وأمكنني على فرط التعاطي )
( فأولجت المقادر جيد بكر ... ولا كفران في سم الخياط )
( وغناني بصوت من حشاه ... فأطربني وبالغ في نشاطي )
( فما نقر المثالث والمثاني ... بأطرب من تلاحين الضراط )
( ولولا الريق لم أظفر بشيء ... على عدم اهتبالي واحتياطي )
( فلا تسخر بريق بعد هذا ... فإن الريق مفتاح اللواط )
2 - وقال أبو الحسن علي بن جحدر الزجال
( كيف أصبحت أيهذا الحبيب ... نحن مرضى الهوى وأنت الطبيب )
( كل قلب إليك يهفو غراما ... ويحها يا علي منك القلوب )
( إن تلح حومت عليك هياما ... أو تغيب حنها عليك الوجيب )
( غير أني من بينهم مستريب ... حين تبدو وليس لي ما يريب )
( كل ما قد ألقاه منك ومني ... دون هذا له تشق الجيوب )
3 - وقال أحمد المعروف بالكساد في موسى الذي كان يتغزل فيه شعراء إشبيلية
( ما لموسى قد خر لله لما ... فاض نورا غشاه ضوء سناه )
( وأنا قد صعقت من نور موسى ... لا أطيق الوقوف حين أراه )

ولله دره في رثاء موسى المذكور إذ قال
( فر الى الجنة حوريها ... وارتفع الحسن من الأرض )
( وأصبح العشاق في مأتم ... بعضهم يبكي الى بعض )
وقوله فيه
( هتف الناعي يشجو الأبد ... إذ نعى موسى بن عبدالصمد )
( وماعليهم ويحهم لو دفنوا ... في فؤادي قطعة من كبدي )
ولقب بالكساد لقوله
( وبيع الشعر في سوق الكساد )
4 - وقال أبو القاسم ابن أبي طالب الحضرمي المنيشي
( صاغت يمين الرياح محكمة ... في نهر واضح الأسارير )
( فكلما ضاعفت به حلقا ... قام لها القطر بالمسامير )
5 - وقال أبوزيد عبدالرحمن العثماني وهو من بيت إمارة
( لا تسلني عن حالتي فهي هذي ... مثل حالي لا كنت يامن يراني )
( ملني الأهل والأخلاء لما ... أن جفاني بعد الوصال زماني )
( فاعتبر بي ولا يغرك دهر ... ليس منه ذو غبطة في أمان )
6 - وقال أبو زكريا يحيى بن محمد الأركشي

( لا حبذا المال والإفضال يتلفه ... والبخل يحميه والأقدار تعطيه )
وقال
( لا تبكين لإخوان تفارقهم ... فإنني قبلك استخبرت إخواني )
( فما حمدتهم في حال قربهم ... فكيف في حال إبعاد وهجران )
7 - وقال أبو عمران موسى الطرياني لما دخل يوم نيروز إلى بعض الأكابر وعادتهم أن يصنعوا في مثل هذا اليوم مدائن من العجين لها صور مستحسنة فنظر الى صورة مدينة فأعجبته فقال له صاحب المجلس صفها وخذها
( مدينة مسوره ... تحار فيها السحره )
( لم تبنها إلا يدا ... عذراء أو مخدره )
( بدت عروسا تجتلى ... من درمك مزعفره )
( وما لها مفاتح ... إلا البنان العشره )
8 - وقال أبو عمرو ابن حكم
( حاشا لمن أملكم أن يخيب ... وينثني نحو العدا مستريب )
( هذا وكم أقرأني بشركم ... ( نصر من الله وفتح قريب )
9 - وقال أبو الحسن علي بن الجعد القرموني
( إياك من زلل اللسان فإنه ... قدر الفتى في لفظه المسموع )

( فالمرء يختبر الإناء بنقره ... ليرى الصحيح به من المصدوع )
10 - وقال الفقيه أبوالحسن علي بن لبال في محبرة عناب محلاة بفضة
( منعلة بالهلال ملجمة ... بالنسر مجدولة من الشفق )
( كأنما حبرها تميع في ... فرضتها سائلا من الغسق )
( فأنت مهما ترد تشبهها ... في كل حال فانظر إلى الأفق )
وقال في محبرة آبنوس
( وخديمة للعلم في أحشائها ... كلف بجمع حرامه وحلاله )
( لبست رداء الليل ثم توشحت ... بنجومه وتتوجت بهلاله )
11 - وقال أبوجعفر أحمد الشريشي
( على حسن نور الباقلاء أدرهما ... على صب كأسي خمرة وجفون )
( يذكرني بلق الحمام وتارة ... يؤكد للأشجان شهل عيون )
12 - وقال أبو العباس أحمد بن شكيل الشريشي
( تفاحة بت بها ليلتي ... أبثها سري والشكوى )
( أضمها معتنقا لاثما ... إذا ذكرت خد من أهوى )
وقال
( تفاحة حامضة عضها ... في ثمل من قطب الوجها )

( ولم أخل من قبلها محسنا ... يجزى عليه العض والنجها )
13 - وقال أبو عمرو ابن غياث
( وقالوا مشيب قلت واعجبا لكم ... أينكر صبح قد تخلل غيهبا )
( وليس مشيبا ماترون وإنما ... كميت الصبا لما جرى عاد أشهبا )
14 - وقال الوزير أبوبكر محمد بن ذي الوزارتين أبي مروان عبدالملك ابن عبدالعزيز يخاطب ابن عبدون
( في ذمة الفضل والعلياء مرتحل ... فارقت صبري إذ فارقت موضعه )
( ضاءت به برهة أرجاء قرطبة ... ثم استقل فسد البين مطلعه )
( عذرا الى المجد عني حين فارقني ... ذاك الجلال فأعيا أن أشيعه )
( قد كنت أصحبته قلبي وأقعدني ... ما كان أودعني عن أن أودعه )
وفيهم يقول ابن عبدون
( بحور بلاغة ونجوم عز ... وأطواد رواس من جلال )
15 - وقال الوزير الكاتب ابو القاسم ابن أبي بكر ابن عبدالعزيز
( نديمي لا عدمتك من نديم ... أدرها في دجي الليل البهيم )
( فخير الأنس أنس تحت ستر ... يصان عن السفيه او الحليم )
16 - وقال الثائر ابوعبدالله الجزيري
( في أم رأسي سر ... يبدو لكم بعد حين )

( لأبلغن مرادي ... إن كان سعدي معيني )
( أو لا فأكتب ممن ... سعى لإظهار دين )
وسبب قوله هذا أن بني عبدالمؤمن لما غيروا رسم مهديهم وصيروا الخلافة ملكا وتوسعوا في الرفاهية واهملوا حق الرعية جعل يتستر وقال هذه الأبيات وشاع سره في مدة ناصر بني عبدالمؤمن فطلبه ففر ولم يزل يتنقل مستخفيا مع أصحابه إلى أن حصل في حصن قولية من عمل مدينة بسطة فبينما هو ذات يوم في جامعها مع أصحابه وهم يأكلون بطيخا ويرمون قشره في صحن الجامع إذ أنكر ذلك رجل من العامة وقال لهم ما تتقون الله تعالى تتهاونون ببيت من بيوته فضحكوا منه واستهزأوا به واهل تلك الجهة لا تحتمل شيئا من ذلك فصاح بفتية من العامة فاجتمع جمع وحملوا الى الوالي فكان عند الوالي من عرفه فقتلوا جميعا وأمر الناصر ان يرفع عن جميع أرض قولية جميع تكاليف السلطان
17 - ولما عتب المنصور بن أبي عامر على الكاتب عبدالملك الجزيري وسجنه فى الزاهرة ثم صفح عنه قال وكتب به إليه
( عجبت من عفو أبي عامر ... لابد أن تتبعه منه )
( كذلك الله إذا ما عفا ... عن عبده أدخله الجنة )
فاستحسن ذلك وأعاده الى حاله
وقال على لسان بهار العامرية وهو النرجس
( حدق الحسان تقر لي وتغار ... وتضل في وصفي النهى وتحار )

( طلعت على قضبي عيون تمائمي ... مثل العيون تحفها الأشفار )
( وأخص شيء بي إذا شبهته ... در تمنطق سلكه دينار )
( أنا نرجس حقا بهرت عقولهم ... ببديع تركيبي فقيل بهار )
وقال في بنفسجها
( شهدت لنوار البنفسج ألسن ... من لونه الأحوى ومن إيناعه )
( بمشابه الشعر الأحم أعاره القمر ... المنير الطلق نور شعاعه )
( ولربما جمد النجيع من الطلى ... في صارم المنصور يوم قراعه )
( فحكاه غير مخالف في لونه ... لا في روائحه وطيب طباعه )
وقال في القمر حين جعل يختفي بالسحاب ويبدو أمام المنصور
( أرى بدر السماء يلوح حينا ... فيظهر ثم يلتحف السحابا )
( وذلك انه لما تبدى ... وأبصر وجهك استحيا وغابا )
18 - وقال الحجاري في المسهب سألت أبا الحسن علي بن حفص الجزيري أن ينشدني شيئا من شعره فقال يا أبا محمد إذا لم ينظم الإنسان مثل قول ابن شرف
( لم يبق للجور في أيامكم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حور )
فالأولى له ان يترك نظم الشعر إلى ان خرجت معه يوما إلى سيف الجزيرة الخضراء فلقي غلاما قد كدر رونق حسنه السفر وأثر في وجهه كآثار الكلف في القمر فصافحه ثم قال
( بأبي الذي صافحته فتوردت ... وجناته وأناء نحوي قده )

( قمر بدا كلف السرى في خده ... لما توالى في الترحل جهده )
( لكن معالم حسنه تمت كما ... قد تم عن صدا الحسام فرنده )
فحفظتها من سمعه ثم قلت له قد أخذت عنك من نظمك بغير شكرك فضحك وقال فاحفظ هذا وأنشد ( لاتقولن فلان ... صاحب قبل اختبار )
( وانتظر ويحك نقد الليل ... فيه والنهار )
( أنا جربت فلم ألف ... صديقا باختياري )
وأنشد
كم قد بكرت الى الرياض وقضبها ... قد ذكرتني موقف العشاق )
( يا حسنها والريح يلحف بعضها ... بعضا كأعناق الى أعناق )
( والورد خد والأقاحي مبسم ... وغدا البهار ينوب عن أحداق )
( لم أنفصل عنها بكأس مدامة ... حتى حملت محاسن الأخلاق )
19 - ولما كتب أبوالحسن ابن سعيد إلى الأديب القائد أبي العباس احمد ابن بلال يستدعيه ليوم أنس بقوله
( أبا العباس لو أبصرت حولي ... ندامى بادروا العيش الهنيا )
( يبيحون المدام ولا انتقاد ... وقارهم ويزدادون غيا )
( وهم مع مابدا لك من عفاف ... يحبون الصبية والصبيا )
( ويهوون المثالث والمثاني ... وشرب الراح صبحا او عشيا )
( على الروض الذي يهدي لطرف ... وأنف منظرا بهجا وريا )
( فلا تلم السري على ارتياح ... حكى طربا بجانبه سريا )

( وبادر نحو ناد ماخلا من ... نداك فقد عهدتك لوذعيا )
اجابه بقوله
( أبيت سوى المعالي ياعليا ... فما تنفك دهرك أريحيا )
( تميل إذا النسيم سرى كغصن ... وتسرى للمكارم مشرفيا )
( وترتاح ارتياحا للمثاني ... وتقتنص الصبية والصبيا )
( وتهوى الروض قلده نداه ... وألبسه مع الحلل الحليا )
( وإن غنى الحمام فلا اصطبار ... وإن خفق الخليج فنيت حيا )
( تذكرني الشباب فلست أدري ... أصبحا حين تذكر أم عشيا )
( فلو أدركتني والغصن غض ... لأدركت الذي تهوى لديا )
( ولم أترك وحقك قدر لحظ ... وقد ناديتني ذاك النديا )
528 - وقال بعض اهل الأندلس
( وفرع كان يوعدني بأسر ... وكان القلب ليس له قرار )
( فنادى وجهه لا خوف فاسكن ... كلام الليل يمحوه النهار )
ولست على يقين أن قائلهما اندلسي غير أني رأيت في كلام بعض الأفاضل نسبتهما لأهل الأندلس والله تعالى أعلم
20 - وقال أبو الوليد القسطلي
( وفوق الدوحة الغنا غدير ... تلألأ صفحة وسجا قرارا )
( إذا ما انصب أزرق مستقيما ... تدور في البحيرة فاستدارا )
( يجرده فم الأنبوب صلتا ... حساما ثم يفلته سوارا )

21 - ولأبي كثير الطريفي يمدح الناصر بن المنصور
( فتوح لها يهتز شرق ومغرب ... كما اطردت في السمهرية أكعب )
( تجلت على الدنيا شموس منيرة ... فلم يبق في ليل الكآبة غيهب )
( أقام بها الإسلام شدو مغرد ... وظلت بأرض الشرك بالخطب تخطب )
( فلا سمع إلا وهو قد مال نحوها ... ولا قلب إلا في مناها يقلب )
22 - وقال أبو عامر ابن الجد
( لله ليلة مشتاق ظفرت بها ... قطعتها بوصال اللثم والقبل )
( نعمت فيها باوتار تعللني ... أحلى من المن أو أمنية الغزل )
( أحبب إلي بها إذ كلها سحر ... أراحت الصب من عذر ومن عذل )
23 - وقال الكاتب ابوعبدالله محمد الشلبي كاتب ملك افريقية عبدالواحد بن أبي حفص
( مد الي الكاس من لحظه ... لا يحوج الشرب إلى الكاس )
( ومنذ حياني بآس فلم ... أيأس ولكن كان لي آسي )
( وقال لولا الناس قبلته ... ما أشأم الناس على الناس )
24 - وقال أبو بكر محمد بن الملح وهو من رجال الذخيرة على لسان حال سوار مذهب
( أنا من الفضة البيضاء خالصة ... لكن دهتني خطوب غيرت جسدي )

( علقت غصنا على أحوى فأحسدني ... جري الوشاح وهذي صفرة الجسد )
وما احسن قوله من قصيدة في المعتضد والد المعتمد
( غرته الشمس والحيا يده ... بينهما للنجيع قوس قزح )
25 - واما ابنه ابو القاسم فهو من رجال المسهب وكان اشتغل أول أمره بالزهد وكتب التصوف فقال له أبوه يابني هذا الأمر ينبغي ان يكون آخر العمر واما الآن فينبغي أن تعاشر الأدباء والظرفاء وتأخذ نفسك بقول الشعر ومطالعة كتب الأدب فلما عاشرهم زينوا له الراح فتهتك في الخلاعة وفر الى اشبيلية وتزوج بامرأة لا تليق بحاله وصار يضرب معها بالدف فكتب إليه أبوه
( ياسخنة العين يا بنيا ... ليتك ما كنت لي بنيا )
( أبكيت عيني أطلت حزني ... امت ذكري وكان حيا )
( حططت قدري وكان أعلى ... في كل حال من الثريا )
( أما كفاك الزنا ارتكابا ... وشرب مشمولة الحميا )
( حتى ضربت الدفوف جهرا ... وقلت للشر جىء إليا )
( فاليوم أبكيك ملء عيني ... إن كان يغني البكاء شيا )
فأجاب أباه بقوله
( يا لائم الصب في التصابي ... ماعنك يغني البكاء شيا )
( أوجفت خيل العتاب نحوي ... وقبل أوثبتها إليا )
( وقلت هذا قصير عمر ... فاربح من الدهر ما تهيا )
( قد كنت أرجو المتاب مما ... فتنت جهلا به وغيا )

( لولا ثلاث شيوخ سوء ... أنت وإبليس والحميا )
26 - وقال ابو بكر محمد بن عبدالقادر الشلبي يستدعي
( فديتك باكر نحو قبة روضة ... تسيح بها الأمواه والطير تهتف )
( وقد طلعت شمس الدنان بأفقها ... ونحن لديها في انتظارك وقف )
( فلا تتخلف ساعة عن محلة ... صدودك عمن حل فيها تخلف )
27 - وقال اخو إمام نحاة الأندلس أبي محمد عبدالله بن السيد البطليوسي وهو أبو الحسن علي بن السيد
( يارب ليل قد هتكت حجابه ... بزجاجة وقادة كالكوكب )
( يسعى بها ساق أغن كأنها ... من خده ورضاب فيه الأشنب )
( بدران بدر قد امنت غروبه ... يسعي ببدر جانح للمغرب )
( فاذا نعمت برشف بدر طالع ... فانعم ببدر آخر لم يغرب )
( حتى ترى زهر النجوم كانها ... حول المجرة ربرب في مشرب )
( والليل منحفز يطير غرابه ... والصبح يطرده بباز أشهب )
28 - ولما مدح أبو بكر محمد بن الروح الشلبي الأمير إبراهيم الذي خطب به الفتح في القلائد وهو ابن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وكان يدل عليه وينادمه بقصيدته التي أولها
( أنا شاعر الدنيا وانت أميرها ... فمالي لايسري الي سرورها )
أشار الأمير إلي مضحك له كان حاضرا أن يحبق له لقوله أنا شاعر الدنيا

فقال له ابن الروح على من حبقت يعني أنه يحتمل ان يكون ذلك الفعل لقوله انا شاعر الدنيا أو لقوله وأنت أميرها ففطن الأمير لما قصده وضحك وتغافل
29 - وقال أبو بكر ابن المنخل الشلبي
( كم ليلة دارت علي كواكب ... للخمر تطلع ثم تغرب في فمي )
( قبلتها في كف من يسعى بها ... وخلطت قبلتها بقبلة معصم )
( وكأن حسن بنانه مع كأسه ... غيم يشير لنا ببعض الأنجم )
30 - وقال ذو الوزارتين أبو بكر ابن عمار
( قرأت كتابك مستشفعا ... بوجه أبي الحسن من رده )
( ومن قبل فض ختام الكتاب ... قرأت الشفاعة في خده )
وقال
( غزا القلوب غزال ... حجت إليه العيون )
( قد خط في الخد نونا ... وآخر الحسن نون )
قال الحجاري وإكثار ابن عمار في المعذرين وإحسانه فيهم يدلك على أنه كما قيل عنه كان مشغوفا بالكاس والاستلقاء من غير نعاس
31 - وكان أبو الفضل ابن الأعلم أجمل الناس وأذكرهم في علم الأدب والنحو وأقرأ علم النحو قبل أن يلتحي فقال ابن صارة فيه

( أكرم بجعفر اللبيب فإنه ... مازال يوضح مشكل الإيضاح )
( ماء الجمال بخده مترقرق ... فالعين منه تجول في ضحضاح )
( ماخده جرحته عيني إنما ... صبغت غلالته دماء جراحي )
( لله زاي زبرجد في عسجد ... في جوهر في كوثر في راح )
( ذي طرة سبجية ذي غرة ... عاجية كالليل والإصباح )
( رشأ له خد البرىء ولحظه ... أبدا شريك الموت في الأرواح )
32 - وقال الرمادي
( نوء وغيث مسبل ... وقهوة تسلسل )
( تدور بين فتية ... بخلقهم تمثل )
( والأفق من سحابة ... طل ضعيف ينزل )
( كأنه من فضة ... برادة تغربل )
وقال
( بدر بدا يحمل شمسا بدت ... وحدها في الحسن من حده )
( تغرب في فيه ولكنها ... من بعد ذا تطلع في خده )
33 - ومن نظم أبي الفضل ابن الأعلم السابق الذكر
( وعشية كالسيف إلا حده ... بسط الربيع بها لنعلي خده )
( عاطيت كأس الأنس فيها واحدا ... ماضره أن كان جمعا وحده )
وهو جعفر ابن الوزير أبي بكر محمد ابن الأستاذ الأعلم من رجال القلائد

و المسهب وسمط الجمان وكان قاضي شنتمرية والأستاذ الأعلم هو إمام نحاة زمانه أبو الحجاج يوسف بن عيسى من رجال الصلة والمسهب والسمط وهو شارح الأشعار الست ومن نظمه يخاطب المعتمد بن عباد
( يامن تملكني بالقول والعمل ... ومبلغي في الذي أملته أملي )
( كيف الثناء وقد أعجزتني نعما ... مالي بشكري عليها الدهر من قبل )
( رفعت للجود أعلاما مشهرة ... فبابك الدهر منها عامر السبل )
34 - وقال أبو علي ادريس بن اليماني العبدري
( قبلة كانت على دهش ... أذهبت ما بي من العطش )
( ولها في القلب منزلة ... لو عدتها النفس لم تعش )
( طرقتني والدجي لبست ... خلعا من جلدة الحبش )
( وكأن النجم حين بدا ... درهم في كف مرتعش )
وسأله المعتضد أن يمدحه بقصيدة يعارض بها قصيدته السينية التى مدح بها ابن حمود فقال له أشعاري مشهورة وبنات صدري كريمة فمن أراد أن ينكح بكرها فقد عرف مهرها وكانت جائزته مائة دينار
ومن مشهور شعره بالمغرب والمشرق قوله
( ثقلت زجاجات أتتنا فرغا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح )
( خفت فكادت أن تطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف بالأرواح )
35 - وكانت بين الأديب الحسيب أبي عمرو ابن طيفور والحافظ الهيثم

مهاجاة فقال فيه الحافظ
( لابن طيفور قريض ... فيه شوك وغموض )
( عدمت فيه القوافي ... والمعاني والعروض )
وقال فيه ابن طيفور
( إنما الهيثم سفر ... من كلام الناس ضخم )
( لا تطالبه بفهم ... ليس للديوان فهم )
36 - وقال أبو عمران ابن سعيد أخبرني والدي أنه زار ابن حمدين بقرطبة في مدة بحيى بن غانية قال فوجدته في هالة من العلماء والأدباء فقام وتلقاني ثم قال يا ابا عبدالله ماهذا الجفاء فاعتذرت بأني أخشى التثقيل وأعلم أن سيدي مشغول بما هو مكب عليه فأطرق قليلا ثم قال
( لو كنت تهوانا طلبت لقاءنا ... ليس المحب عن الحبيب بصابر )
( فدع المعاذر إنما هي جنة ... لمخادع فيها ولست بعاذر )
فقلت تصديق سيدي عندي احب الي وإن ترتيب علي فيه الملامة من منازعته منتصرا لحقي فاستحسن جوابي وقال لي كرره فإنه والله ماح لكل ذنب ثم سألته كتب البيتين عنه فقال لي وما تكتب فيهما فقلت أليس في الإنعام ذلك لأجد ما أخبر به والدي إذا أبت إليه فاملاهما علي فقلت من قائلهما قال قائلهما فعلمت أنهما له وقنعت بذلك
529 - وقال الحجاري صاحب المسهب في أخبار المغرب
( كم بت من أسر السهاد بليلة ... ناديت فيها هل لجنحك آخر )

( إذ قام هذا الصبح يظهر ملة ... حكمت بان ذبح الظلام الكافر )
وعلى ذكر المسهب فقد كتب كثيرا ما أستشكل هذه التسمية لم قال غير واحد إن المسهب إنما هو بفتح الهاء كقولهم سيل مفعم بفتح العين والفقرة الثانية وهي المغرب تقتضي ان يكون بكسر الهاء ولم يزل ذلك يتردد في خاطري إلى ان وقفت على سؤال في ذلك رفعه المعتمد بن عباد سلطان الأندلس إلى الفقيه الأستاذ أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري المشهور بالأعلم ونص السؤال
سألك أبقاك الله الوزير الكاتب أبو عمرو ابن غطمش سلمه الله عن المسهب وزعم أنك تقول بالفتح والكسر والذي ذكر ابن قتيبة في أدب الكاتب والزبيدي في مختصر العين أسهب الرجل فهو مسهب إذا أكثر الكلام بالفتح خاصة فبين لي أبقاك الله تعالى ما تعتقد فيه وإلى أي كتاب تسند القولين لأقف على صحة من ذلك
فاجابه وصل إلي أدام الله تعالى توفيك هذا السؤال العزيز ووقفت على ما تضمنه والذى ذكرته من قول ابن قتيبة والزبيدي في الكتابين موضوع كما ذكرته والذي أحفظه واعتقده ان المسهب بالفتح المكثر في غير صواب وأن المسهب بالكسر البليغ المكثر من الصواب إلا أني لا أسند ذلك إلي كتاب بعينه ولكني أذكره عن أبي علي البغدادي من كتاب البارع او غيره معلقا في عدة نسخ من كتاب البيان والتبيين على بيت في صدره لمكي بن سوادة وهو
( حصر مسهب جريء جبان ... خير عي الرجال عي السكوت )
والمعلقة تقول العرب أسهب الرجل فهو مسهب وأحصن فهو محصن وألفج فهو ملفج إذا افتقر قال الخليل يقال رجل مسهب ومسهب قال ابو علي أسهب الرجل فهو مسهب بالفتح إذا أكثر في

غير صواب واسهب فهو مسهب بالكسر إذا أكثر وأصاب قال ابو عبيدة أسهب الرجل فهو مسهب إذا اكثر من خرف وتلف ذهن وقال أبو عبيدة عن الأصمعي أسهب الرجل فهو مسهب بالفتح إذا خرف واهتر فإن اكثر من الخطأ قيل أفند فهو مفند انتهت المعلقة فرأي مملوك أيدك الله تعالى واعتقاده أن المسهب بالفتح لا يوصف به البليغ المحسن ولا المكثر المصيب ألا ترى إلى قول الشاعر حصر مسهب انه قرن فيه المسهب بالحصر وذمه بالصفتين وجعل المسهب أحق بالعي من الساكت والحصر فقال
( خير عي الرجال عي السكوت )
والدليل على أن المسهب بالكسر يقال للبليغ المكثر من الصواب انهم يقولون للجواد من الخيل مسهب بالكسر خاصة لأنها بمعنى الإجادة والإحسان وليس قول ابن قتيبة والزبيدي في المسهب بالفتح هو المكثر من الكلام بموجب أن المكثر هو البليغ المصيب لأن الإكثار من الكلام داخل فى معنى الذم لأنه من الثرثرة والهذر ألا تراهم قالوا رجل مكثار كما قالوا ثرثار ومهذار وقال الشاعر
( فلا تمارون إن ماروا بإكثار )
فهذا ما عندي والله تعالى الموفق للصواب
قال الأعلم ثم نظمت السؤال العزيز والجواب المذكور فقلت
( سلام الإله وريحانه ... على الملك المجتبى المنتخل )
( سلام امرىء ظل من سيبه ... خصيب الجناب رحيب المحل )
( أتاني سؤالك أعزز به ... سؤال مبر على من سأل )
( يسائل عن حالتي مسهب ... ومسهب المبتلى بالعلل )

( لم اختلفا في بناءيهما ... وحكمهما واحد في فعل )
( أتى ذا على مفعل لم يعل ... وذاك على مفعل قد أعل )
( فقلت مقالا على صدقه ... شهيد من العقل لا يستزل )
( بناء البليغ أتى سالما ... سلامته من فضول الخطل )
( وأسهب ذاك مسيئا فزل ... زليلا ثنى متنه فانخذل )
( وأحسن ذا فجرى وصفه ... على سنن المحسن المستقل )
( فهذا مقالي مستبصرا ... ولست كمن قال حدسا فضل )
( تقلدت في رأيه مذهبا ... يخصك بين الظبى والأسل )
( سموك في الروع مستشرقا ... الى مهجة المستميت البطل )
( كأنك فيها هلال السما ... يزيد بهاء اذا ما أهل )
( بل أنت مطل كبدر السماء ... يمضي الظلام إذا ما أطل )
قلت رأيت في بعض الحواشي الأندلسية أن ابن السكيت ذكر في بعض كتبه في بعض ما جعله بعض العرب فاعلا وبعضهم مفعولا رجل مسهب ومسهب لكثير الكلام وهذا يدل على أنهما بمعنى واحد انتهى
530 - وسأل بعض الأدباء الأستاذ الأعلم المذكور عن المسألة الزنبورية المقترنة بالشهادة الزورية الجارية بين سيبويه والكسائي او الفراء والقضاء بينهم فيها وهي ظننت ان العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو إياها وعن نسب سيبويه هل هو صريح او مولى وعن سبب لزومه الخليل بعد أن كان يطلب الحديث والتفسير وعن علة تعرضه لمناظرة الكسائي والفراء وعن كتابه الجارى بين الناس هل هو أول كتاب أو انشأه بعد كتاب اول ضاع كما زعم بعض الناس
فاجاب اما المسألة الزنبورية المأثورة بين سيبويه والكسائي او بينه وبين

الفراء على حسب الاختلاف في ذلك بحضرة الرشيد أو بحضرة يحيى بن خالد البرمكي فيما يروى فقد اختلفت الرواة فيها فمنهم من زعم ان الكسائي أو الفراء قال لسيبويه كيف تقول ظننت ان العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي او إياها فأجاب سيبويه بعد أن أطرق شيئا فإذا هو إياها في بعض الأقاويل وزعم آخرون انه قال فإذا هو هي ففيها من الاختلاف عنهم ماترى فإن كان اجاب بإذا هو هي فقد أصاب لفظا ومعنى ولم تدخل عليه في جوابه شبهة ولا علقة لمعترض لأن إذا في المسألة من حروف الابتداء المتضمنة للتعليق بالخبر فإذا اعتبرت المضمرين بعدها بالاسمين المظهرين لزمك أن تقول فإذا الزنبور العقرب او اللسعةاللسعة أي مثلها سواء فلو قلت فإذا هو إياها بنصب الضمير الأخير للزمك ان تقول فإذا الزنبور العقرب بالنصب وهذا لا وجه له فإذا لم يجز نصب الخبر المظهر فكيف يجوز نصب الخبر المضمر الواقع موقعه ويروى في المسألة ان الكسائي او الفراء قال لسيبويه بعد ان أجاب برفع الضميرين على ما يوجبه القياس كيف تقول يابصرى خرجت فإذا زيد قائم او قائما فقال سيبويه أقول قائم ولا يجوز النصب فقال الكسائي أقول قائم وقائما والقائم والقائم بالرفع والنصب في الخبر مع النكرة والمعرفة فتأول الكسائي والفراء في اختيارهما فإذا هو إياها حمل الخبر المضمر في النصب على الخبر المظهر المعرفة مع الإعراب بوجه النصب فكأنه قال فإذا الزنبور العقرب كما تقول فإذا زيد القائم فيجري المعرفة في النصب مجرى النكرة وقولهما في هذا خطأ من جهتين إحداهما أن نصب الخبر بعد إذا لا يكون إلا بعد تمام الكلام الأول في الاسم مع حرف المفاجأة ومع كون الخبر نكرة كقولك خرجت فإذا زيد قائما لأنك لو قلت خرجت فإذا زيد تم الكلام لتعلق المفاجأة بزيد على معنى حضوره ثم تبين حاله في المفاجأة المتعلقة به فتقول قائما أي خرجت ففاجأني زيد في هذا الحال

وقوله في المسألة إياها لا يتم الكلام في الاسم الأول دونها ألا ترى انك لو قلت ظننت أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو وسكت لم يتم الكلام أولا ولا أفدت بذكر المفاجأة وتعليقها بالزنبور فائدة وإنما المفاجأة للضمير الآخر فلا بد من ذكره والاعتماد عليه وهذا يوجب الرفع في الخبر لأن الظرف له لا للمخبر عنه فهذا بين واضح والجهة الأخرى في غلطهما أن إياها معرفة والحال لا تكون إلا نكرة فقد اجتمع في قولهما أن أتيا بحال لم يتم الكلام دونها معرفة والحال لا تكون إلا بعد تمام الكلام ومع التنكير فقد تبين خطؤهما وإصابة سيبويه في لزوم الرفع في الخبر فقط
وأما من زعم عن سيبويه أنه قال خرجت فإذا زيد قائم بالرفع لا غير فباطل وكيف ينسب إليه وهو علمنا أن الظرف إذا كان مستقرا للاسم المخبر عنه نصب الخبر وإذا كان مستقرا للخبر رفع الخبر ونحن نقول خرجت فإذا زيد فيتم الكلام ونظرت فإذا الهلال طالع فيتبعه الخبر رفعا كما تقول في الدار زيد قائم وقائما و اليوم سيرك سريع وسريعا ولكن الخبر إذا كان الظرف له ولم يتعلق إلا به لم يكن إلا رفعا كقولك اليوم زيد منطلق وغدا عمرو خارج لأن الظرف لا يكون مستقرا للاسم المخبر عنه إذا كان زمانا والمخبر عنه جثة وكذلك المفاجأة إذا كانت للخبر لم يكن إلا مرفوعا معرفة كان أو نكرة فإذا كانت للمخبر عنه والخبر نكرة انتصب على الحال فجرى قولك ظننت أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي وظننت زيدا عالما فإذا هو جاهل في لزوم الرفع في الخبر مجرى اليوم زيد منطلق وغدا عمرو خارج كما جرى خرجت فإذا زيد قائم وقائما في جواز الرفع والنصب مجرى في الدار زيد جالس وجالسا فتأمل الفرق بينهما وحصله فإن النحويين المتقدمين والمتأخرين قد أغفلوا الفرق بين المفاجأتين
وأما نصب الخبر المعرفة بعد إذا تم الكلام او لم يتم فباطل لا تقوله

العرب ولا يجيزه إلا الكوفيون
وإن كان سيبويه رحمه الله تعالى أجاب بقوله فإذا هو إياها كما روى بعضهم فظاهر جوابه مدخول لما قدمت والخطأ فيه بين من جهة القياس كما ذكرنا فإن كان قاله والتزمه دون الرفع فقد أخطأ خطأ لا مخرج له منه وإن كان قد قاله وهو يرى ان الرفع أولى وأحق إلا أنه آثر النصب للإعراب حملا على المعنى الخفي دون ما يوجبه القياس واللفظ الجلي فلجوابه عندي وجهان حسنان
أحدهما أن يكون الضمير المنصوب وهو إياها كتابة عن اللسعة لا عن العقرب والضمير المرفوع كنايه عن الزنبور فكأنه قال ظننت ان العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا الزنبور لسعة العقرب أي فإذا الزنبور يلسع لسعة العقرب فاختزل الفعل لما تقدم من الدليل عليه بعد أن أضمر اللسعة متصله بالفعل فكأنه قال فإذا الزنبور يلسعها فاتصل الضمير بالفعل لوجوده فلما اختزل الفعل انفصل الضمير لعدم الفعل
ونظير هذا من كلام العرب قولهم إنما أنت شرب الإبل أي إنما أنت تشرب شرب الإبل فاختزل الفعل وبقي عمله في المصدر ولم يرفع لأنه غير الاسم الأول فلو أضمرت شرب الإبل بعدما جرى ذكره فقلت مايشرب زيد شرب الإبل إنما أنت تشربه لاتصل الضمير بالفعل فلو حذفته لانفصل الضمير فقلت إنما أنت إياه فتدبره تجده منقادا صحيحا
والوجه الاخر أن يكون قوله فإذا هو إياها محمولا على المعنى الذي اشتمل عليه أصل الكلام من ذكر الظن أولا وآخرا لأن الأصل في تأليف المسألة ظننت ان العقرب أشد لسعة من الزنبور فلما لسعني الزنبور ظننته هو إياها فاختصر الكلام لعلم المخاطب وحذف الظن آخرا لما جرى من ذكره أولا ودلت إذا لما فيها من المفاجأة على الفعل الواقع بعد لما الدالة على وقوع الشيء لوقوع غيره فإذا جاز حذف الكلام إيثارا للاختصار مع وجود الدليل على

المحذوف كان قولنا فإذا هو إياها بمنزلة قولنا فلما لسعني الزنبور ظننته هو إياها فحذف الظن مع مفعوله الأول وبقي الضمير الذي هو العماد والفصل مؤكدا للضمير المحذوف مع الفعل ودالا على ما ياتي بعده من الخبر المحتاج اليه فيكون في حذف المخبر عنه لما تقدم من الدليل عليه مع الإتيان بالعماد والفصل المؤكد له المثبت لما بعده من الخبر المحتاج إليه مثل قوله ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ) آل عمران 180 فحذف البخل الذي هو المفعول الأول لقوله ( يحسبن ) وبقي الضمير مؤكدا له مثبتا لما بعده من الخبر وجاز حذفه لدلالة ( يبخلون ) عليه والمعنى لا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم فهو في المسألة عماد مؤكد لضمير الزنبور المحمول على الظن المضمر ومثبت لما يجىء بعده من الخبر الذي هو إياها فتفهمه فإنه متمكن من جهة المعنى وجار من الاختصار لعلم المخاطب على قياس وأصل وشاهده القرآن في الحذف واستعمال العرب النظائر وهي أكثر من أن تحصى فمنها قولهم ما أغفله عنك شيئا أي تثبت شيئا ودع الشك وقولهم لمن انكر عليه ذكر إنسان ذكره من أنت زيدا أي من أنت تذكر زيدا وربما قالوا من أنت زيد بالرفع على تقدير من أنت ذكرك زيد فحذفوا الفعل مرة وأبقوا عمله وحذفوا المبتدأ أخرى وأبقوا خبره وكل ذلك اختصار لعلم المخاطب بالمعنى وكذلك قولهم هذا ولا زعماتك أي هذا القول والزعم الحق ولا أتوهم زعماتك فحذف هذا لعلم السامع مع تحصل المعنى وقيامه عند المخاطب والحمل في كلامهم على المعنى أكثر من أن يحصى
فإن كان الضمير الأول في المسألة للزنبور والضمير الآخر للعقرب لم يجز البتة إلا رفع الضميرين بالابتداء والخبر على حد قولك ظننت زيدا عاقلا فإذا هو أحمق وحسبت عبدالله قاعدا فإذا هو قائم ولو تقدم ذكرالخبر والمخبر عنه لقلت فإذا هو هو ولم يجز فإذا هو إياه البتة ويجوز في المسألة

إذا قلت فإذا هو لأبى أن يكون الضمير للزنبور والعقرب على حد قولك الزنبور العقرب ويجوز أن تقول فإذا هي هو على التقديم والتأخير على حد قولك فإذا العقرب الزنبور أي سواء فى شدة اللسعة كما تقول خرجت فإذا قائم زيد على تقدير فإذا زيد قائم ويجوز ان يكون هو كناية عن اللسع بدلالة اللسعة عليه وتكون هي كناية عن اللسعة على تقدير فإذا لسع الزنبور لسعة العقرب ويجوز فإذا هي هو على اضمار اللسعة واللسع والتقدير فإذا لسعة الزنبور لسع العقرب وهذا كله لا يجوز فيه إلا الرفع عند البصريين لأن الآخر هو الأول والخبرمعرفة متعلق بالمفاجأة فلا يجوز فيه الحال والكوفيون يجيزون النصب كما تقدم وهو غلط بين وخطأ فاحش لا تقوله العرب ولا تعلق له بقياس فاعلمه
ويجوز في المسألة فإذا هوهو على تقدير فإذا اللسع اللسع ويجوز فإذا هي هي على تقدير فإذا اللسعة اللسعة وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى
وأما نسب سيبويه ففارسي مولى لبني الحارث بن كعب بن علة بن خلدة ابن مالك وهو مذحج واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر وكنيته أبوبشر ولقبه الذي شهر به سيبويه ومعناها بالفارسية رائحة التفاح وكان من أطيب الناس رائحة وأجملهم وجها وقيل معنى سي ثلاثون ومعنى بويه رائحة فكأن معناها الذي ضوعف طيب رائحته ثلاثين مرة
واما سبب تعويله على الخليل في طلب النحو مع ماكان عليه من الميل الى التفسير والحديث فإنه سأل يوما حماد بن سلمة فقال له أحدثك هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف في الصلاة بضم العين فقال له حماد أخطأت إنما هو رعف بفتح العين فانصرف الى الخليل فشكا إليه ما لقيه من حماد فقال له الخليل صدق حماد ومثل حماد يقول هذا ورعف بضم العين لغة ضعيفة وقيل إنه قدم البصرة من البيداء من قرى شيراز من عمل فارس وكان مولده ومنشؤه بها ليكتب الحديث ويرويه فلزم حلقة حماد

ابن سلمة فبينما هو يستملي على حماد قول النبي ( ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأقدت عليه ليس أبا الدرداء ) فقال سيبويه ( ليس أبو الدرداء ) بالرفع وخمنه اسم ليس فقال له حماد لحنت يا سيبويه ليس هذا حيث ذهبت إنما ليس ههنا استثناء فقال سيبويه سأطلب علما لا تلحنني فيه فلزم الخليل وبرع في العلم
وأما سبب وفوده على الرشيد ببغداد وتعرضه لمناظرة الكسائي والفراء فلما كانا عليه من تمكن الحال والقرب من السلطان وعلو همته وطلبه للظهور مع ثقته بعلمه لأنه كان أعلم أهل زمانه وكان بينه وبين البرامكة أقوى سبب فوفد على يحيى بن خالد بن برمك وابنيه جعفر والفضل فعرض عليهم ما ذهب إليه من مناظرة الكسائي وأصحابه فسعوا له في ذلك وأوصلوه الى الرشيد فجرى بينه وبين الكسائي والفراء ما ذكر واشتهر وكان آخر أمره أن الكسائي وأصحابه لما ظهروا عليه بشهادة الأعراب على حسب ما لقنوا أن قال يحيى بن خالد او الكسائي للرشيد يا أمير المؤمنين إن رأيت ان لا يرجع خائبا فعلت فأمر له بعشرة آلاف درهم وانصرف الى الأهواز ولم يعرج على البصرة وأقام هنالك مدة إلى أن مات كمدا ويروى أنه ذربت معدته فمات فيرون أنه مات غما ويروى أن الكسائي لما بلغه موته قال للرشيد ده يا أمير المؤمنين فإني أخاف أن أكون شاركت في دمه ولما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه فقطرت دمعة من دموعه على خده فرفع عينيه وقال
( أخيين كنا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا )
ومات على السنة والجماعة رحمه الله تعالى
وأما كتابه الجاري بين الناس فلم يصح أنه أنشأه بعد كتاب آخر قبله على أن ذلك قد ذكر
فهذا ماحضر فيما سألت عنه فمن قرأه وأشرف فيه على تقصير فليبسط

العذر فإنه لساعتين من نهار إملاء يوم الثلاثاء عشي النهار لثمان خلون لصفر سنة 476 انتهى
531 - وقال الإلبيري رحمه الله تعالى
( لا شيء أخسر صفقة من عالم ... لعبت به الدنيا مع الجهال )
( فغدا يفرق دينه أيدي سبا ... ويذيله حرصا بجمع المال )
( لاخير في كسب الحرام وقلما ... يرجى الخلاص لكاسب لحلال )
( فخذ الكفاف ولا تكن ذا فضلة ... فالفضل تسأل عنه أي سؤال )
532 - وكان أبو الفضل ابن الأعلم من أحسن الناس وجها وأذكرهم في علم النحو والأدب وأمرأ النحو في صباه وفيه يقول ابن صارة الأندلسي رحمه الله تعالى
( أكرم بجعفر اللبيب فإنه ... مازال يوضح مشكل الإيضاح )
( ماء الجمال بوجهه مترقرق ... فالعين منه تجول في ضحضاح )
( ماخده جرحته عيني انما ... صبغت غلالته دماء جراحي )
( لله زاي زبرجد في عسجد ... في جوهر في كوثر في راح )
( ذي طرة سبجية ذي غرة ... عاجية كالليل والإصباح )
( رشأ له خد البريء ولحظه ... أبدا شريك الموث في الأرواح )
533 - وقال محمد بن هانىء الأندلسي من قصيدة
( السافرات كأنهن كواكب ... والناعمات كأنهن غصون )

( ماذا على حلل الشقيق لو أنها ... عن لابسيها في الخدود تبين )
( لأعطشن الروض بعدهم ولا ... يرويه لي دمع عليه هتون )
( أعير لحظ العين بهجة منظر ... وأخونهم إني إذن لخؤون )
( لا الجو جو مشرق وإن اكتسى ... زهوا ولا الماء المعين معين )
( لا يبعدن إذ العبير له ثرى ... والبان روح والشموس قطين )
( الظل لا متنقل والحوض لا ... متكدر والأمن لا ممنون )
534 - وقال القسطلي في أسطول أنشأه المنصور بن أبي عامر من قصيدة
( تحمل منه البحر بحرا من القنا ... يروع بها امواجه ويهول
( بكل ممالات الشراع كأنها ... وقد حملت أسد الحقائق غيل )
( إذا سابقت شأو الرياح تخيلت ... خيولا مدى فرسانهن خيول )
( سحائب تزجيها الرياح فإن وفت ... أطافت بأجياد النعام فيول )
( ظباء سمام مالهن مفاحص ... وزرق حمام مالهن هديل )
( سواكن في أوطانهن كأن سما ... بها الموج حيث الراسيات نزول )
( كما رفع الآل الهوادج بالضحى ... غداة استقلت بالخليط حمول )
( أراقم تحوي ناقع السم ما لها ... بما حملت دون العداة مقيل )
وقد أطنب الناس في وصف السفن وأطابوا وقرطسوا القريض وأصابوا وقد ذكرنا نبذة من ذلك في هذا الكتاب
535 - وقال أبو بحر صفوان بن إدريس التجيبي حدثني بعض الطلبة بمراكش أن أبا العباس الجراوي كان في حانوت وراق بتونس وهناك فتى يميل إليه فتناول الفتى سوسنة صفراء وأومأ بها الى خديه مشيرا وقال أين الشعراء تحريكا للجراوي فقال ارتجالا

( وعلوي الجمال إذا تبدى ... أراك جبينه بدرا أنارا )
( أشار بسوسن يحكيه عرفا ... ويحكي لون عاشقه اصفرارا )
قال أبو بحر ثم سألني ان أقول في هذا المعنى فقلت بديها
( أومى الى خده بسونسة ... صفراء صيغت من وجنتي عبده )
( لم تر عيني من قبله غصنا ... سوسنه نابت إزا ورده )
( أعملت زجري فقلت ربتما ... قرب خد المشوق من خده )
فحدثني المذكور انه اجتمع مع أبي بكر ابن يحيى بن مجبر رحمه الله تعالى قبل اجتماعه بي في ذلك الموضع الذي اجتمع فيه بي بعينه فحدثه بالحكاية كما حدثني وسأله أن يقول في تلك الحال فقال بديها
( بي رشأ وسنان مهما انثنى ... حار قضيب البان في قده )
( مذ ولي الحسن وسلطانه ... صارت قلوب الناس من جنده )
( أودع في وجنته زهرة ... كأنها تجزع من صده )
( وقد تفاءلت على فعله ... أني أرى خدي على خده )
فتعجبت من توارد خاطرينا على معنى هذا البيت الأخير
قال أبو بحر ثم قلت في تلك الحال
( أبرز من وجنته وردة ... أودعها سوسنة صفرا )
( وإنما صورته آية ... ضمنها من سوسن عشرا )
536 - وقال بعضهم في الباذنجان
( ومستحسن عند الطعام مدحرج ... غذاه نمير الماء في كل بستان )

( تطلع في أقماعه فكأنه ... قلوب نعاج في مخاليب عقبان )
537 - وقال ابن خروف ويقال أنها في وصف دمشق
( إذا رحلت عروبة عن حماها ... تأوه كل أواه حليم )
( إلى سبت حكى فرعون موسى ... يجمع كل سحار عليم )
( فتبصر كل املود قويم ... يميس بكل ثعبان عظيم )
( إذا انسابت أراقمها عليها ... تذكرنا بها ليل السليم )
( وشاهدنا بها في كل حين ... حبالا ألقيت نحو الكليم )
538 - وقال أبو القاسم ابن هشام ارتجالا في وسيم عض وردة ثم رمى بها وسئل ذلك منه امتحانا
( ومعجز الأوصاف والوصاف في ... بردي جمال طرزا بالتيه )
( سوسان أنمله تناول وردة ... فغدا يمزقها أقاحي فيه )
( فكأنني شبهت وجنته بها ... فرمى بها غضبا على التشبيه )
وقال أيضا فيمن عض كلب وجنته
( وأغيد وضاح المحاسن باسم ... إذا قامر الأسياف ناظره قمر )
( تعمد كلب عض وجنته التي ... هي الورد إيناعا وأبقى بها أثر )
( فقلت لشهب الأفق كيف صماتكم ... وقد أثر العواء في صفحة القمر )
539 - وقال آخر يصف شجه في خد وسيم
( عذيري من ذي صفحة يوسفية ... بها شجة جلت عن اللثم واللمس )

( يقولون من عجب أتحسن وصفها ... فقلت هلال لاح في شفق الشمس )
540 - وقال القاضي أبوالوليد الوقشي فيمن طر شاربه
( قد بينت فيه الطبيعة انها ... لبديع أفعال المهندس باهره )
( عنيت بمبسمه فخطت فوقه ... بالمسك خطا من محيط الدائره )
541 - وقال أبو الحسن ابن عيسى
( عابوه أسمر ناحلا ذا زرقة ... رمدا وظنوا أن ذاك يشينه )
( جهلوا بأن السمهري شبيهه ... وخضابه بدم القلوب يزينه )
542 - وقال الأستاذ أبو ذر الخشني
( أنكر صحبي إذ رأوا طرفه ... ذا حمرة يشفى بها المغرم )
( لا تنكروا ما احمر من طرفه ... فالسيف لا ينكر فيه الدم )
543 - وقال أبو عبدالله محمد بن أبي خالص الرندي
( ياشادنا برز العذار بخده ... وازداد حسنا ليته لم يبرز )
( الآن أعلم حين جد بي الهوى ... كم بين مختصر وبين مطرز )
544 - وقال أبو الحسين عبدالملك بن مفوز المعافري
( ومعذر من خده ورقيبه ... شغلان حلا عقد كل عزيمة )
( خد وخب عيل صبري منهما ... هذا بنمنمة وذا بنميمة )
545 - وقال أبو الوليد ابن زيدون فيمن أصابه جدري

( قال لي اعتل من هويت حسود ... قلت أنت العليل ويحك لا هو )
( ما الذي قد نكرت من بثرات ... ضاعفت حسنه وزانت حلاه )
( جسمه في الصفاء والرقة الماء ... فلا غرو أن حباب علاه )
546 - وقال الهيثم
قالوا به جرب فقلت لهم قفوا ... تلك الندوب مواقع الأبصار )
( هو روضة والقد غصن ناعم ... أرأيتم غصنا بلا نوار )
547 - وقال أبو بكر محمد بن عياض القرطبي في مخضوبة الأنامل
( وعلقتها فتانة أعطافها ... تزري بغصن البانة المياد )
( من للغزالة والغزال بحسنها ... في الخد او في العين أو في الهادي )
( خضبت أناملها السواد وقلما ... أبصرت أقلاما بغير مداد )
548 - وقال أبو الحسين النفزي
( بدا يوسفا وشدا معبدا ... فللعين ما تشتهي والأذن )
( كأن بأعلاه قمرية ... تغرد من قده في غصن )
549 - وقال ابن صارة
( مقام حر بأرض هون ... عجز لعمري من المقيم )
( سافر فإن لم تجد كريما ... فمن لئيم الى لئيم )

550

- أشعار المعتمد
وقال المعتمد بن عباد رحمه الله تعالى
( مولاي أشكو إليك داء ... أصبح قلبي به قريحا )
( سخطك قد زادني سقاما ... فأبعث إلي الرضى مسيحا )
قال بعضهم وقوله مسيحا من القوافي التى يتحدى بها
وكتب إلى أبيه جوابا عن تحفة
( يا مالكا قد أصبحت كفه ... ساخرة بالعارض الهاطل )
( قد أفحمتني منة مثلها ... يضيق القول على القائل )
( وإن كنت قصرت في وصفها ... فحسنها عن وصفها شاغلي )
وكتب الى وزيره ابن عمار
( لما نأيت نأى الكرى عن ناظري ... ووددته لما انصرفت عليه )
( طلب البشير بشارة يجزى بها ... فوهبت قلبي واعتذرت إليه )
وقال في جارية له كان يحبها وبينما هي تسقيه إذ لمع البرق فارتاعت
( يروعها البرق وفي كفها ... برق من القهوة لماع )
( ياليت شعري وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع )
ومن توارد الخواطر أن ابن عباد أنشد عبد الجليل بن وهبون البيت الأول وأمره أن يذيله فقال
( ولن ترى أعجب من آنس ... من مثل ما يمسك يرتاع )

وقال المعتمد رحمه الله تعالى
( داوى ثلاثته بلطف ثلاثة ... فثنى بذاك رقيبه لم يشعر )
( أسراره بتستر وأواره ... يتصبر وخباله بتوقر )
وكانت له جارية اسمها جوهرة وكان يحبها فجرى بينهما عتاب ورأى أن يكتب إليها يسترضيها فأجابته برقعة لم تعنونها باسمها فقال
( لم تصف لي بعد وإلا فلم ... لم أر في عنوانها جوهره )
( درت بأني عاشق لاسمها )
( فلم ترد للغيظ أن تذكره )
( قالت إذا أبصره ثابتا ... قبله والله لا أبصره )
وقال في هذه الجارية
( سرورنا بعدكم ناقص ... والعيش لا صاف ولا خالص )
( والسعد إن طالعنا نجمه ... وغبت فهو الآفل الناكص )
( سموك بالجوهر مظلومة ... مثلك لا يدركه غائص )
وقال فيها أيضا
( جوهرة عذبني ... منك تمادي الغضب )
( فزفرتي في صعد ... وعبرتي في صبب )
( ياكوكب الحسن الذي ... أزرى بزهر الشهب )
( مسكنك القلب فلا ... ترضي له بالوصب )
وقال في جارية اسمها وداد
( اشرب الكأس في وداد ودادك ... وتأنس بذكرها في انفرادك )

( قمر غاب عن جفونك مرآه ... وسكناه في سواد فؤادك )
وقال
( لك الله كم أودعت قلبي من أسى ... وكم لك مابين الجوانح من كلم )
( لحاظك طول الدهر حرب لمهجتي ... ألا رحمة تثنيك يوما إلى سلمي )
وقال
( قلت متى ترحمني ... قال ولا طول الأبد )
( قلت فقد أيأستني ... من الحياة قال قد )
551 - وأهدى أبو الوليد ابن زيدون باكورة تفاح الى المعتضد والد المعتمد وكتب له معها
( يامن تزينت الرياسة ... حين ألبس ثوبها )
( جاءتك جامدة المدام ... فخذ عليها ذوبها )
552 - وقال المعتمد وقد أمره أبوه المعتضد أن يصف مجنا فيه كواكب فضة
( مجن حكى صانعوه السما ... لتقصر عنه طوال الرماح )
( وقد صوروا فيه شبه الثريا ... كواكب تقضي له بالنجاح )
553 - وقال ابن اللبانة كنت بين يدي الرشيد ابن المعتمد في مجلس أنسه فورد الخبر بأخذ يوسف بن تاشفين غرناطة سنة 483 فتفجع وتلهف

واسترجع وتأسف وذكر قصر غرناطة فدعونا لقصره بالدوام ولملكه بتراخي الأيام وامر عند ذلك أبا بكر الإشبيلي بالغناء فغنى
( يادار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد )
فاستحالت مسرته وتجهمت أسرته وامر بالغناء من ستارته فغنى
( إن شئت أن لا ترى صبرا لمصطبر ... فانظر على أي حال أصبح الطلل )
فتأكد تطيره واشتد اربداد وجهه وتغيره وامر مغنية اخرى من سراريه بالغناء فغنت
( يالهف نفسي على مال أفرقه ... على المقلين من أهل المروءات )
( إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ... مالست املك من إحدى المصيبات )
قال فتلافيت الحال بأن قلت
( محل مكرمة لا هد مبناه ... وشمل مأثره لا شتت الله )
( البيت كالبيت لكن زاد ذا شرفا ... ان الرشيد مع المعتد ركناه )
( ثاو على انجم الجوزاء مقعده ... وراحل في سبيل السعد مسراه )
( حتم على الملك أن يقوى وقد وصلت ... بالشرق والغرب يمناه ويسراه )
( بأس توقد فاحمرت لواحظه ... ونائل شب فاخضرت عذاراه )
فلعمري لقد بسطت من نفسه وأعادت عليه بعض أنسه على اني وقعت فيما وقع فيه الكل لقولي البيت كالبيت وأمر إثر ذلك أبا بكر بالغناء فغنى
( ولما قضينا من منى كل حاجة ... ولم يبق إلا أن تزم الركائب )

فأيقنا ان هذا التطير يعقبه التغير
554 - وقد كان المعتضد بن عباد حين تصرمت أيامه وتدانى حمامه استحضر مغنيا يغنيه ليجعل ما يبدأ به فألا وكان المغني السوسي فأول شعر قاله
( نطوي المنازل علما أن ستطوينا ... فشعشعيها بماء المزن واسقينا )
فمات بعد خمسة أيام وكان الغناء من هذا الشعر في خمسة أبيات
555 - وقال المعتمد بعدما خلع وسجن
( قبح الدهر فماذا صنعا ... كلما أعطى نفيسا نزعا )
( قد هوى ظلما بمن عاداته ... أن ينادي كل من يهوي لعا )
( من إذا قيل الخنى صم وإن ... نطق العافون همسا سمعا )
( قل لمن يطمع في نائله ... قد أزال اليأس ذاك الطمعا )
( راح لا يملك إلا دعوة ... جبر الله العفاة الضيعا )
556 - وقال ابن اللبانة كنت مع المعتمد بأغمات فلما قاربت الصدر وأزمعت السفر صرف حيله واستنفد ما قبله وبعث الي مع شرف الدولة ولده وهذا من بنيه أحسن الناس سمتا واكثرهم صمتا تخجله اللفظة وتجرحه اللحظة حريص على طلب الأدب مسارع في اقتناء الكتب مثابر على نسخ الدواوين مفتح فيها من خطه زهر الرياحين بعشرين مثقالا مرابطية وثوبين غير مخيطين وكتب معها أبياتا منها
( إليك النزر من كف الأسير ... وإن تقنع تكن عين الشكور )

( تقبل ما يذوب له حياء ... وإن عذرته حالات الفقير )
فامتنعت من ذلك عليه وأجبته بأبيات منها
( تركت هواك وهو شقيق ديني ... لئن شقت برودي عن غدور )
( ولا كنت الطليق من الرزايا ... إذا أصبحت أجحف بالأسير )
( جذيمة أنت والزباء خانت ... وما انا من يقصر عن قصير )
( تصرف في الندى حيل المعالي ... فتسمح من قليل بالكثير )
( وأعجب منك أنك في ظلام ... وترفع للعفاة منار نور )
( رويدك سوف توسعني سرورا ... إذا عاد ارتقاؤك للسرير )
( وسوف تحلني رتب المعالي ... غداة تحل في تلك القصور )
( تزيد على ابن مروان عطاء ... بها وأزيد ثم على جرير )
( تأهب ان تعود الى طلوع ... فليس الخسف ملتزم البدور )
وأتبعتها أبياتا منها
( حاش لله أن أجيح كريما ... يتشكى فقرا وقد سد فقرا )
( وكفاني كلامك الرطب نيلا ... كيف ألغي درا وأطلب تبرا )
( لم تمت إنما المكارم ماتت ... لا سقى الله بعدك الأرض قطرا )
ورأى ابن اللبانة أحد أبناء المعتمد وهو غلام وسيم وقد اتخذ الصياغة صناعة وكان يلقب أيام سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة فنظر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة الصائغ وقد جلس في السوق يتعلم الصياغة فقال
( شكاتنا لك يا فخر العلا عظمت ... والرزء يعظم ممن قدره عظما )
( طوقت من نائبات الدهر مخنقة ... ضاقت عليك وكم طوقتنا نعما )
( وعاد طوقك في دكان قارعة ... من بعد ماكنت في قصر حكى إرما )

( صرفت في آلة الصواغ أنملة ... لم تدر إلا الندى والسيف والقلما )
( يد عهدتك للتقبيل تبسطها ... فتستقل الثريا ان تكون فما )
( يا صائغا كانت العليا تصاغ له ... حليا وكان عليه الحلي منتظما )
( للنفخ في الصور هول ماحكاه سوى ... هول رأيتك فيه تنفخ الفحما )
( وددت إذ نظرت عيني إليك به ... لو أن عيني تشكو قبل ذاك عمى )
( ماحطك الدهر لما حط عن شرف ... ولا تحيف من أخلاقك الكرما )
( لح في العلا كوكبا ان لم تلح قمرا ... وقم بها ربوة إن لم تقم علما )
( واصبر فربما أحمدت عاقبة ... من يلزم الصبر يحمد غب ما لزما )
( والله لو أنصفتك الشهب لانكسفت ... ولو وفى لك دمع الغيث لانسجما )
( أبكى حديثك حتى الدر حين غدا ... يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما )
557 - وقال لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى وقفت على قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات في حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار سنة 761 وهو بمقبرة أغمات في نشز من الأرض وقد حفت به سدرة وإلى جانبه قبر اعتماد حظيته مولاة رميك وعليها هيئة التغرب ومعاناة الخمول من بعد الملك فلا تملك العين دمعها عند رؤيتها فأنشدت في الحال
( قد زرت قبرك عن طوع بأغمات ... رأيت ذلك من أولى المهمات )
( لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا ... ويا سراج الليالي المدلهمات )
( وأنت من لو تخطى الدهر مصرعه ... الى حياتي لجادت فيه أبياتي )
( اناف قبرك في هضب يميزه ... فتنتحيه حفيات التحيات )
( كرمت حيا وميتا واشتهرت علا ... فأنت سلطان أحياء وأموات )

( ما ريء مثلك في ماض ومعتقدي ... ان لايرى الدهر في حال وفي آت )
وقد زرت أنا قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات سنة 1010 ورأيت فيه مثل ماذكره لسان الدين رحمه الله تعالى فسبحان من لايبيد ملكه لا اله إلا هو
وأخبار المعتمد كثيرة
558 - وقال وزيره أبو الوليد ابن زيدون
( متى أخف الغرام يصفه جسمي ... بألسنة الضنى الخرس الفصاح )
( فلو أن الثياب نزعن عني ... خفيت خفاء خصرك في الوشاح )
وقال يخاطب المعتمد
( وطاعة أمرك فرض أراه ... من كل مفترض أوكدا )
( هي الشرع أصبح دين الضمير ... فلو قد عصاك لقد ألحدا )
وقال فيه
( ياندى يمنى أبي القاسم عم ... ياسنا بشر المحيا أشمس )
( وارتشف معسول ثغر أشنب ... لحبيب من عجاج ألعس )
وقال
( مهما امتدحت سواك قبل فإنما ... مدحي الى مدحي لك استطراد )
( تغشى الميادين الفوارس حقبة ... كيما يعلمها النزال طراد )
وقال

( يحييني بريحان التجني ... ويصحبني معتقة السماح )
( فها أنا قد ثملت من الأيادي ... إذا اتصل اغتباقى باصطحابي )
وكتب إلى أبي عامر يستدعيه
( أبا المعالي نحن في روضة ... فانقل إلينا القدم العاليه )
( أنت الذي لو نشتري ساعة ... منه بدهر لم تكن غاليه )
وتذكرت هنا قول بعض المشارقة فيما أظن
( لله أيام مضت مأنوسة ... ماكان احسنها وأنضرها معا )
( لو ساعة منها تباع شريتها ... ولو انها بيعت بعمري اجمعا )

رجع
559 - وقال أبو القاسم أسعد من قصيدة في المعتصم بن صمادح
( وقد ذاب كحل الليل في دمع فجره ... الى ان تبدى الليل كاللمة الشمطا )
( كأن الدجى جيش من الزنج نافذ ... وقد أرسل الإصباح في إثره القبطا )
ومنها
( إذا سار الجود تحت لوائه ... فليس يحط المجد إلا إذا حطا )
560 - وقال ابن خلصة المكفوف النحوي من قصيدة
( ملك تملك حر المجد لايده ... نالت بظلم ولا مالت الى البخل )
( مهذب الجد ماضي الحد مضطلع ... لما تحمله العلياء من ثقل )

( أغر لاوعده يخشى له أبدا ... خلف ولا رأيه يؤتى من الزلل )
( قد جاوزت نطق الجوزاء همته ... به ومازحلت عن مرتقى زحل )
( يأبى له ان يحل الذم ساحته ... ماصد من جلل او سد من خلل )
ومنها
( إن لم تكن بكم حالي مبدلة ... فما انتفاعي بعلم الحال والبدل )
561 - وقال ابن الحداد يمدح المعتصم بن صمادح
( عج بالحمى حيث الغياض العين ... فعسى تعن لنا مهاه العين )
( واستقبلن أرج النسيم فدارهم ... ندية الأرجاء لا دارين )
( أفق إذا مارمت لحظ شموسه ... صدتك للنقع المثار دجون )
( أنى اراع لهم وبين جوانحي ... شوق يهون خطبهم فيهون )
( أنى يهاب ضرابهم وطعانهم ... صب بألحاظ العيون طعين )
( فكأنما بيض الصفاح جداول ... وكأنما سمر الرماح غصون )
( ذرني أسر بين الأسنة والظبى ... فالقلب في تلك القباب رهين )
( ياربة القرط المعير خفوقه ... قلبي اما لحراكه تسكين )
( توريد خدك للصبابة مورد ... وفتور طرفك للنفوس فتون )
( فإذا رمقت فوحي حبك منزل ... وإذا نطقت فإنه تلقين )
ومنها في وصف قصر
( رأس بظهر النون إلا أنه ... سام فقبته بحيث النون )
( هو جنة الدنيا تبوأ نزلها ... ملك تملكه التقى والدين )
( فكأنما الرحمن عجلها له ... ليرى بما قد كان ماسيكون )
( وكأن بانيه سنمار فما ... يعدوه تحسين ولا تحصين )

( وجزاؤه فيه نقيض جزائه ... شتان ما الإحياء والتحيين )
ومنها في المديح
( لا تلقح الأحكام حيفا عنده ... فكأنها الأفعال والتنوين )
ومنها
( وبدا هلال الأفق احنى ناسخا ... عهد الصيام كأنه العرجون )
( فكأن بين الصوم خطط نحوه ... خطا خفيا بان منه النون )
562 - وقال عبد الجليل بن وهبون
( زعموا الغزال حكاه قلت لهم نعم ... في صده عن عاشقيه وهجره )
( وكذا يقولون المدام كريقه ... يارب ماعلموا مذاقة ثغره )
563 - وقال أبو الحسن علي بن احمد بن أبي وهب الأندلسي
( قالوا تدانيت من وداعهم ... ولم نر الصبر عنك مغلوبا )
( فقلت للعلم أنني بغد ... أسمع لفظ الوداع مقلوبا )
وهذا كقول بعض شعراء اليتيمة
( أذا دهاك الوداع فاصبر ... ولا يروعنك البعاد )
( وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع عادوا )
564 - وقال ابن اللبانة
( إن تكن تبتغي القتال فدعني ... عنك في حومة القتال احامي )

( خذ جناني عن جنة ولساني ... عن سنان وخاطري عن حسام )
565 - وقال القزاز يمدح ابن صمادح وخلط النسيب بالمديح
( نفى الحب عن مقلتي الكرى ... كما قد نفى عن يدي العدم )
( فقد قر حبك في خاطري ... كما قر في راحتيك الكرم )
( وفر سلوك عن فكرتي ... كما فر عن عرضه كل ذم )
( فحبي ومفخره باقيان ... لا يذهبان بطول القدم )
( فأبقى لي الحب خال وجد ... وأبقى له الفخر خال وعم )
566 - وقال أبو الحسن ابن الحاج
( أذوب اشتياقا يوم يحجب شخصه ... وإني على ريب الزمان لقاسي )
( وأذعر منه هيبة وهو المنى ... كما يذعر المخمور اول كاس )
وقال
( من لي بطرف كأنني أبدا ... منه بغير المدام مخمور )
( ما أصدق القائلين حين بدا ... عاشق هذا الجمال معذور )
وقال
( أبا جعفر مات فيك الجمال ... فأطهر خدك لبس الحداد )
( وقد كان ينبت نور الربيع ... فقد صار ينبت شوك القتاد )
( فهل كنت من عبد شمس فأخشى ... عليك ظهور شعار السواد )
وقال وما احكمه
( ما عجبي من بائع دينه ... بلذة يبلغ فيها هواه )

( وإنما اعجب من خاسر ... يبيع أخراه بدنيا سواه )
وقال من مخمسة يرثي فيها ابن صمادح ويندب الأندلس زمن الفتنة
( من لي بمجبول على ظلم البشر ... صحف في أحكامه حاء الحور )
( مر بنا يسحب أذيال الخفر ... ما أحسد الظبي له إذا نفر )
( وأشبه الغصن به إذا خطر )
( كافورة قد طرزت بمسك ... جوهرة لم تمتهن بسلك )
( نبذت فيها ورعي ونسكي ... بعد لجاجي في التقى ومحكي )
( فاليوم قد صح رجوعي واشتهر )
( نهيت قدما ناظري عن نظر ... علما بما يجني ركوب الغرر )
( وقلت عرج عن سبيل الخطر ... فاليوم قد عاين صدق الخبر )
( إذ بات وقفا بين دمع وسهر )
( سقى الحيا عهدا لنا بالطاق ... معترك الألباب والأحداق )
( وملتقى الأنفس والأشواق ... أيأس فيه الدهر عن تلاقي )
( وربما ساءك دهر ثم سر )
( أحسن به مطلعا ما أغربا ... قابل من دجلة مرأى معجبا )
( إن طلعت شمس وقد هبت صبا ... حسبته ينشر بردا مذهبا )
( بمنظر فيه جلاء للبصر )
( يارب أرض قد خلت قصورها ... وأصبحت آهلة قبورها )
( يشغل عن زائرها مزورها ... لا يأمل العودة من يزورها )
( هيهات ذاك الورد ممنوع الصدر )

( تنتحب الدنيا على ابن معن ... كأنها ثكلى أصيبت بابن )
( أكرم مأمول ولا أستثني ... أثني بنعماه ولا أثني )
( والروض لا ينكر معروف المطر )
( عهدي به والملك في ذماره ... والنصر فيما شاء من أنصاره )
( يطلع بدر التم من أزراره ... وتكمن العفة في إزاره )
( ويحضر السؤدد أيان حضر )
( قل للنوى جد بنا انطلاق ... مابعدت مصر ولا العراق )
( إذا حدا نحوهما اشتياق ... ومن دواء الملل الفراق )
( ومن نأى عن وطن نال وطر )
( سار بذي برد من الإصباح ... راكب نشوى ذات قصد صاح )
( مسودة مبيضة الجناح ... تسبح بين الماء والرياح )
( بزورها عن طافح الموج زور )
( يقتحم الهول بها اغترارا ... في فتية تحسبها سكارى )
( قد افترشن المسد المغارا ... حتى إذا شارفت المنارا )
( هب كما بل العليل المحتضر )
( يؤم عدل الملك الرضي ... الهاشمي الطاهر النقي )
( والمجتبى من ضضىء النبي ... من ولد السفاح والمهدي )
( فخر معد ونزار ومضر )
( حيث ترى العباس يستسقى به ... والشرف الأعظم في نصابه )
( والأمر موقوفا على أربابه ... والدين لا تختلط الدنيا به ) ... ( وسيرة الصديق تمضي وعمر )

567

- أشعار لابن خفاجة
وقال ابن خفاجة في صفة قوس
( عوجاء تعطف ثم ترسل تارة ... فكأنما هي حية تنساب )
( وإذا انحنت والسهم منها خارج ... فهي الهلال انقض منه شهات )
وقال
( وعسى الليالي أن تمن بنظمنا ... عقدا كما كنا عليه وأكملا )
( فلربما نثر الجمان تعمدا ... ليعاد أحسن في النظام وأجملا )
وهو من قول مهيار
( عسى الله يجعلها فرقة ... تعود بأكمل مستجمع )
وقول المتنبي
( سألت الله يجعله رحيلا ... يعين على الإقامة في ذراكا )
وقال
( اقض على خلك او ساعد ... عشت بجد في العلا صاعد )
( فقد بكى جفني دما سائلا ... حتى لقد ساعده ساعدي )
وقال
( وأسود يسبح في بركة ... لا تكتم الحصباء غدرانها )
( كأنها في صفوها مقلة ... زرقاء والأسود إنسانها )

وقال
( حيا بها ونسيمها كنسيمه ... فشربتها من كفه في ودة )
( منساغة فكأنها من ريقه ... محمرةفكأنها من خده )
وقال
( لعمري لو أوضعت في منهج التقى ... لكان لنا في كل صالحة نهج )
( فما يستقيم الأمر والملك جائر ... وهل يستقيم الظل والعود معوج )
وقال يرثي صديقا من أبيات
( تيقن أن الله أكرم جيرة ... فأزمع عن دار الحياة رحيلا )
( فإن أقفرت منه العيون فإنه ... تعوض منها بالقلوب بديلا )
( ولم أر أنسا قبله عاد وحشة ... وبردا على الأكباد عاد غليلا )
( ومن تك أيام السرور قصيرة ... به كان ليل الحزن فيه طويلا )
وقال
( تفاوت نجلا أبي جعفر ... فمن متعال ومن منسفل )
( فهذا يمين بها أكله ... وهذا شمال بها يغتسل )
568 - وقال ابن الرفاء
( ولما رأيت الغرب قد غص بالدجى ... وفي الشرق من ضوء الصباح دلائل )
( توهمت ان الغرب بحر أخوضه ... وأن الذي يبدو من الشرق ساحل )
569 - وقال أبو محمد ابن عبدالبر الكاتب
( لا تكثرن تأملا ... وامسك عليك عنان طرفك )

( فلربما أرسلته ... فرماك في ميدان حتفك )
570 - وقال أبو القاسم السميسر
( يا آكلا كل ما اشتهاه ... وشاتم الطب والطبيب )
( ثمار ماقد غرست تجني ... فانتظر السقم عن قريب )
( يجتمع الماء كل يوم ... أغذيه السوء كالذنوب )
وكان كثير الهجاء وله كتاب سماه بشفاء الأمراض في أخذ الأعراض والعياذ بالله تعالى
ومن قوله
( خنتم فهنتم وكم أهنتم ... زمان كنتم بلا عيون )
( فأنتم تحت كل تحت ... وأنتم دون كل دون )
( سكنتم يارياح عاد ... وكل ريح الى سكون )
وقال
( يا مشفقا من خمول قوم ... ليس لهم عندنا خلاق )
( ذلوا ويا طالما أذلوا ... دعهم يذوقوا الذي أذاقوا )
وقال
( وليتم فما أحسنتم مذ وليتم ... ولا صنتم عمن يصونكم عرضا )
( وكنتم سماء لا ينال منالها ... فصرتم لدى من لا يسائلكم أرضا )
( ستسترجع الأيام ما أقرضتكم ... ألا إنها تسترجع الدين والقرضا )

571 - وقال ابن شاطر السرقسطي
( قد كنت لا أدري لأية علة ... صار البياض لباس كل مصاب )
( حتى كساني الدهر سحق ملاءة ... بيضاء من شيبي لفقد شبابي )
( فبذا تبين لي إصابة من رأى ... لبس البياض على نوى الأحباب )
572 - وهذه عادة أهل الأندلس ولهذا قال الحصري
( إذا كان البياض لباس حزن ... بأندلس فذاك من الصواب )
( ألم ترني لبست بياض شيبي ... لأني قد حزنت على الشباب )
وما أحسن قوله رحمه الله تعالى
( لو كنت زائرتي لراعك منظري ... ورأيت بي ما يصنع التفريق )
( ولحال من دمعي وحر تنفسي ... بيني وبينك لجة وحريق )
573 - وقال ابن عبدالصمد يصف فرسا
( على سابح فرد يفوت بأربع ... له أربعا منها الصبا والشمائل )
( من الفتخ خوار العنان كأنه ... مع البرق سار أو مع السيل سائل )
574 - وقال ابن عبدالحميد البرجي
( أرح متن المهند والجواد ... فقد تعبا بجدك في الجهاد )
( قضيت بعزمة حق العوالي ... فقض براحة حق الهوادي )
575 - وقال عبادة
( إنما الفتح هلال طالع ... لاح من أزراره في فلك )
( خده شمس وليل شعره ... من رأى الشمس بدت في حلك )

576 - وقال ابن المطرف المنجم
( يرى العواقب في أثناء فكرته ... كأن أفكاره بالغيب كهان )
( لا طرفة منه إلا تحتها عمل ... كالدهر لا دورة إلا لها شان )
577 - وقال أبو الحسن ابن اليسع
( راموا ملامي وكان إغرا ... وذم حبي وكان إطرا )
( لو علم العاذلون مابي ... لانقلبت فيه لامهم را )
وقال
( لما قدمت وعندي ... شطر من الشوق وافي )
( قدمت قلبي قبلي ... فصنه حتى أوافي )
578 - ولما خاطب المستنصر ملك إفريقية ابن سيد الناس بقوله
( ماحال عينيك ياعين الزمان فقد ... أورثتني حزنا من أجل عينيكا )
( وليس لي حيلة غير الدعاء فيا ... رب براوي الصحيحين حنانيكا )
أجابه الحافظ أبو المطرف ابن عميرة المخزومي خدمة عن الحافظ أبي بكر ابن سيد الناس
( مولاي حالهما والله صالحة ... لما سألت فأعلى الله حاليكا )
( ماكان من سفر اوكان من حضر ... حتى تكون الثريا دون نعليكا )
579 - وقال الأديب أبوالعباس الرصافي وهو من أصحاب أبي حيان
( هذا هلال الحسن أطلع بيننا ... وجميعنا بحلى محاسنه شغف )

( لما رأى صل العذار بخده ... ماء النعيم أتى اليه ليرتشف )
( فكأن ذاك الخد أنكر أمره ... فاحمر من حنق عليه وقال قف )
وقال
( وعشية نعمت بها أرواحنا ... والخمر قد أخذت هنالك حقها )
( وكأنما إبريقنا لما جثا ... ألقى حديثا للكؤوس وقهقها )
580 - وقال الإمام الحافظ أبوالربيع ابن سالم
( كأنما ابريقنا عاشق ... كل عن الخطو فما أعمله )
( غازل من كأسي حبيبا له ... فكلما قبله أخجله )
581 - وقال أبو القاسم ابن الأبرش
( رأيت ثلاثة تحكي ثلاثا ... إذا ماكنت في التشبيه تنصف )
( فتنجو النيل منفعة وحسنا ... وشنترين مصر وأنت يوسف )
وقال في غريق وقيل إنه مما تمثل به
( الحمد لله على كل حال ... قد أطفأ الماء سراج الجمال )
( أطفأه ماكان محيا له ... قد يطفىء الزيت ضياء الذبال )
وهو القائل أيضا
( لو لم يكن لي آباء أسود بهم ... ولم يؤسس رجال الغرب لي شرفا )
( ولم أنل عند ملك العصر منزلة ... لكان في سيبويه الفخر لي وكفى )
( فكيف علم ومجد قد جمعتهما ... وكل مختلق في مثل ذا وقفا )

582 - وقال أبو الحسن ابن حريق
( أصبحت تدمير مصرا كاسمها ... وأبويوسف فيها يوسفا )
583 - وقال أبو القاسم ابن العطار الاشبيلي في بعض الهوزنيين وقد غرق في نهر طلبيرة عند فتحها
( ولما رأوا أن لا مقر لسيفه ... سوى هامهم لاذوا بأجرأ منهم )
( فكان من النهر المعين معينهم ... ومن ثلم السد الحسام المثلم )
( فيا عجبا للبحر غالته نطفة ... وللأسد الضرغام أرداه أرقم )
584

- نقول من التكملة
1 - وقال أبو العباس اللص
( وقائلة والضنى شاملي ... علام سهرت ولم ترقد )
( وقد ذاب جسمك فوق الفراش ... حتى خفيت على العود )
( فقلت وكيف أرى نائما ... ورائي المنية بالمرصد )
ولما قرىء عليه ديوان أبي تمام ومر فيه وصف سيف قال أنا أشعر منه حيث اقول
( تراه في غداة الغيم شمسا ... وفي الظلماء نجما أو ذبالا )
( يروعهم معاينة ووهما ... ولو ناموا لروعهم خيالا )
2 - وقال أبو إسحاق الإلبيري

( تمر لداتي واحدا بعد واحد ... وأعلم اني بعدهم غير خالد )
( وأحمل موتاهم وأشهد دفنهم ... كأني بعيد عنهم غير شاهد )
( فها انا في علمي لهم وجهالتي ... كمستيقظ يرنو بمقلة راقد )
قيل ولو قال في البيت الثاني
( كأني عنهم غائب غير شاهد ) لكان أحسن وأبدع وأبرع في الصناعة الشعرية قاله ابن الأبار رحمه الله تعالى
3 - وقال الوزير ابو الوليد ابن مسلمة
( إذا خانك الرزق في بلدة ... ووافاك من همها ما كثر )
( فمفتاح رزقك في بلدة ... سواها فردها تنل مايسر )
( كذا المبهمات بوسط الكتاب ... مفتاحها أبدا في الطرر )
4 - وقال ابو الطاهر إسماعيل الخشني الجياني المعروف بابن أبي ركب وقيل أن اخاه الأستاذ أبا بكر هو المعروف بذلك
( يقول الناس في مثل ... تذكر غائبا تره )
( فمالي لا أرى سكني ... ولا أنسى تذكره )
5 - وأنشد ابو المعالي الإشبيلي الواعظ بمسجد رحبة القاضي من بلنسية أبياتا منها

( أنا في الغربة ابكي ... مابكت عين غريب )
( لم أكن يوم خروجي ... من بلادي بمصيب )
( عجبا لي ولتركي ... وطنا فيه حبيبي )
6 - وقال أبو القاسم ابن الأنقر السرقسطي
( احفظ لسانك والجوارح كلها ... فلكل جارحة عليك لسان )
( واخزن لسانك ما استطعت فإنه ... ليث هصور والكلام سنان )
7 - وقال أبو القاسم خلف بن يحيى بن خطاب الزاهد مما نسبه لأبي وهب الزاهد
( قد تخيرت ان أكون مخفا ... ليس لي من مطيهم غير رجلي )
( فإذا كنت بين ركب فقالوا ... قدموا للرحيل قدمت نعلي )
( حيثما كنت لا أخلف رحلا ... من رآني فقد رآني ورحلي )
8 - وقال أبو عبدالله ابن محمد بن فتح الأنصاري الثغري
( كم من قوي قوي في تقلبه ... مهذب الرأي عنه الرزق ينحرف )
( ومن ضعيف ضعيف الرأي مختبل ... كأنه من خليج البحر يغترف )
9 - وقال أبو القاسم محمد بن نصير الكاتب
( مضت اعمارنا ومضت سنونا ... فلم تظفر بذي ثقة يدان )
( وجربنا الزمان فلم يفدنا ... سوى التخويف من أهل الزمان )

10 - وحكي عن الفقيه الأديب النحوي ابي عبدالله محمد بن ميمون الحسيني قال كانت لي في صبوتي جارية وكنت مغرى بها وكان أبي رحمه الله يعذلني ويعرض لي ببيعها لأنها كانت تشغلني عن الطلب والبحث عليه فكان عذله يزيدني إغراء بها فرأيت ليلة في المنام كأن رجلا يأتيني في زي أهل المشرق كل ثيابه بيض وكان يلقى في نفسي أنه الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما وكان ينشدني
( تصبو الى مي ومي لا تني ... تزهو ببلواك التي لا تنقضي )
( وفخارك القوم الألى ما منهم ... إلا إمام أو وصي أو نبي )
( فاثن عنانك للهدى عن ذي الهوى ... وخف الإله عليك ويحك وارعوي )
قال فانتبهت فزعا مفكرا فيما رأيته فسألت الجارية هل كان لها اسم قبل أن تتسمى بالاسم الذي أعرفه فقالت لا ثم عاودتها حتى ذكرت أنها كانت تسمى مية فبعتها حينئذ وعلمت أنه وعظ وعظني الله به عز و جل وبشرى
11 - وقال ابن الحداد أول قصيدته حديقة الحقيقة
( ذهب الناس فانفرادي أنيسي ... وكتابي محدثي وجليسي )
( صاحب قد أمنت منه ملالا ... واختلالا وكل خلق بئيس )
( ليس في نوعه بحي ولكن ... يلتقي الحي منه بالمرموس )
12 - وقال بعض اهل الجزيرة الخضراء

( ألحاظكم تجرحنا في الحشا ... ولحظنا يجرحكم في الخدود )
( جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا ... فما الذى أوجب جرح الصدود )
وقال ابن النعمة إنهما لابن شرف وقد ذكرناهما مع جوابهما في غير هذا الموضع
13 - وقال المعتمد بن عباد
( اقنع بحظك في دنياك ما كان ... وعز نفسك إن فارقت أوطانا )
( في الله من كل مفقود مضى عوض ... فأشعر القلب سلوانا وإيمانا )
( أكلما سنحت ذكرى طربت لها ... مجت دموعك في خديك طوفانا )
( أما سمعت بسلطان شبيهك قد ... بزته سود خطوب الدهر سلطانا )
( وطن على الكره وارقب إثره فرجا ... واستغفر الله تغنم منه غفرانا )
14 - وقال أبو عامر البرياني في الصنم الذي بشاطبة
( بقية من بقايا الروم معجبة ... أبدى البناة بها من علمهم حكما )
( لم أدر ما أضمروا فيه سوى أمم ... تتابعت بعد سموه لنا صنما )
( كالمبرد الفرد ما أخطأ مشبهه ... حقا لقد برد الأيام والأمما )
( كأنه واعظ طال الوقوف به ... مما يحدث عن عاد وعن إرما )
( فانظر الى حجر صلد يكلمنا ... أسمى وأوعظ من قس لمن فهما )
قيل لو قال مكان حكما علما لأحسن
15 - وقال السميسر

( إذا شئت إبقاء أحوالكا ... فلا تجر جاها على بالكا )
( وكن كالطريق لمجتازها ... يمر وانت على حالكا )
وقال
( هن إذا ما نلت حظا ... فأخو العقل يهون )
( فمتى حطك دهر ... فكما كنت تكون )
16 - وقال أبو الربيع ابن سالم الكلاعي أنشدني أبو محمد الشلبي أنشدني أبو بكر ابن منخل لنفسه
( مضت لي ست بعد سبعين حجة ... ولي حركات بعدها وسكون )
( فيا ليت شعري أين او كيف أو متى ... يكون الذي لابد أن سيكون )
17 - وقال أبو محمد عبدالحق الإشبيلي
( لا يخدعنك عن دين الهدى نفر ... لم يرزقوا في التماس الحق تأييدا )
( عمي القلوب عروا عن كل فائدة ... لأنهم كفروا بالله تقليدا )
18 - وقال أبو محمد ابن صارة
( بنو الدنيا بجهل عظموها ... فعزت عندهم وهي الحقيره )
( يهارش بعضهم بعضا عليها ... مهارشة الكلاب على العقيره )
وقال
( اسعد بمالك في الحياة ولا تكن ... تبقي عليه حذار فقر حادث

( فالبخل بين الحادثين وإنما ... مال البخيل لحادث أو وارث )
19 - ودخل أبو محمد الطائي القرطبي على القاضي أبي الوليد ابن رشد فأنشده ارتجالا
( قام لي السيد الهمام ... قاضي قضاة الورى الإمام )
( فقلت قم بي ولا تقم لي ... فقلما يؤكل القيام )
20 - وقال الحافظ أبو محمد ابن حزم
( لا تلمني لأن سبقت لحظ ... فات إدراكه ذوي الألباب )
( يسبق الكلب وثبة الليث في العدو ... ويعلو النخال فوق اللباب )
21 - وقال أبو عبدالله الجبلي الطبيب القرطبي
( اشدد يديك على كلب ظفرت به ... ولا تدعه فإن الناس قد ماتوا )
قلت تذكرت بهذا قول الآخر
( اشدد يديك بكلب إن ظفرت به ... فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا )
22 - وقال محمد بن عبدالله الحضرمي مولى بني امية
( عاشر الناس بالجميل ... وسدد وقارب )
( واحترس من أذى الكرام ... وجد بالمواهب )
( لا يسود الجميع من ... لم يقم بالنوائب )
( ويحوط الأذى ويراعي ... ذمام الأقارب )

( لا تواصل إلا الشريف ... الكريم المناصب )
( من له خير شاهد ... وله خير غائب )
( واجتنب وصل كل وغد ... دنيء المكاسب )

ابن الأبار
585 - وقال الكاتب الحافظ أبو عبدالله ابن الأبار
( لله نهر كالحباب ... ترقيشه سامي الحباب )
( يصف السماء صفاؤه ... فحصاه ليس بذي احتجاب )
( وكأنما هو رقة ... من خالص الذهب المذاب )
( غارت على شطيه أبكار ... المنى عصر الشباب )
( والظل يبدو فوقه ... كالخال في خد الكعاب )
( لابل أدار عليه خوف ... الشمس منه كالنقاب )
( مثل المجرة جر فيها ... جون السحاب )
وقال
( شتى محاسنه فمن زهر على ... نهر تسلسل كالحباب تسلسلا )
( غربت به شمس الظهيرة لاتني ... إحراق صفحته لهيبا مشعلا )
( حتى كساه الدوح من أفنانه ... بردا بمزن في الأصيل مسلسلا )
( وكأنما لمع الظلال بمتنه ... قطع الدماء جمدن حين تحللا )
وقال يمدح المستنصر صاحب إفريقية
( إن البشائر كلها جمعت ... للدين والدنيا وللأمم )

( في نعمتين جسيمتين هما ... برء الإمام وبيعة الحرم )
قال ابن الأبار وأخبرني بعض أصحابنا يعني أبا عمرو ابن عبد الغني أنه أنشدهما الخليفة فسبقه إلى عجز البيت الثاني فقلت له على البديهة
( فخر لشعري على الأشعار يحفظه ... خليفة الله كان الله حافظه )
وأشار بقوله وبيعة الحرم الى ما ذكره ابن خلدون وغير واحد من المؤرخين ان أهل مكة خطبوا للمستنصر صاحب تونس بعرفة وكتبوا له بيعة من إنشاء ابن سبعين المتصوف وقد ذكر ابن خلدون نص البيعة في ترجمة المستنصر فليراجعها من أرادها
وقال ابن الأبار
( ألا اسمع في الأمير مقال صدق ... وخذه عن امرىء خدم الأميرا )
( متى يكتب ترد وشلا أجاجا ... وإن يركب ترد عذبا نميرا )
وقال مجيبا للتجاني
( أيها الصاحب الصفي مباح ... لك عني فيما نصصت الرواية )
( إن عناني إسعاف قصدك فيها ... فلكم لم تزل بها ذا عنايه )
( ولها شرطها فحافظ عليه ... ثم كافىء وصيتي بالكفايه )
( وتحام الإخلال جهدك لاقيت ... من الله عصمة وحمايه )
ونص استدعاء التجاني
( إن رأى سيدي الذي حاز في العلم ... مع الحلم والعلا كل غايه )
( وحوى المجد عن جدود كرام ... كلهم في السماح والفضل آيه )
( أن أرى عنه بالإجازة أروى ... كل مافيه لي تصح الروايه

( من حديث وكل نظم ونثر ... وفنون له بهن دراية )
( فله في ذاك الثواب من الله ... ومنا الثناء دون نهايه )
( دام في رفعة وعز وسعد ... وأمان ومكنة وحمايه )
( ماتولى جيش الظلام هزيما ... وعلت للصباح في الأفق رايه )
ولابن الأبار ترجمة واسعة ذكرتها في أزهار الرياض في أخبار عياض وما يناسبها مما يحصل به للنفس ارتياح وللعقل ارتياض ) فلتراجع فيه
586 - وأما التجاني أبو عبدالله هذا المذكور فقد وصفه قريبه أبو الفضل محمد حفيد عمه في كتابه الحلى التيجانية والحلل التجانية قال ابن رشيد وجمعه باسمنا حفظه الله تعالى وشكره وقال في موضع آخر إنه باسمه واسم صاحبه الوزير ابن الحكيم رحمهما الله تعالى انتهى
587 - وقال ابن مفوز أبو الحسين
( إذا عرتك عيلة ... يعجز عنها ماتجد )
( فلتقصد فإنه ... ما عال قط مقتصد )
وقال
( حاز دنياه كلها ... محرزا اكبر المنن )
( من حوى قوت يومه ... آمنا سالم البدن ) وقال
( أعن أخاك في الذي ... يأمله ويرتجيه )
( فالله في عون الفتى ... ما كان في عون أخيه )
وقال
( أنفس ما أودعته ... قلبك ذكرى موقظه )

( وخير ما أتلفته ... مال أفاد موعظه )
588 - وقال أبو البركات القميحي أنشدنا أبو العباس ابن مكنون وقد رأى اهتزاز الثمار وتمايلها مرتجلا
( حارت عقول الناس في إبداعها ... ألسكرها أم شكرها تتأود )
( فيقول أرباب البطالة تنثني ... ويقول أرباب الحقيقة تسجد )
قال الشيخ أبو البركات القميحي قلت لابن مكنون ما الذي يدل على أنهما في وصف الثمار فقال وطىء أنت لهما فقلت
( يامن أتى متنزها في روضة ... أزهارها من حسنها تتوقد )
( انظر إلي الأشجار في دوحاتها ... والريح تنسف والطيور تغرد )
( فترى الغصون تمايلت أطرافها ... وترى الطيور على الغصون تعربد )
قال ابن رشيد غلط المذكور في نسبته البيتين لابن مكنون وإنما هما لأبي زيد الفازازي من قصيدة أولها
( نعم الإله بشكره تتقيد ... فالله يشكر في النوال ويحمد )
( مدت إليه أكفنا محتاجة ... فأنالها من جوده ماتعهد )
والبيتان في أثنائها غير أن اولهما في ديوانه هكذا
( تاهت عقول الناس في حركاتها )
انتهى
ورأيت في روضة التعريف للسان الدين بعدهما بيتا ثالثا وهو
( وإذا أردت الجمع بينهما فقل ... في شكر خالقها تقوم وتقعد )

589 - وحكي أن حافظ الأندلس إمام الأدباء رئيس المؤلفين حسنة الزمان نادرة الإحسان أبا محمد عبدالله بن ابراهيم الصنهاجي الحجاري صاحب كتاب المسهب كان سبب اتصاله بعبد الملك بن سعيد جد علي بن موسى صاحب المغرب أنه وفد عليه في قلعته فلما وقف على بابه وهو بزي بداوة ازدراه البوابون فقال لهم استأذنوا لي على القائد فضحكوا به وقالوا له ماكان وجد القائد من يدخل عليه في هذه الساعة إلا أنت فمد يده الى دواة في حزامه وسحاءة وكتب بها بباب القائد الأعلى لازال آهلا بأهل الفضيلة رجل وفد عليه من شلب يقصيدة مطلعها
( عليك احالني الذكر الجميل )
فإن رأى سيدي أن يحجب من بلده شلب ومن قصيده هذا فهو أعلم بما يأتي ويذر ولا عتب على القدر ورغب إلى أحد غلمانه فاوصل الورقة فلما وقف عليها القائد قال من شلب وهذا مطلع قصيدته مالهذا إلا شأن ولعله الوزير ابن عمار وقد نشر إلى الدنيا عجلوا بالإذن له فأذنوا له ودخل وبقي واقفا لم يسلم ولا كلم أحدا فاستثقله الحاضرون واستبردوا مقصده ونسبوه للجهل وسوء الأدب فقال له أحدهم مالك لا تسلم على القائد وتدخل مداخل الأدباء والشعراء فقال حتى أخجل جميعكم قدر ما أخجلتموني على الباب مع أقوام أنذال وأعلم أيضا من هو الكثير الفضول من أصحاب القائد أعزه الله تعالى فاكون أتقيه إن قدر لي خدمته فقال له عبدالملك اتأخذنا بما فعل السفهاء منا قال لا والله بل أغفر لك ذنوب الدهر أجمع وإنما هي أسباب نقصدها لنحاور بها مثلك أعزك الله تعالى ويتمكن التأنيس وينحل قيد الهيبة ثم أنشد من رأسه ولا ورقة في يده

( عليك احالني الذكر الجميل ... فصح العزم واقتضي الرحيل )
( وودعت الحبيب بغير صبر ... ولم أسمع لما قال العذول )
( وأسبلت الظلام علي سترا ... ونجم الأفق ناظره كليل )
( ولم أشك الهجير وقد دعاني ... الى أرجائك الظل الظليل )
وهي طويلة فأكرمه وقربه رحم الله تعالى الجميع
590 - وأهديت للمعتمد بن عباد شمعة فقال في وصفها ابو القاسم ابن مرزقان الإشبيلي وهو ممن قتل في فتنة المعتمد
( مدينة في شمعة صورت ... قامت حماة فوق أسوارها )
( وما رأينا قبلها روضة ... تتقد النار بنوارها )
تصير الليل نهارا إذا ... ما أقبلت ترفل في نارها )
( كأنها بعض الأيادي التي ... تحت الدجى تسري بأنوارها )
( من ملك معتمد ماجد ... بلاده أوطان زوارها )
591 - وقال أبو الأصبغ ابن رشيد الإشبيلي لما هطت بإشبيلية سحابة بقطر أحمر يوم السبت الثالث عشر من صفر عام أربعة وستين وخمسمائة
( لقد آن للناس أن يقلعوا ... ويمشوا على السنن والأقوم )
( متى عهد الغيث ياغافلا ... كلون العقيق او العندم )
( أظن الغمائم في جوها ... بكت رحمة للورى بالدم )
وفيها أيضا
( لا تكن دائم الكآبة مما ... قد غدا في الثرى نميرا نجيعا )

( لطم البرق صفحة المزن حتى ... سال منه على الرياض نجيعا )
وله في دولاب
( ومنجنون إذا دارت سمعت لها ... صوتا اجش وظل الماء ينهمل )
( كا أقداسها ركب إذا سمعوا ... منها حداء بكوا للبين وارتحلوا )
وله فيمن اسمه مالك
( غزالي الجفون شقيق بدر ... تبسم عن عقيق فوق در )
( له نفحات مسك أي مسك ... له نفثات سحر أي سحر )
( شكوت له الهوى والهجر منه ... فقال عليك باسمي سوف تدري )
( تعلمت القساوة من سميي ... وأحرقت القلوب بنار هجري )
592 - وقال أبو بكر ابن حجاج الغافقي في موسى وسيم إشبيلية الذي كان شعراؤها يتغزلون فيه
( من مبلغ موسى المليح رسالة ... بعثت له من كافري عشاقه )
( ماكان خلق راغبا عن دينه ... لو لم تكن توراته من ساقه )
وقال
( إن الزويلي فتى شاعر ... قد أعجب العالم من نظمه )
( وأنت ياموسى قد اخترته ... واختار موسى قبل من قومه )
وقال
( على معاذ قرون لو يعاينها ... فرعون ماقال أوقد لي على الطين )

( قالت له عرسه إذ جاء ينكحها ... ماذا دهيت به من كل عنين )
( هلا استعنت بميمون فقال لها )
( إني استعنت على نفسي بميمون )
593 - وقال أبو وهب ابن عبدالرؤوف النحوي وكان له حظ في قرض الشعر وكان سناطا
( ليس لمن ليست له لحية ... بأس إذا حصلته ليسا )
( وصاحب اللحية مستقبح ... يشبه في طلعته التيسا )
( إن هبت الريح تلاهت به ... وماست الريح به ميسا )
594 - وقال أبو عبدالله محمد بن يحيى القلفاط
( ياغزالا عن لي فابتز ... قلبي ثم ولى )
( انت مني بفؤادي ... يامنى نفسي أولى )
595 - وقال أحمد بن المبارك الحبيبي في الناصر قبل أن يلي عهد جده
( ياعابد الرحمن فقت الورى ... بهذه العليا وهذا الكرم )
( ماجعل الله الندى في امرىء ... إلا وقد جنبه كل ذم )
596 - واستدعى الوزير عبيدالله بن إدريس ابا بكر احمد بن عثمان المرواني ونادمه ليلة فلما قرب الصباح قال له أين مايحدث عنك من حسن الشعر فهذا موضعه فقال الدواة والقرطاس فأمر له بإحضارهما فجعل يفكر ويكتب إلى ان أنشده هذه الأبيات
( بتنا ندامى صفاء يستحث لنا ... في جامد الفضة التبر الذي سبكا )

( كل مصيخ إلى ماقال صاحبه ... ولا يبالي أصدقا قال أم أفكا )
( موقرون خفاف عند شربهم ... ولا يخافون فيما احدثوا دركا )
( لا تعدمن إذا أبصرتهم فرحا ... اما ترى الصبح من بشر بهم ضحكا )
597 - وقال أبو محمد عبدالله المرواني في الخيري
( عجبت من الخيري يكتم عرفه ... نهارا ويسري بالظلام فيعرب )
( فتجني عروس الطيب منه يد الدجى الدى ... ويبدو له وجه الصباح فيحجب )
598 - وقال إبراهيم بن إدريس العلوي
( للبين في تعذيب نفسي مذهب ... ولنائبات الدهر عندي مطلب )
( أما ديون الحادثات فإنها ... تأتيي لوقت صادق لا يكذب )
599 - وخرج الأديب النحوي هذيل الإشبيلي يوما من مجلسه فنظر إلى سائل عاري الجسم وهو يرعد ويصيح الجوع والبرد فأخذ بيده ونقله الى موضع بلغته الشمس وقال له صح الجوع فقد كفاك الله مؤونة البرد
600 - ومر المعتمد بن عباد ليلة مع وزيره ابن عمار بباب شيخ كثير التهكم والتنذير يمزج ذلك بانحراف يضحك الثكلى فقال لابن عمار تعال نضرب على هذا الشيخ الساقط بابه حتى نضحك منه فضربا عليه الباب فقال من هذا فقال ابن عباد إنسان يرغب أن تقد له هذه الفتيلة فقال والله لو ضرب ابن عباد بابي في هذا الوقت ما فتحته له فقال فإني ابن عباد فقال مصفوع ألف صفعة فضحك ابن عباد حتى سقط الى الأرض وقال لوزيره امض بنا قبل ان يتعدى الصفع من القول إلى الفعل فهذا شيخ ركيك ولما كان من غد تلك الليلة وجه له ألف درهم وقال

لموصلها قل له هذه حق الألف صفعة التى كانت البارحة
601 - وكان في زمان المعتمد السارق المشهور بالبازي الأشهب وكان له في السرقة كل غريبة وكان مسلطا على اهل البادية وبلغ من سرقته أنه سرق وهو مصلوب لأن ابن عباد أمر بصلبه على ممر أهل البادية لينظروا إليه فبينما هو على خشبته على تلك الحال إذ جاءت إليه زوجته وبناته وجعلن يبكين حوله ويقلن لمن تتركنا نضيع بعدك وإذا ببدوي على بغل وتحته حمل ثياب وأسباب فصاح عليه يا سيدي انظر في أي حالة أنا ولي عندك حاجة فيها فائدة لي ولك قال وماهي قال انظر الى تلك البئر لما أرهقني الشرط رميت فيها مائة دينار فعسى تحتال في اخراجها وهذه زوجتي وبناتي يمسكن بغلك طلال ماتخرجها فعمد البدوي الى حبل ودلى نفسه في البئر بعدما اتفق معه على أن يأخذ النصف منها فلما حصل أسفل البئر قطعت زوجة السارق الحبل وبقي حائرا يصيح وأخذت ماكان على البغل مع بناتها وفرت به وكان ذلك في شدة حر وما سبب الله شخصا يغيثه إلا وقد غبن عن العين وخلصن فتحيل ذلك الشخص مع غيره على إخراجه وسألوه عن حاله فقال هذا الفاعل الصانع احتال علي حتى مضت زوجته وبناته بثيابي وأسبابي ورفعت هذه القصة الى ابن عباد فتعجب منها وأمر بإحضار البازي الأشهب وقال له كيف فعلت هذا مع أنك في قبضة الهلكة فقال له ياسيدي لو علمت قدر لذتي في السرقة خليت ملكك واشتغلت بها فلعنه وضحك منه ثم قال له إن سرحتك وأحسنت إليك وأجريت عليك رزقا يقلك أتتوب من هذه الصنعة الذميمة فقال يامولاي كيف لا أقبل التوبة وهي تخلصني من القتل فعاهده وقدمه على رجال انجاد

وصار من جملة حراس احواز المدينة
602 - ويحكى ان منصور بني عبدالمؤمن لما أراد بناء صومعة إشبيلية العظيمة القدر أحضر لها العرفاء والصناع من مظانهم فعرف بشيخ مغفل صحيح المذهب عارف بالبناء الذي يجهله كثير من الصناع فأحضر فقال له المنصور كم تقدر أن ينفق على هذه الصومعة فضحك وقال ياسيدي البنيان إنما هو مثل ذكر ليس يقدر حتى يقوم فكاد المنصور يفتضح من الضحك وصرف وجهه عنه وبقيت حكايته يضحك عليها زمانا
603 - وكان أحمد المقريني المعروف بالكساد شاعرا وشاحا زجالا إشبيليا وقال في موسى الذي تغزل فيه ابن سهل
( مالموسى قد خر لله لما ... فاض نور غشاه ضوء سناه )
( وأنا قد صعقت من نور موسى ... لا أطيق الوقوف حين أراه )
وقال في رثائه
( فر الى الجنة حوريها ... وارتفع الحسن من الأرض )
( وأصبح العشاق في مأتم ... بعضهم يبكي على بعض )
وقال فيه
( هتف الناعي بشجو الأبد ... إذ نعى موسى بن عبدالصمد )
( ماعليهم ويحهم لو دفنوا ... في فؤادي قطعة من كبدي )

ولابن سهل الإسرائيلي في موسى هذا ماهو مثبت في ديوانه
604 - وكان محمد بن أحمد بن أبي بكر القرموطي المرسي من أعرف اهل الأندلس بالعلوم القديمة المنطق والهندسة والعدد والموسيقى والطب فيلسوفا طبيبا ماهرا آية الله في المعرفة بالأندلس يقرىء الأمم بألسنتهم فنونهم التي يرغبون فيها وفي تعلمها ولما تغلب طاغية الروم على مرسية عرف له حقه فبنى له مدرسة يقرىء فيها المسلمين والنصارى واليهود وقال له يوما وقد أدنى منزلته لو تنصرت وحصلت الكمال كان لك عندي كذا وكنت كذا فاجابه بما أقنعه ولما خرج من عنده قال لأصحابه انا عمري كله أعبد إلها واحدا وقد عجزت عما يجب له فكيف حالي لو كنت أعبد ثلاثة كما طلب الملك مني انتهى
605 - وقال أبو عبدالله محمد بن سالم القيسي الغرناطي يخاطب السلطان على ألسنة أصحابه الأطباء الذين ببابه موريا بأسمائهم
( قد جمعنا ببابكم سطر علم ... لبلوغ المنى ونيل الإراده )
( ومن أسمائنا لكم حسن فال ... سالم ثم غالب وسعاده )
606 - وقال أبو عبدالله ابن عمر الإشبيلي الخطيب
( وكل إلى طبعه عائد ... وإن صده المنع عن قصده )
( كذا الماء من بعد إسخانه ... يعود سريعا إلى برده )
607 - وقال الكاتب أبو زيد عبدالرحمن العثماني لما تغير حاله بإشبيلية

( لا تسلني عن حالتي فهي هذي ... مثل حالي لا كنت يا من يراني )
( ملني الأهل والأخلاء لما ... أن جفاني بعد الوصال زماني )
( فاعتبر بي ولا يغرك دهر ... ليس منه ذو غبطة في امان )
608 - ودخل الأديب النحوي أبو عمران موسى الطرياني إلى بعض الأكابر يوم نيروز وعادتهم ان يصنعوا في مثل هذا اليوم مدائن من العجين لها صور مستحسنة فنظر الى مدينة أعجبته فقال له صاحب المجلس صفها وخذها فقال
( مدينة مسورة ... تحار فيها السحره )
( لم تبنها إلا يدا ... عذراء أو مخدره )
( بدت عروسا تجتلى ... من درمك مزعفرة )
( ومالها مفاتح ... إلا البنان العشرة )
ورفع إلى القائد أبي السرور صاحب ديوان سبتة قصيدة يعرض له فيها بزاد وقد عزم على سفر فأنعم عليه بذلك ثم أتبعه بتحف مما يكون في الديوان مما يجلبه الإفرنج إلى سبتة ولم يكن التمس منه ذلك ولا خطر بخاطره فكتب إليه
( أيا سابقا بالذي لم يجل ... بفكري ولم يبد لي في خطاب )
( وياغائصا في بحار الندى ... ويا فاتحا للعلا كل باب )
( كذا فلتكن نعم الأكرمين ... تفاجي بنيل المنى والطلاب )
( ولم أر أعظم من نعمة ... أتتني ولم تك لي في حساب )
( سأشكرها شكر عهد الرضى ... وأذكرها ذكر غض الشباب )

609 - وكتب مجاهد صاحب دانية إلى المنصور بن أبي عامر الأصغر ملك بلنسية رقعة ولم يضمنها غير بيت الحطيئة
( دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك انت الطاعم الكاسي )
فأخرجت المنصور وأقامته وأقعدته فأحضر وزيره أبا عامر ابن التاكرني فكتب عنه
( شتمت مواليها عبيد نزار ... شيم العبيد شتيمة الأحرار )
فسلا المنصور عما كان فيه
ومن شعر المذكور في المنصور
( انهض على اسمك انه منصور ... وارم العدو فإنه مقهور )
( ولو اغتنيت عن النهوض كفيتهم ... فبذكر بأسك كلهم مذعور )
( ولتبلغن مدى مرادك فيهم ... ويكون يوم في العدا مشهور )
وقال له المنصور يوما والله لقد سئمت من هؤلاء الجند ووددت الراحة منهم فقال له يصبر مولاي فلا بد من السآمة فهي على حالتين إما ممن يكون امرك إليه أو يكون أمره إليك والحمد لله الذي رفعه عن الحالة الأولى
610 - وقال بعض الهجائين في رندة
( قبحا لرندة مثلما ... قبحت مطالعة الذنوب )

( بلد عليه وحشة ... ما إن يفارقه القطوب )
( ماحلها أحد فينوي ... بعد بين أن يؤوب )
( لم آتها عند الضحى ... إلا وخيل لي غروب )
( أفق أغم وساحة ... تملا القلوب من الكروب )
611 - وقال حبلاص الشاعر الرندي
( لا تفرحن بولاية سوغتها ... فالثور يعلف أشهرا كي يذبحا )
وله في بعض رؤساء الملثمين من قصيدة
( ولو لم تكن كالبدر نورا ورفعة ... لما كنت غرا بالسحاب ملثما )
( وماذاك إلا للنوال علامة ... كذا القطر مهما لثم الأفق انهمى )
فاهتز الملثم وأعجبه وامر له بكسوة وذهب
612 - ولما ذكر أبو بكر ابن عمر الأندي في مجلس بعض الرؤساء بحضرة أبي الحسن علي بن سعيد وأطنب في الثناء عليه وعمر المجلس بشكره واخبر بذلك أطرق ساعة ثم قال
( لا تذكرن ماغاب عني من ثنا ... أطنبت فيه فليس ذلك يجهل )
( فمتى حضرت بمجلس وجرى به ... خبري فإن الذكر فيه يجمل )
613 - ولما نفى بنو ذي النون أرقم من نسبهم لأنه كان ابن أمة مهينة واقعها أبو الظافر في حال سكره ولم يكن فيهم من ينظم ويتولع بالأدب غيره

وولي ابنه يحيى وكان أحسد من طلعت عليه الشمس فمال على أرقم بالأذبة ففر عن مملكته وقال مرتجلا
( لئن طبتم نفسا بتركي دياركم ... فنفسي عنكم بالتفرق أطيب )
( إذا لم يكن لي جانب في دياركم ... فما العذر لي أن لا يكون تجنب )
( زعمتم بأني لست فرعا لأصلكم ... فهلا علمتم أنني عنه أرغب )
( وحسبي إذا ما البيض لم ترع نسبة ... بأني الى سيفي ورمحي أنسب )
( وإن مدت الأيام عمري للعلا ... يشرق ذكري في الورى ويغرب )
614 - وكتب الوزير الكاتب ابو محمد ابن سفيان الى أبي أمية ابن عصام قاضي قضاة شرق الأندلس عين زمانه فوقعت نقطة على العين فتوهمها وظن انه أبهمها واعتقدها وعددها وانتقدها فقال
( لا تلزمني ما جنته يراعة ... طمست بريقتها عيون ثناء )
( حقدت علي لزامها فتحولت ... أفعى تمج سمامها بسحاء )
( غدر الزمان وأهله عرف ولم ... أسمع بغدر يراعة وإباء )
615 - وشرب المامون بن ذي النون مع أبي بكر محمد بن أرفع رأسه الطليطلي وحفل من رؤساء ندمائه كابن لبون وابن سفيان وابن الفرج وابن مثنى فجرت مذاكرة في ملوك الطوائف في ذلك العصر فقال كل واحد ما عنده بحسب غرضه فقال ابن أرفع رأسه ارتجالا
( دعوا الملوك وأبناء الملوك فمن ... أضحى على البحر لم يشتق الى نهر )
( مافي البسيطة كالمأمون ذو كرم ... فانظر لتصديق ما أسمعت من خبر )

( ياواحدا ماعلى علياه مختلف ... مذ جاد كفك لم نحتج الى المطر )
( وقد طلعت لنا شمسا فما نظرت ... عين الى كوكب يهدي ولا قمر )
( وقد بدوت لنا وسطى ملوكهم ... فلم نعرج على شذر ولا درر )
فداخل ابن ذي النون من الارتياح ماليس عليه مزيد وأمر له بإحسان جزيل عتيد
616 - وقال أبو أحمد عبد المؤمن الطليطلي
( رأيت حيائي قادحا في معيشتي ... ويصعب تركي للحياء ويقبح )
( وقد فسد الناس الذين عهدتهم ... وقد طال تأنيبي لمن ليس يصلح )
وله
( ولما غدوا بالغيد فوق جمالهم ... طفقت أنادي لا أطيق بهم همسا )
( عسى عيس من أهوى تجود بوقفة ... ولو كوقوف العين لاحظت الشمسا )
617 - وقال الزاهد ابو محمد عبدالله بن العسال
( أعندكم علم بأني متيم ... وإلا فما بال المدامع تسجم )
( ومابال عيني لا تغمض ساعة ... كأني في رعي الدراري منجم )
618 - وكان الوزير ابو جعفر الوقشي تياها معجبا بنفسه ومن شعره في غرضه الفاسد
( إذا لم أعظم قدر نفسي وإنني ... عليم بما حازته من عظم القدر )
( فغيري معذور إذا لم يبرني ... ولا يكبر الإنسان شيء سوى الكبر )

وله
( يرومون بي غير المكان الذي له ... خلقت وبعضي منكر ذاك من بعضي )
( فقولوا لبدر الأفق يترك سماءه ... ويحتل من أجل التواضع في الأرض )
وقال
( تكبر وإن كنت الصغير تظاهرا ... وباعد اخا صدق متى ما اشتهى القربا )
( وكن تابعا للهر في حفظ امره ... ألست تراه عندما يبصر الكلبا )
وقال له بعض ندماء ملكه يوما صاحب جيان ابن همشك يا أبا جعفر انت جملة محاسن وفيك الأدوات العلية التي هي أهل لكل فضيلة غير أنك قد قدحت في ذلك كله بكثرة عجبك وإذا مشيت على الأرض تشمئز منها فقال له كيف لا أشمئز من شيء أشترك معك في الوطء عليه فضحك جميع من حضر من جوابه وله جواب لمن اعتذر عن غيبته عنه
( لك الفضل في ان لا تلوح لناظري ... وتبعد عني ما بقيت مدى الدهر )
( فوجهك في لحظي كما صور الردى ... ولفظك في سمعي حديث عن الفقر )
( ومن حاز ماقد حزته من ركاكة ... وغاب فلا يحتج إلى كلفة العذر )
وله أيضا
( لك يومان لم تلح لعياني ... ولك الفضل في زيادة شهر )
( ولك الفضل في زيادة عام ... ولك الفضل في زيادة دهر )
( ولك الفضل أن تغيب عني ... ذلك الوجه ما تطاول عمري )

وله وقد شرب على صهريج فاختنق الأسد الذي يرمي بالماء فنفخ فيه رجل أبخر فجرى
( ليث بديع الشكل لا مثل له ... صيغ من الماء له سلسله )
( يقذف بالماء على حينه ... كانه عاف الذي قبله )
619 - وقال أبو الوليد هشام الوقشي
( برح بي ان علوم الورى ... اثنان ما إن فيهما من مزيد )
( حقيقة يعجز تحصيلها ... وباطل تحصيله لا يفيد )
وله
( وفاره يركبه فاره ... مر بنا في يده صعده )
( سنانها مشتمل لحظه ... وقدها منتحل قده )
( يزحف للنساك في جحفل ... من حسنه وهو يرى وحده )
( قلت لنفسي حين مدت لها الآمال ... والآمال ممتده )
( لا تطمعي فيه كما الشعر لا ... يطمع في تسويده خده )
وقال
( عجبا للمدام ماذا استعارت ... من سجايا معذبي وصفاته ) ( طيب أنفاسه وطعم ثناياه ... وسكر العقول من لحظاته )
( وسنا وجهه وتوريد خديه ... ولطف الديباج من بشراته )
( والتداوي منها بها كالتداوي ... برضى من هويت من سطواته )

( وهي من بعد ذا علي حرام ... مثل تحريمه جنى رشفاته )
ومن تآليفه نكت الكامل للمبرد وقد مر ذكر هذا الرجل الفرد قبل هذا
وحضر يوما مجلس ابن ذي النون فقدم نوع من الحلوى يعرف بآذان القاضي فتهافت جماعة من خواصة عليها يقصدون التندير فيه وجعلوا يكثرون من أكلها وكان فيما قدم من الفاكهة طبق فيه نوع يسمى عيون البقر فقال له المأمون ياقاضي أرى هؤلاء يأكلون أذنيك فقال وانا أيضا آكل عيونهم وكشف عن الطبق وجعل ياكل منه وكان هذا من الاتفاق الغريب
620 - وكان الفاضل أبو الحسين ابن الوزير أبي جعفر الوقشي آية الله في الظرف وكيف لا ووالده الوزير أبوجعفر وصهره أبوالحسين ابن جبير وشيخه في علم الموسيقى والتهذيب والظرف والتدريب أبو الحسن ابن الحسن ابن الحاسب شيخ هذه الطريقة وقد رزق أبو الحسين المذكور فيها ذوقا مع00000000 صوت بديع أشهى من الكأس للخليع قال أبو عمران ابن سعيد ما سمعته إلا تذكرت قول الرصافي
( ومطارح مما تجس بنانه ... لحنا أفاض عليه ماء وقاره )
( يثني الحمام فلا يروح لوكره ... طربا ورزق بنيه في منقاره )
وكنت أرتاح إلى لقائه ارتياح العليل إلى شفائه ولم أزل أقرع بابا فبابا وأخرق للاتصال حجابا فحجابا حتى هجمت مع شفيع لا يرد عليه وجلست بين يديه فحينئذ حرضه حسبه على الإكرام وتلقى بما أوسع من البشر والسلام وقال ليعلم سيدي أني كنت أود الناس في لقائه واحبهم في

إخائه والحمد لله الذي جعلني أنشد
( وليس الذي يتبع الوبل رائدا ... كمن جائه في داره رائد الوبل )
ثم قام الى خزانة فاخرج منها عود غناء يطرب دون أن تجس أوتاره وتلحن أشعاره واندفع يغني دون ان أسأله ذلك ولا أتجشم تكليفه الدخول في تلك المسالك
( ومازلت أرجو في الزمان لقاءكم ... فقد يسر الرحمن ماكنت أرتجي )
( فذكركم مازلت أتلوه دائبا ... إذا ذكروا مابين سلمى ومنعج )
فلما فرغ من استهلاله وعمله قبلت رأسه وقلت له لا أدري علام أشكرك قبل هل على تعجيلك بما لم تدعني أسألك في شأنه أم على ما تفردت بإحسانه فما هذا الصوت قال هذا نشيد خسرواني من تلحيني قال وأنشدني لنفسه
( حننت الى صوت النواعير سحرة ... فأضحى فؤادي لا يقر ولا يهدا )
( وفاضت دموعي مثل فيض دموعها ... أطارحها تلك الصبابة والوجدا )
( وزاد غرامي حين أكثر عاذلي ... فقلت له أقصر ولا تقدح الزندا )
( أهيم بهم في كل واد صبابة ... وأزداد مع طول البعاد لهم ودا )
وأنشدني لنفسه
( ولقد مررت على المنازل بعدهم ... أبكي وأسأل عنهم وأنوح )
( وأقول إن سألوا بحالي في النوى ... ماحال جسم فارقته الروح )
قال وكتب إلي
( ياحسرة ما قضت من لذة وطرا ... أين الزمان الذي يرجى به الخلف )

( أبكيك ملء جفوني ثم يرجعني ... إلى التصبر أني سوف انصرف )
قال أبو عمران وكنت في أيام الفتنة إذا ركنت إلى الامال هونت على نفسي ما ألقى من أهوالها بقولي مع خاطري قوله
( أين الزمان الذي يرجى به الخلف )
انتهى
621 - وكان أبو الحسين علي بن الحمارة ممن برع في الألحان وعلمها وهو من أهل غرناطة واشتهر عنه أنه كان يعمد إلى الشعراء فيقطع العود بيده ثم يصنع منه عودا للغناء وينظم الشعر ويلحنه ويغني به فيطرب سامعيه ومن شعره قوله
( إذا ظن وكرا مقلتي طائر الكرى ... رأى هدبها فارتاع خوف الحبائل )
وقال بعض العلماء في حقه إنه آخر فلاسفة الأندلس قال وأعجب ما وقع له في الشعر أنه دخل سلا وقد فرغ ابن عشرة من بناء قصره والشعراء تنشده في ذلك فارتجل ابن الحمارة هذين البيتين وانشدهما بعدهم
( ياواحد الناس قد شيدت واحدة ... فحل فيها محل الشمس في الحمل )
( فما كدارك في الدنيا لذي أمل ... ولا كدارك في الأخرى لذي عمل )
وسيأتي ذكر هذين البيتين
622 - وكان اهل الأندلس في غاية الاستحضار للمسائل العلمية على البديهة

قال ابن مسدي أملى علينا ابن المناصف النحوي بدانية على قول سيبويه هذا باب ما الكلم من العربية عشرين كراسا بسط القول فيها في مائة وثلاثين وجها انتهى
وهذا وأشباهه يكفيك في تبحر أهل الأندلس في العلم وربما سئل العالم منهم عن المسألة التي يحتاج في جوابها الى مطالعة ونظر فلم يحتج الى ذلك ويذكر من فكره ما لا يحتاج معه الى زيادة
623 - ومن الحكايات في مثل ذلك ان الأديب البليغ الحافظ أبا بكر ابن حبيش لما قال في تخميسه المشهور
( بماذا على كل من الحق اوجبت )
اعترض عليه أبو زكريا اليفرني بما نصه استعمل المخمس ماذا في البيت تكثيرا وخبرا والمعروف من كلام العرب استعمالها استفهاما فجاوبه بقوله اما استعمالها استفهاما كما قال فكثير لا يحتاج الى شاهد واما استعمالها في ألسن فصحاء العرب للكثرة فكثير لا يحتاج إلى شاهد لو وصل بحث واستعمل مكث فلم يعترض علي ولي ولا تشكك في جلي
( وليس يصح في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار الى دليل )
قال الله تعالى في سورة يونس ( قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) يونس 101 ووقع في صحيح البخاري في رثاء المقتولين من المشركين يوم بدر
( وماذا بالقليب قليب بدر ... من الفتيان والشرب الكرام )

( وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام )
وفي السير في رثاء المذكورين أيضا
( ماذا ببدر فالعقنقل ... من مرازبة جحاجح )
وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت الثقفي ووقع في الأغاني للوليد بن يزيد يرثي نديما له يعرف بابن الطويل
( لله قبر ضمنت ... فيه عظام ابن الطويل )
( ماذا تضمن إذ ثوى ... فيه من الرأي الأصيل )
والخبر طويل وأجلى من هذا وأعلى وأحق بكل تقديم وأولى ولكن الواو لا تفيد رتبة ولا تتضمن نسبة قول رسول الله ( ماذا أنزل الليلة من الفتن ) وهو في الصحاح ووقع في الحماسة وقد أجمعوا على الاستشهاد بكل ما فيها
( ماذا أجال وثيرة بن سماك ... من دمع باكية عليه وباك )
وفي الحماسة أيضا وأظنها لأبي دهبل
( ماذا رزئنا غداة الحل من زمع ... عند التفرق من خيم ومن كرم )
ووقع في نوادر القالي لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه ابا المغوار

هوت امه ما يبعث الصبح غاديا ... وماذا يرد الليل حين يؤوب )
ووقع في شعر الخنساء ترثي اخاها صخرا
( ألا ثكلت أم الذين غدوا به ... الى القبر ماذا يحملون الى القبر )
( وماذا يواري القبر تحت ترابه ... من الجود في بؤسى الحوادث والدهر )
ولجرير وهو في الحماسة
( إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا )
( غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا )
وفي الحماسة أيضا
( ماذا من البعد بين البخل والجود )
ووقع في الحماسة أيضا وهو لامرأة
( هوت أمهم ماذا بهم يوم صرعوا ... بجيشان من أسباب مجد تصرما )
أرادت ماذا تصرم لهم يوم صرعوا بجيشان من أسباب مجد تصرما
ومما يستظهر به قول أبي الطيب المتنبي
( ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... أني بما أنا باك منه محسود )
وقوله أيضا
( وماذا بمصر من المضحكات ... ولكنه ضحك كالبكا )

ومن ملح المتأخرين كان بمرسية ابو جعفر المذكور في المطمح وكان يلقب بالبقيرة فقال فيه بعض أهل عصره
( قالوا البقيرة يهجونا فقلت لهم ... ماذا دهيت به حتى من البقر )
( هذا وليس بثور بل هو ابنته ... وأين منزلة الأنثى من الذكر )
وأنشد صاحب الزهر ولا أذكر قائله
( ماذا لقيت من المستعربين ومن ... قياس قولهم هذا الذي ابتدعوا )
( إن قلت قافية بكرا يكون لها ... معنى يخالف ماقالوا وما وضعوا )
( قالوا لحنت وهذا الحرف منتصب ... وذاك خفض وهذا ليس يرتفع )
( وضربوا بين عبدالله واجتهدوا ... وبين زيد فطال الضرب والوجع )
وقال صاحب الزهر أنشد أبو حاتم ولم يسم قائله
( ألا في سبيل الله ماذا تضمنت ... بطون الثرى واستودع البلد القفر )
هذا ماحضر بفضل الله من الاستشهاد على ان ماذا تستعمل بمعنى الخبر والتكثير ووالله الذى لا إله غيره ما طالعت عليه كتابا ولا فتحت فيه بابا وإنما هو ثمالة من حوض التذكار وصبابة مما علق به شرك الأفكار وأثر مما سدك به السمع أيام خلو الذرع وعقدت عليه الحبى في عصر الصبا ورحم الله من تصفح وتلمح فتسمح وصحح ماوقع إليه من الاعتلال وأصلح ماوضع لديه من اختلال فخير الناس من أخذ بالبر والإيناس فبصر من جهلة وادكر عن وهلة وإنما المؤمنون إخوة

وتحابهم في الله رفعة وحظوة ولهم في السلف الكريم ومحافظتهم على الود القديم أسوة كريمة وقدوة
قال ابن الطراح انظر تحصيل هذا الإمام الرئيس والأسمى النفيس واستحضاره كلام الأدباء وسير النقاد البلغاء ومساجلته مع فرسان المعاني ووصفه تلك المغاني وقد كان حامل لواء الأدب وفائق أبناء جنسه في مرقب الطلب وهذه الكلمة أعني ماذا جرت بسببها مناظرة بين الأستاذ أبي الحسين ابن أبي الربيع النحوي المشهور وبين مالك بن المرحل بسبتة حتى ألف مالك كتاب الرمي بالحصى والضرب بالعصا وفيه هنات لا ينبغي لعاقل أن يذكرها ولا لذي طي في البيان أن ينشرها وفي ذلك قال الأستاذ أبو الحسين رحمه الله تعالى
( كان ماذا ليتها عدم ... جنبوها قربها ندم )
( ليتني يا مال لم أرها ... إنها كالنار تضطرم )
وقوله يامال ترخيم مالك
وحكى الأستاذ ابن غازي أنهم اختلفوا هل يقال كان ماذا أم لا وقال إن الأستاذ ابن أبي الربيع تطفل على مالك بن المرحل في الشعر كما أن ابن المرحل تطفل عليه في النحو قال ومن نظم مالك بن المرحل في هذه القضية
( عاب قوم كان ماذا ... ليت شعري كان ماذا )
( إن يكن ذلك جهلا ... منهم فكان ماذا )
ومن نظم ابن حبيش المذكور قوله

( إذا ما شئت أن تحيا هنيا ... رفيع القدر ذا نفس كريمه )
( فلا تشفع الى رجل كبير ... ولا تشهد ولا تحضر وليمه )
وله أيضا
( لأعملن الى لقياكم قدمي ... ولو تجشمت بين الطين والماء )
( لأن يبل ثيابي الغيث أهون بي ... من أن تحرق نار الشوق أحشائي )

ترجمة اليفرني النحو
وأبو زكريا المعترض على ابن حبيش هو الفقيه النحوي الأديب أبوزكريا يحيى بن علي بن سلطان اليفرني ولد سنة 641 وبرع في العربية كان يلقب في المشرق جبل النحو وكان عند نفسه مجتهدا وكان لا يجيز نكاح الكتابيات خلافا للإمام مالك وهو مذهب الإمام احمد بن حنبل رحمه الله تعالى ويتمسك بقوله تعالى ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم 21 وكان يرى أن الطلاق لا يكون إلا مرتين مرة للاستبراء ومرة للانفصال ولا يقول بالثلاث وهو خلاف الإجماع وكان يقول في نهيه والسلام عن أكل ذي ناب من السباع أي ماكول كل ذي ناب وتبقى هي على الإباحة ويدل عليه قوله تعالى ( وما أكل السبع ) المائدة 3وكان يقول في قوله تعالى ( إن هذان لساحران ) طه 63 الهاء اسم ان وذان لساحران جملة خبر لإن ولا تحتاج لرابط لأنها تفسيرية والمعنى عنده وأسروا النجوى قالوا إنها أي نجوانا هذان لساحران أي قولنا هذان لساحران تثبيطا للناس عن اتباعهما وخط المصحف يرده لكن في المصحف أشياء كتبت على غير المصطلح مثل مال هذا ولا أوضعوا

ولا أذبحه قال ابن الطراح ورأيت هذا المعنى لغيره وأظنه ابن النحاس وتوفي اليفرني المذكور سنة 700 ومن شعره
( ماذا على الغصن المياس لو عطفا ... على صبابة صب حالف الدنفا )
( يارحمة لفؤادي من معذ به ... كم ذا يحمله أن يحمل الكلفا )
( ويارعى الله دارا ظل يجمعنا ... في ظل عيش صفا من طيبه وضفا )
( مودة بيننا في الحب كاملة ... ونحن لا نعرف لاتعرف الإعراض والصلفا )

رجع إلى كلام الأندلسيين
624 - قال صالح بن شريف الرندي رحمه الله تعالى في سكين الكتابة
( أنا صمصامة الكتابة ما لي ... من شبيه في المرهفات الرقاق )
( فكأني في الحسن يوم وصال ... وكأني في القطع يوم فراق )
وقال في المقص
( ومصطحبين ما اتهما بعشق ... وإن وصفا بضم واعتناق )
( لعمر أبيك ما اجتمعنا لشيء ... سوى معنى القطيعة والفراق )
625 - ولبعض الأندلسيين
( هلا اقتدى ذو خلة بفعالنا ... فيكون واصل خله كوصالنا ) ... ( مهما يجىء أحد ليقطع بيننا ... نقطعه ثم نعد لأحسن حالنا )
626 - وجرح بعض الكتاب يده بالمقص فأنشده أحد جلسائه وغالب ظني أنه أندلسي

( عداوة لا لكفك من قديم ... فلا تعجب لمقراض لئيم )
( لئن أدماك فهو للا شبيه ... وقد يعدو اللئيم على الكريم )
627 - ولما ألف ابن عصفور كتابه المقرب في النحو انتقده جماعة من أهل قطره الأندلسيين وغيرهم منهم ابن الصائغ وابن هشام والجزيري وله عليه المنهج المعرب في الرد على المقرب وفيه تخليط كثير وتعسف
( وفي تعب من يحسد الشمس نورها ... ويأمل أن يأتي لها بضريب )
ومنهم ابن الحاج وأبو الحسن حازم القرطاجني الخزرجي وسماه شد الزيار على جحفلة الحمار وابن مؤمن القابسي وبهاء الدين ابن النحاس
628 - ومن شعر حازم الأندلسي المذكور قوله
( لم تدر إذ سألتك ما أسلاكها ... أبكت أسى أم قطعت أسلاكها )
وعارضة التجابي بقوله
( ياساحر الألحاظ يا فتاكها ... فتيا جواز الصد من أفتاكها )
629 - ومن حكاياتهم في المجون وما يجري مجراه أن الوزير أبا بكر ابن الملح كان له ابن شاب فاسترسل مع الأدب إلى أن خرج من القول إلى الفعل وأتى بأشياء لا تليق بمثله فكتب إليه أبوه
( ياسخنة العين يابنيا ... ليتك ماكنت لي بنيا )
( أبكيت عيني أطلت حزني ... أمت صيتي وكان حيا )
( حططت قدري وكان أعلى ... في كل حال من الثريا )

( أما كفاك الزنا ارتكابا ... وشرب مشمولة الحميا )
( حتى ضربت الدفوف جهرا ... وقلت للشر جىء إليا )
( فاليوم أبكيك ملء عيني ... لو كان يغني البكاء شيا )
فأجابه ابنه بقوله
( يالائم الصب في التصابي ... ماعنك يغني البكاء شيا )
( أوجفت خيل العتاب نحوي ... وقبل وثبتها إليا )
( وقلت عمر الهنا قصير ... فاربح من العيش ما تهيا )
( قد كنت أرجو المتاب مما ... فتنت جهلا به وغيا )
( لولا ثلاث شيوخ سوء ... أنت وإبليس والحميا )
630 - وقال أبو جعفر ابن صفوان المالقي رحمه الله تعالى
( سألته الإتيان تحوي مقبلا ... فقال سل نحوي كي تحصلا )
( قرأت باب الجمع من شوقي له ... وهو بالاشتغال عني قد سلا )
( للاستغاثة ابتدأت تاليا ... وهو لأفعال التعدي قد تلا )
( وكلما طلبت منه في الهوى ... عطفا غدا يطلب مني بدلا )
( وإن أرم محض إضافة له ... أعمل في قطعي عنه الحيلا )
( في ألف الوصل ظللت باحثا ... وهو بباب الفصل قد تكفلا )
( فلست موصولا وليس عائدا ... وليس حالي عن أسى منتقلا )
( فيا منى نفسي ومن لفهمه ... دانت فهوم الأذكياء النبلا )
( وجدي موقوف عليك لا أرى ... عنك مدى الدهر له تنقلا )
( فما الذي يمنع من تسكينه ... والوقف بالتسكين حكم أعملا )
( والحب مرفوع إليك مفرد ... فلم ترى لضمتي مستثقلا )
( فالضم للرفع غدا علامة ... في مفرد مثلي فأوضح مشكلا )

( لا زلت للهيام عني رافعا ... للوصل ناصبا لقولي معملا )
( للشوق مسكنا لهجري صارفا ... بالقرب من حال البعاد مبدلا )
( تجزم أمرا في الأماني ماضيا ... وتبتدي بما تشا مستقبلا )
631 - وقال محمد بن إدريس القضاعي الأصطبوني
( علاه رياض أورقت بمحامد ... تنور بالجدوى وتثمر بالأمل )
( تسح عليها من نداه غمامة ... تروي ثرى المعروف بالعل والنهل )
( وهل هو إلا الشمس نفسا ورفعة ... فيقرب بالجدوى ويبعد بالأمل )
( تعم أياديه البرية كلها ... فدان وقاص جود كفيه قد شمل )
632 - وقال محمد التطيلي الهذلي من أعيان غرناطة
( جارت علي لواحظ الآرام ... لما رمت أجفانها بسهام )
( حكمت علي بحكمها فتبسمت ... فغدا الضنى منها لدى أحكام )
( ياقاتلي عمدا بسيف لحاظه ... اغمد ظباه قبل وقع حمامي )
( كم رمت وصلك والصدود يصدني ... ويفل عزمي أمره ومرامي )
( إني عدمت النفس يوم فراقكم ... والبين أسلمها الى الإعدام )
( كيف المقام وأصل جسمي ناحل ... إن النفوس مقيمة الأجسام )
( صعب العلاج فليس يمكن برؤها ... حتى يعود الشهر مثل العام )
( قد كنت أفرح بالسلو فها أنا ... قد زم قلبي في الهوى بزمام )
( مالت به نحو الفتون بدائع ... من شادن يحكيه بدر تمام )
( فقوام انفسنا بلذة وصله ... وجميع أعيننا عليه سوام )
( قد أبرزت خداه روض محاسن ... عظمت على الأفكار والأوهام )

( تندى بماء شبيبة وتنعم ... فيروق منه الزهر في الأكمام )
( فكأنما وجناتها في لونها ... ورد الرياض ربا بصوب غمام )
( وكأنما درع الدجى من شعره ... قد حاكه منها يد الإظلام )
( وكأنما ريق حواه ثغره ... مسك أديف بعنبر ومدام )
( وكأنما سيف نضت ألحاظه ... سبق الأمير ممهد الإسلام )
( ذاك الأمير محمد بن محمد ... ناهيك من ملك أغر همام )
( ملك علا فوق السماك علاؤه ... وسما فأدرك غاية الإعظام )
( لو كان يعتقل السها لأتاه في ... شكل الفتاة ملثما بلثام )
( أو كان يرضى بالمجرة أجردا ... لجرت إلى الإسراج والإلجام )
( فالسعد يفعل للأماني قولها ... والنصر يخدمه مع الأيام )
( واليوم يعشقه ويحسد ليله ... فيه كعشق سيوفه للهام )
( نامت عيون الشرك خوف سنانه ... لولاه ما اكتحلت بطيف منام )
( بهر الأنام بسيفه وببأسه ... فسبى وأنعم أيما إنعام )
( فالمعتفي يجني جزيل هباته ... والمعتدي يصلى الردى بحسام )
( مهما استعنت به فضيغم معرك ... وإذا استجرت به فطود شمام )
( أجرى مياه العدل بعد جفوفها ... وأزال نار الظلم بعد ضرام )
( كم من كتيبة جحفل قد هدها ... في معرك بمهند صمصام )
( المقتني الجرد المذاكي عدة ... للكر في الأعداء والإقدام )
( من كل مبيض كأن أديمه ... لون الصباح أتى عقيب ظلام )
ومنها
( ياخير من ركب الجياد وقادها ... تحت اللواء وعمدة الأقوام )
( لازلتم والسعد يخدم أمركم ... في غبطة موصولة بدوام )
( حتى يصير الأمن في أرجائنا ... عبدا يقوم لنا على الأقدام )

( والله ينصركم ويعلي مجدكم ... ما سح إثر الصحو ماء غمام )
633 - وكان يحيى السرقسطي أديبا فرجع إلى الجزارين فأمر الحاجب ابن هود أبا الفضل ابن حسداي أن يوبخه على ذلك فكتب إليه
( تركت الشعر من عدم الإصابة ... وملت إلى التجارة والقصابة )
فأجابه يحيى
( تعيب علي مألوف القصابه ... ومن لم يدر قدر الشيء عابه )
( ولو أحكمت منها بعض فن ... لما استبدلت منها بالحجابه )
( ولو تدري بها كلفي ووجدي ... علمت علام أحتمل الصبابه )
( وإنك لو طلعت علي يوما ... وحولي من بني كلب عصابه )
( لهالك ما رأيت وقلت هذا ... هزبر صير الأوضام غابه )
( وكم شهدت لنا كلب وهر ... بأن المجد قد حزنا لبابه )
( فتكنا في بني العنزي فتكا ... أقر الذعر فيهم والمهابه )
( ولم نقلع عن الثوري حتى ... مزجنا بالدم القاني لعابه )
( ومن يغتر منهم بامتناع ... فإن إلى صوارمنا إيابه )
( ويبرز واحد منا لألف ... فيغلبهم وذاك من الغرابه )
ومنها
( أبا الفضل الوزير أجب ندائي ... وفضلك ضامن عنك الإجابة )
( وإصغاء إلى شكوى شكور ... أطلت على صناعته عتابه )
( وحقك ماتركت الشعر حتى ... رأيت البخل قد أوصى صحابه )

( وحتى زرت مشتاقا خليلي ... فأبدى لي التحيل والكآبه )
( وظن زيارتي لطلاب شيء ... فنافرني وغلظ لي حجابه )
634 - وقال الأديب أبو الحسن ابن الحداد
( قالت وأبدت صفحة ... كالشمس من تحت القناع )
( بعت الدفاتر وهي آخر ... مايباع من المتاع )
( فأجبتها ويدي على ... كبدي وهمت بانصداع )
( لا تعجبي مما رأيت ... فنحن في زمن الضياع )
635 - وقال الأديب أبو زكريا ابن مطروح من أهل مدينة باغه وقد عزل وال فنزل المطر على إثره وهو من أحسن شعر قاله وكان الوالي غير مرضي
( ورب وال سرنا عزله ... فبعضنا هنأه البعض )
( قد واصلتنا السحب من بعده ... ولذ في أجفاننا الغمض )
( لو لم يكن من نجس شخصه ... ما طهرت من بعده الأرض )
636 - وقال القاضي أبو البركات ابن الحاج البلفيقي رحمه الله تعالى
( وعشية حكمت على من تاب من ... أهل الخلاعة أن يعود لما مضى )
( جمعت لنا شمل السرور بفتية ... جمعوا من اللذات شملا مرتضى )
( ماعاقني عن أن أسير بسيرهم ... إلا الرياء مع الخطابة والقضا )
637 - وقال أبو الحجاج يوسف الفهري من أهل دانية

( أبى الله إلا أن أفارق منزلا ... يطالعني وجه المنى فيه سافرا )
( كأن على الأيام أن لا أحله ... رويدا فما أغشاه إلا مسافرا )
638 - وقال بعضهم في الرثاء
( عبرات تفيض حزنا وثكلا ... وشجون تعم بعضا وكلا )
( ليس إلا صبابة أضرمتها ... حسرة تبعث الأسى ليس إلا )
639 - ولأبي جعفر البغيل أحد شعراء المرية وكتابها
( عزاء على هذا المصاب الذي دهى ... وشتت شمل الأنس من بعد ما انتهى )
( بفرع علاء في منابت سؤدد ... تسامى رقيا في المعالي الى السها )
( أصبت به من بعد ما تم مجده ... وقد شمخت منه الشماريخ وازدهى )
( فأية شمس فيه للمجد كورت ... وأي بناء للمكارم قد وهى )
( فصبرا عليه لا رزئت بمثله ... فمثلك من يعزى إلى الحلم والنهى )
640 - وقال الكاتب الماهر أبو جعفر أحمد بن أيوب اللمائي المالقي
( طلعت طلائع للربيع فأطلعت ... في الروض وردا قبل حين أوانه )
( حيا أمير المؤمنين مبشرا ... ومؤملا للنيل من إحسانه )
( ضنت سحائبه عليه بمائه ... فأتاه يستسقيه ماء بنانه )
( دامت لنا أيامه موصولة ... بالعز والتمكين في سلطانه )
641 - وقال أبو جعفر أحمد بن طلحة من جزيرة شقر
( ياهل ترى أظرف من يومنا ... قلد جيد الأفق طوق العقيق )
( وأنطق الورق بعيدانها ... مطربة كل قضيب وريق )

( والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا بكؤوس الشقيق )
642 - وقال أبو جعفر الغساني من أهل وادي آش واستوطن غرناطة ثم مات بالمرية فكتب على حمالة قراب لموطإ الإمام مالك بعدما استنجد قرائح أدباء عصره واستصرخ اختراعاتهم لنصره فكلهم قصر عن غرضه وأداء مفترضة فقال هو
( ياطالبا لكمال ... حفظي أتم كمالك )
( فما تقلدت مثلي ... إذ لم تقلد كمالك )
643 - وقال أبو بكر يحيى بن بقي
( خذها على وجه الربيع المخصب ... لم يقض حق الروض من لم يشرب )
( هممي سماء علا وهمي مارد ... فارجمه من تلك الكؤوس بكوكب )
وهو رحمه الله تعالى صاحب الأبيات المشهورة
( زحزحته عن أضلع تشتاقه ... كيلا ينام على فراش خافق )
وانتقد عليه بعض اللطفاء فقال إنه كان جافي الطبع حيث قال زحزحته ولو قال باعدت عنه أضلعا تشتاقه لكان أحسن
644 - وقال السلطان المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس يستدعي
( انهض أبا طالب إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا )
( فنحن عقد بغير وسطى ... مالم تكن حاضرا لدينا )
وتذكرت هنا قول بعض المشارقة فيما أظن والله تعالى أعلم

( نحن في مجلس أنس ... مابه غير محبك )
( فتصدق بحضور ... واجمع الوقت بقربك )
( وخف الآن عتابي ... مثل خوفي عند عتبك )
645 - وقال أبو عبدالله ابن خلصة الضرير
( ولو جاد بالدنيا وثنى بمثلها ... لظن من استصغارها أنه ضنا )
( ولا عيب في إنعامه غير أنه ... إذا من لم يتبع مواهبه منا )
وله أيضا
( يامالكا حسدت عليه زمانه ... أمم خلت من قبله وقرون )
( مالي أرى الآمال بيضا وضحا ... ووجوه آمالي حوالك جون )
( أنا آمن فرق وراج آيس ... ورو صد ومسرح مسجون )
( لا تعدني انواء سيبك لا عداك ... النصر والتأييد والتمكين )
646 - وقال ابن اللبانة
( كرمت فلا بحر حكاك ولا حيا ... وفت فلا عجم شأتك ولا عرب )
( وأوليتني منك الجميل فواله ... عسى السح من نعماك يتبعه السكب )
647 - وقال أبو علي ابن اليمان
( أبنات الهديل أسعدن أوعدن ... قليل العزاء بالإسعاد )
( بيد أني لا أرتضي مافعلتن ... فأطواقكن في الأجياد )

648 - وقال أبو جعفر أحمد بن الدودين من كلمة
( فغدت غواني الحي عنك غوانيا ... وأسلن ألحاظ الرباب ربابا )
649 - وقال ابن أبي الخصال في مليحة لها أربع جوار قبيحات
( وليلة طولها على سنة ... بات بها الجفن نادبيا وسنه )
( بأربع بينهن واحدة ... كسيئات وبينها حسنه )
650 - وقال غالب بن تمام الملقب بالحجام
( صغار الناس أكثرهم قبيحا ... وليس لهم بصالحة نهوض )
( ألم تر في سباع الطير نسرا ... يسالمنا ويؤذينا البعوض )
651 - وقال ابن عائشة
( وروضة قد علت سماء ... تطلع أزهارها نجوما )
( هفا نسيم الصبا عليها ... فخلتها أرسلت رجوما )
( كأنما الجو غار لما ... بدت فأغرى بها النسيما )
وله يصف فرسا وهو من بدائعه
( قصرت له تسع وطالت أربع ... وزكت ثلاث منه للمتأمل )
( وكأنما سال الظلام بمتنه ... وبدا الصباح بوجهه المتهلل )
( وكأن راكبه على ظهر الصبا ... من سرعة أو فوق ظهر الشمأل )

وقال
( تربة مسك وجو عنبرة ... وغيم ند وطش ما ورد )
( كأنما جائل الحباب به ... يلعب في جانبيه بالنرد )
وتروى هذه الأبيات لغيره
وقال
( هم سليوني حسن صبري اذ بانوا ... بأقمار أطواق مطالعها بان )
( لئن غادروني باللوى إن مهجتي ... مسايرة أظعانهم حيثما كانوا )
652 - وقال أبو محمد ابن سفيان وهو من أبدع التخلص
( فقلت وجفني قد تداعت شؤونه ... وحر ضلوعي مقعد ومقيم )
( لئن دهمت دهم الخطوب وآلمت ... فإن أبا عيسى أغر كريم )
653 - وقال ابن الزقاق
( بأبي وغير أبي أغن مهفهف ... مهضوم ماتحت الوشاح حميصه )
( لبس الفؤاد ومزقته جفونه ... فأتى كيوسف حين قد قميصه )
وقال
( سلام على أيامكم مابكى الحيا ... وسقيا لذاك العهد ماابتسم الزهر )
( كأن لم نبت في ظل امن تضمنا ... من الليلة الظلماء أردية خضر )
ولم نغتبق تلك الأحاديث قهوة ... وكم مجلس طيب الحديث به خمر )
( ألا في ضمان الله في كل ساعة ... يجدد لي فيها بشوقي له ذكر )

( يذكرنيه البرق جذلان باسما ... ويذكرني إسفار غرته الفجر )
ومارق زهر الروض إلا تمثلت ... لناظر عيني منه آدابه الزهر )
654 - وقال يحيى السرقسطي
( هاتها عسجدية كوثرية ... بنت كرم رحيقة عطريه )
( كلما شفها النحول تقوت ... فاعجبوا من ضعيفة وقويه )
( رب خمارة سريت إليها ... والدجى في ثيابه الزنجية )
ومنها
( كم عقار بدلته بعقار ... وثياب صبغتها خمرية )
( إن خير البيوع ماكان نقدا ... ليس ماكان آجلا بنسيه )
وله
( نسبتم الظلم لعمالكم ... ونمتم عن قبح أعمالكم )
( والله لو حكمتم ساعة ... ماخطر العدل على بالكم )
655 - وقال الرصافي في الدولاب
( وذي حنين يكاد شجوا ... يختلس الأنفس اختلاسا )
( إذا غدا للرياض جارا ... قال لها المحل لا مساسا )
( يبتسم الروض حين يبكي ... بأدمع ما رأين باسا )
( من كل جفن يسل سيفا ... صار له عقده رئاسا )
656 - وخرج أبو بكر الصابوني لنزهة بوادي اشبيلية وكان يهوى

فتى اسمه علي فقال
( أبا حسن أبا حسن ... بعادك قد نفى وسني )
( وما أنسى تذكره ... فهل أنسى فيذكرني )
ويشبه هذا قول الطاهر بن أبي ركب
( يقول الناس في مثل ... تذكر غائبا تره )
( فما لي لا أرى سكني ... وما أنسى تذكره )
657 - وكتب بعض الأدباء الى ابن حزم الأندلسي بقوله
( سألت الوزير الفقيه الأجل ... سؤال مدل على من سأل )
( فقلت أيا خير مسترشد ... وياخير من عن إمام نقل )
( أيحرم أن نالني قبلة ... غزال ترشف فيه الغزل )
( وعانقني والدجى خاضب ... فبتنا ضجيعين حتى نصل )
( وجئتك أسأل مسترشدا ... فبين فديت لمن قد سأل )
فأجابه ابن حزم بقوله
( إذا كان ما قلته صادقا ... وكنت تحريت جهد المقل )
( وكان ضجيعك طاوي الحشا ... أعار المهاة احمرار المقل )
( قريب الرضى وله غنة ... تميت الهموم وتحيي الجذل )
( ففي أخذ أشهب عن مالك ... عن ابن شهاب عن الغير قل )
( بترك الخلاف على جمعهم ... على أن ذلك حل وبل )
658 - ونظر الرصافي يوما إلى صبي يبكي ويأخذ من ريقه ويبل

عينيه كي يخفي أثر البكاء فارتجل الرصافي
( عذيري من جذلان يبدي كآبة ... وأضلعه مما يحاوله صفر )
( أميلد مياس إذا قاده الصبا ... إلى ملح الإدلال أيده السحر )
( يبل مآقي مقلتيه بريقه ... ليحكي البكا عمدا كما ابتسم الزهر )
( أيوهم أن الدمع بل جفونه ... وهل عصرت يوما من النرجس الخمر )
وكان المذكور أعني الرصافي يميل في شبينته لبعض فتيان الطلبة وأجمع الطلبة على أن يصنعوا نزهة بالوادي الكبير بمالقة فركبوا زورقا للمسير الى الوادي فوافق أن اجتمع في الزورق شمل الرصافي بمحبوبه ثم ان الريح الغربية عصفت وهاج البحر ونزل المطر فنزلوا من الزورق وافترق شمل الرصافي من محبوبه فارتجل في ذلك ويقال إنها من أول شعره
( غار بي الغرب إذ رآني ... مجتمع الشمل بالحبيب )
( فأرسل الماء عن فراق ... وأرسل الريح عن رقيب )
فلما سمع ذلك أستاذه استنبله وقال له إنك ستكون شاعر زمانك
659 - وحكي أن أبا بكر ابن مجبر قال في ابن لأبي الحسن ابن القطان بمحضر والده
( جاء وفي يساره ... قوس وفي اليمنى قدح )
( كأنه شمس بدت ... وحولها قوس قزح )
( يا لائمي في حبه ... ماكل من لام نصح )
فقال ابن عياش الكاتب هذه أبيات الأندلسي استوطن المشرق في تركي

فأقسم أبو بكر أنه لم يسمع شيئا من ذلك وإنما ارتجلها وقيل إنها لأبي الفتح محمد بن عبيد الله من أهل بغداد وأولها
( جد بقلبي ومزح )
فالله أعلم بحقيقة الأمر
660 - وخرج أبو بكر ابن طاهر وأبو ذر الخشني والقاضي أبو حفص ابن عمر وهو إذ ذاك وسيم فأثرت الشمس في وجهه فقال أبو ذر
( وسمتك الشمس يا عمر ... سمة في القلب تنتثر )
فقال الآخر
( علمت قدر الذي صنعت ... فأتت صفراء تعتذر )
661 - وقال أبو الحسين البلنسي الصوفي كان لي صديق أمي لا يقرأ ولا يكتب فعلق فتى وكان خرج لنزهة فأثرت الشمس في وجهه فأعجبه ذلك وأنشد
( رأيت أحمد لما جاء من سفر ... والشمس قد أثرت في وجهه أثرا )
( فانظر لما أثرته الشمس في قمر ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا )
662 - واجتمع أبو الوليد الوقشي وأبو مروان عبدالملك بن سراج القرطبي وكانا فريدي عصرهما حفظا وتقدما فتعارفا وتساءلا ثم بادر أبو الوليد بالسؤال وقال كيف يكون قول القائل
( ولو أن مابي بالحصى فعل الحصى ... وبالريح لم يسمع لهن هبوب )

ما ينبغي أن يكون مكان فعل الحصى فقال أبو مروان فلق الحصى فقال وهمت إنما يكون قلق الحصى ليكون مطابقا لقوله لم يسمع لهن هبوب يريد أن ما يحرك به ما شأنه السكون ويسكن ما شأنه الحركة فقال أبو مروان مايريد الشاعر بقوله
( وراكعة في ظل غصن منوطة ... بلؤلؤة نيطت بمنقار طائر )
وكان اجتماعهما في مسجد فأقيمت الصلاة إثر فراغ ابن سراج من إنشاد البيت فلما انقضت الصلاة قال له الوقشي ألغز الشاعر باسم أحمد فالراكعة الحاء والغصن كناية عن الألف واللؤلؤة الميم ومنقار الطائر الدال فقال له ابن سراج ينبغي أن تعيد الصلاة لشغل خاطرك بهذا اللغز فقال له الوقشي بين الإقامة وتكبيرة الإحرام فككته
والبيت الأول لعبدالله بن الدمينة وبعده
( ولو أنني أستغفر الله كلما ... ذكرتك لم تكتب علي ذنوب )
663 - وقال الوزير أبو الحسن ابن الأضحى
( ومستشفع عندي بخير الورى عندي ... واولاهم بالشكر مني وبالحمد )
( وصلت فلما لم أقم بجزائه ... لففت له رأسي حياء من المجد )
وكان سبب قوله هذين البيتين أنه كتب إليه بعض الوزراء شافعا لأحد الأعيان فلما وصل إليه بره وأنزله وأعطاه عطاء استعظمه واستجزله وخلع عليه خلعا وأطلعه من الأحمال بدرا لم يكن مطلعا ثم اعتقد أنه قد جاء مقصرا فكتب إليه معتذرا بالبيتين هكذا حكاه الفتح وقال بعد ذلك ما صورته ومن باهر جلاله وطاهر خلاله أنه أعف الناس بواطن

وأشرفهم في التقى مواطن ما علمت له صبوة ولا حلت له الى مستنكر حبوة مع عدل لا شيء يعدله وتحجب عما يتقى مما يرسل عليه حجابه ويسد له وكان لصاحب البلد الذي كان يتولى القضاء به ابن من أحسن الناس صورة وكانت محاسن الأقوال والأفعال عليه مقصورة مع ما شئت من لسن وصوت حسن وعفاف واختلاط بالبهاء والتفاف قال الفتح وحملنا لإحدى ضياعه بقرب من حضرة غرناطة فحللنا قرية على ضفة نهر احسن من شاذمهر تشقها جداول كالصلال ولا ترمقها الشمس من تكاثف الظلال ومعنا جملة من أعيانها فأحضرنا من انواع الطعام وأرانا من فرط الإكرام والإنعام مالا يطاق ولا يحد ويقصر عن بعضه العد وفي أثناء مقامنا بدا لي من ذلك الفتى المذكور ما أنكرته فقابلته بكلام اعتقده وملام احقده فلما كان من الغد لقيت منه اجتنابه ولم أر منه ما عهدته من الإنابة فكتبت اليه مداعبا له فراجعني بهذه القطعة
( أتتني أبا نصر نتيجة خاطر ... سريع كرجع الطرف في الخطرات )
( فأعربت عن وجد كمين طويته ... بأهيف طاو فاتر اللحظات )
( غزال أحم المقلتين عرفته ... بخيف منى للحسن أو عرفات )
( رماك فأصمى والقلوب رمية ... لكل كحيل الطرف ذي فتكات )
( وظن بأن القلب منك محصب ... فلباك من عينيه بالجمرات )
( تقرب بالنساك في كل منسك ... وضحى غداة النحر بالمهجات )
( وكانت له جيان مثوى فأصبحت ... ضلوعك مثواه بكل فلاة )
( يعز علينا ان تهيم فتنطوي ... كئيبا على الأشجان والزفرات )
( فلو قبلت للناس في الحب فدية ... فديناك بالأموال والبشرات )
ومن إيثار ديانته وعلامة حفظه للشرع وصيانته وقصده مقصد المتورعين وجريه جري المتشرعين أن أحد أعيان بلده كان متصلا به اتصال الناظر

بسواده محتلا في عينه وفؤاده لا يسلمه الى مكروه ولا يفرده في حادث يعروه وكان من الأدب في منزلة تقتضي إسعافه ولا تورده من تشفيعه في مورد قد عافه فكتب إليه ضارعا في رجل من خواصه اختلط بامرأة طلقها ثم تعلقها وخاطبه في ذلك بشعر فلم يسعفه وكتب إليه مراجعا
( ألا أيها السيد المجتبى ... ويا أيها الألمعي العلم )
( أتتني أبياتك المحكمات ... بما قد حوت من بديع الحكم )
( ولم أر من قبلها مثلها ... وقد نفثت سحرها في الكلم )
( ولكنه الدين لا يشترى ... بنثر ولا بنظام نظم )
( وكيف أبيح حمى مانعا ... وكيف أحلل ماقد حرم )
( ألست أخاف عقاب الإله ... ونارا مؤججة تضطرم )
( أأصرفها طالقا بتة ... على أنوك قد طغى واجترم )
( ولو أن ذاك الغوي الزري ... تثبت في أمره ماندم )
( ولكنه طاش مستعجلا ... فكان أحق الورى بالندم )
انتهى كلام الفتح الذي أردت جلبه هنا
ولا خفاء ان هذه الحكاية مما يدخل في حكايات عدل قضاة الأندلس
ومن نظم ابن أضحى المذكور ماكتب به الى بعض من يعز عليه
( يا ساكن القلب رفقا كم تقطعه ... الله في منزل قد ظل مثواكا )
( يشيد الناس للتحصين منزلهم ... وانت تهدمه بالعنف عيناك )
( والله والله ماحبي لفاحشة ... أعاذني الله من هذا وعافاكا )

وله في مثل ذلك
( روحي إليك فرديه الى جسدي ... من لي على فقده بالصبر والجلد )
( بالله زوري كئيبا لا عزاء له ... وشرفيه ومثواه غداة غد )
( لو تعلمين بما ألقاه يا أملي ... بايعتني الود تصفيه يدا بيد )
( عليك مني سلام الله مابقيت ... آثار عينيك في قلبي وفي كبدي )
664 - وإذا وصلت إلى هذا الموضع من كلام اهل الأندلس فقد رأيت أن أذكر جملة من نساء اهل الأندلس اللاتي لهن اليد الطولى في البلاغة كي يعلم ان البراعة في اهل الأندلس كالغريزة لهم حتى في نسائهم وصبيانهم
1 - فمن النساء المشهورات بالأندلس ام السعد بنت عصام الحميري من أهل قرطبة وتعرف بسعدونة ولها رواية عن أبيها وجدها وغيرهما كما حكاه ابن الأبار في ترجمتها من التكملة وأنشدت لنفسها في تمثال نعل النبي تكملة لقول غيرها ماصورته
( سألثم التمثال إذ لم أجد ... للثم نعل المصطفى من سبيل )
( لعلني احظى بتقبيله ... في جنة الفردوس أسنى مقيل )
( في ظل طوبى ساكنا آمنا ... أسقي بأكواس من السلسبيل )
( وأمسح القلب به عله ... يسكن ما جاش به من غليل )
( فطالما استشفى بأطلال من ... يهواه أهل الحب في كل جيل )
وأنشدني ابن جابر الوادي آشي عن شيخه المحدث أبي محمد ابن هرون

القرطبي لجدته سعدونة وأظنها هذه
( آخ الرجال من الأبا ... عد والأقارب لا تقارب )
( إن الأقارب كالعقارب ... أو أشد من العقارب )
هكذا نقله الخطيب ابن مرزوق ورأيت نسبة البيتين لابن العميد فالله أعلم
2 - ومنهن حسانة التميمية بنت أبي المخشى الشاعر
تأدبت وتعلمت الشعر فلما مات أبوها كتبت إلى الحكم وهي إذ ذاك بكر لم تتزوج
( إني إليك أبا العاصي موجعة ... أبا المخشى سقته الواكف الديم )
( قد كنت أرتع في نعماه عاكفة ... فاليوم آوي إلى نعماك يا حكم )
( أنت الإمام الذي انقاد الأنام له ... وملكته مقاليد النهى الأمم )
( لا شيء أخشى إذا ماكنت لي كنفا ... آوي إليه ولا يعروني العدم )
( لا زلت بالعزة القعساء مرتديا ... حتى تذل إليك العرب والعجم )
فلما وقف الحكم على شعرها استحسنه وامر لها بإجراء مرتب وكتب إلى عامله على إلبيرة فجهزها بجهاز حسن
ويحكى أنها وفدت على ابنه عبدالرحمن بشكية من عامله جابر بن لبيد

والي إ لبيرة وكان الحكم قد وقع لها بخط يده تحرير املاكها وحملها في ذلك على البر والإكرام فتوسلت إلى جابر بخط الحكم فلم يفدها فدخلت الى الإمام عبدالرحمن فأقامت بفنائه وتلطفت مع بعض نسائه حتى اوصلتها إليه وهو في حال طرب وسرور فانتسبت إليه فعرفها وعرف أباها ثم أنشدته
( الى ذي الندى والمجد سارت ركائبي ... على شحط تصلى بنار الهواجر )
( ليجبر صدعي إنه خير جابر ... ويمنعني من ذي الظلامة جابر )
( فإني وأيتامي بقبضة كفه ... كذي ريش أضحى في مخالب كاسر )
( جدير لمثلي أن يقال مروعة ... لموت أبي العاصي الذي كان ناصري )
( سقاه الحيا لو كان حيا لما اعتدى ... علي زمان باطش بطش قادر )
( أيمحو الذي خطته يمناه جابر ... لقد سام بالأملاك إحدى الكبائر )
ولما فرغت رفعت إليه خط والده وحكت جميع أمرها فرق لها وأخذ خط أبيه فقبله ووضعه على عينيه وقال تعدى ابن لبيد طوره حين رام نقض رأي الحكم وحسبنا أن نسلك سبيله بعده ونحفظ بعد موته عهده انصرفي ياحسانة فقد عزلته لك ووقع لها بمثل توقيع أبيه الحكم فقبلت يده وأمر لها بجائزة فانصرفت وبعثت إليه بقصيدة منها
( ابن الهشامين خير الناس مأثرة ... وخير منتجع يوما لرواد )
( إن هز يوم الوغى أثناء صعدته ... روى أنابيبها من صرف فرصاد )
( قل للإمام أيا خير الورى نسبا ... مقابلا بين آباء وأجداد )
( جودت طبعي ولم ترض الظلامة لي ... فهاك فضل ثناء رائح غاد )
( فإن أقمت ففي نعماك عاطفة ... وإن رحلت فقد زودتني زادي )

3

- ومنهن أم العلاء بنت يوسف الحجارية
ذكرها صاحب المغرب وقال إنها من أهل المائة الخامسة ومن شعرها
( كل مايصدر منكم حسن ... وبعلياكم تحلى الزمن )
( تعطف العين على منظركم ... وبذكراكم تلذ الأذن )
( من يعش دونكم في عمره ... فهو في نيل الأماني يغبن )
وعشقها رجل أشيب فكتبت إليه
( الشيب لا يخدع فيه الصبا ... بحيلة فاسمع إلى نصحي )
( فلا تكن أجهل من في الورى ... يبيت في الجهل كما يضحي )
ولها أيضا
( افهم مطارح أحوالي وماحكمت ... به الشواهد واعذرني ولا تلم )
( ولا تكلني إلى عذر أبينه ... شر المعاذير ما يحتاج للكلم )
( وكل ما جئته من زلة فبما ... أصبحت في ثقة من ذلك الكرم )
والحجارية بالراء المهملة نسبة الى وادي الحجارة
4 - ومنهن أمة العزيز
قال الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتاب المطرب من أشعار المغرب أنشدتني أخت جدي الشريفة الفاضلة امة العزيز الشريفة الحسينية لنفسها

( لحاظكم تجرحنا في الحشا ... ولحظنا يجرحكم في الخدود )
( جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا ... فما الذي أوجب جرح الصدود )
قلت هذا السؤال يحتاج الي جواب وقد رأيت لبلدينا القاضي الامام الفاضل أبي الفضل قاسم العقباني التلمساني رحمه الله تعالى جوابه والغالب أنه من نظمه وهو قوله
( أوجبه مني ياسيدي ... جرح بخد ليس فيه الجحود )
( وأنت فيما قلته مدع ... فأين ماقلت وأين الشهود )
انتهى
5 - ومنهن أم الكرام بنت المعتصم بن صمادح ملك المرية
قال ابن سعيد في المغرب كانت تنظم الشعر وعشقت الفتى المشهور بالجمال من دانية المعروف بالسمار وعملت فيه الموشحات ومن شعرها فيه
( يامعشر الناس ألا فاعجبوا ... مما جنته لوعة الحب )
( لولاه لم ينزل ببدر الدجى ... من أفقه العلوي للترب )
( حسبي بمن أهواه لو أنه ... فارقني تابعه قلبي )
6 - ومنهن الشاعرة الغسانية البجانية بالنون نسبة الى بجانة وهي كورة عظيمة وتشتهر بإقليم المرية وهي من أهل المائة الرابعة فمن نظمها من أبيات

( عهدتهم والعيش في ظل وصلهم ... أنيق وروض الوصل أخضر فينان )
( ليالي سعد لا يخاف على الهوى ... عتاب ولا يخشى على الوصل هجران )
7 - ومنهن العروضية مولاة أبي المطرف عبدالرحمن بن غلبون الكاتب
سكنت بلنسية وكانت قد أخذت عن مولاها النحو واللغة لكنها فاقته في ذلك وبرعت في العروض وكانت تحفظ الكامل للمبرد والنوادر للقالي وتشرحهما قال أبو داود سليمان بن نجاح قرأت عليها الكتابين وأخذت عنها العروض وتوفيت بدانية بعد سيدها في حدود الخمسين والأربعمائة رحمها الله تعالى
8 - ومنهن حفصة بنت الحاج الركونية الشاعرة الأديبة المشهورة بالجمال والحسب والمال ذكرها الملاحي في تاريخه وأنشد لها مما قالته في أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي ارتجالا بين يديه
( ياسيد الناس يامن ... يؤمل الناس رفده )
( امنن علي بطرس ... يكون للدهر عده )
( تخط يمناك فيه ... الحمد لله وحده )
وأشارت بذلك إلى العلامة السلطانية عند الموحدين فإنها كانت أن يكتب السلطان بيده بخط غليظ في رأس المنشور الحمد لله وحده
665

- استطراد بقصتين
تذكرت بذلك والشيء بالشيء يذكر أنه لما قفل السلطان الناصر أمير

المؤمنين اببن أمير المؤمنين يعقوب المنصور ابن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن بن علي سلطان المغرب والأندلس من إفريقية سنة ثلاث وستمائة بعد فتح المهدية هنأته الشعراء بذلك ثم اجتمع أبو عبدالله ابن مرج الكحل بالشعراء والكتاب فتذكروا الفتح وعظمه فأنشدهم ابن مرج الكحل في الوقت لنفسه
( ولما توالى الفتح من كل وجهة ... ولم تبلغ الأوهام في الوصف حده )
( تركنا أمير المؤمنين لشكره ... بما أودع السر الإلهي عنده )
( فلا نعمة إلا تؤدي حقوقها ... علامته بالحمد لله وحده )
فاستحسن الكتاب له ذلك ووقع أحسن موقع
وحكى صاحب كتاب روح الشعر وروح الشحر وهو الكاتب أبو عبدالله محمد بن الجلاب الفهري أن أمير المؤمنين يعقوب المنصور لما قفل من غزوة الأراكة المشهورة وكانت يوم الأربعاء تاسع شعبان سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ورد عليه الشعراء من كل قطر يهنئونه فلم يمكن لكثرتهم أن ينشد كل انسان قصيدته بل كان يختص منها بالإنشاد البيتين أو الثلاثة المختارة فدخل أحد الشعراء فأنشده
( ما أنت في أمراء الناس كلهم ... إلا كصاحب هذا الدين في الرسل )
( أحييت بالسيف دين الهاشمي كما ... أحياه جدك عبدالمؤمن بن علي )
فأمر له بألفي دينار ولم يصل أحدا غيره لكثرة الشعراء وأخذ بالمثل منع الجميع أرضى للجميع قال وانتهت رقاع القصائد وغيرها إلى أن حالت بينه وبين من كان أمامه لكثرتها انتهى

رجع الى أخبار حفصة
وأنشد لها أبو الخطاب في المطرب قولها

( ثناءي على تلك الثنايا لأنني ... أقول على علم وأنطق عن خبر )
( وأنصفها لا أكذب الله إنني ... رشفت بها ريقا أرق من الخمر )
وتولع بها السيد أبو سعيد ابن عبدالمؤمن ملك غرناطة وتغير بسببها على أبي جعفر ابن سعيد حتى ادى تغيره عليه أن قتله وطلب أبو جعفر منها الاجتماع فمطلته قدر شهرين فكتب لها
( يامن اجانب ذكر اسمه ... وحسبي علامه )
( ما إن أرى الوعد يقضى ... والعمر أخشى انصرامه )
( اليوم أرجوك لا أن ... تكون لي في القيامه )
( لو قد بصرت بحالي ... والليل أرخى ظلامه )
( أنوح وجدا وشوقا ... إذ تستريح الحمامه )
( صب أطال هواه ... على الحبيب غرامه )
( لمن يتيه عليه ... ولا يرد سلامه )
( إن لم تنيلي أريحي ... فاليأس يثني زمامه )
فأجابته
فأجابته
( يامدعي في هوى الحسن ... والغرام الإمامه )
( أتى قريضك لكن ... لم أرض منه نظامه )
( أمدعي الحب يثني ... يأس الحبيب زمامه )
( ضللت كل ضلال ... ولم تفدك الزعامه )
( مازلت تصحب مذ كنت ... في السباق السلامه )
( حتى عثرت واخجلت ... بافتضاح السآمه )
( بالله في كل وقت ... يبدي السحاب انسجامه )
( والزهر في كل حين ... يشق عنه كمامه )

( لو كنت تعرف عذري ... كففت غرب الملامه )
ووجهت هذه الأبيات مع موصل أبياته بعدما لعنته وسبته وقالت له لعن الله المرسل والمرسل فما في جميعكما خير ولا لي برؤيتكما حاجة وانصرف بغاية من الخزي ولما أطل على أبي جعفر وهو في قلق لانتظاره قال له ماوراءك ياعصام قال مايكون وراء من وجهه خلف الى فاعلة تاركة اقرإ الأبيات تعلم فلما قرأ الأبيات قال للرسول ما أسخف عقلك وأجهلك إنها وعدتني للقبة التي في جنتي المعروفة بالكمامة سر بنا فبادروا للكمامة فما كان إلا قليلا وإذا بها قد وصلت وأراد عتبها فأنشدت
( دعي عد الذنوب إذا التقينا ... تعالي لا نعد ولا تعدي )
وجلسا على أحسن حالة وإذا برقعة الكتندي الشاعر لأبي جعفر وفيها
( أبا جعفر يا ابن الكرام الأماجد ... خلوت بمن تهواه رغما لحاسد )
( فهل لك في خل قنوع مهذب ... كتوم عليم باختفاء المراصد )
( يبيت إذا يخلو المحب بحبه ... ممتع لذات بخمس ولائد )
فقرأها على حفصة فقالت لعنه الله قد سمعنا بالوارش على الطعام والواغل على الشراب ولم نسمع اسما لمن يعلم باجتماع محبين فيروم الدخول عليهما فقال لها بالله سميه لنكتب له بذلك فقالت أسميه الحائل لأنه يحول بيني وبينك إن وقعت عيني عليه فكتب له في ظهر رقعته
( يامن إذا ما اتاني ... جعلته نصب عيني )
( تراك ترضى جلوسا ... بين الحبيب وبيني )
( إن كان ذاك فماذا ... تبغي سوى قرب حيني )

( والآن قد حصلت لي ... بعد المطال بديني )
( فإن أتيت فدفعا ... منها بكلتا اليدين )
( أو ليس تبغي وحاشاك ... ان ترى طير بين )
( وفي مبيتك بالخمس ... كل قبح وشين )
( فليس حقك إلا الخلو ... بالقمرين )
وكتب له تحت ذلك ماكان منها من الكلام وذيل ذلك بقوله
( سماك من اهواه حائل ... إن كنت بعد العتب واصل )
( مع أن لونك مزعج ... لوكنت تحبس بالسلاسل )
فلما رجع إليه الرسول وجده قد وقع بمطمورة نجاسة وصار هتكة فلما قرأ الأبيات قال للرسول أعلمهما بحالي فرجع الرسول وأخبرهما بذلك فكاد أن يغشى عليهما من الضحك وكتب إليه كل واحد بيتا وابتدأ أبوجعفر فقال
( قل للذي خلصنا ... منه الوقوع في الخرا )
( ارجع كما شاء الخرا ... يا ابن الخرا إلى ورا )
( وإن تعد يوما إلى ... وصالنا سوف ترى )
( يا أسقط الناس ويا ... انذلهم بلا مرا )
( هذا مدى الدهر تلاقي ... لو أتيت في الكرى )
( يالحية تشغف في ... الخرء وتشنا العنبرا )
( لا قرب الله اجتماعا ... بك حتى تقبرا
ومن شعرها
( سلام يفتح في زهره الكمام ... وينطق ورق الغصون )

( على نازح قد ثوى في الحشا ... وإن كان تحرم منه الجفون )
( فلا تحسبوا البعد ينسيكم ... فذلك والله مالا يكون )
وقولها من أبيات
( ولو لم يكن نجما لما كان ناظري ... وقد غبت عنه مظلما بعد نوره )
( سلام على تلك المحاسن من شج ... تناءت بنعماه وطيب سروره )
وقولها
( سلوا البارق الخفاق والليل ساكن ... أظل بأحبابي يذكرني وهنا )
( لعمري لقد أهدى لقلبي خفقة ... وأمطرني منهل عارضه الجفنا )
ونسب بعض إليها البيتين الشهيرين
( أغار عليك من عيني رقيبي ... ومنك ومن زمانك والمكان )
( ولو اني خبأتك في عيوني ... إلي يوم القيامة ماكفاني ) والله تعالى أعلم
وكتبت إلي أبي جعفر
( رأست فما زال العداة بظلمهم ... وعلمهم النامي يقولون ما رأس )
( وهل منكر أن ساد اهل زمانه ... جموح إلى العليا حرون عن الدنس )
وقال ابن دحية حفصة من أشراف غرناطة رخيمة الشعر رقيقة النظم والنثر انتهى

ومن قولها في السيد أبي سعيد ملك غرناطة تهنئه بيوم عيد وكتبت بذلك إليه
( ياذا العلا وابن الخليفة ... والإمام المرتضى )
( يهنيك عيد قد جرى ... فيه بما تهوى القضا )
( وأتاك من تهواه في ... قيد الإنابة والرضى )
( ليعيد من لذاته ... ماقد تصرم وانقضى )
وذكر الملاحي في تاريخه انها سألتها امرأة من أعيان أهل غرناطة أن تكتب لها شيئا بخطها فكتبت إليها
( ياربة الحسن بل يا ربة الكرم ... غضي جفونك عما خطه قلمي )
( تصفحيه بلحظ الود منعمة ... لا تحفلي بردىء الخط والكلم )
واتفق ان بات أبو جعفر ابن سعيد معها في بستان بحور مؤمل على ما يبيت به الروض والنسيم من طيب النفحة ونضارة النعيم فلما حان الانفصال قال أبو جعفر وكان يهواها كما سبق
( رعى الله ليلا لم يرح بمذمم ... عشية وارانا بحور مؤمل )
( وقد خفقت من نحو نجد أريجه ... إذا نفحت هبت بريا القرنفل )
( وغرد قمري على الدوح وانثنى ... قضيب من الريحان من فوق جدول )
( يرى الروض مسرورا بما قد بدا له ... عناق وضم وارتشاف مقبل )
وكتب بها إليها بعد الافتراق لتجيبه على عادتها في مثل ذلك فكتبت إليه بقولها
( لعمرك ما سر الرياض بوصلنا ... ولكنه أبدى لنا الغل والحسد )
( ولا صفق النهر ارتياحا لقربنا ... ولا غرد القمري إلا لما وجد )

( فلا تحسن الظن الذي أنت اهله ... فماهو في كل المواطن بالرشد )
( فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه ... لأمر سوى كيما تكون لنا رصد )
وقال ابن سعيد في الطالع السعيد كتبت حفصة الركونية الى بعض أصحابها
( أزورك ام تزور فإن قلبي ... الى ما تشتهي أبدا يميل )
( فثغري مورد عذب زلال ... وفرع ذؤابتي ظل ظليل )
( وقد أملت أن تظما وتضحى ... إذا وافى إليك بي المقيل )
( فعجل بالجواب فما جميل ... إباؤك عن بثينة يا جميل )
666

- سلمى بنت القراطيسي
قال التجاني تشبه أبيات حفصة هذه أبيات أنشدها ابن أبي الحصين في تاريخه لسلمى بنت القراطيسي من اهل بغداد وكانت مشهورة بالجمال وهي
( عيون مها الصريم فداء عيني ... وأجياد الظباء فداء جيدي )
( أزين بالعقود وإن نحري ... لأزين للعقود من العقود )
( ولا أشكو من الأوصاب ثقلا ... وتشكو قامتي ثقل النهود )
وبلغت هذه الأبيات المقتفي أمير المؤمنين فقال ايألوا هل تصدق صفتها قولها فقالوا مايكون أجمل منها فقال اسألوا عن عفافها فقالوا له هي أعف الناس فأرسل إليها مالا جزيلا وقال تستعين به على صيانة جمالها ورونق بهجتها انتهى
رجع الى حفصة
وقال أبو جعفر ابن سعيد أقسم ما رأيت ولا سمعت بمثل حفصة ومن

بعض ما أجعله دليلا على تصديق عزمي وبر قسمي أني كنت يوما في منزلي مع من يحب أن يخلى معه من الأجواد الكرام على راحة سمحت بها غفلات الأيام فلم نشعر إلا بالباب يضرب فخرجت جارية تنظر من الضارب فوجدت امرأة فقالت لها ماتريدين فقالت ادفعي لسيدك هذه الرقعة فجاءت برقعة فيها
( زائر قد اتى بجيد الغزال ... مطلع تحت جنحه للهلال )
( بلحاظ من سحر بابل صيغت ... ورضاب يفوق بنت الدوالي )
( يفضح الورد ماحوى منه خد ... وكذا الثغر فاضح للآلي )
( ماترى في دخوله بعد إذن ... أو تراه لعارض في انفصال )
قال فعلمت أنها حفصة وقمت مبادرا للباب وقابلتها بما يقابل به من يشفع له حسنه وآدابه والغرام به وتفضله بالزيارة دون طلب في وقت الرغبة في الأنس به انتهى
667 -
أبو جعفر ابن سعيد
قلت وإذ قد جرى ذكر ابي جعفر ابن سعيد سابق الحلبة فلنلم ببعض أحواله فنقول هو أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي قال قريبه أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد في المغرب سمعت أبي يقول لا أعلم في بني سعيد أشعر منه بل لا أعلم في بلده وعشق حفصة شاعرة الأندلس وكانا يتجاوبان تجاوب الحمام ولما استبد والده بأمر القلعة حين ثار أهل الأندلس بسبب صولة بني عبدالمؤمن على الملثمين اتخذه وزيرا واستنابه في

أموره فلم يصبر على ذلك واستعفى فلم يعفه وقال أفي مثل هذا الوقت الشديد تركن الى الراحة فكتب إليه
( مولاي في أي وقت ... انال في العيش راحه )
( أن لم أنلها وعمري ... ما إن أنار صباحه )
( وللملاح عيون ... تميل نحو الملاحه )
( وكأس راحي ما إن ... تمل مني راحه )
( والخطب عني أعمى ... لم يقترب لي ساحه )
( وأنت دوني سور ... من العلا والرجاحه )
( فأعفني وأقلني ... مما رأيت صلاحه )
( مافي الوزارة حظ ... لمن يريد ارتياحه )
( كل وقال وقيل ... ممن يطيل نباحه )
( أنسي أتى مستغيثا ... فاترك فديت سراحه )
فلما قرأ الأبيات قال لا ينفع الله بما لايكون مركبا في الطبع مائلة له النفس ثم وقع على ظهر ورقته قد تركنا سراح أنسك والحقنا يومك بأمسك ولما رجع ثوار الأندلس إلى عبد المؤمن وبايعه عبدالملك بن سعيد فغمره إحسانا وبرا وولي السيد أبو سعيد ابن عبدالمؤمن غرناطة طلب كاتبا من أهلها فوصف له فضل أبي جعفر وحسبه وأدبه فاستكتبه فطلب أن يعفيه فأبى إلى أن شرب أبو جعفر يوما مع خواصة وخرج ثاني يوم الى الصيد وكان اليوم ذا غيم وبرد ولما اشتد البرد مالوا الى خيمة ناطور وجعلوا يصطلون ويشربون على ما اصطادوا فحمل أبا جعفر بقية السكر على ان قال يصف يومه ويستطرد بما في نفسه
( ويوم تجلى الأفق فيه بعنبر ... من الغيم لذنا فيه باللهو والقنص )
( وقد بقيت فينا من الأمس فضلة ... من السكر تغرينا بمنتهب الفرص )

( ركبنا له صبحا وليلا وبعضنا ... أصيلا وكل إن شدا جلجل رقص )
( وشهب بزاة قد رجمنا بشهبها ... طيورا يساغ اللهو إن شكت الغصص )
( وعن شفق تغري الصباح أو الدجى ... إذا أوثقت ماقد تحرك أو قمص )
( وملنا وقد نلنا من الصيد سؤلنا ... على قنص اللذات والبرد قد قرص )
( بخيمة ناطور توسط عذبها ... جحيم به من كان عذب قد خلص )
( أدرنا عليه مثله ذهبية ... دعته إلى الكبرى فلم يجب الرخص )
( فقل لحريص أن يراني مقيدا ... بخدمته لا يجعل الباز في القفص )
( وما كنت إلا طوع نفسي فهل أرى ... مطيعا لمن عن شأو فخري قد نقص )
فكان في أصحابه من حفظ هذين البيتين ووشى بهما للسيد فعزله أسوأ عزل ثم بلغه بعد ذلك أنه قال لحفصة الشاعرة ما تحبين في ذلك الأسود وانا أقدر أن أشتري لك من سوق العبيد عشرة خيرا منه وكان لونه مائلا إلى السواد فأسرها في نفسه الى أن فر عبدالرحمن بن عبدالملك بن سعيد إلى ملك شرق الأندلس محمد بن مردنيش فوجد له بذلك سببا فقتله صبرا بمالقة
وكان عبدالملك بن سعيد يذكر ابنه أبا جعفر لعبدالمؤمن وينشده من شعره رغبة في تشريفه بالحضور بين يديه وإنشاده في مجلسه فأمره بحضوره فعندما دخل عليه قبل يده وأنشد قصيدة منها قوله
( عليك أحالني داعي النجاح ... ونحوك حثني حادي الفلاح )
( وكنت كساهر ليلا طويلا ... ترنح حين بشر بالصباح )
( وذي جهل تغلغل في قفار ... شكا ظمأ فدل على القراح )
( دعانا نحو وجهك طيب الذكر ... ويذكر للرياض شذا الرياح )

وله في غلام أسود ساق ارتجالا
( أدار علينا الكأس ظبي مهفهف ... غدا نشره واللون للعنبر الشحري )
( وزاد لنا حسنا بزهر كؤوسه ... وحسن ظلام الليل بالأنجم الزهر )
وقوله فيه وقد لبس أبيض
( وغصن من الآبنوس ارتدى ... بعاج كليل علاه فلق )
( يحاكي لنا الكأس في كفه ... صباح بجنح علاه شفق )
وقوله مما كتب به إلى اخيه محمد وقد ورد منه كتاب بإنعام
( وافى كتابك ينبي ... عن سابغ الإنعام )
( فقلت در ودر ... من زاخر وغمام )
وقوله يذم حماما
( يارب حمام لعنا بما ... أبدى إلينا كل حمام )
( أفق له قطر حميم كما ... أصمت سهام من يدي رامي )
( يخرق سحبا للدخان الذي ... لاح لغيم العارض الهامي )
( وقيم يجذبني جذبة ... وتارة يكسر إبهامي )
( ويجمع الأوساخ من لؤمه ... في عضدي قصدا لإعلامي )
( وازدحم الأنذال فيه وقد ... ضجوا ضجيجا دون إفهام )
( وجملة الأمر دخلنا بني ... سام وعدنا كبني حام )
وله في ضد ذلك والنصف الأخير لابن بقي
( لا أنس ما عشت حماما ظفرت به ... وكان عندي أحلى من جني الظفر )
( نعمت جسمي في ضدين مغتنما ... تنعم الغصن بين الشمس والمطر )

وقال له السيد أبو سعيد ابن عبدالمؤمن صاحب غرناطة ما أنت إلا حسن الفراسة وافر العقل فقال
( نسبتم لمن هذبتموه فراسة ... وعقلا ولولاكم للازمة الجهل )
( وماهو أهل للثناء وإنما ... علاكم لتقليد الأيادي له أهل )
( وما انا إلا منكم وإليكم ... وما في من خير فأنتم له أصل )
وقال
( ولما رأيت السعد في صفح وجهه ... منيرا دعاني ما رأيت الى الشكر )
( وأقبل يبدي لي غرائب نطقه ... وماكنت ادري قبله منزع السحر )
( فأصغيت إصغاء الجديب إلى الحيا ... وكان ثنائي كالرياض على القطر )
وله
( لا تكثرن عتابي ... إن طال عنك فراقي )
( فما يضر بعاد ... يطول والود باقي )
وله
( ماخدمناكم لأن تشفعوا فينا ... بدار الجزاء يوم الحساب )
( ذاك يوم أنا وأنت سواء ... فيه كل يخاف سوء العقاب )
( إنما الشأن الذب في هذه الدنيا ... بسلطانكم عن الأصحاب )
( وإذا ماخذلتموهم بشكوى ... وبخلتم عنهم برد الجواب )
( فاعذروهم ان يطلبوا من سواكم ... نصرة وارفعوا حجال العتاب )
( وإذا أرض مجدب لفظته ... فله العذر في اتباع السحاب )
وله وقد تقدم أمامه في ليلة مظلمة أحد أصحابه فطفىء السراج في يده فقال لوقته

( لي من جبينك هادي ... في الليل نحو مرادي )
( فما أريد سراجا ... يدلني لرشاد )
( أنى وكفك سحب ... يبدو بها ذا اتقاد )
وله في قوادة
( قوادة تفخر بالعار ... أقود من ليل على سار )
( ولاجة في كل دار وما ... يدري بها من حذقها داري )
( ظريفة مقبولة الملتقى ... خفيفة الوطء على الجار )
( لحافها لا ينطوي دائما ... أقلق من راية بيطار )
( قد ربيت مذ عرفت نفعها ... مابين فتاك وشطار )
( جاهلة حيث ثوى مسجد ... عارفة حانة خمار )
( بسامة مكثرة برها ... ذات فكاهات وأخبار )
( علم الرياضات حوته وسا ... سته ... بتقويم وأسحار )
( مناعة للنعل من كيسها ... موسرة في حال اعسار )
( تكاد من لطف أحاديثها ... تجمع بين الماء والنار )
وما سمعنا في هذا الباب أحسن من هذا والبيت السائر
( تقود من السياسة ألف بغل ... إذا حرنت بخيط العنكبوت )
وشرب ليلة مع أصحاب له وفيهم وسيم فأعرض بجانبه وقطب فتكدر المجلس فقال أبو جعفر
( يا من نأى عنا الى جانب ... صدا كميل الشمس عند الغروب )
( لا تزو عنا وجهك المجتلى ... فالشمس لا يعهد منها قطوب )
( إن دام هذا الحال ما بيننا ... فإننا عما قريب نتوب )

( ما نشتكي الدهر ولا خطبه ... لولاك مادارت علينا خطوب )
وله أيضا
( أيا لائمي في حمل صحبة جاهل ... قطوب المحيا سيء اللحظ والسمع )
( لمنفعة ترجى لديه صحبته ... وإن كان ذا طبع يخالفه طبعي )
( كما احتمل الإنسان شرب مرارة الدواء ... لما يرجو لديه من النفع )
وله وقد أحسن ماشاء
( تركتكم لا كارها في جنابكم ... ولكن أبى ردي إلى بابكم دهري )
( وطاحت بي الأطماع في كل وجهة ... تنقلني من كل سهل إلى وعر )
( وما باختيار فارق الخلد آدم ... وماعن مراد لاذ أيوب بالصبر )
( ولكنها الأيام ليست مقيمة ... على ما اشتهاه مشته امد العمر )
( وإنك إن فكرت فيما أتيته ... تيقنت أن الترك لم يك عن غدر )
( ولكن لجاج في النفوس إذا انقضى ... رجعت كما قد عاد طير إلى وكر )
( وإني لمنسوب إليكم وإن نأت ... بي الدار عنكم والغدير إلى القطر )
( وإني لمثن بالذي نلت منكم ... مقيم على ما تعلمون من البر )
( وإن خنتكم يوما فخانني المنى ... وساء لديكم بعد إحماده ذكري )
( على أنني أقررت أني مذنب ... وذو المجد من يغني المقر عن العذر )
وله يصف نارا
( نظرت الى نار تصول على الدجى ... إذا ما حسبناها تدانت تبعد )
( ترفعها أيدي الرياح وتارة ... تخفضها مثل المكبر يسجد )
( وإلا فمن لا يملك الصبر قلبه ... يقوم به غيظ هناك ويقعد )
( لها ألسن تشكو بها ما أصابها ... وقد جعلت من شدة القر ترعد )

وله على لسان إنسان أخلقت بردته
( مولاي هذي بردتي أخلقت ... وليس شيء دونها املك )
( وصرت من بأس ومن فاقة ... أبكي إذا أبصرتها تضحك )
وله يستدعي احد أبناء الرؤساء إلى يوم اجتماع
( تداركنا فإنا في سرور ... وما بسؤاك يكتمل السرور )
( أهلة أنسنا بك في تمام ... أليس تتم بالشمس البدور )
وله وقد خطر على منزله من إليه له ميل وقال لولا أخاف التثقيل لدخلت وانصرف فلما أعلم أبو جعفر كتب إليه
( مولاي لم تقصد تعذيب من ... يهوى وما قصدك مجهول )
( طلبت تخفيفا ببعد وفي ... تخفيف من تهواه تثقيل )
( غيرك إن زار جنى ضجرة ... ولج منه القال والقيل )
( وأنت إن زرت حياة وما العيش ... إذا ماطال مملول )
وله وقد جلس إلى جانبه رجل تكلم فأنبأ عن علو قدر فسأله عن بلده فقال إشبيلية ففكر ثم قال
( ياسيدا لم أكن من قبل أعرفه ... حتى تكلم مثل الروض بالعبق )
( وزادني أن غدا في حمص منشؤه ... لقد تشاكل بين البدر والأفق )
وله وقد حضر مجلسا مع إخوان له في انبساط ومزاح فدخل عليهم أحد ظرفاء الغرباء بوجه طلق وبشاشة فاهتز لما سمع بينهم وجعل يصل ما

يحتاج من مزاحهم إلى صلة بأحسن منزع وأنبل مقصد فأنشده أبو جعفر ارتجالا
( ياسيدا قد ضمه مجلس ... حل به للمزح إخوان )
( لم نلق من فجأته خجلة ... ولا ثنانا عنه كتمان )
( كأنه من جمعنا واحد ... لم ينب منا عنه إنسان )
( ولم نكن ندريه لكن بدا ... في وجهه للظرف عنوان )
وله وقد لقي أحد إخوانه وكان قد أطال الغيبة عنه فدار بينهما ما اوجب أن قال
( إن لحت لم تلمح سواك الأعين ... أوغبت لم تذكر سواك الألسن )
( انت الذي ما إن يمل حضوره ... ومغيبه السلوان عنه يؤمن )
وله وهو من آياته
( إني لأحمد طيفها وألومها ... والفرق بينهما لدي كبير )
( هي إن بدت لي شيبة في جفوة ... والطيف في حين المشيب يزور )
( وإذا توالى صدها أو بينها ... وافى على أن المزار عسير )
وله وقد سافر بعض الأراذل بماله فنكب في سفره وعاد فقيرا بأسوء أحواله
( اغد ولا يغن عنك القيل والقال ... فالجود مبتسم والفضل يختال )
( قالوا فلان رماه الله في سفر ... رآه رأيا بما حالت به الحال )
( فآب منه سليبا مثل مولده ... عليه ذل وتفجيع وإقلال )
( فقلت لا خفف الرحمن عنه فلم ... يكن لديه على القصاد إقبال )
( فقل له دام في ذل ومسغبة ... ولا أعيدت له في المال آمال )

( قد كان حمقك حسن المال يستره ... فاليوم أصبحت لا عقل ولا مال )
وله وقد سافر احد الرؤساء من أصحابه
( أيا غائبا لم يغب ذكره ... ولا حال عن وده حائل )
( لئن مال دهري بي عنكم ... فقلبي نحوكم مائل )
( فإني شاهدت منكم علا ... من العجز قس بها باقل )
( لئن طال بي البعد عن لحظكم ... فما في حياتي إذن طائل )
وله وهو من حسناته
( شقت جيوب فرحا عندما ... آبت وفي البعد تشق القلوب )
( فقلت هذا موقف ما يشق الجيب ... فيه غير صب طروب )
( فابتسمت زهوا وقالت كذا الأفق ... لعود الشمس شق الجيوب )
وله وقد أجمع رأيه على أن يفد على امير المؤمنين عبدالمؤمن فأخذ في ذلك مع أصحاب له فجعلوا يثنونه عن ذلك وظهر عليهم الحسد له فقال
( سر نحو ما تختار لا تسمعن ... ماقاله زيد ولا عمرو )
( كلهم يحمد مارمته ... مهما يساعد رأيك الدهر )
( عجبت ممن رام صدر العلا ... يروم ان يصفو له دهر )
فقالوا له اتهمتنا في الود فقال لو لم اتهمكم كنت أتهم عقلي والعياذ بالله تعالى من ذلك وكيف لا أتهمكم وقد غدوتم تثنونني عن زيارة خليفة لوالدي عنده مكان وله علينا إحسان ولي شافع عنده مقرب لمجلسه عقلي ولساني ولكنني انا المخطىء الذي عدلت عن العمل بقول القائل

( ولم يستشر في امره غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا )
وله في شعاع القمر والشمس على النهر
( ألا حبذا نهر إذا ما لحظته ... أبى أن يرد اللحظ عن حسنه الأنس )
( ترى القمرين الدهر قد عنيا به ... يفضضه بدر وتذهبه شمس )
وله في والده وقد سن عليه درعا
( أيا قائد الأبطال في كل وجهة ... تطير قلوب الأسد فيها من الذعر )
( لقد قلت لما أن رأيتك دارعا ... أيا حسن ما لاح الحباب على البحر )
( وأنشدت والأبطال حولك هالة ... أيا حسن ما دار النجوم على البدر )
وقوله وقد بلغه أن حاسدا شكره
( متى سمعت ثناء ... عمن غدا لك حاسد )
( فكان منك انخداع ... به فرأيك فاسد )
( بصدره منك نار ... لهيبها غير خامد )
( وعله لك مازدت ... في السعادة زائد )
( وإنما ذاك منه ... كالحب في فخ صائد )
وله
( أبصره من يلوم فيه ... فقال ذا في الجمال فائق )
( أما ترى مادهيت منه ... كان عذولا فصار عاشق )
وله في أبيه وقد سجنه عبدالمؤمن
( مولاي إن يحبسك خير خليفة ... فبذاك فخرك واعتلاء الشان )
( فالجفن يحبس نوره من غبطة ... والمرهفات تصان في الأجفان )

( فابشر فنزع الدر من أصدافه ... يعليه للأسلاك والتيجان )
( ولئن غدا من ظل دونك مطلقا ... إن القذى ملقى عن الأجفان )
( والعين تحبس دائما أجفانها ... وهداية الإنسان بالإنسان )
( والطرس يختم ماحواه نفاسة ... ويهان مايبدو من العنوان )
( فاهنأ به لكن مليا مكثه ... سجنا لغير مذلة وهوان )
( فلتعلون رغم الأعادي بعده ... بذري الخليفة في ذري كيوان )
مولاي غيرك يعزي بما لم يزل يجري على الكرام ويذكر تأنيسا له في الوحشة بما يطرأ من الكسوف والخسوف على الشمس المنيرة والبدر التمام
( وأنت تعلم الناس التعزي ... وخوض الموت في الحرب السجال )
وقد كان مولاي أنشدني لعلي بن الجهم قائلا إن أحدا لم يسل نفسه عما ناله من السجن بمثله
( قالوا سجنت فقلت ليس بضائر ... سجني وأي مهند لا يغمد )
الأبيات ماذا تفيدك من العلم وصدرك ينبوعه وبخاطرك لا يزال غروبه وطلوعه وإنما هي عادة تبعناها أدبا وقضينا بها ما في النفس من الإعلام بالتوجع والتفجع أربا ولعل الله تعالى يتبع هذه التسلية بتهنئة ويعقب بالنعمة هذه المرزئة قال فأمر الملك بتسريحه إثر ذلك فلما اجتمع وجهه بوجهه جعل يحمد الله تعالى جهرا ويغرد بهذه الأبيات وكان سراحه بكرة
( طلعت علينا كالغزالة بالضحى ... وعزك طماح ووجهك مشرق )

( فغفرا لذنب الدهر أجمع إنه ... أتى اليوم من حسناه ماهو أليق )
( فلح في سماء العز بالسعد طالعا ... وقدرك سام أفقه ليس يلحق )
( فقد سرحت لما غدوت مسرحا ... قلوب وأفكار وسمع ومنطق )
فاهتز أبوه من شدة الطرب وقال له والله إنك لتملأ الدلو إلى عقد الكرب
وله يعتذر وقد دعي الى مجلس أنس سيدي ساعدك سولك لما وصل إلى أخيك المعتد بك رسولك قابله بما يجب من القبول وأبدى له من الشغل مامنع من الوصول
( ومن ذا الذي يدعى لعدن فلا يرى ... على الرأس اجلالا إليها يبادر )
ولكن الاضطرار لا يكون معه اختيار وإني لأشوق الناس إلى مشاهدة تلك المكارم وأحبهم في محاضرة تلك الآداب المترادفة ترادف الغمائم ولكن شغلني عارض قاطع وبرغمي أني لدعوتك عاص وله طائع وإني بعد ذلك لحامل على تلك السجية الكريمة في الغفران مستجير بالخلاص الذي أعهد من خرق فلان ومكر فلان فإني متى غبت لا أعدم مترصدا قرحة يقع عليها ذبابه ومستجمعا إذا أبصر فرصة سل عليها ذبابه
( ولكنني أدري بأني نازح ... ودان سواء عند من يحفظ العهدا )
وإني لأقول وقد غبت عن تلك الحضرة العلية وجانبت ذلك الجناب السامي والمثابة السنية
( لئن غبت عمن نوره نور ناظري ... فحسبي لديه أن أغيب عقابا )
( وسوف اوافيه مقرا بزلتي ... وفي حلمه أن لا يطيل حسابا )
وله في قصر النهار ولو لم يكن له غيره لكفاه

( لله يوم مسرة ... أضوا وأقصر من ذباله )
( لما نصبنا للمنى ... فيه بأوتار حباله )
( طار النهار به كمر تاع ... وأجفلت الغزاله )
وهذا المعنى لم يسبق إليه ولم يقدر أحد أن ينزعه من يديه
ولما وصل صحبة والده إلى إشبيلية افتتن بواديها واعتكف على الخلاعة فيها مصعدا ومنحدرا بين بساتينه ومنازهه فمر ليلة بطريانة فمال نحو منزه فيه طرب سمعه فاستوقفه هنالك وهو في الزورق متكىء وأصحابه وأصحاب أبيه مظهرون انحطاطهم عنه في المرتبة فأخرج رأسه أحد الأنذال المعتادين بالنادر من شرجب والشرجب هو الدرابزين من خشب فيه طاقات وطريانة مقابلة إشبيلية وبها المنازه والأبنية الحسنة فضرط له ذلك النذل بغاية ماقدر فرفع رأسه وقد أخذ منه السكر ولم يعتد مثل ذلك في بلده وقال ياسفلة أتقدم علي بهذا قبل معرفتي فثنى عليه واحدة أخرى ثم رفع ثوبه عن ذكره وهو منعظ وقال ياوزير اجعل هذا عندك وديعة حتى أعرف من تكون ثم رفع ماعلى استه من ثيابه وقال واعمل من هذا غلافا للحيتك فإذا عرفناك ذهبناه لك فغلبه الضحك على الحرج وجعل أصحابه يقولون له ماسمعت أن من دخل هذا الوادي يعول على هذا وأمثاله فمال عن ذلك المنزه قليلا وأطرق ساعة وقال
( نهر حمص لا عدمناك ... فما مثلك نهر )
( فيك يلتذ ارتياح ... أبد الدهر وسكر )
( كل عمر قد خلا منك ... فما ذلك عمر )
( خصه الله بمعنى ... فيه للألباب سر )

( يلعن الإنسان فيه ... وهو يصغي ويسر )
ثم سأل بعد ذلك عن رب المنزه فسمي له وأعلم ان ابن سيد الشاعر المشهور باللص كان حاضرا وانه أملى على السفلة ماقال وصنع فكتب له أبو جعفر
( ياسميي وإن أفاد اشتراك ... غير ما يرتضيه فضل وود )
( أكذا يزدري الخليل بأفق ... أنت فيه ولم يكن منك رد )
( لا أرى من سلطت وغدا ولكن ... ليس يخفى عليك من هو وغد )
فلما وقف على هذه الأبيات كتب له يامولاي وسيدي وأجل ذخري للزمان وعضدي الذي أفخر بمشاركة اسمه وتتيه هذه الصناعة بذكره ورسمه
( وخير الشعر أشرفه رجالا ... وشر الشعر ما قال العبيد )
سلام كتسنيم على ذلك المقام الكريم ورحمة الله تعالى وبركاته وإن كان مولاي لم يفاتحني بالسلام ولا رآني أهلا لمقاومة الكرام لكن حط قدري عنده مانسب لي من الذنب المختلق ولا والله مانطقت بلسان ولا كنت ممن رمق بل الذي زور لسيدي في هذه الوشاية كان المعين عليها والملم إليها فبادر إليكم قبل ان أسبقه فاتسم بأسقط خطتين النذالة الأولى والوشاية الأخرى ولولا أن المجالس بالأمانات وأن الخلاعة بساط يطوى على ماكان فيه لكنت أسبق منه لكني يأبي ذلك خلقي وما تأدبت به ومع ذلك فإني أقول

( فإن كنت ذا ذنب فقد جئت تائبا ... ومثلك غفار ومثلك قابل )
ولولا ما اخشى من التثقيل وما اتوقع من الخجل إذا التقى الوجهان لأتيت حتى أبلغت في الاعتذار بالمشافهة ما لا يسع القرطاس لكنني متكل على حلم سيدي وإغضائه متوسل إليه في الغفران بعلائه وكتب تحت ذلك شعرا طويلا منه
( ولا غرو أن تعفو وأنت ابن من غدا ... تعود عفوا عن كبار الجرائم )
( لكم آل عمار بيوت رفيعة ... تشيد من كسب الثنا بدعائم )
( إذا نحن أذنبنا رجونا ثوابكم ... ولم نقتنع بالعفو دون المكارم )
( وإنك فرع من أصول كريمة ... ولا تلد الأزهار غير الكمائم )
( وإني مظلوم لزور سمعته ... وقد جئت أرجو العفو في زي ظالم )
فأجابه أبو جعفر بما نصه سيدي الذي أكبر قدره وأجل ذكره وأجزل شكره وصل جوابك الذي لو كان لك من الذنب ماتحمله ابن ملجم لأضربت لك عنه صفحا ونسيت بما تأخر ما تقدم ومعاذ الله أن أنسب لفضلك عيبا فأذم لك حضورا أو غيبا وإنما قصدت بالمعاتبة ماتحتها من المطارحة والمداعبة على أن سيدي لو تيقنت انه ظالم لأنشدت
( منذ غدا طرفك لي ظالما ... آليت لا أدعو على ظالم )
لكنني أتيقن خلاف ذلك وأعلم حتى كاني حاضر ماكان هنالك وقد أطلت عليك وبعد هذا فلتعتمد على ان تصل إلي أو أصل إليك فهذا يوم كما قال البستي
( يوم له فضل على الأيام ... مزج السحاب ضياءه بظلام )

( فالبرق يخفق مثل قلب هائم ... والغيم يبكي مثل جفن هام )
( فاختر لنفسك أربعا هن المنى ... وبهن تصفو لذة الأيام )
( وجه الحبيب ومنظرا مستشرقا ... ومغنيا غردا وكأس مدام )
وقد حضرت عند محبك الثلاثة فكن رابعها ونادت بك همم الأماني فكن بفضلك سامعها ومركز أفلاك هذه المسرة حين كتب هذه الرقعة إلى مجدك منزه مطل على جزيرة شنتبوس لا أزال أترنم فيه بقول ابن وكيع
( قم فاسقني والخليج مضطرب ... والريح تثني ذوائب القضب )
( كأنها والرياح تعطفها ... صف قنا سندسية العذب )
( والجو في حلة ممسكة ... قد طرزتها البروق بالذهب )
فإن كان سيدي في مثل هذا المكان جرينا إليه جري الحلبة لخصل الرهان وإن كان في كسر بيته فليبادر إلى محل تقصر عنه همة قيصر وكسرى وإن أبطأ فإن الرقاع بالإستدعاء لا تزال عليه تترى وإن كان لا يجدي هذا الكلام فما نقنع من العقوبة المؤلمة بالملام وعلى المودة المرعية الداعية أكمل مايكون من السلام
فعندما قرأ الرقعة ركب إليه زورقا وصنع هذه الأبيات في طريقه فعند وصوله أنشده إياها
( ركبت إليك النهر يا بحر فالقنا ... بما يتلقى جوده كل قادم )
( بفيض ولكن من مدام وهزة ... ولكن إلى بذل الندى والمكارم )
( وكنا نسمي قبل كونك حاتما ... ومذ لحت فينا لم نعد ذكر حاتم )
( بآل سعيد يفخر السعد والعلا ... فأيديهم تلغي أيادي الغمائم )
فامتلأ أبو جعفر سرورا وخلع عليه ماكان عنده هنالك ووعده بغير ذلك فأطرق لينظم شيئا في شكره فأقسم عليه أن لا يشغل خاطره في ذلك

الوقت عن الارتياح وحث أكؤس الراح فأقبلوا على شأنهم وكان ابن سيد في ذلك الحين متسترا بشرب الراح وكان عند أبي جعفر خديم كثير النادر والالتفات يخاف أهل التستر من مثله فقال ابن سيد هات دواة وقرطاسا فأعطاه ذلك فكتب
( ياسيدي قد علمت أني ... بهذه الحال لا اظاهر )
( أخشى أناسا لهم عيون ... نواظر مني المعاير )
( أحذرهم طاقتي وإني ... وثقت بالله فهو غافر )
( ولا تقس حالتي بحال ... منك اعتذارفالفرق ظاهر )
( فأنت إن كنت ذا جهار ... غير مبال فالجاه ساتر )
( لاتخش من قول ذي اعتراض ... ولا حسود عليك قادر )
( وإنني قد رأيت ممن ... يكثر القول وهو ساخر )
( ماقد أراب العفيف منه ... ضحك وظن به يجاهر )
( أخشى إذا قيل كيف كنتم ... قال بحال تسر ناظر )
( واللص ما بيننا صريعا ... بكل كأس عليه دائر )
( مطرحا للصلاة يصغي ... لصولة الدف والمزامر )
( فأغتدي سيدي مشارا ... إلي مهما مررت خاطر )
( وإن أتيت الملوك أبغي ... نوالهم قيل أي شاعر )
( يذكر في شعره خلافا ... وهو لزور المحال ذاكر )
( بالأمس قد كان ذا انتهاك ... فما له بعد ذاك عاذر )
( إن كان هذا فإن حظي ... وافى لربح فآب خاسر )
فقال له أبو جعفر يا أبا العباس اشرب هنيئا غير مقدر ماقدرت فلو

كان هذا المضحك على الصفة التى ذكرت كان الذنب منسوبا الي في كوني احضر في مجلسي من يهتك ستر المستورين ومهما تره هنا بهذه الخفة والطيش والتسرع للكلام فإنه إذا فارقنا أثقل من جبل وأصمت من سمكة متزي بزي خطيب في نهاية من السكون والوقار
( وتحت الثياب العار لو كان باديا )
فكن في امن ما شربت معي فإني والله لا أسمع أحدا من أصحابنا تكلم في شأنك بأمر إلا عاقبته أشد العقاب والذنب في ذلك راجع إلي فسكن إبن سيد وجعل يحث الأقداح ويمرح أشد المراح على ماكان يظهره من الانقباض تقية لما يخشاه من الاعتراض إلى ان قاربت الشمس الغروب ومد لها في النهر معصم مخضوب فقال أبو جعفر
( انظر الى الشمس قد ألصقت ... على الأرض خدا )
فقال إبن سيد
( هي المرأة ولكن ... من بعدها الأفق يصدا )
فقال أبو جعفر
( مدت طرازا على النهر ... عندما لاح بردا )
فقال ابن سيد
( أهدت لطرفك منه ... ما للأكارم يهدى )
فقال أبو جعفر
( درع اللجين عليه ... سيف من التبر مدا )

فقال ابن سيد
( فاشرب عليه هنيئا ... وزد سرورا وسعدا
ثم لما أظلم الليل نظروا إلى منارة شنتبوس قد عكست مصابيحها في النهر والى النجوم قد طلعت فيه فقال ابن سيد
( اخلع على النهر ثوب الكرى ... فذلك واجب )
فقال أبو جعفر
( وانظر إلى السرج فيه ... كالزهر ذات الذوائب )
( وحين صفق للأفق ... نقطته الكواكب )
فقبل ابن سيد رأسه وقال ماتركت بعد هذا مقالا لقائل ثم جعلوا يشربون
فقال أبو جعفر
( سقني والأفق برد ... بنجوم الليل معلم )
فقال ابن سيد
( وبساط النهر منها ... وهو فضي مدرهم )
فقال أبو جعفر
( ورواق الليل مرخى ... والشذا بالروض قد نم )
فقال ابن سيد
( والندى في الزهر منثور ... على عقد منظم )
فقال أبو جعفر
( والصبا جرت على ميت ... الطلى كف ابن مريم )

فقال ابن سيد
( كان مبهوتا فلما ... نفخت فيه تكلم )
فقال أبو جعفر
( وكأن الكأس والقهوة ... دينار ودرهم )
فقال ابن سيد
( وبدا الدف يناغي العود ... والمزمار هيم )
فقال أبو جعفر
( فأذاع الأنس منا ... كل ماقد كان مكتم )
فقال ابن سيد
( أي عيش يهتك المستور ... لو كان ابن أدهم )
فقال أبو جعفر
( هكذا العيش ودعني ... من زمان قد تقدم )
فقال ابن سيد
( حين لا خمر سوى ما ... بكؤوس البيض من دم )
فقال أبو جعفر والله ما تعديت ماجال الساعة في خاطري فإني ذكرت أيام الفتنة وماكابدنا فيها من المحن وأنا لم نزل في مصادمة ومقارعة ثم رأيت مانحن الآن فيه بهذه الدولة السعيدة التي امنت وسكنت فشكرت الله تعالى ودعوت بدوامها
ثم لما طلع الفجر قال أبو جعفر
( نثر الطل عقوده ... ونضا الليل بروده )

فقال ابن سيد
( وبدا الصبح بوجه ... مطلع فينا سعوده )
فقال أبو جعفر
( وغدا ينشر لما ... فتر الليل بنوده )
فقال ابن سيد
( فهلم اشرب وقبل ... من غدا ينطق عوده ) فقال جعفر
( ثم صافحه على رغم ... النوى وافرك نهوده )
فقال ابن سيد
( واجعل الشكر على ما ... نلته منه جحوده )
فقال أبو جعفر يا أبا العباس إنك أغرت على التهامي في هذا البيت في قوله
( وشكر أيادي الغانيات جحودها )
قال فلم لقبت باللص لولا هذا وأمثاله ماكان ذلك
واللص المذكور اسمه أحمد بن سيد يكنى أبا العباس وهو من مشهوري شعراء الأندلس ولما أنشد أمير المؤمنين عبدالمؤمن بن علي بجبل الفتح قوله
( غمض عن الشمس واستقصر مدى زحل ... وانظر إلى الجبل الراسي على جبل ) قال له أنت شاعر هذه الجزيرة لولا أنك بدأتنا بغمض وزحل والجبل
ومن بديع له أنت شاعر هذه الجزيرة لولا أنك بدأتنا بغمض وزحل والجبلنظم اللص قوله
( سلبت قلبي بلحظ ... أبا الحسين خلوب )

( فلم أسمى بلص ... وأنت لص القلوب )
ولما اجتمع أبو جعفر ابن سعيد المترجم به باللص أبي العباس المذكور في جبل الفتح عندما وفد فضلاء الأندلس على عبدالمؤمن واستنشده فجعل ينشده ما استجفاه به لخروجه عن حلاوة منزع أبي جعفر إلى ان انشده قوله
( وما أفنى السؤال لكم نوالا ... ولكن جودكم افنى السؤالا )
فقال له أبو جعفر لا جعلك الله في حل من نفسك يكون في شعرك مثل هذا وتنشدني ماكان يحملني على أن أسأت معك الأدب والله لو لم يكن لك غير هذا البيت لكنت به أشعر أهل الأندلس
وكتب إلي أبي جعفر أبو الحكم بن هرودس في يوم بارد بغرناطة
( ياسميي فى علم مجدك مايحتاج ... فيه هذا النهار المطير )
( ندف الثلج فيه قطنا علينا ... ففررنا بعدلكم نستجير )
( والذي أبتغيه في اللحظ منه ... ورضاب الذي هويت نظير )
( يوم قر يود من حل فيه ... لو تبدى لمقلتيه سعير )
فوجه بما طلب وجاوبه بما كتب
( أيها السيد الأجل الوزير ... ألذي قدره معلى خطير )
( قد بعثنا بما أشرت إليه ... دمت للأنس والسرور تشير )
( كان لغزا فككته دون فكر ... إن فهمي بما تريد خبير )

ومن نظم أبي الحكم
( إذا ضاقت عليك فول عنها ... وسر في الأرض واختبر العبادا )
( ولا تمسك رحالك في بلاد ... غدوت بأهلها خبرا معادا )
668

- أخيل الرندي
ولما مدح أبو القاسم أخيل بن ادريس الرندي عبدالمؤمن في جبل الفتح بقصيدة اولها
( ما الفخر إلا فخر عبدالمؤمن ... أثنى عليه كل عبد مؤمن )
قال أبو جعفر ابن سعيد دعاه التجنيس إلى الضعف والخروج عن المقصود والأولى ان لو قال شاد الخلافة وهو أول مبتني
ومن هذه القصيدة
( اما ابن سعد فهو أول مارق ... ياليته بأبيه سعد يكتني )
( ما قدر مرسية وحكمك نافذ ... إن شئت من عدن لأرض المعدن )
فلما أكملها قال له عبدالمؤمن أجدت فقال ارتجالا
( من لي أمير المؤمنين بموقفي ... هذا وقولك لي أجدت ولم تن )
( فلقد مدحتك خائفا أن لا يفي ... لسني بما يعيي جميع الألسن )
ولابن إدريس المذكور
( أيها البدر هل علمت بأني ... لم أبت راعيا محياك ودا )
( انا لو بات من حكيت بجنبي ... لم يكن عنه ناظري يتعدى )

وله
( شتان مابيني وبينك في الهوى ... انا أبتغيك وأنت عني تصدف )
( وإذا عتبتك وارعويت يبين لي ... في الحين منك بأن ذاك تكلف )
( ياليت شعري كيف يقضى وصلنا ... والعمر يفنى والمواعد تخلف )
وقيل له لما هجره عبدالمؤمن اكتب له واعتذر وبرهن عن نفسك فقال مايكون أمير المؤمنين هجرني إلا وقد صح عنده ولا أنسبه في أمري لقلة التثبت والجور وإنما أرغب في عفوه ورحمته فكأن هذا الكلام ألان عليه قلب عبدالمؤمن لما بلغه وكان قد نقل عنه حساده أنه قال كيف تصح له الخلافة وليس بقرشي
669

- ترجمة اللص
ولا بأس أن نزيد من أخبار اللص الذي جرى ذكرنا له مع أبي جعفر ابن سعيد فنقول
هو النحوي المبرز في الشعر أبو العباس أحمد بن سيد الإشبيلي ذكره ابن دحيه في المطرب وأخبر أنه شيخه وختم كتاب سيبويه مرتين على النحوي أبي القاسم ابن الرماك واجتمع به أبو جعفر ابن سعيد بحبل الفتح كما سبق ولقب اللص لإغارته على أشعار الناس
وله
( شاموا الردى فأشموا الترب آنفهم ... ولم يبالوا بما فيها من الشمم )
ثم جعل يقول قطع الله لساني إن كان اليوم على وجه الأرض من يعرف

أن يسمعه فضلا عن ان يقوله
وله القصيدة الشهيرة
( نداك الغيث إن محل توالى ... وأنت الليث إن شاءوا القتالا )
( سلبت الليث شدة ساعديه ... نعم وسلبت عينيه الغزالا )
( وما أفنى السؤال لكم نوالا ... ولكن جودكم أفنى السؤالا )
وقد تقدم هذا البيت في حكايته مع ابن سعيد
وقال في حلقة خياط وهو من محاسنه
( كأنها بيضة وخز الرماح بها ... باد وقونسها بالسيف قد قطعا )
وقال
( فالليل إن واصلت كالليل إن هجرت ... أشكو من الطول ما أشكو من القصر )

رجع إلى أخبار أبي جعفر ابن سعيد
قال في الأزهار المنثورة في الأخبار المأثورة مانصه لما قبض على الوزير أبي جعفر ابن عبدالملك بن سعيد العنسي وثقف بمالقة دخل إليه ابن عمه ووصل الى الإجتماع به ريثما استؤذن السيد أبو سعيد ابن الخليفة عبدالمؤمن في أمره قال فدمعت عيناي حين رأيته مكبولا فقال لي أعلي تبكي بعدما بلغت من الدنيا أطايب لذاتها فأكلت صدور الدجاج وشربت في الزجاج ولبست الديباج وتمتعت بالسراري والأزواج واستعملت من الشمع السراج الوهاج وركبت كل هملاج وها انا في يد الحجاج منتظر محنة الحلاج قادم على غافر لا يحتاج إلى اعتذار ولا احتجاج قال فقلت أفلا يؤسف

على من ينطق بهذا الكلام ثم يفقد وقمت عنه فكان آخر العهد به انتهى

رجع إلى أخبار النساء
9 - ومن أشهرهن بالأندلس ولادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبدالرحمن ابن عبيدالله بن الناصر لدين الله وكانت واحدة زمانها المشار إليها في أوانها حسنة المحاضرة مشكورة المذاكرة كتبت بالذهب على طرازها الأيمن
( انا والله أصلح للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتيه تيها )
وكتبت على الطراز الأيسر
( وأمكن عاشقي من صحن خدي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها )
وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف وفيها خلع ابن زيدون عذاره وقال فيها القصائد الطنانة والمقطعات وكانت لها جارية سوداء بديعة المعنى فظهر لولادة ان ابن زيدون مال إليها فكتبت إليه
( لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا ... لم تهو جاريتي ولم تتخير )
( وتركت غصنا مثمرا بجماله ... وجنحت للغصن الذي لم يثمر )
( ولقد علمت بأنني بدر السما ... لكن ولعت لشقوتي بالمشتري )
ولقبت ابن زيدون بالمسدس وفيه تقول
( ولقبت المسدس وهو نعت ... تفارقك الحياة ولا يفارق )
( فلوطي ومأبون وزان ... وديوث وقرنان وسارق )
وقالت فيه

( إن ابن زيدون على فضله ... يغتابني ظلما ولا ذنب لي )
( يلخظني شزرا إذا جئته ... كأنني جئت لأخصي علي )
وقالت فيه أيضا
( إن ابن زيدون على فضله ... يعشق قضبان السراويل )
( لو أبصر الأير على نخلة ... صار من الطير الأبابيل )
وقالت ولادة تهجو الأصبحي
( يا أصبحي اهنأ فكم نعمة ... جاءتك من ذي العرش رب المنن )
( قد نلت باست ابنك مالم ينل ... بفرج بوران أبوها الحسن )
وكتبت إليه لما أولع بها بعد طول تمنع
( ترقب إذا جن الظلام زيارتي ... فإني رأيت الليل اكتم للسر )
( وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح ... وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر )
ووفت بما وعدت ولما أرادت الانصراف ودعته بهذه الأبيات
( ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك )
( يقرع السن على ان لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك )
( يا أخا البدر سناء وسنا ... حفظ الله زمانا أطلعك )
( إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك )
وكتبت إليه
( ألا هل لنا من بعد هذا التفرق ... سبيل فيشكو كل صب بما لقي )
( وقد كنت أوقات التزاور في الشتا ... أبيت على جمر من الشوق محرق )
( فكيف وقد أمسيت في حال قطعة ... لقد عجل المقدور ما كنت أتقي )

( تمر الليالي لا أرى البين ينقضي ... ولا الصبر من رق التشوق معتقي )
( سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا ... بكل سكوب هاطل الوبل مغدق )
فأجابها بقوله
( لحى الله يوما لست فيه بملتق ... محياك من أجل النوى والتفرق )
( وكيف يطيب العيش دون مسرة ... وأي سرور للكئيب المؤرق )
وكتب في أثناء الكلام بعد الشعر وكنت ربما حثثتني على أن أنبهك على ما أجد فيه عليك نقدا وإني انتقدت عليك قولك
( سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا ... )
فإن ذا الرمة قد انتقد عليه قوله مع تقديم الدعاء بالسلامة
( ألا يا اسلمي يادار مي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر )
إذ هو أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له واما المستحسن فقول الآخر
( فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي ) وبسببها خاطب ابن عبدوس بالرسالة المشهورة التى شرحها غير واحد من أدباء المشارقة كالجمال ابن نباتة والصفدي وغيرهما وفيها من التلميحات والتنديرات ما لا مزيد عليه
وقد ذكر ولادة ابن بشكوال في الصلة فقال كانت اديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر وكانت تناضل الشعراء وتساجل الأدباء وتفوق البرعاء وعمرت عمرا طويلا ولم تتزوج قط وماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانين وقيل أربع وثمانين وأربعمائة رحمها الله تعالى

وكان أبوها المستكفي بايعه أهل قرطبة لما خلعوا المستظهر كما ألمعنا به في غير هذا الموضع وكان جاهلا ساقطا وخرجت هي في نهاية من الأدب والظرف حضور شاهد وحرارة اوابد وحسن منظر ومخبر وحلاوة مورد ومصدر وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر وفناؤها ملعبا لجياد النظم والنثر يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها وعلى سهولة حجابها وكثرة منتابها تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب وطهارة أثواب على أنها أوجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها ولما مرت بالوزير أبي عامر ابن عبدوس وامام داره بركة تتولد عن كثرة الأمطار وربما استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار وقد نشر أبو عامر كميه ونظر في عطفيه وحشر أعوانه إليه فقالت له
( أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر )
فتركته لا يحير حرفا ولا يرد طرفا
وقال في المغرب بعد ذكره أنها بالغرب كعلية بالشرق إلا ان هذه تزيد بمزية الحسن الفائق وأما الأدب والشعر والنادر وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها وكان لها صنعة في الغناء وكان لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها فيمر فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما اقتضاه عصرها من مثل ذلك وفيها يقول ابن زيدون
( بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقا إليكم ولا جفت مآقينا )
وقال أيضا يخاطب ابن عبدوس لاشتراكه معه في هواها
( أثرت هزبر الشرى إذ ربض ... ونبهته إذ هذا فاغتمض )
( وما زلت تبسط مسترسلا ... إليه يد البغي لما انقبض )

( حذار حذار فإن الكريم ... إذا سيم خسفا أبى فامتعض )
( وإن سكون الشجاع النهوس ... ليس بمانعه أن يعض )
( عمدت لشعري ولم تتئد ... تعارض جوهره بالعرض )
( أضاقت أساليب هذا القريض ... أم قد عفا رسمه فانقرض )
( لعمري فوقت سهم النضال ... وأرسلته لو أصبت الغرض )
ومنها
( وغرك من عهد ولادة ... سراب تراءى وبرق ومض )
( هي الما يعز على قابض ... ويمنع زبدته من مخض )
ومن اخبار ولادة مع ابن زيدون ما قاله الفتح فى القلائد إن ابن زيدون كان يكلف بولادة ويهيم ويستضيء بنور محياها في الليل البهيم وكانت من الأدب والظرف وتتميم السمع والطرف بحيث تختلس القلوب والألباب وتعيد الشيب إلى أخلاق الشباب فلما حل بذلك الغرب وانحل عقد صبره بيد الكرب فر إلى الزهراء ليتوارى في نواحيها ويتسلى برؤية موافيها فوافاها والربيع قد خلع عليها برده ونشر سوسنه وورده وأترع جداولها وأنطق بلابلها فارتاح ارتياح جميل بوادي القرى وراح بين روض يانع وريح طيبة السرى فتشوق إلى لقاء ولادة وحن وخاف تلك النوائب والمحن فكتب إليها يصف فرط قلقه وضيق امده إليها وطلقه ويعلمها انه ما سلا عنها بخمر ولا خبا ما في ضلوعه من ملتهب جمر ويعاتبها على إغفال تعهده ويصف حسن محضره بها ومشهده
( إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا )

( وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنما رق لي فاعتل إشفاقا )
( والروض عن مائه الفضي مبتسم ... كما حللت عن اللبات أطواقا )
( يوم كأيام لذات لنا انصرمت ... بتنا لها حين نام الدهر سراقا )
( نلهو بما يستميل العين من زهر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا )
( كأن أعينه إذ عاينت أرقي ... بكت لما بي فجال الدمع رقراقا )
( ورد تألق في ضاحي منابته ... فازداد منه الضحى في العين إشراقا )
( سرى ينافحه نيلوفر عبق ... وسنان نبه منه الصبح أحداقا )
( كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا ... إليك لم يعد عنها الصدر أن ضاقا )
( لو كان وفى المنى في جمعنا بكم ... لكان من اكرم الأيام أخلاقا )
( لاسكن الله قلبا عن ذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خفاقا )
( لو شاء حملي نسيم الريح حين هفا ... وافاكم بفتى أضناه ما لاقى )
( ياعلقي الأخطر الأسنى الحبيب إلى ... نفسي إذا ما اقتنى الأحباب أعلاقا )
( كان التجاري بمحض الود مذ زمن ... ميدان أنس جرينا فيه أطلاقا )
( فالآن أحمد ماكنا لعهدكم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا )
وقال أيضا إن إبن زيدون لم يزل يروم دنو ولادة فيتعذر ويباح دمه دونها ويهدر لسوء أثره في ملك قرطبة وواليها وقبائح كان ينسبها إليه ويواليها أحقدت بني جهور عليه وسددت أسهمهم إليه فلما يئس من لقياها وحجب عنه محياها كتب إليها يستديم عهدها ويؤكد ودها ويعتذر من فراقها بالخطب الذي غشيه والامتحان الذي خشيه ويعلمها انه ما سلا عنها بخمر ولا خبا ما في ضلوعه من ملتهب الجمر وهي قصيدة ضربت في الإبداع بسهم وطلعت في كل خاطر ووهم ونزعت منزعا قصر عنه حبيب وابن الجهم وأولها

( بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقا إليكم ولا جفت مآقينا )
( تكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا )
واخبار ولادة كثيرة وفيما ذكرناه كفاية
10 - ومن المشهورات بالأندلس اعتماد جارية المعتمد بن عباد وأم أولاده وتشتهر بالرميكية وفي المسهب والمغرب أنه ركب المعتمد في النهر ومعه ابن عمار وزيره وقد زردت الريح النهر فقال ابن عباد لابن عمار أجز
( صنع الريح من الماء زرد )
فأطال ابن عمار الفكرة فقالت امرأة من الغسالات
( أي درع لقتال لو جمد )
فتعجب ابن عباد من حسن ما أتت به مع عجز ابن عمار ونظر إليها فإذا هي صورة حسنة فأعجبته فسألها أذات زوج هي فقالت لا فتزوجها وولدت له أولاده الملوك النجباء رحمهم الله تعالى
وحكى البعض منهم صاحب البدائه بسنده الى بعض أدباء الأندلس وسماه ولم يحضرني الآن أنه هو الذي قال للمعتمد
( أي درع لقتال لو جمد )
قال فاستحسنه المعتمد وكنت رابعا في الإنشاد فجعلني ثانيا وأجازني بجائزة سنية
قال ابن ظافر وقد أخذت هذا المعنى فقلت أصف روضا

( فلو دام ذاك النبت كان زبرجدا ... ولو جمدت انهاره كان بلورا )
ولما قال ابن ظافر
( قد أذكت الشمس على الما لهبا )
قال القاضي الأعز
( فكست الفضة منه ذهبا )

رجع
ولما خلع المعتمد وسجن بأغمات قالت له ياسيدي لقد هنا هنا فقال
( قالت لقد هنا هنا ... مولاي أين جاهنا )
( قلت لها إلهنا ... صيرنا إلى هنا )
وحكي انها قالت له وقد مرض ياسيدي ما لنا قدرة على مرضاتك في مرضاتك
ولما قال الوزير ابن عمار قصيدته اللامية الشهيرة في المعتمد والرميكية اغرت المعتمد به حتى قتله وضربه بالطبرزين ففلق رأسه وترك الطبرزين في رأسه فقالت الرميكية قد بقي ابن عمار هدهدا والقصيدة أولها
( ألا حي بالغرب حيا حلالا ... أناخوا جمالا وحازوا جمالا )
( وعرج بيومين أم القرى ... ونم فعسى أن تراها خيالا )
ويومين قرية اشبيلية كانت منها اولية بني عباد وفي هذه القصيدة يقول معرضا بالرميكية
( تخيرتها من بنات الهجان ... رميكية ما تساوي عقالا )

( فجاءت بكل قصير العذار ... لئيم النجارين عما وخالا )
( قصار القدود ولكنهم ... أقاموا عليها قرونا طوالا )
( أتذكر أيامنا بالصبا ... وأنت إذا لحت كنت الهلالا )
( اعانق منك القضيب الرطيب ... وأرشف من فيك ماء زلالا )
( وأقنع منك بدون الحرام ... فتقسم جهدك أن لا حلالا )
( سأهتك عرضك شيئا فشيئا ... وأكشف سترك حالا فحالا )
ومنها
( فيا عامر الخيل يا زيدها ... منعت القرى وأبحت العيالا )
وسبب قول ابن عمار هذه القصيدة أن المعتمد ندر به وذيل على قصيدته الرائية المذكورة في القلائد بعد قوله
( كيف التفلت بالخديعة من يدي ... رجل الحقيقة من بني عمار ) وسخر به في أبيات مشهورة
670

- أخبار المعتمد
قال الفتح في حق المعتمد بعد كلام وما زالت عقارب تلك الداخلة تدب وريحها العاصفة تهب ونارها تقد وضلوعها تحنق وتحقد وتضمر الغدر وتعتقد حتى دخل البلد من واديه وبدت من المكروه بواديه وكر عليه الدهر بعوائده وعواديه وهو مستسمك بعرى لذاته منغمس فيها بذاته ملقى بين جواريه مغتر بودائع ملكه وعواريه التي استرجعت منه في يومه ونبهه فواتها من نومه ولما انتشر الداخلون في البلد وأوهنوا القوى والجلد

خرج والموت يتسعر في ألحاظه ويتصور من ألفاظه وحسامه يعد بمضائه ويتوقد عند انتضائه فلقيهم برحبة القصر وقد ضاق بهم فضاؤها وتضعضعت من رجتهم أعضاؤها فحمل فيهم حملة صيرتهم فرقا وملأتهم فرقا وما زال يوالي عليهم الكر المعاد حتى اوردهم النهر ومابهم جواد وأودعهم حشاه كأنهم له فؤاد ثم انصرف وقد أيقن بانتهاء حاله وذهاب ملكه وارتحاله وعاد إلى قصره واستمسك فيه يومه وليلته مانعا لحوزته دافعا للذل عن عزته وقد عزم على أفظع امر وقال بيدي لا بيد عمرو ثم صرفه تقاه عما كان نواه فنزل من القصر بالقسر إلى قبضة الأسر فقيد للحين وحان له يوم شر ماظن انه يحين ولما قيدت قدماه وذهبت عنه رقة الكبل ورحماه قال يخاطبه
( إليك فلو كانت قيودك أسعرت ... تضرم منها كل كف ومعصم )
( مخافة من كان الرجال بسيبه ... ومن سيفه في جنة او جهنم )
ولما آلمه عضه ولازمه كسره ورضه وأوهاه ثقله وأعياه نقله قال
( تبدلت من عز ظل البنود ... بذل الحديد وثقل القيود )
( وكان حديدى سنانا ذليقا ... وعضبا رقيقا صقيل الحديد )
( فقد صار ذاك وذا أدهما ... يعض بساقي عض الأسود )
ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت وضمتهم جوانحها كانهم اموات بعدما ضاق عنهم القصر وراق منهم العصر والناس قد حشروا بضفتي الوادي وبكوا بدموع كالغوادي فساروا والنوح يحدوهم والبوح باللوعة لا يعدوهم وفي ذلك يقول ابن اللبانة
( تبكي السماء بمزن رائح غاد ... على البهاليل من أبناء عباد )
( على الجبال التي هدت قواعدها ... وكانت الأرض منها ذات أوتاد )

( عريسة دخلتها النائبات على ... أساود لهم فيها وآساد )
( وكعبة كانت الآمال تخدمها ... فاليوم لا عاكف فيها ولا باد )
( ياضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد )
( ويامؤمل واديهم ليسكنه ... خف القطين وجف الزرع بالوادي )
( وأنت يافارس الخيل التى جعلت ... تختال في عدد منهم وأعداد )
( ألق السلاح وخل المشرفي فقد ... أصبحت في لهوات الضيغم العادي )
( لما دنا الوقت لم تخلف له عدة ... وكل شيء لميقات وميعاد )
( إن يخلعوا فبنو العباس قد خلعوا ... وقد خلت قبل حمص أرض بغداد )
( حموا حريمهم حتى إذا غلبوا ... سيقوا على نسق في حبل مقتاد )
( وأنزلوا عن متون الشهب واحتملوا ... فويق دهم لتلك الخيل انداد )
( وعيث في كل طوق من دروعهم ... فصيغ منهن أغلال لأجياد )
( نسيت إلا غداة النهر كونهم ... في المنشآت كأموات بألحاد )
( والناس قد ملأوا العبرين واعتبروا ... من لؤلؤ طافيات فوق أزياد )
( حط القناع فلم تستر مخدرة ... ومزقت اوجه تمزيق أبراد )
( حان الوداع فضجت كل صارخة ... وصارخ من مفداة ومن فاد )
( سارت سفائنهم والنوح يصحبها ... كانها إبل يحدو بها الحادي )
( كم سال في الماء من دمع وكم حملت ... تلك القطائع من قطعات اكباد )
انتهى ماقصد جلبه من كلام الفتح رحمه الله تعالى وسامحه
وقال ابن اللبانة في كتاب نظم السلوك في مواعظ الملوك في اخبار الدولة العبادية إن طائفة من اصحاب المعتمد خامرت عليه فأعلم باعتقادها وكشف له عن مرادها وحض على هتك حرمها وأغري بسفك دمها فأبى ذلك مجده الأثيل ومذهبه الجميل وماخصه الله تعالى به من حسن اليقين وصحة الدين إلى أن أمكنتهم الغرة فانتصروا ببغاث مستنسر وقاموا بجمع

غير مستبصر فبر ز من قصره متلافيا لأمره عليه غلالة ترف على جسده وسيفه يتلظى في يده
( وذاك السيف راق وراع حتى ... كأن عليه شيمة منتضية )
( كأن الموت اودع فيه سرا ... ليرفعه إلى يوم كرية )
فلقي على باب من أبواب المدينة فارسا مشهورا بنجدة فرماه الفارس برمح التوى على غلالته وعصمه الله تعالى منه وصب هو سيفه على عاتق الفارس فشقه إلى أضلاعه فخر صريعا سريعا فرأيت القائمين عندما تسنموا الأسوار تساقطوا منها وبعدما أمسكوا الأبواب تخلوا عنها وأخذوا على غير طريق وهوت بهم ريح الهيبة في مكان سحيق فظننا ان البلد من أقذائه قد صفا وثوب العصمة علينا قد ضفا إلى أن كان يوم الأحد الحادي والعشرون من رجب فعظم الأمر في الخطب الواقع واتسع الخرق فيه على الراقع ودخل البلد من جهة واديه وأصيب حاضره بعاديه باديه بعد أن ظهر من دفاع المعتمد وبأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لا مزيد عليه ولا انتهى خلق إليه فشنت الغارة في البلد ولم يبق فيه على سبد لأحد ولا لبد وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم باناملهم وكشفت وجوه المخدرات العذارى ورأيت الناس سكارى وماهم بسكارى ورحل بالمعتمد وآله بعد استئصال جميع ماله لم يصحب معه بلغة زاد ولا بغية مراد فأمضيت عزيمتي في اتباعه فوصلت إليه بأغمات عقب ثقاف استنقذه الله منه فذكرت به شعرا كان لي في صديق اتفق له مثل ذلك في الشهر بعينه من العام الماضي وهو الأمير أبوعبدالله ابن الصفار وهو
( لم نقل في الثقاف كان ثقافا ... كنت قلبا به وكان شغافا )
( يمكث الزهر في الكمام ولكن ... بعد مكث الكمام يدنو قطافا )
( وإذا ما الهلال غاب بغيم ... لم يكن ذلك المغيب انكسافا )

( إانما أنت درة للمعالي ... ركب الدهر فوقها أصدافا )
( حجب البيت منك شخصا كريما ... مثلما تحجب الدنان السلافا )
( أنت للفضل كعبة ولو أني ... كنت أستطيع لاستطعت الطوافا )
قال أبو بكر وجرت بيني وبينه مخاطبات ألذ من غفلات الرقيب وأشهى من رشفات الحبيب وأدل على السماح من فجر على صباح انتهى
ثم قال ولما خلع المعتمد وذهب إلى أغمات طلب من حواء بنت تاشفين خباء عارية فاعتذرت بأنه ليس عندها خباء فقال
( هم أوقدوا بين جنبيك نارا ... أطالوا بها في حشاك استعارا )
( أما يخجل المجد أن يرحلوك ... ولم يصحبوك خباء معارا )
( فقد قنعوا المجد إن كان ذاك ... وحاشاهم منك خزيا وعارا )
( يقل لعينيك أن يجعلوا ... سواد العيون عليكم شعارا )
ثم إنه بقي مأسورا بأغمات إلى سنة 486 فأخذ بمالقة رجل كبير يعرف بابن خلف فسجن مع أصحاب له فنقبوا السجن وذهبوا إلى حصن منت ميور ليلا فأخرجوا قائدها ولم يضروه وبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رجل فسألوه فإذا هو عبدالجبار بن المعتمد فولوه على أنفسهم وظن الناس أنه الراضي فبقي في الحصن ثم أقبل مركب من الغرب يعرف بمركب ابن الزرقاء فانكسر بمرسى الشجرة قريبا من الحصن فأخذوا بنوده وطبوله وما فيه من طعام وعدة فاتسعت بذلك حالتهم ثم وصلت أم عبدالجبار إليه ثم خاطبه أهل الجزيرة وأهل أركش فدخلها سنة 488 ولما بلغ خبر عبدالجبار إلى ابن تاشفين أمر بثقاف المعتمد في الحديد وفي ذلك يقول
( قيدي اما تعلمني مسلما ... أبيت أن تشفق أو ترحما )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24