كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

وَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ ( و ) وَعَنْهُ يُعِيدُ مَعَ الْمُدَافَعَةِ وَعَنْهُ إنْ أَزْعَجَهُ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَعَنْ ( م ) كَالرِّوَايَاتِ ، وَمَعَ رِيحٍ يَحْتَبِسُهُ .
وَفِي الْمُطْلِعِ هِيَ فِي مَعْنَى الْمُدَافَعَةِ أَيْ فَتَجِيءُ الرِّوَايَاتُ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي كَلَامَ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الْمُدَافَعَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ ، قَالَ : وَكَذَا حُكْمُ الْجُوعِ الْمُفْرِطِ ، وَاحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ ، فَتَجِيءُ الرِّوَايَاتُ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَعَدَمُ الصِّحَّةِ قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الصِّحَّةَ ( ع ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنَّمَا جَمَعَ الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى ، وَكَذَا قَالَ يُكْرَهُ مَا يَمْنَعُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ بِخُشُوعِهَا كَحَرٍّ ، وَبَرْدٍ ، لِأَنَّهُ يُقْلِقُهُ ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ قَالَ : لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَعِيَ أَفْعَالَهَا وَيَعْقِلَهَا ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَمْنَعُ ذَلِكَ ، فَإِذَا زَالَتْ فَعَلَهَا عَلَى كَمَالِ خُشُوعِهَا ، وَفَوْتُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ مَوْضِعَ سُجُودِهِ بِشَيْءٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ ، لَا الصَّلَاةُ عَلَى حَائِلٍ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَيَوَانٍ ( م ) كَمَا نَبَتَتْهُ الْأَرْضُ ( و ) وَيَصِحُّ عَلَى مَا مَنَعَ صَلَاتَهُ الْأَرْضِ ( هـ ) وَفِي الْمَذْهَبِ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ الْمُخَالِفَةُ عُرْفَ الْبَلَدِ وَقَدْ سَبَقَ .

فَصْلٌ تَبْطُلُ بِكَلَامٍ عَمْدًا وَلَوْ بِالسَّلَامِ ، أَوْ بِتَلْبِيَةِ مُحْرِمٍ ، لَا بِتَكْبِيرِ عِيدٍ ، وَإِنْ وَجَبَ لِخَائِفٍ تَلَفَ شَيْءٍ وَتَعَيَّنَ الْكَلَامُ بَطَلَتْ ، وَقِيلَ لَا ( و ش ) كَإِجَابَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَجَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوُجُوبِ الْكَلَامِ ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا لَمْ يَجِبْ عَيْنًا .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : لُزُومُ الْإِجَابَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُ الْفَسَادَ ، لِأَنَّهُ لَوْ رَأَى مَنْ يَقْتُلُ رَجُلًا مَنَعَهُ ، وَإِذَا فَعَلَ فَسَدَتْ .
وَكَذَا نَاسٍ غَيْرَ سَلَامٍ مِنْهَا ، لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مِنْ نَاسٍ لَا مِنْ عَامِدٍ ، لِأَنَّ فِيهِ كَافَ الْخِطَابِ وَجَاهِلٌ وَمُكْرَهٌ فِي رِوَايَةٍ ( و هـ ) وَعَنْهُ لَا ( م 10 ، 11 ) ( و م ش ) فِي غَيْرِ الْمُكْرَهِ وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ بِكَلَامٍ لِمَصْلَحَتِهَا ( و م ر ) اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَالَ إبَاحَةِ الْكَلَامِ ، وَضَعَّفَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، لِأَنَّهُ حَرُمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ ، أَوْ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ لِمَصْلَحَتِهَا سَهْوًا ( و ش ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ ابْنُ شِهَابٍ لَا تَبْطُلُ مِنْ جَاهِلٍ لِجَهْلِهِ بِالنَّسْخِ ، وَقِيلَ تَبْطُلُ مِنْ مُكْرَهٍ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِيهِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى فِعْلٍ ، وَلِنُدْرَتِهِ ، وَيَأْتِي فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ ، وَالْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي بَلْ أَوْلَى مِنْ النَّاسِي ، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِدَلِيلِ الْإِتْلَافِ ، وَقَالَ فِي الْجَاهِلِ كَقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ ، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ ، وَقِيلَ لَهُ فِي الْخِلَافِ الْمُتَيَمِّمُ فِي الْحَضَرِ يُعِيدُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ ، أَوْ

الْحَدَثِ فِي صَلَاتِهِ ؟ فَأَجَابَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْإِبْطَالِ ، وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ الْأَوَّلِ عَكْسُهُ ، فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ عِنْدَهُ ، وَقَاسَ الْأَصْحَابُ الرِّوَايَةَ فِيمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ أَنَّهُ يُصَلِّي وَيُعِيدُ عَلَى مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ هَذَا لَا يُعْذَرُ بِهِ بِدَلِيلِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ ، وَقِيلَ الْخِلَافُ يَخْتَصُّ بِمَنْ ظَنَّ تَمَامَ صَلَاتِهِ فَسَلَّمَ ثُمَّ تَكَلَّمَ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ إنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْلَاحُهَا بِإِشَارَةٍ وَنَحْوِهِ فَتَكَلَّمَ بَطَلَتْ ، وَإِنْ كَثُرَ أَبْطَلَ ( و ش ) وَعَنْهُ لَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ

مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَتَبْطُلُ بِكَلَامٍ عَمْدًا وَكَذَا نَاسٍ غَيْرَ سَلَامٍ مِنْهَا وَجَاهِلٌ وَمُكْرَهٌ فِي رِوَايَةٍ ، وَعَنْهُ لَا ، انْتَهَى ، اعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ النَّاسِي يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، فِيمَا يَظْهَرُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْفَائِقِ ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ هَذِهِ أَشْهَرُهَا ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى ، وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا ، وَنَصَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ ، انْتَهَى ، وَعَنْهُ لَا يُبْطِلُ ، اخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَصَاحِبُ النَّظْمِ ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، قَدْ بَيَّنَّا الصَّحِيحَ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ ، وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ لَا تَبْطُلُ إذَا تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا نَاسِيًا ، اخْتَارَهَا الْمَجْدُ ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ فَأَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا تَكَلَّمَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ ، أَوْ الْإِبْطَالِ بِهِ فَهَلْ هُوَ كَالنَّاسِي أَوْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ النَّاسِي ؟ ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ ، وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا هُوَ كَالنَّاسِي ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَفِي كَلَامِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي رِوَايَتَانِ .
وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ : وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَاهِلِ ، وَالنَّاسِي ، فَقَطَعُوا بِأَنَّهُ

كَالنَّاسِي ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ فِيهِ رِوَايَتَا النَّاسِي ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَاهِلِ وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ النَّاسِي ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلَا يُبْطِلُهَا كَلَامُ الْجَاهِلِ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ ، وَإِنْ قُلْنَا يُبْطِلُهَا كَلَامُ النَّاسِي ، انْتَهَى .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 11 ) إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَتَكَلَّمَ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ النَّاسِي ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، إحْدَاهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ النَّاسِي ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، فَقَالَ الْمُكْرَهُ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ النَّاسِي ، وَنَصَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هُوَ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِنْهُ ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِكَلَامِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ ، وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا تَبْطُلُ بِكَلَامِ النَّاسِي فَكَذَا كَلَامُ الْمُكْرَهِ وَأَوْلَى ، لِأَنَّ عُذْرَهُ أَنْدَرُ ، وَفَرَّقَ فِي الْمُغْنِي بَيْنَ النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهَيْنِ ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِنْ النَّاسِي ، وَلَا بِكَلَامِ الْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ سَبْقُ اللِّسَانِ وَكَلَامُ الْمُكْرَهِ انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْذَرُ النَّاسِي فَفِي الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ مُطْلَقًا وَجْهَانِ انْتَهَى ، وَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ ، كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَلَخَّصَ

فِي الْمُكْرَهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، هَلْ هُوَ كَالنَّاسِي ، أَوْ أَوْلَى مِنْهُ بِالْبُطْلَانِ ، أَوْ النَّاسِي أَوْلَى مِنْهُ بِالْبُطْلَانِ ، فَتَبْطُلُ صَلَاةُ النَّاسِي ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُكْرَهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالتَّبَسُّمُ لَيْسَ كَلَامًا " وَ " بَلْ الْقَهْقَهَةُ قِيلَ إنْ أَبَانَ حَرْفَيْنِ ، وَقِيلَ أَوْ لَا ( م 12 ) وَزَادَ " م " وَلَوْ سَهْوًا وَالنَّفْخُ كَالْكَلَامِ إنْ بَانَ حَرْفَانِ " و " وَعَنْهُ مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ ، وَمِثْلُهُ النَّحْنَحَةُ بِلَا حَاجَةٍ ، وَقِيلَ وَلَهَا " و ش " وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ " و م ر " وَإِنْ نَامَ فَتَكَلَّمَ أَوْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ أَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ تَثَاؤُبٌ وَنَحْوُهُ فَبَانَ حَرْفَانِ لَمْ تَبْطُلْ " و " وَقِيلَ هُوَ كَالنَّاسِي ، وَإِنْ لَمْ يُغْلَبْ بَطَلَتْ ، قَالَ شَيْخُنَا هِيَ كَالنَّفْخِ بَلْ أَوْلَى ، بِأَنْ لَا تَبْطُلَ ، وَأَنَّ الْأَظْهَرَ تَبْطُلُ بِالْقَهْقَهَةِ فَقَطْ ، وَإِنْ لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ ، وَإِنْ بَانَ حَرْفَانِ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَأَوُّهِ خَشْيَةٍ أَوْ أَنِينٍ لَمْ تَبْطُلْ " و هـ م " لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الذِّكْرِ ، وَقِيلَ إنْ غَلَبَهُ " و ش " وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ خَشْيَةً ، لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْهِجَاءِ ، وَيَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَعْنَى ، كَالْكَلَامِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الْأَنِينِ : إذَا كَانَ غَالِبًا أَكْرَهُهُ ، أَيْ مِنْ وَجَعٍ ، حَمَلَهُ الْقَاضِي وَإِنْ اسْتَدْعَى الْبُكَاءَ فِيهَا كُرِهَ كَالضَّحِكِ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَاللَّحْنُ إنْ لَمْ يُخِلَّ الْمَعْنَى لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ ، خِلَافًا لِأَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ مُنَجَّى ، وَظَاهِرِ الْفُصُولِ ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَسَبَقَ فِيهِ فِي الْآذَانِ ، وَكَلَامُهُمْ فِي تَحْرِيمِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، أَوْلَاهُمَا يَحْرُمُ " و ش " وَفِي الْفُنُونِ فِي التَّلْحِينِ الْمُغَيِّرِ لِلنَّظْمِ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَحْرُمْ ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْنِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ عَجْزًا ، وَمُرَادُهُ غَيْرُ الْمُصَلِّي .

مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَالتَّبَسُّمُ لَيْسَ بِكَلَامٍ ، بَلْ الْقَهْقَهَةُ ، قِيلَ إنْ أَبَانَ حَرْفَيْنِ وَقِيلَ أَوْ لَا ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ ، أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ وَلَوْ لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ فَهِيَ كَالْكَلَامِ ، وَهَذَا الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، وَالْمُغْنِي .
وَقَالَ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَحَكَى ابْنُ هُبَيْرَةَ إجْمَاعًا ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ ، انْتَهَى ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ إلَّا أَنْ يَبِينَ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى تَنْبِيهَانِ : الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : وَاللَّحْنُ إنْ لَمْ يُحِلَّ الْمَعْنَى لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ ، خِلَافًا لِابْنِ مُنَجَّى ، وَظَاهِرُ الْفُصُولِ ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ قَدْ صَرَّحَ فِي الْفُصُولِ بِخِلَافِ هَذَا الظَّاهِرِ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ : وَكَلَامُهُمْ فِي تَحْرِيمِهِ أَيْ تَحْرِيمِ اللَّحْنِ الَّذِي لَمْ يُحِلَّ الْمَعْنَى يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، أَوْلَاهُمَا يَحْرُمُ ، انْتَهَى ، قُلْتُ مَا قَالَ إنَّهُ أَوْلَى : هُوَ الصَّوَابُ .

وَإِنْ قَرَأَ ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) بِظَاءٍ فَأَوْجُهٌ : الثَّالِثُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ ( م 13 ) وَإِنْ أَحَالَهُ فَلَهُ قِرَاءَةُ مَا عَجَزَ عَنْ إصْلَاحِهِ فِي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ ( و ) وَمَا زَادَ يُبْطِلُ لِعَمْدِهِ ( و ) وَيُكَفِّرُ إنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ ، وَلَا تَبْطُلُ بِجَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ ، أَوْ آفَةٍ ، جُعِلَا لَهُ كَالْمَعْدُومِ ( و هـ ش ) فَلَا يَمْنَعُ إمَامَتَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ بْن شَاقِلَا هُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي ، فَلَا يَقْرَأُ عَجْزًا ، وَتَبْطُلُ بِهِ

مَسْأَلَةٌ 13 ) إنْ قَرَأَ الْمَغْضُوبِ وَالضَّالِّينَ بِظَاءٍ فَأَوْجُهٌ ؛ الثَّالِثُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ ، انْتَهَى ، أَحَدُهَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ ( قُلْتُ ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَبْطُلُ ، قَالَ فِي الْكَافِي هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ ، وَغَيْرِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْتُ إنْ عَلِمَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا تَنْبِيهَاتٌ .
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : وَالْمَذْهَبُ إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا وَإِلَّا بَطَلَ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ وَأَنَّهُ لَا يُثَابُ بِزِيَادَةِ لَا أَيْ لَا يُثَابُ مِثْلُ الْمُرَائِي كَذَا قَالَ شَيْخُنَا ، وَأَجْرَاهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَقَالَ لِأَنَّ الْبَاطِلَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ضِدُّ الصَّحِيحِ ، وَالصَّحِيحُ مَا أَبْرَأَ الذِّمَّةَ ، فَقَوْلُهُمْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَحَجُّهُ بِمَعْنَى لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ ، بَلْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِثَوَابِهِ عَلَى فِعْلِهِ ، وَبِعِقَابِهِ عَلَى مَا تَرَكَهُ ، وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا ، انْتَهَى ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ .
الثَّالِثُ : وَقَوْلُهُ وَيُبْطِلُ فَرْضَهُ يَسِيرُ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ عُرْفًا عَمْدًا وَعَنْهُ وَنَفْلُهُ ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ بِالْأَكْلِ ، انْتَهَى ، قَدَّمَ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلُ فِي النَّفْلِ ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَنَصَرَهُ وَرِوَايَةُ الْبُطْلَانِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ فِي الْكَافِي هَذَا أَوْلَى ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ تَبْطُلُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي

الْمُقْنِعِ ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَمُنَوِّرِ الْآدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالنَّظْمِ ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ إمَّا تَقْدِيمُ الْبُطْلَانِ ، أَوْ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، فَهَذِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

وَعَمَلُ الْقَلْبِ لَا تَبْطُلُ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ش ) وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ بَلَى إنْ طَالَ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى مَا عَمِلَهُ بِقَلْبِهِ ، فَلَا يُكَفِّرُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ إلَّا بِقَدْرِهِ ، وَالْبَاقِي يَحْتَاجُ إلَى تَكْفِيرٍ ، فَإِنَّهُ إذْ تَرَكَ وَاجِبًا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ سَدَّ مَسَدَّهُ فَكَمُلَ ثَوَابُهُ وَيَأْتِي تَتِمَّةُ كَلَامِهِ فِي صَوْمِ النَّفْلِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إلَّا مَا عَمِلَهُ بِقَلْبِهِ } وَقَوْلُهُ { رُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلَّا السَّهَرُ ، وَرُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ } يَقُولُ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَالصَّوْمُ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ التَّقْوَى ، كَذَا قَالَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا وَإِلَّا بَطَلَ ، وَلِهَذَا احْتَجُّوا بِخَبَرِ { إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ } وَبِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ ، وَقَالَ { إنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي } فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ { أَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي } وَبِأَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ وَلَوْ طَالَ أَشَقُّ احْتِرَازًا مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ ، لَكِنَّ مُرَادَ شَيْخِنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ ، وَأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ وَيَأْتِي فِي صَوْمِ النَّفْلِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ { رُبَّ صَائِمٍ } هَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ، وَرَوَى هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَيُوَافِقُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ " أَنْ عَمَّارًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَخَفَّفَهُمَا " ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : هَلْ نَقَصْت مِنْ حُدُودِهِمَا شَيْئًا ؟ فَقِيلَ لَا ، وَلَكِنْ خَفَّفْتهمَا فَقَالَ : إنِّي بَادَرْت

بِهِمَا إلَى السَّهْوِ ، إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ الرَّجُلَ لَوْ صَلَّى وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا عُشْرُهَا أَوْ تُسْعُهَا أَوْ ثُمُنُهَا أَوْ سُبُعُهَا } حَتَّى انْتَهَى إلَى آخِرِ الْعَدَدِ ، وَعَنْ أَبِي الْيُسْرِ مَرْفُوعًا : { مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ ، وَالثُّلُثَ ، وَالرُّبُعَ ، وَالْخُمُسَ ، حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُهُمَا جَيِّدٌ ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ ذِكْرَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ وَيَأْتِي قَوْلُ شَيْخِنَا أَوَّلَ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ الذِّكْرَ بِقَلْبٍ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِلَا قَلْبٍ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ ، وَقَلْبُهُ غَافِلٌ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ { فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ { فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ } .
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الْوُضُوءِ { فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِاَلَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فَذِكْرُ فَوَاتِ ثَوَابِهِ الْخَاصُّ بِغَفْلَةِ الْقَلْبِ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ثَوَابٍ ، وَلِلْعُمُومَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ ، وَالذِّكْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ، مَا لَمْ تُكَلِّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ } وَقَوْلُهُ { رُبَّ صَائِمٍ } إنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُرَائِي ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْجُوعُ ، أَوْ السَّهَرُ ، لِعَدَمِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ ، أَمَّا مَنْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَهُ غَيْرُ الْجُوعِ وَالسَّهَرِ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ

يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَفْلَةَ سَبَبٌ لِنَقْصِ الثَّوَابِ ، لَا فَوَاتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ إنْ صَحَّ : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ } يَدُلُّ عَلَى فَوَاتِ الثَّوَابِ الْخَاصِّ ، لَا أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَا أَجْرَ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِلَّا كَانَ كَالْمُرَائِي ، وَلَمْ أَجِدْ إلَى الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَدَبِ الدُّعَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ وَالْبَابِ قَبْلَهُ ذِكْرُ الْخُشُوعِ ، وَقِيلَ إنْ طَالَ نَظَرُهُ فِي كِتَابٍ بَطَلَتْ ، كَعَمَلِ الْجَوَارِحِ ، وَعِنْدَ ( هـ ) إنْ نَظَرَ فِيهِ فَفَهِمَ بَطَلَتْ كَالْمُتَلَقِّنِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَفْهِمٍ فَفَهِمَ لَمْ تَبْطُلْ ، وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَاخْتُلِفَ عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ بِيَسِيرِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ عُرْفًا عَمْدًا ( و ) وَعَنْهُ أَوْ سَهْوًا وَجَهْلًا ( و هـ ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهَا ، وَهِيَ أَدْخَلُ فِي الْفَسَادِ بِدَلِيلِ الْحَدَثِ وَالنَّوْمِ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَلِأَنَّهُ مُقْتَطَعٌ عَنْ الْقِيَاسِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةً أَوْ جَهْلًا ، وَعَنْهُ وَنَفْلُهُ ( و ) وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ بِالْأَكْلِ ، وَإِنْ طَالَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ لَا ، وَقِيلَ يَبْطُلُ الْفَرْضُ ، وَبَلْعُهُ مَا ذَابَ بِفِيهِ مِنْ سُكَّرٍ وَنَحْوِهِ كَأَكْلٍ ( و ) وَفِي التَّلْخِيصِ وَجْهَانِ ، وَلَا تَبْطُلُ فِي الْمَنْصُوصِ بِمَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ ، بِلَا مَضْغٍ مِمَّا لَمْ يَجْرِ بِهِ رِيقُهُ ( ش ) .
وَإِنْ طَرَأَ رِيَاءٌ بَعَثَهُ عَلَى الْعَمَلِ كَإِطَالَتِهِ لِيَرَى مَكَانَهُ حَبِطَ أَجْرُهُ ، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا رِيَاءً وَدَامَ ابْتَدَأَ ، وَكَذَا يَنْبَغِي إنْ لَمْ يَدُمْ فِيهَا ، وَإِنْ طَرَأَ فَرَحٌ وَسُرُورٌ لَمْ يُؤَثِّرْ ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، قَالَ : وَإِنْ فَرِحَ ، لِيُمْدَحَ وَيُكْرَمَ عَلَيْهِ فَهُوَ رِيَاءٌ ، لَكِنْ لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ ، فَإِنْ تَحَدَّثَ بِهِ

فَالْغَالِبُ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِهِ نَوْعُ رِيَاءٍ ، فَإِنْ سَلِمَ مِنْهُ نَقَصَ أَجْرُهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْعِبَادَةَ خَوْفَ الرِّيَاءِ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفَرَحَ لَا يَقْدَحُ ، وَإِنَّمَا الْإِعْجَابُ اسْتِكْبَارُ طَاعَتِهِ وَرُؤْيَةِ نَفْسِهِ ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ اقْتِضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَكْرَمَ بِهِ الْأَوْلِيَاءَ ، وَانْتِظَارُ الْكَرَامَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْت ، وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ } قَالَ : لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْضَى بِشَرٍّ ، أَوْ يَتَمَنَّى أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَهُ الثَّانِي : أَلَّا يَشْرَبَ الْخَمْرَ مَثَلًا فَيَعْجَبَ بِنَفْسِهِ كَيْفَ لَا يَشْرَبُ ؟ فَيَكُونَ الْعُجْبُ بِتَرْكِ الذَّنْبِ شَرًّا مِمَّا لَا يَعْمَلُ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ لِأَحْمَدَ : الرَّجُلُ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَرَى قَوْمًا فَيُحْسِنُ صَلَاتَهُ ؟ يَعْنِي الرِّيَاءَ ، قَالَ : لَا ، تِلْكَ بَرَكَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَجَّهَهُ الْقَاضِي بِانْتِظَارِهِ ، وَالْإِعَادَةِ مَعَهُ ، وَإِلَّا قَصَدَهُ ، وَاخْتَارَ فِي النَّوَادِرِ إنْ قَصَدَ لِيُقْتَدَى بِهِ أَوْ لِئَلَّا يُسَاءَ بِهِ الظَّنُّ جَازَ ، وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ ، قَالَ ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ ، قَالَ شَيْخُنَا لَا يُثَابُ عَلَى عَمَلٍ مَشُوبٍ ( ع ) وَقَالَ أَيْضًا : مَنْ صَلَّى لِلَّهِ ثُمَّ حَسَّنَهَا وَأَكْمَلَهَا لِلنَّاسِ أُثِيبَ عَلَى مَا أَخْلَصَهُ لِلَّهِ ، لَا عَلَى عَمَلِهِ لِلنَّاسِ { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } وَقَالَ أَيْضًا : لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْهُ ؟ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِشْرَاكِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ ، كَمَا أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ يُمْنَعُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ شَيْءٌ ، فَإِنَّ الْغَيْرَ لَا وُجُودَ لَهُ ، وَهُوَ لَمْ يُسْتَقَلَّ بِالْفِعْلِ ، وَكَذَا هُنَا هُوَ لَمْ يُسْتَقَلَّ بِالْقَصْدِ ، وَالْغَيْرُ لَا يَنْفَعُ قَصْدُهُ ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ ، وَالْحِسِّيَّاتِ ، إذَا خُلِطَ بِالنَّافِعِ الضَّارُّ

أَفْسَدَهُ ، كَخَلْطِ الْمَاءِ بِالْخَمْرِ ، يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ سَأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَقَالَ : اللَّهُمَّ افْعَلْ كَذَا أَنْتَ وَغَيْرُك ، أَوْ دَعَا اللَّهَ وَغَيْرَهُ ، فَقَالَ : افْعَلَا كَذَا ، لَكَانَ هَذَا طَلَبًا مُمْتَنِعًا ، فَإِنَّ غَيْرَهُ لَا يُشَارِكُهُ ، وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ فَاعِلًا لَهُ ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ وُجُودِ الشَّرِيكِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَيْضًا فَاعِلًا ، فَإِذَا كَانَ يَمْتَنِعُ هَذَا فِي الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ ، فَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ فِي الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِيمَنْ حَجَّ بِأُجْرَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِبَادَةِ ، فَمَتَى فَعَلَهُ مِنْ أَجْلِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ عِبَادَةً فَلَمْ يَصِحَّ ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا عَلَى هَذَا فِي الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ بِأُجْرَةٍ كَمَا يَأْتِي .
وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي إمَامِ الصَّلَاةِ : لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا لَهُمْ .
وَقَالَهُ أَحْمَدُ : وَرَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ مِنْ رِوَايَةِ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْهُ ، وَتَمَّامٌ ضَعَّفُوهُ إلَّا ابْنَ مَعِينٍ ، وَقَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْمُنْتَقَى :

مَا جَاءَ عَنْ إخْلَاصِ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى { مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَرَأَيْت رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ ، مَا لَهُ ؟ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : الرَّجُلُ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضَ الدُّنْيَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعْظَمُوا ذَلِكَ ، وَقَالُوا عُدْ ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَفْهَمْ فَعَادَ فَقَالَ لَا أَجْرَ لَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، ثَنَا يَزِيدُ أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشْجَعِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ مُكَرِّزٍ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ بُكَيْرٍ ، وَتَفَرَّدَ عَنْ ابْنِ مُكَرِّزٍ ، فَلِهَذَا قِيلَ : لَا يُعْرَفُ ، وَيُقَالُ هُوَ أَيُّوبُ وَيَأْتِي حَجُّ التَّاجِرِ ، وَعَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { قَالَ اللَّهُ : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكَهُ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ : مَعْنَاهُ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي تَرَكْته لِذَلِكَ الْغَيْرِ ، قَالَ : وَالْمُرَادُ أَنَّ عَمَلَ الْمُرَائِي لَا ثَوَابَ فِيهِ ، وَيَأْثَمُ بِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ النِّيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ

مَرْفُوعًا { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيخِ الدَّجَّالِ ؟ قَالَ : قُلْنَا بَلَى ، قَالَ : الشِّرْكُ الْخَفِيُّ ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ فَيُصَلِّيَ فَيُزَيِّنَ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ } فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ : إذًا لِمَ لَا يَعْمِدُ إلَى مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ كُلِّهِ فَقَبِلَ مَا خَلَصَ لَهُ ، وَيَدَعُ مَا أُشْرِكَ بِهِ ؟ فَقَالَ شَدَّادٌ عِنْدَ ذَلِكَ .
فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا خَيْرُ قَسِيمٍ لِمَنْ أَشْرَكَ بِي ، مَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئًا فَإِنَّ عَمَلَهُ كُلَّهُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ ، فَأَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، قَالَ ابْنُ غَنْمٍ عَنْهُ فَذَكَرَهُ ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَيُجَابُ عَنْ صِحَّةِ حَجِّ التَّاجِرِ وَإِثَابَتِهِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِ تَجَرُّدٌ لِلَّهِ لَمْ يُقَارِنْهُ مُفْسِدٌ ، وَمَنْ الْعَجَبِ قَوْلُ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } إنَّهَا فِي أَهْلِ الرِّيَاءِ ، وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَا يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا ثَوَابَ ذَلِكَ ، وَيَدْرَأُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُمْتَزِجِ بِشَوْبٍ مِنْ رِيَاءِ الدُّنْيَا وَحَظِّ النَّفْسِ إنْ تَسَاوَى الْبَاعِثَانِ عَلَى الْعَمَلِ فَلَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ ، وَإِلَّا أُثِيبَ وَأَثِمَ بِقَدْرِهِ ، وَاحْتَجَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ حَجِّ التَّاجِرِ وَإِثَابَتِهِ ، لِأَنَّهُ الْمُحَرِّكُ الْأَصْلِيُّ ، وَكَذَا مَنْ قَصَدَ الْغَزْوَ ، وَقَصَدَ الْغَنِيمَةَ تَبَعًا ، وَثَوَابُهُ دُونَ مَنْ لَا يَقْصِدُ

الْغَنِيمَةَ أَصْلًا .
وَمَا لَا يُرِيدُ بِهِ إلَّا الرِّيَاءَ فَهُوَ عَلَيْهِ ، وَيُعَاقَبُ بِهِ ، وَصَحَّحَ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْلِهِ : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } مَنَافِعَ الدَّارَيْنِ ، لَا إحْدَاهُمَا ، لِأَنَّ الْأَصْلَ قَصْدُ الْحَجِّ ، وَالتِّجَارَةُ تَبَعٌ ، كَذَا قَالَ ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا إثْمَ فِي الْمَشُوبِ بِالرِّيَاءِ إذَا قَصَدَ الطَّاعَةَ ، كَظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ ، حَمْلًا لِلْحُكْمِ الْمَقْصُودِ كَالْأَصَحِّ عِنْدَنَا فِيمَا إذَا غَلَبَ قَصْدُ الْإِبَاحَةِ بِالسَّفَرِ يُرَخَّصُ ، وَتُحْمَلُ الْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ عَلَى مَا إذَا تَسَاوَى الْبَاعِثَانِ ، أَوْ تَقَارَبَا ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْمَشُوبِ ، وَمَعَ الْفَرْقِ يُمْنَعُ إلْحَاقُهُ بِهِ ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا فِي الْحَجِّ أَنْ يَأْثَمَ مَعَ تَسَاوِي الْبَاعِثِ وَتَقَارُبِهِ ، وَالِاعْتِذَارِ عَنْ الْأَخْبَارِ فِي الْجِهَادِ ، وَهُوَ نَظِيرُهُ ، وَإِنْ صَحَّ الْفَرْقُ السَّابِقُ فَلَا كَلَامَ ، وَلِأَنَّ التِّجَارَةَ جِنْسُهَا مُبَاحٌ ، وَقَدْ تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكَالِيفِ الْخَمْسَةِ بِخِلَافِ الرِّيَاءِ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بَطَلَ إيمَانُهُ ، لِأَنَّ فِي إطْلَاقِهِ إيهَامُ الْكُفْرِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .

بَابُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ ( و م ش ) فَفِيهِ فِي طَوَافٍ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) وَعَنْهُ وَاجِبَةٌ ( و هـ ) وَعَنْهُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ ، فَيَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ وَيَسْجُدُ مَعَ قَصْرِهِ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ سَهْوُهُ عَنْهُ كَسُجُودِ سَهْوٍ ، وَيَسْجُدُ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ ، وَعَنْهُ وَيَتَطَهَّرُ مُحْدِثٌ وَيَسْجُدُ ( و هـ ) وَيُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَلِمُسْتَمِعِهِ ، لِأَنَّهُ كَتَالٍ مِثْلِهِ ، وَلِذَا يُشَارِكُهُ فِي الْأَجْرِ ، فَدَلَّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ اسْتَمَعَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ ، وَمَنْ تَلَاهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } عَبَّادٌ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ، وَقَوَّاهُ غَيْرُهُ ، وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ ، وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْجَائِزِ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ( الْجَائِزُ صِفَةٌ لِمُسْتَمِعِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ ) ( هـ ش ) وَقِيلَ وَيَسْجُدُ قُدَّامَهُ ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَسُجُودِهِ لِتِلَاوَةِ أُمِّيٍّ وَزَمِنٍ ( و )
( بَابُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ) ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ ، فَفِيهِ فِي طَوَافِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، إحْدَاهُمَا يَسْجُدُ فِيهِ ، قُلْتُ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ الْأَصْحَابِ ، وَالطَّوَافُ صَلَاةٌ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَسْجُدُ ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَطْعِ الْمُوَالَاةِ وَعَدَمِهِ ، قُلْتُ قَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ وَهَذَا فَصْلٌ يَسِيرٌ .

وَلَا يَسْجُدُ فِي صَلَاةٍ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ ( و ش ) كَقِرَاءَةِ مَأْمُومٍ ( و ) فَإِنْ فَعَلَ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ ( م 2 ) وَعَنْهُ يَسْجُدُ فِي نَفْلٍ ، وَقِيلَ يَسْجُدُ إذَا فَرَغَ ( و هـ ) وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ التَّالِي لَمْ يَسْجُدْ الْمُسْتَمِعُ ، وَقِيلَ يَسْجُدُ غَيْرُ مُصَلٍّ ، قَدَّمَهُ فِي الْوَسِيلَةِ ( و ش م ر ) وَلَا يُسَنُّ لِلسَّامِعِ فِي الْمَنْصُوصِ ( و م ) وَلَا يَقُومُ رُكُوعٌ أَوْ سُجُودٌ عَنْهُ فِي صَلَاةٍ ( و م ش ) وَعَنْهُ بَلَى ، وَقِيلَ يُجْزِئُ الرُّكُوعُ مُطْلَقًا ( و هـ )
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَلَا يَسْجُدُ فِي صَلَاةٍ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ كَقِرَاءَةِ مَأْمُومٍ ، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ انْتَهَى ، هَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ حَمْدَانَ ، أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ ، قُلْتُ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ .

وَإِنْ سَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ فَفِي إعَادَتِهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَكَذَا يُتَوَجَّهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ ، وَيَأْتِي فِيمَنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ مَكَّةَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ ، وَفِي طَوَافِ الْوَدَاعِ كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِيهِمَا وَجْهَانِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَتَكَرَّرُ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَكْعَتَانِ .

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ سَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ فَفِي إعَادَتِهِ وَجْهَانِ وَكَذَا يُتَوَجَّهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ انْتَهَى .
ذِكْرُ مَسْأَلَتَيْنِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إذَا سَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ فَهَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ أَمْ لَا ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي التَّلْخِيصِ ، وَالْفَائِقِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَإِنْ قَرَأَ سَجْدَةً ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْحَالِ مَرَّةً أُخْرَى لَا لِأَجْلِ السُّجُودِ فَهَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ إنْ سَجَدَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى ، فَقَرَأَ بِهَا أَعَادَ السُّجُودَ ، وَإِنْ سَجَدَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ يَسْجُدْ ، وَقَالَ إذَا قَرَأَ سَجْدَةً فِي رَكْعَةٍ فَسَجَدَ ، ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ ، فَقِيلَ يُعِيدُ السُّجُودَ ، وَقِيلَ لَا ، وَإِنْ كَرَّرَ سَجْدَةً وَهُوَ رَاكِبٌ فِي صَلَاةٍ لَمْ يُكَرِّرْ السُّجُودَ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَرَّرَهُ ، انْتَهَى ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَ ، وَقُلْتُ إنْ كَرَّرَهَا فِي رَكْعَةٍ سَجَدَ مَرَّةً ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ آخِرَ سُورَةٍ فَلَهُ السُّجُودُ وَتَرْكُهُ ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي مَجْلِسٍ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ ، أَوْ سَجَدَ قَبْلَهَا فَهَلْ يَسْجُدُ لِلثَّانِيَةِ أَوْ لِلْأُولَى ، فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَهَا فَسَجَدَ ، ثُمَّ قَرَأَهَا ، وَقِيلَ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ ، وَإِنْ سَجَدَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي صَلَاةٍ سَجَدَ ، وَإِنْ سَجَدَهَا فِي صَلَاةٍ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَلَا يَسْجُدُ ، وَإِنْ كَرَّرَهَا الرَّاكِبُ فِي صَلَاةٍ سَجَدَ مَرَّةً ، وَغَيْرُ الْمُصَلِّي يَسْجُدُ كُلَّ مَرَّةٍ انْتَهَى ، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ طُرُقًا لِلْأَصْحَابِ ، فِي تَكْرَارِ السُّجُودِ ، وَلَكِنْ قَدَّمَ أَنَّهُ يَسْجُدُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً مُطْلَقًا ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي الْحَوَاشِي الْكُبْرَى عَلَى الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنْ أَعَادَهَا لِحَاجَةٍ لِتَكْرِيرِ الْحِفْظِ ، أَوْ

الِاعْتِبَارِ ، أَوْ لِاسْتِنْبَاطِ حُكْمٍ مِنْهَا ، أَوْ لِتَفَهُّمِ مَعْنَاهَا ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَسْجُدْ ، وَإِلَّا سَجَدَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَوُجُودُ الْمُقْتَضِي ، انْتَهَى .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4 ) إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُعِيدُ التَّحِيَّةَ أَمْ لَا ، وَجْهُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا كَالسُّجُودِ ، قُلْتُ : وَتُشْبِهُ أَيْضًا إجَابَةَ مُؤَذِّنٍ ثَانِيًا ، وَثَالِثًا إذَا سَمِعَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَكَانَ مَشْرُوعًا ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قَالَ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، فَعَلَى هَذَا يُعِيدُ التَّحِيَّةَ إذَا دَخَلَهُ مِرَارًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يُصَلِّي الْمُقِيمُ التَّحِيَّةَ ، لِتَكْرَارِ دُخُولِهِ لِلْمَشَقَّةِ ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِحْرَامِ ، وَقَالَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِكُلِّ دَاخِلٍ قَصْدَ الْجُلُوسِ أَوْ لَا .

وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً ، فِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ ( و ش ) وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَبَرِ عُقْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ { مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا } مَنَعَ الْقَاضِي أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ تَرَكَهُمَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَلْيَتْرُكْ قِرَاءَتَهُمَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { مَنْ لَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا } ثُمَّ قَالَ تَرَكْنَا ظَاهِرَهُ ، وَأَثْبَتْنَا السَّجْدَةَ بِقَوْلِ عُقْبَةَ لَهُ : فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ ؟ قَالَ " نَعَمْ " وَأَجَابَ غَيْرُهُ عَنْ خَبَرِ " مَنْ لَمْ يُضَحِّ " بِضَعْفِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرٌ .
ثُمَّ تَأَكَّدَ الِاسْتِحْبَابُ ، وَعَنْهُ السَّجْدَةُ الْأُولَى فَقَطْ ، وَعَنْهُ الثَّانِيَةُ وَ ( ص ) مِنْهُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ لَا إسْقَاطَ ثَانِيَةِ الْحَجِّ فَقَطْ ( هـ ) وَلَا هِيَ وَالْمُفَصَّلُ ( م ) فَعَلَى الْأَوَّلِ ( ص ) شُكْرٌ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ بِهَا صَلَاةٌ ( و ش ) وَهُوَ أَظْهَرُ ، لِأَنَّ سَبَبَهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَ ( ص ) عِنْدَ وَ ( أَنَابَ ) ( وَ ) وَ حم عِنْدَ ( يَسْأَمُونَ ) ( و هـ ش ) وَقِيلَ ( تَعْبُدُونَ ) ( و م ) وَعَنْهُ يُخَيَّرُ .
وَيُكَبِّرُ لَهُ ( و ) وَقِيلَ وَيُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ ( و ش )

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4 ) إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُعِيدُ التَّحِيَّةَ أَمْ لَا ، وَجْهُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا كَالسُّجُودِ ، قُلْتُ وَتُشْبِهُ أَيْضًا إجَابَةَ مُؤَذِّنٍ ثَانِيًا ، وَثَالِثًا إذَا سَمِعَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَكَانَ مَشْرُوعًا ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قَالَ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، فَعَلَى هَذَا يُعِيدُ التَّحِيَّةَ إذَا دَخَلَهُ مِرَارًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يُصَلِّي الْمُقِيمُ التَّحِيَّةَ ، لِتَكْرَارِ دُخُولِهِ لِلْمَشَقَّةِ ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِحْرَامِ .
وَقَالَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِكُلِّ دَاخِلٍ قَصْدَ الْجُلُوسِ أَوْ لَا .

وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَصَحِّ ( و ش ) وَفِيهِ فِي صَلَاةٍ رِوَايَتَانِ ، وَيُكَبِّرُ رَافِعًا فِي الْأَصَحِّ ( م 5 ) ( و ) قَالَ جَمَاعَةٌ وَيَجْلِسُ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ النَّدْبُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا جُلُوسَهُ فِي الصَّلَاةِ لِذَلِكَ
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِيهِ فِي صَلَاةٍ رِوَايَتَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالْمُذْهَبِ وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إحْدَاهُمَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي ، وَالْمُقْنِعِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالشَّرْح وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَرْفَعُهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، قَالَ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَمَالَا إلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ ذُكِرَ عَنْ وَاحِدٍ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ هَذَا أَصَحُّ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَفِي كِتَابِ ابْنِ تَمِيمٍ لِأَمِيرِ النَّاسِ وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ ، انْتَهَى .
قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ : إنَّمَا فِيهِ لِأَمْرِ النَّاسِ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ : قِيلَ إنَّهُ كَشَفَ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ فَوَجَدَ فِيهِ بَدَلَ الْأَمِيرِ لِأَمْرٍ بِغَيْرِ يَاءٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ كَلِمَةٌ مَطْمُوسَةٌ فَلَعَلَّهُ لِأَمْرٍ يَعُمُّ النَّاسَ .
انْتَهَى ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لِأَمْرٍ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ لِيُوَافِقَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ .

وَالتَّسْلِيمُ رُكْنٌ ( و ق ) وَيُجْزِي وَاحِدَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، وَقِيلَ وَيَتَشَهَّدُ ( خ ) وَنَصُّهُ لَا يُسَنُّ ، وَالْأَفْضَلُ سُجُودُهُ عَنْ قِيَامٍ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ يَقُومُ ثُمَّ يَسْجُدُ ، قَالَ يَسْجُدُ وَهُوَ قَاعِدٌ

وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ إمَامٍ لِسَجْدَةٍ فِي صَلَاةِ سِرٍّ ( ش ) وَسُجُودُهُ لَهَا ( م هـ ر ) وَقِيلَ لَا ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِنْ فَعَلَ خُيِّرَ الْمَأْمُومُ ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ ( و هـ م ر ) كَصَلَاةِ جَهْرٍ فِي الْأَصَحِّ ( و ) وَلَا يُكْرَهُ قِرَاءَتُهَا فِيهَا ( م ) وَيُكْرَهُ اخْتِصَارُ آيَاتِ السُّجُودِ ( و ) مُطْلَقًا ( م ) وَجَمْعُهُمَا فِي وَقْتٍ ( و ش ) .

وَيُسْتَحَبُّ سَجْدَةُ الشُّكْرِ ( هـ م ) وَفِي كِتَابِ ابْنِ تَمِيمٍ لِأَمِيرِ النَّاسِ وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ ، [ يُرَاجَعُ التَّنْبِيهُ الْمَذْكُورُ فِي الذَّيْلِ ] عِنْدَ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ ، قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : [ الْمُنَاسَبَةُ ] ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْعُقَلَاءَ يُهَنُّونَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَارِضِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَصْرِفُ عَنْهُمْ الْبَلَاءَ وَالْآفَاتِ وَيُمَتِّعُهُمْ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ ، وَيُفَرِّقُونَ فِي التَّهْنِئَةِ بَيْنَ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ كَذَلِكَ السُّجُودُ لِلشُّكْرِ .
وَفِيهِ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ وَجْهَانِ وَنَصُّهُ يَسْجُدُ ( م 6 ) وَإِنْ فَعَلَهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرَ جَاهِلٍ وَنَاسٍ بَطَلَتْ ( و ) وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْ حَمِدَ لِنِعْمَةٍ أَوْ اسْتَرْجَعَ لِمُصِيبَةٍ .
وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِيهَا ، كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ سَبَبَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَارِضٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ .
وَهُمَا كَنَافِلَةٍ فِيمَا يُعْتَبَرُ ( و ) وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ صَلَاةٌ ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ ، وَخَالَفَ شَيْخُنَا ، وَوَافَقَ عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ ، وَقِيلَ يُجْزِي قَوْلُ مَا وَرَدَ ، وَخَيَّرَهُ فِي الرِّعَايَةِ بَيْنَهُمَا .
وَمَنْ رَأَى مُبْتَلًى فِي دِينِهِ سَجَدَ ، وَإِنْ كَانَ مُبْتَلًى فِي بَدَنِهِ كَتَمَهُ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سَجَدَ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { رَأَى رَجُلًا بِهِ زَمَانَةٌ فَسَجَدَ } ، رَوَاهُ الشَّالَنْجِيُّ ، وَأَمَرَ فِي خَبَرٍ آخَرَ بِسُؤَالِ الْعَافِيَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَسْجُدُ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْخَبَرِ { مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاك بِهِ ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا خَلَقَ تَفْضِيلًا لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلَاءُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْأَلُوا

اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِحَضْرَةِ الْمُبْتَلَى ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ أَرَادَ الدُّعَاءَ فَعَفَّرَ وَجْهَهُ لِلَّهِ بِالتُّرَابِ وَسَجَدَ لَهُ لِيَدْعُوَهُ فِيهِ ، فَهَذَا سُجُودٌ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ ، وَلَا شَيْءَ يَمْنَعُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ سَجَدَ سُجُودًا مُجَرَّدًا لَمَّا جَاءَ نَعْيُ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا } ، قَالَ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ يُشْرَعُ عِنْدَ الْآيَاتِ ، فَالْمَكْرُوهُ هُوَ السُّجُودُ بِلَا سَبَبٍ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : فِي سُجُودِ الشُّكْرِ وَفِيهِ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ وَجْهَانِ وَنَصُّهُ يَسْجُدُ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ أَحَدُهُمَا يَسْجُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَسْجُدُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، فَقَالَ : يُسَنُّ سُجُودُ الشُّكْرِ لِتَجَدُّدِ نِعْمَةٍ وَدَفْعِ نِقْمَةٍ عَامَّتَيْنِ لِلثَّانِي وَقِيلَ : أَوْ خَاصَّتَيْنِ بِهِ انْتَهَى ، فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى .

بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يُشْرَعُ لِعَمْدٍ ( ش ) فِي الْقُنُوتِ ، وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ، فِيهِ ، وَبَنَى الْحَلْوَانِيُّ سُجُودَهُ لِسُنَّةٍ عَلَى كَفَّارَةِ قَتْلٍ عَمْدًا ، وَيَجِبُ لِكُلِّ مَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ سَهْوِهِ وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ ، وَعَنْهُ يُسَنُّ ( و ش ) وَأَوْجَبَهُ ( م ) لِنَقْصٍ ، وَأَوْجَبَهُ ( هـ ) لِجَهْرٍ ، وَإِخْفَاتٍ ، وَسُورَةٍ ، وَقُنُوتٍ ، وَتَكْبِيرِ عِيدٍ ، وَتَشَهُّدَيْنِ كَزِيَادَةِ رُكْنٍ ، كَرُكُوعٍ بِأَكْثَرَ ( م ) وَأَبْطَلَهَا بِمَا فَوْقَ نِصْفِهَا ، وَتَبْطُلُ لِعَمْدِهِ ( هـ ) فِي دُونِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ ، وَكَسِلَامٍ مِنْ نَقْصٍ
بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ لَا يُشْرَعُ لِعَمْدٍ وَبَنَى الْحَلْوَانِيُّ سُجُودَهُ لِسُنَّةٍ عَلَى كَفَّارَةِ قَتْلٍ عَمْدًا انْتَهَى أَيْ لِتَرْكِ سُنَّةٍ عَمْدًا إذْ الصَّلَاةُ تَبْطُلُ بِتَرْكِ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ عَمْدًا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَسْجُدُ لِعَمْدٍ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ ، وَالْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ فَلَا يَسْجُدُ لِسُنَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ .

وَفِي جُلُوسِهِ بِقَدْرِ الِاسْتِرَاحَةِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَفِي شُرُوعِهِ لِتَرْكِ سُنَّةٍ خِلَافٌ سَبَقَ ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي سُجُودُ السَّهْوِ بَدَلٌ عَمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، فَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ آكِدٌ ، فَقَالَ قَدْ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ وَاجِبٍ ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ حَجَّةِ التَّطَوُّعِ ، وَحَجَّةُ التَّطَوُّعِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، وَإِنْ أَتَى بِذِكْرٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ غَيْرِ سَلَامٍ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَقِيلَ بَلَى ، وَقِيلَ بِقِرَاءَتِهِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا .

( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ وَفِي جُلُوسِهِ بِقَدْرِ الِاسْتِرَاحَةِ هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَذَلِكَ وَجْهَانِ انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَذَلِكَ ، أَمْ لَا ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، وَالشَّارِحُ فِي مَوْضِعٍ ، أَحَدُهُمَا لَا يَسْجُدُ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ ، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ إنْ كَانَ جُلُوسُهُ يَسِيرًا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي ، إلَّا إذَا قُلْنَا تُجْبَرُ الْهَيْئَاتُ بِالسُّجُودِ ، انْتَهَى ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي ، وَمَالَ إلَيْهِ ، قُلْتُ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَسْجُدُ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .
وَقَالَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ انْتَهَى ، قُلْتُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَالشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي مَكَان وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، قُلْتُ فَيَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
تَنْبِيهَاتٌ .
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ فِي شُرُوعِهِ : صَوَابُهُ وَفِي مَشْرُوعِيَّتِهِ ، يَعْنِي هَلْ يُشْرَعُ لِتَرْكِ سُنَّةٍ ؟ خِلَافٌ يَسْبِقُ ، يَعْنِي فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ ، وَهَلْ يُشْرَعُ السُّجُودُ لِتَرْكِ سُنَّةٍ أَوْ لَا أَوْ يُشْرَعُ لِلْأَقْوَالِ فَقَطْ ؟ ؟ رِوَايَاتٌ ، وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ ذَلِكَ .
الثَّانِي أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلُزُومِ الْمَأْمُومِ تَنْبِيهَ الْإِمَامِ ، وَقَدْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ .
الثَّالِثُ قَوْلُهُ وَفِي اللَّيْلِ لَيْسَ بِأَفْضَلَ ، يَعْنِي الزِّيَادَةَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ، وَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ ، يَعْنِي الْآتِيَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ .

وَيُسْتَحَبُّ لِسَهْوِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ( م ) خِلَافًا ( هـ ش ) فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا ، أَوْ تَشَهَّدَ رَاكِعًا ، وَلَا أَثَرَ لِمَا أَتَى بِهِ سَهْوًا ، فَيَقْنُتُ مَنْ قَنَتَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إنْ أَتَى بِذِكْرٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، أَوْ بِذِكْرٍ لَمْ يُشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً قَطَعَ مَتَى ذَكَرَ ، وَبَنَى ، وَلَا بِتَشَهُّدِ مَنْ تَشَهَّدَ ( م ) وَعِنْدَ ( هـ ) إنْ سَجَدَ فِي خَامِسَةٍ ضَمَّ سَادِسَةً ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَارَتْ نَفْلًا ، وَإِلَّا فَالزِّيَادَتَانِ نَفْلٌ ، وَإِنْ نَبَّهَ ثِقَتَانِ إمَامًا رَجَعَ ( و م ) وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ ، فَيَعْمَلُ بِيَقِينِهِ ، أَوْ التَّحَرِّي ، لَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَيَعْمَلُ بِيَقِينِهِ ( ش ) كَتَيَقُّنِهِ صَوَابَ نَفْسِهِ ، وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً ، كَحُكْمِهِ بِشَاهِدَيْنِ ، وَتَرْكِهِ يَقِينَ نَفْسِهِ ، وَهَذَا سَهْوٌ ، بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي يَتْرُكُ الْإِمَامُ الْيَقِينَ ، وَمُرَادُهُ الْأَصْلُ ، قَالَ : الْحَاكِمُ يَرْجِعُ إلَى الشُّهُودِ ، وَيَتْرُكُ الْأَصْلَ وَالْيَقِينَ ، وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ وَكَذَا شَهَادَتُهُمَا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ، يَرْجِعُ إلَيْهِمَا وَيَتْرُكُ الْيَقِينَ ، وَالْأَصْلُ هُوَ بَقَاءُ الشَّهْرِ ، وَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى ثِقَةٍ فِي زِيَادَةٍ ، لَا مُطْلَقًا ( هـ ) وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ يَجُوزُ رُجُوعُهُ إلَى وَاحِدٍ بِظَنِّ صِدْقِهِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إنْ ظَنَّ صِدْقَهُ عَمِلَ بِظَنِّهِ ، لَا بِتَسْبِيحِهِ ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ لَا يَرْجِعُ ، بِقَوْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَرْجِعُ إلَى ثِقَتَيْنِ ، وَلَوْ ظَنَّ خَطَأَهُمَا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ نَصَّ أَحْمَدُ .
وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ ، وَاحْتِمَالٌ مِنْ الْحُكْمِ مَعَ الرِّيبَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا ، وَإِلَّا لَمْ

يَكُنْ لِتَنْبِيهِهَا فَائِدَةٌ ، وَلَمَّا كُرِهَ تَنْبِيهُهَا بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ وَذَكَرَ احْتِمَالًا فِي الْفَاسِقِ كَأَذَانِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُمَيِّزِ خِلَافٌ ، وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ فِيهِ .
وَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ فَأَبَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .
وَصَلَاةُ مُتَّبِعِهِ عَالِمًا ، لَا جَاهِلًا وَسَاهِيًا ، عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْكُلِّ ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا مَسْبُوقٌ نَصَّ عَلَيْهِ ، خِلَافًا لِلْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ ، وَيُفَارِقُهُ الْمَأْمُومُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و ش و هـ ) إنْ سَجَدَ وَعَنْهُ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وُجُوبًا ، وَعَنْهُ نَدْبًا ، وَهُمَا فِي مُتَابَعَتِهِ لِاحْتِمَالِ تَرْكِ رُكْنٍ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَلَا يَتْرُكُ يَقِينَ الْمُتَابَعَةِ بِالشَّكِّ وَعَنْهُ يُخَيَّرُ فِي انْتِظَارِهِ وَمُتَابَعَتِهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ سَقَطَ قَوْلُهُمْ ، وَقِيلَ يَعْمَلُ بِمُوَافِقِهِ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ وَيَرْجِعُ مُنْفَرِدٌ إلَى يَقِينٍ ، وَقِيلَ لَا ، لِأَنَّ مَنْ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ تَحَفُّظًا ، قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ ، لِقَوْلِهِ فِي رَجُلٍ قَالَ طُفْنَا سَبْعًا ، وَقَالَ الْآخَرُ سِتًّا فَقَالَ : لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَقَالَ اثْنَانِ سَبْعًا .
وَقَالَ الْآخَرُ سِتًّا قُبِلَ قَوْلُهُمَا ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ قَوْلَ الْقَوْمِ ، فَقَدْ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الِاثْنَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا غَيْرَ مُشَارِكٍ لَهُ فِي طَوَافِهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي الشَّكِّ فِيهِ ، وَعَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الشَّكِّ ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إنْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ أُبْطِلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ ، وَمَعْنَى قُلْنَا تَبْطُلُ : يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا ، بَلْ يُسَلِّمُ عَقِبَ الرَّابِعَةِ ، وَيَكُونُ لَهُمْ نَفْلًا وَسَبَقَ فِي النِّيَّةِ ، وَمَنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ وَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ نَهَارًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ ، خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَالَهُ ( م ) مَا لَمْ

يَرْكَعْ فِي الثَّالِثَةِ ، وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنْ كُرِهَتْ الْأَرْبَعُ نَهَارًا ، وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ ( م ش ) لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ ، وَفِي اللَّيْلِ لَيْسَ بِأَفْضَلَ ( م ش ) وَفِي الْأَصَحِّ الْخِلَافُ .

فَصْلٌ وَمَنْ نَسِيَ رُكْنًا فَذَكَرَهُ فِي قِرَاءَةِ الَّتِي بَعْدَهَا لَغَتْ الرَّكْعَةُ الْمَنْسِيُّ رُكْنُهَا فَقَطْ ( و ) نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ وَمَا قَبْلَهَا ، وَإِنْ رَجَعَ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ عَادَ فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ نَصَّ عَلَيْهِ ، لِكَوْنِ الْقِيَامِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ ، لَا فِي رُكُوعِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَقَطْ ( م ) وَلَا مُطْلَقًا ، أَوْ مُلَفَّقًا ( ش ) وَقَالَ ( هـ ) مِثْلَهُ ، وَيَأْتِي عِنْدَهُ بِالسَّجْدَةِ مَتَى ذَكَرَ ، وَلَوْ قَامَ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَكَانَ جَلَسَ لِلْفَصْلِ لَمْ يَجْلِسْ لَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِلَّا جَلَسَ .
وَفِي الْفُنُونِ يَحْتَمِلُ جُلُوسُهُ وَسُجُودٌ بِلَا جِلْسَةٍ .
وَفِي الْمَنْهَجِ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا نَاسِيًا فَذَكَرَ حِينَ شَرَعَ فِي آخَرَ بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ ، وَحَكَى رِوَايَةً ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُعِدْ عَمْدًا بَطَلَتْ وَسَهْوًا بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعِدْهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا يَفْعَلُ بَعْدَ مَا تَرَكَهُ .
وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : إنْ تَرَكَ رُكُوعًا أَوْ سَجْدَةً فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ جَعَلَهَا أَوَّلِيَّتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا عَادَ فَأَتَمَّ الرَّكْعَةَ ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ يَأْتِي بِهَا ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ الِانْحِطَاطِ مِنْ قِيَامِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهَا تَلْغُو ، وَتُجْعَلُ الثَّانِيَةُ أُولَى ، كَذَا قَالَ ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ أَتَى بِرَكْعَةٍ مَعَ قُرْبِ الْفَصْلِ ( و ) عُرْفًا ، وَلَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ مَا دَامَ بِالْمَسْجِدِ ، وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَقِيلَ يَأْتِي بِالرُّكْنِ وَبِمَا بَعْدَهُ ، وَقِيلَ لِمَسْجِدٍ بَعْدَ السَّلَامِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَالتَّلْخِيصِ تَبْطُلُ ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ رَكْعَةً لَمْ تَبْطُلْ ، وَمَتَى شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَعَ

قُرْبِ الْفَصْلِ عَادَ فَأَتَمَّ الْأُولَى ( و ش ) وَعَنْهُ يَسْتَأْنِفُهَا ( و م ) لِتَضَمُّنِ عَمَلِهِ قَطْعًا بَيْنَهَا وَقَالَهُ ( هـ ) إنْ سَجَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْأُخْرَى ، وَإِلَّا عَادَ ، وَعَنْ أَحْمَدَ يَسْتَأْنِفُهَا إنْ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ نَفْلًا ، وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ يُتِمُّ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا كَانَتَا صَلَاتَيْ جَمْعٍ أَتَمَّهَا ثُمَّ سَجَدَ عَقِبَهَا لِلسَّهْوِ عَنْ الْأُولَى .
لِأَنَّهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ يَسْجُدُ عِنْدَنَا لِلسَّهْوِ .

وَمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ أَتَمَّ الرَّابِعَةَ وَأَتَى بِثَلَاثٍ بَعْدَهَا ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، وَسَلَّمَ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَنْهُ يَبْنِي عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَعَنْهُ تَصِحُّ رَكْعَتَانِ ( و ش ) وَعَنْهُ تَبْطُلُ وَلَا يَسْجُدُ فِي الْحَالِ أَرْبَعًا ( هـ ) وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِهِ فَقِيلَ كَذَلِكَ وَنَصُّهُ بُطْلَانُهَا ( م 2 ) وَإِنْ ذَكَرَ وَقَدْ قَرَأَ فِي الْخَامِسَةِ فَهِيَ أُولَاهُ ، وَتَشَهُّدُهُ قَبْلَ سَجْدَتَيْ الْأَخِيرَةِ زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ ، وَقَبْلَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ قَوْلِيَّةٌ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ بَعْدَ حُكْمِ مَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِهِ فَقِيلَ كَذَلِكَ وَنَصُّهُ بُطْلَانُهَا انْتَهَى ، الْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الصُّغْرَى ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَقَالَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ قُلْتُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ ، وَقِيلَ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ ذَكَرَ قَبْلَ السَّلَامِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ فِيمَنْ تَرَكَ رُكْنًا فَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى سَلَّمَ إنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ ، فَأَمَّا عَلَى مَنْصُوصِ أَحْمَدَ فِي الْبِنَاءِ إذَا ذَكَرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ إذَا ذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ انْتَهَى .

وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى انْتَصَبَ فَعَنْهُ يَمْضِي ( و ش ) وُجُوبًا كَمَا لَوْ قَرَأَ ( و ) وَعَنْهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ وَالْأَشْهَرُ يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ ( م 3 ) وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَيَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُ ، وَقِيلَ يَتَشَهَّدُ وُجُوبًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَصِبْ رَجَعَ ، وَلَوْ فَارَقَ الْأَرْضَ ( م ) أَوْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقِيَامِ ( هـ ) وَعَلَى مَأْمُومٍ اعْتَدَلَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ إنْ كَثُرَ نُهُوضُهُ .
وَفِي التَّلْخِيصِ إنْ بَلَغَ حَدَّ رُكُوعٍ
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى انْتَصَبَ فَعَنْهُ يَمْضِي وُجُوبًا ، كَمَا لَوْ قَرَأَ وَعَنْهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ ، وَالْأَشْهَرُ يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ ، انْتَهَى ، الْأَشْهَرُ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ كَرَاهَةُ رُجُوعِهِ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَنَصَرَهُ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي أَوْلَى ، قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ وَهُوَ أَصَحُّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ ، وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ الشَّارِحُ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ ، قَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ لَمْ يَرْجِعْ ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ انْتَهَى ، وَرِوَايَةُ عَدَمِ رُجُوعِهِ وَمُضِيِّهِ فِي صَلَاتِهِ وُجُوبًا اخْتَارَهَا الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْخِيرَةِ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا اخْتَارَهَا مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَكَذَا رِوَايَةُ وُجُوبِ رُجُوعِهِ ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْمُضِيِّ وَالرُّجُوعِ وَالْخِيَرَةِ ، عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَشْهَرَ الْكَرَاهَةُ هُوَ الْمَذْهَبُ .

وَكَذَا تَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَكُلُّ وَاجِبٍ ، فَيَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحِ رُكُوعٍ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ وَفِيهِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَقْرَأْ وَجْهَانِ ( م 4 ) وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ ، وَتَبْطُلُ بِعَمْدِهِ ، وَإِنْ جَازَ أَدْرَكَ مَسْبُوقُ الرَّكْعَةِ بِهِ ، وَقِيلَ لَا ، لِأَنَّهُ نَفْلٌ ، وَكَرُجُوعِهِ إلَى رُكُوعٍ سَهْوًا ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ مَسْبُوقٌ لِيَسْجُدَ مَعَ إمَامِهِ لِلسَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا بَطَلَتْ ، وَبَعْدَ السُّجُودِ تَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ قَامَ مَسْبُوقٌ لِنَقْصٍ فَهَلْ يَعُودُ إلَى سُجُودِ سَهْوٍ مَعَ إمَامِهِ ؟ ؟ فَعَنْهُ يَعُودُ كَالتَّشَهُّدِ ، وَسُجُودِ الصُّلْبِ وَعَنْهُ لَا كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَعَنْهُ يُخَيَّرُ لِشَبَهِهِ بِهِمَا .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ وَكَذَا تَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَكُلِّ وَاجِبٍ ، فَيَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحِ رُكُوعٍ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ ، وَفِي رُجُوعِهِ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَجْهَانِ انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ وُجُوبًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَالْفَائِقِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوعُ ، كَمَا فِي التَّشَهُّدِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ، فَقَالَ وَإِنْ انْتَصَبَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ ، فَإِنْ رَجَعَ جَازَ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ انْتَهَى ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ قَالَ كُرِهَ عَوْدُهُ ، وَصَحَّ عِنْدَ الْقَاضِي .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي لَا يَرْجِعُ إلَى سَابِقٍ سِوَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ انْتَهَى ، وَقَوْلُهُ : وَفِيهِ بَعْدَهُ أَيْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَجْهَانِ ، لَيْسَ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ قِرَاءَةٌ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا يُقَالُ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنْ الذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ ( و م ش ) وَزَادَ يَبْنِي الْمُوَسْوِسُ عَلَى أَوَّلِ خَاطِرٍ ، كَطَهَارَةٍ ، وَطَوَافٍ ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي ظَنُّهُ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غُسْلُهُ وَيَأْتِي فِي الطَّوَافِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ ، فَالطَّهَارَةُ مِثْلُهُ ، وَعَنْهُ بِظَنِّهِ ( و هـ ) وَزَادَ لِيَسْتَأْنِفْهَا مَنْ يَعْرِضُ لَهُ أَوَّلًا ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أُمُورِ الشَّرْعِ ، وَأَنَّ مِثْلَهُ يُقَالُ فِي طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَرَمْيِ جِمَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ بِظَنِّهِ ، لِأَنَّ لَهُ مَنْ يُنَبِّهُهُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ ، وَاخْتُلِفَ فِي اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ ، وَمُرَادُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا ، فَإِنْ كَانَ فَبِالْيَقِينِ ، لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ ، وَبِدَلِيلِ الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ لَا يَرْجِعُ إلَى فِعْلِ إمَامِهِ ، وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ، وَيُعَابَا بِهِمَا ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِالْأَقَلِّ ( و ) وَلَا أَثَرَ لِشَكِّ مَنْ سَلَّمَ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ بَلَى مَعَ قِصَرِ الزَّمَنِ ، وَيَأْخُذُ مَأْمُومٌ بِفِعْلِ إمَامِهِ ، وَعِنْدَ ( م ) بِالْيَقِينِ كَمَأْمُومٍ وَاحِدٍ وَكَفِعْلِ نَفْسِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِيهِ ، وَكَالْإِمَامِ ، فَالْإِمَامُ لَا يَرْجِعُ إلَى فِعْلِ الْمَأْمُومِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِلْأَمْرِ بِالتَّنْبِيهِ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ، وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إذَا صَلَّى بِقَوْمٍ تَحَرَّى وَنَظَرَ إلَى مَنْ خَلْفَهُ ، فَإِنْ قَامُوا تَحَرَّى وَقَامَ ، وَإِنْ سَبَّحُوا بِهِ تَحَرَّى وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُونَ قَالَ فِي الْخِلَافِ : وَيَجِبُ حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ رَأْيًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ ، وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ فَبِالْيَقِينِ ، وَقِيلَ هُوَ كَرَكْعَةٍ قِيَاسًا ، وَقَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي

قَوْلٍ وَفِعْلٍ .

وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِ مَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ فَوَجْهَانِ ( م 5 ) وَعَنْهُ يَسْجُدُ لِشَكِّهِ فِي زِيَادَةٍ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، كَشَكِّهِ فِيهَا وَقْتَ فِعْلِهَا
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ فَبِالْيَقِينِ وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِ مَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ فَوَجْهَانِ انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي ، وَالْمُقْنِعِ ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ، وَغَيْرُهُمْ ، أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، فَقَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ السُّجُودُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا ، وَحَكَى الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْحُسَيْنِ قَالَ رَجَعَ وَالِدِي عَنْ هَذَا أَخِيرًا ، وَقَالَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي السُّجُودَ لِذَلِكَ انْتَهَى

فَلَوْ بَانَ صَوَابُهُ أَوْ سَجَدَ ثُمَّ بَانَ لَمْ يَسْهُ أَوْ سَهَا بَعْدَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ فِي سُجُودِهِ قَبْلَ السَّلَامِ فَوَجْهَانِ ، ( م 6 - 8 )

مَسْأَلَةٌ 6 ) فَلَوْ بَانَ صَوَابُهُ يَعْنِي إذَا شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ أَوْ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ ثُمَّ زَالَ شَكُّهُ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مُصِيبٌ ، أَوْ سَجَدَ ثُمَّ بَانَ لَمْ يَسْهُ أَوْ سَهَا بَعْدَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ فِي سُجُودِهِ قَبْلَ السَّلَامِ فَوَجْهَانِ انْتَهَى ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) وَهِيَ مَا إذَا شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ ، وَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ ، أَوْ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ ، ثُمَّ زَالَ شَكُّهُ فِي الصَّلَاةِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَسْجُدُ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَفِيهِ وَجْهٌ يَسْجُدُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) إذَا سَجَدَ لِسَهْوٍ ظَنَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ ثَانِيًا أَمْ لَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا يَسْجُدُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ ( قُلْتُ ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَسْجُدُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْكِسَائِيّ ، مَعَ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَتَبِعَهُ فِي النُّكَتِ ، فَإِنَّ الْكِسَائِيَّ قَالَ يُتَقَوَّى بِالْعَرَبِيَّةِ عَلَى كُلِّ عِلْمٍ ، فَسَأَلَهُ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي حَضْرَةِ الرَّشِيدِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُصَغَّرُ لَا يُصَغَّرُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 8 ) إذَا سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ سَلَامِهِ

فَهَلْ يَسْجُدُ لَهُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَسْجُدُ ، هُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ لَا يَسْجُدُ لَهُ أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، فَقَالَا لَوْ سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لِذَلِكَ انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَسْجُدُ لَهُ .

وَلَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ لِسَهْوِهِ ( و ) بَلْ لِسَهْوِ إمَامِهِ مَعَهُ ( و ) وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يُتِمُّهُ ، وَقِيلَ ثُمَّ يُعِيدُ السُّجُودَ ، وَإِنْ نَسِيَ إمَامُهُ سَجَدَ هُوَ عَلَى الْأَصَحِّ ( خ ) وَيَسْجُدُ مَسْبُوقٌ مَعَ إمَامِهِ إنْ سَهَا إمَامُهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ ، وَكَذَا فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ ( م ) إنْ لَحِقَ دُونَ رَكْعَةٍ وَعَنْهُ إنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ ( و م ش ) وَإِلَّا قَضَى بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ثُمَّ سَجَدَ وَعَنْهُ يَقْضِي ثُمَّ يَسْجُدُ ، وَلَوْ سَجَدَ إمَامُهُ قَبْلَهُ وَعَنْهُ يُخَيَّرُ فِي مُتَابَعَتِهِ ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ مَعَهُ وَيُعِيدُهُ ( خ ) وَإِنْ نَسِيَ إمَامُهُ سَجَدَ هُوَ ( و هـ ) وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ سَجَدَ مَعَهُ ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَى بِالثَّانِيَةِ ثُمَّ قَضَى صَلَاتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ لَا يَأْتِي بِهَا ، بَلْ يَقْضِي صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ وَقَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدْ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ ، وَإِنْ سَهَا فَسَلَّمَ مَعَهُ أَوْ سَهَا مَعَهُ أَوْ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ سَجَدَ .

فَصْلٌ مَحِلُّ سُجُودِ السَّهْوِ نَدْبًا ( و ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ( ع ) وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلِ ، فَلَا مَعْنَى لِادِّعَاءِ النَّسْخِ ، وَقِيلَ وُجُوبًا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَإِنَّ عَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّيْخِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَبْلَ السَّلَامِ : إلَّا إذَا سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ أَوْ أَخَذَ بِظَنِّهِ ، هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ النَّقْصَ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْخِلَافِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا نَقْصُ رَكْعَةٍ ، وَإِلَّا قَبْلَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَدْ سَبَقَ ، وَعِنْدَ كُلِّهِ قَبْلَهُ ( و ش ) اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَابْنُهُ وَأَبُو الْفَرَجِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ ( و م ) وَعَنْهُ مِنْ نَقْصٍ بَعْدَهُ ، وَمِنْ زِيَادَةٍ قَبْلَهُ ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ ، ( و هـ ) فَيَسْجُدُ مَنْ أَخَذَ بِالْيَقِينِ قَبْلَهُ ( م ) " لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الشَّاكَّ أَنْ يَدَعَ الرَّابِعَةَ وَيَسْجُدَ " قِيلَ : احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ، وَمَنْ أَخَذَ بِظَنِّهِ بَعْدَهُ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا

وَيَكْفِيهِ لِجَمِيعِ السَّهْوِ سُجُودٌ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحِلُّهُمَا أَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الْمَنْصُوصِ ( و هـ ) قِيلَ : يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ ( و م ) وَحَكَى بَعْدَهُ ، وَقِيلَ : الْأَسْبَقُ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي ، وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ سَهْوٍ بِسُجُودٍ ، بَلْ يَتَدَاخَلُ ( م 9 ) وَيَكْفِيهِ سُجُودٌ فِي الْأَصَحِّ لِسَهْوَيْنِ : أَحَدُهُمَا جَمَاعَةً وَالْآخَرُ مُنْفَرِدًا

مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَيَكْفِيهِ لِجَمِيعِ السَّهْوِ سُجُودٌ وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحِلِّهِمَا أَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الْمَنْصُوصِ قِيلَ يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ وَحَكَى بَعْدَهُ ، وَقِيلَ الْأَسْبَقُ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ سَهْوٍ بِسُجُودٍ ، بَلْ يَتَدَاخَلُ انْتَهَى ، إذَا قُلْنَا يَكْفِيهِ لِجَمِيعِ السَّهْوِ سُجُودٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَهَلْ يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ ، أَوْ الْأَسْبَقَ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَابْنُ تَمِيمٍ ( أَحَدُهُمَا ) يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُغَلِّبُ أَسْبَقَهُمَا ، وُقُوعًا ( قُلْتُ ) وَهُوَ قَوِيٌّ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ إذَا قُلْنَا لَا يُغَلِّبُ الْأَسْبَقَ وُقُوعًا فَهَلْ يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى مَا بَعْدَهُ ، أَوْ عَكْسَهُ ؟ حَكَى الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ ، وَقَدَّمَ ، أَنَّهُ يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى مَا بَعْدَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ( الثَّانِي ) قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ سَهْوٍ بِسُجُودٍ بَلْ يَتَدَاخَلُ ، لَعَلَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ كُلِّ سَهْوٍ بِزِيَادَةِ كُلٍّ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَلْ يَتَدَاخَلُ .

وَإِنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ فَعَنْهُ يَقْضِيهِ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ ( و ش ) وَعَنْهُ وَبَقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَعَلَّهُ أَشْهَرُ وَعَنْهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ( و هـ ) وَعَنْهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا ( و م ) فِيمَا بَعْدَهُ ، وَإِنْ بَعُدَ فِيمَا قَبْلَهُ أَعَادَ ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقِيلَ يَسْجُدُ بِالْمَسْجِدِ ( 10 ، 11 )

( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ فَعَنْهُ يَقْضِيهِ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ وَعَنْهُ وَبَقَائِهِ بِالْمَسْجِدِ ، وَلَعَلَّهُ أَشْهَرُ ، وَعَنْهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ، وَعَنْهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقِيلَ يَسْجُدُ بِالْمَسْجِدِ انْتَهَى ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِدَّةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَقْضِيهِ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ ، وَبَقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ، وَلَعَلَّهُ أَشْهَرُ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَالزَّرْكَشِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : سَجَدَ وَلَوْ تَكَلَّمَ ، مَا لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ ، أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ ، وَالْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ ، وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فَإِنْ نَسِيَهُ قَبْلَهُ سَجَدَ بَعْدَهُ إنْ قَرُبَ الزَّمَنُ ، وَقِيلَ أَوْ طَالَ ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ لِأَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ نَسِيَهُ ، وَسَلَّمَ سَجَدَ إنْ قَرُبَ مِنْهُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَطُلْ سَجَدَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ .
وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، فَإِنَّهُ قَالَ : فَإِنْ نَسِيَ السُّجُودَ فَذَكَرَهُ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ سَجَدَ انْتَهَى ، وَعَنْهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا ، يَعْنِي سَوَاءً قَصُرَ الْفَصْلُ أَوْ طَالَ ، خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ

مُطْلَقًا ، يَعْنِي سَوَاءً قَصُرَ الْفَصْلُ أَوْ طَالَ ، خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا ، عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ ، وَقِيلَ يَسْجُدُ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَإِذَا سَهَا أَنَّهُ سَهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ .
( تَنْبِيهٌ ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ فِي مَكَانَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) الْقَضَاءُ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ ، وَالْقَضَاءُ مُطْلَقًا وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا ( وَالثَّانِي ) إذَا قُلْنَا بِالْقَضَاءِ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي الْمَسْجِدِ ، أَمْ لَا ، أَمَّا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ التَّكَلُّمِ أَمْ لَا ، فَلَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، إذَا عُلِمَ هَذَا فَرِوَايَةُ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا لَا يُقَاوِمَانِ رِوَايَةَ التَّفْصِيلِ فِي التَّرْجِيحِ ، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ السُّجُودِ مُطْلَقًا لَهَا قُوَّةٌ ، وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ بَقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَعَدَمِهِ مَعَ قَصْرِ الْفَصْلِ فَقَوِيٌّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، فَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيهِ مُطْلَقًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ لَا غَيْرُ .

وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَفِي السُّجُودِ لَوْ تَوَضَّأَ وَجْهَانِ ( م 12 ) وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي صَلَاةٍ سَجَدَ إذَا سَلَّمَ ، أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقِيلَ مَعَ قَصْرِ فَصْلٍ ، وَيُخَفِّفُهَا مَعَ قَصْرِهِ لِيَسْجُدَ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَفِي السُّجُودِ لَوْ تَوَضَّأَ وَجْهَانِ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ ، وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيهِ ، ( أَحَدُهُمَا ) حُكْمُهُ حُكْمُ عَدَمِ الْحَدَثِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَرْجِعُ فِيهِ قَصْرُ الْفَصْلِ وَطُولُهُ ، وَخُرُوجُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( قُلْتُ ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ لِإِطْلَاقِهِمْ السُّجُودَ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَسْجُدُ هُنَا إذَا تَوَضَّأَ ، سَوَاءٌ قَصُرَ الْفَصْلُ أَوْ لَا ، خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَتَى سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ ( و هـ م ) التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ، ثُمَّ فِي تَوَرُّكِهِ إذًا فِي أَثْنَائِهِ وَجْهَانِ ( م 13 ) ، وَقِيلَ : لَا يَتَشَهَّدُ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا كَسُجُودِهِ قَبْلَ السَّلَامِ ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ ( ع ) وَلَا يُحْرِمُ لَهُ ، وَسُجُودُهُ لِلسَّهْوِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ وَبَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ كَسُجُودِ الصُّلْبِ ، لِأَنَّهُ أَطْلَقَهُ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ، فَلَوْ خَالَفَ عَادَ بِنِيَّةٍ
مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَمَتَى سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ، ثُمَّ فِي تَوَرُّكِهِ إذَنْ فِي أَثْنَائِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَتَوَرَّكُ بَلْ يَفْتَرِشُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ، ذَكَرُوهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَتَوَرَّكُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .

وَمَنْ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ الْوَاجِبَ عَمْدًا بَطَلَتْ بِمَا قَبْلَ السَّلَامِ ( و ش ) لَا بِمَا بَعْدَهُ ( و ) عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، وَفِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الرِّوَايَتَانِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ مَا بَعْدَ السَّلَامِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ عَنْهَا ، وَاجِبٌ لَهَا كَالْأَذَانِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَمَنْ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ الْوَاجِبَ عَمْدًا بَطَلَتْ بِمَا قَبْلَ السَّلَامِ ، لَا بِمَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، وَفِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الرِّوَايَتَانِ انْتَهَى ، ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مَبْنِيٌّ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ ، وَأَنَّ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ تَصْحِيحًا وَمَذْهَبًا ، وَقَدْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى ، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ السُّجُودِ الْوَاجِبَ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ ، وَقِيلَ إنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِتَرْكِهِ فَفِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَانِ ، وَقِيلَ وَجْهَانِ انْتَهَى فَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا .

وَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِي جِنَازَةٍ ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَسَهْوٍ ( و ) وَالنَّفَلُ كَالْفَرْضِ ( و ) وَسَبَقَ سُجُودُ السَّهْوِ لِنَفْلٍ عَلَى رَاحِلَةٍ ، وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ .

بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ التَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ فِعْلُ الطَّاعَةِ ، وَشَرْعًا وَعُرْفًا طَاعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالنَّفَلُ وَالنَّافِلَةُ الزِّيَادَةُ ، وَالتَّنَفُّلُ التَّطَوُّعُ أَفْضَلُ تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ الْجِهَادُ ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَالنَّفَقَةُ فِيهِ أَفْضَلُ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الصَّدَقَةُ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُحْتَاجِ أَفْضَلُ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ مَرْفُوعًا { مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ ذِكْرَ ( تَضْعِيفُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ ) .
وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ { مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً كَانَتْ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ } ، وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الْقَاسِمِ تَكَلَّمَ فِيهِ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَقِيلَ رِبَاطٌ أَفْضَلُ مِنْ جِهَادٍ ، وَحُكِيَ رِوَايَةً ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ الثَّغْرَ أَقِمْ أَقِمْ عَلَى أُخْتِك أَحَبُّ إلَيَّ ، أَرَأَيْت إنْ حَدَثَ بِهَا حَدَثٌ مَنْ يَلِيهَا ؟ وَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ : أَقِمْ عَلَى وَلَدِك وَتَعَاهَدْهُمْ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ ، يَعْنِي فِي غَزْوٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا ، وَاسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ مِنْ جِهَادٍ لَمْ يَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ ، وَهِيَ فِي غَيْرِهِ تَعْدِلُهُ ، لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ غَيْرِهِ ، وَقَالَ : الْعَمَلُ بِالْقَوْسِ

وَالرُّمْحِ أَفْضَلُ فِي الثَّغْرِ .
وَفِي غَيْرِهِ نَظِيرُهَا ، وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ : وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ } وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ { أَوْ كَاَلَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ } قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ مَعَ أَجْرِ الْجِهَادِ كَأَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ، مُضَافًا إلَى فَضِيلَةِ الْجِهَادِ كَذَا قَالَ ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هِنْدٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ ؟ قَالُوا : وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ؟ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَحْمَدَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ وَرَوَاهُمَا مَالِكٌ مَوْقُوفَيْنِ ، وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : يَوْمَ الْعِيدِ بِالثَّغْرِ قَوْمٌ لِحِفْظِ الدُّرُوبِ ، وَقَوْمٌ يُصَلُّونَهَا أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك ، قَالَ كُلٌّ ، وَعَنْهُ الْعِلْمُ : تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ ( و هـ م ) نَقَلَ مُهَنَّا " طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ " ، قِيلَ فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ ؟ ؟ قَالَ : يَنْوِي بِتَوَاضُعٍ ، وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ .
وَقَالَ لِأَبِي دَاوُد : شَرْطُ النِّيَّةِ شَدِيدٌ ، حُبِّبَ إلَيَّ فَجَمَعْته ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ : يَطْلُبُ الْحَدِيثَ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ ، قَالَ : الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ إنَّ تَذَاكُرَ بَعْضِ لَيْلَةٍ

أَحَبُّ إلَى أَحْمَدَ مِنْ إحْيَائِهَا وَإِنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ ، قُلْت : الصَّلَاةُ ، وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ ، وَالطَّلَاقُ وَنَحْوُ هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ شَيْخُنَا : مَنْ فَعَلَ هَذَا أَوْ غَيْرَهُ وَمِمَّا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ ، لَا لِلَّهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ ، فَلَيْسَ مَذْمُومًا ، بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الثَّوَابِ : إمَّا بِزِيَادَةٍ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا ، فَيَتَنَعَّمُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ فِعْلٍ حَسَنٍ لَمْ يُفْعَلْ لِلَّهِ مَذْمُومًا لَمَا أُطْعِمَ الْكَافِرُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، لِأَنَّهَا تَكُونُ سَيِّئَاتٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ : طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ ، وَقَوْلِ الْآخَرِ : طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ ، يَعْنِي " نَفْسُ طَلَبِهِ حَسَنَةٌ تَنْفَعُهُمْ " ، وَهَذَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ الْمُرْشِدُ ، فَإِذَا طَلَبَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَحَصَّلَهُ وَعَرَفَهُ ، بِالْإِخْلَاصِ فَالْإِخْلَاصُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْعِلْمِ ، فَلَوْ كَانَ طَلَبُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِخْلَاصِ لَزِمَ الدَّوْرُ ، وَعَلَى هَذَا مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ ، وَهُوَ حَالُ النُّفُوسِ الْمَحْمُودَةِ ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ خَدِيجَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَلًّا ، وَاَللَّهِ لَا يُخْزِيك اللَّهُ ، ، فَعَلِمْت أَنَّ النَّفْسَ الْمَطْبُوعَةَ عَلَى مَحَبَّةِ الْأَمْرِ الْمَحْمُودِ وَفِعْلِهِ لَا يُوقِعُهُ اللَّهُ فِيمَا يُضَادُّ ذَلِكَ .
وَفِي الْفُنُونِ : إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُهَا ، وَمِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ حَبَّبَ إلَيَّ الْعِلْمَ ، فَهُوَ أَسْنَى الْأَعْمَالِ ، وَأَشْرَفُهَا ، وَاخْتَارَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا

وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ وَتَأْذَنُ لَهُ وَالِدَتُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقَامَ أَحَبُّ إلَيْهَا ، قَالَ إنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَدْرِي كَيْفَ يُطَلِّقُ وَلَا يُصَلِّي فَطَلَبُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ فَالْمُقَامُ عَلَيْهَا أَحَبُّ إلَيَّ ، وَهَذَا لَعَلَّهُ يُوَافِقُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْجِهَادِ مَا سَبَقَ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبٍ وَابْنِ هَانِئٍ ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقَعُ نَفْلًا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي الْجِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِلَا إذْنٍ ، وَصَرَّحَ بِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إِسْحَاقُ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ، لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ نَفْلٍ وَوَاجِبٍ ، فَيَجِبُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُجْزِي الصَّلَاةَ ، وَهُوَ الْفَاتِحَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ أَقَلُّ مَا يَجِبُ الْفَاتِحَةُ وَسُورَتَانِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، لَمْ أَجِدْ لَهُ وَجْهًا ، وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ حِفْظَ شَيْءٍ مِنْهُ وَاجِبٌ ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُ أَكْثَرَ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ مَعَهَا ، وَعَلَى اسْتِحْسَانِ حِفْظِ جَمِيعِهِ ، وَأَنَّ ضَبْطَ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَيَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ ، قِيلَ لَهُ : فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ ، قَالَ : الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ ، قِيلَ مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ ؟ قَالَ الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ : صَلَاتُهُ ، وَصِيَامُهُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَمُرَادُ أَحْمَدَ مَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَمَنَعَ الْآمِدِيُّ فِي خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ كَوْنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ؛ اكْتِفَاءً بِرُجُوعِ الْعَوَامّ إلَى الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعَصْرِ السَّابِقِ ، وَهَذَا غَرِيبٌ ، فَمَتَى قَامَتْ طَائِفَةٌ بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ قَامَتْ بِفَرْضِ كِفَايَةٍ ثُمَّ مَنْ

تَلَبَّسَ بِهِ نَفْلٌ فِي حَقِّهِ ، وَوُجُوبُهُ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ دَعْوَى تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ ، وَصَرَّحَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ نَفْلًا ، وَأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَكُنْ النَّفَلُ سَبَبًا فِيهِ ، فَإِنَّ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ لِلْخَبَرِ ، وَجَعَلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ حُجَّةً فِي أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمُتَكَرِّرَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا يَأْتِي عَنْهُمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي رَدِّ السَّلَامِ الْمُتَكَرِّرِ ، وَلَمْ أَجِدْ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا الْحَنَفِيَّةُ إلَّا فِي الْعِلْمِ وَيَأْتِي كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا فُعِلَ ثَانِيًا أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، فَعَلَى هَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا ، وَكَذَا الْجِهَادُ ، وَسَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمَهُ يَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي الْجِهَادِ وَأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْجِهَادِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ، قَالَ : وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَطْلَقُوا الْقَوْلَ : أَفْضَلُ مَا تُطُوِّعَ بِهِ الْجِهَادُ ، وَذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَهُ تَطَوُّعًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ عَلَيْهِ ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ ، فَإِذَا بَاشَرَهُ وَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ فَهَلْ يَقَعُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ؟ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ أَنْ صَلَّاهَا غَيْرُهُ ، وَابْتَنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَوَازَ فِعْلِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَالْفَجْرِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فَرْضًا ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهَا تَطَوُّعًا كَمَا فِي التَّطَوُّعِ الَّذِي لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فَإِنَّهُ كَانَ نَفْلًا ، ثُمَّ يَصِيرُ إتْمَامُهُ وَاجِبًا ، وَلْيَحْذَرْ

الْعَالِمُ وَيَجْتَهِدْ فَإِنَّ دِينَهُ أَشَدُّ .
نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : الْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ ، لَيْسَ الْعَالِمُ مِثْلَ الْجَاهِلِ ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ : يُغْفَرُ لِسَبْعِينَ جَاهِلًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِعَالِمٍ وَاحِدٍ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ ، فَذَنْبُهُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِ الْيَهُودِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ : الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً ، وَذَكَرَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بَعْدَ الْجِهَادِ وَالْعِلْمِ الصَّلَاةَ ( ش ) فِي تَقْدِيمِهَا ، لِلْأَخْبَارِ فِي أَنَّهَا أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَخَيْرُهَا ، وَلِأَنَّ مُدَاوَمَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَفْلِهَا أَشَدُّ ، وَلِقَتْلِ مَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا ؛ وَلِتَقْدِيمِ فَرْضِهَا ، وَإِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ الصَّوْمَ فِي قَوْلِهِ { كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ } فَإِنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُهُ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَإِضَافَةُ عِبَادَةٍ إلَى غَيْرِ اللَّهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا تُوجِبُ عَدَمَ أَفْضَلِيَّتِهَا فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ قُرَى الشَّامِ ( ع ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ مَا عُبِدَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ قَطُّ ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } فَكَذَا الصَّلَاةُ مَعَ الصَّوْمِ ، وَقِيلَ أَضَافَ الصَّوْمَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ فَإِنَّ مَنْ نَوَى صِلَةَ رَحِمِهِ وَأَنْ يُصَلِّيَ وَيَتَصَدَّقَ وَيَحُجَّ كَانَتْ نِيَّتُهُ عِبَادَةً يُثَابُ عَلَيْهَا ، وَنُطْقُهُ بِمَا يَسْمَعُهُ النَّاسُ مِنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ أَفْضَلُ ( ع ) { وَسَأَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلٌ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ عَلَيْك بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا

مِثْلَ لَهُ } إسْنَادُهُ حَسَنٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ ، فَإِنْ صَحَّ فَمَا سَبَقَ أَصَحُّ ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الصَّلَاةِ ، أَوْ بِحَسَبِ السَّائِلِ ، وَقِيلَ الصَّوْمُ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَدْخُلُهُ رِيَاءٌ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا فَأَفْطَرَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ ، فَقَالَ : إذَا احْتَاجَ إلَى طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ .
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : أَفْضَلُ مَا تَعَبَّدَ بِهِ الْمُتَعَبِّدُ الصَّوْمُ ، وَقِيلَ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ ، وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّفْعِ الْقَاصِرِ كَالْحَجِّ ، وَإِلَّا فَالْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ إذَا صَلَّى وَاعْتَزَلَ فَلِنَفْسِهِ ، وَإِذَا قَرَأَ فَلَهُ ، وَلِغَيْرِهِ يَقْرَأُ أَعْجَبُ إلَيَّ ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ " اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ " ، وَفِي بَعْضِ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ التَّكَسُّبَ لِلْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعَلُّمِ ، لِتَعَدِّيهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا ، وَذَكَرَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْخَبَرِ ، وَقَدْ نَقَلَ حَنْبَلٌ : نَرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ ، لِأَنَّهُ صَلَاةٌ ، وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ ، وَكَذَا عَطَاءٌ ، هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ وَذَكَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ ، فَدَلَّ

مَا سَبَقَ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا سِيَّمَا وَهُوَ عِبَادَةٌ بِمُفْرَدِهِ ، يُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ غَالِبًا ؛ وَقِيلَ الْحَجُّ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهُ جِهَادٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ ؟ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ } إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ عَنْهَا { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ أَفَلَا نُجَاهِدُ ؟ قَالَ لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ } .
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ عَنْ سَنَّادِ بْنِ فَرُّوخَ وَجَمَاعَةٍ قَالُوا : ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ الْقَاسِمِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ هُوَ الْبَاقِرُ ، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ ، وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي وِلَايَةِ يَزِيدَ ، فَفِي سَمَاعِهِ مِنْهَا نَظَرٌ ، .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ : الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا { النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي رَسُولُ مَرْوَانَ إلَى أُمِّ مَعْقِلٍ عَنْهَا مَرْفُوعًا { الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وَعَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا { الْحَجُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِصِيغَةِ ( عَنْ ) فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، وَمِنْ الْعِتْقِ ، وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْعِتْقِ ، وَعَلَى ذَلِكَ إنْ

مَاتَ فِي الْحَجِّ فَكَمَا لَوْ مَاتَ فِي الْجِهَادِ ، وَيَكُونُ شَهِيدًا رَوَى أَبُو دَاوُد ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجَدَةَ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ إلَى مَكْحُولٍ ، إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنَيْمٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَنْ فَصَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ ، أَوْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ ، أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ ، أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ ، وَإِنَّ لَهُ الْجَنَّةَ } " بَقِيَّةُ " مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَفِيهِ تَدْلِيسٌ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَقَوْلُهُ " فَصَلَ " خَرَجَ ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَوْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ } وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وَبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ لِمَا سَبَقَ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَأَيُّهَا النَّاسُ ، كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ : فِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا ، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا ، الْحَجُّ مَرَّةٌ ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَبِي دَاوُد ، عَنْ النُّفَيْلِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ ابْنِ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ { هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ

سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ أَبِي وَاقِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ وَقَدْ تَفَرَّدَ عَنْهُ زَيْدٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْخَبَرُ مُنْكَرٌ ، فَمَا زِلْنَ يَحْجُجْنَ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، قَالَ : فَكَانَ كُلُّهُنَّ يَحْجُجْنَ إلَّا زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَسَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ ، وَكَانَتْ تَقُولُ : وَاَللَّهِ لَا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ أَنْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ ، أَظُنُّهُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْهُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَجَّ بِنِسَائِهِ ، قَالَ إنَّمَا هِيَ هَذِهِ ، ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ } صَالِحٌ صَالِحُ الْحَدِيثِ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَوَقَفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ ، وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَا بَأْسَ إذَا سَمِعُوا مِنْهُ قَدِيمًا ، مِثْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَظُهُورُ بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : أَيْ إنَّكُنَّ لَا تَعُدْنَ تَخْرُجْنَ ، وَتَلْزَمْنَ الْحُصْرَ ، هِيَ جَمْعُ الْحَصِيرِ الَّتِي تُبْسَطُ فِي الْبُيُوتِ بِضَمِّ الصَّادِ ، وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةِ حَجَّهَا ، يَعْنِي فِي الْحَجِّ ، وَبَعَثَ مَعَهُنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، يَعْنِي ابْنَ عَوْفٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَيْسَ أَشْبَهَ الْحَجَّ شَيْءٌ ؛ لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ ، وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ ، وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ ، وَعَشِيَّةُ عَرَفَةَ ، وَفِيهِ إنْهَاكُ الْمَالِ ، وَالْبَدَنِ ، وَإِنْ مَاتَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ ، فَإِنَّ الذِّكْرَ بِالْقَلْبِ

أَفْضَلُ مِنْ الْغُزَاةِ بِلَا قَلْبٍ ، وَهُوَ يَعْنِي كَلَامَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ : أَصْوَبُ الْأُمُورِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يُطَهِّرُ الْقَلْبَ وَيُصَفِّيهِ لِلذِّكْرِ وَالْأُنْسِ فَيُلَازِمَهُ .
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَفْضِيلَ أَحْمَدَ لِلْجِهَادِ وَالشَّافِعِيُّ لِلصَّلَاةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لِلْعِلْمِ ، وَالتَّحْقِيقُ : لَا بُدَّ لِكُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ ، وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلَ فِي حَالٍ ، كَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، وَيُوَافِقُ مَا سَبَقَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ لِأَحْمَدَ : الرَّجُلُ يَبْلُغُنِي عَنْهُ صَلَاحٌ ، أَفَأَذْهَبُ أُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ قَالَ أَحْمَدُ اُنْظُرْ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِقَلْبِك فَافْعَلْهُ .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سَمْعُونٍ مِنْ أَصْحَابِنَا : وَسَأَلَهُ الْبَرْقَانِيُّ أَيُّهَا الشَّيْخُ ، تَدْعُو النَّاسَ إلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَتَلْبَسُ أَحْسَنَ الثِّيَابِ ، تَأْكُلُ أَطْيَبَ الطَّعَامِ ، فَكَيْفَ هَذَا ؟ قَالَ : كُلُّ مَا يُصْلِحُك مَعَ اللَّهِ فَافْعَلْهُ ، وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ مُثَنَّى : أَفْضَلِيَّةَ الْفِكْرَةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، فَقَدْ يُتَوَجَّهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ ، وَيَكُونُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ عَمَلَ الْجَوَارِحِ ، وَرَوَى أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { أَتَدْرُونَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ ؟ قَالَ قَائِلٌ : الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ ، وَقَائِلٌ : الْجِهَادُ ، قَالَ : أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ ، الْحُبُّ فِي اللَّهِ ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ } { وَسَأَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيُّ عُرَى الْإِسْلَامِ أَوْثَقُ ؟ قَالُوا الصَّلَاةُ ، وَالزَّكَاةُ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، قَالَ : لَا ، أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَغَيْرُهُ ، مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْفُنُونِ رِوَايَةَ

مُثَنَّى فَقَالَ : يَعْنِي الْفِكْرَةَ فِي آلَاءِ اللَّهِ ، وَدَلَائِلِ صُنْعِهِ ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْخَيْرِ ، وَمَا أَثْمَرَ الشَّيْءَ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ [ أَجَلِّ ] ثَمَرَتِهِ .
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ أَيْضًا : لَوْ لَمْ يَكُنْ مُقَاسَاةُ الْمُكَلَّفِ إلَّا لِنَفْسِهِ لَكَفَاهُ ، إلَى أَنْ قَالَ : فَكَفَى بِك شُغْلًا أَنْ تَصِحَّ وَتَسْلَمَ ، وَتُدَاوِيَ بَعْضَك بِبَعْضٍ ، فَذَلِكَ هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ ، لِأَنَّهُ مُغَالَبَةُ الْمَحْبُوبَاتِ ، لِأَنَّك إذَا تَأَمَّلْت مَا يُكَابِدُ الْمَعَانِيَ ، لِهَذِهِ الطِّبَاعِ الْمُتَغَالِبَةِ وَجَدْته الْقَتْلَ فِي الْمَعْنَى ، لِأَنَّهُ إنْ ثَارَ غَضَبُهُ كُلِّفَ بِتَبْرِيدِ تِلْكَ النَّارِ الْمُضْطَرِمَة بِالْحِلْمِ ، وَإِنْ تَكَلَّبَتْ الطِّبَاعُ لِاسْتِيفَاءِ لَذَّةٍ مَعَ تَمَكُّنِ قُدْرَةٍ وَخَلْوَةٍ كُلِّفَ بِتَقْلِيصِ أَدَوَاتِ الِامْتِدَادِ بِاسْتِحْضَارِ زَجْرِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ وَرَهْبَةِ وَعِيدِ الْحَقِّ ، وَإِنْ ثَارَ الْحَسَدُ كُلِّفَ الْقُنُوعَ بِالْحَالِ وَتَرْكَ مُطَالَعَةِ أَحْوَالِ الْأَغْيَارِ ، وَإِنْ غَلَبَ الْحِقْدُ وَطَلَبُ التَّشَفِّي مِنْ الْبَادِئِ بِالسُّوءِ كُلِّفَ تَغْيِيرَ الْحِقْدِ بِاسْتِحْضَارِ الْعَفْوِ ، وَإِنْ ثَارَ الْإِعْجَابُ وَالْمُبَاهَاةُ لِرُؤْيَةِ الْخَصَائِصِ الَّتِي فِي النَّفْسِ كُلِّفَ اسْتِحْضَارَ لَطِيفَةٍ مِنْ التَّوَاضُعِ وَالْعَطَاءِ لِلْجِنْسِ ، وَإِنْ اسْتَحَلَّتْ النَّفْسُ الِاسْتِمَاعَ إلَى اللَّغْوِ كُلِّفَ اسْتِحْضَارَ الصِّيَانَةِ عَنْ الْإِصْغَاءِ إلَى دَاعِيَةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّهْوِ ، هَذَا وَأَمْثَالُهُ هُوَ الْعَمَلُ ، وَالنَّاسُ عَنْهُ بِمَعْزِلٍ ، لَا يَقَعُ لَهُمْ أَنَّ الْعَمَلَ سِوَى رَكَعَاتٍ يَتَنَفَّلُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، تِلْكَ عِبَادَةُ الْكُسَالَى الْعَجَزَةِ ، إنَّمَا تَمْيِيزُ الْإِنْسَانِ بِهَذِهِ الْمَقَامَاتِ الَّتِي تَنْكَشِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ .
مَنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْمَقَامَاتِ فَقَدْ رَقِيَ إلَى دَرَجَةِ الصِّدِّيقِينَ ، وَإِلَّا فَكُلُّ أَحَدٍ إذَا خَلَا بِنَفْسِهِ ، وَسَكَنَتْ طِبَاعُهُ لَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهِ رِطْلٌ مِنْ الْمَاءِ ،

وَاسْتِقْبَالُ الْمِحْرَابِ ، لَكِنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ هُوَ الْعَمَلُ { إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } فَمَا تَنْفَعُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَعَ التَّبَتُّلِ : لِلْقُبْحِ بِالنَّهَارِ ، وَمَا تَنْفَعُ إدَارَةُ السُّبْحَةِ بِالْغَدَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُسْلِمُونَ قَتْلَى أَفْعَالِك طُولَ النَّهَارِ : أَمْوَالُهَا فِي الْأَسْوَاقِ ، وَأَعْرَاضُهَا فِي الْمَسَاطِبِ ، مَنْ يَتَخَبَّطُهُ شَيْطَانُهُ بِأَنْوَاعِ التَّخْبِيطِ ، وَيَتَلَاعَبُ بِهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كُلَّ التَّلَاعُبِ لَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهُ رُكَيْعَاتٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، قَدْ قَنِعَ مِنْك بِالْفُرُوضِ الْمَوْظُوفَةِ مَعَ سَلَامَةِ النَّاسِ مِنْ يَدِك وَلِسَانِك وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ ، فَإِنَّ فِيهِ مَنْ انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ عَمَلٍ بِقَلْبِهِ بِدَوَامِ ذِكْرٍ أَوْ فِكْرٍ ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يُعْدَلُ بِهِ أَلْبَتَّةَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَالِمَ بِاَللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَالِمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ ، وَبِثَمَرَاتِهِ ، فَكُلُّ صِفَةٍ تُوجِبُ حَالًا : يَنْشَأُ عَنْهَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ ، فَمَعْرِفَةُ سَعَةِ الرَّحْمَةِ تُثْمِرُ الرَّجَاءَ ، وَشِدَّةُ النِّقْمَةِ تُثْمِرُ الْخَوْفَ الْكَافَّ عَنْ الْمَعَاصِي ، وَتُفَرِّدُهُ بِالنَّفْعِ وَالضَّرَرُ يُثْمِرُ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُ وَالْهِبَةُ وَمَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ لَا تُثْمِرُ ذَلِكَ ، وَالْمُتَكَلِّمُ الْأُصُولِيُّ لَا تَدُومُ لَهُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ غَالِبًا ، وَإِلَّا لَكَانَ عَارِفًا ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ عَنْ مَعْرُوفٍ : وَهَلْ يُرَادُ مِنْ الْعِلْمِ إلَّا مَا وَصَلَ إلَيْهِ مَعْرُوفٌ ؟ ؟ وَقَالَ أَيْضًا عَنْهُ : كَانَ مَعَهُ رَأْسُ الْعِلْمِ : خَشْيَةُ اللَّهِ .
وَفِي خُطْبَةِ كِفَايَةِ ابْنِ عَقِيلٍ ، إنَّمَا شَرَفُ الْعُلُومِ بِحَسَبِ مُؤَدَّيَاتِهَا ، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ الْمَبَادِئِ ، فَيَكُونَ الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَمَا يَجِبُ لَهُ وَمَا يَجُوزُ أَجَلَّ الْعُلُومِ .
وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ

الِاعْتِنَاءُ بِالْحَدِيثِ ، وَالْفِقْهِ ، وَالتَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ عَجِيبٌ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِالْفُضَيْلِ ، وَقَالَ : لَعَلَّ الْفُضَيْلَ قَدْ اكْتَفَى وَقَالَ : لَا يَتَثَبَّطُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا جَاهِلٌ ، وَقَالَ : لَيْسَ قَوْمٌ خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ ، وَعَابَ عَلَى مُحَدِّثٍ لَا يَتَفَقَّهُ ، وَقَالَ : يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فَهِيمًا فِي الْفِقْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا ، قَالَ أَحْمَدُ مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فِيهِ أَعْجَبُ إلَى مِنْ حِفْظِهِ ، وَفِي خُطْبَةِ مَذْهَبِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ بِضَاعَةُ الْفِقْهِ أَرْبَحُ الْبَضَائِعِ ، وَفِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ الْفِقْهُ عُمْدَةُ الْعُلُومِ وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لَهُ الْفِقْهُ عَلَيْهِ مَدَارُ الْعُلُومِ ، فَإِنْ اتَّسَعَ الزَّمَانُ لِلتَّزَيُّدِ مِنْ الْعِلْمِ فَلْيَكُنْ مِنْ الْفِقْهِ ، فَإِنَّهُ الْأَنْفَعُ ، وَفِيهِ الْمُهِمُّ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ ، هُوَ الْمُهِمُّ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ : تَأَمَّلْت سَبَبَ الْفَضَائِلِ فَإِذَا هُوَ عُلُوُّ الْهِمَّةِ ، وَذَلِكَ أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الْجِبِلَّةِ لَا يَحْصُلُ بِالْكَسْبِ ، وَكَذَلِكَ خِسَّةُ الْهِمَّةِ ، وَقَدْ قَالَ الْحُكَمَاءُ : تُعْرَفُ هِمَّةُ الصَّبِيِّ مِنْ صِغَرِهِ ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِلصِّبْيَانِ مَنْ يَكُونُ مَعِي ؟ دَلَّ عَلَى عُلُوِّ هِمَّتِهِ ، وَإِذَا قَالَ مَعَ مَنْ أَكُونُ ؟ دَلَّ عَلَى خِسَّتِهَا ، فَأَمَّا الْخِسَّةُ فَالْهِمَمُ فِيهَا دَرَجَاتٌ مِنْهُمْ مَنْ يُنْفِقُ عُمْرَهُ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَلَا يُحَصِّلُ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَضُمُّ إلَى ذَلِكَ الْبُخْلَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَضِيَ بِالدُّونِ فِي الْمَعَاشِ ، وَأَخَسُّهُمْ الْكُسَّاحُ ، فَأَمَّا عُلُوُّ الْهِمَّةِ فِي الْفَضَائِلِ فَقَوْمٌ يَطْلُبُونَ الرِّئَاسَةَ ، وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَالِي الْهِمَّةِ فِي طَلَبِهَا ، وَكَانَتْ هِمَّتُهُ الرِّضَاءَ فِي طَلَبِ الْخِلَافَةِ ، وَكَانَ الْمُتَنَبِّي يَصِفُ عُلُوَّ هِمَّتِهِ ، وَمَا كَانَتْ إلَّا التَّكَبُّرَ بِمَا يُحْسِنُهُ مِنْ الشِّعْرِ ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّ غَايَةَ الْمَرَاتِبِ الزُّهْدُ فَيَطْلُبُهُ ، وَيَفُوتُهُ الْعِلْمُ

، فَهَذَا مَغْبُونٌ ، لِأَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ الزُّهْدِ ، فَقَدْ رَضِيَ بِنَقْصٍ وَهُوَ لَا يَدْرِي ، وَسَبَبُ رِضَاهُ بِالنَّقْصِ قِلَّةُ فَهْمِهِ ، إذْ لَوْ فَهِمَ لَعَرَفَ شَرَفَ الْعِلْمِ عَلَى الزُّهْدِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِلْمِ الْعَمَلُ ، وَمَا يَعْلَمُ هَذَا أَنَّ الْعِلْمَ عَمَلُ الْقَلْبِ ، وَذَاكَ أَشْرَفُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ ، وَمِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مَنْ تَعْلُو هِمَّتُهُ إلَى فَنٍّ مِنْ الْعُلُومِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَهَذَا نَقْصٌ ، فَأَمَّا أَرْبَابُ النِّهَايَةِ فِي عُلُوِّ الْهِمَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَ إلَّا بِالْغَايَةِ ، فَهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ كُلِّ فَنٍّ مِنْ الْعِلْمِ مُهِمَّهُ ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ جُلَّ اشْتِغَالِهِمْ بِالْفِقْهِ ، لِأَنَّهُ سَيِّدُ الْعُلُومِ ، ثُمَّ تُرْقِيهِمْ الْهِمَمُ الْعَالِيَةُ إلَى مُعَامَلَةِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَتِهِ ، وَالْأُنْسِ بِهِ ، وَقِيلَ مَا هُمْ هَذَا كَلَامُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى : عَلَيْك بِالْفِقْهِ ، فَإِنَّهُ كَالتُّفَّاحِ الشَّامِيِّ يُحْمَلُ مِنْ عَامِهِ ، وَأَمْلَى الشَّافِعِيُّ عَلَى مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ أَشْعَارَ هُذَيْلٍ وَوَقَائِعَهَا ، وَآدَابَهَا حِفْظًا ، فَقَالَ لَهُ : أَيْنَ أَنْتَ بِهَذَا الذِّهْنِ عَنْ الْفِقْهِ ؟ فَقَالَ : إيَّاهُ أَرَدْت .
وَقَالَ أَحْمَدُ عَنْ الشَّافِعِيِّ : إنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ الْفِقْهَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ مِنْ الْفِقْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحُثُّنَا عَلَى الْفِقْهِ ، وَيَنْهَانَا عَنْ الْكَلَامِ ، وَفِي خُطْبَةِ الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ : أَفْضَلُ الْعُلُومِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَصْلِ الدِّينِ وَعِلْمِ الْيَقِينِ مَعْرِفَةُ الْفِقْهِ .
وَقَالَ الْعُقَلَاءُ : ازْدِحَامُ الْعُلُومِ ، مُضِلَّةٌ لِلْفُهُومِ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الْوَلِيدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَقَدْ جَاءَ إلَيْهِ لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ : يَا بُنَيَّ لَا تَدْخُلْ فِي أَمْرٍ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حُدُودِهِ ، وَالْوُقُوفِ عَلَى مَقَادِيرِهِ ، فَقُلْت لَهُ : عَرِّفْنِي ، فَقَالَ

: اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا كَامِلًا فِي حَدِيثٍ إلَّا بَعْدَ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا ، قَالَ فَهَالَنِي قَوْلُهُ ، قَالَ وَسَكَتَ مُتَفَكِّرًا وَأَطْرَقْت نَادِمًا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنِّي قَالَ لِي : فَإِنْ كُنْت لَا تُطِيقُ احْتِمَالَ هَذِهِ الْمَشَاقِّ كُلِّهَا فَعَلَيْك بِالْفِقْهِ الَّذِي يُمْكِنُك تَعَلُّمُهُ ، وَأَنْتَ فِي بَيْتِك قَارٌّ سَاكِنٌ ، كَيْ لَا تَحْتَاجَ إلَى بُعْدِ الْأَسْفَارِ ، وَطَيِّ الدِّيَارِ ، وَرُكُوبِ الْبِحَارِ ، وَهُوَ مَعَ ذَا ثَمَرَةُ الْحَدِيثِ ، وَلَيْسَ ثَوَابُ الْفَقِيهِ بِدُونِ ثَوَابِ الْمُحَدِّثِ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَا عِزُّهُ لَهُ بِأَقَلَّ مِنْ عِزِّ الْمُحَدِّثِ ، فَلَمَّا سَمِعْت ذَلِكَ نَقَصَ عَزْمِي فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ ، وَأَقْبَلْت عَلَى عِلْمِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ عَمَلِهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا نَاظَرْت ذَا فَنٍّ إلَّا وَقَطَعَنِي ، وَمَا نَاظَرْت ذَا فُنُونٍ إلَّا قَطَعْته ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : مَا أَعْيَانِي إلَّا الْمُنْفَرِدُ .
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ : يَنْبَغِي لِمَنْ يُحِبُّ الْعِلْمَ أَنْ يَفْتَنَّ فِي كُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ ، إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُفْرِدًا غَالِبًا ، عَلَيْهِ عِلْمٌ مِنْهَا ، يَقْصِدُهُ بِعَيْنِهِ وَيُبَالِغُ فِيهِ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ : هَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْت فِي هَذَا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ ، فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا ، وَالنَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ : مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ .
}

فَصْلٌ وَأَفْضَلُ تَطَوُّعِ الصَّلَاةِ الْمَسْنُونُ جَمَاعَةً ، وَعَنْهُ ، وَقِيلَ : الْوِتْرُ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ ( م ق ) وَقِيلَ : التَّرَاوِيحُ بَعْدَ الْكُلِّ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَيْسَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، وَالْوِتْرُ مُسْتَحَبٌّ ( و م ش ) وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَعَنْهُ يَجِبُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ( و هـ ) وَيَجُوزُ رَاكِبًا ، وَعَنْهُ لَا ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْحَنَفِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعَنْهُ إنْ شَقَّ جَازَ .
بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) وَيَقْضِي الْوِتْرَ ، وَعَنْهُ لَا يَقْضِيهِ ، وَفِي شَفْعِهِ قَبْلَهُ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، إحْدَاهُمَا يَقْضِي شَفْعَهُ مَعَ وِتْرِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْآتِي ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَقْضِيهِ إلَّا وَحْدَهُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَبْلَ بَابِ الْأَذَانِ وَالْأَوْلَى قَضَاءُ الْوِتْرِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ ، كَشَفْعِهِ الْمُنْفَصِلِ .

وَيَقْضِيهِ ( و هـ ش ) وَعَنْهُ لَا ، وَفِي شَفْعِهِ قَبْلَهُ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) وَعَنْهُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ( و م هـ ) وَقِيلَ : بَلَى مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ .

وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ ، وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ ( و ش ) يُسَلِّمُ سِتًّا ، وَقِيلَ كَالتِّسْعِ ، وَقِيلَ أَكْثَرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَقِيلَ : الْوِتْرُ رَكْعَةٌ ، وَمَا قَبْلَهُ لَيْسَ مِنْهُ ، وَلَا يُكْرَهُ بِوَاحِدَةٍ ( و ش م ر ) وَعَنْهُ بَلَى ، وَقِيلَ بِلَا عُذْرٍ .

وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ تَشَهَّدَ بَعْدَ الثَّامِنَةِ ، وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّاسِعَةِ ، وَقِيلَ كَإِحْدَى عَشْرَةَ ( و ش ) قَالَ فِي الْخِلَافِ عَنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : قَصَدَ بَيَانَ الْجَوَازِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَهُ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ هَذَا ، فَجَعَلَ نُصُوصَ أَحْمَدَ عَلَى الْجَوَازِ .
وَإِنْ كَانَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ سَرَدَهُنَّ ، وَكَذَا السَّبْعُ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ كَتِسْعٍ ، وَقِيلَ فَهُمَا كَتِسْعٍ ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ ( و ش ) وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : إنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَهَلْ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ؟ قَالَ : وَهَذَا أَصَحُّ ، أَوْ يَجْلِسُ عَقِيبَ الشَّفْعِ وَيَتَشَهَّدُ ، ثُمَّ يَجْلِسُ عَقِيبَ الْوِتْرِ وَيُسَلِّمُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَأَدْنَى كَمَالِهِ ثَلَاثٌ بِتَسْلِيمَتَيْنِ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَإِنْ كَرِهَهُ الْمَأْمُومُ قَالَ : لَوْ صَارَ إلَى مَا يُرِيدُونَ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَعَ عِلْمِ الْمَأْمُومِ ، وَإِلَّا مَعَ جَهْلِهِ يُعْمِلُ السُّنَّةَ وَيُدَارِيهِ .
وَسَأَلَهُ صَالِحٌ عَمَّنْ بُلِيَ بِأَرْضٍ يُنْكِرُونَ فِيهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَيَنْسِبُونَهُ إلَى الرَّفْضِ ، هَلْ يَجُوزُ تَرْكُ الرَّفْعِ ؟ قَالَ : لَا يَتْرُكُ ، وَلَكِنْ يُدَارِيهِمْ ، وَأَنَّ هَذَا فِيمَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ ، وَأَنْوَاعُ الْوِتْرِ سُنَّةٌ ، أَوْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَبِتَسْلِيمَةٍ يَجُوزُ ، وَقِيلَ : مَا لَمْ يَجْلِسْ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : بَلْ كَالْمَغْرِبِ ، وَخَيَّرَ شَيْخَنَا بَيْنَ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ ، وَلَيْسَ الْوِتْرُ كَالْمَغْرِبِ حَتْمًا ( هـ ) وَلَا أَنَّهُ رَكْعَةٌ وَقَبْلَهُ شَفْعٌ ، لَا حَدَّ لَهُ ( م ) وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَصِحُّ الْإِتْيَانُ بِهَا إلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا ، وَعَجِبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ هَذَا الشَّافِعِيِّ كَيْفَ يَنْقُلُ هَذَا النَّقْلَ الْخَطَأَ ، وَلَا يَرُدُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِخَطَئِهِ ، قَالَ : وَذَكَرْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ

الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَلَا تُجْزِيهِ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ ، كَذَا قَالَ ، وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِ عَنْ أَحَدٍ أَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تَصِحُّ وَلَا تُجْزِي ، بَلْ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ ، وَغَايَتُهُ كَرَاهَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّكْعَةِ إنْ صَحَّ ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ حَكَى أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ حَكَى إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ .
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْحَنَفِيَّةِ : لَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولًى فِي الْوِتْرِ جَازَ ، قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : وَلَمْ يُحْكَ خِلَافُ مُحَمَّدٍ ، وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامٍ رَكْعَةً فَإِنْ كَانَ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَجْزَأَ ، وَإِلَّا قَضَى ، كَصَلَاةِ الْإِمَامِ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي يُضِيفُ إلَى الرَّكْعَةِ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ .

وَوَقْتُهُ بَعْدَ صَلَاةِ عِشَاءٍ آخِرَةٍ ( و م ش ) إلَى وَقْتِ الْفَجْرِ ، وَعَنْهُ إلَى صَلَاتِهِ ( و م ) وَ مَذْهَبُ ( هـ ) إذَا غَابَ الشَّفَقُ ، إلَّا أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ ، فَتُقَدَّمَ الْعِشَاءُ عَلَيْهِ لِلتَّرْتِيبِ ، كَصَلَاةِ الْوَقْتِ ، وَالْفَائِتَةِ ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ كَقَوْلِنَا ، قِيلَ لِأَحْمَدَ فِيمَنْ يَفْجَؤُهُ الصُّبْحُ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى بَعْدَ الْعَتَمَةِ شَيْئًا وَلَا أَوْتَرَ ؟ قَالَ : يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ ، قِيلَ لَهُ ، وَلَا يُصَلِّي قَبْلَهَا شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ الْقَاضِي فَبَيَّنَ جَوَازَ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا صَلَاةٌ وَالْأَفْضَلُ آخِرُهُ لِمَنْ وَثِقَ ، لَا مُطْلَقًا ( و ش ) وَقِيلَ : وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ كَهِيَ ، وَقِيلَ : الْكُلُّ سَوَاءٌ ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ سَبِّحْ ( م ر ) وَفِي الثَّانِيَةِ بِ الْكَافِرُونَ ( م ر ) وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْإِخْلَاصِ وَعَنْهُ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ( و م ش ) وَمَذْهَبُ ( هـ ) لَا يَتَعَيَّنُ فِي الرَّكَعَاتِ الثَّلَاثِ سُورَةٌ .

وَيَقْنُتُ ( م ر ) جَمِيعَ السَّنَةِ ( و هـ ) وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَعَنْهُ نِصْفَ رَمَضَانَ الْأَخِيرَ ، ( و ش ) وَخَيَّرَ شَيْخُنَا فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ ، وَأَنَّهُ إنْ صَلَّى بِهِمْ قِيَامَ رَمَضَانَ ، فَإِنْ قَنَتَ جَمِيعَ الشَّهْرِ ، أَوْ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ ، أَوْ لَمْ يَقْنُتْ بِحَالٍ فَقَدْ أَحْسَنَ بَعْدَ الرُّكُوعِ ( و ش ) وَإِنْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَنَتَ جَازَ ، وَعَنْهُ يُسَنُّ ( و هـ ) وَزَادَ بِلَا تَكْبِيرٍ ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ( م ر ق ) إلَى صَدْرِهِ ، وَيَبْسُطُهُمَا : بُطُونَهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَذَا مَأْمُومٌ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ فِي بَقَائِهِمَا وَإِرْسَالِهِمَا ، وَيَقُولُ الْإِمَامُ جَهْرًا ( و ) وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِجَهْرٍ ، فَلَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا سَجَدَ ، وَعَمْدًا فِي بُطْلَانِ وِتْرِهِ قَوْلَانِ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْجَهْرِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ، وَكَانَ أَحْمَدُ يُسِرُّ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَأَبُو دَاوُد ، وَغَيْرُهُمَا ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : وَيَجْهَرُ مُنْفَرِدٌ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : وَمَأْمُومٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : الْإِمَامُ فَقَطْ ، وَقَالَهُ فِي الْخِلَافِ وَهُوَ أَظْهَرُ " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك ، وَنَسْتَهْدِيك ، وَنَسْتَغْفِرُك ، وَنَتُوبُ إلَيْك ، وَنُؤْمِنُ بِك ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك ، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَنَشْكُرُك ، وَلَا نَكْفُرُك ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ .
نَرْجُو رَحْمَتَك ، وَنَخْشَى عَذَابَك .
إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْت ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْت ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْت ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْت ، إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت ، تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت ، اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك ، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِك ، وَبِك مِنْك ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك " الثَّنَاءُ فِي

الْخَيْرِ ، وَالنِّثَاءُ بِتَقْدِيمِ النُّونِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَحَفَدَ بِمَعْنَى أَسْرَعَ ، وَأَحْفَدَ لُغَةٌ فِيهِ ، أَيْ يُسْرِعُ فِي الْخِدْمَةِ ، وَالْجِدُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ : الْحَقُّ ، لَا اللَّعِبُ وَمُلْحَقٌ أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ ، مِنْ أَلْحَقَ بِمَعْنَى لَحِقَ ، وَيَجُوزُ لُغَةً فَتْحُ الْحَاءِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ يُلْحِقُهُ إيَّاهُ قَالَ أَحْمَدُ : يَدْعُو يَعْنِي بِدُعَاءِ عُمَرَ " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَهْدِيك " ، ثُمَّ بِدُعَاءِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَفِي النَّصِيحَةِ يَدْعُو مَعَهُ بِمَا فِي الْقُرْآنِ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ بِمَا شَاءَ ، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى دُعَاءِ ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يُسْتَحَبُّ لَهُ هَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ( و ) وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : اخْتَارَهُ أَحْمَدُ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُسْتَحَبُّ بِالسُّورَتَيْنِ ( و م ) وَأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَيُسْتَحَبُّ الْجَمِيعُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ، وَأَوَّلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ التَّوْقِيتِ عَلَى مَا ذُكِرَ .
وَالْقُنُوتُ سُنَّةٌ ، زَادَ ابْنُ شِهَابٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ

وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ ( و هـ ) فَعَلَهُ أَحْمَدُ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا ، كَخَارِجِ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَحْمَدَ ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ، ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَمْسَحْ ، وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ ، وَعَنْهُ لَا يَمْسَحُ الْقَانِتُ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ( و ش ) لِضَعْفِ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي الدُّعَاءِ ، بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَعَنْ عُمَرَ { كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ { كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا دَعَا فَرَفَعَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، فَعَنْهُ لَا بَأْسَ وَعَنْهُ يُكْرَهُ ، صَحَّحَهُ فِي الْوَسِيلَةِ ( م 2 ) وَفِي الْغُنْيَةِ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى يَمُرُّ بِهِمَا عَلَى صَدْرِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) وَفِي التَّبْصِرَةِ وَعَلَى آلِهِ ، وَزَادَ { وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الْآيَةَ ، فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ قَوْلُهَا قُبَيْلَ الْأَذَانِ .
وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي يُكْرَهُ قَالَ فِي الْفُصُولِ : لَا يُوصَلُ الْأَذَانُ بِذِكْرٍ قَبْلَهُ : خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعَوَامّ الْيَوْمَ ، وَلَيْسَ مَوْطِنَ قُرْآنٍ ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ السَّلَفِ ، فَهُوَ مُحْدَثٌ ، وَيُفْرِدُ الْمُنْفَرِدُ الضَّمِيرَ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا ، لَا ، لِأَنَّهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَيُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ ( و هـ م ) وَعَنْهُ يَقْنُتُ مَعَهُ ، وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَذْهَبَهُمْ ، وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ النَّوَازِلُ تَدُلُّ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ فِي الثَّنَاءِ ( و ش ) وَعَنْهُ يُخَيَّرُ ،

وَعَنْهُ إنْ لَمْ يَسْمَعْ دُعَاءً ، وَإِذَا سَجَدَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ ، فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : لَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ " سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ " يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الثَّالِثَةِ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الْوِتْرِ وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ ، وَعَنْهُ لَا يَمْسَحُ الْقَانِتُ ، فَعَنْهُ لَا بَأْسَ ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ ، صَحَّحَهَا فِي الْوَسِيلَةِ انْتَهَى ، إذَا قُلْنَا إنَّ الْقَانِتَ لَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ وَفَعَلَ فَهَلْ فِعْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَوْ يُكْرَهُ ؟ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ فِيهِ ، إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ ، صَحَّحَهَا فِي الْوَسِيلَةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : لَا يُسَنُّ فِعْلُ ذَلِكَ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا بَأْسَ بِفِعْلِ ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ .

وَيُكْرَهُ قُنُوتُهُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ ، ( و ) وَفِيهَا ( و هـ ) فَفِي سُكُوتِ مُؤْتَمٍّ ائْتَمَّ بِمَنْ يَقْنُتُ فِيهَا ( و هـ ) وَمُتَابَعَتُهُ كَالْوِتْرِ رِوَايَتَانِ ( م 3 ) وَفِي الْمُوجَزِ : لَا يَجُوزُ فِي الْفَجْرِ ، وَنَصُّهُ لَا يَقْنُتُ فِيهَا ، وَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَقَالَ : لَا أُعَنِّفُ مَنْ يَقْنُتُ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَحْمَدَ مُتَابَعَتُهُ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، فَإِنْ زَادَ كُرِهَ مُتَابَعَتُهُ ، وَأَنَّهُ إنْ فَارَقَهُ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ كَانَ أَوْلَى ، وَإِنْ صَبَرَ وَتَابَعَهُ جَازَ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ قُنُوتُهُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَفِيهَا ، فَفِي سُكُوتِ مُؤْتَمٍّ ائْتَمَّ بِمَنْ يَقْنُتُ فِيهَا وَمُتَابَعَتِهِ كَالْوِتْرِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَحَدُهُمَا يُتَابِعُهُ ، فَيُؤَمِّنُ وَيَدْعُو وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ : تَابَعَهُ ، فَأَمَّنَ أَوْ دَعَا ، وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ بِالْمُتَابَعَةِ .
وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي دَرْسِ الْمَسَائِلِ : تَابَعَهُ وَدَعَا .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْكُبْرَى : تَابَعَهُ ، فَأَمَّنَ وَدَعَا ، وَقِيلَ إذَا قَنَتَ انْتَهَى ، وَالرِّوَايَةُ ، الثَّانِيَةُ يَسْكُتُ ، وَصَحَّحَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْن أَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ .

وَإِنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ اُسْتُحِبَّ لِإِمَامٍ الْوَقْتُ .
وَعَنْهُ وَنَائِبِهِ وَعَنْهُ بِإِذْنِهِ وَعَنْهُ وَإِمَامِ جَمَاعَةٍ ، وَعَنْهُ ، وَكُلِّ مُصَلٍّ ( و ش ) الْقُنُوتُ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ ( و ش ) وَعَنْهُ فِي الْفَجْرِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ( و هـ ) وَعَنْهُ وَالْمَغْرِبِ ، وَقِيلَ وَالْعِشَاءِ لَا فِي جُمُعَةٍ فِي الْمَنْصُوصِ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ ، وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُطْلَقًا ، وَيُتَوَجَّهُ لَا يَقْنُتُ لِدَفْعِ الْوَبَاءِ فِي الْأَظْهَرِ ( ش ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْأَخْبَارِ ، فَلَا يَسْأَلُ رَفْعَهُ .

فَصْلٌ وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ ( و ) يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُمَا ( و ) وَقِرَاءَةُ مَا وَرَدَ ، لَا الْفَاتِحَةِ فَقَطْ ( م ) وَيَجُوزُ رَاكِبًا ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَلَهُمْ خِلَافٌ فِي غَيْرِهَا ، وَأَكْثَرُهُمْ يَجُوزُ فِي التَّرَاوِيحِ ، وَلَيْسَتْ سُنَّةُ الْفَجْرِ وَاجِبَةً ( هـ ر ) ، وَفِي جَامِعِ الْقَاضِي الْكَبِيرِ

تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ رَاكِبًا ، فَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا ، مَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ ، وَسَأَلَهُ صَالِحٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : قَدْ { أَوْتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ } .
وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مَا سَمِعْت بِشَيْءٍ ، وَلَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَنْعُ فِعْلِ السُّنَنِ رَاكِبًا ، تَبَعًا لِلْفَرَائِضِ ، خُولِفَ فِي الْوِتْرِ لِلْخَبَرِ ، فَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ ، كَذَا قَالَ : فَقَدْ مُنِعَ غَيْرُ الْوِتْرِ مِنْ السُّنَنِ ، مَعَ أَنَّ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ } وَلِلْبُخَارِيِّ إلَّا الْفَرَائِضَ .

وَيُسْتَحَبُّ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ ( م ) عَلَى الْأَيْمَنِ

قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَهُمَا ؟ قَالَ : يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، إنَّمَا هِيَ سَاعَةُ تَسْبِيحٍ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُ كَرِهَهُ ، وَقَالَ عُمَرُ : يُنْهَى ، وِفَاقًا لِلْكُوفِييِّنَ .
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ : كُنَّا نَتَنَاظَرُ فِي الْمَسَائِلِ أَنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ أَنَّهُ أَجَازَ الْكَلَامَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ ، لَا الْكَلَامَ الْكَثِيرَ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُكْرَهُ ( و م ش ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ " فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي ، وَإِلَّا اضْطَجَعَ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهُمَا أَفْضَلُ ( و ) .

وَحَكَى سُنَّةُ الْمَغْرِبِ وَثِنْتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا أَرْبَعٌ ( و هـ ش ) وَقِيلَ : هُمَا وَسُنَّةُ الْفَجْرِ بَعْدَ فَرْضِهِ فِي وَقْتِهَا أَدَاءً ( و ش ) وَحَكَى لَا سُنَّةَ قَبْلَهَا ، وَحَكَى سِتٌّ ، وَثِنْتَانِ بَعْدَهَا وَثِنْتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَثِنْتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ( و هـ ش ) فِي الْكُلِّ ، وَقِيلَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ .
وَقَالَ اخْتَارَهُ أَحْمَدُ ( و ش ) وَلَمْ يُوَقِّتْ ( م ) لِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ ، وَقِيلَ الْأَرْبَعُ قَوْلُ ( هـ ) وَالرَّكْعَتَانِ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إنْ تَطَوَّعَ بِأَرْبَعٍ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَحَسَنٌ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَهَا حَسَنٌ .
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ حَسَنٌ ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ ، وَفِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ ( م ) فِي النَّهَارِيَّاتِ ، وَعَنْهُ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ ، زَادَ فِي الْمُغْنِي وَالْعِشَاءُ فِي بَيْتِهِ وَعَنْهُ التَّسْوِيَةُ .
وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ إلَّا الرَّوَاتِبَ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ : إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا بِبَيْتِهِ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { هِيَ مِنْ صَلَاةِ الْبُيُوتِ } قَالَ : مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ .
وَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا عَلَى الْأَصَحِّ ( هـ ) فِي غَيْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ تَبَعًا ، فَيَقْضِيهَا إمَّا مُطْلَقًا أَوْ إلَى الزَّوَالِ عَلَى خِلَافٍ فِي مَذْهَبِهِ ، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ ، ثُمَّ الْأَرْبَعُ نَفْلٌ مُبْتَدَأٌ ، فَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بِهَا ، وَيَأْتِي بِهَا بَعْدَ السُّنَّةِ بَعْدَهَا كَفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ عَكْسُ ذَلِكَ ( م )

فِي غَيْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ إلَى الضُّحَى ، وَقِيلَ لَا يَقْضِي إلَّا هِيَ إلَى وَقْتِ الضُّحَى ، وَرَكْعَتَا الظُّهْرِ .

وَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَسُنَّتِهِ بِقِيَامٍ ، أَوْ كَلَامٍ ، لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ { لَا تُوصَلُ صَلَاةٌ حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُجْزِي سُنَّتُهُ عَنْ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ، وَلَا عَكْسٌ ، وَيُسْتَحَبُّ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ سِتٌّ ، وَقِيلَ أَوْ أَكْثَرُ ، وَأَكْثَرُ ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ غَيْرُ السُّنَنِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : يُحَافِظُ عَلَيْهِنَّ ، وَرَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عُمَرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ { عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سُئِلَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِصَلَاةٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهَا آكَدُ ذَلِكَ ، وَإِلَّا أَثِمَ بِتَرْكِ سُنَّتِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ .
وَفِي الْمُحِيطِ وَالْوَاقِعَاتِ لِلْحَنَفِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ .

فَصْلٌ وَتُسَنُّ التَّرَاوِيحُ فِي رَمَضَانَ ( و ) عِشْرُونَ رَكْعَةً ( و هـ ش ) لَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ ( و ) فِي جَمَاعَةٍ ( م ) مَعَ الْوِتْرِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا وَأَنَّهُ يَكْفِيهَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَعِنْدَ ( هـ ) التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ .
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْحَنَفِيَّةِ .
الْجَمَاعَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ ، وَأَنَّ مِثْلَهَا الْمَكْتُوبَةُ وَالْأَشْهَرُ عِنْدَهُمْ سُنَّةٌ كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ ، وَاخْتَارَ غَيْرُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُوتِرُ بِالْجَمَاعَةِ فِي رَمَضَانَ ، بَلْ فِي مَنْزِلِهِ ، وَيَقْرَأُ جَهْرًا فِي ذَلِكَ ، وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ ، وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ شَيْخُنَا إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ ، أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ حَسَنٌ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ ، فَيَكُونُ تَكْثِيرُ الرَّكَعَاتِ ، وَتَقْلِيلُهَا بِحَسَبِ طُولِ الْقِيَامِ وَقِصَرِهِ

وَوَقْتُهَا بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ وَعَنْهُ أَوْ بَعْدَ الْعِشَاءِ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ لَا قَبْلَهَا ، ( و ) إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي ( و ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ، وَوَقْتُهَا قَبْلَ الْوِتْرِ ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي جَوَازِهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ الْوِتْرِ ، وَجَوَّزَهَا إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ، قَبْلَ الْعِشَاءِ ، وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي زَمَنِنَا ، لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا مَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ .

وَهَلْ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدٍ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُسْتَوْعَبُ وَغَيْرُهُ ( و هـ ش ) أَمْ بِبَيْتٍ ( و م ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 4 ) ذَكَرَهُمَا شَيْخُنَا

مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ فِي التَّرَاوِيحِ وَهَلْ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدٍ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ أَوْ بِبَيْتٍ ؟ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، ذَكَرَهُمَا شَيْخُنَا انْتَهَى الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ وَالْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ أَنَّ فِعْلَهَا جَمَاعَةً أَفْضَلُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى ، وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا جَمَاعَةً ، فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ التَّرَاوِيحَ فِي الْمَسْجِدِ وَيُوَاظِبُ عَلَيْهَا فِيهِ ، ثُمَّ رَأَيْت الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ نَصَّا أَنَّهَا تُفْعَلُ جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَدَّا عَلَى مَنْ قَالَ تُفْعَلُ فِي الْبَيْتِ ، وَهُوَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَلَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ بِخُصُوصِيَّتِهِ { أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } .
( تَنْبِيهٌ ) فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ ، هُنَا نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ ، أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقْت الْخِلَافَ ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهَا فِي الْبَيْتِ ، بَلْ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ قَوْلًا بِذَلِكَ ، فَمَا حَصَلَ اخْتِلَافٌ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمْ ، الثَّانِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْزُ ذِكْرَ الْخِلَافِ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَّا إلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَمَعَ هَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ ، الثَّالِثُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا الرِّوَايَتَيْنِ ، فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا تُقَاوِمُ الْأُخْرَى فِي التَّرْجِيحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَمَلِ الْعُلَمَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ .

وَفِعْلُهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَى أَحْمَدَ ( و ) وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ ، مَعَ ذِكْرِ بَعْضِهِمْ أَنَّ اسْتِيعَابَ أَكْثَرِهِ بِالصَّلَاةِ وَالِانْتِظَارِ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ .
كَذَا قَالَ ، وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّرَاوِيحَ بِسُورَةِ الْقَلَمِ [ اقْرَأْ ] لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ ، وَآخِرُ مَا نَزَلَ الْمَائِدَةُ ، فَإِذَا سَجَدَ قَامَ فَقَرَأَ مِنْ الْبَقَرَةِ ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ يَقْرَأُ بِهَا فِي عِشَاءِ الْآخِرَةِ ، قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ أَحْسَنُ ، وَيَدْعُو لِخَتْمِهِ قَبْلَ رُكُوعِ آخِرِ رَكْعَةٍ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيُطِيلُ الْأُولَى ، وَيَعِظُ بَعْدَهَا نَصَّ عَلَى الْكُلِّ ، وَقِرَاءَةُ الْأَنْعَامِ فِي رَكْعَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ بِدْعَةٌ ( عِ ) قَالَهُ شَيْخُنَا وَيَسْتَرِيحُ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعٍ ( و ) وَيَدْعُو ، فَعَلَهُ السَّلَفُ ، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ ، وَقِيلَ يَدْعُو كَبَعْدِهَا ، وَكَرِهَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى خَتْمِهِ إلَّا أَنْ يُؤْثِرَ ( ع ) وَلَا يَنْقُصَ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُمْ .
وَفِي الْغُنْيَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى خَتْمِهِ ، لِئَلَّا يَشُقَّ فَيَتْرُكُوا بِسَبَبِهِ فَيَعْظُمَ إثْمُهُ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لِمُعَاذٍ أَفَتَّانٌ أَنْتَ ؟ }

وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ زَادَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الشَّفْعِ آخِرًا عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَالْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ ( هـ ) وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ ( هـ ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ هُوَ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ ( هـ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ تَسْلِيمَةٍ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ، وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا بِقَعْدَةٍ لَمْ يُجْزِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ، وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِمَا : قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ ، وَقِيلَ يُجْزِيهِ عَنْ تَسْلِيمَةٍ ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي ، إنْ كَانَ عَامِدًا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ ( هـ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا لَمْ تَصِحَّ .
وَمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ فَالْأَفْضَلُ وِتْرُهُ بَعْدَهُ ، وَإِلَّا قَدَّمَهُ بَعْدَ السُّنَّةِ .
وَإِنْ أَحَبَّ الْمَأْمُومُ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ شَفَعَهَا بِأُخْرَى نَصَّ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يُوتِرَ مَعَهُ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ .
وَقَالَ الْقَاضِي إنْ لَمْ يُوتِرْ مَعَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي وِتْرِهِ لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ ، وَحَمَلَ الْقَاضِي نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى رِوَايَةِ إعَادَةِ الْمَغْرِبِ وَشَفْعِهَا

وَمَنْ أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى لَمْ يَنْقَضِ وِتْرُهُ ( و ) ثُمَّ لَا يُوتِرُ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُوتِرُ ( و م ) وَعَنْهُ يَنْقُضُهُ ، وَعَنْهُ وُجُوبًا بِرَكْعَةٍ ، ثُمَّ يُصَلِّي مَثْنَى ، ثُمَّ يُوتِرُ وَعَنْهُ يُخَيَّرُ فِي نَقْضِهِ وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ لَا بَأْسَ بِالتَّرَاوِيحِ مَرَّتَيْنِ بِمَسْجِدٍ ، أَوْ بِمَسْجِدَيْنِ ، جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى ، وَيُتَوَجَّهُ مَا يَأْتِي فِي إعَادَةِ فَرْضٍ ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهُوَ التَّعْقِيبُ كَذَا قَالَ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي التَّعْقِيبِ .
وَفِي الْمُحِيطِ وَالْوَاقِعَاتِ لِلْحَنَفِيَّةِ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي مَسْجِدَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ السُّنَنَ لَا تُكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، فَإِنْ صَلَّوْهَا مَرَّةً ثَانِيَةً يُصَلُّونَهَا فُرَادَى ، وَلَا يُكْرَهُ بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ جَالِسًا ( م ) وَقِيلَ سُنَّةٌ ( خ )

وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ إلَّا الطَّوَافَ ، وَقِيلَ مَعَ إمَامِهِ قِيلَ لِأَحْمَدَ : أَدْرَكَ مِنْ تَرْوِيحَةٍ رَكْعَتَيْنِ ، يُصَلِّي إلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ ؟ فَلَمْ يَرَهُ ، وَقَالَ هِيَ تَطَوُّعٌ

وَفِي التَّعْقِيبِ رِوَايَتَانِ ( م 5 ) وَهِيَ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا وَبَعْدَ وِتْرٍ جَمَاعَةً نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُحَرَّرِ مَا لَمْ يَنْتَصِفْ اللَّيْلُ ، وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ جَمَاعَةً ، وَاخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدَ رَقْدَةٍ ، وَقِيلَ أَوْ أَكْلٍ ، وَنَحْوِهِ ، وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِمَنْ يَقْضِ وِتْرَهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَيْقَظَ فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ، وَقَعَدَ فَنَظَرَ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ } وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْتَتِحَ قِيَامَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِفِعْلِهِ ، وَأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيَنْوِي الْقِيَامَ عِنْدَ النَّوْمِ ، لِيَفُوزَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَقُومَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ .

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ وَفِي التَّعْقِيبِ رِوَايَتَانِ وَهُوَ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا وَبَعْدَ وِتْرٍ جَمَاعَةً نَصَّ عَلَيْهِ انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ يُكْرَهُ فِعْلُ التَّعْقِيبِ أَوْ يُكْرَهُ ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُقْنِعِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ ، فِي كِتَابَيْهِ الْكَبِيرِ وَالْمُخْتَصَرِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ ، وَعَلَيْهِمَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ النَّاظِمُ يُكْرَهُ فِي الْأَظْهَرِ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُكْرَهُ التَّعْقِيبُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُذْهَبِ ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالْإِفَادَاتِ ، وَالْمُنَوِّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .

فَصْلٌ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ قَائِمًا ، وَقَاعِدًا ، وَمُضْطَجِعًا ، وَرَاكِبًا ، وَمَاشِيًا ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الطَّرِيقِ نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ ، خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ ، وَمَعَ حَدَثٍ أَصْغَرَ ، وَنَجَاسَةِ بَدَنٍ ، وَثَوْبٍ ، وَلَا تَمْنَعُ نَجَاسَةُ الْفَمِ الْقِرَاءَةَ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ الْأَوْلَى الْمَنْعُ ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الْمُصْحَفِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سُبُعًا لَا يَكَادُ يَتْرُكُهُ نَظَرًا ، قَالَ الْقَاضِي : إنَّمَا اخْتَارَ أَحْمَدُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ لِأَخْبَارٍ ، ثُمَّ ذَكَرَهَا ، وَيُسْتَحَبُّ حِفْظُ الْقُرْآنِ ( ع ) وَيَجِبُ مِنْهُ مَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ ( و ) وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ الْفَاتِحَةُ وَسُورَتَانِ ، وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ ، وَآيَةٌ وَسُورَةٌ ، وَحِفْظُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ( ع ) وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك : أَبْدَأُ ابْنِي بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْحَدِيثِ ؟ قَالَ : بِالْقُرْآنِ قُلْت : أُعَلِّمُهُ كُلَّهُ ؟ قَالَ إلَّا أَنْ يَعْسَرَ فَتُعَلِّمَهُ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : إذَا قَرَأَ أَوَّلًا تَعَوَّدَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ لَزِمَهَا ، وَظَاهِرُ سِيَاقِ هَذَا النَّصِّ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَإِلَّا فَالْمُكَلَّفُ يُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ الْعِلْمَ ، لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُقَدِّمُ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ الْعِلْمَ كَمَا يُقَدِّمُ الْكَبِيرُ نَفْلَ الْعِلْمِ عَلَى نَفْلِ الْقِرَاءَةِ فِي ظَاهِرِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ

وَيُسْتَحَبُّ خَتْمُ الْقُرْآنِ فِي سَبْعٍ ، وَهَلْ يُكْرَهُ فِي أَقَلَّ أَمْ لَا ؟ أَمْ يُكْرَهُ دُونَ ثَلَاثٍ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ ، وَعَنْهُ هُوَ عَلَى قَدْرِ نَشَاطِهِ ( م 6 ) وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ قِرَاءَتِهِ كُلِّهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلَّ ، وَيُكْرَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَقِيلَ يَحْرُمُ لِخَوْفِ نِسْيَانِهِ ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ فِيهِ يُكْرَهُ ، وَهَذَا مُرَادُ ابْنِ تَمِيمٍ بِقَوْلِهِ بِحَيْثُ يَنْسَاهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَشَدَّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ ، وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ .
وَيُعْجِبُ أَحْمَدَ فِي الشِّتَاءِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ ، وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ السُّرْعَةَ ، قَالَ : أَمَّا الْإِثْمُ فَلَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ ، وَتُرْسِلُهُ أَكْمَلُ ، وَعَنْهُ إنْ أَبَانَهَا فَالسُّرْعَةُ أَحَبُّ إلَيْهِ ، لِأَنَّ بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا ، وَكَذَا حَسَنَةً ، قَالَ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِيذَ ، قَالَ : وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ أَمْسَكَ ، أَيْ وَإِلَّا كُرِهَ .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ خَتْمُ الْقُرْآنِ فِي سَبْعٍ ، وَهَلْ يُكْرَهُ فِي أَقَلَّ ، أَمْ لَا يُكْرَهُ ، أَمْ يُكْرَهُ دُونَ ثَلَاثٍ ، فِيهِ رِوَايَاتٌ ، وَعَنْهُ هُوَ عَلَى قَدْرِ نَشَاطِهِ ، انْتَهَى ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي ثَلَاثٍ ، وَفِيمَا دُونَهَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَحْيَانِ ، فَأَمَّا فِعْلُ ذَلِكَ وَظِيفَةً مُسْتَدَامَةً فَيُكْرَهُ ، انْتَهَى ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي لَيْلَةٍ ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ وَقِرَاءَتُهُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا ، وَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَتَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْهُ يُكْرَهُ خَتْمُ الْقُرْآنِ فِي دُونِ ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ دَائِمًا ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَعَنْهُ أَحْيَانًا ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ خَتْمُهُ دُونَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، وَيُسَنُّ فِي سَبْعٍ ، وَلَوْ كَانَ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ ، وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ، بَلْ هُوَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ مِنْ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ خَتْمٌ ، وَإِنْ قَدَرَ فِي ثَلَاثٍ فَحَسَنٍ ، وَإِنْ قَدَرَ فِي أَقَلَّ مِنْهَا فَعَنْهُ يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ، بَلْ هُوَ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِدُ مِنْ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ وَإِنْ قَرَأَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ فَحَسَنٌ ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ ، قَالَ الْقَاضِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَيُكْرَهُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَحْيَانًا ، وَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ ، وَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ،

بَلْ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ مِنْ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ ، فَإِنْ قَرَأَهُ فِي ثَلَاثٍ فَحَسَنٌ ، وَيُكْرَهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا ، وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِدُ مِنْ النَّشَاطِ انْتَهَى ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمَجْدَ وَمَنْ تَابَعَهُ لَمْ يَكْرَهْ قِرَاءَتَهُ فِي ثَلَاثٍ ، وَفِيمَا دُونَهَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَحْيَانِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَعْنِي فِعْلَهُ فِي ثَلَاثٍ أَحْيَانًا وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَقَدَّمَ فِي الْآدَابِ الْكَرَاهَةَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثٍ ، وَكَذَا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِيمَا إذَا قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ( قُلْتُ ) الصَّوَابُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى النَّشَاطِ ، فَلَا يُحَدُّ بِحَدٍّ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُنْقِصُ عَنْ سُبُعٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، وَكَذَا فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْفَضِيلَةِ كَرَمَضَانَ ، وَنَحْوِهِ ، وَمَكَّةَ وَنَحْوِهَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي اللَّطَائِفِ وَأَنَّى وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ، عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا فِي الْأَوْقَاتِ الْفَضِيلَةِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ خُصُوصًا اللَّيَالِيَ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَفِي الْأَمَاكِنِ الْفَاضِلَةِ كَمَكَّةَ لِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ فِيهَا مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ اغْتِنَامًا لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عَمَلُ غَيْرِهِمْ ، انْتَهَى ، وَذِكْرُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَلَعَلَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ فَحَسَنٌ ، وَأَقَلُّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .

وَهَلْ يُكَبِّرُ لِخَتْمِهِ مِنْ الضُّحَى أَوْ أَلَمْ نَشْرَحْ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 7 ) وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ شَيْخُنَا كَقِرَاءَةِ غَيْرِ ابْنِ كَثِيرٍ ، وَقِيلَ وَيُهَلِّلُ ، وَلَا يُكَرِّرُ سُورَةَ الصَّمَدِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَخُمُسًا مِنْ الْبَقَرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ الْآمِدِيُّ : يَعْنِي قَبْلَ الدُّعَاءِ ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ ، وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ .
وَقَالَ حَرْبٌ : حَسَنَةٌ ، وَحَكَاهُ شَيْخُنَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَأَنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَجْهَيْنِ كَالْقِرَاءَةِ مُجْتَمَعِينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ ، وَجَعَلَهَا أَيْضًا شَيْخُنَا كَقِرَاءَةِ الْإِدَارَةِ وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي كُرْهِهَا ، قَالَ : وَكَرِهَهَا ( م )

( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُكَبِّرُ لِخَتْمِهِ مِنْ الضُّحَى أَوْ أَلَمْ نَشْرَحْ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى ، إحْدَاهُمَا يُكَبِّرُ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ مِنْ الضُّحَى وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَاسْتَحْسَنَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّكْبِيرَ عِنْدَ آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ مِنْ الضُّحَى إلَى أَنْ يَخْتِمَ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي آدَابِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكَبِّرُ مِنْ أَوَّلِ { أَلَمْ نَشْرَحْ } اخْتَارَهُ الْمَجْدُ ( قُلْتُ ) قَدْ صَحَّ هَذَا وَهَذَا عَمَّنْ رَأَى التَّكْبِيرَ ، فَالْكُلُّ حَسَنٌ ، وَتَحْرِيرُ النَّقْلِ عَنْ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ ، فَرَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَوَّلِ أَلَمْ نَشْرَحْ أَوْ مِنْ آخِرِ الضُّحَى عَلَى خِلَافٍ : مَبْنَاهُ هَلْ التَّكْبِيرُ لِأَوَّلِ السُّورَةِ ، أَوْ لِآخِرِهَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ كَبِيرَيْنِ عِنْدَهُمْ ، تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا ، عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قِرَاءَةِ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } فَمَنْ قَالَ مِنْ آخِرِ الضُّحَى كَبَّرَ عِنْدَ فَرَاغِهَا ، وَمَنْ قَالَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى أَوْ أَوَّلِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَمْ يُكَبِّرْ ، وَرَوَى الْآخَرُونَ أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْقُرَّاءِ عَلَى الْأَوَّلِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَامَةُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ مُخْتَصَرَ النَّشْرِ ، وَذَكَرَ أَسْمَاءَ كُلِّ مَنْ أَخَذَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ : هَلْ هُوَ مِنْ آخِرِ الضُّحَى أَوْ آخِرِ أَلَمْ نَشْرَحْ لِقَوْلِهِ مِنْ الضُّحَى أَوْ أَلَمْ نَشْرَحْ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْقُرَّاءِ قَالَ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ آخِرِ أَلَمْ نَشْرَحْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ كَمَا وَصَفْنَا أَوَّلًا فَيُقَدَّرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيُقَالُ مِنْ آخِرِ الضُّحَى أَوْ أَوَّلِ الضُّحَى أَوْ أَوَّلِ أَلَمْ نَشْرَحْ ، لِيُوَافِقَ

أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَوْلُهُ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ آخِرِ الضُّحَى ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى ، أَوْ مِنْ أَوَّلِ أَلَمْ نَشْرَحْ ، فَلَا يَتَأَتَّى ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ فِيمَا يَظْهَرُ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ مُوَافِقًا لِأَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِقِرَاءَةٍ وَدُعَاءٍ وَذِكْرٍ فَعَنْهُ وَأَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْهُ ؟ كَمَا قَالَتْ الْأَنْصَارُ ( و ش ) وَعَنْهُ لَا بَأْسَ ، وَعَنْهُ مُحَدَّثٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ مَا أَكْرَهُهُ إذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى عَمْدٍ ، إلَّا أَنْ يُكْثِرُوا ، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ يَعْنِي يَتَّخِذُوهُ عَادَةً ( م 8 ) وَكَرِهَهُ ( م ) قَالَ فِي الْفُنُونِ أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ وَقْتِنَا فِي الْمَسَاجِدِ ، وَالْمَشَاهِدِ ، لَيَالِيَ يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ ، ذَكَرْته فِي آدَابِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ .
وَقَالَ أَيْضًا قَالَ حَنْبَلٌ : كَثِيرٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الطَّاعَاتِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهِيَ مَأْثَمٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، مِثْلُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَيَصِيحُ فِيهَا أَهْلُ الْأَسْوَاقِ بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ ، وَلَا أَهْلُ السُّوقِ يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِمَاعُ ، وَذَلِكَ امْتِهَانٌ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُكْرَهُ ، وَإِنْ غَلَّطَ الْقُرَّاءُ الْمُصَلِّينَ فَذَكَرَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ ، وَقَالَ شَيْخُنَا لَيْسَ لَهُمْ الْقِرَاءَةُ إذَنْ ، وَعَنْ الْبَيَاضِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ ، فَقَالَ : إنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ } .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : { اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ ، فَكَشَفَ السُّتُورَ .
وَقَالَ : كُلُّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ } ، وَعَنْ عَلِيٍّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْعِشَاءِ ، وَبَعْدَهَا ، يُغَلِّطُ

أَصْحَابَهُ وَهُمْ يُصَلُّونَ } رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ وَلِمَالِكٍ الْأَوَّلُ وَلِأَبِي دَاوُد الْأَخِيرُ
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِقِرَاءَةٍ وَدُعَاءٍ وَذِكْرٍ فَعَنْهُ أَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْهُ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ ، وَعَنْهُ مُحْدَثٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ مَا أَكْرَهُهُ إذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى عَمْدٍ ، إلَّا أَنْ يُكْثِرُوا ، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ يَعْنِي يَتَّخِذُوهُ عَادَةً انْتَهَى ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آدَابِهِ الْكُبْرَى نُصُوصًا كَثِيرَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاجْتِمَاعِ لِلْقَصَصِ ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَالذِّكْرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي أَثْنَاءِ فُصُولِ الْعِلْمِ فِي فَصْلٍ أَوَّلَهُ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يُعْجِبُنِي الْقُصَّاصُ ، لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ ، وَذَكَرَ أَلْفَاظًا كَثِيرَةً مِنْ ذَلِكَ ، فَلْيُرَاجَعْ ، وَذَكَرَ فِي الْآدَابِ أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ اخْتَارَ فِي الْفُنُونِ عَدَمَ الِاجْتِمَاعِ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) الصَّوَابُ أَنْ يُرْجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى حَالِ الْإِنْسَانِ ، فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا لَا يَحْصُلُ لَهُ بِالِانْفِرَادِ مِنْ الِاتِّعَاظِ وَالْخُشُوعِ وَنَحْوِهِ كَانَ أَوْلَى ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةً فِي كِتَابٍ غَيْرِ كُتُبِ الْمُصَنِّفُ ، وَمَرَّ بِي أَنِّي رَأَيْت لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَابْنِ الْقَيِّمِ فِي ذَلِكَ كَلَامًا لَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ مَظِنَّتُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ ، فَعَلَهُ أَحْمَدُ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا ، لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ وقَوْله تَعَالَى : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ } وَقَوْلُهُ { : وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } الْمُرَادُ الْأَحْكَامُ ، وَذَكَرُوا رِوَايَةً بِالْمَنْعِ ، وَأَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ رِوَايَتَيْنِ وَتَعْلِيمُ التَّأْوِيلِ مُسْتَحَبٌّ ، وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرٌ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ لُغَةٍ ، وَلَا نَقْلٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَقَوْلِهِ : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ } وَعَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ جَابِرٍ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَحَسَّنَهُ وَعَبْدُ الْأَعْلَى ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى وَمِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا ، وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا { مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ غَرِيبٌ وَسُهَيْلٌ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ : يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ .
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : صَالِحٌ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ عُمَرُ : نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ ، وَقَرَأَ { وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } وَقَالَ فَمَا الْأَبُّ ؟ ثُمَّ قَالَ : مَا كُلِّفْنَا أَوْ قَالَ مَا أُمِرْنَا بِهَذَا رَوَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ ، قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ : يَحْتَمِلُ أَنَّ عُمَرَ عَلِمَ الْأَبَّ ، وَأَنَّهُ الَّذِي تَرْعَاهُ الْبَهَائِمُ ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ

تَخْوِيفَ غَيْرِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلتَّفْسِيرِ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ كَمَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَى { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَقَعُ عَلَى مُسَمَّيَيْنِ فَتَوَرَّعَ عَنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ ، وَأَصْلُ التَّكَلُّفِ تَتَبُّعُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ ، أَوْ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ ، وَأَمَّا مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَلَا وَجْهَ لِلذَّمِّ ، وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَاتٍ ، وَفَسَّرَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ .
{ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَمَارَوْنَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ : إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ، ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، وَإِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَلَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، مَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا ، وَمَا جَهِلْتُمْ فَكِلُوهُ إلَى عَالِمِهِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ عَمْرٍو حَسَنٌ ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ : أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي ، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي ، وَأَيْنَ أَذْهَبُ ، أَوْ كَيْفَ أَصْنَعُ إذَا أَنَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا أَرَادَ اللَّهُ ؟ .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنْ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَ رَجُلًا بِحَدِيثِ ، فَاسْتَفْهَمَهُ الرَّجُلُ ، فَقَالَ الصِّدِّيقُ : هُوَ كَمَا حَدَّثْتُك ، أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إذَا قُلْت مَا لَا أَعْلَمُ ؟ وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَسِّرُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا إلَّا آيَاتٍ عَلَّمَهُنَّ إيَّاهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ

السَّلَامُ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ لَا تُعَلَّمُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ عَنْ اللَّهِ ، فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ .
وَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ ، لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ ، وَحَضَرُوا التَّأْوِيلَ ، فَهُوَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ إذَا لَمْ نَقُلْ : قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنْ قُلْنَا : قَوْلُهُ حُجَّةٌ لَزِمَ قَبُولُهُ ، وَإِلَّا : فَإِنَّ نَقْلَ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ صِيرَ إلَيْهِ ، وَإِنْ فَسَّرَهُ اجْتِهَادًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ لَمْ يَلْزَمْ ، وَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ التَّابِعِي .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُهُ ، إلَّا أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَيْنِ : الرُّجُوعَ ، وَعَدَمَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : قَوْلُ أَحْمَدَ فِي الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ عَامٌّ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد إذَا جَاءَ التَّفْسِيرُ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ التَّابِعِينَ لَا يُوجَدُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْزَمُ الْأَخْذُ بِهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُنْظَرُ مَا كَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ الصَّحَابَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ التَّابِعِينَ ، قَالَ الْقَاضِي وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى إجْمَاعِهِمْ ، وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَهُوَ تَوْقِيفٌ ، وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَقِيلَ لَا ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَإِنْ قَالَهُ التَّابِعِيُّ فَلَيْسَ بِتَوْقِيفٍ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ بَلَى ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ جَعَلَ تَفْسِيرَهُ كَتَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ ( و ) وَأَفْضَلُهُ نِصْفُهُ الْأَخِيرُ ، وَأَفْضَلُهُ ثُلُثُهُ الْأَوَّلُ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ آخِرُهُ ، وَقِيلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْوَسَطُ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، قَالَ أَحْمَدُ : قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالنَّاشِئَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ رَقْدَةٍ ، قَالَ : وَالتَّهَجُّدُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ النَّوْمِ ، وَلَا يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ ( م ر ) ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَلَّ مَنْ وَجَدْته ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : إذَا نَامَ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهِ السَّهَرَ .
وَفِي الْغُنْيَةِ يُسْتَحَبُّ ثُلُثَاهُ ، وَالْأَقَلُّ سُدُسُهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كُلِّهِ عَمَلُ الْأَقْوِيَاءِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ الْعِنَايَةُ ، فَجُعِلَ لَهُمْ مَوْهِبَةً ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ قِيَامُهُ بِرَكْعَةٍ ، يَخْتِمُ فِيهَا ، قَالَ وَصَحَّ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ ، وَمُرَادُهُمْ وَتَابِعِيهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَا لَيَالِيَ الْعَشْرِ ، فَيَكُونُ { قَوْلُ عَائِشَةَ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحْيَا اللَّيْلَ } أَيْ كَثِيرًا مِنْهُ ، أَوْ أَكْثَرَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ بِظَاهِرِهِ احْتِمَالٌ ، وَتَخْرِيجٌ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ ، وَيَكُونُ قَوْلُهَا مَا عَلِمْت { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ أَيْ غَيْرَ الْعَشْرِ } أَوْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَاسْتَحَبَّهُ شَيْخُنَا ، وَقَالَ قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِي كُلِّهَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ، وَيُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَلِهَذَا اتَّفَقَتْ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْغُنْيَةِ هُوَ ظَاهِرُ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ، وَنَسْخُ وُجُوبِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ اسْتِحْبَابِهِ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا ، وَكَذَا جَمَاعَةٌ كَانُوا يُصَلُّونَ الْفَجْرَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ

الْآخِرَةِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } قِيلَ ( مَا يَهْجَعُونَ ) خَبَرُ كَانَ وَقِيلَ ( مَا ) زَائِدَةٌ أَيْ كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا وَ { قَلِيلًا } صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ أَوْ ظَرْفٍ ، أَيْ هُجُوعًا وَزَمَنًا قَلِيلًا ، وَقِيلَ نَافِيَةٌ ، فَقِيلَ الْمَعْنَى كَانُوا يَسْهَرُونَ قَلِيلًا مِنْهُ ، وَقِيلَ مَا كَانُوا يَنَامُونَ قَلِيلًا مِنْهُ وَرَدَّ بَعْضُهُمْ قَوْلَ النَّفْيِ بِأَنَّهُ لَا يُتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا فِي خَبَرِهِ ، وَقَلِيلًا مِنْ خَبَرِهِ وَقِيلَ قَلِيلًا خَبَرُ كَانَ ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ، أَيْ كَانُوا قَلِيلًا هُجُوعُهُمْ ، كَقَوْلِك كَانُوا يَقِلُّ هُجُوعُهُمْ ( فَيَهْجَعُونَ ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ اسْمِ كَانَ ، وَمِنْ اللَّيْلِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مُفَسَّرٍ بِ { يَهْجَعُونَ } لِتَقْدِيمِ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ الْوَقْفُ عَلَى { قَلِيلًا } فَإِنْ قِيلَ فَمَا نَافِيَةٌ فَفِيهِ نَظَرٌ سَبَقَ ، وَإِنْ قِيلَ مَصْدَرِيَّةٌ فَلَا مَدْحَ لِهُجُوعِ النَّاسِ كُلِّهِمْ لَيْلًا ، وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَحْمِلُ مَا خَالَفَ هَذَا عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ ، أَوْ تَرَكَ حَقًّا أَهَمَّ مِنْهُ ، أَوْ عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَلِيلٍ مِنْ اللَّيْلِ ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحُقُوقِ ، وَلَعَلَّ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لِاسْتِحْبَابِهِ صَوْمَ أَيَّامِ غَيْرِ النَّهْيِ ، أَوْ مَعَ إفْطَارٍ يَسِيرٍ مَعَهَا ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ تِلْكَ ، وَهُمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيَأْتِي ذَلِكَ ، وَمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ لَا بُدَّ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ مِنْ ضَرَرٍ ، أَوْ تَفْوِيتِ حَقٍّ ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ } كَسِلَ بِكَسْرِ السِّينِ ، وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ } نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَعَنْهَا مَرْفُوعًا { أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى

اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ } وَعَنْهَا مَرْفُوعًا { خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَوَاَللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا } وَفِي لَفْظٍ { لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا } مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَاللَّفْظَانِ بِمَعْنًى ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يُعَامِلُكُمْ اللَّهُ مُعَامَلَةَ الْمَالِ فَيَقْطَعُ ثَوَابَهُ وَرَحْمَتَهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَقْطَعُوا عَمَلَكُمْ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ إذَا مَلِلْتُمْ ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْبَلِيغِ فُلَانٌ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يَنْقَطِعَ خُصُومُهُ ، مَعْنَاهُ لَا يَنْقَطِعُ إذَا انْقَطَعَ خُصُومُهُ ، وَإِلَّا فَلَا فَضْلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَعَنْهُ اسْتِغْفَارُهُ فِي السَّحَرِ أَفْضَلُ ، وَسَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي " الْخَبَرَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقُولُهُ كُلُّ أَحَدٍ ، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَمَتُك بِنْتُ عَبْدِك أَوْ أَمَتِك ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا " عَبْدِك " لَهُ مَخْرَجٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِتَأْوِيلِ شَخْصٍ ، وَصَلَاتُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا مَثْنَى ، وَهُوَ مَعْدُولٌ عَنْ اثْنَيْنِ ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْمُكَرَّرِ ، فَلَا يَجُوزُ تَكْرِيرُهُ ، وَإِنَّمَا كُرِّرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّفْظُ لَا الْمَعْنَى ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ مُنِعَتْ الصَّرْفَ لِلْعَدْلَيْنِ : عَدْلِهَا عَنْ صِيغَتِهَا ، وَعَدْلِهَا عَنْ تَكَرُّرِهَا ( هـ )

تَنْبِيهَاتٌ ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ ، وَأَفْضَلُهُ نِصْفُهُ الْأَخِيرِ ، وَأَفْضَلُهُ ثُلُثُهُ الْأَوَّلُ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ آخِرُهُ ، وَقِيلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْوَسَطُ ، انْتَهَى ، فَقَوْلُهُ وَأَفْضَلُهُ ثُلُثُهُ الْأَوَّلُ فِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ مِنْ اللَّيْلِ ، فَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ قَدَّمَهُ ، وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَرَادَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ مِنْ النِّصْفِ الْأَخِيرِ وَهُوَ السُّدُسُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَالْأَصْحَابُ عَلَى خِلَافِهِ ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْحُسَيْنِ ذَكَرَ فِي فُرُوعِهِ أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ : أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُد ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ يَقُومُ سُدُسَهُ ، مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ ثُلُثَ اللَّيْلِ مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي ، لِكَوْنِهِ الْمَذْهَبَ ، وَلَكِنْ يَبْقَى فِي الْعِبَارَةِ تَعْقِيدٌ مِنْ جِهَةِ عَوْدِ الضَّمَائِرِ وَالتَّرْكِيبِ ، وَفِيهِ قُوَّةٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ ، فَإِنَّ هَذِهِ صَلَاةُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَصَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ

فِي أَفْضَلِيَّةِ الْأَرْبَعِ بِسَلَامٍ ، وَإِنْ زَادَ صَحَّ ( و ) فَطَاهِرُهُ عَلِمَ الْعَدَدَ أَوْ نَسَبَهُ ، وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعًا نَهَارًا أَوْ ثَمَانِيًا لَيْلًا صَحَّ ( هـ ) وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ سِوَى الْكَرَاهَةِ ، وَفِيهَا خِلَافٌ وَالثَّمَانِي تَأْنِيثُ الثَّمَانِيَةِ ، وَالْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ ، كَالْيَمَانِيِ عَلَى تَعْوِيضِ الْأَلْفِ عَنْ إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ ، وَلَا تَشْدِيدَ ، لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالنُّونِ ، وَحَذْفُ الْيَاءِ خَطَأٌ عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ ، وَقِيلَ شَاذٌّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إلَّا مَثْنَى ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَقِيلَ لَيْلًا ، اخْتَارَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالشَّيْخُ ، وِفَاقًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَامَ فِي التَّرَاوِيحِ إلَى ثَالِثَةٍ يَرْجِعُ ، وَإِنْ قَرَأَ ، لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا وَلَا بُدَّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى } فَعَلَى الصِّحَّةِ يُكْرَهُ وَعَنْهُ لَا .
جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ( و ش ) كَأَرْبَعٍ نَهَارًا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ زَادَ نَهَارًا صَحَّ ، وَعَنْهُ لَا ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ ( و ش ) وَمَنْ زَادَ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَقَدْ تَرَكَ الْأَوْلَى ، وَيَجُوزُ بِدَلِيلِ الْوِتْرِ ، كَالْمَكْتُوبَةِ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا وِفَاقًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَزُفَرَ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْفُصُولِ : إنْ تَطَوَّعَ بِسِتَّةٍ بِسَلَامٍ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ مِنْ الْفَرْضِ .

الثَّانِي ) قَوْلُهُ فِيمَا إذَا زَادَ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى مَثْنَى : وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ سِوَى الْكَرَاهَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ ، انْتَهَى ، يَعْنِي فِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي فِيمَا إذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَكْرَهُ ، كَذَا ، هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لَا ؟ وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ، فِي الْخُطْبَةِ ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلْيُعَاوَدْ .
الثَّالِثُ قَوْلُهُ : وَالثَّمَانِي تَأْنِيثُ الثَّمَانِيَةِ ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالنُّونِ وَحَذْفُ الْيَاءِ خَطَأٌ عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ ، وَقِيلَ شَاذٌّ ، انْتَهَى ، ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي حَذْفِ الْيَاءِ ، هَلْ هُوَ خَطَأٌ أَوْ شَاذٌّ ؟ ؟ وَلَيْسَ لِلْأَصْحَابِ فِي هَذَا كَلَامٌ ، وَإِنَّمَا مَرْجِعُهُ إلَى اللُّغَةِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْقَامُوسِ ثَبَتَتْ يَاؤُهُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ ، كَمَا ثَبَتَ بِالْقَاضِي فَتَقُولُ ثَمَانِي نِسْوَةٍ وَثَمَانِي مِائَةٍ ، كَمَا تَقُولُ قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ ، وَتَسْقُطُ مَعَ التَّنْوِينِ فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ ، وَتَثْبُتُ فِي النَّصْبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى : وَلَقَدْ شَهِدْت ثَمَانِيًا وَثَمَانِيًا وَثَمَانِ عَشْرَةَ وَاثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعَا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ ثَمَانِي عَشْرَةَ ، وَإِنَّمَا حَذَفَهَا عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ طِوَالُ الْأَيْدِ ، بِحَذْفِ الْيَاءِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : فَطِرْت بِمُنْصُلِي فِي يَعْمُلَاتٍ دَوَامِي الْأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا انْتَهَى ، فَقَدَّمَا مَا قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ خَطِيبِ الدَّهْشَةِ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مُصَنَّفًا ، وَحَكَى لُغَةً بِحَذْفِ الْيَاءِ فِي الْمُرَكَّبِ ، بِشَرْطِ فَتْحِ النُّونِ ، يَقُولُ عِنْدِي مِنْ النِّسَاءِ ثَمَانَ عَشْرَةَ امْرَأَةً .
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ فِي فَتْحِ مَكَّةَ { فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ } ، بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ ، وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِهَا

وَمَنْ أَحْرَمَ بِعَدَدٍ فَهَلْ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِيمَنْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فِي التَّرَاوِيحِ لَا يَجُوزُ ، وَفِيهِ فِي الِانْتِصَارِ خِلَافٌ فِي لُحُوقِ زِيَادَةٍ بِعَقْدٍ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ سُجُودِ السَّهْوِ
الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ : مَنْ أَحْرَمَ بِعَدَدٍ فَهَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِيمَنْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فِي التَّرَاوِيحِ لَا يَجُوزُ .
وَفِيهِ فِي الِانْتِصَارِ خِلَافٌ فِي لُحُوقِ زِيَادَةٍ بِعَقْدٍ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ سُجُودِ السَّهْوِ ، انْتَهَى ، ( قُلْتُ ) قَالَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ : وَمَنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ وَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ نَهَارًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ إنْ كُرِهَتْ الْأَرْبَعُ نَهَارًا ، انْتَهَى ، فَظَاهِرُ هَذَا الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ إنْ كُرِهَتْ الْأَرْبَعُ نَهَارًا ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا لَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهَا عَلَى أَقَلِّ نَقْلٍ صَرِيحٍ فَاسْتَنْبَطَ ذَلِكَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا بِذَلِكَ ، وَقَالُوا الْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَ هُوَ مِنْ كَلَامِهِمْ الْكَرَاهَةَ ، فَقَوْلُهُ وَسَبَقَ أَوَّلَ سُجُودِ السَّهْوِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ ، وَنَقَلَهُ فِيهِمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .

وَصَلَاةُ الْقَاعِدِ نِصْفُ أَجْرِ صَلَاةِ الْقَائِمِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ إلَّا الْمُتَرَبِّعَ وَلِأَحْمَدَ عَنْ شَاذَانَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ مَوْلَاهُ السَّائِبِ عَنْ عَائِشَةَ ، رَفَعَتْهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ وَحَجَّاجٍ عَنْ شَرِيكٍ بِدُونِهَا ، وَرَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَزُهَيْرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِدُونِهَا .

وَيُسْتَحَبُّ تَرَبُّعُ الْجَالِسِ فِي قِيَامٍ ( و م ) وَعَنْهُ يَفْتَرِشُ ( و ق ) وَقَالَهُ زُفَرُ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ الْحَنَفِيُّ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرْبِيعِ ، وَالِاحْتِبَاءِ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي .
وَفِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً إنْ كَثُرَ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ لَمْ يَتَرَبَّعْ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُثْنِي رِجْلَيْهِ فِي سُجُودِهِ ، وَفِي رُكُوعِهِ رِوَايَتَانِ ( م 9 ) وَالرِّوَايَةُ بِنِصْفِ الْأَجْرِ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ ، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ فَرْضًا وَنَفْلًا مَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ، وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي تَكْمِيلِ أَجْرِهِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ الْكَاهِلِيِّ التَّابِعِيِّ ، وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ ، وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ ، لَكِنَّ كَلَامَهُمْ كُلِّهِمْ إذَا عَجَزَ مُطْلَقًا ، وَأَمَّا إنْ شَقَّ مَشَقَّةً تُبِيحُ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَكَلَامُهُمْ مُحْتَمَلٌ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالْفَرْقِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ

( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا يُسْتَحَبُّ تَرَبُّعُ الْجَالِسِ فِي قِيَامِهِ ، فَعَلَى هَذَا يَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي سُجُودِهِ ، وَفِي رُكُوعِهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، إحْدَاهُمَا يَثْنِيهِمَا فِي رُكُوعِهِ ، أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَثْنِيهَا قَالَ فِي الْمُغْنِي هَذَا أَقْيَسُ وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إلَى فِعْلِ أَنَسٍ ، وَأَخَذَ بِهِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ هَذَا أَقْيَسُ .
وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَمُتَرَبِّعًا أَفْضَلُ ، وَقِيلَ حَالَ قِيَامِهِ وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ ، إنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ ، انْتَهَى .

وَلَا يَصِحُّ مُضْطَجِعًا ( و هـ م ) وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ صِحَّتَهُ ، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ ( و ش ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ ثُمَّ هَلْ يُومِئُ أَمْ يَسْجُدُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ( م 10 ) وَلَهُ الْقِيَامُ عَنْ جُلُوسٍ ( و ) وَكَذَا عَكْسُهُ ( و ) وَخَالَفَ فِي الثَّانِيَةِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ ، لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ مُضْطَجِعًا وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ صِحَّتَهُ ، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ ثُمَّ هَلْ يُومِئُ أَوْ يَسْجُدُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ ، وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَغَيْرُهُمْ ، إحْدَاهُمَا يَسْجُدُ ( قُلْتُ ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَسْجُدُ .

وَيَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِفَرْدٍ كَرَكْعَةٍ وَعَنْهُ لَا ( و هـ ) وَيَجُوزُ جَمَاعَةً و ش ) أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ ( م 11 ) وَقِيلَ مَا لَمْ يُتَّخَذْ عَادَةً ( و ش ) وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ ، قَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْته ( و هـ ) وَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ .
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ نَهَارًا وَعَنْهُ طُولَ الْقِيَامِ ( و هـ ش ) وَعَنْهُ التَّسَاوِي ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَحَفِيدُهُ ، وَيُسَنُّ بِبَيْتِهِ ( و ) وَعَنْهُ هُوَ وَالْمَسْجِدُ سَوَاءٌ

مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ أَيْ التَّطَوُّعُ جَمَاعَةً أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقِيلَ مَا لَمْ يُتَّخَذْ عَادَةً ، انْتَهَى ، قُلْتُ مِمَّنْ أَطْلَقَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا اُتُّخِذَ عَادَةً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ الْمَجْدِ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ إنَّمَا قَالَ وَلَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ جَمَاعَةً مَا لَمْ يُتَّخَذْ ذَلِكَ سُنَّةً وَعَادَةً ، فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقِيلَ وَيُكْرَهُ مَا لَمْ يُتَّخَذْ عَادَةً ، كَمَا قَالَ الْمَجْدُ ، وَالْمَحَلُّ لَفْظَةُ يُكْرَهُ ، سَقَطَتْ مِنْ الْكَاتِبِ ، إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا اخْتَارَ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ ، وَنَصُّهُ لَا ، انْتَهَى ، الْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَصَّ أَحْمَدُ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ عَلَى كَرَاهَتِهَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَطَعَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ بِالْجَوَازِ ، وَاسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ فِعْلَهَا ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا بَأْسَ بِفِعْلِهَا ، فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ مَنَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلَيْنَا بِتَصْحِيحِهَا ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ أَحْمَدُ لَا يَرْفَعُ ، قِيلَ قَدْرُ كَمْ يَرْفَعُ ؟ ؟ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ فَلَمْ يُخَافِتْ ، وَلَيْلًا يُرَاعِي الْمَصْلَحَةَ ، وَيُعْجِبُ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَكَعَاتٌ مَعْلُومَةٌ .

فَصْلٌ أَقَلُّ سُنَّةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ ( و ) وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ إلَى الزَّوَالِ ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قُبَيْلَ الزَّوَالِ لِلنَّهْيِ وَالْأَفْضَلُ إذَا اشْتَدَّ حَرُّهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَانِ ، لِأَنَّ أُمَّ هَانِئٍ رَوَتْ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يَوْمَ الْفَتْحِ ضُحًى } ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا صَلَاةٌ بِسَبَبِ الْفَتْحِ ، شُكْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ الْأُمَرَاءَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا إذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ إثْبَاتُ صَلَاةٍ بِسَبَبٍ مُحْتَمَلٍ .
وَعَنْهُ أَكْثَرُ الضُّحَى اثْنَتَا عَشْرَةَ لِلْخَبَرِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ ، وَقَالَ : لَهُ فِعْلُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ .
وَقَالَ : وَإِنْ أَخَّرَهَا حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ قَضَاهَا نَدْبًا وَنَصَّ أَحْمَدُ تُفْعَلُ غِبًّا .
وَاسْتَحَبَّ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ الْمُدَاوَمَةَ ، وَنَقَلَهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ ( و ش ) وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا لِمَنْ لَمْ يَقُمْ فِي لَيْلِهِ ، وَيُسْتَحَبُّ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ ، وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ ، وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ فِي حَجٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَمَا يَأْتِي ، وَالْمُرَادُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، فَيَكُونُ قَوْلُ أَحْمَدَ : كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ يُبَادَرُ إلَيْهِ أَيْ بَعْدَ فِعْلِ مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِظَاهِرِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيُسْتَحَبُّ صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ أَوْ إلَى آدَمِيٍّ ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ ، لِخَبَرِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ، وَفِيهِ ضَعْفٌ وَصَلَاةُ التَّوْبَةِ ، لِخَبَرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَهُوَ حَسَنٌ ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : لَا يُتَابِعُ اسْمًا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ حَدَّثَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، وَلَمْ يُخَالِفْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَعَقِيبَ الْوُضُوءِ ، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَصْرٍ احْتَسَبَ

بِانْتِظَارِهِ بِالْوُضُوءِ الصَّلَاةَ ، فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مُصَلٍّ ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ

وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ ، وَنَصُّهُ لَا ، لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهَا لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ ، ثُمَّ يُسَبِّحُ ، وَيَحْمَدُ ، وَيُهَلِّلُ ، وَيُكَبِّرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ، ثُمَّ يَقُولُهَا فِي رُكُوعِهِ ثُمَّ فِي رَفْعِهِ مِنْهُ ، ثُمَّ فِي سُجُودِهِ ، ثُمَّ فِي رَفْعِهِ ، ثُمَّ فِي سُجُودِهِ ، ثُمَّ فِي رَفْعِهِ عَشْرًا عَشْرًا ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، ثُمَّ فِي الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ فِي الشَّهْرِ ، ثُمَّ فِي الْعُمْرِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ لَا يَصِحُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْآجُرِّيُّ وَصَحَّحُوهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَادَّعَى شَيْخُنَا أَنَّهُ كَذِبٌ ، كَذَا قَالَ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ عَلَى كَرَاهَتِهَا ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّهَا إمَامٌ ، وَاسْتَحَبَّهَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يَرِدْ بِهَا الْخَبَرُ ، لِئَلَّا تَثْبُتَ سُنَّةٌ بِخَبَرٍ لَا أَصْلَ لَهُ ، قَالَ : وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَسْمَعُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ لَا بَأْسَ بِهَا ، فَإِنَّ الْفَضَائِلَ لَا تُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْخَبَرِ ، كَذَا قَالَ ، وَعَدَمُ قَوْلِ أَحْمَدَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ ، وَاسْتِحْبَابُهُ الِاجْتِمَاعَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي رِوَايَةٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ ، وَلَوْ كَانَ شِعَارًا ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَاحْتَجَّ لَهَا بِمَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَاقْتَصَرَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ عَلَى تَضْعِيفِ أَحْمَدَ لِصَلَاةِ التَّسْبِيحِ ، وَعَكَسَ جَمَاعَةٌ فَاسْتَحَبُّوا صَلَاةَ التَّسْبِيحِ دُونَ الِاجْتِمَاعِ لَيْلَةَ الْعِيدِ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشِّعَارِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْعَمَلُ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ : بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ ، وَمِثْلُهُ فِي التَّرْغِيبِ

وَالتَّرْهِيبِ بالإسْرائِلِيَّاتِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ، لَا اسْتِحْبَابٌ وَلَا غَيْرُهُ ، لَكِنْ يَجُوزُ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ ، وَاعْتِقَادُ مُوجَبِهِ مِنْ قَدْرِ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ : وَقَالَ فِي التَّيَمُّمِ بِضَرْبَتَيْنِ : الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ إنَّمَا شُرِعَ فِي عَمَلٍ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَإِذَا رَغِبَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ لِخَبَرٍ ضَعِيفٍ عَمِلَ بِهِ ، أَمَّا إثْبَاتُ سُنَّةٍ فَلَا .
وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ ، وَنِصْفَ شَعْبَانَ ، أَوْ أَوَّلَ رَجَبٍ ، وَقِيلَ : نِصْفَهُ ، وَقِيلَ : وَالرَّغَائِبُ ، وَاخْتَلَفَ الْخَبَرُ فِي صِفَتِهَا ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هِيَ مَوْضُوعَةٌ ، كَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ وَاسْتَحَبَّهَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَكَرِهَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْمَالِكِيَّةُ ، وَذَكَرَ أَبُو الظَّاهِرِ الْمَالِكِيُّ كَرَاهَتَهَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، قَالَ شَيْخُنَا : كُلُّ مَنْ عَبَدَ عِبَادَةً نُهِيَ عَنْهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنَّهْيِ ، لَكِنْ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِثْلُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ ، وَالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ ، وَصَوْمِ الْعِيدِ ، أُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ ، كَذَا قَالَ ، وَيَأْتِي فِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ ، وَمَعَ عَدَمِهَا لَا يُثَابُ عَلَى صَلَاةٍ ، وَصَوْمٍ ، وَيَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَهْيٌ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَعْلَمْهُ ، كَكَوْنِهَا بِدْعَةً تُتَّخَذُ شِعَارًا ، وَيُجْتَمَعُ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ ، فَهُوَ مِثْلُ أَنْ يُحْدِثَ صَلَاةً سَادِسَةً وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِلَا حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يُشْرَعْ جِنْسُهُ ، مِثْلُ الشِّرْكِ ، فَإِنَّ هَذَا لَا ثَوَابَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ لَا يُعَاقِبُ صَاحِبَهُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ .
لَكِنْ قَدْ يَحْسَبُ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَعْضِ

أَنْوَاعِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مُجْتَهِدًا لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّبِعَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا ، لَكِنْ قَدْ يَفْعَلُهُ بِاجْتِهَادِ مِثْلِهِ ، فَيُقَلِّدُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ الشُّيُوخِ وَالْعُلَمَاءِ ، وَفَعَلُوهُ هُمْ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَنْفَعُ ، أَوْ لِحَدِيثٍ كَذِبٍ سَمِعُوهُ ، فَهَؤُلَاءِ إذَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالنَّهْيِ لَا يُعَذَّبُونَ ، وَقَدْ يَكُونُ ثَوَابُهُمْ أَرْجَحَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ مِنْ أَهْلِ جِنْسِهِمْ ، أَمَّا الثَّوَابُ بِالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ فَلَا يَكُونُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ .
قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ : وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ لَيْلَةَ الْوَقُودِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ لَيْلَةَ الْوَقِيدِ الْبَرَامِكَةُ ، لِأَنَّ أَصْلَهُمْ مَجُوسُ عَبَدَةِ النَّارِ ، قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : هُمْ حَنَفِيَّةٌ ، سِيرَتُهُمْ جَمِيلَةٌ ، وَدِينُهُمْ صَحِيحٌ ، أَمَرُوا بِذَلِكَ إظْهَارًا لِشِعَارِ الْإِسْلَامِ ، كَذَا قَالَ ، وَأَفْتَى جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ ، وَتَحْرِيمِهِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ ، وَتَضْمِينِ فَاعِلِهِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَقِيلَ عَنْهُ

: يُسْتَحَبُّ الِاجْتِمَاعُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ لِلصَّلَاةِ جَمَاعَةً إلَى الْفَجْرِ : وَيُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِلْخَبَرِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَلَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الْمَزَّارِ بْنِ حَمُّويَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْطَفَى ، عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ } رِوَايَةُ بَقِيَّةَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ جَيِّدَةٌ ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَلَيْلَةَ عَاشُورَاءَ ، وَلَيْلَةَ أَوَّلِ رَجَبٍ ، وَلَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ ، وَفِي الرِّعَايَةِ وَلَيْلَةَ نِصْفِ رَجَبٍ .
وَفِي الْغُنْيَةِ وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ أَظْهَرُ لِضَعْفِ الْأَخْبَارِ ، وَهُوَ قِيَاسُ نَصِّهِ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ ، وَأَوْلَى .
وَفِي آدَابِ الْقَاضِي صَلَاةُ الْقَادِمِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةُ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْحَجِّ .
وَعَنْ مُطْعِمِ بْنِ الْمِقْدَامِ { مَا خَلَّفَ عَبْدٌ عَلَى أَهْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا } مُنْقَطِعٌ " وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ " إذَا خَرَجْت فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " رَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ

وَيُتَوَجَّهُ فَضْلُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ وَيَشْتَغِلُونَ ، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا { الْعَمَلُ فِي الْهَرْجِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْفِتْنَة كَالْهِجْرَةِ إلَيَّ } وَلِمُسْلِمٍ { الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ } قُبِلَ لِلِاشْتِغَالِ عَنْهَا ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ الْمُرَادَ عِبَادَةٌ يَظُنُّ مَعَهَا الْقَتْلَ عِنْدَ أُولَئِكَ وَيَأْتِي تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ آخِرَ الْجُمُعَةِ .

بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَهِيَ خَمْسَةٌ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي ( و هـ م ) وَعَنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ ( و ش ) اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ ، إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ طُلُوعِهَا إلَى ارْتِفَاعِهَا قِيدَ رُمْحٍ وَعِنْدَ قِيَامِهَا إلَى زَوَالِهَا ، وَفِيهِ وَجْهٌ ( و م ) اخْتَارَهُ شَيْخُنَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( و ش ) قَالَ أَحْمَدُ فِي الْجُمُعَةِ إذَنْ لَا يُعْجِبُنِي ، وَظَاهِرُ الْجَوَازِ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَامِعَ ( ش ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الضَّعِيفِ الْمُحْتَجِّ بِهِ فِي ذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْإِبَاحَةِ إلَى أَنْ يُعْلَمَ .
وَفِي الْخِلَافِ يَسْتَظْهِرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ سَاعَةً بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ زَوَالَهَا كَسَائِرِ الْأَيَّامِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ( ع ) حَتَّى جَمَعَا إلَى غُرُوبِهَا لَا اصْفِرَارِهَا ( م ش ) وَعِنْدَ غُرُوبِهَا حَتَّى تَتِمَّ وَعَنْهُ لَا نَهْيَ بِمَكَّةَ ( و ش ) وَيَتَوَجَّهُ إنْ قُلْنَا الْحَرَمُ كَمَكَّةَ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي أَنَّ هُنَا مِثْلَهُ .
وَكَلَامُهُ فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي اتِّفَاقًا فِيهِ ، وَعَنْهُ وَلَا نَهْيَ بَعْدَ عَصْرٍ .
وَعَنْهُ مَا لَمْ تَصْفَرَّ .
وَيَحْرُمُ فِيهِنَّ فِي الْأَشْهَرِ تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ ، وَقِيلَ لَا إتْمَامُهُ ، وَإِنْ ابْتَدَأَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَعَنْهُ بَلَى ( و هـ م ) ، وَفِي جَاهِلٍ رِوَايَتَانِ ( م 1 )

بَابُ أَوْقَاتِ النَّهْيِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ فِيهِنَّ عَلَى الْأَشْهَرِ تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ ، وَقِيلَ لَا إتْمَامُهُ ، وَإِنْ ابْتَدَأَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَعَنْهُ بَلَى ، وَفِي جَاهِلٍ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَالزَّرْكَشِيُّ ، إحْدَاهُمَا لَا يَنْعَقِدُ ، قَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالْفَائِقِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَنْعَقِدُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ لِلْمُصَنِّفِ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ .
تَنْبِيهٌ ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَقِيلَ لَا إتْمَامُهُ ، أَنَّ الْمُقَدَّمَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ النَّهْيِ إذَا أَتَمَّهُ فِيهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَالْقَوْلُ ، الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرٌ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَلَا يَبْتَدِئُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ بِهَا ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَالْأَصْفَهَانِيِّ وَالْمُنَوِّرِ ، وَالْمُنْتَخَبِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ قَطْعًا بِهِ ، لَكِنْ قَالَ يُحَقِّقُهَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ .

وَمَا لَهُ سَبَبٌ كَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ، وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ ، وَقَضَاءِ سُنَنٍ ، وَصَلَاةِ كُسُوفٍ ، قَالَ شَيْخُنَا وَاسْتِخَارَةٍ فِيمَا يَفُوتُ ، وَعَقِيبَ الْوُضُوءِ فَعَنْهُ يَجُوزُ ( و ش ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفُصُولِ ، وَالْمُذْهَبِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَشَيْخُنَا ، وَغَيْرُهُمْ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَالَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ، وَلَيْسَ عَنْهَا جَوَابٌ صَحِيحٌ .
وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لَمْ يَخُصَّ الصَّلَاةَ ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ ، وَالْكَلَامِ ، فَهُوَ أَخَفُّ .
وَالنَّهْيُ هُنَا اخْتَصَّ الصَّلَاةَ ، فَهُوَ آكَدُ : وَهَذَا عَلَى الْعَكْسِ أَظْهَرُ ، قَالَ : مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَنْعُ تَرَكْنَاهُ لِخَبَرِ سُلَيْكٍ .
وَعَنْهُ الْمَنْعَ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ أَشْهَرُ ( م 2 ) ( و هـ م ) فَلَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ ( هـ م ) وَعَنْهُ يَقْضِي وِرْدَهُ وَوِتْرَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ( و م ر ) إنْ خَافَ إهْمَالَهُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَهَا ، وَغَيْرَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَقْتَ النَّهْيِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا بِلَا خِلَافٍ ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ وَتَجُوزُ رَكْعَتَا الطَّوَافِ ( و ش ) وَإِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ ( و ش ) لِتَأْكِيدِ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ ، وَلِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ .
وَيَجُوزُ فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ وَقْتَ النَّهْيِ ، وَلِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يُعِدْ الْجَمَاعَةَ لَحِقَهُ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ ، وَتُهْمَةٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ ، الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ ، تَرَكْنَاهُ لِخَبَرِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، وَخَبَرِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ ، وَعَنْهُ فِيهِمَا بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ .
وَعَنْهُ الْمَنْعُ ( و هـ م ) وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ .
وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ الْمَنْعَ ( و ر م ) وَعَنْهُ بَعْدَ فَجْرٍ ، وَعَنْ ( م ) لَا يُصَلِّي

بَعْدَ الْإِسْفَارِ وَالِاصْفِرَارِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ تَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا ( و ش ) كَمَا لَوْ خِيفَ عَلَيْهِ ( و ) وَتَحْرُمُ عَلَى قَبْرٍ ، وَغَائِبٍ ، وَقْتَ نَهْيٍ ، وَقِيلَ نَفْلًا ، وَصَحَّحَ فِي الْمَذْهَبِ تَجُوزُ عَلَى قَبْرٍ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ ، وَحُكِيَ مُطْلَقًا .
وَفِي الْفُصُولِ لَا تَجُوزُ بَعْدَ الْعَصْرِ ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي جَوَازِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَوْفُ الِانْفِجَارِ ، وَقَدْ أُمِنَ فِي الْقَبْرِ .
وَصَلَّى قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بَعْدَ الْعَصْرِ بِفَتْوَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَلَعَلَّهُ قَاسَ عَلَى الْجِنَازَةِ ، وَحُكِيَ لِي عَنْهُ أَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ ، وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ فِعْلَهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ ، هَذَا كَلَامُهُ .
وَيَقْضِي الْفَرْضَ ( هـ ) فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ ، وَعَنْهُ لَا ، كَمَنْذُورَةٍ فِي رِوَايَةٍ ( و هـ ) وَكَذَا نَذْرُهَا فِيهَا ، لِأَنَّهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَيَخْرُجُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ مُوجِبًا لَهَا ( و ش ) وَفِي الْفُصُولِ يَفْعَلُهَا غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ ، وَيُكَفِّرُ ، كَنَذْرِهِ صَوْمَ عِيدٍ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ : فَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ فِي وَقْتٍ وَفَاتَ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَجُوزُ فِعْلُهَا وَقْتَ النَّهْيِ ، لِأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ صَوْمَ النَّذْرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، مَعَ تَأْكِيدِ الصِّيَامِ ، فَنَقَلَ صَالِحٌ فِي رَجُلٍ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَصَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ .
وَلَوْ أَفْطَرَهَا وَكَفَّرَ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَذْهَبًا ، فَقَدْ أَجَازَ صَوْمَهَا عَنْ النَّذْرِ ، فَكَذَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَوْ نَذَرَهَا بِمَكَانٍ غَصْبٍ فَيَتَوَجَّهُ كَصَوْمِ عِيدٍ .
وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى تَنْعَقِدُ ، فَقِيلَ لَهُ يُصَلِّي فِي غَيْرِهِ ؟ فَقَالَ : فَلَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ .
وَيَفْعَلُ سُنَّةَ الظُّهْرِ الثَّانِيَةَ بَعْدَ عَصْرٍ جَمْعًا ، وَقِيلَ وَقْتَ ظُهْرٍ ، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَفِي الْفُصُولِ يُصَلِّي سُنَّةَ الْأُولَى إذَا فَرَغَ مِنْ الثَّانِيَةِ ، إذَا لَمْ تَكُنْ الثَّانِيَةُ عَصْرًا ، وَهَذَا فِي

الْعِشَاءَيْنِ خَاصَّةً ، وَيُقَدِّمُ سُنَّةَ الْأُولَى مِنْهُمَا عَلَى الثَّانِيَةِ كَمَا قَدَّمَ فَرْضَ الْأُولَى عَلَى فَرْضِ الثَّانِيَةِ ، كَذَا قَالَ ، وَلَا نَهْيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ ، حَتَّى يَنْصَرِفَ الْمُصَلِّي .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) وَمَا لَهُ سَبَبٌ كَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَقَضَاءِ سُنَنٍ وَصَلَاةِ كُسُوفٍ قَالَ شَيْخُنَا وَاسْتِخَارَةٍ فِيمَا يَفُوتُ وَعَقِبَ وُضُوءٍ فَعَنْهُ يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفُصُولِ ، وَالْمُذْهَبِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَشَيْخُنَا ، وَغَيْرُهُمْ ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ أَشْهَرُ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي ، وَالْمُقْنِعِ ، وَالْهَادِي ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْبُلْغَةِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالنَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ ، وَالزَّرْكَشِيُّ ، وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِيهَا ، اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِب الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْكَافِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحْرِمِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فِي الْمَذْهَبِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَهِيَ أَشْهَرُ ، قَالَ فِي الْوَاضِحِ هِيَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هَذَا الْأَشْهَرُ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْكُسُوفِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الصَّحِيحُ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْأَظْهَرُ ، لِأَنَّ النُّصُوصَ فِيهَا أَصَحُّ ، وَأَصْرَحُ ، انْتَهَى ، وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَالْقَاضِي ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ، فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ فِي هَذَا

الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتَا .

بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ " أَقَلُّهَا اثْنَانِ ( و ) وَهِيَ وَاجِبَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَمْ يُنْقَصُ أَجْرُهُ مَعَ الْعُذْرِ ، وَبِدُونِهِ فِي صَلَاتِهِ فَضْلٌ ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ فِي الْأُولَى ، وَلِنَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَكَذَا قِيلَ لِلْقَاضِي : عِنْدَكُمْ لَا فَضْلَ فِي صَلَاةِ الْفَذِّ ؟ فَقَالَ : قَدْ تَحْصُلُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ ، وَلَا خَيْرَ فِي أَحَدِهِمَا وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِالْآيَاتِ الْمَشْهُورَةِ ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ هُنَا ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ ثُبُوتُ الْأَجْرِ فِيهَا ، وَإِلَّا فَلَا نِسْبَةَ وَلَا تَقْدِيرَ .
وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا كَأَبِي الْخَطَّابِ فِيمَنْ عَادَتُهُ الِانْفِرَادُ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ ، وَإِلَّا تَمَّ أَجْرُهُ ، وَقَالَ فِي ( الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ ) غَيْرِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَعْذُورِ الَّذِي تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ ، وَمُضْطَجِعًا عَلَى النِّصْفِ } فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْذُورُ كَمَا فِي الْخَبَرِ { إنَّهُ خَرَجَ وَقَدْ أَصَابَهُمْ وَعْكٌ وَهُمْ يُصَلُّونَ قُعُودًا فَقَالَ ذَلِكَ } وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ مَنْ صَلَّى قَاعِدًا لِعُذْرٍ لَهُ أَجْرُ الْقَائِمِ ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا } وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَسَاوِيهِمَا فِي أَصْلِ الْأَجْرِ وَهُوَ الْجَزَاءُ .
وَالْفَضْلُ بِالْمُضَاعَفَةِ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَة تَعْدِلُ

خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً ، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً } قَالَ أَبُو دَاوُد : قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ فِي هَذَا الْحَدِيث صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْفَلَاةِ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ هِلَالٌ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ حِبَّانَ ، وَرَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، نَكْتُبُ حَدِيثَهُ ، فَإِنْ صَحَّ فَيَتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِظَاهِرِهِ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ أَبِي دَاوُد ، وَلَا تَعَارُضَ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ أَنَّهُ يُصَلِّي خَلْفَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَلَا بُدَّ أَنَّهُ فِي الْفَلَاةِ لِعُذْرٍ ، وَقَصْدٍ صَحِيحٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الِاعْتِزَالُ فِي الْفِتْنَةِ ، أَوْ الصَّلَاةُ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ ، وَعَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ { أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَعَنْهُ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ ( و هـ م ق ) وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا فَرْضَ كِفَايَةٍ ( و ق ) وَمُقَاتَلَةُ تَارِكِهَا كَالْآذَانِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ ( و ) وَفِي الْوَاضِحِ وَالْإِقْنَاعِ رِوَايَةٌ : شَرْطٌ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي كَذَلِكَ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَشَيْخُنَا لِلْمَكْتُوبَةِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَالَ : بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِي الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ غَصْبٍ ، وَالنَّهْيُ يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ ، وَعَنْهُ وَلِفَائِتَةٍ ، وَمَنْذُورَةٍ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ هُنَا وَفِي وُجُوبِ الْآذَانِ لِفَائِتَةٍ فَقَطْ ، حَضَرًا وَسَفَرًا عَلَى الرِّجَالِ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَالْعَبِيدِ ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ ، وَقِيلَ وَالْمُمَيِّزِينَ .

وَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ ( و هـ م ) وَعَنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ( و ق ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ لِاسْتِبْعَادِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرَهُ ، وَعَنْهُ وَاجِبَةٌ مَعَ قُرْبِهِ ، وَقِيلَ : شَرْطٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِمَشْيِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَعَلَ ، وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِهِ مُنْكَرٌ كَغِنَاءٍ لَمْ يَدَعْ الْمَسْجِدَ ، وَيُنْكِرْهُ ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ .
وَيُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ ( و ش ) وَعَنْهُ لَا ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ ( وَ هـ م ) وَمَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ إلَى وُجُوبِهَا إذَا اجْتَمَعْنَ .
وَفِي الْفُصُولِ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ إذَا اجْتَمَعْنَ أَنْ يُصَلِّينَ فَرَائِضَهُنَّ جَمَاعَةً فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالثَّانِيَةُ يُكْرَهُ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَيَجُوزُ فِي النَّافِلَةِ ، وَلَهُنَّ حُضُورُ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ ، وَعَنْهُ الْفَرْضُ ، وَكَرِهَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَغَيْرُهُمَا لِلشَّابَّةِ وَهُوَ أَشْهَرُ ( و م ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُسْتَحْسَنَةُ ( و ش ) وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : وَسَأَلَ عَنْ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْعِيدِ فَقَالَ يَفْتِنُ النَّاسَ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً قَدْ طَعَنَتْ فِي السِّنِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي : الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الشَّابَّةِ خَوْفُ الْفِتْنَةِ بِهَا ، وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ الطِّيبِ لِلِافْتِتَانِ بِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَعْدُومٍ فِي عَجُوزٍ مُسْتَحْسَنَةٍ ، وَكَرِهَهُ ( هـ ) لِشَابَّةٍ ، وَكَذَا الْعَجُوزِ فِي ظُهْرٍ وَعَصْرٍ لِانْتِشَارِ الْفَسَقَةِ فِيهِمَا .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ ، لِظُهُورِ الْفَسَادِ ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ فِي الْجُمُعَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا مِثْلُهَا ، وَأَنَّ مَجَالِسَ الْوَعْظِ كَذَلِكَ وَأَوْلَى ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخَرُّجُ رِوَايَةٍ فِي كَرَاهَةِ إمَامَةِ الرِّجَالِ لَهُنَّ فِي الْجَهْرِ مُطْلَقًا ، يُكْرَهُ فِي

صَلَاةِ الْجَهْرِ فَقَطْ ، وَجَزَمَ فِي الْخِلَافِ بِالنَّهْيِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ فِي مَسْأَلَةٍ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا ؟ قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ ، وَسَأَلَهُ يَخْرُجْنَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ ؟ فَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي فِي زَمَنِنَا ، لِأَنَّهُنَّ فِتْنَةٌ ، وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَنْبَلِيُّ الْمُؤَدِّبِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ { أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : إنَّ نِسَاءَنَا يَسْتَأْذِنُونَنَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : احْبِسُوهُنَّ ، فَإِنْ أَرْسَلْتُمُوهُنَّ فَأَرْسِلُوهُنَّ تَفِلَاتٍ } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْسِيِّ { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَك فَيَمْنَعُنَا أَزْوَاجُنَا فَقَالَ : صَلَاتُكُنَّ فِي بُيُوتِكُنَّ أَفْضَلُ مِنْ حِجْرِكُنَّ } الْحَدِيثَ .
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَصْرِ { إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ } .
وَاجْتِمَاعُ أَهْلِ الثَّغْرِ بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ ، وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِمْ الْعَتِيقُ ، ثُمَّ الْأَكْثَرُ جَمْعًا ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ ، ثُمَّ الْأَبْعَدُ ، وَعَنْهُ الْأَقْرَبُ ( و هـ ش ) كَمَا لَوْ تَعَلَّقَتْ الْجَمَاعَةُ ( وَ ) بِحُضُورِهِ ، وَقِيلَ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْأَكْثَرِ جَمْعًا ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مَذْهَبَهُمْ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ عَلَى الْعَتِيقِ ، قَالُوا وَمَعَ التَّسَاوِي يَذْهَبُ الْفَقِيهُ إلَى أَقَلِّهِمَا جَمَاعَةً لِيَكْثُرُوا بِهِ

وَهَلْ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ أَمْ انْتِظَارُهُ كَثْرَةَ الْجَمْعِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَيُقَدِّمُ الْجَمَاعَةَ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ ، ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي ، وَالنِّهَايَةِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ مِنْ التَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَعَ ظَنِّ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ ( و ق ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ عَلِمَ الْجَمَاعَةَ آخِرَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّأْخِيرُ فِي الْأَشْهَرِ ، وَلِهَذَا لَمَّا قَاسُوا مَسْأَلَةَ التَّيَمُّمِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْقَاضِي عَنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُمْ مَنَعُوهُ ، وَقَالُوا إنْ تَحَقَّقَ الْجَمَاعَةَ فَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ ، وَإِنْ رَجَّى فَالتَّعْجِيلُ وَصَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ يُصَلِّي جَمَاعَةً أَفْضَلُ لِلْخَبَرِ .

بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ أَمْ انْتِظَارُ كَثْرَةِ الْجَمْعِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، فَقَالَ : وَهَلْ الْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ قِلَّةِ الْجَمْعِ أَوْ انْتِظَارُ كَثْرَتِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَكَذَا ابْنُ تَمِيمٍ ، فَقَالَ : وَإِذَا لَمْ يَكْثُرْ الْجَمْعُ فَهَلْ الْأَفْضَلُ انْتِظَارُ كَثْرَتِهِ أَوْ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَكَذَا صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ ، فَقَالَ : وَهَلْ الْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ قِلَّةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ انْتِظَارُ كَثْرَتِهَا " عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَكَذَا صَاحِبُ الْفَائِقِ ، فَقَالَ : وَهَلْ الْأَوْلَى مُرَاعَاةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ انْتِظَارُ كَثْرَةِ الْجَمْعِ " عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، أَحَدِهِمَا فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ ، قَالَ الْقَاضِي : يُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَنْتَظِرَ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ ، قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ ، وَلَوْ قَلَّ الْجَمْعُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي كَثْرَةُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ ، قُلْت وَمِمَّا يُقَوِّيهِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ { جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ إذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ ، فَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ } ، لَكِنَّ هَذَا لِمَعْنًى مَخْصُوصٍ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَيُقَدِّمُ الْجَمَاعَةَ مُطْلَقًا ، عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ ، ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ ، وَالْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .

فَصْلٌ تَحْرُمُ الْإِمَامَةُ بِمَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ إلَّا بِإِذْنِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ .
وَقَالَ فِي الْخِلَافِ : فَقَدْ كُرِهَ ذَلِكَ ، قَالَ فِي الْكَافِي : إلَّا مَعَ غِيبَةٍ ، وَالْأَشْهَرُ لَا ، إلَّا مَعَ تَأَخُّرِهِ وَضِيقِ الْوَقْتِ .
وَيُرَاسَلُ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ مَعَ قُرْبِهِ وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ .
أَوْ لَمْ يَظُنَّ حُضُورَهُ ، أَوْ ظَنَّ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ .
وَإِنْ بَعُدَ صَلَّوْا وَحَيْثُ حُرِّمَ فَظَاهِرُهُ لَا تَصِحُّ .
وَفِي الرِّعَايَةِ لَا يُؤَمُّ ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ وَيُكْرَهُ ، وَيُحْتَمَلُ الْبُطْلَانُ لِلنَّهْيِ .

وَإِنْ جَاءَ الْإِمَامُ بَعْد شُرُوعِهِمْ فَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَيَصِيرُ الْإِمَامُ مَأْمُومًا ( و ش ) لِأَنَّ حُضُورَ إمَامِ الْحَيِّ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ فَكَانَ عُذْرًا بَعْدَهُ أَمْ لَا ؟ ( و هـ م ) لِأَنَّ خُرُوجَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عُذْرٌ فِي تَأَخُّرِ أَبِي بَكْرٍ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ ، أَمْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ مَنْصُوصَةٌ ، وَقِيلَ أَوْجُهٌ ( م 2 )

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : إنْ جَاءَ الْإِمَامُ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَيَصِيرُ الْإِمَامُ مَأْمُومًا ، لِأَنَّ حُضُورَ الْإِمَامِ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ ، فَكَانَ عُذْرًا بَعْدَهُ ، أَمْ لَا ؟ أَمْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ مَنْصُوصَةٌ ، وَقِيلَ أَوْجُهٌ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالنَّظْمِ ، وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُنَّ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَيَصِيرُ الْإِمَامُ مَأْمُومًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَالْوَجِيزِ ، وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، وَلَا يَصِحُّ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ شَيْخِنَا أَبِي يَعْلَى ، قَالَ الْمَجْدُ : وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي .
وَالْمُقْنِعِ ، شَرْحِ الْمَجْدِ ، وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ يَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ دُونَ غَيْرِهِ ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ : اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَةَ اخْتِصَاصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : فِيهِ رِوَايَاتٌ مَنْصُوصَةٌ وَقِيلَ أَوْجُهٌ ( قُلْت ) مِمَّنْ ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ صَاحِبُ الْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ ، ذَكَرَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْأَوْجُهَ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ ، وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ النِّيَّةِ ، وَالْمَجْدُ وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحَيْهِمَا ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ ،

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ثُمَّ صَارَ إمَامًا وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ تَصِحُّ ، وَعَنْهُ لَا ، وَعَنْهُ يَسْتَأْنِفُ ( م 3 )
( مَسْأَلَةٌ 3 ) وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ثُمَّ صَارَ إمَامًا وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَعَنْهُ يَصِحُّ ، وَعَنْهُ لَا ، وَعَنْهُ يَسْتَأْنِفُ ، انْتَهَى ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ ثُمَّ تَطَهَّرَ وَجَاءَ قَبْلَ سَلَامِ نَائِبِهِ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ : الصِّحَّةُ ، وَالْبُطْلَانُ ، وَالثَّالِثَةُ الِاسْتِئْنَافُ لَا الْبِنَاءُ ، انْتَهَى ، إحْدَاهُنَّ يَصِحُّ ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَحْرَمَ لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ ثُمَّ حَضَرَ وَصَارَ إمَامًا ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَإِنْ تَطَهَّرَ يَعْنِي الْإِمَامَ قَرِيبًا ثُمَّ عَادَ فَأَتَمَّ بِهِمْ جَازَ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا : وَإِنْ تَطَهَّرَ الْإِمَامُ وَائْتَمَّ بِهِمْ قَرِيبًا صَحَّ فِي الْمَذْهَبِ ، انْتَهَى ، وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِيمَنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ ، فَلَيْسَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ يَسْتَأْنِفُ .
تَنْبِيهٌ ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ بِنَاءِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ إذَا تَطَهَّرَ ، وَصِحَّتِهِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ جِدًّا ، لَكِنْ يَشْكُلُ كَوْنُهُ حَكَى رِوَايَةً بِالِاسْتِئْنَافِ ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْبُطْلَانِ ، وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ إلَّا هُنَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ ، وَمَسْأَلَةُ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَعَدَمِهِ وَاسْتِخْلَافِهِ وَعَدَمِهِ وَفُرُوعُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النِّيَّةِ مُحَرَّرًا .

وَإِنْ حَضَرَ الْإِمَامُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَوَفَّرْ الْجَمْعُ فَقِيلَ يَنْتَظِرُ ، أَوَمَى إلَيْهِ ، وَقِيلَ لَا ( م 4 )
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ وَإِنْ حَضَرَ الْإِمَامُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَوَفَّرْ الْجَمْعُ فَقِيلَ يَنْتَظِرُ أَوْمَى إلَيْهِ ، وَقِيلَ لَا ، انْتَهَى ، قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ تَمِيمٍ وَابْنَ حَمْدَانَ وَصَاحِبَ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ قَالُوا : وَهَلْ الْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ، مَعَ قِلَّةِ الْجَمَاعَةِ ، أَوْ انْتِظَارُ كَثْرَتِهَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعَمُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُمَا مَسْأَلَتَيْنِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى تَشْمَلُ هَذِهِ ، فَهَذِهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُمَا مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَخْصُوصَةً بِغَيْرِ الْإِمَامِ ، وَهَذِهِ بِالْإِمَامِ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي الصِّحَّةِ ، وَالضَّعْفِ ، وَالْمَذْهَبِ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُمَا مَسْأَلَتَيْنِ سِوَى الْمُصَنِّفُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى ، فَدَلَّ أَنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا تَكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ إمَّا كَغَيْرِهِ ( و ) وَقِيلَ يُكْرَهُ ( و هـ م ) وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ ( و ش ) وَقِيلَ بِالْمَسَاجِدِ الْعِظَامِ ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ ، وَيُكْرَهُ قَصْدُهَا لِلْإِعَادَةِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ كَانَ صَلَّى فَرْضَهُ وَحْدَهُ ، وَلِأَجْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِفَوْتِهَا لَهُ ، لَا لِقَصْدِ الْجَمَاعَةِ نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَيَتَوَجَّهُ صَلَاتُهُ فَذًّا فِي مَسْجِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ إنْ لَمْ يَجِدْ الْجَمَاعَةَ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ ، وَصَاحِبُ مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْحَنَفِيُّ فِي الْمَسْجِدَيْنِ ، وَكَلَامُ الطَّحَاوِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَهُمْ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ قَضَاءً لِحَقِّهِ ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْضُرْ جَمَاعَتَهُ يُصَلِّي الْمُؤَذِّنُ وَحْدَهُ فِيهِ ، وَلَا يَذْهَبُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فِيهِ جَمَاعَةٌ ، كَالْجَمَاعَةِ لَوْ غَابَ الْمُؤَذِّنُ لَا يَذْهَبُونَ إلَى غَيْرِهِ ، بَلْ يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمْ عِوَضَهُ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا : هَلْ جَمَاعَةُ حَيِّهِ أَفْضَلُ ، أَمْ جَمَاعَةُ جَامِعِ مِصْرِهِ ؟ قَالَ : وَجَمَاعَةُ مَسْجِدِ أُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ ، أَوْ لِسَمَاعِ الْأَخْبَارِ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ ، وَيُكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ بِمَكَّةَ ، وَالْمَدِينَةِ ، عَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ أَرْغَبُ فِي تَوَفُّرِ الْجَمَاعَةِ وَعَنْهُ وَالْأَقْصَى ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ ، اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَعَنْهُ مَعَ ثُلُثِهِ فَأَقَلَّ ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ وَجَعْلُ الثَّانِيَةِ عَنْ فَائِتَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .

وَإِنْ صَلَّى ثُمَّ حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ أَوْ جَاءَ مَسْجِدًا غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ سُنَّ إعَادَتُهَا مَعَهُمْ ( و هـ م ) وَلَوْ كَانَ صَلَّى جَمَاعَةً ( خ ) وَعَنْهُ حَتَّى الْمَغْرِبِ ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( و ش ) وَيَشْفَعُهَا فِي الْمَنْصُوصِ بِرَابِعَةٍ ( ش ) يَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدِ ، وَسُورَةٍ ، كَالتَّطَوُّعِ ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد ، وَإِنْ لَمْ يَشْفَعْهَا انْبَنَى عَلَى صِحَّةِ التَّطَوُّعِ بِوِتْرٍ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ فِي تَحْرِيمِهِ ، وَتَحْرِيمِ نَفْلٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، وَعِنْدَهُمْ إنْ سَلَّمَ عَلَى الثَّلَاثِ فَسَدَتْ ، وَلَزِمَهُ قَضَاءُ أَرْبَعٍ ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثًا ، فَلَزِمَهُ أَرْبَعٌ ، كَنَذْرٍ ، وَهَكَذَا قَالُوا ، وَقَالُوا مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ حَرَامٌ ، لَكِنَّهُ أَخَفُّ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُعِيدُ الْمَغْرِبَ وَلَوْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ لَا إعَادَةَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَلَا الْعِشَاءُ بَعْدَ الْوِتْرِ ، وَالْأُولَى فَرِيضَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ و هـ م ر ق ) كَإِعَادَتِهَا مُنْفَرِدًا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَلِهَذَا يَنْوِي الْإِعَادَةَ نَفْلًا ( و هـ ) وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَقْوَالٌ : هَلْ يَنْوِي فَرْضًا ، أَوْ نَفْلًا ، أَوْ إكْمَالَ الْفَضِيلَةِ ، أَوْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ؟ ؟ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَنْوِي الْفَرْضَ ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُولَى فَرْضِيَّةً .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ ، وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كِلَاهُمَا فَرْضٌ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ طَائِفَةٌ ثُمَّ فَعَلَهُ طَائِفَةٌ ، وَعَنْهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ ، وَدُخُولُهُ الْمَسْجِدَ وَقْتَ نَهْيِ الصَّلَاةِ مَعَهُمْ تُبْنَى عَلَى فِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ وَفِي التَّلْخِيصِ لَا يُسْتَحَبُّ مَعَ إمَامِ حَيٍّ ، وَيَحْرُمُ مَعَ غَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ يُخَيَّرُ مَعَ إمَامِ حَيٍّ ، وَلَا تُسْتَحَبُّ مَعَ غَيْرِهِ ، وَاسْتَحَبَّهَا الْقَاضِي مَعَ إمَامِ حَيٍّ ، وَأَنَّهُ

يُسْتَحَبُّ مَعَ غَيْرِهِ سِوَى الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بَعْدَهُمَا ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَحَضَرَ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَأَنْتُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّيَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، فَأَمَرَ الْحَاضِرَ ، وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ إنْ لَمْ يُصَلِّ مُسْتَخِفٌّ لِحُرْمَتِهَا ، وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ تَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِي أَنَّهُ لَا يَرَى فَضْلَ الْجَمَاعَةِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَلَّا يُعِيدَهَا مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ ، فَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ .
وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ نَذَرَ : مَتَى حَفِظَ الْقُرْآنَ صَلَّى مَعَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فَرِيضَةً أُخْرَى وَحَفِظَ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ حَيْثُ تُشْرَعُ الْإِعَادَةُ ، كَمِثْلِ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى ، وَيَتَطَوَّعُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ ، وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ : مِنْ الْأَوَامِرِ مَا يَقْبُحُ تَكْرَارُهُ ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ ظُهْرَيْنِ فِي يَوْمٍ ، وَلَا اسْتِدَامَةُ الصَّوْمِ جَمِيعَ الدَّهْرِ ، وَالْمَسْبُوقُ فِي ذَلِكَ يُتِمُّهُ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا } وَقِيلَ : لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَعَهُ .

فَصْلٌ مَنْ أَدْرَكَ إمَامًا رَاكِعًا فَرَكَعَ مَعَهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ( و هـ ش ) وَقِيلَ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الطُّمَأْنِينَةَ ( و م ) وَفِي التَّلْخِيصِ وَجْهٌ يُدْرِكُهَا وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِهِ رَاكِعًا ( خ ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رُكُوعِهِ .

وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَمْ يُدْرِكْهُ .
وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ رَفْعِهِ ( ق ) وَلَوْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْمَأْمُومِينَ ( ق ) كَذَا ذَكَرُوهُ ، وَيَأْتِي حُكْمُ التَّخَلُّفِ عَنْهُ ، وَيَكْفِيهِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ ( ق ) لَا الْعَكْسُ ( ق ) قِيلَ لِلْقَاضِي : لَوْ كَانَتْ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَاجِبَةً لَمْ تَسْقُطْ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقِرَاءَةَ ، وَأَسْقَطَهَا إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا ، مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ : لَوْ وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ لَمَا سَقَطَتْ إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا كَسَائِرِ فُرُوضِ الرَّكْعَةِ ، قِيلَ لَهُ : إنَّمَا سَقَطَتْ لِلضَّرُورَةِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ ، وَالْفُرُوضُ قَدْ تَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ ، فَقَالَ : لَا ضَرُورَةَ ، لِأَنَّهُ يَقْضِيهَا كَمَا يَقْضِي سَائِرَ الرَّكَعَاتِ الْمَسْبُوقِ بِهَا ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ : يَسْقُطُ هَذَا لِلضَّرُورَةِ ، لَجَازَ أَنْ يُقَالَ : يَسْقُطُ الْقِيَامُ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، وَيُكَبِّرُ رَاكِعًا ، وَلَجَازَ أَنْ يُقَالَ يَسْقُطُ الرُّكُوعُ إذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا لِلضَّرُورَةِ ، فَقِيلَ : إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ الرُّكُوعِ لِفَوَاتِ مُعْظَمِ الرَّكْعَةِ

فَقَالَ : لَوْ كَبَّرَ وَرَكَعَ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَى بِمُعْظَمِ الرَّكْعَةِ ، وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ مَعَهَا تَكْبِيرُ الرُّكُوعِ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ ، وَعَنْهُ بَلَى ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ( و هـ م ) وَإِنْ أَدْرَكَهُ غَيْرَ رَاكِعٍ دَخَلَ مَعَهُ نَدْبًا لِلْخَبَرِ ، فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا ، وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ الِافْتِرَاشُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّوَرُّكُ فِي الثَّانِي لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ نَفْيُ السَّهْوِ ، وَحُصُولُ الْفَرْقِ لِلدَّاخِلِ : هَلْ الْإِمَامُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَيَدْخُلُ مَعَهُ ، أَمْ فِي آخِرِهَا فَيَقْصِدُ جَمَاعَةً أُخْرَى ؟ وَالْمَنْصُوصُ يَحُطُّ مَعَهُ بِلَا تَكْبِيرٍ ( خ ) .
وَلَوْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا ( خ م )

وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ ( و ش ) وَزَادَ بَعْضُهُمْ إنْ جَلَسَ ، وَقِيلَ : أَوْ قَبْلَ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ ، وَعَنْهُ أَوْ سُجُودِ سَهْوٍ بَعْد السَّلَامِ ( و هـ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ : يَتْرُكُ سُنَّةَ الْفَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ .
وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ يَشْتَغِلُ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ ( هـ ) وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ كَإِدْرَاكِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدِ مُحَمَّدٍ لَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى يُدْرِكُهُ بِرَكْعَةٍ ( و م ) وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا رِوَايَةً ، اخْتَارَهَا وَقَالَ : اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ ، وَقَالَ : وَعَلَيْهَا إنْ تَسَاوَتْ الْجَمَاعَتَانِ فَالثَّانِيَةُ مِنْ أَوَّلِهَا أَفْضَلُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَ شَيْخِنَا مَا نَقَلَهُ صَالِحٌ وَأَبُو طَالِبٍ وَابْنُ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ { مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ } إنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضْلَ الصَّلَاةِ ، وَكَذَلِكَ يُدْرِكُ فَضْلَ الْحَجِّ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : مَعْنَاهُ أَصْلُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لَا حُصُولُهَا فِيمَا سَبَقَ ، فَإِنَّهُ فِيهِ مُنْفَرِدٌ بِهِ حِسًّا وَحُكْمًا ( ع ) وَيَقُومُ الْمَسْبُوقُ بِتَكْبِيرَةٍ ( و هـ ) وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَةً ( م خ ) وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً ( ش ) أَوْ ثَلَاثًا ( ش ) وَالْمَنْصُوصُ أَوْ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ ( ش ) فِي الثَّلَاثَةِ لِقِيَامِهِ إلَى مَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ مَعَهُ

وَإِنْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ الثَّانِيَةِ وَقُلْنَا تَجِبُ وَأَنْ لَا تَجُوزَ مُفَارَقَتُهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَرْجِعْ : فَهَلْ تَصِيرُ نَفْلًا ؟ زَادَ بَعْضُهُمْ بِلَا إمَامٍ ، أَمْ يَبْطُلُ ائْتِمَامُهُ ، أَمْ صَلَاتُهُ ؟ فِيهِ أَوْجُهٍ ( م هـ ) وَمَا يُدْرِكُهُ آخِرَ صَلَاتِهِ ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلَهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ و هـ م ) فَيَسْتَفْتِحُ فِيهِ ، وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ سُورَةً ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ ( و ش ) فَيَقُولُهُ فِيمَا يُدْرِكُهُ فَقَطْ فَيَسْتَفْتِحُ ، وَإِنْ قَعَدَ ( ش ) وَسَلَّمَ الشَّافِعِيَّةُ مَا لَوْ أَحْرَمَ وَسَلَّمَ إمَامُهُ قَبْلَ قُعُودِهِ ، أَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي آخِرِ الْفَاتِحَةِ فَأَمَّنَ مَعَهُ ، أَوْ سَهَا بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ بِذِكْرِ مَحَلٍّ آخَرَ ، أَوْ بِكَلَامٍ ، وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ : سَلَّمُوا أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ ، وَقِيلَ يَقْرَأُ السُّورَةَ مُطْلَقًا ، ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَحْمَدَ ، وَبَنَى قِرَاءَتَهَا عَلَى الْخِلَافِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ ( و ) وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَ أَنَّ أُصُولَ الْأَئِمَّةِ تَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَصَرَّحَ بِهِ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَيُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْجَهْرُ ، وَالْقُنُوتُ ، وَتَكْبِيرُ الْعِيدِ ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ أَدْرَكَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ مَغْرِبٍ رَكْعَةً تَشَهَّدَ عَقِيبَ قَضَاءِ أُخْرَى ( و هـ م ) كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ، وَعَنْهُ فِي الْمَغْرِبِ ، وَعَنْهُ اثْنَتَيْنِ فِي الْكُلِّ ، وَعَلَى الْأُولَى أَيْضًا يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ ، كَمَا يَقْضِيهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ يَفْتَرِشُ ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ هَلْ يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ أَمْ يَفْتَرِشُ إنَّ هَذَا التَّعَوُّذَ هَلْ هُوَ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ ؟ عَلَى الْخِلَافِ .
وَفِي التَّعْلِيقِ الْقُعُودُ الْفَرْضُ مَا يَفْعَلُهُ آخِرَ صَلَاتِهِ ، وَيَتَعَقَّبُهُ السَّلَامُ ،

وَهَذَا مَعْدُومٌ هُنَا ، فَجَرَى مَجْرَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ مِنْ آخِرَ صَلَاتِهِ ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ ، كَذَا هُنَا .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلَا يَحْتَسِبُ لَهُ بِتَشَهُّدِ الْإِمَامِ الْأَخِيرِ إجْمَاعًا ، لَا مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ ، وَلَا مِنْ آخِرِهَا وَيَأْتِي فِيهِ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِوُقُوعِهِ وَسَطًا ، وَيُكَرِّرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيمَنْ قَنَتَ مَعَ إمَامِهِ لَا يَقْنُتُ ثَانِيًا ، وَكَمَنْ سَجَدَ مَعَهُ السَّهْوَ لَا يُعِيدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِيهِ مُطْلَقًا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّلَاثِ الَّتِي يَقْضِيهَا ، أَوْ فِي ثِنْتَيْنِ مِنْهُمَا ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ

مَسْأَلَةٌ 5 ) وَإِنْ قَامَ يَعْنِي الْمَسْبُوقَ قَبْلَ سَلَامِ الثَّانِيَةِ وَقُلْنَا تَجِبُ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَرْجِعْ فَهَلْ تَصِيرُ نَفْلًا زَادَ بَعْضُهُمْ بِلَا إمَامٍ ، أَمْ يَبْطُلُ ائْتِمَامُهُ ، أَمْ صَلَاتُهُ فِيهِ أَوْجُهٌ انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ قُلْت إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِلَّا بَطَلَ ائْتِمَامُهُ فَقَطْ ، انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا يَخْرُجُ مِنْ الِائْتِمَامِ ، وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ ، وَتَصِيرُ نَفْلًا ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَبْطُلُ ائْتِمَامُهُ فَقَطْ ، قُلْت قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْضِي أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا ، ثُمَّ قَلَبَهَا نَفْلًا لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ إنَّهَا لَا تَبْطُلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ بَطَلَ فَرْضُهُ ، وَفِي نَفْلِهِ الْخِلَافُ ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ ، إذَا وُجِدَ فِيهِ كَتَرْكِ قِيَامٍ ، وَالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ ، وَالِائْتِمَامِ بِمُتَنَفِّلٍ ، وَبِصَبِيٍّ إنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ صَحَّ نَفْلًا فِي الْمَذْهَبِ ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ ، انْتَهَى .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ قَوْلُهُ : فِيمَا إذَا صَلَّى بِطَائِفَتَيْنِ صَلَاتَيْنِ ، وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ ، وَشَكَّ هَلْ صَلَّى الْأُولَى فِي الْوَقْتِ أَمْ قَبْلَهُ ؟ فَفِي إعَادَتِهِمَا الْخِلَافُ ، أَيْ الْخِلَافُ فِي اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي إعَادَةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ ، وَأَمَّا الْأُولَى فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا ، نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا ، وَكَذَا قَوْلُهُ : وَالرِّوَايَتَانِ فِي عَصْرٍ خَلْفَ ظُهْرٌ ، وَنَحْوُهَا ظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ أَوْ عِشَاءٍ ، قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ بَعْدَ ذِكْرِ

الرِّوَايَتَيْنِ : وَهَذِهِ فَرْعٌ عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا انْتَهَى ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحَ فِي الْأَصْلِ ، فَكَذَا مَا قِيسَ عَلَيْهِ الثَّانِي قَوْلُهُ : وَإِنْ سَلَّمَ نَاوِيًا مُفَارَقَتَهُ فَالرِّوَايَتَانِ ، أَيْ رِوَايَتَانِ فِي جَوَازِ الْمُفَارَقَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ .

فَصْلٌ وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مُؤَدٍّ صَلَاةً بِقَاضِيهَا ، وَعَكْسُهُ ، وَقَاضٍ ظُهْرَ يَوْمٍ بِقَاضٍ ظُهْرَ آخَرَ ، وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِنَّ ( و ) وَقِيلَ تَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ وَجْهًا وَاحِدًا .
وَفِي الْمَذْهَبِ يَصِحُّ الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ ، وَفِي الْعَكْسِ رِوَايَتَانِ وَكَذَا فِي الْفُصُولِ .
وَقَالَ أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ ، عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى بِأَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ أَكْمَلُ كَنِيَّتِهِ فَرْضًا ، وَمَنْ خَلْفَهُ إعَادَةُ جَمَاعَةٍ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَصِحُّ التَّرَاوِيحُ خَلْفَ مُصَلٍّ نَافِلَةً غَيْرَهَا ، أَوْ مَكْتُوبَةً ، أَوْ وِتْرًا ، وَلَا يَصِحُّ ائْتِمَامُ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( وَ هـ م ) وَعَنْهُ بَلَى ، اخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالشَّيْخُ وَشَيْخُنَا ( و ش ) وَذَكَرَ وَجْهًا لِحَاجَةٍ ، نَحْوُ كَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ .

وَإِنْ صَلَّى إمَامٌ بِطَائِفَتَيْنِ صَلَاتَيْنِ : وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ ، وَشَكَّ هَلْ صَلَّى الْأُولًى فِي الْوَقْتِ أَمْ قَبْلَهُ ؟ فَفِي إعَادَتِهَا الْخِلَافُ ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي ظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ ، وَنَحْوِهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ ، وَلِهَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ لَا تَصِحُّ جُمُعَةٌ أَوْ فَجْرٌ خَلْفَ رُبَاعِيَّةٍ قَامَتْ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ مَعْنَى الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ اخْتَلَفَا وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَكْثَرُ ، كَظُهْرٍ وَمَغْرِبٍ خَلْفَ فَجْرٍ ، وَعِشَاءٍ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ وَنَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُتِمُّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ كَمَسْبُوقٍ ، وَمُقِيمٍ خَلْفَ قَاصِرٍ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ فِي مُقِيمَيْنِ خَلْفَ قَاصِرِ ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَأْتَمُّ بِالْمَسْبُوقِ ، فَكَذَا نَائِبُهُ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ اقْتَضَتْ انْفِرَادَهُ فِيمَا يَقْضِيهِ ، فَإِذَا ائْتَمَّ بِغَيْرِهِ بَطَلَتْ ، كَمُنْفَرِدٍ مَأْمُومًا ، وَلِكَمَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً بِخِلَافٍ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ ، وَقِيلَ : أَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَقَلَّ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَقَالَ : عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ ( و ش ) وَقِيلَ إلَّا الْمَغْرِبَ خَلْفَ الْعِشَاءِ ، وَيُتِمُّ ، وَيُسَلِّمُ ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ يُتِمُّ ، وَقِيلَ أَوْ يَنْتَظِرَهُ

وَكَذَا عَلَى الصِّحَّةِ إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ صَبِيًّا ، أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ خُيِّرُوا بَيْنَهُمَا ، أَوْ قَدَّمُوا مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ حَتَّى يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي .
وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ إنْ دَخَلَ مَعَهُمْ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ صَحَّ ، وَإِنْ دَخَلَ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا ، وَلَا أَصْلًا فِيهَا ، وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ عَلَى ظُهْرٍ مَعَ عَصْرٍ وَأَوْلَى ، لِاتِّحَادِ وَقْتِهِمَا ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ لَا جُمُعَةَ خَلْفَ الظُّهْرِ ، لِكَوْنِ الْإِمَامِ شَرْطًا فِيهَا مَعَ قَوْلِهِمْ لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَأَتَمُّوا مُنْفَرِدِينَ صَحَتْ جُمُعَتُهُمْ .

فَصْلٌ وَيَتْبَعُ الْمَأْمُومُ إمَامَهُ ، فَلَوْ سَبَقَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَرَكَعَ تَبِعَهُ ، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فَيُتِمُّهُ إذَا سَلَّمَ ، وَمُرَادُهُمْ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ ، وِفَاقًا ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد إنْ سَلَّمَ إمَامٌ وَبَقِيَ عَلَى مَأْمُومٍ شَيْءٌ مِنْ الدُّعَاءِ يُسَلِّمُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا ، وَاحْتَجَّ بِهِ فِي الْخِلَافِ فِي سُجُودِهِ لِسَهْوِ إمَامٍ لَمْ يَسْجُدْ ، قَالَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتْبَعُهُ فِي تَرْكِ الْمَسْنُونِ ، مَا دَامَ مُؤْتَمًّا بِهِ وَمُتَّبِعًا لَهُ .
وَإِنْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ مَعَهُ ( و م ش ) وَعَنْهُ عَمْدًا لَمْ يَنْعَقِدْ ( خ هـ ) وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ كُرِهَ ، وَيَصِحُّ ، وَقِيلَ لَا ( و م ) كَسَلَامِهِ قَبْلَهُ بِلَا عُذْرٍ عَمْدًا ( خ هـ ) وَسَهْوًا يُعِيدُهُ بَعْدَهُ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ ( و ش ) وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد إنْ سَلَّمَ قَبْلَهُ أَخَافُ أَنْ لَا تَجِبَ الْإِعَادَةُ وَإِنْ سَلَّمَ نَاوِيًا مُفَارَقَتَهُ الرِّوَايَتَانِ وَلَا يُكْرَهُ سَبْقُهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِمَا ( و ق ) .
وَمَذْهَبُ ( هـ ) الْأَفْضَلِ تَكْبِيرُهُ مَعَهُ ، لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَحَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُقَارَنَةِ ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ بَعْدَهُ ، وَفِي التَّسْلِيمِ عِنْدَ ( هـ ) رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ سَاوَقَهُ فِي الْفِعْلِ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ ، وَقِيلَ بَلَى وَقِيلَ بِالرُّكُوعِ ، وَإِنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَهُ حَرُمَ فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي رِسَالَتِهِ فِي الصَّلَاةِ رِوَايَةُ مَهَنَّا تَبْطُلُ .
وَفِي الْفُصُولِ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ لَا تَبْطُلُ وَالْأَشْهَرُ لَا إنْ عَادَ إلَى مُتَابَعَتِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ فِيهِ ، فَإِنْ أَبَى بَطَلَتْ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَقِيلَ بِالرُّكُوعِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لَا تَبْطُلُ ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْبِقُ الْإِمَامَ فِي الْقَدْرِ الْيَسِيرِ ، فَعَفَا عَنْهُ ، كَفِعْلِهِ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا فِي الْأَصَحِّ ، فَلَوْ عَادَ بَطَلَتْ فِي وَجْهٍ ( خ ) وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ ، وَأَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَهُ فَفِي بُطْلَانِهَا بِهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32