كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ التَّعْيِينِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي فَرْضِهِ وَالْوُجُوبُ فِي وَاجِبِهِ ، خِلَافًا لِابْنِ حَامِدٍ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ قَضَاءً وَنَفْلًا أَوْ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ فَنَقَلَ إلْغَاءً لَهُمَا بِالتَّعَارُضِ ، فَتَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ الصَّوْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَقِيلَ : عَنْ أَيِّهِمَا يَقَعُ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَأَوْقَعَهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْقَضَاءِ لِتَعْيِينِهِ وَتَأَكُّدِهِ ، لِاسْتِقْرَارِهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَوَافَقَ لَوْ نَوَى قَضَاءً وَكَفَّارَةَ قَتْلٍ أَوْ كَفَّارَةَ قَتْلٍ وَظِهَارٍ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ .
وَإِنْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَإِنْ قَالَ : وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ لَمْ يَصِحَّ ، وَفِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَجْهَانِ ، لِلشَّكِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ ، انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا يَصِحُّ ، قَدَّمَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرِّعَايَةِ ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ : صَحَّ صَوْمُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ ، وَلَا يُقْدَحُ تَرَدُّدُهُ ، لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجَزْمِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، انْتَهَى .

وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَفِعْلِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَعَنْهُ .
لَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ ، اخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ ( و هـ ق ) لِأَنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَدَاءِ ، وَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُد هُوَ كَالْفَرْضِ ، تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا ، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ .
وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ تَعْلِيقِهِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْهِدَايَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَالَهُ حَمَّادٌ وَإِسْحَاقُ إنْ نَوَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ تَطَوُّعُ حَائِضٍ طَهُرَتْ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يَأْكُلَا بِصَوْمِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا ، لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ صَوْمِ الْيَوْمِ وَتَعَذُّرِ تَكْمِيلِهِ بِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ فِي بَعْضِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ : يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهِمَا ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ ، كَمَنْ أَكَلَ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ ( و ) وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ حُصُولِ حِكْمَةِ الصَّوْمِ ، وَلِأَنَّ عَادَةَ الْمُفْطِرِ الْأَكْلُ بَعْضَ النَّهَارِ وَإِمْسَاكُ بَعْضِهِ ، { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَاشُورَاءَ : مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ } أَيْ لِيُمْسِكْ ، لِقَوْلِهِ فِي لَفْظٍ آخَرَ " فَلْيُمْسِكْ " وَإِمْسَاكُهُ وَاجِبٌ إنْ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا .
وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِمَنْ أَكَلَ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ إمْسَاكُهُ ، لِلْخَبَرِ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ

صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش و م ) وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ : يَكْفُرُ إنْ تَعَمَّدَهُ ، لِاقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ اعْتِبَارَ اسْتِدَامَةِ حَقِيقَةِ النِّيَّةِ .
وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِدَوَامِهِ حُكْمًا لِلْمَشَقَّةِ وَلَا مَشَقَّةَ هُنَا ، وَالْحَجُّ آكَدُ ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ : لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ كَالْحَجِّ ، مَعَ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) لَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِقُوَّةِ الدَّوَامِ ، وَقَوْلُنَا : أَفْطَرَ ، أَيْ صَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ لَا كَمَنْ أَكَلَ ، فَلَوْ كَانَ فِي نَفْلٍ ثُمَّ عَادَ نَوَاهُ جَازَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ فَقَطَعَ نِيَّتَهُ ثُمَّ نَوَى نَفْلًا جَازَ ، وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إلَى النَّفْلِ فَكَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ : لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى أَوْ إنْ وَجَدْت طَعَامًا أَكَلْت وَإِلَّا أَتْمَمْت ، فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ ، قِيلَ : يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ بِمِثْلِ هَذِهِ النِّيَّةِ ، وَكَمَنْ تَرَدَّدَ فِي الْكُفْرِ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ ، وَالنِّيَّةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا ( م 3 ) [ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ] .

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ .
وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ : لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى ، أَوْ إنْ وَجَدْت طَعَامًا أَكَلْت وَإِلَّا أَتْمَمْت ، فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ ، قِيلَ : يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ نَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْوَاجِبِ حَتَّى يَكُونَ عَازِمًا عَلَى الصَّوْمِ يَوْمَهُ كُلَّهُ ، وَقِيلَ : لَا يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ ، وَالنِّيَّةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيّ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : إنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ طُفِيَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا تَرَدَّدَ فِي النِّيَّةِ أَوْ عَزَمَ عَلَى فَسْخِهَا .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى مُحَرَّرًا ، وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ ، فَكَذَا الصَّحِيحُ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتْ .

بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَا يَحْرُمُ فِيهِ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يُسَنُّ أَوْ يُبَاحُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَفْطَرَ ( ع ) خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ فِيمَا لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ ، مِثْلُ أَنْ يَسْتَفَّ تُرَابًا ، وَخِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا لَا يُغَذِّي وَلَا يُمَاعُ فِي الْجَوْفِ كَالْحَصَاةِ ، وَإِنْ اسْتَعَطَ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ ( و ) أَوْ دِمَاغِهِ ( م ) أَفْطَرَ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : إلَى خَيَاشِيمِهِ ، لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الصَّائِمَ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ ، وَعَنْ عَلِيٍّ : الصَّائِمُ لَا يَسْتَعِطُ ، وَكَالْوَاصِلِ إلَى الْحَلْقِ ، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَدَاوُد : لَا يُفْطِرُ بِوَاصِلٍ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ ، لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا حَرَّمَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ ، وَإِنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ أَوْ صَبِرٍ أَوْ قَطُورٍ أَوْ ذَرُورِ إثْمِدٍ مُطَيَّبٍ فَعَلِمَ وُصُولَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى حَلْقِهِ أَفْطَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : إنْ وَصَلَ يَقِينًا أَوْ ظَاهِرًا أَفْطَرَ ، كَالْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ ، لِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ ، بِخِلَافِ الْمَسَامِّ ، كَدُهْنِ رَأْسِهِ ، وَلِذَلِكَ يَجِدُ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَيَتَنَخَّعُهُ عَلَى صِفَتِهِ ، وَلَا أَثَرَ كَوْنُ الْعَيْنِ لَيْسَتْ مَنْفَذًا مُعْتَادًا ، كَوَاصِلٍ بِحُقْنَةٍ وَجَائِفَةٍ ، وَلِأَبِي دَاوُد عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ { أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ } قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ : حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : لَا يُفْطِرُ ( و م ش ) وَإِنْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ شَيْئًا فَدَخَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ ، خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَدَاوُد ، وَمَذْهَبُ ( م ) إنْ دَخَلَ حَلْقَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا .
وَإِنْ دَاوَى جُرْحَهُ أَوْ جَائِفَتَهُ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ ( م ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، أَوْ دَاوَى مَأْمُومَتَهُ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ ( م ) وَأَبِي يُوسُفَ

وَمُحَمَّدٍ ، أَوْ أَدْخَلَ إلَى مُجَوَّفِ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلَوْ كَانَ خَيْطًا ابْتَلَعَهُ كُلَّهُ ( و هـ ش ) أَوْ بَعْضَهُ ( هـ ) أَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ ، أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ بِشَيْءٍ فِي جَوْفِهِ فَغَابَ هُوَ ( و هـ ش ) أَوْ بَعْضُهُ ( هـ ) فِيهِ ، أَوْ احْتَقَنَ بِشَيْءٍ ( م ر ) أَفْطَرَ ، لِوُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، كَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِلِ ، فَكَذَا فِي الْمَنْفَذِ ، وَفَسَادُ الصَّوْمِ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا ، وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْوَاصِلِ ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ ، كَمَا سَبَقَ ، كَذَا قَالَ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : لَا يُفْطِرُ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَا بِحُقْنَةٍ ، وَعِنْدَ أَبِي ثَوْرٍ : يُفْطِرُ بِالسَّعُوطِ فَقَطْ .

وَإِنْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ أَفْطَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( خ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } قَالَ أَحْمَدُ فِيهِ : غَيْرُ حَدِيثٍ ثَابِتٍ ، وَقَالَ إِسْحَاقُ : ثَبَتَ هَذَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَحَدِيثُ شَدَّادٍ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ رَافِعٍ ، وَذُكِرَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ ، وَصَحَّحَهُمَا أَحْمَدُ .
وَعَنْهُ : إنْ عَلِمَا النَّهْيَ .
وَلَهُ نَظَائِرُ سَبَقَتْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيُّ " حَجَمَ " وَذَكَرَ " احْتَجَمَ " كَذَا قَالَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ إنْ مَصَّ الْقَارُورَةَ وَإِلَّا فَلَا .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : لَا فِطْرَ إنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَضَعَّفَ خِلَافَهُ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ .
وَمَنْ جَرَحَ نَفْسَهُ لَا لِلتَّدَاوِي بَدَلَ الْحِجَامَةِ لَمْ يُفْطِرْ ، لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ الصِّيَامَ ، وَكَخُرُوجِ الدَّمِ يُفْطِرُ عَلَى وَجْهِ الْقَيْءِ لَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَيْءِ ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ ، وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ فِيهِ وَغَيْرُهُمْ ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيه .
وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ ، وَالثَّانِي يُفْطِرُ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ هَذَا أَصَحُّ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، فَعَلَى هَذَا قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ التَّشْرِيطُ وَجْهَيْنِ ، وَقَالَ : الْأَوْلَى إفْطَارُ الْمَفْصُودِ وَالْمَشْرُوطِ دُونَ الْفَاصِدِ وَالشَّارِطِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فِطْرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا أَنَّهُ يُفْطِرُ مَنْ أُخْرِجَ دَمُهُ بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرُّعَافِ .
وَمَعْنَى الرُّعَافِ : السَّبْقُ ، تَقُولُ

الْعَرَبُ : فَرَسٌ رَاعِفٌ إذَا تَقَدَّمَ الْخَيْلَ ، وَرَعَفَ فُلَانٌ الْخَيْلَ أَيْ إذَا تَقَدَّمَهَا فَسُمِّيَ الدَّمُ رُعَافًا لِسَبْقِهِ الْأَنْفَ .
وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي ، وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَضَمُّهَا فِيهِمَا شَاذٌّ ، وَيُقَالُ : رِمَاحٌ رَوَاعِفُ : لِمَا يَقْطُرُ مِنْهَا الدَّمُ ، أَوْ لِتَقَدُّمِهَا فِي الطَّعْنِ .
وَالرَّاعِفُ : طَرَفُ الْأَرْنَبَةِ .

وَإِنْ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ ( و ) أَيَّ شَيْءٍ كَانَ ( و م ش ) أَفْطَرَ ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ } وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِمْ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : لَا يُفْطِرُ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَعَنْهُ يُفْطِرُ بِمِلْءِ الْفَمِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( و هـ ) وَعَنْهُ : أَوْ نِصْفَهُ ، كَنَقْضِ الْوُضُوءِ ، وَعَنْهُ : إنْ فَحُشَ أَفْطَرَ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ ، كَسَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَوْ تَجَشَّأَ لَمْ يُفْطِرْ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ ، كَذَا هُنَا ، كَذَا قَالَ : وَيَتَوَجَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ إنْ خَرَجَ مَعَهُ نَجِسٌ ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقَيْءَ فَقَدْ اسْتَقَاءَ فَيُفْطِرُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يَسْتَقِئْ فَلَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ نَقَضَ الْوُضُوءَ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ أَنَّهُ إذَا قَاءَ بِنَظَرِهِ إلَى مَا يُغْثِيهِ يُفْطِرُ ، كَالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ .

وَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَأْتِي فِيمَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ ، وَإِنْ أَمْنَى أَفْطَرَ ( و ) لِلْإِيمَاءِ فِي أَخْبَارِ التَّقْبِيلِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَهِيَ دَعْوَى ، ثُمَّ إنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إلَى الْجِمَاعِ ، وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ إبَاحَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقَ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ لَيَالِيَ الصَّوْمِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ نَهَارًا ، وَالْأَصْلُ فِي التَّحْرِيمِ الْفَسَادُ ، خَرَجَ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ بِلَا إنْزَالٍ ، لِدَلِيلٍ ، كَذَا قَالَ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْجِمَاعُ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ مُحَرَّمًا ثُمَّ نُسِخَ ، لَا مَا دُونَهُ ، مَعَ أَنْ الْأَشْهَرَ لَا يَحْرُمُ مَا دُونَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ ، وَقَالَهُ دَاوُد ، وَإِنْ صَحَّ إجْمَاعٌ قَبْلَهُ كَمَا قَدْ ادَّعَى تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ ، وَعَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ { : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ ، قَالَ : قَدْ أَفْطَرَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : لَا يَثْبُتُ هَذَا .
وَأَبُو يَزِيدَ مَجْهُولٌ .
وَإِنْ مَذَى بِذَلِكَ أَفْطَرَ أَيْضًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَأَظُنُّ وَشَيْخُنَا : لَا يُفْطِرُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ( و هـ ش ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ ، لِظُهُورِ الْفَرْقِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ : يَبْطُلُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَقَطْ ، كَذَا قَالَ .
وَإِنْ اسْتَمْنَى فَأَمْنَى أَوْ مَذَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ وِفَاقًا ، وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى أَفْطَرَ ( هـ ش ) خِلَافًا لِلْآجُرِّيِّ ، وَإِنْ مَذَى لَمْ يُفْطِرْ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( م ) وَالْقَوْلُ بِالْفِطْرِ أَقْيَسُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، كَاللَّمْسِ ، لِأَنَّ

الضَّعِيفَ إذَا تَكَرَّرَ قَوِيَ ، كَتَكْرَارِ الضَّرْبِ بِصَغِيرٍ فِي الْقَوَدِ ، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّظَرَ لَمْ يُفْطِرْ ( و هـ ش ) لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ .
وَقِيلَ : يُفْطِرُ ( و م ) وَنَصَّ أَحْمَدُ يُفْطِرُ بِالْمَنِيِّ لَا بِالْمَذْيِ : وَكَذَا الْأَقْوَالُ إنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ أَوْ مَذَى ، فَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ سَوَاءٌ ، لِدُخُولِ الْفِكْرِ تَحْتَ النَّهْيِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يُفْطِرُ ( م ) وَهُوَ أَشْهَرُ ، لِأَنَّهُ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ فِي التَّحْرِيمِ إنْ تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيَّةٍ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي : أَوْ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ فِي زَوْجَةٍ ، كَذَا قَالُوا .
وَلَا أَظُنُّ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ يُسَلِّمُ ذَلِكَ ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ : لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِيمَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ ، وَالْمُرَادُ النِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْضَرَ عِنْدَ جِمَاعِ زَوْجَتِهِ صُورَةَ أَجْنَبِيَّةٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ ذَكَرٍ أَنَّهُ يَأْثَمُ ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ .
وَلَا فِطْرَ وَلَا إثْمَ بِفِكْرٍ غَالِبٍ ( و ) وَفِي الْإِرْشَادِ احْتِمَالٌ فِيمَنْ هَاجَتْ شَهْوَتُهُ فَأَمْنَى أَوْ مَذَى يُفْطِرُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلَ أَبِي حَفْصٍ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ : وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى احْتِمَالٌ .
وَيُفْطِرُ بِالْمَوْتِ فَيُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ .

فَصْلٌ وَإِنَّمَا يُفْطِرُ بِجَمِيعِ مَا سَبَقَ إذَا فَعَلَهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ مُخْتَارًا ، فَلَا يُفْطِرُ نَاسٍ ( م ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَنَقَلَهُ الْفَضْلُ فِي الْحِجَامَةِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْإِمْنَاءِ بِقُبْلَةٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ وَأَنَّهُ يُفْطِرُ بِوَطْئِهِ دُونَ الْفَرْجِ نَاسِيًا .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : الْمُسَاحَقَةُ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ ، وَكَذَا مَنْ اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ الْمَنِيَّ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَالْأَكْلِ فِي النِّسْيَانِ ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتْمِمْ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مَعْنَاهُ وَزَادَ : { وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ } وَفِي لَفْظٍ { مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ ، وَلِلْحَاكِمِ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ } وَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ النَّهْيُ عَنْهُ بِالْعِبَادَةِ لَا حَدَّ فِي جِنْسِهِ ، فَلَا يُؤَثِّرُ بِلَا قَصْدٍ ، كَطَيَرَانِ الذُّبَابِ إلَى حَلْقِهِ ، بِخِلَافِ الرِّدَّةِ وَالْجِمَاعِ ، وَكَصَوْمِ النَّفْلِ ( و م ) وَفِي الرِّعَايَةِ : لَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ وَعَنْهُ : يُفْطِرُ بِحِجَامَةٍ نَاسٍ ، اخْتَارَهُ فِي التَّذْكِرَةِ ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَنُدْرَةِ النِّسْيَانِ فِيهَا وَقِيلَ : وَاسْتِمْنَاءٍ نَاسٍ ، وَالْمُرَادُ وَمُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْفِطْرَ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ قَالَ : وَقِيلَ : عَامِدًا ، وَكَذَا إنْ أَمْنَى بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : عَامِدًا ، أَوْ مَذَى بِغَيْرِهَا عَامِدًا ، وَقِيلَ : أَوْ سَاهِيًا .
وَلَا يُفْطِرُ مُكْرَهٌ ، سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ حَتَّى فَعَلَهُ أَوْ فُعِلَ بِهِ بِأَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ الْمَاءُ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا أَوْ دَخَلَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ ، نَصَّ

عَلَيْهِ ، كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى ، بِدَلِيلِ الْإِتْلَافِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ ، لَا قَضَاءَ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَقِيلَ : يُفْطِرُ إنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ ، كَالْمَرِيضِ ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ يُفْطِرُ ، لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فَلَا تَعُمُّ الْبَلْوَى ، بِخِلَافِ النِّسْيَانِ ، وَالنَّصُّ فِيهِ ، وَمَذْهَبُ ( م ) يُفْطِرُ ، كَالنَّاسِي عِنْدَهُ ، وَمَذْهَبُ ( ش ) لَا يُفْطِرُ إنْ فُعِلَ بِهِ ، وَإِنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَقَوْلَانِ .
وَيُفْطِرُ الْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ ( و ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحِجَامَةِ ، { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَحْجُمُ رَجُلًا فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } وَكَالْجَهْلِ بِالْوَقْتِ وَالنِّسْيَانُ يَكْثُرُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُفْسِدَ ، كَالنَّاسِي ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَافِي بَعْدَ التَّأْثِيمِ .
وَإِنْ أُوجِرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً لَمْ يُفْطِرْ ، وَقِيلَ : يُفْطِرُ ، لِرِضَاهُ بِهِ ظَاهِرًا ، فَكَأَنَّهُ قَصَدَهُ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ .

وَمَنْ أَرَادَ الْفِطْرَ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ فَهَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَيَتَوَجَّهُ ثَالِثٌ : إعْلَامُ جَاهِلٍ لَا نَاسٍ ( م 1 ) وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إعْلَامُ مُصَلٍّ أَتَى بِمُنَافٍ لَا يُبْطِلُ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ ، وَسَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ تَنْبِيهُ الْإِمَامِ فِيمَا يُبْطِلُ لِئَلَّا يَكُونَ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ مَعَ قُدْرَتِهِ

بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ أَرَادَ الْفِطْرَ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ فَهَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَيَتَوَجَّهُ ثَالِثٌ : إعْلَامُ جَاهِلٍ لَا نَاسٍ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لَا سِيَّمَا الْجَاهِلُ ، لِفِطْرِهِ بِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ ، وَلِأَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحُكْمِ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِهِ ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي تَوْجِيهَ الْمُصَنِّفِ لِلْوَجْهِ الثَّالِثِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إعْلَامُ مُصَلٍّ أَتَى بِمُنَافٍ لَا يُبْطِلُ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَا إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَأْمُومِينَ تَنْبِيهُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ .
( مِنْهَا ) لَوْ عَلِمَ نَجَاسَةَ مَاءٍ فَأَرَادَ جَاهِلٌ بِهِ اسْتِعْمَالَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ ؟ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إنْ قِيلَ إزَالَتُهَا شَرْطٌ ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ .
( وَمِنْهَا ) لَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَى نَائِمٍ هَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ ، أَوْ لَا يَجِبُ ، أَوْ يَجِبُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ ؟ جَزَمَ بِهِ فِي التَّمْهِيدِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فِيهِ أَقْوَالٌ ، لِأَنَّ النَّائِمَ كَالنَّاسِي ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ إعْلَامِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا ضَعِيفٌ جِدًّا .
( وَمِنْهَا ) لَوْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ وَسَأَلَ ، هَلْ يَلْزَمُ الْجَوَابُ الْمَسْئُولَ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَوْ يَلْزَمُ إنْ كَانَ نَجِسًا ؟ اخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فِيهِ أَقْوَالٌ ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمِثَالُ الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ وَلَمْ يَسْأَلْ ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهُ إعْلَامُهُ أَمْ لَا ؟ وَلَمْ أَرَهَا ،

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ وَلَا كَفَّارَةَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَمُبَاشَرَةٍ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، وَلَا دَلِيلَ ، وَالْجِمَاعُ آكَدُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يَقْضِي وَيُكَفِّرُ لِلْحُقْنَةِ ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِكَ : يَقْضِي وَيُكَفِّرُ مَنْ احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ [ الْخَبَرُ ] قَضَى ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فَالْمُفْطِرَاتُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَوْلَى ، وَقَالَ : قَالَ ابْنُ الْبَنَّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ : يُكَفِّرُ بِكُلِّ مَا فَطَّرَهُ بِفِعْلِهِ ، كَبَلْعِ حَصَاةٍ وَقَيْءٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَفِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِكَ : وَعَنْهُ يُكَفِّرُ مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ ، اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا ، وَخَصَّ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةَ الْحِجَامَةِ بِالْمَحْجُومِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَلَى رِوَايَةِ الْحِجَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَحْظُورِ الصَّوْمِ كَالْجِمَاعِ وِفَاقًا لِعَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَهَذَا ظَاهِرُ اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ ، وَقِيلَ : يُكَفِّرُ لِلْحِجَامَةِ ، كَحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ ، وَمَذْهَبُ ( م ) يُكَفِّرُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْقَيْءِ وَبَلْعِ الْحَصَاةِ التَّكْفِيرُ وَعَدَمُهُ ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) يُكَفِّرُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ يَتَدَاوَى بِهِ .

فَصْلٌ وَإِنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ غُبَارُ طَرِيقٍ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ دُخَانٌ لَمْ يُفْطِرْ ( و ) كَالنَّائِمِ يَدْخُلُ حَلْقَهُ شَيْءٌ .
وَفِي الرِّعَايَةِ .
فِي الصُّورَةِ الْأُولَى : وَقِيلَ : فِي حَقِّ الْمَاشِي ، وَفِي الثَّانِيَةِ : وَقِيلَ : فِي حَقِّ النَّخَّالِ .
وَفِي الثَّالِثَةِ : وَقِيلَ فِي حَقِّ الْوَقَّادِ .
كَذَا قَالَ ، وَوَجَّهَهُ لِنُدْرَتِهِ ، فَلَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ ، وَلَهُ نَظَائِرُ ، وَكَذَا إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ لَمْ يُفْطِرْ ( و ) خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ .

وَإِنْ احْتَلَمَ أَوْ أَمْنَى مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ أَوْ أَمْنَى لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَتِهِ نَهَارًا لَمْ يُفْطِرْ ( و ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَطِئَ [ رَجُلٌ ] قُرْبَ الْفَجْرِ ، وَيُشْبِهُهُ مَنْ اكْتَحَلَ إذَنْ .

وَلَا يُفْطِرُ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ( و ) وَلَوْ عَادَ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ( هـ ر ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَلَوْ أَعَادَهُ عَمْدًا وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ أَوْ قَاءَ مَا لَا يُفْطِرُ بِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ ( هـ ر ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، كَبَلْعِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ الْفَمِ ( و )

وَإِنْ أَصْبَحَ فِي فِيهِ طَعَامٌ فَرَمَاهُ ، أَوْ شَقَّ رَمْيُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ ، أَوْ بَلَعَ رِيقَهُ عَادَةً ، لَمْ يُفْطِرْ ( و ) وَإِنْ أَمْكَنَهُ لَفْظُهُ بِأَنْ تَمَيَّزَ عَنْ رِيقِهِ فَبَلَعَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ ( هـ م ) قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ تَنَخَّعَ دَمًا كَثِيرًا فِي رَمَضَانَ : أَجْبُنُ عَنْهُ ، وَمِنْ غَيْرِ الْجَوْفِ أَهْوَنُ

وَإِنْ بَصَقَ نُخَامَةً بِلَا قَصْدٍ مِنْ مَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ ، مَعَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ ، كَذَا قِيلَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ ( م 2 )
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بَصَقَ نُخَامَةً بِلَا قَصْدٍ مِنْ مَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ ، مَعَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ ، كَذَا قِيلَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ .
انْتَهَى ، يَعْنِي جَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كُلَّهُ ، أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، بَلْ هَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا .

وَإِنْ قَطَّرَ فِي ذَكَرِهِ دُهْنًا لَمْ يُفْطِرْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ر و ش ) وَأَبِي يُوسُفَ ، لِعَدَمِ الْمَنْفَذِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْبَوْلُ رَشْحًا ، كَمُدَاوَاةِ جُرْحٍ عَمِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْجَوْفِ ، وَقِيلَ : بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ ، كَمَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ مَاءً لَمْ يَتَحَقَّقْ نُزُولُهُ فِي حَلْقِهِ ، وَقِيلَ : يُفْطِرُ إنْ وَصَلَ مَثَانَتَهُ وَهِيَ الْعُضْوُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ دَاخِلَ الْجَوْفِ .
فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بَوْلَهُ قِيلَ مَثِنَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ فَهُوَ أَمْثَنُ وَالْمَرْأَةُ مَثْنَاءُ .
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ يُقَالُ رَجُلٌ مَثِنٌ وَمَمْثُونٌ .

وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا ثُمَّ اغْتَسَلَ صَحَّ صَوْمُهُ ( و ) مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ، احْتَجَّ بِهِ رَبِيعَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، وَلِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ أَخَّرَهُ يَوْمًا صَحَّ وَأَثِمَ ( و ) وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يَجِيءُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا أَنْ يَبْطُلَ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ الظُّهْرِ قَبْلَ غُسْلِهِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ ، كَذَا قَالَ ، وَسَبَقَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ : إنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَقُلْنَا يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا بِشَرْطِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ ، وَكَذَا الْحَائِضُ تُؤَخِّرُهُ ، وَسَبَقَ فِي الْحَيْضِ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي الْحَائِضِ تُؤَخِّرُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ : تَقْضِي .

وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ ( هـ م ) وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَالَغَ فِيهِ فَوَجْهَانِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَبْطُلُ بِالْمُبَالَغَةِ ، لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ وَعَدَمِ نُدْرَةِ الْوُصُولِ فِيهَا ، بِخِلَافِ الْمُجَاوَزَةِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُجَاوَزَةِ : يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ ( م 3 ) وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ لِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَكَالْوُضُوءِ ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ كُرِهَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م ) وَفِي الْفِطْرِ بِهِ الْخِلَافُ فِي الزَّائِدَةِ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَكَذَا إنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فِي غَيْرِ غُسْلٍ مَشْرُوعٍ ، أَوْ أَسْرَفَ ، أَوْ كَانَ عَابِثًا [ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنْ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَشْرُوعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبَثًا ] فَكَمُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ : يَتَمَضْمَضُ إذَا أُجْهِدَ .
وَلَا يَكُونُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ ( هـ ) لِلْخَبَرِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الضَّجِرِ مِنْ الْعِبَادَةِ ، كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلَالِ الْبَارِدَةِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ : إنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّضَجُّرِ بِالْعِبَادَةِ ، وَقَوْلُهُ : إنَّ الصَّوْمَ مُسْتَحِقٌّ فِعْلُهُ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَشَقَّةِ ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِمَا لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَيْهِ كُرِهَ ، كَمَا لَوْ اسْتَنَدَ الْمُصَلِّي فِي قِيَامِهِ إلَى شَيْءٍ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ غَوْصَهُ فِي الْمَاءِ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ ( و ش ) وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ أَوْ مَسَامِعَهُ ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ .
وَفِي الرِّعَايَةِ .
يُكْرَهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُفْطِرُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا : يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَا لَمْ يَخَفْ ضَعْفًا ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَغَيْرِهِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، وَكَذَا مَا يَبْقَى مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ ، كَالذُّبَابِ وَالْغُبَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ بِأَنْ يَبْزُقَ أَبَدًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ ، قِيلَ : هَذَا يَشُقُّ ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِ مَا يُمْكِنُ لَفْظُهُ مَشَقَّةٌ ، يَعْنِي مَا يَبْقَى فِي فِيهِ وَلَمْ يَجْرِ بِهِ الرِّيقُ ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هُنَا ، وَقَالَ فِي ذَوْقِ الطَّعَامِ : لَا يُفْطِرُ إنْ بَصَقَ وَاسْتَقْصَى ، كَالْمَضْمَضَةِ ، وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ أَوَّلَ الْفَصْلِ بَعْدَهُ [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] .

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَالَغَ فِيهِ فَوَجْهَانِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يُفْطِرُ بِالْمُبَالَغَةِ ، لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ وَعَدَمِ نُدْرَةِ الْوُصُولِ فِيهَا ، بِخِلَافِ الْمُجَاوَزَةِ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُجَاوَزَةِ ، يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمُحَرَّرِهِ وَالشَّرْحُ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، قَالَ فِي الْعُمْدَةِ : وَلَوْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ مَاءٌ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَالَ : بَنَيْتهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ .
وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ : وَلَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ مَاءُ طَهَارَةٍ وَلَوْ بِمُبَالِغَةٍ لَمْ يُفْطِرْ ، انْتَهَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ ، صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ بِالْفِطْرِ بِالْمُبَالَغَةِ ، وَقَالَ بِهِ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارَ الْمَجْدِ .
( تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ .
وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ لِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَكَالْوُضُوءِ ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ كُرِهَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي الْفِطْرِ بِهِ الْخِلَافُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَكَذَا إنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فِي غَيْرِ غُسْلٍ مَشْرُوعٍ ، أَوْ أَسْرَفَ ، أَوْ كَانَ عَابِثًا .
انْتَهَى ، مُرَادُهُ بِالْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَذَا فِي هَذِهِ

الْمَسَائِلِ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَوْصِ الْمَاءِ : وَفِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
إطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ هُنَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا لَوْ دَخَلَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ ، وَالصَّوَابُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوُضُوءِ .

فَصْلٌ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ وَيَبْلَعَهُ ، فَإِنْ جَمَعَهُ ثُمَّ بَلَعَهُ قَصْدًا لَمْ يُفْطِرْ ( و ) كَمَا لَوْ بَلَعَهُ قَصْدًا وَلَمْ يَجْمَعْهُ ؛ بِخِلَافِ غُبَارِ الطَّرِيقِ ، وَقِيلَ : يُفْطِرُ ، فَيَحْرُمُ ذَلِكَ ، كَعَوْدِهِ وَبَلْعِهِ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيْهِ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : ظَاهِرُ شَفَتَيْهِ ، لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ عَادَةً ، كَغَيْرِ الرِّيقِ ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ فِيهِ حَصَاةً أَوْ دِرْهَمًا أَوْ خَيْطًا ثُمَّ أَعَادَهُ فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرًا فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ ، وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُفْطِرْ ، فِي الْأَصَحِّ ( ش ) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ انْفِصَالُهُ وَدُخُولُهُ حَلْقَهُ ، كَالْمَضْمَضَةِ ، وَلَوْ كَانَ لِسَانَهُ لَمْ يُفْطِرْ ، أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ ( و ) لِأَنَّ الرِّيقَ لَمْ يُفَارِقْ مَحَلَّهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُفْطِرُ .

وَإِنْ تَنَجَّسَ فَمُهُ أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ قَيْءٌ أَوْ قَلْسٌ فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَلَّ ، لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ ، وَإِنْ بَصَقَهُ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا ، وَصِفَةُ غَسْلِ فَمِهِ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ .

وَهَلْ يُفْطِرُ بِبَلْعِ النُّخَامَةِ ( و ش ) كَالَّتِي مِنْ جَوْفِهِ لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْفَمِ كَالْقَيْءِ أَمْ لَا ؟ لِاعْتِبَارِهَا فِي الْفَمِ كَالرِّيقِ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 4 ) وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي التَّحْرِيمُ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ الْقَاضِيَ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا فِي النُّخَامَةِ رِوَايَتَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا .
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : يُفْطِرُ بِاَلَّتِي مِنْ دِمَاغِهِ ، وَفِي الَّتِي مِنْ صَدْرِهِ رِوَايَتَانِ .

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُفْطِرُ بِبَلْعِ النُّخَامَةِ كَاَلَّتِي مِنْ جَوْفِهِ لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْفَمِ كَالْقَيْءِ أَمْ لَا ؟ لِاعْتِيَادِهَا فِي الْفَمِ كَالرِّيقِ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُنَا ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ ، وَهِيَ : ( الطَّرِيقَةُ الْأُولَى ) إحْدَاهُمَا يُفْطِرُ إذَا بَلَعَهَا بَعْدَ أَنْ تَصِلَ إلَى فَمِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
كَاَلَّتِي مِنْ جَوْفِهِ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَعَلَى هَذَا بَلْعُهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُفْطِرُ ، فَيُكْرَهُ بَلْعُهَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ .
( الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ ) فِي بَلْعِ النُّخَامَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ رِوَايَتَانِ ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُفْطِرُ بِهِ ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ ) إنْ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صَدْرِهِ فَرِوَايَتَانِ ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى ( قُلْت ) : الصَّوَابُ الْإِفْطَارُ أَيْضًا .

وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقُوا ( و م ) وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : أُحِبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنِ عَقِيلٍ ( و هـ ش ) وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَسْنُونَةِ ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْصِيَ فِي الْبَصْقِ ، ثُمَّ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ لَمْ يُفْطِرْ كَالْمَضْمَضَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقْصِ فِي الْبَصْقِ أَفْطَرَ ، لِتَفْرِيطِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفْطِرُ مُطْلَقًا ، لِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ و [ جَزَمَ ] جَمَاعَةٌ بِفِطْرِهِ مُطْلَقًا ، وَيُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي مُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ .

وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) لِأَنَّهُ يَجْلِبُ الْغَمَّ وَيَجْمَعُ الرِّيقَ وَيُورِثُ الْعَطَشَ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءٍ ، وَكَوَضْعِ الْحَصَاةِ فِي فِيهِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا : لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَمَا يَجِدُ طَعْمَهُ فَلَا يُعْجِبُنِي وَقَالَ فِي الصَّائِمِ يَفْتِلُ الْخَيْطَ : يُعْجِبُنِي أَنْ يَبْزُقَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا ؟ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الطَّعْمِ لَا يُفْطِرُ ، كَمَنْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِحَنْظَلٍ ( ع ) بِخِلَافِ الْكُحْلِ فَإِنَّهُ تَصِلُ أَجْزَاؤُهُ إلَى الْحَلْقِ ، عَلَى وَجْهَيْنِ ( م 5 ) فَدَلَّ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِأَجْزَائِهِ ، وَقِيلَ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ غَالِبًا وَفِطْرِهِ بِوُصُولِهِ أَوْ طَعْمِهِ إلَى حَلْقِهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ .
وَيَحْرُمُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي تَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ ( ع ) وَفِي الْمُقْنِعِ : إلَّا أَنْ لَا يَبْتَلِعَ رِيقَهُ ، وَفَرَضَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ فِي ذَوْقِهِ ، وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ ، وَسَبَقَ السِّوَاكُ فِي بَابِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ .
هَلْ يُفْطِرُ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ : وَفِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ ، وَإِلَيْهِ مَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَدَعَ بَقَايَا الطَّعَامِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَشَمُّ مَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسُهُ إلَى حَلْقِهِ ، كَسَحِيقِ مِسْكٍ وَكَافُورٍ وَدُهْنٍ وَنَحْوِهِ .

وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَقَطْ ( و هـ ) { لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ ، فَقَالَ : أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا شَابًّا ، وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ ، حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَعَنْهُ : تُكْرَهُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَلِغَيْرِهِ ( و م ر ) لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ ، وَكَالْإِحْرَامِ ، وَعَنْهُ : تَحْرُمُ عَلَى مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ( و م ش ) كَمَا لَوْ ظَنَّ الْإِنْزَالَ مَعَهَا ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِلَا خِلَافٍ ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَقَدْ سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) لِمَا سَبَقَ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : يُفْطِرُ ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ ، وَيَأْتِي فِي الْغِيبَةِ هَلْ يُفْطِرُ بِهَا وَبِكُلِّ مُحَرَّمٍ ؟ وَمُرَادُ مَنْ اقْتَصَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى ذِكْرِ الْقُبْلَةِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ ، وَلِهَذَا قَاسُوا عَلَى الْإِحْرَامِ ، وَقَالُوا : عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ فَمَنَعَتْ دَوَاعِيَهُ ، كَالْإِحْرَامِ .
وَفِي الْكَافِي : وَاللَّمْسُ وَتَكْرَارُ النَّظَرِ كَالْقُبْلَةِ ، لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْقُبْلَةِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَكْرَارِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ فِي الْجِمَاعِ : فَإِنْ أَنْزَلَ أَثِمَ وَأَفْطَرَ .
وَالتَّلَذُّذُ

بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ سَوَاءٌ .
هَذَا كَلَامُهُ ، وَهُوَ مَعْنَى الْمُسْتَوْعِبِ .
وَاللَّمْسُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَلَمْسِ الْيَدِ لِيَعْرِفَ مَرَضَهَا وَنَحْوَهُ لَا يُكْرَهُ ( و ) كَالْإِحْرَامِ .

فَصْلٌ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ وَلَا يُمَارِيَ ، وَيَصُونَ صَوْمَهُ ؛ كَانُوا إذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ وَقَالُوا نَحْفَظُ صَوْمَنَا ، وَلَا يَغْتَابَ أَحَدًا ، وَلَا يَعْمَلَ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ ، قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : يُسَنُّ لَهُ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّدَقَةِ ، وَكَفُّ لِسَانِهِ عَمَّا يُكْرَهُ ، وَيَجِبُ كَفُّهُ عَمَّا يَحْرُمُ مِنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( ع ) وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قَوْلَ النَّخَعِيِّ : تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِي غَيْرِهِ ، وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ .
وَلَا يُفْطِرُ بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و ) وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ : وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ( ع ) لِأَنَّ فَرْضَ الصَّوْمِ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ ، وَظَاهِرُهُ صِحَّتُهُ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَقَالَ عَمَّارٌ : رَوَاهُ [ الْإِمَامُ ] أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ } مَعْنَاهُ الزَّجْرُ وَالتَّحْذِيرُ ، لَمْ يُؤْمَرْ مَنْ اغْتَابَ بِتَرْكِ صِيَامِهِ .
قَالَ : وَالنَّهْيُ عَنْهُ لِيَسْلَمَ مِنْ نَقْصِ الْأَجْرِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ قَدْ يُكْثِرُ فَيَزِيدُ عَلَى أَجْرِ الصَّوْمِ وَقَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَتَسَاوَيَانِ ، قَالَ شَيْخُنَا : هَذَا [ مِمَّا ] لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ .
وَأَسْقَطَ أَبُو الْفَرَجِ ثَوَابَهُ بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا ، وَمُرَادُهُ مَا سَبَقَ ، وَإِلَّا فَضَعِيفٌ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ : كَانَا يَغْتَابَانِ ، فَقَالَ : الْغِيبَةُ أَيْضًا أَشَدُّ لِلصَّائِمِ ، بِفِطْرِهِ أَجْدَرُ أَنْ تُفْطِرَهُ

الْغِيبَةُ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا ذَكَرَ رِوَايَةً ثَالِثَةً : يُفْطِرُ بِسَمَاعِ الْغِيبَةِ .
وَذَكَرَ أَيْضًا وَجْهًا فِي الْفِطْرِ بِغِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَنَحْوِهِمَا .
فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ : يُفْطِرُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ مِنْ بُطْلَانِ الْأَذَانِ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ } وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ : يُفْطِرُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ ، وَاحْتَجَّ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا : وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَتَيْنِ صَائِمَتَيْنِ تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَقَالَ لَهُمَا : قِيآ فَقَاءَتَا قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَنْ الْحَلَالِ وَأَفْطَرَتَا عَلَى الْحَرَامِ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ .
حَدَّثَنِي رَجُلٌ فِي مَجْلِسِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ ، فَذَكَرَهُ .
وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادٍ الْبَكَّاءِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ : إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ ذَكَرَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ مَنْ شَاتَمَ فَسَدَ صَوْمُهُ ، لِظَاهِرِ النَّهْيِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَيُسَنُّ لِمَنْ شُتِمَ أَنْ يَقُولَ إنِّي صَائِمٌ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ ، يَعْنِي يَزْجُرُ نَفْسَهُ وَلَا يُطْلِعُ النَّاسَ عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ .
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ .
وَإِلَّا جَهَرَ بِهِ ، لِلْأَمْنِ مِنْ الرِّيَاءِ ، وَفِيهِ زَجْرُ مَنْ يُشَاتِمُهُ بِتَنْبِيهِهِ عَلَى حُرْمَةِ الْوَقْتِ الْمَانِعَةِ مِنْ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا لَنَا

ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : هَذَيْنِ ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ يَجْهَرُ بِهِ مُطْلَقًا ( م 6 ) لِأَنَّ الْقَوْلَ [ الْمُطْلَقَ ] بِاللِّسَانِ ، وَاَللَّهُ [ سُبْحَانَهُ ] أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) [ قَوْلُهُ ] : وَيُسَنُّ لِمَنْ شُتِمَ أَنْ يَقُولَ : إنِّي صَائِمٌ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ ، يَعْنِي يَزْجُرُ نَفْسَهُ وَلَا يُطْلِعُ النَّاسَ عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِلَّا جَهَرَ بِهِ وَذَكَرَ شَيْخُنَا لَنَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : هَذَيْنِ ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ : يَجْهَرُ بِهِ مُطْلَقًا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ .

فَصْلٌ يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ ( عِ ) وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ ( ع ) مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوعَ الْفَجْرِ ( و ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْأَصْحَابُ ، لِلْأَخْبَارِ ، وَلِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ ، وَلِلتَّحَفُّظِ مِنْ الْخَطَأِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ : يُسْتَحَبُّ السُّحُورُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْلَ أَبِي دَاوُد : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ أَحْمَدُ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا } الْآيَةَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَيْضًا قَوْلَ رَجُلٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إنِّي أَتَسَحَّرُ فَإِذَا شَكَكْت أَمْسَكْت ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُلْ مَا شَكَكْت حَتَّى لَا تَشُكَّ .
وَقَوْلَ أَبِي قِلَابَةَ : قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ : يَا غُلَامُ أَجِفْ حَتَّى لَا يَفْجَأَنَا الْفَجْرُ ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ .
وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ ، وَلَعَلَّ مُرَادَ غَيْرِ الشَّيْخِ الْجَوَازُ وَعَدَمُ الْمَنْعِ بِالشَّكِّ ، وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَكَذَا خَصَّ الْأَصْحَابُ الْمَنْعَ بِالْمُتَيَقَّنِ ، كَشَكِّهِ فِي نَجَاسَةِ طَاهِرٍ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ : لَوْ قَالَ لِعَالِمَيْنِ اُرْقُبَا الْفَجْرَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : طَلَعَ ، وَقَالَ الْآخَرُ : لَمْ يَطْلُعْ أَكَلَ حَتَّى يَتَّفِقَا ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ .
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ صَوْمَ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ .
وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَصْلِ هُنَا لَا يُسْقِطُ الْعِبَادَةَ ، وَالْبِنَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ يُسْقِطُ الصَّوْمَ ، وَلِلْمَشَقَّةِ هُنَا ، لِتَكْرَارِهِ ، وَالْغَيْمُ نَادِرٌ .
وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْجَوَابِ عَلَى الْمَشَقَّةِ مَعَ مَا فِي الْغَيْمِ مِنْ

الْخَبَرِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ : إذَا خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ يَتَحَقَّقُ لَهُ صَوْمُ جَمِيعِ الْيَوْمِ ، وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ ، وَقَالَ : لَا فَرْقَ .
ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعِهَا وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ ، وَزَادَ : بَلْ يُسْتَحَبُّ ، كَذَا قَالَ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ : الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَ شَكِّهِ فِي طُلُوعِهِ .
وَكَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ .
وَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْجِمَاعِ ( و ) لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى بِهِ ، وَيُكْرَهُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ ، وَلَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ .
نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَلَا يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَوْ صَرِيحُهُ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ ( م ر ) وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وِفَاقًا فِي صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ ، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا ، لِئَلَّا يَفُوتَ بَعْضُ النَّهَارِ عَنْ النِّيَّةِ ، وَالصَّوْمُ يَدْخُلُ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ حَالَ الدُّخُولِ فِيهِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ، كَذَا قَالَ وَسَبَقَ فِي النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ ، وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ ، فَيَحْرُمُ الْأَكْلُ وَغَيْرُهُ بِطُلُوعِهِ ( و ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، لِحَدِيثِ { عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ } إنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ } ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ { :

إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ ؛ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ ؟ فَقَالَ : وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ : لَسْت مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقَى } ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ وَقْتِ الصَّوْمِ ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ السُّحُورِ أَذَانُ بِلَالٍ وَالْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ } وَقَالَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَيْسَ الْفَجْرُ الْأَبْيَضُ الْمُعْتَرِضُ ، وَلَكِنَّهُ الْأَحْمَرُ } كَذَا وَجَدْته ، وَلَفْظُهُ فِي مُسْنَدِهِ { لَيْسَ الْفَجْرُ بِالْمُسْتَطِيلِ فِي الْأُفُقِ وَلَكِنَّهُ الْمُعْتَرِضُ الْأَحْمَرُ } وَلِأَبِي دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ { كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمْ الْأَحْمَرُ } فَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ بِهِ ، وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ ، وَلَكِنَّ قَيْسًا عِنْدَهُ ضَعِيفٌ .
وَعَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ : { قُلْت لِحُذَيْفَةَ : أَيَّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : هُوَ النَّهَارُ إلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ } ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زِرٍّ ، وَعَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ صِلَةَ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ ، وَقَالَ : لَا يَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرُ عَاصِمٍ ، فَإِنْ كَانَ رَفْعُهُ صَحِيحًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قُرْبَ النَّهَارِ ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ : قُلْت : { أَبَعْدَ الصُّبْحِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ الصُّبْحُ غَيْرَ أَنْ لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ

} .
وَعَاصِمٌ فِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ وَنَكَارَةٌ ، فَرِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ أَوْلَى ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ : أَصْبَحْت أَصْبَحْت .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَمَعْنَاهُ قَرُبَ الصُّبْحُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : { إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، فَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ طُلُوعُ الْفَجْرِ .
وَقَالَ مَسْرُوقٌ : لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ ، إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ .
ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ رَأْيُ طَائِفَةٍ ، مَعَ احْتِمَالِ مَعْنَاهُ تَحَقُّقُ طُلُوعِ الْفَجْرِ .
وَالْمُذْهَبُ : لَهُ الْفِطْرُ بِالظَّنِّ ( و ) لِأَنَّ النَّاسَ أَفْطَرُوا فِي عَهْدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، وَكَذَا أَفْطَرَ عُمَرُ وَالنَّاسُ فِي عَهْدِهِ كَذَلِكَ ، وَلِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَمَارَةٌ يَدْخُلُهُ التَّحَرِّي ، وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ ، كَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يَجُوزُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي آخِرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَلَوْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الْآخِرِ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَوَّلِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ .
وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى أَفْطَرَ الصَّائِمُ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يُطْعِمْ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ } أَيْ أَفْطَرَ شَرْعًا ، فَلَا يُثَابُ عَلَى الْوِصَالِ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَالْعَلَامَاتُ الثَّلَاثُ مُتَلَازِمَةٌ ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ ، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا لِئَلَّا يُشَاهِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدَ عَلَى

غَيْرِهَا ، كَذَا قَالَ : وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا وَيَقُولُ : يُقْبِلُ اللَّيْلُ مَعَ بَقَاءِ الشَّمْسِ ؟ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالْفِطْرُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ ( و ) لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يُفْطِرَانِ حَتَّى يُصَلِّيَا الْمَغْرِبَ وَيَنْظُرَا إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ .
رَوَاهُ مَالِكٌ .

وَلَا يَجِبُ السُّحُورُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ ( ع ) .
وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ السُّحُورِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ } وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُخَرَّجَ الْقَوْلُ بِهَذَا عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَتَسَحَّرْ وَلَوْ بِشَيْءٍ } قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ : وَكَمَالُ فَضِيلَتِهِ بِالْأَكْلِ ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ { إنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا .

وَيُسَنُّ أَنْ { يُفْطِرَ عَلَى الرُّطَبِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ ، } لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ، وَرَوَوْا أَيْضًا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الضَّبِّيِّ { إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ } وَأَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ } .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ } وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى قَوْلِ { اللَّهُمَّ لَك صُمْت ، وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت ، سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِيهِمَا { تَقَبَّلْ مِنَّا } وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ أَوْلَى ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا أَفْطَرَ { : ذَهَبَ الظَّمَأُ ، وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : إسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ .
وَالْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوْلَى .
{ وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ } ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : أَيُّ شَيْءٍ كَانَ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَذَكَرَ فِيهِ ثَوَابًا عَظِيمًا إنْ أَشْبَعَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : مُرَادُهُ بِتَفْطِيرِهِ أَنْ يُشْبِعَهُ .

فَصْلٌ مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ وَدَامَ شَكُّهُ ، أَوْ أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ النَّهَارِ ؛ قَضَى ( ع ) وَإِنْ بَانَ لَيْلًا لَمْ يَقْضِ ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ : صَحَّ صَوْمُهُ .
وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ الْغُرُوبَ ثُمَّ شَكَّ وَدَامَ شَكُّهُ لَمْ يَقْضِ ، وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَدَامَ شَكُّهُ لَمْ يَقْضِ ( م ) وَزَادَ : وَلَوْ طَرَأَ شَكُّهُ ، لِمَا سَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ ، فَيَكُونُ زَمَانُ الشَّكِّ مِنْهُ .
وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَبَانَ لَيْلًا وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةَ صَوْمِهِ الْوَاجِبُ قَضَى ، كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ ، وَقَصْدُهُ غَيْرُ الْيَقِينِ ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اعْتِقَادُ طُلُوعِهِ ، وَلِهَذَا فَرَضَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ اعْتَقَدَهُ نَهَارًا فَبَانَ لَيْلًا ، لِأَنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ ، وَلِهَذَا خَصُّوا الْمَنْعَ بِالْيَقِينِ ، وَاعْتَبَرُوهُ بِالشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ طَاهِرٍ ، وَلَا أَثَرَ لِلظَّنِّ فِيهِ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الظَّنَّ وَالِاعْتِقَادَ وَاحِدٌ ، وَأَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ مَا لَمْ يَظُنَّ وَيَعْتَقِدْ النَّهَارَ .
وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ( و ) لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصِّيَامِ ، وَلَمْ يُتِمَّهُ ، وَقَالَتْ أَسْمَاءُ { : أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ .
قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَهُوَ رَاوِي الْخَبَرِ : أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ : ؟ قَالَ : بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ ، وَلِأَنَّهُ جَهِلَ وَقْتَ الصَّوْمِ [ فَهُوَ ] كَالْجَهْلِ بِأَوَّلِ رَمَضَانَ .
وَصَوْمُ الْمَطْمُورِ لَيْلًا بِالتَّحَرِّي ، بَلْ أَوْلَى ، لِأَنَّ إمْكَانَ التَّحَرُّزِ مِنْ الْخَطَأِ هُنَا أَظْهَرُ ، وَالنِّسْيَانُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ،

وَكَذَا سَهْوُ الْمُصَلِّي بِالسَّلَامِ عَنْ نَقْصٍ ، وَلَا عَلَامَةَ ظَاهِرَةٌ ، وَلَا أَمَارَةَ سِوَى عِلْمِ الْمُصَلِّي ، وَهُنَا عَلَامَاتٌ ، وَيُمْكِنُ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّحَفُّظُ ، وَتَأْتِي رِوَايَةٌ : لَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ جَامَعَ جَاهِلًا بِالْوَقْتِ .
وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ : هُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ .
وَسَبَقَ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ فَبَانَ رَمَضَانَ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ إنْ أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَأَخْطَأَ لَمْ يَقْضِ ، لِجَهْلِهِ ، وَإِنْ ظَنَّ دُخُولَهُ فَأَخْطَأَ قَضَى ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا الْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ [ بِهِ ] .
وَالثَّانِيَةُ لَا نَقْضِي مَا تَجَانَفْنَا الْإِثْمَ ، وَقَالَ : قَدْ كُنَّا جَاهِلِينَ فَعَلَى هَذَا لَا قَضَاءَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ، وَقَالَهُ : فِيهِمَا الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَالظَّاهِرِيَّةُ ، وَقَالَهُ فِي الْأُولَى مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ ، فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ .
وَقَالَ صَاحِب الرِّعَايَةِ : يَصِحُّ صَوْمُهُ ، وَيَحْتَمِلُ ضِدُّهُ ، كَذَا قَالَ .

فَصْلٌ مَنْ جَامَعَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ( و ) وَمُرَادُهُمْ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بِذَكَرٍ أَصْلِيٍّ فِي قُبُلٍ أَصْلِيٍّ أَنْزَلَ أَمْ لَا ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ ، أَوْ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ كَالدُّبُرِ .
كَمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ .

وَأَنَّهُ لَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مِثْلِهِ ، أَوْ قُبُلِ امْرَأَةٍ ، أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُنْزِلَ ، كَالْغُسْلِ ، وَأَنَّ الْخَصِيَّ كَغَيْرِهِ إنْ أَوْلَجَ .
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ : لَا يَقْضِي مَنْ جَامَعَ كَجِمَاعٍ زَائِدٍ ، أَوْ بِهِ بِلَا إنْزَالٍ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ : لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَقْضِ ، وَإِلَّا قَضَى .
وَيَأْتِي قَوْلُ شَيْخِنَا فِي ( فَصْلِ الْقَضَاءِ ) : وَالنَّاسِي كَالْعَامِدِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ ( و م ) وَالظَّاهِرِيَّةُ .
وَعَنْهُ : لَا يُكَفِّرُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ ( و م ر ) .
وَعَنْهُ : لَا يَقْضِي اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَشَيْخُنَا ( و هـ ش ) .
وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَكَذَا مَنْ جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا يَقْضِي ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ ، وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ أَصْلًا لِلْكَفَّارَةِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةٌ : لَا يَقْضِي ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَتَأْتِي رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهَلْ يُكَفِّرُ كَمَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا ؟ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي ، وَأَوْلَى أَمْ لَا يُكَفِّرُ ( و ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 7 ) وَعَلَى الثَّانِيَةِ إنْ عَلِمَ فِي الْجِمَاعِ أَنَّهُ نَهَارٌ وَدَامَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ، بِنَاءً عَلَى مَنْ وَطِئَ بَعْدَ إفْسَادِ صَوْمِهِ ، عَلَى مَا يَأْتِي .
وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ بِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَكَالنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ ، إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ فَيُكَفِّرُ فِي الْأَشْهَرِ ، كَمَا يَأْتِي .
وَكَذَا مَنْ أَتَى بِمَا لَا يُفْطِرُ بِهِ فَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ وَجَامَعَ ( و م ش ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الِاحْتِلَامِ وَذَرْعِ الْقَيْءِ لَا يُكَفِّرُ ، لِلِاشْتِبَاهِ بِنَظِيرِهِمَا وَهُوَ إخْرَاجُ الْقَيْءِ وَالْمَنِيِّ عَمْدًا

( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا مَنْ جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا يَقْضِي ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ .
وَهَلْ يُكَفِّرُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنَّهُ قِيَاسُ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي ، وَأَوْلَى ، أَمْ لَا يُكَفِّرُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ ، وَكَوْنُهُ يُطْلِقُ الْخِلَافَ مَعَ اخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ شَيْءٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَوَّلَ الْكِتَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ .

وَالْمُكْرَهُ كَالْمُخْتَارِ ( و هـ م ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ .
وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ : كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ .
قَالَ الْأَصْحَابُ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْقَضَاءِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ : الصَّحِيحُ فِي الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمَا لَا يُفْسِدَانِ ، فَأَنَا أُخَرِّجُ فِي الْوَطْءِ رِوَايَةً مِنْ الْأَكْلِ ، وَفِي الْأَكْلِ رِوَايَةً مِنْ الْوَطْءِ .
وَقِيلَ : يَقْضِي مَنْ فَعَلَ لَا مَنْ فُعِلَ بِهِ مِنْ نَائِمٍ وَغَيْرِهِ ( و ق ) وَقِيلَ : لَا قَضَاءَ مَعَ النَّوْمِ فَقَطْ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ نَصَّ أَحْمَدَ فِيهِ ، لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودٍ .
وَإِنْ فَسَدَ الصَّوْمُ بِذَلِكَ فَهُوَ فِي الْكَفَّارَةِ كَالنَّاسِي ( و ش ) وَقِيلَ : يَرْجِعُ بِالْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ .
وَقِيلَ : يُكَفِّرُ مَنْ فَعَلَ بِالْوَعِيدِ .

وَالْمَرْأَةُ الْمُطَاوِعَةُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا وَتُكَفِّرُ ( و هـ م ق ) كَالرَّجُلِ .
وَعَنْهُ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا ( و ش ) لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهَا وَلِفِطْرِهَا بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ ، فَقَدْ سَبَقَ جِمَاعُهَا الْمُعْتَبَرُ .
وَمَنَعَ هَذَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْقَدْرِ حُكْمُ الْجَوْفِ وَالْبَاطِنِ ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهُ مِنْ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ وَنَجَاسَةٍ .
وَعَنْهُ : تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا ( و ق ) خَرَّجَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَجِّ ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ .
وَإِنْ طَاوَعَتْهُ أُمُّ وَلَدِهِ صَامَتْ ، وَقِيلَ : يُكَفِّرُ عَنْهَا .

وَيَفْسُدُ صَوْمُ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ) وَعَنْهُ : لَا ( و ق ) وَقِيلَ : يَفْسُدُ إنْ فَعَلَتْ ، لَا الْمَقْهُورَةُ وَالنَّائِمَةُ ( و ق ) وَأَفْسَدَ ابْنُ أَبِي مُوسَى صَوْمَ غَيْرِ النَّائِمَةِ ، لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْوَطْءِ لَهَا ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي حَقِّ الْمُكْرَهَةِ إنْ فَسَدَ صَوْمُهَا ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( و ) نَصَّ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً : تُكَفِّرُ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهَا مُخْرَجَةٌ مِنْ الْحَجِّ ( و م ) فِي الْمُسْتَيْقِظَةِ .
وَعَنْهُ : تَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهَا إلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ أُكْرِهَتْ حَتَّى مُكِّنَتْ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ غُصِبَتْ أَوْ كَانَتْ نَائِمَةً فَلَا ، وَإِنْ جَامَعَتْ نَاسِيَةً فَكَالرَّجُلِ ( و ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، لِأَنَّ عُذْرَهَا بِالْإِكْرَاهِ أَقْوَى وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ أَشْهَرُ ( و ) لِقُوَّةِ جَنَبَةِ الرَّجُلِ ، وَيَتَخَرَّجُ : أَنْ لَا يَفْسُدَ صَوْمُهَا مَعَ النِّسْيَانِ وَإِنْ فَسَدَ صَوْمُهُ ، لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً ، كَالْأَكْلِ ، وَكَذَا الْجَاهِلَةُ وَنَحْوُهَا .
وَعَنْهُ : يُكَفِّرُ عَنْ الْمَعْذُورَةِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَجَهْلٍ وَنَحْوِهَا .
كَأُمِّ وَلَدِهِ إذَا أَكْرَهَهَا ، وَالْمُرَادُ : وَقُلْنَا تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ .
وَلَوْ أَكْرَهَ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَطْءِ دَفَعَتْهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ ، وَلَوْ أَفْضَى إلَى نَفْسِهِ ، كَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ .

وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ ( و ) وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ الْغُسْلِ وَمِنْ الْحَدِّ ، وَقَدْ قَاسَ جَمَاعَةٌ عَلَيْهِمَا ، لَكِنْ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إنْ أَنْزَلَ ( و ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ : لَا كَفَّارَةَ .

وَإِنْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ فَكَالْآدَمِيَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ : وَسَوَاءٌ وَجَبَ الْحَدُّ كَالزِّنَا أَوْ لَا ، كَالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ ، وَكَذَا خَرَّجَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ ، وَيَأْتِي قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ : لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ ( و هـ ) وَلَا فِطْرٌ ( و هـ ) وَلَا كَفَّارَةٌ ( و هـ ) كَذَا قَالَ ، وَإِنْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتٍ فَكَالْحَيِّ ، وَسَبَقَ وَجْهٌ فِي الْغُسْلِ .
وَقِيلَ هُنَا : فِي آدَمِيٍّ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ بَهِيمٍ حَيٍّ ، وَقِيلَ : أَوْ مَيِّتٍ ، كَذَا قِيلَ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : إنْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ .

وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ( و ) وَالْكَفَّارَةُ ( هـ ) لِأَنَّهُ مَنَعَ صِحَّةَ الصَّوْمِ بِجِمَاعٍ أَثِمَ فِيهِ ، لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ ، كَمَنْ وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي النَّهَارِ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ وَاسْتَدَامَ قَضَى وَكَفَّرَ ، وَإِنَّمَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِالِاسْتِدَامَةِ دُونَ الِابْتِدَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ كَفَّارَةً ، وَأَمَّا الْحَدُّ عَلَى مُجَامِعٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَدَامَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي وَجْهٍ ، ثُمَّ الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ .
وَقَاسَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى مَنْ اسْتَدَامَ الْوَطْءَ حَالَ الْإِحْرَامِ .
وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي ، لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ يُلْتَذُّ بِهِ كَالْإِيلَاجِ ، بِخِلَافِ مُجَامِعٍ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ فَنَزَعَ ، لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ : لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ ( و هـ ش ) وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ وَطْءِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَبْلَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، فَإِنْ جَازَ فَالنَّزْعُ لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَإِلَّا كَانَ جِمَاعًا .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : يَقْضِي ، قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي الْكَفَّارَةِ عَنْهُ خِلَافٌ ( م 8 ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهَذَا يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا يَقْضِي فَقَطْ ، قَالَ : وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي ( و م ) لِحُصُولِهِ مُجَامِعًا أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْهُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ مِنْ اللَّيْلِ ، فَهُوَ كَمَنْ ظَنَّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ عُذْرٌ صَارَ كَوَطْءِ النَّاسِي وَمَنْ ظَنَّهُ لَيْلًا .
وَفِي الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ رِوَايَتَانِ ، كَذَا هَذَا .

( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ : لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : يَقْضِي ، قَوْلًا وَاحِدًا .
وَفِي الْكَفَّارَةِ عَنْهُ خِلَافٌ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِيضَاحِ ، وَالْمُبْهِجِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَنَصَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَالْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَاخْتِيَارُ الْمَجْدِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ فِعْلَ الْوَطْءِ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ، وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ق ) أَوْ جُنَّ ( هـ ق ) أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ ( هـ ق ) أَوْ نَفِسَتْ ( هـ ق ) لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَعْرَابِيَّ بِالْكَفَّارَةِ ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ ، وَكَمَا لَوْ سَافَرَ ( و ) وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ مَمْنُوعٌ ، وَيُؤْثَرُ عِنْدَهُمْ فِي مَنْعِ الْكَفَّارَةِ وَلَا يُسْقِطُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا ، تَفْرِقَةً بَيْنَ كَوْنِهِ مُقَارِنًا وَطَارِئًا .
وَلَا يُقَالُ : تَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عِنْدَ الْجِمَاعِ ، لِأَنَّ الصَّادِقَ لَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَيَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ .
وَالصَّوْمُ لَا تَتَجَزَّأُ صِحَّتُهُ ، بَلْ لُزُومُهُ كَصَائِمٍ صَحَّ أَوْ أَقَامَ .
وَفِي الِانْتِصَارِ وَجْهٌ : يَسْقُطُ بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ ( و ق ) لِمَنْعِهِمَا الصِّحَّةَ ، وَمِثْلُهُمَا مَوْتٌ ، وَكَذَا جُنُونٌ إنْ مَنَعَ طَرَيَانُهُ الصِّحَّةَ ، وَأَشْهَرُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا ( و م ) .

وَمَنْ وَطِئَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ عَادَ فَوَطِئَ فِي يَوْمِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِمَا سَبَقَ فِيمَنْ اسْتَدَامَهُ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَكَالْحَجِّ ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ( و ) وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) بِمَا يَقْتَضِي دُخُولَ أَحْمَدَ فِيهِ .
وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ وَتَدَاخَلَ مُوجِبُهُ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَعَلَى الثَّانِي لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ ، وَكَذَا أَكَلَ وَاطِئٌ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ ( و )

وَنَصَّ أَحْمَدَ فِي مُسَافِرٍ قَدِمَ مُفْطِرًا ثُمَّ جَامَعَ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ ، هَذَا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي كِتَابِ الْمَذْهَبِ ، لِضَعْفِ هَذَا الْإِمْسَاكِ ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَجْهٌ فِيمَنْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ .
وَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ بِالْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ تَرْكِ نِيَّةِ الصَّوْمِ عَمْدًا بِلَا أَكْلٍ وَلَا جِمَاعٍ ، وَإِنْ أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَالْخِلَافُ وَسَبَقَ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلٍ ؟
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَالْخِلَافُ ، انْتَهَى .
لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْوَطْءِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ [ فِي ] الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَقَدْ قَطَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاطِئِ بَعْدَ الْأَكْلِ .

وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ ، فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَّرَ عَنْ الثَّانِي ( و ) وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) وَفِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ ( هـ ) وَكَذَا إنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ ، فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ ( و م ش ) لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ ، وَكَيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ ( هـ ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ( م 9 ) و هـ ) كَالْحُدُودِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فَعَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ لَوْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْهُ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الرَّقَبَةُ الْأُولَى ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَأَجْزَأَتْهُ الثَّانِيَةُ عَنْهُمَا ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا لَزِمَهُ بَدَلُهَا ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتَا جَمِيعًا أَجْزَأَهُ بَدَلُهُمَا رَقَبَةً وَاحِدَةً ، لِأَنَّ مَحَلَّ التَّدَاخُلِ وُجُودُ السَّبَبِ الثَّانِي قَبْلَ أَدَاءِ مُوجِبِ الْأَوَّلِ ، وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ لَا تَتَغَيَّرُ فَتَلْغُو وَتَصِيرُ كَنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ ، هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِنَا ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي نَظِيرِهِ ، وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ قَضَى فِيهِ بِتَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ فِي الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى التَّكْفِيرَ عَنْ بَعْضِهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ جَمِيعِهَا ، مِثْلُ مَنْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ : أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ وَطِئَ وَاحِدَةً وَكَفَّرَ عَنْهَا أَجْزَأَهُ عَنْ الْكُلِّ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَوَجَدْت أَنَا فِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ : لَوْ أَطْعَمَ إلَّا فَقِيرًا فَوَطِئَ أَطْعَمَهُ فَقَطْ عَنْهُمَا ، كَحَدِّ الْقَذْفِ عِنْدَهُمْ .

( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَّرَ عَنْ الثَّانِي .
وَكَذَا إنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ ، فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَجَامِعِهِ وَرِوَايَتَيْهِ ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ ، فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ : هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : لَزِمَهُ ثِنْتَانِ ، فِي الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَقَدَّمَهُ هُوَ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .

وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ : فَأَفْطَرَ ، وَفِيهَا نَظَرٌ فَعَنْهُ : يُكَفِّرُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْأَكْثَرُ ( و م ) كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ ، وَعَنْهُ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ( و هـ ش ) اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ النَّصِيحَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، وَهِيَ أَظْهَرُ ( م 10 ) وَعَلَى الْأَوَّلِ : النَّاسِي كَالْعَامِدِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اعْتِبَارُهُ بِالْفَرْجِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا : عَامِدًا ، وَكَذَا إذَا أَنْزَلَ الْمَجْبُوبُ بِالْمُسَاحَقَةِ .
وَكَذَا امْرَأَتَانِ إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْمُطَاوِعَةَ كَفَّارَةٌ ، وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ .

( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ : فَأَفْطَرَ ، وَفِيهَا نَظَرٌ فَعَنْهُ : يُكَفِّرُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْأَكْثَرُ ، كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ ، وَعَنْهُ : لَا كَفَّارَةَ [ عَلَيْهِ ] اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ النَّصِيحَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، وَهِيَ أَظْهَرُ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ النَّصِيحَةِ وَالْمُغْنِي وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : وَهِيَ أَصَحُّ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَهِيَ أَظْهَرُ ، وَقَدَّمَهَا فِي النَّظْمِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ، اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هِيَ الْمَشْهُورَةُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ، حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا .

وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُمَا كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْقَاضِي ( و م ) وَفِي رِوَايَةٍ : لَا كَفَّارَةَ ، اخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ [ ( و ) ] وَنَصُّ أَحْمَدَ : إنْ قَبَّلَ فَمَذَى لَا يُكَفِّرُ ( م 11 ) وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى فَلَا كَفَّارَةَ ( م ) كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْهُ ( و ) وَعَنْهُ : بَلَى ، كَاللَّمْسِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقِيلَ : إنْ أَمْنَى بِفِكْرَةٍ أَوْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ عَمْدًا أَفْطَرَ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ ، وَسَبَقَ حُكْمُ مَنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ، وَجِمَاعِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ .

( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُمَا كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْقَاضِي .
وَفِي رِوَايَةٍ : لَا كَفَّارَةَ ، اخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ ، وَنَصَّ أَحْمَدَ : إنْ قَبَّلَ فَمَذَى لَا يُكَفِّرُ .
انْتَهَى .
مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ بِوَطْءٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ فَمَذَى أَوْ أَمْنَى بِبَعْضِ ذَلِكَ بَطَلَ صَوْمُهُ مُطْلَقًا .
وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَاتٌ ، الْوُجُوبُ ، وَعَدَمُهُ ، وَالثَّالِثَةُ : يَجِبُ فِي الْوَطْءِ الْمَذْكُورِ فَقَطْ ، وَكَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : وَمَنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى أَفْطَرَ مُطْلَقًا ، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ ، وَقِيلَ مَنْ أَمْنَى نَاسِيًا بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ لَمْ يُفْطِرْ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ، فَالْمُقَدَّمُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَهُمَا كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ ، كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ كَالْمُصَنِّفِ الْمَجْدِ وَابْنِ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : اخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُغْنِي ، قَالَ الشَّارِحُ : وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ ، أَصَحُّهُمَا لَا تَجِبُ ، نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ وَأَبُو طَالِبٍ ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَاخْتَارَهَا مَنْ اخْتَارَ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ .
( تَنْبِيهٌ ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا كَوْنُهُ خَصَّصَ الْقَاضِي

بِإِلْحَاقِ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِمَا بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِمَقَالَتِهِ وَقَطَعَ بِهَا الثَّانِي نِسْبَةُ الْقَوْلِ الثَّانِي إلَى الْأَصْحَابِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا غَيْرَهُ نَسَبَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ مِثْلُ صَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، بَلْ الَّذِي اخْتَارَ الْفَرْقَ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَنَاسٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ .
الثَّالِثُ كَوْنُهُ نَسَبَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ إلَى الْقَاضِي ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ غَيْرُهُ ، وَقَدْ قَالَ فِي التَّعْلِيقِ : إنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَخَصَّ الرِّوَايَتَيْنِ بِاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَنَحْوِهِمَا ، كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْوَطْءَ دُونَ الْفَرْجِ وَالْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِيمَا إذَا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْحَجِّ ، فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَصْحِيحِهَا .

وَيَخْتَصُّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِرَمَضَانَ ( و ) لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُسَاوِيه ، خِلَافًا لِقَتَادَةَ فِي قَضَائِهِ فَقَطْ .
وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ يُكَفِّرُ إنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ هَلْ تَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ .

وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ ، فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( و هـ ش ) وَيَأْتِي فِيهَا [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] اعْتِبَارُ سَلَامَةِ الرَّقَبَةِ وَكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً ، وَلَا يَحْرُمُ هُنَا الْوَطْءُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ ، وَلَا فِي لَيَالِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَأَظُنُّهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ ، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، ذَكَرَهُ فِيهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَحَرَّمَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ فِي كِتَابِهِ أَسْبَابُ النُّزُولِ ، عُقُوبَةً ، وَعَنْهُ : إنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ ( و م ر ) لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ } .
وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا } ، وَتَابَعَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ ، وَخَالَفَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ ، فَرَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ إفْطَارَ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَانَ بِجِمَاعٍ ، { وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : هَلْ تَسْطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ .
قَالَ : لَا ، قَالَ : هَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ : لَا .
ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهَذَا .
قَالَ : عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا ؟ قَالَ : اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ } وَفِي أَوَّلِهِ : {

هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : وَمَا أَهْلَكَك ؟ قَالَ : وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَوْلَى ، لِأَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمُشْتَمِلٌ عَلَى زِيَادَةٍ ، وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُ ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ : هَلَكْت وَأَهْلَكْت .
وَضَعَّفَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْبَيْهَقِيُّ ، وَصَنَّفَ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فِي إبْطَالِهَا .
وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ { وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ وَقَالَ : فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا } ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ : فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا ، وَهِشَامٌ تَكَلَّمَ فِيهِ ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّوْمِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ وَفِيهِ كَلَامٌ ، رَوَى ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَتَابَعَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ .
وَبَحْرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَأَشَارَ هُوَ وَغَيْرُهُ إلَى صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا ، وَعَنْ الْحَسَنِ : عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ إهْدَاءُ بَدَنَةٍ أَوْ إطْعَامُ عِشْرِينَ صَاعًا أَرْبَعِينَ مِسْكِينًا ، وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا نَحْوُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ ، وَفِيهِ : وَصُمْ يَوْمًا .
وَمَذْهَبُ ( م ) هَذِهِ الْكَفَّارَةُ إطْعَامٌ فَقَطْ ، كَذَا قَالَ .
وَالْإِطْعَامُ كَمَا يَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ فِي الصِّيَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيَلْزَمُ مَنْ قَدَرَ قَبْلَهُ ، وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي الظِّهَارِ [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] وَتَسْقُطُ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ بِالْعَجْزِ ، فِي

ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ق ) زَادَ بَعْضُهُمْ : بِالْمَالِ ، وَقِيلَ : وَالصَّوْمُ كَذَا قَالَ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْ الْأَعْرَابِيَّ بِهَا أَخِيرًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَكَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَعَنْهُ : لَا تَسْقُطُ ( و هـ ش ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِهَا الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا جَاءَهُ الْعَرَقُ بَعْدَمَا أَخْبَرَهُ بِعُسْرَتِهِ ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَظْهَرُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : فَلَوْ كَفَّرَ غَيْرُهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَقِيلَ : أَوْ دُونَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا .
وَعَنْهُ : لَا يَأْخُذُهَا .
وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا أَمْ كَانَ خَاصًّا بِذَاكَ الْأَعْرَابِيِّ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَخَّصَ لِلْأَعْرَابِيِّ فِيهِ لِحَاجَتِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ كَفَّارَةً .
وَلَا تَسْقُطُ غَيْرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ بِالْعَجْزِ ، مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا حَالَةَ الْإِعْسَارِ ، وَلِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ فِي الظِّهَارِ ، وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلنَّصِّ ، كَذَا قَالُوا : لِلنَّصِّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَلَيْسَ الصَّوْمُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا .
وَعَنْهُ : تَسْقُطُ ، وَمَذْهَبُ ( ش ) هِيَ كَرَمَضَانَ ، إلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ ، لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْغَرَامَةِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ تَسْقُطُ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : بِالْعَجْزِ عَنْ كُلِّهَا ، لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِيهَا .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : تَسْقُطُ مُطْلَقًا ، كَرَمَضَانَ .
وَأَكْلُهُ الْكَفَّارَاتِ بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ عَنْهُ كَرَمَضَانَ ، وَعَنْهُ : تَخْتَصُّ بِالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَإِنْ مَلَّكَهُ

مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَقُلْنَا لَهُ أَخْذُهُ هُنَاكَ فَلَهُ هُنَا أَكْلُهُ ، وَإِلَّا أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ .
وَقِيلَ : هَلْ لَهُ أَكْلُهُ أَوْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .

بَابُ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ ( وَ ) قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ بِشْرٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ .
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : { وَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ قَالَ : يَقْضِيهِ تِبَاعًا وَإِنْ فَرَّقَهُ أَجْزَأَهُ } .
وَلَهُ أَيْضًا وَقَالَ إسْنَادٌ حَسَنٌ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ مُرْسَلًا قَالَ : { ذَلِكَ إلَيْك ، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَى الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ أَلَمْ يَكُنْ قَضَاءً ؟ فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَعْفُوَ وَيَغْفِرَ } .
وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ { فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعُهُ } رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْقَاصِّ ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَوَّاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، فَإِنْ صَحَّ فَلِلِاسْتِحْبَابِ ، وَقَوْلِ عَائِشَةَ نَزَلَتْ ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ ) فَسَقَطَتْ ( مُتَتَابِعَاتٌ ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : إسْنَادٌ صَحِيحُ يَصْلُحُ لِسُقُوطِ الْحُكْمِ وَالتِّلَاوَةِ ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ لَهُ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ أَدَاءً ، وَإِنَّمَا لَزِمَ التَّتَابُعُ فِيهِ فِي صَوْمِ مُقِيمٍ لَا عُذْرَ لَهُ لِلْفَوْرِ ، وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ لَا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي نَفْسِهِ ، فَنَظِيرُهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَتَّسِعُ لَهُ ، وَفِي التَّتَابُعِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ ، وَهُوَ أَنْجَزُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، وَأَشْبَهُ بِالْأَدَاءِ ، فَكَانَ أَوْلَى ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي

الْخِلَافِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى الْفَوْرِ : أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ فِيهِ ، كَذَا ذُكِرَ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ مَا لَمْ يُدْرِكْ رَمَضَانَ ثَانٍ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ : إنْ أَفْطَرَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ حُرِّمَ التَّأْخِيرُ ، قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَهُمْ : حَتَّى بِعُذْرِ السَّفَرِ ، وَأَوْجَبَ دَاوُد الْمُبَادَرَةَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ بَعْدَ الْعِيدِ ، وَهَلْ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ .
فِي الصَّلَاةِ : لَا يَنْتَفِي إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي ثَانِي الْوَقْتِ ، قَالَ : وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ مُتَرَاخِيَةٍ ، قَالَ فِي مُسْلِمٍ : الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ فِيهِ وَفِي كُلِّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ إنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ : يَجِبُ التَّتَابُعُ ، وَكَذَا قَالَ دَاوُد وَالظَّاهِرِيَّةُ : يَجِبُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ كَأَدَائِهِ ، وَأَجَازَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ الْأَمْرَيْنِ ، قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ : لَا فَضْلَ لِلتَّتَابُعِ عَلَى التَّفْرِيقِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَقْضِيهِ بِيَوْمٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاءُ شَهْرٍ .

بَابُ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ و هَلْ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ يَعْنِي فِعْلَ الصَّوْمِ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الصَّوْمِ الْمَقْضِيِّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ أَوْ لَا يَجِبُ ؟ يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالْعَزْمِ عَلَى الصَّلَاةِ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا ، وَفِيهِ فِي الصَّلَاةِ وَجْهَانِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، فَيَكُونُ الصَّحِيحُ فِي الصَّوْمِ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ ابْنِ عَقِيلٍ .

وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَالْمُسْتَوْعِبِ ( و هـ ش ) كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : إنْ قَضَى شَهْرًا هِلَالِيًّا أَجْزَأَهُ مُطْلَقًا ، وَإِلَّا تَمَّمَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ .
فَعَلَى الْأَوَّلِ : مَنْ صَامَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ كَامِلٍ أَوْ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَكَانَ رَمَضَانُ الْفَائِتُ نَاقِصًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ .
وَعَلَى الثَّانِي : يَقْتَضِي يَوْمًا تَكْمِيلًا لِلشَّهْرِ بِالْهِلَالِ أَوْ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ [ يَوْمًا ] .

وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بِلَا عُذْرٍ ( وَ ) نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : مَا كُنْتُ أَقْضِي مَا عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا فِي شَعْبَانَ ، لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَكَمَا لَا تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ ، فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ( و م ش ) رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ : إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَا أَحْسَبُهُ يَصِحُّ عَنْهُمْ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : لَا يَلْزَمُهُ إطْعَامٌ ( و هـ ) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَكَتَأْخِيرِ أَدَاءِ رَمَضَانَ عَنْ وَقْتِهِ عَمْدًا ، وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ وَفِيهِ ضَعْفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : يُطْعِمُ بِلَا قَضَاءٍ وَيُطْعِمُ مَا يُجْزِئُ كَفَّارَةً ( وَ ) ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فَإِذَا قَضَى أَطْعَمَ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَنَا ، مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ ، وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ .
وَمَذْهَبُ ( م ) الْأَفْضَلُ مَعَهُ ، وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ رَمَضَانَ ثَانٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِكُلِّ سَنَةٍ فِدْيَةٌ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ .

وَمَنْ دَامَ عُذْرُهُ بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ فَلَمْ يَقْضِ ثُمَّ زَالَ صَامَ الشَّهْرَ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ وَلَا يُطْعِمُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ : يُطْعِمُ بِلَا قَضَاءٍ .
فَعَلَى قَوْلِنَا إنْ كَانَ أَمْكَنَهُ قَضَاءُ الْبَعْضِ قَضَى الْكُلَّ وَأَطْعَمَ عَمَّا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ .

وَإِنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ .
وَفِي التَّلْخِيصِ رِوَايَةٌ : يُطْعَمُ عَنْهُ ، كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءً الْوُجُوبُ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ .
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ الصَّوْمُ عَنْهُ أَوْ التَّكْفِيرُ ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : إنْ أَخَّرَهُ النَّاذِرُ لِعُذْرٍ حَتَّى مَاتَ فَلَا فِدْيَةَ .
عَلَى الْأَصَحِّ ، ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَجِّ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّوْمُ ، وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ ( وَ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ، وَقَالَ : الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ .
وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الْقَضَاءِ قَالَتْ : لَا بَلْ يُطْعِمُ ، رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَإِنَّهُ إنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ ، فَالرَّاوِي أَعْلَمُ بِمَا رَوَى .
قَالَ الْأَصْحَابُ : وَلِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، كَالصَّلَاةِ .

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ صِحَّةِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ طَرَيَانِ الْعَضَبِ وَالْكِبَرِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ : وَإِنَّهُ إذَا حَجَّ النَّائِبُ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ( و م ش ) وَمَذْهَبُ ( هـ ) يَقَعُ الْحَجُّ تَطَوُّعًا ، وَلَا يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ إلَّا ثَوَابُ النَّفَقَةِ ، فَنَحْنُ نَقُولُ : أُقِيمَ حَجُّ نَائِبِهِ مَقَامَ حَجِّهِ ، فَفِعْلُ الْغَيْرِ لِلْحَجِّ بَدَلٌ عَنْ فِعْلِهِ فِيمَا يُبْذَلُ ، إلَّا الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْفَاعِلُ ، وَعِنْدَهُمْ الْبَدَلُ هُوَ سَعْيُهُ بِمَا لَهُ فِي تَحْصِيلِ حَجِّ الْغَيْرِ ، فَالْبَدَلُ عِنْدَهُ مُتَبَدِّلٌ لَيْسَ هُوَ فِعْلُ الْحَجِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ بَذْلُ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ حَجِّ النَّائِبِ حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ وَحَجَّ عَنْهُ بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ ، لِأَنَّ السَّعْيَ بِبَذْلِ الْمَالِ مَفْقُودٌ ، فَالْوَاجِبُ الْمُؤَدِّي هُوَ الْمُبْتَذَلُ .
وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا ، وَقَالَ : فَأَمَّا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ فَلَنَا رِوَايَةٌ أَنَّ الْوَارِثَ يَنُوبُ عَنْهُ فِي جَمِيعِهَا مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي نِيَابَةِ الْوَارِثِ فِي الزَّكَاةِ ، ثُمَّ الصَّوْمُ يُقَابِلُ فَائِتَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ بِالْإِطْعَامِ ، وَالصَّلَاةُ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَجْزُ فِيهَا عِنْدَنَا ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَقْصُودُهَا تَحْصِيلُ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ مُوَاسَاةً ، وَتَعَاطِي التَّكْلِيفِ مَقْصُودٌ لِلِامْتِحَانِ ، فَعِنْدَ الْعَجْزِ يَسْتَقِلُّ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَيَلْتَحِقُ بِالدَّيْنِ ، وَالْحَجُّ الِامْتِحَانُ فِيهِ مَقْصُودٌ ، وَفِيهِ مَقْصُودٌ آخَرُ سِوَى الْفِعْلِ ، فَإِنَّهُ وُضِعَ عَلَى مِثَالِ حَضْرَةِ الْمُلُوكِ وَحُرْمَتِهِمْ وَقَدْ يَقْصِدُ الْمَلِكُ أَنْ تَكُونَ عَتَبَتُهُ مَخْدُومَةً بِأَصْحَابِهِ ، فَإِنْ عَجَزُوا فَبِنُوَّابِهِمْ لِإِقَامَةِ الْخِدْمَةِ .
وَالصَّلَاةُ لَا مَقْصُودَ فِيهَا إلَّا مَحْضُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ امْتِحَانًا فَإِذَا فَعَلَ غَيْرُهُ [ ذَلِكَ ] فَاتَ كُلُّ الْمَقْصُودِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي

مَعْنَى الدَّيْنِ ، يُصَحِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْخَصْمَ أَقَامَ لِلْحَجِّ بَدَلًا وَإِنْ خَالَفْنَا فِي صِفَتِهِ ، وَلَمْ يُقِمْ لِلصَّلَاةِ بَدَلًا .
وَاحْتَجَّ لَهُمْ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَالَ : قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِالْمَنْعِ وَالتَّسْلِيمِ ، ثُمَّ هُنَاكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِبَذْلِ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا مَنْ بَلَغَ مَعْضُوبًا تَلْزَمُهُ الِاسْتِنَابَةُ ، وَاحْتَجَّ لِلْمُخَالَفَةِ بِالصَّلَاةِ ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا نُسَلِّمُهَا وَنَقُولُ : يُصَلِّي عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، ثُمَّ الصَّلَاةُ لَا يُتَصَوَّرُ عَجْزُهُ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَزُولَ عَقْلُهُ ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ، وَلَوْ وَصَّى بِهَا لَمْ تُصَلَّ عَنْهُ ، بِخِلَافِ الْحَجِّ عِنْدَهُمْ ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِي جُبْرَانِهَا ، وَالْبَدَلُ جُبْرَانٌ ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ، ثُمَّ هُوَ قِيَاسٌ يُعَارِضُ النُّصُوصَ .
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا : لَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، فَقِيلَ لَهُ : لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الْحَجِّ ، فَقَالَ : لَا نُسَلِّمُ ، بَلْ النِّيَابَةُ تَدْخُلُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ إذَا وَجَبَتْ وَعَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَذَكَرَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ النِّيَابَةَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَالرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْتَضِي : وَفِي الْحَيَاةِ أَيْضًا ، كَالْحَجِّ ، فَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ ، إنْ عَجَزَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلصَّلَاةِ كَبَّرَ عَنْهُ رَجُلٌ ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ ، وَنَقَلَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالْحَكَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ قِيَاسِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ عَلَى الزَّكَاةِ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَا يَلْزَمُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ فَإِنَّا إنْ قُلْنَا تَدْخُلُهُمَا النِّيَابَةُ فَإِنَّهُمَا كَمَسْأَلَتِنَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَدْخُلُهُمَا النِّيَابَةُ قُلْنَا هُنَاكَ لَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يَنْوِيَهُمَا عَنْ غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ

مَسْأَلَتِنَا .
وَمَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ إلَى صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ : لَوْ قِيلَ لَمْ أَبْعُدْ ، فَعَلَى هَذَا : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ : لَا يُطْعِمُ ، كَقَوْلِ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ ، وَرِوَايَةٍ عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ، وَمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : مَنْ يَقُولُ بِالصِّيَامِ يَجُوزُ عِنْدَهُ الْإِطْعَامُ ، وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا : إنْ تَبَرَّعَ بِصَوْمِهِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَهُمَا مُعْسِرَانِ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ الْمَالِ ، وَكَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ رِوَايَةٌ : يَصُومُهُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ عَنْهُ ، وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي صَوْمِ النَّذْرِ نَحْوَ قَوْلِ شَيْخِنَا فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا يُفْعَلُ عَنْ عَاجِزٍ فِي حَيَاتِهِ ، بَلْ يُطْعِمُ ، ثُمَّ جَعَلَ هَذَا حُجَّةً لِلْمُخَالِفِ فِي عَدَمِ فِعْلِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
قَالَ : وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْهُ ، كَمَا نَقُولَ فِي الْحَجِّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ يَحُجُّ عَنْهُ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ دَاوُد : لَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يُطْعَمُ ، خِلَافَ مَا سَبَقَ عَنْهُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّافِعِيَّةُ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْإِطْعَامُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، أَوْصَى أَوْ لَا [ ( و ش ) ] لَا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى ( هـ م ) كَالزَّكَاةِ عَلَى أَصْلِهِمَا .

وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ فَأَكْثَرُ أَجْزَأَهُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرَانِ ، لِاجْتِمَاعِ التَّأْخِيرِ وَالْمَوْتِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ ، قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : { مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُجْزِئْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَلَوْ صَامَهُ } : لَا يَصِحُّ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ نَفْسَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ ، وَكَذَا ضَعَّفَهُ غَيْرُ أَحْمَدَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ يَوْمٍ سِوَى يَوْمٌ ( وَ ) وَعِنْدَ شَيْخِنَا : لَا يَقْضِي مُتَعَمِّدٌ بِلَا عُذْرٍ ( خ ) صَوْمًا وَلَا صَلَاةً ، قَالَ : وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا بَلْ يُوَافِقُهُ وَضَعُفَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُجَامِعُ بِالْقَضَاءِ ، لِعُدُولِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ .

وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ كَفَّارَةٍ عَنْ مَيِّتٍ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ ) خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ ، لِارْتِكَابِ مَأْثَمٍ ، فَهِيَ كَالْحُدُودِ ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ أَطْعَمَ عَنْهُ ثَلَاثَةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .

وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مِنْ كَفَّارَةٍ أَطْعَمَ عَنْهُ أَيْضًا ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، فَفِيهِ جَوَازُ الْإِطْعَامِ عَنْهُ بَعْضُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ، لِأَنَّ الْإِطْعَامَ هُنَا لَيْسَ هُوَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ ، لَكِنَّهُ بَدَلُ الصَّوْمِ

وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ الْمُتْعَةِ يُطْعَمُ عَنْهُ أَيْضًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّ هَذَا الصَّوْمَ وَجَبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ .

وَصَوْمُ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ ، عَلَى مَا سَبَقَ عِنْدَ الْكُلِّ ( وَ ) وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَنَصَّ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ : يَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ بِخِلَافِ رَمَضَانَ ، وِفَاقًا لِلَّيْثِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ .
وَسَبَقَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِهِ ( و ش ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ ، فَلَا يَتَعَدَّى النَّصَّ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ ، يَصُومُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ : ابْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ ، فَيَتَوَجَّهُ : يَلْزَمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّصِّ : لَا يَصُومُ بِإِذْنِهِ ، وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَجِّ ، وَاخْتَارَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيهِ فِي الِانْتِصَارِ ، كَحَالِ الْحَيَاةِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ الصِّحَّةَ ، لِعَدَمِ اسْتِفْصَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَيُجْزِئُ عَنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْأَيَّامِ ؟ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يَصُومُ وَاحِدٌ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : فَمَنَعَ الِاشْتِرَاكَ كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَمَاعَةٍ .
وَحَكَى أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ الْجَوَازَ ، وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْحَسَنِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ : لَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ أَصْحَابُهُمْ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( م 1 ) وَحَمَلَ مَا سَبَقَ عَلَى صَوْمٍ شَرْطُهُ التَّتَابُعُ ، وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ مَا جَازَ تَفْرِيقُهُ كُلَّ يَوْمٍ كَحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثَلَاثِ حِجَجٍ جَازَ صَرْفُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ نَائِبَهُ مِثْلُهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ ثَلَاثَ حَجَّاتٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ

قَوْلًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ ، وَذَكَرَهُ فِي فَصْلِ اسْتِنَابَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْ بَابِ الْإِحْرَامِ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الصَّوْمِ ، وَهُوَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا ، وَلَا فَرْقَ .
وَيَأْتِي فِي تَفْرِيقِ الِاعْتِكَافِ .
وَيُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ عَنْهُ ، وَلَا يَجِبُ ( وَ ) خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ ، كَالدَّيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ [ لَهُ ] تَرِكَةٌ ، وَلَهُ أَنْ يَصُومَ ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ يَصُومَ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ [ لَهُ ] تَرِكَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : كَالْحَجِّ الْوَارِثِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ نَفَقَةٍ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنَّ الْقَاضِيَ فِي الْمُجَرَّدِ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا امْتَنَعُوا يَلْزَمُهُمْ اسْتِنَابَةٌ وَلَا إطْعَامَ .
وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعَ عَدَمِ صَوْمِ الْوَرَثَةِ يَجِبُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ مِنْ مَالِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمِ ، وَمَعَ صَوْمِ الْوَرَثَةِ لَا يَجِبُ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا فَعَجَزَ عَنْهُ أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا إطْعَامَ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، بِخِلَافِ رَمَضَانَ ، وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِ خِلَافَهُ ، وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ الصَّوْمِ عَنْهُ أَوْ الْإِطْعَامِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّ الصَّوْمَ عَنْهُ بَدَلٌ مُجْزِئٌ بِلَا كَفَّارَةٍ ، وَيَأْتِي كَلَامُهُمْ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ ، وَسَبَقَ كَلَامُهُمْ فِي الِانْتِصَارِ فِي تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ ، وَأَوْجَبَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، قَالَ : كَمَا لَوْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ صَوْمَ شَهْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ كَالْمُسْتَوْعِبِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إنْ لَمْ يَقْضِهِ عَنْهُ وَرَثَتُهُ أَوْ غَيْرُهُمْ أَطْعَمَ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرٌ مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، وَإِنْ قَضَى كَفَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعَنْهُ .
مَعَ الْعُذْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ .
وَهَذِهِ

الرِّوَايَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هِيَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ ، فَإِنَّهُ نَقَلَ : إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَحَالَ بَيْنَهُ مَرَضٌ أَوْ عِلَّةٌ حَتَّى يَمُوتَ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَأَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، لِتَفْرِيطِهِ ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ مَا نَذَرَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَاتَ ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ بَعْضِ مَا نَذَرَهُ قَضَى عَنْهُ مَا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ فَقَطْ ( وَ م ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا ، لِأَنَّ رَمَضَانَ يُعْتَبَر فِيهِ إمْكَانُ الْأَدَاءِ ، وَالنَّذْرِ يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْفَرْضِ .
وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ مُطْلَقًا ، بَلْ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ ، كَالنَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ ، وَالنَّذْرُ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، وَقَضَاءُ رَمَضَانَ ؛ وَمَذْهَبُ ( هـ ش ) يَلْزَمُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ كُلَّهُ ، لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ صَحِيحَةٌ فِي الْحَالِ ، كَالْكَفَّارَةِ ، بِخِلَافِ مَنْ دَامَ مَرَضُهُ حَتَّى مَاتَ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ يَثْبُتُ فِيهَا الصَّوْمُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ : أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَثْبُتُ الصِّيَامُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ ، وَيُخَيَّرُ وَلِيُّهُ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ أَوْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ يَصُومَ ؛ وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّذْرَ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إمْكَانُ الْأَدَاءِ كَالْكَفَّارَةِ ، وَذَكَرَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ : إنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْمَرَضُ حَتَّى مَاتَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا [ هُوَ ] مَاتَ .
قَالَ : وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَالْفَضْلِ وَابْنِ مَنْصُورٍ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يَقْضِي عَنْ الْمَيِّتِ مَا تَعَذَّرَ فِعْلُهُ بِالْمَرَضِ دُونَ الْمُتَعَذِّر بِالْمَوْتِ ، لِأَنَّ النَّذْرَ وَإِنْ تَعَلَّقَ

بِالذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَيَّامِ الْآتِيَةِ بَعْدَ النَّذْرِ ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ تَبَيَّنَّا أَنَّ قَدْرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا صَادَفَ نَذْرَهُ حَالَةَ مَوْتِهِ ، وَهُوَ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ فِي ذِمَّتِهِ ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ أَوْ جُنَّ وَدَامَ جُنُونُهُ حَتَّى انْقَضَى ، بِخِلَافِ الْقَدْرِ الَّذِي أَدْرَكَهُ حَيًّا وَهُوَ مَرِيضٌ ، لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الصَّوْمِ فِي الذِّمَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْضِي رَمَضَانَ ، وَيَقْضِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَرِيضِ وَالنِّيَابَةُ تَدْخُلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا مَعْنَى لِسُقُوطِهِ بِهِ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ قَضَاءُ رَمَضَانَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُهُ ، وَلَمْ يَجِبْ الْإِطْعَامُ لِأَنَّهُ وَجَبَ عُقُوبَةً لِلتَّفْرِيطِ وَلَمْ يُوجَدْ .
قَالَ : وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَضَائِهِ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ .
هَذَا كُلُّهُ فِي النَّذْرِ فِي الذِّمَّةِ .
فَأَمَّا إنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَقْضِ عَنْهُ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ سَقَطَ بَاقِيهِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ حَتَّى انْقَضَى ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، وَسَبَقَ كَلَامُهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ حَتَّى مَاتَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ فِي صَوْمِ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ : " وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ .
وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِهِ .
وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَجِّ " ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَيُجْزِئُ عَنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْأَيَّامِ ؟ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يَصُومُ وَاحِدٌ .
قَالَ فِي الْخِلَافِ : فَمَنَعَ الِاشْتِرَاكَ ، كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَمَاعَةٍ .
وَحَكَى أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ الْجَوَازَ .
وَهُوَ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، انْتَهَى .
مَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَصُومُ وَاحِدٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ .
( تَنْبِيهٌ ) مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَجِّ " الْمَذْكُورَانِ فِي صَوْمِ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِغَيْرِ إذْنِهِ اللَّذَانِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ .

وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ مَنْذُورٌ فُعِلَ عَنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِصَرِيحِ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، وَمَنْ اعْتَذَرَ عَنْ تَرْكِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ هُنَا أَوْ فِي الصَّوْمِ بِاضْطِرَابِ الْأَخْبَارِ فَهُوَ عُذْرٌ بَاطِلٌ ، لِصِحَّةِ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ .
وَمَذْهَبُ ( هـ م ) كَقَوْلِهِمَا فِي الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْفَرْضِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ : لَا يَصِحُّ ، كَذَا قَالَ ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْحَجِّ فِي حَيَاتِهِ ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَكَنَذْرِ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ ( هـ ) لَكِنَّ الْوَاجِبَ عَنْده الْإِيصَاءُ بِقَضَائِهِ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ ( وَ ش ) كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسِعَةِ الْوَقْتِ هَلْ هُوَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَكَذَا الْعُمْرَةُ .

وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فُعِلَ عَنْهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و ق ) وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ : يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَعْتَكِفُوا عَنْهُ .
{ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ ، فَقَالَ : اقْضِهِ عَنْهَا } حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الصَّوْمِ ، فَلِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ : لَا يَصِحُّ ( وَ ) فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ( وَ ) وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ [ ( هـ م ) ] وَلَا يَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ ( هـ م ) وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْيَوْمَ بِلَيْلَتِهِ ، وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ ، فَإِنَّ كُلَّ لَحْظَةٍ عِبَادَةٌ ، وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ فَالْخِلَافُ كَالصَّوْمِ .
قِيلَ : يَقْضِي ، وَقِيلَ : لَا ، وَيَسْقُطُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ ( وَ ) فَيَسْقُطُ عِنْدَهُمْ الْإِطْعَامُ الْوَاجِبُ مَعَ التَّفْرِيطِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ فَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا تُفْعَلُ عَنْهُ ( وَ ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ لَا يَخْلُفُهَا مَالٌ وَلَا يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا ، وَنَقَلَ حَرْبٌ : تُفْعَلُ عَنْهُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، قَالَ الْقَاضِي : اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ ( م 2 ) رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَعَلَى هَذَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهَا .
وَحَيْثُ جَازَ فِعْلُ غَيْرِ الصَّوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ مَعَ فِعْلِهِ ، لِظَاهِرِ النُّصُوصِ ، وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ فِعْلِهِ شَرْعًا ، فَكَأَنَّهُ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ ، وَإِلَّا أَخْرَجَ عَنْهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، لِتَرْكِ النَّذْرِ .
زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنْ كَانَ قَدْ فَرَّطَ ، وَإِلَّا فَفِي الْكَفَّارَةِ الرِّوَايَتَانِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَصُمْهُ ، لِأَنَّ فَوَاتَ أَيَّامِ الْحَيَاةِ فِيمَا إذَا أُطْلِقَ كَفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ إذَا عُيِّنَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمَذْهَبُ ( هـ ) يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهَا .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ الشَّافِعِيُّ : لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ الْإِطْعَامِ مِنْ الِاعْتِكَافِ إلَى الصَّلَاةِ ، فَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدًّا ، أَمَّا صَلَاةُ الْفَرْضِ فَلَا تُفْعَلُ ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِيهَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَالشَّافِعِيَّةُ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَنْهُ صَلَاةً فَائِتَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ فَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا تُفْعَلُ عَنْهُ وَنَقَلَ حَرْبٌ : تُفْعَلُ عَنْهُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، قَالَ الْقَاضِي : اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمُحَرَّرِهِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا تُفْعَلُ عَنْهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُفْعَل عَنْهُ ، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذِهِ أَصَحُّ ، قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ : لَا تُفْعَلُ ، فِي الْأَشْهَرِ ، قَالَ فِي نَظْمِ النِّهَايَةِ : لَا تُفْعَلُ ، فِي الْأَظْهَرِ .

قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : مَنْ نَذَرَ طَاعَةً فَمَاتَ فُعِلَتْ ، وَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ [ نَذْرِ ] طَاعَةٍ ، إلَّا الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : إنَّ قِصَّةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ نَذْرٍ يُقْضَى ، وَكَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهَا أَيْضًا فِي الْمُنْتَقَى بِقَضَاءِ كُلِّ الْمَنْذُورَاتِ عَنْ الْمَيِّتِ : وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : لَا تُفْعَلُ طَهَارَةٌ مَنْذُورَةٌ عَنْهُ مَعَ لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي فِعْلِهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَلُزُومِهَا بِالنَّذْرِ مَا سَبَقَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا أَمْ لَا ؟ مَعَ أَنَّ قِيَاسَ عَدَمِ فِعْلِ الْوَلِيِّ لَهَا أَنْ لَا تَلْزَمَ بِالنَّذْرِ ، وَإِنْ لَزِمَتْ لَزِمَ فِعْلُ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا بِهَا ، كَنَذْرِ الْمَشْيِ إلَى مَسْجِدٍ تَلْزَمُ تَحِيَّتُهُ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ ، كَمَا يَأْتِي فِي النَّذْرِ .

وَهَلْ يُفْعَلُ طَوَافٌ مَنْذُورٌ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَصَلَاةٍ ( م 3 ) وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ وَلَمْ تَقْضِهِ ، فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ يُفْعَل طَوَافٌ مَنْذُورٌ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَصَلَاةٍ " يَعْنِي مَنْذُورَةً .
فِيهِ الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَعَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهَا ، فَكَذَا فِي هَذِهِ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى .

بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَفْضَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ نَصَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ .
فَقُلْتُ : فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ( وَ ) وَأَيَّامُ الْبِيضِ أَفْضَلُ ( و ش ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ صَوْمُ الدَّهْرِ ، وَفِي بَعْضِهَا : كَصَوْمِ الدَّهْرِ .
قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ : مُرَادُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا حَصَلَ لَهُ أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ بِتَضْعِيفِ الْأَجْرِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَيَّامُ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِابْيِضَاضِ لَيْلِهَا ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ اللَّهَ تَابَ فِيهَا عَلَى آدَمَ وَبَيَّضَ صَحِيفَتَهُ .
وَعَنْ مَالِكٍ : يُكْرَهُ صَوْمُهَا .

وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

[ وَيُسْتَحَبُّ إتْبَاعُ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ ] وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ } سَعْدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ النُّفَيْلِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، وَسَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ ، فَذَكَرَهُ ، وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ خَلَّادِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ ، لَكِنْ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ، وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ ، وَفِيهِ : { وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ } فَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِصَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ .
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ : وَإِنَّمَا كُرِهَ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّعْفِ وَالتَّشَبُّهِ بِالتَّبَتُّلِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ ، لِاسْتِغْرَاقِ الزَّمَانِ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ التَّشْبِيهُ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَيَّامِ الْبِيضِ .
وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : بِغَيْرِ خِلَافٍ ، قَالَ : وَكَذَا نَهَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَقَالَ : " مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ " أَرَادَ التَّشْبِيهَ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ فِي الْفَضْلِ لَا فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَقَالَ : فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ تَتَابُعُهَا

، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ ، وَبَعْضُهُمْ : عَقِبَ الْعِيدِ ، وَاسْتَحَبَّهُمَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ بِغَيْرِهِ ، وَسَمَّى بَعْضُ النَّاسِ الثَّامِنَ عِيدَ الْأَبْرَارِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَذَكَرَهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ : وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ ثَامِنِ شَوَّالٍ عِيدًا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعِيدٍ إجْمَاعًا وَلَا شَعَائِرُهُ شَعَائِرَ الْعِيدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصَوْمِهَا فِي غَيْرِ شَوَّالٍ ، وِفَاقًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ ، لِأَنَّ فَضِيلَتَهَا كَوْنُ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، كَمَا فِي خَبَرِ ثَوْبَانَ ، وَيَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِشَوَّالٍ لِسُهُولَةِ الصَّوْمِ لِاعْتِيَادِهِ رُخْصَةً ، وَالرُّخْصَةُ أَوْلَى .
وَيَتَوَجَّهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَتِهَا لِمَنْ صَامَهَا وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَقَدْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ ، وَمَا ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ صَوْمَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ ، وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحَقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ ، قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ : يَوْمُ الْفِطْرِ فَاصِلٌ ، بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ .

وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ ، وَآكَدُهُ التَّاسِعُ ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إجْمَاعًا .
قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِيهِ .
وَقِيلَ : لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ قَالَ : قَدْ عَرَفْتُ ؟ [ قَالَ : قَدْ عَرَفْتُ ] وَقِيلَ : لِتَعَارُفِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِهَا ( م 1 ) ثُمَّ الثَّامِنُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ .
قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ ، فَكَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا وَقِيلَ : لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ ، فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى هَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ أَوْ حُلْمٌ ( م 2 ) فَلَمَّا رَآهُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ .
وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ : آكَدُهُ الثَّامِنُ ثُمَّ التَّاسِعُ .
وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا : آكَدُهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ .

بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَآكَدُهَا التَّاسِعُ ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إجْمَاعًا .
قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ قَالَ : قَدْ عَرَفْت ، وَقِيلَ : لِتَعَارُفِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِهَا ، انْتَهَى .
هَذِهِ الْأَقْوَالُ لِلْعُلَمَاءِ ، وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةٌ بِمَذْهَبٍ ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِيَدُلَّ عَلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ : وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَمَّى الْمَوْقِفَ عَرَفَاتٍ ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةُ ، فَقَالَ عَطَاءٌ : كَانَ جِبْرِيلُ يُرِي إبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِك وَيَقُولُ : عَرَفْت ، فَيَقُولُ : عَرَفْت .
فَسَمَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ عَرَفَاتٍ ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةُ ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ : لَمَّا أُهْبِطَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَعَ بِالْهِنْدِ وَحَوَّاءَ بِجُدَّةِ ، فَاجْتَمَعَا بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَتَعَارَفَا ، فَسُمِّيَ الْيَوْمُ عَرَفَةَ ، وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٌ ، وَقَالَ السُّدِّيُّ : لَمَّا أَذَّنَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى عَرَفَاتٍ ، وَنَعَتَهَا لَهُ ، فَخَرَجَ إلَى أَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ، فَعَرَفَهَا بِالنَّعْتِ ، فَسُمِّيَ الْوَقْتُ عَرَفَةَ ، وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ ابْنِهِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى يَوْمَهُ أَجْمَعَ ، ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ ثَانِيًا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عَرَفَ أَنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ ، فَسَمَّى الْيَوْمَ عَرَفَةَ ، وَقِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ الْعَرْفِ وَهُوَ الطِّيبُ ، وَقِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَرِفُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِذُنُوبِهِمْ ، انْتَهَى ( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ

: ثُمَّ الثَّامِنُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ ، قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ وَكَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا ، وَقِيلَ : لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى هَلْ هُوَ مِنْ اللَّه أَوْ حُلْمٍ ، انْتَهَى .
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ جِنْسِ مَا تَقَدَّمَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَغَيْرَهُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلهَا .

وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَةَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ ( و م ش ) وَفِطْرُهُ أَفْضَلُ ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ ، { لِفِطْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ وَفِيهِ جَهَالَةٌ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَلِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ ، .
وَعَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا { يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُرَادُ بِهِ كَرَاهَةُ صَوْمِهِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ ، وَاسْتَحَبَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ ، إلَّا أَنْ يُضْعِفَهُ عَنْ الدُّعَاءِ .
وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ إمَامِنَا نَحْوَهُ ، وَجَزَمَ فِي الدُّعَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْحَاجِّ الْفِطْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ بِهَا .

وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُكْثِرْ الصَّوْمَ فِيهِ لِعُذْرٍ ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا ، كَقَوْلِهِمْ بَيْتُ اللَّهِ ، وَآلُ اللَّهِ لِقُرَيْشٍ ، قَالَ : وَالشَّهْرُ : الْهِلَالُ ، سُمِّيَ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَظُهُورِهِ ، وَأَفْضَلُهُ عَاشُورَاءُ وَهُوَ الْعَاشِرُ ، وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، ثُمَّ تَاسُوعَاءُ وَهُوَ التَّاسِعُ مَمْدُودَانِ وَحُكِيَ قَصْرُهُمَا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ : يُكْرَهُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ ، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : فَرْضٌ .
وَهُمَا آكَدُهُ ، ثُمَّ الْعَشْرُ ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ { إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ } وَقَالَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ : { إنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ } وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ ، حَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ [ لَهُ ] صَغَائِرُ رَجَا التَّخْفِيفَ مِنْ الْكَبَائِرِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَفَعَتْ دَرَجَاتٍ ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ } .
إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ : لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ : مُرْسَلَاتُ الْحَسَنِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الثِّقَاتُ صِحَاحٌ ، وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِ : يَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ ، لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ صَوْمِهِ أَيَّ يَوْمٍ ؟ قَالَ : إذَا رَأَيْت هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ ، فَإِذَا أَصْبَحْت

مِنْ تَاسِعِهِ فَأَصْبِحْ مِنْهَا صَائِمًا ، قُلْت : أَكَذَلِكَ كَانَ يَصُومُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَمَعْنَاهُ : أَهَكَذَا كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِهِ أَوْ يَحُثُّ عَلَيْهِ ؟ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ ، وَاخْتَارَتْ طَائِفَةٌ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ ، صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ : خَالِفُوا الْيَهُودَ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سِيرِينَ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ .
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد : تَصُومُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ " فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ " فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ التَّاسِعَ بَلْ الْعَاشِرَ وَأَنَّهُ عَاشُورَاءُ ، وَقَصَدَ صَوْمَ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى التَّاسِعِ ، وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ فِي الْعِلَلِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ .
وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ .
وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ .

وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصَّوْمِ .
وَقَدْ أَمَرَ أَحْمَدُ بِصَوْمِهِمَا ، وَوَافَقَ شَيْخُنَا الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَقَالَ : مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ يُكْرَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ( و هـ ) وَلَمْ يَجِبْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا ( و ش ) وَعَنْ أَحْمَدَ : وَجَبَ ثُمَّ نُسِخَ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ ( و هـ ) لِلْأَمْرِ بِهِ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ } ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَضَاءِ عَدَمُ وُجُوبِهِ ، بِدَلِيلِ الْخِلَافِ فِيمَنْ صَارَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ [ مِنْ رَمَضَانَ ] وَحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ { لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ } فَمُعَاوِيَةُ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ .
وَقِيلَ : فِي عُمْرَة الْقَضِيَّةِ ، وَقِيلَ : زَمَنُ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَإِنَّمَا سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا ، وَعَاشُورَاءُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ الْهِجْرَةِ ، فَوَجَبَ يَوْمًا ثُمَّ نُسِخَ بِرَمَضَانِ ذَلِكَ الْعَامِ ، وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ وَمَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ حَمَلَ الْأَمْرَ قَبْلَ رَمَضَانَ عَلَى تَأْكِيدِهِ وَكَرَاهَةِ تَرْكِهِ ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ بَقِيَ أَصْلُ الِاسْتِحْبَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَحْمَدَ : هَلْ سَمِعْت فِي الْحَدِيثِ { مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ } [ فَقَالَ : نَعَمْ ، رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ ] .
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : قَدْ جَرَّبْنَاهُ مُنْذُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً فَمَا رَأَيْنَاهُ إلَّا خَيْرًا ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ

حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مُنْكَرٌ ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ ، وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، وَفِيهِ : { عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ } ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ ، قَالَ جَابِرٌ : جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ ، وَقَالَ شُعْبَةُ مِثْلَهُ ، وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] مِثْلُهُ ، وَلَفْظُهُ : { مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ } قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : جَرَّبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا ، وَكَرِهَ شَيْخُنَا ذَلِكَ وَغَيْرُهُ سِوَى صَوْمَهُ ، قَالَ : وَقَوْلُ ، إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ أَنَّهُ بَلَغَهُ ، لَمْ يَذْكُرْ عَمَّنْ بَلَغَهُ ، وَبَعْضُ الْجُهَّالِ وَالنَّوَاصِبِ وَنَحْوِهِمْ وَضَعَ فِي ذَلِكَ قُبَالَةَ الرَّافِضَةِ ، قَالَ : وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيهِ غُسْلًا وَلَا كُحْلًا وَخِضَابًا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَالْخَبَرُ بِذَلِكَ كَذِبٌ اتِّفَاقًا ، وَغَلِطَ مَنْ صَحَّحَ إسْنَادَهُ ، وَاسْتَحَبَّ ذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي كِتَابِهِ الْخُطَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ إذَا أَدْخَلَ فِيهِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَالْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ وَاضِحٌ .
وَإِنْ أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ جَازَ ، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ ، وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يُكْرَهْ وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ بِهِ حَقًّا وَلَا خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا .
نَقَلَ حَنْبَلٌ : إذَا أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ فَلَيْسَ ذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ .
وَنَقَلَ صَالِحٌ : إذَا أَفْطَرَهَا رَجَوْت أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالْأَكْثَرِ ( و م ش ) وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَهُ ، { لِقَوْلِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟ قَالَ : إنْ شِئْت فَصُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَعَلُوهُ ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ مَطْلُوبٌ لِلشَّارِعِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَشِيَ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : لَيْتَنِي قَبِلْت رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَعْدَمَا كَبَّرَ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُغْنِي : يُكْرَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلَانِ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : الصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهُ تَرْكًا لِلْأَوْلَى أَوْ كَرِهَهُ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ ، خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْعُبَّادِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَالِ مَنْ سَرَدَهُ ، وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ مِنْ أَصْحَابِنَا ، حَمْلًا لِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ فِي مَعْنَاهُ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ

يُرْشِدْ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو إلَى يَوْمٍ وَيَوْمٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ أَيَّامًا ، يَعْنِي أَنَّهُ أَوْلَى ، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَهُ إِسْحَاقُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكَرَاهَةَ ، فَلَا تَعَارُضَ .

فَصْلٌ يُكْرَهُ الْوِصَالُ ، وَهُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ ، لِأَنَّ النَّهْيَ رِفْقٌ وَرَحْمَةٌ ، وَلِهَذَا وَاصَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِمْ وَوَاصَلُوا بَعْدَهُ .
وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ أَيْضًا إلَى إبَاحَتِهِ لِمَنْ يُطِيقُهُ ، رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِمَا ، فَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ وَاصَلَ بِالْعَسْكَرِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ مَا رَآهُ طَعِمَ فِيهَا وَلَا شَرِبَ حَتَّى كَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ فَشَرِبَ سَوِيقًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَذَا قَالَ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا خِلَافَ أَنَّ الْوِصَالَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ ، لِأَنَّ النَّهْيَ مَا تَنَاوَلَ وَقْتَ الْعِبَادَةِ ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْ الَّذِينَ وَاصَلُوا بِالْقَضَاءِ .
وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِأَكْلِ تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا ، لِأَنَّ الْأَكْلَ مَظِنَّةُ الْقُوَّةِ ، وَكَذَا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ ، عَلَى ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَاصَلَ شَرِبَ شَرْبَةَ مَاءٍ ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ .

وَلَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَهُ إِسْحَاقُ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : { فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
لَكِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى ، لِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَهُ .

فَصْلٌ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ ، مَعَ ذِكْرِهِمْ فِي يَوْمِ الشَّكِّ مَا يَأْتِي .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ : إنَّهُ إذَا لَمْ يَحُلْ دُونَهُ سَحَابٌ أَوْ فَتَرَ يَوْمُ شَكٍّ ، وَلَا يُصَامُ .
وَكَذَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ إذَا لَمْ يَحُلْ دُونَ الْهِلَالِ شَيْءٌ مِنْ سَحَابٍ وَلَا غَيْرِهِ ، فَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ لِلتَّحْرِيمِ ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ ( و ش ) وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ خِلَافَهُ ، إلَّا مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ الْكَرَاهَةُ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد يَوْمَ شَكٍّ فِيهِ نَظَرٌ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : لَمْ يَحُلْ دُونَهُ شَيْءٌ وَتَقَاعَدُوا عَنْ الرُّؤْيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَهُ فَيَوْمُ الشَّكِّ مُحَرَّمٌ عِنْدَهُ ، لِقَوْلِ عَمَّارٍ : مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ .
فَتَقَدُّمُهُ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ أَوْلَى عِنْدَهُ بِالتَّحْرِيمِ ، لِصِحَّةِ النَّهْيِ فِيهِ ، وَلَا مُعَارِضَ .
وَوَجْهُ تَحْرِيمِ [ يَوْمِ ] الشَّكِّ فَقَطْ أَنَّ قَوْلَ عَمَّارٍ صَرِيحٌ ، وَالنَّهْيُ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ ، وَوَجْهُ تَحْرِيمِ اسْتِقْبَالِهِ فَقَطْ النَّهْيُ ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الشَّرْعِ وَصَوْمُ الشَّكِّ احْتِيَاطٌ لِلْعِبَادَةِ ، وَقَوْلُ عَمَّارٍ فِي إسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ ، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادٍ أَثْبَتَ مِنْهُ مَوْقُوفٍ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يُكْرَهُ التَّقْدِيمُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ } وَقِيلَ : يُكْرَهُ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ ، وَحَرَّمَهُ الشَّافِعِيَّةُ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إذَا انْتَصَفَ

شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ وَحَمَلَهُ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ ، وَحَمَلَ غَيْرَهُ عَلَى الْجَوَازِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : آكَدُهُ يَوْمُ النِّصْفِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَيْلَةُ النِّصْفِ لَهَا فَضِيلَةٌ فِي الْمَنْقُولِ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ فِي فَضْلِهَا أَشْيَاءُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ .

فَصْلٌ يُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ ( خ ) نَقَلَ حَنْبَلٌ : يُكْرَهُ ، وَرَوَاهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ أَحْمَدُ : يُرْوَى فِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ عَلَى صَوْمِهِ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : يَصُومُهُ إلَّا يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ } ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ عَطَاءٍ ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لِشِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ بِتَعْظِيمِهِ ، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ وَيَقُولُ : كُلُوا فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ تُعَظِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ .
وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْفِطْرِ أَوْ بِصَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ مِنْ السَّنَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَإِنْ لَمْ يَلِهِ .
قَالَ شَيْخُنَا : مَنْ نَذَرَ صَوْمَهُ كُلَّ سَنَةٍ أَفْطَرَ بَعْضَهُ وَقَضَاهُ .
وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ ، قَالَ : وَمَنْ صَامَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْهُرِ أَثِمَ وَعُزِّرَ ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِعْلُ عُمَرَ .
وَقَالَ أَيْضًا : فِي تَحْرِيمِ إفْرَادِهِ وَجْهَانِ ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَرَاهَةِ أَحْمَدَ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ الشَّافِعِيِّ : لَمْ يُؤَثِّمْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيمَا نَعْلَمُهُ .

وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِ رَجَبٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْأَخْبَارِ ، مِنْهَا أَنَّهُ { كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ } ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ : أَحْيَانًا .
وَلَمْ يُدَاوِمْ كَامِلًا عَلَى غَيْرِ رَمَضَانَ .
وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ ، وَاسْتَحَبَّهُ فِي الْإِرْشَادِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ نِزَاعٌ ، قِيلَ : يُسْتَحَبُّ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، فَيُفْطِرُ نَاذِرُهُمَا بَعْضَ رَجَبٍ .

وَاسْتَحَبَّ الْآجُرِّيُّ صَوْمَ شَعْبَانَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ ، وَسَبَقَ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ : يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَشَعْبَانَ كُلَّهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيِّ وَلَا يُعْرَفُ { عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَاهِلَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُ بِصَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ } ، وَفِي الْخَبَرِ اخْتِلَافٌ ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْبَابَهُ الْأَكْثَرُ ، وَصَوْمُ شَعْبَانَ كُلِّهِ إلَّا قَلِيلًا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ ، وَقِيلَ : قَوْلُهَا : كُلُّهُ .
قِيلَ : غَالِبُهُ ، وَقِيلَ : يَصُومُهُ كُلُّهُ فِي وَقْتٍ ، وَقِيلَ : يُفَرِّقُ صَوْمَهُ كُلَّهُ فِي سَنَتَيْنِ ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { عَنْ عَائِشَةَ : لَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ } .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ غَيْرَهُ لِئَلَّا يُظَنُّ وُجُوبُهُ .
وَعَنْهَا أَيْضًا : وَاَللَّهِ إنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ .
وَلِمُسْلِمٍ : مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ .
وَلِمُسْلِمٍ : مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَصَوْمُ شَعْبَانَ كُلِّهِ فِي السُّنَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ ، وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ ، وَوَجْهُهُ قَوْلُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ : لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مَا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، وَقَالَ : ذَلِكَ شَهْرُ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ .
رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي

شَيْبَةَ ، وَفِي لَفْظِهِ : أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : { تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ عَمَلِي إلَّا وَأَنَا صَائِمٌ } وَرَوَى اللَّفْظَيْنِ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ ، وَرَوَى سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ قَالَ : أَظُنُّهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ { أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ يَصُومُ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ شَوَّالٍ ، فَمَا زَالَ أُسَامَةُ يَصُومُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ } .
إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ : أَظُنُّهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْهُ ، وَلَمْ يَشُكَّ .
وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ .
فَقَالَ لَهُ { صُمْ شَوَّالًا } فَتَرَكَهَا وَلَمْ يَزَلْ يَصُومُهُ حَتَّى مَاتَ .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ الدَّقِيقِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ، { سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ قَالَ : شَعْبَانُ تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ وَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ } .
وَذَكَرَتْ امْرَأَةٌ لِعَائِشَةَ أَنَّهَا تَصُومُ رَجَبًا فَقَالَتْ : إنْ كُنْت صَائِمَةً شَهْرًا لَا مَحَالَةَ فَعَلَيْك بِشَعْبَانَ فَإِنَّ فِيهِ الْفَضْلَ .
رَوَاهُ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ الْحَافِظُ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ ، وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْ الصِّيَامِ فَقَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، فَقُلْت : أَرَأَيْت أَحَبَّ الشُّهُورِ إلَيْك الصَّوْمُ فِي شَعْبَانَ ؟ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ فِي شَعْبَانَ حِينَ يَقْسِمُ مَنْ يُمِيتُهُ تِلْكَ السَّنَةِ فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَ أَجَلِي وَأَنَا

صَائِمٌ } رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ عَنْ طَرِيفٍ ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي طَرِيفٍ : لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ وَابْنُ الْبَنَّاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي كَوْنِ أَكْثَرِ صَوْمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي شَعْبَانَ قَالَ : مَا أَرَى هَذَا إلَّا مِنْ طَرِيقِ الرِّيَاضَةِ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا هَجَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَتَعَوَّدْهُ صَعُبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَدَرَّجَهَا بِالصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ لِأَجْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، كَذَا قَالَ .

وَذَكَرَ فِي الْغُنْيَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَأَوَّلِ خَمِيسٍ مِنْهُ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ ، وَآخِرِ السَّنَةِ وَأَوَّلِهَا ، وَصَوْمُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَصَلَاةٌ فِي لَيَالِيِهَا ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ ، وَاحْتَجَّ بِأَخْبَارٍ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ ، وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا جَمَعَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَنَّاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ ، بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ كَكِتَابِهِ أَنَسُ الْمُسْتَأْنِسِ فِي تَرْتِيبِ الْمَجَالِسِ وَذَكَرَ أَخْبَارًا وَآثَارًا وَاهِيَةً ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا مَوْضُوعٌ .
وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعَاتُ مَا هُوَ أَمْثَلُ مِنْهَا وَيَذْكُرُهَا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَيَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا ، وَقَالَ فُلَانٌ الصَّحَابِيُّ كَذَا ، وَالْمَوْضُوعُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ : وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ هَذَا : إنَّهُ يُثَابُ عَلَى صَوْمِ عَاشُورَاءَ ثَوَابَ صَوْمِ سَنَةٍ لَيْسَ فِيهَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ يُكْرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ إفْرَادَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م 5 ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِمُسْلِمٍ { لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ } قَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمَالِكِيُّ : لَمْ يَبْلُغْ ( م ) الْحَدِيثُ ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ ، قَالَ : وَاحْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاةِ الرَّغَائِب .
وَعَنْ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ } ، { وَدَخَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى جُوَيْرِيَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا : أَصُمْتِ أَمْسِ ؟ قَالَتْ : لَا ، قَالَ : تَصُومِينَ غَدًا ؟ ، قَالَتْ : لَا ، قَالَ فَأَفْطِرِي } رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ ، وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ صَوْمِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ عَلَى صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ ، فَلَا تَعَارُضَ .

فَصْلٌ وَكَذَا إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ( م ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أُخْتِهِ وَاسْمُهَا الصَّمَّاءُ { لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا ثَوْرٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ .
فَذَكَرَهُ ، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ : هَذَا مَنْسُوخٌ .
وَقَالَ : قَالَ مَالِكٌ : هَذَا كَذِبٌ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ : هَذِهِ أَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ .
وَقَالَ صَاحِبُ شَرْحِ مُسْلِمٍ : صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ ، وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ ، فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ ، قَالَ الْأَثْرَمُ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثُ الصَّمَّاءِ ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَّقِيهِ وَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَنِي بِهِ قَالَ الْأَثْرَمُ وَحُجَّةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الرُّخْصَةِ فِي صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا مُخَالِفَةٌ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ ، مِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ ، يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَيَقُولُ : { هُمَا عِيدَانِ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَأَنَّهُ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَثْرَمُ مِنْ رِوَايَتِهِ ، وَأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ إفْرَادُهُ لَمَا دَخَلَ الصَّوْمُ الْمَفْرُوضُ لِيُسْتَثْنَى ، فَالْحَدِيثُ شَاذٌّ أَوْ مَنْسُوخٌ ، وَأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ ، كَالْأَثْرَمِ وَأَبِي دَاوُد ، وَأَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْآجُرِّيُّ غَيْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْوَلِيمَةِ .

فَصْلٌ وَكَذَا يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ بِالصَّوْمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ( خ ) لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْكُفَّارِ فِي تَعْظِيمِهَا وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا يُكْرَهُ ، لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهَا بِالصَّوْمِ ، وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَكَالْأَحَدِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا ذَكَرَ صَوْمَهُ بِكَرَاهَةٍ ، وَعَلَى قِيَاسِ كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا كُلُّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ أَوْ يَوْمِ يُفَرِّدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ .

فَصْلٌ وَلَا يَحْرُمُ صَوْمُ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَيَّامِ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْجُمُعَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِخِلَافِهِمَا ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي صِحَّتِهِ [ فِيهِ ] خِلَافًا ، وَحَرَّمَ الْآجُرِّيُّ صَوْمَهُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ .
مَا أُحِبُّ أَنْ يَتَعَمَّدَهُ ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ مَا سَبَقَ مِنْ الصَّوْمِ الْمَكْرُوهِ وَمِنْهُ إفْرَادُ مَا سَبَقَ ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ فِي صِحَّةِ صَوْمِهَا بِدُونِ عَادَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَجْهَانِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ صَوْمِ أَعْيَادِهِمْ ، وَلَا صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَلَا قِيَامُ لَيْلَتِهَا ، وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْوَلِيمَةِ ، وَكَلَامُ الْقَاضِي أَيْضًا ، أَمَّا مَعَ عَادَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ فَلَا كَرَاهَةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَعْطَى ابْنَهُ دِرْهَمَ النَّيْرُوزِ وَقَالَ : اذْهَبْ بِهِ إلَى الْمُعَلِّمِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ خَطِّهِ .

فَصْلٌ يَوْمُ الشَّكِّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يَتَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ ، قَالَ : أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ صَوْمُهُ ، فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا كَرِهَ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَإِنْ صَامَهُ تَطَوُّعًا كُرِهَ إفْرَادُهُ ، وَيَصِحُّ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْأَثْرَمِ السَّابِقَةَ فِي تَقْدِيمِ رَمَضَانَ ، وَقَالَ : هَذَا الْكَلَامُ لَا يُعْطِي أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ الْكَرَاهَةِ ، كَذَا قَالَ .
وَقِيلَ : يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْعِبَادَاتِ ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ ، وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ : يَحْرُمُ بِدُونِ عَادَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ ، وَيَبْطُلُ عَلَى الْأَصَحِّ بِدُونِهِمَا .
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ : لَا يُكْرَهُ ( و هـ م ) حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى صَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ ، وَلَا يُكْرَهُ مَعَ عَادَةٍ ( وَ ) أَوْ صِلَتِهِ بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ ( وَ ) وَبَعْدَهُ الْخِلَافُ السَّابِقُ ، وَلَا يُكْرَهُ عَنْ وَاجِبٍ ، لِجَوَازِ النَّفْلِ الْمُعْتَادِ فِيهِ كَغَيْرِهِ ، وَالشَّكُّ مَعَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ سُقُوطَ الْفَرْضِ ، وَعَنْهُ .
يُكْرَهُ صَوْمُهُ قَضَاءً ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْوَسِيلَةِ وَالْإِفْصَاحِ ، فَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ ( و هـ ش ) لِلشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُمْ ، وَفِي ( لُقَطَةِ الْعَجْلَانِ ) : لَا يَجُوزُ صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ ، سَوَاءٌ صَامَهُ نَفْلًا أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ ، فَإِنْ صَامَهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ إجْمَاعًا لِلنَّهْيِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثَيْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا ( و م ش ) وَلَا نَفْلًا ( و م ش ) وَعَنْهُ : يَصِحُّ فَرْضًا ، نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ وَقَدْ دَعَاهُمْ ، فَالصَّوْمُ تَرْكُ إجَابَةِ الدَّاعِي ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، وَلَمْ يَصِحَّ النَّفَلُ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ الثَّوَابُ فَنَافَتْهُ الْمَعْصِيَةُ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ النَّفَلُ فِي غَصْبٍ وَإِنْ صَحَّ الْفَرْضُ ، كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَفِي ( الْوَاضِحِ ) رِوَايَةٌ : يَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ .
وَسَبَقَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ : لَا يَصِحُّ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَيَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ ، وَالتَّطَوُّعُ بِهِ مَعَ التَّحْرِيمِ ، وَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ، وَلَا يُقْضَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُ وَيَقْضِي ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا ، وَوَجْهُ انْعِقَادِهِ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَلِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّصَوُّرِ ، لِأَنَّ مَا لَا يُتَصَوَّرُ لَا يُنْهَى عَنْهُ ، وَالتَّصَوُّرُ الْحِسِّيُّ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إجْمَاعًا ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ النَّهْيُ ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ } وَلِلْبُخَارِيِّ { لَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ } وَالنَّهْيُ دَلِيلُ التَّصَوُّرِ حِسًّا ، كَمَا فِي عُقُودِ الرِّبَا وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ ، وَهُوَ مُتَحَقَّقٌ هُنَا ، فَإِنَّ مَنْ أَمْسَكَ فِيهِ مَعَ النِّيَّةِ عَاصٍ إجْمَاعًا ، وَرَدَّ قَوْلُهُمْ لَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ بِقَضَاءِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْغَصْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَتَرْكُ تَنْجِيَةِ الْغَرِيقِ لَا خُصُوصُ الصَّوْمِ ، وَبِقَضَائِهَا فِي حَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَنْجِيَةِ الْغَرِيقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ،

وَبِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ عِيدٍ بِعَيْنِهِ فَقَضَاهُ فِي يَوْمِ عِيدٍ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، لِأَنَّ النَّصَّ أَضَافَهُ إلَى صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ كَإِضَافَةِ النَّهْيِ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ حَائِضٍ وَمُحْدِثٍ .

فَصْلٌ وَكَذَا صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَفْلًا ( وَ ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ .
فَنَادَيَا إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ } .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ { أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ } .
وَلِأَحْمَدَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا ، عَنْ يُونُسَ بْنِ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُونُسُ شَبِيهٌ بِالْمَجْهُولِ .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ النَّهْيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا : { وَمَنْ صَامَهُنَّ أَوْ رَخَّصَ فِيهِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ } ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ تَأَوَّلَهُ عَلَى إفْرَادِهَا ، فَهَذَا يُسَوِّغُ لَهُمْ ، تَشْبِيهًا بِيَوْمِ الشَّكِّ .
وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا فِي رِوَايَةٍ ( و هـ ش ) لَكِنْ صَحَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ صَوْمَهَا عَنْ نَذْرِهَا خَاصَّةً ، كَقَوْلِهِ فِي الْعِيدِ ، وَيَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ : لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَصُمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ : يَجُوزُ صَوْمُهَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ تَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( م 3 ) وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ .

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا فِي رِوَايَةٍ وَيَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ .
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ : يَجُوزُ صَوْمُهُمَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ تَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَالصَّحِيحُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ، صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ فِي بَابِ أَقْسَامِ النُّسْك ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فِي بَاب الْفِدْيَةِ : هَذَا الْمَذْهَبُ .
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ هُنَاكَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آخَر بَابِ الْإِحْرَامِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : خَصَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْخِلَافَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ مُطْلَقًا ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَوْمِ النَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي ، قَالَ فِي الْمَنْهَجِ : وَهِيَ الصَّحِيحَةُ ، وَقَدَّمَهَا الْخِرَقِيُّ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا أَحْمَدُ أَخِيرًا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ ، وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى هُنَا ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ .

فَصْلٌ وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ ، وَمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْقَضَاءِ عَنْهُ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي : فِي سِيَاقِهِ مَا هُوَ مَتْرُوكٌ ، يَعْنِي : مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ .
وَكَالْحَجِّ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ ( م 4 ) ( وَ ) لِلْعُمُومِ ، وَكَالتَّطَوُّعِ بِصَلَاةٍ فِي وَقْتِ فَرْضٍ مُتَّسَعٍ قَبْلَ فِعْلِهِ ، وَكَذَا يَخْرُجُ فِي التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ عَدَمَ الصِّحَّةِ ، لِوُجُوبِهَا عَلَى الْفَوْرِ .
وَسَبَقَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ [ يَجُوزُ ] لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ : لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ ، قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ ، ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَيَبْدَأُ بِفَرْضِ الصَّوْمِ قَبْلَ نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيَّامٌ : يَبْدَأُ بِالنَّذْرِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا بِوَقْتٍ يَخَافُ فَوْتَهُ ، وَقَضَاءُ رَمَضَانَ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ ، كَمَنْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ الزَّوَالِ ، يَبْدَأُ بِهِمَا قَبْلَ الظُّهْرِ ، لِسَعَةِ وَقْتِهَا ، وَتَعْيِينِ النَّذْرِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ .

وَيَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ إنْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا ، وَقَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ بِتَقْدِيمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى النَّذْرِ وَالنَّفَلِ ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ : تِلْكَ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ وَهَذِهِ عَلَى سِعَةِ الْوَقْتِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ فَرْضِهِ لَمْ يُكْرَهْ قَضَاء رَمَضَانَ فِي عَشْرِ [ ذِي ] الْحِجَّةِ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ .
فَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، كَقَوْلِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِيَنَالَ فَضِيلَتَهَا .
وَعَنْهُ : لَا يُكْرَهُ ( م 5 ) ( وَ ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَكَعَشْرِ الْمُحَرَّمِ ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى إبْرَاءِ الذِّمَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ .
وَقِيلَ : يُكْرَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأُولَى بَلْ يُسْتَحَبُّ ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَصَحُّ ، لِأَنَّا إذَا حَرَّمْنَا التَّطَوُّعَ قَبْلَ الْفَرْضِ كَانَ أَبْلَغُ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهَا عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ فَرْضِهِ لَمْ يُكْرَهْ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَعَنْهُ : يُكْرَهْ .
وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَقِيلَ يُكْرَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأُولَى بَلْ يُسْتَحَبُّ ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَصَحُّ ، لِأَنَّا إذَا حَرَّمْنَا التَّطَوُّعَ قَبْلَ الْفَرْضِ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ الْكَرَاهَةِ ، فَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهَا عَلَيْهِ ، انْتَهَى .
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ ، لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمَجْدَ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَهَذَا أَقْوَى عِنْدِي ، فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ ، إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ : وَيُبَاحُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، انْتَهَى .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ ، وَقَدْ عُلِّلَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ يَفُوتُ بِهِ فَضْلُ صِيَامِهِ تَطَوُّعًا ، وَبِهَذَا عَلَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي اللَّطَائِفِ ، وَقَالَ : وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ فَضِيلَةُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ أَيْضًا ، انْتَهَى .

فَصْلٌ مَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُ وَلَمْ يَجِبْ ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ( و ش ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ : { أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا } وَفِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَقَالَ : { هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ ؟ قُلْنَا : لَا ، قَالَ : فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْخَمْسَةُ .
وَزَادَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، ثُمَّ قَالَ : { إنَّمَا مِثْلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِثْلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا } .
وَلَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { إنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ ، وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْسَكَهُ } وَسَبَقَ فِي الْجُمُعَةِ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ .
وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ أَمَّا إنِّي كُنْت صَائِمَةً ، فَقَالَ : الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ } لَهُ طُرُقٌ ، فِيهِ كَلَامٌ يَطُولُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَضَعَّفَهُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ ، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ ، كَصَوْمِ مُسَافِرٍ فِي رَمَضَانَ لَهُ الْخُرُوجُ لِكَوْنِهِ كَانَ مُخَيَّرًا حَالَةَ دُخُولِهِ فِيهِ .
وَكَفِعْلِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ ، سَلَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْهُ ، وَكَشُرُوعِهِ فِي أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ ، لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ( وَ ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ ، وَكَدُخُولِهِ فِيهِ ظَانًّا أَنَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ ، سَلَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَشْهَبُ وَعَنْ أَحْمَدَ : يَجِبُ إتْمَامُ الصَّوْمِ وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ .
وَفِي الْكَافِي ( و هـ م ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا

تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَقَدْ أَفْطَرَتَا { لَا عَلَيْكُمَا صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَضَعَّفُوهُ ، ثُمَّ هُوَ لِلِاسْتِحْبَابِ ، لِقَوْلِهِ : " لَا عَلَيْكُمَا " وَعَنْ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا { أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ } وَفِيهِ : { وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ : أَنْ يُصْبِحَ أَحَدُهُمْ صَائِمًا فَتَعْرِضَ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَيَتْرُكَ صَوْمَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ مَتْرُوكٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَسَبَقَ مَا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ ، وَلِأَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ كَفَرْضِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ مَعَهُ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ .

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ ، قَالَ الْقَاضِي : أَيْ نَذْرَهُ ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّفْلِ وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْضِي ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِي الْمَعْذُورُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَقْضِي ، وَعَنْ مَالِكٍ : فِيمَنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ رِوَايَتَانِ .

وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عِنْدَهُمَا ، لِصِحَّةِ صَوْمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعُذْرِهِ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا يَقْضِي مَعْذُورٌ إجْمَاعًا ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عُذْرٌ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ كَالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّ غَيْرَهُ حَكَاهُ إجْمَاعًا ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ : هَلْ يُكْرَهُ خُرُوجُهُ ؟ يَتَوَجَّهُ لَا يُكْرَهُ لِعُذْرٍ ، وَإِلَّا كُرِهَ ، فِي الْأَصَحِّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ .

وَهَلْ يَفْطُرُ لِضَيْفِهِ ؟ يَتَوَجَّهُ كَصَائِمٍ دُعِيَ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : يَفْطُرُ ، وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي الِاعْتِكَافِ : يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ .

وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ كَصَوْمِ التَّطَوُّعِ ( وَ ) وَعَنْهُ : تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ، قَالَ فِي الْكَافِي : وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ وَقَالَ : الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ كَالْحَجِّ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلِلرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الصَّوْمِ تَدُلُّ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ ، لِأَنَّهُ خَصَّهُ وَعَلَّلَ رِوَايَةَ لُزُومِهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى كَالْحَجِّ ، وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ سِوَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ .

وَقِيلَ : الِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ ، عَلَى الْخِلَافِ ، يَعْنِي [ أَنَّهُ ] إذَا دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ نَوَاهُ مُدَّةً لَزِمَتْهُ وَيَقْضِيهَا ( و م ) وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا ، لَا بِالنِّيَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : الْمُعْتَكِفُ يُجَامِعُ يَبْطُلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ مِنْ قَابِلٍ ، وَلَعَلَّهُ فِي النَّذْرِ ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا ، وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : يَلْزَمُهُ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ عِنْدَهُ يَوْمٌ ، وَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ : { وَصَلَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ الصُّبْحَ مُرِيدًا لِلِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكُلُّهُ مَوْضِعٌ لَهُ ، ثُمَّ قَطَعَهُ لَمَّا رَأَى أَخْبِيَةَ نِسَائِهِ قَدْ ضُرِبَتْ فِيهِ وَلَمْ يَقْضِينَ } ، وَمُجَرَّدُ قَضَائِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ، بِدَلِيلِ قَطْعِهِ ، وَمَا فِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَرَكَ الِاعْتِكَافَ لِسَفَرٍ اعْتَكَفَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِشْرِينَ .

وَلَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ وَشَرَعَ فِي الصَّدَقَةِ فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ ، إجْمَاعًا ، قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ [ قَالَ : ] وَهُوَ نَظِيرُ الِاعْتِكَافِ ، قَالُوا : وَمَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ لَا يَبْطُلُ [ بِتَرْكِ ] اعْتِكَافِ الْمُسْتَقْبَلِ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِمَا كَالصَّوْمِ إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ قَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ( وَ ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَام إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ هُنَا ( و م ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنَّ فِي طَوَافِ شَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ أَجْرًا ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ تَمَامُ الْأُسْبُوعِ ، كَالصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : رَأَيْت سُفْيَانَ يَفِرُّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، إذَا كَثَرُوا عَلَيْهِ دَخَلَ الطَّوَافَ فَطَافَ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ وَيَدْعُهُمْ .
وَلَا تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ وِفَاقًا .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا } الْآيَةَ : قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : وَالِابْتِدَاعُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ ، وَبِمَا يُنْذِرُهُ وَيُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ بِالدُّخُولِ فِيهِ ، وَعُمُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَدَعَ قُرْبَةً قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَعَلَيْهِ رِعَايَتُهَا وَإِتْمَامُهَا ، كَذَا قَالَ .

وَيَلْزَمُ إتْمَامُ نَفْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( وَ ) لِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ لَازِمًا ، لِظَاهِرِ آيَةِ الْإِحْصَارِ ، فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا أَوْ فَسَدَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ ( وَ ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِمْ .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَالِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ لِابْنِ شِهَابٍ رِوَايَةٌ : يَلْزَمُ الْقَضَاءُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا أَحْسِبُهَا إلَّا سَهْوًا ، وَيَأْتِي فِي الْحَجِّ .

فَصْلٌ سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ هَلْ يُثَابُ عَلَى الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ ، وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ، وَسَبَقَ هُنَاكَ هَلْ يُعْمَلُ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ فِي هَذَا ؟ وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي آدَابِ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ مِنْ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوِ نِصْفِ الْكِتَابِ ، وَالْكَلَامُ عَلَى الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ ، كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ خَيْرٍ قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا أَقُولُهُ ، وَمَا أَتَاكُمْ مِنْ شَرٍّ فَأَنَا لَا أَقُولُ الشَّرَّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ وَاسْمُهُ نَجِيحٌ فِيهِ لِينٌ مَعَ أَنَّهُ صَدُوقٌ حَافِظٌ ، وَكَحَدِيثِ جَابِرٍ { مَنْ بَلَغَهُ عَنْ اللَّهِ شَيْءٌ لَهُ فِيهِ فَضِيلَةٌ فَأَخَذَهُ إيمَانًا بِهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ } رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي جُزْئِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طُرُقٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَمَّا إذَا قَطَعَ الصَّلَاةَ أَوْ الصَّوْمَ فَهَلْ انْعَقَدَ الْجُزْءُ الْمُؤَدِّي وَحَصَلَ بِهِ قُرْبَةٌ أَمْ لَا ؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ بَطَلَ حُكْمًا لَا أَنَّهُ أَبْطَلَهُ ؟ كَمَرِيضٍ صَلَّى جُمُعَةً بَعْدَ ظُهْرِهِ ، أَوْ لَا يَبْطُلُ ؟ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ .
وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ بُطْلَانُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ ( م 5 ) وَحَمَلَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ حَدِيثَ عُبَادَةَ فِيمَنْ تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ شَيْئًا عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا كَخُشُوعٍ وَتَسْبِيحٍ ، فَلَمْ يَذْكُرُوا تَرْكَ رُكْنٍ وَشَرْطٍ ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَرْكَ رُكْنٍ وَشَرْطٍ كَتَرْكِهَا كُلِّهَا ، قَالَ جَمَاعَةٌ : لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ ذَلِكَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا ، وَمُرَادُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ لَا أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى قِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي رَدِّهِ

عَلَى الرَّافِضِيِّ : جَاءَتْ السُّنَّةُ بِثَوَابِهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ وَعِقَابِهِ عَلَى مَا تَرَكَهُ ، وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا كَعَدَمِهِ وَلَا ثَوَابَ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ بِالنَّوَافِلِ شَيْءٌ .
وَالْبَاطِلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ضِدُّ الصَّحِيحِ فِي عُرْفِهِمْ ، وَهُوَ مَا أَبْرَأَ الذِّمَّةَ ، فَقَوْلُهُمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ لِمَنْ تَرَكَ رُكْنًا بِمَعْنَى وَجَبَ الْقَضَاءُ ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ فِي الْآخِرَةِ ، إلَى أَنْ قَالَ : فَنَفَى الشَّارِعُ الْإِيمَانَ عَمَّنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْهُ أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فِيهِ كَنَفْيِ غَيْرِهِ ، كَقَوْلِهِ : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } وَقَوْلِهِ لِلْمُسِيءِ : { فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ } وَ { لَا صَلَاةَ لِفَذٍّ } وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } : الْبُطْلَانُ هُوَ بُطْلَانُ الثَّوَابِ ، وَلَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ جَمِيعِهِ ، بَلْ قَدْ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ ، فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِعَمَلِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : أَمَّا إذَا قَطَعَ الصَّلَاةَ أَوْ الصَّوْمَ فَهَلْ انْعَقَدَ الْجُزْءُ الْمُؤَدَّى وَحَصَلَ بِهِ قُرْبَةٌ أَمْ لَا ؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ بَطَلَ حُكْمًا لَا أَنَّهُ أَبْطَلَهُ ؟ كَمَرِيضٍ صَلَّى جُمُعَةً بَعْدَ ظُهْرِهِ ، أَوْ لَا يَبْطُلُ ؟ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ بُطْلَانُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ ، انْتَهَى .
فِي ضِمْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَانِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) إذَا قَطَعَهَا فَهَلْ انْعَقَدَ الْجُزْءُ الْمُؤَدَّى وَحَصَلَ بِهِ قُرْبَةٌ أَمْ لَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) عَلَى الْأَوَّلِ هَلْ بَطَلَ حُكْمًا أَمْ لَا ؟ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ انْعِقَادُ الْجُزْءِ الْمُؤَدَّى وَحُصُولُ الثَّوَابِ بِهِ لِلْمَعْذُورِ وَالْبُطْلَانُ حُكْمًا ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ مَنْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَبْلَ رَمَضَانَ ، وَالْمَكْتُوبَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ إنْ قُلْنَا : يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا حُرِّمَ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ ( وَ ) قَالَ الشَّيْخُ : بِغَيْرِ خِلَافٍ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ مُتَعَيَّنٌ ، وَدَخَلَتْ التَّوْسِعَةُ فِي وَقْتِهِ رِفْقًا وَمَظِنَّةَ الْحَاجَةِ ، فَإِذَا شَرَعَ تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي إتْمَامِهِ ، وَجَازَ لِلصَّائِمِ فِي السَّفَرِ الْفِطْرُ ، لِقِيَامِ الْمُبِيحِ وَهُوَ السَّفَرُ ، كَالْمَرَضِ ، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ شَافِعِيَّةٌ فِي الصَّوْمِ ، وَوَافَقُوا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا ، وَإِذَا بَطَلَ فَلَا كَفَّارَةَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ : وَيُكَفِّرُ إنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ .

فَصْلٌ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ مُعَظَّمَةٌ ، زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ .
قِيلَ : سُورَتُهَا مَكِّيَّةٌ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ : مَدَنِيَّةٌ ، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ : هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ( م 8 ) قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ { خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } : أَيْ قِيَامُهَا وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ خَالِيَةٍ مِنْهَا ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ لِقَوْلِهِ { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَعَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ ، لِقَوْلِهِ { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } وَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ [ مِنْ شَعْبَانَ ] ضَعِيفٌ .
قِيلَ : سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِعِظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَ اللَّهِ .
وَقِيلَ الْقَدْرُ بِمَعْنَى الضِّيقُ ، لِضِيقِ الْأَرْضِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي تَنْزِلُ فِيهَا ، فَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى } .

( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ شَرِيفَةٌ عَظِيمَةٌ قِيلَ سُورَتُهَا مَكِّيَّةٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ ، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ : هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، انْتَهَى هَذَانِ الْقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالْأَصْحَابِ وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا رَأَى الْخِلَافَ قَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَتَى بِهَذِهِ الْعَبَّارَةِ ( قُلْت ) الصَّوَابُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ ، وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ .

وَلَمْ تُرْفَعْ ( وَ ) لِلْأَخْبَارِ بِطَلَبِهَا وَقِيَامِهَا .
وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ : رُفِعَتْ ، وَحَكَى رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ فِي رَمَضَانَ ( وَ ) لَا فِي كُلِّ السَّنَةِ ، خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ ، وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ، عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ( و م ش ) وَلَيَالِي وِتْرِهِ آكَدُ ، وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لَا لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ ( ش ) وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كُلُّ الْعَشْرِ سَوَاءٌ ( م وَ ) وَمَذْهَبُ ( م ) أَرْجَاهَا فِي تِسْعٍ بَقِينَ أَوْ سَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : هِيَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ ، وَعَنْ الْعُلَمَاءِ فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ : قَالَ الْجُمْهُورُ : تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ : تَخْتَصُّ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ تَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ : تَخْتَصُّ بِلَيَالِي الْوِتْرِ مِنْهُ ، وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ تَدُلُّ عَلَيْهِ ، كَذَا قَالَ ، وَالْمَذْهَبُ لَا تَخْتَصُّ ، بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَيَالِي الشَّفْعِ ، وَعَلَى اخْتِيَارِ [ صَاحِبِ ] الْمُحَرَّرِ كُلُّهَا سَوَاءٌ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي : تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ ، قَالَ فِي الْكَافِي : وَأَرْجَاهُ الْوِتْرُ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ ، كَذَا قَالَ .
قَالَ : وَتَتَنَقَّلُ فِيهَا ، وَقَالَ غَيْرُهُ : تَتَنَقَّلُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ ، قَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ التَّابِعِيُّ ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُتَعَيَّنَةٌ ، ذَكَرَهُ

صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيَّةُ .

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةِ الْعَشْرِ وَقَعَ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَمَعَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ يَقَعُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَيْلَةَ قَوْلِهِ فِيهَا .
وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ النِّصْفُ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ ، كَالْعَشْرِ عِنْدَنَا ، وَحَكَى صَاحِبُ الْوَسِيطِ الشَّافِعِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ : إنْ قَالَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَمْ تَطْلُقْ مَا لَمْ تَنْقَضِ سَنَةٌ ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ ، فَلَا تَقَعُ بِالشَّكِّ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي كَوْنِهَا تَتَنَقَّلُ ، وَعَلَى قَوْلِنَا الْأَوَّلِ إنَّهَا فِي الْعَشْرِ وَتَتَنَقَّلُ إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَقَعَ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَمَعَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ يَقَعُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، لِلْأَخْبَارِ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ ، وَأَنَّهَا فِي لَيَالٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَيَتَخَرَّجُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ عَلَى مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةِ الْعَشْرِ ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا سَقْطًا ، وَتَقْدِيرُهُ : قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ ثَمَانِ مَسَائِلَ قَدْ أُطْلِقَ فِيهَا الْخِلَافُ وَصُحِّحَ أَكْثَرُهَا .

وَمَنْ نَذَرَ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَامَ الْعَشْرَ ، وَنَذْرُهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ كَطَلَاقٍ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِي النُّذُورِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْوِتْرُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي ، فَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ إلَى آخِرِهِ ، وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى } الْحَدِيثَ فَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَكُونُ ذَلِكَ لَيَالِي الْإِشْفَاعِ ، فَلَيْلَةُ الثَّانِيَةِ تَاسِعَةٌ تَبْقَى ، وَلَيْلَةُ أَرْبَعٍ سَابِعَةٌ تَبْقَى ، كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي كَالتَّارِيخِ بِالْمَاضِي .

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا ، { لِقَوْلِ عَائِشَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وَافَقْتهَا مَا أَقُولُ ؟ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، عَنْهَا : { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ عَلِمْت لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُهُ ؟ قَالَ : قُولِي } وَذَكَرَهُ ، قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرَهُ ، وَحَدِيثُهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ قَامَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ } وَلَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عُبَادَةَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَقَالَ فِيهِ { وَاحْتِسَابًا ، ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ } وَذَكَرَهُ ، وَفِيهِ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ ، لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ ، وَلَا يَحِلُّ لِلْكَوْكَبِ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى يُصْبِحَ ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ فِيهَا شُعَاعٌ ، مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجُ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ } قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُسَنُّ أَنْ يَنَامَ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَيَأْتِي [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] فِي الْمُعْتَكِفِ .

فَصْلٌ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ ، لِلْآيَةِ ، وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ إجْمَاعًا وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِيَةُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ ، وَبِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهِيَ اخْتِيَارُ ابْنِ بَطَّةَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْخَرَزِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّيْلَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِهَا ، وَفِيهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي فَضْلِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَلِبَقَاءِ فَضْلِهَا فِي الْجَنَّةِ ، لِأَنَّ فِي قَدْرِ يَوْمِهَا تَقَعُ الزِّيَارَةُ إلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ : لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ ، فَأَمَّا أَمْثَالُهَا مِنْ لَيَالِي الْقَدْرِ فَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي الْمُعَارَضَةِ وَذَكَرَ غَيْرَهُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا ، وَقَالَ : يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ [ أَيَّامِ ] الْعَامِ ، وَكَذَا ذَكَرَ جَدُّهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ شَرْحِهِ مُنْتَهَى الْغَايَةِ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمٍ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَبَعْضُهُمْ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِنَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَوْمُ الْقَرِّ الَّذِي يَلِيهِ ، لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ } قَالَ فِي الْغُنْيَةِ : إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الْأَيَّامِ أَرْبَعَةً : الْفِطْرَ

وَالْأَضْحَى وَعَرَفَةَ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَاخْتَارَ مِنْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ .
وَقَالَ أَيْضًا : إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِلْحُسَيْنِ الشَّهَادَةَ فِي أَشْرَفِ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا وَأَرْفَعِهَا عِنْدَهُ مَنْزِلَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ ، عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهَا وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ .
وَقَالَ أَيْضًا : قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ : لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ وَأَيَّامُ ذَلِكَ أَفْضَلُ ، قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، لِوُجُودِهِ ، وَذَكَرَهَا .
وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ ، وَذَكَرُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ فِيهِ أَفْضَلُ ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ ، قَالَ شَيْخُنَا وَيَكْفُرُ مَنْ فَضَّلَ رَجَبًا عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ : إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الشُّهُورِ أَرْبَعَةً : رَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَالْمُحَرَّمَ ، وَاخْتَارَ مِنْهَا شَعْبَانَ ، وَجَعَلَهُ شَهْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ فَشَهْرُهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ ، كَذَا قَالَ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي قَوْله تَعَالَى { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } إنَّمَا سَمَّاهَا حُرُمًا لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهَا ، وَلِتَعْظِيمِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ تَعْظِيمِهِ فِي غَيْرِهَا ، وَكَذَلِكَ تَعْظِيمُ الطَّاعَاتِ ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أَيْ فِي الْأَرْبَعَةِ ، وَأَنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ أَنَّ الظُّلْمَ الْمَعَاصِي ، قَالَ فَتَكُونُ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ بِهَا أَنَّ شَأْنَ تَعْظِيمِ الْمَعَاصِي فِيهَا أَشَدُّ مِنْ تَعْظِيمِهِ فِي غَيْرِهَا ، وَذَلِكَ لِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا ، كَتَخْصِيصِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، وَقَوْلِهِ { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } وَكَمَا أَمَرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى ، وَقَالَ : وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ الِاعْتِكَافِ الِاعْتِكَافُ لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ { يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } يُقَالُ : عَكَفَ بِفَتْحِ الْكَافِ يَعْكُفُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ، قِرَاءَتَانِ .
وَشَرْعًا لُزُومُ مَسْجِدٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : وَهَذَا الِاعْتِكَافُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُسَمَّى خَلْوَةً ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ، وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى ، وَيُسَمَّى جِوَارًا ، { لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ { أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كُنْت أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ يَعْنِي الْأَوْسَطَ ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ } .
وَهُوَ سُنَّةٌ ( ع ) وَيَجِبُ بِنَذْرِهِ ( ع ) ، وَإِنْ عَلَّقَهُ أَوْ غَيْرُهُ بِشَرْطٍ ، فَلَهُ شَرْطُهُ ، نَحْوَ لِلَّهِ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ كُنْت مُقِيمًا أَوْ مُعَافًى ، فَكَانَ فِيهِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
وَهَلْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ أَوْ بِالنِّيَّةِ ؟ سَبَقَ آخِرَ الْبَابِ قَبْلَهُ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ إلَّا مَا نُهِيَ عَنْ صِيَامِهِ ، لِلِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِهِ بِغَيْرِ صَوْمٍ ، وَآكَدُهُ رَمَضَانُ ، ( ع ) وَآكَدُهُ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ ( ع ) وَلَمْ يُفَارِقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يَعْتَكِفُ فِي الثَّغْرِ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ نَفِيرٌ .
وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ ( وَ ) وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْذُورِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَقِيلَ : يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ ، كَالصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِتَعَلُّقِهِ بِمَكَانٍ ، كَالْحَجِّ ( م 1 ) وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا يُبْطِلُ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى مُدَّةً مُقَدَّرَةً ابْتِدَاءَ النِّيَّةِ ، وَإِلَّا فَلَا ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا يَبْتَدِئُهَا ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَمَجْنُونٍ وَطِفْلٍ ،

كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ ، لِخُرُوجِهِ بِالْجُنُونِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ الْغُسْلِ ، لَكِنْ يَتَوَجَّهُ : هَلْ يَبْنِي أَوْ يَبْتَدِئُ ؟ الْخِلَافُ فِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ .
وَلَا يَبْطُلُ بِإِغْمَاءٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَيَأْتِي فِي النَّذْرِ نَذْرُ الْكَافِرِ .
بَابُ الِاعْتِكَافِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْذُورِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَقِيلَ : يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ ، كَالصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِتَعَلُّقِهِ بِمَكَانٍ ، كَالْحَجِّ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ : لِأَصْحَابِنَا .
وَجْهَانِ ، وَعَلَّلَهُمَا بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْفَسَادِ مِنْهُ ، فَهُوَ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ ، لِمَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِهِ .

فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَلَا الْمَرْأَةُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا ، ( وَ ) ، لِتَفْوِيتِ مَنَافِعِهِمَا الْمَمْلُوكَةِ لَهُمَا ، فَإِنْ شَرَعَا فِي نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ بِلَا إذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا ، وِفَاقًا ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِإِذْنِهِ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَضَرَرُ الِاعْتِكَافِ أَعْظَمُ ، وَالْحَجُّ آكَدُ ، وَخَرَّجَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : لَا يُمْنَعَانِ مِنْ اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ ، كَرِوَايَةٍ فِي الْمَرْأَةِ فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورَيْنِ ، ذَكَرَهَا فِي الْمُجَرَّدِ وَالتَّعْلِيقِ ، وَنَصَرَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَالْعَبْدُ يَصُومُ النَّذْرَ ، وَيَأْتِي هَذَا الْوَجْهُ فِي الْوَاضِحِ فِي النَّفَقَاتِ ، قَالَ : وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ : مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا مِنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ فَقَطْ ، لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورَيْنِ ، قَالَ : وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ رَابِعٌ : مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا إلَّا مِنْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ ، كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا ، وَيَتَوَجَّهُ : إنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَكَالْمَنْذُورِ ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُحَلِّلَاهُمَا صَحَّ وَأَجْزَأَ ( وَ ) ، وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ ابْنُ الْبَنَّا : يَقَعُ بَاطِلًا ، لِتَحْرِيمِهِ ، كَصَلَاةٍ فِي مَغْصُوبٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ ، وَذَكَرَهُ نَصُّ أَحْمَدَ فِي الْعَبْدِ .
وَإِنْ أَذِنَّا لَهُمَا ثُمَّ أَرَادَا تَحْلِيلَهُمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا ، وَإِلَّا فَلَا ( و ش ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ ، وَلِأَنَّ حَقَّهُمَا وَاجِبٌ ، وَالتَّطَوُّعُ لَا يَلْزَمُ بِالْمَشْرُوعِ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، فَهِيَ هِبَةُ مَنَافِعَ تَتَجَدَّدُ

، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا لَمْ يُقْبَضْ ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ ، وَمَذْهَبُ ( م ) مَنْعُ تَحْلِيلِهِمَا مُطْلَقًا ، لِلُزُومِهِ بِالشُّرُوعِ عِنْدَهُ .
وَمَذْهَبُ ( هـ ) لَهُ تَحْلِيلُ الْعَبْدِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ ، وَيُكْرَهُ لِإِخْلَافِهِ الْوَعْدَ ، وَلَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَ الزَّوْجَةِ فِيهِمَا ، لِمِلْكِهَا بِالتَّمْلِيكِ ، وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ الْإِذْنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ جَازَ ( ع ) ، بِخِلَافِ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِأَمْرٍ مَضَى لَا يَتَجَدَّدُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَنَذْرِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ مُتَتَابِعَةٍ إذَا اخْتَارَا فِعْلَهُ مُتَتَابِعًا وَأَذِنَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ تَحْلِيلُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ مُنْتَهَى كُلِّ يَوْمٍ ، لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ مِنْهُ إذَنْ ، كَالتَّطَوُّعِ ، قَالَ : وَتَعْلِيلُ أَصْحَابِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ كَغَيْرِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا فِي غَيْرِ نَذْرٍ ، وَقِيلَ : فِي غَيْرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَالْإِذْنُ فِي عَقْدِ النَّذْرِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ إنْ نَذَرَ زَمَنًا مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ ، وَإِلَّا فَلَا ، ( و ش ) لِأَنَّ زَمَنَ الشُّرُوعِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْإِذْنُ السَّابِقُ وَقَدَّمَ الشَّيْخُ مَنْعَ تَحْلِيلِهِمَا أَيْضًا ، كَالْإِذْنِ فِي الشُّرُوعِ .

وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِلَا إذْنٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِمِلْكِهِ مَنَافِعِهِ ، كَحُرٍّ مَدِينٍ ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ ، وَلَهُ أَنْ يَحُجَّ بِلَا إذْنٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، كَالِاعْتِكَافِ ، وَأَوْلَى ، لِإِمْكَانِ التَّكَسُّبِ مَعَهُ ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إنْفَاقِهِ لِلْمَالِ فِيهِ ، كَالِاعْتِكَافِ ، وَكَتَرْكِهِ التَّكَسُّبِ مُدَّةً ، وَيُنْفِقُ فِيهَا عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ جَمَعَهُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : يَجُوزُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ مِمَّا قَدْ جَمَعَهُ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : لَهُ الْحَجُّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ مَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَ الشَّيْخُ عَلَى إذْنِهِ لَهُ ، وَيَجُوزُ بِإِذْنِهِ ، أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا : نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ مُطْلَقًا ، ( و ق ) .
وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ بِلَا إذْنِهِ ، لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَهُ فِيهَا ، وَإِلَّا فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يَحُجَّ بِلَا إذْنٍ يَعْنِي الْمُكَاتَبُ يَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ بَيَانُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَاقَضَ فِي كَلَامِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ .

فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ مِنْ رَجُلٍ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ، ( و هـ ) ، وَلَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ مُعْتَكِفَيْنِ ، وَإِلَّا صَحَّ مِنْهُ فِي مَسْجِدِ غَيْرِهِ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : وَلَا يَصِحُّ مِنْ الرَّجُلِ مُطْلَقًا إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا رَوَاهُ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعٍ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ : لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ } أَوْ قَالَ " فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { : السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ ، وَلَا اعْتِكَافَ ، إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ : غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهِ : قَالَتْ : السُّنَّةُ ، يَعْنِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ عَنْهَا ، وَفِيهِ " وَإِنَّ السُّنَّةَ " وَذَكَرَهُ .
وَفِي آخِرِهِ { وَيَأْمُرُ مَنْ اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ } وَقَالَ : يُقَالُ : " إنَّ السُّنَّةَ " إلَى آخِرِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ ، وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ وَهَمَ ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ ، فَيَحْرُمُ تَرْكُهَا .
وَيَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ بِتَكْرَارِ الْخُرُوجِ ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا إنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ الْجَمَاعَةُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ، ( و م ش ) ،

لِظَاهِرِ الْآيَةِ .
وَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ ، إجْمَاعًا ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ .
وَيَصِحُّ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ، إجْمَاعًا ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ : لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِيهَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَحَبَةُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وِفَاقًا ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ ، وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ ، فَقَالَ : إنْ كَانَتْ مَحُوطَةً فَهِيَ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ فَقَالَ : إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْعَصْرِ فِي رَحَبَةِ مَسْجِدِ الْجَامِعِ انْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ ، لَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ ، حَدُّ الْمَسْجِدِ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَبَابٌ .
وَقَدَّمَ هَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا وَقَالَ : وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ( م 2 ) وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ : الرَّحَبَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِهِ مِنْهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَظَهْرُ الْمَسْجِدِ مِنْهُ ( و هـ ش ) ، وَمَذْهَبُ ( م ) لَا يَعْتَكِفُ فِيهِ وَلَا فِي بَيْتِ قَنَادِيلِهِ .
وَقَالَ ( م ) أَيْضًا : يُكْرَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمَنَارَةُ الَّتِي لِلْمَسْجِدِ إنْ كَانَتْ فِيهِ أَوْ بَابُهَا فِيهِ فَهِيَ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ مَنْعِ جُنُبٍ وَالْأَشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ : يُكْرَهُ ، وَقَالَهُ اللَّيْثُ .
وَإِنْ كَانَ بَابُهَا خَارِجًا مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطْرِقُ إلَيْهَا إلَّا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهُ كَمَا جَزَمَ [ بِهِ ] بَعْضُهُمْ فَخَرَجَ لِلْأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ، لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي جُنُبٌ ، لِأَمْرٍ مِنْهُ بُدٌّ ، كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ ، وَقِيلَ : لَا يَبْطُلُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَقَالَ

الْقَاضِي : لِأَنَّهَا بُيِّتَتْ لَهُ ، فَكَأَنَّهَا مِنْهُ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : لِأَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ بِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ الْأَذَانِ ، فَكَأَنَّهَا مِنْهُ فِيمَا بُنِيَتْ لَهُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ [ ثُبُوتُ ] بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ ، لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لَهُ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَثَالِثٌ : إنْ أَلِفَ النَّاسُ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جَازَ ، لِلْحَاجَةِ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّحَبَةِ فَهِيَ مِنْهَا [ وَإِلَّا فَلَا ] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْأَفْضَلُ اعْتِكَافُ الرَّجُلِ فِي الْجَامِعِ إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ تَتَخَلَّلُهُ جُمُعَةٌ ، وَلَا يَلْزَمُ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ ، لِمَا سَبَقَ ، وَلِأَنَّهُ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْجُمُعَةَ ، وَلَا تَتَكَرَّرُ ، بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ وَجْهٌ : يَلْزَمُ ، فَإِنْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ بَطَلَ بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا ، ( و م ) ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ ، كَالْخَارِجِ مِنْ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ إلَى صَوْمِ رَمَضَانَ ، وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، فَأَمَّا إنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْجُمُعَةِ ، وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ مَوْضِعِهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مَوْضِعُهَا ، وَلَا يَصِحُّ إنْ وَجَبَتْ الْجَمَاعَةُ بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَحْدُهَا ، وَيَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَلِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ ، وَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ ، كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَرَحَبَةُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَعَنْهُ : بَلَى ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ ، وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ ، فَقَالَ : إنْ كَانَتْ مَحُوطَةً فَهِيَ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ فَقَالَ : إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْعَصْرِ فِي رَحَبَةِ مَسْجِدِ الْجَامِعِ انْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ ، لَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ ، حَدُّ الْمَسْجِدِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ حَائِطٌ وَبَابٌ ، وَقَدَّمَ هَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا وَقَالَ : وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي الْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، إحْدَاهُمَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي مَوْضِعٍ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ : اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، انْتَهَى وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ( قُلْت ) جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فِي مَوْضِعٍ فَقَالَا : وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ كَهُوَ ، وَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ : وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ الرِّعَايَةُ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ ، وَكَذَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى .

وَيَصِحُّ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ ، لِلْآيَةِ ، وَالْجَمَاعَةُ لَا تَلْزَمُهَا .
وَفِي الِانْتِصَارِ : فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْخِرَقِيِّ .
لِمَا رَوَاهُ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهَا ، فَقَالَ : بِدْعَةٌ ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ ، فَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ .
تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ، وَلَا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ مَا اتَّخَذَتْهُ لِصَلَاتِهَا لِمَا سَبَقَ ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا ، وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ ، وَفِي كُتُبِهِمْ كَالْمُخْتَارِ : الْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي بَيْتِهَا ، قَالَ الْأَصْحَابُ : فَلِمَ لَمْ يُنَبِّهْ أَزْوَاجَهُ عَلَى ذَلِكَ ؟ وَإِنَّمَا خَافَ عَلَيْهِنَّ التَّنَافُسَ فِي الْكَوْنِ مَعَهُ ، وَتَرْكَ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيهِ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنَّنَا نَكْرَهُهُ لَهَا إذَا لَمْ تَتَحَفَّظْ بِخِبَاءٍ وَنَحْوِهِ ، وَاسْتَحَبَّهُ غَيْرُهُ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بِمَوْضِعِ الرِّجَالِ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ : يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيَضْرِبْنَ لَهُنَّ فِيهَا الْخِيَمَ ، قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَتِرَ الرَّجُلُ أَيْضًا ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لِأَنَّهُ أَخْفَى لِعَمَلِهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ : إلَّا لِبَرْدٍ شَدِيدٍ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ : لِبَرْدٍ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

فَصْلٌ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ ، هَذَا الْمَذْهَبُ ( و ش ) ، لِأَنَّ { عُمَرَ سَأَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً } وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : { يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك } زَادَ الْبُخَارِيُّ : { فَاعْتَكِفْ لَيْلَةً } ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : رَفَعَهُ السُّوسِيُّ أَبُو بَكْرٍ ، وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هُوَ ثِقَةٌ فَيُقْبَلُ رَفْعُهُ وَزِيَادَتُهُ .
قَالَهُ الْخَطِيبُ : دَخَلَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ أَحَادِيثَ مُسْتَقِيمَةً .
وَلِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ .
وَتَفَرَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ وَلَهُ مَنَاكِيرُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ : { اعْتَكِفْ وَصُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَضَعَّفَهُ وَزِيَادَتُهُ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا ، ثُمَّ أَمَرَهُ اسْتِحْبَابًا أَوْ نَذَرَهُ مَعَ الِاعْتِكَافِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : إنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الشِّرْكِ وَيَصُومَ ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : إسْنَادٌ حَسَنٌ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ .
فَعَلَى هَذَا أَقَلُّهُ تَطَوُّعًا ، أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَأَطْلَقَ مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا ، فَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً وِفَاقًا لِلْأَصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَأَقَلُّهُ عِنْدَهُمْ مُكْثٌ يَزِيدُ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ أَدْنَى زِيَادَةٍ ، وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ لَا لَحْظَةٌ ، وَلَا يَكْفِي عُبُورُهُ ، خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا .
وَلَوْ صَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ ، وَعَنْهُ : لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ صَوْمٍ ، و هـ م ) ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ لَيْلَةً مُفْرَدَةً ، وَفِي أَقَلِّهِ وَجْهَانِ قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : أَحَدُهُمَا يَوْمٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وِفَاقًا لِرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ،

لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الصَّوْمُ .
الثَّانِي أَقَلُّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ إذَا وُجِدَ [ فِي ] الصَّوْمِ ، لِوُجُودِ اللُّبْثِ بِشَرْطِهِ ، وَجَزَمَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ ( م 3 ) وَهُوَ أَصَحُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا : إنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَأَطْلَقَ يَلْزَمُهُ يَوْمٌ ، وَمُرَادُهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِيمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ أَجْزَأَهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ إنْ كَانَ صَائِمًا ، وَجَزَمُوا فِي النَّذْرِ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْلَى ، لَا يَوْمًا ( ش ) لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَعَنْهُ أَيْضًا : ثَلَاثَةٌ .
وَلَا يَصِحُّ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا ( و هـ م ) وَاعْتِكَافُهَا نَذْرًا وَنَفْلًا كَصَوْمِهَا نَذْرًا وَنَفْلًا ، فَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ يَوْمُ الْعِيدِ فِي أَثْنَاءِ اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ ، فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ ، وَيَجُوزُ خُرُوجُهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ ، وَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الْمَلِكِ الْمَالِكِيِّ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى إنْ شَاءَ وَإِلَى أَهْلِهِ ، وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الْعُكُوفِ ثُمَّ يَعُودُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِهِ لِتَمَامِ أَيَّامِهِ ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصُومَ لِلِاعْتِكَافِ مَا لَمْ يَنْذُرْ لَهُ الصَّوْمَ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ .
وَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ تَطَوُّعًا أَوْ بِنَذْرٍ عَيَّنَهُ بِهِ ( وَ ) ، وَشَرَطَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِلِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ .

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ : لَا يَصِحُّ [ الِاعْتِكَافُ ] بِغَيْرِ صَوْمٍ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ ، وَفِي أَقَلِّهِ وَجْهَانِ ، قَالَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : أَحَدُهُمَا يَوْمٌ ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ .
وَالثَّانِي أَقَلُّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ إذَا وَجَدَ فِي الصَّوْمِ ، لِوُجُودِ اللَّبْثِ بِشَرْطِهِ ، وَجَزَمَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ ، انْتَهَى ، الْوَجْهُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ وَالْفَائِقُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَبَيَّنَ مُرَادَهُمْ .

فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَجَبٍ فَتَرَكَهُ وَاعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَتَرَكَهُ وَاعْتَكَفَ رَمَضَانَ الْمُقْبِلَ لَمْ يُجْزِئْهُ .
وَكَذَا عِنْدَهُمْ الِاعْتِكَافُ الْمُطْلَقُ إذَا فَعَلَهُ فِي رَمَضَانَ ، لِوُجُوبِ صَوْمٍ فِي ذِمَّتِهِ ، فَلَا يَتَأَدَّى بِرَمَضَانَ ، كَنَذْرِ الصَّوْمِ الْمُفْرَدِ .
وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ .
وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي أَيِّ صَوْمٍ كَانَ .
كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُحْدِثٌ ثُمَّ تَطَهَّرَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِهِ .
وَلِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَأَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ فَقَضَاهُ وَاعْتَكَفَ مَعَ الْقَضَاءِ أَجْزَأَهُ ( وَ ) .
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ ( وَ ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ ، لِأَنَّ كُلَّ قُرْبَةٍ مُعَلَّقَةٌ [ بِزَمَنٍ ] لَا تَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ كَنَذْرِ صَلَاةٍ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ ، أَوْ الصَّدَقَةِ ، وَكَنَذْرِ اعْتِكَافِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ رَمَضَانَ ، وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، لِفَوَاتِ الْمُلْتَزَمِ ، وَيَبْطُلُ هَذَا بِالصَّوْمِ الْمُعَيَّنِ ( ع ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ إذَا لَزِمَ شَهْرٌ غَيْرُهُ فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَهُوَ أَوْلَى ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ : إنْ شَرَطْنَاهُ فِيهِ لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ ، تَحْقِيقًا لِشَرْطِ الصِّحَّةِ ( م 4 ) .
وَيُجْزِئُ مَعَ شَرْطِ الصَّوْمِ رَمَضَانُ آخَرُ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا : لَا يُجْزِئُهُ ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ السَّابِقِ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي خِلَافًا فِي نَذْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ .
وَمُتَنَاقِضٌ ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَقْرَبُ إلَى الْتِزَامِ الصَّوْمِ ، فَهُوَ أَوْلَى ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَلَمْ يَرُدَّ الْقَاضِي هَذَا وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ ، وَالْقَوْلُ بِهِ فِي

الْمُطْلَقِ مُتَعَيَّنٌ ، وَعَلَّلَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْإِجْزَاءَ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّذْرِ صِيَامٌ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَلَّلَ عَدَمَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِصَوْمٍ ، فَلَمْ يَقَعْ صِيَامُهُ عَنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ .
ثُمَّ إذَا لَزِمَ شَهْرٌ غَيْرُهُ فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَهُوَ أَوْلَى ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ ، إنْ شَرَطْنَاهُ فِيهِ لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا [ هُوَ ] الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ ، تَحْقِيقًا لِشَرْطِ الصِّحَّةِ ، انْتَهَى ، فَقَوْلُهُ " قَدَّمَ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ " الْبَعْضُ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنَافٍ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشْرِهِ الْأَخِيرِ فَنَقَصَ أَجْزَأَهُ وِفَاقًا ، بِخِلَافِ نَذَرَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَنَقَصَ يَقْضِي يَوْمًا ، وِفَاقًا .
وَإِنْ فَاتَهُ الْعَشْرُ فَقَضَاهُ خَارِجَ رَمَضَانَ جَازَ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وِفَاقًا ، { لِقَضَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَكَقَضَاءِ نَذَرَ صَوْمِ عَرَفَة أَوْ عَاشُورَاءَ فِي غَيْرِهِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ قَابِلٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ فِي الْمُعْتَكِفِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ مِنْ قَابِلٍ ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَسَبَقَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ قِيَامَهَا لَزِمَهُ ، فَكَذَا اعْتِكَافُهَا ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي ، فِي الْأَشْهَرِ ، قَالَ مِنْ عِنْدَهُ ، وَيَحْتَمِلُ [ أَنْ يُجْزِئَهُ ] مِثْلُهُ مِنْ شَهْرٍ غَيْرِهِ .
وَيَتَوَجَّهُ مِنْ تَعْيِينِ الْعَشْرِ تَعْيِينُ رَمَضَانَ فِي الَّتِي قَبْلِهَا ، وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى .
فَذَكَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَزِدْ ، وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ ، لِأَنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَطَوُّعٌ ، وَالصَّوْمُ يُجْزِئُ الْمَفْضُولُ فِيهِ عَنْ الْفَاضِلِ ، بِدَلِيلِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَالْأَشْهُرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ مَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ بِصَوْمٍ لَزِمَاهُ مَعًا ، فَلَوْ فَرَّقَهُمَا أَوْ اعْتَكَفَ وَصَامَ فَرْضَ رَمَضَانَ وَنَحْوَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ } وَلِأَنَّ الصَّوْمَ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِيهِ ، كَالتَّتَابُعِ وَكَالْقِيَامِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا : يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ لَا الْجَمْعُ ، فَلَهُ فِعْلُ كُلِّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا .
وَقَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا أَوْ بِالْعَكْسِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا نُسَلِّمُهُ وَنَقُولُ : يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ كَمَا قَالَ ، ثُمَّ سَلَّمَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ ، لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْآخَرِ وَلَا سَبَبِهِ .

وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَالْوَجْهَانِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَفَرَّقَ فِي التَّلْخِيصِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شِعَارِهِ الِاعْتِكَافُ ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ .
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا فَالْوَجْهَانِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ .
وَفِيهِمَا وَجْهٌ ثَالِثٌ : لَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ هُنَا ، لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ كَفٌّ يُعْتَبَرُ بِالزَّمَانِ ، فَلَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالنَّذْرِ ، كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الزَّمَانِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَالْمُرَادُ رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ ، وَذَكَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومُ مُعْتَكِفًا فَالْوَجْهَانِ " وَكَذَا قَوْلُهُ " وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا فَالْوَجْهَانِ " يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَبْلُ ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ قَدَّمَ أَنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ مَعًا فِيمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ ، فَكَذَا هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَيَقْرَأَ فِيهَا سُورَةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ الْجَمْعُ ، فَلَوْ قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُهُ ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ : لَا يَلْزَمُ حَالَ النَّاذِرِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا كَانَتْ عِبَادَةً مُفْرَدَةً ، فَإِذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا أَوْ بِالْعَكْسِ ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُصَلِّيًا أَوْ بِالْعَكْسِ ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مُعْتَكِفًا أَوْ بِالْعَكْسِ ، وَنَحْوِهِ ، لَزِمَهُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي ، لَا مُنْفَرِدًا وَلَا مَعَ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مُنْفَرِدًا ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مَقْصُودَةٍ لِيَلْزَمَ بِالنَّذْرِ ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ ، لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِيهِ عَلَى أَصْلِهِمْ ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَلَهُمْ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْأَوَّلُ ، كَمَا سَبَقَ ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً ، فَجَازَ جَعْلُهُ شَرْطًا فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي جُعِلَتْ شَرْطًا لَهُ .
وَنَصَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وُجُوبَ الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ كَذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ } وَلِأَنَّهُ طَاعَةٌ ، لِاسْتِبَاقِهِ إلَى الْخَيْرَاتِ ، وَلِكَوْنِهِ أَشَقَّ .
قَالَ : وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُخَالِفَ يَبْطُلُ بِالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ، وَكُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ مَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهَا ( هـ ) لِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ : يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَقَطْ .
وَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهُ ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ ، فَدَلَّ إنْ قُلْنَا إنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ أَنَّ مَسْجِدَهَا أَفْضَلُ ( ر م ) وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ .
وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهُ ، لِأَنَّهُ دُونَهُ ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى مَا سَبَقَ .
وَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ الْمَسْجِدَانِ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَفْضَلِيَّتِهِمَا عَلَيْهِ ( م ) فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ .
وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ } وَذَكَرَهَا ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ : { إنَّمَا يُسَافَرُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ } فَلَوْ تَعَيَّنَ احْتَاجَ إلَى شَدِّ رَحْلٍ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ ، وَخَالَفَ فِيهِ اللَّيْثُ ، وَيَتَوَجَّهُ إلَّا مَسْجِدَ قُبَاءَ ، وِفَاقًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ { : كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ ، كَانَ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ } .
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِلنَّسَائِيِّ [ وَابْنِ مَاجَهْ ] مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ { : إنَّ مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيُصَلِّيَ فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلُ عُمْرَةٍ } ، وَعَنْ أُسَيْدَ بْنِ ظُهَيْرٍ مَرْفُوعًا { الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ

قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ ، وَلَا نَعْرِفُ لِأُسَيْدٍ شَيْئًا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا .
وَفِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَارَةِ ، وَكَرِهَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيُّ .
أَمَّا مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي يَلْزَمُ فِيهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الِانْتِصَارِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : الْقِيَاسُ لُزُومُهُ تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِهِ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ } .
وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ لِلصَّلَاةِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ تَعْيِينَهُ لَهَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّهُ أَفْضَلُ ، قَالَ : وَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ مِثْلُهُ ، وَأَطْلَقَ شَيْخُنَا وَجْهَيْنِ فِي تَعْيِينِ مَا امْتَازَ بِمِزْيَةٍ شَرْعِيَّةٍ ، كَقِدَمٍ وَكَثْرَةِ جَمْعٍ ، وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يَتَعَيَّنُ ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِهَذَا فِي الْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنْهُمْ ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا ، وَبَعْضُهُمْ قَوْلًا فِي تَعْيِينِ الْمَسَاجِدِ لِلِاعْتِكَافِ ، وَاحْتَجُّوا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ بِأَنَّهُ لَا مِزْيَةَ لِبَعْضِ الْمَسَاجِدِ عَلَى بَعْضٍ بِمِزْيَةٍ أَصْلِيَّةٍ ، وَهَذَا يَبْطُلُ بِقُبَاءَ ، ثُمَّ هِيَ طَاعَةٌ ، فَتَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ ، ثُمَّ مَا الْفَرْقُ ؟ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا : وَيَبْطُلُ بِبِقَاعِ الْحَجِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ لَا يَخْتَصَّانِ بِمَكَانٍ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ ، كَذَا قَالَا ( م هـ ) فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ إنْ وَجَبَتْ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ .
وَكَذَا الصَّلَاةُ ( م 6 ) وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : يُصَلِّي فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَيْضًا ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ .
وَإِنْ أَرَادَ الذَّهَابَ إلَى مَا عَيَّنَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَدِّ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32