كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

وَلَوْ جَاءَنَا عَبْدٌ مُسْلِمًا وَأُسِرَ سَيِّدُهُ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ حُرٌّ ، وَلِهَذَا لَا نَرُدُّهُ فِي هُدْنَةٍ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : وَالْكُلُّ لَهُ ، وَإِنْ أَقَامَ بِدَارِ حَرْبٍ فَرَقِيقٌ ، وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ ، وَلَوْ جَاءَ قَبْلَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ جَاءَ هُوَ مُسْلِمًا فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَبْدٌ إلَيْنَا بِأَمَانٍ أَوْ نَزَلَ مِنْ حِصْنٍ فَهُوَ حُرٌّ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ : وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ غَنِيمَةٌ ، فَلَوْ هَرَبَ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَ بِمَالٍ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَالْمَالُ لَنَا .
وَلَمَّا جَاءَ وَفْدُ ثَقِيفٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ الطَّاغِيَةَ وَهِيَ اللَّاتُ لَا يَهْدِمُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَأَبَى حَتَّى سَأَلُوهُ شَهْرًا فَأَبَى ، فَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُسْلِمَ بِتَرْكِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ وَلَا يُرَوِّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا حَتَّى يَدْخُلَهُمْ الْإِسْلَامُ ، فَأَبَى إلَّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَهْدِمَانِهَا ، فِيهِ وُجُوبُ هَدْمِ ذَلِكَ لِمَا فِي بَقَائِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الطَّوَاغِيتِ ، قَالَ فِي الْهَدْيِ : وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ وَمَا يُقْصَدُ بِالْعَظِيمِ وَالنَّذْرِ مِنْ الْأَحْجَارِ .

بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ الْغَنِيمَةُ : مَا أُخِذَ مِنْ كُفَّارٍ قَهْرًا بِقِتَالٍ ، وَتُمُلِّكَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ ، كَعِتْقِ عَبْدٍ حَرْبِيٍّ وَإِبَانَةِ امْرَأَةٍ أَسْلَمَا وَلَحِقَا بِالْجَيْشِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا : بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ لَا فِي فَوْرِ الْهَزِيمَةِ ، لِلَبْسِ الْأَمْرِ هَلْ هُوَ حِيلَةٌ أَوْ ضَعْفٌ .
وَفِي الْبُلْغَةِ بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، وَزَادَ الْقَاضِي مَعَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ لَا بِمِلْكِ الْأَرْضِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : تَمَلُّكٍ ، كَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ بِالْقَصْدِ : وَلَنَا تَبَايُعُهَا وَقِسْمَتُهَا فِيهَا ، فِي الْمَنْصُوصِ ، لِأَنَّهَا مُلِكَتْ وَهُوَ أَنْفَعُ ، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ .
وَفِي الْبُلْغَةِ رِوَايَةٌ : لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا فِيهَا ، وَشِرَاءُ الْأَمِيرِ لِنَفْسِهِ مِنْهَا إنْ وَكَّلَ مَنْ جَهِلَ أَنَّهُ وَكَبَّلَهُ صَحَّ ، وَإِلَّا حُرِّمَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ جَلُولَاءِ لِلْمُحَابَاةِ ، فَإِنْ أَخَذَهَا عَدُوٌّ مِنْ مُشْتَرٍ فَمِنْهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : مِنْ بَائِعِهِ ، اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ .

وَلَا يَمْلِكُ كُفَّارٌ حُرًّا مُسْلِمًا وَلَا ذِمِّيًّا ، وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ ، كَحِفْظِهِمْ مِنْ الْأَذَى ، وَنَصُّهُ فِي ذِمِّيٍّ : إنْ اُسْتُعِينَ بِهِ ، وَلَا فِدَاءَ بِخَيْلٍ وَسِلَاحِ مُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ ، وَمَنْ اشْتَرَاهُ رَجَعَ فِي الْمَنْصُوصِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ فَوَجْهَانِ ( م 1 ) وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ : لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَادَةَ الْأَسْرَى وَأَهْلِ الثَّغْرِ ذَلِكَ ، فَيَشْتَرِيهِمْ لِيُخَلِّصَهُمْ وَيَأْخُذَ مَا وَزَنَ لَا زِيَادَةَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ ، وَيَمْلِكُونَ مَالنَا بِالْقَهْرِ ، كَبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ شَيْخُنَا ، وَعَنْهُ : إنْ حَازُوهُ بِدَارِهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا بَلَغَ بِهِ قُبْرُسَ يُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ لَيْسَ غَنِيمَةً وَلَا يُؤْكَلُ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحُوزُوهُ إلَى بِلَادِهِمْ وَلَا إلَى أَرْضٍ هُمْ أَغْلَبُ عَلَيْهَا ، وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ : أَصَبْنَا فِي قُبْرُسَ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : يُعْرَفُ وَقَالَ : أَهْلُ قُبْرُسَ كَانُوا سُبُوا فَدَخَلَ بَقِيَّتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ ، فَنَقَمُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَقِيلَ لَهُ : غُزَاةُ الْبَحْرِ يَنْتَهُونَ إلَى قُبْرُسَ ، فَيُرِيدُ الْأَمِيرُ أَنْ يَأْخُذَ خَبَرَ الرُّومِ فَيَبْعَثُ سَرِيَّةً لِيَأْخُذُوا أَعْلَاجًا مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ لِيَسْتَخْبِرَ مِنْهُمْ خَبَرَ الرُّومِ ثُمَّ يَتْرُكُهُمْ ، فَمَا تَرَى فِي الْخُرُوجِ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ ؟ قَالَ : مَا أَدْرِي ، أَخَافُ أَنْ يَرْغَبُوا وَلَهُمْ ذِمَّةٌ ، وَقِيلَ لَهُ : أَخَذُوا مَرْكَبًا لِلرُّومِ فِيهَا نَاسٌ مِنْ قُبْرُسَ فَقَالُوا : أُكْرِهْنَا عَلَى الْخُرُوجِ أَيُقْتَلُونَ ؟ قَالَ : لَوْ تَرَكُوهُ كَانَ أَحْسَنَ ، لَا يُقْتَلُونَ ، وَقِيلَ لَهُ يُحْمَلُ مِنْ قُبْرُسَ حَجَرُ الْمِسَنِّ وَالْكِيرُ ، وَيُحْمَلُ الْمِلْحُ مِنْ سَاحِلِهَا لِيَأْكُلَهُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ ، يَأْتِي بِهِ مَنْزِلَهُ ؟ فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ ، وَعَنْهُ : لَا يَمْلِكُونَهُ وَلَوْ حَازُوهُ بِدَارِهِمْ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ

يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ شِهَابٍ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } قَالَ : وَلِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رَقِيقًا بِرِضَانَا بِالْبَيْعِ .
عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَهُنَا أَوْلَى ، وَكَأَحَدٍ مُسْتَأْمَنٍ لَهُ بِدَارِنَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ غَصْبٍ ، وَكَحَبِيسٍ وَوَقَفَ ، وَعَنْهُ أُمُّ الْوَلَدِ كَوَقْفٍ ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، فَعَلَى الْأَوْلَى يَمْلِكُونَ مَا أَبَقَ وَشَرَدَ إلَيْهِمْ وَعَنْهُ : لَا ، وَمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا وَلَوْ بَعْدَ إسْلَامِ مَنْ هُوَ مَعَهُ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ جَهِلَ رَبَّهُ وَقَفَ أَمْرُهُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِثَمَنِهِ ، لِئَلَّا يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاسِمِ ، وَمَا مَلَكُوهُ إنْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ لَزِمَ السَّيِّدَ أَخْذُهَا ، لَكِنْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالثَّمَنِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَمَا سِوَاهَا لِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا .
وَيُعْمَلُ بِقَوْلِ عَبْدٍ مَأْسُورٍ هُوَ لِفُلَانٍ أَوْ بِسِيمَةِ حَبِيسٍ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : أَخَذْنَا مَرَاكِبَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فِيهَا النَّوَاتِيَّةُ يَعْنِي الْمَلَّاحَ ، فَقَالُوا هَذَا الْمَرْكَبُ لِفُلَانٍ وَهَذَا لِفُلَانٍ .
قَالَ : هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ ، لَا يُقَسَّمُ .
فَإِنْ أَبَى أَوْ جَهِلَ رَبَّهُ قَسَّمَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قِسْمَتُهُ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوقِفُوهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ رَبُّهُ ؟ قَالَ : إذَا عُرِفَ ، فَقِيلَ هَذَا لِفُلَانٍ وَكَانَ رَبُّهُ بِالْقُرْبِ .
وَمَتَى وَجَدَهُ رَبُّهُ قَسَّمَهُ أَوْ شِرَاءٌ مِنْهُمْ أَخَذَهُ فِي الشِّرَاءِ بِثَمَنِهِ ، وَعَنْهُ : وَفِي الْقِسْمَةِ بِقِيمَتِهِ ، وَعَنْهُ فِيهَا بِثَمَنِهِ الَّذِي حُسِبَ بِهِ ، ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ ، وَعَنْهُ : لَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا ، كَوِجْدَانِهِ بِيَدِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ أَوْ أَسْلَمَ ، وَلَوْ وَجَدَهُ رَبُّهُ بِيَدِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ مَجَّانًا أَخَذَهُ بِغَيْرِ قِيمَتِهِ ، عَلَى

الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ لَزِمَ تَصَرُّفَهُ ، وَفِي أَخْذِ رَبِّهِ لَهُ مِمَّنْ بِيَدِهِ مَا تَقَدَّمَ ، وَمَتَى أَحَبَّ أَخْذَ مُكَاتَبِهِ بَقِيَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَإِلَّا كَانَ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ عَلَى بَقِيَّةِ كِتَابَتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ : إنْ عَلِمَ رَبُّهُ بِقَسْمِهِ وَبَيْعِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ فَهُوَ رِضَا .
وَتُرَدُّ مُسْلِمَةٌ سَبَاهَا الْعَدُوُّ إلَى زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا مِنْهُمْ كَمُلَاعَنَةٍ وَزِنًا ، وَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ ضُرِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يُسْلَمَ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَقْتُلَ .
( بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ ) مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ " فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ فَوَجْهَانِ " انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَهُوَ قَوِيٌّ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ ، لِأَنَّهُ غَارِمٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَنَصَرَاهُ .

فَصْلٌ وَيُبْدَأُ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بِمَنْ تَقَدَّمَ وَبِمُسْتَحَقِّ السَّلَبِ ، وَهُوَ مَنْ غَرَّرَ حَالَ الْحَرْبِ فَقَتَلَ ، أَوْ أَثْخَنَ كَافِرًا مُمْتَنِعًا لَا مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ ، وَمُنْهَزِمًا ، نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ : إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا سَمِعْنَا : لَهُ سَلَبَهُ فِي الْمُبَارَزَةِ ، وَإِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ : إنَّمَا يُعْطِي السَّلَبَ مَنْ بَارَزَ فَقَتَلَ قِرْنَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يُبَارِزْ ، وَعَنْهُ : بِشَرْطِهِ لَهُ ، اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ ، وَعَنْهُ : وَأَذِنَ الْإِمَامُ ، وَقِيلَ : وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ وَلَا الْمَقْتُولُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً وَنَحْوَهُمَا قَاتَلُوا .
وَقَالَ شَيْخُنَا وَمِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَالِيَّةِ حِرْمَانُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السَّلَبَ لِلْمَدَدِيِّ لَمَّا كَانَ فِي أَخْذِهِ عُدْوَانٌ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ .
وَفِي الْفُنُونِ : يَجُوزُ أَنَّهُ يَكُونُ ، قِيلَ لَهُ : عَاقِبْ مَنْ تَرَى بِحِرْمَانِ الْمَالِ وَلَا يُخْمَسْ ، وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ فَسَلَبَهُ غَنِيمَةٌ ، كَأَكْثَرِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَنَصَّهُ : غَنِيمَةٌ ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ وَالْقَاضِي : لَهُمَا .
وَإِنْ أَسَرَهُ فَقَتَلَ أَوْ رَقَّ أَوْ فَدَى فَغَنِيمَةٌ ، وَقِيلَ : الْكُلُّ لِمَنْ أَسَرَهُ ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ يَدًا وَرِجْلًا وَقَتَلَهُ آخَرُ فَغَنِيمَةٌ ، وَقِيلَ : لِلْقَاتِلِ ، وَقِيلَ لِلْقَاطِعِ ، كَقَطْعِ أَرْبَعَةٍ ، وَإِنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَلِلْقَاتِلِ ، كَمَا لَوْ عَانَقَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ ، وَقِيلَ غَنِيمَةٌ .
وَالسَّلَبُ : مَا عَلَيْهِ حَتَّى مِنْطَقَةُ ذَهَبٍ ، وَعَنْهُ : فِي السَّيْفِ : لَا أَدْرِي ، وَدَابَّتِهِ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا ، وَعَنْهُ : أَوْ آخِذًا عِنَانَهَا ، وَعَنْهُ : الدَّابَّةُ وَآلَتُهَا غَنِيمَةٌ ، كَنَفَقَتِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ وَكَرَحْلِهِ وَخَيْمَتِهِ وَجَنِيبِهِ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : وَحِلْيَةِ دَابَّتِهِ ثُمَّ يُعْطَى ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَيُعْطَى أُجْرَةً مِنْ جَمَعَ

الْغَنِيمَةَ وَحَفِظَهَا ، وَجَعَلَ مَنْ دَلَّهُ عَلَى مَصْلَحَةٍ كَطَرِيقٍ وَحِصْنٍ إنْ شَرَطَهُ ، مِنْ الْعَدُوِّ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا مِنْهُمْ ، لَا مِنَّا ، فَإِنْ جَعَلَ لَهُ مِنْهُمْ امْرَأَةً فَمَاتَتْ أَوْ لَمْ تُفْتَحْ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ فَالْقِيمَةُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَهِيَ أَمَةٌ أَخَذَهَا ، وَمَعَ كُفْرِهِ قِيمَتُهَا ، ثُمَّ إنْ أَسْلَمَ فَفِي أَخْذِهَا احْتِمَالَانِ ( م 2 ) وَإِنْ فُتِحَ صُلْحًا فَقِيمَتُهَا وَالْأَشْهَرُ إنْ أَبَى إلَّا هِيَ وَلَمْ تُبْذَلْ فَسْخُ الصُّلْحِ ، وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ : هِيَ لَهُ ، لِسَبْقِ حَقِّهِ ، وَلِرَبِّ الْحِصْنِ الْقِيمَةُ ، وَإِنْ بُذِلَتْ مَجَّانًا أَوْ بِالْقِيمَةِ لَزِمَ أَخْذُهَا وَإِعْطَاؤُهَا لَهُ ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ حُرَّةٍ الْأَصْلُ وَإِلَّا قِيمَتُهَا .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " ثُمَّ إنْ أَسْلَمَ فَفِي أَخْذِهِ احْتِمَالَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي لَوْ أَسْلَمَتْ وَهِيَ أَمَةٌ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَلَهُ قِيمَتُهَا بِلَا نِزَاعٍ ، فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَكَرَ فِي أَخْذِهَا احْتِمَالَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ .
( أَحَدُهُمَا ) : لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا .
وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْقِيمَةَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى إعْطَائِهِ قِيمَتَهَا .
( وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي ) : لَهُ أَخْذُهَا .

فَصْلٌ ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي وَيُقَسَّمُ خُمُسُهُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ : سَهْمٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مَصْرِفُهُ كَالْفَيْءِ ، وَعَنْهُ : فِي الْمُقَاتِلَةِ ، وَعَنْهُ : فِي كُرَاعٍ وَسِلَاحٍ ، وَعَنْهُ : فِي الثَّلَاثَةِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : لِمَنْ يَلِي الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ وَاحْتَجَّ بِنُصُوصٍ وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ اللَّهِ ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ .
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ جَمَعَ بَنِي مَرْوَانَ حِينَ اُسْتُخْلِفَ فَقَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ فَدَكُ ، فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا وَيَعُودُ مِنْهَا عَلَى صَغِيرِ بَنِي هَاشِمٍ ، وَيُزَوِّجُ مِنْهُ أَيِّمَهُمْ ، وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ كَذَلِكَ ، ثُمَّ عُمَرُ ، ثَمّ أُقْطِعَهَا مَرْوَانُ ، ثُمَّ صَارَتْ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
رَأَيْتُ أَمْرًا مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ قَدْ رَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ } ، حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَأُقْطِعَهَا مَرْوَانُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ ، وَذَلِكَ مِمَّا تَعَلَّقُوا بِهِ عَلَيْهِ .
وَتَأْوِيلُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ : جَاءَتْ فَاطِمَةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ اللَّهَ إذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً فَهِيَ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ } .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { لَا نُوَرِّثُ ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِآلِ مُحَمَّدٍ ،

لِنَائِبَتِهِمْ وَلِضَعِيفِهِمْ ، فَإِذَا مِتُّ فَهُوَ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِي } وَرَوَاهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ ، وَأُسَامَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنْ أَجْرِي عَلَى فِعْلِ مَنْ قَامَ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ الْأَئِمَّةِ جَازَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ بِهَذَا السَّهْمِ مَا شَاءَ ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ( و ش ) إنَّ اللَّهَ أَضَافَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إضَافَةَ مِلْكٍ كَسَائِرِ أَمْلَاكِ النَّاسِ ، ثُمَّ اخْتَارَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ ، بَلْ أَمْرُهَا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، يُنْفِقُهَا فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ ، فَيُثَابُ عَلَيْهَا كُلِّهَا ، بِخِلَافِ مَا مَلَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ ، فَإِنَّ لَهُ صَرْفَهُ فِي الْمُبَاحِ .
وَسَهْمٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَقِيلَ : لِفُقَرَائِهِمْ ، وَفِي تَفْضِيلِ ذُكُورِهِمْ عَلَى إنَاثِهِمْ رِوَايَتَانِ ( م 3 ) فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ فَفِي كُرَاعٍ وَسِلَاحٍ ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ .
وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى ، مَنْ لَا أَبَ لَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ ، وَالْأَشْهَرُ الْفُقَرَاءُ .
وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ ، فَيَدْخُلُ الْفَقِيرُ .
وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ ، الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكُلِّ ، فَيُعْطُوا كَزَكَاةٍ ، وَيَعُمُّ بِسِهَامِهِمْ جَمِيعَ الْبِلَادِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : لَا يَلْزَمُ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : يَكْفِي وَاحِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ ، وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ ، عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِمَ لَا نَقُولُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ ؟ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا إعْطَاءَ الْإِمَامِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ ، كَزَكَاةٍ ، وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ وَاحِدٌ ، يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ ( و م ) وَفِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَنَّهُ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، وَأَنَّ عَنْ أَحْمَدَ مَا

يُوَافِقُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَصْرِفَ خُمُسِ الزَّكَاةِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ وَهُوَ تَبَعٌ لِخُمُسِ الْغَنَائِمِ ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهَدْيِ الْأَوَّلَ أَنَّ الْإِمَامَ يُخَيَّرُ فِيهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ ، كَزَكَاةٍ ، وَأَنَّهُ قَوْلٌ ( م ) ثُمَّ يُعْطِي النَّفَلَ ، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً مِنْ جَيْشِهِ تُغِيرُ أَمَامَهُ بِالرَّابِعِ فَأَقَلَّ بَعْدَ الْخُمُسِ ، أَوْ خَلْفَهُ إذَا قَفَلَ بِالثُّلُثِ فَأَقَلُّ بَعْدَهُ ، بِشَرْطٍ ، وَعَنْهُ : وَدُونَهُ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَفِي تَفْضِيلِ ذُكُورِهِمْ عَلَى إنَاثِهِمْ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ : ( إحْدَاهُمَا ) يَجُوزُ التَّفْضِيلُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .

وَلَا يَعْدِلُ شَيْءٌ عِنْدَ أَحْمَدَ الْخُرُوجَ فِي السَّرِيَّةِ ، مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ ، لِأَنَّهُ أَنْكَى ، وَأَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ عَمِلَ مَا فِيهِ غَنَاءٌ جُعْلًا ، لِمَنْ نَقَبَ أَوْ صَعَدَ هَذَا الْمَكَانَ أَوْ جَاءَ بِكَذَا فَلَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْهُ كَذَا ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ : بِشَرْطٍ ، وَتَحْرُمُ مُجَاوَزَتُهُ فِيهِمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : بِلَا شَرْطٍ ، لَوْ كَانَ خَبَّأَ عَشْرَةَ رُءُوسٍ حَتَّى نَادَى الْإِمَامُ مَنْ جَاءَ بِعَشْرَةِ رُءُوسٍ فَلَهُ رَأْسٌ فَجَاءَ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد ، وَفِي جَوَازِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلَهُ وَقِيلَ لِمَصْلَحَتِهِ رِوَايَتَانِ ( م 4 ) وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ : إنْ بَقِيَ مَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى فَمَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ ، وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : إنْ أَبَاحَ الْحَرْبِيُّ لِلنَّاسِ ، فَقَالَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلَهُ ؟ قَالَ : لَا يَفْعَلُ ، هَذَا إذًا يَنْهَبُ النَّاسُ .
قَالَ شَيْخُنَا : لِلْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً بِصِنْفٍ كَالْفَيْءِ ، قَالَ : وَلَيْسَ لِلْغَانِمَيْنِ إعْطَاءُ أَهْلِ الْخُمُسِ قَدْرَهُ مِنْ غَيْرِهَا ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ : مَنْ أَخَذَ شَيْئًا لَا يُخَمَّسُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِيمَنْ جَاءَ بِكَذَا ثُمَّ الْبَاقِي لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لِقَصْدِ قِتَالٍ وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ ، أَوْ بُعِثَ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ أَوْ قَالَ الْإِمَامُ : يَتَخَلَّفُ الضَّعِيفُ ، فَتَخَلَّفَ قَوْمٌ بِمَوْضِعٍ مُخَوَّفٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، دُونَ مَرِيضٍ عَاجِزٍ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : مَنْ شَهِدَهَا ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يُقَاتِلْ أُسْهِمَ لَهُ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ .
وَكَافِرٌ وَعَبْدٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا وَمَنْهِيٌّ عَنْ حُضُورِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَوْ بِلَا إذْنِهِ ، وَفَرَسٌ عَجِيفٌ وَنَحْوُهُ ، وَفِيهِ وَجْهٌ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : يُسْهَمُ لِفَرَسٍ ضَعِيفٍ وَيُحْتَمَلُ : لَا ، وَلَوْ شَهِدَهَا عَلَيْهِ ، وَمُخْذِلٍ وَمُرْجِفٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَلَوْ تَرَكَا ذَلِكَ وَقَاتَلَا ، وَلَا يُرْضَخُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ ، وَكَذَا مَنْ هَرَبَ

مِنْ اثْنَيْنِ كَافِرَيْنِ ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، بِخِلَافِ غَرِيمٍ وَوَلَدٍ ، لِزَوَالِ إثْمِهِ بِتَعْيِينِهِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَسِيرٍ ، أَوْ تَاجِرٍ رِوَايَتَيْنِ ، قَالَ أَحْمَدُ : يُسْهَمُ لِلْمُكَارِي وَالْبَيْطَارِ وَالْحَدَّادِ وَالْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ وَالصُّنَّاعِ ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ لَمْ يَصِحَّ ، فَيُسْهَمُ لَهُ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ ، وَقِيلَ : مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ ، فَلَا يُسْهَمُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يُرْضَخُ وَيُسْهَمُ لِأَجِيرِ الْخِدْمَةِ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : إذَا قَصَدَ الْجِهَادَ ، وَكَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ { إسْهَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَلَمَةَ وَكَانَ أَجِيرًا لِطَلْحَةَ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ عَلَى أَجِيرٍ قَصَدَ مَعَ الْخِدْمَةِ الْجِهَادَ .
وَفِي الْمُوجَزِ هَلْ يُسْهَمُ لِتُجَّارِ عَسْكَرٍ وَأَهْلٍ وَسُوقَةٍ وَمُسْتَأْجَرٍ مَعَ جُنْدٍ كَرِكَابِيٍّ وَسَايِسٍ ، أَمْ يُرْضَخُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَفِي الْوَسِيلَةِ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ : لَا تَصِحُّ الثِّيَابَةُ تَبَرُّعٌ أَوْ بِأُجْرَةٍ ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ إمَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلْحَاجَةِ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : لَهُمْ الْأُجْرَةُ فَقَطْ إنْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهِ لَهُمْ ، وَيُسْهَمُ لِمَنْ يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ لَهُ لِيَغْزُوَ ، لَا أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ غَزْوَةٍ ، بَلْ يَقَعُ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ ، وَكَذَا مَنْ يُعْطَى لَهُ مِنْ صَدَقَةٍ ، لِأَنَّهُ يُعْطَاهُ مَعُونَةً لَا عِوَضًا ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَا يُعِينُهُ بِهِ فَلَهُ فِيهِ الثَّوَابُ ، وَلَيْسَ عِوَضًا ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ } صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا { لِلْغَازِي أَجْرُهُ وَلِلْجَاعِلِ

أَجْرُهُ } وَأَجْرُ الْغَازِي وَمَنْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْفَيْءِ أَوْ مَا يُتَقَوَّى بِهِ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَ عِوَضًا ، وَفِيهِ الثَّوَابُ ، لِلْخَبَرِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا ثَوَابَ لِغَيْرِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ " وَفِي جَوَازِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ، وَقِيلَ : لِمَصْلَحَةٍ ، رِوَايَتَانِ " يَعْنِي فِي جَوَازِ ذَلِكَ إذَا قَالَهُ الْإِمَامُ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَجُوزُ ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ طَرِيقَةَ أَنَّ مَحِلَّ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ ، وَإِلَّا فَلَا وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يَقْدَمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيُصَحِّحَ الْجَوَازَ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَسِيرٍ أَوْ تَاجِرٍ رِوَايَتَيْنِ " انْتَهَى .
لَيْسَ هَذَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَإِنَّمَا هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ ، وَالْمَذْهَبُ : يُسْهِمُ لَهُمْ .
وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَبْل ذَلِكَ : وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لِقَصْدِ الْقِتَالِ وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ .

فَيُقْسَمُ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ ، وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ ، فَإِنْ كَانَ فَرَسُهُ بِرْذَوْنًا وَيُسَمَّى الْعَتِيقَ وَهُوَ نَبَطِيُّ الْأَبَوَيْنِ أَوْ هَجِينًا أُمُّهُ نَبَطِيَّةٌ وَعَكْسُهُ الْمُقْرَفُ ، فَلَهُ سَهْمٌ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : سَهْمَانِ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَعَنْهُ : إنْ عَمِلَ كَعَرَبِيٍّ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ، وَعَنْهُ : لَا يُسْهَمُ لَهُ وَيُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ لِثَلَاثَةٍ ، وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِ خَيْلٍ ، وَعَنْهُ : لِرَاكِبِ بَعِيرٍ سَهْمٌ ، وَعَنْهُ : عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ : يُسْهَمُ لَهُ مُطْلَقًا ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ : كَفَرَسٍ ، وَقِيلَ : لَهُ وَلِفِيلٍ سَهْمُ هَجِينٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّكَالَ فِي الْخَيْلِ } ، سَأَلَ الْخَلَّالُ ثَعْلَبًا عَنْهُ قَالَ : إذَا كَانَ مُخَالِفَ الْقَوَائِمِ بَيَاضٌ أَوْ سَوَادٌ مُخَالِفٌ ، مِنْ جِهَةِ الطِّيَرَةِ ، وَالشِّكَالُ الْمُوَافَقَةُ بَيَاضُ الرَّجُلَيْنِ وَالْمُخَالِفُ فِي يَدٍ وَرِجْلٍ ، وَجَمِيعًا مَكْرُوهَانِ .

وَلَا بَأْسَ بِغَزْوِهِمَا عَلَى فَرَسٍ لَهُمَا ، هَذَا عَقَبَةٌ وَهَذَا عَقَبَةٌ وَهَذَا عَقَبَةٌ ، وَالسَّهْمُ بَيْنَهُمَا ، نَقَلَهُ مُهَنَّا .
وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ أَوْ لَحِقَ مَدَدًا وَأَفْلَتَ أَسِيرًا ، وَصَارَ رَجُلٌ فَارِسًا أَوْ عَكْسَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ فَكَمَنْ شَهِدَهَا ، وَبَعْدَهُ ، وَقِيلَ : وَقَبْلَ إحْرَازِهَا لَا يُؤْثِرُ ، وَلَوْ لَحِقَهُمْ عَدُوٌّ وَقَاتَلَ الْمَدَدُ مَعَهُمْ حَتَّى سَلِمُوا بِالْغَنِيمَةِ ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَاتَلُوا عَنْ أَصْحَابِهَا ، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي أَيْدِيهِمْ وَحَوَوْهَا ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ ، وَكَذَا مَنْ ذَهَبَ أَوْ مَاتَ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : لَوْ حَازُوهَا وَلَمْ تُقَسَّمْ ثُمَّ انْهَزَمَ قَوْمٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ ، لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِمْ حَتَّى صَارُوا عُصَاةً .
وَوَارِثٌ كَمَوْرُوثِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي الْبُلْغَةِ فِي قَبْلِ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ يَقْوَى عِنْدِي مَتَى قُلْنَا : لَمْ يَمْلِكُوهَا وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ التَّمَلُّكِ لَا يُورَثُ كَالشَّفِيعِ ، وَيُرْضَخُ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ، وَقِيلَ : مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ ، وَقِيلَ : مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُمَيِّزٍ ، وَقِيلَ : مُرَاهِقٍ ، وَلَهُ التَّفْضِيلُ ، وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ الْقِسْمَةَ .

وَلِفَرَسِ سَيِّدٍ تَحْتَ عَبْدِهِ سَهْمَانِ ، وَيُسْهَمُ لِكَافِرٍ كَمُسْلِمٍ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِحِسَابِهِ ، وَعَنْهُ : يُرْضَخُ لَهُمَا ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ فِي كَافِرٍ ، وَيُشَارِكُ الْجَيْشُ سَرِيَّتَهُ ، وَهِيَ لِلْجَيْشِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

وَهَدِيَّةُ كَافِرٍ لِلْإِمَامِ بِدَارِ حَرْبٍ غَنِيمَةٌ ، وَعَنْهُ : لَهُ ، وَقِيلَ : فَيْءٌ وَبِدَارِنَا قِيلَ لَهُ وَقِيلَ فَيْءٌ ( م 5 ) وَبَعْضُ قُوَّادِهِ كَهُوَ ، وَلِأَحَدِ الْغَانِمِينَ غَنِيمَةٌ وَعَنْهُ : لَهُ ، وَمَا أُخِذَ مِنْ مُبَاحِهَا بِقُوَّةِ الْجَيْشِ لَهُ قِيمَةٌ فِي مَكَانِهِ شَرْعًا فَغَنِيمَةٌ بَعْدَ تَعْرِيفِ لُقَطَةٍ سَنَةً بِدَارِنَا ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ : يَعْرِفُ مَا يَتَوَهَّمُهُ لِمُسْلِمٍ وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا : قِيلَ لِأَحْمَدَ : لَهُ بِطَرَسُوسَ قِيمَةٌ ، قَالَ : هَذَا قَدْ حَمَلَهُ وَعُنِيَ بِهِ ، أَيْ هُوَ لَهُ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : إنْ صَادَ سَمَكًا فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا بَأْسَ يَبِيعُهُ بِدَانَقٍ أَوْ قِيرَاطٍ وَمَا زَادَ رَدَّهُ إلَى الْمُقْسِمِ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : وَهَدِيَّةٌ وَمُبَاحٌ وَكَسْبُ طَائِفَةٍ غَنِيمَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ .
مَسْأَلَةٌ 5 ) : قَوْلُهُ " وَهَدِيَّةُ كَافِرٍ لِلْإِمَامِ بِدَارِ حَرْبٍ غَنِيمَةٌ ، وَعَنْهُ : لَهُ ، وَقِيلَ : فَيْءٌ ، وَبِدَارِنَا قِيلَ : لَهُ ، وَقِيلَ : فَيْءٌ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) هِيَ لِمَنْ أُهْدِيَتْ لَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قُطِعَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : هُوَ فَيْءٌ .

وَلَهُ الْقِتَالُ بِسِلَاحِهِمْ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : لِحَاجَةٍ ، وَيَرُدُّهُ بَعْدَ الْحَرْبِ ، وَفِي قِتَالِهِ بِفَرَسٍ وَثَوْبٍ رِوَايَتَانِ ( م 6 و 7 ) وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ : لَا يَرْكَبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ الْفَيْءِ وَلَا يُعْجِفُهُ ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا طَعَامًا أَوْ عَلَفًا لَا غَيْرَهُمَا فَلَهُ وَلِدَوَابِّهِ أَكْلُهُ بِلَا إذْنٍ وَلَا حَاجَةٍ ، وَلِسَبْيٍ اشْتَرَاهُ ، وَقِيلَ : وَلَوْ أَحْرَزَ بِدَارِ حَرْبٍ ، لَا لِفَهْدٍ وَكَلْبِ صَيْدٍ وَجَارِحٍ ، وَيُرَدُّ مَا فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ فِي الْغَنِيمَةِ ، وَعَنْهُ : لَا قَلِيلًا فِيهَا .
قَالَ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ ، كَطَعَامٍ أَوْ عَلَفِ يَوْمَيْنِ ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَيُرَدُّ ثَمَنُهُ إنْ بَاعَهُ ، وَعَنْهُ : وَقِيمَةُ أَكْلِهِ .
سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : الرَّجُلُ يُضْطَرُّ فَيَشْتَرِي شَعِيرًا رُومِيًّا مِنْ رَجُلٍ فِي السِّرِّ ثُمَّ يَرْفَعُهُ إلَى الْمُقَسِّمِ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْت : إذَا رَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْمَقْسِمِ أَخَذَ مِنْهُ ثَمَنَهُ ؟ قَالَ : لَا ، أَلَيْسَ هُوَ حَمَلَهُ عَلَى الْبَيْعِ ، وَكَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ، وَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ .
وَالسُّكَّرُ وَالْمَعَاجِينُ وَنَحْوُهَا كَطَعَامٍ ، وَفِي الْعَقَاقِيرِ وَجْهَانِ ( م 8 ) وَلَا يُضَحَّى بِشَيْءٍ فِيهِ الْخُمُسُ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ أَوْ عَكْسِهِ ، لَكِنْ يُعْطِيه بِلَا ثَمَنٍ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ بِصَابُونٍ ، فَإِنْ غَسَلَ فَقِيمَتُهُ فِي الْمُقَسَّمِ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَلَا يُجْعَلُ فِي الْفَيْءِ ثَمَنُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ ، بَلْ بَازٍ لَا بَأْسَ بِثَمَنِهِ ، نَقَلَهُ صَالِحٌ ، وَيَخُصُّ الْإِمَامُ بِكَلْبٍ مَنْ شَاءَ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي غَنِيمَةٍ ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : يَصُبُّ الْخَمْرَ وَلَا يَكْسِرُ الْإِنَاءَ ، وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ لِحَاجَةٍ ، وَدَابَّتَهُ ، وَشُرْبُ شَرَابٍ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : دَهْنُهُ بِزَيْتٍ لِلتَّزَيُّنِ لَا يُعْجِبُنِي ،

وَلَيْسَ لِأَجِيرٍ لِحِفْظِ غَنِيمَةٍ رُكُوبُ دَابَّةٍ مِنْهَا إلَّا بِشَرْطٍ .

( مَسْأَلَةٌ 6 ، 7 ) قَوْلُهُ : " وَفِي قِتَالٍ بِفَرَسٍ وَثَوْبٍ رِوَايَتَانِ " انْتَهَى .
ذَكَرَ : مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) هَلْ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَجُوزُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، ثُمَّ وَجَدْته فِي الْفُصُولِ صَحَّحَهُ فَقَالَ ، وَهَذِهِ أَصَحُّ عِنْدِي ، لِأَنَّ حِفْظَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ الْخَيْلِ وَالْمَالِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) هَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ الْغَنِيمَةِ أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ فِيهِ الْخِلَافُ ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْفَرَسِ ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ ، وَعَنْهُ : يَرْكَبُ وَلَا يَلْبَسُ ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ ، ( قُلْت ) : وَفِيهَا قُوَّةٌ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " وَعَنْهُ : لَا يَرُدُّهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا فِيهَا " .
الْأَحْسَنُ أَوْ الصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظَةِ " فِيهَا " لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، وَقَدْ قَالَ : وَيُرَدُّ مَا فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ فِي الْغَنِيمَةِ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ .
وَالسُّكَّرُ وَالْمَعَاجِينُ وَنَحْوُهَا كَطَعَامٍ ، وَفِي الْعَقَاقِيرِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) : هُوَ كَالطَّعَامِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، بَلْ أَوْلَى ، فَيُنْتَفَعُ بِهِ بِلَا إذْنٍ وَلَا حَاجَةٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَيْسَ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ .

وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ وَلَوْ مُفْلِسًا ، وَفِي سَفِيهٍ وَجْهَانِ فَهُوَ لِلْبَاقِي ( م 9 ) لِأَنَّهُ مِلْكُ التَّمَلُّكِ ، وَفِي مِلْكِهِ بِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ ( م 10 ) وَفِي الْبُلْغَةِ : إنْ أَعْرَضَ عَنْهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ صَحَّ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، قَالَ : وَلَوْ قَالُوا اخْتَرْنَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِعْرَاضِ ، وَإِنْ أَسْقَطَ الْكُلَّ فَهِيَ فَيْءٌ .
وَمَنْ أَعْتَقَ مِنْهَا رَقِيقًا أَوْ كَانَ يُعْتِقُ عَلَيْهِ عِتْقٌ إنْ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ ، وَإِلَّا فَكَعِتْقِهِ شِقْصًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْإِرْشَادِ : لَا يُعْتِقُ ، وَقِيلَ بِهِ إنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا .
وَفِي الْبُلْغَةِ فِيمَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ، الثَّالِثَةُ مَوْقُوفٌ إنْ تَعَيَّنَ سَهْمُهُ فِي الرَّقِيقِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا .
وَالْغَالُّ وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مَا غَنِمَهُ يَلْزَمُ تَحْرِيقُ رَحْلِهِ وَقْتَ غُلُولِهِ إنْ كَانَ حَيًّا حُرًّا مُكَلَّفًا ، وَالْمُرَادُ مُلْتَزَمًا ، وَذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ، وَقِيلَ : وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ ، وَلَا يُحَرِّقُ سِلَاحٌ وَمُصْحَفٌ وَنَفَقَةٌ وَدَابَّةٌ وَآلَتُهَا ، وَالْأَصَحُّ : وَكُتُبُ عِلْمٍ ، وَثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ ، وَيُضْرَبُ وَلَا يُنْفَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : وَيُحْرَمَ سَهْمَهُ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْمُصْحَفَ وَالدَّابَّةَ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ ، وَقِيلَ : يُبَاعُ مُصْحَفُهُ وَيُتَصَدَّقُ بِهِ ، وَمَا لَمْ تُحَرِّقُهُ النَّارُ فَلَهُ ، وَيُؤْخَذُ مَا غَلَّ لِلْمَغْنَمِ ، فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَعْطَى الْإِمَامَ خُمُسَهُ وَتَصَدَّقَ بِبَقِيَّتِهِ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : يَأْتِي بِهِ الْإِمَامَ فَيُقَسِّمُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّ مَنْ سَتَرَ عَلَى غَالٍّ وَأَخَذَ مَا أُهْدِيَ لَهُ مِنْهَا أَوْ بَاعَهُ إمَامٌ وَحَابَاهُ فَهُوَ غَالٌّ .
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ تَحْرِيقَ رَحْلِ الْغَالِّ مِنْ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ الْوَاجِبِ ، فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِيهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ .

مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ وَلَوْ مُفْلِسًا ، وَفِي سَفِيهٍ وَجْهَانِ ، فَهُوَ لِلْبَاقِي " ، انْتَهَى .
لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا السُّقُوطَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَسْقُطُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيه ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ فِي الْحَجَرِ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : " وَفِي مِلْكِهِ بِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
قَالَ الْقَاضِي : لَا يَمْلِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا ، وَقَالَ أَيْضًا : لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إذَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ لَمْ يَمْلِكْ حَقَّهُ مِنْهَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : اخْتَرْت تَمَلُّكَهَا ، فَإِذَا اخْتَارَهُ مَلَكَ حَقَّهُ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي دُخُولِهِ إلَى مِلْكِهِ الِاخْتِيَارَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقِيلَ : وَسَارِقٌ مِنْهَا كَغَالٍّ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَأَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ سَهْمٌ أَوْ لَا .
وَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ أَوْ وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدٌ إلَى دَارِ حَرْبٍ بِلَا إذْنٍ فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٍ ، وَعَنْهُ : كَغَنِيمَةٍ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ ، وَعَنْهُ : لَهُمْ ، فَعَلَى الْوُسْطَى بِسَرِقَةٍ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ( م 11 ) وَفِيهِ فِي الْبُلْغَةِ بِسَرِقَةٍ وَاخْتِلَاسٍ الرِّوَايَاتُ .
وَمَعْنَاهُ فِي الرَّوْضَةِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ فَالرِّوَايَتَانِ الْأُولَتَانِ ، وَقِيلَ : وَالثَّالِثَةُ .
مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ أَوْ وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدٌ دَارَ حَرْبِ بِلَا إذْنٍ فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٍ ، وَعَنْهُ : هِيَ كَغَنِيمَةٍ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ ، وَعَنْهُ : لَهُمْ ، فَعَلَى الْوُسْطَى [ فِيمَا أَخَذُوهُ ] بِسَرِقَةٍ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ " ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ غَنِيمَةٌ .
بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحٌ بِسَبْيِ زَوْجَيْنِ مَعًا وَرِقِّهِمَا ، وَعَنْهُ يَنْفَسِخُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ إنْ تَعَدَّدَ السَّابِي ، وَيَنْفَسِخُ بِسَبْيِ زَوْجَةٍ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : لَا ، نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ ، كَزَوْجَةِ ذِمِّيٍّ ، وَقِيلَ : أَوْ زَوْجٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ .
وَهَلْ تُتَنَجَّزُ أَوْ تَقِفُ عَلَى فَوْتِ إسْلَامِهِمَا فِي الْعِدَّةِ ؟ فِي الْبُلْغَةِ الْوَجْهَانِ ، وَلَيْسَ بَيْعُ الزَّوْجَيْنِ الْقِنَّيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا طَلَاقًا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ ، قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَبَرُ بَرِيرَةَ لَا حُجَّةَ فِيهِ ، لِأَنَّهُ قَبْلَ { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ } وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ، فَكَيْفَ هَذَا إلَّا وَالْآيَةُ بَعْدَ خَبَرِ بَرِيرَةَ ، قِيلَ لَهُ : فَمَا يَرُدُّ هَذَا ؟ قَالَ : فِعْلُ الْأَكَابِرِ مِثْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ .
وَقَالَ : أَذْهَبُ إلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهَا فِي الْمُشْرِكَاتِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : يَكُونُ بَيْعُهَا طَلَاقًا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَقَالَتْ لِي زَوْجٌ : هِيَ عَلَيْك حَرَامٌ ، وَلِلسَّيِّدِ بَيْعُهُمَا وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ .

بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ مَا أُخِذَ عَنْوَةً بِالسَّيْفِ فَعَنْهُ : يَصِيرُ وَقْفًا وَيَكُونُ أَرْضَ عُشْرٍ ، وَعَنْهُ : يُقَسَّمُ كَمَنْقُولٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظٌ ، وَالْمَذْهَبُ : لِلْإِمَامِ قَسْمُهَا ، فَلَا خَرَاجَ ، بَلْ أَرْضُ عُشْرٍ ، وَوَقَفَهَا لَفْظًا .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ يَتْرُكُهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخَرَاجٍ مُسْتَمِرٍّ يُؤْخَذُ مِمَّنْ تُقِرُّ مَعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَأُجْرَةٍ ، وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ فِعْلُ الْأَصْلَحِ ، كَالتَّخْيِيرِ فِي الْأُسَارَى .
وَفِي الْمُجَرَّدِ : أَوْ يُمَلِّكُهَا لِأَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ بِخَرَاجٍ ، فَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا بِغَيْرِ خَرَاجٍ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ ، وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ : لِأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْبُلْدَانِ ، وَلَمَّا قَالَ ( ش ) فُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا قَالَ : سَبَقَ لَهُمْ أَمَانٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلَمْ ، وَقِيلَ : الْأَمَانُ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ وَدُخُولِ دَارِهِ ، فَكَيْفَ يُغْنِمُ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ مَالُ مَنْ بُذِلَ لَهُ الْأَمَانُ ؟ قَالَ فِي الْمُغْنِي : فَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ وَقْفٍ وَقِسْمَةٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَفِيهِ فِي الْبَيْعِ : إنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ صَحَّ بِحُكْمِهِ كَالْمُخْتَلِفَاتِ ، وَكَذَا بَيْعُ إمَامٍ لِمَصْلَحَةٍ ، لِأَنَّ فِعْلَهُ كَالْحُكْمِ .
وَمَا أُخِذَ لِذَهَابِ أَهْلِهَا خَوْفًا مِنَّا أَوْ صَالَحُونَا عَلَى أَنَّهَا لَنَا وَنَقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ فَدَارُ إسْلَامٍ ، فَتَجِبُ الْجِزْيَةُ وَنَحْوُهَا ، وَتَصِيرُ وَقْفًا ، وَعَنْهُ : بِوَقْفِ الْإِمَامِ ، فَقِبَلَهُ كَفَيْءٍ مَنْقُولٍ .
وَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا فَدَارُ عَهْدٍ ، وَهِيَ مِلْكُهُمْ ، وَقِيلَ : يُمْنَعُ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ أَوْ بَاعُوا الْمُنْكَرَ مِنْ مُسْلِمٍ مُنِعُوا إظْهَارَهُ ، وَخَرَاجُهُمَا كَجِزْيَةٍ

يَسْقُطُ إنْ أَسْلَمُوا أَوْ صَارَتْ لِمُسْلِمٍ ، وَقِيلَ : أَوْ ذِمِّيٍّ ، وَعَنْهُ : لَا يَسْقُطُ ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَرْضِ ، كَالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ ، وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ ، وَذَكَرَ فِيمَا صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَنَا وَنُقِرُّهُ مَعَهُمْ بِخَرَاجٍ : لَا يَسْقُطُ خَرَاجُهُ بِإِسْلَامٍ وَعَنْهُ : بَلَى ، كَجِزْيَةٍ .

وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ ، فَيَزِيدُ وَيُنْقِصُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ ، قَالَ الْخَلَّالُ : رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَعَنْهُ : إلَّا أَنَّ جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعَنْهُ : يُعْمَلُ بِمَا وَظَّفَهُ عُمَرُ ، وَعَنْهُ : لَهُ الزِّيَادَةُ فِيهِ ، وَعَنْهُ : جَوَازُهُمَا فِي الْخَرَاجِ خَاصَّةً ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَقَالَ : نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ عُمَرَ : إنْ زِدْت عَلَيْهِمْ كَذَا فَلَا تُجْهِدْهُمْ ، إنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ مَا تُطِيقُ الْأَرْضُ .
وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ فِي جِزْيَةٍ : يَجُوزُ النَّقْصُ فَقَطْ وَالْخَرَاجُ عَلَى مَالِهِ مَا يَسْقِي ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ ، وَعَنْهُ أَوْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَوْ الدَّوَالِيبِ ، وَإِنْ أَمْكَنَ إحْيَاؤُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقِيلَ : أَوْ زَرَعَ مَا لَا مَاءَ لَهُ فَرِوَايَتَانِ ( م 1 ) وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُطْلَقًا .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : مَا زَرَعَ عَامًا وَأُرِيحَ آخَرَ عَادَةً فَنِصْفُ خَرَاجٍ .
وَفِي الْمُذْهَبِ مِثْلُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ زَرْعُهُ إلَّا كَذَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ كَالْمُحَرَّرِ ، وَفِيهِ : يُؤْخَذُ خَرَاجُ مَا لَمْ يُزْرَعْ ، عَنْ أَقَلِّ مَا يَزْرَعُ ، وَأَنَّ الْبَيَاضَ بَيْنَ النَّخْلِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا خَرَاجُهَا ، وَهَذِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ بِجَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ مِنْ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنْ النَّفْعِ ، قَالَ : وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّفْعُ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عِمَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَرَاجِ .
وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهَا أُجْبِرَ عَلَى إجَارَتِهَا أَوْ رَفْعِ يَدِهِ .
وَالْخَرَاجُ كَدَيْنٍ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : يُؤَدِّيه ثُمَّ يُزَكِّي ، وَلِلْإِمَامِ وَضْعُهُ عَمَّنْ لَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يَدْعُ خَرَاجًا ، وَلَوْ تَرَكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ هَذَا ، فَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَلَا ، وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْعُشْرِ أَوْ تَرَكَهُ

الْخَارِصُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ .
بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ " إنْ أَمْكَنَ إحْيَاؤُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقِيلَ أَوْ زَرَعَ مَا لَا مَاءَ لَهُ فَرِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ ، وَغَيْرِهِمْ .

وَلَهُ رَشْوُ الْعَامِلِ وَالْهَدِيَّةُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَانِعَ مَنْ قَدْ اُسْتُحْلِفَ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ ، فَإِنَّهُ إنْ صَانَعَهُمْ أَحْنَثَهُمْ ، وَالْأَخْذُ حَرَامٌ .
وَالرِّشْوَةُ مَا أَعْطَاهُ بَعْدَ طَلَبِهِ ، وَالْهَدِيَّةُ ابْتِدَاءً ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَهَلْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ ؟ يَأْتِي فِي هَدِيَّةِ الْقَاضِي ( م 2 ) .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ " وَهَلْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ ؟ يَأْتِي فِي هَدِيَّةِ الْقَاضِي " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي : وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ رِشْوَةً وَكَذَا هَدِيَّةً ، فَإِنْ قَبِلَ فَقِيلَ : يُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ ، وَقِيلَ : تُرَدُّ ، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَقِيلَ : تُمْلَكُ بِتَعْجِيلِهِ الْمُكَافَأَةِ .
انْتَهَى ، فَأَطْلَقَ الْخِلَاف أَيْضًا ، وَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَرُدُّ .

وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَا ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ مِنْ عُشْرٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : لِأَنَّهُ غَصْبٌ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ [ وَمَا فِيهَا شَجَرٌ وَقْتَ الْوَقْفِ ثَمَرُهُ الْمُسْتَقْبَلُ كَمُجَدِّدٍ فِيهِ عُشْرُ الزَّكَاةِ مَعَ خَرَاجٍ ، وَقِيلَ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ بِلَا عُشْرٍ جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ] ، وَلَا خَرَاجَ عَلَى الْمَسَاكِنِ ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَخْرُجُ عَنْ دَارِهِ ، لِأَنَّ بَغْدَادَ كَانَتْ مَزَارِعَ وَقَدْ فُتِحَتْ وَمَكَّةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً ( و هـ م ) فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا ( و هـ م ) كَبِقَاعِ الْمَنَاسِكِ ، وَجَوَّزَهُمَا الشَّيْخُ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْبَيْعَ فَقَطْ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّقَدُّمَ عَلَى غَيْرِهِ بِهَذِهِ الْمَنْفَعَةِ ، وَاخْتَصَّ بِهَا لَسَبْقِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَهِيَ كَالرِّحَابِ وَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ .
وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَ يَنْتَفِعُ ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ ، وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ لِوُرُودِهِ عَلَى الْمَحِلِّ الَّذِي كَانَ الْبَائِعُ اخْتَصَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْبِنَاءُ ، وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ الشِّرَاءُ لِحَاجَةٍ ، وَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ فَعَنْهُ : لَا يَأْثَمُ بِدَفْعِهَا ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَعَنْهُ : إنْكَارُ عَدَمِهِ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي ( م 3 ) لِالْتِزَامِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَخْذُهُ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَنْ عَامَلَ بِعَيِّنَةٍ وَنَحْوِهَا فِي الزِّيَادَةِ عَنْ رَأْسِ مَالِهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : هِيَ سَاقِطَةٌ يَحْرُمُ بَذْلُهَا وَمَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ تَرَكَ فِيهِ ، لِوُجُوبِ بَذْلِهِ ، وَإِلَّا حُرِّمَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ ( سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالَبَّادِ ) وَأَنَّ مِثْلَهُ السَّوَادُ ، كُلُّ عَنْوَةٍ ، وَعَنْهُ : صُلْحًا ( و ش ) فَيُجَوِّزَانِ ( و ش ) .
وَفِي

الْمُسْتَوْعِبِ : وَقِيلَ قَدْ يَحْلِفُ عَلَى فَتْحِهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَيُفْتِيه بِمَا صَحَّ عَنْهُ ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا حِنْثَ لِلشَّكِّ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ سَكَنَ فِيهَا بِأُجْرَةٍ [ فَعَنْهُ ] لَا يَأْثَمُ بِدَفْعِهَا ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَعَنْهُ : إنْكَارُ عَدَمِهِ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي " ، انْتَهَى .
مَا قَالَهُ الشَّيْخُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّارِحُ أَيْضًا ، وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَعْصُرِ .

وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهَا لِأَنَّهُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ عَلَى الْأَوْلَى : بَلَى ( خ ) كَسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا أَعْلَمُ مَنْ أَجَازَ ضَرْبَ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا سِوَاهُ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا شَيْئًا وَالْحَرَمُ كَمَكَّةَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَهُ الْبِنَاءُ وَالِانْفِرَادُ بِهِ ، وَيُكْرَهُ أَخْذُ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) ، لِأَجْلِهِ وَقِيلَ لِلْحَوَادِثِ ، سَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي السَّابِعِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد ( بَابُ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ ) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى يَعْنِي ابْنَ سُمَيْعٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : { مَنْ عَقَدَ الْجِزْيَةَ فِي عُنُقِهِ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنِي شَبِيبُ بْنُ نُعَيْمٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا فَقَدْ اسْتَقَالَ هِجْرَتَهُ ، وَمَنْ نَزَعَ صَغَارَ كَافِرٍ مِنْ عُنُقِهِ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ فَقَدْ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ } قَالَ : فَسَمِعَ مِنِّي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ لِي : أَشُبَيْبٌ حَدَّثَك ؟ قُلْت : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِذَا قَدِمْت فَسَلْهُ .
فَلِيَكْتُبْ إلَيَّ بِالْحَدِيثِ ، قَالَ : فَكَتَبَهُ لَهُ ، فَلَمَّا قَدِمْت سَأَلَنِي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ الْقِرْطَاسَ فَأَعْطَيْته ، فَلَمَّا قَرَأَهُ تَرَكَ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْأَرَضِينَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ ، عُمَارَةُ مَجْهُولٌ ، تَفَرَّدَ عَنْهُ بَقِيَّةَ .

وَفِي جَوَازِ تَفْرِقَةِ الْخَرَاجِ لِرَبِّهَا رِوَايَتَانِ ( م 4 ) وَمَصْرِفُ خَرَاجٍ كَفَيْءٍ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ ، لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ مَصْرِفِهِ ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ وَالْغَنِيمَةَ لِمَصَالِحِ الْمَمْلَكَةِ ، لِأَنَّ بِهَا يَجْتَمِعُ الْجُنْدُ عَلَى بَابِ السُّلْطَانِ ، فَيُنَفِّذُ أَوَامِرَ الشَّرْعِ ، وَيَحْمِي الْبَيْضَةَ ، وَيَمْنَعُ الْقَوِيَّ مِنْ الضَّعِيفِ ، فَلَوْ فَرَّقَهُ غَيْرُهُ تَفَرَّقُوا أَوْ زَالَتْ حِشْمَتُهُ وَطَمِعَ فِيهِ ، فَجَرَّ ذَلِكَ إلَى الْفَسَادِ وَالْكُلَفِ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ الْبُلْدَانِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، يَحْرُمُ تَوْفِيرُ بَعْضِهِمْ ، وَجَعْلُ قِسْطِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَمَنْ قَامَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْعَدْلِ وَتَقْلِيلِ الظُّلْمِ مَهْمَا أَمْكَنَ لِلَّهِ فَكَالْمُجَاهَدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي كِتَابِ الدِّيوَانِ : يَعْمَلُ بِمَا وَثَّقَ بِهِ مِنْ خَطِّ أُمَنَاءِ الْكُتَّابِ فِي الرُّسُومِ وَالْحُقُوقِ ، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ الْمَعْهُودُ ، وَيَعْمَلُ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْعَامِلِ يَقْبِضُهُ ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّوَاوِينُ أَوْ بِخَطِّهِ الْمَعْرُوفِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ إنْ أَقَرَّ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ : لَا ، وَيَعْمَلُ فِي اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْعَامِلِ إنْ كَانَتْ خَرَاجًا إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ بَيْتِ الْمَالِ [ وَأَمَّا حَفِظَهُ فَكَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجًا فِي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ] فَبِتَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْعَامِلِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ فَأَمَّا فِي الِاحْتِسَابِ بِهِ لَهُ فَاحْتِمَالَانِ فَإِنْ شَكَّ كَاتِبُ الدِّيوَانِ فِي التَّوْقِيعِ عَرَضَهُ عَلَى الْمُوَقِّعِ ، فَإِنْ أَنْكَرَهُ لَمْ يَحْتَسِبْ بِهِ لِلْعَامِلِ ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ الْعَامِلُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ ، وَإِنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ فَطَلَبَ يَمِينَ الْمُوَقِّعِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ

الْخَرَاجِ لَمْ يَحْلِفْ ، وَإِنْ عَلِمَهُ لَمْ يَحْلِفْ فِي عُرْفِ السَّلْطَنَةِ بَلْ فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ ، وَمَنْ ادَّعَى دَفْعَ خَرَاجٍ وَنَفَقَةٍ وَاحْتَجَّ بِتَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَكَمَا تَقَدَّمَ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ الْمَالِ ، إلَّا مَا عَلِمَ صِحَّتَهُ ، وَأَنْ لَا يَبْتَدِئَ بِهِ حَتَّى يَسْتَدْعِيَ مِنْهُ ، كَالشَّهَادَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ جَوَازُ الِابْتِدَاءِ بِهِ ، وَالْمُسْتَدْعَى لِإِخْرَاجِ الْمَالِ مَنْ نَفَذَتْ تَوْقِيعَاتُهُ ، فَإِذَا وَقَّعَ بِإِخْرَاجِ مَالٍ لَزِمَ الْأَخْذُ بِهِ ، فَإِنْ اسْتَرَابَ الْمُوَقِّعُ بِإِخْرَاجِهِ فَلَهُ سُؤَالُ مِنْ أَيْنَ أَخْرَجَهُ ، وَيُطَالِبُهُ بِإِحْضَارِ شَوَاهِدِ الدَّيْنِ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَ عَنْ سَبَبِ شَهَادَتِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَالْأَشْهَرُ خِلَافُهُ ، فَإِنْ أَحْضَرَهَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِحَّتُهَا فَلَا رِيبَةَ ، وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ حِفْظِهِ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِهَا فَقَوْلُهُ مَعْلُولٌ ، وَيُخَيَّرُ الْمُوَقِّعُ فِي قَبُولِهِ مِنْهُ وَرَدِّهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ إحْلَافُهُ .

مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ " وَفِي جَوَازِ تَفْرِقَةِ الْخَرَاجِ لِرَبِّهَا رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّمَامِ : اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ هَلْ يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ الْخَرَاجِ بِنَفْسِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصُ مِنْهَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ ، وَكَلَامُهُمْ فِي كَوْنِ الْقَاضِي يَلِي جِبَايَتَهُ أَوْ لَا يَلِيهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ مَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَدْخَلَ أَنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ كَالْفَيْءِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ ، مَصْرِفَ الْخَرَاجِ كَالْفَيْءِ ، مَحِلُّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَهُوَ جَوَازُ تَفْرِقَةِ الْخَرَاجِ لِرَبِّهَا رِوَايَتَانِ " وَهُوَ وَاضِحٌ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْعَامِلِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ ، فَأَمَّا فِي الِاحْتِسَابِ بِهِ لَهُ فَاحْتِمَالَانِ " ، انْتَهَى ، هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ .
فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ الْأَمَانِ يَصِحُّ مُنْجَزًا وَمُعَلَّقًا مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ حَتَّى عَبْدٍ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ أُنْثَى .
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا : إذَا عَرَفَ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ ، وَذَكَر غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ فِي الْمَرْأَةِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ .
وَعَنْهُ : مُكَلَّفٌ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ لِلْأَسِيرِ مِنْ الْإِمَامِ ، وَقِيلَ وَالْأَمِيرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ إشَارَةٍ ، فَقُمْ ، أَوْ قِفْ ، أَوْ أَلْقِ سِلَاحَك ، أَمَانٌ كَمَا لَوْ أَمَّنَ يَدَهُ أَوْ بَعْضَهُ ، أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ، أَوْ لَا تَذْهَلْ ، أَوْ لَا بَأْسَ ، وَقِيلَ : كِنَايَةٌ ، فَإِنْ اعْتَقَدَهُ الْكَافِرُ أَمَانًا أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ وُجُوبًا ، وَكَذَا نَظَائِرُهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْأَمَانِ فَظَنَّهُ أَمَانًا فَهُوَ أَمَانٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ فَهُوَ أَمَانٌ ، وَقَالَ : إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلُهُ ، لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ آمَنَهُ .
وَيَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ لِلْكُلِّ ، وَمِنْ الْأَمِيرِ لِمَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ ، وَمِنْ غَيْرِهِمَا لِقَافِلَةٍ فَأَقَلُّ ، قِيلَ : لِقَافِلَةٍ صَغِيرَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرٍ ، وَأُطْلِقَ فِي الرَّوْضَةِ لِحِصْنٍ أَوْ بَلَدٍ ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا أَنْ لَا يُجَارَ عَلَى الْأَمِيرِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَقِيلَ لِمِائَةٍ ( م 1 ) وَيُقْبَلُ مِنْ عَدْلٍ : إنِّي أَمَّنْته ، فِي الْأَصَحِّ ، كَإِخْبَارِهِمَا أَنَّهُمَا أَمَّنَاهُ ، كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا ، وَعِنْدَ الْآجُرِّيِّ يَصِحُّ لِأَهْلِ الْحِصْنِ وَلَوْ هَمُّوا بِفَتْحِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ أَسِيرٍ عِنْدَهُمْ : يُرْوَى مِنْ عُمَرَ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : لَوْ أَنَّ أَسِيرًا فِي عَمُورِيَّةَ نَزَلَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَّنَ الْأَسِيرُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ : قَالَ يَرْحَلُونَ عَنْهُمْ .

بَابُ الْأَمَانِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ " وَمِنْ غَيْرِهِمَا لِقَافِلَةٍ فَأَقَلُّ ، قِيلَ : لِقَافِلَةٍ صَغِيرَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرٍ ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ لِحِصْنٍ أَوْ بَلَدٍ ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا أَنْ لَا يُجَارَ عَلَى الْأَمِيرِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَقِيلَ : لِمِائَةٍ " ، انْتَهَى .
أُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْقَافِلَةِ وَالْحِصْنِ ، هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ عُرْفًا أَوْ مِائَةً .
( الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) هُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، لِإِطْلَاقِهِمْ الْقَافِلَةَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) وَهُوَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْقَافِلَةِ أَوْ الْحِصْنِ مِائَةً فَأَقَلُّ اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا

وَيَحْرُمُ الْأَمَانُ لِلْقَتْلِ وَالرِّقِّ ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ : وَفِي التَّرْغِيبِ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ أَمَانُ امْرَأَةٍ عَنْ الرِّقِّ .
قَالَ : وَيُشْتَرَطُ لِلْأَمَانِ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ ، وَفِي جَوَازِ إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا هَذِهِ الْمُدَّةِ بِلَا جِزْيَةٍ وَجْهَانِ وَإِذَا أَمَّنَهُ سَرَى إلَى مَا مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ : أَمَّنْتُك نَفْسَك فَقَطْ .
وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ قَبْلَ قَوْلِ الْمُنْكَرِ ، وَعَنْهُ : الْأَسِيرُ ، وَعَنْهُ : يُعْمَلُ بِظَاهِرِ الْحَالِ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ أَعْلَاجٌ اسْتَقْبَلُوا سَرِيَّةً دَخَلَتْ بَلَدَ الرُّومِ فَقَالُوا : جِئْنَا مُسْتَأْمَنِينَ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : إنْ اسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ ، قُلْت : وَقَفُوا فَلَمْ يَبْرَحُوا وَلَمْ يُجَدِّدُوا بِسِلَاحٍ .
فَرَأَى لَهُمْ الْأَمَانَ .
وَمَنْ أَسْلَمَ فِي حِصْنٍ أَوْ فَتَحَهُ بِأَمَانٍ وَاشْتَبَهَ حُرِّمَ قَتْلُهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَرِقُّهُمْ .
وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَصَاحِبِ التَّبْصِرَةِ : يَخْرُجُ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ وَيُرَقُّ الْبَاقِي ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ نَسِيَ أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَلَا قَوَدَ ، وَفِي الدِّيَةِ بِقُرْعَةٍ الْخِلَافُ .
وَيُعْقَدُ لِرَسُولٍ وَمُسْتَأْمَنٍ ، وَلَا جِزْيَةَ مُدَّةَ الْأَمَانِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَيْضًا : وَذَلِكَ إذَا أَمَّنَهُ الْإِمَامُ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ أَقَامَ سَنَةً وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا .

( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " قَالَ فِي التَّرْغِيبِ يُشْتَرَطُ لِلْأَمَانِ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ ، وَفِي جَوَازِ إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا جِزْيَةَ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ : وَيُعْقَدُ لِرَسُولٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَلَا جِزْيَةَ مُدَّةَ الْأَمَانِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : " بَلَى إنْ أَقَامَ سَنَةً ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا " انْتَهَى .
وَلَعَلَّ صَاحِبَ التَّرْغِيبِ خَصَّ ذَلِكَ بِعَشْرِ سِنِينَ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا .

وَمَنْ جَاءَنَا وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ وَصَدَقْته عَادَةً قُبِلَ وَإِلَّا فَكَأَسِيرٍ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِتِجَارَةٍ وَلَمْ يُشْبِهْهُمْ وَمَعَهُ آلَةُ حَرْبٍ لَمْ يُقْتَلْ وَحُبِسَ ، وَإِنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ حَمَلَتْهُ رِيحٌ فِي مَرْكَبٍ أَوْ شَرَدَ إلَيْنَا دَابَّةٌ فَلِمَنْ أَخَذَهُ ، وَعَنْهُ : فَيْءٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : إنْ دَخَلَ قَرْيَةً وَأَخَذُوهُ فَهُوَ لِأَهْلِهَا .
وَيَحْرُمُ دُخُولُهُ إلَيْنَا بِلَا إذْنٍ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ رَسُولًا وَتَاجِرًا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : دُخُولُهُ لِسِفَارَةٍ أَوْ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ أَمْنٌ بِلَا عَقْدٍ ، لَا لِتِجَارَةٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا ، بِلَا عَادَةٍ ، نَقَلَ حَرْبٌ فِي غُزَاةٍ فِي الْبَحْرِ وَجَدُوا تُجَّارًا تَقْصِدُ بَعْضَ الْبِلَادِ : لَمْ يَعْرِضُوا لَهُمْ .

وَيُنْتَقَضُ الْأَمَانُ بِرِدَّةٍ وَبِالْخِيَانَةِ ، وَإِنْ أَوْدَعَ أَوْ أَقْرَضَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْلِمًا مَالًا أَوْ تَرَكَهُ وَعَادَ لِإِقَامَتِهِ بِدَارِ حَرْبٍ ، أَوْ انْتَقَضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ يَبْقَى أَمَانُ مَالِهِ ، وَقِيلَ : يُنْتَقَضُ وَيَصِيرُ فَيْئًا ، وَعَنْهُ : فِي الذِّمِّيِّ وَمَتَى لَمْ يَنْتَقِضْ فَطَلَبَهُ أُعْطِيَهُ ، فَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ ، فَإِنْ عَدِمَ فَفَيْءٌ .
وَلَوْ أُسِرَ وَاسْتُرِقَّ فَقِيلَ صَارَ فَيْئًا ، وَالْأَشْهَرُ يُوقَفُ ( م 2 ) فَإِنْ عَتَقَ أَخَذَهُ وَإِنْ مَاتَ قِنًّا فَفَيْءٌ : وَقِيلَ : لِوَارِثِهِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ كُفَّارٌ أَسِيرَنَا بِشَرْطِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُمْ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَهْرُبُ : وَإِنْ لَمْ يَشْرُطُوا وَأَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ لَا الْخِيَانَةُ ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنُوهُ فَلَهُ الْأَمْرَانِ ، وَقَتَلَهُمْ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا أَطْلَقُوهُ فَقَدْ أَمَّنُوهُ ، وَقَالَ : إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ فَلَا .
[ قِيلَ لَهُ : إنَّهُ مُطْلَقٌ ، قَالَ : قَدْ يَكُونُ يُطْلَقُ وَلَا يَأْمَنُونَهُ ، إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ فَلَا ] يَقْتُلُ .
وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا : الْأَسِيرُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ يَجِدُ غَفْلَةً ، قَالَ : إنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفْطِنُوا بِهِ .
وَقِيلَ لَهُ : يَسْرِقُ مِمَّنْ حُبِسَ مَعَهُ ؟ قَالَ : إذَا كَانُوا يَأْمَنُونَهُ فَلَا ، وَإِنْ شَرَطُوا مَالًا بِاخْتِيَارِهِ بَعَثَهُ ، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ الْعُودُ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا .
وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، كَامْرَأَةٍ لِخَوْفِ فِتْنَتِهَا .
فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِفِدَاءِ جَاهِلٍ ، لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ ، وَيَتَوَجَّهُ عَالِمٌ لِشَرَفِهِ وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ وَكَثْرَةِ الضَّرَرِ بِفِتْنَتِهِ .
وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ عَنْ ( ش ) وَأَحْمَدَ : إنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ مُخْتَارًا يَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَوْ قَالَ الْأَسِيرُ لِعِلْجٍ أَخْرِجْنِي إلَى بِلَادِي وَأُعْطِيك كَذَا ، وَفَى لَهُ .
( وَلَوْ جَاءَ ) الْعِلْجُ بِأَسِيرٍ عَلَى أَنْ يُفَادِيَ

بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ قَالَ : يَفْدِيه الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَلَا يُرَدُّ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَالْخَيْلُ أَهْوَنُ مِنْ السِّلَاحِ ، وَلَا يَبْعَثُ السِّلَاحَ ، قَالَ : وَلَوْ خَرَجَ الْحَرْبِيُّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مُسْلِمَةٌ يَطْلُبُ بِنْتَه فَلَمْ يَجِدْهَا لَمْ تُرَدَّ الْمُسْلِمَةُ مَعَهُ ، وَيُرْضَى وَيُرَدُّ الرَّجُلُ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَمَتَى لَمْ يُنْتَقَضْ فَطَلَبَهُ أُعْطِيَهُ ، فَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ ، فَإِنْ عَدِمَ فَفَيْءٌ وَلَوْ أُسِرَ وَاسْتُرِقَّ فَقِيلَ صَارَ فَيْئًا ، وَالْأَشْهَرُ يُوقَفُ ، انْتَهَى .
الْأَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ .
فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ الْهُدْنَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لِآحَادِ الْوُلَاةِ عَقْدُهُ مَعَ أَهْلِ قَرْيَةٍ ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَازِمَةً ، قَالَ شَيْخُنَا : وَجَائِزَةٌ ، وَعَنْهُ عَشْرُ سِنِينَ ، وَإِنْ زَادَ فَكَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
وَبِمَالٍ مِنَّا لِضَرُورَةٍ .
وَفِي الْفُنُونِ : لِضَعْفِنَا مَعَ الْمَصْلَحَةِ .
وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : لِحَاجَةٍ ، وَكَذَا قَالَهُ أَبُو يَعْلَى فِي الْخِلَافِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ ، وَاحْتَجَّ بِعَزْمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى بَذْلِ شَطْرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ .
وَفِي الْإِرْشَادِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُحَرَّرِ : يَجُوزُ مَعَ الْمَنْعِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ : { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } وَقِيلَ : دُونَ عَامٍ .
وَإِنْ قَالَ هَادَنْتُكُمْ مَا شِئْنَا أَوْ شَاءَ فُلَانٌ لَمْ يَصِحَّ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَقَوْلِهِ : نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا صِحَّتَهُ أَيْضًا ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَا شِئْنَا ، وَصِحَّتُهَا مُطْلَقَةٌ ، لَكِنْ جَائِزَةٌ وَيُعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِنَبْذِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ وَإِتْمَامِ الْمُوَقَّتَةِ ( هـ ) إلَّا بِسَبَبٍ ، وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي الْمُوَقَّتَةِ ، وَقَالَ : كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ لَا يُصَدُّ أَحَدٌ عَنْ الْبَيْتِ ، وَلَا يَخَافُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، لِأَنَّ الْأَمَانَ لِلْحُجَّاجِ لَمْ يَكُنْ بِعَهْدٍ ، وَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ خَاصَّةٌ بِالْمُعَاهَدِ ، وَالْمَنْعَ عَنْ الْبَيْتِ عَامٌّ .
وَالْقَتْلُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ حُرِّمَ فِي الْبَقَرَةِ ، وَفِي نَسْخِهِ نِزَاعٌ ، فَإِنْ قِيلَ نُسِخَ فَلَيْسَ فِي آيَةِ الْبَرَاءَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ ، وَتَحْرِيمُهُ كَانَ عَامًّا ، وَلَا عَهْدَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِمَّنْ تَبْرَأَ إلَيْهِمْ مَنْ عَاهَدَهُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ ، وَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَغَيْرِهِ ، فَكَيْفَ

يَكُونُ مَا أَبَاحَهُ هُوَ الْقِتَالُ فِيهِ ، وَأَخَذَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نُقِرّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ } جَوَازَ إجْلَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُمْ ، وَأَجَلَاهُمْ عُمَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِنَّ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ ، وَإِنَّهُ قَوْلٌ قَوِيٌّ يَسُوغُ الْعَمَلُ بِهِ لِلْمَصْلَحَةِ ، قَالَ : وَلَا يُقَالُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ خَيْبَرَ أَهْلَ ذِمَّةٍ ، بَلْ أَهْلَ هُدْنَةٍ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْضُ الْجِزْيَةِ نَزَلَ ، وَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ هَوَازِنَ : فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا جَعَلَا بَيْنَهُمَا أَجَلًا غَيْرَ مَحْدُودٍ جَازَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْخِيَارِ ، لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ .

وَإِنْ شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ أَوْ إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ أَوْ إعْطَاءَ سِلَاحٍ أَوْ رَدَّ مُسْلِمٍ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ : أَوْ رَدَّ مَهْرِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ ، وَفِي فَسَادِ عَقْدِهَا ، وَعَقْدِ ذِمَّةٍ بِهِ وَجْهَانِ ( م 1 و 2 ) .
وَفِي الْمُبْهِجِ رِوَايَةٌ : يُرَدُّ مَهْرُ مَنْ شُرِطَ رَدُّهَا مُسْلِمَةً ، وَنَصَرَ " لَا يَلْزَمُ " كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ : ذَكَرَ ذَلِكَ آخَرَ الْجِهَادِ : فِي فَصْلِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ .
وَقَالَ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِزْيَةِ : نَقَلَ جَعْفَرٌ : الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ تَجِيءُ إلَيْنَا الْيَوْمَ مُسْلِمَةً يُرَدُّ عَلَى زَوْجِهَا الْمَهْرُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَئِذٍ ، وَلَا تُرَدُّ الْمَرْأَةُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ " لَا " قَالَ شَيْخُنَا : رَدُّ الْمَالِ الَّذِي هُوَ عِوَضٌ عَنْ رَدِّ الْمَرْأَةِ الشُّرُوطُ رَدُّهَا مَنْسُوخٌ أَمَّا رَدُّهُ نَفْسُهُ فَلَا نَاسِخَ لَهُ ، وَلَوْ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ يُشْتَرَطُ رَدُّهَا فَلَا يُرَدُّ مَهْرُهَا لِعَدَمِ سَبَبِهِ فَإِنْ وَجَدَ سَبَبَهُ هُوَ إفْسَادُ النِّكَاحِ فَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْسَخْ ، وَفِي لُزُومِ ، مُسْلِمٍ تَزَوَّجَهَا رَدُّ مَهْرِهَا الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهَا زَوْجٌ كَانَ إلَيْهِ رِوَايَتَانِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِشَيْءٍ .
وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ رَدَّ الْمَهْرِ مُطْلَقًا إنْ جَاءَ بَعْدَ الْعِدَّةِ ، وَإِلَّا رُدَّتْ إلَيْهِ ، ثُمَّ ادَّعَى نَسْخَهُ ، وَأَنَّ نَصَّ أَحْمَدَ : لَا يَرُدُّهُ .
وَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ لِحَاجَةٍ ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُمْ ، وَلَا يَجْبُرُهُ ، وَيَأْمُرهُ سِرًّا بِقِتَالٍ وَفِرَارٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يَعْرِضُ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ ، وَيَلْزَمُنَا حِمَايَتُهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَقَطْ ، فَلَوْ أَخَذَهُمْ أَوْ أَخَذَ مَالَهُمْ غَيْرُهُمَا حُرِّمَ أَخْذُنَا ذَلِكَ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَذَكَرَ شَيْخُنَا رِوَايَةً مَنْصُوصَةً : لَنَا شِرَاؤُهُمْ مِنْ سَابِيهمْ ( و هـ ) وَلَنَا شِرَاءُ وَلَدِهِمْ وَأَهْلِهِمْ مِنْهُمْ ، كَحَرْبٍ ، وَعَنْهُ : يُحَرَّمُ ، كَذِمَّةٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : إنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَهُ

وَرَحِمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٌ وَكَافِرٍ فَقِيلَ : يَصِحُّ الْبَيْعُ ، نَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ : لَا بَأْسَ ، فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ لَمْ يَشْتَرِ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِتَوَصُّلِهِ بِعِوَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا ، كَدُخُولِهِ بِغَيْرِ أَمَانٍ ، فَيُرَابِيهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعِتْقِ عَلَى الْحَرْبِيِّ بِالرَّحِمِ هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا ، لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ .
وَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ بَعْضٍ وَبَاعَهُ صَحَّ ، قِيلَ لِشَيْخِنَا عَنْ سَبْيِ مَلَطْيَةَ مُسْلِمِيهَا وَنَصَارَاهُمْ فَحَرَّمَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَاحَ سَبْيَ النَّصَارَى وَذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا لَهُمْ ، كَسَائِرِ الْكُفَّارِ ، لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ ، لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ السَّابِقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِالْمُحَارَبَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَمَا فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْنَا ، وَالْإِعَانَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يُعْقَدُ لَهُمْ إلَّا مَنْ يُقَاتِلُهُمْ ، حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ، وَهَؤُلَاءِ التَّتَرُ لَا يُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، بَلْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ لَا يُقَاتِلُونَ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَلِهَذَا وَجَبَ قِتَالُ التَّتَرِ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ، مِنْهَا الْجِهَادُ وَإِلْزَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ وَالصِّغَارِ ، وَنُوَّابِ التَّتَرِ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْمُلُوكَ لَا يُجَاهِدُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ تَحْتَ حُكْمِ التَّتَرِ ، قَالَ : وَنَصَارَى مَلَطْيَةَ وَأَرْضِ الْمَشْرِقِ وَيَهُودُهُمْ لَوْ كَانَ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَعَهْدٌ مِنْ مَلِكٍ مُسْلِمٍ يُجَاهِدُهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ كَأَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْيَمَنِ ، ثُمَّ لَمْ يُعَامَلُوا أَهْلَ مِصْرَ وَالشَّامِ مُعَامَلَةَ أَهْلِ الْعَهْدِ ، جَازَ لِأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ غَزْوُهُمْ وَاسْتِبَاحَةُ دَمِهِمْ وَمَالِهِمْ ؛ لِأَنَّ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ حَارَبُوا أَهْلَ مَكَّةَ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا ، قَالَ : وَهَذَا

بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، لِأَنَّ الْعَهْدَ وَالذِّمَّةَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَإِنْ اشْتَبَهَ أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ كَافِرٍ بِمُسْلِمٍ فَيَنْبَغِي الْكَفُّ ، وَيَتَوَجَّهُ : يَحْرُمُ ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي سَبْيِ مُشْتَبَهٍ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُ ، قَالَ : وَمَنْ كَسَبَ شَيْئًا فَادَّعَاهُ رَجُلٌ وَأَخَذَهُ فَلِلْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي مَا غَرِمَهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَعْرِفْهُ مِلْكَ الْغَيْرِ أَوْ عَرَفَ وَأَنْفَقَ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ .
وَإِنْ خَافَ نَقْضَهُمْ الْعَهْدَ جَازَ نَبْذُهُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ ذِمَّةٍ وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ قَبْلَ الْإِغَارَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ صَدَرَ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهَا خِيَانَةً اغْتَالَهُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ .
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ سَبَبِ الْفَتْحِ ، وَهُوَ مُسَاعَدَةُ قُرَيْشٍ لِحُلَفَائِهِمْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَلَى خُزَاعَةَ حُلَفَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهَا : إنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ إذَا حَارَبُوا مَنْ فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَعَهْدِهِ صَارُوا حَرْبًا نَابِذِينَ لِعَهْدِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُبَيِّتَهُمْ ، وَإِنَّمَا يُعْلِمَهُمْ إذَا خَافَ مِنْهُمْ الْخِيَانَةَ ، وَأَنَّهُ يَنْتَقِضُ عَهْدَ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يُنْكِرُوا ، وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَاءٍ وَذُرِّيَّةٍ تَبَعًا لَهُمْ .

بَابُ الْهُدْنَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 و 2 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ أَوْ إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ أَوْ إعْطَاءَ سِلَاحٍ أَوْ رَدَّ مُسْلِمٍ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ : أَوْ رَدَّ مَهْرِهَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ [ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ ] وَفِي فَسَادِ عَقْدِهَا وَعَقْدِ ذِمَّةٍ بِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 1 ) الْهُدْنَةُ إذَا شَرَطَ فِيهَا مَا ذَكَرَ فَسَدَ الشَّرْطُ ، وَهَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْهِدَايَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ : بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ ، قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ : إلَّا فِيمَا إذَا شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا ، انْتَهَى .
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْعَقْدِ فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ ، فَكَذَا هُنَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَصِحُّ ، كَالْبَيْعِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 2 ) عَقْدُ الذِّمَّةِ إذَا وَقَعَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِهَا ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا .
عِنْدَ الْأَصْحَابِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَفِي لُزُومِ مُسْلِمٍ تَزَوَّجَهَا رَدُّ مَهْرِهَا الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهَا زَوْجٌ كَافِرٌ إلَيْهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ، وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ .

وَفِي جَوَازِ قَتْلِ رَهَائِنِهِمْ بِقَتْلِهِمْ رَهَائِنَنَا رِوَايَتَانِ ( م 3 ) .
وَمَتَى مَاتَ إمَامٌ أَوْ عُزِلَ لَزِمَ مَنْ بَعْدَهُ الْوَفَاءُ بِعَقْدِهِ ( م ) لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ ، فَلَا يُنْتَقَضُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ ، وَقَدْ جَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ نَقْضَ مَا عَقَدَهُ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ نَحْوَ صُلْحِ بَنِي تَغْلِبَ ، لِاخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَفِي جَوَازِ قَتْلِ رَهَائِنِهِمْ بِقَتْلِهِمْ رَهَائِنَنَا رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ : ( إحْدَاهُمَا ) يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا إلَّا مِنْ إمَامٍ وَنَائِبِهِ ، وَقِيلَ : وَكُلُّ مُسْلِمٍ لِمَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَالْتَزَمَ أَحْكَامَ الْمِلَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ ، وَمَنْ تَدَيَّنَ بِهِمَا كَسَامِرَةَ وَفِرِنْجٍ وَصَابِئَةٍ وَهُمْ نَصَارَى ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ إنْ انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا فَمِنْ أَهْلِهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَالْمَجُوسُ لَا كِتَابَ لَهُمْ ، فَيَجِبُ مَا لَمْ يَخَفْ غَائِلَةً ، وَعَنْهُ : وَكُلُّ كَافِرٍ غَيْرِ وَثَنِيٍّ مِنْ الْعَرَبِ ، وَصَرِيحُهَا أَوْ ظَاهِرُهَا ، وَيُقَرُّ عَلَى عَمَلِ كُفْرٍ وَعِبَادَةٍ .
وَفِي الْفُنُونِ : لَمْ أَجِدْ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا أَنَّ الْوَثَنِيَّ يُقَرُّ بِجِزْيَةٍ ، قَالَ : وَوُجِدَتْ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَدَانِيِّ أَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ يُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ فَيُعْطِي هَذَا أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى عَمَلِ أَصْنَامٍ يَعْبُدُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِذَلِكَ فِي سِيرَةٍ مِنْ سِيَرِ السَّلَفِ ، وَمَعَاذَ اللَّهِ إذَا قُلْنَا بِتَرْكِهِمْ أَنْ نُمَكِّنَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ وَثَنٍ أَوْ عَمَلِ صَنَمٍ ، وَلَا أَعْرِفُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلًا ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَخْذَهَا مِنْ الْكُلِّ .
وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَعْدَ نُزُولِ الْجِزْيَةِ بَلْ كَانُوا أَسْلَمُوا .
وَقَالَ فِي الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : مَنْ أَخَذَهَا مِنْ الْجَمِيعِ أَوْ سَوَّى بَيْنَ الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي آيَاتٍ وَلَمْ يَقُلْ : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، وَخَبَرُ بُرَيْدَةَ فِيهِ : { وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ } وَلَا حُصُونَ لِلْمُشْرِكِينَ ، وَلَمْ يَدَعْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَيْهَا وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ عَامَ تَبُوكَ آخِرَ مَغَازِيهِ ، قَيَّدَهَا بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقِيلَ : مَنْ لَمْ يَقْبَلْ الْجِزْيَةَ مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَاخْتَارَ

دِينَ الْآخَرَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ .
وَصِيغَةُ الْعَقْدِ : أَقْرَرْتُكُمْ بِالْجِزْيَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ ، أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ فَيَقُولُ : أَقْرَرْتُكُمْ عَلَى ذَلِكَ ، أَوْ نَحْوَهُمَا ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ قَدْرِ الْجِزْيَةِ ، وَفِي ذِكْرِ الِاسْتِسْلَامِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ .

وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ إلَى دِينِهِمَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلَهُ حُكْمُهُمَا ، وَكَذَا بَعْدَهَا ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ ، وَعَنْهُ : إنْ تَمَجَّسَ .
وَفِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ : قَبْلَ الْبَعْثَةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ كَبَعْدِ الْبَعْثَةِ ، وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ : وَلَوْ قَبْلَ التَّبْدِيلِ .

وَإِنْ انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِهِ فَعَنْهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ ، وَعَنْهُ : وَيُقَرُّ بِدِينِهِ الْأَوَّلِ ، وَعَنْهُ : يُقَرُّ بِأَفْضَلَ مِنْهُ ، كَمَجُوسِيٍّ تَهَوَّدَ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ وَجْهٌ : أَوْ يَهُودِيٌّ تَنَصَّرَ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، لِتَقَابُلِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا ، قَالَ : وَيُسَمُّونَ بِهِمَا قَبْلَ نَسْخٍ وَتَبْدِيلٍ وَمُؤْمِنِينَ مُسْلِمِينَ ، قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى الْيَهُودُ نَصْرَانِيًّا فَجَعَلُوهُ يَهُودِيًّا عُزِّرُوا عَلَى جَعْلِهِ يَهُودِيًّا ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا ، وَعَنْهُ يُقَرُّ بِدِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ دُونَ الْأَوَّلِ ( م 1 - 4 ) وَعَلَى غَيْرِ الْأُولَى : مَتَى لَمْ يُقَرَّ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ قُتِلَ .
وَفِي اسْتِتَابَتِهِ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَإِلَّا ضُرِبَ وَحُبِسَ .

بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 - 4 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِهِ ، فَعَنْهُ : إنْ لَمْ يُسْلَمْ قُتِلَ ، وَعَنْهُ : وَيُقَرُّ بِدِينِهِ الْأَوَّلِ ، وَعَنْهُ يُقَرُّ بِأَفْضَلَ مِنْهُ ، كَمَجُوسِيٍّ تَهَوَّدَ .
وَعَنْهُ : يُقَرُّ بِدِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ دُونَ الْأَوَّلِ " ، انْتَهَى .
فِي ضِمْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 1 ) إذَا انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ ، مِثْلَ أَنْ يَتَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَتَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ فَهَلْ يُقَرُّ مُطْلَقًا ، أَوْ يُقَرُّ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ دِينِهِ ، أَوْ لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ، أَوْ لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ : ( إحْدَاهُنَّ ) : لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَطْ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُقْنِعِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) : يُقَرُّ مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ .
( وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ ) : يُقَرُّ عَلَى أَفْضَلِ مِنْ دِينِهِ ، كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ ، فِي وَجْهٍ فِي الْوَسِيلَةِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِتَقَابُلِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ الْآنَ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 2 ) إذَا

انْتَقَلَ الْكِتَابِيُّ إلَى دِينٍ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَهَلْ يُقَرُّ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ تَمَجَّسَ ، أَوْ لَا يُقَرُّ مُطْلَقًا ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ : ( إحْدَاهُمَا ) : لَا يُقَرُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يُقَرُّ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ : لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا إسْلَامٌ أَوْ السَّيْفُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَعَنْهُ : لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يُقْبَلُ مِنْهُ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : الْإِسْلَامُ ، أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْمُصَنَّفِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 3 ) إذَا انْتَقَلَ مَجُوسِيٌّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَهَلْ يُقَرُّ ، أَمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ ، أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، فِيهِ رِوَايَاتٌ : ( إحْدَاهُنَّ ) يُقَرُّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُقْنِعِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) : لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ .
( قُلْت ) : يَنْبَغِي عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ الدَّيْنُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ ، لِأَنَّا إذَا قَبِلْنَا مِنْهُ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَلَئِنْ نَقْبَلَ

مِنْهُ الدِّينَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ، لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ دِينِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ 4 ) إذَا انْتَقَلَ مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّ ، وَهَلْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ ، أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ ، أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَطْ ، فِيهِ رِوَايَاتٌ : ( إحْدَاهُنَّ ) لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَطْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْمُغْنِي ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ : وَإِذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فَانْتَقَلَتْ إلَى دِينٍ آخَرَ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) : لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ .
( تَنْبِيهٌ ) ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ نَظَرًا ، كَمَا تَرَى ، وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَعَلَى غَيْرِ الْأَوْلَى مَتَى لَمْ يُقَرَّ وَأَصَرَّ [ عَلَيْهِ ] فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ قُتِلَ .
وَفِي اسْتِتَابَتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهُمَا ) : يُسْتَتَابُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .

وَمَنْ جُهِلَتْ حَالُهُ وَادَّعَى أَحَدَ الْكِتَابَيْنِ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ ، كَمَنْ أَقَرَّ بِتَهَوُّدٍ أَوْ تَنَصَّرَ مُتَجَدِّدٍ وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى خَرَجَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ لِتَكْذِيبِهِ عِيسَى وَلَمْ يُقَرَّ ، لَا يَهُودِيٌّ بِعِيسَى ، وَإِنْ تَزَنْدَقَ ذِمِّيٌّ لَمْ يُقْتَلْ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ ، نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ هَانِئٍ .

وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ لِكُلِّ حَوْلٍ فِي آخِرِهِ ، وَيَمْتَهِنُونَ عِنْدَهُ ، وَلَا يُقْبَلُ إرْسَالُهَا لِزَوَالِ الصِّغَارِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ ، وَلَا تَتَدَاخَلُ ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ وَلَا يَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ نَقْضَ الْأَمَانَةِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ : يَصِحُّ ، وَيَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ .
مِنْ الْمُقِلِّ دِينَارًا ، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ، أَوْ الْقِيمَةَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِتَغْلِيبِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهَا .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَالْمَنَافِعُ ، وَنِصْفُ صَاعٍ جَيِّدٍ عَنْ صَاعٍ وَسَطٍ ، وَالْمُتَوَسِّطُ مِثْلَاهُ ، وَالْغَنِيُّ عُرْفًا ، وَقِيلَ : مَنْ مَلَكَ نِصَابًا ، وَحَكَى رِوَايَةً ، وَعَنْهُ : مَنْ مَلَكَ عَشْرَةَ آلَافِ دِينَارٍ مَثَلًا الْمُتَوَسِّطُ كَذَا وَظَّفَهُ عُمَرُ ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ تَغْيِيرِهِ .
وَفِي الْخَرَاجِ عَنْهُ خَلَفٌ ، وَلَهُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَوَابِّهِمْ ، وَفِي اعْتِبَارِ بَيَانِ قَدْرِهَا وَأَيَّامِهَا وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا عَنْ الْجِزْيَةِ وَجْهَانِ ( م 6 و 7 ) وَقِيلَ : تَجِبُ بِلَا شَرْطٍ ، وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ حُرِّمَ التَّعَرُّضُ بِقَتْلٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ ، وَيَلْزَمُ دَفْعُ قَاصِدِهِمْ بِأَذًى ، وَلَا مَطْمَعَ فِي الذَّبِّ عَمَّنْ بِدَارِ حَرْبٍ .
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : وَالْمُنْفَرِدُونَ بِبَلَدٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلَ الْحَرْبِ عَنْهُمْ ، عَلَى الْأَشْبَهِ ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ .

مَسْأَلَةٌ 6 و 7 ) قَوْلُهُ : " وَلَهُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَوَابَّهُمْ ، وَفِي اعْتِبَارِ بَيَانِ قَدْرِهَا وَأَيَّامِهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا عَنْ الْجِزْيَةِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) : هَلْ يُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِ الضِّيَافَةِ وَأَيَّامِهَا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) يُعْتَبَرُ ذَلِكَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يَجُوزُ إطْلَاقُ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَافِي ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : فَإِنْ شَرَطَ الضِّيَافَةَ مُطْلَقًا صَحَّ فِي الظَّاهِرِ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إذَا أَطْلَقَ مُدَّةَ الضِّيَافَةِ فَالْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) : هَلْ يُكْتَفَى بِهَا عَنْ الْجِزْيَةِ أَوْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ .
( أَحَدُهُمَا ) : يُكْتَفَى بِهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَنَصَرَهُ ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهَا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا : الْجِزْيَةُ مُقَدَّرَةُ الْأَقَلِّ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ ، وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ : فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .

وَلَا تَلْزَمُ صَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَزَمِنًا وَأَعْمَى وَشَيْخًا فَانِيًا وَرَاهِبًا بِصَوْمَعَةٍ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، وَلَا يَبْقَى بِيَدِهِ مَالٌ إلَّا بُلْغَتُهُ فَقَطْ ، وَيُؤْخَذُ مَا بِيَدِهِ ، قَالَهُ شَيْخُنَا .
قَالَ : وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَالَنَا ، كَالرِّزْقِ الَّذِي لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا ، قَالَ : وَيَجِبُ ذَلِكَ ، قَالَ : وَمَنْ لَهُ تِجَارَةٌ أَوْ زِرَاعَةٌ وَهُوَ مُخَالِطٌ أَوْ مُعَاوِنُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ إجْمَاعًا وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ ، وَلَا تَلْزَمُ عَبْدًا ، وَعَنْهُ : لِمُسْلِمٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَأَنَّهَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا .
وَفِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ : تَلْزَمُ عَبْدًا مُسْلِمًا عَنْ عَبْدِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ ، وَتَلْزَمُ مُعْتَقًا بَعْضُهُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ ، وَفِي ذِمِّيٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ رِوَايَتَانِ .
مَنْصُوصَتَانِ ( م 8 ) لَا فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْهَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ كَمُعْتَمَلٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفِي خُنْثَى مُشْكِلٍ وَجْهَانِ ( م 9 ) فَإِنْ بَانَ رَجُلًا فَلِلْمُسْتَقْبِلِ ، وَيَتَوَجَّهُ : وَلِلْمَاضِي فَإِنْ بَذَلَتْهَا امْرَأَةٌ لِدُخُولِ دَارِنَا مُكِّنَتْ مَجَّانًا .
وَمَنْ صَارَ أَهْلًا بِآخِرِ حَوْلٍ أُخِذَ مِنْهُ بِقِسْطِهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ : يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لُحُوقِهِ بِمَأْمَنِهِ ، وَعَنْهُ : لَا جِزْيَةَ عَلَى عَتِيقِ مُسْلِمٍ ، وَعَنْهُ : عَتِيقُ ذِمِّيٍّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَيُلَفَّقُ مَعَ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ، ثُمَّ تُؤْخَذُ ، وَقِيلَ : فِي آخِرِهِ بِقَدْرِهَا ، كَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ ، وَقِيلَ : فِيمَنْ لَا يَنْضَبِطُ أَمْرُهُ فَقَطْ ، وَإِنْ طَرَأَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ تَسْقُطْ ، فِي الْأَصَحِّ ، إلَّا بِالْإِسْلَامِ .
نَصَّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ : { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ } لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةٌ عَنْ السُّكْنَى .
وَفِي الْفُنُونِ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ ، وَأَنَّ بَقَاءَ النَّفْسِ مَعَ الذُّلِّ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ

عِنْدَ الْعُقَلَاءِ ، وَمَنْ عَدَّ الْحَيَاةَ مَعَ الذُّلِّ نِعْمَةً فَقَدْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْإِصَابَةِ .
وَفِي الْفُنُونِ أَيْضًا عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عِوَضٍ عَنْ كَفِّ الْأَذَى : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَفِي الْإِيضَاحِ : لَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامٍ ، وَمَنَعَ فِي الِانْتِصَارِ وُجُوبَهَا وَأَنَّهَا مُرَاعَاةٌ ، وَأَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ طَرَأَ فِي أَثْنَائِهِ سَقَطَتْ ، وَقِيلَ : يَجِبُ بِقِسْطِهِ ، وَإِنْ تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ مَا عَلَيْهِمْ ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ، أَوْ ظَهَرَ .
وَاعْتَبَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ثُبُوتَهُ ، أَقَرَّهُمْ ، فَإِنْ جَهِلَهُ فَقِيلَ : يُعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ فَإِنْ بَانَ نَقْصٌ أَخَذَهُ .
وَقِيلَ : يَعْقِدُهَا بِاجْتِهَادِهِ ( م 10 ) وَيُؤْخَذُ عِوَضُ الْجِزْيَةِ زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي تَغْلِبَ ، مِمَّا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ ، حَتَّى مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ جِزْيَةٌ ، وَفِيهِ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُهُ ، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ مَعَهُمْ هَكَذَا ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ ، وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ كَتَغْيِيرِ خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا .
وَكَلَامُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْفَرْقَ ، وَسَبَقَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ احْتِمَالًا بِقَبُولِهَا إذَا بَذَلَهَا ، جَزَمَ فِي الْخِلَافِ بِالْفَرْقِ ، وَبِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا ، وَبِأَنَّ هَذَا لَزِمَهُمْ بِرِضَاهُمْ وَلَمْ يَرْضَوْا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُمْ أُلْزِمُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا .
وَقِيلَ : تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ ، لِلْآيَةِ ، وَكَحَرْبِيٍّ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ ، وَمَصْرِفُهُ كَجِزْيَةٍ ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى : تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ ، وَعَنْهُ : كَزَكَاةٍ ، لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ : إنَّمَا هِيَ الزَّكَاةُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ .
وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، فَدَلَّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ

عَلَيْهِ إنْ قِيلَ هِيَ زَكَاةٌ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقِيلَ : لَا ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَحَكَاهُ نَصُّ أَحْمَدَ ، وَلِلْإِمَامِ الْمُصَالَحَةُ مِثْلَهُمْ لِمَنْ خُشِيَ ضَرَرُهُ بِشَوْكَتِهِ مِنْ الْعَرَبِ وَأَبَاهَا إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : " وَفِي ذِمِّيٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ " ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) : تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : وَإِذَا عَتَقَ لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ ، سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ، هَذَا الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ : وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ صَارَ أَهْلًا لَهَا فِي آخَرِ الْحَوْلِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ ، قَالَ الْخَلَّالُ : هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ وَأَوْجَبَهَا .
( تَنْبِيهٌ ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الذِّمِّيِّ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ سُطُورٌ ، وَعَنْهُ : لَا جِزْيَةَ عَلَى عَتِيقٍ مُسْلِمٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا هِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَوَّلًا ، فَيَحْصُلُ فِي الْكَلَامِ نَظَرٌ لِكَوْنِهِ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، ثُمَّ يَحْكِي رِوَايَةً بِعَدَمِ الْجِزْيَةِ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ لُزُومُ الْجِزْيَةِ ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، فَحَصَلَ خَلَلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : " وَفِي خُنْثَى مُشْكِلٍ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا تَجِبُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَافِي وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهُوَ أَظْهَرُ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : تَجِبُ : وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : " وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ مَا عَلَيْهِمْ ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ ، أَوْ ظَهَرَ أَقَرَّهُمْ ، فَإِنْ جَهِلَهُ فَقِيلَ : يَعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ ، فَإِنْ

بَانَ نَقْصٌ أَخَذَهُ ، وَقِيلَ .
يَعْقِدُهَا بِاجْتِهَادِهِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَعِنْدِي أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ عَقَدَ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ عَلَى مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ ، انْتَهَى .
فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَالْحَدِّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ .
وَعَنْهُ إنْ شَاءَ لَمْ يَقُمْ حَدُّ زِنَا بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَمِثْلُهُ قَطْعُ سَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ .
وَيَلْزَمُ تَمْيِيزُهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِلِبْسِ ثَوْبٍ يُخَالِفُ بَقِيَّةَ ثِيَابِهِمْ ، كَعَسَلِيٍّ وَأَدْكَنَ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى السَّوَادِ ، وَبِشَدِّ زُنَّارٍ فَوْقَ ثَوْبِ النَّصْرَانِيِّ ، وَلِلْمَرْأَةِ غِيَارٌ بِالْخُفَّيْنِ ، بِاخْتِلَافِ لَوْنَيْهِمَا وَأَنْ يَجْعَلُوا لِدُخُولِ الْحَمَّامِ بِرِقَابِهِمْ جُلْجُلًا ، وَهُوَ الْجَرَسُ الصَّغِيرُ ، أَوْ خَاتَمٌ رَصَاصٌ وَنَحْوُهُ .
وَيَلْزَمُ تَمْيِيزُ قُبُورِهِمْ عَنْ قُبُورِنَا تَمْيِيزًا ظَاهِرًا ، كَالْحَيَاةِ .
وَأَوْلَى ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَأَنْ لَا يَكْتَنُوا بِكُنْيَةِ الْمُسْلِمِينَ ، كَأَبِي الْقَاسِمِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَذَا اللَّقَبُ ، كَعِزِّ الدِّينِ وَنَحْوِهِ .
قَالَهُ شَيْخُنَا : وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِنَصْرَانِيٍّ طَبِيبٍ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ عُمَرُ ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ لَا بَأْسَ بِهِ ، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ { يَا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ } وَعُمَرُ قَالَ : يَا أَبَا حَسَّانَ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ : يَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ .
وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَيْهِ ، وَعَنْ ( م ) الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ ، لِأَنَّ فِيهِ تَكْبِيرًا وَتَعْظِيمًا ، وَأَنْ يَحْذِفُوا مَقْدِمَ رُءُوسِهِمْ لَا كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ ، وَأَنْ لَا يُفَرِّقُوا شُعُورَهُمْ ، وَلَهُمْ رُكُوبُ غَيْرِ خَيْلٍ بِلَا سَرْجٍ لَكِنْ عَرْضًا بِإِكَافٍ ، وَقِيلَ : يَمْنَعُهُمْ مِنْ الطَّيَالِسَةِ وَأَنَّهُمْ إنْ أَبَوْا الْغِيَارَ لَمْ يُجْبَرُوا وَنُغَيِّرُهُ نَحْنُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : وَمِنْ حَمْلِ سِلَاحٍ وَالْمُقَاتِلَةِ بِثِقَافٍ وَرَمْيٍ وَغَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ عَلَيْهِمْ .

وَتَحْرُمُ الْعِيَادَةُ وَالتَّهْنِئَةُ وَالتَّعْزِيَةُ لَهُمْ ، كَالتَّصْدِيرِ وَالْقِيَامِ ، وَكَمُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ .
وَعَنْهُ يَجُوزُ ( و هـ ش ) وَعَنْهُ : لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ ، كَرَجَاءِ إسْلَامٍ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ : يُعَادُ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ .
نَقَلَ أَبُو دَاوُد : إنْ كَانَ يُرِيدُ يَدْعُوهُ لِلْإِسْلَامِ فَنَعَمْ ، وَيُدْعَى بِالْبَقَاءِ ، وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ ، زَادَ جَمَاعَةٌ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ .
وَقَدْ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَيَسْتَعْمِلُهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا هُنَا ، رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مَوْلَى أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ عَنْهَا قَالَتْ : { تُوُفِّيَ ابْنِي فَجَزِعْت عَلَيْهِ فَقُلْت لِلَّذِي يُغَسِّلُهُ : لَا تُغَسِّلْ ابْنِي بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَتَقْتُلُهُ ، فَانْطَلَقَ عُكَّاشَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهَا ، فَتَبَسَّمَ فَقَالَ طَالَ عُمْرُهَا قَالَتْ : فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً عُمِّرَتْ مَا عُمِّرَتْ .
} أَبُو الْحَسَنِ تَفَرَّدَ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْإِمَامُ .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِيَتِيمَةٍ كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ { لَقَدْ كَبِرْت لَا كَبِرَ سِنُّك } وَأَنَّهَا قَالَتْ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَإِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ ذَكَرَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ وَقَالَ { يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَتَعْلَمِينَ أَنِّي اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي فَقُلْت : إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً } وَدَعَا لِأَنَسٍ بِطُولِ الْعُمُرِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمِّ حَبِيبَةَ لَمَّا سَأَلَتْ أَنْ يُمَتِّعَهَا اللَّهُ بِزَوْجِهَا

عَلَيْهِ السَّلَامُ وَابْنِهَا وَأَخِيهَا { إنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَا يُعَجَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ أَجَلِهِ ، وَلَا يُؤَخَّرُ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ أَجَلِهِ ، فَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، فَلَمْ يَنْهَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الدُّعَاءَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي زِيَادَةِ الْعُمُرِ ، وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إلَى الْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ .
لَكِنْ رَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ { لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إلَّا الدُّعَاءُ ، لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إلَّا الْبِرُّ } إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَلَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ : فِدَاك أَبِي وَأُمِّي لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَكَرِهَ : جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَك ، لِمَا سَبَقَ .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { : إنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاءَك ، وَمَاذَا يَصْلُحُ لَنَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ ؟ } وَالْحَدِيثُ وَفِدَاك بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ .

وَتُحَرَّمُ الْبُدَاءَةُ بِالسَّلَامِ ، وَفِي الْحَاجَةِ احْتِمَالٌ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَمِثْلُهُ : كَيْفَ أَنْتَ أَوْ أَصْبَحْت أَوْ حَالُك .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجَوَّزَهُ شَيْخُنَا ، وَيَتَوَجَّهُ بِالنِّيَّةِ ، كَمَا قَالَ لَهُ : الْحَرْبِيُّ تَقُولُ أَكْرَمَك اللَّهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ ، وَيَجُوزُ : هَدَاك اللَّهُ ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي : وَأَطَالَ بَقَاءَك وَنَحْوَهُ .
وَإِنْ سَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ اُسْتُحِبَّ قَوْلُهُ لَهُ : رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي .
وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ لَزِمَ رَدُّ : عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْك وَهَلْ الْأَوْلَى الْوَاوُ ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَعِنْدَ شَيْخِنَا يَرُدُّ تَحِيَّتَهُ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ : أَهْلًا أَهْلًا وَسَهْلًا ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَتَهُ ، قِيلَ لَهُ : فَإِنْ عَطَسَ يَقُولُ لَهُ : يَهْدِيكُمْ اللَّهُ ؟ قَالَ أَيَّ شَيْءٍ يُقَالُ لَهُ ؟ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّهُ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ بُدَاءَتَهُ بِالسَّلَامِ : وَعَنْ أَبِي مُوسَى : { إنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمكُمْ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : فِيهِ الرِّوَايَتَانِ ، قَالَ : وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي : يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَابْنِ عَقِيلٍ إنَّمَا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ .
وَإِنْ شَمَّتَهُ كَافِرٌ أَجَابَهُ .

بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ الْأَوْلَى الْوَاوُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
( أَحَدُهُمَا ) الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ أَوْلَى ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا بِالْوَاوِ ، انْتَهَى ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوِّرِهِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي ( بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ ) و ( أَحْكَامِ الذِّمَّةِ ) لَهُ : وَالصَّوَابُ إثْبَاتُ الْوَاوِ ، وَبِهِ جَاءَتْ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ ، وَذَكَرَهَا الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : الْأَوْلَى عَدَمُ الْوَاوِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ .
( قُلْت ) : وَتَتَوَجَّهُ التَّسْوِيَةُ ، لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْمَعْصُومِ صَحَّتْ بِهَذَا وَبِهَذَا .

وَيُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا إجْمَاعًا ، إلَّا فِيمَا شَرَطُوهُ فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ لَنَا .
وَفِي لُزُومِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ فِي عَنْوَةٍ وَقْت فَتْحِهِ وَجْهَانِ ( م 2 ) وَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَحَدٌ بِجِزْيَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَبَقَاؤُهُ لَيْسَ تَمْلِيكًا ، فَنَأْخُذُهُ لِمَصْلَحَةٍ ، وَقَالَهُ أَيْضًا فِي مُشْتَبَهٍ : كَمَا لَمْ يَمْلِكْ أَهْلُ خَيْبَرَ الْمَعَابِدَ ، وَكَغَيْرِهَا .
وَقَالَ : لَوْ انْقَرَضَ أَهْلُ مِصْرَ وَلَمْ يَبْقَ مَنْ دَخَلَ فِي عَهْدِهِمْ فَلَنَا الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ وَالْمَعَابِدُ فَيْئًا ، فَإِنْ عَقَدَ لِغَيْرِهِمْ ذِمَّةً فَكَعَقْدِ مُبْتَدَإٍ ، فَإِنْ انْتَقَضَ فَكَمَفْتُوحٍ عَنْوَةً ، وَقَالَ : وَقَدْ أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ كَنَائِسَ كَثِيرَةً مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، فَعَلِمَ أَنَّ هَدْمَ كَنَائِسِ الْعَنْوَةِ جَائِزٌ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَنًا ، فَإِعْرَاضُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ كَانَ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ ، كَمَا أَعْرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْيَهُودِ حَتَّى أَجَلَاهُمْ عُمَرُ ، وَوَلِيُّ الْأَمْرِ إذَا حَكَمَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ ( ع ) .
وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ ظَالِمٌ وَجَبَتْ عُقُوبَتُهُ ، وَلَا يَجُوزُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ .
قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ نِيرَانِ الْمَجُوسِ : هُوَ لِلْمَجُوسِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فِي الْمَكَانِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ لَا ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } وَالنَّصَارَى إذَا كَانَتْ لَهُمْ بِيعَةٌ فَانْقَرَضَ أَهْلُ الصُّقْعِ وَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ النَّصَارَى يُقِيمُونَ بِهَا لَمْ نَمْنَعْهُمْ وَلَا نُخَرِّبْهَا وَلَا تُسَلَّمْ إلَى غَيْرِهِمْ .
وَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ يُمْنَعُ الْهَدْمُ ، وَفِي الرِّعَايَةِ :

هُوَ أَشْهَرُ ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الْبِيَعِ فَمُحْدَثٌ يُهْدَمُ إلَّا الْحِيرَةَ وَبَانِقْيَا وَبَنِي صَلُوبَا ، فَإِنَّهُمْ صُولِحُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا ، وَمَا كَانَ مِنْ صُلْحٍ أُقِرُّوا عَلَى صُلْحِهِمْ ، وَكُلُّ مِصْرٍ مَصَّرَهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِيعَةً ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلَهُمْ رَمُّ مَا تَشَعَّثَ مِنْهَا ، وَعَنْهُ : وَبِنَاؤُهَا إذَا انْهَدَمَتْ ، وَعَنْهُ : مَنْعُهُمَا ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ ، كَمَنْعِ الزِّيَادَةِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ ، وَقَالَ : لَا أَعْلَى وَلَا أَوْسَعَ ، اتِّفَاقًا ، وَقِيلَ : إنْ جَازَ بِنَاؤُهَا جَازَ بِنَاءُ بِيعَةٍ مُتَهَدِّمَةٍ بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَفِي لُزُومِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ فِي عَنْوَةٍ وَقْتَ فَتْحِهِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَلْزَمُ هَدْمُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَلْزَمُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .

وَيُمْنَعُونَ مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَاءٍ عَلَى جَارٍ مُسْلِمٍ لَاصِقَةٍ أَوْ لَا وَلَوْ رَضِيَ الْجَارُ ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ : لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، زَادَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ يَدُومُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ ، وَرِضَاهُ يُسْقِطُ حَقَّ مِنْ يُحَدِّثُ بَعْدَهُ ، فَدَلَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَقْفِ قِسْمَةَ مَنَافِعَ لَا تَلْزَمُ لِسُقُوطِ حَقِّ مَنْ يُحَدِّثُ .
قَالَ شَيْخُنَا : أَوْ كَانَ الْبِنَاءُ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِاجْتِنَابِهِ فَمُحَرَّمٌ ، وَيَجِبُ هَدْمُهُ ، وَفِي مُسَاوَاتِهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) لَوْ مَلَكُوا مِنْهُ دَارًا عَالِيَةً أَوْ بَنَى مُسْلِمٌ عِنْدَهُمْ دَارًا دُونَهُمْ فَلَا تَغْيِيرَ فِي الْأَصَحِّ وَبِنَاءُ مُتَهَدِّمَةٍ عَالِيَةٍ كَبِيعَةٍ ، وَالْمُتَهَدِّمُ مِنْهَا ظُلْمًا كَهَدِّهِ بِنَفْسِهِ ، وَقِيلَ : يُعَادُ ، وَهُوَ أَوْلَى ، وَلَوْ سَقَطَ هَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي يَجِبُ إزَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ فَيَتَوَجَّهُ الضَّمَانُ وَأَنَّهُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ .
.
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَفِي مُسَاوَاتِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَمْنَعُونَ ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ : وَلَا يَعْلُونَ عَلَى جَارٍ مُسْلِمٍ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْنَعُونَ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَنَاظِمُهَا ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ .

وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا إظْهَارَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ ، فَإِنْ فَعَلَا أَتْلَفْنَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَسَبَقَ أَوَّلُ الْغَصْبِ .
وَإِظْهَارُ عِيدٍ وَصَلِيبٍ وَضَرْبُ نَاقُوسٍ وَرَفْعُ صَوْتٍ بِكِتَابٍ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : وَمِثْلُهُ إظْهَارُ أَكْلٍ فِي رَمَضَانَ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ : لَا يَضْرِبُونَ بِنَاقُوسٍ ، وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : إظْهَارُهُ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا : وَيُمْنَعُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلذِّمَّةِ فِيمَا لَمْ يَظْهَرُوا ، مَعَ أَنَّهُ فِي مَكَان آخَرَ ( قَالَ ) : يُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّاقُوسِ وَإِظْهَارِ الْخَنَازِيرِ ، وَظَاهِرُهُ : لَيْسَ لَهُمْ إظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا وَقْتَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا لِقَاءِ الْمُلُوكِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا .
وَإِنْ صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ بِجِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ كَأَهْلِ الْهُدْنَةِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : مَا مَصَّرَهُ الْعَرَبُ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا أَوْ يَشْرَبُوا خَمْرًا أَوْ يَتَّخِذُوا فِيهِ خِنْزِيرًا .

فَصْلٌ وَيُمْنَعُونَ مَقَامَ الْحِجَازِ ، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : مِنْهُ تَبُوكُ وَنَحْوَهَا ، وَمَا دُونَ الْمُنْحَنَى وَهُوَ عُقْبَةُ الصَّوَّانُ مِنْ الشَّامِ ، كَمَعَّانٍ ، قَالَ : وَمَنْ سَمَّى مَنْ قَصَدَ مِنْهُمْ كَنِيسَةً حَاجًّا أَوْ قَالَ حَجَّ الْمُشَاهَدُ عُزِّرَ بِمَا يَرْدَعُهُ إلَّا أَنْ يُسَمَّى حَجًّا بِقَيْدٍ كَحَجِّ الْكُفَّارِ وَحَجِّ الضَّالِّينَ ، وَلَهُمْ دُخُولُهُ وَالْأَصَحُّ بِإِذْنِ إمَامٍ لِتِجَارَةٍ ، وَلَا يُقِيمُوا بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَقِيلَ : فَوْقَ أَرْبَعَةٍ إلَّا لِمَرَضٍ ، فَإِنْ مَاتَ دُفِنَ بِهِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ .

وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ نَصَّ عَلَيْهِ ، مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : إلَّا لِضَرُورَةٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : إلَّا لِحَاجَةٍ ، كَغَيْرِهِ ( م 4 ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ، وَيُعَزَّرُ وَيُنْبَشُ إنْ دُفِنَ بِهِ إلَّا أَنْ يَبْلَى ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَلَا يَدْخُلُهُ لِيُسْلِمَ فِيهِ ، وَلَا تَاجِرٌ وَلَا رَسُولٌ مُطْلَقًا ، وَلَا بِعِوَضٍ ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ أَوْ بَعْضَهُ مَلَكَهُ ، وَقِيلَ : يَرُدُّهُ ، وَقِيلَ : لَهُمْ دُخُولُهُ ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، كَحَرَمِ الْمَدِينَةِ ، فِي الْأَشْهَرِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا الْحَرَمِ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ .
وَلَيْسَ لِكَافِرٍ دُخُولُ مَسْجِدٍ .
وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، كَاسْتِئْجَارِهِ لِبِنَائِهِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْمَذْهَبُ ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهَا ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ : لِمَصْلَحَةٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بِإِذْنِ مُسْلِمٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا ، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي : يَجُوزُ لِيَسْمَعُوا الذَّكَرَ فَتَرِقُّ قُلُوبُهُمْ وَيُرْجَى إسْلَامُهُمْ .
وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ : { أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ ، وَاشْتَرَطُوا أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يُجْبُوا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ } وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ شَرَطَ الْمَنْعَ فِي عَقْدِ ذِمَّتِهِمْ مُنِعُوا ، وَإِنْ كَانَ جَنْبًا فَوَجْهَانِ ( م 5 ) وَإِنْ قَصَدُوا اسْتِبْدَالَهَا بِأَكْلٍ وَنَوْمٍ مُنِعُوا ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَنَا بَعْدَ عَامِنَا هَذَا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَخَدَمِهِمْ } قِيلَ : لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ جَابِرٍ ،

وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، فَيَكُونُ رِوَايَةً بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ .
قَالَهُ ( هـ ) فِي الْكُلِّ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَيَمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : إلَّا لِضَرُورَةٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : إلَّا لِحَاجَةٍ كَغَيْرِهِ " ، انْتَهَى .
الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَلْ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لِلْحَاجَةِ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ أَيْضًا ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَوَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْغُسْلِ ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَمْنَعُونَ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، لِإِطْلَاقِهِمْ الْجَوَازَ ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَخْلُو عَنْ جَنَابَةٍ ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِاسْتِفْسَارِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْنَعُونَ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُمْنَعُ مِنْ اللُّبْثِ ، فَهَذَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَأَحْرَى

وَتَجُوزُ عِمَارَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكِسْوَتُهُ وَإِشْعَالُهُ بِمَالِ كُلِّ كَافِرٍ ، وَأَنْ يَبْنِيَهُ بِيَدِهِ ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهُ ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْعِمَارَةُ فِي الْآيَةِ وَدُخُولُهُ وَجُلُوسُهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْفُوعُ { إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ { إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ } الْآيَةَ ، } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ رِوَايَةِ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ مَعْنَى الْآيَةِ : مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُتْرَكُوا فَيَكُونُوا أَهْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
وَفِي الْفُنُونِ : الْآيَةُ وَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ ، وَهُوَ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ فِيهِ فَقَطْ ، لِشَرَفِهِ .
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي بِنَائِهِ وَإِصْلَاحِهِ وَدُخُولِهِ وَجُلُوسِهِ فِيهِ كِلَاهُمَا مَحْظُورٌ عَلَى الْكَافِرِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ، أَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ مَسْجِدًا ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ .

وَإِنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ فَفِي تِجَارَتِهِ إنْ بَلَغَتْ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَعَنْهُ : عِشْرِينَ ، وَقِيلَ : وَإِنْ قُلْت ، فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْقَاضِي : دِينَارًا نِصْفُ الْعُشْرِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ : الْعُشْرُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ ، مَرَّةً فِي السَّنَةِ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُ ذِمِّيَّةً مُتَّجِرَةً بِالْحِجَازِ فَقَطْ ، لِمَنْعِهَا مِنْهُ .
وَعَنْهُ : يَلْزَمُ التَّغْلِبِيَّ عُشْرٌ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَيَمْنَعُهُ دَيْنٌ ، كَزَكَاةٍ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ وَفِي تَصْدِيقِهِ بِأَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ بِنْتُهُ وَنَحْوُهُ رِوَايَتَانِ ( م 6 ) .
وَفِي الرَّوْضَةِ : لَا عُشْرَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَسَرِيَّتِهِ .
وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا وَبَلَغَتْ تِجَارَتُهُ كَذِمِّيٍّ ، وَقِيلَ : نِصْفُهُ ، فَالْعُشْرُ فِي السَّنَةِ .
وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْهُ : مَا لَمْ يَشْرِطْ أَكْثَرَ .
وَفِي الْوَاضِحِ : الْخُمُسُ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ ، وَذَكَر شَيْخُنَا أَنَّ أَخْذَ الْعُشُورِ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ فِي أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ وَتَقْدِيرِهَا ، عَلَى الْخِلَافِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْآمِدِيُّ : يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا دَخَلَ إلَيْنَا ، وَقِيلَ : لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مِيرَةٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا .
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ " وَفِي تَصْدِيقِهِ بِأَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ بِنْتُهُ وَنَحْوُهُ رِوَايَتَانِ " انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) يُصَدَّقُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ رَزِينٍ قَدَّمَهُ فِي شَرْحِهِ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : هُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُصَدَّقُ ، لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ ، فَأَشْبَهَتْ بَهِيمَتَهُ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ

وَلَا يُعْشَرُ ثَمَنُ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ ، وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ عُشْرُ ثَمَنِهِ ، وَاحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ ، فَإِنَّ نَفْسَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ طَعَامُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي الْخَبَرِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيَتَخَرَّجُ تَعْشِيرُ ثَمَنِ الْخَمْرِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ : الذِّمِّيُّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ ، وَفِي غَيْرِهَا رِوَايَتَانِ : ( إحْدَاهُمَا ) : لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهَا ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
( وَالثَّانِيَةُ ) عَلَيْهِمْ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَعَلَى ذَلِكَ هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِنَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ : ( إحْدَاهُمَا ) يَخْتَصُّ بِهَا .
( وَالثَّانِيَةُ ) يَجِبُ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا لَمْ يَتَّجِرُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ ، قَالَ : وَأَهْلُ الْحَرْبِ إذَا دَخَلُوا إلَيْنَا تُجَّارًا بِأَمَانِ أُخِذَ مِنْهُمْ الْعُشْرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، سَوَاءٌ عَشَرُوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلَتْ إلَيْهَا أَمْ لَا ؟ وَعَنْهُ : إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ فُعِلَ بِهِمْ وَإِلَّا فَلَا .
وَيَحْرُمُ تَعْشِيرُ الْأَمْوَالِ وَالْكُلَفِ الَّتِي ضَرَبَهَا الْمُلُوكُ عَلَى النَّاسِ ( ع ) ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَشَيْخُنَا ، قَالَ الْقَاضِي : لَا يَسُوغُ فِيهَا اجْتِهَادٌ ، وَأَفْتَى بِهِ الْجُوَيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِلْحَاجَةِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَا جُهِلَ رَبُّهُ وَجَبَ صَرْفُهُ فِي الْمَصَالِحِ ، كَمَغْصُوبٍ ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَكَذَا إنْ عُلِمَ وَأَبَوْا رَدَّهُ إلَيْهِ ، لِأَنَّهُ تَقْلِيلُ الظُّلْمِ ، وَهَذِهِ الْكُلَفُ دَخَلَهَا التَّأْوِيلُ وَالشُّبْهَةُ لَا كَمَغْصُوبٍ ، وَالتَّوَرُّعُ عَنْهَا كَالشُّبُهَاتِ ، فَلَا يَفْسُقُ مُتَأَوِّلٌ ، وَلَا يَجِبُ إنْكَارُهُ ، وَلَكِنْ لِوَلِيٍّ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمُهُ مَنْعَ مُوَلِّيَتِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ مِمَّنْ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا

مِنْهُ .
وَقَالَ فِيمَنْ ضَمِنَهُ وَيَأْخُذُهُ وَيُعْطِيه الْجُنْدَ ، وَيَخْفِرُ : إنْ حَرَسَ أَهْلُ الطَّرِيقِ وَأَخَذَ كِفَايَتَهُ جَازَ ، وَأَمَّا الضَّمَانُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ فَدَرْكُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ نُصْحُ الْمُسَافِرِ وَحِفْظُ مَالِهِ .

فَصْلٌ وَإِنْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا ذِمِّيَّانِ فَعَنْهُ يَلْزَمُ الْحُكْمُ ، وَالْإِعْدَاءُ ، كَذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ ، وَعَنْهُ : إنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ ، وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ إلَّا فِي حَقِّ آدَمِيٍّ ، وَالْأَشْهَرُ : وَفِيهِ كَمُسْتَأْمَنِينَ ، فَيَحْكُمُ وَيُعَدِّي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا ( م 7 ) وَعَنْهُ : بِاتِّفَاقِهِمَا ، كَمُسْتَأْمَنِينَ .
وَفِي الرَّوْضَةِ فِي إرْثِ الْمَجُوسِ : يُخَيَّرُ إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَاحْتَجَّ بِآيَةِ التَّخْيِيرِ ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ عَلَى الْخِلَافِ ، لِأَنَّهُمْ ذِمَّةٌ ، وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا لَا شَرِيعَتُنَا هَذِهِ الشَّرِيعَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ وَلَا يُدْعَوْنَ إلَى حُكْمِنَا أَصْلًا .
نَصَّ عَلَى الْكُلِّ .
مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا ذِمِّيَّانِ فَعَنْهُ يَلْزَمُ الْحُكْمُ ، وَالْإِعْدَاءُ كَذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْهُ : إنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ إلَّا فِي حَقِّ آدَمِيٍّ ، وَالْأَشْهَرُ : وَفِيهِ كَمُسْتَأْمَنَيْنِ ، فَيَحْكُمُ وَيُعْدِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا " انْتَهَى .
( إحْدَاهُنَّ ) : يَلْزَمُ الْحُكْمُ وَالْإِعْدَاءُ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَلْزَمُهُ إنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ وَإِلَّا خُيِّرَ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) : إنْ تَقَالُوا فِي حَقِّ آدَمِيٍّ لَزِمَ الْحُكْمُ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي .
وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ ) : يُخَيَّرُ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ : قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ( قُلْت ) : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ .

وَلَا يُحَضِّرَ يَهُودِيًّا يَوْمَ سَبْتٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، أَوْ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ ، وَلِهَذَا لَا تُكْرَهُ امْرَأَتُهُ عَلَى إفْسَادِهِ مَعَ تَأَكُّدِ حَقِّهِ ( م 8 و 9 ) ، وَقَالَ : يَحْتَمِلُ أَنَّ السَّبْتَ مُسْتَثْنًى مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ : { قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ : اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } فَقَالَ : لَا تَقُلْ لَهُ نَبِيٌّ ، فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَك لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ .
فَسَأَلَاهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَسْحَرُوا ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً أَوْ قَالَ : لَا تَفِرُّوا مِنْ الزَّحْفِ .
شُعْبَةُ الشَّاكُّ وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَقَالَا : نَشْهَدُ أَنَّك نَبِيٌّ ، قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَتْبَعَانِي قَالَا : إنَّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ ، فَإِنَّا نَخْشَى إنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ } .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ تَكَلَّمَ فِيهِ .
وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ ، وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ وَالدَّلَالَاتِ ، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ ، فِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ أَقْوَالٌ .
وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ .
وَإِنْ تَعَاقَدُوا عُقُودًا فَاسِدَةً ثُمَّ أَسْلَمُوا أَوْ أَتَوْنَا

وَتَقَايَضُوا مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَمْ نَفْسَخْهُ وَنُعَامِلُهُمْ وَنَقْبِضُ ثَمَنَهُ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَسَخْنَاهُ ، وَقِيلَ : إنْ ارْتَفَعُوا بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ بِالْقَبْضِ نَفَّذَ وَهَذَا لِالْتِزَامِهِمْ بِحُكْمِهِ ، لَا لُزُومِهِ لَهُمْ ، كَقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَالْأَشْهَرُ : لَا ، لِأَنَّ حُكْمَهُ لَغْوٌ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَعِنْدَ ( هـ ) يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْكَافِرُ الْقَضَاءَ بَيْنَ أَهْلِ دِينِهِ ، وَهَذَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ ، بَلْ قَدْ يَقَعُ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ وَزَعَامَةٍ ، وَعَنْهُ : فِي الْخَمْرِ الْمَقْبُوضَةِ دُونَ ثَمَنِهَا يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَوْ وَارِثِهِ ، بِخِلَافِ خِنْزِيرٍ لِحُرْمَةِ عَيْنِهِ .

( مَسْأَلَةٌ 8 و 9 ) قَوْلُهُ " وَلَا يُحْضِرُ يَهُودِيًّا يَوْمَ سَبْتِهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، أَيْ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، أَوْ مُطْلَقًا ، لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ ، وَلِهَذَا لَا يُكْرِهُ امْرَأَتَهُ عَلَى إفْسَادِهِ مَعَ تَأَكُّدِ حَقِّهِ " انْتَهَى ، فِي ضِمْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَانِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) إذَا قُلْنَا : لَا يُحْضِرُ الْيَهُودِيَّ يَوْمَ السَّبْتِ ، فَهَلْ ذَلِكَ لِأَجْلِ بَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ ؟ تَرَدَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ : ( قُلْت ) : الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ إحْضَارِهِ فِيهِ مُطْلَقًا ، أَغْنَى سَوَاءٌ قُلْنَا بِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ أَوْ لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9 ) هَلْ تَحْرِيمُ السَّبْتِ بَاقٍ مُسْتَمِرٍّ عَلَيْهِمْ إلَى الْآنَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ : وَفِي بَقَاءِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ انْتَهَى ، قَالَ النَّاظِمُ : وَفَائِدَتُهَا حِلُّ صَيْدِهِ فِيهِ وَعَدَمِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَكَذَا مِنْ فَائِدَتِهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ إحْضَارِهِمْ عَلَى رَأْيٍ .
( أَحَدُهُمَا ) تَحْرِيمُهُ بَاقٍ عَلَيْهِمْ ، وَيَحْمِلُهُ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( قُلْت ) : وَظَاهِرُ حَالِهِمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا بَيِّنَاهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) انْتَفَى التَّحْرِيمُ عَنْهُمْ .

وَإِنْ أَسْلَمَ الْوَارِثُ فَلَهُ الثَّمَنُ ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعَبِ وَالْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ ، لِثُبُوتِهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد وَاحْتَجَّ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ بِأَنَّهَا تُضْمَنُ وَأَنَّهَا مَالٌ لَهُمْ .
قَالَ أَحْمَدُ : مَا يُعْجِبنِي الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ فِي خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِ ، وَيَحْكُمُ فِي ثَمَنِهِ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : يَسْتَحْلِفُهُمْ بِالْكَنِيسَةِ وَيَغْلُظُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَ بِهِ وَبِاَللَّهِ ، وَإِذَا حَضَرَ عِنْدَهُ وَوَجَبَتْ الْيَمِينُ لَمْ يَجُزْ إرْسَالُهُ إلَيْهِمْ يُحَلِّفُونَهُ ، وَإِنْ حَلَّفُوهُ ثُمَّ جَاءُوا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ بِأَيْمَانِهِمْ أَجُزْأَهُ ، وَإِنْ تَبَايَعُوا بِرِبًا فِي سُوقِنَا مُنِعُوا ، لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نَقْدِنَا ، وَكَذَا إنْ أَظْهَرُوا بَيْعَ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، كَشِوَاءٍ ، مُنِعُوا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّمُوا الرَّمْيَ ، وَظَاهِرُهُ : لَا فِي غَيْرِ سُوقِنَا ، أَيْ إنْ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ .
وَفِي الِانْتِصَارِ لَوْ اعْتَقَدُوا بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ يَتَخَرَّجُ أَنْ يُقَرُّوا عَلَى وَجْهٍ لَنَا .

وَمَنْ أَبَى بَذْلَ الْجِزْيَةِ أَوْ الصِّغَارَ قَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَوْ الْتِزَامَ حُكْمِنَا ، أَوْ قَاتَلَنَا ، وَالْأَشْهَرُ : أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا بِهَا .
انْتَقَضَ عَهْدُهُ ، وَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ أَوْ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ ، أَوْ تَجَسَّسَ لِلْكُفَّارِ أَوْ آوَى جَاسُوسًا ، أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ فَتَنْهَ عَنْ دِينِهِ ، أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ بَلْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ ، فَنَصُّهُ : يَنْتَقِضُ ، وَنَصُّهُ : إنْ سَحَرَهُ فَآذَاهُ فِي تَصَرُّفِهِ أَوْ قَذَفَهُ فَلَا ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : إنْ لَمْ تَنْقُضْهُ فِي غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ وَشَرَطَ وَجْهَانِ ، وَإِنْ أَبَى مَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَلْزَمُ تَرْكُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 10 ) ، فَإِنْ لَزِمَ أَوْ شَرَطَ تَرْكَهُ فَفِي نَقْضِهِ وَجْهَانِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ ( م 11 ) وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مُنَاظَرَاتِهِ فِي رَجْمِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا : يَحْتَمِلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ ، وَيُنْتَقَضُ بِإِظْهَارِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ سَتْرُهُ مِمَّا هُوَ دَيْنٌ لَهُمْ فَكَيْفَ بِإِظْهَارِ مَا لَيْسَ بِدَيْنٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ مَعَ الشَّرْطِ فَقَطْ .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ : يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ مَا ذُكِرَ فِي شُرُوطِ عُمَرَ ، وَكَذَا ابْنُ رَزِينٍ ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : مَنْ أَقَامَ مِنْ الرُّومِ فِي مَدَائِنِ الشَّامِ لَزِمَتْهُمْ هَذِهِ الشُّرُوطُ ، شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا ؟ قَالَ : وَمَا عَدَا الشَّامَ فَقَالَ الْخِرَقِيُّ : إنْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ انْتَقَضَ الْعَهْدُ بِمُخَالَفَتِهِ وَإِلَّا فَلَا ، لِأَنَّهُ قَالَ : وَمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِمُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ حَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ ، وَقَالَ شَيْخُنَا فِي نَصْرَانِيٍّ لَعَنَ مُسْلِمًا : تَجِبُ عُقُوبَتُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ ذَلِكَ .
وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ قَوْلٌ

: يُقْتَلُ ، لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، وَمَنْ نَقَضَهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ حَرْبٍ فَكَأَسِيرٍ حَرْبِيٍّ ، وَمَنْ نَقَضَهُ يُغَيِّرُهُ فَنَصُّهُ يُقْتَلُ ، قِيلَ : يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ ، وَالْأَشْهَرُ يُخَيَّرُ فِيهِ كَحَرْبِيٍّ ( م 12 ) وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا أَوْ مَا فِي شُرُوطِ عُمَرَ يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ وَيُنْتَقَضُ بِفِعْلِهِ .

مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ أَبَى مَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَلْزَمُ تَرْكُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا أَبَى تَرَكَ مَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ عَدَمِ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالصَّلِيبِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِكِتَابَةٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَضَرْبَ النَّاقُوسِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي نَقْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ تَرْكُهُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي ، وَلَكِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ .
( أَحَدُهُمَا ) : يَلْزَمُهُمْ تَرْكُهُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا عَلَيْهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا بِشَرْطِهِ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ لَزِمَ أَوْ شَرَطَ تَرْكَهُ فَفِي نَقْضِهِ وَجْهَانِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ " انْتَهَى .
أَيْ فَفِي نَقْضِ الْعَهْدِ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الشَّارِحُ : هُوَ قَوْلُ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُنْتَقَضُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَزِمَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ : وَإِنْ أَظْهَرَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ صَلِيبًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابَةٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عِنْدَ مَوْتَاهُمْ أَوْ ضَرَبَ نَاقُوسًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَّى بِنَاءَ جَارٍ مُسْلِمٍ أَوْ رَكِبَ الْخَيْلَ أَوْ حَدَّثَ

فِي الْإِسْلَامِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً ، أَوْ أَقَامَ بِالْحِجَازِ ، أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ عُزِّرَ ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ تَرْكَ ذَلِكَ انْتَقَضَ عَهْدُ فَاعِلِهِ ، وَقِيلَ : بَلْ يُعَزَّرُ ، انْتَهَى .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ نَقَضَهُ بِغَيْرِهِ فَنَصُّهُ : يُقْتَلُ ، قِيلَ : يَتَعَيَّنُ [ قَتْلُهُ ] وَالْأَشْهَرُ : يُخَيَّرُ فِيهِ كَحَرْبِيٍّ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا انْتَقَضَ الْعَهْدُ بِغَيْرِ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ .
( أَحَدُهُمَا ) : يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ : وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : يُخَيَّرُ فِيهِ كَحَرْبِيٍّ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ الْأَشْهَرُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " قِيلَ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ وَالْأَشْهَرُ يُخَيَّرُ فِيهِ " هَذَانِ الْقَوْلَانِ تَفْسِيرٌ لِلنَّصِّ ، هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي ، أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ : " وَالْأَشْهَرُ يُخَيَّرُ فِيهِ " مُقَابِلٌ لِلنُّصُوصِ ، وَهُوَ مُصْطَلَحُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَكَلَامُهُمْ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ ، لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " قِيلَ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ " مُفَسِّرٌ لِلنَّصِّ فَقَطْ ، وَإِتْيَانُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ .

وَيَحْرُمُ بِإِسْلَامِهِ قَتْلُهُ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : رِقُّهُ ( و هـ ش ) وَإِنْ رُقَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَ رِقُّهُ ، مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ بِغَيْرِ قِتَالِنَا أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ ، وَالْمُرَادُ بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ غَيْرُ السَّابِّ ، وَأَنَّهُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُرْتَدِّ ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ سَابَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُ وَلَوْ أَسْلَمَ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الْخِصَالِ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ صَحِيحُ الْمَذْهَبِ ، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَذْفِ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّ اقْتِصَارَ السَّامِرِيِّ عَلَى هَذَا مَعَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي تَوْبَةِ الْمُسْلِمِ السَّابِّ فِيهِ خَلَلٌ ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا فِي الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ ، وَأَنَّ عَكْسَ هَذِهِ رِوَايَةٌ تَقَدَّمَتْ ، ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ ، وَأَنَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَقَعَ غَلَطًا مِنْ الْمُسْلِمِ لَا اعْتِقَادًا لَهُ ، وَتَقَدَّمَ حَدُّ الزِّنَا وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَالِهِ .
وَفِي الْخِلَافِ فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَتَابَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ الْإِمَامُ رَآهُ مَصْلَحَةً ، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَالِهِ ، وَإِنَّ سَابَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِمَيِّتٍ فَلَا يَسْقُطُ بِتَوْبَةٍ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ثَابَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ ، لِأَنَّهُ لَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِغَيْرِ السَّبِّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُخَيَّرْ فِيهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا قُتِلَ مَالُهُ فَيْءٌ إذَنْ ، وَعَنْهُ إرْثٌ ، فَإِذَنْ إنْ تَابَ قَبْلَ قَتْلِهِ دُفِعَ إلَيْهِ ، وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي ذِمِّيٍّ فَجَرَ بِمُسْلِمَةٍ : يُقْتَلُ قِيلَ لَهُ : فَإِنْ أَسْلَمَ ؟ قَالَ : يُقْتَلُ ، هَذَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ عَلَى قَوْلِنَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ تُشْرَعُ اسْتِتَابَتُهُ بِالْعَوْدِ

إلَى الذِّمَّةِ ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا جَائِزٌ بَعْدَ هَذَا لَكِنْ لَا تَجِبُ هَذِهِ الِاسْتِتَابَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا بِالْإِسْلَامِ عَلَى رِوَايَةٍ ، وَأَنَّ عَلَى رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْخَابِيُّ يَسْقُطُ الْقَتْلُ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ كَأَسِيرٍ حَرْبِيٍّ .
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ إذَا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ اُسْتُتِيبَ ، وَمَعَ هَذَا فَمَنْ يَقْبَلُهَا قَدْ يُجَوِّزُهَا وَلَا يُوجِبُهَا ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ أَسْلَمَ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُسْتَتَابُ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ، وَخَرَجَ عَنْهُ فِي الذِّمِّيِّ يُسْتَتَابُ ، وَهُوَ بَعِيدٌ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ قَهَرَ مُسْلِمِينَ وَنَقَلَهُمْ إلَى دَارِ حَرْبٍ : ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ يُقْتَلُ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، وَأَنَّهُ أَشْبَهَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، كَالْمُحَارَبِ ، وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ ذُرِّيَّتِهِ كَنِسَائِهِ ، سَوَاءٌ لَحِقُوا بِدَارُ حَرْبٍ أَوْ لَا ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ ، نَقَلَهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : بَلَى ، كَحَادِثٍ بَعْدَ نَقْضِهِ بِدَارِ حَرْبٍ .
نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا بِدَارِ حَرْبٍ ، وَفِي الْعُمْدَةِ : يُنْتَقَضُ فِي ذُرِّيَّتِهِ إنْ أَلْحَقَهُمْ بِدَارِ حَرْبٍ .

وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِنَقْضِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ ( م 13 ) ، وَيُنْتَقَضُ فِي هُدْنَةٍ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَعَهْدُ مَنْ لَمْ يُنْكِرْ أَوْ لَمْ يَعْتَزِلْ عَنْهُ ، أَوْ لَمْ يُخْبِرْ الْإِمَامَ .
ثُمَّ إذَا أَعْلَمُوا الْإِمَامَ أَقَرَّهُمْ بِتَسْلِيمِ النَّاقِضِ أَوْ تَمْيِيزِهِمْ عَنْهُمْ ، فَإِنْ أَبَى الْقَادِرُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَكَأَسِيرٍ .
وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ فَادَّعَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَنْقُضْ وَأَشْكَلَ صُدِّقَ ، وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ .
وَيُمْنَعُ مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ ، وَلَا يَصِحُّ .
وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ ، وَقِيلَ : فِيهِمَا وَجْهَانِ ، وَاقْتَصَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْمُصْحَفِ وَسُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَهُ ثَوْبًا مَكْتُوبًا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ ، لَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارِهَا وَلَا يَشْتَرِيه مُسْلِمٌ لَهَا .
مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ عُلِمَ مِنْهُمْ بِنَقْضِهِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَيْضًا ، كَالْهُدْنَةِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُنْتَقَضُ .
فَهَذِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ الْفَيْءِ وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ كَافِرٍ بِلَا قِتَالٍ ، كَجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ وَعُشْرٍ ، وَمَا تَرَكُوهُ فَزَعًا أَوْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إطْلَاقُهُ دَائِمًا .
وَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْإِسْلَامِ ، وَقِيلَ : لِلْمُقَاتِلَةِ ، فَلَا يُفْرَدُ عَبْدٌ فِي الْأَصَحِّ ، بَلْ يُزَادُ سَيِّدُهُ ، وَاخْتَارَ أَبُو حَكِيمٍ وَشَيْخُنَا : لَا حَقَّ لِرَافِضَةٍ ، وَذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، وَعَنْهُ : خَمْسَةٌ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَبَقِيَّتُهُ لِلْمَصَالِحِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا ، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ، ثُمَّ خُمُسُ الْخُمُسِ ، أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فِي الْمَصَالِحِ ، وَبَقِيَّةُ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ فِيمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الْخَبَرِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { كَانَ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً } ، هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ ( ش ) وَذَهَبَ بَعْض أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْفَيْءَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَأْخُذُهُ وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ .
وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ ، مِنْ الثُّغُورِ ، ثُمَّ الْأَنْهَارِ وَالْقَنَاطِرِ ، وَرِزْقِ قُضَاةٍ وَمَنْ نَفْعُهُ عَامٌّ ، ثُمَّ يُقَسِّمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْعَبِيدَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يُقَدَّمُ الْمُحْتَاجُ ، وَهِيَ أَصَحُّ عَنْهُ ، قَالَهُ شَيْخُنَا : وَقِيلَ : بَعْدَ الْكِفَايَةِ يَدَّخِرُ مَا بَقِيَ ، وَأَعْطَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَبِيدَ ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِينَاهُ فِي أَنَّ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ وَلَا لِلْأَعْرَابِ

الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ .
وَلَيْسَ لِوُلَاةِ الْفَيْءِ أَنْ يَسْتَأْثِرُوا مِنْهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ كَالْإِقْطَاعِ يَصْرِفُونَهُ فِيمَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَنْ يَهْوُونَهُ ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْآجُرِّيِّ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ : هَؤُلَاءِ الْمَكَافِيفُ يَأْخُذُونَ مِنْ الدِّيوَانِ أَرْزَاقًا كَثِيرَةً تَطِيبُ لَهُمْ ؟ قَالَ : كَيْفَ تَطِيبُ يُؤْثِرُونَهُمْ بِهَا .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ الْأَنْصَارِ ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي جَوَازِ تَفْضِيلِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّابِقَةِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : لَا تَفْضِيلَ ، لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَوَازِهِ وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَا حَقَّ لِمَنْ حَدَثَ بِهِ زَمَنٌ وَنَحْوُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ حَلَّ عَطَاؤُهُ فَإِرْثٌ .
وَلِزَوْجَةِ الْجُنْدِيِّ وَذُرِّيَّتِهِ كِفَايَتُهُمْ ، وَيَسْقُطُ حَقُّ أُنْثَى يَتَزَوَّجُهَا ، وَإِذَا بَلَغَ بَنُوهُ أَهْلًا لِلْقِتَالِ فُرِضَ لَهُمْ بِطَلَبِهِمْ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : وَالْحَاجَةُ إلَيْهِمْ .

بَابُ الْفَيْءِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَفِي جَوَازِ تَفْضِيلِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّابِقَةِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ ، بَلْ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يَجُوزُ لِمَعْنًى فِيهِمْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ : وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ ، انْتَهَى ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ ، وَلَمْ يُفَضِّلْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
( تَنْبِيهٌ ) فَسَّرَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ السَّابِقَةِ بِالْإِسْلَامِ ، وَفَسَّرَهَا فِي الرِّعَايَةِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْهِجْرَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ السَّابِقَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ، بَلْ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ الْفَضِيلَةَ ، كَتَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ، وَحُضُورِ مَشْهَدٍ لَمْ يَشْهَدْهُ غَيْرُهُ ، كَبَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالسَّبْقِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ .
وَفِي الرِّعَايَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ، الثَّالِثَةُ الْفَرْقُ ، فَيَجُوزُ فِي السَّابِقَةِ فَقَطْ .
فَفِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ .

وَبَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ ، وَيَحْرُمُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ ، وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِ : لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ وَيُسَلِّمُهُ لِلْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي السَّرِقَةِ مِنْهُ .
وَقَالَهُ شَيْخُنَا : وَأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ ، وَكَذَا قَالَ فِي وَقْفٍ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ ، كَمَسْجِدٍ أَوْ مُوصًى بِهِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ ، قَالَ : وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ عَدَدٍ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعِينٍ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا : نَحْوَ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُبَاحَاتِ وَالْوَقْفِ عَلَى مُطْلَقٍ ، سَوَاءٌ تَعَيَّنَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْإِعْطَاءِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِالْفَرْضِ وَالتَّنْزِيلِ أَوْ غَيْرِهِ ، فَإِنَّ الْمَالِكَ يَعْتَبِرُ كَوْنَهُ مُعَيَّنًا ، وَلَكِنْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمَمْلُوكِ ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ : أَنَّ الْمَالِكَ غَيْرُ مُعِينٍ .
وَفِي الْمُغْنِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِلَا إذْنٍ : مَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلْإِمَامِ تَعْيِينُ مَصَارِفِهِ وَتَرْتِيبُهَا ، فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي عُمَّالِهِ : إذَا اخْتَانُوا مِنْهُ وَقَبِلُوا هَدِيَّةً وَرِشْوَةً مِمَّنْ فُرِضَ لَهُ دُونَ أُجْرَتِهِ أَوْ دُونَ كِفَايَتِهِ وَعِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ لَمْ يُسْتَخْرَجْ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ ، قَالَ : وَإِنْ قُلْنَا : لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذٌ خِيَانَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ الْإِعْطَاءُ ، فَهُوَ كَأَخْذِ الْمُضَارِبِ حِصَّتَهُ أَوْ الْغَرِيمِ دَيْنَهُ بِلَا إذْنٍ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِخْرَاجِهِ وَرَدِّهِ إلَيْهِمْ ، بَلْ إنْ لَمْ يَصْرِفْهُ الْإِمَامُ مَصَارِفَهُ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ يُعَنْ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ : وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ شَاطَرَ عُمَّالَهُ كَسَعْدٍ وَخَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَلَمْ يَتَّهِمْهُمْ بِخِيَانَةِ بَيِّنَةٍ ، بَلْ بِمُحَابَاةٍ اقْتَضَتْ أَنْ جَعَلَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ :

وَمَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ بَعْضِ مَا وَرِثَهُ أَوْ غَيْرِهِ وَجَهِلَ قَدْرَهُ قَسَمَهُ نِصْفَيْنِ .
وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ : شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ سَرَقَ خَرِيطَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَقَالَ : لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ ، لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ وَتَأْوِيلٍ فَلَا يُوجَبُ رَدُّ خَبَرِهِ .

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ أَصْلُهَا الْحِلُّ فَيَحِلُّ قَالَ شَيْخُنَا : لِمُسْلِمٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : اللَّهُ أَمَرَنَا بِالشُّكْرِ ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ ، وَتَرْكِ الْمَحْذُورِ ، فَإِنَّمَا أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ لَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَةَ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ بِالْمُبَاحِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، كَمَنْ يَبِيعُ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ لِمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْفَوَاحِشِ .
وَقَوْلُهُ { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ } أَيْ عَنْ الشُّكْرِ عَلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالشُّكْرِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يُعَاقِبُ عَلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ .
وَفِي مُسْلِمٍ بَعْدَ كِتَابِ صِفَةِ النَّارِ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ { أَلَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا ، كُلُّ مَا نَحَلْته عَبْدًا حَلَالٌ } أَيْ قَالَ اللَّهُ كُلُّ مَالٍ أَعْطَيْته عَبْدًا مِنْ عِبَادِي فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ ، سَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْ الْمِسْكِ يُجْعَلُ فِي الدَّوَاءِ وَيُشْرِبُهُ قَالَ : لَا بَأْسَ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : حَتَّى شَعْرٍ .
وَفِي الْفُنُونِ الصَّحْنَاةُ سَحِيقُ سَمَكٍ مُنْتِنٍ فِي غَايَةِ الْخَبَثِ .

وَيُحَرَّمُ نَجَسٌ ، كَمَيْتَةٍ ، وَمُضِرٌّ ، كَسُمٍّ .
وَفِي الْوَاضِحِ : الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّمَّ نَجَسٌ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَكْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ وَلَمْ يُسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : مَا يَضُرُّ كَثِيرُهُ يَحِلُّ يَسِيرُهُ .

وَيَحْرُمُ مِنْ حَيَوَانِ بَرٍّ حُمْرٌ أَنَسِيَةٌ .
وَمَا يَفْرِسُ بِنَابِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْعَدَوِيِّ ( و ش ) كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَفَهْدٍ وَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَقِرْدٍ وَدُبٍّ ، خِلَافًا لِمُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ فِيهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ كَبِيرٌ ، وَهُوَ سَهْوٌ ، قَالَ أَحْمَدُ : إنْ لَمْ يَكُنْ نَابٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَنِمْسٌ وَابْنُ آوَى وَابْنُ عُرْسٍ ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي ابْنِ عُرْسٍ : كُلُّ شَيْءٍ يَنْهَشُ بِأَنْيَابِهِ ، فَمِنْ السِّبَاعِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْخُذُ بِمَخَالِبِهِ ، فَمِمَّا نُهِيَ عَنْهُ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هَذَا مِنْهُ يُعْطِي أَنَّهُ لَا تُرَاعَى فِيهِمَا الْقُوَّةُ وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الثَّعْلَبِ ، وَأَنَّ الْأَصْحَابَ اُعْتُبِرُوا الْقُوَّةَ .
وَسِنَّوْرٍ أَهْلِيٍّ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَلَيْسَ مِمَّا يُشْبِهُ السِّبَاعَ ؛ قَالَ شَيْخُنَا : لَيْسَ فِي كَلَامِهِ هَذَا إلَّا الْكَرَاهَةُ وَجَعَلَهُ أَحْمَدُ قِيَاسًا .
وَأَنَّهُ يُقَالُ : يَعُمُّهَا اللَّفْظُ .
وَقِيلَ : نَقَلَ حَنْبَلٌ : هُوَ سَبُعٌ .
وَيَعْمَلُ بِأَنْيَابِهِ كَالسَّبُعِ .
وَنَقَلَ فِيهِ جَمَاعَةٌ : يُكْرَهُ .
وَقَالَ : قَالَ الْحَسَنُ : هُوَ مَسْخٌ .
وَمَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ .
كَعِقَابٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينِ وَحَدَأَةٍ وَبُومَةٍ .
وَمَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِقَتْلِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ تَحْرِيمًا .
إذْ لَوْ حَلَّ لَقَيَّدَهُ بِغَيْرِ مَأْكَلِهِ .
وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ : يُكْرَهُ .
وَجَعَلَ فِيهِ شَيْخُنَا : رِوَايَتَيْ الْجَلَالَةِ .
وَأَنَّ عَامَّةَ أَجْوِبَةِ أَحْمَدَ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ .
وَقَالَ : إذَا كَانَ مَا يَأْكُلُهَا مِنْ الدَّوَابِّ السِّبَاعُ فِيهِ نِزَاعٌ أَوْ لَمْ يُحَرِّمُوهُ ، وَالْخَبَرُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، فَمِنْ الطَّيْرِ كَنَسْرٍ وَرَخْمٍ وَلَقْلَقٍ وَعَقْعَقٍ وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ ، وَاحْتُجَّ فِيهِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ ، وَتَارَةً بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، وَنَقَلَ فِيهِ حَرْبٌ : لَا بَأْسَ ، لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ

الْجِيَفَ .
وَمَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ وَالْأَصَحُّ ذُو الْيَسَارِ ، وَقِيلَ : عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : وَالْمُرُوءَةُ كَفَأْرَةٍ لِكَوْنِهَا فُوَيْسِقَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَحَيَّةٍ لِأَنَّ لَهَا نَابًا مِنْ السِّبَاعِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَقْرَبٍ وَقُنْفُذٍ وَوَطْوَطٍ ، نَصَّ عَلَيْهِنَّ ، وَعَلَّلَ أَحْمَدُ الْقُنْفُدَ بِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ مَسْخٌ ، أَيْ لَمَّا مُسِخَ عَلَى صُورَتِهِ دَلَّ عَلَى خَبَثِهِ .
قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَحَشَرَاتٍ ، وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَفِيهِمَا رِوَايَةٌ فِي الْإِشَارَةِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : يُكْرَهُ ذُبَابٌ وَزُنْبُورٍ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : فِي خُفَّاشٍ وَخَطَّافٍ وَجْهَانِ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْخُفَّاشَ لِأَنَّهُ مَسْخٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : هَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَقَالَ جَمَاعَةٌ : ثُمَّ مَا يُشْبِهُهُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ : أَوْ مُسَمًّى بِاسْمِ حَيَوَانٍ خَبِيثٍ ، وَإِنْ أَشْبَهَ مُبَاحًا وَمُحَرَّمًا غَلَبَ التَّحْرِيمُ ، قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ .
وَإِنْ فَقَدَ الْكُلَّ حَلَّ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ : لَا أَثَرَ لِاسْتِخْبَاثِ الْعَرَبِ فَإِنْ لَمْ يُحَرِّمْهُ الشَّرْعُ حَلَّ .
قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَاخْتَارَهُ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَإِنَّ مُرَادَهُ مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، لِأَنَّهُ تَبِعَ الشَّافِعِيَّ ، وَهُوَ حَرَّمَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ .

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْخُفَّاشَ لِأَنَّهُ مَسْخٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى .
( قُلْت ) قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " أَكْرَهُ كَذَا " وَجْهَيْنِ هَلْ هُوَ لِلْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ ، وَصَحَّحَهُمَا ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ ، وَذَكَرْنَا مَنْ قَدَّمَ وَأَطْلَقَ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّوَابَ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَوَانِينِ ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمٍ أَوْ كَرَاهَةٍ عُمِلَ بِهِ ، لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ أَمْ لَا ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ إلَّا عِنْدَ شَيْخِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ مَسْخٌ " وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ .
فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يُحَرَّمُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُكْرَهُ .

وَيَحْرُمُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَبَغْلٍ ، وَسِمْعٍ : وَلَدُ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ ، وَعِسْبَارٍ : وَلَدُ ذِئْبَةٍ مِنْ ضِبْعَانٍ ، وَلَوْ تَمَيَّزَ ، كَحَيَوَانٍ مِنْ نَعْجَةٍ ، نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ .
قَالَهُ شَيْخُنَا : لَا مُتَوَلِّدٍ مِنْ مُبَاحَيْنِ ، كَبَغْلٍ مِنْ وَحْشٍ وَخَيْلٍ .
وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ ، كَذُبَابِ ، الْبَاقِلَّا يُؤْكَلُ تَبَعًا لَا أَصْلًا ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَحِلُّ بِمَوْتِهِ ، قَالَ : وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ كَذُبَابٍ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي الْبَاقِلَا الْمُدَوَّدِ : يَجْتَنِبُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْهُ فَأَرْجُو .
وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ إذَا عِلْمَهُ ، وَكَرِهَ جَعْلَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ .
وَأَكَلَ التَّمْرَ فَجَعَلَ يَأْخُذُ النَّوَى عَلَى ظَهْرِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ .

وَيَحْرُمُ ثَعْلَبٌ وَسِنَّوْرُ بَرٍّ وَخَطَّافٌ وَذُبَابٌ .
وَفِي الْمُبْهِجِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، لِأَنَّ مَا فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمٌّ يَضُرُّ ، وَبَقٌّ .
لَا وَبَرٌ وَيَرْبُوعٌ وَأَرْنَبٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْكُلِّ ، وَنَقَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي الثَّعْلَبِ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِيهِ إلَّا عَطَاءٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ فَدَعْهُ .

وَفِي هُدْهُدٍ وَصُرَدٍ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ " وَفِي هُدْهُدٍ وَصُرَدٍ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) يُحَرَّمَانِ ، قَالَ النَّاظِمُ : هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوِّرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِهِ فِي الْأُولَى .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُحَرَّمَانِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .

وَفِي غُدَافٍ وَسِنْجَابٍ وَجْهَانِ ( م 3 و 4 ) .
وَمَا عَدَا ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ ، كَزَرَافَةٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ .
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ ، وَضَبُعٍ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ عُرِفَ مِنْهُ أَكَلَ مَيِّتَةً فَكَجَلَّالَةٍ .
وَضَبٍّ وَخَيْلٍ ، وَفِي بِرْذَوْنٍ رِوَايَةٌ بِالْوَقْفِ ، وَنَعَامَةٍ وَبَهِيمَةِ أَنْعَامٍ وَدَجَاجٍ وَوَحْشِيِّ بَقَرٍ وَحُمُرٌ وَظِبَاءٍ وَلَوْ تَأَنَّسَ ، وَطَاوُوسٍ وَغُرَابِ زَرْعٍ وِزَاغٍ وَبَقِيَّةِ وَحْشٍ وَطَيْرٍ ، نَقَلَ مُهَنَّا : يُؤْكَلُ الْأُيَّلُ : قِيلَ : إنَّهُ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ ، فَعَجِبَ وَذَكَرَ الْخَلَّالُ الْغِرْبَانَ خَمْسَةً : الْغُدَافُ وَغُرَابُ الْبَيْنِ يَحْرُمَانِ ، وَالزَّاغُ مُبَاحٌ ، وَكَذَا الْأَسْوَدُ وَالْأَبْقَعُ إذَا لَمْ يَأْكُلَا الْجِيَفَ ، وَأَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ شَيْخُنَا فَإِذَا أَبَاحَ الْأَبْقَعَ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِ أَثَرٌ فِي التَّحْرِيمِ ، وَقَدْ سَمَّاهُ فَاسِقًا أَيْضًا ، وَإِنْ حَرْبًا وَأَبَا الْحَارِثِ رَوَيَا : لَا يُنْهَى عَنْ الطَّيْرِ إلَّا ذِي الْمِخْلَبِ مَا أَكَلَ الْجِيَفَ ، وَلِهَذَا عَلَّلَ فِي الْحَدَأَةِ بِأَكْلِهَا الْجِيَفَ ، فَلَا يَكُونُ لِقَتْلِهِ فُوَيْسِقًا أَثَرٌ ، كَمَذْهَبِ مَالِكٍ ، لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِقَتْلِ الشَّيْءِ لِصِيَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا ، وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُ مُوجِبًا تَحْرِيمَهُ لِنَهْيٍ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْلُ عَارِضًا ، كَجَلَّالَةٍ عَرَضَ لَهَا الْحِلُّ ، وَفِي زَادِ الْمُسَافِرِ : لَا بَأْسَ بِالْأَسْوَدِ وَالزَّاغِ ، وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ ، أُمِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَتْلِهِ ، وَلَا غُرَابَ الْبَيْنِ وَالْغُدَافِ ، لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ .
.

( مَسْأَلَةٌ 3 و 4 ) قَوْلُهُ : " وَفِي غُدَافٍ وَسِنْجَابٍ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 3 ) الْغُدَافُ ، وَهُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَفَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ .
( أَحَدُهُمَا ) يُحَرِّمُ ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ : لَا يُؤْكَلُ الْغُدَافُ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : الْغُدَافُ مُحَرَّمٌ وَنَسَبَهُ إلَى أَحْمَدَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُحَرَّمُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4 ) السِّنْجَابُ .
( أَحَدُهُمَا ) يُحَرَّمُ ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُحَرَّمُ ، وَمَال الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ إلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ .

فَصْلٌ وَيَحِلُّ كُلُّ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ إلَّا الضِّفْدَعَ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ وَالتِّمْسَاحَ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : وَالْكَوْسَجُ وَنَحْوُهُ ، وَفِي الْحَيَّةِ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النِّجَادُ : وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النِّجَادِ ، وَمَا يَحْرُمُ نَظِيرُهُ فِي بَرٍّ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ ، وَحَكَاهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً ، وَفِي الْمُذْهَبِ رِوَايَتَانِ وَتَحْرُمُ .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَفِي الْحَيَّةِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يُحَرِّمُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْعُمْدَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوِّرِهِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُبَاحُ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ : يُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ جَمِيعُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ وَالتِّمْسَاحَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إبَاحَةُ الْحَيَّةِ ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَيُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ إلَّا الضِّفْدَعَ ، وَفِي التِّمْسَاحِ رِوَايَتَانِ ، فَظَاهِرُهُ أَيْضًا إبَاحَةُ الْحَيَّةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .

وَعَنْهُ : تُكْرَهُ جَلَّالَةٌ أَكْثَرُ غِذَائِهَا نَجَاسَةٌ وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا حَتَّى تُحْبَسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَتُطْعَمُ الطَّاهِرَ ، وَعَنْهُ : غَيْرُ طَيْرٍ أَرْبَعِينَ ، وَعَنْهُ : وَالشَّاةُ سَبْعًا ، وَعَنْهُ : وَالْبَقَرُ ثَلَاثِينَ ، ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ وَهُوَ وَهْمٌ .
وَقَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَقِيلَ : الْكُلُّ أَرْبَعِينَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ رُكُوبَهَا ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ : بَقَرَةً شَرِبَتْ خَمْرًا أَيَجُوزُ أَكْلُهَا ؟ قَالَ : لَا حَتَّى يَنْتَظِرَ بِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا : ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّةَ ، حَكَاهُ الْقَاضِي .
وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَزَادَ : وَفِيهِ اخْتِلَافٌ .
وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا تَحْرِيمَ الْجَلَالَةِ ، وَأَنَّ مِثْلَهُ خَرُوفٌ ارْتَضَعَ مِنْ كَلْبَةٍ ثُمَّ شَرِبَ لَبَنًا طَاهِرًا وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ ، وَلَهُ عَلَفٌ نَجَاسَةٌ لَا يُذْبَحُ أَوْ يُحْلَبُ قَرِيبًا ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ ، وَاحْتَجَّ بِكُسْبِ الْحَجَّامِ ، وَاَلَّذِينَ عَجَنُوا مِنْ آبَارِ ثَمُودَ ، فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ آبَارِ ثَمُودَ .
وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ نَزَلَ الْحَجَرَ أَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا أَوْ يَعْجِنُ بِهِ ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ ، لَا يُقِيمُ بِهَا .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَجَرِ أَرْضَ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْرِقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ .
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي تَرِدُهَا النَّاقَةُ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَا وَجْهَ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى إبَاحَتِهِ مَعَ الْخَبَرِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ تَحْرِيمَ عَلَفِهَا مَأْكُولًا ، وَقِيلَ : يَجُوزُ مُطْلَقًا ، كَغَيْرِ مَأْكُولٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ ،

وَخَصَّهُمَا فِي التَّرْغِيبِ بِطَاهِرٍ مَحْرَمٍ ، كَهِرٍّ .

وَمَا سُقِيَ أَوْ سُمِّدَ بِنَجَسٍ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ نَجِسٌ مَحْرَمٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : طَاهِرٌ مُبَاحٌ جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، كَسَقْيِهِ بِطَاهِرٍ يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ أَنَّهُ كَرِهَ الْعُذْرَةَ ، وَرَخَّصَ فِي السِّرْجِينِ ، وَاسْتَحَبَّ مِنْهُ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ الطِّينِ لِضَرَرِهِ ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ : كَأَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْهُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَكَلَهُ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ إلَّا مَنْ بِهِ مَرَضٌ .

وَكَرِهَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَوْمُ حِينَ يُوضَعُ الطَّعَامُ فَيَفْجَأَهُمْ ، وَالْخُبْزَ الْكِبَارَ ، وَقَالَ : لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ وَوَضَعَهُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ وَحَرَّمَ الْآمِدِيُّ وَضْعَهُ وَأَنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ ، وَكَرِهَهُ غَيْرُهُ ، وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ فَجَأَهُمْ بِلَا تَعَمُّدِ أَكَلَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ إلَّا مِنْ طَعَامٍ مِنْ عَادَتِهِ السَّمَاحَةُ ، وَلَا بَأْسَ بِلَحْمٍ نِيءٍ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَلَحْمٍ مُنْتِنٍ ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا : يُكْرَهُ ، وَجَعَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ حَبًّا دِيسَ بِالْحُمْرِ وَقَالَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدُوسُوهُ بِهَا .
وَقَالَ حَرْبٌ .
كَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً ، وَهَذَا الْحَبُّ كَطَعَامِ الْكَافِرِ وَمَتَاعِهِ ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى وَلَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُغْسَلُ .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ ثُومٍ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يَنْضَجْ بِالطَّبْخِ ، وَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ ، وَكَرِهَ مَاءُ بِئْرٍ بَيْنَ الْقُبُورِ وَشَوْكَهَا وَبَقْلَهَا ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ كُلَّمَا سُمِّدَ بِنَجَسٍ وَالْجَلَّالَةَ .

وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ اللَّحْمِ ، وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى غَيْرِ سُمٍّ وَنَحْوِهِ فَخَافَ تَلَفًا ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ ، وَقِيلَ أَوْ ضَرَرًا .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَوْ مَرَضًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ ، وَمُرَادُهُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلِكُ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ ، وَأَوْجَبَ الْكُسْبَ عَلَى خَائِفٍ مُحَرَّمًا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ خَافَ مَرَضَهُ فَوَجْهَانِ ، وَعَنْهُ : إنْ خَافَ فِي سَفَرٍ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، أَكَلَ وُجُوبًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا وِفَاقًا ، وَقِيلَ : نَدْبًا ، سَدَّ رَمَقَهُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : وَلَهُ الشِّبَعُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقِيلَ : بِدَوَامِ خَوْفِهِ ، وَيُبْنَى عَلَيْهِمَا تَزَوُّدُهُ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ : يَتَزَوَّدُ إنْ خَافَ الْحَاجَةَ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ كَمَا يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إذَا خَافَ ، كَذَا هُنَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ السُّؤَالِ نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ .
قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ قَالَ : يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَهُوَ مَعَ النَّاسِ ؟ هَذَا أَشْنَعُ .
وَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ : أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك ؟ قَالَ : الصَّدَقَةُ ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ لِسَائِلٍ : قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَك عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ ، قَالَ الْقَاضِي : يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَسْأَلْ ، وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْخِلَافِ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ أَيُّهُمَا أَشَدُّ حَاجَةً ، وَأَخَذَهُ شَيْخُنَا مِنْ الضِّيَافَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَرَوَى أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ سَمِعْت عَبَّادَ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَكَانَ مِنَّا مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ قَالَ : { أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَأَتَيْت الْمَدِينَةَ فَدَخَلْت حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهَا ، فَأَخَذْت سُنْبُلًا فَفَرَكْته فَأَكَلْت مِنْهُ وَحَمَلْت فِي ثَوْبِي ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ

فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي ، فَأَتَيْت الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا عَلَّمْته إذْ كَانَ جَاهِلًا وَلَا أَطْعَمْته إذَا كَانَ سَاغِبًا أَوْ جَائِعًا فَرَدَّ عَلَيَّ الثَّوْبَ وَأَمَرَ لِي بِنِصْفِ وَسْقٍ } .
حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيهِ : وَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ ، قِيلَ : فَإِنْ تُوَقَّفَ ؟ قَالَ : مَا أَظُنّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ ، اللَّهُ يَأْتِيه بِرِزْقِهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ { مَنْ اسْتَعْفَفَ أَعَفَّهُ اللَّهُ } وَخَبَرَ أَبِي ذَرٍّ { أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَعَفَّفْ } ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : يَتَعَفَّفُ خَيْرٌ لَهُ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَأْثَمُ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .
وَإِنْ وَجَدَ مَعَ مَيْتَةٍ طَعَامًا جَهِلَ مَالِكَهُ أَوْ صَيْدًا وَهُوَ مُحَرَّمٌ قَدَّمَ الْمَيْتَةَ .
وَفِي الْفُنُونِ : قَالَ حَنْبَلِيٌّ : الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُنَا خِلَافَ هَذَا ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ تَقْبَلْهَا نَفْسُهُ حِلًّا .
وَفِي الْكَافِي : هِيَ أَوْلَى إنْ طَابَتْ نَفْسُهُ وَإِلَّا أَكَلَ الطَّعَامَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ يُقَدِّمُهُ وَلَوْ بِقِتَالِهِ ، ثُمَّ صَيْدًا ، ثُمَّ مَيْتَةً ، فَلَوْ عَلِمَهُ وَبَذَلَهُ لَهُ فَفِي بَقَاءِ حَالِهِ كَبَذْلِ حُرَّةٍ بُضْعَهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ، وَإِنْ بَذَلَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يُلْزِمُ مُعَسِّرًا عَلَى احْتِمَالٍ ، وَإِنْ وَجَدَهُمَا مُحَرَّمٌ بِلَا مَيْتَةٍ قَدَّمَ الطَّعَامَ ، وَقِيلَ : يُخَيَّرُ ، وَيُقَدَّمُ مُخْتَلَفًا فِيهِ .

وَيَحْرُمُ أَكْلُ عُضْوِهِ ( مُطْلَقًا ) خِلَافًا لِلْفُنُونِ عَنْ حَنْبَلِيٍّ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ فَرُبَّهُ الْمُضْطَرُّ ، وَفِي الْخَائِفِ وَجْهَانِ أَحَقُّ ( م 6 ) وَهَلْ لَهُ إيثَارُهُ ؟ كَلَامُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَأَنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وَلِفِعْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي فُتُوحِ الشَّامِ ، وَعَدَ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ بَذْلُ مَا لَهُ أَكْلُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِقِيمَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ ، وَفِي زِيَادَةٍ لَا تُجْحَفُ وَجْهَانِ ( م 7 ) وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ قَرْضًا بِعِوَضِهِ ، وَقِيلَ : مَجَّانًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، كَالْمَنْفَعَةِ فِي الْأَشْهَرِ .
{ وَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنْ أَبَى أَخَذَهُ بِالْأَسْهَلِ ، ثُمَّ قَهْرًا وَقَاتَلَهُ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي قِتَالِهِ وَجْهَانِ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ كَرِهَهُ ، وَحَرَّمَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ بِفَوْقِ مَا يَلْزَمُهُ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ ، وَقِيلَ : يُقَاتِلُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَزَانٍ مُحْصَنٍ قَتَلَهُ وَأَكَلَهُ ، وَكَذَا مَعْصُومًا مَيِّتًا وَالْأَكْثَرُ : يُحَرَّمُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ ، وَكَذَا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الْجَنَائِزِ : يُقَدَّمُ حَيٌّ اُضْطُرَّ إلَى سُتْرَةٍ لِبَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ عَلَى تَكْفِينِ مَيِّتٍ ، فَإِنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ لِلْمَيِّتِ احْتَمَلَ أَنْ يُقَدَّمَ الْحَيُّ أَيْضًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ .
وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُوجَزِ ، وَلَا نَاظِرَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوَسِيلَةِ ، فَلَهُ

الْأَكْلُ ، وَعَنْهُ : مِنْ مُتَسَاقِطٍ .
وَعَنْهُ : مِنْهُمَا لِحَاجَةٍ مَجَّانًا ، وَعَنْهُ : لِضَرُورَةٍ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ كَمَجْمُوعٍ مُخَبَّى .
وَعَنْهُ : وَيَضْمَنُهُ ، اخْتَارَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ وَجَوَّزَهُ فِي التَّرْغِيبِ لِمُسْتَأْذِنٍ ثَلَاثًا لِلْخَبَرِ ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي زَرْعٍ قَائِمٍ وَشُرْبِ لَبَنِ مَاشِيَةٍ رِوَايَتَانِ ( م 8 ) وَلَا يُحْمَلُ بِحَالٍ ، وَلَا يَرْمِي شَجَرًا ، نَصَّ عَلَيْهِمَا .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ فَرُبَّهُ الْمُضْطَرُّ أَحَقُّ .
وَفِي الْخَائِفِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) رُبَّهُ أَحَقُّ أَيْضًا ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ مُضْطَرًّا إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ فَهَلْ يُمْسِكُهُ لَهُ أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ فِي الْحَالِ ؟ ( قُلْت ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، أَظْهَرُهُمَا إمْسَاكُهُ ، إذْ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا إنْجَاؤُهُ مِنْ هَلَكَةٍ ، إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ حَالًا أَوْ مَآلًا ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) الْمُضْطَرُّ أَحَقُّ بِهِ ، وَفِيهِ قُوَّةٌ .
( تَنْبِيهٌ ) قَدْ لَاحَ لَك مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إلَى ذِكْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَرَّجَهُمَا ، وَحِينَئِذٍ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : " وَفِي زِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ وَجْهَانِ " : ( أَحَدُهُمَا ) لَيْسَ لَهُ بَذْلُهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ ، بَلْ يَجِبُ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ فِي مَكَانَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَهُ ذَلِكَ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ : وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : " فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي زَرْعٍ قَائِمٍ وَشُرْبِ لَبَنِ مَاشِيَةٍ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَهُ ذَلِكَ ، كَالثَّمَرَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ : هَذَا الْأَشْهَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ

أَبُو بَكْرٍ فِي لَبَنِ الْمَاشِيَةِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَصَحَّحَهُ فِي الصَّحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : لَهُ ذَلِكَ ، فِي رِوَايَةٍ ، فَدَلَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ

وَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَ ضِيَافَةُ مُجْتَازٍ بِهِ مُسْلِمٍ ، وَعَنْهُ : وَذِمِّيٍّ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، مُسَافِرٍ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ : وَحَاضِرٍ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ ( م 9 ) فِي قَرْيَةٍ ، وَفِي مِصْرَ رِوَايَتَانِ ، مَنْصُوصَتَانِ ( م 10 ) لَيْلَةً ، وَالْأَشْهَرُ وَيَوْمًا ، فَقَطْ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَقِيلَ : ثَلَاثَةً وَمَا فَوْقَهَا صَدَقَةٌ ، فَإِنْ أَبَى فَلَهُ مُحَاكَمَتُهُ .
وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ إذَا بَعَثُوا فِي السَّبِيلِ يُضَيِّفُهُمْ مَنْ مَرُّوا بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ أَبَوْا أَخَذُوا مِنْهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
وَيَلْزَمُ إنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ لِعَدَمِ مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ فَقَطْ ، وَأَوْجَبَهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ مُطْلَقًا ، كَالنَّفَقَةِ .
وَالضِّيَافَةُ كِفَايَتُهُ وَأَدَمٌ ، وَفِي الْوَاضِحِ وَلِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ كَأَدَمِهِ ، وَأَوْجَبَ شَيْخُنَا الْمَعْرُوفَ عَادَةً قَالَ : كَزَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَرَفِيقٍ .
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الْأَضْحَى : النَّاسُ فِيهِ تَبَعٌ لِوَفْدِ اللَّهِ عِنْدَ بَيْتِهِ ، وَهُمْ كَالضَّيْفِ ، فَلَا يَحْسُنُ صَوْمُهُ عِنْدَ مُضِيفِهِ .
وَمِنْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ قَسَمُهُ لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ ، وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمَذْمُومٌ مُبْتَدَعٌ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .

( مَسْأَلَةٌ 9 ) .
قَوْلُهُ : " وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ : وَحَاضِرٌ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، لِلْأَصْحَابِ " ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ كَالْمُسَافِرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ كَالْمُسَافِرِ ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : " فِي قَرْيَةٍ وَفِي مِصْرٍ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ " ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، وَلَيْسُوا كَأَهْلِ الْقُرَى ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : هُمْ كَأَهْلِ الْقُرَى فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَفِي الْوَاضِحِ وَلِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ كَذِمَّةٍ " كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ كَأَدَمِهِ ، يَعْنِي أَنَّ الشَّعِيرَ لِلدَّابَّةِ كَالْأَدَمِ لِلْآدَمِيِّ فَهَذِهِ عَشْرَةُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ الذَّكَاةِ لَا يَحِلُّ حَيَوَانٌ إلَّا بِذَكَاةٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبَحْرِيِّ أَوْ عَقْرٍ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ إلَّا الْجَرَادَ وَالسَّمَكَ وَمَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ .
وَعَنْهُ : وَمَيْتَةُ كُلِّ بَحْرِيٍّ ، وَعَنْهُ : مَيْتَةُ سَمَكٍ فَقَطْ ، فَيَحْرُمُ جَرَادٌ مَاتَ بِلَا سَبَبٍ .
وَعَنْهُ : وَسَمَكٌ طَافٍ ، وَنُصُوصُهُ : لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَتَقَذَّرْهُ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الصِّدِّيقِ وَغَيْرِهِ حِلَّهُ قَالَ : وَمَا يُرْوَى خِلَافُ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ .
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عِنْدَ قَائِلِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً يَجْرِي مَجْرَى دِيدَانِ الْخَلِّ وَالْبَاقِلَّا فَيَحِلُّ بِمَوْتِهِ ، قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالذُّبَابِ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) فَإِنْ حَرُمَ لَمْ يَنْجُسْ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : مَعَ دَمٍ وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ شَيَّ سَمَكٍ حَيٍّ لَا جَرَادَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِمَا : يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْجَرَادِ : لَا بَأْسَ بِهِ ، مَا أَعْلَمُ لَهُ وَلَا لِلسَّمَكِ ذَكَاةً .
وَيَحْرُمُ بَلْعُهُ حَيًّا ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا .
وَفِي الْمُغْنِي : يُكْرَهُ .
وَلِلذَّكَاةِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْعُمْدَةِ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا .

بَابُ الذَّكَاةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ يَجْرِي مَجْرَى دِيدَانِ الْخَلِّ وَالْبَاقِلَّاءِ ، فَيُحْمَلُ بِمَوْتِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالذُّبَابِ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي أَنَّ فِي حِلِّ الذُّبَابِ رِوَايَتَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ : وَفِي تَحْرِيمِ الذُّبَابِ رِوَايَتَانِ .
( إحْدَاهُمَا ) يَحْرُمُ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَخْبَثَاتِ ، وَقَطْعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَطْعِمَةِ فِي مَوْضِعٍ ، وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ ، قَدْ ذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يُبَاحُ ، وَهُوَ بَعِيدٍ .

وَلِلنَّحْرِ شُرُوطٌ .
( أَحَدُهُمَا ) كَوْنُهُ عَاقِلًا ، لِيَصِحَّ قَصْدُ التَّذْكِيَةِ وَلَوْ مُكْرَهًا ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَذَبْحِ مَغْصُوبٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا : لَا يَعْتَبِرُ قَصْدَ الْأَكْلِ .
وَفِي التَّعْلِيقِ : لَوْ تَلَاعَبَ بِسِكِّينٍ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ فَصَارَ ذَبْحًا وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ أَكْلِهَا لَمْ يُبَحْ .
وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ تَحْرِيمَ مَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لِصَوْلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَكْلَهُ كَمَا وَطِئَهُ آدَمِيٌّ إذَا قُتِلَ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : كَذَبْحِهِ .
وَذَكَر الْأَزَجِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا : إذَا ذَبَحَهُ لِيُخَلِّصَ مَالَ غَيْرِهِ مِنْهُ : يَقْصِدُ الْأَكْلَ لَا التَّخْلِيصَ ، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ .
وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ : لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَكْلَ أَوْ قَصْدَ مُجَرَّدَ حِلِّ يَمِينِهِ لَمْ يُبَحْ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَجَمَاعَةٌ اعْتِبَارَ إرَادَةِ التَّذْكِيَةِ ، فَظَاهِرُهُ يَكْفِي .
وَفِي الْفُنُونِ أَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ لَهُ : الصَّيْدُ فُرْجَةً وَنُزْهَةً مَيْتَةٌ لِعَدَمِ قَصْدِ الْأَكْلِ ، قَالَ : وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ ، قَالَ : لِأَنَّهُ عَبَثٌ مُحَرَّمٌ ، وَلَا أَحَدَ أَحَقُّ ، بِهَذَا مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، حَيْثُ جَعَلَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كُلَّ خَطَرٍ فِي مَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ ، وَكَذَا خَرَّجَ أَصْحَابُهُ فِي السِّكِّينِ الْكَالَّةِ ، قَالَ : وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا أَنَّ مَا قَتْلُهُ بِفَهْدٍ أَوْ كَلْبٍ مَغْصُوبٍ مَيْتَةٌ ، لِكَوْنِ إمْسَاكِهِ وَإِرْسَالِهِ بِلَا حَقٍّ كَلَا إرْسَالٍ ، كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِسُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ عُرْيَانُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَلَوْ مُمَيِّزًا .
وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ : لَا دُونَ عَشْرٍ وَلَوْ أُنْثَى قِنًّا ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِطَاقَةِ الذَّبْحِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : فِي الصَّابِئَةِ رِوَايَتَانِ ، مَأْخَذُهُمَا هَلْ هُمْ نَوْعٌ مِنْ النَّصَارَى

أَمْ لَا ؟ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ : هُمْ يَسْبِتُونَ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ ، وَكُلُّ مَنْ يَصِيرُ إلَى كِتَابٍ فَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَتِهِ .
وَعَنْهُ : لَا أَقْلَفَ لَا يُخَافُ بِخِتَانِهِ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْأَقْلَفِ : لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ ، هِيَ مِنْ تَمَامِ الْإِسْلَامِ .
وَنَقَلَ فِيهِ الْجَمَاعَةُ : لَا بَأْسَ ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُكْرَهُ جُنُبٌ وَنَحْوُهُ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ : لَا بَأْسَ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَذْبَحُ الْجُنُبُ .
وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الْحَائِضِ : لَا بَأْسَ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : تَحِلُّ ذَكَاةُ مُرْتَدٍّ إلَى الْكِتَابِيِّينَ .
وَعَنْهُ : يَحْرُمُ سَمَكٌ وَجَرَادٌ صَادَهُ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .

( الثَّانِي ) الْآلَةُ ، فَتَحِلُّ بِكُلِّ مُحَدِّدٍ حَتَّى حَجَرٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَفِي عَظْمٍ غَيْرِ سِنٍّ وَآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ رِوَايَتَانِ ، وَمِثْلُهَا سِكِّينٌ ذَهَبٌ وَنَحْوُهَا ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ ( م 2 - 4 ) وَفِي التَّرْغِيبِ : يَحْرُمُ بِعَظْمٍ وَلَوْ بِسَهْمٍ نَصْلُهُ عَظْمٌ .

مَسْأَلَةٌ 2 - 4 ) قَوْلُهُ : وَفِي عَظْمٍ غَيْرِ سِنٍّ وَآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ رِوَايَتَانِ ، وَمِثْلُهَا سِكِّينٌ ذَهَبٌ وَنَحْوُهَا ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ ، انْتَهَى ، ذِكْرُ مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 2 ) إذَا كَانَتْ الْآلَةُ الَّتِي يُذْبَحُ بِهَا عَظْمًا غَيْرَ سِنٍّ فَهَلْ يَحِلُّ الْمَذْبُوحُ بِهَا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) يَحِلُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : يَقْتَضِي إطْلَاقُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إبَاحَةَ الذَّبْحِ بِهِ ، قَالَ : وَهُوَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ : وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ آلَةٍ لَهَا حَدٌّ يَقْطَعُ وَيَنْهَرُ الدَّمَ ، إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، وَقَالَ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُبَاحُ ، قَالَ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ : وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عَدَمِ التَّذْكِيَةِ بِالْعِظَامِ ، إمَّا لِنَجَاسَةِ بَعْضِهَا وَإِمَّا لِتَنْجِيسِهِ عَلَى مُؤْمِنِي .
الْجِنِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3 ) الْآلَةُ الْمَغْصُوبَةُ هَلْ تَحْصُلُ بِهَا التَّذْكِيَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِهَا وَيَحِلُّ الْمَذْبُوحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يُبَاحُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ وَمُنْتَخَبِهِ .
(

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا تُبَاحُ التَّذْكِيَةُ بِهَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 4 ) هَلْ تَحْصُلُ التَّذْكِيَةُ بِسِكِّينٍ ذَهَبٍ وَنَحْوِهَا أَمْ لَا ؟ ذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُوجَزِ أَنَّهَا كَالْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهَا فَكَذَا فِي هَذِهِ ( قُلْت ) : بَلْ هَذِهِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الثَّالِثُ ) قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ، وَعَنْهُ : وَالْوَدَجَيْنِ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَحَدِهِمَا .
وَفِي الْإِيضَاحِ : الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ .
وَفِي الْإِشَارَةِ : الْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ .
وَكَلَامُهُمْ فِي اعْتِبَارِ إبَانَةِ ذَلِكَ بِالْقَطْعِ مُحْتَمَلٌ ، وَيَقْوَى عَدَمُهُ ، وَظَاهِرُهُ لَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَاعْتَبَرَ فِي التَّرْغِيبِ قَطْعًا تَامًّا فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ جِلْدَةٌ وَلَمْ يَنْفُذْ الْقَطْعُ انْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ قَطَعَ الْجِلْدَةَ لَمْ يَحِلَّ .
وَفِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ : يَكْفِي قَطْعُ الْأَوْدَاجِ ، فَقَطْعُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْحُلْقُومِ أَوْ الْمَرِيءِ أَوْلَى بِالْحِلِّ ، قَالَهُ شَيْخُنَا : وَذَكَرَهُ رِوَايَةً فِي الْأَوِّلَةِ .
وَذَكَرَ وَجْهًا : يَكْفِي قَطْعُ ثَلَاثٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ .
وَيُسَنُّ ذَبْحُ غَيْرِ إبِلٍ وَنَحْرُهَا وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ : يُنْحَرُ الْبَقَرُ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَمَا صَعُبَ وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ذَبْحُ إبِلٍ وَعَنْهُ : وَلَا تُؤْكَلُ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ قَالَا : النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ وَالذَّبْحُ وَالنَّحْرُ فِي الْبَقَرِ وَاحِدٌ ، وَإِنْ ذَبَحَ مَغْصُوبًا حَلَّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِإِبَاحَتِهِ لِلضَّرُورَةِ ، بِخِلَافِ سُتْرَةِ الصَّلَاةِ ، قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ .
وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي سِكِّينٍ غَصْبٍ [ لِأَنَّهُ يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ ، فَالسُّتْرَةُ أَغْلَظُ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَذَا لَوْ أَبَانَ رَأْسًا ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي الْمَغْصُوبِ : لَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ، قَالَ الْقَاضِي : فَأَبَاحَهُ بَعْدَ إذْنِهِ ، وَمَا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ ذَكَرُوهُ فِي سِكِّينٍ غَصْبٍ ] وَلَوْ اُخْتُتِنَ بِهَا أَجْزَأَهُ ، لِأَنَّهُ إتْلَافٌ ، كَالْعِتْقِ بِمَكَانِ غَصْبٍ وَكَتَرْكِ الْبَدَاءَةِ بِقَطْعِ الْأَيْدِي فِي

الْحُدُودِ وَذَكَاةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ كَوَاقِعٍ بِبِئْرٍ وَمُتَوَحِّشٌ يَجْرَحُهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ بَدَنِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ : يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا ، فَإِنْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ ، مِثْلُ كَوْنِ رَأْسِهِ فِي مَاءٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحِلَّ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ : بَلَى بِجُرْحٍ مُوحٍ .

وَإِنْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ خَطَأً فَأَتَتْ الْآلَةُ مَحَلَّ ذَبْحِهِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَعَنْهُ : أَوْ لَا وَفِي الْمُغْنِي : غَلَبَ بَقَاؤُهَا حَلَّ .
وَفِي التَّرْغِيبِ [ رِوَايَةَ ] : يَحْرُمُ مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْهُ .
وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَرِوَايَتَانِ ( م 5 ) وَمُلْتَوٍ عُنُقُهُ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ ، قَالَهُ الْقَاضِي .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ خَطَأً فَأَتَتْ الْآلَةُ مَحَلَّ ذَبْحِهِ وَفِيهِ حَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ " وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَرِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) يُبَاحُ بِشَرْطِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْكَافِي ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوَّرِهِ ، وَغَيْرُهُمَا .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُبَاحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ ، وَقَالَ : هُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .

وَقِيلَ كَذَلِكَ : وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ مِنْ مُنْخَنِقَةٍ وَمَوْقُوذَةٍ وَمُتَرَدِّيَةٍ وَنَطِيحَةٍ وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ فَذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ يُمْكِنُ زِيَادَتُهَا ، وَقَالَ شَيْخُنَا : وَقِيلَ : تَزِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ ، قِيلَ : بِشَرْطِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ وَنَحْوِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ لَا ( م 6 ) وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَجَمَاعَةٌ : مَا عُلِمَ مَوْتُهُ بِالسَّبَبِ ، وَعَنْهُ : لِدُونِ أَكْثَرِ يَوْمٍ ، لَمْ يَحِلَّ ، وَعَنْهُ : حَلَّ مُذَكًّى قَبْلَ مَوْتِهِ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ تُشْتَرَطُ حَيَاةٌ يُذْهِبُهَا الذَّبْحُ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَعَنْهُ : إنْ تَحَوَّلَ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَرُّوذِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ وَفِي التَّرْغِيبِ : لَوْ ذَبَحَ وَشَكَّ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَوَجَدَ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَادَةِ حَلَّ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، قَالَ : وَأَصْحَابُنَا قَالُوا : الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ مَا جَازَ بَقَاؤُهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ ، وَقَالُوا : إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَحِلَّ ، فَإِنْ كَانَ التَّقْيِيدُ بِأَكْثَرِ الْيَوْمِ صَحِيحًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، لِلْحَظْرِ ، وَكَذَا بِعَكْسِهِ ، فَإِنَّ بَيْنَهُمَا أَمَدًا بَعِيدًا ، قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا ظُنَّ بَقَاؤُهَا زِيَادَةً عَلَى أَمَدِ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمِثْلِهِ سِوَى أَمَدِ الذَّبْحِ .
قَالَ : وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ كَمَقْطُوعِ الْحُلْقُومِ وَمُبَانِ الْحَشْوَةِ فَوَجَدَهَا كَعَدَمٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَمَرِيضَةٌ كَمُنْخَنِقَةٍ ، وَقِيلَ : لَا يَعْتَبِرُ حَرَكَتَهَا ( م 7 ) .
وَذَكَاةُ جَنِينٍ مَأْكُولٍ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ وَلَوْ لَمْ يَشْعُرْ وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ ذَبْحَهُ ، وَعَنْهُ : لَا بَأْسَ وَإِنْ خَرَجَ بِحَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ حَلَّ بِذَبْحِهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ .
وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ كَمُنْخَنِقَةٍ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ

: إنْ خَرَجَ حَيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَبْحِهِ وَعَنْهُ : يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا ، وَفِي قِيَاسِ الْوَاضِحِ لِابْنِ عَقِيلٍ : مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ جَنِينٌ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ أَشْبَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَيْدِ عُقِرَ وَوَقَعَ فِي مَاءٍ { لَا تَأْكُلُهُ لَعَلَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ } فَهَذَا تَنْبِيهٌ .
وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ تَحْرِيمُهُ كَتَحْرِيمِ أَبِيهِ ، وَلَوْ وَجَأَ بَطْنَ أُمِّهِ فَأَصَابَ مَذْبَحَهُ تَذَكَّى وَالْأُمُّ مَيِّتَةٌ ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ مِنْ مُنْخَنِقَةٍ وَمَوْقُوذَةٍ وَمُتَرَدِّيَةٍ وَنَطِيحَةٍ وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ فَذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ يُمْكِنُ زِيَادَتُهَا ، .
حَلَّ قِيلَ : بِشَرْطِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ طَرَفِ عَيْنٍ وَنَحْوِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ لَا " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يُشْتَرَطُ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ : إذَا أَدْرَكَ ذَكَاةَ ذَلِكَ وَفِيهِ حَيَاةٌ يُمْكِنُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَرَّكَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَلَوْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ طَرَفِ عَيْنٍ أَوْ قَصْعِ ذَنْبٍ وَنَحْوِهِ ، انْتَهَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ تَزِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ( قُلْت ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعِيشُ زَمَنًا يَكُونُ الْمَوْتُ بِالذَّبْحِ أَسْرَعَ مِنْهُ حَلَّتْ بِالذَّبْحِ ، وَأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ مَوْتُهَا كَالْمَرِيضَةِ وَأَنَّهَا مَتَى تَحَرَّكَتْ وَسَالَ دَمُهَا حَلَّتْ ، انْتَهَى .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَمَرِيضَةٌ كَمُنْخَنِقَةٍ ، وَقِيلَ : لَا تُعْتَبَرُ حَرَكَتُهَا ، انْتَهَى .
الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْمَرِيضَةِ حُكْمُ الْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ ، فَكَذَا فِي هَذِهِ ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ .

الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوْ إرْسَالِ الْآلَةِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : أَوْ قَبْلَهُ قَرِيبًا ، فَصَّلَ بِكَلَامٍ أَوْ لَا ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَعَنْهُ : مِنْ مُسْلِمٍ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَكْسَهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ .
وَعَنْهُ : هِيَ سُنَّةٌ ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : الْآيَةَ فِي الْمَيِّتَةِ ، وَقَدْ رَخَّصَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَسْقُطُ سَهْوًا ، وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعًا ، وَعَنْهُ : فِي الذَّبْحِ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : وَالسَّهْمُ ، وَعَنْهُ : شَرْطٌ لِلصَّيْدِ سُنَّةٌ لِلذَّبِيحَةِ ، وَعَنْهُ : بِعَرَبِيَّةٍ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافَهُ إجْمَاعًا ، لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ اللَّهَ .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى قِيَاسِهِ أَدَاءُ شَهَادَةٍ وَإِيمَانٌ وَيَمِينٌ وَخُطْبَةٌ وَتَلْبِيَةٌ ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ الْعِلْمُ بِاعْتِقَادِ الْإِيمَانِ وَيَحْصُلُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَبِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْمَوْعِظَةُ ، وَمِنْ التَّلْبِيَةِ إجَابَةُ الدَّاعِي ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : عَلَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِلَفْظِ اللِّعَانِ وَبِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَوْ قَالَ أَعْلَمُ لَمْ يَصِحَّ ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ : وَعَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ التَّلْبِيَةَ وَالتَّسْمِيَةَ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى التَّسْمِيَةِ .
وَلَيْسَ جَاهِلٌ كَنَاسٍ كَالصَّوْمِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَقِيلَ : يَكْفِي تَكْبِيرٌ وَنَحْوُهُ وَيَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرْكَهَا إنْ حَرُمَتْ ، وَاخْتَارَ فِي النَّوَادِرِ : لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ .
وَيَتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ .
وَيُسَنُّ مَعَهَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ، كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنْصُوصِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ : لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ مَعَهَا شَيْئًا ، وَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِهَا ، وَمِنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ فَرَمَى بِغَيْرِهِ لَمْ يُبَحْ ، كَقَطِيعٍ فَيَذْبَحَ

مِنْهُ ، أَوْ شَاةٍ فَيَذْبَحُ غَيْرَهَا ، وَقِيلَ : بَلَى ، كَآلَةِ ذَبْحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ لِمَشَقَّتِهِ اعْتِبَارُ تَعْيِينِ الْآلَةِ ، وَيُكْرَهُ ذَبْحُهُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ ، وَحْدَهَا وَالْحَيَوَانُ يَرَاهُ ، وَسَلْخُهُ ، وَكَسْرُ عُنُقِهِ قَبْلَ زَهُوقِ نَفْسِهِ ، وَحَرَّمَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَفْعَلُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ } فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، إنَّ الْإِحْسَانَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ حَتَّى فِي حَالِّ إزْهَاقِ النُّفُوسِ نَاطِقُهَا وَبَهِيمُهَا ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ الْقِتْلَةَ لِلْآدَمِيِّينَ ، وَالذِّبْحَةَ لِلْبَهَائِمِ ، هَذَا كَلَامُهُ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : اتَّفَقُوا أَنَّ إحْسَانَ الذَّابِحِ وَاجِبٌ فِيمَا يَذْبَحُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يُكْرَهُ قَطْعُ رَأْسِهِ قَبْلَ سَلْخِهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَفْعَلُ .
وَيُسَنُّ تَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ الْكَحَّالُ : يَجُوزُ لِغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْهُ ، وَيُسَنُّ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ ، وَرِفْقُهُ بِهِ ، وَتَحَامُلُهُ عَلَى الْآلَةِ بِالْقُوَّةِ ، وَإِسْرَاعُهُ بِالشَّحْطِ ، وَسَبَقَ مَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : أَكْرَهُ نَفَخَ اللَّحْمِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي الَّذِي لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ غِشٌّ ، وَأَكْلَ غُدَّةٍ وَأُذُنَ قَلْبٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَحَرَّمَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْفَرَجِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ ، وَهُوَ هَكَذَا .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ : { كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الْغُدَّةِ } .
الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ .

وَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحِلُّ لَهُ فَعَنْهُ : يَحْرُمُ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ ، قَالَ فِي الْوَاضِحِ : اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَنْهُ : لَا ( م 8 ) كَذَبْحِ حَنَفِيٍّ حَيَوَانًا فَتَبَيَّنَ حَامِلًا وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، فَلَنَا تَمَلُّكُهَا مِنْهُمْ : وَيَحْرُمُ عَلَيْنَا إطْعَامُهُمْ شَحْمًا مِنْ ذَبْحِنَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ .
وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ لِابْنِ عَقِيلٍ : نُسِخَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا .
مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحِلُّ لَهُ ، فَعَنْهُ تَحْرُمُ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ ، قَالَ فِي الْوَاضِحِ : اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَنْهُ : لَا " انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) يَحْرُمُ عَلَيْنَا ذَلِكَ ، اخْتَارَهُ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَحْرُم ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، حَكَاهُ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوِّرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَقَالَ : هُوَ وَغَيْرُهُ : فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : رِوَايَتَانِ .

وَإِنْ ذَبَحَ مَا ثَبَتَ تَحْرِيمٌ عَلَيْهِ كَذِي الظُّفْرِ فَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَيْنَا مَا تَقَدَّمَ ، وَقِيلَ : يُحَرَّمُ ، وَقِيلَ : لَا ( م 9 ) كَظَنِّهِ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ ، وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لِاعْتِقَادِنَا : وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ أَوْ مُتَقَرِّبًا بِهِ إلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُهُ لَمْ يَحْرُمْ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنْ يَذْكُرَ عَلَيْهِ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا يُعْجِبُنِي مَا ذُبِحَ لِلزُّهْرَةِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْكَنِيسَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ .
وَذَكَرَ الْآيَةَ .
وَسَبَقَ زِيَارَةَ الْقُبُورِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ وَأَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ فَيَكُونَ عِنْدَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ الذَّبْحِ عِنْدَ الْقُبُورِ ، وَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ ، وَحَرَّمَهُ شَيْخُنَا ، وَالنَّهْيُ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ ، وَسَبَقَ فِي الْوَلِيمَةِ الْمُفَاخَرَةُ بِهَا وَعَدَمُ ذِكْرِ الْأَكْثَرِ ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا عِبْرَةَ بِهِ مَعَ صِحَّةِ النَّهْيِ ، وَنَظِيرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .

( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ ذَبَحَ مَا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ كَذِي الظُّفْرِ فَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَيْنَا مَا تَقَدَّمَ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، وَقِيلَ : لَا " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ : ( أَحَدُهَا ) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ عِنْدَهُ : ( إحْدَاهُمَا ) لَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ بِلَا رَيْبٍ وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَهُوَ أَظْهَرُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَحْرُمُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، فَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَطْلَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْخِلَافَ ، وَهُنَا قَدَّمَ التَّحْرِيمَ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَاكَ عَدَمَ التَّحْرِيمِ ، وَقَدَّمْنَا هُنَا التَّحْرِيمَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا .

وَمَنْ ذَكَّى حَيَوَانًا فَوَجَدَ فِيهِ أَوْ فِي رَوْثِهِ جَرَادٌ أَوْ حَبًّا أَوْ سَمَكَةً فِي سَمَكَةٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ : الطَّافِي أَشَدُّ مِنْ هَذَا ، وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَحْرُمُ جَرَادٌ فِي بَطْنِ سَمَكٍ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ ، وَمَيْتَتُهُ حَرَامٌ لَا الْعَكْسُ ، لِحِلِّ مَيْتَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ ، وَيَحْرُمُ بَوْلٌ طَاهِرٌ كَرَوْثِهِ ، أَبَاحَهُ الْقَاضِي فِي كِتَاب الطِّبِّ ، وَذَكَرَ رِوَايَةً فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وِفَاقًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيهِ : لَا ، وَكَلَامُهُ فِي الْخِلَافِ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ : وَبِالْأَخْبَارِ الضَّعِيفَةِ { مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ } .
فَقِيلَ لَهُ : هَذَا عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ ؟ فَقَالَ : يَعُمُّ سَائِرَ الْأَحْوَالِ ، وَلِأَنَّهُ مُعْتَادٌ تَحَلُّلُهُ كَاللَّبَنِ ، وَبِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلَّحْمِ ، وَكَذَا احْتَجَّ فِي الْفُصُولِ بِإِبَاحَةِ شُرْبِهِ كَاللَّبَنِ : وَدَلَّ عَلَى الْوَصْفِ قِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ .
وَفِي الْمُغْنِي إبَاحَةُ رَجِيعِ سَمَكٍ وَنَحْوِهِ .
وَيَحِلُّ مَذْبُوحٌ مَنْبُوذٌ بِمَوْضِعٍ يَحِلُّ ذَبْحُ أَكْثَرِ أَهْلِهِ وَلَوْ جُهِلَتْ تَسْمِيَةُ الذَّابِحِ .
وَهَلْ الذَّبِيحُ إسْمَاعِيلُ ؟ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَهُوَ أَظْهَرُ ؟ قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ قَطْعِيٌّ ، أَوْ إِسْحَاقُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : نَصْرَهُ أَصْحَابُنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 15 ) .

مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ " وَهَلْ الذَّبِيحُ إسْمَاعِيلُ ؟ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ إِسْحَاقُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : نَصْرَهُ أَصْحَابُنَا ، فِيهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ إسْمَاعِيلُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ .
فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

كِتَابُ الصَّيْدِ وَهُوَ مُبَاحٌ لِقَاصِدِهِ ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَيُكْرَهُ لَهْوًا ، وَهُوَ أَطْيَبُ مَأْكُولٍ قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ .
وَقَالَ الْأَزَجِيُّ : الزِّرَاعَةُ أَفْضَلُ مَكْسَبٍ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ الذَّكَاةِ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ .
وَمَنْ أَدْرَكَ صَيْدًا صَادَهُ مُتَحَرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهَا ، وَعَنْهُ : يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا ، وَعَنْهُ : دُونَ مُعْظَمِ يَوْمٍ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : دُونَ نِصْفِهِ ، وَبِإِرْسَالِ الصَّائِدِ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ ، لِعَدَمِ آلَةٍ ذَكَاةٌ ، وَعَنْهُ : بِالْإِرْسَالِ لَا بِمَوْتِهِ .
قَالَ الشَّيْخُ : كَمُتَرَدِّيَةٍ بِبِئْرٍ ، وَعَنْهُ : عَكْسُهُ ، وَأَبَاحَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا بِالْإِرْسَالِ .
قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ .

وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّبْحِ فَجَعَلَ يَعْدُو مِنْهُ يَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا وَنَصَبًا فَذَكَرَ الْقَاضِي : يَحِلُّ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَحِلُّ ، لِأَنَّ الْإِتْعَابَ يُعِينُهُ عَلَى الْمَوْتِ فَصَارَ كَالْمَاءِ ( م 1 ) وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ فَكَمَيِّتٍ .
يَحِلُّ بِشُرُوطٍ : أَحَدُهَا صَائِدٌ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ ، وَقِيلَ : بَصِيرٌ ، فَلَا يَحِلُّ صَيْدٌ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ ، أَوْ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِيٍّ بِسَهْمَيْهِمَا أَوْ جَارِحَتَيْهِمَا ، فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ مَقْتَلَهُ عَمِلَ بِهِ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، كَإِسْلَامِهِ بَعْدَ إرْسَالِهِ ، وَلَوْ أَثْخَنَهُ كَلْبُ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَتَلَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَرُمَ ، وَيَضْمَنُهُ لَهُ .
بَابُ الصَّيْدِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّبْحِ فَجَعَلَ يَعْدُو مِنْهُ يَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا وَنَصَبًا فَذَكَرَ الْقَاضِي يَحِلُّ وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْإِتْعَابَ يُعِينُهُ عَلَى الْمَوْتِ فَصَارَ كَالْمَاءِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ صَادَ مُسْلِمٌ بِكَلْبِ مَجُوسِيٍّ لَمْ يَكْرَهْ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، وَيَحِلُّ ، وَعَنْهُ : لَا ، كَعَكْسِهِ ، وَلَوْ أَعَانَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَلْبُهُ ، وَقِيلَ : وَلَمْ يَزِدْ عَدْوُ كَلْبِهِ بِزَجْرِ مُسْلِمٍ حَرُمَ .

وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَادَ عَدْوُهُ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ ، أَوْ ذَبَحَ مَا أَمْسَكَهُ لَهُ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِهِ وَقَدْ جَرَحَهُ غَيْرَ مُوحٍ أَوْ ارْتَدَّ ، أَوْ مَاتَ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ ، حَلَّ .
وَكَذَا إنْ أَعَانَ سَهْمَهُ رِيحٌ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : كَمَا لَوْ رَدَّهُ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ .
وَفِيهِ فِي الرِّعَايَةِ : فِيهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ فِي ذِي نَابٍ وَفِي تَرْكِ أَكْلِهِ وَأَعَانَهُ رِيحٌ وَجْهٌ .

الثَّانِي الْآلَةُ ، مُحَدِّدٌ فَهُوَ كَآلَةِ ذَبْحٍ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَجْرَحَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِثِقْلِهِ كَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَبُنْدُقَةٍ وَلَوْ شَدْخَتَهُ .
نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ ، وَلَوْ قَطَعَتْ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ ، أَوْ بِعَرْضِ مِعْرَاضٍ .
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ : وَلَمْ يَجْرَحْهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ ، لَمْ يُبَحْ ، لِأَنَّهُ وَقِيذٌ ، وَكَذَا مَا قَتَلَهُ مِنْجَلٌ أَوْ سِكِّينٌ سُمِّيَ عِنْدَ نَصْبِهِ بِلَا جُرْحٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا حَلَّ ، وَقِيلَ : يَحِلُّ مُطْلَقًا ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حِلُّ مَا قَبْلَهَا ، وَحَيْثُ حَلَّ فَظَاهِرُهُ يَحِلُّ ، وَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ إذَا ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ حَلَّ ، وَالْحَجَرُ كَبُنْدُقَةٍ وَلَوْ خَرَقَهُ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ كَصَوَّانٍ فَكَمِعْرَاضٍ .

وَإِنْ قَتَلَهُ بِسَهْمٍ فِيهِ سُمٌّ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَظَنَّ أَنَّهُ أَعَانَهُ حَرُمَ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَعَانَ لَمْ يَأْكُلْ ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمُرَادٍ .
وَفِي الْفُصُولِ : إذَا رَمْي بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ لَمْ يُبَحْ لَعَلَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَارَكَ السَّهْمَ تَغْرِيقٌ بِالْمَاءِ .
وَمَنْ أَتَى بِلَفْظِ الظَّنِّ كَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ فَمُرَادُهُ احْتِمَالُ الْمَوْتِ بِهِ ، وَلِهَذَا عَلَّلَهُ مَنْ عَلَّلَهُ مِنْهُمْ كَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِ بِاجْتِمَاعِ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرَّمِ ، كَسَهْمَيْ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ ، وَقَالُوا : فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّمَّ لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِهِ لِكَوْنِ السَّهْمِ أَرَحَى مِنْهُ فَمُبَاحٌ ، وَلَوْ كَانَ الظَّنُّ مُرَادًا لَكَانَ الْأَوْلَى ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ فَمُبَاحٌ ، وَنَظِيرُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي شُرُوطِ الْبَيْعِ ، فَإِنْ رَأَيَاهُ ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا ، وَقَوْلُهُمْ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ .

وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ : إذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّيْدِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمُثْقَلٍ وَمُحَدِّدٍ ، أَوْ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ ، أَوْ بِسَهْمِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ ، أَوْ سَهْمٍ غَيْرِ مُسَمًّى عَلَيْهِ ، أَوْ كَلْبِ مُسْلِمٍ وَكَلْبِ مَجُوسِيٍّ ، أَوْ غَيْرِ مُسَمًّى عَلَيْهِ ، أَوْ غَيْرِ مُعَلَّمٍ ، أَوْ اشْتَرَكَا فِي إرْسَالِ الْجَارِحَةِ عَلَيْهِ ، أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ .
مُرْسِلَهُ أَوْ لَا يَعْرِفُ ، أَوْ مَعَ سَهْمِهِ سَهْمًا كَذَلِكَ لَمْ يُبَحْ وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ : { وَإِنْ وَجَدْت مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ } وَبِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ ، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمُبِيحِ رُدَّ إلَى أَصْلِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يَحْرُمُ وَلَوْ مَعَ جُرْحٍ مُوحٍ لَا عَمَلَ لِلسُّمِّ مَعَهُ ، لِخَوْفِ التَّضَرُّرِ بِهِ ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ ، وَقَالَ : لَا نَأْمَنُ أَنَّ السُّمَّ تَمَكَّنَ مِنْ بَدَنِهِ بِحَرَارَةِ الْحَيَاةِ فَيَقْتُلَ أَوْ يَضُرَّ أَكْلُهُ ، وَهُمَا حَرَامٌ ، وَمِمَّا يُؤَدِّي إلَيْهِمَا حَرَامٌ ، وَإِنْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَهُ شَيْءٌ فَمَاتَ فَالْأَشْهَرُ عَنْهُ : يَحْرُمُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : لَا بِجُرْحٍ مُوحٍ .
اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَمِثْلُهُ ذَكَاةٌ .

( م 2 و 3 ) وَإِنْ رَمَاهُ فِي عُلُوٍّ فَوَقَعَ بِالْأَرْضِ فَمَاتَ حَلَّ ، وَعَنْهُ : بِجُرْحٍ مُوحٍ جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ رَمَاهُ أَوْ عَقَرَهُ كَلْبُهُ وَعَلِمَ الْإِصَابَةَ فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَلَّ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِفَمِ كَلْبِهِ أَوْ وَهُوَ يَعْبَثُ بِهِ أَوْ سَهْمُهُ فِيهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ : وَلَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَقْرِهِ ، وَعَنْهُ : وَجُرْحُهُ مُوحٍ ، وَعَنْهُ : إنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ ، وَعَنْهُ : أَوْ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ ، حَلَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إنْ غَابَ نَهَارًا حَلَّ ، لَا لَيْلًا .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ اللَّيْلِ تَخَطُّفُ الْهَوَامِّ .
وَمَتَى وَجَدَ بِهِ أَثَرًا آخَرَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَعَانَ فِي قَتْلِهِ حَرُمَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَقُولُوا ظَنَّ كَسَهْمٍ مَسْمُومٍ ، وَتَتَوَجَّهُ التَّسْوِيَةُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ الِاحْتِمَالُ .

مَسْأَلَةٌ 2 و 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَهُ شَيْءٌ وَمِثْلُهُ ذَكَّاهُ " ، انْتَهَى .
ذِكْرُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 2 ) إذَا جَرَحَهُ جَرْحًا مُوحِيًا ثُمَّ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَهُ شَيْءٌ فَمَاتَ ، فَهَلْ يُبَاحُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : يَحْرُمُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ [ فِي ] الْمُذْهَبِ هُنَا : وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ يَحْرُمُ ، قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ : وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَاخْتَارَهُ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ لِكَوْنِهِ قَطَعَ بِهِ هُنَا فِي الْوَجِيزِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3 ) مَسْأَلَةُ الذَّكَاةِ ، وَهِيَ مَا إذَا ذَبَحَ حَيَوَانًا ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَمَاتَ ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا ، عِنْدَ الْأَصْحَابِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ .

وَإِنْ غَابَ قَبْلَ عَقْرِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ وَسَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُنْتَخَبِ أَنَّهَا كَذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ .
قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ : وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، وَذَكَرَهَا فِي الْفُصُولِ ، كَمَا لَوْ وَجَدَ سَهْمَهُ أَوْ كَلْبَهُ نَاحِيَةً ، كَذَا قَالَ ، وَتَبِعْهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا ذَكَر هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى الْخِلَافِ ( م 4 ) وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَنْبَلٍ حِلُّهُ ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ غَابَ قَبْلَ عَقْرِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ وَسَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُنْتَخَبِ أَنَّهَا كَذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ يَعْنِي مِثْلَ مَا إذَا رَآهُ أَوْ عَقَرَهُ كَلْبُهُ وَعِلْمَ الْإِصَابَةَ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ : وَعَنْهُ يَحْرُمُ هُنَا ، وَذَكَرَهَا فِي الْفُصُولِ ، كَمَا لَوْ وَجَدَ سَهْمَهُ أَوْ كَلْبَهُ نَاحِيَهُ ، كَذَا قَالَ ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى الْخِلَافِ ، " انْتَهَى .
وَمُلَخَّصُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيهِ قَطَعَ بِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا غَابَ عَنْهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ ثُمَّ وَجَدَهُ عَقِيرًا وَحْدَهُ ، وَالسَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ نَاحِيهِ ، وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ عُضْوًا وَبَقِيَتْ حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَرُمَ الْبَائِنُ ، وَعَنْهُ : إنْ ذَكَّى حَلَّ كَبَقِيَّتِهِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ حَلَّ ، وَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ بِحِلِّهِ ، وَإِنْ أَبَانَهُ وَمَاتَ إذَنْ حَلَّ ، وَعَنْهُ : يَحِلُّ إلَّا الْبَائِنَ ، وَيَحْرُمُ مَا قَتَلَهُ غَيْرَ مُحَدِّدٍ .
كَبُنْدُقٍ وَحَجَرٍ وَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَلَوْ شَدَخَهُ ، لِأَنَّهُ وَقِيذٌ .

وَيَحِلُّ مَا قَتَلَهُ جَارِحٌ مُعَلَّمٌ جُرْحًا ، وَعَنْهُ : وَصَدْمًا أَوْ خَنْقًا : اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، إلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ ، وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا لَوْنَ فِيهِ غَيْرَ السَّوَادِ ، فَيَحْرُمَ صَيْدُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ ، فَهُوَ الْعِلَّةُ ، وَالسَّوَادُ عَلَامَةٌ ، كَمَا يُقَالُ : إذَا رَأَيْت صَاحِبَ السِّلَاحِ فَاقْتُلْهُ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ ، فَالْعِلَّةُ الرِّدَّةُ ، وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعْدٍ الْكَرَاهَةَ ، وَعَنْهُ : وَمِثْلُهُ فِي أَحْكَامِهِ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي هُنَا ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْأَمْرَ بِقَتْلِهِ ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا ، وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ إبَاحَتَهُ ، وَنَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ : يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ ، بَلْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا بَأْسَ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقَتْلِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْيَدِ ، وَيُبْطِلُ حُكْمَ الْفِعْلِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَقُورَ مِثْلُهُ إلَّا فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، وَأَوْلَى ، لِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ ، قَالَ فِي الْغُنْيَةِ : يَحْرُمُ تَرْكُهُ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَيَجِبُ قَتْلُهُ لِيَدْفَعَ شَرَّهُ عَنْ النَّاسِ ، وَدَعْوَى نَسْخِ الْقَتْلِ .
مُطْلَقًا إلَّا الْمُؤْذِي كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ ، وَيُقَابِلُهُ قَتْلُ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ .

ثُمَّ تَعْلِيمُ مَا لَهُ نَابٌ مِنْهُ كَفَهْدٍ وَكَلْبٍ ، وَفِي الْمُذْهَبِ وَالتَّرْغِيبِ : وَنَمِرٍ ، بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ .
وَفِي الْمُغْنِي : لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَتِهِ لِلصَّيْدِ ، وَإِذَا أَمْسَكَ لَمْ يَأْكُلْ ، وَقِيلَ : وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَيَحِلُّ فِي الرَّابِعَةِ ، وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ ، وَاخْتَارَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ غَيْرَ الْكَلْبِ بِتَرْكِهِ الْأَكْلَ أَوْ بِالْعُرْفِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ تَرْكَ الْأَكْلِ ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهُ ، وَقِيلَ : حِينَ الصَّيْدِ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَقِيلَ : قَبْلَ مُضِيِّهِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ : يُبَاحُ كَصَيْدِهِ الْمُتَقَدِّمَ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَشُرْبِهِ مِنْ دَمِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : مِنْ دَمِهِ الَّذِي جَرَى ، وَلَا يَخْرُجُ بِأَكْلِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ .
وَتَعْلِيمُ مَا لَهُ مِخْلَبٌ كَصَقْرٍ وَبَازٍ بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَرْجِعَ إذَا دُعِيَ .

وَفِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ فَمُ الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ ( م 5 ) .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَفِي وُجُوبِ غُسْلِ مَا أَصَابَهُ فَمُ الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ .
( إحْدَاهُمَا ) يَجِبُ غُسْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَجِبُ غُسْلُهُ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ .

الثَّالِثُ أَصْلُ الْفِعْلِ ، وَإِرْسَالُ الْآلَةِ لِقَصْدِ صَيْدٍ ، فَلَوْ سَقَطَ سَيْفٌ مِنْ يَدِهِ فَعَقَرَهُ أَوْ احْتَكَّتْ شَاةٌ بِشَفْرَةٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَحِلَّ ، وَكَذَا إنْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ وَغَيْرُهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ زَجَرَهُ فَزَادَ فِي طَلَبِهِ ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ الْمُضَافِ إلَى فِعْلِ الْبَهِيمَةِ ، كَمَا لَوْ عَدَا عَلَى آدَمِيٍّ فَأَغْرَاهُ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ ضَمِنَ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَرْسَلَهُ بِلَا تَسْمِيَةٍ ثُمَّ سَمَّى وَزَجَرَهُ فَزَادَ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، حَلَّ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَزَجَرَهُ فَرِوَايَتَانِ .
وَنَقَلَ حَرْبٌ : إنْ صَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ اسْتَرْسَلَ الطَّائِرُ بِنَفْسِهِ فَصَادَ وَقَتَلَ حَلَّ ، أَكَلَ مِنْهُ أَوْ لَا ، بِخِلَافِ الْكَلْبِ .

وَإِنْ رَمَى مَا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقِيلَ : يَحِلُّ كَمَا لَوْ أَصَابَ غَيْرَهُ ، أَوْ هُوَ وَغَيْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ( م 6 ) كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ ، أَوْ ظَنَّهُ أَوْ عَلِمَهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا ، فِي الْمَنْصُوصِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا أَوْ صَيْدًا مُحَرَّمًا لَمْ يُبَحْ ، وَكَذَا جَارِحٌ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : إنْ أَرْسَلَهُ لَا سَهْمَهُ إلَى صَيْدٍ فَصَادَ غَيْرَهُ حَرُمَ ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَتْ التَّسْمِيَةُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ رَمَى مَا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقِيلَ : يَحِلُّ ، .
وَقِيلَ : لَا " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحِلُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحِلُّ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالْمُوَفَّقُ وَالنَّاظِمُ .

وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يَثْبُتْهُ فَدَخَلَ خَيْمَةَ غَيْرِهِ ، أَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ بِحِجْرِهِ .
وَفِي الْمُغْنِي : لَا بِعَمَلِ صَيَّادٍ ، أَوْ دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَجَهِلَهَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهَا ، وَمِثْلُهُ إحْيَاءُ أَرْضٍ بِهَا كَنْزٌ ، فَقِيلَ : يَمْلِكُ ، كَنَصْبِ خَيْمَتِهِ وَفَتْحِ حُجْرَةٍ لِلْأَخْذِ وَعَمَلِ بِرْكَةٍ لِلسَّمَكِ فَوَقَعَ بِهَا وَشَبَكَةٍ وَشَرَكٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفَخٍّ وَمِنْجَلٍ وَحَبْسِ جَارِحٍ لَهُ وَبِإِلْجَائِهِ لِمَضِيقٍ لَا يَفْلِتُ مِنْهُ ، وَقِيلَ : يَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ ، وَقِيلَ .
هُوَ مُبَاحٌ ( م 7 - 10 ) وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهُ أَوْ بُرْجَهُ فَسَدَّ الْمَنَافِذَ أَوْ حَصَلَتْ السَّمَكَةُ فِي بِرْكَتِهِ فَسَدَّ مَجْرَى الْمَاءِ فَقِيلَ : يَمْلِكُهُ ، وَقِيلَ : إنْ سَهُلَ تَنَاوُلُهُ مِنْهُ ، وَإِلَّا كَمُتَحَجِّرٍ لِلْإِحْيَاءِ .
وَيَحْتَمِلُ اعْتِبَارَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ بِغَلْقٍ وَسَدٍّ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مَا يَبْنِيهِ النَّاسُ مِنْ الْأَبْرِجَةِ لِتُعَشِّشَ بِهَا الطُّيُورُ يَمْلِكُونَ الْفِرَاخَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الطُّيُورُ مَمْلُوكَةً فَهِيَ لِأَرْبَابِهَا ، نَهَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ حَصَلَ .
أَوْ عَشَّشَ [ بِأَرْضِهِ صَيْدٌ أَوْ طَائِرٌ لَمْ يَمْلِكْهُ نَقَلَ صَالِحٌ وَحَنْبَلٌ ] فِيمَنْ صَادَ مِنْ نَخْلَةٍ بِدَارِ قَوْمٍ فَهُوَ لَهُ ، فَإِنْ رَمَاهُ بِبُنْدُقَةٍ فَوَقَعَ فِيهَا فَهُوَ لِأَهْلِهَا ، كَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ : يَمْلِكُهُ بِالتَّوَحُّلِ ، وَيَمْلِكُ الْفِرَاخَ ، فَخَرَجَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا : يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأُولَى فِي الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يُوجِبُ ضَمَانًا ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَكَهُ ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : مَنْ رَمَى صَيْدًا عَلَى شَجَرَةٍ فِي دَارِ قَوْمٍ فَحَمَلَ نَفْسَهُ فَسَقَطَ خَارِجَ الدَّارِ فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ سَقَطَ فِي دَارِهِمْ فَهُوَ لَهُمْ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُمْ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالْمَنْصُوصُ

أَنَّهُ لِلْمُؤَجَّرِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ عَشَّشَ بِأَرْضِهِ نَحْلٌ مَلَكَهُ ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِذَلِكَ .
وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ : إلَّا أَنْ يُعِدَّ حِجْرَهُ وَبِرْكَتَهُ وَأَرْضَهُ لَهُ ، وَسَبَقَ كَلَامُهُمْ فِي زَكَاةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُبَاحِ أَوْ مِنْ أَرْضِهِ وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ اكْتِفَاءً بِمِلْكِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ ، كَالْعَسَلِ ، وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ النَّحْلَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ وَإِلَّا لَمُلِكَ الْعَسَلُ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الزَّكَاةِ : سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضٍ مَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ، وَإِنْ أَثْبَتَهُ مَلَكَهُ ، فَلَوْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ حَرُمَ ، لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ .
نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : إنْ أَصَابَاهُ جَمِيعًا فَذَكَّيَاهُ جَمِيعًا حَلَّ ، وَإِنْ ذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا .
وَفِي الْخِلَافِ : يَحِلُّ ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ .
وَإِنْ رَمَاهُ آخَرُ حَلَّ إنْ أَصَابَ مَذْبَحَهُ ، أَوْ الْأَوَّلَ مَقْتَلَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَفِي حِلِّهِ احْتِمَالٌ فِي الْوَاضِحِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ أَصَابَ مَذْبَحَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمَذْبَحَ لَمْ يَحِلَّ ، وَإِنْ قَصْدَهُ فَهُوَ ذَبْحٌ مِلْكُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ يَحِلُّ عَلَى الصَّحِيحِ ، مَأْخَذُهُمَا : هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ ؟ وَإِنْ أَوْحَاهُ بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ فَالرِّوَايَتَانِ وَمَتَى حَلَّ ضَمِنَ الثَّانِي مَا خَرَقَ مِنْ جِلْدِهِ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : مَا نَقَصَ بِذَبْحِهِ ، كَشَاةِ الْغَيْرِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : مَا بَيْنَ بِكَوْنِهِ حَيًّا مَجْرُوحًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَذْبُوحًا ، وَإِلَّا قِيمَتُهُ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ فَمَاتَ فَهَلْ يَضْمَنُهُ الثَّانِي كَذَلِكَ ، أَوْ نَصِفَ قِيمَتِهِ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ ، أَوْ بِالْجُرْحَيْنِ مَعَ أَرْشِ جُرْحِهِ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ( م 11 ) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةً فَنَقَصَهُ كُلُّ جُرْحٍ عَشْرًا لَزِمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ تِسْعَةٌ ، وَعَلَى الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ ، وَهُوَ أَوْلَى ،

وَعَلَى الثَّالِثِ خَمْسَةٌ ، فَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ شَاةً لِلْغَيْرِ وَلَمْ يُوحِيَاهُ وَسَرَيَا تَعَيَّنَ الْأَخِيرَانِ وَلَزِمَ الثَّانِي عَلَيْهِمَا ذَلِكَ ، وَكَذَا الْأَوَّلُ عَلَى الثَّالِثِ ، وَعَلَى الثَّانِي بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا ، وَإِنْ أَصَابَاهُ مَعًا حَلَّ ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا ، كَذَبْحِهِ مُشْتَرِكَيْنِ ، وَكَذَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا وَجَهِلَ قَاتِلَهُ ، فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ : أَنَا أَثْبَتُّهُ ثُمَّ قَتَلْته أَنْتَ فَتَضْمَنُهُ لَمْ يَحِلَّ ، لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَيَتَحَالَفَانِ وَلَا ضَمَانَ ، فَإِنْ قَالَ لَمْ تُثْبِتْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الِامْتِنَاعُ ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَفِي التَّرْغِيبِ : مَتَى تَشَاقَّا فِي إصَابَتِهِ وَصِفَتِهَا أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ إثْبَاتَهُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ انْفَرَدَ أَثْبَتَهُ وَحْدَهُ فَهُوَ لَهُ ، وَلَا يَضْمَنُ الْآخَرُ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُوحٍ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ احْتَمَلَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا ، وَاحْتَمَلَ أَنَّ نِصْفَهُ لِلْمُوحِي وَنِصْفَهُ الْآخَرَ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ وُجِدَ مُثْبَتًا مُوحِيًا وَتَرَتَّبَا وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا حَرُمَ ، وَإِنْ ثَبَتَ بِهِمَا لَكِنْ عَقِبَ الثَّانِي وَتَرَتَّبَا فَهَلْ هُوَ لِلثَّانِي أَوْ بَيْنَهُمَا ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : إنْ أَصَابَاهُ جَمِيعًا فَذَكَّيَاهُ جَمِيعًا حَلَّ ، وَإِنْ ذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا ، وَمَنْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ صَيْدٌ فَذَهَبَ بِهَا مُمْتَنِعًا فَهُوَ لِصَائِدِهِ ثَانِيًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .

مَسْأَلَةٌ 7 - 10 ) [ قَوْلُهُ ] : " وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ فِيهِ غَيْرُهُ ، أَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ بِحِجْرِهِ ، أَوْ دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَجَهِلَهَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهَا ، وَمِثْلُهُ إحْيَاءُ أَرْضٍ بِهَا كَنْزٌ ، فَقِيلَ : يَمْلِكُ .
بِأَخْذِهِ ، وَقِيلَ : هُوَ مُبَاحٌ " ، انْتَهَى ذِكْرُ مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 7 ) إذَا رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ خَيْمَةَ غَيْرِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ مُطْلَقًا ، أَوْ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ ، أَوْ هُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) : يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْخَيْمَةِ مُطْلَقًا ، قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ : فَهُوَ لِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) هُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَهَلْ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 8 ) لَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ فَهَلْ يَمْلِكُهَا مُطْلَقًا ، أَوْ يَأْخُذُهَا ، أَوْ هِيَ مُبَاحَةٌ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ : ( أَحَدُهَا ) : يَمْلِكُهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوَّرِهِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِأَخْذِهَا .
( وَالْقَوْلُ

الثَّالِثُ ) هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ قَبْلَ أَخْذِهَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 9 ) إذَا دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَجَهِلَهَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهَا ، فَهَلْ يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَلُّكِهَا بِأَخْذِهِ وَنَحْوِهِ ، أَوْ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ 10 ) : لَوْ أَحْيَا أَرْضًا بِهَا كَنْزٌ ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ ، أَوْ هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهَا ) لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ ، كَالْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَحِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ الثَّانِي ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِلْكُ أَنْ يَتَمَلَّكَ فَلَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي ، وَهُنَا لَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَوْحَاهُ بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ فَالرِّوَايَتَانِ ، انْتَهَى لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِمَا اللَّتَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْحَاهُ وَوَقَعَ فِي مَاءٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَوَّلَ الْبَابِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا إذَا رَمَاهُ فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا رِوَايَةُ ابْنِ الْحَكَمِ الْمُتَقَدِّمَةُ قَرِيبًا ، وَقَدَّمَ فِي هَذِهِ التَّحْرِيمَ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ فَمَاتَ فَهَلْ يَضْمَنُهُ الثَّانِي كَذَلِكَ ، أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهِ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ ، أَوْ بِالْجُرْحَيْنِ مَعَ أَرْشِ جُرْحِهِ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيِّ .
( إحْدَاهُمَا ) يَضْمَنُ الثَّانِي قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ :

كَذَلِكَ ، يَعْنِي كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّمْثِيلِ : وَهُوَ أَوْلَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) : اخْتَارَهُ الْقَاضِي فَقَالَ : يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا ، بِالْجُرْحَيْنِ ، مَعَ أَرْشِ مَا نَقَصَهُ بِجُرْحِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : " فَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ شَاةً لِلْغَيْرِ وَلَمْ يُوَحِّيَاهُ وَسَرَيَا تَعَيَّنَ الْأَخِيرَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا مَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَالْمُصَنِّفُ .
( الثَّانِي ) مَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ إطْلَاقِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ فَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ ، لِأَنَّهُ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي اصْطَلَحَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَتَحِلُّ الطَّرِيدَةُ وَهِيَ الصَّيْدُ بَيْنَ قَوْمٍ يَأْخُذُونَهُ قَطْعًا ، وَكَذَا النَّادُّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُكْرَهُ الصَّيْدُ بشباش وَمِنْ وَكْرِهِ لَا بِلَيْلٍ ، وَلَا فَرْخَ مِنْ وَكْرِهِ ، وَلَا بِمَا يُسْكِرُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِنْ { دَعَوَا الطَّيْرَ عَلَى وَكْرِهَا } إنَّمَا هُوَ لِلطِّيَرَةِ لَا لِلصَّيْدِ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ : لَا يُكْرَهُ مِنْ وَكْرِهِ وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ كَرَاهَتَهُ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : يُكْرَهُ بِلَيْلٍ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ حَدِيثَ الَّذِي صَادَ الْفِرَاخَ مِنْ وَكْرِهَا ، وَأَنَّ أُمَّهُنَّ جَاءَتْ فَلَزِمَتْهُنَّ حَتَّى صَادَهَا ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِإِطْلَاقِهِنَّ .
وَلَا بَأْسَ بِشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَدَبْقٍ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : وَكُلُّ حِيلَةٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يُكْرَهُ بِمُثْقَلٍ كَبُنْدُقٍ ، وَكَذَا كَرِهَ شَيْخُنَا الرَّمْيَ مُطْلَقًا ، لِنَهْيِ عُثْمَانَ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ : لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ يُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ لَا لِلْعَبَثِ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ .

وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وَغَيْرُهُ بِنَجَاسَةٍ ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ ، وَقَالَ : اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِالسُّلْطَانِ ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَفِي الْمُبْهِجِ فِيهِ وَبِمُحَرَّمٍ رِوَايَتَانِ ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءُ حَتَّى صَادَهُ حَلَّ أَكْلُهُ ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَيَحْرُمُ .
نَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يُصَادُ الْحَمَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ صَيْدٍ بِعِتْقِهِ أَوْ إرْسَالِهِ ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، كَانْفِلَاتِهِ ، أَوْ نَدَّ أَيَّامًا ثُمَّ صَادَهُ آخَرُ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَزُولُ فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ ، كَنَحْوِ كَسْرِهِ أَعْرِضَ عَنْهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي طَرِيقَتِهِ : الْعِتْقُ إحْدَاثُ قُوَّةٍ تُصَادِفُ الرِّقَّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ شَرْعِيٌّ يَقُومُ بِالْمَحِلِّ فَيَمْنَعَهُ عَنْ دَفْعِ يَدِ الِاسْتِيلَاءِ عَنْهُ ، وَالرِّقُّ غَيْرُ الْمَالِيَّةِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : الْحَرْبِيُّ رَقِيقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا ، وَالرِّقُّ سَابِقٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ ، فَهُوَ مُتَعَلِّقُهَا وَالْمَحَلُّ غَيْرُ الْحَالِ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَلَا يَجُوزُ أَعْتَقْتُك فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ ، لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ( وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ) .
الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ : " وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ " ، انْتَهَى .
قَدَّمَ التَّحْرِيمَ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ لَهُ مُتَابِعًا ، لَكِنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ يَحْتَمِلُهُ ، وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هُوَ الْمَشْهُورُ .
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

كِتَابُ الْأَيْمَانِ الْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ الْحِنْثِ ، بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ لَهُ ، كَوَجْهِ اللَّهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَظَمَتِهِ ، وَعِزَّتِهِ ، وَإِرَادَتِهِ ، وَقُدْرَتِهِ ، وَعِلْمِهِ ، وَالْمَنْصُوصُ : وَلَوْ نَوَى مَقْدُورَهُ وَمَعْلُومَهُ ، وَكَذَا نِيَّةَ مُرَادِهِ أَوْ بِاسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ نَحْوَ وَاَللَّهِ وَالْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ ، وَرَازِقٍ أَوْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَإِنْ قَالَ : وَالرَّحِيمِ وَالْقَادِرِ ، وَالْعَظِيمِ وَالْمَوْلَى وَنَحْوُهُ ، وَنَوَى بِهِ اللَّهَ ، أَوْ أَطْلَقَ فَيَمِينٌ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا الرَّبُّ وَالْخَالِقُ وَالرَّازِقُ ، وَخَرَّجَهَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَى رِوَايَتَيْ أَقْسَمَ ، وَقِيلَ : يَمِينٌ مُطْلَقًا ، كَالرَّحْمَنِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَمَا لَا يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَيْهِ ، وَيَحْتَمِلُهُ كَالْحَيِّ وَالْمَوْجُودِ وَالشَّيْءِ ، فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ فَيَمِينٌ ، خِلَافًا لِلْقَاضِي ، وَإِلَّا فَلَا .
وَحَرْفُ الْقَسَمِ الْبَاءُ يَلِيَهَا مُظْهَرٌ وَمُضْمَرٌ ، وَالْوَاوُ يَلِيَهَا مُظْهَرٌ ، وَالتَّاءُ وَحْدَهَا تَخْتَصُّ اسْمَ اللَّهِ .
[ وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ فِي تَاللَّهِ لَأَقُومَنَّ يَقْبَلُ بِنِيَّةِ أَنَّ قِيَامَهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ .
إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَثِقُ ثُمَّ ابْتَدَأَ لَأَفْعَلَنَّ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ بَاطِنًا ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَطَلَاقٍ ] ، وَلَهُ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفِهِ فَيَقُولُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِجَرٍّ وَنَصْبٍ فَإِنْ نَصَبَهُ بِوَاوٍ أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا ، أَوْ دُونَهَا فَيَمِينٌ إلَّا أَنْ لَا يُرِيدَهَا عَرَبِيٌّ وَقِيلَ : أَوْ عَامِّيٌّ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ مَعَ رَفْعِهِ .
قَالَ الْقَاضِي فِي الْقَسَامَةِ : لَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ يَضُرَّ .
لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِمَا أَرَادَهُ النَّاسُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ ، كَقَوْلِهِ : حَلَفْت بِاَللَّهِ رَفْعًا وَنَصْبًا ، وَاَللَّهِ بِأَصُومَ أَوْ بِأُصَلِّي وَنَحْوِهِ ، وَكَقَوْلِ الْكَافِرِ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ بِرَفْعِ الْأَوَّلِ

وَنَصْبِ الثَّانِي ، وَأَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ ، وَأَعْتَقْت سَالِمَ وَنَحْوِ ، ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ رَامَ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ فَقَدْ رَامَ مَا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا وَلَا يَصْلُحُ شَرْعًا .
وَهَاءُ اللَّهِ يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ وَهِيَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ حَرْفُ قَسَمٍ ، وَيُجَابُ الْإِيجَابُ بِأَنْ خَفِيفَةٍ وَثَقِيلَةٍ وَبِلَامٍ وَبِنُونَيْ تَوْكِيدٍ وَبِقَدْ وَالنَّفْيِ بِمَا وَإِنْ بِمَعْنَاهَا وَبِلَا وَتُحْذَفُ لَا لَفْظًا نَحْوَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ .
وَإِنْ قَالَ : وَالْعَهْدِ ، وَالْمِيثَاقِ ، وَالْجَلَالِ ، وَالْعَظَمَةِ ، وَالْأَمَانَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنَوَى صِفَةَ اللَّهِ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَطْلَقَ فَيَمِينٌ ، كَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ ، نَحْوَ : وَعَهْدِ اللَّهِ وَحَقِّهِ ، وَذَكَر ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي : عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ ، وَإِنْ قَالَ : وَاَيْمُ اللَّهِ ، أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ ، فَيَمِينٌ ، وَعَنْهُ : بِالنِّيَّةِ ، وَإِنْ قَالَ : حَلَفْت بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَيَمِينٌ ، وَعَنْهُ بِالنِّيَّةِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ أَوْ نَوَى خَيْرًا ، وَعَنْهُ فِيهِمَا يُكَفِّرُ ، نَصْرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا لَفْظُ الْقَسَمِ وَالشَّهَادَةِ .
قَالَ جَمَاعَةٌ : وَالْعَزْمُ .
وَفِي الْمُغْنِي عَزَمْت ، وَأَعْزِمُ لَيْسَ يَمِينًا وَلَوْ نَوَى ، لِأَنَّهُ لَا شَرَعَ وَلَا لُغَةَ وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ نَوَى .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَقَسَمًا بِاَللَّهِ يَمِينٌ تَقْدِيرُهُ أَقْسَمْت قَسَمًا ، وَكَذَا أَلِيَّةُ بِاَللَّهِ .
كِتَابُ الْأَيْمَانِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ نَصَبَهُ بِوَاوٍ أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا وَدُونَهَا فَيَمِينٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَهَا عَرَبِيٌّ ، كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ إلَّا أَنْ لَا يُرِيدَهَا بِزِيَادَةِ لَا " .

وَإِنْ قَالَ : عَلَيَّ يَمِينٌ فَقِيلَ : يَمِينٌ ، وَقِيلَ : بِالنِّيَّةِ ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ : لَا ( م 1 ) وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا تَخْرِيجٌ إنْ زَادَ : إنْ فَعَلْت كَذَا ، وَفَعَلَهُ ، وَتَخْرِيجُ لَأَفْعَلُهُنَّ .
قَالَ شَيْخُنَا : هَذِهِ لَامُ الْقَسَمِ ، فَلَا تُذْكَرُ إلَّا مَعَهُ مُظْهَرًا أَوْ مُقَدَّرًا .
مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ ، فَقِيلَ : يَمِينٌ ، وَقِيلَ : بِالنِّيَّةِ ، وَعِنْد الشَّيْخِ لَا " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهَا ) " عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُقْنِعِ ، فَقَالَ : قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَكُونُ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) لَا يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، فَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي : وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ وَنَوَى الْخَيْرَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ نَوَى الْقَسَمَ فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ هِيَ يَمِينٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ يَمِينًا ، وَهَذَا أَصَحُّ ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَخِيرُ فِي الْكَافِي ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( تَنْبِيهٌ ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا أَوْ لَا ، أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ فَلَيْسَ هُوَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمِينٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ أَمْ لَا ، وَقَدَّمَ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32