كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

وَيُكَفَّنُ الصَّغِيرُ فِي ثَوْبٍ ( و ) وَيَجُوزُ فِي ثَلَاثَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَإِنْ وَرِثَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوْبٍ ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ، وَالصَّغِيرَةُ فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ وَكَذَا بِنْتُ تِسْعٍ إلَى الْبُلُوغِ ، كَمَا لَا يَجِبُ خِمَارٌ لِصَلَاتِهَا ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : كَالْبَالِغَةِ ( و هـ ) وَكَذَا الْمُرَاهِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَيُقَدَّمُ فِي الْأَصَحِّ مَنْ احْتَاجَ كَفَنَ مَيِّتٍ لِبَرْدٍ وَنَحْوِهِ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : إنْ خُشِيَ التَّلَفُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُصَلِّي عَلَيْهِ عَادِمٌ فِي إحْدَى لِفَافَتَيْهِ ، وَالْأَشْهَرُ عُرْيَانًا ، كَلِفَافَةٍ وَاحِدَةٍ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ بِهَا .
وَإِنْ نُبِشَ وَسُرِقَ كَفَنُهُ كُفِّنَ فِي الْمَنْصُوصِ ثَانِيًا وَثَالِثًا ، وَلَوْ قُسِّمَتْ ، مَا لَمْ تُصْرَفْ فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ، وَمَنْ جُبِيَ كَفَنُهُ فَمَا فَضَلَ فَلِرَبِّهِ ، فَإِنْ جَهِلَ فَفِي كَفَنٍ آخَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي التَّكْفِينِ مُطْلَقًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : كَزَكَاةٍ فِي رِقَابٍ أَوْ غُرْمٍ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ اخْتِلَاطَهُ كَجَهْلِ رَبِّهِ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَلَا يَأْخُذُهُ وَرَثَتُهُ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ وَرَثَةُ رَبِّهِ ، فَهُوَ إذَنْ وَاضِحٌ مُتَعَيِّنٌ ، وَإِلَّا فَضَعِيفٌ ، وَلَا يُجْبَى كَفَنٌ لِعَدَمٍ إنْ سُتِرَ بِحَشِيشٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ ( هـ )

بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ .
وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ [ ( و ) ] تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ ، وَلَمْ يُصَلُّوهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِمَامٍ ( ع ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، احْتِرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا ، وَرَوَى الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ أَوْصَى بِذَلِكَ ، مَعَ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْإِمَامَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ ، وَتَسْقُطُ بِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ( و هـ م قِ ) كَغُسْلِهِ ، وَقِيلَ : بِثَلَاثَةٍ ( و ق ) وَقِيلَ : بِجَمَاعَةٍ ، وَقِيلَ : بِنِسَاءٍ وَخَنَاثَى عِنْدَ عَدَمِ الرِّجَالِ ، وَيُسَنُّ لَهُنَّ جَمَاعَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م ش ) كَالْمَكْتُوبَةِ ، وَقِيلَ : لَا ، كَصَلَاتِهِنَّ بَعْدَ رِجَالٍ ، فِي وَجْهٍ ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ مَنْ قُدِّمَ عَلَى الرِّجَالِ .
وَفِي الْفُصُولِ : حَتَّى قَاضِيهِ وَوَالِيهِ لَسَوْغَانِ الِاجْتِهَادِ ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي : يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْأُولَى ، وَالثَّانِيَةُ تَطَوُّعٌ ، فَلَا يَجُوزُ ؟ فَقَالَ : سُقُوطُ الْفَرْضِ فِي حَقِّهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا ثَانِيًا ، بِدَلِيلِ أَنَّ النِّسَاءَ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ فَرْضُ الصَّلَاةِ ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُنَّ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِنَّ ، لِهَذَا احْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ ، وَقَدَّمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِفِعْلِ الْمُمَيِّزِ ، كَغُسْلِهِ ، وَقِيلَ : لَا ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي ، وَالْأَوْلَى بِهَا الْوَصِيُّ إنْ صَحَّتْ ( و م ) إنْ قَصَدَ خَيْرًا ، وَصِحَّتُهَا عِنْدَنَا كَوِلَايَةِ نِكَاحٍ .
وَإِبْخَاسُ الْأَبِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةُ ، ثُمَّ وِلَايَةُ النِّكَاحِ حَقٌّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا لَهُ .

ثُمَّ السُّلْطَانُ يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْعَصَبَةِ ، وَوَصِيَّتُهُ إلَى اثْنَيْنِ قِيلَ : يُصَلِّيَانِ مَعًا ، وَقِيلَ مُنْفَرِدَيْنِ ( م 1 ) وَقِيلَ : تَبْطُلُ وَوَصِيَّتُهُ إلَى فَاسِقٍ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ إمَامَتِهِ ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : لِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا جَهِلَ أَمْرَ الشَّرْعِ لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ ، وَلَا يَصِحُّ تَعْيِينُ مَأْمُومٍ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، ثُمَّ السُّلْطَانُ ( و هـ م ) وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَأَمِيرُ الْبَلَدِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْحَاكِمُ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمِيرُ فَالنَّائِبُ مِنْ قِبَلِهِ فِي الْإِمَامَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ اسْتِئْذَانَ الْوَالِي ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ رَفْضًا لِحُرْمَتِهِ ، بِخِلَافِ غُسْلِهِ وَدَفْنِهِ ، وَبِخِلَافِ نِكَاحٍ ، وَكَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ ، وَلَيْسَ تَقْدِيمُ الْخِلَافَةِ وَالسُّلْطَانِ وُجُوبًا ( هـ ) وَوَافَقُوا عَلَى إمَامِ الْحَيِّ .
ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ ، ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي غُسْلِهِ ، وَالْمُرَادُ ثُمَّ الزَّوْجُ إنْ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى عُصْبَةٍ ( و هـ ) وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَنُقِلَ عَنْهُ : إذَا حَضَرَ الْأَبُ وَالْأَخُ وَالزَّوْجُ فَالْأَبُ وَالْأَخُ أَوْلَى ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا الزَّوْجُ فَهُوَ أَوْلَى ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ أَخٌ وَعَمٌّ وَابْنُهُمَا لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّ لِلنِّسَاءِ مَدْخَلًا مَأْمُومَةً وَمُنْفَرِدَةً ، وَجَعَلَهُمَا الْقَاضِي فِي التَّسْوِيَةِ كَنِكَاحٍ .
وَفِي الْفُصُولِ فِي تَقْدِيمِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ رِوَايَتَانِ ، إحْدَاهُمَا سَوَاءٌ قَالَ : وَهِيَ أَشْبَهُ ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ قِيلَ فِي التَّرْجِيحِ بِالْأُمُومَةِ وَجْهَانِ ، كَنِكَاحٍ ، وَتَحَمُّلِ عَقْلٍ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي وِلَايَةِ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ [ يُقَدَّمُ سُلْطَانٌ عَلَى وَصِيٍّ ، وَعَنْهُ ]

يُقَدَّمُ وَلِيٌّ عَلَى سُلْطَانٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : يُقَدَّمُ زَوْجٌ عَلَى عَصَبَةٍ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( خ ) كَغُسْلِهَا ( و م ش ) وَذَكَرَ الشَّرِيفُ : يُقَدَّمُ زَوْجٌ عَلَى ابْنِهِ ، وَأَبْطَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي بِتَقْدِيمِ أَبٍ عَلَى جَدٍّ ، وَيَتَوَجَّهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ التَّعْمِيمَ [ ( و هـ ) ] عَلَى مَا سَبَقَ فِي كَرَاهَةِ إمَامَتِهِ بِأَبِيهِ ( و هـ ) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْخِلَافِ : الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْمَيِّتَةِ [ مِنْهُ ] لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبِيهِ ، فَيَلْزَمُهُ تَقْدِيمُهُ ، كَمَا قُلْنَا : يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُهُ فِي صُدُورِ الْمَجَالِسِ وَسَرَوَاتِ الطَّرِيقِ ، فَقِيلَ لَهُ : يَلْزَمُ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْفَرْضُ يُقَدَّمُ الِابْنُ إذَا كَانَ أَقْرَأَ ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ ، فَقَالَ : إنَّمَا قُدِّمَ [ عَلَيْهِ ] هُنَاكَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَلَهُ وِلَايَةٌ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْخِلَافِ الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَاسَ عَلَيْهِ ابْنَهُ مِنْهَا ، فَقِيلَ لَهُ : إنَّمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبِيهِ ، فَقَالَ : فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي الْغُسْلِ وَالدَّفْنِ ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد السَّابِقَةَ فِي الْإِمَامَةِ ، وَقَالَ : فَقَدْ أَجَازَ تَقَدُّمَهُ عَلَيْهِ ، وَيَتَخَرَّجُ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّوْجِ تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَوَاتِ قَرَابَتِهِ ، وَعِنْدَ الْآجُرِّيِّ : يُقَدَّمُ السُّلْطَانُ ثُمَّ وَصِيٌّ ثُمَّ زَوْجٌ ثُمَّ عَصَبَةٌ .
وَالسَّيِّدُ أَوْلَى بِرَقِيقِهِ مِنْ سُلْطَانٍ عَلَى الْأَصَحِّ ( و ) كَغُسْلِهِ ، .

( بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ ) .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلُهُ : وَوَصِيَّتُهُ إلَى اثْنَيْنِ ، قِيلَ : يُصَلِّيَانِ مَعًا ، وَقِيلَ : مُنْفَرِدَيْنِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا يُصَلِّيَانِ مَعًا صَلَاةً وَاحِدَةً ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، قَالَ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُصَلِّيَانِ مُنْفَرِدَيْنِ ( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا إنْ أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَى الثَّانِي عَزْلٌ لِلْأَوَّلِ ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَإِنْ قَدَّمَ الْوَصِيُّ غَيْرَهُ فَوَجْهَانِ ( م 2 ) وَمَنْ قَدَّمَهُ وَلِيٌّ بِمَنْزِلَتِهِ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ بِمَكَانٍ تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ تَحَوَّلَتْ لِلْأَبْعَدِ ، فَلَهُ مَنْعُ مَنْ قُدِّمَ بِوَكَالَةٍ وَرِسَالَةٍ ، كَذَا قَالَ ، وَقَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَيَتَوَجَّهُ : لَا ، كَنِكَاحٍ ، وَبِتَوْجِيهٍ فِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ هُنَا .
.
( مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ قَدَّمَ الْوَصِيُّ غَيْرَهُ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَهُ ذَلِكَ ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي تَخْصِيصِ الْمُوصَى إلَيْهِ بِالصَّلَاةِ ، لِخَاصَّةٍ فِيهِ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ عِنْدَهُ ، وَلَهَا نَظَائِرُ ، بَلْ يُقَالُ : إنْ لَمْ يُصَلِّ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَرَجَعَتْ الْأَحَقِّيَّةُ إلَى أَرْبَابِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَيُقَدَّمُ مَعَ التَّسَاوِي الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ ؛ وَقِيلَ : الْأَسَنُّ ( و هـ ش ) لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إجَابَةٍ ، وَهُوَ أَكْبَرُ الْمَقْصُودِ ، فَلَوْ قَدَّمَ غَيْرَهُ فَقِيلَ : لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ( م 3 ) ( و هـ ) وَحُرٌّ بَعِيدٌ مُقَدَّمٌ عَلَى عَبْدٍ قَرِيبٍ ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَالرِّجَالُ الْأَجَانِبُ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَاءٍ أَقَارِبِهَا ، وَإِنْ بَدَرَ أَجْنَبِيٌّ وَصَلَّى ، فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ خَلْفَهُ صَارَ إذْنًا ، وَيُشْبِهُ تَصَرُّفَ الْفُضُولِيِّ إذَا أُجِيزَ ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي [ وَظَاهِرُهُ ] وَلَا يُعِيدُ غَيْرُ الْوَلِيِّ ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِمْ ، وَلَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى أَصْلِنَا ، وَتَشْبِيهُ الْمَسْأَلَةِ بِتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّقْدِيمِ بِلَا إذْنٍ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَتَقْدِيمِ غَيْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ بِلَا إذْنٍ ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ هُنَا كَمَنْعِ الصَّلَاةِ ثَانِيًا وَكَوْنُهَا نَفْلًا ، عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ : الْوَلِيُّ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ الْوَلِيُّ ، فَإِذَا لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ وَانْتَقَضَتْ الصَّلَاةُ الْأُولَى ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ ثُمَّ حَضَرَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ انْتَقَضَ ظُهْرُهُ ، فَقَالَ : حَقُّ التَّقْدِيمِ الَّذِي لِلْوَلِيِّ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ سَقَطَ فَرْضُ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ لَكَانَ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ سَاقِطًا ، وَصَلَاتُهُمْ مُحْتَسَبًا بِهَا ، وَإِذَا سَقَطَ فَرْضُهَا سَقَطَ التَّقْدِيمُ الَّذِي هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا .
وَمَنْ مَاتَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَفِي الْفُصُولِ يُقَدَّمُ أَقْرَبُ أَهْلِ الْقَافِلَةِ إلَى الْخَيْرِ ، وَالْأَشْفَقُ ، وَالْمُرَادُ كَالْإِمَامَةِ .

( مَسْأَلَةُ 3 ) قَوْلُهُ : وَيُقَدَّمُ مَعَ التَّسَاوِي الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ ، وَقِيلَ : الْأَسَنُّ ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ [ إجَابَةً ] وَهُوَ أَكْثَرُ الْمَقْصُودِ ، فَلَوْ قَدَّمَ غَيْرَهُ [ فَقِيلَ ] لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، انْتَهَى ، ( قُلْت ) : هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ ، كَالْوَصِيِّ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَالْحَقُّ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِهِ ، بَلْ هُمْ مُتَسَاوُونَ فِيهِ ، وَلَهُ نَوْعُ مَزِيَّةٍ ، فَقُدِّمَ بِهَا ، وَيُحْتَمَلُ قَوْلٌ آخَرُ : بِأَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ ، كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَكَالْوَصِيِّ ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : وَمَنْ قَدَّمَ الْوَلِيُّ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تَثْبُتُ لَهُ ، فَكَانَتْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا ، كَوِلَايَةِ ، النِّكَاحِ ، انْتَهَى ، وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْضًا ، فَقَالَ : وَمَنْ قَدَّمَهُ وَلِيٌّ بِمَنْزِلَتِهِ ، انْتَهَى ، لَكِنَّ مُرَادَ هَؤُلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا اخْتَصَّ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ ، لِكَوْنِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ يُسَاوِيه لِقُرْبِهِ ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَصَلَ التَّسَاوِي ، لَكِنْ لَهُ نَوْعُ مَزِيَّةٍ وَهُوَ الْكِبَرُ ، إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصٌ ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَقْدِيمَ غَيْرِهِ ، وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ فِي عَدَمِ تَقْدِيمِ غَيْرِهِ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ هُنَاكَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْوَلِيِّ غَيْرَهُ ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَيَكُونُ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، أَوْ حَصَلَ فِي الْكَلَامِ سَقْطٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا وَشِبْهِهِ فِي الْمُقَدَّمَةِ

فَصْلٌ .
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْإِمَامِ الْأَفْضَلُ ( و ) وَقِيلَ : الْأَكْبَرُ ، وَقِيلَ : الْأَدْيَنُ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ السَّابِقُ ( و ش ) إلَّا الْمَرْأَةَ ( و ) جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي ، كَمَا لَا يُؤَخَّرُ الْمَفْضُولُ فِي صَفِّ الْمَكْتُوبَةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ ، وَقُرْبِ الْإِمَامِ ، وَقَالَ : لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ ، وَمَعَ التَّسَاوِي يُقَدَّمُ مَنْ اتَّفَقَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْحُرُّ ثُمَّ الْعَبْدُ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، كَالْمَكْتُوبَةِ ، وَعَنْهُ : الصَّبِيُّ عَلَى الْعَبْدِ ( و م ش ) وَعَنْهُ : عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ دُونَهُ ( و هـ ) وَعَنْهُ : الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ ( خ ) كَمَا قَدَّمَهَا الصَّحَابَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو الْوَفَاءِ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي مَكْتُوبَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقِيلَ : وَعَلَى عَبْدٍ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( ع ) وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ أَمَامَهَا فِي الْمَسِيرِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ

وَجَمْعُ الْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ أَوْ شَقَّ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ( و ش ) وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالتَّسْوِيَةِ ( و هـ ) .

وَيُسْتَحَبُّ وُقُوفُ الْإِمَامِ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و ش ) وَالْخُنْثَى بَيْنَهُمَا ، وَعَنْهُ : يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ ، وَعَنْهُ : عِنْدَ صَدْرَيْهِمَا ( و هـ ) لَا عِنْدَ وَسَطِهِ وَمَنْكِبِهَا عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و ش ) وَالْخُنْثَى بَيْنَهُمَا ، وَعَنْهُ : يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ ، وَعَنْهُ : عِنْدَ صَدْرَيْهِمَا ( و هـ ) لَا عِنْدَ وَسَطِهِ وَمَنْكِبِهَا عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و ش ) وَالْخُنْثَى بَيْنَهُمَا ، وَعَنْهُ : يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ ، وَعَنْهُ : عِنْدَ صَدْرَيْهِمَا ( و هـ ) لَا عِنْدَ وَسَطِهِ وَمَنْكِبِهَا ( م ) وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ يُسَوَّى بَيْنَ رُءُوسِهِمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الرِّجَالِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَلَعَلَّهُ أَوْ نِسَاءٍ يُجْعَلُونَ دَرَجًا ، رَأْسَ هَذَا عِنْدَ رِجْلِ هَذَا ، وَأَنَّ هَذَا وَالتَّسْوِيَةَ سَوَاءٌ ، قَالَ الْخَلَّالُ : عَلَى هَذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ ، وَكَذَا قَالَهُ ( هـ م ) فِي رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ ، وَأَنَّهُ إنْ شَاءَ جَعَلَ رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ مَنْكِبِ الْآخَرِ ، وَمَذْهَبُنَا يُسَوَّى بَيْنَ رُءُوسِهِمْ ، وَكَذَا جَمَاعَةٌ خَنَاثَى ، لَا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ ( ش ) وَيُقَدَّمُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَوْتَى الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَقِيلَ : وُلِّيَ أَسْبَقُهُمَا حُضُورًا ، وَقِيلَ : مَوْتًا ، وَقِيلَ : تَطْهِيرًا ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ وَلِوَلِيِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَلَاتِهِ عَلَى وَلِيِّهِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُفَّهُمْ وَلَا يُنْقِصَهُمْ عَنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، لِلْأَخْبَارِ ، وَسَبَقَ حُكْمُ الْفَذِّ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْجَمَاعَةِ

فَصْلٌ .
ثُمَّ يَحْرُمُ كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ ، وَعَنْهُ : لَا ( و ) وَعَنْهُ يَسْتَفْتِحُ ( و هـ ) قَبْلَهُ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّ أَحْمَدُ كَانَ يَفْعَلُهُ ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُمَا ( و هـ ر ) قَالَ أَحْمَدُ : وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ سِرًّا وَلَوْ لَيْلًا ( و ) فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : وَسُورَةً .
وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَقْرَؤُهَا ، بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَذْهَبِنَا ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي بَعْدَهَا : ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِك الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِك الْمُرْسَلِينَ ، وَأَهْلِ طَاعَتِك أَجْمَعِينَ ) لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَقَلَ : يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَدْعُو سِرًّا ( و ) قَالَ أَحْمَدُ : لَا تَوْقِيتَ ، اُدْعُ لَهُ بِأَحْسَنِ مَا يَحْضُرُك ، أَنْتَ شَفِيعٌ ، يُصَلِّي عَلَى الْمَرْءِ عَمَلُهُ ، وَيُسْتَحَبُّ مَا رَوَى مُسْلِمٌ وَمِنْهُ : { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا ، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا ، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ ، اللَّهُمَّ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِك وَحَبْلِ جِوَارِك ، فَقِه مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ

النَّارِ ، وَأَنْتَ أَهْلَ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ ، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا زَادَ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ، لِلْخَبَرِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَاقْتَصَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ ، لِلْخَبَرِ ، لَكِنْ زَادَ : وَالدُّعَاءُ لَهُ ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ : سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَهُ .
وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ : فِي الصَّبِيِّ الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكَبِيرَ فِي الدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ : أَنَّهُ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ ، فَالْعُدُولُ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ هُوَ السُّنَّةُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ ، بَلْ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا وَفَرَطًا ، وَشَفِّعْهُ فِينَا " وَنَحْوَهُ .
وَعِنْدَنَا : إنْ لَمْ يَعْرِفْ إسْلَامَ وَالِدَيْهِ دَعَا لِمَوَالِيهِ ، وَمُرَادُهُمْ فِيمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَمَاتَ ، كَصَغِيرٍ .
نَقَلَ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ : وَيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ فِي الدُّعَاءِ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ : لَا بَأْسَ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : يَدْعُو لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ، وَلِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الثَّالِثَةِ ، بَلْ يَجُوزُ فِي الرَّابِعَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيَقِفُ قَلِيلًا ( و هـ م ق ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ لِيُكَبِّرَ آخِرُ الصُّفُوفِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ الْوُقُوفَ ، وَصَرَّحَ بِعَدَمِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : وَيَدْعُو ( و ق ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ و الْآجُرِّيُّ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي أَوْفَى فَعَلَهُ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَفِيهِ إبْرَاهِيمُ

الْهَجَرِيُّ ضَعِيفٌ قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ مَنْ أَصْلَحِ مَا رَوَى ، وَقَالَ : لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُخَالِفُهُ ، فَيَقُولُ " اللَّهُمَّ رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " وَقِيلَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَفَتْحُ التَّاءِ أَفْصَحُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ " وَفِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةٌ : أَيُّهُمَا شَاءَ ، وَلَا يَتَشَهَّدُ وَلَا يُسَبِّحُ مُطْلَقًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَاخْتَارَ حَرْبٌ يَقُولُ : " وَالسَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " لِأَنَّهُ قَوْلُ عَطَاءٍ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً ( و م ) عَنْ يَمِينِهِ ، وَيَجُوزُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ ثَانِيَةً ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ ، وَزَادَ الْحَاكِمُ فِي رِوَايَةٍ فِي خَبَرِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الْمَذْكُورِ : تَسْلِيمَتَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي ثَانِيَةً ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً ( و هـ ش ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَجْهَرُ إمَامٌ بِهَا ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ يُسِرُّ ( و هـ ش م ر ) قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ : تَعْرِفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ [ أَنَّهُ ] كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيْهَا تَسْلِيمَتَيْنِ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ يُرْوَى عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ وَاحِدَةً خَفِيَّةً عَنْ يَمِينِهِ : ابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَوَاثِلَةُ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ .
وَهَلْ يُتَابَعُ الْإِمَامُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ ؟ يَتَوَجَّهُ ، كَالْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ .
وَفِي الْفُصُولِ : يَتْبَعُهُ فِي الْقُنُوتِ ، قَالَ : وَكَذَا [ فِي ] كُلِّ شَيْءٍ ، لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ ( م 4 ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م ر ) وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ

مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ، فَعَلَهُ أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا ، لَا الْأُولَى فَقَطْ ( هـ ) وَهُوَ أَشْهَرُ عَنْ ( م ) وَصِفَةُ الرَّفْعِ وَانْتِهَاؤُهُ كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ ، وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ وُقُوفَهُ مَكَانَهُ حَتَّى تَرْفَعَ ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَقِفْ .
قِيلَ لَهُ : يَسْتَأْذِنُ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْمَقْبَرَةِ ؟ قَالَ : لَا ، قِيلَ : فَيَقُولُ : انْصَرِفُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ ؟ قَالَ : بِدْعَةٌ ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ ، وَأَنْ يَنْصَرِفُوا قَبْلَ أَنْ يُؤَذِّنُوا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ( م ) وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ( و ) .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) .
قَوْلُهُ : وَهَلْ يُتَابِعُ الْإِمَامُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ ؟ يَتَوَجَّهُ ، كَالْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ ، وَفِي الْفُصُولِ : يَتْبَعُهُ فِي الْقُنُوتِ ، قَالَ : وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ هُنَا الْمُتَابَعَةُ وَإِنْ قُلْنَا يُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ هُنَا قَدْ فَرَغَتْ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى .

فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لَهَا كَمَكْتُوبَةٍ ( و ) قَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَجَمَاعَةٌ : وَحُضُورُ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَا تَصِحُّ عَلَى جِنَازَةٍ مَجْهُولَةٍ ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمَسْبُوقِ ( و ) لِأَنَّهَا كَإِمَامٍ ، وَلِهَذَا لَا صَلَاةَ بِدُونِ الْمَيِّتِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : وَقُرْبُهَا مِنْ الْإِمَامِ مَقْصُودٌ ، كَقُرْبِ الْمَأْمُومِ مِنْ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الدُّنُوُّ مِنْهَا .
وَلَوْ صَلَّى وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ لَمْ يَصِحَّ .
وَفِي الْخِلَافِ : صَلَاةُ الصَّفِّ الْأَخِيرِ جَائِزَةٌ وَلَوْ حَصَلَ بَيْنَ الْجِنَازَةِ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ ، وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوْضِعِ الصَّفِّ الْأَخِيرِ بِلَا حَاجَةٍ لَمْ يَجُزْ ، وَإِسْلَامُ الْمَيِّتِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَيْنِ الْمَيِّتِ ، فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْحَاضِرِ ، وَقِيلَ : إنْ جَهِلَهُ نَوَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامَ ، وَقِيلَ : لَا .
وَالْأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذُكُورِيَّتِهِ وَأُنُوثِيَّتِهِ وَاسْمِهِ ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي دُعَائِهِ ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ ، كَتَزْوِيجِهِ أَحَدَ مَوْلِيَّتَيْهِ ، فَإِنْ بَانَ غَيْرَهُ فَسَبَقَتْ فِي بَابِ النِّيَّةِ ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي : لَا يَصِحُّ ، قَالَ : وَسَبَقَ نَظِيرُهُ فِي نِيَّةِ التَّيَمُّمِ ، قَالَ : فَإِنْ نَوَى عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ عَكْسَهُ فَالْقِيَاسُ تُجْزِئُهُ ، لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى الصِّفَةِ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ ، وَالْفَرْضُ الْقِيَامُ فِي فَرْضِهَا ( و ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ إنْ قِيلَ الثَّانِيَةُ فَرْضٌ ( و ش ) وَالتَّكْبِيرُ ( و ) فَلَوْ نَقَصَ تَكْبِيرَةً عَمْدًا بَطَلَتْ ، وَسَهْوًا يُكَبِّرُهَا ، مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ، وَقِيلَ : يُعِيدُهَا ، وَالْفَاتِحَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا ( و ش ) وَعَنْهُ : لَا يَقْرَؤُهَا فِي مَقْبَرَةٍ ، وَلَمْ يُوجِبْ شَيْخُنَا قِرَاءَةً ، بَلْ اسْتَحَبَّهَا ( هـ م ) وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي طَالِبٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ وَاصِلٍ وَغَيْرُهُ : لَا بَأْسَ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( و ش ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : إنْ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ .
وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ ( و ) وَتَسْلِيمَةٌ ( هـ ) وَعَنْهُ : ثِنْتَانِ ( خ ) خَرَّجَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ ، وَلَعَلَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ لَا تَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى ، وَالصَّلَاةُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَالدُّعَاءُ فِي الثَّالِثَةِ ، خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَلَمْ يَسْتَدِلَّ لَهُ ، وَقَالَهُ فِي الْوَاضِحِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ ، وَسَبَقَ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ .
وَيُشْتَرَطُ لَهَا تَطْهِيرُ الْمَيِّتِ بِمَاءٍ ، أَوْ تَيَمُّمٍ لِعُذْرٍ ( و ) فَإِنْ تَعَذَّرَ صَلَّى عَلَيْهِ ، وَقَدْ سَبَقَ .

فَصْلٌ .
وَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ سَبْعًا تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ ، وَاحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ ، قَالَ : وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ، كَذَا تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ ، وَعَنْهُ : يُتَابِعُهُ إلَى خَمْسٍ ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : يُتَابِعُهُ إلَى أَرْبَعٍ فَقَطْ ( و ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ : كَمَا لَوْ عَلِمَ .
وَقَالَ أَيْضًا : أَوْ ظَنَّ بِدْعَتَهُ أَوْ رَفْضَهُ ، لِإِظْهَارِ شِعَارِهِمْ ، وَهَلْ يَدْعُو بَعْدَ الزِّيَارَةِ ؟ يَخْرُجُ عَلَى الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ، وَقِيلَ : لَا يَدْعُو هُنَا لِأَنَّهُ تَكْبِيرٌ لَا يُسْتَحَبُّ ، وَقِيلَ : يَدْعُو هُنَا .
وَلَوْ كَبَّرَ فَجِيءَ بِثَانِيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَكَبَّرَ وَنَوَاهَا لَهُمَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ جَازَ عَلَى غَيْرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ هَلْ يُكَبِّرُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ مُتَتَابِعًا كَمَسْبُوقِ أَمْ يَقْرَأُ فِي الْخَامِسَةِ وَيُصَلِّي فِي السَّادِسَةِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ فِي السَّابِعَةِ ، أَوْ يَدْعُو فَقَطْ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ .

( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : وَهَلْ يَدْعُو بَعْدَ الزِّيَادَةِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ، وَقِيلَ : لَا يَدْعُو هُنَا ؛ لِأَنَّهُ تَكْبِيرٌ لَا يُسْتَحَبُّ ، وَقِيلَ : يَدْعُو هُنَا ، انْتَهَى ، قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَضَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ ، وَقَدَّمَهُ .
وَقَالَ هُنَا : يَخْرُجُ عَلَى الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ، فَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَدْعُو بَعْدَ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَّجَهَا عَلَى تِلْكَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَيْضًا أَنَّهُ يَدْعُو هُنَا فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 و 6 ) : قَوْلُهُ وَلَوْ كَبَّرَ فَجِيءَ بِثَانِيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَكَبَّرَ وَنَوَاهَا لَهُمَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ جَازَ عَلَى غَيْرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ هَلْ يُكَبِّرُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ مُتَتَابِعًا كَمَسْبُوقٍ ، أَمْ يَقْرَأُ فِي الْخَامِسَةِ وَيُصَلِّي فِي السَّادِسَةِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ فِي السَّابِعَةِ ، أَوْ يَدْعُو فَقَطْ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ، وَفِي إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ أَوْ الصَّلَاةِ الَّتِي حَضَرَتْ بَعْدَهُمَا الْوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا كَبَّرَ وَجِيءَ بِثَانِيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَكَبَّرَ وَنَوَاهَا لَهُمَا ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَعَلَى الْمَنْصُوصِ ، هَلْ يُكَبِّرُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ شَائِعًا ، أَمْ يَقْرَأُ وَيُصَلِّي وَيَدْعُو ، أَمْ يَدْعُو فَقَطْ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، أَحَدُهَا أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْخَامِسَةِ ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّادِسَةِ ، وَيَدْعُو فِي السَّابِعَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي

وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَاهُ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَدْعُو عَقِيبَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : وَهُوَ أَصَحُّ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ .
يُكَبِّرُ مُتَتَابِعًا ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَقِيلَ : بَلْ يَقْرَأُ الْحَمْدَ فِي الرَّابِعَةِ ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَامِسَةِ ، وَيَدْعُو فِي السَّادِسَةِ ، لِيَحْصُلَ لِلرَّابِعِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ ، انْتَهَى ( الْمَسْأَلَةُ 6 الثَّانِيَةُ ) .
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : وَفِي إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ أَوْ الصَّلَاةِ لِلَّتِي حَضَرَتْ بَعْدَهُمَا الْوَجْهَانِ ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهَلْ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ لِلَّتِي حَضَرَتْ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَهَلْ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ لِلَّتِي حَضَرَتْ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ " أَوْ الصَّلَاةُ " وَقَعَتْ زَائِدَةً سَهْوًا ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ بِالْقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةَ ، وَبِالصَّلَاةِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُمَا ، عَائِدًا إلَى التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ الْمُشْتَمِلَتَيْنِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ فِي كَلَامِهِ ، إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَفِي إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ أَوْ الصَّلَاةِ إشْعَارًا بِأَنَّهُمَا قَدْ فُعِلَا فِي مَحِلِّهِمَا ، وَهُمَا التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ

وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّوَابُ ( تَنْبِيهَانِ ) .
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : وَالْمَحْذُورُ النَّقْصُ مِنْ ثَلَاثٍ ، كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ النَّقْصُ مِنْ أَرْبَعٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَرْبَعٌ لَا ثَلَاثٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَفِي إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ أَوْ الصَّلَاةِ لِلَّتِي حَضَرَتْ بَعْدَهُمَا الْوَجْهَانِ ( م 5 و 6 ) وَقِيلَ لِلْقَاضِي : إنْ لَمْ يَزِدْ فِي التَّكْبِيرِ أَدَّى إلَى النُّقْصَانِ فِي حَقِّ الْجِنَازَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ، كَمَا قُلْنَا فِي الْقَارِنِ تَسْقُطُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ ، وَإِذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَلَا تَبْطُلُ فِي الْمَنْصُوصِ بِمُجَاوَزَةِ سَبْعٍ عَمْدًا ( و ) قَالَ أَحْمَدُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ بِهِ ، وَقَبْلَهَا لَا يُسَبِّحُ بِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَجْهًا : تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ أَرْبَعٍ عَمْدًا ، وَبِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ لَا يُتَابِعُ فِيهَا .
وَفِي الْخِلَافِ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِسَالَةِ مُسَدَّدٍ : خَالَفَنِي الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا فَقَالَ : إذَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّجَاشِيِّ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَالْحُجَّةُ لَهُ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَأْمُومُ قَبْلَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ر م ر ق ) لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا ، يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَيُسَلِّمُ ، وَالْمُنْفَرِدُ كَالْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ شَاءَ مَسْبُوقٌ قَضَاهَا ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مَعَهُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ ، هُوَ أَوْلَى .
وَفِي الْفُصُولِ : إنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ عَلَى الْجِنَازَةِ الرَّابِعَةَ ثَلَاثًا تَمَّتْ لِلْمَسْبُوقِ صَلَاةُ جِنَازَةٍ ، وَهِيَ الرَّابِعَةُ ، فَإِنْ أَحَبَّ سَلَّمَ مَعَهُ .
وَإِنْ أَحَبَّ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ، لِيُتِمَّ صَلَاتَهُ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : تَتِمُّ صَلَاتُهُ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ ، لِتَمَامِ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ لِلْجَمِيعِ ، وَالْمَحْذُورُ النَّقْصُ مِنْ ثَلَاثٍ وَمُجَاوَزَةُ سَبْعٍ ، وَلِهَذَا لَوْ جِيءَ بِجِنَازَةٍ خَامِسَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ عَلَيْهَا الْخَامِسَةَ ، وَيَجُوزُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ كَالْحَاضِرِ ( ع ) وَكَغَيْرِهَا ، وَعَنْهُ : يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةً ( و هـ م ر قِ ) لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ كَرَكْعَةٍ ، فَلَا

يَشْتَغِلُ بِقَضَائِهَا بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ لِلتَّكْبِيرَةِ ، فَيَأْتِي بِهَا وَقْتَ حُضُورِ نِيَّتِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ رِوَايَةٌ : إنْ شَاءَ كَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، كَذَا قَالَ ، وَيَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ لِلتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ ، وَيَتْبَعُهُ كَمَسْبُوقٍ يَرْكَعُ إمَامُهُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُتِمُّهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مُتَابَعَةً وَاجِبَةً ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَنْ رَكَعَ إمَامُهُ ، وَلَا فَرْقَ ، وَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَوْ وَجَبَتْ أَتَمَّهَا ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ كَالْحَاضِرَةِ ، وَكَإِدْرَاكِهِ رَاكِعًا ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي ، وَجْهًا : لَا ، وَيَدْخُلُ مَسْبُوقٌ فِي الْأَصَحِّ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ، وَقِيلَ : إنْ قُلْنَا بَعْدَهَا ذِكْرٌ ، وَيَقْضِي ثَلَاثًا ، وَقِيلَ أَرْبَعًا ، وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ ، فَإِنْ خَشِيَ رَفْعَهَا تَابَعَ ، رُفِعَتْ أَمْ لَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م قِ ) وَعَنْهُ : مُتَتَابِعًا ، فَإِنْ رُفِعَتْ قَطَعَهُ ( و هـ ) وَقِيلَ : يُتِمُّهُ ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : مَا لَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ ، وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ ، مَا لَمْ تَتَبَاعَدْ ، وَقِيلَ : عَلَى صِفَتِهِ ( و ق ) وَالْأَصَحُّ إلَّا أَنْ تُرْفَعَ فَيُتَابِعُ ، وَإِنْ سَلَّمَ وَلَمْ تَقْضِهِ صَحَّ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : لَا ( و ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْآجُرِّيُّ وَالْحَلْوَانِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ : اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقَالَ : وَيَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِهِ ، لَا يَأْتِي بِهِ ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ .

فَصْلٌ .
وَمَنْ صَلَّى لَمْ يُصَلِّ ثَانِيًا ( و ) كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ رَدُّهُ سَلَامًا ثَانِيًا ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي : لَا يُسْتَحَبُّ هُنَا ، وَنَصَّ أَحْمَدُ هُنَا : يُكْرَهُ ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَإِنَّمَا احْتَجُّوا بِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ إذَا صَلَّى مَرَّةً يَكْفِيه ، وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَإِذَا وُضِعَتْ فَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ نَصًّا ، كَالْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي : الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ ، وَاحْتَجَّ بِمَسْأَلَةِ السَّلَامِ السَّابِقَةِ أَنَّ مَنْ رَدَّ بَعْدَ الْأَوَّلِ صَحَّ الرَّدُّ ، وَلَوْ رَدَّ الْأَوَّلُ مَرَّةً ثَانِيَةً لَمْ يُعْتَدَّ بِالثَّانِي .
وَقَالَ أَيْضًا : مَعْلُومٌ إنْ تَكَرَّرَ السَّلَامُ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَصِحُّ ، وَفِي الْفُصُولِ : لَا يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ ، كَالْعِيدِ ، وَقِيلَ : يُصَلِّي ، اخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ وَشَيْخُنَا ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَسِيلَةِ وَالْفُرُوعِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُصَلِّي تَبَعًا ، وَإِلَّا فَلَا ، إجْمَاعًا ، قَالَ : كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا تَبَعًا مَعَ الْغَيْرِ ، وَلَا تُسْتَحَبُّ ابْتِدَاءً .

وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ ( هـ م ) بَلْ يُسْتَحَبُّ ( و ش ) لِصَلَاتِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ وَالٍ حَاضِرٍ ، أَوْ وَلِيٍّ بَعْدَهُ حَاضِرٍ ، فَإِنَّهَا تُعَادُ تَبَعًا ( و ) لَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( هـ م ) وَقِيلَ : يُصَلِّي مَنْ لَمْ يُصَلِّ إلَى شَهْرٍ ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ شِهَابٍ بِهِ ، وَالْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقِيلَ : لَا تُجْزِئُهُ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي ؛ لِأَنَّهَا لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا ، لِتَعْيِينِهَا بِدُخُولِهِ فِيهَا ، كَذَا قَالَ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا ذَكَرَ وَجْهًا : أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ( و ش ) مَعَ سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالْأَوْلَى ( ع ) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ بِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَصْلَحَةٍ ، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ ، وَلَمْ تُعْلَمْ ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ .
وَقَالَ أَيْضًا : فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ إذَا قَامَ بِهَا رَجُلٌ سَقَطَ ، ثُمَّ إذَا فَعَلَ الْكُلُّ ذَلِكَ كَانَ كُلُّهُ فَرْضًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ ، لَكِنْ لَعَلَّهُ إذَا فَعَلُوهُ جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَفِي فِعْلِ الْبَعْضِ بَعْدَ الْبَعْضِ وَجْهَانِ وَسَبَقَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ، وَمَتَى رُفِعَتْ لَمْ تُوضَعْ لِأَحَدٍ ، فَظَاهِرُهُ يُكْرَهُ ، وَقِيلَ : لَا .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إنْ شَاءَ قَالَ لَهُمْ ضَعُوهَا حَتَّى يُصَلُّوا عَلَيْهَا ، فَيَضَعُونَهَا فَيُصَلِّي ، وَإِنْ دُفِنَ صُلِّيَ عَلَيْهِ إلَى شَهْرٍ ، قِيلَ : مِنْ دَفْنِهِ ، وَقِيلَ مِنْ مَوْتِهِ ( 7 م ) وَيَحْرُمُ بَعْدَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : أَجَابَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا سَأَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ قَوْلِ الرَّاوِي بَعْدَ شَهْرٍ : يُرِيدُ شَهْرًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } يُرِيدُ الْحِينَ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ ، فَإِنَّهُ أَخَذَ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَ بَعْدَ شَهْرٍ ، قَالَ الْقَاضِي : كَالْيَوْمَيْنِ ، وَقِيلَ إلَى سَنَةٍ ، وَقِيلَ : مَا لَمْ

يَبْلَ .
فَإِنْ شَكَّ فِي بَقَائِهِ فَوَجْهَانِ ( م 8 ) وَقِيلَ : أَبَدًا ( و ش ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا يَوْمَ مَوْتِهِ ، ( ش ) وَعِنْدَ ( هـ م ) هُوَ كَمَا قَبْلَ الدَّفْنِ ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ ، وَكَانَ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِمْ } ، فَلِذَلِكَ كَانَ خَاصًّا .

( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ " وَفِي فِعْلِ الْبَعْضِ بَعْدَ الْبَعْضِ وَجْهَانِ " انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ تَكُونُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَمْ لَا ؟ وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ ، بَلْ سُنَّةً ، وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ ، إذَا فُعِلَ مَرَّةً يَكُونُ الْفِعْلُ الثَّانِي سُنَّةً ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ فَرْضَ كِفَايَةٍ ، ذَكَرَهُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ التَّطَوُّعَاتِ ( مَسْأَلَةٌ 7 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ دُفِنَ صُلِّيَ عَلَيْهِ إلَى شَهْرٍ ، قِيلَ : مِنْ دَفْنِهِ ، وَقِيلَ : مِنْ مَوْتِهِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ دَفْنِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَالَ : هَذَا الْمَشْهُورُ .
وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يُدْفَنْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى شَهْرٍ جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ مُنْذُ دُفِنَ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَوَّلُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ بَعْدَ شَهْرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : تَجُوزُ مَا لَمْ يَبْلَ ، فَإِنْ شَكَّ فِي بَقَائِهِ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ بَلِيَ ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَدَمُ الْجَوَازِ .

وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ع ) لِئَلَّا يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ، وَالْمَسْجِدُ مَا اُتُّخِذَ لِلصَّلَاةِ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْخِلَافِ وَالْمُحَرَّرِ : إنَّمَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ الْآنَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ ، أَوْ لِلْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ شَهْرٍ ، وَمَنْ شَكَّ فِي الْمُدَّةِ صَلَّى حَتَّى يَعْلَمَ فَرَاغَهَا ، وَيَتَّجِهُ الْوَجْهُ فِي الشَّكِّ فِي بَقَائِهِ ( و هـ ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي مَذْهَبِهِ : إذَا شَكَّ فِي تَفَسُّخِهِ وَتَفَرُّقِهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَكَذَا حُكْمُ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ، وَقِيلَ : إذَا تَفَسَّخَ الْمَيِّتُ فَلَا صَلَاةَ : .

وَلَا تَصِحُّ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ قَبْلَ الدَّفْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ، وَسَبَقَ أَنَّهُ كَإِمَامٍ ، فَيَجِيءُ الْخِلَافُ ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ ، كَالْمُكِبَّةِ .

وَيُصَلِّي الْإِمَامُ وَالْآحَادُ نَصَّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَدُونَهَا ، فِي قِبْلَتِهِ أَوْ وَرَاءَهُ بِالنِّيَّةِ ، وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ( و هـ م ) وَقِيلَ : إنْ كَانَ صَلَّى عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَا يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ : إنْ مَاتَ رَجُلٌ صَالِحٌ صُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ النَّجَاشِيِّ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يُخَالِفُهُ ، قَالَ : وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ أَنَّ مَنْ كَانَ خَارِجَ السُّوَرِ أَوْ مَا يُقَدَّرُ سُوَرًا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، لَكِنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِهِ عَنْ الْبَلَدِ بِمَا يُعَدُّ الذَّهَابُ نَوْعَ سَفَرٍ ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي : يَكْفِي خَمْسُونَ خُطْوَةً ، قَالَ شَيْخُنَا : وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فِي الْبَلَدِ ، فَلَا يَعُدُّ غَائِبًا عَنْهَا ، وَمُدَّتُهُ كَمُدَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ .
وَفِي الْخِلَافِ : يُصَلِّي ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بَعْضُهُمْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : بَلَى ، لِلْمَشَقَّةِ ، وَأَبْطَلَهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِمَشَقَّةِ مَرَضٍ وَمَطَرٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهَا تَخْرِيجٌ .
وَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ ثَانِيًا ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ، فَيُعَابَا بِهَا .

وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى مُسْتَحِيلٍ بِإِحْرَاقٍ وَأَكْلِ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ ( م 9 ) قَالَ فِي الْفُصُولِ : فَأَمَّا إنْ حَصَلَ فِي بَطْنِ سَبُعٍ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ مَعَ مُشَاهَدَةِ السَّبُعِ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى مُسْتَحِيلٍ بِإِحْرَاقٍ وَأَكِلْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : قَالَ فِي الْفُصُولِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنْ أَكَلَهُ السَّبُعُ أَوْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْغَرِيقِ وَالضَّائِعِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، انْتَهَى ، فَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ ، وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُصَلَّى عَلَيْهِ ، قُلْت : وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لِأَجْلِ الْخَيْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِسَبَبِهَا ، مِنْ الثَّوَابِ وَالشَّفَاعَةِ ، وَهُمْ أَهْلٌ لِذَلِكَ ، وَمُحْتَاجُونَ إلَيْهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.

فَصْلٌ .
وَلَا يُصَلِّي إمَامُ قَرْيَةٍ وَهُوَ وَالِيهَا فِي الْقَضَاءِ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ، نَقَلَ حَرْبٌ : إمَامُ كُلِّ قَرْيَةٍ وَالِيهَا وَخَطَّأَهُ الْخَلَّالُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالصَّوَابُ تَصْوِيبُهُ ، فَإِنَّ أَعْظَمَ مُتَوَلٍّ لِلْإِمَامِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ يَحْصُلُ بِامْتِنَاعِهِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَقِيلَ : أَوْ نَائِبُهُ عَلَى غَالٍّ مِنْ غَنِيمَةٍ ، وَقَاتِلِ نَفْسِهِ عَمْدًا .
وَقِيلَ : وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ، وَحَكَى رِوَايَةً ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هُوَ مَنْ هَجَرَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْفُسَّاقِ ، فَيَجِيءُ الْخِلَافُ ، فَلَا يُصَلِّي أَهْلُ الْفَضْلِ عَلَى الْفُسَّاقِ ( و م ر ) وَلِهَذَا فِي الْخِلَافِ : لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِ الْإِمَامِ رَدْعًا وَزَجْرًا ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ شَرَفٌ لِلْمَيِّتِ وَرَغْبَةٌ فِي دُعَائِهِ لَهُ ، وَعَنْهُ : وَلَا يُصَلِّ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ ( خ ) جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي كُلِّ مَنْ مَاتَ عَلَى مَعْصِيَةٍ ظَاهِرَةٍ بِلَا تَوْبَةٍ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَعَنْهُ : وَلَا عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ ( و م ) وَعَنْهُ : وَلَا عَلَى مَدِينٍ ( خ ) وَعَنْهُ : يُصَلِّي عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( و ) كَمَا يُصَلِّي غَيْرُهُ حَتَّى عَلَى بَاغٍ ( هـ ) وَمُحَارِبٍ ( هـ ) وَهَلْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ صَلْبِهِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 10 ) وَمَقْتُولٍ بِالْعَصَبِيَّةِ ( هـ ) وَمَنْ قَتَلَ أَبَوَيْهِ ( هـ ) وَلِأَصْحَابِهِ خِلَافٌ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، ظُلْمًا ، وَعَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فِي رِوَايَةٍ ( و هـ ش م ر ) وَيَأْتِي فِي إرْثِ أَهْلِ الْمِلَلِ .

( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ فِي الْمُحَارِبِ : وَهَلْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ صَلْبِهِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ صَلْبِهِ ، قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ بَعْدَ صَلْبِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْمُحَارِبِينَ ، وَقَالَ فِي هَذَا الْبَابِ : وَإِنْ غُسِّلَ قَاطِعُ طَرِيقٍ قَبْلَ صَلْبِهِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ صَلَّى عَلَيْهِ ، انْتَهَى

وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ تَحْقِيقًا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، غَيْرُ شَعْرٍ وَظُفْرٍ ، وَالْمُرَادُ : وَسِنٍّ ، وَقِيلَ : وَغَيْرُ عُضْوِ قَاتِلٍ ، كَيَدٍ وَرِجْلٍ صَلَّى عَلَيْهِ ( و ش ) وُجُوبًا ، إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : مُطْلَقًا ، كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ فِي الْأَصَحِّ ( و ) وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَقِيلَ : يَنْوِي الْجُمْلَةَ ، وَإِذَا صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْأَكْثَرَ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجِبَ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبَ ، وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ ، جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ ( م 11 ) ، وَعَنْهُ : لَا يُصَلِّي عَلَى الْأَقَلِّ ( و هـ م ) لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ الصَّلَاةُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : نَحْنُ نُجِيزُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ حَاضِرًا ابْتِدَاءً كَمَنْ صَلَّى عَلَى غَائِبٍ ثُمَّ حَضَرَ ، فَقَدَّرْنَا غَيْبَةَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا لِلصَّلَاةِ ، وَذُكِرَ هَذَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا ، وَبَعْدَهُ ، وَهَلْ يُنْبَشُ لِيُدْفَنَ مَعَهُ أَمْ بِجَنْبِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 12 ) وَمَا بَانَ مِنْ حَيٍّ كَيَدِ سَارِقٍ انْفَصَلَ فِي وَقْتٍ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ لَمْ تُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ : يُصَلَّى عَلَيْهَا إنْ اُحْتُمِلَ مَوْتُهُ ، وَإِنْ اشْتَبَهَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ كَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ نَوَى بِالصَّلَاةِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ ( هـ ) وَغَسَّلُوا وَكَفَّنُوا ، لِيُعْلَمَ شَرْطُ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ أَمْكَنَ عَزْلَهُمْ وَإِلَّا دُفِنُوا مَعَنَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : إنْ اخْتَلَطُوا بِنَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا صَلَاةَ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : يُغَسَّلُونَ إنْ تَسَاوَوْا ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ إذَنْ .

( مَسْأَلَةٌ 11 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الْمَيِّتِ تَحْقِيقًا صَلَّى عَلَيْهِ ، وَإِذَا صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْأَكْثَرَ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجِبَ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبَ ، وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ ، جُعِلَا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ ، انْتَهَى .
تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ ، وَتَبِعَهُ أَيْضًا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ أَيْضًا عَلَى الْأَكْثَرِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ ثَانِيًا ، بَلْ يُكْتَفَى بِالصَّلَاةِ الَّتِي فُعِلَتْ عَلَى الْبَعْضِ الْأَوَّلِ .
مَسْأَلَةٌ 12 ) .
قَوْلُهُ : وَهَلْ يُنْبَشُ لِيُدْفَنَ مَعَهُ أَمْ بِجَنْبِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَحَكَاهُمَا احْتِمَالَيْنِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا يُدْفَنُ بِجَنْبِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : دُفِنَ بِجَنْبِهِ وَلَمْ يُنْبَشْ ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : وَإِنْ وُجِدَ الْجُزْءُ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ إلَى جَانِبِ الْقَبْرِ ، أَوْ نُبِشَ بَعْضُ الْقَبْرِ وَدُفِنَ فِيهِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى كَشْفِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ ضَرَرَ نَبْشِ الْمَيِّتِ وَكَشْفِهِ أَعْظَمُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَفَرُّقِ أَجْزَائِهِ ، انْتَهَى : وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُنْبَشُ وَيُدْفَنُ مَعَهُ .

وَسَبَقَ أَنَّ الْجِنَازَةَ تُقَدَّمُ عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ ، فَدَلَّ أَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى مَا قُدِّمَ الْكُسُوفُ عَلَيْهِ ، وَصَرَّحُوا مِنْهُ بِالْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا بِالْمَكْتُوبَاتِ ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ ( و ) عَلَى فَجْرٍ وَعَصْرٍ فَقَطْ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُقَدَّمُ الْمَغْرِبُ عَلَيْهَا لَا الْفَجْرُ ، وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ تَقْدِيمَ الْمَغْرِبِ وَالْعِيدِ عَلَيْهَا ، وَيُقَدِّمُ الْوَلِيمَةَ مَنْ دُعِيَ إلَيْهَا لِتَعْيِينِهَا بِالدِّعَايَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ .

وَلَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ ( هـ م ر ) وَقِيلَ : هُوَ أَفْضَلُ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَخَيَّرَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : السُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا فِيهِ ، وَإِنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ .
وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ تَلْوِيثُهُ لَمْ يَجُزْ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَأَجَابَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ يُحْتَمَلُ انْفِجَارُهُ بِأَنَّهُ نَادِرٌ ، ثُمَّ هُوَ عَادَةً بِعَلَامَةٍ ، فَمَتَى ظَهَرَتْ كُرِهَ إدْخَالُهُ الْمَسْجِدَ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَمَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الْمَسْجِدَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَطْرُقَهَا الْحَيْضُ زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : ثُمَّ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ فِيهِ وَالْجِنَازَةُ خَارِجُهُ كُرِهَتْ عِنْدَ الْمُخَالِفِ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ ، حَتَّى كَرِهَهُ بَعْضُهُمْ لِكُلِّ مُصَلٍّ فِي الْمَسْجِدِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ لِلْمَكْتُوبَاتِ ، إلَّا لِعُذْرِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ : هَلْ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيَةِ ؟ وَلَا تُحْمَلُ الْجِنَازَةُ إلَى مَكَان وَمَحَلَّةٍ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا ، فَهِيَ كَالْإِمَامِ تُقْصَدُ وَلَا تَقْصِدُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَلَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَقِيلَ : هُوَ أَفْضَلُ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَخَيَّرَهُ أَحْمَدُ ، انْتَهَى .
كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ مُبَاحَةٌ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ : لَا بَأْسَ بِهَا فِيهِ ، فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ قَدْ قَدَّمَ حُكْمًا وَهُوَ الْإِبَاحَةُ ، فَلَيْسَ الْخِلَافُ بِمُطْلَقٍ ، لَكِنْ عَلَى غَيْرِ الْمُقَدَّمِ : هَلْ فِعْلُهَا فِيهِ أَفْضَلُ أَمْ فِعْلُهَا خَارِجَهُ أَفْضَلُ ؟ حَكَى قَوْلَيْنِ قُلْت : الصَّوَابُ عَدَمُ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.

وَلَهُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطٌ ، وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطٌ نِسْبَتُهُ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا آخَرُ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا : أَنَّ الثَّانِيَ بِوَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ .
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : إذَا سُتِرَ بِاللَّبِنِ ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ لِلثَّانِي أَنْ لَا يُفَارِقَهَا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تُدْفَنَ أَمْ يَكْفِي حُضُورَ دَفْنِهَا ؟ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ ( م 13 ) قَالَ الْآجُرِّيُّ : وَأَسْمَعُ النَّاسَ إذَا سَلَّمُوا مِنْ الْجِنَازَةِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : آجَرَكَ اللَّهُ ، وَلَا نَعْرِفُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سُئِلَ عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ : مَنْ قَالَ هَذَا ؟ قِيلَ لَهُ : فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ قَوْلِ النَّاسِ إذَا تَنَاوَلَهُ مِنْ صَاحِبِهِ : سَلِّمْ رَحِمَك اللَّهُ ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ .
قِيلَ لَهُ : مَنْ يَذْهَبُ إلَى مَسْجِدِ الْجَنَائِزِ فَيَجْلِسُ يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ إذَا جَاءَتْ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ ، وَكَأَنَّهُ رَأَى إذَا تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا هُوَ أَفْضَلُ ، قَالَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ { وَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا } يَعْنِي مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَلَهُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطٌ وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا آخَرُ وَهَلْ يُعْتَبَرُ لِلثَّانِي أَنْ لَا يُفَارِقَهَا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تُدْفَنَ أَمْ يَكْفِي حُضُورُ دَفْنِهَا ؟ يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تُدْفَنَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّبَاعِهَا وَحُضُورِ دَفْنِهَا ، قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَإِنَّ فِي اتِّبَاعِهَا أَجْرًا كَبِيرًا لَهُ وَلِلْمَيِّتِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا مِنْ بَيْتِهَا .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَكْفِي حُضُورُ دَفْنِهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا ، فَهَذِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ حَمْلِ الْجَنَائِزِ .
وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ( ع ) لَا يَخْتَصُّ كَوْنُ فَاعِلِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ ، فَلِهَذَا يَسْقُطُ بِكَافِرٍ وَغَيْرِهِ ( و ) وَلَا تُكْرَهُ الْأُجْرَةُ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : بِلَا حَاجَةٍ ، وَقِيلَ : تَحْرُمُ ، وَقَالَهُ الْآمِدِيُّ ( خ ) وَكَذَا تَكْفِينُهُ ( و ) وَدَفْنُهُ ( و ) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ ( م 1 ) وَيَأْتِي أَخْذُ الرِّزْقِ وَمَا اخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ الْقُرْبَةِ فِي الْإِجَارَةِ يُسَنُّ أَنْ يَحْمِلَهُ أَرْبَعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ ( وَ هـ ش ) وَقَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ النَّعْشِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرَةِ ، ثُمَّ يُمْنَى النَّعْشِ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى يَبْدَأُ بِمُقَدِّمَتِهَا ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( وَ هـ ش ) وَعَنْهُ : بِالْمُؤَخِّرَةِ ، وَلَا يُكْرَهُ حَمْلُهُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عَاتِقِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، ( هـ ) وَلَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنْ التَّرْبِيعِ ( ش ) وَعَنْهُ : هُمَا سَوَاءٌ ( وَ م ) وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ : إنْ حُمِلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَمِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ ، ثُمَّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ .
وَفِي الْمُذْهَبِ : مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ لَا يَصْلُحُ إلَّا التَّرْبِيعُ ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُ : يُكْرَهُ الِازْدِحَامُ عَلَيْهِ أَيُّهُمْ يَحْمِلُهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّرْبِيعُ إذَنْ ، وَكَذَا كَرِهَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ التَّرْبِيعَ إنْ ازْدَحَمُوا وَإِنَّ قَوْلَ أَبِي دَاوُد : " رَأَيْت أَحْمَدَ مَا لَا أُحْصِي يَتْبَعُهَا وَلَا يَحْمِلُهَا " يَحْتَمِلُ الزِّحَامَ ، وَإِلَّا فَالتَّرْبِيعُ أَفْضَلُ عِنْدَهُ ، وَيُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ الْمَرْأَةِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُسْتَرُ بِالْمِكَبَّةِ ، وَمَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوَّلُ مَنْ اُتُّخِذَ ذَلِكَ لَهُ زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، مَاتَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ .
وَفِي التَّلْخِيصِ : لَا بَأْسَ بِجَعْلِ الْمِكَبَّةِ عَلَيْهَا ، وَفَوْقَهَا ثَوْبٌ ، قَالَ ابْنُ

عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا : لَا بَأْسَ بِحَمْلِهَا فِي تَابُوتٍ ، وَكَذَا مَنْ لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ عَلَى نَعْشٍ إلَّا بِمِثْلِهِ ، كَحَدَبٍ وَنَحْوِهِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : الْمُقَطَّعُ تُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ بِطِينٍ حُرٍّ وَيُغَطَّى حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ ، فَإِنْ ضَاعَتْ لَمْ يُعْمَلْ شَكْلُهَا مِنْ طِينٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : الْوَاجِبُ جَمْعُ أَعْضَائِهِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ وَقَبْرٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُ : يُسْتَحَبُّ شَدُّ النَّعْشِ بِعِمَامَةٍ .
وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ طِفْلٍ عَلَى يَدَيْهِ ، وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمَيِّتِ بِأَعْمِدَةٍ ، لِلْحَاجَةِ ، كَجِنَازَةِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَلَى دَابَّةٍ ، لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، وَيَجُوزُ لِبُعْدِ قَبْرِهِ ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ يُخَافُ مَعَهَا سُقُوطُهَا ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ( وَ ش ) .
.
بَابُ حَمْلِ الْجَنَائِزِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَلَا تُكْرَهُ الْأُجْرَةُ فِي رِوَايَةٍ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : بِلَا حَاجَةٍ وَقِيلَ : تَحْرُمُ ، وَقَالَهُ الْآمِدِيُّ ، وَكَذَا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ ، لِعَدَمِ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ ، انْتَهَى ، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ حُكْمُهُنَّ وَاحِدٌ ، أُجْرَةُ حَمْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ، وَدَفْنِهِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ، إحْدَاهَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ .
قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَهُوَ قَوِيٌّ ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ ، وَأَطْلَقَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلًا بِالتَّحْرِيمِ ، وَقَالَهُ الْآمِدِيُّ .

وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا دُونَ الْخَبَبِ ( و ) نَصَّ عَلَيْهِ ، زَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَفَوْقَ السَّعْيِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ ، وَتُرَاعَى الْحَاجَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) .
وَاتِّبَاعُهَا سُنَّةٌ ( و ) وَسَأَلَهُ مُثَنَّى : الْجِنَازَةُ تَكُونُ فِي جِوَارِ رَجُلٍ وَقْتَ صَلَاةٍ أَيَتْبَعُهَا وَيُعَطِّلُ الْمَسْجِدَ ؟ فَلَمْ أَرَهُ يُعْجِبُهُ تَرْكُهَا وَلَوْ تَعَطَّلَ ، وَسَبَقَتْ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ .
وَفِي آخِرِ الرِّعَايَةِ : اتِّبَاعُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَلَيْسَتْ النَّوَافِلُ أَفْضَلَ ، إلَّا لِجِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صَلَاحٍ ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمَالِكِيِّ : إنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ ، قَالَ : بَلْ قَالَ مَالِكٌ : هِيَ أَخْفَضُ مِنْ السُّنَّةِ ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّافِلَةُ أَفْضَلُ مِنْهَا ، إلَّا جِنَازَةَ مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ ، أَوْ لَهُ حَقُّ قَرَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ وَلِأَهْلِهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : لَوْ قَدَرَ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا الْحَقَّ لِمُزَاحِمٍ أَوْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ تَبِعَهُ لِأَجْلِ أَهْلِهِ إحْسَانًا إلَيْهِمْ لِتَأَلُّفٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَذَكَرَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَتْبَعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ، وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ اتِّبَاعُهَا ( وَ هـ ش و م ) فِي الْعَجُوزِ ، وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ ( و م ر ) فِي الشَّابَّةِ ، وَقَالَ : جَمِيعُ مَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مَعَ الْجَنَائِزِ مَحْظُورٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يُمْنَعْنَ مِنْ اتِّبَاعِهَا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ : قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ لِقَرَابَةٍ .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ : هُوَ بِدْعَةٌ ، وَيَجِبُ طَرْدُهُنَّ ، فَإِنْ رَجَعْنَ وَإِلَّا رَجَعَ الرِّجَالُ بَعْدَ أَنْ

يَحْثُوَا فِي وُجُوهِهِنَّ التُّرَابَ ، قَالَ : وَرَخَّصَ أَحْمَدُ فِي اتِّبَاعِ جِنَازَةٍ تَبِعَهَا النِّسَاءُ .
قَالَ أَبُو حَفْصٍ : وَيَحْرُمُ بُلُوغُهَا الْمَقْبَرَةَ ، لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى وَقْتِ تَحْرِيمِ زِيَارَتِهِنَّ .

وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْمَاشِي أَمَامَهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ م ش ) لَا خَلْفَهَا ( هـ ) وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ حَيْثُ شَاءَ .
وَفِي الْكَافِي : حَيْثُ مَشَى فَحَسَنٌ ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي : لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ هَذَا بِالشَّفِيعِ ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ الشَّفِيعِ وَتَأَخُّرَهُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَيْسَ بَعْضُهُ بِأَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَخَلْفَهَا ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ .
فَقَالَ : لَا نُسَلِّمُ هَذَا ، بَلْ التَّقَدُّمُ بِالْخِطَابِ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِظْهَارِ نَفْسِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ التَّأَخُّرِ فِيهَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، قَالَ : وَالْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ مَعْنَاهُ مَقْصُودَةٌ ، فَإِنَّ النَّاسَ يَمْشُونَ لِأَجْلِهَا ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَقْصُودًا ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عَنْ تَابِعِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ إذَا شَفَعُوا لِرَجُلٍ تَقَدَّمُوا عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ جُنْدُ السُّلْطَانِ يَتَقَدَّمُونَهُ وَهُمْ تَبَعٌ ؟ وَكَذَلِكَ قَاسَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَتَقَدَّمُ الْمَشْفُوعَ فِيهِ .

وَالرَّاكِبُ خَلْفَهَا ( و ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَكُرِهَ أَمَامَهَا .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ ، رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَفِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ وَجْهَانِ ( م 2 ) قَالَ بَعْضُهُمْ : بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ كَرَاكِبٍ أَوْ مَاشٍ ، وَأَنَّ عَلَيْهِمَا يَنْبَغِي دَوَرَانُهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ تَبِعَهَا الرُّكُوبُ ( و م ش ) وَقِيلَ : لَا ( و هـ ) كَرُكُوبِهِ فِي عَوْدِهِ ( و ) وَالْقُرْبُ مِنْهَا أَفْضَلُ ، وَيُكْرَهُ تَقَدُّمُهَا إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ لَا إلَى الْمَقْبَرَةِ ، وَيُكْرَهُ جُلُوسُ مَنْ تَبِعَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا بِالْأَرْضِ لِلدَّفْنِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ ) وَعَنْهُ : لِلصَّلَاةِ ، وَعَنْهُ : فِي اللَّحْدِ ، وَعَنْهُ : لَا يُكْرَهُ ( و م ش ) كَمَنْ بَعُدَ ، وَيُكْرَهُ قِيَامُهُ وَقِيَامُ مَنْ مَرَّتْ بِهِ لَهَا ( و ) وَعَنْهُ : الْقِيَامُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ ، وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا ، وَعَنْهُ : حَتَّى تَغِيبَ أَوْ تُوضَعَ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عَلَى هَذَا : يَقُومُ حِينَ يَرَاهَا قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ ، لِلْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِهِ حِينَ رَآهَا ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ الْمَرْوَزِيُّ : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ هُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى تُدْفَنَ ، وَوَقَفَ عَلِيٌّ عَلَى قَبْرٍ فَقِيلَ : أَلَا تَجْلِسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ : قَلِيلٌ لِأَخِينَا قِيَامُنَا عَلَى قَبْرِهِ ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ مُحْتَجًّا بِهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ عَلَى الْقَبْرِ حَتَّى يُدْفَنَ ، خَيْرًا وَإِكْرَامًا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : ذَلِكَ حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي إذَا تَبِعَهَا وَهُوَ رَاكِبُ سَفِينَةٍ هَلْ يَكُونُ أَمَامَهَا كَالْمَاشِي ، أَوْ خَلْفَهَا كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ : بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ كَرَاكِبٍ ، أَوْ كَمَاشٍ ، وَأَنَّ عَلَيْهَا يَنْبَنِي دَوَرَانُهُ فِي الصَّلَاةِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ ، أَحَدُهُمَا يَكُونُ خَلْفَهَا .
قُلْت : قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ : لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ ، حَنِثَ بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَلِلُّغَةِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ رَاكِبُهَا خَلْفَهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاشٍ ، وَهُوَ إلَى رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَقْرَبُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ أَمَامَهَا كَالْمَاشِي ، قُلْت : فِيهِ ضَعْفٌ

وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ النَّعْشِ بِغَيْرِ الْبَيَاضِ ، وَيُسَنُّ بِهِ ، وَيُكْرَهُ مُرَقَّعُهُ ، قَالَ الْآجُرِّيُّ : كَرِهَهَا الْعُلَمَاءُ ، وَاتِّبَاعُهَا بِمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ وَنَارٍ ( و ) إلَّا لِحَاجَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَمِثْلُهُ التَّبْخِيرُ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ .
وَيُسَنُّ الذِّكْرُ وَالْقِرَاءَةُ سِرًّا ، وَإِلَّا الصَّمْتُ ، وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَلَوْ بِالْقِرَاءَةِ ، اتِّفَاقًا ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَحَرَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَمَا يُعْطَوْنَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ سَبَقَ أَوَّلَ بَابِ الْكَفَنِ ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ إبَاحَةُ الْقِرَاءَةِ ، وَأَنَّهُ يُخَرَّجُ تَحْرِيمُهُ وَكَرَاهَتُهُ عَلَى الْخِلَافِ ، وَتُكْرَهُ الْمُحَادَثَةُ فِي الدُّنْيَا ، وَالتَّبَسُّمُ وَالضَّحِكُ أَشَدُّ ، وَكَذَا مَسْحُهُ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ عَلَيْهَا تَبَرُّكًا ، وَقِيلَ بِمَنْعِهِ كَالْقَبْرِ ، وَأَوْلَى : قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : هُوَ بِدْعَةٌ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الْمَيِّتِ ، قَالَ : وَهُوَ قَبِيحٌ فِي الْحَيَاةِ ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَفِي الْفُصُولِ : يُكْرَهُ ، قَالَ : وَلِهَذَا مَنَعَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ مَسِّ الْقَبْرِ ، فَكَيْفَ بِالْجَسَدِ ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ ، ثُمَّ حَالَ الْحَيَاةِ يُكْرَهُ أَنْ يُمَسَّ بَدَنُ الْإِنْسَانِ ، لِلِاحْتِرَامِ وَغَيْرِهِ سِوَى الْمُصَافَحَةِ ، فَأَمَّا غَيْرُهَا فَسُوءُ أَدَبٍ ، كَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، بَلْ بَعْدَ الْمَوْتِ انْقَطَعَتْ الْمُوَاصَلَةُ بِالْبَدَنِ سِوَى الْقُبْلَةِ ، لِلسُّنَّةِ ؛ وَلِأَنَّ ضَرْبَهُ بِمِنْدِيلٍ وَكُمٍّ حَدٌّ لِلْمَرِيضِ ، فَلَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ ، وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي أَخْلَاقِ أَحْمَدَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى أَحْمَدَ ، ثُمَّ مَسَحَهَا عَلَى بَدَنِهِ ، وَهُوَ يَنْظُرُ ، فَغَضِبَ أَحْمَدُ شَدِيدًا ، وَجَعَلَ يَنْفُضُ يَدَهُ وَيَقُولُ : عَمَّنْ أَخَذْتُمْ هَذَا ؟ وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا وَسَبَقَ فِي فَصْلِ " يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ الْمَوْتِ " ، وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الْوَرَعِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى

النَّيْسَابُورِيَّ أَوْصَى لِأَحْمَدَ بِجُبَّتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ صَالِحٌ قَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيهَا ، أَتَبَرَّكُ بِهَا ، فَجَاءَهُ ابْنُ يَحْيَى بِمِنْدِيلِ ثِيَابٍ ، فَرَدَّهَا مَعَهَا .
وَقَوْلُ الْقَائِلِ مَعَ الْجِنَازَةِ : اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَنَحْوَهُ بِدْعَةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَكَرِهَهُ ، وَحَرَّمَهُ أَبُو حَفْصٍ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : مَا يُعْجِبُنِي ، وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَا لِقَائِلِ ذَلِكَ : لَا غَفَرَ اللَّهُ لَك ، كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ نَشَدَ ضَالَّةً ، لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ خِلَافُهُ ، إلَّا مَا رَوَى أَحْمَدُ : عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةَ أَنْصَارِيٍّ ، فَأَظْهَرُوا لَهُ الِاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ ، وَلَا يُعَارِضُ صَرِيحَ الْقَوْلِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَقُولُ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ : سَلِمَ يَرْحَمُك اللَّهُ ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَلَكِنْ يَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " وَيَذْكُرُ اللَّهَ إذَا تَنَاوَلَ السَّرِيرَ .

وَيَحْرُمُ أَنْ يَتْبَعَهَا مَعَ مُنْكَرٍ هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِلنَّهْيِ ، نَحْوِ طُبُولٍ أَوْ نِيَاحَةٍ أَوْ لَطْمِ نِسْوَةٍ وَتَصْفِيقٍ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ وَعَنْهُ : يَتْبَعُهَا وَيُنْكِرُهُ بِحَسَبِهِ ( و هـ ) وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ ، فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إنْ تَبِعَهَا أُزِيلَ الْمُنْكَرُ لَزِمَهُ ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودَيْنِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، فَيُعَايَا بِهَا ، وَقِيلَ : الْعَاجِزُ كَمَنْ دُعِيَ لِغُسْلِ مَيِّتٍ فَسَمِعَ طَبْلًا أَوْ نَوْحًا ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي طَبْلٍ : لَا .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو دَاوُد فِي نَوْحٍ : يُغَسِّلُهُ وَيَنْهَاهُمْ ( م 3 ) وَضَرْبُ النِّسَاءِ بِالدُّفِّ مُنْكَرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اتِّفَاقًا ، قَالَهُ شَيْخُنَا [ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ] .
.
( مَسْأَلَةٌ 3 ) .
قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ أَنْ يَتْبَعَهَا مَعَ مُنْكَرٍ هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يَتْبَعُهَا وَيُنْكِرُهُ بِحَسَبِهِ ، وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ ، فَلَوْ ظَنَّ [ أَنَّهُ ] إنْ اتَّبَعَهَا يُزِيلُ الْمُنْكَرَ لَزِمَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَقِيلَ : الْعَاجِزُ كَمَنْ دُعِيَ لِغَسْلِ مَيِّتٍ ، فَسَمِعَ طَبْلًا أَوْ نَوْحًا ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي طَبْلٍ : لَا ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو دَاوُد فِي نَوْحٍ : يُغَسِّلُهُ وَيَنْهَاهُمْ ، انْتَهَى .
قُلْت : الصَّوَابُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ الطَّبْلِ وَالنَّوْحِ بِذَهَابِهِ ذَهَبَ وَغَسَّلَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ

بَابُ الدَّفْنِ الْأَوْلَى بِهِ وَبِالتَّكْفِينِ الْأَوْلَى بِالْغُسْلِ ، ثُمَّ بِالدَّفْنِ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ ، ثُمَّ مَحَارِمُهُ مِنْ النِّسَاءِ ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ ، وَمَحَارِمُهَا الرِّجَالُ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ وَمِنْ مَحَارِمِهَا النِّسَاءِ بِدَفْنِهَا .
وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى مَحَارِمِهَا الرِّجَالِ ( وَ م ش ) أَمْ لَا ( و هـ ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) فَإِنْ عُدِمَا فَهَلْ الْأَجَانِبُ أَوْلَى ( وَ هـ ش ) أَمْ نِسَاءُ مَحَارِمِهَا مَعَ عَدَمِ مَحْذُورٍ يَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ تَكَشُّفِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ أَوْ غَيْرِهِ ؟ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ اتِّبَاعِهِنَّ الْجِنَازَةَ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَيُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ خَصِيٌّ ثُمَّ شَيْخٌ ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً .
وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ .

بَابُ الدَّفْنِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى مَحَارِمِهَا الرِّجَالِ أَمْ لَا ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْمُحَرَّرِ ، إحْدَاهُمَا : يُقَدَّمُ الزَّوْجُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْمَعَالِي ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : الْمَحْرَمُ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْخَلَّالُ : اسْتَقَامَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُقَدَّمُونَ عَلَى الزَّوْجِ ، انْتَهَى .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : وَيُدْخِلُهَا مَحْرَمُهَا وَإِلَّا امْرَأَةً ، وَالْأَصَحُّ وَإِلَّا شَابٌّ ثِقَةٌ ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا ، فَعَلَى هَذَا أَيْضًا الْمَحَارِمُ أَوْلَى عَلَى الصَّحِيحِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ فَإِنْ عُدِمَا يَعْنِي الزَّوْجُ وَمَحَارِمُهُمَا فَهَلْ الْأَجَانِبُ أَوْلَى أَمْ نِسَاءُ مَحَارِمِهَا مَعَ عَدَمِ مَحْذُورٍ مِنْ تَكَشُّفِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ أَوْ غَيْرِهِ ؟ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ اتِّبَاعِهِنَّ الْجِنَازَةَ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْمُحَرَّرِ ، إحْدَاهُمَا الْأَجَانِبُ أَوْلَى ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ : هَذَا أَحْسَنُ وَأَصَحُّ ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ النَّظْمِ ، وَقَالَ : هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ ( قُلْت ) : وَهَذَا الصَّحِيحُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ نِسَاءُ مَحَارِمِهَا أَوْلَى ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْمَعَالِي ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدِي [ عَلَى ] مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَفْنِهِنَّ مَحْذُورٌ مِنْ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ أَوْ التَّكَشُّفِ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ( قُلْت

) : لَا يَسْلَمْنَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَلَا يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ دَفْنُ امْرَأَةٍ مَعَ وُجُودِ مَحْرَمِهَا ( 1 ) نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يَحْمِلُهَا مِنْ الْمُغْتَسِلِ إلَى النَّعْشِ وَيُسَلِّمُهَا إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ ، وَتُحَلُّ عُقَدُ الْكَفَنِ ، وَقَالَهُ ( ش ) فِي الْأُمِّ وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ .
وَمَتَى كَانَ الْأَوْلَى بِغُسْلِهِ الْأَوْلَى بِدَفْنِهِ تَوَلَّاهُمَا بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ بِنَائِبِهِ إنْ شَاءَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ نَائِبَهُ أَوْلَى ، حَضَرَ أَمْ غَابَ ، خِلَافُ كَلَامٍ لِأَبِي الْمَعَالِي فِي الصَّلَاةِ .

وَيُسْتَحَبُّ تَعْمِيقُ الْقَبْرِ وَتَوْسِيعُهُ بِلَا حَدٍّ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : إلَى الصَّدْرِ ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ : قَامَةٌ وَبَسْطَةٌ ( و ش ) وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ نَصًّا وَالْبَسْطَةُ الْبَاعُ وَيَكْفِي مَا يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسِّبَاعَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَلَا يَجُوزُ بَدَلَ الْقَبْرِ وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ وَيَضَعُ أَجْبَالًا مِنْ تُرَابٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ ، كَمَا لَا يَجُوزُ سَتْرُهُ إلَّا بِالثِّيَابِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى قَبْرُ امْرَأَةٍ لَا قَبْرُ رَجُلٍ ( ش ) بَلْ يُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، إلَّا لِعُذْرِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ .
وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ عَلَى الْأَصَحِّ ( و ) بَلْ يُكْرَهُ الشَّقُّ بِلَا عُذْرٍ ، وَهُوَ حُفْرَةٌ فِي أَرْضِ الْقَبْرِ بِقَدْرِهِ ، وَيُسْقَفُ عَلَيْهِ ، حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَ اللَّحْدُ لِكَوْنِ التُّرَابِ يَنْهَارُ سَنَمُهُ بِلَبِنٍ ، وَحِجَارَةٍ إنْ أَمْكَنَ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَلَا يَشُقُّ إذًا ( ش ) وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ أَوْ نَدِيَّةٍ ، وَيُلْحَدُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ، وَلَا يُعَمَّقُ اللَّحْدُ تَعْمِيقًا يَنْزِلُ فِيهِ جَسَدُ الْمَيِّتِ كَثِيرًا ، بَلْ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْجَسَدُ غَيْرَ مُلَاصِقٍ لِلَّبِنِ .

وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ ( و ش ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَوَجُّهٍ ، بَلْ دُخُولٍ ، فَدُخُولُ الرَّأْسِ أَوْلَى كَعَادَةِ الْحَيِّ ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ : إنَّهُ يُبْدَأُ فِي حَمْلِ الْمَيِّتِ مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ ، وَهَذَا مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ يَدُلُّ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالرَّأْسِ فِي اللِّبَاسِ .
وَلَا يُدْخَلُ الْمَيِّتُ مُعْتَرِضًا [ ( هـ ) ] مِنْ قِبْلَتِهِ [ ( هـ ) ] وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : الْأَسْهَلُ ، ثُمَّ سَوَاءٌ ( وَ م ) وَقِيلَ : يُبْدَأُ بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ دَخَلَ الْقَبْرَ وَعَلَيْهِ خُفٌّ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَقِيلَ : يَحِلُّ إزَارَهُ ؟ قَالَ : لَا .
وَلَا تَوْقِيتَ فِيمَنْ يُدْخِلُهُ ، بَلْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ [ ( و هـ م ) ] كَسَائِرِ أُمُورِهِ ( و ) وَقِيلَ : الْوِتْرُ أَفْضَلُ ( و ش ) وَيُسْتَحَبُّ قَوْلُ وَاضِعِهِ " بِسْمِ اللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " لِلْخَبَرِ ، وَعَنْهُ : يَقُولُ " اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْقَبْرِ وَصَاحِبِهِ " وَإِنْ قَرَأَ { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } الْآيَةُ ، أَوْ أَتَى بِذِكْرٍ وَدُعَاءٍ يَلِيقُ عِنْدَ وَضْعِهِ وَإِلْحَادِهِ فَلَا بَأْسَ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

فَصْلٌ يَجِبُ دَفْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، عِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالشَّيْخِ ، وَعِنْدَ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ : يُسْتَحَبُّ ، كَجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ، وَيُسْتَحَبُّ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ ، كَالْمِخَدَّةِ لِلْحَيِّ ، وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَيُكْرَهُ قَطِيفَةٌ تَحْتَهُ ، لِكَرَاهَةِ الصَّحَابَةِ ، وَنَصُّهُ : لَا بَأْسَ بِهَا مِنْ عِلَّةٍ ، وَعَنْهُ : مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ؛ لِأَنَّ شُقْرَانَ وَضَعَهَا تَحْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ مِنْهُمْ ، وَيُكْرَهُ مِخَدَّةٌ ( و ) وَالْمَنْصُوصُ : مُضَرَّبَةٌ ( و ) قَالَ أَحْمَدُ : مَا أُحِبُّهُمَا ، وَيُدْنِيهِ مِنْ قِبْلَةِ اللَّحْدِ ، وَيُسْنَدُ مِنْ خَلْفِهِ ، وَيُنْصَبُ عَلَيْهِ لَبِنٌ ( و ) وَعَنْهُ : قَصَبٌ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَيَسُدُّ الْفُرْجَةَ بِحَجَرٍ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ، وَلَكِنَّهُ يُطَيِّبُ نَفْسَ الْحَيِّ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ، { ثُمَّ يُطَيِّنُ فَوْقَهُ } .
وَدَلَّ سَدُّ الْفُرْجَةِ بِحَجَرٍ عَلَى أَنَّ الْبَلَاطَ كَاللَّبِنِ ، وَإِنْ كَانَ اللَّبِنُ أَفْضَلَ ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ : إنَّ اللَّبِنَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَبْنِيَةِ الدُّنْيَا ، بِخِلَافِ الْقَصَبِ ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " لَا تَجْعَلُوا فِي قَبْرِي خَشَبًا وَلَا حَجَرًا " وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ فِي الْحَجَرِ ، نَظَرًا إلَى أَنَّ كَرَاهَةَ الْآجُرِّ لِأَثَرِ النَّارِ أَمْ لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالزِّينَةِ ، وَالْمَعْنَيَانِ لَنَا ، فَيَتَوَجَّهُ لَنَا كَذَلِكَ ، وَيُكْرَهُ فِيهِ خَشَبٌ بِلَا ضَرُورَةٍ ، وَمَا مَسَّتْهُ النَّارُ ، وَدَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ ( و ) وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً ، خِلَافًا لِمَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ ، نَصَّ عَلَى الْكُلِّ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : أَوْ فِي حَجَرٍ مَنْقُوشٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ ، أَوْ يُجْعَلُ فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً ، وَجَوَّزَهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَأَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَيُسْتَحَبُّ حَثْيُ

التُّرَابِ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ( و ش ) بِالْيَدِ ، وَقِيلَ : مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ، وَقِيلَ : مَنْ دَنَا مِنْهُ ، وَعَنْهُ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ ، وَيُكْرَهُ زِيَادَةُ تُرَابِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِلنَّهْيِ ( و هـ ش ) قَالَ فِي الْفُصُولِ : إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد [ إلَّا أَنْ يُسَوَّى بِالْأَرْضِ ] وَلَا يُعْرَفُ ، وَالْمُرَادُ مَعَ أَنَّ تُرَابَ قَبْرٍ لَا يُنْقَلُ إلَى آخَرَ ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ .

وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) وَنَصَّ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ( و ش ) وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ { عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِصَخْرَةٍ عِنْدَ رَأْسِهِ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا بَأْسَ بِلَوْحٍ ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : يُكْرَهُ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : مَا سَمِعْت فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى اللَّوْحِ الْمُعْتَادِ ، وَهُوَ مَا فِيهِ كِتَابَةٌ أَوْ نُقُوشٌ ، أَوْ عَلَى اللَّوْحِ فِي جَوْفِ الْقَبْرِ ، لِتَرْكِ سُنَّةِ اللَّبِنِ وَالْقَصَبِ ، قَالَ لَهُ مُهَنَّا : يُكْرَهُ فِي الْقَبْرِ خَشَبٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْت : وَالْأَلْوَاحُ فِيهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
.

وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُهُ بِشِبْرٍ [ ( و ) ] وَتَسْنِيمُهُ أَفْضَلُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( ش ) وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، زَادَ الشَّيْخُ : التَّسْطِيحُ شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ فَيُكْرَهُ ، وَحُمِلَ فِي الْخِلَافِ بَعْضُ مَا رُوِيَ فِي التَّسْطِيحِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَطَّحَ جَوَانِبَهَا وَسَنَّمَ وَسَطَهَا ، وَيُكْرَهُ فَوْقَ شِبْرٍ ، قَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ : { أَبْعَثُك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدَعُ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْقُبُورِ الَّتِي عَلَيْهَا الْبِنَاءُ وَالْجِصُّ وَنَحْوُهُ .
وَأَمَرَ فَضَالَةُ بِقَبْرٍ فَسُوِّيَ وَقَالَ : { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُحْمَلُ عَلَى تَقْرِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ ، وَالْمَنْعُ عَلَى عُلُوِّهَا الْفَاحِشِ .

وَتُرَشُّ بِمَاءٍ [ ( و ) ] وَعَنْهُ : لَا بَأْسَ ، وَيُوضَعُ عَلَيْهِ حَصًى صِغَارٌ لِيَحْفَظَ تُرَابَهُ .
وَفِي التَّلْخِيصِ : لَا بَأْسَ : وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ ( و هـ ) وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ( خ ) وَحُمِلَ فِي الْخِلَافِ النَّهْيُ الَّذِي رَوَاهُ النِّجَادُ عَلَى طِينٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَهُوَ الطِّينُ الَّذِي فِيهِ تَحْسِينُ الْقَبْرِ وَزِينَتُهُ ، فَيَجْرِي مَجْرَى التَّجْصِيصِ ، وَيُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ و ش ) وَتَجْصِيصُهُ ( و ) وَتَزْوِيقُهُ وَتَخْلِيقُهُ وَنَحْوُهُ ، وَهُوَ بِدْعَةٌ ، وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ ( و ) أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ ، لَاصَقَهُ أَوْ لَا ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ : لَا بَأْسَ بِقُبَّةٍ وَبَيْتٍ وَحَصِيرَةٍ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَيُكْرَهُ فِي صَحْرَاءَ لِلتَّضْيِيقِ ، وَالتَّشْبِيهِ بِأَبْنِيَةِ الدُّنْيَا .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَيُكْرَهُ إنْ كَانَتْ مُسَبَّلَةً ، وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : الصَّحْرَاءُ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : يُكْرَهُ الْبِنَاءُ الْفَاخِرُ كَالْقُبَّةِ ، فَظَاهِرُهُ : لَا بَأْسَ بِبِنَاءٍ مُلَاصِقٍ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْلِيمِهِ وَحِفْظِهِ دَائِمًا ، فَهُوَ كَالْحَصَى ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُعْتَادِ ، أَوْ يُخَصُّ مِنْهُ ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، لَكِنْ إنْ فَحُشَ فَفِيهِ نَظَرٌ .
وَحَرَّمَ أَبُو حَفْصٍ الْحُجْرَةَ ، قَالَ : بَلْ تُهْدَمُ ، وَحَرَّمَ الْفُسْطَاطَ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ ، وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ بِإِزَالَةِ الْفُسْطَاطِ وَقَالَ : إنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَحْرُمُ الْبِنَاءُ مُبَاهَاةً وَلَا لِقَصْدِ التَّمْيِيزِ ، خِلَافًا لِرِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فِي الْمُبَاهَاةِ ، فَإِنَّهُ تَحْرُمُ الْمُفَاخَرَةُ وَالرِّيَاءُ ، وَقَالَهُ هُنَا الْمَالِكِيَّةُ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ يُمْنَعُ الْبِنَاءُ فِي وَقْفٍ عَامٍّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ : رَأَيْت

الْأَئِمَّةَ فِي مَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى ، فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْأَشْهَرَ لَا يُمْنَعُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الْمَنْقُولَ فِي هَذَا مَا سَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَمَّنْ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَقْبَرَةِ لِغَيْرِهِ ، قَالَ : لَا يُدْفَنُ فِيهَا ، وَالْمُرَادُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا ، وَهُوَ كَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ حَفْرُ قَبْرٍ فِي مُسَبَّلَةٍ قَبْلَ الْحَاجَةِ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى .
وَقَالَ شَيْخُنَا : مَنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِيهَا فَهُوَ غَاصِبٌ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : فِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَفِيهِ فِي مِلْكِهِ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ ، وَكُلٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ .
وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : الْقُبَّةُ وَالْحَظِيرَةُ وَالتُّرْبَةُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَعَلَ مَا شَاءَ ، وَإِنْ كَانَ فِي مُسَبَّلَةٍ كُرِهَ ، لِلتَّضْيِيقِ بِلَا فَائِدَةٍ ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ ، وَيَحْرُمُ إسْرَاجُهَا وَاِتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ عَلَيْهَا وَبَنْيُهَا ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ( و ) قَالَ شَيْخُنَا : يَتَعَيَّنُ إزَالَتُهَا ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ ، قَالَ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا ، عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، لِلنَّهْيِ وَاللَّعْنِ ، وَلَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ ، لِكَوْنِ الْمَدْفُونِ فِيهَا وَاحِدًا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ مَسْجِدٍ ، هَلْ حَدُّهَا ثَلَاثَةُ أَقْبُرٍ أَوْ يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْقَبْرِ الْفَذِّ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ : لَوْ وُضِعَ الْمَسْجِدُ وَالْقَبْرُ مَعًا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ ، وَسَبَقَ كَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ فِي الصَّلَاةِ فِيهَا ، وَظَاهِرُهُ خِلَافُهُ .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ { أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } قَالَ : نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ لَوْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا إلَى جَانِبِ قَبْرٍ كُرِهَ ذَلِكَ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ

هُوَ حَرَامٌ ، كَذَا قَالَ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عِنْدَهَا ( و ش ) وَفِي الْفُنُونِ : لَا يُخَلَّقُ الْقُبُورُ بِالْخَلُوقِ ، وَالتَّزْوِيقِ وَالتَّقْبِيلِ لَهَا وَالطَّوَافِ بِهَا ، وَالتَّوَسُّلِ بِهِمْ إلَى اللَّهِ ، قَالَ : وَلَا يَكْفِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولُوا : بِالسِّرِّ الَّذِي بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ .
وَأَيُّ شَيْءٍ مِنْ اللَّهِ يُسَمَّى سِرًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ؟ قَالَ : وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ النِّيرَانِ وَالتَّبْخِيرِ بِالْعُودِ ، وَالْأَبْنِيَةِ الشَّاهِقَةِ الْبَابِ ، سَمَّوْا ذَلِكَ مَشْهَدًا .
وَاسْتَشْفَوْا بِالتُّرْبَةِ مِنْ الْأَسْقَامِ ، وَكَتَبُوا إلَى التُّرْبَةِ الرِّقَاعَ ، وَدَسُّوهَا فِي الْأَثْقَابِ ، فَهَذَا يَقُولُ : جِمَالِي قَدْ جَرِبَتْ ، وَهَذَا يَقُولُ : أَرْضِي قَدْ أَجْدَبَتْ ، كَأَنَّهُمْ يُخَاطِبُونَ حَيًّا وَيَدْعُونَ إلَهًا .

فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَعَلَهُ أَحْمَدُ ، جَالِسًا ، قَالَ [ أَصْحَابُنَا ] وَشَيْخُنَا : يُسْتَحَبُّ وُقُوفُهُ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَيْضًا : لَا بَأْسَ بِهِ ، قَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَالْأَحْنَفُ .
وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ } .
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ فَيَدْعُو } .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ ، الْوُقُوفُ بِدْعَةٌ ، كَذَا قَالَ ؛ وَلِأَنَّهُ مُعْتَادٌ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ { وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [ مَعْنَاهُ ] وَلَا تَتَوَلَّ دَفْنَهُ ، كَذَا قَالَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ الْأَكْثَرَ قِرَاءَةً ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَقْرَأُ أَوْ يَدْعُو ، نَصَّ عَلَيْهِ .

وَأَمَّا تَلْقِينُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ فَاسْتَحَبَّهُ الْأَكْثَرُونَ ( وَ م ش ) لِقَوْلِ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ وَحَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ قَبْرِهِ : يَا فُلَانُ ، ( لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، اشْهَدْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( يَا فُلَانُ قُلْ رَبِّي اللَّهُ ، وَدِينِي الْإِسْلَامُ ، وَنَبِيِّ مُحَمَّدٌ ) رَوَاهُ عَنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { لِيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ وَلْيَقُلْ : يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ وَلَا يُجِيبُ ، ثُمَّ لِيَقُلْ : يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا ، ثُمَّ لِيَقُلْ : يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : أَرْشِدْنَا يَرْحَمُك اللَّهُ وَلَكِنْ لَا تَسْمَعُونَ فَيَقُولُ : اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا : شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا ، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولَانِ : مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَ هَذَا وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ ؟ وَيَكُونُ اللَّهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ أُمِّهِ ؟ قَالَ فَلْيَنْسُبْهُ إلَى حَوَّى } رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ شَاهِينَ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَوْ لِغَيْرِهِ فِيهِ { وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَفِيهِ وَأَنَّك رَضِيت بِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً ، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا } فَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِ الْأَصْحَابِ بِهَذَا الْخَبَرِ يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِهِ ، فَيَجْلِسُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى حَوَّى إلَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ اسْمُ أُمِّهِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَادِ قَالَ

أَحْمَدُ : مَا رَأَيْت أَحَدًا فَعَلَ هَذَا إلَّا أَهْلَ الشَّامِ ، وَفِيهِ تَثْبِيتٌ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا ، وَهَذَا وَإِنْ شَمِلَهُ اللَّفْظُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ ، وَإِلَّا لَنَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ وَشَاعَ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : تَلْقِينُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ مُبَاحٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَلَا يُكْرَهُ ( هـ ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : لَوْ انْصَرَفُوا قَبْلَهُ لَمْ يَعُودُوا ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ : يُلَقِّنُونَهُ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ لِيَتَذَكَّرَ حُجَّتَهُ .

وَفِي تَلْقِينِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ وَسُؤَالِهِ وَامْتِحَانِهِ ، النَّفْيُ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ ( و ش ) وَالْإِثْبَاتُ قَوْلُ أَبِي حَكِيمٍ وَغَيْرِهِ ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ الْأَصْحَابِ ( م 3 ) قَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ أَصَحُّ ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا { أَنَّهُ صَلَّى عَلَى طِفْلٍ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ ، فَقَالَ اللَّهُمَّ قِه عَذَابَ الْقَبْرِ وَفِتْنَةَ الْقَبْرِ } وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ، لِلْجَزْمِ بِنَفْيِ التَّعْذِيبِ ، فَقَدْ يَكُونُ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَى الْوَقْفَ فِيهِمْ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : ذَهَبَ إلَى هَذِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ ، مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ : وَهُوَ يُشْبِهُ مَا رَسَمَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ ، وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي تَلْقِينِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ وَسُؤَالِهِ وَامْتِحَانِهِ ، النَّفْيُ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ .
وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَمْصَارِ ، وَالْإِثْبَاتُ قَوْلُ أَبِي حَكِيمٍ وَغَيْرِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ الْأَصْحَابِ .
وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ كُلَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعُدَّةِ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَهُوَ أَصَحُّ .
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : قَالَ شَيْخُنَا : يُلَقَّنُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ .
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدُوسٍ : يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ عَنْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ حِينَ الدِّرَايَةِ ، وَالْكِبَارُ يُسْأَلُونَ عَنْ مُعْتَقِدِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَإِقْرَارِهِمْ الْأَوَّلِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .

فَصْلٌ .
وَيَحْرُمُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ( و هـ ش ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي نَبْشِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ فَدَلَّ أَنَّ عِنْدَهُ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَحْرُمُ وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ : لَا بَأْسَ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ فِي الْمَحَارِمِ وَقِيلَ : فِيمَنْ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ ، وَيَجُوزُ لِحَاجَةٍ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْقِبْلَةِ مَنْ يُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ ، وَأَنْ يُحْجَزَ بَيْنَهُمَا بِتُرَابٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : إنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ كَذَا قَالَ .

وَكَرِهَ أَحْمَدُ الدَّفْنَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ( و م ) وَغُرُوبِهَا ( و م ) لَهُ أَيْضًا وَقِيَامِهَا ( خ ) قَالَ فِي الْمُغْنِي ، لَا يَجُوزُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُكْرَهُ ، نَهَارًا أَوْلَى وَيَجُوزُ لَيْلًا ( و ) وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَعَنْهُ : لَا يَفْعَلُهُ إلَّا ضَرُورَةً ، وَالدَّفْنُ فِي الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ ، وَكَرِهَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي الْبُنْيَانِ ، وَتَأْتِي خَصَائِصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ صَاحِبَاهُ الدَّفْنَ عِنْدَهُ تَشَرُّفًا وَتَبَرُّكًا بِهِ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْخَرْقَ يَتَّسِعُ ، وَالْمَكَانَ ضَيِّقٌ .
وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْنِهِمْ كَمَا وَقَعَ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : نَهَارًا أَوْلَى ، وَكَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ " وَنَهَارًا " بِزِيَادَةِ وَاوٍ ، وَتَقْدِيرُهُ : وَالدَّفْنُ نَهَارًا أَوْلَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ وَصَّى بِدَفْنِهِ فِي مِلْكِهِ دُفِنَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ الْوَرَثَةَ ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ : لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ مَوْضِعِ قَبْرِهِ ، وَيُوصِي بِدَفْنِهِ فِيهِ ، فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ ، فَلِهَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الْأَوَّلَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَمَا قَالَهُ مُتَّجِهٌ ، وَبَعَّدَهُ بَعْضُهُمْ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : فَإِنْ أَذِنُوا كُرِهَ دَفْنُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا دُفِنَ فِيهِ مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يُجْعَلْ أَوْ يَصِرْ مَقْبَرَةً ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ بَيْعَ مَوْضِعِ الْقَبْرِ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَسْتَحِلْ تُرَابًا فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ .
قَالَ : وَإِنْ نُقِلَتْ الْعِظَامُ وَجَبَ الرَّدُّ لِتَعْيِينِهِ لَهَا ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَلَهُ حَرْثُهَا إذَا بَلِيَ الْعَظْمُ ، وَيُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ ، وَالْبِقَاعُ الشَّرِيفَةُ ، وَمَا كَثُرَ فِيهِ الصَّالِحُونَ ، وَقَدْ سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، وَقَالَ عُمَرُ : اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِك ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِك وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ .
.

وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ قُدِّمَ ، ثُمَّ يُقْرَعُ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، إنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِمَزِيَّةٍ ، نَحْوُ كَوْنِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ .
وَمَتَى عُلِمَ أَنَّهُ صَارَ تُرَابًا وَمُرَادُهُمْ ظَنٌّ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ : يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ تَبْقَى عِظَامُهُ مَكَانَهُ وَيُدْفَنُ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ : إذَا صَارَ تُرَابًا جَازَ الدَّفْنُ وَالزِّرَاعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ( و ) كَذَا أَطْلَقَ ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ وَاقِفِهِ ، كَتَعْيِينِهِ الْجِهَةَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لَمْ تُنْبَشْ قُبُورُهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا تُنْبَشُ مَقْبَرَةٌ عَتِيقَةٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَالْمُرَادُ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ ، وَقَدْ كَانَ مَوْضِعُ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَمَرَ بِنَبْشِهَا ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ أَوْصَى بِبِنَاءِ دَارِهِ مَسْجِدًا فَخَرَجَتْ مَقْبَرَةً ، فَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يَخْرُجُوا وَإِلَّا أُخْرِجَتْ عِظَامُهُمْ ، وَيَتَوَجَّهُ : وَيَجُوزُ نَبْشُ قَبْرِ الْحَرْبِيِّ لِمَالٍ فِيهِ ، وَلَا تَصْرِيحَ بِخِلَافِهِ بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ جَوَّزَهُ لِمَصْلَحَةٍ ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ، وَاحْتَجَّتْ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَبَشَتْ قَبْرَ أَبِي رِغَالٍ ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ .
وَيَحْرُمُ حَفْرُهُ فِي مُسَبَّلَةٍ قَبْلَ الْحَاجَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَإِنْ ثَبَتَ قَوْلٌ بِجَوَازِ بِنَاءِ بَيْتٍ وَنَحْوِهِ فَهَاهُنَا كَذَلِكَ ، وَأَوْلَى ، وَيَتَوَجَّهُ هُنَا مَا سَبَقَ فِي الْمُصَلَّى الْمَفْرُوشِ .
وَيَحْرُمُ الدَّفْنُ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ وَيُنْبَشُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَلِلْمَالِكِ نَقْلُهُ ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ ، وَكَرِهَهُ أَبُو الْمَعَالِي ؛ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ .

فَصْلٌ .
مَنْ أَمْكَنَ غُسْلُهُ فَدُفِنَ قَبْلَهُ لَزِمَ نَبْشُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ آخَرُونَ : إنْ خُشِيَ تَفَسُّخُهُ تُرِكَ ( و م ش ) زَادَ بَعْضُهُمْ : أَوْ تَغَيُّرُهُ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ نَبْشُهُ مُطْلَقًا ( و هـ ) إنْ أُهِيلَ التُّرَابُ ، فَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، كَعَدَمِ مَاءٍ وَتُرَابٍ ( هـ ) وَكَذَا مَنْ دُفِنَ غَيْرَ مُوَجَّهٍ ( و ) وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ .
يُسْتَحَبُّ نَبْشُهُ : وَإِنْ دُفِنَ قَبْلَ تَكْفِينِهِ فَقِيلَ : كَقَبْلِ غُسْلِهِ ، قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِسَتْرِهِ بِالتُّرَابِ ( م 4 ) وَفِي الْمُنْتَخَبِ رِوَايَتَانِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ : وَلَوْ بَلِيَ ، كَذَا قَالَ ، فَمَعَ تَفَسُّخِهِ فِي الْكُلِّ أَوْلَى ، وَإِنْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَكَالْغُسْلِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِيُوجَدَ شَرْطُ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَائِلِ .
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي : لَا يُنْبَشُ ، وَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ ، لِإِمْكَانِهَا عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : فَكَذَا غَيْرُهَا ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ : الْأَمْرُ آكَدُ مِنْ النَّهْيِ ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِالنَّدَمِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَكْسَهُ ، وَقَالَ فِي فُنُونِهِ : رَجُلٌ دَفَنَ بِنْتًا لَهُ ، ثُمَّ رَأَى فِي مَنَامِهِ وَهِيَ تَقُولُ : دُفِنْت حَيَّةً ، هَلْ تُنْبَشُ لِذَلِكَ ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، فَإِنْ نُبِشَتْ وَوُجِدَتْ جَالِسَةً قَدْ مَزَّقَتْ كَفَنَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ الْغُسْلُ ثَانِيًا ، وَهَلْ يَلْزَمُ مَنْ دَفَنَهَا الدِّيَةُ ؟ يُحْتَمَلُ يَلْزَمُ مَنْ طَرَحَ عَلَيْهَا التُّرَابَ ، وَيُحْتَمَلُ لَا .
وَيَجُوزُ فِي الْمَنْصُوصِ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ( خ ) كَتَحْسِينِ كَفَنِهِ ، وَخَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ ، وَدَفْنِهِ لِعُذْرٍ بِلَا غُسْلٍ وَلَا حَنُوطٍ ، وَكَإِفْرَادِهِ ، لِإِفْرَادِ جَابِرٍ لِأَبِيهِ ؛ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا دُفِنَ ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَنَفَثَ فِيهِ

مِنْ رِيقِهِ ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا } ، وَذَلِكَ مُكَافَأَةٌ بِسَبَبِ عَمِّهِ ، وَإِمَّا لِإِكْرَامِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَشِيرَتِهِ قَالَ أَحْمَدُ : قَدْ حُوِّلَ طَلْحَةُ ، وَحُوِّلَتْ عَائِشَةُ ، وَنَبَشَ مُعَاذٌ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ كُفِّنَتْ فِي خَلِقَاتٍ فَكَفَّنَهَا .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ دُفِنَ قَبْلَ تَكْفِينِهِ ، فَقِيلَ : كَقَبْلِ غُسْلِهِ ؛ قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِسَتْرِهِ بِالتُّرَابِ ، انْتَهَى .
وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُصُولِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ دَفْنِهِ قَبْلَ غُسْلِهِ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يُنْبَشُ لِسَتْرِهِ بِالتُّرَابِ ، صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالنَّظْمِ .

وَدَفْنُ الشَّهِيدِ بِمَصْرَعِهِ سُنَّةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، حَتَّى لَوْ نُقِلَ رُدَّ إلَيْهِ ، وَيَجُوزُ نَقْلُ غَيْرِهِ ( و م ) أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ ، وَالْمُرَادُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ [ إنْ أُمِنَ تَغَيُّرُهُ ] وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنْ لَمْ يُظَنَّ تَغَيُّرُهُ ، وَلَا يُنْقَلُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ( و ش ) كَبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ ، كَمَا نَقَلَ سَعْدٌ وَسَعِيدٌ وَأُسَامَةُ إلَى الْمَدِينَةِ ، لِئَلَّا تَفُوتَ سُنَّةُ تَعْجِيلِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : وَلَوْ وَصَّى بِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي .
وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَقْلَ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا ، وَحَرَّمَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ ، وَجَوَّزَ الْحَنَفِيَّةُ نَقْلَهُ مِيلَيْنِ ، وَقِيلَ : وَدُونَ السَّفَرِ ، وَقِيلَ عِنْدَهُمْ : لَا يُكْرَهُ السَّفَرُ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَيَجِبُ لِضَرُورَةٍ ، نَحْوُ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ ، أَوْ مَكَان يُخَافُ نَبْشُهُ ، وَتَحْرِيقُهُ ، أَوْ الْمُثْلَةُ بِهِ ، قَالَ : وَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ بِدَارِ حَرْبٍ فَالْأَوْلَى تَسْوِيَتُهُ بِالْأَرْضِ ، وَإِخْفَاؤُهُ ، مَخَافَةَ الْعَدُوِّ ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ، فَيُعَايَا بِهَا .

فَصْلٌ .
وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ عَادَةً وَعُرْفًا وَإِنْ قَلَّ خَطَرُهُ ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، قَالَ : وَيَحْتَمِلُ مَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ ، أَوْ رَمَاهُ رَبُّهُ فِيهِ نُبِشَ وَأُخِذَ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مِسْحَاةِ الْحَفَّارِ ، لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ ( و ) وَعَنْهُ : الْمَنْعُ إنْ بَذَلَ لَهُ عِوَضَهُ ، فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ : وَنَبَشَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ .
وَإِنْ كُفِّنَ بِغَصْبٍ لَمْ يُنْبَشْ ، لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ ، وَضَرَرُ الْأَرْضِ يَتَأَبَّدُ ، فَيَغْرَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ : يَضْمَنُهُ مَنْ كَفَّنَهُ بِهِ ، لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ عَالِمًا ، فَإِنْ جَهِلَهُ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَلَوْ أَنَّهُ الْمَيِّتُ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ نُبِشَ ، وَقِيلَ : يُنْبَشُ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كُفِّنَ بِحَرِيرٍ فَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي نَبْشِهِ وَجْهَيْنِ ، وَإِنْ بَلَعَ مَا تَبْقَى مَالِيَّتُهُ كَخَاتَمٍ ، وَطَلَبَهُ رَبُّهُ ، لَمْ يُنْبَشْ ، وَغَرِمَ مِنْ تَرِكَتِهِ ، كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ ، تَجِبُ قِيمَتُهُ ، لِأَجْلِ الْحَيْلُولَةِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلَمْ تُبْذَلْ قِيمَتُهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ يَبْذُلْهَا وَارِثٌ شُقَّ جَوْفُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يُشَقُّ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : يُؤْخَذُ ، فَلَوْ كَانَ ظَنُّهُ مِلْكَهُ فَوَجْهَانِ ( م هـ ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يَغْرَمُ الْيَسِيرَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ وَإِنْ بَلَعَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ أُخِذَ إذَا بَلِيَ ، وَلَا يُعْرَضُ لَهُ قَبْلَهُ ، وَلَا يَضْمَنُهُ ، وَقِيلَ : هُوَ كَمَالِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ : إنْ بَلَعَهُ بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ ، كَقَوْلِهِ : أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهُ ، قَالَ : وَكَذَا لَوْ رَآهُ مُحْتَاجًا إلَى رَبْطِ أَسْنَانِهِ بِذَهَبٍ ، فَأَعْطَاهُ خَيْطًا مِنْ ذَهَبٍ ، أَوْ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ فَرَبَطَ بِهِ ، وَمَاتَ ، لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ وَرَدُّهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُثْلَةً ، كَذَا قَالَ ، قَالَ : وَبِلَا إذْنٍ يَغْرَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ بَلِيَ وَأَرَادَ

الْوَرَثَةُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْقَبْرِ جَازَ إذَا ظَنَّ انْفِصَالَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَتَشَعَّثْ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ لَمْ يُنْبَشْ ، إلَّا إذَا بَلِيَ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ حَيًّا ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَوَجْهَانِ ( م 6 ) وَقِيلَ : يُشَقُّ وَيُؤْخَذُ .
وَفِي الْمُبْهِجِ : يُحْتَسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَلَا يُقْلَعُ أَنْفُ ذَهَبٍ ، وَيَأْخُذُ بَائِعُهُ ثَمَنَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَمَعَ عَدَمِهَا يَأْخُذُهُ إذَا بَلِيَ ، وَقِيلَ : يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلرُّجُوعِ حَيَاةُ الْمُفْلِسِ ، فِي قَوْلٍ ، مَعَ أَنَّ فِيهِ هُنَا مُثْلَةً .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بَلَعَ مَا تَبْقَى مَالِيَّتُهُ كَخَاتَمٍ ، وَطَلَبَهُ رَبُّهُ ، لَمْ يُنْبَشْ ، وَغَرِمَ مِنْ تَرِكَتِهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ شَقُّ جَوْفِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يُشَقُّ مُطْلَقًا ، وَيُؤْخَذُ ، فَلَوْ ظَنَّهُ مِلْكَهُ فَوَجْهَانِ .
انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا يُنْبَشُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُنْبَشُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ بَلَعَ مَالِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْبَشْ ، إلَّا إذَا بَلِيَ ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ حَيًّا فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا يُنْبَشُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُنْبَشُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ

وَإِنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ حَرُمَ شَقُّ جَوْفِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ اُحْتُمِلَتْ حَيَاتُهُ أَدْخَلَ النِّسَاءُ أَيْدِيَهُنَّ فِي فَرْجِهَا فَأَخْرَجْنَهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يُشَقُّ وَيُخْرَجُ ، وَالْمَذْهَبُ : لَا ، فَعَنْهُ : يَفْعَلُ ذَلِكَ الرِّجَالُ ، وَالْمَحَارِمُ أَوْلَى ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، كَمُدَاوَاةِ الْحَيِّ ، وَالْأَشْهَرُ : لَا ( م 7 ) وَلَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ ، وَلَا يُوضَعُ عَلَيْهِ مَا يُمَوِّتُهُ ، خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَفِي الْخِلَافِ : إنْ لَمْ تُوجَدْ أَمَارَاتُ الظُّهُورِ بِانْتِفَاخِ الْمَخَارِجِ وَقُوَّةِ الْحَرَكَةِ فَلَا تَسْطُو الْقَوَابِلُ ، وَقِيلَ : يُشَقُّ مُطْلَقًا إنْ ظَنَّ خُرُوجَهُ حَيًّا ( و هـ م ش ر ) كَمَنْ خَرَجَ [ بَعْضُهُ ] حَيًّا ، فَلَوْ مَاتَ إذَا أُخْرِجَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ غُسْلُ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَقِيلَ : يُيَمَّمُ لِمَا بَقِيَ ، وَإِنْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ بِمُسْلِمٍ دُفِنَتْ مُفْرَدَةً ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ ش ) لِأَنَّهُ جَائِزٌ .
وَدَفْنُ الْمَيِّتِ بَيْنَ مَنْ يُبَايِنُهُ [ فِي دِينِهِ ] مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ ، وَالْمُرَادُ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا مَعْنَاهُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ .
وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ ، لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ( و ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَا سِقْطٍ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : يُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا انْفَصَلَ ، لَكِنْ عَلَّلَ فِي الْفُصُولِ عَدَمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ حَمْلًا فِي بَطْنِهَا ، وَالصَّلَاةُ لَا يُدْخَلُ فِيهَا مَعَ الشَّكِّ فِي سَبَبِهَا : وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ : تُدْفَنُ بِجَنْبِ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَّ الْمَرُّوذِيَّ قَالَ : كَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ : لَا بَأْسَ بِهِ مَعَنَا ، لِمَا فِي بَطْنِهَا ، وَيُصَلَّى عَلَى مُسْلِمَةٍ حَامِلٍ وَحَمْلُهَا بَعْدَ

مُضِيِّ زَمَنِ تَصْوِيرِهِ ، وَإِلَّا عَلَيْهَا دُونَهُ
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ حَرُمَ شَقُّ جَوْفِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ اُحْتُمِلَتْ حَيَاتُهُ أَدْخَلَ النِّسَاءُ أَيْدِيَهُنَّ فِي فَرْجِهَا ، فَأَخْرَجَتْهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يُشَقُّ [ وَيُخْرَجُ ] وَالْمَذْهَبُ : لَا ، فَعَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الرِّجَالُ ، وَالْمَحَارِمُ أَوْلَى ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
كَمُدَاوَاةِ الْحَيِّ ، وَالْأَشْهَرُ : لَا ، انْتَهَى .
الْأَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، أَعْنِي ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ النِّسَاءُ لَا غَيْرَ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .
فَاتَ ، الْمُصَنِّفُ ذِكْرُ مَسْأَلَةِ مَا إذَا كُفِّنَ بِحَرِيرٍ هَلْ يُنْبَشُ أَوْ لَا ؟ نَقَلَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا ، وَرَجَّحَ لَهُ نَصْرُ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْكَافِي عَدَمَ النَّبْشِ

بَابُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُصَابُ وَمَا يُفْعَلُ مَعَهُ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَابِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ ( و ) فَيَقُولَ : ( إنَّا لِلَّهِ ) أَيْ نَحْنُ عَبِيدُهُ يَفْعَلُ بِنَا مَا يَشَاءُ ، ( وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ) أَيْ نَحْنُ مُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِنَا " اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا " أَجِرْنِي مَقْصُورٌ وَ [ قِيلَ ] مَمْدُودٌ وَأَخْلِفْ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ ، يُقَالُ لِمَنْ ذَهَبَ مِنْهُ مَا يُتَوَقَّعُ مِثْلَهُ : أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك ، أَيْ رَدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ ، وَمَنْ ذَهَبَ مِنْهُ مَا لَا يُتَوَقَّعُ مِثْلَهُ : خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْك ، أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً مِنْهُ عَلَيْك قَالَ الْآجُرِّيُّ وَجَمَاعَةٌ : وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } وَلَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد عَنْ حُذَيْفَةَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى } ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا { إذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّت فَقُولُوا خَيْرًا ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ .
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قَالَ : قُولِي : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَاعْقُبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً } وَيَصْبِرُ وَالصَّبْرُ الْحَبْسُ وَيَجِبُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ مُحَرَّمٍ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ ، قَالَ شَيْخُنَا : عَمَلُ الْقَلْبِ كَالصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، قَالَ : وَلَمْ يَأْمُرْ الشَّرْعُ بِالْحُزْنِ ، بَلْ نَهَى عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَمْرِ الدِّينِ ، لَكِنْ لَا يُذَمُّ وَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِهِ .

وَلَا يَلْزَمُ الرِّضَاءُ بِمَرَضٍ وَفَقْرٍ وَعَاهَةٍ ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ ، وَيَحْرُمُ الرِّضَا بِمَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ مِنْ كُفْرٍ وَمَعْصِيَةٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا : لَا يَرْضَى بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَقْضِيِّ ، قَالَ : وَقِيلَ : يَرْضَى بِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا خَلْقًا لِلَّهِ ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا فِعْلًا لِلْعَبْدِ ، قَالَ : وَكَثِيرٌ مِنْ النُّسَّاكِ وَالصُّوفِيَّةِ وَمِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ حَيْثُ رَأَوْا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ اعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ لِكُلِّ ذَلِكَ ، حَتَّى وَقَعُوا فِي قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا } الْآيَةُ ، وَغَفَلُوا عَنْ كَوْنِ الْخَالِقِ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَبْغَضَهُ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ اشْتِبَاهُ مَسْأَلَةِ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ ، وَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ يَتَمَسَّكُ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ الْمُشْرِكِيَّةُ ، وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ الْمَجُوسِيَّةُ فَنَفَوْا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَإِلَّا لَلَزِمَ الرِّضَاءُ بِكُلِّ مُقْتَضًى [ بِهِ ، وَالرِّضَاءُ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ ، قَالَ : وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَصٌّ يَأْمُرُ فِيهِ بِالرِّضَاءِ ] وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، وَأَمَّا مَا فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَالْآثَارِ مِنْ الرِّضَى بِالْقَضَاءِ فَإِنَّمَا أَرَادُوا مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعِبَادِ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ الصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ ، بَلْ تَجِبُ إزَالَتُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، فَالرِّضَاء أَوْلَى ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى إحْدَاثِ الرَّبِّ لِذَلِكَ ، لِلْحِكْمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا ، رَضِيَ لِلَّهِ بِمَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ ، فَيَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ مَفْعُولًا مَخْلُوقًا لِلَّهِ .
وَيُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ فِعْلًا لِلْمُذْنِبِ الْمُخَالِفِ لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِيمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَجْسَامِ الْخَبِيثَةِ ، قَالَ : فَمَنْ فَهِمَ هَذَا الْمَوْضِعَ انْكَشَفَ لَهُ حَقِيقَةُ هَذَا

الْأَمْرِ الَّذِي حَارَتْ فِيهِ الْعُقُولُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَالصَّبْرُ عَلَى الْعَافِيَةِ أَشَدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقِيَامِ بِحَقِّ الشُّكْرِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : وَتَهُونُ الْمُصِيبَةُ بِالنَّظَرِ إلَى جَلَالِ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ وَحِكْمَتِهِ وَمُلْكِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ } اعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا قُضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَهُ قَلَّ حُزْنُهُ وَفَرَحُهُ ، قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَمْشِ مَعَ الْقَدَرِ لَمْ يَتَهَنَّ بِعَيْشٍ وَلْيَعْلَمْ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ } وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ ، فَمَنْ اُبْتُلِيَ فَلْيَصْبِرْ ، وَمَنْ عُوفِيَ فَلْيَشْكُرْ } وَقَوْلَهُ { أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ } وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيَرِ الْأَنْبِيَاءِ وِسَادَاتِ أَتْبَاعِهِمْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَنْ كَابَدَ النَّارَ وَذَبَحَ الْوَلَدَ كَإِبْرَاهِيمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَقَاسَى مِنْ قَوْمِهِ الْمِحَنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَكَى الزَّمَنَ الطَّوِيلَ ، مَنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ وَفِي كَوْنِ مُصِيبَتِهِ لَمْ تَكُنْ فِي دِينِهِ هَانَتْ عَلَيْهِ مُصِيبَتُهُ بِلَا شَكٍّ ، وَتَسَلَّى بِهِمْ وَتَأَسَّى ، وَلْيَعْلَمْ الْإِنْسَانُ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْك ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَك ، تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْك فِي الشِّدَّةِ ، إذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ } وقَوْله تَعَالَى عَنْ يُونُسَ { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ } وَعَنْ فِرْعَوْنَ { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ } وَمِنْ قَصِيدَةِ التِّهَامِيِّ الَّتِي رَثَى بِهَا وَلَدَهُ .
طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا صَفْوًا مِنْ الْأَقْذَاءِ وَالْأَكْدَارِ وَمُكَلِّفُ الْأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا مُتَطَلِّبٌ فِي

الْمَاءِ جِذْوَةَ نَارِ وَكَانَ شَيْخُنَا يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ كَثِيرًا ، فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدُهُ فِي سَلَّةِ الْأَفَاعِي كَيْفَ يُنْكِرُ اللَّسْعَ ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ الْمَطْبُوعِ عَلَى الضُّرِّ النَّفْعَ .
وَقَدْ قِيلَ : وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْته وَلَا عَلَّمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهُ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَنْ تَأَمَّلَ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ رَأَى الِابْتِلَاءَ عَامًّا وَالْأَغْرَاضَ مُنْعَكِسَةً وَعَلَى هَذَا وَضْعُ هَذِهِ الدَّارِ ، فَمَنْ طَلَبَ نَيْلَ غَرَضِهِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَقَدْ رَامَ مَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ ، فَإِنْ جَاءَتْ رَاحَةٌ عَدَّهَا عَجَبًا .

وَلَا يُكْرَهُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ( م ش ) لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ ، وَأَخْبَارُ النَّهْيِ مَحْمُولَةٌ عَلَى بُكَاءٍ مَعَهُ نَدْبٌ أَوْ نِيَاحَةٌ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَإِنَّهُ كُرِهَ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامُ عَلَيْهِ أَيَّامًا ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يُحْمَلُ النَّهْيُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى [ وَقَدْ قِيلَ ] : عَجِبْت لِمَنْ يَبْكِي عَلَى فَقْدِ غَيْرِهِ دُمُوعًا وَلَا يَبْكِي عَلَى فَقْدِهِ دَمًا وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنْ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ عَظِيمًا وَفِي عَيْنَيْهِ عَنْ عَيْبِهِ عَمًى قَالَ جَمَاعَةٌ : وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَجْمَلُ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ، رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ ، وَأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْفَرَحِ ، كَفَرَحِ الْفُضَيْلِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ عَلِيٌّ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : { لَمَّا فَاضَتْ عَيْنَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رُفِعَ إلَيْهِ ابْنُ بِنْتِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ ، أَيْ لَهَا صَوْتٌ وَحَشْرَجَةٌ كَصَوْتِ مَاءٍ أُلْقِيَ فِي قِرْبَةٍ بَالِيَةٍ ، قَالَ لَهُ سَعْدٌ : مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ } .
وَيَحْرُمُ النَّدْبُ وَالنِّيَاحَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَالصُّرَاخُ ، وَخَمْشُ الْوَجْهِ ، وَنَتْفُ الشَّعْرِ وَنَشْرُهُ ، وَشَقُّ الثَّوْبِ ، وَلَطْمُ الْخُدُودِ ، وَنَحْوُهُ ( و ) زَادَ جَمَاعَةٌ : وَالتَّحَفِّي ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : يَحْرُمُ النَّحِيبُ وَالتَّعْدَادُ وَالنِّيَاحَةُ وَإِظْهَارُ الْجَزَعِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي النِّيَاحَةِ ( ع ) وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْكَرَاهَةَ ؛ لِأَنَّهُ { نَهَى عَنْ النِّيَاحَةِ ، فَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ : إلَّا الْ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ ، فَقَالَ إلَّا آلَ فُلَانٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ خَاصٌّ بِهَا ، لِخَبَرِ أَنَسٍ : { لَا إسْعَادَ فِي الْإِسْلَامِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ؛ وَلِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِيهِ مَا يَحْرُمُ ، وَلَمْ يَنْهَهَا مَعَ حَدَاثَتِهَا بِالْإِسْلَامِ ،

وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ وَعَنْهُ : يُكْرَهُ النَّدْبُ وَالنَّوْحُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ بِصِدْقٍ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِمَا ، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ النَّدْبِ إذَا كَانَ صِدْقًا ، وَلَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ النَّوْحِ ، وَلَا قُصِدَ نَظْمُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَجَاءَتْ الْأَخْبَارُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهَا بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَيْهِ ، فَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِفِعْلِهِ ، فَخَرَجَ عَلَى عَادَتِهِمْ ، فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّ سِيَاقَ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ ، وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ ، وَحَمَلَهُ الْأَثْرَمُ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَقِيلَ : يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقِيلَ : يُعَذَّبُ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يَتَأَذَّى بِذَلِكَ إنْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ ، كَمَا كَانَ السَّلَفُ يُوصُونَ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ كَوْنُ النِّيَاحَةِ عَادَةَ أَهْلِهِ : وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ مَنْ هُوَ عَادَةُ أَهْلِهِ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ عُذِّبَ ، لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعَهُ وَلَمْ يُوصِ فَقَدْ رَضِيَ وَلَمْ يَنْهَ مَعَ قُدْرَتِهِ .
وَمَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ وَإِنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ عَقِيلٌ قَرَأَ قَارِئٌ { يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إنَّا نَرَاك مِنْ الْمُحْسِنِينَ } فَبَكَى ابْنُ عَقِيلٍ وَبَكَى النَّاسُ فَقَالَ لِلْقَارِئِ : يَا هَذَا إنْ كُنْت تُهَيِّجُ الْحُزْنَ فَهُوَ نِيَاحَةٌ بِالْقُرْآنِ ، وَلَمْ يُنَزَّلْ لِلنَّوْحِ بَلْ لَهُ لِتَسْكِينِ الْأَحْزَانِ .

وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابُ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا ، وَالْمُرَادُ عَلَامَةٌ لِيُعْرَفَ بِهَا فَيُعَزَّى .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُكْرَهُ لُبْسُهُ خِلَافَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ لَهُ تَغْيِيرُ حَالِهِ : مِنْ خَلْعِ رِدَائِهِ وَنَعْلِهِ وَتَغْلِيقِ حَانُوتِهِ ، وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] يَوْمَ مَاتَ بِشْرٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : لَيْسَ هَذَا يَوْمَ جَوَابٍ ، هَذَا يَوْمُ حُزْنٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا بَأْسَ بِهَجْرِ الْمُصَابِ لِلزِّينَةِ وَحُسْنِ الثِّيَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .

فَصْلٌ .
يُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمُصِيبَةِ حَتَّى الصَّغِيرِ وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ [ ( 5 ) ] كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَالشَّافِعِيَّةُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَذْهَبُهُ كَمَا يَأْتِي ، وَفِي الْخِلَافِ : بَعْدَهُ أَوْلَى ، لِلْإِيَاسِ التَّامِّ مِنْهُ ، وَيُكْرَهُ لِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِلْفِتْنَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا فِي تَشْمِيتِهَا إذَا عَطَسَتْ وَيُعَزَّى مَنْ شَقَّ ثَوْبَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِزَوَالِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الشَّقُّ ، وَيُكْرَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ ، وَلَمْ يَحُدَّ جَمَاعَةٌ آخِرَ وَقْتِ التَّعْزِيَةِ ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ ، فَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَهَلَكَ ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ ، لِذِكْرِ ابْنِهِ ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَا لِي لَا أَرَى فُلَانًا ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْته هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ } .
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : يُسْتَحَبُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْآمِدِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُمْ ، يُكْرَهُ بَعْدَهَا ( و هـ ش ) لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْدَادِ فِيهَا .
وَقَالَ : لَمْ أَجِدْ فِي آخِرِهَا كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَتِهِ بَعْدَهَا ، وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهَا بِالْإِحْدَادِ عَلَى الْمَيِّتِ .
وَقَالَ : إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ ، وَزَادَ : مَا لَمْ تُنْسَ الْمُصِيبَةُ ، وَقِيلَ

: آخِرُهَا يَوْمَ الدَّفْنِ ( م 3 ) .
وَهِيَ التَّسْلِيَةُ ، وَالْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ ، وَلَا تَعْيِينَ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك ، وَعَزَّى أَحْمَدُ رَجُلًا فَقَالَ : أَجَرَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَعَزَّى أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ وَفِي تَعْزِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ خِلَافٌ يَأْتِي فِي أَحْكَامِهِمْ ، وَيَدْعُو لَهُ بِمَا يَرْجِعُ إلَى طُولِ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : وَيَقُولُ : وَأَحْسَنَ عَزَاءَك ، وَقِيلَ : لَا يُعَزَّى مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ ، وَلَا يَدْعُو لِكَافِرٍ حَيٍّ بِالْأَجْرِ ، وَلَا لِكَافِرٍ مَيِّتٍ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ مَاتَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُخْتٌ ، فَأَتَوْهُ لِلتَّعْزِيَةِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُمْ : وَقَالَ : كَانُوا لَا يُعَزُّونَ لِامْرَأَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ أُمًّا ، وَمِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ هَلْ يَرُدُّ الْمُعَزَّى شَيْئًا ؟ وَرَدَّ أَحْمَدُ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ ، وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ : عَزِّ عَنِّي فُلَانًا ، تَوَجَّهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : فُلَانٌ يُعَزِّيك ، كَمَا يَقُولُ : فُلَانٌ يُسَلِّمُ عَلَيْك ، أَوْ فُلَانٌ يَقُولُ لَك كَذَا ، وَيَدْعُو .
وَقَالَ أَحْمَدُ لِلْمَرُّوذِيِّ : عَزِّ عَنِّي فُلَانًا ، قَالَ : فَعَزَّيْته فَقُلْت لَهُ : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك ، وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُهُ بِيَدِ مَنْ عَزَّاهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : الْوَاقِفُ ، وَكَرِهَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : أُحِبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ عِنْدَ الْقَبْرِ ، وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ لِمَنْ جَاءَتْهُ التَّعْزِيَةُ فِي كِتَابٍ رَدَّهَا [ كِتَابَةً ] بَلْ يَرُدُّهَا عَلَى الرَّسُولِ لَفْظًا ، وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ التَّعْزِيَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَلَا يُعَزَّى عِنْدَ الْقَبْرِ مَنْ عُزِّيَ .

بَابُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُصَابُ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَلَمْ يَحُدَّ جَمَاعَةٌ آخِرَ وَقْتِ التَّعْزِيَةِ ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ ، فَظَاهِرُهُ : يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : يُسْتَحَبُّ إلَى ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْآمِدِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ [ وَغَيْرُهُمْ ] يُكْرَهُ بَعْدَهَا ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَقَالَ لَمْ أَجِدْ فِي آخِرِهَا كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَتِهِ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ ، وَزَادَ : مَا لَمْ تُنْسَ الْمُصِيبَةُ ، وَقِيلَ : آخِرُهَا يَوْمُ الدَّفْنِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ مَا قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، فَإِنَّهُ قَطَعَ بِهِ هُوَ وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَكَلَامُ ابْنِ شِهَابٍ وَالْآمِدِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ وَالْمَجْدِ وَأَبِي الْمَعَالِي لَا يُنَافِيهِ ، وَتَقْيِيدُ أَبِي الْمَعَالِي وَمُتَابَعَةُ النَّاظِمِ لَهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُحْتَمِلٌ لِهَذَا أَيْضًا ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ وَجَمَاعَةٍ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ .

وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و م ش ) وَعَنْهُ : مَا يَنْبَغِي ، وَعَنْهُ : مَا يُعْجِبُنِي ، وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ ؛ لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ ، قَالَ الْخَلَّالُ : سَهَّلَ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَنُقِلَ عَنْهُ : الْمَنْعُ ، وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ ، وَعَنْهُ : وَلِغَيْرِهِمْ خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ ، وَقَالَ : أَمَّا الْمَبِيتُ عِنْدَهُمْ فَأَكْرَهُهُ .
وَقَالَ : الْآجُرِّيُّ : يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَمْنَعْ أَهْلَهُ ، وَفِي الْفُصُولِ : يُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَهَيُّجًا لِلْحُزْنِ ، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ لِيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ أَوْ يَخْرُجَ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيَهُ ، فَعَلَهُ السَّلَفُ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَ يَنْتَظِرُ جِنَازَةَ أُمِّ أَبَانَ ابْنِ عُثْمَانَ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ إلَى جَانِبِهِ ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَائِدٌ يَقُودُهُ ، فَجَلَسَ إلَى جَانِبِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : فَكُنْت بَيْنَهُمَا فَفِيهِ مَفْضُولٌ بَيْنَ فَاضِلَيْنِ ، لَكِنْ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ يَحْتَمِلُ الْعُذْرَ وَغَيْرَهُ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : فَإِذَا صَوْتٌ مِنْ الدَّارِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَأَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَنْ يَقُومَ فَيَنْهَاهُمْ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ } ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، إلَى أَنْ قَالَ عُمَرُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ } : قَالَهُ مُحْتَجًّا عَلَى صُهَيْبٍ ، فَإِنَّ عُمَرَ لَمَّا أُصِيبَ جَاءَ صُهَيْبٌ فَقَالَ : وَا أَخَاهْ ، وَا صَاحِبَاهْ ، وَفِي تَتِمَّتِهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : { وَاَللَّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ وَلَكِنْ قَالَ : إنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللَّهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا } وَقَالَتْ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ : إنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَ عَنْ غَيْرِ كَاذِبِينَ وَلَا مُكَذَّبِينَ ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ : لَا بَأْسَ بِجُلُوسِهِمْ فِي الْبَيْتِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَأْتُونَهُمْ لِلتَّعْزِيَةِ ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الدَّارِ ، وَأَنَّ مَا يُصْنَعُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْقِيَامِ عَلَى الطُّرُقِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ ، وَكَرِهَهَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَسْجِدِ لَا فِي غَيْرِهِ ، مَعَ أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ ، وَأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ الْقُرَّاءَ وَلَا يُعْطُونَهُمْ ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ لَا يُكْرَهُ جُلُوسُهُمْ لَهَا ، وَيُسْتَحَبُّ صُنْعُ طَعَامٍ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : مُدَّةَ الثَّلَاثِ ، لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِحْدَادِ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا قُصِدَ بِهِ أَهْلُهُ ، فَأَمَّا لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ فَيُكْرَهُ ، لِلْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ ، .

وَيُكْرَهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ الطَّعَامَ ( و ش ) زَادَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : إلَّا لِحَاجَةٍ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ ( و هـ ) ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ .
وَقَالَ : مَا يُعْجِبُنِي ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ : لَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا ، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ وَأَكْلَ ذَلِكَ ، لِخَبَرِ أَنَسٍ { لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : كَانُوا إذَا مَاتَ لَهُمْ الْمَيِّتُ نَحَرُوا جَزُورًا ، فَنَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ [ عَنْ ذَلِكَ ] وَفَسَّرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ يَتَبَارَى ، رَجُلَانِ فِي الْكَرَمِ ، فَيَعْقِرُ هَذَا ، وَيَعْقِرُ هَذَا ، حَتَّى يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، فَيَكُونُ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَهَذَا غَيْرُ هَذَا ، جَزَمَ الْأَئِمَّةُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا ، وَتَبِعَهُمْ أَهْلُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد : ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، عَنْ [ عَوْفٍ عَنْ ] أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ } ، حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَارَةِ ، قَالَ أَبُو دَاوُد : وَقَفَهُ غُنْدَرٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، .
وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ هَارُونَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ طَعَامِ

الْمُتَبَارِيَيْنِ } ، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، قَالَ أَبُو دَاوُد : أَكْثَرُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ جَرِيرٍ لَا يَذْكُرُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ : ثَنَا أَبِي ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ ، وَرَوَاهُ فِي الْمُخْتَارَةِ ، وَهُوَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَيَأْتِي الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللَّهِ فِي آخِرِ الذَّكَاةِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَفِي مَعْنَى الذَّبْحِ عِنْدَ الْقَبْرِ الصَّدَقَةُ عِنْدَهُ ، فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ ، وَفِيهِ رِيَاءٌ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيهَا : لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الصَّدَقَةِ ، وَحَرَّمَ شَيْخُنَا الذَّبْحَ وَالتَّضْحِيَةَ عِنْدَهُ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ عَمَّا تُفَرِّقُهُ الْمَجُوسُ عَلَى الْجِيرَانِ مِمَّا يَصْنَعُونَهُ مِنْ أَجْلِ مَيِّتِهِمْ ، فَقَالَ : لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا .

بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَإِهْدَاءِ الْقُرَبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ( ع ) لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ حَظْرٍ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّلَهُ بِتَذَكُّرِ الْمَوْتِ وَالْآخِرَةِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَحْمَدَ : كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبِي ؟ قَالَ : اُدْخُلْ الْمَقْبَرَةَ ، امْسَحْ رَأْسَ يَتِيمٍ .
وَعَنْهُ : لَا بَأْسَ ، وَمِثْلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ الْإِبَاحَةَ ، وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ زِيَارَتِهَا لِلنِّسَاءِ ، قَالَ : لَا ، قُلْت : فَالرَّجُلُ أَيْسَرُ ؟ قَالَ نَعَمْ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ ، وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ ، وَعَنْهُ : لَا ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ زَارَتْ وَقَالَتْ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَتِهَا ثُمَّ أَمَرَ } ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، كَمَا لَوْ عَلِمْت أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهَا مُحَرَّمٌ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مَعَ تَأْثِيمِهِ بِظَنِّ وُقُوعِ النَّوْحِ ، وَلَا فَرْقَ ، وَلَمْ يُحَرِّمْ هُوَ وَغَيْرُهُ دُخُولَ الْحَمَّامِ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالْمُحَرَّمِ ، وَأَمَّا الْجُمُوعُ لِلزِّيَارَةِ كَمَا هِيَ مُعْتَادَةٌ فَبِدْعَةٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْهُ ، وَكَلَامُهُ فِي آدَابِ الْقِرَاءَةِ : مِنْ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : تَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْمُشْرِكِ وَالْوُقُوفُ ، لِزِيَارَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْرَ أُمِّهِ ، وَكَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ ، وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } بِسَبَبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي آخِرِ التَّاسِعَةِ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ الْقِيَامُ لِلدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : تَجُوزُ زِيَارَتُهُ لِلِاعْتِبَارِ ، وَقَالَ : وَلَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ زِيَارَةَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ ، وَيَقِفُ الزَّائِرُ أَمَامَ الْقَبْرِ ، وَعَنْهُ : حَيْثُ شَاءَ ،

وَعَنْهُ : قُعُودُهُ كَقِيَامِهِ ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ ، كَزِيَارَتِهِ حَيًّا ، ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ وَالتَّلْخِيصِ ، وَيَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ بِالْيَدِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ يُتَلَقَّى مِنْ التَّوْقِيفِ ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ سُنَّةٌ ؛ وَلِأَنَّهُ عَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَهَذَا ، وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلُهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ، وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ ، صَحَّحَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ مُصَافَحَةَ الْحَيِّ ، لَا سِيَّمَا مِمَّنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : هَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ فَرَاغِ دَفْنِهِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ وَجُلُوسُهُ عَلَى جَانِبَيْهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَيُسْتَحَبُّ إذَا زَارَهَا أَوْ مَرَّ بِهَا أَنْ يَقُولَ : " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَوْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ " وَفِي ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ ، الدَّارِ يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ ، وَإِطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى سَاكِنِي الْمَكَانِ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ .
وَدَعَا عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ فَقَالَ : { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ } سُمِّيَ بِهِ لِغَرْقَدٍ كَانَ فِيهِ وَهُوَ مَا عَظُمَ مِنْ الْعَوْسَجِ ، وَقِيلَ : كُلُّ شَجَرٍ لَهُ شَوْكٌ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : السَّلَامُ هُنَا مُعَرَّفٌ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، لِأَنَّهُ أَشْهَرُ فِي الْإِخْبَارِ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ ، وَالتَّنْكِيرُ فِي طُرُقٍ لِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ تَنْكِيرَهُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ، وَخَيَّرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ نَصًّا ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْأَحْيَاءِ ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَعَنْهُ : تَعْرِيفُهُ أَفْضَلُ ، قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ : كَالرَّدِّ ، وَقِيلَ :

تَنْكِيرُهُ ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ .
وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا : سَلَامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ وَسَلَامُ الْوَدَاعِ مُعَرَّفٌ ، وَإِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى } عَلَى عَادَاتِهِمْ فِي تَحِيَّةِ الْأَمْوَاتِ يُقَدِّمُونَ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى الدُّعَاءِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَفَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ عَلَى قَوْمٍ يَتَوَقَّعُ جَوَابًا وَالْمَيِّتُ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ ، فَجَعَلُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ كَالْجَوَابِ ، وَهَذَا فِي الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ وَالْمَدْحِ ، وَيُقَدَّمُ الضَّمِيرُ فِي الشَّرِّ وَالذَّمِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ } { وَإِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي } وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ بِابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَقْتُولٌ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْك أَبَا خُبَيْبٍ ، وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا ، فَدَلَّ أَنَّهُ كَالسَّلَامِ عَلَى الْحَيِّ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ ، وَفِيهِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ لَمْ يُدْفَنْ ، وَوَرَدَ تَكْرَارُهُ فِي الْحَيِّ فِي الْمُتَهَاجِرِينَ وَفِي سَلَامِ ابْنِ جَابِرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي .
وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَمَّنْ سَمِعَ أَنَسًا عَنْهُ مَرْفُوعًا { إنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتنَا } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، قَالَ أَحْمَدُ : يَعْرِفُ زَائِرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ : وَفِي الْغُنْيَةِ : يَعْرِفُهُ كُلَّ وَقْتٍ ، وَهَذَا الْوَقْتُ آكَدُ ، وَأَطْلَقَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَعْرِفُهُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ : الَّذِي يُوجِبُهُ الْقُرْآنُ وَالنَّظَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُحِسُّ ، قَالَ تَعَالَى {

وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ آلَاتِ الْحِسِّ قَدْ فُقِدَتْ ، وَأَجَابَ عَنْ خِلَافِ هَذَا بِرَدِّ الْأَرْوَاحِ ، وَالتَّعْذِيبُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي يُعَذَّبُ الْبَدَنُ أَيْضًا وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ إدْرَاكًا .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا : وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُجْعَلَ الْبَدَنُ مُعَلَّقًا بِالرُّوحِ فَيُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ .
وَفِي الْإِفْصَاحِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَقَابِرِ قَالَ : فِيهِ وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ سَلَامَ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمُرَ بِالسَّلَامِ عَلَى قَوْمٍ لَا يَسْمَعُونَ ، قَالَ شَيْخُنَا : اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَتِهِ بِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ ، وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى أَيْضًا وَبِأَنَّهُ يَدْرِي بِمَا يُفْعَلُ عِنْدَهُ ، وَيُسَرُّ بِمَا كَانَ حَسَنًا ، وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا ، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا أُخْزَى بِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ ، وَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْتَتِرُ مِنْهُ وَتَقُولُ : إنَّمَا كَانَ أَبِي وَزَوْجِي ، وَأَمَّا عُمَرُ فَأَجْنَبِيٌّ ، تَعْنِي أَنَّهُ يَرَاهَا .

وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقُبُورِ وَالْمَشْيُ بِالنَّعْلِ ، وَيُسْتَحَبُّ خَلْعُهُ إلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ وَنَحْوِهِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ بَشِيرٍ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ ، وَفِي التَّمَشُّكِ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ ، نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى ، وَالْقَصْرُ عَلَى النَّصِّ ( م 3 ) وَعَنْهُ : لَا يُسْتَحَبُّ خَلْعُ النَّعْلِ ، كَالْخُفِّ ، وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ إلَيْهِ وَالْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ ، لِلْأَخْبَارِ ، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَكْرَةَ .
وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ ، كَالتَّخَلِّي عَلَيْهِ ، وَفِيهِ وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ : يُكْرَهُ ، وَيُكْرَهُ التَّخَلِّي بَيْنَهُمَا ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ ، زَادَ حَرْبٌ : كَرَاهَةً شَدِيدَةً .
وَفِي الْفُصُولِ : حُرْمَتُهُ بَاقِيَةٌ ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ جَمِيعِ مَا يُؤْذِي الْحَيَّ أَنْ يُنَالَ بِهِ ، كَتَقْرِيبِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ .
وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ : لَهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ لِيَصِلَ إلَى مَنْ يَزُورُهُ ، لِلْحَاجَةِ ، وَفَعَلَهُ أَحْمَدُ ، وَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ : يُكْرَهُ دَوْسُهُ وَتَخَطِّيهِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ يُكْرَهُ دَوْسُهُ ، وَلَمْ يَكْرَهْ الْآجُرِّيُّ تَوَسُّدَهُ ، لِفِعْلِ عَلِيٍّ رَوَاهُ مَالِكٌ بَلَاغًا ، وَفِيهِ : أَنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ عَلَيْهَا ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْجُلُوسُ ، وَلِلْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهَا ، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ : إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ جَمْعًا ، .

بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي التَّمَشُّك وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ ، نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى ، وَالْقَصْرُ عَلَى النَّصِّ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنُّكَتِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا لَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلْأَصْفَهَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكْرَهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، كَغَيْرِهِ مِنْ النِّعَالِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ : لَيْسَ بِشَيْءٍ .
( تَنْبِيهٌ ) .
التَّمَشُّكْ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَضَمِّ الْمِيمِ أَيْضًا وَسُكُونِ الْكَافِ نَوْعٌ مِنْ النِّعَالِ مَشْهُورُ الِاسْمِ عِنْدَ أَهْلِ بَغْدَادَ ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ

فَصْلٌ .
لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ( و ش ) وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ ، فَقِيلَ : تُبَاحُ ، وَقِيلَ : تُسْتَحَبُّ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : نَصَّ عَلَيْهِ ( م 2 ) كَالسَّلَامِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَعَنْهُ : لَا تُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِهِ ، وَعَنْهُ : تُكْرَهُ ، اخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَأَبُو حَفْصٍ ( و هـ م ) قَالَ شَيْخُنَا : نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ ، وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ ، وَسَمَّى الْمَرُّوذِيُّ ، وَعَلَّلَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو الْمَعَالِي بِأَنَّهَا مَدْفِنُ النَّجَاسَةِ ، كَالْحَشِّ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَبُو حَفْصٍ يُغَلَّبُ الْحَظْرُ ، كَذَا قَالَ ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا فَلِهَذَا رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ الْكَرَاهَةِ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ : الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُكْرَهُ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ : شَدَّدَ أَحْمَدُ حَتَّى قَالَ : لَا يُقْرَأُ فِيهَا فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِ : يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يَقْرَأُ ، وَيَتَوَجَّهُ : يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْمَذْهَبِ ، كَنَذْرِ الطَّوَافِ عَلَى أَرْبَعٍ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِيمَنْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى صِفَةٍ لَا تَتَعَيَّنُ ، يَأْتِي بِالطَّاعَةِ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ لِتَرْكِ الصِّفَةِ وَجْهَانِ ، فَتَشْمَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ، وَدَلَّتْ رِوَايَةُ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى إلْغَاءِ الْمَوْصُوفِ لِإِلْغَاءِ صِفَتِهِ فِي النَّذْرِ ، وَهُوَ غَرِيبٌ ، وَعَنْهُ : بِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ ، وَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ : يَحْمِلُ مُصْحَفًا إلَى الْقَبْرِ فَيَقْرَأُ فِيهِ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : بِدْعَةٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَمْ يَقُلْ

أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ : إنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ أَفْضَلُ ، وَلَا رَخَّصَ فِي اتِّخَاذِهِ عِيدًا كَاعْتِيَادِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ ، أَوْ الذِّكْرِ أَوْ الصِّيَامِ ، قَالَ : وَاِتِّخَاذُ الْمَصَاحِفِ عِنْدَهَا وَلَوْ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ بِدْعَةٌ ، وَلَوْ نَفَعَ الْمَيِّتَ لَفَعَلَهُ السَّلَفُ ، بَلْ هُوَ كَالْقِرَاءَةِ فِي الْمَسَاجِدِ عِنْدَ السَّلَفِ ، وَلَا أَجْرَ لِلْمَيِّتِ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ ، كَمُسْتَمِعٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَنْتَفِعُ بِسَمَاعِهَا دُونَ مَا إذَا بَعُدَ الْقَارِئُ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ ، مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَأَذَّى الْمَيِّتُ بِالْمُنْكَرِ عِنْدَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَاحْتَجَّ أَبُو الْمَعَالِي بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ { جَنِّبُوهُ جَارَ السُّوءِ } وَبِخَبَرِ عَائِشَةَ { الْمَيِّتُ يُؤْذِيهِ فِي قَبْرِهِ مَا يُؤْذِيهِ فِي بَيْتِهِ } وَلَا يَصِحَّانِ ، وَلَكِنْ قَدْ سَبَقَ : يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ عِنْدَ الصَّالِحِ لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُ ، وَيُسَنُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُ ، وَإِذَا تَأَذَّى بِالْمُنْكَرِ انْتَفَعَ بِالْخَيْرِ ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِجَعْلِ جَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فِي الْقَبْرِ ، لِلْخَبَرِ ، وَأَوْصَى بِهِ بُرَيْدَةُ ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَفِي مَعْنَاهُ غَرْسُ غَيْرِهَا ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ قَلْعَ الْحَشِيشِ الرَّطْبِ مِنْهَا ، قَالُوا : لِأَنَّهُ يُسَبِّحُ فَرُبَّمَا يَأْنَسُ الْمَيِّتُ بِتَسْبِيحِهِ .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَحَبُّوا الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ لِخَبَرِ الْجَرِيدَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَا التَّخْفِيفَ لِتَسْبِيحِهَا فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى ، وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا } وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مِثْلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ }

رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ .
وَقَالَ الْبَرَاءُ : { كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ ، فَغَشِيَتْهُ سَحَابَةٌ ، فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو ، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ ، فَقَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ أَوْ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، فَقِيلَ : تُبَاحُ ، وَقِيلَ : تُسْتَحَبُّ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : نَصَّ عَلَيْهِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا يُسْتَحَبُّ ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَخِيرًا ، انْتَهَى ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ تَمِيمٍ فِي نَقْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُبَاحُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ ، وَقَدَّمَ الْإِبَاحَةَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : " يُسَنُّ يُخَفَّفُ " كَذَا فِي النُّسَخِ ، قَالَ شَيْخُنَا : لَعَلَّهُ يُسَنُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ ، فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ فِي هَذَا الْبَابِ

فَصْلٌ .
كُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ ، وَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ ، كَالدُّعَاءِ ( ع ) وَالِاسْتِغْفَارِ ( ع ) وَوَاجِبٍ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ( ع ) وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ( ع ) وَكَذَا الْعِتْقِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ أَصْلًا ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَشَيْخُنَا ( ع ) وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( و ) وَكَذَا حَجِّ التَّطَوُّع ( م ر ) وَفِي الْمُجَرَّدِ : مَنْ حَجَّ نَفْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَمَّنْ حَجَّ ، لِعَدَمِ إذْنِهِ ، وَكَذَا الْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ ، نَقَلَ الْكَحَّالُ فِي الرَّجُلِ يَعْمَلُ شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَيَجْعَلُ نِصْفَهُ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ : أَرْجُو ، وَقَالَ : الْمَيِّتُ يَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ ( م ش هـ ر ) وَفَرَّقُوا بِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا ، فَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ ثَوَابُهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ عَنْ نَفْسِهِ تَطَوُّعًا ثُمَّ أَهْدَى ثَوَابَهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ عِتْقَهُ عَنْ الْمَيِّتِ بِلَا وَصِيَّةٍ يَقَعُ عَنْ الْمُعْتِقِ ، بِدَلِيلِ الْوَلَاءُ لَهُ وَلِعَصَبَتِهِ ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ صُرِفَ الثَّوَابُ إلَى الْمَيِّتِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْعِتْقِ : قَدْ صَحَّ إهْدَاؤُهُ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ فَاعِلِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَاضِي مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ نَقْلِ ثَوَابٍ وَقَعَ لِفَاعِلِهِ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْمُخَالِفُ ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاع ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَالثَّوَابَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الْعِتْقِ فَلَيْسَ بِجَوَابٍ ، وَالثَّانِي ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَثَرِ ، فَكَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يُعْتِقَانِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ عَنْ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ غَيْرُ الْعِتْقِ ، وَنُصُوصُ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا ، كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ ، مَعَ

أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرَهُ جَزَمُوا هُنَاكَ بِأَنَّ الثَّوَابَ لِلْمُعْتِقِ ، وَكَانَ وَجْهُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْوَلَاءَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّبْصِرَةِ خِلَافَهُ إلَّا احْتِمَالًا ، قَالَ : لِأَنَّ الْقُرَبَ يَصِلُ ثَوَابُهَا إلَى الْمَيِّتِ ، ثُمَّ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالْأَذَانُ ، لَا يَصِحُّ إهْدَاؤُهُ ، مَعَ دُخُولِ النِّيَابَةِ فِي بَعْضِهَا : قَالَ الْقَاضِي : وَلِأَنَّ الثَّوَابَ تَبَعٌ لِلْفِعْلِ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَقَعَ الْمَتْبُوعُ لِغَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَقَعَ التَّبَعُ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ أَهْدَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَظُنُّهُ ، ثِقَةً بِالْوَعْدِ وَحُسْنًا لِلظَّنِّ ، فَلَا يَسْتَعْمِلُ الشَّكَّ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ثُمَّ قُولُوا : اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ ، يَعْنِي ثَوَابَهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْت أَثَبْتنِي عَلَى هَذَا فَقَدْ جَعَلْت ثَوَابَهُ أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُ لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ ، فَلَا يَتَحَكَّمُ عَلَى اللَّهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : مَنْ سَأَلَ الثَّوَابَ ثُمَّ أَهْدَاهُ كَقَوْلِهِ : اللَّهُمَّ أَثِبْنِي عَلَى عَمَلِي هَذَا أَحْسَنَ الثَّوَابِ وَاجْعَلْهُ لِفُلَانٍ كَانَ أَحْسَنَ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مَجْهُولًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ، كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ يَعْرِفُهُ الْوَكِيلُ فَقَطْ صَحَّ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ وَقْتَ فِعْلِ الْقُرْبَةِ ، وَفِي تَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ : قَبْلَهُ .
وَفِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ : يُشْتَرَطُ أَنْ تَتَقَدَّمَ نِيَّةُ ذَلِكَ أَوْ تُقَارِنُهُ ، فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِهْدَاءِ وَنَقْلِ الثَّوَابِ أَنْ يَنْوِيَ الْمَيِّتُ بِهِ ابْتِدَاءً كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعَّدَهُ فَهُوَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِعُمُومِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي أَثَرٍ وَلَا نَظَرٍ ، وَإِنْ أَرَادُوا

أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَقَعَ الْقُرْبَةُ عَنْ الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ لَهُ فَهَذَا مُتَّجِهٌ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : ثَوَابُ الْقُرْآنِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ إذَا نَوَاهُ قَبْلَ الْفِعْلِ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا هَذَا ، فَظَاهِرُهُ عَدَمُهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ فِي التَّبْصِرَةِ .
وَفِي الْفُنُونِ عَنْ حَنْبَلِيٍّ : يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْأَعْمَالِ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْتَنِيبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ النَّائِبِ قَبْلَ الْفَرَاغِ .
وَفِي الْفُصُولِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُجَرَّدِ : أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يَنْعَقِدْ عَنْ الْغَيْرِ ، فَلَوْ نَابَ عَنْ حَيٍّ فِي حَجٍّ فَاعْتَمَرَ وَقَعَ عَنْ الْحَاجِّ ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا وَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ ، لِقُدْرَةِ الْحَيِّ عَلَى التَّكَسُّبِ ، وَالْمَيِّتُ بِخِلَافِهِ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مُهْدٍ لِلْمَيِّتِ ثَوَابَهَا ، فَقَدْ جَعَلَ نِيَّةَ الْمَيِّتِ بِالْقُرْبَةِ ابْتِدَاءً يَقَعُ عَنْهُ كَمُهْدٍ إلَيْهِ ثَوَابَهَا ، وَلَعَلَّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لِقِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّدَقَةِ ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اقْرَءُوا يَس عَلَى مَوْتَاكُمْ } وَبِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى مِنْ الْمُحْتَضَرِ ، وَبِأَنَّهُ أَذِنَ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ ، { وَبِقَوْلِهِ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَلَوْ أَقَرَّ أَبُوك بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْت عَنْهُ أَوْ تَصَدَّقْت عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَيَأْتِي كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَهُ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي : الثَّوَابُ يَقَعُ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ ثَوَابُهُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ الْمَرُّوذِيِّ السَّابِقَةَ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ لَهُ ، كَذَا قَالَ ، قَالَ : وَعَلَى هَذَا يَقُولُ : لَوْ صَلَّى فَرْضًا وَأَهْدَى ثَوَابَهُ صَحَّتْ الْهَدِيَّةُ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعَرَّى عَمَلُهُ عَنْ ثَوَابٍ ، كَالصَّلَاةِ

فِي مَكَان غَصْبٍ ، ثُمَّ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، مَرْفُوعًا ، رَوَاهُ حَرْبٌ وَقَالَ شَيْخُنَا : أَوْ أَكْثَرَ ، وَالْأَشْهَرُ خِلَافُ قَوْلِ الْقَاضِي فِي ثَوَابِ الْفَرْضِ ، وَبَعَّدَهُ بَعْضُهُمْ ، وَيُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ ، قِيلَ لِلْقَاضِي : فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيُقَدِّمُ أَبَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَبَرَّهُ بِغَيْرِ هَذَا ، فَقَالَ : وَقَدْ نُقِلَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ ، فَنَقَلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ فِيمَنْ يَأْمُرُهُ أَبُوهُ بِتَأْخِيرِ ، الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ ، قَالَ : يُؤَخِّرُهَا ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ نَدْبٌ إلَى طَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَرْكِ صَوْمِ النَّفْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ ، وَقَدْ نَقَلَ هَارُونُ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ إذَا نَهَاهُ ، كَذَا قَالَ : نَدْبٌ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : فَإِنْ قِيلَ : الْإِيثَارُ بِالْفَضَائِلِ وَالدِّينِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَكُمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ كَلَامِ الْقَاضِي ، وَهَذَا مِنْهُمَا تَسْوِيَةٌ بَيْنَ نَقْلِ الثَّوَابِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَهُ وَبَيْنَ نَقْلِ سَبَبِ الثَّوَابِ قَبْلَ فِعْلِهِ ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ ، فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ أَيْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِفِعْلِهَا لِيُحْرِزَ ثَوَابَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ ثُمَّ يُؤْثِرَهُ بِثَوَابِهَا ؟ قَالَ فِي الْفُنُونِ : يُسْتَحَبُّ إهْدَاؤُهَا حَتَّى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ إهْدَاءُ ذَلِكَ إلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ ، بَلْ كَانُوا يَدْعُونَ لَهُمْ ، فَلَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ عَنْهُمْ ، وَلِهَذَا لَمْ يَرَهُ شَيْخُنَا لِمَنْ لَهُ كَأَجْرِ الْعَامِلِ ، كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّمِ الْخَيْرِ ، بِخِلَافِ الْوَالِدِ لِأَنَّ لَهُ أَجْرًا لَا كَأَجْرِ الْوَلَدِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَامِلَ يُثَابُ عَلَى إهْدَائِهِ ، فَيَكُونُ لَهُ أَيْضًا مِثْلُهُ ، فَإِنْ جَازَ إهْدَاؤُهُ فَهَلُمَّ جَرًّا ،

وَيَتَسَلْسَلُ ثَوَابُ الْعَمَلِ الْوَاحِدِ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ عَمَلٍ وَعَمَلٍ ؟ ، وَإِنْ قِيلَ : يَحْصُلُ ثَوَابُهُ مَرَّتَيْنِ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ ، وَلَا يَبْقَى لِلْعَامِلِ ثَوَابٌ ، فَلَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَعَ غَيْرَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الدَّارَيْنِ ، فَيَتَضَرَّرُ ، وَلَا يَلْزَمُ دُعَاؤُهُ لَهُ وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُكَافَأَةٌ لَهُ كَمُكَافَأَتِهِ لِغَيْرِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَدْعُوُّ لَهُ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمُكَافَأَةِ ، وَلِلْمَدْعُوِّ لَهُ مِثْلُهُ ، فَلَمْ يَتَضَرَّرْ وَلَمْ يَتَسَلْسَلْ ، وَلَا يَقْصِدُ أَجْرَهُ إلَّا مِنْ اللَّهِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ أَقْدَمَ مَنْ بَلَغَهُ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ الْمُوَفَّقِ ، أَحَدُ الشُّيُوخِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ طَبَقَةِ أَحْمَدَ وَشُيُوخَ الْجُنَيْدِ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ : مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ مُحَدِّثُ عَصْرِهِ ، وَهُوَ إمَامُ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْبُخَارِيِّ بِبُخَارَى : سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ، سَمِعْت السَّرَّاجَ يَقُولُ : خَتَمْت الْقُرْآنَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ خَتْمَةٍ ، وَضَحَّيْت عَنْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ أُضْحِيَّةٍ ، وَالْحَيُّ كَالْمَيِّتِ فِي نَفْعِهِ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ ، فَكَذَا الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا ( و ) لِلْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ الْقَاضِي : لَا تُعْرَفُ رِوَايَةٌ بِالْفَرْقِ ، بَلْ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْكَحَّالِ يَعْنِي السَّابِقَةَ ، قَالَ : وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ صَحَّ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ ، وَانْتِفَاعُهُ بِالدُّعَاءِ بِإِجَابَتِهِ وَقَبُولِ الشَّفَاعَةِ فِي الْمَدْعُوِّ ، وَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ غَيْرُ الثَّوَابِ عَلَى نَفْسِ الدُّعَاءِ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ فِي حَجِّ النَّفْلِ عَنْ الْحَيِّ ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ لَهُ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ نَفْعَ الْإِجَابَةِ وَقَبُولَ الشَّفَاعَةِ فِي الْمَدْعُوِّ

إنَّمَا حَصَلَ حَيْثُ قَصَدَهُ الدَّاعِي لِلْمَدْعُوِّ لَهُ ، وَأَرَادَهُ مُتَقَرِّبًا بِسُؤَالِهِ وَخُضُوعِهِ وَتَضَرُّعِهِ ، فَكَذَلِكَ ثَوَابُ سَائِرِ الْقُرَبِ الَّذِي قَصَدَهُ بِفِعْلِهَا ، وَصَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ } ، الْحَدِيثُ ، قَالَ : وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُمَّتَهُ أَمْوَاتَهُمْ وَأَحْيَاءَهُمْ قَدْ نَالَهُمْ النَّفْعُ وَالْأَجْرُ بِتَضْحِيَتِهِ ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ عَبَثًا ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَذَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ وَإِهْدَاءُ الثَّوَابِ عَنْ الْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلِهَذَا احْتَجَّ مَنْ احْتَجَّ عَلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَجِبُ ، وَاقْتَصَرَ فِي هِدَايَةِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ، وَسَبْقِ الْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ وَصَنْعَةِ الطَّعَامِ ، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى مَا قَالَهُ شَيْخُنَا : جَمْعُ أَهْلِ الْمُصِيبَةِ النَّاسَ عَلَى طَعَامٍ لِيَقْرَءُوا وَيُهْدُوا لَهُ لَيْسَ مَعْرُوفًا فِي السَّلَفِ ، وَالصَّدَقَةُ أَوْلَى مِنْهُ ، لَا سِيَّمَا عَلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ ، كَالْقُرَّاءِ وَنَحْوِهِمْ ، فَإِنَّهُ قَدْ كَرِهَهُ طَوَائِفُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، وَقُرْبُ دَفْنِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، عَدَّهُ السَّلَفُ مِنْ النِّيَاحَةِ ، وَذَكَرَ خَبَرَ جَرِيرٍ السَّابِقَ ، وَهَذَا فِي الْمُحْتَسِبِ ، فَكَيْفَ مَنْ يَقْرَأُ بِالْكِرَاءِ .

وَاكْتِرَاءُ مَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي لِلْمَيِّتِ بِدْعَةٌ ، لَمْ يَفْعَلْهَا السَّلَفُ ، وَلَا اسْتَحَبَّهَا الْأَئِمَّةُ ، وَالْفُقَهَاءُ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الِاكْتِرَاءِ عَلَى تَعْلِيمِهِ ، فَأَمَّا اكْتِرَاءُ مَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِيهِ فَمَا عَلِمْت أَحَدًا ذَكَرَهُ ، وَلَا ثَوَابَ لَهُ ، فَلَا شَيْءَ لِلْمَيِّتِ ، قَالَهُ الْعُلَمَاءُ ، قَالَ : وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْقُرَّاءِ وَالْعُلَمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا ، وَلِلْوَاقِفِ كَأَجْرِ الْعَامِلِ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَنِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا } ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَعْيٌ فِي سُنَّتِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : الْوَقْفُ عَلَى التُّرَبِ بِدْعَةٌ .
وَقَالَ أَيْضًا : فِيهَا مَصْلَحَةُ الْحَضِّ عَلَى بَقَاءِ حِفْظِهِ وَتِلَاوَتِهِ ، وَفِيهَا مَفَاسِدُ : مِنْ الْقِرَاءَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَاشْتِغَالِهِ بِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْرُوعَةِ ، وَالتَّأَكُّلِ بِهِ ، فَمَتَى أَمْكَنَ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ بِدُونِهِ فَالْوَاجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَإِبْطَالُهُ .
وَشَرْطُ إهْدَاءِ الْقِرَاءَةِ يَنْبَنِي عَلَى إهْدَاءِ ثَوَابِ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ ، فَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَبْطَلَهُ ، وَمَنْ جَوَّزَهُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عِبَادَةً ، وَهِيَ مَا قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ ، فَأَمَّا بِإِجَارَةٍ وَجَعَالَةٍ فَلَا تَكُونُ قُرْبَةً ، وَإِنْ أَخَذَ الْأُجْرَةَ وَالْجَعْلَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ جُعِلَ الْخِلَافُ فِي أُجْرَةِ تَعْلِيمٍ وَنَحْوِهِ ، فَقَدْ حُكِمَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لِمَا قَالَ : لَا يَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِيهِ ، وَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ ، وَفِي كَلَامِهِ الْأَخِيرِ إنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّ ، وَلَا إهْدَاءَ ، لِعَدَمِ الثَّوَابِ ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَلَا يُهْدِي شَيْئًا ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ بِأُجْرَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ

الْإِشْرَاكُ فِي الْعِبَادَةِ ، فَمَنْ فَعَلَهُ مِنْ أَجْلِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ عِبَادَةً ، فَلَمْ يَصِحَّ ، مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، كَأَخْذِ النَّفَقَةِ لِأَجْلِهِ ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِزَائِدٍ عَلَيْهَا ، خِلَافًا لِلْفُصُولِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ إجَارَةٍ وَجَعَالَةٍ ، فَلَا يَجُوزُ ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ : الْجَعَالَةُ أَوْسَعُ ، لِجَوَازِهَا مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ ، وَدَلَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ لِأَجْلِ الْعِوَضِ لَا يُخْرِجُهُ ، عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فِي الْجُمْلَةِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا ؛ لِأَنَّ مَالَ الْوَقْفِ رِزْقٌ وَمَعُونَةٌ لَا إجَارَةٌ وَلَا جَعَالَةٌ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا ذَكَرُوا مِنْ أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي ، وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمَصَالِحِ ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ، مَعَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ لَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ ، لَكِنْ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، كَالْمَدَارِسِ وَالصُّوفِيَّةِ ، فَكَذَا مَنْ يَقْرَأُ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَسَائِلِ الْحَجِّ ، وَقَدْ وَجَّهَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَنَحْوَهَا لَا تَصِلُ إلَى الْحَيِّ : بِأَنَّهُ يَفْتَحُ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً ، فَإِنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَّكِلُونَ عَنْ الْأَعْمَالِ بِبَذْلِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُسَهِّلُ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ ، فَيَفُوتُهُمْ أَسْبَابُ الثَّوَابِ بِالِاتِّكَالِ عَلَى الثَّوَابِ ، وَتَخْرُجُ أَعْمَالُ الطَّاعَاتِ عَنْ لُبِّهَا إلَى الْمُعَاوَضَاتِ ، وَيَصِيرُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ مُعَامَلَاتٍ لِلنَّاسِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْإِخْلَاصِ ، وَنَحْنُ عَلَى أَصْلٍ يُخَالِفُ هَذَا ، وَهُوَ مَنْعُ الِاسْتِئْجَارِ وَأَخْذِ الْأَعْوَاضِ وَالْهَدَايَا عَلَى الطَّاعَاتِ ، كَإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَالْحَجِّ ، وَفَارَقَ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَضَمَانَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ، وَحَقُّ اللَّهِ فِيهِ تَابِعٌ ، فَدَلَّ كَلَامُهُ

عَلَى التَّسْوِيَةِ ، وَأَنَّهُ لَوْ جَازَ هُنَاكَ جَازَ هُنَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ، وَمَتَى لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةُ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي .
وَقَالَ شَيْخُنَا : لَوْ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَنْهُ نَافِلَةً بِأُجْرَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَنْهُ ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، كَذَا قَالَ ، وَهِيَ كَالْقِرَاءَةِ ، كَمَا سَبَقَ ، قَالَ : وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الصَّلَاةِ ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ كُلِّ صَلَاةٍ اسْتَعَانُوا عَلَيْهَا بِهَا ، مِنْ غَيْرِ نَقْصِ أَجْرِ الْمُصَلِّي ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ : إذَا أَرَادَ الْوَرَثَةُ [ ذَلِكَ ] وَقَالَ فِيمَنْ وَصَّى بِشِرَاءِ وَقْفٍ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ : يُصْرَفُ فِي جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ، كَإِعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ وَالْقُرَّاءِ ، أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ ، فَفِي الَّتِي قَبْلَهَا اعْتَبَرَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ ، وَهُنَا جَوَّزَهُ فِي الْمَصَالِحِ ، فَهُوَ كَاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي الصَّدَقَةِ بِفَاضِلِ رِيعِ الْوَقْفِ ، هَلْ يُعْتَبَرُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ يَجُوزُ فِي الْمَصَالِحِ ؟ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، .

كِتَابُ الزَّكَاةِ وَبَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ، وَسَبَبِهَا ، وَشُرُوطِهَا وَمُسْقِطِهَا وَمَا تَجِبُ فِيهِ مِنْ الْأَمْوَالِ .
وَهِيَ لُغَةً النَّمَاءُ ، وَقِيلَ : وَالتَّطْهِيرُ ؛ لِأَنَّهَا تُنَمِّي الْأَمْوَالَ ، وَتُطَهِّرُ مُؤَدِّيهَا ، وَقِيلَ : تُنَمِّي أَجْرَهَا .
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : تُنَمِّي الْفُقَرَاءَ ، وَسُمِّيَتْ شَرْعًا زَكَاةً لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ، وَهِيَ شَرْعًا حَقٌّ يَجِبُ فِي مَالٍ خَاصٍّ ، وَسُمِّيَتْ صَدَقَةً لِأَنَّهَا دَلِيلٌ لِصِحَّةِ إيمَانِ مُؤَدِّيهَا وَتَصْدِيقِهِ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ ؟ وَفِي ذَلِكَ آيَاتٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي آيَةِ الذَّارِيَاتِ { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ } هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الزَّكَاةُ ؟ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ الزَّكَاةُ ، لِقَوْلِهِ فِي آيَةِ سَأَلَ ، { وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } وَالْمَعْلُومُ إنَّمَا هُوَ الزَّكَاةُ لَا التَّطَوُّعُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَشَيْخُنَا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ طَلَبُهَا وَبَعْثُ السُّعَاةِ لِقَبْضِهَا ، فَهَذَا بِالْمَدِينَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنَّ الظَّوَاهِرَ فِي إسْقَاطِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ مُعَارَضَةٌ بِظَوَاهِرَ تَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ فِعْلُهَا ، وَيُعَاقَبُ بِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ فَسَّرَ الزَّكَاةَ فِيهَا بِالتَّوْحِيدِ ، وَاحْتَجَّ فِي خِلَافِ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } وَالْحَقُّ هُوَ الزَّكَاةُ ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى صِنْفَيْنِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ جَمِيعِهِ إلَيْهِمَا ، وَكَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ وَاسْمُهُ عُرَيْبٌ ، ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : { أَمَرَنَا

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا ، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ } ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مَعَ رَمَضَانَ ، وَهُوَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الزَّكَاةَ بَعْدَهَا ، وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ : تَطَهَّرَ مِنْ الشِّرْكِ ، وَالصَّلَوَاتُ : الْخَمْسُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ : لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ زَكَاةٌ وَلَا عِيدٌ ، يُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ } قَالَ : الرَّحْمَةَ .
إنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الصَّلَاةَ ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الصِّيَامَ ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمْ الزَّكَاةَ ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الْحَجَّ ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمْ الْجِهَادَ ، ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ فَقَالَ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْثَقُ إيمَانِ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَصْدَقُهُ وَأَكْمَلُهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ .
وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ فِي مَسْأَلَةِ النَّسْخِ أَنَّ الزَّكَاةَ بَعْدَ الصَّوْمِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ ( ع ) وَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ ( هـ م ) بِقَدْرِهِ ، وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ( هـ ) لِلْعُمُومِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا ، كَالْمَرْأَةِ ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهَا لِحَقْنِ الدَّمِ ، وَدَمُهُمَا مَحْقُونٌ ، وَالْعَقْلُ لِلنُّصْرَةِ ، وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا ، وَسَبَقَ حُكْمُ الْكَافِرِ أَوَّلَ

الصَّلَاةِ ، وَلَا يَلْزَمُ قِنًّا وَمُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ ( و ) فَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ ( و هـ ش ) زَكَّاهُ السَّيِّدُ ( و هـ ش ) وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ [ ( و م ) ] فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ( و م ) فِيهِمَا ، فَلَا فِطْرَةَ إذًا فِي الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ ، وَعَنْهُ : بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُزَكِّيَهُ السَّيِّدُ ، وَعَنْهُ : التَّوَقُّفُ ، وَلَا يَلْزَمُ مُكَاتَبًا ( و ) لِنَقْصِ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ ، وَعَنْهُ هُوَ كَالْقِنِّ ، وَعَنْهُ : يُزَكِّي بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا عُشْرَ فِي زَرْعهِ ، ( هـ ) وَإِنْ عَتَقَ أَوْ عَجَزَ أَوْ قَبَضَ قِسْطًا مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ وَفِي يَدِهِ نِصَابٌ اسْتَقْبَلَ الْمَالِكُ بِهِ حَوْلًا ، وَمَا دُونَ نِصَابٍ كَمُسْتَفَادٍ .

وَهَلْ تَجِبُ فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْجَنِينِ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا ، كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ ؛ لِحُكْمِنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا ، حَتَّى مَنَعْنَا بَاقِيَ الْوَرَثَةِ مِنْهُ ، أَمْ لَا ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ زَكَاةِ [ مَالِ ] الصَّبِيِّ ، مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ، بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ مَيِّتًا ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلًا ، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ حَيًّا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي ( م 1 ) وَقَالَ الشَّيْخُ فِي فِطْرَةِ الْجَنِينِ : لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ ، بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا ، مَعَ أَنَّهُ احْتَجَّ هُوَ وَغَيْرُهُ لِلْوُجُوبِ هُنَاكَ بِالْعُمُومِ ، وَيَأْتِي قَوْلُ أَحْمَدَ : صَارَ وَلَدًا ، وَعَدَمُ الْوُجُوبِ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ .

كِتَابُ الزَّكَاةِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلُهُ : وَهَلْ تَجِبُ فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْجَنِينِ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا ، كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ ، لَحَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا ، حَتَّى مَنَعْنَا بَاقِيَ الْوَرَثَةِ ، أَمْ لَا ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ زَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ ، مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ، بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ مَيِّتًا ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلًا أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ حَيًّا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمَجْدُ ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ : وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ أَحْمَدَ فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَصِيبِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ مِنْ حِينِ مَوْتِ أَبِيهِ ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ ، وَذَكَرَ نَصَّيْنِ صَرِيحَيْنِ فِي ذَلِكَ وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا فِي بَابِ مِيرَاثِ الْحَمْلِ وَزِيَادَةٌ

فَصْلٌ .
وَإِنَّمَا تَلْزَمُ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا ( و ) فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَعَنْهُ لَا زَكَاةَ ( و هـ ش ) وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ : لَا تَضُرُّ حَبَّةٌ وَحَبَّتَانِ ( م 2 ) وَعَنْهُ : وَلَا أَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : حَتَّى ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثُ مِثْقَالٍ عَنْهُ : إنْ جَازَتْ جَوَازًا لِوِزَانِهِ وَجَبَتْ ( و م ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمَضْرُوبَةُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ( م ) قَالَ مَالِكٌ : وَإِنْ لَمْ تَجُزْ ، وَلَمْ تَكُنْ مَضْرُوبَةً إثْرَ دِرْهَمٍ .
وَفِي الْمُذْهَبِ : ثُلُثُ مِثْقَالٍ ، وَقِيلَ : تَسْقُطُ بِنَقْصِهِ يَسِيرًا أَوَّلَ الْحَوْلِ وَوَسَطَهُ فَقَطْ ، وَهَلْ نِصَابُ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ تَحْدِيدٌ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، لِتَحْدِيدِ الشَّارِعِ بِالْأَوْسُقِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ تَقْرِيبٍ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 3 ) وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، فَيُؤَثِّرُ نَحْوُ رِطْلَيْنِ وَمُدَّيْنِ عَلَى التَّحْدِيدِ لَا عَلَى التَّقْرِيبِ ، وَجَعَلَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَائِدَةَ الْخِلَافِ ، وَقَدَّمَ الْقَوْلَ بِالتَّقْرِيبِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِنَقْصٍ دَاخِلٍ فِي الْكَيْلِ فِي الْأَصَحِّ ، جَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةِ ( و ) وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ : إذَا نَقَصَ مَا لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ ظَهَرَ فِيهَا سَقَطَتْ الزَّكَاةُ ، وَإِلَّا فَلَا .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا تَلْزَمُ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَعَنْهُ : لَا زَكَاةَ ، وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ : لَا تَضُرُّ حَبَّةٌ وَحَبَّتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ لِلْمُصَنِّفِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، إحْدَاهُمَا لَا تَضُرُّ حَبَّةٌ وَلَا حَبَّتَانِ ، وَهُوَ مِنْ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : قَالَهُ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ ، قَالَ الشَّارِحُ : وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيهِ ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَجَبَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ النِّصَابُ تَحْدِيدٌ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ وَلَوْ كَانَ نَقْصًا يَسِيرًا ، قَالَ فِي الْمُبْهِجِ : هَذَا أَظْهَرُ وَأَصَحُّ ، قَالَ الشَّارِحُ : هُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَدْخُلُ فِي الْمَكَايِيلِ ، كَالْأُوقِيَّةِ وَنَحْوِهَا ، فَلَا يُؤَثِّرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا ( مَسْأَلَةٌ 3 ) .
قَوْلُهُ : وَهَلْ نِصَابُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ تَحْدِيدٌ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، لِتَحْدِيدِ الشَّارِعِ بِالْأَوْسُقِ أَوْ تَقْرِيبٌ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، إحْدَاهُمَا تَحْدِيدٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ،

وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هُوَ تَقْرِيبٌ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .

وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ ( و ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نَقْدًا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ ( هـ ) إلَّا السَّائِمَةَ فَلَا زَكَاةَ فِي وَقْصِهَا ، وَقِيلَ : بَلَى ، اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ ( وَ ) لِرِوَايَةٍ عَنْ ( م ) وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَلِفَ بَعِيرٌ مِنْ تِسْعٍ ، أَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إنْ اعْتَبَرْنَا التَّمَكُّنَ سَقَطَ تُسْعُ شَاةٍ ، وَلَوْ تَلِفَ مِنْهَا سِتَّةٌ زَكَّى الْبَاقِيَ ثُلُثَ شَاةٍ ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً فَأَخَذَ مِنْهَا بَعِيرًا بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّى تُسْعَ شَاةٍ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا رَدِيئًا أَوْ صِغَارًا كَانَ الْوَاجِبُ وَسَطًا ، وَيُخْرِجُ مِنْ الْأَعْلَى بِالْقِيمَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شَاةً ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا ، وَفِي الثَّالِثَةِ خُمُسَهَا ، وَفِي الرَّابِعِ يَتَعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِالْخِيَارِ ، وَالرَّدِيءُ بِالْوَقْصِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَطُّ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ أَيْضًا ، وَلَوْ تَلِفَ عِشْرُونَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَنِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةُ أَتْسَاعهَا ، وَلَيْسَ الْوَاجِبُ أَرْبَعَ شِيَاهٍ جَعْلًا لِلتَّالِفِ مَعْدُومًا ( هـ ) لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَ بِالتَّلَفِ عَنْ نِصَابٍ زَكَّى الْبَاقِيَ بِقِسْطِهِ ( و ) وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ وَقْصٍ لَا يُؤَثِّرُ بِالشَّاةِ الْمُعَلَّقَةِ بِالنِّصَابِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَفِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالزَّائِدِ عَلَى نِصَابِ السَّرِقَةِ احْتِمَالَانِ ( م 4 ) وَلَا عُشْرَ فِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا كَالْأَرْضِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ .

مَسْأَلَةٌ 4 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالزَّائِدِ عَلَى نِصَابِ السَّرِقَةِ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي أَنَّ الْقَطْعَ هَلْ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ الْمَسْرُوقِ وَالنِّصَابِ وَالزَّائِدِ عَلَيْهِ أَوْ بِالنِّصَابِ مِنْهُ فَقَطْ ؟ أَطْلَقَ احْتِمَالَيْنِ ، وَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ ، فَإِنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْصِ مِنْ السَّائِمَةِ بِأَنَّهُ مَالٌ نَاقِصٌ عَنْ نِصَابٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ أَصْلِ مَا نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ الْأَوَّلِ ، وَعَكْسُهُ زِيَادَةُ نِصَابِ السَّرِقَةِ ، انْتَهَى ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ قَبْلَهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوَقْصِ وَعَدَمِهِ ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ، وَلَمْ نَرَهَا فِي غَيْرِهِ ، فَفِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ .
وَيُعْتَبَرُ تَمَامُ مِلْكِ النِّصَابِ فِي الْجُمْلَةِ ( و ) فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ ( و ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا ، وَلَا فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ ، أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ ، أَوْ مُمَاطِلٍ ، أَوْ جَاحِدِ قَبْضِهِ ، وَمَغْصُوبٍ ، وَمَسْرُوقٍ ، وَمَعْرُوفٍ ، وَضَالٍّ رَجَعَ ، وَمَا دَفَنَهُ وَنَسِيَهُ ، وَمَوْرُوثٍ ، أَوْ غَيْرِهِ وَجَهِلَهُ ، أَوْ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هُوَ ، فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ ، وَرَجَّحَهَا بَعْضُهُمْ ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَشَيْخُنَا ( و هـ ) وَفِي رِوَايَةٍ : تَجِبُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ : ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ( و م ش ) وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمُؤَجَّلِ ( م 5 ) ( و هـ ) لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَالْإِبْرَاءِ ، فَيُزَكِّي ذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ ، خِلَافًا لِرِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : إذَا قُلْنَا تَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَقَبْضِهِ ، فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ ، وَقَيَّدَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْمَجْحُودَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : ظَاهِرًا ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا : ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا أَوْ فِيهِمَا ، وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ فَوَجْهَانِ ( م 6 ) وَقِيلَ : تَجِبُ فِي مَدْفُونٍ بِدَارِهِ ، وَدَيْنٍ عَلَى مُعْسِرٍ وَمُمَاطِلٍ ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي وَدِيعَةٍ جَحَدَهَا الْمُودَعُ ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِوُجُوبِهَا فِي وَدِيعَةٍ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هِيَ ( م 7 ) وَلَا يُخْرِجُ الْمُودَعُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَدْفُونَ بِمَغَارَةٍ ، وَعَكْسُهُ الْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَتَجِبُ عِنْدَهُمْ فِي دَيْنٍ عَلَى مُعْسِرٍ ، أَوْ جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ، أَوْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي ، وَعَلَى مُقِرٍّ مُفْلِسٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ التَّفْلِيسَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَ

مُحَمَّدٍ ، لَا تَجِبُ ، لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ بِالتَّفْلِيسِ عِنْدَهُ ، وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ ، وَقَالَ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : رِعَايَةً لِلْفُقَرَاءِ .

( مَسْأَلَةٌ 5 ) .
قَوْلُهُ : وَلَا زَكَاةَ فِي مُؤَجَّلٍ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ مُمَاطِلٍ أَوْ جَاحِدِ قَبْضِهِ وَمَغْصُوبٍ وَمَسْرُوقٍ وَمُعَرَّفٍ وَضَالٍّ رَجَعَ ، وَمَا دَفَنَهُ وَنَسِيَهُ ، وَمَوْرُوثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَهِلَهُ ، أَوْ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هُوَ ، فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ ، وَرَجَّحَهَا بَعْضُهُمْ ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَشَيْخُنَا .
وَفِي رِوَايَةٍ : تَجِبُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمُؤَجَّلِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ فِي الْمَذْهَبِ ، اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَبُو الْمَعَالِي فِي الْخُلَاصَةِ ، وَنَصَرَهَا فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ : اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا ، وَصَحَّحَهَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمُؤَجَّلِ ، مِنْهُمْ الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ ، وَيَشْمَلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى جَزَمَ بِهَا فِي الْعُمْدَةِ فِي غَيْرِ الْمُؤَجَّلِ ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمَا ، وَاخْتَارَهَا مَنْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ فَوَجْهَانِ ، يَعْنِي إذَا قُلْنَا لَا تَجِبُ فِي الْمَجْحُودِ الَّذِي لَا بَيِّنَةَ بِهِ ، فَهَلْ تَجِبُ فِيمَا بِهِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : فَإِنْ كَانَ بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ الْقَاضِي ، انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا تَجِبُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الشَّارِحُ : وَفِي الْمَجْحُودِ وَاَلَّذِي لَا بَيِّنَةَ بِهِ رِوَايَتَانِ ، فَظَاهِرُ وُجُوبِهَا إذَا كَانَ

بِهِ بَيِّنَةٌ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَجِبُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، لِإِطْلَاقِهِمْ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ كَمَا لَا بَيِّنَةَ بِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) .
قَوْلُهُ : وَالرِّوَايَتَانِ فِي وَدِيعَةٍ جَحَدَهَا الْمُودَعُ ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِوُجُوبِهَا فِي وَدِيعَةٍ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هِيَ ، انْتَهَى ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، كَالْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَلَوْ وَجَبَتْ فِي نِصَابٍ ، بَعْضُهُ دَيْنٌ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ غَصْبٌ أَوْ ضَالٌّ ، فَفِي وُجُوبِ إخْرَاجِ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَالضَّالِّ وَجْهَانِ ( م 8 و 9 ) فَإِنْ قُلْنَا لَا ، وَكَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ ، فَوَجْهَانِ ، وَمَتَى قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) خِلَافًا لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَمَالِكٍ ، وَخِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ غَيْرِ زَكَوِيٍّ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ ، وَيَرْجِعُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالزَّكَاةِ ، لِنَقْصِهِ بِيَدِهِ كَتَلَفِهِ ، وَإِنْ غُصِبَ رَبُّ الْمَالِ بِأَسْرٍ أَوْ حَبْسٍ وَمُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهٍ لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ ، لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ وَلَوْ حُمِلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ بِالْإِسْلَامِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْعَاصِمَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافٍ ، وَيَمْلِكُ بِاسْتِيلَاءٍ ، وَمَنْ دَيْنُهُ حَالٌّ عَلَى مَلِيءٍ بَاذِلٍ زَكَّاهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وِفَاقًا ، إذَا قَبَضَهُ ، وَعَنْهُ : أَوْ قَبْلَهُ ( و م ش ) وَيُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى ، قَصَدَ بِبَقَائِهِ عَلَيْهِ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ ( و ) أَمْ لَا ( م ) وَعَنْهُ : لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا مَضَى ، وَيُجْزِئُهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ قَبْضِهِ ( م ) لِزَكَاةِ سِنِينَ ، وَلَوْ مُنِعَ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ، لِقِيَامِ الْوُجُوبِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ رُخْصَةٌ ، وَلَوْ مَلَكَ مِائَةً نَقْدًا وَمِائَةً مُؤَجَّلَةً زَكَّى النَّقْدَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ وَالْمُؤَجَّلَ إذَا قَبَضَهُ ، وَإِذَا مَلَكَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ اسْتَقْبَلَ بِهَا [ حَوْلًا ] وَزَكَّى ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِ ، وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَدِينٌ

بِهَا ، فَإِنْ مَلَكَ مَا يُقَابِلُ قَدْرَ عِوَضِهَا زَكَّى ، وَقِيلَ : لَا ( و م ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ ، وَإِذَا مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطُ وَزَكَّى فَلَا زَكَاةَ إذًا عَلَى رَبِّهَا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهَلْ يُزَكِّيهَا رَبُّهَا حَوْلَ التَّعْرِيفِ كَبَعْدِهِ إذَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُلْتَقِطُ ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الْمَالِ الضَّالِّ ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ اللُّقَطَةَ وَقُلْنَا يَتَصَدَّقُ بِهَا ، لَمْ يَضْمَنْ حَتَّى يَخْتَارَ رَبُّهَا الضَّمَانَ ، فَيَثْبُتُ حِينَئِذٍ فِي ذِمَّتِهِ ، كَدَيْنٍ مُجَدَّدٍ ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ زَكَاتَهَا عَلَيْهِ مِنْهَا ثُمَّ أَخَذَهَا رَبُّهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَ ، وَقِيلَ : لَا وَإِنْ قُلْنَا : لَا تَلْزَمُ زَكَاتُهَا ، قَالَ بَعْضُهُمْ : لِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ إذًا .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَجَبَتْ فِي نِصَابٍ ، بَعْضُهُ دَيْنٌ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ غَصْبٌ أَوْ ضَالٌّ ، فَفِي وُجُوبِ [ إخْرَاج ] زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَالضَّالِّ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، فَلَوْ كَانَتْ إبِلُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ، مِنْهَا خَمْسٌ مَغْصُوبَةٌ أَوْ ضَالَّةٌ ، أَخْرَجَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ فَوَجْهَانِ ، وَهَذِهِ ( مَسْأَلَةٌ 9 ) أُخْرَى ، أَطْلَقَ فِيهَا الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ فِيهِمَا ، أَحَدُهُمَا يَجِبُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَجِبُ حَتَّى يَقْبِضَ ، كَغَيْرِ الْمَلِيءِ

وَيَسْتَقْبِلُ بِالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ وَالْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ حَوْلًا ، عَيْنًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ دَيْنًا مُسْتَقِرًّا أَوْ لَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) وَكَذَلِكَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ نَقْدٍ ، لِلْعُمُومِ ؛ وَلِأَنَّهُ ظَاهِرُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، وَعَنْهُ : حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ ( و هـ ) وَعَنْهُ : لَا زَكَاةَ فِي صَدَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى يَقْبِضَ فَيَثْبُتَ الِانْعِقَادُ وَالْوُجُوبُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : بِالْإِجْمَاعِ ، مَعَ احْتِمَالِ الِانْفِسَاخِ ، وَعَنْهُ : تَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الصَّدَاقِ ، وَكَذَا فِي الْخِلَافِ : فِي اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ ، أَوْ مَالٍ غَيْرِ زَكَوِيٍّ ، عِنْدَ الْكُلِّ ، كَمُوصًى بِهِ وَمَوْرُوثٍ وَثَمَنِ مَسْكَنٍ ، وَعَنْهُ : لَا حَوْلَ لِأُجْرَةٍ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ( خ ) وَقَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِأُجْرَةِ الْعَقَارِ ( خ ) نَظَرًا إلَى كَوْنِهَا غَلَّةَ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ ، وَعَنْهُ : وَمُسْتَفَادٌ ، وَذَكَرَهَا أَبُو الْمَعَالِي فِيمَنْ بَاعَ سَمَكًا صَادَهُ بِنِصَابِ زَكَاةٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا زَكَاةَ ( و ) لِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ فِيهَا ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ ، فَإِنْ عُيِّنَتْ زُكِّيَتْ كَغَيْرِهَا ، وَكَذَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تُزَكَّى و ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ مَالًا زَكَوِيًّا ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ فِي الدِّيَةِ فِيهَا أَصْلٌ أَوْ أَحَدُهَا .

وَتَجِبُ فِي قَرْضٍ وَدَيْنٍ وَعُرُوضِ تِجَارَةٍ ( و ) وَكَذَا فِي مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ ، خِلَافًا لِرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ أَوْ زَالَ أَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِ مَطْعُومٍ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَيُزَكِّي الْمَبِيعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكِهِ وَلَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ ، وَدَيْنُ السَّلَمِ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا ، وَثَمَنُ الْمَبِيع وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمَا وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ ، جَزَمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ جَمَاعَةٌ ، لِأَنَّ الطَّارِئَ لَا يُضْعِفُ مِلْكًا تَامًّا ، كَمَالِ الِابْنِ مُعَرَّضًا لِرُجُوعِ أَبِيهِ وَتَمَلُّكِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِلْكٍ تَامٍّ مَقْبُوضٍ ، وَعَنْهُ : أَوْ مُمَيَّزٍ لَمْ يَقْبِضْ ، قَالَ : وَفِيمَا [ صَحَّ ] تَصَرُّفُ رَبِّهِ [ فِيهِ ] قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ ، وَفِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمَا ، وَدَيْنِ السَّلَمِ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا ، وَالْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، رِوَايَتَانِ .
( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : وَفِي ثَمَنِ الْبَيْعِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمَا ، وَدَيْنِ السَّلَمِ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا ، وَالْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
لَيْسَ هَذَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، إنَّمَا هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ ، فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ قَدَّمَ فِي هَذَا حُكْمًا ، وَإِنَّمَا حَكَى كَلَامَ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ طَرِيقَةً

وَلِلْبَائِعِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ فِيهِ خِيَارٌ مِنْهُ ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهِ ، وَفِي بَقِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ ، وَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ ؟ وَجْهَانِ ( م 10 ) وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا مَبِيعٌ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَلَا مُتَمَيِّزٍ فَيُزَكِّيهِ الْبَائِعُ ، وَكُلُّ دَيْنٍ سَقَطَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَتَعَوَّضْ عَنْهُ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ ( و ) وَقِيلَ : هَلْ يُزَكِّيهِ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ زَكَّاهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ ، فَقِيرًا كَانَ الْمَدِينُ أَوْ غَنِيًّا ، وَعَنْهُ : يُزَكِّيهِ الْمَدِينُ الْمُبَرَّأُ ، لِأَنَّهُ [ مَلَكَ ] مَا عَلَيْهِ ، وَحَمَلَهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى أَنَّ بِيَدِ الْمَدِينِ نِصَابًا مَنَعَ الدَّيْنُ زَكَاتَهُ ( و م ) وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا ( خ ) وَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ [ بِهِ ] عِوَضًا أَوْ أَحَالَ أَوْ احْتَالَ زَادَ بَعْضُهُمْ : وَقُلْنَا الْحَوَالَةُ وَفَاءٌ زَكَّاهُ كَعَيْنٍ وَهَبَهَا ، وَعَنْهُ : زَكَاةُ التَّعْوِيضِ عَلَى الْمَدِينِ ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْإِبْرَاءِ : يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا الْمَدِينُ ، وَالصَّدَاقُ كَالدَّيْنِ ( و ) وَقِيلَ : سُقُوطُهُ كُلُّهُ ، لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ مِنْ جِهَتِهَا ، كَإِسْقَاطِهَا وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا كُلَّهُ ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقِهَا رَجَعَ فِيمَا بَقِيَ بِكُلِّ حَقِّهِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ مَلِيئًا وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ حَقِّهِ ، وَقِيلَ : يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ وَنِصْفِ بَدَلِ مَا أَخْرَجَتْ ، وَقِيلَ : يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَصْدَقَهَا يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ مِثْلَهُ ، وَلَا تُجْزِئُهَا زَكَاتُهَا مِنْهُ بَعْدَ طَلَاقِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ ، وَقِيلَ : بَلَى ، عَنْ حَقِّهَا وَتَغْرَمُ لَهُ نِصْفَ مَا أَخْرَجَتْ ، وَمَتَى لَمْ تُزَكِّهِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ كَامِلًا ، وَتُزَكِّيهِ هِيَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَيَتَوَجَّهُ : لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ ،

وَفِيهَا فِي الرِّعَايَةِ بَلَى ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ ، وَقِيلَ : أَوْ بِالذِّمَّةِ .
مَسْأَلَةٌ 10 ) .
50 قَوْلُهُ وَلِلْبَائِعِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ فِيهِ خِيَارٌ مِنْهُ ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهِ ، وَفِي بَقِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ ، وَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ ؟ وَجْهَانِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي

وَيُزَكَّى الْمَرْهُونُ عَلَى الْأَصَحِّ ( و ) وَيُخْرِجُهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ بِلَا إذْنٍ إنْ عَدِمَ ، كَجِنَايَةِ رَهْنٍ عَلَى دَيْنِهِ ، وَقِيلَ : مِنْهُ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ ، وَقِيلَ : يُزَكِّي رَاهِنٌ مُوسِرٌ ، وَإِنْ أَيْسَرَ مُعْسِرٌ جَعَلَ بَدَلَهُ رَهْنًا ، وَقِيلَ : لَا .

وَفِي مَالِ مُفْلِسٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ رِوَايَتَا مُدَّيْنِ ، عِنْدَ أَبِي الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيِّ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ كَمَغْصُوبٍ ( م 11 ) وَقِيلَ : يُزَكِّي سَائِمَةً ، لِنَمَائِهَا بِلَا تَصَرُّفٍ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ عَيَّنَ حَاكِمٌ لِكُلِّ غَرِيمٍ شَيْئًا فَلَا زَكَاةَ ، لِضَعْفِ مِلْكِهِ إذًا ، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَمْ تَسْقُطْ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ كَانَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ ، وَهَلْ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 12 ) وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهَا ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَعَنْهُ : يُقْبَلُ ، كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ الْغَرِيمُ فَأَمَّا قَبْلَ الْحَجْرِ فَإِنَّ الدَّيْنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَدْرِهِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ ( و م ) قَالَ أَبُو الْفَرَجِ : وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : وَقِيمَةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ ، وَفِي الْمَعْدِنِ وَجْهَانِ ( م 13 ) وَعَنْهُ : لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ ( و ش ) وَعَنْهُ : يَمْنَعُهَا الدَّيْنُ الْحَالُّ خَاصَّةً ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ ، وَيَمْنَعُهَا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ ، كَمَاشِيَةٍ وَحَبٍّ وَثَمَرَةٍ أَيْضًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَالْحَلْوَانِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، وَعَنْهُ : لَا يَمْنَعُ ( و م ش ) وَعَنْهُ : يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَعَنْهُ : خَلَا الْمَاشِيَةَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، لِتَأْثِيرِ ثِقَلِ الْمُؤْنَةِ فِي الْمُعَشَّرَاتِ ، وَعِنْدَ ( هـ ) كُلِّ دَيْنٍ مُطَالَبٍ بِهِ يُمْنَعُ إلَّا فِي الْمُعَشَّرَاتِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا لَيْسَ بِزَكَاةٍ عِنْدَهُ ، وَمَتَى أَبْرَأَ الْمَدِينُ أَوْ قَضَى مِنْ مَالٍ مُسْتَحْدَثٍ ابْتَدَأَ حَوْلًا ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مَنَعَ انْعِقَادَ الْحَوْلِ ، وَقَطَعَهُ ، وَعَنْهُ : يُزَكِّيهِ ( و م ) فَيَبْنِي إنْ كَانَ فِي

أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ، وَبَعْدَهُ يُزَكِّيهِ فِي الْحَالِ ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ خُمُسَ الرِّكَازِ ، وَيَمْنَعُ أَرْشُ جِنَايَةِ عَبْدِ التِّجَارَةِ زَكَاةَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ جَبْرًا لَا مُوَاسَاةً ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ كَالدَّيْنِ .

( مَسْأَلَةٌ 11 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي مَالِ مُفْلِسٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ رِوَايَتَا مُدَّيْنِ ، عِنْدَ أَبِي الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيِّ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ كَمَغْصُوبٍ ، انْتَهَى ، الْقَوْلُ الثَّانِي ، هُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ ، وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ : هَذَا بَعِيدٌ ، بَلْ إلْحَاقُهُ بِمَالِ الدَّيْنِ أَقْرَبُ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) .
وَهَلْ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ ، إخْرَاجَهَا مِنْ الْمَالِ ، لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَمْلِكُ ذَلِكَ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ كَالرَّاهِنِ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي الْمَعْدِنِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ ؟ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ فِيهِمَا ، وَغَيْرُهُمْ ، أَحَدُهُمَا هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ ، قَالَ الشِّيرَازِيُّ : الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَقَطْ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ الظَّاهِرَةِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا فِي بَابِهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأَثْمَانِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِهَا ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَيُمْنَعُ فِي الْمَعْدِنِ ، وَقِيلَ : لَا ، انْتَهَى ، وَكَلَامُهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ مُحْتَمِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ الْأَثْمَانُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ ، وَقَالُوا : الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ الْمَوَاشِي وَالْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَمَنْ لَهُ عَرْضُ قِنْيَةٍ يُبَاعُ لَوْ أَفْلَسَ يَفِي بِدَيْنِهِ ، فَعَنْهُ : يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ ، وَيُزَكِّي مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ ( و م ) جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ، وَهُوَ أَحَظُّ ، وَعَنْهُ : يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا مَعَهُ وَلَا يُزَكِّيهِ ( و هـ ) لِئَلَّا تَحْتَمِلَ الْمُوَاسَاةُ وَلِأَنَّ عَرَضَ الْقِنْيَةِ كَمَلْبُوسِهِ فِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِمَا ، فَكَذَا فِيمَا يَمْنَعُهَا ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ بِيَدِهِ أَلْفٌ دَيْنًا وَالْمُرَادُ عَلَى مَلِيءٍ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا ، يُزَكِّي مَا مَعَهُ عَلَى الْأُولَى ( و م ) لَا الثَّانِيَةِ ( م 15 ) ( و هـ ) فَإِنْ كَانَ الْعَرَضُ لِلتِّجَارَةِ ، فَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ الْمَرْوَزِيِّ : يُزَكِّي مَا مَعَهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لِلْقِنْيَةِ ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ فَوْقَ حَاجَتِهِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ فِيمَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ جِنْسُ الدَّيْنِ جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ ، وَحَكَى رِوَايَةً : وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْأَحَظُّ [ وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ ] الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا ، فَمَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ ، جَعَلَ الدَّنَانِيرَ قُبَالَةَ دَيْنِهِ وَزَكَّى مَا مَعَهُ ، وَمَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَعَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ ، وَدَيْنُهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا جَعَلَ قُبَالَةَ الْغَنَمِ وَزَكَّى بِشَاتَيْنِ ، وَنَقْدُ الْبَلَدِ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ ، وَفَوْقَ نَفْعِهِ زِيَادَةُ الْمَالِيَّةِ ، وَدَيْنُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهِ فِي مَالِهِ ، دُونَ الضَّامِنِ ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، كَنِصَابٍ غُصِبَ مِنْ غَاصِبِهِ وَأُتْلِفَ فَإِنَّ الْمَنْعَ يَخْتَصُّ بِالثَّانِي ، مَعَ أَنَّ لِلْمَالِكِ طَلَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا ( و )

332 ( مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ لَهُ عَرَضُ قِنْيَةٍ يُبَاعُ لَوْ أَفْلَسَ يَفِي بِدَيْنِهِ ، فَعَنْهُ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ ، وَيُزَكِّي مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ، وَهُوَ أَحَظُّ ، وَعَنْهُ : يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا مَعَهُ وَلَا يُزَكِّيهِ ، لِئَلَّا تُحْتَمَلَ الْمُوَاسَاةُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، الرِّوَايَةُ الْأُولَى اخْتَارَهَا أَبُو الْمَعَالِي اعْتِبَارًا بِمَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ ، قَالَ الْقَاضِي : هِيَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمْ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ .
( مَسْأَلَةٌ 15 ) .
قَوْلُهُ : وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ بِيَدِهِ أَلْفٌ ، وَلَهُ أَلْفٌ دَيْنًا وَالْمُرَادُ عَلَى مَلِيءٍ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا ، يُزَكِّي مَا مَعَهُ عَلَى الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : قَدَّمَ هُنَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ جَعْلَ الدَّيْنِ مُقَابِلًا لِمَا فِي يَدِهِ ، وَقَالُوا : نَصَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالُوا : وَقِيلَ مُقَابِلًا لِلدَّيْنِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ هُنَا إخْرَاجُ زَكَاةِ مَا فِي يَدِهِ

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ صَحَّ ، وَهِيَ كَالدَّيْنِ فِي مَنْعهَا لِلزَّكَاةِ ، وَحَيْثُ مَنَعَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ ، فَعَنْهُ : دَيْنُ اللَّهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَدَيْنِ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ ( و م ) وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِلَافِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْخَرَاجِ وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي احْتَجَّ لَهُ الْقَاضِي فِي الْكَفَّارَةِ ، وَعَنْهُ : لَا يَمْنَعُ ( م 16 ) وَفِي الْمُحَرَّرِ : الْخَرَاجُ مِنْ دَيْنِ اللَّهِ ، وَقَدَّمَ أَحْمَدُ الْخَرَاجَ عَلَى الزَّكَاةِ ، وَيَأْتِي فِي اجْتِمَاع الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ عِنْدَ ( هـ ) لَا يَمْنَعُ إلَّا دَيْنَ زَكَاةٍ وَخَرَاجٍ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا مُطَالِبًا بِهِمَا ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَنَا عَلَى الْفَوْرِ ، فَإِنْ مَنَعَهَا وَعَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ طَالَبَهُ بِإِخْرَاجِهَا كَالزَّكَاةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ : يُجْبَرُ الْمُظَاهِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ ، عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَجِّ ، كَذَا الْكَفَّارَةُ ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُطَالِبُ بِزَكَاةِ مَالٍ بَاطِنٍ ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْهُ ، وَيَأْتِي فِي مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ ، وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمُعَيَّنٍ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا ، أَوْ هُوَ صَدَقَةٌ ، فَحَالَ الْحَوْلُ ، فَلَا زَكَاةَ ( هـ ) لِزَوَالِ مِلْكِهِ أَوْ نَقْصِهِ ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ : تَجِبُ ، فَقَالَ فِي قَوْلِهِ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْت مِنْ هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ فَشُفِيَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ الصَّدَقَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ وَقِيلَ : أَوْ قَالَ : جَعَلْته ضَحَايَا فَلَا زَكَاةَ ، وَيَحْتَمِلُ وُجُوبَهَا إذَا تَمَّ حَوْلُهُ قَبْلَهَا .

( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَحَيْثُ مُنِعَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ ، فَعَنْهُ : دَيْنُ اللَّهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَدَيْنُ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي خِلَافِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْخَرَاجِ ، وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ : لَا يُمْنَعُ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا هُوَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ آكَدُ مِنْهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَهَلْ تَمْنَعُ الْكَفَّارَةُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُسْتَنْبَطَيْنِ مِنْ مَنْعِ الدَّيْنِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ ، وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ ، فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَنَعَتْ الْكَفَّارَةُ ، وُجُوبَ الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ لَمْ تَمْنَعْ الْكَفَّارَةُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ، لِضَعْفِهَا عَنْ الدَّيْنِ ، انْتَهَى .
وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ

وَإِنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهَذَا النِّصَابِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ ، فَقِيلَ : لَا زَكَاةَ ، وَقِيلَ : بَلَى ( م 17 ) فَتُجْزِئُهُ الزَّكَاةُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَبْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إنْ نَوَاهُمَا مَعًا ، لِكَوْنِ الزَّكَاةِ صَدَقَةً ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ ، هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ يُدْخِلُ النَّذْرَ فِي الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا ؟ وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ إذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِنِصَابٍ إذَا حَالَ الْحَوْلُ ، فَقِيلَ لَا زَكَاةَ ، وَقِيلَ : بَلَى ، فَيُجْزِئُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ ، وَيَبْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِئَ إخْرَاجُهَا مِنْهُ ، وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَوَجَبَ إخْرَاجُهُمَا مَعًا ، وَقِيلَ : يَدْخُلُ النَّذْرُ فِي الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا مَعًا
( مَسْأَلَةٌ 17 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهَذَا النِّصَابِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ ، فَقِيلَ لَا زَكَاةَ ، وَقِيلَ : بَلَى ، انْتَهَى ، الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ

وَلَا زَكَاةَ فِي الْفَيْءِ [ ( و ) ] وَالْخُمُسِ ( و ) وَكَذَا الْغَنِيمَةُ الْمَمْلُوكَةُ إذَا كَانَتْ أَجْنَاسًا [ ( و ) ] لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ تَحْكِيمٍ ، فَيُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ شَاءَ ، فَمَا تَمَّ مِلْكُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ ، وَإِنْ كَانَتْ صِنْفًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، وَالْأَشْهَرُ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهَا إنْ بَلَغَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا ، وَإِلَّا اُبْتُنِيَ عَلَى الْخُلْطَةِ ، وَلَا يُخْرِجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، كَالدَّيْنِ ،

وَلَا زَكَاةَ فِي وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا ( هـ م ) قَالَ أَحْمَدُ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ : لَا عُشْرَ ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَصِيرُ إلَيْهِمْ ، وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْعُشْرِ ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا فِي الْوَقْفِ عَلَى فُقَهَاءِ مَدْرَسَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ، وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ ، وَإِنْ وَقَفَ سَائِمَةً أَوْ أَسَامَهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَأَقَارِبِهِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِنَقْصِ مِلْكِهِ ، وَكَمَا لَوْ قُلْنَا : الْمُلْكُ لِلَّهِ ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْوَقْفِ ، وَإِنْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ شَجَرًا عَلَيْهِ وَجَبَتْ فِي الْغَلَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِجَوَازِ بَيْعِهَا ، وَقِيلَ : تَجِبُ مَعَ غِنَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ ، وَمَنْ وَصَّى بِدَرَاهِمَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يُوقَفُ ، فَاتَّجَرَ بِهَا الْوَصِيُّ ، فَرِبْحُهُ مَعَ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا ، وَيَضْمَنُ إنْ خَسِرَ ، نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ ، وَقِيلَ : رِبْحُهُ إرْثٌ ، وَيَأْتِي كَلَامُ صَاحِبِ الْمُوجَزِ وَشَيْخِنَا فِي آخِرِ الشَّرِكَةِ .

وَالْمَالُ الْمُوصَى بِهِ يُزَكِّيهِ مَنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ وَصَّى بِنَفْعِ نِصَابِ سَائِمَةٍ زَكَّاهَا مَالِكُ الْأَصْلِ ، وَيَحْتَمِلُ : لَا زَكَاةَ إنْ وَصَّى بِهِ أَبَدًا ، وَلَا زَكَاةَ فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ لِضَعْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةُ رَأْسِ الْمَالِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : تَجِبُ الزَّكَاةُ ، وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ بِمِلْكِهِ بِظُهُورِ الرِّبْحِ ( و هـ ش ) أَوْ بِغَيْرِهِ ، عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي ، كَمَغْصُوبٍ وَدَيْنٍ عَلَى مُفْلِسٍ ، وَأَوْلَى لِيَدِهِ وَتَنْمِيَتِهِ ، فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ بُلُوغُ حِصَّتِهِ نِصَابًا ، وَدُونَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْخُلْطَةِ ، وَمَذْهَبُ ( م ) يُزَكِّيهَا ، وَإِنْ قَلَّتْ بِحَوْلِ الْمَالِكِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَنَا إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، كَالدَّيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِلَا إذْنٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ، لِدُخُولِهِمَا عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ ، وَقِيلَ : يُزَكِّيهَا رَبُّ الْمَالِ ( هـ ) بِحَوْلِ أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ ، وَالْعَامِلُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى هَذَا ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ فَصَارَ يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا أَلْفًا زَكَاةُ قِيمَتِهِمَا عَلَى الْمَالِكِ ، لِشَغْلِ رَأْسِ مَالِهِ كُلًّا مِنْهُمَا ، كَشَغْلِ الدَّيْنِ ذِمَّةَ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ ، فَلَمْ يَفْضُلْ مَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ أَحَدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ ، وَاسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ ، وَعِنْدَنَا أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ ، وَالْحُكْمُ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا ( و ش ) وَيُزَكِّي رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) كَالْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِظُهُورِهِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : فِي أَظْهَرِ

الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهُوَ سَهْوٌ قَبْلَ قَبْضِهَا ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَيَحْتَمِلُ سُقُوطَهَا قَبْلَهُ ، لِتَزَلْزُلِهِ ، وَإِذَا أَدَّاهَا مِنْ غَيْرِهِ فَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ ، وَإِنْ أَدَّى مِنْهُ حُسِبَ مِنْ الْمَالِ وَالرِّبْحِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا .
وَفِي الْمُغْنِي : تُحْتَسَبُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ ، لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ ، وَلَا يُقَالُ مُؤْنَةٌ كَسَائِرِ الْمُؤَنِ ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُحْسَبَ عَلَيْهَا .
وَفِي الْكَافِي : هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَدَيْنِهِ ، وَلَيْسَ لِعَامِلٍ إخْرَاجُ زَكَاةٍ تَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَمَنْ شَرَطَ مِنْهُمَا زَكَاةَ حِصَّتِهِ عَلَى الْآخَرِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَثَمَنَ عُشْرِهِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحِيطُ بِالرِّبْحِ ، فَهُوَ كَشَرْطِ فَضْلِ دَرَاهِمَ ، سَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ : يَشْتَرِطُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الزَّكَاةَ مِنْ الرِّبْحِ ، قَالَ : لَا ، الزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا ، كَمَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ فِي الْمُسَاقَاةِ إذَا لَمْ يُثْمِرْ الشَّجَرُ ، وَرُكُوبِ الْفَرَسِ فِي الْجِهَادِ إذَا لَمْ يَغْنَمُوا ، كَذَا قَالَ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي فَتَاوِيهِ : وَيَصِحُّ شَرْطُهَا فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ النَّمَاءِ الْمُشْتَرَكِ ، فَمَعْنَاهُ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى [ لَكَ ] مِمَّا يَفْضُلُ عَنْهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ يُوجَدُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ لَا ؟ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ مَجْهُولًا ؛ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَصِحَّ لَهُ الْقَلِيلُ إذَا كَثُرَتْ الثَّمَرَةُ ، وَالْكَثِيرُ إذَا قَلَّتْ ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ .

فَصْلٌ .
وَيُشْتَرَطُ الْحَوْلُ لِلْمَاشِيَةِ وَالْأَثْمَانِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ خَاصَّةً ( و ) وَمُضِيُّهُ عَلَى نِصَابٍ تَامٍّ ( و ) رِفْقًا بِالْمَالِكِ ، وَلِيَتَكَامَلَ النَّمَاءُ فَيُوَاسِيَ مِنْهُ ، وَيُعْفَى عَنْ سَاعَتَيْنِ فِي الْأَشْهَرِ ، وَفِي نِصْفِ يَوْمٍ وَجْهَانِ ( م 18 ) وَقَدَّمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : يُؤَثِّرُ مُعْظَمُ الْيَوْمِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَعَنْ يَوْمٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَقِيلَ : وَيَوْمَيْنِ ، وَقِيلَ : الْخَمْسَةُ وَالسَّبْعَةُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : وَأَيَّامٌ ، فَإِمَّا أَنَّ مُرَادَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، لِقِلَّتِهَا وَاعْتِبَارِهَا فِي مَوَاضِعَ ، أَوْ مَا لَمْ يُعَدَّ كَثِيرًا عُرْفًا ، وَلَا يُعْتَبَرُ طَرَفَا الْحَوْلِ خَاصَّةً ( هـ ) وَلَنَا وَجْهٌ كَقَوْلِهِ فِي الْعُرُوضِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ آخِرُهُ فِي الْعُرُوضِ خَاصَّةً ، فَلَا يُؤَثِّرُ نَقْصُ النِّصَابِ فِي غَيْرِهِ خَاصَّةً ( ش م ) وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ عَلَى الْعُرُوضِ كَالْأَوَّلِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَيَتْبَعُ نِتَاجُ نِصَابِ السَّائِمَةِ وَرِبْحُ التِّجَارَةِ لِلْأَصْلِ فِي حَوْلِهِ ، إنْ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا ، لِتَبَعِهَا فِي الْمِلْكِ حَتَّى مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ ، وَإِلَّا فَحَوْلُ الْجَمِيع مِنْ حِينِ كَمُلَ نِصَابًا ، وَلَوْ نَضَّ الرِّبْحُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ لَهُ حَوْلًا ( ش ) فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ ، هَلْ يَبْتَدِئُهُ مِنْ النَّضُوضِ أَوْ الظُّهُورِ ؟ لِأَصْحَابِهِ وَجْهَانِ وَتَأْتِي فِي السَّائِمَةِ رِوَايَةٌ حَوْلَ الْجَمِيع مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأُمَّاتِ كَذَا يُقَالُ أُمَّاتٌ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ أُمَّهَاتٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ فَقَطْ ، وَاسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ الْأُمَّهَاتِ فِي الْمَوَاشِي أَيْضًا ، وَهُوَ غَلَطٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لُغَةً أَيْضًا ، وَيُقَالُ فِي بَنِي آدَمَ أُمَّهَاتٌ ، وَفِيهِ لُغَةً أُمَّاتٌ وَلَا يُتْبِعُ الْمُسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِجِنْسِهِ ( هـ ) وَلَوْ كَانَ سَائِمَةً ( م ) أَفْضَى إلَى التَّشْقِيصِ أَمْ

لَا ، وَلَا عُشْرَ فِي ذَلِكَ ، وَحَكَى فِي الْأُجْرَةِ [ رِوَايَةً ] كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَى حَوْلِ الْمَوْرُوثِ ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ : يَبْنِي ، وَيَأْتِي قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْخُلْطَةِ ، وَيُضَمُّ الْمُسْتَفَادُ إلَى مَالٍ إلَى نِصَابٍ بِيَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ فِي حُكْمِهِ ، وَيُزَكِّي كُلُّ وَاحِدٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي مُسْتَفَادٍ ، وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِنَقْصِ النِّصَابِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَيْعهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ( م ر ) .
( مَسْأَلَةٌ 18 ) قَوْلُهُ : وَيُعْفَى عَنْ سَاعَتَيْنِ فِي الْأَشْهَرِ ، وَفِي نِصْفِ يَوْمٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى أَحَدُهُمَا يُعْفَى عَنْهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ .
( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَعَنْ يَوْمٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا ، انْتَهَى ، لَيْسَ كَمَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَلَا يُؤَثِّرُ نَقْصُهُ دُونَ يَوْمٍ ، وَلَيْسَ هُوَ الْمُجَرَّدُ لِلْقَاضِي ، لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ : وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا

وَإِنْ اخْتَلَطَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ بِمَا فِيهِ زَكَاةٌ ، ثُمَّ تَلِفَ الْبَعْضُ قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ ، لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ، وَلَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِ الْأُمَّاتِ وَالنِّصَابُ تَامٌّ بِالنِّتَاجِ ( و ) وَلَا يَتْبَعُ فَاسِدٌ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَلَا بِإِبْدَالِ نِصَابِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ ( ش ) وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ عَدَمِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ أَخْرَجَ مِمَّا مَعَهُ عِنْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ : يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ ، وَلَا يَنْقَطِعُ فِي أَمْوَالِ الصَّيَارِفَةِ ( و ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِهَا فِيمَا يَنْمُو وَوُجُوبُهَا فِي غَيْرِهِ ، وَالْأُصُولُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ ، وَلَا فِي نِصَابٍ يَجِبُ فِي عَيْنِهِ أَبْدَلَهُ بِجِنْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) وَلِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْأَوَّلِ مِنْ جِنْسِهِ ، كَنِتَاجٍ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ تَخْرِيجًا : يَنْقَطِعُ ( و ش ) كَغَيْرِ الْجِنْسِ ( هـ ) ، وَكَرُجُوعِهِ إلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسْخٍ وَإِقَالَةٍ ( هـ ) فِي الْمَاشِيَةِ لِنُمُوِّهَا مِنْ عَيْنِهَا ، وَقَدْ زَالَتْ ، بِخِلَافِ النَّقْدِ ، وَقَاسَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ عَلَى عَرَضِ تِجَارَةٍ يَبِيعُهُ بِنَقْدٍ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِهِ يَبْنِي ( و ) حَكَى الْخِلَافَ ، ثُمَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَبَّرَ عَنْ الْخِلَافِ بِالْإِبْدَالِ ، وَبَعْضُهُمْ بِالْبَيْعِ ، وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي بِالْإِبْدَالِ ثُمَّ قَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ : فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ ، فَيَبِيعُهَا بِضِعْفِهَا مِنْ الْغَنَمِ ، هَلْ يُزَكِّيهَا أَمْ يُزَكِّي الْأَصْلَ ؟ قَالَ : بَلْ يُعْطِي زَكَاتَهَا ، عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ فِي السَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي لِأَنَّ نَمَاءَهَا مِنْهَا .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : الْمُبَادَلَةُ هَلْ هِيَ بَيْعٌ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، ثُمَّ

ذَكَرَ نَصَّهُ : يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُصْحَفِ لَا بَيْعُهُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : الْمُعَاطَاةُ بَيْعٌ ، وَالْمُبَادَلَةُ مُعَاطَاةٌ ، وَإِنْ هَذَا أَشْبَهُ ، قَالَ : فَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ انْقَطَعَ كَلَفْظِ الْبَيْع ، لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ ، نَعَمْ الْمُبَادَلَةُ تَدُلُّ عَلَى وَضْع شَيْءٍ بِمَكَانِ شَيْءٍ مُمَاثِلٍ لَهُ ، كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ ، فَكُلُّ بَيْعٍ مُبَادَلَةٌ لَا الْعَكْسُ ، وَإِنْ زَادَ بِالِاسْتِبْدَالِ تَبِعَ الْأَصْلَ فِي الْحَوْلِ أَيْضًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) كَنِتَاجٍ ، فَلَوْ أَبْدَلَ مِائَةَ شَاةٍ بِمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ شَاتَانِ إذَا حَالَ حَوْلُ الْمِائَةِ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يُفْرِدُ الزَّائِدَ حَوْلًا .
وَفِي الِانْتِصَارِ : إنْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَنَى ، أَوْمَأَ إلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ ، وَفَرَّقَ فِيهَا .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ : لَا يَبْنِي عَلَى الْأَصَحِّ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا إذَا أَبْدَلَ نِصَابًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ يَبْنِي عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَحُلْ .
وَفِي نُسْخَةٍ : نَقْلُ الْمُبَادَلَةِ بَيْعٌ .
.

وَمَنْ قَصَدَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إتْلَافٍ وَنَحْوِهِ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ حَرُمَ ، وَلَمْ تَسْقُطْ ، ( و م ) أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ ، فَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ، وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا : لَا أَوَّلُ الْحَوْلِ ، لِنُدْرَتِهِ ، وَجَزَمَ ، جَمَاعَةٌ : يُعْتَبَرُ قُرْبُ وُجُوبِهَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ ، وَقِيلَ : بِشَهْرَيْنِ ، لَا أَزْيَدَ ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي : قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ ، وَفِي أَوَّلِ الْحَوْلِ نَظَرٌ .
وَقَالَ أَيْضًا : فِي أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ لَمْ يُوجَدْ لِرَبِّ الْمَالِ الْغَرَضُ وَهُوَ التَّرَفُّهُ بِأَكْثَرِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابُ وَحُصُولُ النَّمَاءِ فِيهِ ، وَيُزَكِّي مِنْ جِنْسِ الْمَبِيع لِذَلِكَ الْحَوْلِ فَقَطْ ( و م ) وَقِيلَ : إنْ أَبْدَلَهُ بِعَقَارٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَ زَكَاةُ كُلِّ حَوْلٍ .
وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ : مَلَكَ نِصَابَ غَنَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَهَا فَمَكَثَ ثَمَنُهَا عِنْدَهُ سَنَةً ؟ قَالَ : إذَا أَقَرَّ بِهَا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى ثَمَنَهَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْصِدْ بِذَلِكَ الْفِرَارَ فَفِي قَبُولِهِ فِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ ( م 19 ) وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ : تَسْقُطُ بِالتَّحَيُّلِ ( و هـ ش ) كَمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ ( و ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّحَيُّلِ فِيهِ ، وَيَأْتِي آخِرَ زَكَاةِ الْعُرُوضِ : مَنْ أَكْثَرَ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ .

( مَسْأَلَةٌ 19 ) .
وَمَنْ قَصَدَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إتْلَافٍ وَنَحْوِهِ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ حَرُمَ وَلَمْ تَسْقُطْ ، وَإِنْ قَالَ : لَمْ أَقْصِدْ بِذَلِكَ الْفِرَارَ فَفِي قَبُولِهِ فِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ ( قُلْت ) : وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُرْجَعَ إلَى الْقَرَائِنِ ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الْفِرَارِ لَمْ تُقْبَلْ ، وَإِلَّا قُبِلَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ .
تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ ، قَالَ الْجُمْهُورُ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، حَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ ( و هـ م ق ) وَعَنْهُ : تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا ( و هـ ق ) فَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ لَمْ يُزَكِّ نِصَابًا حَوْلَيْنِ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ ( و هـ ق ) وَلَوْ تَعَدَّى بِالتَّأْخِيرِ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُزَكِّي لِكُلِّ حَوْلٍ ، أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ هُنَا ، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْقِطُ نَفْسَهُ ، وَقَدْ يُسْقِطُ غَيْرَهُ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنْ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ بِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ سِوَى النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ لِلْحَوْلِ الثَّانِي ، لِأَجْلِ الدَّيْنِ ، لَا لِلتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ : مَتَى قُلْنَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ فَلَا زَكَاةَ لِلْعَامِ الثَّانِي ، تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ ، وَإِنَّ أَحْمَدَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْ زَكَاةَ الْعَامِ الثَّانِي فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الْأَوَّلِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ، وَجَعَلَ فَوَائِدَ الرِّوَايَتَيْنِ إخْرَاجَ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ مِنْ الرَّهْنِ بِلَا إذْنٍ إنْ عُلِّقَتْ بِالْعَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ فِي سُقُوطِهَا بِالتَّلَفِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الدَّيْنِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ ، وَإِنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ نِصَابٍ ، فَإِنْ وَجَبَتْ فِي الْعَيْنِ نَقَصَ مِنْ زَكَاتِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ بِهَا ، فَإِذَا نَقَصَ بِذَلِكَ عَنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ زَكَّاهُ جَمِيعَهُ لِكُلِّ حَوْلٍ ، مَا لَمْ تُفْنِ الزَّكَاةُ الْمَالَ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيم : إنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ فَهَلْ تَتَكَرَّرُ الزَّكَاةُ بِتَكَرُّرِ الْأَحْوَالِ

؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَالشَّاةُ فِي الْإِبِلِ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأَحْوَالِ إنْ قُلْنَا دَيْنُ الزَّكَاةِ لَا يَمْنَعُ ، كَذَا قَالَ ، وَكَذَا عِنْدَ زُفَرَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَتَتَكَرَّرُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ دَيْنًا فَأَتْلَفَ نِصَابًا وَجَبَتْ فِيهِ ، ثُمَّ حَالَ عِنْدَهُ حَوْلٌ عَلَى نِصَابٍ آخَرَ فَالْمَنْعُ وَرَدَ عَلَى رِوَايَةٍ ثُمَّ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ أَقْوَى ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ النَّذْرُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ ، وَلَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، عَلَى رِوَايَةٍ ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ مِنْ الْغَنَمِ خَمْسٌ ، ثَلَاثٌ لِلْأَوَّلِ ، وَاثْنَتَانِ لِلثَّانِي ، و ق وَعَلَى الثَّانِي سِتٌّ لِحَوْلَيْنِ ، وَلَوْ لَمْ يُزَكِّ خَمْسِينَ مِنْ الْغَنَمِ اثْنَيْ عَشَرَ حَوْلًا زَكَّى أَحَدَ عَشْرَ شَاةً ، وَفِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةً الْخِلَافُ ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ بِالْغَنَمِ ، فَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ ( و م ش ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ : أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ ( و هـ ش ) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي ، وَالدَّيْنِ بِالرَّهْنِ ، فَلَا فَرْقَ إذًا ، فَعَلَى النَّصِّ : لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَفِي امْتِنَاعِ زَكَاةِ الْحَوْلِ الثَّانِي لِكَوْنِهَا دَيْنًا الْخِلَافُ ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ عَلَّلَ فِي الْمَالِ [ بِمَا ] إذَا أَدَّى مِنْهُ نَقَصَ ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ إذَا أَدَّى مِنْ الْغَنَمِ مَا يَحْصُلُ عَلَيْهِ بِهِ دَيْنٌ لَمْ يَلْزَمْهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ الْغَنَمِ مَا يُقَابِلُ الْحَوْلَيْنِ ، فَعَلَى النَّصِّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فِي

ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ ، حَوْلٌ بِنْتُ مَخَاضٍ ، ثُمَّ ثَمَانِ شِيَاهٍ لِكُلِّ حَوْلٍ وَعَلَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِأَوَّلِ حَوْلٍ ثُمَّ الثَّانِي ، ثُمَّ إنْ نَقَصَ النِّصَابُ بِذَلِكَ عَنْ عِشْرِينَ بَعِيرًا إذَا قَوَّمْنَاهَا فَلِلثَّالِثِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ، وَإِلَّا أَرْبَعٌ ، وَهَلْ يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ انْعِقَادَ الْحَوْلِ الثَّانِي قَبْلَ الْإِخْرَاجِ ؟ يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْخُلْطَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي فَوَائِدِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ بِالْغَنَمِ ، فَنَصُّهُ : أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ مِنْ جِنْسٍ ، فَعَلَى النَّصِّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ ، حَوْلُ بِنْتِ مَخَاضٍ ، ثُمَّ ثَمَانِ شِيَاهٍ لِكُلِّ حَوْلٍ ، انْتَهَى .
فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَقْطٌ ، وَصَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ ثَمَانِ شِيَاهٍ : لِكُلِّ حَوْلٍ أَرْبَعٌ ، فَسَقَطَ لَفْظُ أَرْبَعٍ بَعْدَ قَوْلِهِ : لِكُلِّ حَوْلٍ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ يَجُوزُ لِمَالِكٍ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ بِلَا رِضَى السَّاعِي ( و ) وَإِنَّمَا النِّصَابُ بَعْدَ وُجُوبِهَا كُلُّهُ لَهُ ( و ) وَلَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَزِمَهُ مَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا قِيمَةُ الْحَيَوَانِ ( و ) وَلَهُ إتْلَافُهُ ( و ) وَوَطِئَ أَمَةً لِلتِّجَارَةِ ، وَكَذَا لَهُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ، وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ ، لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَلِمَفْهُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْع الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ، وَكَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَفِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ ، وَمَسْأَلَتُنَا مِثْلُهُ ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا ( و ش ) وَلَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْع فِي قَدْرِهَا ، وَيُكَلَّفُ إخْرَاجُهَا ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَسَخْنَاهُ فِي قَدْرِهَا ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : لِلسَّاعِي فَسْخُ الْبَيْعِ فِي قَدْرِهَا ، وَفِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، أَصْلُهُمَا مَحَلُّ الزَّكَاةِ ، وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، ذَكَرَهُ فِي الشَّافِي .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : رَهْنُ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُخْرِجُ مِنْهُ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ : يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ الزَّكَاةِ كُلِّهِ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَنْع كَالرَّهْنِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فِي قَدْرِهَا ، وَقِيلَ : يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ ، كَذَا قَالَ ، وَقِيلَ : يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ ، وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ .

فَصْلٌ الْمَذْهَبُ تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ ( و ش ) وَلِخَبَرِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ ، وَلِانْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي عَقِبَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ ( ع ) وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ لِلسَّاعِي الْمُطَالَبَةَ ، وَلَا يَكُونُ إلَّا لِحَقٍّ سَبَقَ وُجُوبُهُ ، وَكَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ الْمَرِيضُ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ عَنْهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ ، وَعَنْهُ : لَا تَجِبُ ، فَيُعْتَبَرُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَدَاءِ ( و م ش ) فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ ضَمِنَهَا ، وَعَلَى الثَّانِي لَا ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي بِالضَّمَانِ ، وَاحْتَجَّا بِهِ لِلْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ لَمْ يَضْمَنْهَا ، وَقَاسَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى تَفْوِيتِهِ الْعَبْدَ الْجَانِي ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ ضَمِنَهَا عَلَى الْأَوْلَى ، لِأَنَّهَا عَيْنٌ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَسْلِيمِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ ، كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ وَمَقْبُوضٍ بِسَوْمٍ ، وَعَكْسُهُ زَكَاةُ الدَّيْنِ لِعَدَمِ تَلَفِهِ بِيَدِهِ ، وَسُقُوطُ الْعُشْرِ بِآفَةٍ قَبْلَ الْإِحْرَازِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِع ، بِدَلِيلِ الْجَائِحَةِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ بَدَلَ " قَبْلَ الْإِحْرَازِ " : قَبْلَ أَخْذِهِ ، وَاحْتَجَّ بِالْجَائِحَةِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : قَبْلَ قَطْعهِ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ : لَا يَضْمَنُهَا بِتَلَفِهِ ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ : مُطْلَقًا ، ( و ) وَاخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَيْخُنَا ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً ، مَعَ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْحَوْلِ ، لِوُجُوبِهَا مَعَ مُوَاسَاةٍ ، فَلَا تَجِبُ مَعَ فَقْرِهِ وَعَدَمِ مَالِهِ ، وَكَوَدِيعَةٍ وَلُقَطَةٍ ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ إنْ عُلِّقَتْ بِالذِّمَّةِ لَمْ تَسْقُطْ ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ .
وَقَالَ صَاحِبُ

الْمُحَرَّرِ عَلَى [ الرِّوَايَةِ ] الثَّانِيَةِ : تَسْقُطُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِ ، قَالَ : وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ : رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالْمَالِ ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ أَنَّهَا كَالْمَالِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً : يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ فِي غَيْرِ الْمَالِ الظَّاهِرِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَةً : لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ النِّصَابِ غَيْرُ الْمَاشِيَةِ ، كَمَا لَا تُضَمُّ مَاشِيَتُهُ فِي بَلَدَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ ، وَتُضَمُّ بَقِيَّةُ الْأَمْوَالِ ، كَذَا قَالَ ، أَمَّا لَوْ أَمْكَنَهُ الْأَدَاءُ فَلَمْ يُزَكِّ لَمْ تَسْقُطْ ، كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، وَفِي الْعَبْدِ الْجَانِي مُعَيَّنٌ رَضِيَ بِالتَّرْكِ ، أَوْ الْمُسْتَحِقُّ هُنَا هُوَ اللَّهُ وَقَدْ أَمَرَ بِالدَّفْعِ ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : وَبَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي قِيلَ : يَضْمَنُ ، وَقِيلَ لَا ، لِعَدَمِ التَّفْوِيتِ ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي ، وَعِنْدَهُمْ فِي هَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ السُّقُوطَ بِالتَّلَفِ إلَّا بِالْعَبْدِ الْجَانِي ، فَيَلْزَمُهُ وَلَوْ تَمَكَّنَ ، وَصَرَّحَ بِخِلَافِهِ ، وَمَنْ أَمْكَنَهُ لَكِنْ خَافَ رُجُوعَ السَّاعِي فَكَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ( ش ) وَلَوْ نَتَجَتْ السَّائِمَةُ لَمْ يَضُمَّ فِي حُكْمِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيَضُمَّ عَلَى الثَّانِي ، كَقَبْلِ الْحَوْلِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ زَكَّى الْبَاقِيَ ، عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ أَسْقَطْنَا زَكَاةَ التَّالِفِ ، لَا عَلَى الثَّانِي ، كَذَا قَالَ ، مَعَ أَنَّهُ احْتَجَّ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِنَصِّهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لَا زَكَاةَ لِمَا تَلِفَ ، وَظَاهِرُهُ يُزَكِّي بَقِيَّتَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا الرِّوَايَتَيْنِ فِي الزَّرْع وَالثَّمَرِ ، ثُمَّ قَالَ : إنْ تَلِفَ

الْبَعْضُ وَبَقِيَ دُونَ نِصَابٍ فَفِيهِ بِقِسْطِهِ ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ ، كَبَقِيَّةِ الزَّكَوَاتِ ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي الرِّوَايَةَ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ ، ثُمَّ قَالَ : وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ النِّصَابِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِهِ .

وَمَنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً أَوْ الصَّدَقَةَ بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ ، فَتَلِفَتْ ، فَرِوَايَتَانِ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ : وَلَوْ تَمَكَّنَ ، نَظَرًا إلَى عَدَمِ تَعْيِينِ مُسْتَحِقٍّ ، كَزَكَاةٍ ، وَإِلَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ ، كَعَبْدٍ جَانٍ ، وَأَمَّا أَبُو الْمَعَالِي فَقَالَ : إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا ضَمَانَ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ شَرْعًا ضَمِنَ ، وَمَسْلَكَ التَّبَرُّعِ لَمْ يَضْمَنْ ( م 20 ) .
( مَسْأَلَةٌ 20 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً أَوْ الصَّدَقَةَ بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَتَلِفَتْ فَرِوَايَتَانِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ : وَلَوْ تَمَكَّنَ ، نَظَرًا إلَى عَدَمِ تَعْيِينِ مُسْتَحَقٍّ كَزَكَاةٍ وَأَمَّا أَبُو الْمَعَالِي فَقَالَ : إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا ضَمَانَ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ، إنْ قُلْنَا يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ شَرْعًا ضَمِنَ ، وَمَسْلَكَ التَّبَرُّعِ لَمْ يَضْمَنْ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ ، وَقَدَّمَ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِخْرَاجِ ، وَأَطْلَقَهُمَا : إحْدَاهُمَا لَا يَضْمَنُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَضْمَنُ ، فَهَذِهِ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا ، وَصَحَّحَ أَكْثَرَهَا ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .

فَصْلٌ وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةٌ بِالْمَوْتِ عَنْ مَفْقُودٍ وَغَيْرِهِ ، وَتُؤْخَذُ مِنْ التَّرِكَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَلَوْ لَمْ يُوصِ ( هـ م ) بِهَا كَالْعُشْرِ ( و ) فَإِنْ أَوْصَى بِهَا فَمِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْحَجِّ ، وَقَدَّمَهَا مَالِكٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَصَايَا إنْ فَرَّطَ ، وَبِدُونِهِ تَكُونُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ فِي حَجٍّ لَمْ يُوصِ بِهِ وَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ مِنْ الثُّلُثِ ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا : [ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ عِلْمِ وَرَثَتِهِ ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا ] : فِي زَكَاةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَعَ صَدَقَةٍ ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُحْتَمَلُ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ الْوَصِيَّةِ ، كَمَا قَيَّدَ الْحَجَّ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهُ ، وَآكَدُ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ ، وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ سِوَى النَّصِّ السَّابِقِ ، وَيَتَحَاصُّ دَيْنَ اللَّهِ وَدَيْنَ الْآدَمِيِّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِ وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ وَقِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا [ وَاحِدًا ] لِتَقْدِيمِهِ بِالرَّهْنِيَّةِ ، وَقِيلَ : تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ إنْ عُلِّقَتْ [ و ق ] بِالْعَيْنِ ، اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : كَبَقَاءِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ ، فَجَعَلَهُ أَصْلًا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ ، وَزَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَتُقَدَّمُ وَلَوْ عُلِّقَتْ بِالذِّمَّةِ ، قَالَ : لِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِالْعَيْنِ قَهْرِيٌّ ، فَتُقَدَّمُ عَلَى مُرْتَهِنٍ وَغَرِيمٍ وَمُفْلِسٍ ، كَأَرْشِ جِنَايَةٍ ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ فَهَذَا التَّعَلُّقُ بِسَبَبِ الْمَالِ فَيَزْدَادُ وَيَنْقُصُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ وَنَوَائِبِهِ ، فَأُلْحِقَ بِهَا فِي التَّقْدِيمِ عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ ، وَمَا زَادَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا ، وَأَنَّهُ أَوْلَى ، وَقَالَ : مَعْنَى التَّعَلُّقِ

بِالْعَيْنِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ لَمْ تَقُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّ عُقُوبَتَهَا أَعْظَمُ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلَّا قِيلَ اُنْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلَهُ أَيْضًا مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، وَدُيُونُ اللَّهِ سَوَاءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَدَلَّ أَنَّ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةَ فِي كُلِّ دَيْنٍ لِلَّهِ ، وَعَنْهُ : تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ ، وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْوَاجِبِ [ مِنْهَا ] مُسْتَقِرٌّ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ، وَيُقَدَّمُ النَّذْرُ بِمُعَيَّنٍ عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى الدَّيْنِ ، كَمَا يَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِبْدَالِهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32