كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

وَيَحْرُمُ الْعَصِيرُ إذَا غَلَى ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : إذَا غَلَى أَكْرَهُهُ إنْ لَمْ يُسْكِرْ فَإِذَا أَسْكَرَ فَحَرَامٌ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِيمَا نُشَّ ، وَالْمَنْصُوصُ : يَحْرُمُ مَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : بِلَيَالِيِهَا ، وَإِذَا طُبِخَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ حَلَّ إنْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ لَمْ يُسْكِرْ .
وَالثَّالِثُ ) قَوْلُهُ : " وَيَحْرُمُ الْعَصِيرُ إذَا غَلَى نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ إذَا غَلَى أَكْرَهُهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ " ، انْتَهَى .
صَوَابُهُ " إنْ لَمْ يُسْكِرْ " بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ .

وَلَهُ وَضْعُ تَمْرٍ وَنَحْوِهِ فِي مَاءٍ لِتَحْلِيَتِهِ مَا لَمْ يَشْتَدَّ أَوْ تَتِمَّ ثَلَاثٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : إذَا نَقَعَ زَبِيبًا أَوْ تَمْرَ هِنْدِيٍّ أَوْ عُنَّابًا وَنَحْوَهُ لِدَوَاءٍ غَدْوَةً ، وَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً ، أَوْ عَشِيَّةً وَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً : هَذَا نَبِيذٌ أَكْرَهُهُ ، وَلَكِنْ يَطْبُخُهُ وَيَشْرَبُهُ عَلَى الْمَكَانِ ، فَهَذَا لَيْسَ نَبِيذًا .
وَإِنْ غَلَى الْعِنَبُ وَهُوَ عِنَبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد ، وَيُبَاحُ فُقَّاعٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّهُ لَا يُسْكِرُ ، وَيَفْسُدُ إذَا بَقِيَ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةٌ : يَحْرُمُ ، وَجَعَلَ أَحْمَدُ وَضْعَ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ .
وَأَنَّهُ إنْ صُبَّ فِيهِ خَلٌّ أُكِلَ .
وَالرَّابِعُ ) قَوْلُهُ : " وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ إذَا نَقَعَ زَبِيبًا أَوْ تَمْرَ هِنْدِيٍّ وَعُنَّابًا وَنَحْوَهُ " ، انْتَهَى قَالَ ابْنُ مُغَلِّي كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ بِأَوْ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْوَاوِ وَالْكَرَاهَةُ لِأَجْلِ الْخَلِيطَيْنِ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَبَوَّبَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ بَابَ الْقَوْلِ فِي تَحْرِيمِ الْخَلِيطَيْنِ وَذَكَرَهَا فِيهِ انْتَهَى وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْخَلِيطَيْنِ وَاضِحٌ وَتَقْدِيرُهُ إذَا نَقَعَ زَبِيبًا وَعُنَّابًا أَوْ تَمْرَ هِنْدِيٍّ وَعُنَّابًا وَنَحْوَهُ ، وَهَذَا وَافٍ بِالْخَلِيطَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ ، كَنَبِيذٍ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ أَوْ مُذِيبٍ وَحْدَهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، اخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ ، وَعَنْهُ : لَا يُكْرَهُ ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي ، مَا لَمْ يَحْتَمِلْ إسْكَارَهُ ، وَلَهُ الِانْتِبَاذُ فِي دَبًا وَحَنْتَمٍ وَنَقِيرٍ وَمُزَفَّتٍ .
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ رِوَايَةٌ : يَحْرُمُ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ .
قَالَهُ الْخَلَّالُ .
وَعَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْعِيَةِ ، إلَّا سِقَاءً يُوكَى حَيْثُ بَلَغَ الشَّرَابُ ، وَلَا يُتْرَكُ يَتَنَفَّسُ ، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : لَا يُعْجِبُنِي إلَّا هُوَ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَرِهَ السِّقَاءَ الْغَلِيظَ

بَابُ التَّعْزِيرِ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا ، وَالْأَشْهَرُ وَلَا كَفَّارَةَ كَمُبَاشَرَةِ دُونِ الْفَرْجِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَامْرَأَةٍ امْرَأَةً ، وَسَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا ، وَجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا ، وَقَذْفٍ بِغَيْرِ زِنًا .
وَفِي الرِّعَايَةِ ، هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وَأَنَّ التَّعْزِيرَ لِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِثْلُهُ ، وَقَوْلُنَا وَلَا كَفَّارَةَ فَائِدَتُهُ فِي الظِّهَارِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِمَا ، لَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ إنْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ ، لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا وَسَبَبِ التَّعْزِيرِ يُعَزَّرُ فِيهَا الْمُكَلَّفُ وُجُوبًا ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ ، كَحَدٍّ ، وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ .
وَعَنْهُ : نَدْبًا ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ ، وَشَاهِدِ زُورٍ .
وَفِي الْوَاضِحِ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ .

وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ تَشَاتَمَ وَالِدٌ وَوَلَدُهُ لَمْ يُعَزَّرْ الْوَالِدُ لِحَقِّ وَلَدِهِ ، وَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ لِحَقِّهِ .
وَفِي جَوَازِ عَفْوِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ الرِّوَايَتَانِ ، وَلَا يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْوَالِدِ .

وَفِي الْمُغْنِي فِي قَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ ، لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِتَأْدِيبِهِ فَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ إذَا رَآهُ ، يُؤَيِّدُهُ نَصُّهُ فِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ تَأْدِيبُهُ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِطَلَبِ وَارِثٍ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَهُ وَارِثٌ .
وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّعْزِيرِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ .

وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ أَدَبِ الْقَاضِي إذَا افْتَاتَ خَصْمٌ عَلَى الْحَاكِمِ لَهُ تَعْزِيرُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ ( ع ) فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُفْتَقِرِ جَوَازَ إقَامَتِهِ إلَى طَلَبٍ ، وَلِهَذَا أَجَابَ فِي الْمُغْنِي عَنْ { قَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الزُّبَيْرِ : إنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك وَأَنَّهُ لَمْ يُعَزِّرْهُ } ، وَعَنْ قَوْلِ رَجُلٍ : إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْعَفْوَ عَنْهُ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ لَمَّا أَغْضَبَ عُمَرَ هَمَّ بِهِ ، فَتَلَا عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ { خُذْ الْعَفْوَ } .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي { قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ } ، أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ التَّخَلُّقُ بِهَذَا ، فَلَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ ، وَلَا يُهْمِلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى .
ثُمَّ قَالَ : قَالَ الْقَاضِي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ رَآهُ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ طَالَبَ آدَمِيٌّ بِحَقِّهِ وَجَبَ .
وَفِي الْكَافِي : يَجِبُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيهِمَا الْخَبَرُ ، وَإِلَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا فَلَهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا وَجَبَ ، وَهُوَ مَعْنَى الرِّعَايَةِ ، مَعَ أَنَّ فِيهَا لَهُ الْعَفْوَ عَنْ حَقِّ اللَّهِ .

وَأَنَّهُ إنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ ، فَدَلَّ أَنَّ مَا رَآهُ تَعَيَّنَ ، فَلَا يُبْطِلُهُ غَيْرُهُ ، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَدْرُ تَعْزِيرِ عَيْنِهِ ( م ) ، وَخَصْلَةُ عَيْنِهَا لِعُقُوبَةِ مُحَارِبٍ كَتَعْيِينِهِ الْقَتْلَ لِتَارِكِ صَلَاةٍ أَوْ زِنْدِيقٍ وَنَحْوِهِ .

وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : وَيَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ : لَا ، لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّقْوِيمِ .

وَفِي الِانْتِصَارِ فِي قَذْفِ مُسْلِمٍ كَافِرًا التَّعْزِيرُ لِلَّهِ ، فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ .

وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صَغِيرًا لَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا .

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي صَبِيٍّ قَالَ لِرَجُلٍ : يَا زَانٍ : لَيْسَ قَوْلُهُ شَيْئًا ، وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي ، وَلَا لِعَانَ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ : لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ لِيَنْزَجِرَ لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ .
قَالَ فِي الْوَاضِحِ : مَنْ شَرَخَ فِي عَشْرٍ صَلُحَ تَأْدِيبُهُ فِي تَعْزِيرٍ عَلَى طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ ، فَكَذَا مِثْلُ زِنَا وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي ، وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ فِي الْغِلْمَانِ يَتَمَرَّدُونَ : لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي : يَجِبُ ضَرْبُهُ عَلَى صَلَاةٍ .
قَالَ الشَّيْخُ لِمَنْ أَوْجَبَهَا مُحْتَجًّا بِهِ : هُوَ تَأْدِيبٌ وَتَعْوِيدٌ كَتَأْدِيبِهِ عَلَى خَطٍّ وَقِرَاءَةٍ وَصِنَاعَةٍ وَشِبْهِهَا ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كَتَأْدِيبِ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهُ شُرِعَ لَا لِتَرْكِ وَاجِبٍ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي تَأْدِيبِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالدِّيَاتِ أَنَّهُ جَائِزٌ .

وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِثْلُ أَنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا ، أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً فَيُقْتَصُّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ الْمُسْتَقْبِلِ لَكِنْ لِاشْتِفَاءِ الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ : يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وَزَجْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَفَعَلَهُ لِأَجْلِ الزَّجْرِ ، وَإِلَّا لَمْ يَشْرَعْ لِعَدَمِ الْأَثَرِ بِهِ وَالْفَائِدَةُ فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ فِعْلُنَا نَحْنُ كَمَا قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا ، وَكَمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ فِي الْقِصَاصِ مِنْ الْحَجَرِ : لَمْ نَكُبَّ أُصْبُعَ الرَّجُلِ ؟ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ فِي التَّعْزِيرِ أَوْ صَرِيحِهِ فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْقِصَاصُ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ ، وَاحْتَجَّ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَمْوَالِ ، وَبِوُجُوبِ دِيَةِ الْخَطَإِ ، وَبِقِتَالِ الْبُغَاةِ الْمَغْفُورِ لَهُمْ ، قَالَ : فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الظُّلْمَ وَالْعُدْوَانَ يُؤَدَّى فِيهِ حَقُّ الْمَظْلُومِ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ مِنْ الْعَدْلِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَجَعَلَهُ مُحَرَّمًا بَيْنَ عِبَادِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَبِتَقْرِيرِهِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ فِي الْآدَمِيِّينَ .

وَالْمَذْهَبُ قَالَهُ الْقَاضِي : بِعَشْرِ جَلْدَاتٍ فَأَقَلَّ إلَّا فِي وَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَيُعَزَّرُ حُرٌّ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ إلَّا سَوْطًا ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : بِمِائَةٍ ، بِلَا نَفْيٍ ، وَلَهُ نَقْصُهُ ، وَعَنْهُ : وَكَذَا كُلُّ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ ، وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ ، وَعَنْهُ : أَوْ دُونَهُ ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا ، عَلَى مَا قَدَّمُوهُ ، وَاحْتَجَّ ، بِأَنَّ عَلِيًّا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فِي لِحَافِهَا فَضَرَبَهُ مِائَةً .

وَالْعَبْدُ بِخَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا ، وَعَنْهُ : الْكُلُّ بِعَشْرٍ فَأَقَلَّ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ ، لِلْخَبَرِ ، وَمُرَادُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا إلَّا فِي مُحَرَّمٍ لِحَقِّ اللَّهِ ، وَعَنْهُ : بِتِسْعٍ ، وَعَنْهُ : لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَاسْتَثْنَى مَنْ قَدَّمَهُ مَا سَبَبُهُ الْوَطْءُ ، فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ رُوِيَ عَنْهُ : أَدْنَى حَدٍّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ ، نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ .
وَفِي الْفُصُولِ : حَدُّ الْعَبْدِ ، وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لَا يَبْلُغُ بِجِنَايَةٍ حَدًّا فِي جِنْسِهَا ، وَيَكُونُ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِحَبْسٍ وَتَوْبِيخٍ ، وَقِيلَ : فِي حَقِّ اللَّهِ ، وَيَشْهَرُ لِمَصْلَحَةٍ ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ زُورٍ ، وَيَحْرُمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ ، وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهٍ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ .
بَابُ التَّعْزِيرِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَيَحْرُمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ ، وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهٍ وَجْهَانِ ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَصَرُوهُ ، ذَكَرُوهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي تَعْزِيرِ شَاهِدِ الزُّورِ ، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ ، قَالَ مُهَنَّا : فَرَأَيْت كَأَنَّهُ كَرِهَ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ ، قَالَ فِي النُّكَتِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَشْخَاصِ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ ، فَكُلُّ أَحَدٍ يَحْسِبُهُ ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ، ثُمَّ وَجَدْت فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ .
فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَاهِدِ الزُّورِ يُحْلَقُ رَأْسُهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالتَّرْغِيبِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا : لَا يَرْكَبُ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ ، ثُمَّ جَوَّزَهُ هُوَ لِمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ، لِلرَّدْعِ ، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ ، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ فِي اللُّوطِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيهِ عَنْ عُمَرَ : يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ ، وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ ، وَيُطَافُ بِهِ ، وَيُطَالُ حَبْسُهُ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لَهُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ شَعْرٍ لَا لِحْيَةٍ وَيَصْلُبُهُ حَيًّا ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ ، وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ، وَلَا يُعِيدُ ، كَذَا قَالَ ، وَيُتَوَجَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ صَلَاةٍ .
قَالَ : وَهَلْ يُجَرَّدُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ ثِيَابِهِ إلَّا بِسَتْرِ عَوْرَتِهِ ؟ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْحَدِّ .
قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يُقْلِعْ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ قَالَ : فَنَصَّ أَنَّهُ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ ، وَيُطَافُ بِهِ ، وَيُضْرَبُ مَعَ ذَلِكَ .
قَالَ فِي الْفُصُولِ : يُعَزَّرُ بِقَدْرِ رُتْبَةِ الْمَرْمَى ، فَإِنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ فِي الْعُقُوبَةِ .
وَجَزَّ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : بِمَا يَرْدَعُهُ ، كَعَزْلِ مُتَوَلٍّ وَإِنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ ، لَكِنْ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَبْلُغُهُ ، فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ دُونَ نِصَابٍ .

وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الشُّرْبِ بِمَضْمَضَةِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ ، وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ ، وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَقَدْ يُقَالُ بِقَتْلِهِ لِلْحَاجَةِ ، وَإِنَّهُ يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ ، وَذَكَرَهُ وَجْهًا ( و م ) وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُطْرُوشُ فِي الدُّعَاةِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ .

وَقَالَ فِي الْخَلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ ، وَاِتِّخَاذُ الطَّوَافِ بِالصَّخْرَةِ دِينًا .

وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ : انْذِرُوا لِي لِتُقْضَى حَاجَتُكُمْ ، أَوْ اسْتَعِينُوا بِي : إنْ أَصَرَّ وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ ، وَمَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ ، لِلْأَخْبَارِ فِيهِ .

قَالَ الْأَصْحَابُ : وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا جَرْحُهُ ، وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ ، فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ إتْلَافَهُ أَوْلَى مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَارِيخِهِ الْمُنْتَظِمِ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ، فِي خِلَافَةِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ كَثُرَ الرَّفْضُ فَكَتَبَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إنْ لَمْ تُقَوِّ يَدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَمْ يُطِقْ دَفْعَ الْبِدَعِ فَكَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوِيَةِ يَدِي ، فَأَخْبَرْت النَّاسَ بِذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقُلْت : إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَلَغَهُ كَثْرَةُ الرَّفْضِ ، وَقَدْ خَرَجَ تَوْقِيعُهُ بِتَقْوِيَةِ يَدِي فِي إزَالَةِ الْبِدَعِ ، فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ مِنْ الْعَوَامّ يَتَنَقَّصُ بِالصَّحَابَةِ فَأَخْبِرُونِي حَتَّى أَنْقُضَ دَارِهِ وَأُخَلِّدَهُ الْحَبْسَ ، فَانْكَفَّ النَّاسُ .

وَسَبَقَ فِي آخِرِ الْغَصْبِ حُكْمُ إتْلَافِ الْمُنْكَرِ إذَا كَانَ مَالًا وَالصَّدَقَةُ بِهَا ، وَانْفَرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِذَلِكَ ، كَانْفِرَادِهِ بِقَوْلِهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ : تَكَلَّمَ ابْنُ الْبَغْدَادِيِّ الْفَقِيهُ فَقَالَ : إنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَاتَلَتْ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَارَتْ مِنْ الْبُغَاةِ ، فَتَقَدَّمَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ بِإِقَامَتِهِ مِنْ مَكَانِهِ وَوَكَّلَ بِهِ فِي الْمَخْزَنِ ، وَكَتَبَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي الْمُسْتَضِيءَ بِأَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ .
فَخَرَجَ التَّوْقِيعُ بِتَعْزِيرِهِ ، فَجُمِعَ الْفُقَهَاءُ ، فَمَالُوا عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لِي : مَا تَقُولُ ؟ فَقُلْت هَذَا رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالنَّقْلِ وَقَدْ سُمِعَ أَنَّهُ جَرَى فَقَالَ : وَلَعَمْرِي إنَّهُ جَرَى قِتَالٌ وَلَكِنْ مَا قَصَدَتْهُ عَائِشَةُ وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَإِنَّمَا أَثَارَ الْحَرْبَ سُفَهَاءُ الْفَرِيقَيْنِ ، وَلَوْلَا عِلْمُنَا بِالسِّيَرِ لَقُلْنَا مِثْلَ مَا قَالَ ، وَتَعْزِيرُ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقِرَّ بِالْخَطَإِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَيُصْفَحَ عَنْهُ .
فَكَتَبَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَوَقَّعَ : إنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْخَطَإِ فَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعَاوِدَ ثُمَّ يُطْلَقُ .
كَذَا قَالَ ، فَإِذَا كَانَ تَعْزِيرُ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقِرَّ بِالْخَطَإِ فَكَيْفَ يَقُولُ فَيُصْفَحُ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا صَفْحَ مَعَ وُجُودِ تَعْزِيرِ مِثْلِهِ ، وَمُرَادُهُ .
يُصْفَحُ عَنْهُ بِتَرْكِ الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اعْتِرَافَ هَذَا بِالْخَطَإِ تَعْزِيرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ لَهُ ، فَهُوَ كَالتَّعْزِيرِ بِضَرْبٍ وَكَلَامِ سُوءٍ لِغَيْرِهِ ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَهُنَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالْخَطَإِ تَوْبَةٌ ، وَفِي التَّعْزِيرِ مَعَهَا خِلَافٌ .
وَلَعَلَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ أَرَادَ بِنَقْضِ الدَّارِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ الْمُبَالَغَةَ لَا حَقِيقَةَ الْفِعْلِ .

كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْحُطَيْئَةُ فِي الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ : دَعْ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا وَاقْعُدْ فَإِنَّك أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي وَسَأَلَ عُمَرُ حَسَّانَ وَلَبِيدًا فَقَالَا : إنَّهُ هَجَاهُ ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُمِيَ فِي بِئْرِ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَالَ الْحُطَيْئَةُ : مَاذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَخٍ زُغْبِ الْحَوَاصِلِ لَا مَاءٌ وَلَا شَجَرُ أَلْقَيْت كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ فَاغْفِرْ عَلَيْك سَلَامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ أَنْتَ الْإِمَامُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ أَلْقَتْ إلَيْك مَقَالِيدَ النُّهَى الْبَشْرُ لَمْ يُؤْثِرُوك بِهَا إذْ قَدَّمُوك لَهَا لَكِنْ بِأَنْفُسِهِمْ كَانَتْ بِك الْأُثْرُ فَامْنُنْ عَلَى صِبْيَةٍ فِي الرَّمْلِ مَسْكَنُهُمْ بَيْنَ الْأَبَاطِحِ يَغْشَاهُمْ بِهَا الْغُدُرُ أَهْلِي فِدَاؤُك كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مِنْ عَرَضِ دَاوِيَّةٍ يَعْمَى بِهَا الْخَبَرُ فَحِينَئِذٍ كَلَّمَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَاسْتَرْضَيَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ ، ثُمَّ دَعَاهُ فَهَدَّدَهُ بِقَطْعِ لِسَانِهِ إنْ عَادَ يَهْجُو أَحَدًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَادِرُ وَالْفَدُورُ : الْمُسِنُّ مِنْ الْوُعُولِ ، وَيُقَالُ : الْعَظِيمُ وَالْجَمْعُ فُدْرٌ وَفُدُرٌ وَمَوْضِعُهَا الْمَفْدَرَةُ .
مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ السِّجْنِ بِالْعِرَاقِ : هَاهُنَا تَلِينُ الصِّعَابُ وَتُخْتَبَرُ الْأَحْبَابُ .
وَمَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ سِجْنٍ : هَذِهِ مَنَازِلُ الْبَلْوَى ، وَقُبُورُ الْأَحْيَاءِ ، وَتَجْرِبَةُ الْأَصْدِقَاءِ ، وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي السِّجْنِ : خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَسْنَا مِنْ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَا إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَفْرَحُ بِالرُّؤْيَا فَجُلُّ حَدِيثِنَا إذَا نَحْنُ أَصْبَحْنَا الْحَدِيثُ عَنْ الرُّؤْيَا فَإِنْ حَسُنَتْ لَمْ تَأْتِ عَجْلَى وَأَبْطَأَتْ وَإِنْ هِيَ سَاءَتْ بَكَّرَتْ وَأَتَتْ عَجْلَى وَلَمَّا عَمِلَ مَعْنُ

بْنُ زَائِدَةَ خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ فَأَخَذَ بِهِ مَالًا ضَرَبَهُ عُمَرُ مِائَةً ، وَحَبَسَهُ ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَنَفَاهُ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : لَعَلَّهُ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ فَأُدِّبَ عَلَيْهَا ، أَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَخْذُ أَوْ كَانَ ذَنْبُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنَايَاتٍ .
[ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ : يُحْبَسُ حَتَّى يَكُفَّ عَنْهَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَالِهِمْ حَتَّى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَكُفَّ ، حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي ، وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ ، وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ السَّاحِرِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي الْعَائِنِ : لِلْإِمَامِ حَبْسُهُ وَيُتَوَجَّهُ : إنْ كَثُرَ مَجْذُومُونَ وَنَحْوُهُمْ لَزِمَهُمْ التَّنَحِّي نَاحِيَةً .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا ، فَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ ] .

[ وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِكُفَّارٍ ( و م ) وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : إنْ خِيفَ دَوَامُهُ ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : يُعَنَّفُ ذُو الْهَيْئَةِ ، وَغَيْرُهُ يُعَزَّرُ ] : وَقَالَ ( ش ) إنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ كَحَاطِبٍ أَحْبَبْت أَنْ يَتَجَافَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَهُ : وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : يُعَاقَبُ وَيُسْجَنُ وَقِصَّةُ حَاطِبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ عُمَرُ { : قَدْ كَفَرَ .
وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ } .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ : تَقَرَّبَ إلَى الْقَوْمِ لِيَحْفَظُوهُ فِي أَهْلِهِ بِأَنْ أَطْلَعَهُمْ عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَيْدِهِمْ وَقَصْدِ قِتَالِهِمْ ، وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنُصْرَةِ اللَّهِ إيَّاهُ ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ أَمْرٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلِذَلِكَ { اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ حُسْنَ الظَّنِّ وَقَالَ : إنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ } ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُتَأَوِّلِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ خِلَافُ حُكْمِ الْمُتَعَمِّدِ لِاسْتِحْلَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَى مَحْظُورًا وَادَّعَى فِي ذَلِكَ مَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الظَّنِّ بِخِلَافِهِ ، وَقَالَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ : وَهَذَا لِأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ النِّفَاقِ ، وَلَمَّا احْتَمَلَ قَوْلَ عُمَرَ وَكَانَ لِتَأْوِيلِهِ مَسَاغٌ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كِتَابِهِ الْهَدْيِ : فِيهِ إنَّ مَنْ نَسَبَ مُسْلِمًا إلَى نِفَاقٍ أَوْ كُفْرٍ مُتَأَوِّلًا وَغَضَبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا لِهَوَاهُ وَحَظِّهِ لَا يَكْفُرُ ، بَلْ لَا يَأْثَمُ ، بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فَإِنَّهُمْ

يُكَفِّرُونَ وَيُبَدِّعُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ .
وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّ مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّقَهُ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ يَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ .
قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ : وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ ، فَيُقَالُ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ التَّأْوِيلِ ، فَهُوَ لَا يَدُلُّ مُطْلَقًا ، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ تَعْزِيرٌ ، هَذَا إنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَدُلَّ أَيْضًا ، لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا طَلَبَ قَتْلَهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ يُقَالُ : لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي لِقَتْلِهِ ، بَلْ ذَكَرَ الْمَانِعَ وَهُوَ شُهُودُ بَدْرٍ ، فَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَأَنَّهُ لَوْلَا الْمُعَارِضُ لَعَمِلَ بِهِ ، وَهُوَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا وَقَعَ .
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ يُمْحَى بِالْحَسَنَةِ الْكَبِيرَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : فِيهِ أَنَّ الْجَاسُوسَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ لَا يُكَفَّرُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا الْجِنْسُ كَبِيرَةٌ قَطْعًا ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيذَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالُوا : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ } .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَاهُ الْغُفْرَانُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ وَأَقَامَهُ عُمَرُ عَلَى بَعْضِهِمْ { وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدَّ وَكَانَ بَدْرِيًّا } .
وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ فِي هَذَا لَيْسَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمَاضِي

وَتَقْدِيرُهُ أَيُّ عَمَلٍ كَانَ لَكُمْ فَقَدْ غُفِرَ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ جَوَابُهُ فَسَأَغْفِرُ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ إطْلَاقًا فِي الذُّنُوبِ ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ ، وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْقَوْمَ خَافُوا الْعُقُوبَةَ فِيمَا بَعْدُ فَقَالَ عُمَرُ : يَا حُذَيْفَةُ هَلْ أَنَا مِنْهُمْ ؟ وَكَذَا اخْتِيَارُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ لِلْمَاضِي .

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لَا نَفْيَ إلَّا فِي الزِّنَا وَالْمُخَنَّثِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : نَفْيُهُ دُونَ عَامٍ ، وَاحْتَجَّ بِهِ شَيْخُنَا وَبِنَفْيِ عُمَرَ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لَمَّا خَافَ الْفِتْنَةَ بِهِ نَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْبَصْرَةِ ، فَكَيْفَ مَنْ عُرِفَ ذَنْبُهُ ، وَيَمْنَعُهُ الْعَزَبُ السُّكْنَى بَيْنَ مُتَأَهِّلَيْنِ وَعَكْسُهُ ، وَأَنْ امْرَأَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ ، وَهُوَ الْقَوَّادَةُ ، فَيَفْعَلُ وَلِيُّ الْأَمْرِ الْمَصْلَحَةَ .
وَقَالَ أَيْضًا : إنَّمَا الْعُقُوبَةُ عَلَى ذَنْبٍ ثَابِتٍ ، أَمَّا الْمَنْعُ وَالِاحْتِرَازُ فَيَكُونُ لِلتُّهْمَةِ ، لِمَنْعِ عُمَرَ اجْتِمَاعَ الصِّبْيَانِ بِمُتَّهَمٍ بِالْفَاحِشَةِ .
وَفِي الْفُنُونِ : لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ ، وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا ، وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ ، إذْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ قَتَلُوا وَمَثَّلُوا وَحَرَّقُوا الْمَصَاحِفَ ، وَنَفَى عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ خَوْفَ فِتْنَةِ النِّسَاءِ .
قَالَ شَيْخُنَا : مَضْمُونُهُ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ، قَالَ : وَقَدْ سَلَكَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا .

قَالَ : وَقَوْلُهُ : اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك ، كَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ ، نَحْوَ يَا كَلْبُ ، فَلَهُ قَوْلُهُ لَهُ أَوْ تَعْزِيرُهُ ، وَلَوْ لَعَنَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ ؟ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ لَعْنِهِ الْمُعَيَّنِ .

وَمَنْ لَعَنَ نَصْرَانِيًّا أُدِّبَ أَدَبًا خَفِيفًا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، قَالَ : وَالْأَرْبَعُ الَّتِي مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مُحَرَّمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ لَا قِصَاصَ فِيهِنَّ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَوْمَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ : قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : إنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ سَعْدًا أَرَادَ الْوِلَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ ، قَالَ : وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : أَيْ اُحْسُبُوهُ فِي عِدَادِ مَنْ مَاتَ ، لَا تَعْتَدُّوا بِحُضُورِهِ ، قَالَ : ، وَمَنْ قَالَ لِمُخَاصَمَةِ النَّاسِ تَقْرَأُ تَارِيخَ آدَمَ وَظَهَرَ مِنْهُ مَعْرِفَتُهُمْ بِخَطِيئَتِهِ عُزِّرَ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا .
قَالَ : وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ لَفْظِهِ الْقَطْعُ مُتَدَيِّنًا عُزِّرَ ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَكَذَا مَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَنَحْوَهُ .

وَقَالَ فِيمَنْ فَعَلَ كَالْكُفَّارِ فِي عِيدِهِمْ : اتَّفَقُوا عَلَى إنْكَارِهِ ، وَأَوْجَبُوا عُقُوبَةَ مَنْ يَفْعَلُهُ ، قَالَ : وَالتَّعْزِيرُ عَلَى شَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ .

وَقَالَ فِيمَنْ غَضِبَ فَقَالَ : فَمَا نَحْنُ مُسْلِمِينَ : إنْ أَرَادَ ذَمَّ نَفْسِهِ لِنَقْصِ دِينِهِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا عُقُوبَةَ .

وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ عُزِّرَ ، لِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهَ قَاصِدِ الْكَنَائِسِ بِقَاصِدِ بَيْتِ اللَّهِ ، وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَبَّهَ أَعْيَادَهُمْ بِأَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْظِيمِهِمْ .

وَكَذَا يُعَزَّرُ مَنْ يُسَمِّيَ مَنْ زَارَ الْقُبُورَ وَالْمَشَاهِدَ حَاجًّا ، وَمَنْ سَمَّاهُ حَجًّا أَوْ جَعَلَ لَهُ مَنَاسِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ ، وَفَاعِلُهُ ضَالٌّ .

وَمِنْ الْقِصَاصِ فِي الْكَلِمَةِ مَا رَوَى أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ بْنُ كَعْبٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ كَلِمَةً كَرِهَهَا رَبِيعَةُ وَنَدِمَ [ فَقَالَ ] : رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا ، فَأَبَى ذَلِكَ ، وَأَنَّهُمَا أَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَبِيعَةَ { لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ وَقُلْ غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا أَبَا بَكْرٍ } فَقَالَ : فِي سَمَاعِ أَبِي عِمْرَانَ مِنْ رَبِيعَةَ نَظَرٌ { وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ كُنْت جَلَدْت لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، وَمَنْ كُنْت شَتَمْت لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ ، وَمَنْ كُنْت أَخَذْت لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي } وَهُوَ خَبَرٌ طَوِيلٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْعُقَيْلِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ الشَّيْءِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ كَانَ مَلَكٌ يُكَذِّبُهُ فَلَمَّا رَدَدْت عَلَيْهِ وَقَعَ الشَّيْطَانُ وَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ فِي مَجْلِسٍ يَقَعُ فِيهِ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَكَذَا أَبُو دَاوُد ، رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا ، وَقَدْ رَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ { أَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا سَبَّتْ عَائِشَةَ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبِّيهَا } كَذَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ وَلَمْ أَجِدْهُ وَإِنَّمَا لِابْنِ مَاجَهْ : { دُونَك فَانْتَصِرِي ، فَأَقْبَلْت عَلَيْهَا حَتَّى يَبِسَ رِيقُهَا فِي فِيهَا مَا تَرُدُّ عَلَيَّ شَيْئًا ، فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ } ، وَصَدَّرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } عَنْ مُجَاهِدٍ

وَالسُّدِّيِّ .
وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَالثَّوْرِيُّ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَهِشَامِ بْنِ حُجْرٍ فِي الْآيَةِ خِلَافُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ ، لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا : لَوْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا ، وَصَرَّحَتْ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ قَالُوا : لِأَنَّهُ أَذِيَّةٌ وَسَبٌّ فَلَا يَجُوزُ .

قَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ ظُلْمًا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ ، نَحْوَ : أَخْزَاك اللَّهُ ، أَوْ لَعَنَك اللَّهُ ، أَوْ يَشْتُمُهُ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ ، نَحْوَ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِ لِلنَّاسِ الْبَاغِي ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمَخْلُوقِ مِنْ وَكِيلٍ وَوَلِيِّ أَمْرٍ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَمَا صَبَرَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ مُنْتَصِرٌ ، وَالِانْتِصَارُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنْ قَالَ تَعَالَى { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ لَمَّا دَعَتْ عَلَى السَّارِقِ لَا تُسَبِّخِي } أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي بَكْرٍ الْأَخِيرَةَ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُد ، قَالَ : وَإِذَا دَعَا عَلَيْهِ بِمَا آلَمَهُ بِقَدْرِ أَلَمِ ظُلْمِهِ فَهَذَا عَدْلٌ .

وَإِنْ اعْتَدَى فِي الدُّعَاءِ كَمَنْ يَدْعُو بِالْكُفْرِ عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ فَذَلِكَ سَرَفٌ مُحَرَّمٌ .

وَمَنْ حَبَسَ نَقْدَ غَيْرِهِ عَنْهُ مُدَّةً ثُمَّ أَدَّاهُ إلَيْهِ عُزِّرَ ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِثْمَ فَلَا ضَمَانَ فِي الدُّنْيَا لِأَجْلِ الرِّبَا ، وَهُنَا يُعْطِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَسَنَاتِ الْآخَرِ تَمَامَ حَقِّهِ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الظَّالِمُ لَا يُمْكِنُهُ تَعْزِيرُهُ فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ بِعُقُوبَةٍ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ ، وَإِذَا كَانَ ذَنْبُ الظَّالِمِ إفْسَادَ دِينِ الْمَظْلُومِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْسِدَ دِينَهُ ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ دِينُهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ .
وَكَذَا لَوْ افْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ .
لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ الْكَذِبَ نَظِيرَ مَا افْتَرَاهُ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِرَاءُ مُحَرَّمًا ، لِأَنَّ اللَّهَ إذَا عَاقَبَهُ بِمَنْ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَقْبُحْ مِنْهُ وَلَا ظُلْمَ فِيهِ ، لِأَنَّهُ اعْتَدَى بِمِثْلِهِ ، وَأَمَّا مِنْ الْعَبْدِ فَقَبِيحٌ لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ .

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ مُوسَى { رَبَّنَا إنَّك آتَيْت فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا } الْآيَةَ ، وَدَعَا سَعْدٌ عَلَى الَّذِي طَعَنَ فِي سِيرَتِهِ وَدِينِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ دُعَاءَ مُوسَى بِإِذْنٍ قَالَ : وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلِانْتِقَامِ ، وَذَكَرَ فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ ابْنُ هُبَيْرَةَ مِثْلَهُ فَاتَّفَقَ الْوَزِيرُ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمْ فَقِيهٌ مَالِكِيٌّ ، فَقَالَ الْوَزِيرُ : أَحِمَارٌ أَنْتَ ؟ الْكُلُّ يُخَالِفُونَك وَأَنْتَ مُصِرٌّ ، ثُمَّ قَالَ الْوَزِيرُ : لِيَقُلْ لِي كَمَا قُلْت لَهُ فَمَا أَنَا إلَّا كَأَحَدِكُمْ ، فَضَجَّ الْمَجْلِسُ بِالْبُكَاءِ .
وَجَعَلَ الْمَالِكِيُّ يَقُولُ : أَنَا الْأَوْلَى بِالِاعْتِذَارِ ، وَالْوَزِيرُ يَقُولُ : الْقِصَاصُ ، فَقَالَ يُوسُفُ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ تَوَلَّى دَرْسَ النِّظَامِيَّةِ : إذْ أَبَى الْقِصَاصَ فَالْفِدَاءُ .
فَقَالَ الْوَزِيرُ : لَهُ حُكْمُهُ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : نِعَمُك عَلَيَّ كَثِيرَةٌ .
قَالَ : لَا بُدَّ ، قَالَ : عَلَيَّ دَيْنٌ مِائَةُ دِينَارٍ .
فَقَالَ الْوَزِيرُ : يُعْطَى مِائَةً لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ ، وَمِائَةً لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِي .
ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِهِ ، فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الصُّلْحُ بِمَالٍ عَلَى حَقٍّ آدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَبٍّ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ } وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَقَوْلِ شَيْخِنَا ، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ { وَصَحَّ خَبَرُ عَائِشَةَ أَنَّهَا دَعَتْ عَلَى السَّارِقِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ } أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ .

وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : مَنْ قَصَدَ الْجَهْرَ فِي صَلَاةِ سِرٍّ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ يَزِيدُ فِيهَا أَذْكَارًا غَيْرَ مَسْنُونَةٍ وَنَحْوِهِ ، فَلِلْمُحْتَسِبِ تَأْدِيبُهُ { وَلَمَّا طَوَّلَ مُعَاذٌ الصَّلَاةَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟ } أَيْ مُنَفِّرٌ عَنْ الدِّينِ ، فَفِيهِ إنْكَارُ الْمَكْرُوهِ ، وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ ، لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ التَّعْزِيرُ عَلَى إطَالَتِهَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ ، وَالِاكْتِفَاءُ فِي التَّعْزِيرِ بِالْكَلَامِ .

وَمَنْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ بِلَا حَاجَةٍ : عُزِّرَ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ .
قَالَ مُجَاهِدٌ : كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ أَنْ يَسْتَعِفُّوا بِهِ .
وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ : كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهِمْ ، وَعَنْهُ : " يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَوْ خَافَ " ذَكَرَهَا فِي الْفُنُونِ : وَإِنْ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا ، لِأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ إبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ لَمْ يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ ، فَهُنَا أَوْلَى ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّوْمَ بَدَلًا مِنْ النِّكَاحِ ، وَالِاحْتِلَامُ مُزِيلًا لِشِدَّةِ الشَّبَقِ مُفْتِرٌ لِلشَّهْوَةِ ، وَيَجُوزُ خَوْفَ زِنًا ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ فَتَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِثْلَ الذَّكَرِ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الْقِيَاسِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .

وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى جِمَاعٍ وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا حَرُمَ ( و ) .

بَابُ السَّرِقَةِ مَنْ سَرَقَ وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ وَعَنْهُ : أَوْ مُكْرَهٌ مَالًا مُحْتَرَمًا عَالِمًا بِهِ وَبِتَحْرِيمِهِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ نَائِبِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ وَلَوْ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَقِيلَ : وَمِنْ غَاصِبِهِ وَسَارِقِهِ ، نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَثَلَهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ ، وَخَرَجَ بِهِ دَخَلَهُ أَوْ لَا ، بِلَا شُبْهَةٍ .
وَتَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ وَصَفَاهَا ، وَالْأَصَحُّ لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى ، أَوْ إقْرَارِ مَرَّتَيْنِ وَوَصْفُهَا ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِزِنًا : فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ وَجْهَيْنِ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ( م 1 ) بِخِلَافِ الْقَذْفِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ ، وَجَزَمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَجِبُ اسْتِفْسَارُ الْحَاكِمِ الشُّهُودَ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالْحَبْلِ فِي الْبِئْرِ ، لِأَنَّ الزِّنَا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْعَيْنِ وَالْيَدِ ، وَعَنْهُ : فِي إقْرَارِ عَبْدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا .
لَا يَكُونُ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى سَرِقَةِ نِصَابٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ قَالَ فَقَدْته ، وَمَعْنَاهُ فِي الِانْتِصَارِ وَطَالَبَهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ ، أَوْ وَلِيُّهُ بِالسَّرِقَةِ لَا بِالْقَطْعِ ، وَعَنْهُ ، أَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَشَيْخُنَا كَإِقْرَارِهِ بِزِنًا بِأَمَةِ غَيْرِهِ ، وَجَبَ قَطْعُهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي طَلَبِهِ : وَإِنْ قُطِعَ بِدُونِهِ أَجْزَأَ .
بَابُ السَّرِقَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " إقْرَارُ مَرَّتَيْنِ وَوَصَفَهَا ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِزِنًا فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ وَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ " انْتَهَى .
( قُلْت ) : الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا أَوْلَى بِالتَّفْصِيلِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ ، وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ بِذَلِكَ .

وَمَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالِ غَائِبٍ أَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ انْتَظَرَ حُضُورَهُ فَيُحْبَسُ ، وَقِيلَ : لَا ، كَإِقْرَارِهِ لَهُ بِحَقٍّ مُطْلَقٍ .
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : غَايَتُهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِغَائِبٍ وَقِيلَ : لِلْحَاكِمِ حَبْسُهُ .
قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ ، فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ حَقًّا فِي الْقَطْعِ فَيُحْبَسُ ، وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ سَقَطَ قَطْعُهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمِينًا وَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ أَوْ لَا حَتَّى أَحْجَارٌ وَلَبَنٌ وَخَشَبٌ وَمِلْحٌ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، وَفِي تُرَابٍ وَكَلَأٍ وَسِرْجِينٍ طَاهِرٍ ، وَالْأَشْهَرُ وَثَلْجٍ ، وَقِيلَ : وَمَاءٍ ، وَجْهَانِ ( م 2 - 5 ) .
وَفِي الْوَاضِحِ فِي صَيْدٍ مَمْلُوكٍ مُحَرَّزٍ رِوَايَتَانِ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا .
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْفُصُولِ : فَيَجِيءُ عَنْهُ : لَا .
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إنْ لَمْ يَتَمَوَّلْ عَادَةً كَمَاءٍ وَكَلَأٍ مُحَرَّزٍ ، فَلَا قَطْعَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ 2 - 5 ) قَوْلُهُ : " وَفِي تُرَابٍ وَكَلَأٍ وَسِرْجِينٍ طَاهِرِ ، وَالْأَشْهَرُ وَثَلْجٍ ، وَقِيلَ : وَمَاءُ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسَائِلَ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 2 ) التُّرَابُ هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي .
( أَحَدُهُمَا ) : يُقْطَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي التُّرَابِ الَّذِي يُتَدَاوَى بِهِ كَالْأَرْمَنِيِّ وَمَا يُغْسَلُ أَوْ يُصْبَغُ بِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ ، اخْتَارَهُ النَّاظِمُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ فِي التُّرَابِ الَّذِي لَهُ قِيمَةٌ كَالْأَرْمَنِيِّ وَاَلَّذِي يُعَدُّ لِلْغَسِيلِ بِهِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3 ) : الْكَلَأُ هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي وَالنَّظْمِ .
( أَحَدُهُمَا ) : يُقْطَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُقْطَعُ بِهِ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ كَلَأٍ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 4 ) : السِّرْجِينُ الطَّاهِرُ هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي .
( أَحَدُهُمَا ) : يُقْطَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يُقْطَعُ ، اخْتَارَهُ النَّاظِمُ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ 5 ) : الثَّلْجُ ،

وَفِيهِ طَرِيقَانِ ، أَصَحُّهُمَا أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ .
( أَحَدُهُمَا ) : يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنَّهُ قَالَ : وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَغَيْرِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : الْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالْمِلْحِ ، انْتَهَى .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمِلْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي .
( تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ ) قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَالَا : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ شَاقِلَا وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُقْطَعُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ ، قَالَهُ فِي الصَّحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَيَحْتَمِلُهُ تَقْدِيمُ الْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي الرَّوْضَةِ .

وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَنَائِمٍ لَا مُكَاتَبٍ وَلَا حُرٍّ ، وَقِيلَ : بَلَى مَعَ صِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ فَعَلَى الْأَوْلَى إنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفِيهِ وَفِي أُمِّ وَلَدٍ وَجْهَانِ ( م 6 ، 7 ) وَفِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا : لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ .
وَفِي الْكَافِي : وَلَا كَبِيرٍ أَكْرَهُهُ ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَفِي عَبْدٍ نَائِمٍ وَسَكْرَان وَجْهَانِ .

الثَّانِي ) قَوْلُهُ : وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَنَائِمٍ لَا مُكَاتَبٍ وَلَا حُرٍّ .
وَقِيلَ : بَلَى مَعَ صِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ ، انْتَهَى .
الصَّوَابُ : أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( مَسْأَلَةٌ 6 و 7 ) قَوْلُهُ : فَعَلَى الْأُولَى إنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَفِي أُمِّ وَلَدٍ وَجْهَانِ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) إذَا سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا وَقُلْنَا : لَا يُقْطَعُ بِهِ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ فَهَلْ يُقْطَعُ بِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُقْطَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُقْطَعُ ، قَالَ فِي الْمَذْهَبِ : قَطَعَ ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَإِنْ سَرَقَ أُمَّ وَلَدٍ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً قُطِعَ ، وَإِنْ سَرَقَهَا كَرْهًا فَوَجْهَانِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُقْطَعُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا وَلَا نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُقْطَعُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ ، فَأَشْبَهَتْ الْقِنَّ .

وَإِنْ سَرَقَ إنَاءً فِيهِ خَمْرٌ أَوْ مَاءٌ وَلَمْ يُقْطَعْ بِمَاءٍ ، أَوْ صَلِيبًا أَوْ صَنَمِ نَقْدٍ لَمْ يُقْطَعْ ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ .

وَيُقْطَعُ بِإِنَاءِ نَقْدٍ أَوْ دَرَاهِمَ بِهَا تَمَاثِيلُ .
وَقِيلَ : وَلَمْ يَقْصِدْ إنْكَارًا ، لَا بِآلَةِ لَهْوٍ وَكُتُبِ بِدَعٍ وَتَصَاوِيرَ وَمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ ، وَعَنْهُ : وَلَمْ يَقْصِدْ سَرِقَةً .
وَفِي التَّرْغِيبِ مِثْلُهُ فِي إنَاءِ نَقْدٍ .
وَفِي الْفُصُولِ فِي قُضْبَانِ الْخَيْزُرَانِ وَمَخَادِّ الْجُلُودِ الْمُعَدَّةِ لِتَغْيِيرِ الصُّوفِيَّةِ يُحْتَمَلُ ، كَآلَةِ لَهْوٍ وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ وَضَمَانُهَا .

وَنِصَابُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ خَالِصَةٌ وَمَغْشُوشَةٌ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، أَوْ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ مَا قِيمَتُهُ ، كَأَحَدِهِمَا ، وَعَنْهُ : كَالدَّرَاهِمِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ .
وَفِي الْمُبْهِجِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ ، وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ قِيمَتُهَا ، وَفِي تَكْمِيلِهِ بِضَمِّ النَّقْدَيْنِ وَجْهَانِ ( م 8 ) وَيَكْفِي تِبْرٌ فِي الْمَنْصُوصِ .
مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ " وَفِي تَكْمِيلِهِ بِضَمٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يُكْمِلُ النِّصَابَ بِضَمِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ إنْ جَعَلَا أَصْلَيْنِ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ .
( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَضُمُّ قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ : أَصْلُ الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي الضَّمِّ فِي الزَّكَاةِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُقْطَعُ هُنَا بِالضَّمِّ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي الزَّكَاةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ النِّصَابِ حَالَ إخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزٍ ، فَلَوْ أَتْلَفَهُ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ذَبْحٍ فِيهِ كَبْشًا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوْ قُلْنَا هُوَ مَيْتَةٌ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ نَقَصَتْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ قُطِعَ .

وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ .
وَفِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُغْنِي : يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ ( م 9 ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إذَا رَفَعَ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لِرَافِعِهِ عَفْوٌ ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ : قَبْلَ الْحُكْمِ ، قَالَ أَحْمَدُ : تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ .
فَإِذَا صَارَ إلَى السُّلْطَانِ وَصَحَّ عِنْدَهُ الْأَمْرُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الِاعْتِرَافِ وَجَبَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ .

مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : " وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ .
وَفِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُغْنِي : يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ " انْتَهَى .
يَعْنِي لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ وَقَبْلَ التَّرَافُعِ هَلْ يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ أَمْ لَا .
( أَحَدُهُمَا ) يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ وَيَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالنَّظْمِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْمُغْنِي الشَّرْحِ فَقَالَا : يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ عِنْدَهُ ، وَقَالَا : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ الْمُصَنِّفِ : " وَفِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُغْنِي يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ " ، انْتَهَى .
لَيْسَ كَمَا قَالَ عَنْ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّ كَلَامَهُ كَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَيُقْطَعُ السَّارِقُ وَإِنْ وَهَبْت لَهُ السَّرِقَةَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْقَطْعُ ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْإِيضَاحِ فَإِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ فِيهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ : فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِذَا وَهَبَ لَهُ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ ، فَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَا قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَفْهُومِهِ .

وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ فِي حَدٍّ دُونَ السُّلْطَانِ ، وَيَسْتُرُ عَلَى أَخِيهِ وَلَا يَرْفَعُ عَنْهُ الشَّفَاعَةَ ، فَلَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَتُوبُ عَلَيْهِ .

وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ وَمَعًا عَشْرَةٌ غَرِمَ ثَمَانِيَةً ، الْمُتْلَفُ وَنَقْصُ التَّفْرِقَةِ ، وَقِيلَ : دِرْهَمَيْنِ وَلَا قَطْعَ ، وَكَذَا جُزْءًا مِنْ كِتَابٍ ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَنَظَائِرِهِ ، وَضَمَانُ مَا فِي وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهِمَا .

وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْدِيلًا بِطَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ يَعْلَمُهُ ، وَقِيلَ : أَوْ يَجْهَلُهُ ، صَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ ، كَجَهْلِهِ قِيمَتَهُ .

وَيُقْطَعُ سَارِقُ نِصَابٍ لِجَمَاعَةٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ .

وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي نِصَابِ قُطِعُوا مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ : يُقْطَعُ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ لِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا قَطْعَ

وَإِنْ هَتَكَا حِرْزًا وَدَخَلَاهُ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَقَرَّبَهُ مِنْ النَّقْبِ وَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ قَطْعًا ، وَكَذَا إنْ وَضَعَهُ وَسَطَ النَّقْبِ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ رَمَاهُ الدَّاخِلُ خَارِجًا أَوْ نَاوَلَهُ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ أَوَّلًا ، أَوْ أَعَادَهُ فِيهِ أَحَدُهُمَا قُطِعَ الدَّاخِلُ وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ : هُمَا ، وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَهُ ، فَإِنْ تَوَاطَآ فَفِي قَطْعِهِمَا وَجْهَانِ وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ ( م 10 ) .
مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَهُ فَإِنْ تَوَاطَآ فَفِي قَطْعِهِمَا وَجْهَانِ وَإِلَّا فَلَا " انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا قَطْعَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) يُقْطَعُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

فَصْلٌ مَنْ دَخَلَ حِرْزًا فَبَلَعَ جَوْهَرَةً وَخَرَجَ فَقِيلَ : يُقْطَعُ ، وَقِيلَ : إنْ خَرَجَتْ ، وَقِيلَ : لَا ( م 11 ) وَيُقْطَعُ إنْ رَمَى بِهِ خَارِجًا أَوْ جَذَبَهُ بِشَيْءٍ ، وَكَذَا إنْ أَمَرَ آدَمِيًّا غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ تَرَكَهُ عَلَى دَابَّةٍ ، وَقِيلَ : وَسَاقَهَا أَوْ مَاءٍ جَارٍ ، وَقِيلَ : رَاكِدٍ فَانْفَتَحَ فَأَخْرَجُوهُ عَلَى جِدَارٍ فَأَخْرَجَتْهُ رِيحٌ ، أَوْ اسْتَتْبَعَ سَخْلَ شَاةٍ ، وَقِيلَ : أَوْ تَبِعَهَا .
وَالْأَصَحُّ : أَوْ تَطَيَّبَ فِيهِ وَخَرَجَ .
وَالْأَصَحُّ : وَلَوْ اجْتَمَعَ بَلَغَ نِصَابًا ، أَوْ هَتَكَ الْحِرْزَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَقْتًا آخَرَ ، أَوْ أَخَذَ بَعْضَهُ ثُمَّ أَخَذَ بَقِيَّتَهُ وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : أَوْ بَعُدَ .
قَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ .

مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ دَخَلَ حِرْزًا فَبَلَعَ جَوْهَرَةً فَقِيلَ : يُقْطَعُ ، وَقِيلَ : إنْ خَرَجَتْ ، وَقِيلَ : لَا " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيّ .
( أَحَدُهُمَا ) يُقْطَعُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) إنْ خَرَجَتْ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فِي الْحِرْزِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
( قُلْت ) إتْلَافُهُ فِي الْحِرْزِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ ، بَلْ فَعَلَ فِيهِ مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الْإِتْلَافِ إنْ وُجِدَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَتْلَفُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ خَرَجَتْ فَوَجْهَانِ ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ : إنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَا قَطْعَ ، وَإِنْ خَرَجَتْ فَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
( تَنْبِيهٌ ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ فِي كَوْنِهِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا أَوْ لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْقَطْعِ إذَا خَرَجَتْ وَعَدَمِهِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ فَهُوَ مُفْزِعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْقَطْعِ ، وَقَدَّمَ الْقَطْعَ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّفْرِقَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ فِي الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ .

قَالَ : وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ وَأَهْمَلَهُ فَلَا قَطْعَ هُنَا .
قَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا يَبْنِي فِعْلَهُ كَمَا يَبْنِي عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ إنْ عَادَ غَدًا وَلَمْ يَكُنْ رَدَّ الْحِرْزَ فَأَخَذَ بَقِيَّتَهُ ، سَلَّمَهُ الْقَاضِي لِكَوْنِ سَرِقَتِهِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ .

وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ نِصَابٌ قُطِعَ إنْ قَطَعَهُ ، وَإِلَّا فَلَا .

وَلَوْ فَتَحَ أَسْفَلَ كُوَّارَةٍ فَخَرَجَ الْعَسَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا قُطِعَ ، وَلَوْ عَلَّمَ قِرْدًا السَّرِقَةَ فَالْغُرْمُ فَقَطْ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ .

وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى سَاحَةِ دَارٍ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ مِنْهَا قُطِعَ .
وَعَنْهُ : إنْ كَانَ بَابُهَا مُغْلَقًا فَلَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ فَتَحَ بَابَهَا فَوَجْهَانِ .

وَحِرْزُ الْمَالِ مَا حُفِظَ فِيهِ عَادَةً ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَالْبَلَدِ وَعَدْلِ السُّلْطَانِ وَقُوَّتِهِ وَضِدِّهِمَا .
فَحِرْزُ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ وَقُمَاشٍ فِي الْعُمْرَانِ فِي دَارٍ وَدُكَّانٍ وَرَاءَ غَلْقٍ وَثِيقٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : فِي قُمَاشٍ غَلِيظٍ وَرَاءَ غَلْقٍ .
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ : مَا جُعِلَ لِلسُّكْنَى وَحِفْظِ الْمَتَاعِ كَالدُّورِ وَالْخِيَامِ حِرْزٌ ، سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ مَحْجَرٌ لِلْبِنَاءِ .
وَالصُّنْدُوقُ بِسَوْقِ حِرْزٍ وَثَمَّ حَارِسٌ ، وَقِيلَ : أَوْ لَا .
وَحِرْزُ بَقْلٍ وَقُدُورُ بَاقِلَّا وَطَبِيخٌ وَخَزَفٌ وَثَمَّ الْحَارِسُ وَرَاءَ الشَّرَائِحِ .
وَحِرْزُ خَشَبٍ وَحَطَبِ الْحَظَائِرِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : حِرْزُ حَطَبٍ تَعْبِيَتُهُ وَرَبْطُهُ بِالْحِبَالِ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ .
وَالسُّفُنُ فِي الشَّطِّ بِرَبْطِهَا .
وَالْمَاشِيَةُ الصَّيِّرُ ، وَفِي الْمَرْعَى بِرَاعٍ يَرَاهَا غَالِبًا وَإِبِلٌ بَارِكَةٌ مَعْقُولَةٌ بِحَافِظٍ حَتَّى نَائِمٍ ، وَحُمُولَتُهَا بِسَائِقٍ يَرَاهَا أَوْ بِتَقْطِيرِهَا وَقَائِدٍ يَرَاهَا ، وَفِي التَّرْغِيبِ : بِقَائِدٍ يَكْثُرُ الْتِفَاتُهُ وَيَرَاهَا إذَنْ إلَّا الْأَوَّلُ مُحْرَزٌ بِقَوَدِهِ ، وَالْحَافِظُ الرَّاكِبُ فِيمَا وَرَاءَهُ كَقَائِدٍ .
وَالْبُيُوتُ بِالصَّحْرَاءِ وَالْبَسَاتِينِ بِمُلَاحَظٍ ، فَإِنْ كَانَتْ مُغْلَقَةً أَبْوَابُهَا فَبِنَائِمٍ ، وَكَذَا خَيْمَةٌ وخَرْكَاهُ وَنَحْوُهُمَا ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هَذَا مِنْ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَائِمٌ عَلَى الرَّحْلِ ، وَإِلَّا بِمُلَاحَظٍ ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
وَحِرْزُ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ وَأَعْدَالٍ وَغَزْلٍ فِي سُوقٍ أَوْ خَانٍ وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ بِحَافِظٍ ، كَقُعُودِهِ عَلَى الْمَتَاعِ .
وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَإِنْ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ فَنَامَ أَوْ اشْتَغَلَ فَلَا قَطْعَ .
وَيَضْمَنُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ اسْتَحْفَظَهُ رَبُّهُ صَرِيحًا ، وَفِيهِ : وَلَا تَبْطُلُ الْمُلَاحَظَةُ بِفَتَرَاتٍ وَإِعْرَاضٍ يَسِيرٍ ، بَلْ

بِتَرْكِهِ وَرَاءَهُ .
وَحِرْزُ كَفَنٍ فِي قَبْرٍ بِمَيِّتٍ ، فَلَوْ نَبَشَهُ وَأَخَذَ كَفَنًا مَشْرُوعًا قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَفِي الْوَاضِحِ مِنْ مَقْبَرَةٍ مَصُونَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ ، وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّبْصِرَةِ : " مَصُونَةٍ " ، وَفِي كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 12 ) وَعَلَيْهِمَا : هُوَ خَصْمُهُ ، وَقِيلَ : نَائِبُ إمَامٍ كَعَدَمِهِ ، وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ ، وَقِيلَ : هُوَ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَقِيلَ : لِمَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَوَارِثُهُ لَا يَمْلِكُ إبْدَالَهُ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ إذَا لَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُ أَوْ عَيَّنَهُ بِوَصِيَّةٍ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ حَقًّا لِلَّهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : وَثَوْبٌ رَابِعٌ وَخَامِسٌ مِثْلُهُ ، كَطِيبٍ ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ : وَرَابِعٌ وَخَامِسٌ وَجْهَانِ .
وَحِرْزُ بَابٍ تَرْكِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَقِيلَ : لَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِبَابِ مَسْجِدٍ كَحُصُرِهِ وَنَحْوِهَا ، فِي الْأَصَحِّ ، وَتَأْزِيرُهُ وَجِدَارُهُ وَسَقْفُهُ كَبَابِهِ ، وَيُقْطَعُ بِهِ مِنْ آدَمِيٍّ ، وَبِحَلْقَةِ بَابِ دَارِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : حِرْزُ بَابِ بَيْتٍ أَوْ خِزَانَةٍ بِغَلْقِهِ أَوْ غَلْقِ بَابِ الدَّارِ عَلَيْهِ ، وَفِي سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ الْخَارِجَةِ الْمَخِيطَةِ رِوَايَتَانِ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ : لَا ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ( م 13 ) وَإِنْ نَامَ عَلَى رِدَائِهِ فِي مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ أَوْ عَلَى مِجَرِّ فَرَسِهِ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ أَوْ نَعْلُهُ فِي رِجْلِهِ قُطِعَ سَارِقُهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَوْ سُرِقَ مَرْكُوبُهُ مِنْ تَحْتِهِ فَلَا قَطْعَ ، وَفِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالٌ ، وَإِنْ سَرَقَهُ بِمَالِكِهِ وَمَعَهُ نِصَابٌ فَالْوَجْهَانِ ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ : مَا كَانَ حِرْزًا لِمَالٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِآخَرَ ، وَحَمَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى قُوَّةِ سُلْطَانٍ وَعَدْلِهِ .

مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : " وَفِي كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ فِيهِ وَجْهَانِ " انْتَهَى ، يَعْنِي بِهِ الْكَفَنَ إذَا سُرِقَ .
( أَحَدُهُمَا ) : هُوَ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَالْفَائِقِ فِي الْجَنَائِزِ فَقَالَ : لَوْ كَفَّنَ فَقَدَّمَ الْمَيِّتَ فَالْكَفَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : هُوَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِذَا أَكَلَهُ ضَبُعٌ فَكَفَنُهُ إرْثٌ ، وَقَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ وَزِيَادَةُ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ : لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ أَكَلَ الْمَيِّتُ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْوَرَثَةِ ، وَقَطْعًا بِذَلِكَ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : " وَفِي سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ الْخَارِجَةِ الْمَخِيطَةِ رِوَايَتَانِ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ : لَا ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا يُقْطَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يُقْطَعُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .

فَصْلٌ .
وَيُقْطَعُ كُلُّ قَرِيبٍ بِسَرِقَةِ مَالِ قَرِيبِهِ إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ ، وَعَنْهُ إلَّا أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا ، وَقِيلَ : إلَّا ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ قَطْعُ غَيْرِ أَبٍ .

وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةٍ مِنْ سَيِّدِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَسَرِقَةِ سَيِّدٍ مِنْ مُكَاتَبِهِ ، فَإِنْ مَلَكَ وَفَاءً فَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ ، وَفِي الِانْتِصَارِ ، فِيمَنْ وَارِثُهُ حُرٌّ : يُقْطَعُ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ .

وَمِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَهُ كَبَيْتِ الْمَالِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ : لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا .
وَغَنِيمَةٌ لَمْ تُخَمَّسْ أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْهُ ، كَغَنِيمَةٍ مُخَمَّسَةٍ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : يُقْطَعُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ بِسَرِقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَمِثْلُهُ سَرِقَةُ عَبْدِ وَالِدٍ وَوَلَدٍ وَنَحْوِهِمَا .

قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ وَهُوَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُحَرِّزُوهُ عَنْهُ : لَمْ يُقْطَعْ .

وَلَا يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِهِ الْمُحَرَّزِ عَنْهُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ كَمَنْعِهِ نَفَقَتَهَا فَتَأْخُذُهَا ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : أَوْ أَكْثَرُ .
وَعَنْهُ : بَلَى ، كَحِرْزٍ مُنْفَرِدٍ ، قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ ، كَضَيْفِهِ وَصَدِيقِهِ وَعَبْدِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ مِنْ مَالٍ مُحَرَّزٍ عَنْهُ وَلَمْ يَمْنَعْ الضَّيْفَ قُرَاهُ ، حَمَلَ إطْلَاقَ أَحْمَدَ : لَا قَطْعَ عَلَى ضَيْفٍ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ .

وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِسَرِقَةِ مَالِ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ ، وَهُمَا بِسَرِقَةِ مَالِهِ كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَضَمَانُ مُتْلَفٍ .
وَقِيلَ : لَا يُقْطَعُ مُسْتَأْمَنٌ ، كَحَدِّ خَمْرٍ وَزِنَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ ، وَسَوَّى فِي الْمُنْتَخَبِ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْقَطْعِ ، وَيُقْطَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ .

وَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا وَادَّعَاهُ لَهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يُقْطَعْ ، الْأَكْثَرُ .
وَعَنْهُ : بَلَى ، بِيَمِينِهِ .
وَعَنْهُ : يُقْطَعُ مَعْرُوفٌ بِسَرِقَةٍ ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَكَذَا دَعْوَاهُ إذْنَهُ فِي دُخُولِهِ ، وَفِي الْمُحَرَّرِ : يُقْطَعُ .
نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَمَرَنِي رَبُّ الدَّارِ أَنْ أُخْرِجَهُ ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي حَدِّ زِنَا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : لَمْ يُحَدَّ .

وَمَنْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ مَالُهُ فَسَرَقَ مَالَهُمَا مَعَ مَالِهِ مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ لَمْ يُقْطَعْ ، وَقِيلَ : بَلَى ، إنْ تَمَيَّزَ ، وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُمَا مِنْ حِرْزٍ آخَرَ وَمِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قُطِعَ ، وَقِيلَ : وَلَوْ أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ لِعَجْزِهِ .

وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ ثُمَّ سَرَقَهَا أَوْ آجَرَ أَوْ أَعَارَ دَارِهِ فَسَرَقَ مِنْهَا مَالَ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ قُطِعَ .
وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ إنْ قَصَدَ بِدُخُولِهِ الرُّجُوعَ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ : لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلٍ لَا بِسَرِقَةٍ ، عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَعَارَهُ ثَوْبًا وَسَرَقَهُ ضَمَّنَهُ شَيْئًا ، وَلَا فَرْقَ .

فَصْلٌ وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مِفْصَلِ كَفِّهِ .
وَيَجِبُ ، ذَكَرَ الشَّيْخُ : يُسْتَحَبُّ حَسْمُهَا بِغَمْسِهَا فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ .
قَالَ أَحْمَدُ : { قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِهِ فَحَسَمَ } ، وَهُوَ وَأُجْرَةُ قَاطِعٍ مِنْ مَالِهِ ، وَقِيلَ : مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَيُسْتَحَبُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ ، زَادَ فِي الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ : ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ رَآهُ إمَامٌ ، وَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مِفْصَلِ كَعْبِهِ يُتْرَكُ عَقِبُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَحُسِمَتْ ، فَإِنْ عَادَ فَعَنْهُ : يَجِبُ قَطْعُ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ ، وَرِجْلِهِ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ ، وَلَا تَقْرِيعَ فَيُقْطَعُ الْكُلُّ مُطْلَقًا ، وَالْمَذْهَبُ : يَحْرُمُ قَطْعُهُ ، فَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ ، كَالْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ .
وَفِي الْإِيضَاحِ : يُعَذَّبُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : أَوْ يُغَرَّبُ ، وَفِي الْبُلْغَةِ : يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ .
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { : جِيءَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اُقْتُلُوهُ فَقَالُوا : إنَّمَا سَرَقَ ، فَقَالَ : اقْطَعُوهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ ثَانِيَةً فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالُوا : إنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ : اقْطَعُوهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ ثَالِثَةً فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالُوا : إنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ اقْطَعُوهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ رَابِعَةً فَقَالَ اُقْتُلُوهُ فَقَالُوا : إنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ اقْطَعُوهُ ، فَأَتَى بِهِ فِي الْخَامِسَةِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَتَلُوهُ } .
فَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ : مُصْعَبٌ ضَعِيفٌ ، زَادَ أَحْمَدُ : لَمْ أَرَ النَّاسَ يَحْمَدُونَ حَدِيثَهُ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، رَوَى حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَمُصْعَبُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، وَقِيلَ هُوَ حَسَنٌ ، وَقَتَلَهُ لِمَصْلَحَةٍ اقْتَضَتْهُ ، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ الْمَالِكِيُّ : يُقْتَلُ السَّارِقُ فِي الْخَامِسَةِ ،

وَقِيَاسُ قَوْلِ شَيْخِنَا إنَّهُ كَالشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ يُقْتَلُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ .

فَلَوْ سَرَقَ وَيَمِينُهُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ ، وَلَوْ كَانَ يَدُهُ الْيُسْرَى أَوْ يَدَيْهِ فَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ ( م 14 ) وَلَوْ كَانَ رِجْلَيْهِ أَوْ يُمْنَاهُمَا قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ ، فِي الْأَصَحِّ .
مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : " فَلَوْ سَرَقَ وَيَمِينُهُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا ، لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ ، وَلَوْ كَانَ يَدُهُ الْيُسْرَى أَوْ يَدَيْهِ فَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ " انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا قَطْعَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ : فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالسَّرِقَةِ وَسُقُوطُ الْقَطْعِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَقْتَضِي قَطْعَ رِجْلِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَمِينَهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يُقْطَعُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ قَطْعُ يَمِينِهِ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً .

وَمَنْ سَرَقَ وَلَهُ يَدٌ يُمْنَى فَذَهَبَتْ هِيَ أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ فَقَطْ ، أَوْ مَعَ رِجْلَيْهِ ، أَوْ إحْدَاهُمَا ، فَلَا قَطْعَ ، لِتَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهَا ، لِوُجُودِهَا ، كَجِنَايَةٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ فَمَاتَ ؛ وَإِنْ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ أَوْ يُمْنَاهُمَا فَقِيلَ : يُقْطَعُ ، كَذَهَابِ يُسْرَاهُمَا وَقِيلَ : لَا ، لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ ( م 15 ) وَالشَّلَّاءُ كَمَعْدُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي أُخْرَى كَسَالِمَةٍ ( م 16 ) إنْ أَمِنَ تَلَفَهُ بِقَطْعِهَا ، وَكَذَا مَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا كَالْأَصَابِعِ ( م 17 ) ، فَإِنْ ذَهَبَتْ خِنْصَرٌ أَوْ بِنْصَرٌ أَوْ وَاحِدَةٌ سِوَاهُمَا وَقِيلَ الْإِبْهَامُ فَقَطْ فَوَجْهَانِ ( م 18 ) .

( مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ سَرَقَ وَلَهُ يَدٌ يُمْنَى فَذَهَبَتْ هِيَ أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ فَقَطْ أَوْ مَعَ رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَلَا قَطْعَ ، لِتَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهَا ، لِوُجُودِهَا ، كَجِنَايَةٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ فَمَاتَ .
وَإِنْ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ أَوْ يُمْنَاهُمَا فَقِيلَ يُقْطَعُ ، كَذَهَابِ يُسْرَاهُمَا ، وَقِيلَ : لَا ، لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( إحْدَاهُمَا ) : يُقْطَعُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَوَّاهُ الشَّيْخُ فِي بَحْثِهِ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : لَا يُقْطَعُ لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةً فَلَا أَعْلَمُ فِيهَا قَوْلًا لِأَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
( أَحَدُهُمَا ) تُقْطَعُ يَمِينُهُ ، لِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُ يُمْنَى فَقُطِعَتْ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُ يَدَانِ ، لِأَنَّ قَطْعَ يُمْنَاهُ يُذْهِبُ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ مِنْ الرِّجْلَيْنِ .
انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " فِي الْقَوْلِ الثَّانِي ، لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ " ، كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَلَعَلَّهُ لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الشِّقِّ ، لِأَنَّ ذَهَابَ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَطْعِ الْيَدِ .
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي ، فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِذَلِكَ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَيَكُونُ وَجْهُهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ يَضْعُفُ مَشْيُهُ ، لِأَنَّ الْيَدَ الْيُمْنَى تُعِينُ عَلَى الْمَشْيِ بِالِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا وَغَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : " وَالشَّلَّاءُ كَمَعْدُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي أُخْرَى كَسَالِمَةٍ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَإِحْدَاهُمَا ) : هِيَ كَمَعْدُومَةٍ ، فَلَا تُقْطَعُ ، وَتُقْطَعُ

رِجْلُهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالنَّاظِمُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : هِيَ كَسَالِمَةٍ ، فَيُجْزِئُ قَطْعُهُمَا مَعَ أَمْنِ تَلَفِهِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( مَسْأَلَةٌ 17 ) قَوْلُهُ : " وَكَذَا مَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا كَالْأَصَابِعِ " يَعْنِي هَلْ يُجْزِئُ قَطْعُهَا أَمْ يَنْتَقِلُ ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَقَدْ عَلِمْت ذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، وَمَنْ صَحَّحَ وَقَدَّمَ ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ .
( مَسْأَلَةٌ 18 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ ذَهَبَ خِنْصَرٌ أَوْ بِنْصَرٌ أَوْ وَاحِدَةٌ سِوَاهُمَا ، وَقِيلَ : الْإِبْهَامُ فَقَطْ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : هِيَ كَالْمَعْدُومَةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : هِيَ كَالصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ .
( تَنْبِيهٌ ) ذَهَبَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّ ذَهَابَ الْإِبْهَامِ كَذَهَابِ أُصْبُعَيْنِ ، وَذَهَبَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهَا كَأُصْبُعٍ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِهِ نَقْصًا وَهُوَ لَفْظُهُ " إلَّا " وَتَقْدِيرُهُ : وَقِيلَ إلَّا الْإِبْهَامَ ، يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلْخِلَافِ الْمُطْلَقِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
فَهَذِهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ

وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يَمِينِهِ فَقَطَعَ قَاطِعٌ يَسَارَهُ بِلَا إذْنِهِ عَمْدًا فَالْقَوَدُ ، وَإِلَّا الدِّيَةُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ يُجْزِئُ وَلَا ضَمَانَ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الِانْتِصَارِ .
وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَضْمِينَهُ نِصْفَ دِيَةٍ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ إنْ قُطِعَ دَهْشَةً أَوْ ظَنَّهَا تُجْزِئُ كَفَتْ وَلَا ضَمَانَ ، وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : يُحْتَمَلُ لَا غُرْمَ لِهَتْكِ حِرْزٍ وَتَخْرِيبِهِ .

وَيُقْطَعُ عَلَى الْأَصَحِّ الطَّرَّارُ الَّذِي يَبُطُّ جَيْبًا أَوْ كُمًّا وَغَيْرَهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ : أَوْ بَعْدَ سُقُوطِهِ نِصَابًا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : عَلَى الْأَصَحِّ ، وَبَنَى فِي التَّرْغِيبِ الْقَطْعَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ حِرْزًا .

وَيُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَّةِ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ شَاقِلَا وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ ، كَوَدِيعَةٍ ، وَمُنْتَهِبٍ وَمُخْتَلِسٍ وَغَاصِبٍ وَمَنْ سَرَقَ تَمْرًا أَوْ كَثْرًا أَوْ مَاشِيَةً مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أُضْعِفَتْ الْقِيمَةُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ : وَغَيْرُهُمَا ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقِيلَ : يَخْتَصُّ التَّمْرُ وَالْكَثْرُ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : وَكَذَا دُونَ نِصَابٍ مِنْ حِرْزٍ .
سَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ عَمَّنْ يُعْفَى عَنْهُ حَدٌّ فِي سَرِقَةٍ ؟ قَالَ : أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ إذَا دُرِئَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ أَضْعَفْت عَلَيْهِ الْغُرْمَ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ الْإِنْكَارَ ، وَأَطْلَقَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَامَ مَجَاعَةِ غَلَاءٍ ، وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : مَا لَمْ يَبْذُلْ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : مَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ .

بَابُ حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَهُوَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ ، لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ ، وَلَوْ أُنْثَى ، يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بِسِلَاحٍ ، وَالْأَصَحُّ وَعَصَى وَحَجَرٍ .
وَفِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهٌ : وَيَدٍ ، فَيَغْصِبُهُ الْمَالَ مُجَاهَرَةً ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَقِيلَ : فِي صَحْرَاءَ ، وَقِيلَ : وَمِصْرَ إنْ لَمْ يُغَثْ .
وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ كَسَرِقَةٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَالْحِرْزُ وَالنِّصَابُ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : فِي سُقُوطِهِ بِشُبْهَةٍ كَسَرِقَةٍ وَجْهَانِ ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا نُفِيَ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ ، وَقِيلَ : عَامًا فَلَا يَأْوِي بِبَلَدٍ ، وَعَنْهُ : يُعَزَّرُ بِمَا يَرْدَعُهُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : هُمَا ، وَعَنْهُ : يُحْبَسُ ، وَفِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةُ نَفْيِهِ طَلَبَهُ ، وَتُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقَةً خِلَافًا لِلتَّبْصِرَةِ .

وَمَنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ حَتْمًا يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مُرَتَّبًا وُجُوبًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ ، وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، ثُمَّ أَوْجَبَهُ ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْ الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا ، وَقِيلَ : الْمَوْجُودُ مَعَ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ ، وَحُسِمَتَا ثُمَّ خَلَّى .
وَفِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا : إنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ قَوَدًا وَاكْتَفَى بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى فَفِي إمْهَالِهِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ قُطِعَتْ يُسْرَاهُ قَوَدًا وَقُلْنَا تُقْطَعُ يُمْنَاهُ لِسَرِقَةٍ أُمْهِلَ ، وَإِنْ عَدِمَ يُسْرَى يَدَيْهِ قُطِعَتْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ ، وَيَتَخَرَّجُ : لَا ، كَيُمْنَى يَدَيْهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا تُقْطَعُ بَقِيَّةُ أَرْبَعَةِ مُحَارِبٍ ثَانِيًا ، فِي الْأَصَحِّ .

وَمَنْ قَتَلَ فَقَطْ قُتِلَ حَتْمًا ، وَلَا أَثَرَ لِعَفْوِ وَلِيٍّ وَيُعَايَا بِهَا ، وَقِيلَ : حَتْمًا إنْ قَتَلَهُ لِقَصْدِ مَالِهِ ، وَقِيلَ : فِي غَيْرِ مُكَافَئٍ ، وَفِي اعْتِبَارِ الْمُكَافَأَةِ دَيْنًا وَحُرِّيَّةً حَتَّى لَا يُقْتَلَ وَالِدٌ وَسَيِّدٌ بِمَعْصُومٍ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) وَعَنْهُ : وَيُصْلَبُ .
بَابُ حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَفِي اعْتِبَارِ الْمُكَافَأَةِ دَيْنًا وَحُرِّيَّةً حَتَّى لَا يُقْتَلَ وَالِدٌ وَسَيِّدٌ بِمَعْصُومٍ رِوَايَتَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : يُقْتَلُ بِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ .
وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : يُقْتَلُ ، عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يُقْتَلُ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا شَيْءٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ وَمُنْتَخَبِهِ .

وَمَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ ثُمَّ صَلْبُهُ ، وَقِيلَ : يُصْلَبُ أَوَّلًا حَتَّى يَشْتَهِرَ ، وَفِي التَّبْصِرَةِ .
حَتَّى يَتَمَثَّلَ بِهِ وَيَعْتَبِرَ ، وَقِيلَ : مُسَمَّى صَلْبٍ ، وَعِنْدَ ابْنِ رَزِينٍ : ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَعَنْهُ : وَيُقْطَعُ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَفِي تَحَتُّمِ قَوَدٍ فِي طَرَفٍ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُهُ بِتَحَتُّمِ قَتْلِهِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَقَالَ : يَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ الْجِنَايَةُ إنْ قُلْنَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهَا ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ إنْ قُلْنَا يَتَحَتَّمُ فِي الطَّرَفِ ، وَهَذَا وَهْمَ ، وَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ لِقَوَدٍ لَزِمَهُ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ ، كَتَقْدِيمِهَا بِسَبْقِهَا ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قَتْلِهِ ، لِلْمُحَارَبَةِ ، وَقِيلَ : وَيُصْلَبُ ، وَالرِّدَّةُ فِيهَا وَالطَّلِيعُ كَمُبَاشِرٍ ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرِقَةَ كَذَلِكَ ، فَرَدْءُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَهُوَ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُ الْمَالَ آخِذُهُ ، وَقِيلَ : قَرَارُهُ عَلَيْهِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَفِي تَحَتُّمِ قَوَدٍ فِي طَرَفٍ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يَتَحَتَّمُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْكَافِي وَالْبُلْغَةِ .

وَفِي الْإِرْشَادِ : مَنْ قَاتَلَ اللُّصُوصَ وَقُتِلَ قُتِلَ الْقَاتِلُ فَقَطْ .
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْآمِرُ كَرَدْءٍ ، وَأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ كَذَلِكَ وَفِيهَا فِي الِانْتِصَارِ : الشَّرِكَةُ تَلْحَقُ غَيْرَ الْفَاعِلِ بِهِ ، كَرَدْءٍ مَعَ مُبَاشِرٍ وَفِي الْمُفْرَدَاتِ إنَّمَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لِلسَّعْيِ بِالْفَسَادِ ، وَالْغَالِبُ مِنْ السُّعَاةِ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَالتَّلَصُّصُ بِاللَّيْلِ الْمُشَارَكَةُ بِأَعْوَانٍ ، بَعْضٌ يُقَاتِلُ أَوْ يُحْمَلُ أَوْ يَكْثُرُ أَوْ يَنْقُلُ ، فَقَتَلْنَا الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْإِفْسَادِ ، وَلَوْ طَلَعَ إلَيْهِمْ عَسْكَرٌ فَأَخَذُوا رَجُلًا لَيْسَ مِنْهُمْ فَغَرِمُوهُ فَلَهُ طَلَبُهُمْ بِهِ ، إنْ سَاغَ أَخْذُهُ مِنْهُمْ ، قَالَهُ شَيْخُنَا .

وَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تُحْضِرُ النِّسَاءَ لِلْقَتْلِ تُقْتَلُ ، وَعَنْهُ : نَسْخُ آيَةِ الْمُحَارِبِينَ ، وَأَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِي الْحَدِّ إلَّا فِي قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ .

وَمَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ إلَيْهِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُبْهِجِ : فِي حَقِّ اللَّهِ رِوَايَتَيْنِ ، وَهَذَا فِيمَنْ تَحْتَ حُكْمِنَا ، وَفِي خَارِجِيٍّ وَبَاغٍ وَمُرْتَدٍّ مُحَارَبٍ الْخِلَافُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَقِيلَ : تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ ، وَقِيلَ : وَقَرِينَةٍ .

وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْكَافِرُ فَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ فِي كُفْرِهِ ( ع ) وَيَسْقُطُ حَدُّ زِنًا وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ بِتَوْبَتِهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَقِيلَ : وَصَلَاحُ عَمَلِهِ مُدَّةً قِيلَ : قَبْلَ تَوْبَتِهِ ، وَقِيلَ : قَبْلَ الْقُدْرَةِ ، وَقِيلَ : قَبْلَ إقَامَتِهِ ( م 3 ) .
وَفِي بَحْثِ الْقَاضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِهِمْ أَوَّلًا ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَلَوْ فِي الْحَدِّ لَا يَكْمُلُ وَإِنَّ هَرَبَهُ فِيهِ تَوْبَةٌ لَهُ .
وَعَنْهُ : لَا يَسْقُطُ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ : إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ ، ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا ، وَعَلَيْهِمَا : يَسْقُطُ فِي حَقِّ مُحَارِبٍ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ ، وَيُحْتَمَلُ : لَا ، كَمَا قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي ذِمِّيٍّ ، وَنَقَلَهُ فِيهِ أَبُو دَاوُد ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَيَسْقُطُ حَدُّ زِنًا وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ بِتَوْبَتِهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ : وَصَلَاحُ عَمَلِهِ مُدَّةً ، قِيلَ : قَبْلَ تَوْبَتِهِ ، وَقِيلَ : قَبْلَ الْقُدْرَةِ ، وَقِيلَ : قَبْلَ إقَامَتِهِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا قُلْنَا يَسْقُطُ بِتَوْلِيَتِهِ فَهَلْ يَكُونُ مَحَلُّ التَّوْبَةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ ، أَوْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ ، أَوْ قَبْلَ إقَامَتِهِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) : جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ ، وَقَالَ النَّاظِمُ : وَمَنْ تَابَ مِنْ حَدٍّ سِوَاهُ قُبَيْلَ أَنْ يُوَطِّدَهُ قَاضٍ فَأَسْقَطَ بِأَوْكَدَ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) : قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَقَالَا : وَفِي سُقُوطِ حَدِّ الزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالْقَاذِفِ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ ، وَقِيلَ : قَبْلَ تَوْبَتِهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ : هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا ، انْتَهَى .
وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فِي النَّظْمِ .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : إنْ أَكْرَهَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمَةً فَوَطِئَهَا قُتِلَ ، لَيْسَ عَلَى هَذَا صُولِحُوا ، وَلَوْ أَسْلَمَ ، هَذَا حَدٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ .
فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ ، لِأَنَّ التَّائِبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَأَنَّهُ أَوْجَبَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَفْرِقَةٍ بَيْنَ إسْلَامٍ وَتَوْبَةٍ ، وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَذْفِ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ حَدٌّ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَسْقُطُ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِإِسْلَامٍ إذَا أَسْلَمَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ بِالْكُفْرِ ، كَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ .
وَفِي الْمُبْهِجِ احْتِمَالٌ يَسْقُطُ حَدُّ زِنَا ذِمِّيٍّ ، وَيُسْتَوْفَى حَدُّ قَذْفٍ ، قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ الْخِلَافُ ، وَهُوَ مَعْنَى مَا أَخَذَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عَدَمِ إعْلَامِهِ وَصِحَّةِ تَوْبَتِهِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَعَ أَنَّهُمْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ذَكَرُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَادَ إلَى الْفِسْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ ، وَجَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِعَوْدِهِ إلَى الْجَلْدِ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ؛ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي بَحْثِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ ، مَعَ تَصْرِيحِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ : لَا يَسْقُطُ ، وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : يَسْقُطُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُوجِبُ مَالًا ، وَإِلَّا سَقَطَ إلَى مَالٍ .
وَفِي الْبُلْغَةِ فِي إسْقَاطِ التَّوْبَةِ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا رِوَايَتَانِ .

فَصْلٌ .
وَمَنْ صَالَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ وَلَوْ قَلَّ آدَمِيٌّ كَافَأَهُ أَمْ لَا ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ : كَمُحَارَبَةِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَيْرِ آدَمِيٍّ دَفَعَهُ بِأَسْهَلَ مَا يَظُنُّ ، وَقِيلَ : يَعْلَمُ دَفْعَهُ بِهِ ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ هَرَبٌ أَوْ احْتِمَاءٌ وَنَحْوُهُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا تُرِيدُ قَتْلَهُ وَضَرْبَهُ ، لَكِنْ ادْفَعْهُ .
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ : رَأَيْته يَعْجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ أُقَاتِلُهُ وَأَمْنَعُهُ ، وَأَنَا لَا أُرِيدُ نَفْسَهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِمْ أَوْ يَتْبَعَهُمْ إذَا وَلَّوْا .
وَنَقَلَ الْفَضْلُ : إنْ صَارَ فِي مَوْضِعٍ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْك فَلَا تَتْبَعُهُ ، وَقِيلَ لَهُ : الْمُنَاشَدَةُ .
فَقَالَ حَدِيثَ سَلْمَانَ ، وَلَمْ يُثْبِتْهُ وَقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي لُصُوصٍ دَخَلُوا عَلَيْهِ : يُقَاتِلُهُمْ أَوْ يُنَاشِدُهُمْ ؟ قَالَ : قَدْ دَخَلُوا ، مَا يُنَاشِدُهُمْ ؟ وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ : يَمْنَعُ مَالَهُ وَنَفْسَهُ .

وَنَقَلَ ابْنُ ثَوَابٍ فِي لِصٍّ قَالَ : ضَعْ ثَوْبَك وَإِلَّا ضَرَبْتُك بِالسَّيْفِ وَلَا تَدْرِي هَلْ يَفْعَلُ أَمْ لَا ، فَأَبَيْت ثُمَّ ضَرَبْته ضَرْبَةً لَا تَدْرِي يَمُوتُ مِنْهَا أَمْ لَا ، فَهَدَرٌ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ : لَهُ دَفْعُهُ بِالْأَسْهَلِ إنْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ يَجْهَلُهُ : فَإِنْ قُتِلَ فَشَهِيدٌ ، وَإِنْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَالِ مَزْحٍ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَيُقَادُ بِهِ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ ، وَيَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، كَحُرْمَتِهِ ، فِي الْمَنْصُوصِ وَعَنْهُ : وَلَوْ فِي فِتْنَةٍ ، وَنَقَلَ عَنْهُ اثْنَانِ فِيهَا : إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ فِيهَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ مَالِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : فِي الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَهُ بَذْلُهُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ أَفْضَلُ ، وَأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّ تَرْكَ قِتَالِهِ عَنْهُ أَفْضَلُ ، وَأَطْلَقَ رِوَايَتَيْ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ ، ثُمَّ قَالَ : عِنْدِي يَنْتَقِضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ ، وَالْبَهِيمَةُ لَا حُرْمَةَ لَهَا فَيَجِبُ ، وَمَا قَالَهُ فِي الذِّمِّيِّ مُرَادُ غَيْرِهِ .
وَفِي الْبَهِيمَةِ مُتَّجَهٌ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ يُرِيدُ الْمَالَ : أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ مِنْهَا ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : لَا بَأْسَ ، قَالَ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ : كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا ، فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ ، وَقِيلَ يَجِبُ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ، قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَك قَالَ : أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي ، قَالَ : قَاتِلْهُ قَالَ : أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي ، قَالَ :

فَأَنْتَ شَهِيدٌ ، قَالَ : أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته ، قَالَ : هُوَ فِي النَّارِ } فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَا يَبْذُلُهُ إنْ لَمْ يَحْرُمْ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْغَصْبِ : لَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ مَالِهِ قُتِلَ ، وَلَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يُقْتَلْ ، وَيَتَوَجَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ حَمْلُهُ عَلَى الْيَسِيرِ ، كَقَوْلِ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَكَذَا دَاخِلَ مَنْزِلِ غَيْرِهِ مُتَلَصِّصًا ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ إنْ ظَنَّ الْعَجْزَ عَنْ قِتَالِ اللُّصُوصِ وَإِنْ هُوَ أَعْطَاهُمْ يَدَهُ تَرَكُوهُ ، رَجَوْت أَنْ لَهُ تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَإِلَّا فَلْيَدْفَعْهُمْ مَا اسْتَطَاعَ ، وَيَلْزَمُهُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إيثَارُ الشَّهَادَةِ ، وَكَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ الدَّافِعِ ، وَكَذَا مَالُهُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يَجُوزُ وَإِلَّا حَرُمَ ، وَقِيلَ جَوَازُهُ عَنْهُمَا وَعَنْ حُرْمَتِهِ رِوَايَتَانِ ، نَقَلَ حَرْبٌ الْوَقْفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ ، وَنَقَلَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ : لَا يُقَاتِلُهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ لِمَالِ غَيْرِهِ ، وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ وَشَيْخُنَا لُزُومَهُ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : فَإِنْ أَبَى أَعْلَمَ مَالِكَهُ ، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ إعَانَتُهُ .

قَالَ شَيْخُنَا فِي جُنْدٍ قَاتَلُوا عَرَبًا نَهَبُوا أَمْوَالَ تُجَّارٍ لِيَرُدُّوهُ إلَيْهِمْ : هُمْ مُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ [ قَالَ ] : وَمَنْ أَمَرَ لِلرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ لَمْ يُثَبْ ، يَأْثَمُ عَلَى فَسَادِ نِيَّتِهِ كَالْمُصَلِّي رِيَاءً وَسُمْعَةً ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ فِي كُلِّ طَاعَةٍ .
وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْأَمْرُ بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، كَإِيَاسِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَفِي الْفُصُولِ يَضْمَنُ مَنْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ .

وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِلُزُومِ دَفْعِ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَبِإِبَاحَتِهِ عَنْ مَالِهِ وَحُرْمَتِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَحُرْمَتِهِ ، وَإِنَّ فِي إبَاحَتِهِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ لِأَجْلِهِ رِوَايَتَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ .
وَفِي الْمَذْهَبِ وَجْهَانِ فِي وُجُوبِهِ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ ، وَيَرِثُهُ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ .
وَالْمُرَادُ إلَّا أَنْ تَقُولَ يَضْمَنُهُ إذَنْ .
وَفِي الْمُغْنِي فِي الثَّلَاثَةِ : لِغَيْرِهِ مَعُونَتُهُ بِالدَّفْعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ { اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا } وَلِئَلَّا تَذْهَبَ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .

وَيَتَوَجَّهُ فِي الذَّبِّ عَنْ عِرْضِ غَيْرِهِ الْخِلَافُ .
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ النَّهْيَ عَنْ خِذْلَانِ الْمُسْلِمِ ، وَالْأَمْرَ بِنَصْرِ الْمَظْلُومِ .
وَرَوَى هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا : { مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ بَشِيرٍ وَفِيهِمَا جَهَالَةٌ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي طَلْحَةَ مَرْفُوعًا : { مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ { مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِهِ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَيَأْتِي كَلَامُ شَيْخِنَا فِي شَهَادَةِ الْعَدُوِّ ، وَلَوْ ظَلَمَ ظَالِمٌ فَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ : لَا يُعِينُهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ ظُلْمِهِ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِينُوهُ ، أَخْشَى أَنْ يَجْتَرِئَ ، يَدْعُونَهُ حَتَّى يَنْكَسِرَ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، وَسَأَلَهُ صَالِحٌ فِيمَنْ يَسْتَغِيثُ بِهِ جَارُهُ ، قَالَ : يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحَةٍ بِاللَّيْلِ ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ .
قَالَ أَنَسٌ { : فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ أُنَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَهُمْ إلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

وَسَبَقَ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَوَدِ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ بِلَا تَفْصِيلٍ ، وَهُوَ عَمَلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمِحْنَةِ وَغَيْرِهَا ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ : ابْنُ أَبِي دَاوُد وَأَمْثَالُهُ لَا أُحْلِلْهُمْ ، وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ لَوْلَا أَنَّ ابْنَ أَبِي دَاوُد دَاعِيَةٌ لَأَحْلَلْته ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ أَحَلَّ ابْنَ أَبِي دَاوُد وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ فِيمَا بَعْدُ ، وَيَلْزَمُ مِنْ نَصِّهِ هُنَا أَنْ لَا يَعْفُوَ عَنْ ظَالِمٍ ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْصُرْهُ فِي تَرْكِ الْحَرَامِ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الظُّلْمِ فِي شَيْءٍ آخَرَ فَهُنَا أَوْلَى ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ { وَاَلَّذِينَ إذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ تَعَدَّى وَأَصَرَّ ، وَآيَاتُ الْعَفْوِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَانِيَ نَادِمٌ ، وَظَهَرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَصِّهِ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهُ نَصْرُهُ عَلَى ظَالِمِهِ ، فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ : قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ : إنِّي وَقَعْت فِيك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ ، قَالَ : لَا أُحِبُّ أَنْ أَحِلَّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك .
وَقَالَ شَيْخُنَا إنَّ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَائِدَةً عَظِيمَةً ، وَهُوَ أَنَّهُ حَمِدَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ يَنْتَصِرُونَ عِنْدَ الْبَغْيِ عَلَيْهِمْ ، كَمَا أَنَّهُمْ هُمْ يَعْفُونَ عِنْدَ الْغَضَبِ ، لَيْسُوا مِثْلَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ الِانْتِصَارِ وَفِعْلُهُ لِعَجْزِهِمْ أَوْ كَسَلِهِمْ أَوْ وَهَنِهِمْ أَوْ ذُلِّهِمْ أَوْ حُزْنِهِمْ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَتْرُكُ الِانْتِصَارَ بِالْحَقِّ إنَّمَا يَتْرُكُهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ وَأَشْبَاهِهَا ، وَلَيْسُوا مِثْلَ الَّذِي إذَا غَضِبَ لَا يَغْفِرُ وَلَا يَعْفُو ، بَلْ يَتَعَدَّى أَوْ يَنْتَقِمُ حَتَّى يُكَفَّ مِنْ خَارِجٍ ، كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ إذَا غَضِبُوا وَقَدَرُوا لَا يَقِفُونَ عِنْدَ الْعَدْلِ فَضْلًا عَنْ الْإِحْسَانِ ، فَحَمِدَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَهُمْ يَغْفِرُونَ ، وَلِهَذَا

قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَذِلُّوا ، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا ، إلَى أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي دَفْعِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ : وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَجِبَ مَفْسَدَةٌ تُقَاوِمُ مَفْسَدَةَ التَّرْكِ أَوْ تُفْضِي إلَى فَسَادٍ أَكْثَرَ ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ قِصَّةُ ابْنِ آدَمَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَفْعِهِ إلَّا إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ الظَّالِمِ أَوْ حَبْسُهُ أَوْ ضَرْبُهُ ، فَهُنَا الْوُجُوبُ أَوْجَهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ { هُمْ يَنْتَصِرُونَ } ، فَالِانْتِصَارُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا تَارَةً ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أُخْرَى ، كَالْمَغْفِرَةِ سَوَاءٌ .

وَمَنْ قَفَزَ ، إلَى بَلَدِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ ، كَالصَّائِلِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِيمَنْ رَابَطَ بِمَكَانٍ مَخُوفٍ : بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ ؟ قَالَ : أَرْجُو ذَلِكَ ، نَقَلَهُ الْفَضْلُ وَنَقَلَ حَرْبٌ : مَا أَحْسَنُهُ .

وَمَنْ عَضَّ يَدَ غَيْرِهِ وَحَرُمَ فَجَذَبَهَا ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : بِالْأَسْهَلِ ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ ، فَهَدَرٌ ، وَكَذَا مَعْنَاهُ فَإِنْ عَجَزَ دَفَعَهُ كَصَائِلٍ .

وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خُصَاصِ بَابٍ وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَكِنْ ظَنَّهُ مُتَعَمِّدًا ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : أَوْ صَادَفَ عَوْرَةً مِنْ مَحَارِمِهِ وَأَصَرَّ .
وَفِي الْمُغْنِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ : وَلَوْ خَلَتْ مِنْ نِسَاءٍ ، فَخَذَفَ عَيْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَتَلِفَتْ فَهَدَرٌ ، وَلَا يَتْبَعُهُ ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : يَدْفَعُهُ بِالْأَسْهَلِ ، فَيُنْذِرُهُ أَوَّلًا ، كَمَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ لَمْ يَقْصِدْ أُذُنَهُ بِلَا إنْذَارٍ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَقِيلَ : بَابٌ مَفْتُوحٌ كَخُصَاصِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { وَإِنْ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى بَابٍ لَا سِتْرَ لَهُ غَيْرَ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ ، إنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ } فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : أَعْمَى سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَإِنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ مِنْ أَوْلَادِهَا أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبَهُ لَمْ تُقْتَلْ بَلْ تُنْقَلُ .

بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ ، وَلَهُمْ شَوْكَةٌ ، لَا جَمْعٌ يَسِيرٌ ، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ ، وَإِنْ فَاتَ شَرْطٌ فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا تَتِمُّ الشَّوْكَةُ إلَّا وَفِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ ، وَأَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَوْنَهُمْ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : تَدْعُو إلَى نَفْسِهَا أَوْ إلَى إمَامِ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ ، وَيَلْزَمُهُ مُرَاسَلَتُهُمْ وَإِزَالَةُ شُبْهَتِهِمْ فَإِنْ فَاءُوا وَإِلَّا لَزِمَ الْقَادِرَ قِتَالُهُمْ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ حَتَّى يَبْدَءُوهُ ( و م ) وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الشَّيْخِ .
وَقَالَا فِي الْخَوَارِجِ : لَهُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً وَتَتِمَّةُ الْجَرِيحِ ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ .
وَفِي الْمُغْنِي فِي الْخَوَارِجِ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ بُغَاةٌ ، لَهُمْ حُكْمُهُمْ وَأَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، كَذَا قَالَ ، وَلَيْسَ بِمُرَادِهِمْ ، لِذِكْرِهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ فِسْقَهُمْ ، بِخِلَافِ الْبُغَاةِ ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا : يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَنُصُوصُ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ ( م ش ) وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ مَنْ صَوَّبَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ وَقَفَ ، لَا أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْمُصِيبُ وَهِيَ أَقْوَالٌ فِي مَذْهَبِنَا وَأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرَهُمْ رَأَى تَرْكَ قِتَالِهِمَا ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ وَاحِدَةٍ ، وَقَالَ فِي تَفْضِيلِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْكُوفَةِ : أَكْثَرُ الْمُصَنَّفِينَ لِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يَرَى الْقِتَالَ مِنْ نَاحِيَةِ عَلِيٍّ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْإِمْسَاكَ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مَعَ رُؤْيَتِهِمْ لِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَنْ الشَّرِيعَةِ

كَالْحَرُورِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ ، وَأَنَّهُ يَجِبُ ، وَالْأَخْبَارُ فِي أَمْرِ الْفِتْنَةِ تُوَافِقُ هَذَا ، فَاتَّبِعُوا النَّصَّ الصَّحِيحَ وَالْقِيَاسَ الْمُسْتَقِيمَ ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُصَنِّفُونَ لِعَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَذْكُرُونَ فِيهِ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ، وَالْإِمْسَاكَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ : السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَقُولُ أَكْثَرُهُمْ ( هـ م ) وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ : لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ قِتَالِ الطَّائِفَةِ الْبَاغِيَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بِالصُّلْحِ ، ثُمَّ إنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا قُوتِلَتْ .
وَهَؤُلَاءِ قُوتِلُوا قَبْلَ أَنْ يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ ، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْقِتَالُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ كَمَالِكٍ قِتَالَ فِتْنَةٍ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ حَتَّى يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ ، إلَى أَنْ قَالَ شَيْخُنَا : وَلَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَإِنْ بَعْضُ أَصْحَابِنَا صَوَّبَ كُلًّا مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَامِدٍ كَقَوْلِ شَيْخِنَا : فَقَالَ : الْأَكَابِرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْكَافَّةُ كَانُوا مُتَبَاعِدِينَ عَنْ ذَلِكَ ، قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ : هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةُ آلَافٍ ، فَمَا حَضَرَ فِيهَا مِائَةٌ .
وَفِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ حَامِدٍ بَلْ لَمْ يَبْلُغُوا ثَلَاثِينَ ، وَحَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ قَالَ الشَّعْبِيُّ لَمْ يَشْهَدْ الْجَمَلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فَإِنْ جَاءُوا بِخَامِسٍ فَأَنَا كَذَّابٌ .
وَمُرَادُهُ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ .
أَيْ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ ، فَأَمَّا مَا جَرَى بَعْدَهُ فَلَمْ

يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ التَّخَلُّفُ عَنْ عَلِيٍّ .
وَلَمَّا تَخَلَّفَ عَنْهُ سَعْدٌ وَابْنُ عُمَرَ وَأُسَامَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَسْرُوقٌ وَالْأَحْنَفُ مِنْ التَّابِعِينَ فَإِنَّهُمْ نَدِمُوا ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَوْتِ : إنِّي أَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِي قَلْبِي حَسْرَةٌ إلَّا تَخَلُّفِي عَنْ عَلِيٍّ ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ ( رَوَاهُ عَنْهُ ) مِنْ طُرُقٍ ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ مِنْ تَخَلُّفِهِمْ [ قَالُوا ] ذَلِكَ ، كَذَلِكَ قَالَ .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : يَجِبُ قِتَالُ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ ( ع ) ثُمَّ قَالَ : قَالَ الْقَاضِي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْخَوَارِجَ وَشِبْهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَغْيِ مَتَى خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ وَخَالَفُوا رَأْيَ الْجَمَاعَةِ وَجَبَ قِتَالُهُمْ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالْإِعْذَارِ قَالَ تَعَالَى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } فَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ مُدَّةً وَلَمْ يَخَفْ مَكِيدَةً أَنْظَرَهُمْ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ أَعْطَوْهُ مَالًا أَوْ رَهْنًا .
وَقِيلَ لِلْقَاضِي : يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ قِتَالُهُمْ لِمَنْعِ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ بِدُونِ إمَامٍ .
وَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بِمَنْ يَقْتُلُ مُدْبِرَهُمْ ، كَكُفَّارٍ ، وَبِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ ، كَمَنْجَنِيقٍ وَنَارٍ ، إلَّا لِضَرُورَةٍ ، كَفِعْلِهِمْ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ ، وَكَذَا بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ ، وَعَنْهُ : وَغَيْرُهَا وَمُرَاهِقٌ وَعَبْدٌ ، كَخَيْلٍ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
وَيَحْرُمُ قَتْلُ مُدْبِرِهِمْ وَجَرِيحِهِمْ ، وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ ( م 1 ) جَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ بِأَنَّ الْمُدْبِرَ مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ لَا الْمُتَحَرِّفُ إلَى مَوْضِعٍ .
وَفِي الْمُغْنِي يَحْرُمُ قَتْلُ مَنْ تَرَكَ الْقِتَالَ ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ مَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَيُخَلَّى

أَسِيرُهُمْ بَعْدَ الْحَرْبِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا ، مَعَ بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ ، فَإِنْ بَطَلَتْ وَيُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ ( م 2 ) ، وَقِيلَ : يَجُوزُ حَبْسُهُ لِيُخَلَّى أَسِيرُنَا ، وَقِيلَ : يُخَلَّى صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَنَحْوُهُمَا فِي الْحَالِ .
وَيُكْرَهُ لَهُ قَصْدُ رَحْمَةِ الْبَاغِي بِالْقَتْلِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : لَا كَإِقَامَةِ حَدٍّ ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يَحْرُمُ .
( بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ ) ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا قُتِلَ مُدْبِرُهُمْ وَجَرِيحُهُمْ هَلْ يُقَادُ بِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : يُقَادُ بِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يُقَادُ بِهِ .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ، فَأَنْتَجَ شُبْهَةً تَمْنَعُ الْقَوَدَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَيُخَلِّي أَسِيرُهُمْ بَعْدَ الْحَرْبِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا ، مَعَ بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ ، فَإِنْ بَطَلَتْ وَيُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، فَيَحْتَمِلُ الْخِلَافُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّوَابُ عَدَمُ إرْسَالِ أَسِيرِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ تَخْلِيَتَهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةٌ مَا تَلِفَ حَالَ الْحَرْبِ ، كَأَهْلِ الْعَدْلِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَهُمَا فِي تَحَتُّمِهِ بَعْدَهَا ( م 4 ) وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ فِي غَيْرِهَا .
قَالَ شَيْخُنَا فِي الْمُسْتَحِلِّ لِأَذًى : مَنْ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ بِتَأْوِيلٍ كَمُبْتَدِعٍ وَنَحْوِهِ ، يَسْقُطُ بِتَوْبَتِهِ حَقُّ الْعَبْدِ ، وَاحْتَجَّ بِمَا أَتْلَفَهُ الْبُغَاةُ ، لِأَنَّهُ مِنْ الْجِهَادِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْأَجْرُ عَلَى اللَّهِ ، وَلَا حَدَّ مَعَ تَأْوِيلٍ ، كَمَالٍ ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ : يُحَدُّ .
وَفِي قَبُولِ دَعْوَى دَفْعِ خَرَاجٍ إلَيْهِمْ مِنْ مُسْلِمٍ بِلَا بَيِّنَةٍ ، وَقِيلَ : وَغَيْرُهُ ، وَجْهَانِ ( م 5 ) لَا جِزْيَةَ ، وَفِيهَا احْتِمَالٌ بَعْدَ الْحَوْلِ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةَ مَا تَلِفَ حَالَ الْحَرْبِ ، كَأَهْلِ الْعَدْلِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : قُلْت : إنْ ضَمِنَ الْمَالَ احْتَمَلَ الْقَوَدُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : يَجِبُ الْقَوَدُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ ، لِكَوْنِهِمْ بُغَاةً كَالْمَالِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَجِبُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَالْوَجْهَانِ فِي تَحَتُّمِهِ بَعْدَهَا " ، انْتَهَى .
يَعْنِي فِي تَحَتُّمِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْحَرْبِ .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ التَّحَتُّمِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) [ قَوْلُهُ ] : " وَفِي قَبُولِ دَعْوَى دَفْعِ خَرَاجٍ إلَيْهِمْ مِنْ مُسْلِمٍ بِلَا بَيِّنَةٍ ، وَقِيلَ : وَغَيْرُهُ ، وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ .

وَشَهَادَتُهُمْ وَإِمْضَاءُ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ .
وَفِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ : الْأَوْلَى رَدُّ كِتَابِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ وَغَيْرَهُ فَسَّقُوا الْبُغَاةَ ، قَالَ : وَهَؤُلَاءِ نَظَرُوا إلَى مَنْ عَدُّوهُ بُغَاةً فِي زَمَنِهِمْ فَرَأَوْهُمْ فُسَّاقًا .
وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ : يَصِحُّ قَضَاءُ الْخَارِجِيِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ، كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ وَأَخَذَ جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَزَكَاةً .

وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ ذِمَّةٍ فَأَعَانُوهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ ، وَقِيلَ : لَا ، فَفِي أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ ( م 6 ) وَإِنْ ادَّعُوا شُبْهَةً كَوُجُوبِ إجَابَتِهِمْ فَلَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ ، وَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَأَمِنُوهُمْ فَكَعَدِمِهِ إلَّا أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى بُغَاةٍ .
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ ذِمَّةٍ فَأَعَانُوهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ ، وَقِيلَ : لَا ، فَفِي أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَكْسَ أَوْلَى ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا قَاتَلُوا مَعَ الْبُغَاةِ وَقُلْنَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ فَهَلْ يُنْتَقَضُ إذَا قَاتَلُوا مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ ؟ يَأْتِي الْخِلَافُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَلَعَلَّهُ حَصَلَ سَبْقَةُ قَلَمٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ ، أَوْ يَكُونُ فَرْعَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ إذَا أَعَانُوا أَهْلَ الْبَغْيِ ، إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ عَدَمُ انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ ، وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ إذَا قَاتَلُوا مَعَ الْبَغِيِّ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ مُكْرَهِينَ أَوْ ادَّعَوْا شُبْهَةً مَسْمُوعَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ لَمْ يُقَاتِلُوا ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ ، وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يَتَعَرَّضُونَ وَيُكَفِّرُونَ ؟ قَالَ لَا تَعْرِضُوا لَهُمْ ، قُلْت : وَأَيُّ شَيْءٍ تَكْرَهُ مِنْ أَنْ يَحْبِسُوا ؟ قَالَ : لَهُمْ وَالِدَاتٌ وَأَخَوَاتٌ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ : الْحَرُورِيَّةُ إذَا دَعَوْا إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ إلَى دِينِهِمْ فَقَاتَلَهُمْ وَإِلَّا فَلَا يُقَاتِلُونَ .

وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْأُطْرُوشُ عَنْ قَتْلِ الْجَهْمِيَّةِ قَالَ : أَرَى قَتْلَ الدُّعَاةِ مِنْهُمْ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ : يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَرَى ذَلِكَ إذَا جَحَدَ الْعِلْمَ ، وَذَكَرَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ ، قَالَ : كَانَ لَا يُقِرُّ بِالْعِلْمِ ، وَهَذَا كَافِرٌ .
وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ : الْكَرَابِيسِيُّ يَقُولُ مَنْ لَمْ يَقُلْ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ ، فَقَالَ : هُوَ الْكَافِرُ ، قَالَ : مَاتَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَخَلَفَهُ حُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ وَقَالَ : كَذَبَ .
هَتَكَهُ اللَّهُ الْخَبِيثَ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : فَقَدْ أَبَانَ عَنْ بِدْعَتِهِ وَكُفْرِهِ .
وَقَالَ عَنْ حَارِثٍ الْمُحَاسِبِيِّ : قَاتَلَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ : لَا يَغُرَّك خُشُوعُهُ وَلِينُهُ وَتَنْكِيسُ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ ، ذَاكَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ قَدْ خَبَرَهُ ، لَا تُكَلِّمْهُ ، وَلَا كَرَامَةَ لَهُ ، وَكَذَّبَ أَحْمَدُ دَاوُد الظَّاهِرِيَّ وَقَالَ : إنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ ، وَقَالَ : لَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ ، لِقَوْلِهِ : الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ ، وَأَنْكَرَ دَاوُد ، فَقَالَ أَحْمَدُ : مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ أَصْدَقُ مِنْهُ ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : فَمَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ تَوْبَتَهُ .
وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ { بِقَوْلِ خَالِدٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَارِجِيِّ : أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ قَالَ لَا وَبِكَفِّهِ عَنْ الْمُنَافِقِينَ } ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ إمَامٍ أَوْ عَدْلٍ عُزِّرُوا ، وَإِنْ عَرَضُوا بِذَلِكَ فَوَجْهَانِ ( م 7 ) وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُبْتَدِعٍ دَاعِيَةٍ لَهُ دُعَاةٌ : أَرَى حَبْسَهُ ، وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ : عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ وَرَدْعُهُمْ ، وَلَا يُقَاتِلُهُمْ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبِهِ فَكَبُغَاةٍ .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي الْحَرُورِيَّةِ الدَّاعِيَةُ : تُقَاتَلُ كَبُغَاةٍ .

( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ إمَامٍ أَوْ عَدْلٍ عُزِّرُوا ، وَإِنْ عَرَضُوا فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يُعَزَّرُونَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُعَزَّرُونَ ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ : فَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ عَزَّرَهُمْ ، انْتَهَى .
فَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّعْزِيرِ بِالتَّعْرِيضِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ مِنْ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ مِنْ إطْلَاقِ الْخِلَافِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ ، إذْ الْمُصَنِّفُ قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ حُكْمًا فِيهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : يُقَاتَلُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ ، وَكُلُّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَشَيْخُنَا وَقَالَ : أَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ شَرِيعَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ قِتَالُهَا حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ كَالْمُحَارِبِينَ وَأَوْلَى ، وَلِهَذَا اتَّفَقُوا أَنَّ الْبِدَعَ الْمُغَلَّظَةَ شَرٌّ مِنْ الذُّنُوبِ { وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ عَنْ السُّنَّةِ ، وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَظُلْمِهِمْ } ، وَأَنَّ الرَّافِضَةَ شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ اتِّفَاقًا .
قَالَ : وَفِي قَتْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَنَحْوِهِمَا وَكُفْرِهِ رِوَايَتَانِ ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ قَتْلِهِ كَالدَّاعِيَةِ وَنَحْوِهِ ، وَأَنَّ مَا قَالُوهُ مِمَّا تَعْلَمُ مُخَالَفَتَهُ لِلرَّسُولِ كُفْرٌ ، وَكَذَا فِعْلُهُمْ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ كُفْرٌ أَيْضًا .

وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ الْخُرُوجَ عَلَى إمَامٍ غَيْرِ عَادِلٍ وَذَكَرَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ ، وَكَذَا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ إذَا جَارَ وَظَهَرَ ظُلْمُهُ وَلَمْ يُزْجَرْ حِينَ زَجَرَ فَلَهُمْ خَلْعُهُ وَلَوْ بِالْحَرْبِ وَالسِّلَاحِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : خَلْعُهُ غَرِيبٌ .
وَمَعَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ مَفْسَدَةً أَعْظَمَ مِنْهُ ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ ، أَمَرَ بِالصَّبْرِ ، وَأَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَمَّتْ الْفِتْنَةُ ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ ، وَسُفِكَتْ الدِّمَاءُ ، وَتُسْتَبَاحُ الْأَمْوَالُ ، وَتُنْتَهَكُ الْمَحَارِمُ .
قَالَ شَيْخُنَا : عَامَّةُ الْفِتَنِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهَا قِلَّةُ الصَّبْرِ ، إذْ الْفِتْنَةُ لَهَا سَبَبَانِ : إمَّا ضَعْفُ الْعِلْمِ ، وَإِمَّا ضَعْفُ الصَّبْرِ ، فَإِنَّ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ أَصْلُ الشَّرِّ ، وَفَاعِلُ الشَّرِّ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِجَهْلِهِ بِأَنَّهُ شَرٌّ ، وَلِكَوْنِ نَفْسِهِ تُرِيدُهُ ، فَبِالْعِلْمِ يَزُولُ الْجَهْلُ ، وَبِالصَّبْرِ يُحْبَسُ الْهَوَى وَالشَّهْوَةُ ، فَتَزُولُ تِلْكَ الْفِتْنَةُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرُّ الْمَصُونُ : مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْعَامِّيَّةِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ ، أَنْ يَقُولُوا : إنَّ يَزِيدَ كَانَ عَلَى الصَّوَابِ وَأَنَّ الْحُسَيْنَ أَخْطَأَ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ نَظَرُوا فِي السِّيَرِ لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ وَأُلْزِمَ النَّاسُ بِهَا ، وَلَقَدْ فَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ ، ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ خِلَافَتِهِ فَقَدْ بَدَرَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ وَكُلُّهَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، مِنْ نَهْبِ الْمَدِينَةِ ، وَرَمْيِ الْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ ، وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، وَضَرْبِهِ عَلَى ثَنِيَّتَيْهِ بِالْقَضِيبِ ، وَحَمْلِهِ الرَّأْسَ عَلَى خَشَبَةٍ .
وَإِنَّمَا يَمِيلُ جَاهِلٌ بِالسِّيرَةِ عَامِّيُّ الْمَذْهَبِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَغِيظُ بِذَلِكَ الرَّافِضَةَ .

وَمَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِتَأْوِيلٍ فَهُمْ خَوَارِجُ بُغَاةٌ فَسَقَةٌ ، وَعَنْهُ : كُفَّارٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ : هُوَ أَشْهَرُ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ .

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ أَصْحَابِنَا تَكْفِيرَ مَنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ ، كَخَوَارِجٍ وَرَافِضَةٍ وَمُرْجِئَةٍ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَنْ قَالَ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ الْمَعَاصِيَ أَوْ وَقَفَ فِيمَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ ، وَفِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ ، وَأَنَّ مُسْتَحِلَّهُ كَافِرٌ .
وَفِي الْمُغْنِي : يَخْرُجُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ اُسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلٍ كَالْخَوَارِجِ وَمَنْ كَفَّرَهُمْ فَحُكْمُهُمْ عِنْدَهُ كَمُرْتَدِّينَ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : نُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ عَلَى عَدَمِ كُفْرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا كَفَّرَ الْجَهْمِيَّةَ لَا أَعْيَانَهُمْ ، قَالَ وَطَائِفَةٌ تَحْكِي عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا ، حَتَّى الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُفَضِّلَةِ لِعَلِيٍّ قَالَ : وَمَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّفْضِيلِ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ : مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ ، فَقَالَ ، { لَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ } وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ خَيْرًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ وَكَفَرَ بِأَنْ زَعَمَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقِرُّ الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَنْبِيَائِهِ فِي النَّاسِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ ضَلَالِهِمْ .
وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : مَنْ قَالَ عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَفَرَ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : الْقَدَرِيُّ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ .
وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كُفِّرَ وَإِلَّا فُسِّقَ ، وَقِيلَ عَنْهُ يُكَفَّرُ ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : فِيمَنْ شَتَمْنَا الْقَتْلَ ؟ أَجْبَنُ عَنْهُ وَيُضْرَبُ ، مَا أَرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ فِي

أُصُولِهِ كُفْرَ الْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ كَفَّرْنَاهُ فُسِّقَ وَهُجِرَ ، وَفِي كُفْرِهِ وَجْهَانِ ، وَاَلَّذِي ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ وَيَعْقُوبَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ .
وَقَالَ : مَنْ رَدَّ مُوجِبَاتِ الْقُرْآنِ كَفَرَ ، وَمَنْ رَدَّ مَا تَعَلَّقَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الثَّابِتَةِ فَوَجْهَانِ ، وَأَنَّ غَالِبَ أَصْحَابِنَا عَلَى كُفْرِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ ، وَذَكَرَ فِي مَكَان آخَرَ : إنْ جَحَدَ أَخْبَارَ الْآحَادِ كَفَرَ ، كَالتَّوَاتُرِ عِنْدَنَا تُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلِ .
فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ الْعِلْمَ بِهَا فَالْأَشْبَهُ لَا يُكَفَّرُ ، وَيُكَفَّرُ فِي نَحْوِ الْإِسْرَاءِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّفَاتِ .

وَقَالَ فِي إنْكَارِ الْمُعْتَزِلَةِ اسْتِخْرَاجَ قَلْبِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِعَادَتِهِ : فِي كُفْرِهِمْ بِهِ وَجْهَانِ .
بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ ، وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا أُكَفِّرُ مَنْ لَا يُكَفِّرُ الْجَهْمِيَّةَ .

قَالَ شَيْخُنَا : قِتَالُ التَّتَارِ وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ كَقِتَالِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَانِعِي الزَّكَاةِ ، وَيُؤْخَذُ مَالُهُمْ وَذُرِّيَّتُهُمْ وَالْمَقْفَزُ إلَيْهِمْ وَلَوْ ادَّعَى إكْرَاهًا .

وَمَنْ أَجْهَزَ عَلَى جَرِيحٍ لَمْ يَأْثَمْ وَلَوْ تَشَاهَدَ وَلِمَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا خُمُسُهُ وَبَقِيَّتُهُ لَهُ ، وَمَنْ ابْتَاعَ مِنْهُمْ مَالَ مُسْلِمٍ أَخَذَهُ رَبُّهُ ، وَإِنْ جَهِلَهُ أَعْطَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ، وَهُوَ لِلْمُصَالِحِ ، كَذَا قَالَ ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّافِضَةِ الْجَبَلِيَّةِ : يَجُوزُ أَخْذُ مَالِهِمْ فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْهَبَ عَسْكَرَهُ مَا كَانَ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ ، وَلِأَنَّهُمْ نَهَبُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَضْعَافَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ، ثُمَّ خَرَّجَ سَبْيَ حَرِيمِهِمْ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ تَسُبَّ الْخَوَارِجَ .
وَفِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَسْبِ لِلْخَوَارِجِ ذُرِّيَّةً ، وَلَمْ يَغْنَمْ مَالَهُمْ فَعَلِمَ أَنَّ سِيرَتَهُ وَسِيرَةَ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ تُخَالِفُ سِيرَتَهُمْ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ .

وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ لَا يُكَفَّرُ ، وَحُكْمُهُمْ كَبُغَاةٍ .
وَقَالُوا فِيمَنْ قَاتَلَهُمْ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يُحْتَمَلُ رِدَّتُهُمْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَهَا .
وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَمْرَ هَذَا الْكَافِرِ ( بَابَكَ ) لَعَنَهُ اللَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ ، سَبْيُ النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ فَوَقَعُوا عَلَيْهِنَّ فَحَمَلْنَ ، فَالْوَلَدُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ ، كَذَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا يُحَارِبُنَا وَهُوَ مُقِيمٌ فِي دَارِ الشِّرْكِ أَيُّ شَيْءٍ حُكْمُهُ ؟ إذَا كَانَ هَكَذَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الِارْتِدَادِ .

وَإِنْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ رِيَاسَةٍ فَظَالِمَتَانِ ضَامِنَتَانِ وَتَضْمَنُ ، قَالَ شَيْخُنَا : فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنَ الْمُتْلَفِ ، وَقَالَ : وَإِنْ تَقَابَلَا تَقَاصَّا ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُعَيَّنَ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ : وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ مَا نَهَبَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْأُخْرَى تَسَاوَيَا ، كَمَنْ جَهِلَ قَدْرَ الْمُحْرِمِ بِمَالِهِ أَخْرَجَ نِصْفَهُ وَالْبَاقِي لَهُ ، وَمَنْ دَخَلَ لِلصُّلْحِ فَجَهِلَ قَاتِلَهُ ضَمِنَتَاهُ .

بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ مَنْ كَفَرَ طَوْعًا وَلَوْ هَازِلًا بَعْدَ إسْلَامِهِ ، قِيلَ : طَوْعًا ، وَقِيلَ : وَكَرْهًا وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ ( م 1 ) فَمُرْتَدٌّ ، بِأَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ جَحَدَ صِفَةً قَالَ فِي الْفُصُولِ : مُتَّفَقًا عَلَى إثْبَاتِهَا ، أَوْ بَعْضِ كُتُبِهِ ، أَوْ رُسُلِهِ ، أَوْ سَبَّهُ ، أَوْ رَسُولَهُ ، أَوْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ .
قَالَ شَيْخُنَا : أَوْ كَانَ مُبْغِضًا لِرَسُولِهِ وَلِمَا جَاءَ بِهِ اتِّفَاقًا .
وَقَالَ : أَوْ تَرَكَ إنْكَارَ مُنْكَرٍ بِقَلْبِهِ ، أَوْ جَحَدَ حُكْمًا ظَاهِرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ ، كَعِبَادَةٍ مِنْ الْخَمْسِ ، أَوْ تَحْرِيمِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ ، أَوْ شَكَّ فِيهِ وَمِثْلُهُ لَا يَجْهَلُهُ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَلِهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الشَّاكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِعَادَتِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بَلَاغِ الرِّسَالَةِ ، وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَ عَائِشَةَ { : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَهْمَا يَكْتُمُ النَّاسُ يَعْلَمُهُ اللَّهُ ؟ قَالَ نَعَمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْجَنَائِزِ وَفِي أُصُولِ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ " قَالَ " ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَأَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ صَدَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَتْ : نَعَمْ .
وَحَمَلَ فِي الْفُنُونِ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ .
قَالَ : وَيُحْمَلُ عَلَى قَوْلٍ يَرَى أَنَّ الْعَقْلَ مُوجِبٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ لَمْ يَتَكَامَلْ لَهُ النَّظَرُ .
{ وَقَدْ سَمِعَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ قِرَاءَةً أَنْكَرَهَا ثُمَّ سَمِعَ قِرَاءَةً سِوَاهَا وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمَا فَقَرَآ عَلَيْهِ ، فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَهُمَا قَالَ : فَسَقَطَ فِي نَفْسِي مِنْ التَّكْذِيبِ وَلَا إذْ كُنْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي فَفِضْت عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إلَى اللَّهِ فَرَقًا ، فَقَالَ لِي يَا أُبَيّ أُرْسِلَ إلَيَّ أَنْ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ } الْحَدِيثَ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

.
قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ : فِي الْإِجْمَاعِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا ، وَذَكَرَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَسَّقَهُ فَقَطْ .
قَالَ : أَوْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُوهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ ( ع ) قَالَ جَمَاعَةٌ : أَوْ سَجَدَ لِشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ .
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ .
قَالَ شَيْخُنَا : أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ أَوْ تَابِعِيهِمْ قَاتَلَ مَعَ الْكُفَّارِ ، أَوْ أَجَازَ ذَلِكَ ، وَقِيلَ : أَوْ كَذَبَ عَلَى نَبِيٍّ أَوْ أَصَرَّ فِي دَارِنَا عَلَى خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ .
وَقَالَ الْقَاضِي رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ ، وَالْمُسْكِرُ كُلُّهُ كَالْخَمْرِ ، وَسَيَأْتِي رِوَايَةٌ فِي الْعَدَالَةِ .
بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ كَفَرَ طَوْعًا وَلَوْ هَازِلًا بَعْدَ إسْلَامِهِ ، قِيلَ : طَوْعًا ، وَقِيلَ : وَكَرْهًا ، وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ " ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ إسْلَامِهِ طَوْعًا ، فَإِنَّهُ قَالَ : كُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : " وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ " .
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِلَا نِزَاعٍ .

قَالَ : وَلَا يُكَفَّرُ بِجَحْدِ قِيَاسٍ اتِّفَاقًا ، لِلْخِلَافِ فِيهِ ، بَلْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ كَفَرْتُمْ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا : ضَلَلْتُمْ ، هَذَا فِي جَاحِدِ السُّنَنِ .
قَالَ وَلَمْ يُكَفِّرْهُ جُمْلَةً مِنْ التَّابِعِينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ بِجَحْدِ سُنَّةٍ .

قَالَ : وَمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ فَمُنَافِقٌ كَافِرٌ ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ ، وَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ وَفِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ فَنِفَاقٌ ، كَقَوْلِهِ فِي ثَعْلَبَةَ { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ } الْآيَةَ ، وَهَلْ يُكَفَّرُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : وَجْهٌ كُفْرُهُ أَنَّهُ شَاقَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَرَدَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ فَكَفَرَ ، قَالَ : وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا كُلُّهُ كُفْرٌ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ .
وَاَلَّذِي أَقُولُ إنَّ مَا كَانَ مِنْ النِّفَاقِ فِي الْأَفْعَالِ لَا يُكَفِّرُ وَذَلِكَ فِيمَا سَأَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَمَّنْ لَا يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، فَقَالَ أَحْمَدُ : وَمَنْ يَأْمَنُ النِّفَاقَ ؟ فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي غَالِبِ حَالِ الْإِنْسَانِ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ .
وَفِي مَعْنَى النِّفَاقِ الرِّيَاءُ لِلنَّاسِ ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ : وَلَا يُكَفَّرُ بِهِ ، فَكَذَا هَذَا النِّفَاقُ ، أَوْ أَنَّهُ نِفَاقٌ ، فَهُوَ مِثْلُهُ : وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : { وَأَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا } وَالْمُرَادُ الرِّيَاءُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ كُلُّهُ كُفْرٌ غَيْرُ نَاقِلٍ عَنْ الْمِلَّةِ ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ : كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَإِلَّا فَضَعِيفٌ جِدًّا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ لَا يَكْفُرُ إلَّا مُنَافِقٌ أَسَرَّ الْكُفْرَ ( م 2 ) قَالَ : وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَخْرَجَ الْحَجَّاجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَخَافَ الْمَدِينَةَ ، وَانْتَهَكَ حَرَمَ اللَّهِ وَحَرَمَ رَسُولِهِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ ، يَزِيدُ وَنَحْوُهُ .
وَنَصُّ أَحْمَدَ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِاللَّعْنَةِ ، خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : ظَاهِرُ كَلَامِهِ لِكَرَاهَةٍ ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ يَعْنِي الْأَرْبَعَ الَّتِي مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا

خَالِصًا لَا يُكَفَّرُ ، وَلَا هُوَ مُنَافِقٌ يَخْلُدُ فِي النَّارِ ، فَإِنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ وَغَيْرَهُمْ جَمَعُوا هَذِهِ الْخِصَالَ .
قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُنَافِقَ ، فَإِنَّهُ أَظْهَرَ خِلَافَ مَا أَبْطَنَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَمَنْ نَدَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْخَبَرِ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : إنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِفَاقُ الْعَمَلِ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : الْمُرَادُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ كَانُوا زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَادَ هَذِهِ الْخِصَالَ فَيَخَافُ أَنْ يُفْضِيَ بِهِ إلَى حَقِيقَةِ النِّفَاقِ .
وَقَدْ ذُكِرَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَوْ بَعْضِهَا فِي أَحَادِيثَ ، وَلَا يَكْفُرُ مَنْ حَكَى كُفْرًا سَمِعَهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ ، وَلَعَلَّ هَذَا ( ع ) ، وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ هَنَّادٍ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ خَلَفِ بْنِ الرَّبِيعِ الطَّرَسُوسِيَّ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالَ : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ؟ فَقَالَ : كَافِرٌ زِنْدِيقٌ ، خُذُوهُ فَاقْتُلُوهُ .
فَقَالَ الرَّجُلُ : إنَّمَا أَحْكِي كَلَامًا سَمِعْته ، فَقَالَ : إنَّمَا سَمِعْته مِنْك .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ وَفِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ فَنِفَاقٌ كَقَوْلِهِ فِي ثَعْلَبَةَ { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ } الْآيَةَ ، وَهَلْ يُكَفَّرُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَجْهٌ كُفْرُهُ أَنَّهُ شَاقَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَرَدَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ فَكَفَرَ ، قَالَ : وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا : كُلُّهُ كُفْرٌ ، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ ، وَاَلَّذِي أَقُولُ : إنَّ مَا كَانَ مِنْ النِّفَاقِ فِي الْأَفْعَالِ لَا يُكَفَّرُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ لَا يُكَفِّرُ إلَّا مُنَافِقٌ أَسَرَّ الْكُفْرَ ، انْتَهَى .
هَذَا كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إلَّا مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ لَا غَيْرَهُ ، كَمَا قَالَ الْقَاضِي : إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ .

وَفِي الِانْتِصَارِ : مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ كُفْرٍ مِنْ لُبْسِ غِيَارٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ وَتَعْلِيقِ صَلِيبٍ بِصَدْرِهِ حَرُمَ وَلَمْ يُكَفَّرْ ، وَفِي الْخِلَافِ : فِي إسْلَامِ كَافِرٍ بِالصَّلَاةِ ثَبَتَ أَنَّ لِلسِّيمَا حُكْمًا فِي الْأُصُولِ ، لِأَنَّا لَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا عَلَيْهِ زُنَّارٌ أَوْ عَسَلِيٌّ حُكِمَ بِكُفْرِهِ ظَاهِرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَقْتُولِ بِأَرْضِ حَرْبٍ : يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْخِتَانِ وَالثِّيَابِ .
فَثَبَتَ أَنَّ لِلسِّيمَا حُكْمًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي بَابِ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ ، كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا ، قَالَ : وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُ هَذَا وَلَا يُسَلِّمُهُ .

وَفِي الْفُصُولِ : إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يُعَظِّمُ الصَّلِيبَ مِثْلَ أَنْ يُقَبِّلَهُ ، وَيَتَقَرَّبَ بِقُرْبَانَاتِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَيُكْثِرَ مِنْ بِيَعِهِمْ وَبُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ ، احْتَمَلَ أَنَّهُ رِدَّةٌ ، لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالٌ تُفْعَلُ اعْتِقَادًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ اعْتِقَادًا ، لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَوَدُّدًا أَوْ تُقْيَةً لِغَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ ، لِأَنَّ الْمُسْتَهْزِئَ بِالْكُفْرِ يَكْفُرُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرٍ يَمْنَعُ الْقَصْدَ ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ لِأَفْعَالٍ مِنْ خَصَائِصِ الْكُفْرِ أَنْ يَكْفُرَ ، مَعَ عَدَمِ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصْدٌ ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ قَبْلَ هَذَا بِأَنَّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ امْتِهَانٌ لِلْقُرْآنِ أَوْ خَمْصٌ مِنْهُ أَوْ طَلَبُ تَنَاقُضِهِ ، أَوْ دَعْوَى أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ أَوْ مُخْتَلِقٌ ، أَوْ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ إسْقَاطٌ لِحُرْمَتِهِ ، كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِهِ ، فَيُقْتَلُ بَعْدَ التَّوْبَةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْقُرْآنَ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ مَنَعَ قُدْرَتَهُمْ ، كَفَرَ بَلْ هُوَ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ ، وَالْعَجْزُ شَمَلَ الْخَلْقَ

فَمَنْ ارْتَدَّ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً دُعِيَ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِ وَيُحْبَسَ ، فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ بِسَيْفٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ فِدَاءٍ عَنْهُ ، لِأَنَّ كُفْرَهُ أَغْلَظُ ، وَعَنْهُ : لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ ، وَعَنْهُ : وَلَا تَأْجِيلُهُ ، وَرَسُولُ الْكُفَّارِ لَا يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا ، بِدَلِيلِ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ ، وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ .
قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي مَوْلُودٍ بِرَأْسَيْنِ فَبَلَغَ ، نَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْكُفْرِ وَالْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ ، إنْ نَطَقَا مَعًا فَفِي أَيِّهِمَا يَغْلِبُ ؟ احْتِمَالَانِ ، قَالَ : وَالصَّحِيحُ إنْ تَقَدَّمَ الْإِسْلَامُ فَمُرْتَدٌّ .

وَيَصِحُّ إسْلَامُ مُمَيِّزٍ عَقْلُهُ ، وَرِدَّتُهُ وَعَنْهُ : لَهُ عَشْرٌ ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي ، وَعَنْهُ : سَبْعٌ ، وَعَنْهُ : حَتَّى يَبْلُغَ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَهِيَ أَظْهَرُ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُمَا ، وَعَلَيْهِنَّ : يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : وَيَتَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُدْفَنُ بِمَقَابِرِهِمْ ، وَأَنَّ فَرْضِيَّتَهُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى صِحَّتِهِ ، كَصِحَّتِهِ تَبَعًا ، وَكَصَوْمِ مَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ رَمَضَانَ ، وَلَا يُقْتَلُ وَهُوَ سَكْرَانُ ، إنْ صَحَّتْ رِدَّتُهُمَا حَتَّى يُسْتَتَابَا بَعْدَ بُلُوغٍ وَصَحْوٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ رِدَّةِ سَكْرَانَ وَفِي الرَّوْضَةِ : تَصِحُّ رِدَّةُ مُمَيِّزٍ فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبُلَّغِ .
وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ ، فَإِنْ بَلَغَ مُرْتَدًّا قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ .
قَالَ : وَقِيلَ : لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ مُكَلَّفًا ، وَجَزَمَ أَنَّهُ إذَا زَنَى ابْنُ عَشْرٍ أَوْ بِنْتُ تِسْعٍ : لَا بَأْسَ بِالتَّعْزِيرِ .

وَيُقْتَلُ زِنْدِيقٌ ، وَهُوَ الْمُنَافِقُ ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ أَوْ كَفَرَ بِسِحْرِهِ أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : أَوْ تَنَقَّصَهُ ، وَقِيلَ : وَلَوْ تَعْرِيضًا ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : مَنْ عَرَّضَ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ ، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .
وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ مَا الشَّتِيمَةُ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا ؟ قَالَ : نَحْنُ نَرَى فِي التَّعْرِيضِ الْحَدَّ ، قَالَ : فَكَانَ مَذْهَبُهُ فِيمَا يَجِبُ الْحَدُّ مِنْ الشَّتِيمَةِ التَّعْرِيضَ ، وَعَنْهُ : تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ كَغَيْرِهِمْ ، وَعَنْهُ : لَا تُقْبَلُ إنْ تَكَرَّرَتْ ثَلَاثًا .
وَفِي الْفُصُولِ عَنْ أَصْحَابِنَا فَلَا تُقْبَلُ إنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ إسْقَاطَهُ ، وَأَنَّهُ يُقْبَلُ إنْ سَبَّ اللَّهَ ، لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا ، لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ ، فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا ، فَلِهَذَا افْتَرَقَا ، وَعَنْهُ : مِثْلُهُمْ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا : وَالْخِلَافُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ قَتْلِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنْ صَدَقَ قُبِلَ بِلَا خِلَافٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ .
وَفِي إرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ رِوَايَةٌ : لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ بَاطِنًا ، وَضَعَّفَهَا وَقَالَ : وَكَمَنْ تَظَاهَرَ بِالصَّلَاحِ إذَا أَتَى مَعْصِيَةً وَتَابَ مِنْهَا ، وَأَنَّ قَتْلَ عَلِيٍّ زِنْدِيقًا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا كَتَوْبَةِ قَاطِعِ طَرِيقٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ رِوَايَةً لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ دَاعِيَةٍ إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ ، وَاخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا ، وَفِي إرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ : نَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِمَظَالِمِ مَنْ أَضَلَّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ : لَا مُطَالَبَةَ .
قَالَ

شَيْخُنَا : قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَتُوبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ ، وَفِي الرِّعَايَةِ : مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : إنْ اعْتَرَفَ بِهَا ، وَقِيلَ : لَا تُقْبَلُ مِنْ دَاعِيَةٍ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ رِوَايَةً : لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ قَاتِلٍ ، وَعَلَى قَبُولِهَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ أَوْ عَفَا عَنْهُ هَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَمَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَكَالزِّنْدِيقِ فِي تَوْبَتِهِ ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّاحِرِ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ ، يُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بِالتَّوْبَةِ سِوَى مَا يُظْهِرُهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ : تُقْبَلُ ، وَهُوَ أَوْلَى فِي الْكُلِّ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَعَلَى قَبُولِهَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ أَوْ عَفَا عَنْهُ هَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ .
وَغَيْرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ .
وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ : حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَحَقُّ الْمَقْتُولِ ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ فَإِذَا أَسْلَمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ ، نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ ، وَخَوْفًا مِنْ اللَّهِ ، وَتَوْبَةً نَصُوحًا ، سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ ، وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْعَفْوِ ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ الْمُحْسِنِ ، وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، فَلَا يَذْهَبُ حَقُّ هَذَا ، وَلَا يُبْطِلُ تَوْبَةَ هَذَا ، انْتَهَى .
وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فَإِنَّهُ فَصَّلَ هَذَا التَّفْصِيلَ وَاخْتَارَهُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ .

وَتَوْبَةُ كُلِّ كَافِرٍ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ إقْرَارِهِ بِمَا جَحَدَهُ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ قَوْلُهُ : أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَصَحِّ إقْرَارُ مُرْتَدٍّ بِمَا جَحَدَهُ ، لِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ مُسْلِمٍ ، وَمِنْهُ بِخِلَافِ تَوْبَةٍ مِنْ بِدْعَةٍ ، ذَكَرَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ : لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ ، إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ ، فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ فَلَا ، وَعَنْهُ : يُغْنِي قَوْلُهُ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ، وَعَنْهُ : مِنْ مُقِرٍّ بِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَوَثَنِيٍّ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ ، وَلِخَبَرِ أُسَامَةَ وَقَتْلِهِ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ، وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : يَكْفِي مُطْلَقًا ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثَيْ جُنْدُبٍ وَأُسَامَةَ ، قَالَ فِيهِ : إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَصَمَ بِهَا دَمَهُ ، وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا ، وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ ، لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ ، وَفِيهِ : يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكِتَابَةِ الشَّهَادَةِ ، وَيَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ كَرُجُوعِهِ عَنْ حَدٍّ لَا بَعْدَ بَيِّنَةٍ بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ الْخِلَافُ .
نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ فَقَالَ : لَمْ أَفْعَلْ وَأَنَا مُسْلِمٌ ، قُبِلَ قَوْلُهُ ، هُوَ أَكْثَرُ عِنْدِي مِنْ الشُّهُودِ ، قَالَ شَيْخُنَا : اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ ، بَلْ

مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ و ( هـ ش ) أَنَّ مَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ عَدْلٌ لَمْ يَفْتَقِرْ الْحُكْمُ إلَى إقْرَارِهِ ( ع ) بَلْ إخْرَاجُهُ إلَى ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِنَاءُ حُكْمٍ عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ ، كَإِقْرَارِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَقَّنَهُ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ خَوْفَ الْقَتْلِ وَهُوَ إقْرَارُ تَلْجِئَةٍ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْيَهُودِيِّ إذَا قَالَ : قَدْ أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ : قَدْ عَلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ ، وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ : لَا خِلَافَ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ قَالَ : أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَةِ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ، وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ كَفَرَ وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ قُبِلَ مِنْهُ مَعَ الْقَرِينَةِ فَقَطْ ، لِأَنَّ إنْكَارَهُ لِلرِّدَّةِ يَمْنَعُهَا ، وَلَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ فَادَّعَاهُ قُبِلَ مُطْلَقًا ، فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ .
وَمَنْ أَسْلَمَ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهُ أَوْ لَمْ اعْتَقِدْهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَعَنْهُ : بَلَى وَعَنْهُ : إنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ ، وَعَنْهُ : يُقْبَلُ مِنْ صَغِيرٍ ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ : أَسْلِمْ وَخُذْ أَلْفًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يُعْطِهِ فَأَبَى الْإِسْلَامَ : يُقْتَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ ، قَالَ : وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ .
وَعَنْ { غَالِبٍ الْقَطَّانِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ ابْنَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أَبِي جَعَلَ لِقَوْمِهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا ، فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ ، أَفَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَمْ هُمْ ؟ قَالَ إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُسْلِمَهَا إلَيْهِمْ فَلْيُسْلِمْهَا ، وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَهُوَ

أَحَقُّ بِهَا مِنْهُمْ ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَهُمْ إسْلَامُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قُوتِلُوا عَلَى الْإِسْلَامِ } وَقَالَ : إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ ، وَهُوَ عَرِيفٌ عَلَى الْمَاءِ ، وَإِنَّهُ يَسْأَلُك أَنْ تَجْعَلَ لِي الْعِرَافَةَ بَعْدَهُ ، فَقَالَ { إنَّ الْعِرَافَةَ حَقٌّ ، لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عُرَفَاءَ ، وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ : إنَّ مَنْ أَعْطَى رَجُلًا عَلَى أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا مَفْرُوضًا عَلَيْهِ فَإِنَّ لِلْمُعْطَى ارْتِجَاعَهُ مِنْهُ ، وَلَمْ يُشَارِطْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلَّفَةَ ( قُلُوبُهُمْ ) عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَيُعْطِيهِمْ جُعْلًا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ عَطَايَا بِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُهُمْ ، وَفِي الْعِرَافَةِ مَصْلَحَةُ النَّاسِ ، وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلرِّيَاسَةِ وَالتَّأَمُّرِ عَلَى النَّاسِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ وَلَمْ يُؤَدِّ الْأَمَانَةَ فِيهِ أَثِمَ .
وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ قَذْفٍ وَرَجْمٍ بِرِدَّةٍ ، فَإِذَا أَتَى بِهِمَا بَعْدَ إسْلَامِهِ حُدَّ ، خِلَافًا لِكِتَابِ ابْنِ رَزِينٍ فِي إحْصَانِ رَجْمٍ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أُكْرِهَ حَرْبِيٌّ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ وَبَعْضُهُمْ أَصْلَحَهَا كَذَلِكَ " .

فَصْلٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ مِنْ مَوْتِهِ ، وَعَنْهُ : مِنْ رِدَّتِهِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَالطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ .
وَعَنْهُ نَتَبَيَّنُهُ مِنْهَا بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا ، فَعَلَى الْأَوْلَى يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو الْفَرَجِ ، وَفِي الْوَسِيلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ .
نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : يُمْنَعُ مِنْهُ ، فَإِذَا قُتِلَ صَارَ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَقْفَ تَصَرُّفِهِ ، وَأَنَّهُ يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ ، كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ ، وَجَعَلَ فِي التَّرْغِيبِ كَلَامَ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ وَاحِدًا ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُ ، وَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، لَكِنْ لَمْ يَقُولُوا يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ بَلْ قَالُوا : يُمْنَعُ مِنْهُ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُوقَفُ ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدُ وَإِلَّا بَطَلَ ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُ بَقِيَّةَ مَالِهِ .
قَالُوا : فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَطَلَتْ ، تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِقَطْعِ ثَوَابِهِ ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يَبْلُغْ تَبَرُّعُهُ الثُّلُثَ صَحَّ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : عَلَى الْأَوْلَى تَنْفُذُ مُعَاوَضَتُهُ وَيُقِرُّ بِيَدِهِ ، وَتُوقَفُ تَبَرُّعَاتُهُ ، وَتُرَدُّ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا ، وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ يُقْضَى دَيْنُهُ وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ .
وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُتْرَكُ بِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا صِحَّةَ وَلَا نَفَقَةَ .
وَلَا يُقْضَى دَيْنٌ مُتَجَدِّدٌ فِي الرِّدَّةِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ عَلَيْهِ مِلْكًا جَدِيدًا وَيَمْلِكُ بِأَسْبَابِ التَّمَلُّكِ إنْ بَقِيَ مِلْكُهُ وَإِلَّا فَلَا .
وَاحْتَجَّ بِهِ فِي الْفُصُولِ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَأَنَّ الدَّوَامَ أَوْلَى .
وَعَلَى رِوَايَةٍ يَرِثُهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَهْلُ دِينِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ فَكَمُسْلِمٍ فِيهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ ، وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ ، نَصَّ

عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : إنْ فَعَلَهُ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مُرْتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ فَلَا ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَالشَّيْخُ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَكَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إجْمَاعًا .
قَالَ : وَإِنَّ الْمُرْتَدَّ تَحْتَ حُكْمِنَا لَيْسَ مُحَارِبًا يَضْمَنُ إجْمَاعًا [ وَقِيلَ هُمْ كَبُغَاةٍ ] .

وَيُؤْخَذُ بِحَدِّ فِعْلِهِ فِي رِدَّتِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، كَقَبْلِهَا ، وَظَاهِرُ نَقْلِ مُهَنَّا وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ .
إنْ أَسْلَمَ فَلَا كَعِبَادَتِهِ ، نَقَلَ مُهَنَّا فِي مُرْتَدٍّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بِهَا رَجُلًا مُسْلِمًا ثُمَّ عَادَ وَقَدْ أَسْلَمَ فَأَخَذَهُ وَلِيُّهُ ، هَلْ عَلَيْهِ قَوَدٌ ؟ فَقَالَ : قَدْ زَالَ عَنْهُ الْحُكْمُ ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ وَهُوَ مُشْرِكٌ ، فَقِيلَ لَهُ : فَيَذْهَبُ دَمُ الرَّجُلِ ؟ فَقَالَ مَا أَقُولُ فِي هَذَا شَيْئًا .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى إسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إسْقَاطَ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْحَدَّ ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوَقَّفَ عَنْ الْقِصَاصِ وَعَنْهُ : الْوَقْفُ ، وَمَتَى لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ كَحَرْبِيٍّ ، وَالْمَنْصُوصُ لَا يَتَنَجَّزُ جَعْلَ مَا بِدَارِنَا فَيْئًا إنْ لَمْ يَصِرْ فَيْئًا بِرِدَّتِهِ .

وَإِنْ لَحِقَ زَوْجَانِ مُرْتَدَّانِ بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يُسْتَرَقَّا وَلَا أَوْلَادُهُمَا ، كَوَلَدِ مَنْ أُسِرَ مِنْ ذِمَّةٍ ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ ، وَيَجُوزُ فِي الْمَنْصُوصِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ ، اسْتِرْقَاقُ الْحَادِثِ فِي الرِّدَّةِ ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ وَالْحَمْلُ وَقْتَهَا ، وَهَلْ يُقِرُّ بِجِزْيَةٍ أَمْ الْإِسْلَامِ وَيُرَقُّ أَوْ الْقَتْلُ ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 4 ) .
وَإِذَا ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُمْ فَدَارُ حَرْبٍ فَيَغْنَمُ مَا لَهُمْ ، وَوَلَدٌ حَدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ " وَهَلْ يُقِرُّ بِجِزْيَةٍ أَمْ الْإِسْلَامِ وَيُرَقُّ ، أَوْ الْقَتْلُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي بِهِ مَنْ وُلِدَ فِي حَالِ رِدَّةِ الزَّوْجَيْنِ إذَا لَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُلْنَا بِاسْتِرْقَاقِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) يُقِرُّونَ بِجِزْيَةٍ ، كَأَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ وَغَيْرِهِ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يُقِرُّونَ ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي ، لِاقْتِصَارِهِمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ مَعَ حِكَايَتِهِمَا الرِّوَايَتَيْنِ : إذَا وَقَعَ أَبُو الْوَلَدِ فِي الْأَسْرِ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقِرَّ بِهَا ، لِانْتِقَالِهِ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ، انْتَهَى .
قَالَ الزَّرْكَشِيّ .
وَهِيَ رِوَايَتُهُ ، لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ .

فَصْلٌ وَيُكَفَّرُ السَّاحِرُ كَاعْتِقَادِ حِلِّهِ ، وَعَنْهُ : اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَكَفَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِعَمَلِهِ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : وَهُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا .
وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي كُفْرِهِ عَلَى مُعْتَقَدِهِ ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ يُفَسَّقُ وَيُقْتَلُ حَدًّا ، فَعَلَى الْأَوْلَى يُقْتَلُ .
وَهُوَ مَنْ يَرْكَبُ مِكْنَسَةً فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا قِيلَ فِي مُعَزِّمٍ عَلَى الْجِنِّ وَيَجْمَعُهَا بِزَعْمِهِ ، وَكَاهِنٍ وَعَرَّافٍ ، وَقِيلَ : يُعَزَّرُ ( م 5 ) وَقِيلَ وَلَوْ بِقَتْلٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : الْكَاهِنُ وَالْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَأَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فَسَّقَهُ فَقَطْ إنْ قَالَ أَصَبْت بِحَدْسِي وَفَرَاهَتِي ، فَإِنْ أَوْهَمَ قَوْمًا بِطَرِيقَتِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ .
قَالَ شَيْخُنَا : التَّنْجِيمُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ مِنْ السِّحْرِ ، قَالَ وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا .
وَأَقَرَّ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ بِبَرَكَتِهِ مَا زَعَمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ ، وَأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ الدَّارَيْنِ مَا لَا تَقْوَى الْأَفْلَاكُ أَنْ تَجْلِبَهُ .
وَمَنْ سَحَرَ بِالْأَدْوِيَةِ وَالتَّدْخِينِ وَسَقْيِ مُضِرٍّ عُزِّرَ ، وَقِيلَ وَلَوْ بِقَتْلٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ : إنْ قَالَ سِحْرِي يَنْفَعُ وَأَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ بِهِ قُتِلَ ، وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ بِهِ ، وَيُقَادُ مِنْهُ إنْ قَتَلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا ، وَإِلَّا الدِّيَةُ .
وَالْمُشَعْبِذُ وَالْقَائِلُ بِزَجْرِ الطَّيْرِ وَالضَّارِبُ بِحَصًى وَشَعِيرٍ وَقِدَاحٍ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إبَاحَتَهُ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ عُزِّرَ ، وَكُفَّ عَنْهُ وَإِلَّا كُفِّرَ .
وَيَحْرُمُ طَلْسَمٌ وَرُقْيَةٌ بِغَيْرِ عَرَبِيٍّ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْحَلِّ بِسِحْرٍ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ( م 6 ) وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيه مَسْحُورَةٌ فَيُطْلِقُهُ

عَنْهَا ، قَالَ : لَا بَأْسَ .
قَالَ الْخَلَّالُ : إنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ فِعَالَهُ ، وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا ، كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا ، وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُبِيحُ فِعْلَهَا .
وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرٌ كِتَابِيٌّ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : إنْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ ، وَإِنْ قَتَلَ بِهِ أُقِيدَ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَتَقَدَّمَ إنْ سَحَرَ مُسْلِمًا .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّ السَّاحِرَ يُكَفَّرُ ، وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
ثُمَّ قَالَ : وَمِنْ السِّحْرِ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْسَادُ بَيْنَ النَّاسِ وَذَلِكَ شَائِعٌ عَامٌّ فِي النَّاسِ ، وَنَحْوُ مَا حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَرَادَتْ إفْسَادًا بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَقَالَتْ لِلزَّوْجَةِ : إنَّ زَوْجَك يُعْرِضُ عَنْك ، وَقَدْ سُحِرَ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَنْك ، وَأَنَا أَسْحَرُهُ لَك حَتَّى لَا يُرِيدَ غَيْرَك ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَأْخُذِي مِنْ شَعْرِ حَلْقِهِ بِالْمُوسَى ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ إذَا نَامَ ، فَإِنَّ بِهَا يَتِمُّ الْأَمْرُ ، وَذَهَبَتْ إلَى الرَّجُلِ فَقَالَتْ لَهُ : إنَّ امْرَأَتَك قَدْ عُلِّقَتْ بِغَيْرِك وَعَزَمَتْ عَلَى قَتْلِك وَأَعَدَّتْ لَك مُوسَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِنَحْرِك فَأَشْفَقْت لِشَأْنِك وَلَقَدْ لَزِمَنِي نُصْحُك .
فَتَنَاوَمَ الرَّجُلُ فِي فِرَاشِهِ ، فَلَمَّا ظَنَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ قَدْ نَامَ عَمَدَتْ إلَى الْمُوسَى وَأَهْوَتْ بِهَا إلَى حَلْقِهِ لِأَخْذِ الشَّعْرِ ، فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ فَرَآهَا فَقَامَ إلَيْهَا وَقَتَلَهَا .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : بَاعَ رَجُلٌ غُلَامًا عَلَى أَنَّهُ نَمَّامٌ ، فَاشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ ، فَسَعَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِذَلِكَ ، وَفِي آخِرِ الْقِصَّةِ : فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَقَتَلُوهُ ، فَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ .
ثُمَّ قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : فَأَمَّا مَنْ يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ وَالتَّدْخِينِ وَسَقْيِ شَيْءٍ مُضِرٍّ فَلَا يُكَفَّرُ وَلَا يُقْتَلُ وَيُعَزَّرُ بِمَا يَرْدَعُهُ .
وَمَا قَالَهُ غَرِيبٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ وَعَمَلِهِ

عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ فَأَشْبَهَ السِّحْرَ ، وَلِهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ وَيُنْتِجُ مَا يَعْمَلُهُ السِّحْرُ أَوْ أَكْثَرُ ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ ، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ ، لَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا بِقَتْلِ الْآمِرِ بِالْقَتْلِ ، عَلَى رِوَايَةٍ سَبَقَتْ ، فَهُنَا أَوْلَى ، أَوْ الْمُمْسِكُ لِمَنْ يُقْتَلُ فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالْكَذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ .
رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَكَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ قَالَ : النَّمَّامُ شَرٌّ مِنْ السَّاحِرِ يَعْمَلُ النَّمَّامُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يَعْمَلُهُ السَّاحِرُ فِي شَهْرٍ ، لَكِنْ يُقَالُ : السَّاحِرُ ، إنَّمَا كَفَرَ لِوَصْفِ السِّحْرِ ، وَهُوَ أَمْرٌ خَاصٌّ ، وَدَلِيلُهُ خَاصٌّ ، وَهَذَا لَيْسَ بِسَاحِرٍ ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ عَمَلُهُ مَا يُؤَثِّرُهُ فَيُعْطَى حُكْمَهُ ، إلَّا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ ، وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْجَهُ مِنْ تَعْزِيرِهِ فَقَطْ .
فَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ الْمُمْسِكِ وَالْآمِرِ ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي التَّعْزِيرِ .
وَمَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ كَفَّرَهُ لِدَعْوَاهُ ، غَيْرَ أَبِيهِ وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ، فَقِيلَ كَفَرَ النِّعْمَةَ ، وَقِيلَ : قَارَبَ الْكُفْرَ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَتَيْنِ : ( إحْدَاهُمَا ) تَشْدِيدٌ وَتَأْكِيدٌ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، لَا يُخْرِجُ عَنْ الْإِسْلَامِ .
( وَالثَّانِيَةُ ) يَجِبُ التَّوَقُّفُ وَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْ الْمِلَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ الْحَكَمِ ( م 7 ) .
وَإِنْ أَسْلَمَ أَبُو حَمْلٍ أَوْ طِفْلٍ أَوْ أَحَدِهِمَا لَا جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ ، وَالْمَنْصُوصُ : أَوْ مُمَيِّزٌ لَمْ يَبْلُغْ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا ، فَمُسْلِمٌ ، وَكَذَا إنْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا ، وَعَنْهُ : كَافِرٌ ، كَسَبْيِهِ مَعَهُمَا عَلَى

الْأَصَحِّ ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَمُسْلِمٌ ، وَعَنْهُ : يَتْبَعُ أَبَاهُ ، وَعَنْهُ : الْمَسْبِيُّ مَعَهُ مِنْهُمَا ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ .

( 13 ) ( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ حُكْمَ السَّاحِرِ الَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ " وَكَذَا قِيلَ فِي مُعَزِّمٍ عَلَى الْجِنِّ وَيَجْمَعُهَا بِزَعْمِهِ وَأَنَّهُ يَأْمُرُهَا فَتُعْطِيه ، وَكَاهِنٍ وَعَرَّافٍ ، وَقِيلَ : يُعَزَّرُ " انْتَهَى .
يَعْنِي هَذَا السَّاحِرَ وَالْكَاهِنَ وَالْعَرَّافَ هَلْ يَلْحَقُونَ بِالسَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ ، أَمْ يُعَزَّرُونَ فَقَطْ ؟ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا ، وَأَطْلَقَهُ ، وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَلَا يُقْتَلُ ، بَلْ يُعَزَّرُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا قَوْلُ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ : وَإِنْ كَانَ سِحْرًا بِسَقْيِ أَدْوِيَةٍ فَلَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَلَا يُقْتَلُ .
إلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِهِ فَيَجِبُ الْقَوَدُ إنْ كَانَ يَقْتُلُ غَالِبًا وَإِلَّا فَالدِّيَةُ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : حُكْمُهُمْ حُكْمُ السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : الْكَاهِنُ وَالْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَإِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فَسَّقَهُ فَقَطْ ، كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ : أَوْ عَمِلَ سِحْرًا يَدَّعِي بِهِ إحْضَارَ الْجِنِّ وَطَاعَتَهُ فِيمَا شَاءَ فَمُرْتَدٌّ ، وَقَالَ فِي الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ وَقِيلَ : هُمَا كَالسَّاحِرَةِ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِلِّ بِسِحْرٍ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، " انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : يَجُوزُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِلِّ ، وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ ، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيه مَسْحُورَةٌ فَيَقْطَعُهُ عَنْهَا ، قَالَ : لَا بَأْسَ ، قَالَ

الْخَلَّالُ : إنَّمَا كَرِهَ فِعَالَهُ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا ، كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا ، وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُبِيحُ فِعْلَهَا ، انْتَهَى .
قَالَ فِي آدَابِ الْمُسْتَوْعِبِ : وَحِلُّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ جَائِزٌ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَجُوزُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : وَيَحْرُمُ الْعَطْفُ وَالرَّبْطُ ، وَكَذَا الْحِلُّ بِسِحْرٍ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ الْحَلُّ ، وَقِيلَ : يُبَاحُ بِكَلَامٍ مُبَاحٍ .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : وَيَجُوزُ حَلُّهُ بِقُرْآنٍ أَوْ بِكَلَامٍ مُبَاحٍ غَيْرِهِ ، انْتَهَى ، فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِسِحْرٍ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ : وَلَا بَأْسَ بِحَلِّ السِّحْرِ بِقُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ كَلَامٍ حَسَنٍ ، وَإِنْ حَلَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ السِّحْرِ فَعَنْهُ التَّوَقُّفُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ ، لِأَنَّهُ مَحْضُ نَفْعٍ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ ، انْتَهَى .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعَ كُفْرَهُ لِدَعْوَاهُ غَيْرَ أَبِيهِ ، وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقِيلَ : كَفَرَ النِّعْمَةَ ، وَقِيلَ : قَارَبَ الْكُفْرَ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَتَيْنِ .
( إحْدَاهُمَا ) تَشْدِيدٌ وَتَأْكِيدٌ .
نَقَلَ حَنْبَلٌ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، لَا يُخْرِجُ عَنْ الْإِسْلَامِ .
( وَالثَّانِيَةُ ) يَجِبُ التَّوَقُّفُ وَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْ الْمِلَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رَوِيَّةِ صَالِحٍ وَابْنِ الْحَكَمِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) كُفْرُ نِعْمَةٍ ، وَقَالَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ .
( وَالثَّانِي ) قَارَبَ الْكُفْرَ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ { مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } أَيْ جَحَدَ تَصْدِيقَهُ بِكَذِبِهِمْ ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى هَذَا إذَا اعْتَقَدَ تَصْدِيقَهُمْ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ

كُفْرَ حَقِيقَةٍ ، انْتَهَى .
وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِهِ تَشْدِيدًا وَتَأْكِيدًا ، وَقَدْ بَوَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا ، وَنَصَّ أَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ دُونَ بَعْضٍ ، وَنَصَّ عَلَيْهِمَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ : وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَسَالِكُ مُتَعَدِّدَةٌ ، مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالْكُفْرِ الَّذِي لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ، مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ ، قَالَ النَّخَعِيُّ : هُوَ كُفْرٌ بِالنِّعَمِ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَالَهُ طَاوُسٌ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ إنْكَارُ مَنْ سَمَّى شَارِبَ الْخَمْرِ كَافِرًا وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ الْقَاضِي جَوَازَ إطْلَاقِ اسْمِ كُفْرِ النِّعْمَةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ ، وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازَ إطْلَاقِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عَلَى بَعْضِ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنْ الْمِلَّةِ ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّى الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ النُّصُوصِ تَوَرُّعًا ، وَيَمُرُّهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ ، انْتَهَى مُلَخَّصًا

وَيَتْبَعُ سَابِيًا ذِمِّيًّا كَمُسْلِمٍ ، وَقِيلَ : إنْ سَبَاهُ مُنْفَرِدًا فَمُسْلِمٌ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ : يَتْبَعُ مَالِكًا مُسْلِمًا كَسَبْيٍ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَإِنْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي دَارِنَا ، وَقِيلَ : أَوْ دَارِ حَرْبٍ فَمُسْلِمٌ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُحَرَّرِ ، فَيُؤْخَذُ رِوَايَةً .
وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ رِوَايَةٌ : لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا .
نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ : فَهُوَ مُسْلِمٌ إذَا مَاتَ أَبَوَاهُ وَيَرِثُ أَبَوَيْهِ .
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ إنْ كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَمُسْلِمٌ وَيَرِثُ الْوَلَدُ الْمَيِّتَ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ ، وَاخْتِلَافِ الدِّينِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ ، كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ ، وَلِأَنَّهُ يَرِثُ إجْمَاعًا ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ ، وَكَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ حُصُولُ إرْثِهِ قَبْلَ اخْتِلَافِ الدِّينِ ، كَمَا قَالَ الْكُلُّ : إنَّ الدِّينَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَالِكًا لَهُ يَوْمَ الْمَوْتِ ، لَكِنْ فِي حُكْمِ الْمَالِكِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ : فَإِنْ قِيلَ : نَقَلَ الْكَحَّالُ وَجَعْفَرٌ فِي نَصْرَانِيٍّ مَاتَ عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ حَامِلٍ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ لَا تَرِثُ : [ إنَّمَا تَرِثُ بِالْوِلَادَةِ وَحَكَمَ بِالْإِسْلَامِ ، قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ هَذَا رِوَايَةَ : لَا يَرِثُ ] وَإِنَّهُ الْقِيَاسُ ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْرِقَةُ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ ، لِقُوَّةِ الْمَانِعِ ، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِأَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَهُوَ إسْلَامُ أُمِّهِ ، وَهُوَ حَمْلٌ ، وَالْمَسْقَطُ ضَعِيفٌ ، لِلْخِلَافِ فِي إسْلَامِهِ بِالْمَوْتِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ لَا يَرِثُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّخْرِيجِ ، وَلَا هَذَا الْفَرْقِ .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفُصُولِ إرْثَهُ ، فَظَاهِرُهُ كَالطِّفْلِ .
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ : فِي إرْثِ الطِّفْلِ

رِوَايَتَيْنِ .
وَظَاهِرُ الْفُصُولِ أَنَّهُ كَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ التَّرِكَةِ .
وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ بَعْدَ رِوَايَةِ الْكَحَّالِ : جَعَلَ تَجَدُّدَ الْإِسْلَامِ مَانِعًا مِنْ إرْثِهِ مَعَ كَوْنِنَا نَجْعَلُ لِلْحَمْلِ حُكْمًا فِي بَابِ الْإِرْثِ ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ يُوَرَّثَ الْقَرِيبُ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَسْمِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّهُ قَبْلَ الْوَضْعِ ، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا رَيْبٍ ، قَالَ : وَتَعْلِيلُ ابْنِ عَقِيلٍ ضَعِيفٌ .

وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ .
وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا تَكْلِيفَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ ، لِلْأَخْبَارِ وَمِثْلُهُمْ مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا ، فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَوَجْهَانِ ( م 8 ) وَظَاهِرُهُ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ بِالْإِسْلَامِ كَصَغِيرٍ ، فَيُعَايَا بِهَا .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ وَصَارَ رَجُلًا : وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ هُوَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا بَعْدَ مَا صَارَ رَجُلًا ، قَالَ : هُوَ مَعَهُمَا ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَهُمَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا وَذَكَرَ فِي الْفُنُونِ عَنْ أَصْحَابِنَا : لَا يُعَاقَبُ ، قَالَ : وَإِذَا مَنَعَ حَائِلُ الْبُعْدِ شُرُوطَ التَّكْلِيفِ فَأَوْلَى فِيهِمَا ، وَلِعَدَمِ جَوَازِ إرْسَالِ رَسُولٍ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ أُولَئِكَ ، وَقَالَ : إنَّ عَفْوَ اللَّهِ عَنْ الَّذِي كَانَ يُعَامِلُ وَيَتَجَاوَزُ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَعَمِلَ بِخَصْلَةٍ مِنْ الْخَيْرِ .
وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : لَا يُعَاقَبُ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ قِيلَ بِحَظْرِ الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : يُعَاقَبُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَى } وَهُوَ عَامٌّ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ مَا أَخْلَى عَصْرَهُ مِنْ قَائِمٍ لَهُ بِحُجَّةٍ ، كَذَا قَالَ .
وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : خَصَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لِلتَّنْبِيهِ لِأَنَّ لَهُمْ كِتَابًا ، قَالَ : وَفِي مَفْهُومِهِ إنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ ، قَالَ : وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ ، عَلَى الصَّحِيحِ .
قَالَ

الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي قَوْلِهِ : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ لَا تَجِبُ عَقْلًا ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالشَّرْعِ ، وَهُوَ بِعْثَةُ الرُّسُلِ وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْإِنْسَانُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ عَلَيْهِ بِالنَّارِ .
قَالَ : وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ إلَّا بِقِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ وَلِهَذَا قَالُوا : لَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَسْمَعْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا ، لِأَنَّهَا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قِصَّةُ أَهْلِ قُبَاءَ حِينَ اسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَسْتَأْنِفُوا .
وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِ الصَّلَاةِ قَالُوا : عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ، وَذَلِكَ دَعَا إلَيْهَا ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ، فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ .
وَالْمَشْهُورُ فِي أُصُولِ الدِّينِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَتْ شَرْعًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : عَقْلًا ، وَهِيَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ ، وَيَجِبُ قَبْلَهَا النَّظَرُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ ، فَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِغَيْرِهِ ، وَلَا يَقَعَانِ ضَرُورَةً ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَكَذَا إنْ أُعْدِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ ، كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ وَلَوْ بِكَافِرٍ ، أَوْ اشْتِبَاهِ وَلَدٍ مُسْلِمٍ بِوَلَدٍ كَافِرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، قَالَ الْقَاضِي : أَوْ وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِبَاهِ : تَكُونُ الْقَافَةُ فِي هَذَا ؟ قَالَ : مَا أَحْسَنَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرَا وَلَدَهُمَا وَمَاتَ طِفْلًا دُفِنَ فِي مَقَابِرِنَا ، نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ { فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ } قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ .
كَلَقِيطٍ ، وَيَتَوَجَّهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {

مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي مُسْلِمٍ { عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ } وَفَسَّرَ أَحْمَدُ الْفِطْرَةَ فَقَالَ : الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا ، شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ ، مِنْ كُفْرٍ أَوْ إسْلَامٍ ، قَالَ : وَقَدْ فَسَّرَ أَحْمَدُ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ : مَعْنَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ حِينَ أَخَذَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } وَبِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَمُدَبِّرًا وَإِنْ عَبَدَ شَيْئًا غَيْرَهُ وَسَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَرِثُهُ وَلَدُهُ الطِّفْلُ ، إجْمَاعًا ، وَنَقَلَ يُوسُفُ : الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ : هِيَ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا الْفِطْرَةُ الْأُولَى ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي تَعْذِيبِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكَلَامُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَقَالَتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْفِطْرَةِ .
ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : الْمُرَادُ بِهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبَوَانِ كَافِرَانِ ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ كَافِرًا ، كَذَا قَالَ .
وَإِنْ بَلَغَ مُمْسِكًا عَنْ إسْلَامٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ قَاتِلُهُ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَقِيلَ : يُقْتَلُ إنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَا تَقَدَّمَ ، لَا بِالدَّارِ .
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ .

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْجَنَّةِ " انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ : وَعَنْهُ الْوَقْفُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ ، انْتَهَى .
فَخَالَفَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ ، وَزَادَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ نَقَلَ رِوَايَةَ الْوَقْفِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا .
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ كَتِيله فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ : ذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِي فِي الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمَجُوسِ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ ؟ فَقَالَ : يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ } يَعْنِي أَنَّهُمَا لَمْ يُمَجِّسَاهُ فَبَقِيَ عَلَى الْفِطْرَةِ .
وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { .
اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ، } وَقَالَ أَيْضًا الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، نَحْنُ نَمُرُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا نَقُولُ شَيْئًا ، انْتَهَى .
وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْمُغْنِي .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : " وَمِثْلُهُمْ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ، فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ فِي النَّارِ وَإِنْ قُلْنَا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي الْجَنَّةِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا جُنَّ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ كَأَطْفَالِ الْكُفَّارِ ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ إذَا جُنَّ قَرِيبًا مِنْ الْبُلُوغِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ، بَعْدَ بُلُوغِهِ ، فِيهِ إيهَامٌ ، وَالصَّوَابُ مَا قُلْنَاهُ بِحَيْثُ إنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِسْلَامِ .
فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَمَنْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ لَمْ يَجُزْ تَعْزِيرُهُ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ الْقَتْلِ وَقَدْ سَقَطَ ، وَالْحَدُّ إذَا سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ أَوْ اُسْتُوْفِيَ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ شَفَعَ عِنْدَهُ فِي شَخْصٍ فَقَالَ : لَوْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ فِيهِ مَا قُبِلَ ، إنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قُتِلَ ، لَا قَبْلَهَا ، فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِيهِمَا ، وَيَسُوغُ تَعْزِيرُهُ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَالِكِيَّةِ يُعَزَّرُ بَعْدَ التَّوْبَةِ ، وَوَجَّهَ شَيْخُنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي مَكَان آخَرَ بِأَنْ قَتْلَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَسُولٌ حَقٌّ لِلَّهِ ، وَقَدْ سَقَطَ فَيُعَزَّرُ لِحَقِّ الْبَشَرِيَّةِ كَتَعْزِيرِ سَابِّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، قَالَ : وَمَنْ لَمْ يُعَاقِبْهُ بِشَيْءٍ قَالَ : انْدَرَجَ حَقُّ الْبَشَرِيَّةِ فِي حَقِّ الرِّسَالَةِ ، فَإِنَّ الْجَرِيمَةَ الْوَاحِدَةَ إذَا أَوْجَبَتْ الْقَتْلَ لَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ، وَلِهَذَا انْدَرَجَ حَقُّ اللَّهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِعَفْوِهِ عَنْ قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ، قَالَ : وَفِي الْأَصْلَيْنِ خِلَافٌ ، فَمَذْهَبُ ( م ) : يُعَزَّرُ الْقَاتِلُ بَعْدَ الْعَفْوِ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) : لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ بِالْعَفْوِ ، وَلِهَذَا تَرَدَّدَ مَنْ أَسْقَطَ الْقَتْلَ بِالْإِسْلَامِ ، هَلْ يُؤَدَّبُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا عَلَى خُصُوصِ الْقَذْفِ وَالسَّبِّ ؟ تَقَدَّمَ احْتِمَالٌ يُعَزَّرُ لِحَقِّ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ عَفْوِ الْآدَمِيِّ ، لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّقْوِيمِ ، فَدَلَّ مِنْ التَّعْلِيلِ عَلَى تَعْزِيرِ الْمُرْتَدِّ ، وَهُوَ مِنْ الْقَاضِي اعْتِبَارٌ لِلْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى عَادَتِهِ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ أَوْ تَابَ وَلَمْ تُقْبَلْ ظَاهِرًا قُتِلَ فَقَطْ ، جَعَلَهُ الْأَصْحَابُ أَصْلًا ، لِعَدَمِ الْجَلْدِ مَعَ الرَّجْمِ .

كِتَابُ الْجِهَادِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى مُكَلَّفٍ ذَكَرٍ حُرٍّ ، فَإِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا وَلَوْ أَذِنَ سَيِّدٌ صَحِيحٍ ، وَلَوْ أَعْوَرَ ، وَاجِدٍ وَفِي الْمُحَرَّرِ : وَلَوْ مِنْ الْإِمَامِ مَا يَحْتَاجُهُ هُوَ وَأَهْلُهُ لِغَيْبَتِهِ ، وَمَعَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مَرْكُوبًا وَعَنْهُ : يَلْزَمُ عَاجِزًا بِبَدَنِهِ فِي مَالِهِ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَشَيْخُنَا كَحَجٍّ عَلَى مَعْضُوبٍ ، وَأَوْلَى .
وَفِي الْمُذْهَبِ قَوْلُ : يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ ، وَفِي الْبُلْغَةِ : يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَسِيرًا ، وَإِذَا قَامَ بِهِ طَائِفَةٌ كَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ، صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ ، وَأَنَّ مَا عَدَا الْقِسْمَيْنِ هُنَا سُنَّةٌ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يَجِبُ الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ ، فَيَهْجُوهُمْ الشَّاعِرُ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ { اُهْجُ الْمُشْرِكِينَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ ، وَلَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ كَعْبًا قَالَ لَهُ : إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي الشُّعَرَاءِ مَا أَنْزَلَ .
فَقَالَ : الْمُؤْمِنُ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ النَّبْلِ } .
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ { : شَكَوْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِجَاءَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اُهْجُوهُمْ كَمَا يَهْجُونَكُمْ } .
وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ فَمِنْهُ بِالْقَلْبِ وَالدَّعْوَةِ وَالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْبَدَنِ فَيَجِبُ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ ، وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ : الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحِلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِعَبْدٍ مَرَّةً بَلَغَا مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ قَالَ وَعَلَى الْأَمِيرِ أَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ ، وَيُقَاتِلَ بِهِمْ عَدُوَّهُ بِدُعَائِهِمْ وَرَأْيِهِمْ وَفِعْلِهِمْ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى الْجِهَادِ ، وَيَفْعَلُ مَعَ بَرٍّ وَفَاجِرٍ

يَحْفَظَانِ الْمُسْلِمِينَ ، لَا مُخَذِّلٍ وَنَحْوِهِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ } مُخْتَصَرٌ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ ، وَيُقَدَّمُ الْقَوِيُّ مِنْهُمَا ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، كُلَّ عَامٍ مَرَّةً إلَّا لِمَانِعٍ بِطَرِيقٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُهَا فَإِنَّ وَضَعْهُ عَلَى الْخَوْفِ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِحَاجَةٍ ، وَعَنْهُ : وَمَصْلَحَةٍ كَرَجَاءِ إسْلَامٍ ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : لَوْ اخْتَلَفُوا عَلَى رَجُلَيْنِ لَمْ يَتَعَطَّلْ الْغَزْوُ وَالْحَجُّ .
هَذَانِ بَابَانِ لَا يَدْفَعُهُمَا شَيْءٌ أَصْلًا وَمَا يُبَالِي مِنْ قَسْمِ الْفَيْءِ أَوْ مِنْ وَلِيِّهِمَا ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : يَجِبُ الْجِهَادُ بِلَا إمَامٍ إذَا صَاحُوا النَّفِيرَ ، وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : بِلَادٌ غَلَبَ عَلَيْهَا رَجُلٌ فَنَزَلَ الْبِلَادَ يُغْزِي بِأَهْلِهَا ، يَغْزُو مَعَهُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْت : يَشْتَرِي مِنْ سَبْيِهِ ؟ قَالَ : دَعْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ : الْغَزْوُ لَيْسَ مِثْلَ شِرَاءِ السَّبْيِ ، الْغَزْوُ دَفْعٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُتْرَكُ لِشَيْءٍ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْ سَبْيِهِ كَمَنْ غَزَا بِلَا إذْنٍ .

وَمَنْ حُصِرَ بَلَدُهُ أَوْ هُوَ عَدُوٌّ أَوْ اسْتَنْفَرَهُ مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِوُجُوبِهِ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : يَتَعَيَّنُ فِي مَوْضِعَيْنِ : إذَا الْتَقَيَا ، وَالثَّانِي إذَا نَزَلُوا بَلَدَهُ إلَّا لِحَاجَةِ حِفْظِ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ ، وَالثَّانِي مَنْ يَمْنَعُهُ الْأَمِيرُ ، وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، هَذَا فِي الْقَرِيبِ ، أَمَّا مِنْ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْكِفَايَةِ ، وَلَوْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ صَلَّى وَنَفَرَ ، وَمَعَ قُرْبِ الْعَدُوِّ يَنْفِرُ وَيُصَلِّي رَاكِبًا أَفْضَلُ ، وَلَا يَنْفِرُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ، وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ ، نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي الْأَخِيرَةِ : يَنْفِرُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقْتٌ ، قُلْت : لَا يَدْرِي نَفِيرٌ حَقٌّ أَمْ لَا ؟ قَالَ : إذَا نَادَوْا بِالنَّفِيرِ فَهُوَ حَقٌّ ، قُلْت : إنَّ أَكْثَرَ النَّفِيرِ لَا يَكُونُ حَقًّا قَالَ : يَنْفِرُ يَكُونُ يَعْرِفُ مَجِيءَ عَدُوِّهِمْ كَيْفَ هُوَ .
وَمَنْ لَمْ يَنْفِرْ عَلَى فَرَسٍ حَبِيسٍ عِنْدَهُ إبْقَاءً عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِشُغْلِهِ بِحَاجَةٍ أَعْطَاهُ مَنْ يَنْفِرُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ عَلَيْهِ كُلَّ غَزَاةٍ لِيُرِيحَهُ فَلَا بَأْسَ ، قُلْت : يَتَقَدَّمُ فِي الْغَارَةِ أَوْ يَتَأَخَّرُ فِي السَّاقَةِ ؟ قَالَ : مَا كَانَ أَحْوَطَ ، مَا يَصْنَعُ بِالْغَنَائِمِ إنَّمَا يُرَادُ سَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي السُّنَنِ : فِي النَّفِيرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ .
إذَا لَمْ يُسْتَغَاثُوا وَلَمْ يَتَيَقَّنُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ : لَمْ يَنْفِرُوا حَتَّى يُصَلُّوا ، قَالَ : وَلَا تَنْفِرُ الْخَيْلُ إلَّا عَلَى حَقِيقَةٍ ، وَيَتَوَجَّهُ أَوْ خَوْفٍ ، لِلْخَبَرِ ، قَالَ : وَلَا يَنْفِرُ عَلَى غُلَامٍ آبِقٍ ، لَا يَهْلَكُ النَّاسُ بِسَبَبِهِ ، وَلَوْ نَادَى : الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ، لِحَادِثَةٍ فَيُشَاوِرُ فِيهَا لَمْ يَتَأَخَّرْ أَحَدٌ بِلَا عُذْرٍ

وَجِهَادُ الْمُجَاوِرِ مُتَعَيَّنٌ نَصَّ عَلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ ، وَمَعَ التَّسَاوِي جِهَادُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ ، وَفِي الْبَحْرِ أَفْضَلُ ، وَفِي الْخَبَرِ : لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ ، ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَإِذَا غَزَا فِيهِ فَأَرَادَ رَجُلٌ يُقِيمُ بِالسَّاحِلِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي عَلَى كُلِّ الْمَرَاكِبِ ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد قُلْت : مَتَى يَتَقَدَّمُ الرَّجُلُ بِلَا إذْنٍ ؟ قَالَ : إذَا صَارَ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ ، قُلْت : إنَّهُ صَارَ وَرُبَّمَا تَعَرَّضَ الْعِلْجُ لِلرَّجُلِ وَلِلْخِطَابِ ؟ قَالَ : لَا يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَأْمَنَ ، ثُمَّ تَلَا { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } قُلْت : أَذِنَ لَهُ فِي أَرْضِ الْخَوْفِ يَتَقَدَّمُ لَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَدْ يَبْعَثُ الْمُبَشِّرَ وَفِي الْحَاجَةِ .
قُلْت : الْمُتَسَرِّعُ يُقَدَّمُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ؟ قَالَ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُخَطِّي إلَيْهِ كَذَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يَتَلَقَّاهُ ، وَسَأَلَهُ أَيْضًا : فِي الْمَرْكَبِ مِنْ يَتَعَرَّى وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ ؟ قَالَ : يَغْزُو مَعَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَكْرَهُ الْحَرَسَ بِالْجَرَسِ .
قُلْت : فَيَحْرُسُ الرَّجُلُ مَعَهُمْ وَلَا يَنْتَهُونَ ؟ قَالَ : يَحْرُسُ وَلَا يَضْرِبُ بِهِ .
سُئِلَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْحَرَسِ ، قَالَ : الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السَّفَرِ ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونُوا فِي الْحَرَسِ يُرِيدُونَ الْعَدُوَّ أَيْ عِنْدَنَا عُدَّةٌ فَلَا بَأْسَ .
قِيلَ : يَحْرُسُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا ؟ قَالَ : مَا يَكُونُ أَنْكَى ، قُلْت : هُوَ حِيَالُ حِصْنٍ يَحْرُسُ لَا يَخْرُجُ أَهْلُ الْحِصْنِ .
قَالَ : هَذَا رَاكِبًا أَفْضَلُ

وَيُسْتَحَبُّ تَشْيِيعُ غَازٍ ، لَا تَلْقِيهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ هَنَّأَهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَجٌّ وَأَنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ ، وَنَقَلَ عَنْهُ فِي حَجِّ : لَا إلَّا إنْ كَانَ قَصَدَهُ أَوْ ذَا عِلْمٍ أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ مَنْ يُخَافُ شَرُّهُ .
وَشَيَّعَ أَحْمَدَ أُمَّةٌ لِحَجٍّ ، وَنَقَلَ ابْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا : اُكْتُبَا اسْمَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْنَا مِمَّنْ حَجَّ حَتَّى إذَا قَدِمَ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ .
قَالَ الْقَاضِي : جَعَلَهُ مُقَابَلَةً ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَبْدَأَهُمْ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : مَحْمُولٌ عَلَى صِيَانَةِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْكِبْرِ ، وَفِي الْفُنُونِ : تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ ، كَالْمَرْضَى تَحْسُنُ تَهْنِئَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِسَلَامَتِهِ .
وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي : تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وَأَنَّهُ يُحْمَلُ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقِيلَ لَهُ : أَلَا تَعُودُ فُلَانًا ؟ قَالَ : إنَّهُ لَا يَعُودُنَا .
عَلَى أَنَّهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ .
أَوْ مَانِعُ زَكَاةٍ ، ذَكَرَهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : أَنَّ الْقَاضِيَ يُوَدِّعُ الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الْحُكْمِ .
وَرَوَى سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَوْ يَعْلَمُ الْمُقِيمُونَ مَا لِلْحَاجِّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ لَأَتَوْهُمْ حَتَّى يُقَبِّلُوا رَوَاحِلَهُمْ ، لِأَنَّهُمْ وَفْدُ اللَّهِ فِي جَمِيعِ النَّاسِ حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ .
وَالْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تَلَقَّوْا الْحَاجَّ وَلَا تُشَيِّعُوهُمْ .
وَفِي قِصَّةٍ تَخَلُّفَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ .
وَالْقِيَامُ إلَيْهِ وَمُصَافَحَتُهُ ، وَإِعْطَاءُ الْبَشِيرِ ، وَأَمَّا تَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ فَهُوَ مِنْ عُرْفٍ وَعَادَةٍ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ

أَنَّهُ مُحْدِثٌ .
قَالَ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ : هُوَ جَائِزٌ وَلَمْ يَقُلْ بِاسْتِحْبَابِهِ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي النِّعْمَةِ الدِّينِيَّةِ ، قَالَ : وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ : لِيُهَنِّئَك مَا أَعْطَاك اللَّهُ ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْك فَإِنَّ فِيهِ تَوْلِيَةَ النِّعْمَةِ رَبَّهَا ، وَالدُّعَاءُ لِمَنْ نَالَهَا بِالتَّهَنِّي بِهَا .
وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ وَمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ ، نَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ : مَا سَمِعْنَا أَنْ يُدْعَى لِلْغَازِي إذَا قَفَلَ ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَسَمِعْنَا [ عَنْ ] ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي قِلَابَةَ : وَأَنَّ النَّاسَ لَيَدْعُونَ .
وَقَالَ ابْنُ أَصْرَمَ : سَمِعْته يَقُولُ لِرَجُلٍ : تَقَبَّلَ اللَّهُ حَجَّك ، وَزَكَّى عَمَلَك ، وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ الْعَوْدَ إلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ .
وَفِي الْغُنْيَةِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ سَعْيَك ، وَأَعْظَمَ أَجْرَك ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَك ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ .

وَتُكَفِّرُ الشَّهَادَةُ غَيْرَ الدَّيْنِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَغَيْرَ مَظَالِمِ الْعِبَادِ كَقَتْلٍ وَظُلْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَخَّرَهُمَا وَقَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ ، بِالْحَجِّ ( ع ) .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخَبَرَ : إنَّ الشَّهَادَةَ تُكَفِّرُ غَيْرَ الدَّيْنِ ، قَالَ : هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ تَهَاوَنَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، أَمَّا مَنْ اسْتَدَانَ دَيْنًا وَأَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَبْذِيرٍ ثُمَّ لَمْ يُمْكِنْهُ قَضَاؤُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْضِيه عَنْهُ ، مَاتَ أَوْ قُتِلَ

وَتُكَفِّرُ طَهَارَةٌ وَصَلَاةٌ وَرَمَضَانُ وَعَرَفَةُ وَعَاشُورَاءُ الصَّغَائِرَ .
فَقَطْ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَكَذَا حَجٌّ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَرَمَضَانَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةٌ لِلْكَبَائِرِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ الصَّحِيحِ : { الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا } قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كِبَارَ الطَّاعَاتِ يُكَفِّرُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَفَّارَةً لِصِغَارِ ذُنُوبِهِ ، بَلْ إطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ قَالَ : وَقَوْلُهُ { الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ } أَيْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَمْ يُقَاوِمْهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا ، وَقَوْلُهُ : { فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ } أَيْ أَيَّامَ الْحَجِّ فَيَرْجِعُ وَلَا ذَنْبَ لَهُ ، وَبَقِيَ حَجُّهُ فَاضِلًا لَهُ ، لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
وَالْمَذْهَبُ : لَا تَذْهَبُ ، وَقَالَ فِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ : لَمَّا نَزَّهَ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ نَزَّهَهُ مِنْ خَطَايَاهُ كُلِّهَا الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهِ .
يُقَالُ : بَرِرْت أَبِي بِكَسْرِ الرَّاءِ أَبَرُّهُ بِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ بِرًّا وَأَنَا بَرٌّ بِهِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبَارٌّ ، وَجَمْعُ الْبَرِّ الْأَبْرَارُ ، وَجَمْعُ الْبَارِّ الْبَرَرَةُ .
وَهُوَ الْإِحْسَانُ وَفِعْلُ الْجَمِيلِ وَمَا يَسُرُّ .
قَالَ شَيْخُنَا : مَنْ عَرَفَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ تَعْظِيمُ قَدْرِهَا فِي الْقُلُوبِ الْإِيمَانُ وَهُوَ مُتَفَاضِلٌ لَا يَعْلَمُ مَقَادِيرَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، عَرَفَ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ حَقٌّ ، وَلَمْ يَضْرِبْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، وَقَدْ يَفْعَلُ النَّوْعُ الْوَاحِدُ بِكَمَالِ إخْلَاصٍ وَعُبُودِيَّةٍ فَيُغْفَرُ لَهُ بِهِ كَبَائِرُ كَصَاحِبِ السِّجِلَّاتِ ، وَالْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ فَغَفَرَ لَهَا كَذَا قَالَ .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ { مَا مِنْ امْرِئٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً

لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ } وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا { مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا

وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَيُسْتَحَبُّ وَلَوْ سَاعَةً نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : أَقَلُّهُ سَاعَةٌ ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامٍ بِمَكَّةَ ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا ( ع ) ، وَالصَّلَاةُ بِهَا أَفْضَلُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : فَأَمَّا فَضْلُ الصَّلَاةِ هَذَا شَيْءٌ خَاصَّةً ، فَضْلٌ لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، قَالَ أَحْمَدُ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرُوا مَا عَلَيْهِ الثَّغْرُ ، فَإِنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ .
وَأَفْضَلُهُ بِأَشَدِّهَا خَوْفًا .
وَيُكْرَهُ نَقْلُ الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ إلَيْهِ ، وَنَهَى أَحْمَدُ عَنْهُ ، فَذَكَرَ لَهُ أَبُو دَاوُد مَنَعَةَ طَرَسُوسَ وَغَيْرِهَا ، فَكَرِهَهُ ، وَنَهَى عَنْهُ ، قُلْت : تَخَافُ عَلَيْهِ الْإِثْمَ ؟ قَالَ : كَيْفَ لَا أَخَافُ وَهُوَ يَعْرِضُ بِذُرِّيَّتِهِ لِلْمُشْرِكِينَ ، قِيلَ لَهُ : فَأَنْطَاكْيَةُ ؟ قَالَ : لَا يَنْقُلُهُمْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ قَدْ أُغِيرَ عَلَيْهِمْ مُنْذُ سِنِينَ قَرِيبَةً مِنْ السَّاحِلِ ، الشَّامُ كُلُّهَا إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ فَلَيْسَ لِأَهْلِ خُرَاسَانَ عِنْدَهُمْ قَدْرٌ يَقُولُهُ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهَا بِالْعِيَالِ ، قِيلَ : فَالْأَحَادِيثُ { إنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ } فَقَالَ : مَا أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيهِ .
قُلْت : فَلَعَلَّهَا فِي الثُّغُورِ ؟ قَالَ : إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَحَادِيثُ فِي الثُّغُورِ .
وَذَكَرْت لَهُ مَرَّةً هَذَا أَنَّ هَذَا فِي الثُّغُورِ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ : الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيْنَ هِيَ ؟ وَلَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ ، هُمْ أَهْلُ الشَّامِ ، وَقُعُودُهُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ ، وَالتَّزْوِيجُ بِهِ أَسْهَلُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يَنْتَقِلُ بِأَهْلِهِ إلَى مَدِينَةٍ تَكُونُ مَعْقِلًا لِلْمُسْلِمِينَ كَأَنْطَاكْيَةَ وَالرَّمْلَةِ وَدِمَشْقَ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ مُوسَى : يُسْتَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : بَيْتُ الْمَقْدِسِ

وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ حَرُمَ قِتَالُهُ قَبْلَهَا ، وَيَجِبُ ضَرُورَةً وَيُسَنُّ دَعْوَةُ مَنْ بَلَغَهُ ، وَعَنْهُ : قَدْ بَلَغَتْ الدَّعْوَةُ كُلَّ أَحَدٍ ، فَإِنْ دَعَا فَلَا بَأْسَ

وَمَنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِدَارُ حَرْبٍ يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ زَادَ بَعْضُهُمْ : أَوْ بَلَدِ بُغَاةٍ أَوْ بِدْعَةٍ كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ وَطَاقَ الْهِجْرَةَ لَزِمَتْهُ ، وَلَوْ فِي عِدَّةٍ بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ ، وَعَلَّلَ الْقَاضِي الْوُجُوبَ بِتَحْرِيمِ الْكَسْبِ عَلَيْهِ هُنَاكَ ، لِاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ ، لِأَخْذِهِمْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ .
قِيلَ لِلْقَاضِي : فَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ إلَى بَلَدٍ غَلَبَتْ الْبِدَعُ لِلْإِنْكَارِ ؟ فَقَالَ : يَلْزَمُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } عَنْ الْقَاضِي : إنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ فَرْضًا إلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ ، كَذَا قَالَ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ : إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهَا لَمْ تُهَاجِرْ إلَّا بِمَحْرَمٍ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ إذَا أَمْكَنَهَا إظْهَارُ دِينِهَا وَأَمِنَتْهُمْ عَلَى نَفْسِهَا لَمْ يُبَحْ إلَّا بِمَحْرَمٍ ، كَالْحَجِّ ، فَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُمْ جَازَ الْخُرُوجُ حَتَّى وَحْدَهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ .
وَتُسَنُّ لِقَادِرٍ .
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ : تَجِبُ عَلَيْهِ ، وَأَطْلَقَ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا تُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ ، وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى مَنْ لَزِمَتْهُ ، وَلَا يُوصَفُ الْعَاجِزُ عَنْهَا بِاسْتِحْبَابٍ .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي قَوْلِ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَخِيهِ مُجَالِدٍ يُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ .
فَقَالَ { لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ } وَلِلْبُخَارِيِّ : قُلْت : بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ ، فَقَالَ { مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا } .
وَلِمُسْلِمٍ { إنَّ الْهِجْرَةَ مَضَتْ لِأَهْلِهَا ، وَلَكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ } قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : إنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ مُطْمَئِنًّا ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ كَانَتْ عِبَادَةُ اللَّهِ

فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ، إذْ لَوْ فَسَحَ فِي الْهِجْرَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لَضَاقَتْ الْمَدِينَةُ وَخَلَتْ الْأَرْضُ مِنْ سُكَّانِهَا ، كَذَا قَالَ .
وَلَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ { إنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } أَنَّ الْمَعْنَى إذَا عُمِلَ بِالْمَعَاصِي فِي أَرْضٍ فَاخْرُجُوا مِنْهَا .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ .
وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ } الْحَدِيثَ وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ

وَيَحْرُمُ بِلَا إذْنِ وَالِدٍ مُسْلِمٍ ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ لَهُ أُمٌّ : اُنْظُرْ سُرُورَهَا ، فَإِنْ أَذِنَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهَا وَإِلَّا فَلَا تَغْزُ .
وَفِي الْحُرِّيَّةِ وَجْهَانِ ( م 1 ) لَا جَدٌّ وَجَدَّةٌ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَلَا تَحْضُرُنِي الْآنَ عَنْ أَحْمَدَ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : اتَّفَقُوا أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بِرَّ الْجَدِّ فَرْضٌ .
وَإِنْ تَعَيَّنَ وَفِي الرَّوْضَةِ : أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا إذْنَ .
وَلَا غَرِيمَ لَا وَفَاءَ لَهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ : لَا يَسْتَأْذِنُ مَعَ تَأْجِيلِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ ، قِيلَ لَهُ : فَكُلُّ الْعِلْمِ يُقِيمُ بِهِ دِينَهُ ، قَالَ : الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَهَذَا خَاصَّةً يَطْلُبُهُ بِلَا إذْنٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ لَا يَأْذَنُ لَهُ أَبَوَاهُ : يَطْلُبُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَنْفَعُهُ ، الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : مَنْ لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ ، وَقِيلَ : أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ ، وَقِيلَ : أَوْ نَفْلًا وَلَا يَحْصُلُ بِبَلَدِهِ فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِ أَبَوَيْهِ .

كِتَابُ الْجِهَادِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَفِي الْحُرِّيَّةِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ أَيْضًا .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ حُرٍّ فِي الْجِهَادِ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : الْأَبَوَانِ الرَّقِيقَانِ فِي الِاسْتِئْذَانِ كَالْحُرَّيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ وَقِيلَ أَوْ رَقِيقٌ لَمْ يَتَطَوَّعْ بِلَا إذْنِهِ ، وَمَعَ رِقِّهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ ، فَقَدَّمَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا جَوَازَ التَّطَوُّعِ ، وَأَطْلَقَ فِيمَا إذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ الْخِلَافَ

وَيَحْرُمُ بِلَا إذْنِ إمَامٍ إلَّا لِحَاجَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُغْنِي وَفُرْصَةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا ، وَفِي الرَّوْضَةِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ ، فَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، وَعَنْهُ جَوَازُهُ بِكُلِّ حَالٍ ظَاهِرًا وَخُفْيَةً وَعُصْبَةً وَآحَادًا وَجَيْشًا وَسَرِيَّةً ، وَفِي الْخِلَافِ فِي الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ : الْغَزْوُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَلَا دُخُولُ دَارِ حَرْبٍ بِلَا إذْنِ إمَامٍ وَلَهُمْ إذَا كَانُوا مَنَعَةً فِعْلُهُ وَدُخُولُهَا بِلَا إذْنِهِ ، وَمَنْ أَخَذَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ لَهُ ، وَإِلَّا فِي الْغَزْوِ ، وَإِنْ أَخَذَ دَابَّةً غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَحَبِيسٍ لِغَزْوَةٍ عَلَيْهَا مَلَكَهَا بِهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَمِثْلُهَا سِلَاحٌ وَغَيْرُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : الرَّجُلُ يَحْمِلُ وَيُعْطِي نَفَقَةً يَخْلُفُ شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا فَإِذَا غَزَا فَهُوَ مِلْكُهُ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عُمَرَ ، قَالَ : وَلَا يَحِلُّ لَهُ بِالنَّفِيرِ .
وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : لَا يُعْطِي أَهْلَهُ إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : إذَا بَلَغْت وَادِي الْقُرَى فَهُوَ كَمَالِكٍ ، قَالَ : إذَا بَلَغَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ بَعَثَ لِأَهْلِهِ نَفَقَةً ، وَقِيلَ : مَلَكَهُ لَا يَتَّخِذُ مِنْهُ سُفْرَةً وَلَا يُطْعِمُ أَحَدًا وَلَا يُعِيرُهُ وَلَا أَهْلَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ : نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ لَا يَغْزُو عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ ، وَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا إلَّا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَسْأَلَةُ فِي الْحِمْلَانِ ؟ فَقَالَ : أَكْرَهُ الْمَسْأَلَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ .

وَيَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمِينَ وَلَوْ ظَنُّوا التَّلَفَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ لِغَيْرِ تَحْرِيفٍ لِقِتَالٍ أَوْ تَحَيُّزٍ إلَى فِئَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ ، وَيَجُوزُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ أَوْلَى ، مَعَ ظَنِّ التَّلَفِ بِتَرْكِهِ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّسْخِ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ ، وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنْبَأَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ { : أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْت وَحُرِّقْت ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِك وَمِلْكِك ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا ، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ تُحِلُّ سَخَطَ اللَّهِ ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِك مِنْ طَوْلِك ، وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاك أَدَبًا ، وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ } إسْمَاعِيلُ عَنْ الْحِمْصِيِّينَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يُدْرِك مُعَاذًا .
وَإِنْ ظُنَّ الظَّفْرُ بِالثَّبَاتِ ثَبَتُوا ، وَقِيلَ : لُزُومًا ، وَإِنْ ظَنَّ الْهَلَاكُ فِيهِمَا قَاتَلُوا ، وَعَنْهُ : لُزُومًا ، قَالَ أَحْمَدُ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُسْتَأْسَرَ .
وَقَالَ : فَلْيُقَاتِلْ أَحَبُّ إلَيَّ ، الْأَسْرُ شَدِيدٌ ، وَقَالَ عَمَّارٌ يَقُولُ : مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ .
فَلِهَذَا قَالَ الْآجُرِّيُّ : يَأْثَمُ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَإِذَا أَرَادُوا ضَرْبَ عُنُقِهِ لَا يَمُدُّ رَقَبَتَهُ وَلَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ ، فَلَا يُعْطِيهِمْ سَيْفَهُ لِيُقْتَلَ بِهِ وَيَقُولُ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ .
وَلَا يَقُولُ : ابْدَءُوا بِي ، وَلَوْ أُسِرَ

هُوَ وَابْنُهُ لَمْ يَقُلْ قَدِّمُوا ابْنِي بَيْنَ يَدَيَّ .
وَيَصْبِرُ ، قَالَ : وَيُقَاتِلُ ، وَلَوْ أَعْطَوْهُ الْأَمَانَ ، قَدْ لَا يَقْوَى ، وَقِيلَ لَهُ : إذَا أُسِرَ أَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ؟ قَالَ : إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَقْوَى بِهِمْ ، قَالَ : وَلَوْ حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْجُو لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ ، وَقِيلَ لَهُ : يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى مِائَةٍ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ مَعَ فُرْسَانٍ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا يُسْتَحَبُّ انْغِمَاسُهُ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا نَهَى عَنْهُ ، وَهُوَ مِنْ التَّهْلُكَةِ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : لَا يَلْزَمُ ثَبَاتُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالنَّصِيحَةِ وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْمُوجَزِ وَغَيْرِهَا : يَلْزَمُ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو طَالِبٍ .
وَإِنْ اشْتَعَلَ مَرْكَبُهُمْ نَارًا فَعَلُوا مَا رَأَوْا السَّلَامَةَ فِيهِ وَإِلَّا خُيِّرُوا ، كَظَنِّ السَّلَامَةِ فِي الْمَقَامِ وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُ الْمُقَامُ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَصَحَّحَهَا : يَحْرُمُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : جِهَادُ الدَّافِعِ لِلْكُفَّارِ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، وَيَحْرُمُ فِيهِ الْفِرَارُ مِنْ مِثْلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ جِهَادُ ضَرُورَةٍ لَا اخْتِيَارٍ ، وَثَبَتُوا يَوْمَ أُحُدٍ وَالْأَحْزَابِ وُجُوبًا ، وَكَذَا لَمَّا قَدِمَ التَّتَرُ دِمَشْقَ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا { لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : احْرِصْ عَلَى الْمَوْتِ تُوهَبُ لَك الْحَيَاةُ .
وَأَخَذَهُ الشَّاعِرُ فَقَالَ : تَأَخَّرْتُ أَسْتَبْقِي الْحَيَاةَ فَلَمْ أَجِدْ لِنَفْسِي حَيَاةً مِثْلَ أَنْ أَتَقَدَّمَا وَمِنْ هَذَا قَوْلُ

الْخَنْسَاءِ : يُهِينُ النُّفُوسَ وَهَوْنُ النُّفُوسِ عِنْدَ الْكَرِيهَةِ أَوْقَى لَهَا وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : الْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهُمَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ .
فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ، وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّنْ لَا يَئُوبُ بِهِ إلَى رَحْلِهِ ، قَالَ الشَّاعِرُ : يَفِرُّ جَبَانُ الْقَوْمِ عَنْ عُرْسِ نَفْسِهِ وَيَحْمِي شُجَاعُ الْقَوْمِ مَنْ لَا يُنَاسِبُهْ وَيُرْزَقُ مَعْرُوفَ الْجَوَادِ عَدُوُّهُ وَيُحْرَمُ مَعْرُوفَ الْبَخِيلِ أَقَارِبُهْ وَقَوْلُ آخَرَ : وَخَارِجٍ أَخْرَجَهُ حُبُّ الطَّمَعْ فَرَّ مِنْ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ وَقَعْ مَنْ كَانَ يَهْوَى أَهْلَهُ فَلَا رَجَعْ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ : أَكَانَ الْجَبَانُ يَرَى أَنَّهُ سَيُقْتَلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلْ وَقَدْ تُدْرِكُ الْحَادِثَاتُ الْجَبَانَ وَيَسْلَمُ مِنْهَا الشُّجَاعُ الْبَطَلْ وَمِنْ أَشْعَارِ الْجُبَنَاءِ : أَضْحَتْ تُشَجِّعُنِي هِنْدٌ وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الشَّجَاعَةَ مَقْرُونٌ بِهَا الْعَطَبُ لِلْحَرْبِ قَوْمٌ أَضَلَّ اللَّهُ سَعْيَهُمْ إذَا دَعَتْهُمْ إلَى نِيرَانِهَا وَثَبُوا وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَا أَبْغِي فِعَالَهُمْ لَا الْقَتْلُ يُعْجِبُنِي مِنْهَا وَلَا السَّلْبُ لَا وَاَلَّذِي جَعَلَ الْفِرْدَوْسَ جَنَّتَهُ مَا يَشْتَهِي الْمَوْتَ عِنْدِي مَنْ لَهُ أَرَبُ وَقَالَ أَيْضًا : إنِّي أَضِنُّ بِنَفْسِي أَنْ أَجْوَدَ بِهَا وَالْجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ السَّرَفِ مَا أَبْعَدَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِ الْجَبَانِ وَمَا أَحَلَّهُ بِالْفَتِيِّ الْحَامِي عَنْ الشَّرَفِ .

فَصْلٌ يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الطَّاعَاتِ وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي ذَلِكَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَا سِرًّا .
قَالَ أَبُو دَاوُد : ( بَابُ مَا يُدْعَى عِنْدَ اللِّقَاءِ ) ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا قَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي ، بِك أَحُولُ ، وَبِك أَصُولُ ، وَبِك أُقَاتِلُ } وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : الْحَوْلُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحِيلَةُ ، يُقَالُ : مَا لِلرَّجُلِ حَوْلٌ ، وَمَا لَهُ مَحَالَةٌ ، قَالَ : وَمِنْهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، أَيْ لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِ سُوءٍ وَلَا قُوَّةَ فِي دَرْكِ خَيْرٍ إلَّا بِاَللَّهِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمَنْعَ وَالدَّفْعَ ، مِنْ قَوْلِك حَالَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا مَنَعَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ ، يَقُولُ : لَا أَمْنَعُ وَلَا أَدْفَعُ إلَّا بِك ، وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْخُنَا يَقُولُ هَذَا عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ .

وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُ خَيْلٍ وَرِجَالٍ ، فَيَمْنَعُ مَا لَا يَصْلُحُ لِحَرْبٍ كَمُخَذِّلٍ يَفْنَدُ عَنْ الْغَزْوِ ، وَمُرْجِفٍ يُحَدِّثُ بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَضَعْفِنَا ، وَمُكَاتَبٍ بِأَخْبَارِنَا وَرَامٍ بَيْنَنَا ، وَمَعْرُوفٍ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ ، وَصَبِيٍّ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
وَفِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا : طِفْلٌ وَنِسَاءٌ إلَّا عَجُوزًا لِمَصْلَحَةٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَامْرَأَةً لِلْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ ، بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي مُخَذِّلٍ وَنَحْوِهِ وَلَا لِضَرُورَةٍ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : بَلَى وَيَحْرُمُ ، وَيَتَوَجَّهُ : يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكَافِرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : لِحَاجَةٍ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا ، زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ : وَقُوَّتُهُ بِهِمْ بِالْعَدُوِّ وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ : الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ ، وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ : كَذَا قَالَ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : يَحْرُمُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِحُسْنِ الظَّنِّ .
قَالَ : وَقِيلَ : إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ وَلَا يُعَاوَنُونَ ، وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ وَالْكَتَبَةِ ، وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ مِثْلِ الْخَرَاجِ ؟ فَقَالَ : لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ ، وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ ، فَدَلَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفَاسِدُ أَوْ يُفْضِي إلَيْهَا ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّغَارِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ إلَّا ضَرُورَةً .
وَيَحْرُمُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّ فِيهِ أَعْظَمَ

الضَّرَرِ ، لِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَعَنْهُ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : لَا يُغْتَرُّ بِهِمْ ، فَلَا بَأْسَ فِيمَا لَا يُسَلَّطُونَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَكُونُوا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ .
قَدْ اسْتَعَانَ بِهِمْ السَّلَفُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ خِلَافُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَنُحَرِّمُ إعَانَتَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ إلَّا خَوْفًا وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي أَسِيرٍ لَمْ يَشْرِطُوا إطْلَاقَهُ وَلَمْ يُخِفْهُمْ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يُقَاتِلُ مَعَهُمْ بِدُونِهِ .
وَيُرْفَقُ بِسَيْرِهِمْ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : أَكْرَهُ السَّيْرَ الشَّدِيدَ إلَّا لِأَمْرٍ يَحْدُثُ ، وَيُعِدُّ لَهُمْ الزَّادَ ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ وَيَتَخَيَّرُ مَنَازِلَهُمْ ، وَيَتْبَعُ مَكَامِنَهَا ، وَيَأْخُذُ بِعُيُونِ خَبَرِ عَدُوٍّ وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ عُرَفَاءَ وَشِعَارًا ، وَيُسْتَحَبُّ أَلْوِيَةٌ بِيضٌ وَالْعَصَائِبُ فِي الْحَرْبِ ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ ، وَنَادَى بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي الْيَمَامَةِ وَغَيْرِهَا : يَا لَفُلَانٍ ، وَلَمَّا كَسَعَ مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيًّا ، أَيْ ضَرَبَ دُبُرَهُ وَعَجِيزَتَهُ بِشَيْءٍ ، قَالَ الْأَنْصَارِيُّ ، يَا لَلْأَنْصَارِ .
وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلِاسْتِغَاثَةِ وَبِفَصْلِ اللَّامِ وَوَصْلِهَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَدْ فَعَلُوهَا ، وَاَللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ، فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ : دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَيَتَوَجَّهُ

مِنْهُ جَوَازُ الْقَتْلِ ، وَتَرْكُهُ لِمُعَارِضٍ ، وَيُوَافِقُهُ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّ الْعَفْوَ كَانَ مَا لَمْ يُظْهِرُوا نِفَاقَهُمْ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَشَيْخِنَا فِي إرْثِ أَهْلِ الْمِلَلِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : فَإِنْ قِيلَ : تَرْكُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ لِأَيِّ مَعْنًى ؟ قِيلَ : ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ مَا تَرَكَ بَيَانَهُمْ ، وَقَدْ كَانَ تَرْكُهُ الْحَدَّ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْفَعَةً وَقُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ .
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لَنَا .
وَذَكَرَ مِنْهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ عَقِبَ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ نَصْرِ الْأَخِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا .
وَقَالَ أَيْضًا : مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ رَجُلًا بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرِفُهُ مِنْ حُنَيْنٍ وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا وَيُعْطِي النَّاسَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ ، فَقَالَ : وَيْلَكَ ، وَمَنْ يَعْدِلُ إذْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ؟ .
فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي فَأَقْتُلُ هَذَا الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي } .
قَالَ : هَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ ، وَلِمُسْلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوَدَ ، .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا : { إذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا } ، وَإِنَّ أُبَيًّا قَالَهُ لِرَجُلٍ .
وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنْبَةٍ كُفُوًا ، وَيَصُفُّهُمْ وَيَمْنَعُهُمْ الْفَسَادَ وَالتَّشَاغُلَ بِتِجَارَةٍ ، وَيَعِدُ الصَّابِرِينَ بِالْأَجْرِ وَلَا يَمِيلُ مَعَ ذِي قَرَابَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي الْآبِقِ لَا يُعْلَمُ طَرِيقُهُ : يَنْفِرُ لَهُ الْأَمِيرُ خَيْلًا ؟ قَالَ : لَا ، لَعَلَّهُمْ أَنْ يُعْطِبُوا ، وَيَلْزَمُهُمْ الصَّبْرُ وَالنُّصْحُ وَالطَّاعَةُ ، فَلَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ

الْعَدُوِّ فَأَبَوْا عَصَوْا ، قَالَ الْآجُرِّيُّ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَلَوْ قَالَ : مَنْ عِنْدَهُ مِنْ رَقِيقِ الرُّومِ فَلْيَأْتِ بِهِ السَّبْيَ : يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَهَوْا إلَى مَا يَأْمُرُهُمْ ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْخِلَافُ شَرٌّ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَقَالَ : كَانَ يُقَالُ : لَا خَيْرَ مَعَ الْخِلَافِ وَلَا شَرَّ مَعَ الِائْتِلَافِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا { لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا } وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد بِكَرَاهَةِ تَمَّنِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد : إذَا جَاءَ الْخِلَافُ جَاءَ الْخِذْلَانُ .
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يُخَالِفُوهُ يَتَشَعَّبُ أَمْرُهُمْ ، فَإِنْ كَانَ يَقُولُ : سِيرُوا وَقْتَ كَذَا وَيَدْفَعُ قَبْلَهُ دَفَعُوا مَعَهُ نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : السَّاقَةُ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْأَجْرُ ، إنَّمَا يَخْرُجُ فِيهِمْ أَهْلُ قُوَّةٍ وَثَبَاتٍ ، وَيَحْرُمُ إحْدَاثُ شَيْءٍ كَاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ وَتَعْجِيلٍ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ إذَا عَلِمَ مَوْضِعَ مَخُوفٍ ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُبَارَزَةٌ بِلَا إذْنِهِ ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَلِّلَهُمْ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .
وَفِي الْفُصُولِ : يَجُوزُ بِإِذْنِهِ لِمُبَارَزَةِ الشَّبَابِ الْأَنْصَارِيِّينَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا طَلَبَهَا عُتْبَةُ يَوْمَ بَدْرٍ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ بِلَا إذْنِهِ .
وَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ وَفِي الْبُلْغَةِ : مُطْلَقًا سُنَّ لِلشُّجَاعِ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ فِي اللِّبَاسِ أَنَّهَا هَلْ تُسْتَحَبُّ لِلشُّجَاعِ ابْتِدَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ أَمْ يُكْرَهُ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ فَتَضْعُفُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ ، قَالَ : قَالَ أَحْمَدُ : يَكُونُ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ شَرَطَ أَوْ كَانَ

الْعَادَةُ أَنْ يُقَاتِلَهُ خَصْمُهُ فَقَطْ لَزِمَ ، فَإِنْ انْهَزَمَ أَحَدُهُمَا وَفِي غَيْرِ الْبُلْغَةِ أَوْ أُثْخِنَ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ وَالرَّمْيُ .

قَالَ أَحْمَدُ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ فِي الْقِتَالِ ، وَعَلَى أَنْفِهِ ، وَلَهُ لُبْسُ عَلَامَةٍ ، كَرِيشِ نَعَامٍ ، وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ لِشُجَاعٍ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ عَدُوٍّ وَلَوْ مَاتَ بِهِ صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ لَمْ يُرِدْهُمَا ، وَرَمْيُهُمْ بِمَنْجَنِيقٍ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَقَطْعُ مَاءٍ وَسَابِلَةٍ ، لَا حَرْقَ نَحْلٍ وَتَغْرِيقَهُ ، وَفِي أَخْذِ كُلِّ شَهْدِهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَيَجُوزُ عَقْرُ دَابَّةٍ لِحَاجَةِ أَكْلٍ .
وَعَنْهُ : وَلِأَكْلٍ فِي غَيْرِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي إجْمَاعًا فِي دَجَاجٍ وَطَيْرٍ .
وَاخْتَارَ إتْلَافَ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ وَلَا يَدَعُهَا لَهُمْ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَعَكْسُهُ أَشْهَرُ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : يَجُوزُ قَتْلُ مَا قَاتَلُوا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَلَوْ أَخَذْنَاهُ حَرُمَ قَتْلُهُ إلَّا لِأَكْلٍ وَإِنْ تَعَذَّرَ حَمْلُ مَتَاعٍ فَتُرِكَ وَلَمْ يُسْتَرَى فَلِلْأَمِيرِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا حَرُمَ ، إذْ مَا جَازَ اغْتِنَامُهُ حَرُمَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِ حَيَوَانٍ .
قَالَ فِي الْبُلْغَةِ : وَلَوْ غَنِمْنَاهُ ثُمَّ عَجَزْنَا عَنْ نَقْلِهِ إلَى دَارِنَا ، فَقَالَ الْأَمِيرُ : مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلَهُ ، فَهُوَ لِآخِذِهِ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقُلْ ، فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ .
وَعَنْهُ : غَنِيمَةٌ ، وَيَجِبُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ ، ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ .
وَلَنَا حَرْقُ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا نَفْعٍ ، وَعَنْهُ : إنْ تَعَذَّرَ قَتْلُهُمْ بِدُونِهِ أَوْ فَعَلُوهُ بِنَا وَإِلَّا حَرُمَ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : لَا يُحْرَقُ وَلَا بَهِيمُهُ ، إلَّا أَنْ يَفْعَلُوهُ بِنَا .
قَالَ أَحْمَدُ : لِأَنَّهُمْ يُكَافَئُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ ، وَكَذَا تَغْرِيقُهُمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ ، وَهَدْمُ عَامِرٍ قِيلَ هُوَ كَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ( م 3 ) قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُعْجِبُنِي يُلْقَى فِي نَهْرِهِمْ سُمٌّ ،

لَعَلَّهُ يَشْرَبُ مِنْهُ مُسْلِمٌ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : لَا أَخْذُ نَحْلٍ وَتَغْرِيقِهِ ، وَفِي أَخْذِ كُلِّ شَهْدِهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَجُوزُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يَجُوزُ ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ بَلَى هُوَ قَوِيٌّ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَكَذَا تَغْرِيقُهُمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَهَدْمُ عَامِرٍ ، قِيلَ : هُوَ كَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي أَنَّ تَغْرِيقَهُمْ وَرَمْيَهُمْ بِالنَّارِ وَهَدْمَ عَامِرِهِمْ هَلْ هُوَ كَقَطْعِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ تَجُوزُ هُنَا ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنَّهُ كَذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ .
( وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ) : الْجَوَازُ هُنَا ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِالْجَوَازِ إذَا عَجَزُوا عَنْ أَخْذِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ

وَيَحْرُمُ قَتْلُ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ ، سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : الْمَطْمُورَةُ فِيهَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَسْأَلُهُمْ الْخُرُوجَ فَيَأْبَوْنَ ، يُدْخِنُ عَلَيْهِمْ ؟ فَكَرِهَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّهْيِ .

وَيَحْرُمُ قَتْلُ رَاهِبٍ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَشَيْخٍ فَانٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى .
وَفِي الْمُغْنِي : وَعَبْدٍ وَفَلَّاحٍ ، وَفِي الْإِرْشَادِ : وَحَبْرٍ إلَّا لِرَأْيٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ تَحْرِيضٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : الْمَرْأَةُ إنْ تَكَشَّفَتْ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ شَتَمَتْهُمْ رُمِيَتْ ، وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ : لَا .
وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : الرَّاهِبُ يُقْتَلُ إنْ خَافُوا يَدُلُّ عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ : لَا ، وَمَا عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ ؟ فَإِنْ عَلِمُوا حَلَّ دَمُهُ .
وَقَالَا أَيْضًا : إنْ خَافُوا ذَهَبُوا بِهِ .
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يُقْتَلُ مَعْتُوهٌ مِثْلُهُ لَا يُقَاتِلُ ، فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ رَمَيْنَاهُمْ بِقَصْدِ الْمُقَاتَلَةِ ، وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ رَمَيْنَاهُمْ بِقَصْدِ الْكُفَّارِ إنْ خِيفَ عَلَيْنَا فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : وَحَالَ الْحَرْبِ وَإِلَّا حَرُمَ ، وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ جَازَ ، وَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ ، وَفِي الدِّيَةِ الرِّوَايَتَانِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَجِبُ الرَّمْيُ وَيَكْفُرُ وَلَا دِيَةَ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَإِنْ قَالُوا ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسْرَاكُمْ فَلْيَرْحَلُوا عَنْهُمْ .

فَصْلٌ وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا حَرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ قَتْلُهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِي الْمَرِيضِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ( م 4 ) وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يُخَلِّيه وَلَا يَقْتُلُهُ ، وَيَحْرُمُ قَتْلُ أَسِيرِ غَيْرِهِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ لِرَجُلٍ قَتَلَهُ لِلْمَصْلَحَةِ ، كَقَتْلِ بِلَالٍ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَسِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَعَانَهُ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ ، وَقَالَ : مَنْ قَتَلَ أَسِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَتَلَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا عَاقَبَهُ الْأَمِيرُ وَغَرِمَ ثَمَنَهُ غَنِيمَةً .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : ( بَابُ الْأَسِيرِ يُنَالُ مِنْهُ وَيُضْرَبُ ) ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ { : لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ إلَى بَدْرٍ ، فَإِذَا هُوَ بِرَوَايَا قُرَيْشٍ فِيهَا عَبْدٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ : أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ ؟ فَيَقُولُ : وَاَللَّهِ مَا لِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ ، فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ } ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَهُوَ صَحِيحٌ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ إذَا كَانَ فِي ضَرْبِهِ طَائِلٌ .

مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا حُرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ قَتْلُهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ بِضَرْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي الْمَرِيضِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ " .
اعْلَمْ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا عَجَزَ عَنْ الذَّهَابِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الْفُصُولِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ .
( تَنْبِيهَانِ ) : ( الْأَوَّلُ ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا نَقْصًا بَعْدَ قَوْلِهِ " بِضَرْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ " وَتَقْدِيرُهُ ، " وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِامْتِنَاعِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَتَلَهُ " ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ وَاضِحٌ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ " وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي الْمَرِيضِ وَفِيهِ وَجْهَانِ " ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الْمَرِيضِ وَجْهَيْنِ : الْقَتْلُ ، وَتَرْكُهُ ، وَالْأَصْحَابُ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ، وَصَحَّحُوا الْقَتْلَ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ " وَفِيهِ وَجْهَانِ " عَائِدٌ إلَى الْوَقْفِ ، يَعْنِي فِي تَوَقُّفِ أَحْمَدَ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، لَكِنَّ كَوْنَ هَذَا مُرَادُهُ هُنَا فِيهِ بُعْدٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ أَيْضًا وَتَقْدِيرُهُ " وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ " فَالنَّقْصُ قِيلَ ، وَيُقَوِّي هَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، " وَعَنْهُ : الْوَقْفُ فِيهِ " وَقِيلَ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : " تَرْكُهُ وَقَتْلُهُ " ، انْتَهَى ، فَيَكُونُ فِيهِ طَرِيقَانِ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَخْتَارُ الْإِمَامُ الْأَصَحَّ لَنَا لُزُومًا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : نَدْبًا فِي أَسْرَى مُقَاتِلَةِ أَحْرَارٍ مِنْ قَبْلٍ وَاسْتِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ رَدِّ سِلَاحٍ ، وَبِخِلَافِ مَالٍ بِلَا رِضًى غَانِمٍ ، لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ بِحَالٍ ، فَمَا فَعَلَهُ تَعَيَّنَ ، وَإِنْ تَرَدَّدَ نَظَرُهُ فَالْقَتْلُ أَوْلَى ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا لِلْإِمَامِ عَمَلُ الْمَصْلَحَةِ فِي مَالٍ وَغَيْرِهِ كَعَمَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مَكَّةَ ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءُ مُسْلِمٍ ، بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْحَرْبِيِّ ، لِبَقَاءِ نَسَبِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ وَلَاءٍ لِذِمِّيٍّ .

وَلَا يُبْطِلُ اسْتِرْقَاقٌ حَقًّا لِمُسْلِمٍ ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَا عَمَلَ لِسَبْيٍ إلَّا فِي مَالٍ ، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ قَوَدٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ ، وَفِي سُقُوطِ دَيْنِ مَنْ فِي ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ كَذِمَّةِ مَرِيضٍ احْتِمَالَانِ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ ، فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ ، وَإِنْ غَنِمَا مَعًا فَهُمَا لِغَانِمٍ وَدَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَقِيلَ .

إنْ زَنَى مُسْلِمٌ بِحَرْبِيَّةٍ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ سُبِيَتْ لَمْ تُسْتَرَقَّ ، كَحَمْلِهَا مِنْهُ ، وَفِي اسْتِرْقَاقِ مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ رِوَايَتَانِ ( م 5 ) وَفِيهِمْ قَالَ الْخِرَقِيُّ : لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ، قَالَ فِي الْوَاضِحِ : يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُفَادَاةٍ وَمَنٍّ كَمُرْتَدٍّ ، وَزَادَ فِي الْإِيضَاحِ : أَوْ الْفِدَاءِ وَفِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ كَالْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ وَرِوَايَةٌ : يُخَيَّرُ .
وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ : يُجْبَرُ الْمَجُوسِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ .
وَإِنْ شَهِدَ الْفِدَاءَ شَهِدَ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : يَشْهَدُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْحَجِّ ، فَإِنْ أَسْلَمُوا امْتَنَعَ الْقَتْلُ فَقَطْ ، وَجَازَ الْفِدَاءُ لِيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ الرِّقِّ ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ ، أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ إلَّا أَنْ تَمْنَعَهُ عَشِيرَةٌ وَنَحْوُهَا ، وَنَصُّهُ : تَعْيِينُ رِقِّهِمْ وَإِنْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ قُبِلَتْ .
وَلَمْ تُسْتَرَقَّ زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ بَالِغٌ

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَفِي اسْتِرْقَاقِ مَنْ " لَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ رِوَايَتَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ ، وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ : هَذَا أَصَحُّ .
وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ .
( تَنْبِيهَانِ ) ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " وَفِيهِمْ قَالَ الْخِرَقِيُّ .
لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَزَادَ فِي الْإِيضَاحِ : أَوْ الْفِدَاءُ " ، انْتَهَى .
الَّذِي فِي الْخِرَقِيِّ كَاَلَّذِي فِي الْإِيضَاحِ مِنْ ذِكْرِ الْفِدَاءِ ، فَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ مَا فِيهَا ذِكْرُ الْفِدَاءِ ، أَوْ أَرَادَ غَيْرَ الْخِرَقِيِّ فَسَبَقَ الْقَلَمَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ .
" فَإِنْ أَسْلَمُوا امْتَنَعَ الْقَتْلُ وَجَازَ الْفِدَاءُ ، وَنَصُّهُ تَعْيِينُ رِقِّهِمْ " ، انْتَهَى .
مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ ، وَالْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ

وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَخْيِيرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَمُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ فِي قَوَدٍ وَدِيَةٍ ، لَكِنْ لَا قَوَدَ مَعَ شُبْهَةِ التَّأْوِيلِ ، وَفِي الدِّيَةِ الْخِلَافُ ( و ش ) وَغَيْرُهُ ، كَبَاغٍ ، أَوْ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ مَنْ قَتَلَ بِدَارِ حَرْبِ مَنْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا ، وَهَذَا أَوْلَى ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْبَاغِي ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ( و ش ) .
{ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ خُرُوجِهِ خَالِدًا لَمَّا رَجَعَ مِنْ هَدْمِ الْعُزَّى وَقَتَلَ الْمَرْأَةَ السَّوْدَاءَ الْعُرْيَانَةَ النَّاشِرَةَ الرَّأْسِ وَهِيَ الْعُزَّى ، وَكَانَتْ بِنَخْلَةٍ لِقُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ .
وَبَعَثَهُ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا : أَسْلَمْنَا ، فَقَالُوا : صَبَأْنَا ، صَبَأْنَا ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ .
وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا بِإِسْلَامٍ فَقَتَلَهُمْ ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ مَعَهُ ، كَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَابْنِ عُمَرَ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ } مَرَّتَيْنِ .
وَبَعَثَ عَلِيًّا بِمَالٍ فَوَدَاهُمْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ ، وَضَمِنَ لَهُمْ مَا تَلِفَ وَكَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ { مَهْلًا يَا خَالِدُ ، دَعْ عَنْكَ أَصْحَابِي ، لَوْ كَانَ لَك أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمَّ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْت غَدْوَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا رَوْحَتَهُ } .

وَاحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا عَلَى تَوْرِيثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرْقَى مِنْ الْآخَرِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ ، فَلَمَّا دَهَمَتْهُمْ الْخَيْلُ اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ ، فَقَتَلُوهُمْ فَوَدَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ دِيَاتِهِمْ } لِوُقُوعِ الْإِشْكَالِ فِيهِمْ هَلْ أَسْلَمُوا فَيَلْزَمُهُ إكْمَالُ دِيَاتِهِمْ أَمْ لَا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ ؟ فَجَعَلَ فِيهِمْ نِصْفَ دِيَاتِهِمْ ، وَكَذَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ السَّاقِطِ مَيِّتًا ، وَالصَّاعِ فِي مُقَابَلَةِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانُوا كَمَنْ مَاتَ بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ .
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ : الْأُمَّةُ يَقَعُ مِنْهَا التَّأْوِيلُ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ ، ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَةَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ ، وَخَبَرُ الْمِقْدَادِ ، قَالَ : فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَضْمَنْ الْمَقْتُولُ ، بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ مُتَأَوِّلًا ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا ، وَكَمَا لَا يَلْزَمُ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ .
وَقَالَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ : إنَّك مُنَافِقٌ .
وَقَالَ عُمَرُ عَنْ حَاطِبٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ، وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الدِّخْشَنِ : إنَّهُ مُنَافِقٌ ، وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا .
وَفِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّ بَعْضَهُمْ لَعَنَ رَجُلًا يُدْعَى حِمَارًا لِكَثْرَةِ شُرْبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ : لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَلَمْ يُعَاقِبْهُ لِلَعْنِهِ لَهُ ، فَالْمُتَأَوِّلُ الْمُخْطِئُ مَغْفُورٌ لَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ : كَانُوا أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ الْعِصْمَةُ الْمُؤْثِمَةُ دُونَ الْمُضَمِّنَةِ ، كَذُرِّيَّةِ حَرْبٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا بَعْدَ ذَلِكَ قِصَّةَ خَالِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ التَّضْمِينِ الْمُخَالِفِ عِنْدَهُ لِقِصَّةِ أُسَامَةَ ، بَلْ قَالَ : إنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ كَمَا وَقَعَ مِنْ أُسَامَةَ ، فَدَلَّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ، فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ : ظَاهِرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لَا تَضْمِينَ ، وَقِصَّةُ خَالِدٍ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ ، أَنَّ التَّضْمِينَ لَيْسَ فِي الْمُسْنَدِ ، وَلَا الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَوْ يُقَالُ : قِصَّةُ خَالِدٍ فِيهَا التَّضْمِينُ وَفِي قِصَّةِ أُسَامَةَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، وَمِثْلُ أُسَامَةَ يَعْلَمُهُ كَمَا يَعْلَمُ الْكَفَّارَةَ ، وَلَمْ يُطَالِبْ إمَّا لِعُسْرَتِهِ ، أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَيْتُ الْمَالِ ، وَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ مَجَّانًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا هَذَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ بَاغِيًا فِي غَيْرِ حَرْبٍ مُتَأَوِّلًا لَا شَيْءَ فِيهِ ، وَأَنَّ قَتْلَ الْبَاغِي لِلْعَادِلِ كَذَلِكَ لِلتَّأْوِيلِ ، وَذُكِرَ فِي مَكَان آخَرَ قَتَلَ خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ النُّوَيْرَةِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ أَبُو بَكْرٍ ، كَمَا أَنَّ أُسَامَةَ لَمَّا قَتَلَ لَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً ، وَكَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ بَنِي جَذِيمَةَ لَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّأْوِيلِ ، وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ أَسِيرٌ بِبَيِّنَةٍ .

وَالْأَسِيرُ الْقِنُّ غَنِيمَةٌ وَلَهُ قَتْلُهُ ، وَمَنْ فِيهِ نَفْعٌ لَا يُقْتَلُ كَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَعْمَى رَقِيقٍ بِالسَّبْيِ ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا دِيَةَ فِي قَتْلِهِ .
وَفِي الْوَاضِحِ : مَنْ لَا يَقْتُلُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ يُخَيَّرُ فِيهِ بِغَيْرِ قَتْلٍ ، وَفِي الْبُلْغَةِ : الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ ، وَغَيْرُهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ .
قَالَ : وَلَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ قَتْلُ أَبِيهِ وَابْنِهِ ، وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ ، فَهَدَرٌ ، وَمَتَى صَارَ لَنَا رَقِيقًا مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ حَرُمَ مُفَادَاتُهُ بِمَالٍ وَبَيْعُهُ لِكَافِرٍ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، وَعَنْهُ : فِي الْبُلَّغِ ، وَعَنْهُ : غَيْرَ امْرَأَةٍ .
وَيَجُوزُ مُفَادَاتُهُ بِمُسْلِمٍ ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ بِصَغِيرٍ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَعْقُوبُ : لَا يُرَدُّ صَغِيرٌ وَنِسَاءٌ إلَى كُفَّارٍ .
وَفِي الْبُلْغَةِ فِي مُفَادَاتِهِمَا بِمُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ ، وَلَا يُرَدُّ مُسْلِمٌ وَمُسْلِمَةٌ .

وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسٍ ، وَرَمْيُهُ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي رَمْيِهِ : لَا يَفْعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ ، وَعَنْهُ إنْ مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِمْ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ .
قَالَ شَيْخُنَا : الْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ ، فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ ، وَلَهُمْ تَرْكُهَا وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ ، وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ [ بِهِمْ زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ ] الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ ، أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ ، فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ ، وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالصَّبْرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ ، كَمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ ، وَيَحْرُمُ الْجَزَعُ ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إنْ مَثَّلَ الْكَافِرُ بِالْمَقْتُولِ جَازَ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ وَالتَّمْثِيلَ بِهِمْ حَرَامٌ .

وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَفِي نُسْخَةٍ حَسَنٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرُوا جَسَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ ، رَوَاهُ الْحَجَّاجُ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ ، قَالَ غَيْرُهُ : ابْنُ أَبِي لَيْلَى ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ .
وَقَالَ الْعِجْلِيُّ : جَائِزٌ الْحَدِيثُ .
وَضَعَّفَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَا : مُنْقَطِعٌ ، لِأَنَّ الْحَكَمَ سَمِعَ مِنْ مِقْسَمٍ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَعِنْدَهُ : { ادْفَعُوا إلَيْهِمْ جِيفَتَهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ } فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا ، وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ { فَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ } .

وَإِذَا حَصَرَ حِصْنًا لَزِمَهُ عَمَلُ الْمَصْلَحَةِ مِنْ مُصَابَرَتِهِ وَالْمُوَادَعَةِ بِمَالٍ وَالْهُدْنَةِ بِشَرْطِهَا .
نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ عَدْلٍ مُجْتَهِدٍ فِي الْجِهَادِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ جَازَ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : بِشَرْطِ صِفَاتِ الْقَاضِي إلَّا الْبَصَرَ ، وَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِالْأَحَظِّ لَنَا ، وَحُكْمُهُ لَازِمٌ ، وَقِيلَ : بِغَيْرِ مَنٍّ ، وَقِيلَ : فِي نِسَاءٍ وَذُرِّيَّةٍ ، وَلِلْإِمَامِ أَخْذُ فِدَاءٍ مِمَّنْ حُكِمَ بِرِقِّهِ أَوْ قَتْلِهِ ، وَلَهُ الْمَنُّ مُطْلَقًا .
وَفِي الْكَافِي وَالْبُلْغَةِ : يَمُنُّ عَلَى مَحْكُومٍ بِرِقِّهِ بِرِضَى غَانِمٍ .
وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ حُكْمِهِ فَمُسْلِمٌ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، فَيَعْصِمُ نَفْسَهُ ، وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَمَالَهُ حَيْثُ كَانَا ، وَمَنْفَعَةٌ بِإِجَارَةٍ لِأَنَّهَا مَالٌ ، وَحَمْلُ امْرَأَتِهِ لَا هِيَ ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا .
وَفِي الْبُلْغَةِ يَنْقَطِعُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ وَيُحْتَمَلُ : لَا ، بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ ، وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ حُكْمُهُ ، فَإِنْ كَانَ بِقَتْلٍ وَسَبْيٍ عَصَمَ نَفْسَهُ لَا مَالَهُ ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ( م 6 ) وَإِنْ سَأَلُوا أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ ، وَخُيِّرَ ، كَأَسْرَى .
وَفِي الْوَاضِحِ : يُكْرَهُ .
وَفِي الْمُبْهِجِ : لَا يُنْزِلُهُمْ ، لِأَنَّهُ كَإِنْزَالِهِمْ بِحُكْمِنَا وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ ، وَلَوْ كَانَ بِهِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ عُقِدَتْ مَجَّانًا وَحَرُمَ رِقُّهُ .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ " وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَزِمَ حُكْمُهُ ، فَإِنْ كَانَ بِقَتْلٍ وَسَبْيٍ عَصَمَ نَفْسَهُ لَا مَالَهُ ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ " انْتَهَى .
تَبِعَ صَاحِبُ الْكَافِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا يُسْتَرَقُّونَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يُسْتَرَقُّونَ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ وَمَالَ إلَيْهِ .
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32