كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ عَمْدًا : مِثْلُ أَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَنَصُّهُ تَبْطُلُ ، وَعَنْهُ لَا ، ذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ أَشْهَرُ ، كَسَاهٍ وَجَاهِلٍ ، فَعَنْهُ تَلْغُو الرَّكْعَةُ ، لَا الْكُلُّ ( و هـ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ فِيهَا ، وَعَنْهُ لَا ( و ش ) كَرُكْنٍ غَيْرِ الرُّكُوعِ ( م 6 )

( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ عَمْدًا مِثْلَ إنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَنَصُّهُ تَبْطُلُ ، وَعَنْهُ لَا ، ذَكَرَ التَّلْخِيصُ أَنَّهُ أَشْهَرُ كَسَاهٍ وَجَاهِلٍ ، فَعَنْهُ تَلْغُو الرَّكْعَةُ ، لَا الْكُلُّ ، وَعَنْهُ لَا ، كَرُكْنٍ غَيْرِ الرُّكُوعِ انْتَهَى ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى ) إذَا سَبَقَهُ بِرُكْنٍ عَمْدًا فَهَلْ تَبْطُلُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْبِدَايَةِ ، وَالْمُذْهَبِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْمُقْنِعِ ، وَالشَّرْحِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى إحْدَاهُمَا تَبْطُلُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ ، وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَغَيْرُهُ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَبْطُلُ ، وَذَكَرَ فِي التَّخْلِيصِ أَنَّهُ أَشْهَرُ .
( تَنْبِيهٌ ) حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ ، وَكَذَا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَحَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ .
( الْمَسْأَلَةَ 7 الثَّانِيَةَ ) إذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ فَهَلْ تَلْغُو تِلْكَ الرَّكْعَةُ أَمْ لَا ؟ وَكَذَا حُكْمُ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمْ ، فَذَكَرَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ : الْعَامِدَ إذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، وَالْجَاهِلَ ، وَالنَّاسِيَ إحْدَاهُمَا تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيُعِيدُ الرَّكْعَةَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَالنَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ فِي

الْمُغْنِي ، وَالْمُجْتَهِدِ ، وَالشَّرْحِ ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَمَنْ سَبَقَ إمَامَهُ بِرُكْنٍ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ وَلَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ انْتَهَى ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَبْطُلُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ .
( تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : وَلِعُذْرٍ يَفْعَلُهُ وَيَلْحَقُهُ ، وَفِي اعْتِدَادِهِ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الرِّوَايَتَانِ يَعْنِي اللَّتَيْنِ فِي الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي ، وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا لَكِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا فَاتَهُ مَعَ إمَامِهِ ، فَإِنْ أَتَى بِهِ صَحَّتْ رَكْعَتُهُ ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يُعْتَدُّ بِهَذَا السُّجُودِ فَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ، ثُمَّ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ الْخِلَافُ ، مُرَادُهُ بِالْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجُمُعَةِ ، وَصَحَّحَ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فَقَالَ هُنَاكَ كَمَنْ أَتَى بِالسُّجُودِ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَفِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةَ الْخِلَافُ ، هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ سَجَدَ سُجُودًا مُعْتَدًّا بِهِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ .
( الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ تَبِعَهُ وَمَضَى كَمَسْبُوقٍ ، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيَتِمُّ لَهُ جُمُعَةٌ ، أَوْ بِثَلَاثٍ يَتِمُّ لَهُ رُبَاعِيَّةٌ ، أَوْ يَسْتَأْنِفُهَا ، عَلَى الرِّوَايَاتِ انْتَهَى ، الرِّوَايَاتُ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتِمُّ لَهُ جُمُعَةٌ ، وَرُبَاعِيَّةٌ ، وَلَنَا رِوَايَةٌ لَا تَصِحُّ لَهُ جُمُعَةٌ ، وَلَا يَتِمُّ لَهُ رُبَاعِيَّةٌ وَرِوَايَةٌ بِالْبُطْلَانِ فَيَسْتَأْنِفُهَا .
( الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ وَقِيلَ ذَا حُرْمَةٍ : صَوَابُهُ ذِي حُرْمَةٍ .
( الْخَامِسُ ) قَوْلُهُ فِي أَحْكَامِ الْجِنِّ لَكِنْ تَزْوِيجُ الْجِنِّ بِآدَمِيَّةٍ ، وَتَزْوِيجُ آدَمِيٍّ بِجِنِّيَّةٍ ، يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَرَأَيْت مَنْ يَقُولُ ظَاهِرُ الْخَبَرِ

النَّفْيُ ، وَرَأَيْت مَنْ يَعْكِسُ ذَلِكَ ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فِي الْجَنَّةِ فَهَلْ يَلْزَمُ جَوَازُهُ فِي الدُّنْيَا ؟ فِيهِ نَظَرٌ ، انْتَهَى ، فَيُحَرَّرُ ذَلِكَ .
( السَّادِسُ ) قَوْلُهُ : وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُمْ فِي بَعْضِ الْعُمُومَاتِ فَمَا الْفَرْقُ ؟ وَمَا وَجْهُ عَدَمِ التَّخْصِيصِ ؟ كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ وَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِإِسْقَاطِ لَفْظَةِ عَدَمِ ، أَوْ مَا وَجْهُ عَدَمِ التَّعْمِيمِ .
( السَّابِعُ ) قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ لَفْظَةِ مَنْ ، كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ بِإِسْقَاطِ لَفْظَةِ لَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ

وَإِنْ سَبَقَهُ بِرَكْعَتَيْنِ عَمْدًا فَرَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَهَوَى إلَى السُّجُودِ قَبْلَ رَفْعِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَطَلَ ، وَنَاسِيًا وَجَاهِلًا تَبْطُلُ الرَّكْعَةُ مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ .
وَالرُّكُوعُ كَرُكْنٍ ( و هـ ش ) وَعَنْهُ كَاثْنَيْنِ .

فَصْلٌ وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ فَكَالسَّبْقِ بِهِ ، وَمَعَ الْعُذْرِ يَفْعَلُهُ وَيَلْحَقُهُ ، وَفِي اعْتِدَادِهِ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الرِّوَايَتَانِ ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ ، وَلِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ وَتَبِعَهُ وَصَحَّتْ رَكْعَتُهُ ، وَإِلَّا تَبِعَهُ وَلَغَتْ رَكْعَتُهُ .
وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِوَضٌ ( و م ش ) لِتَكْمِيلِ رَكْعَةٍ مَعَ إمَامِهِ عَلَى صِفَةِ مَا صَلَّاهَا ، وَعَنْهُ يَحْتَسِبُ بِالْأُولَى .

قَالَ فِي مَزْحُومٍ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ إمَامِهِ حَتَّى فَرَغَ قَالَ : يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى وَيَقْضِي رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ، لِصِحَّةِ الْأُولَى ابْتِدَاءً ، فَلَغَا الثَّانِي كَرُكُوعَيْنِ ، وَعَنْهُ يَتْبَعُهُ مُطْلَقًا ، وُجُوبًا ، وَتَلْغُو أُولَاهُ ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ ( و هـ ) فَيُكْمِلُ الْأُولَى وُجُوبًا ( خ هـ ) وَيَقْضِي الثَّانِيَةَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَسْبُوقٍ ، لَا قَبْلَهُ ( هـ ) وَعَنْهُ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِمَامُ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَتَلْغُوَ الْأُولَى عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى ، وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ ، فَيَتِمْ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ ، يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ ، وَلَمْ يَقُلْ بِالتَّلْفِيقِ فِيمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُعْتَبَرٍ ، وَقِيلَ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَذَا السُّجُودِ ، فَيَأْتِيَ بِسَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي تَشَهُّدِهِ وَإِلَّا عِنْدَ سَلَامِهِ .
ثُمَّ فِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةِ الْخِلَافُ ، وَإِنْ ظَنَّ تَحْرِيمَ مُتَابَعَةِ إمَامِهِ فَسَجَدَ جَهْلًا اعْتَدَّ بِهِ كَسُجُودِهِ بِظَنِّ إدْرَاكِ الْمُتَابَعَةِ فَفَاتَتْ ، وَقِيلَ لَا يَعْتَدُّ بِهِ ، لِأَنَّ فَرْضَهُ الرُّكُوعُ وَلَمْ تَبْطُلْ ، لِجَهْلِهِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَفِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةَ الْخِلَافُ ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ فِيهِ وَتَمَّتْ جُمُعَةٌ ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ تَبِعَهُ وَقَضَى ، كَمَسْبُوقٍ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُتِمُّ جُمُعَةً ، أَوْ بِثَلَاثٍ يُتِمُّ بِهَا رُبَاعِيَّةً ، أَوْ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ ، وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِسُجُودِهِ إنْ أَتَى بِهِ ، ثُمَّ إنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ تَبِعَهُ وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ أُولَاهُ أَدْرَكَ بِهَا جُمُعَةً ، وَإِنْ أَدْرَكَ بَعْدَ رَفْعِهِ تَبِعَهُ فِي السُّجُودِ ، فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ

وَالْمُتَابَعَةُ مَعًا ، وَيَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِهَا ، وَقِيلَ لَا يَعْتَدُّ بِهِ ، لِأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ لِلْإِمَامِ مِنْ رَكْعَةٍ ، فَلَوْ اعْتَدَّ بِهِ لِلْمَأْمُومِ مِنْ غَيْرِهَا اخْتَلَّ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ ، فَيَأْتِي بِسُجُودٍ آخَرَ وَإِمَامُهُ فِي التَّشَهُّدِ ، وَإِلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ .
وَمَنْ تَرَكَ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ تَابَعَهُ وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ ( هـ ) وَكَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا صُلِّيَتْ كَمَا اخْتَارَهُ ( هـ ) فَإِنَّهُ سَوَّى فِيهَا بَيْنَ الْمَسْبُوقِ وَاللَّاحِقِ وَعَنْهُ تَبْطُلُ .

فَصْلٌ وَإِنْ عَلِمَ بِدَاخِلٍ فِي الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي الْخِلَافِ لَا فِي السُّجُودِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَعْتَدُّ [ لَهُ ] بِهِ ، وَقِيلَ إذَا أَحْرَمَ ، وَقِيلَ مِنْ عَادَتِهِ يُصَلِّي مَعَهُ سُنَّ انْتِظَارُهُ مَا لَمْ يَشُقَّ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَوْ يَكْثُرُ الْجَمْعُ ، وَقِيلَ أَوْ يُطَوِّلُ وَعَنْهُ يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَعَنْهُ يُكْرَهُ ( و هـ م قِ ) وَيَتَوَجَّهُ بُطْلَانُهَا تَخْرِيجٌ مِنْ تَشْرِيكِهِ فِي نِيَّةِ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَتَخْرِيجٌ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُنَا فِي تِلْكَ ، وَيُسَنُّ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ مَعَ إتْمَامِهَا ، مَا لَمْ يُوتِرْ الْمَأْمُومُ .
وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى نَصَّ عَلَيْهِ ( ش ) لَا مِنْ الْفَجْرِ فَقَطْ ( ش هـ ) لِعُذْرِهِمْ بِالنَّوْمِ فِيهَا ، وَمِثْلُهُ فِي التَّعْلِيقِ فِي التَّثْوِيبِ لِلْفَجْرِ ، وَيَتَوَجَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ بِالْآيَاتِ أَمْ بِالْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ كَعَاجِزٍ عَنْ الْفَاتِحَةِ ؟ ؟ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا أَثَرَ لِتَفَاوُتٍ يَسِيرٍ ، وَلَوْ فِي تَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى ، لِأَنَّ ( الْغَاشِيَةَ ) أَطْوَلُ مِنْ ( سَبِّحْ ) وَسُورَةَ ( النَّاسِ ) أَطْوَلُ مِنْ ( الْفَلَقِ ) وَصَلَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا كُرِهَ ، وَإِنْ طَوَّلَ قِرَاءَةَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَقَالَ أَحْمَدُ يَجْزِيهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ .
وَيُكْرَهُ سُرْعَةٌ تَمْنَعُ الْمَأْمُومَ مِمَّا يُسَنُّ .
وَقَالَ شَيْخُنَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ ، إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ وَنَحْوَهُ .
وَقَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ ، وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ غَالِبًا مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَفْعَلَهُ غَالِبًا ، وَيَزِيدَ وَيُنْقِصَ لِلْمَصْلَحَةِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ أَحْيَانًا

وَبَيْتُ الْمَرْأَةِ خَيْرٌ لَهَا ( ق ) أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لِلْأَخْبَارِ الْخَاصَّةِ فِي النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَطْلَقَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِخَمْسِينَ أَلْفًا وَبِالْأَقْصَى نِصْفِهِ ، لِخَبَرِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا وَفِيهِ { صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ ، وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً ، وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجْمِعُ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ } وَلَا يَصِحُّ ، مَعَ أَنَّ فِيهِ أَنَّ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفًا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ صَلَاةِ النِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ ، فَلَا تَعَارُضَ ، وَكَذَا مُضَاعَفَةُ النَّفْلِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا ، كَذَا قَالُوا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُمْ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ أَنَّ النَّفَلَ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ ، لِلْأَخْبَارِ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مُرَادٌ ، لِأَنَّهُ السَّبَبُ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ ، أَوْ إلَى غَيْرِ الْبُيُوتِ فَلَمْ تَدْخُلْ الْبُيُوتُ فَلَا تَعَارُضَ ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ مَسْجِدٍ غَيْرِهَا .
وَرَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا هَارُونُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ { أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ، إنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَك ، قَالَ : قَدْ عَلِمْت أَنَّك تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُك فِي بَيْتِك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِك فِي حُجْرَتِك ، وَصَلَاتُك فِي حُجْرَتِك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِك فِي دَارِك ، وَصَلَاتُك فِي مَسْجِدِ قَوْمِك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِك فِي مَسْجِدِي قَالَ : فَأَمَرَتْ

فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بَيْتِهَا ، وَاَللَّهِ ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ ، حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ } لَمْ أَجِدْ فِي رِجَالِهِ طَعْنًا ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَفَرَّدَ بِهِ دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ حَالُهُمْ حَسَنٌ .
وَأَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ ، وَأَطْلَقُوا التَّفْضِيلَ فِي الْمَسَاجِدِ .
وَقَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ، وَخَصَّهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالْفَرْضِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَكَذَا نَقَلَ أَبُو دَاوُد أَنَّهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفٍ ، وَيَتَوَجَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ ، إلَّا مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، فَإِنَّهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْهُ ، بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ وَبِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفٍ فِي غَيْرِهِ ، وَأَنَّهَا مُضَاعَفَةٌ فِي الْأَقْصَى بِلَا حَدٍّ ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ خَبَرَ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
وَقَالَهُ الصَّرْصَرِيُّ فِي نَظْمِهِ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَزَادَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ } وَلِأَحْمَدَ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، فَذَكَرَ مِثْلَ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ { وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا } حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ

مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ شَيْخُنَا : فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَبِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِأَلْفٍ ، وَأَنَّ الصَّوَابَ فِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَهُ ابْنُ الْبَنَّا : فِي أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُ نَفْسُ الْمَسْجِدِ ، وَمَعَ هَذَا فَالْحَرَمُ أَفْضَلُ مِنْ الْحِلِّ ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةً انْفَرَدَ بِهَا أَحْمَدُ ، قَالَ : وَفِيهِ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحِلِّ } وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَابْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ، قَالَ فَعَلَى هَذَا : الْمَعْنَى بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ ، ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ : مُرَادُهُمْ فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْأَحْكَامِ وَقَدْ يَتَوَجَّهُ مِنْ هَذَا حُصُولُ الْمُضَاعَفَةِ بِالْحَرَمِ ، كَنَفْسِ الْمَسْجِدِ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ أَصْحَابِنَا ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَالْمَسْجِدِ فِي الْمُرُورِ قُدَّامَ الْمُصَلِّي وَغَيْرِهِ .

أَمَّا فَضِيلَةُ الْحَرَمِ فَلَا شَكَّ فِيهَا رُوِيَ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ( ح ) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَمْزَةَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ ، قَالَا : حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِبَنِيهِ : يَا بَنِيَّ اُخْرُجُوا مِنْ مَكَّةَ مُشَاةً حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى مَكَّةَ مُشَاةً ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا رَاحِلَتُهُ سَبْعِينَ حَسَنَةً ، وَلِلْمَاشِي سَبْعُونَ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ ؟ قَالَ الْحَسَنَةُ مِنْهَا بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ } ثُمَّ رُوِيَ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ أَبِي الدُّمَيْكِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ يَا بَنِيَّ اُخْرُجُوا مِنْ مَكَّةَ حَاجِّينَ مُشَاةً ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا رَاحِلَتُهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً وَلِلْمَاشِي بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ } ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَارَةِ : مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجُرْحَ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ انْتَهَى كَلَامُهُ ، فَهَذَانِ طَرِيقَانِ صَحِيحَانِ

وَيُكْرَهُ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ لَيْلًا وَنَهَارًا .
وَفِي الْمُغْنِي ظَاهِرُ الْخَبَرِ مَنْعُهُ مِنْ مَنْعِهَا ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : فَإِنْ خِيفَ فِتْنَةً نُهِيَتْ عَنْ الْخُرُوجِ وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عَائِشَةَ الْمَشْهُورِ قَالَ الْقَاضِي : مِمَّا يُنْكَرُ خُرُوجُهُنَّ عَلَى وَجْهٍ يَخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ ، وَذَكَرَ فِي خُرُوجِهِنَّ الْأَخْبَارَ بِالْوَعِيدِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : مَتَى خَشِيَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا مِنْهَا لِخَبَرِ عَائِشَةَ .
وَفِي النَّصِيحَةِ يُمْنَعْنَ مِنْ الْعِيدِ أَشَدَّ الْمَنْعِ مَعَ زِينَةٍ وَطِيبٍ وَمُفَتِّنَاتٍ ، وَقَالَ : مَنْعُهُنَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ عَنْ الْخُرُوجِ أَنْفَعُ لَهُنَّ وَلِلرِّجَالِ مِنْ جِهَاتٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ تَطَيُّبُهَا لِحُضُورِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ ، وَتَحْرِيمُهُ أَظْهَرُ ، لِمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَلَا تُبْدِي زِينَتَهَا إلَّا لِمَنْ فِي الْآيَةِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ ظُفْرُهَا عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَلَا تُبَيِّنُ شَيْئًا ، وَلَا خُفَّهَا فَإِنَّهُ يَصِفُ الْقَدَمَ " وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَجْعَلَ لِكُمِّهَا زِرًّا عِنْدَ يَدِهَا اخْتَارَ الْقَاضِي ، قَوْلَ مَنْ قَالَ : الْمُرَادُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الزِّينَةِ الثِّيَابُ ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ، لَا قَوْلَ مَنْ فَسَّرَهَا بِبَعْضِ الْحُلِيِّ ، أَوْ بِبَعْضِهَا ، فَإِنَّهَا الْخَفِيَّةُ ، قَالَ : وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ : الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ الثِّيَابُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا عَوْرَةٌ حَتَّى الظُّفْرَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي تَحْرِيمِ إلْبَاسِ الصَّبِيِّ الْحَرِيرِ أَنَّ كَوْنَهُمْ مَحِلَّ الزِّينَةِ مَعَ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ أَبْلَغُ فِي التَّحْرِيمِ ، وَلِذَلِكَ حَرُمَ عَلَى النِّسَاءِ التَّبَرُّجُ بِالزِّينَةِ لِلْأَجَانِبِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { { إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الْوَجْهُ وَبَاطِنُ الْكَفِّ } وَالسَّيِّدُ كَالزَّوْجِ وَأَوْلَى ، فَأَمَّا غَيْرُهُمَا : فَإِنْ قُلْنَا بِمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ رُشْدًا لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ : ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ،

لِأَنَّهُ قَيِّمٌ بِأُمُورِهِ ، فَلَا وَجْهَ لِحَضَانَتِهِ فَوَاضِحٌ ، لَكِنْ إنْ وُجِدَ مَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ شَرْعًا فَظَاهِرٌ أَيْضًا ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَيْسَ لِلْأُنْثَى أَنْ تَنْفَرِدَ ، وَلِلْأَبِ مَنْعُهَا مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ دُخُولِ مَنْ يُفْسِدُهَا وَيُلْحِقُ الْعَارَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا ، فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ .
وَقَوْلُ أَحْمَدَ الزَّوْجُ أَمْلَكُ مِنْ الْأَبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ قَامَ أَوْلِيَاؤُهَا مَقَامَهُ ، أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ ، وَالْمُرَادُ الْمَحَارِمُ اسْتِصْحَابًا لِلْحَضَانَةِ ، وَعَلَى هَذَا فِي رِجَالِ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْخَالِ وَالْحَاكِمِ .
الْخِلَافُ فِي الْحَضَانَةِ .
.

فَصْلٌ الْجِنُّ مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ ( ع ) يَدْخُلُ كَافِرُهُمْ النَّارَ ( ع ) وَيَدْخُلُ مُؤْمِنُهُمْ الْجَنَّةَ ( و م ش ) لَا أَنَّهُ يَصِيرُ تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ ، وَثَوَابُهُ النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ ( هـ ) وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَغَيْرِهِمْ بِقَدْرِ ثَوَابِهِمْ ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ فِيهَا ، أَوْ لِأَنَّهُمْ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إلَيْهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلَيْسَ مِنْهُمْ رَسُولٌ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَأَجَابُوا عَنْ قَوْله تَعَالَى { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ } الْآيَةَ أَنَّهَا كَقَوْلِهِ { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَكَقَوْلِهِ { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا } وَإِنَّمَا هُوَ فِي سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ قَوْلَانِ .
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مِنْهُمْ رَسُولًا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ : الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالتَّكْلِيفِ ، قَالَ : وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ إخْرَاجُ الْمَلَائِكَةِ عَنْ التَّكْلِيفِ ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ

وَقَالَ : فِي النَّوَادِرِ : وَتَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ بِالْمَلَائِكَةِ وَبِمُسْلِمِي الْجِنِّ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ زَمَنَ النُّبُوَّةِ ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْبَقَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا ، كَذَا قَالَا ، وَالْمُرَادُ فِي الْجُمُعَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ الْمَذْكُورِ ، لِأَنَّ الْمَذْهَبَ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِآدَمِيٍّ لَا تَلْزَمُهُ كَمُسَافِرٍ وَصَبِيٍّ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى .
وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ { إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضٍ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَتَيَمَّمْ ، فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَاهُ ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ جُنُودُ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ } رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ شَيْخُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ وَفِيهِ { فَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ ، يَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ ، وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ ، وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ } .

وَقَالَ شَيْخُنَا : لَيْسَ الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ ، فَلَا يَكُونُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ مُسَاوِيًا لِمَا عَلَى الْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ ، لَكِنَّهُمْ مُشَارِكُوهُمْ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ ، وَالنَّهْيِ ، وَالتَّحْلِيلِ ، وَالتَّحْرِيمِ ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، فَقَدْ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى مُنَاكَحَتِهِمْ وَغَيْرِهَا ، وَقَدْ يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا .
وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِجِنِّيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ كَالْهِبَةِ فَيَتَوَجَّهُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّمْلِيكِ مَنْعُ الْوَطْءِ ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } وَقَالَ سُبْحَانَهُ { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا } وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى ، وَمَنَعَ مِنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَجَوَّزَهُ مِنْهُمْ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ .
وَفِي مَسَائِلِ حَرْبٍ بَابِ مُنَاكَحَةِ الْجِنِّ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَإِسْحَاقَ كَرَاهَتُهَا ، وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ } وَعَنْ زَيْدٍ الْعَجَمِيِّ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جِنِّيَّةً أَتَزَوَّجُ بِهَا تُصَاحِبُنِي حَيْثُمَا كُنْت .
وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ شَيْئًا .
وَفِي كِتَابِ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَسَةِ لِأَبِي عُمَرَ سَعِيدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الرَّازِيِّ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الدِّينِ ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ إذَا وَجَدْت امْرَأَةً حَامِلًا فَقِيلَ مَنْ زَوْجُك قَالَتْ : فُلَانٌ مِنْ الْجِنِّ فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ ،

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ ، يَرَى مُخَّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ { وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ } .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَوْجَتَانِ مِنْ حُورِ الْعِينِ } وَهُوَ لِأَحْمَدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ } قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي حَدِيثِ الصُّوَرِ ، وَفِيهِ { فَيَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ } وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ، فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْمَدَنِيُّ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَجَمَاعَةٌ ، وَتَرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا مِمَّا فِيهِ نَظَرٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً } وَلَمْ أَجِدْ فِي الْأَخْبَارِ ذِكْرَ الْمُؤْمِنِ مِنْ الْجِنِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَقَدْ احْتَجَّ عَلَى دُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } الْآيَةَ فَإِنْ دَخَلُوهَا فَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَتَزَوَّجُ كَمَا يَتَزَوَّجُ الْآدَمِيُّ ، لَكِنَّ الْآدَمِيَّ كَمَا يَتَزَوَّجُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ يَتَزَوَّجُ مِنْ جِنْسِهِ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ مِنْ الْجِنِّ فَيَتَزَوَّجُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيَتَزَوَّجُ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ لَكِنْ تَزْوِيجُهُ بِآدَمِيَّةٍ وَتَزْوِيجُ الْآدَمِيِّ بِجِنِّيَّةٍ فِيهِ نَظَرٌ ، وَرَأَيْت مَنْ يَقُولُ ظَاهِرُ الْخَبَرِ

النَّفْيُ ، وَرَأَيْت مَنْ يَعْكِسُ ذَلِكَ ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فِي الْجَنَّةِ فَهَلْ يَلْزَمُ جَوَازُهُ فِي الدُّنْيَا ؟ فِيهِ نَظَرٌ ، وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ، وَفِي حَدِّ اللُّوطِيِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُ جِنِّيَّةٍ فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهَا فِي حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ كَالْآدَمِيَّةِ لِظَوَاهِرِ الشَّرْعِ ، إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ، وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ نِكَاحَ الْجِنِّيِّ لِلْآدَمِيَّةِ كَنِكَاحِ الْآدَمِيِّ لِلْجِنِّيَّةِ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ هُنَا ، وَإِنْ جَازَ عَكْسُهُ لِشَرَفِ جِنْسِ الْآدَمِيِّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِمَنْعِ كَوْنِ هَذَا الشَّرَفِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ .
وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَكْسُ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، لِأَنَّ الْجِنِّيَّ يُتَمَلَّكُ فَيَصِحُّ تَمْلِيكُهُ لِلْآدَمِيَّةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِجِنِّيٍّ صِحَّةُ ذَلِكَ ، وَلَا يَضُرُّ نَصُّهُ فِي الْهِبَةِ لِتُعْتَبَرَ الْوَصِيَّةُ بِهَا ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى ، لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ تَمْلِيكُ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيِّ فَمُؤْمِنُ الْجِنِّ أَوْلَى ، وَكَافِرُهُمْ كَالْحَرْبِيِّ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ ، وَيُبَايَعُ وَيُشَارَى ، إنْ مَلَكَ بِالتَّمْلِيكِ وَإِلَّا فَلَا ، فَأَمَّا تَمْلِيكُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فَمُتَوَجَّهٌ ، وَمَعْلُومٌ إنْ صَحَّ مُعَامَلَتُهُمْ وَمُنَاكَحَتُهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ قَاطِعٍ شَرْعِيٍّ ، وَيَقْطَعُهُ قَاطِعٌ شَرْعِيٌّ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ أَنَّ مَا بِيَدِهِمْ مِلْكُهُمْ مَعَ إسْلَامِهِمْ ، وَكَافِرُهُمْ كَالْحَرْبِيِّ وَيَجْرِي [ بَيْنَهُمْ ] التَّوَارُثُ الشَّرْعِيُّ ، وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ وَأَبِي الْبَقَاءِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْآدَمِيِّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ فِي الزَّكَاةِ كَالْآدَمِيِّ ، وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُمْ فِي بَعْضِ الْعُمُومَاتِ إجْمَاعًا كَآيَةِ الْوُضُوءِ وَآيَةِ الصَّلَاةِ فَمَا الْفَرْقُ ؟ وَمَا وَجْهُ

عَدَمِ الْخُصُوصِ ، وَلِهَذَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ الْجِنَّ لَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّادَ قَالَ لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرُ مَا يَكُونُ لَحْمًا ، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا ، فَإِنَّهَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ } وَأَنَّهُ فِي الصَّوْمِ كَالْآدَمِيِّ ، وَأَنَّهُ فِي الْحَجِّ كَذَلِكَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ظُلْمُ الْآدَمِيِّينَ ، وَظُلْم بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ : { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ ظَلَمَ وَتَعَدَّى بِمُخَالَفَةِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدْعُهُ وَزَجْرُهُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ ، إذْ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ مُتَعَيَّنٌ ، وَكَانَ شَيْخُنَا إذَا أُتِيَ بِالْمَصْرُوعِ وَعَظَ مَنْ صَرَعَهُ ، وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ ، فَإِنْ انْتَهَى وَفَارَقَ الْمَصْرُوعَ أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَعُودَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتَمِرْ وَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ ، ضَرَبَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ ، وَالضَّرْبُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الْمَصْرُوعِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَنْ صَرَعَهُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَتَأَلَّمْ مَنْ صَرَعَهُ بِهِ وَيَصِيحُ وَيُخْبِرُ الْمَصْرُوعُ إذَا أَفَاقَ أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَأَظُنُّ أَنِّي رَأَيْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَحْوَ فِعْلِ شَيْخِنَا ، وَالْأَثْبَتُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى مَصْرُوعٍ فَفَارَقَهُ ، وَأَنَّهُ عَاوَدَ بَعْدَ مَوْتِ أَحْمَدَ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ بِنَعْلِ أَحْمَدَ وَمَا قَالَ لَهُ ، فَلَمْ يُفَارِقْهُ ، لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ ضَرَبَهُ لِيَذْهَبَ ، فَامْتِنَاعُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ ،

فَلَعَلَّهُ لَمْ يَرَى الْمَحَلَّ قَابِلًا ، أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ ، أَوْ الْوَقْتُ ضَيِّقٌ ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ فِيهِ سَلَفًا ، فَتَوَرَّعَ عَنْهُ وَهَابَهُ ، أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ ، وَلَا تَنْبِيهَ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِذَا شُرِعَ رَدْعُ الظَّالِمَ وَالْمُتَعَدِّيَ مِنْهُمْ عُمِلَ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا ، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا } { وَلَمَّا عَرَضَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ فِي صَلَاتِهِ قَالَ أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ ، وَخَنَقَهُ } وَالْخَبَرُ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ فِي عُمُومَاتِ الشَّرْعِ عَمَّهُ كَلَامُ الْمُكَلَّفِ الْعَامِّ ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ ، لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، فَعَلَ مُدَّعِيهِ الدَّلِيلَ ، وَهَذَا وَاضِحٌ ، وَقَدْ احْتَجَّ الْقَاضِي فِي الْعُدَّةِ عَلَى الْعُمُومِ بِأَنَّ لَفْظَةَ ( مَنْ ) إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ : مَنْ عِنْدَك ، وَمَنْ كَلَّمْت ؟ صَحَّ أَنْ يُجِيبَ بِذِكْرِ كُلِّ عَاقِلٍ ، فَثَبَتَ أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ ( مَنْ ) فِي الْمُجَازَاةِ كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْته صَلَحَ أَنْ يُسْتَثْنَى أَيُّ عَاقِلٍ ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ لَمَا صَلَحَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنْ اللَّفْظِ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ ، أَلَا تَرَاهُ لَمَّا لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْعُقَلَاءِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُمْ ، فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صِيغَةَ ( مَنْ ) لِكُلِّ مَنْ يَعْقِلُ ، لِأَنَّ مَنْ يَعْقِلُ مِنْ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يَدْخُلُونَ فِيهِ قِيلَ : الصِّيغَةُ تَنَاوَلَتْ كُلَّ هَؤُلَاءِ ، وَإِنَّمَا خَرَجَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ، وَعَمَّنْ يَجُوزُ دُخُولُهُ ، كَذَا قَالَ ، وَتَحْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ

هَؤُلَاءِ لَا يَخْطِرُ بِبَالِ السَّائِلِ وَالْمُتَكَلِّمِ ، وَلَا يَتَوَهَّمُهُ ، فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَنْ يَخْطِرُ بِبَالِهِ لَمْ يُخَالِطْهُمْ ، أَوْ كَانَ الْقَائِلُ أَحَدَهُمْ جَازَ ، وَصَحَّ ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ ، وَمُرَادُ الْقَاضِي لَا يُخَالِفُ هَذَا ، وَكَذَا أَبُو الْخَطَّابِ لِمَا قِيلَ لَهُ : لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ لَا يُخْرِجُ إلَّا مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِيهِ لَحَسُنَ أَنْ يَقُولَ : مَنْ دَخَلَ دَارِي ضَرَبْته إلَّا الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ ، لِأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ لَفْظَةِ ( مَنْ ) قِيلَ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَإِذَا قُلْنَا ، لَا يَصِحُّ : فَالْمَنْعُ مِنْ دُخُولِهِمْ تَحْتَ اللَّفْظِ هُوَ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُرِدْهُمْ وَلَا عَنَاهُمْ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَائِدَةٌ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُتَكَلِّمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَنَاهُمْ وَأَرَادَهُمْ ، لِئَلَّا يَقَعَ الْكَلَامُ غَيْرَ مُفِيدٍ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ مُتَعَيَّنٌ ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : جَوَابٌ آخَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لَوْ أَخْرَجَ مَا لَوْلَاهُ لَصَحَّ دُخُولُهُ لَوَجَبَ إذًا اسْتِثْنَاءُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ فِي قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي ضَرَبْته يَصِحُّ وَيَصْلُحُ ، فَكُلُّ مَا يَلْزَمُنَا يَلْزَمُهُمْ مِثْلُهُ .
وَتَقَدَّمَ فِي الِاسْتِطَابَةِ كَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ خَالِيًا هِيَ مَسْأَلَةُ سَتْرِهَا عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ .
وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَجِبُ عَنْ الْجِنِّ ، لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ أَجَانِبُ ، وَكَذَا عَنْ الْمَلَائِكَةِ مَعَ عَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ ، لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَلَّفٌ ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّرْعُ فِي خَبَرِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ { يَحْفَظُهَا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ } وَهَذَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُضُورِهِمْ ، فَلَا يَرِدُ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ { إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا } ، وَتَقَدَّمَ هَلْ يَلْزَمُ الْغُسْلُ بِجِمَاعِ جِنِّيٍّ امْرَأَةٍ ؟

وَيَأْتِي : هَلْ [ يَسْقُطُ ] فَرْضُ غُسْلِ مَيِّتٍ بِغُسْلِهِمْ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فَرْضُ كُلِّ كِفَايَةٍ ، إلَّا الْآذَانَ فَيَتَوَجَّهُ سُقُوطُهُ ، لِقَبُولِ خَبَرِ صَادِقٍ فِيهِ ، وَلَا مَانِعَ ، لَا سِيَّمَا إذَا سَقَطَ بِصَبِيٍّ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي حِلِّ ذَبِيحَتِهِ كَذَلِكَ ، بَلْ تَحِلُّ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ ، وَلِعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ فِيهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ الْخَبَرَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ } فَقَالَ : وَقِيلَ مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَوْا دَارًا ، أَوْ اسْتَخْرَجُوا عَيْنًا ذَبَحُوا لَهَا ذَبِيحَةً لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ أَذًى مِنْ الْجِنِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : { وَذُكِرَ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ ، قَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، خَصَّ الْأُذُنَ لِأَنَّهَا حَاسَّةُ الِانْتِبَاهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : ظَهَرَ عَلَيْهِ وَسَخِرَ مِنْهُ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ، وَلِهَذَا لَمَّا سَمَّى ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي أَثْنَاءِ طَعَامِهِ قَاءَ الشَّيْطَانُ كُلَّ شَيْءٍ أَكَلَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، فَيَكُونُ بَوْلُهُ وَقَيْؤُهُ طَاهِرًا ، وَهَذَا غَرِيبٌ ، قَدْ يُعَايَا بِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

يُقَدَّمُ عَلَى الْأَفْقَهِ الْأَقْرَأُ ، جَوْدَةً ، وَقِيلَ : كَثْرَةً ، الْعَارِفُ وَاجِبُ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : وَسُجُودُ السَّهْوِ ، وَقِيلَ : وَجَاهِلٌ يَأْتِي بِهَا عَادَةً لِصِحَّةِ إمَامَتِهِ ( م ) وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّمَ عِلْمَ الطَّهَارَةِ وَعِلْمَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَقَدْ تَعَرَّضَ لِعَظِيمٍ ، وَعَنْهُ : يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ ( وَ ) وَلَيْسَ الْأَوْرَعُ بَعْدَهُمَا ( خ ) وَلَا بَعْدَ الْأَفْقَهِ ( م ) بَلْ بَعْدَهُمَا الْأَسَنُّ ، ثُمَّ الْأَشْرَفُ وَهُوَ الْقُرَشِيُّ ، ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً ، قِيلَ : بِنَفْسِهِ ، وَقِيلَ : بِآبَائِهِ ، وَقِيلَ : بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( م 1 ) ( و ش ) وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : الْأَقْدَمِ ، ثُمَّ الْأَسَنُّ ، ثُمَّ الْأَشْرَفُ ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ ، ثُمَّ الْأَسَنُّ .
وَفِي الْمُقْنِعِ عَكْسُهُ ، وَسَبْقُ الْإِسْلَامِ كَالْهِجْرَةِ ، ثُمَّ الْأَتْقَى ، وَالْأَوْرَعُ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمَانِ عَلَى الْأَشْرَفِ ، ثُمَّ اخْتِيَارُ الْجَمَاعَةِ فِي رِوَايَةٍ ، وَعَنْهُ : الْقُرْعَةُ ( م 2 ) وَقِيلَ : يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا الْقَائِمُ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ ، وَزَادَ : أَوْ يُفَضَّلُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُنْعَقِدَةِ فِيهِ ، وَلَمْ يُقَدِّمْ شَيْخُنَا بِالنَّسَبِ ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ ( هـ م ) .

.
بَابُ الْإِمَامَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً ، قِيلَ : بِنَفْسِهِ ، وَقِيلَ : بِآبَائِهِ ، وَقِيلَ : بِكُلٍّ مِنْهُمَا .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ فَقَالَ : الْهِجْرَةُ مُنْقَطِعَةٌ فِي وَقْتِنَا ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ بِهَا مَنْ كَانَ لِآبَائِهِ سَبْقٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَطَعَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَتْقَى ، ثُمَّ الْأَوْرَعُ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمَانِ عَلَى الْأَشْرَفِ ، ثُمَّ اخْتِيَارُ الْجَمَاعَةِ فِي رِوَايَةٍ ، وَعَنْهُ : الْقُرْعَةُ .
انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ يُقَدَّمُ اخْتِيَارُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْقُرْعَةِ ، أَوْ تُقَدَّمُ الْقُرْعَةُ بَعْدَ الْأَتْقَى عَلَى اخْتِيَارِ الْجَمَاعَةِ ؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُذَهَّبِ ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْكَافِي ، وَالْمُقْنِعِ ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْبُلْغَةِ ، وَالْإِفَادَاتِ ، وَالْوَجِيزِ ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : يُقَدَّمُ مَنْ اخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْقُرْعَةِ ، جَزَمَ بِهِ الْمُبْهِجُ ، وَالْإِيضَاحِ ، وَالنَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ : فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي التَّقْوَى قَرَعَ بَيْنَهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَقُومُ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَتَعَاهُدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ ، كَذَا إنْ رَضِيَ الْجِيرَانُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ ،

وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ قُدِّمَ أَعْمَرُهُمْ لِلْمَسْجِدِ ، وَمَا رَضِيَ بِهِ الْجِيرَانُ ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَالْقُرْعَةُ ، انْتَهَى وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : ثُمَّ بَعْدَ الْأَتْقَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ ، لِمَعْنًى مَقْصُودٍ شَرْعًا ، كَكَوْنِهِ أَعْمَرَ لِلْمَسْجِدِ ، أَوْ أَنْفَعَ لِجِيرَانِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعُودُ بِصَلَاحِ الْمَسْجِدِ وَأَهْلِهِ ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ ، انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ .

وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجَمَاعَةُ عُمِلَ بِالْأَكْثَرِ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا قِيلَ : يُقْرَعُ ، وَقِيلَ : يَخْتَارُ السُّلْطَانُ الْأَوْلَى ( م 3 ) ثُمَّ هَلْ اخْتِيَارُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِمْ ؟ [ فِيهِ ] احْتِمَالَانِ ( م 4 ) وَقِيلَ يُقَدَّمُ : بِحُسْنِ الْخُلُقِ ( و هـ م ) وَقِيلَ وَالْخِلْقَةِ ( و م ) وَزَادَ : وَبِحُسْنِ اللِّبَاسِ .
وَمُعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ أَوْلَى - فِي الْأَصَحِّ - مِنْ مُسْتَعِيرٍ وَمُؤَجَّرٍ ، وَصَاحِبُ الْبَيْتِ وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى مِنْ الْكُلِّ ( وَ ) وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : مَعَ التَّسَاوِي ، وَيُتَوَجَّهُ ، وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُمَا لِأَفْضَلَ مِنْهُمَا ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا ذُو سُلْطَانٍ فِي الْمَنْصُوصِ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ اسْتَوَوْا - يَعْنِي الْجِيرَانَ فِي الِاخْتِيَارِ - قِيلَ : يُقْرَعُ ، وَقِيلَ : يَخْتَارُ السُّلْطَانُ الْأَوْلَى ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا يَقْرَعُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَخْتَارُ السُّلْطَانُ الْأَوْلَى ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : ثُمَّ هَلْ اخْتِيَارُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِمْ ، فِيهِ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا قُلْنَا : يَخْتَارُ السُّلْطَانُ الْأَوْلَى ، فَهَلْ اخْتِيَارُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِمْ ، أَمْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ ؟ أَطْلَقَ احْتِمَالَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : اخْتِيَارُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِمْ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي : لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ .

فَصْلٌ لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ عَبْدٍ ( هـ م ) وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ ( وَ ) وَعَنْهُ : مَعَ التَّسَاوِي ، وَلَا إمَامَةُ مُقِيمٍ بِمُسَافِرٍ ( وَ ) وَيَجُوزُ خَارِجُ الْوَقْتِ ( هـ ) وَفِي الْفُصُولِ : إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَجْزِيَهُ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، لِوُقُوعِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُ بِلَا نِيَّةٍ ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُتَابَعَةِ لَزِمَهُ نِيَّةُ الْمُتَابَعَةِ ، كَنِيَّةِ الْجُمُعَةِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهَا ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجْزِيَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ حُكْمًا .

وَلَا تُكْرَهُ إمَامَةُ مُسَافِرٍ يَقْصُرُ بِمُقِيمٍ ، وَيُقَدَّمُ الْمُقِيمُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ كَانَ إمَامًا ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ : إنْ أَتَمَّ فَرِوَايَتَا مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ ، وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : لَيْسَ بِحَمِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، فَلَيْسَ بِمُتَنَفِّلٍ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ ، لِصِحَّةِ بِنَاءِ مُقِيمٍ عَلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ .
وَلَا إمَامَةُ بَدْوِيٍّ بِحَضَرِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ [ ( هـ م ) ] وَيُقَدَّمُ الْحَضَرِيُّ ، وَلَا إمَامَةُ أَعْمَى ( هـ ) وَيُقَدَّمُ الْبَصِيرُ ، وَعَنْهُ : الْأَعْمَى وَعَنْهُ : التَّسَاوِي ( و ش ) وَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى أَصَمَّ فَفِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ وَجْهَانِ ( م هـ ) وَلَا إمَامَةُ وَلَدِ زِنًا ( هـ ش ) وَقِيلَ : غَيْرُ رَاتِبٍ ( و م ) وَمَا فِي السُّنَنِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ } .
إنْ صَحَّ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : أَيْ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَقِيًّا فَلَيْسَ بِشَرِّ الثَّلَاثَةِ ، قَالَ : وَقِيلَ : وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ ، لِلْخَبَرِ ، وَفِي الْخِلَافِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ : لَا نَقُولُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَامٌّ ، وَالْمُرَادُ بِهِ : شَرُّ الثَّلَاثَةِ نَسَبًا فَإِنَّهُ لَا نَسَبَ لَهُ ، وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
خَالِدٌ هُوَ الطَّحَّانُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : لَا يَصِحُّ ، وَخَالِدٌ لَا يُعْرَفُ ، كَذَا قَالَ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَالزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ رَوَاهَا أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ، وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ .
وَلَا إمَامَةُ الْجُنْدِيِّ ، وَعَنْهُ : أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِهِ ، وَلَا - عَلَى الْأَصَحِّ - إمَامَةُ ابْنٍ بِأَبِيهِ ، وَفِي الْخِلَافِ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : لَا يَتَقَدَّمُهُ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ .
وَإِنْ أَذِنَ الْأَفْضَلُ لِلْمَفْضُولِ لَمْ

يُكْرَهْ فِي الْمَنْصُوصِ ، وَفِي رِسَالَةِ أَحْمَدَ فِي الصَّلَاةِ ، رِوَايَةُ مُهَنَّا : لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمُوا إلَّا أَعْلَمَهُمْ ، وَأَخْوَفَهُمْ ، وَإِلَّا لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ ، وَكَذَا فِي الْغُنْيَةِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : يَجِبُ تَقْدِيمُ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَوْ مَعَ شَرْطٍ وَاقِفٍ بِخِلَافِهِ ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَرْطٍ يُخَالِفُ [ شَرْطَ ] اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَبِدُونِ إذْنِهِ يُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : الْأَخْوَفُ إذَا ، أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ النَّصَّ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ : سِوَى إمَامِ الْمَسْجِدِ وَصَاحِبِ الْبَيْتِ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا سَبَقَ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : يُكْرَهُ ، وَقَدْ احْتَجَّ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى مَنْعِ إمَامَةِ الْأُمِّيِّ بِالْأَقْرَأِ بِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ ، فَإِذَا قُدِّمَ الْأُمِّيُّ خُولِفَ الْأَمْرُ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّهْيِ ، وَكَذَا احْتَجَّ فِي الْفُصُولِ مَعَ قَوْلِهِ : إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا اسْتَخْلَفَ أَنْ يُرَتِّبَ كَمَا يُرَتِّبُ الْإِمَامُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ إمَامَةٍ كَالْإِمَامِ الْأَوَّلِ ، وَيَأْتِي أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ أَصْلَحَ مَنْ يَجِدُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الْأَعْمَى أَصَمَّ فَفِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالنَّظْمِ ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا : يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ الشَّرْحُ وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَصِحُّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ .

فَصْلٌ .
تُكْرَهُ إمَامَةُ مَنْ يُصْرَعُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَمَنْ تُضْحِكُ صُورَتُهُ أَوْ رُؤْيَتُهُ وَقِيلَ : وَالْأَمْرَدُ ، وَفِي الْمُذَهَّبِ وَغَيْرِهِ : وَإِمَامَةُ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ ، فَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ : تُكْرَهُ إمَامَةُ الْمُوَسْوَسِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ عَامِّيٌّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا يُكْرَهُ ، وَلَمَّا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ : أُمَّ قَوْمَك قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي صَدْرِهِ ، ثُمَّ فِي ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ } .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ خَوْفَ الْكِبْرِ وَالْعَجَبِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْوَسْوَسَةَ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ الْمُوَسْوِسُ ، وَلِهَذَا { قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يُلْبِسُهَا عَلَيَّ ، فَقَالَ : ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْته فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِك ثَلَاثًا ، فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي } .
رَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : وَمَنْ تُضْحِكُ صُورَتُهُ .
كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَلَعَلَّهُ : وَمَنْ يُضْحِكُ صَوْتُهُ ، كَمَا هُوَ فِي الرِّعَايَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ .

وَتُكْرَهُ إمَامَةُ رَجُلٍ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَبِأَجْنَبِيَّاتٍ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ ، وَقِيلَ : نَسِيبًا لِإِحْدَاهُنَّ ، جَزَمَ [ بِهِ ] فِي الْوَجِيزِ ، وَقِيلَ مُحَرَّمًا ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ فِي الْجَهْرِ مُطْلَقًا ، كَذَا ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ، وَظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ ، فَيَكُونُ هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَا خَلْوَةَ فِيهِ ، فَلَا وَجْهَ إذَنْ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ نَسِيبًا ؛ وَمُحَرَّمًا ، مَعَ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا أَوْ بَعْضُهُمْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ ، وَالرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَمْنَعُ تَحْرِيمَهَا عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي آخِرَ الْعَدَدِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجِنْسَ ، فَلَا تَلْزَمُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، وَيُعَلَّلُ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ نَسِيبًا .

وَفِي الْفُصُولِ آخِرُ الْكُسُوفِ : يُكْرَهُ لِلشَّوَابِّ وَذَوَاتِ الْهَيْئَةِ الْخُرُوجُ ، وَيُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ ، فَإِنْ صَلَّى بِهِنَّ رَجُلٌ مَحْرَمٌ جَازَ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ .

وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَقِيلَ : دِيَانَةً ، وَقِيلَ : أَوْ اسْتَوَيَا وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجْهَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ : الْأَوْلَى تُكْرَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ : يُكْرَهُ لِخَلَلٍ فِي دِينِهِ أَوْ فَضْلِهِ ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُصُولِ وَالْغُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْمَذْهَبِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودُ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً إنَّمَا يَتِمُّ بِالِائْتِلَافِ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ } وَقَالَ { : اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَقُومُوا } وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ لِدُنْيَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَقِيلَ : تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ( خ ) لِخَبَرِ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ } أَبُو غَالِبٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ سَعِيدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَوَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : لَا بَأْسَ بِهِ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَسَبَقَ قَبْلَ آخِرِ فَصْلٍ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَيَّاجٍ .
عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَرْحَبِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً ، إمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا غَضْبَانُ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، عَنْ يَحْيَى ،

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى ، وَرَوَاهُ أَيْضًا وَجَعَلَ الثَّالِثَ { وَعَبْدٌ آبِقٌ مِنْ مَوَالِيهِ } وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الضِّيَا فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِهِ ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ ، وَسَبَقَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي دَارِ غَصْبٍ ، صَلَاةُ الْآبِقِ ، وَفِي اللِّبَاسِ : هَلْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ ؟ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ ، يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : أَتَى بِوَاجِبِ ، وَمُحَرَّمٍ يُقَاوِمُ صَلَاتَهُ ، فَلَمْ تُقْبَلْ ، إذْ الصَّلَاةُ الْمَقْبُولَةُ مَا يُثَابُ عَلَيْهَا ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : تُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ ، وَيُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي حَيْثُ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ .

الثَّانِي قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ [ لَهُ كَارِهُونَ ] قِيلَ : دِيَانَةً ، وَقِيلَ : أَوْ اسْتَوَيَا ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ : يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : يَكْرَهُونَهُ لِمَعْنًى فِي دِينِهِ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : فَإِنْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ لِسُنَّةٍ دِينِيَّةٍ فَلَا كَرَاهَةَ .
وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ أَحَدٌ قَوْمًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ دِيَانَةً ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ ، وَقِيلَ : دِيَانَةً ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّارِحُ بَعْدَمَا اسْتَدَلَّ لِكَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ : فَإِنْ اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ ، إزَالَةً لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُهُ لِخَلَلٍ فِي دِينِهِ أَوْ فَضْلِهِ ، أَوْ لِشَحْنَاءَ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَنَحْوِهِ ، فَأَمَّا إنْ كَرِهُوهُ لِسُنَّةٍ أَوْ دِينِهِ لِمِيلِهِمْ إلَى ضِدِّهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَصْبِرَ وَلَا يَلْتَفِتَ إلَى كَرَاهَتِهِمْ وَلَوْ جَهْرَةً ، انْتَهَى ، فَهَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْكِتَابِ : وَقِيلَ دِيَانَةً بِالْوَاوِ فَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ : حَيْثُ وُجِدَتْ الْكَرَاهَةُ مِنْ الْأَكْثَرِ ، أَوْ اسْتَوَوْا عَلَى الْقَوْلِ الْآخِرِ كُرِهَتْ إمَامَتُهُ ، سَوَاءٌ كَرِهُوهُ دِيَانَةً أَوْ لَا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِيمَا إذَا اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ ، وَكَجَمَاعَةٍ تَقَدَّمَ لَفْظُهُمْ ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَكْرَهُوهُ بِحَقٍّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : يَكْرَهُهُ لِخَلَلٍ فِي دِينِهِ

، أَوْ فَضْلِهِ ، وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ : قِيلَ دِيَانَةً بِغَيْرِ وَاوٍ فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : وَقِيلَ أَوْ اسْتَوَيَا ، عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ : أَكْثَرُهُمْ ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مُطْلَقٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ، لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ نَوْعُ خَفَاءٍ ، وَبَعْضُ نَقْصٍ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَكْرَهُونَهُ ، وَيُحْتَمَلُ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَنَا قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ ، وَهُوَ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَسَقَطَ مِنْ الْكَاتِبِ ، فَيَكُونُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَتُكْرَهُ إمَامَةُ لَحَّانٍ ، وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ : لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ ، وَكَذَا الْفَأْفَاءُ مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ وَالتَّمْتَامُ ، مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ وَمَنْ يَأْتِي بِحَرْفٍ وَلَا يُفْصِحُ بِهِ ، وَحَكَى قَوْلَهُ : لَا يَصِحُّ .

وَتُكْرَهُ إمَامَةُ أَقْلَفَ ، وَعَنْهُ : لَا تَصِحُّ بِهِ ، خِلَافًا لِلْجَمِيعِ كَبِمِثْلِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ( م 6 ) وَكَذَا أَقْطَعُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ هُمَا ( وَ ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَكَذَا تُكْرَهُ مَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ .
.

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَتُكْرَهُ إمَامَةُ أَقْلَفَ ، وَعَنْهُ : لَا تَصِحُّ ، كَبِمِثْلِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي أَنَّ إمَامَةَ الْأَقْلَفِ لَا تَصِحُّ بِالْمَخْتُونِ ، فَهَلْ تَصِحُّ بِمِثْلِهِ أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ فِيهِ ، أَحَدُهُمَا : تَصِحُّ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ لِلْمُصَنِّفِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِبْ الْخِتَانُ ، وَقِيلَ : تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَارِئٌ غَيْرَهُ .
وَقَالَ أَيْضًا : وَتَصِحُّ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ ، وَعَنْهُ : لَا تَصِحُّ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَأْخَذِ الْمَنْعِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَرْكُهُ الْخِتَانَ الْوَاجِبَ ، فَعَلَى هَذَا إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَوْ يَسْقُطُ الْقَوْلُ بِهِ لِضَرَرٍ صَحَّتْ إمَامَتُهُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ : هُوَ عَجْزُهُ عَنْ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَهُوَ التَّطَهُّرُ مِنْ النَّجَاسَةِ ، فَعَلَى هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِبْ الْخِتَانُ .
انْتَهَى ، قَالَ الشَّارِحُ : وَأَمَّا الْأَقْلَفُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا لَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا يُعْفَى عَنْهَا عِنْدَنَا ، وَالثَّانِيَةُ تَصِحُّ لِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ كَشْفُ الْقُلْفَةُ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ غَسَلَهَا وَإِنْ كَانَ مُرْتَتِقًا لَا يَقْدِرُ عَلَى كَشْفِهَا عُفِيَ عَنْ إزَالَتِهَا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ ، وَكُلُّ نَجَاسَةٍ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ ، انْتَهَى ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَقْوَى صِحَّةُ إمَامَتِهِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ ، وَعَلَّلَ ابْنُ مُنَجَّى رِوَايَةَ عَدَمِ الصِّحَّةِ لِكَوْنِهِ حَامِلَ نَجَاسَةٍ ظَاهِرَةٍ ، يُمْكِنُهُ إزَالَتُهَا بِإِزَالَةِ الْمَانِعِ بِالْخِتَانِ ، وَرِوَايَةُ الصِّحَّةِ بِتَعَذُّرِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ فِي الْحَالِ ، وَالْخِتَانُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ ، فَلَمْ تَكُنْ إزَالَتُهَا وَاجِبَةً لَا مَحَالَةَ ، انْتَهَى .

فَصْلٌ .
لَا تَصِحُّ إمَامَةُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا ( و م ) وَعَنْهُ : تُكْرَهُ وَتَصِحُّ ( و هـ ش ) كَمَا تَصِحُّ مَعَ فِسْقِ الْمَأْمُومِ ، وَعَنْهُ : فِي نَفْلٍ ، جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَعَنْهُ : وَلَا خَلْفَ نَائِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِيبُ مَنْ لَا يُبَاشِرُ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ عَدْلًا وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ ، صَحَّحَهُ أَحْمَدُ ، وَخَالَفَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَهَلْ يَجُوزُ تَوْلِيَةُ فَاسِقٍ ؟ يَأْتِي فِي الْوَقْفِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا يَؤُمُّ فَاسِقٌ فَاسِقًا ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ صَلَّى مَعَهُ خَوْفَ أَذًى وَيُعِيدُ ، وَإِنْ نَوَى الِانْفِرَادَ وَوَافَقَهُ فِي أَفْعَالِهَا لَمْ يُعِدْ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَيُعِيدُ فِي الْمَنْصُوصِ إذَا عَلِمَ فِسْقَهُ ، وَقِيلَ : مَعَ ظُهُورِهِ ، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : وَيُعِيدُ ، وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا } وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا فَلَا تَضُرُّ صَلَاتِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ظُهْرًا أَرْبَعًا .
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك : أُصَلِّي قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَلَا أُصَلِّي قَبْلُ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ : الْإِعَادَةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَغَيْرِهَا ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : مَنْ أَعَادَهَا فَمُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَرَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّهُ تَنْعَقِدُ إمَامَتُهُ فِي الْجُمُعَةِ ، وَاحْتَجُّوا بِغَيْرِهَا مِنْ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ ، بَلْ يُتَّبَعُ فِيهَا ، وَقَرَأَ الْمَرُّوذِيُّ

عَلَى أَحْمَدَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ .
وَكَذَا جُمُعَةٌ وَنَحْوُهَا بِبُقْعَةِ غَصْبٍ ضَرُورَةً ، وَذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيمَنْ كَفَرَ بِاعْتِقَادِهِ ، وَيُعِيدُ .
.

وَيُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ ، وَعَنْهُ : لَا ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَتَصِحُّ .
وَتَصِحُّ خَلْفَ مَنْ خَالَفَ فِي فَرْعِ ( وَ ) لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَعَ شِدَّةِ الْخِلَافِ ، مَا لَمْ يَعْلَمْهُمْ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عَلَى مَا يَأْتِي ، وَلَوْ لَمْ يَرَ مَسْحَ الْخُفِّ أَوْ الْحَرَامَ شَيْئًا ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ كَلَامٌ فِي فِسْقِهِ ، وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ : مَا لَمْ يَفْسُقْ ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : إنَّمَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّفْعَوِيَّةِ إذَا احْتَاطَ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ : أَيْ مَا لَمْ يَتْرُكْ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَ الْمَأْمُومِ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : الشَّفْعَوِيَّةُ غَلَطٌ ؛ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى شَافِعٍ بِحَذْفِ يَاءِ النَّسَبِ جَدُّ الْإِمَامِ كَمَا نَسَبَ هُوَ إلَيْهِ ، إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْسُوبَيْنِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ ( السِّرِّ الْمَصُونِ ) : رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ يَعْمَلُونَ عَمَلَ الْعَوَامّ ، فَإِذَا صَلَّى الْحَنْبَلِيُّ فِي مَسْجِدِ شَافِعِيٍّ وَلَمْ يَجْهَرْ غَضِبَتْ الشَّافِعِيَّةُ ، وَإِذَا صَلَّى شَافِعِيٌّ فِي مَسْجِدِ حَنْبَلِيٍّ وَجَهَرَ غَضِبَتْ الْحَنَابِلَةُ ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ ، وَالْعَصَبِيَّةُ فِيهَا مُجَرَّدُ هَوًى يَمْنَعُ مِنْهُ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْصِمُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ إلَّا الْعَجْزُ .
وَلَا أَقُولُ الْعَوَامُّ ، بَلْ الْعُلَمَاءُ ، كَانَتْ أَيْدِي الْحَنَابِلَةِ مَبْسُوطَةً فِي أَيَّامِ ابْنِ يُوسُفَ ، فَكَانُوا يَتَسَلَّطُونَ بِالْبَغْيِ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُرُوعِ ، حَتَّى لَا يُمَكِّنُوهُمْ مِنْ الْجَهْرِ وَالْقُنُوتِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ ، فَلَمَّا جَاءَتْ أَيَّامُ النَّظَّامِ وَمَاتَ ابْنُ يُوسُفَ وَزَالَتْ شَوْكَةُ الْحَنَابِلَةِ اسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ اسْتِطَالَةَ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ ، فَاسْتَعْدَوْا بِالسِّجْنِ ، وَآذَوْا الْعَوَامَّ بِالسِّعَايَاتِ ، وَالْفُقَهَاءَ بِالنَّبْزِ بِالتَّجْسِيمِ ، قَالَ : فَتَدَبَّرْت

أَمْرَ الْفَرِيقَيْنِ ، فَإِذَا بِهِمْ لَمْ تَعْمَلْ فِيهِمْ آدَابُ الْعِلْمِ ، وَهَلْ هَذِهِ [ الْأَفْعَالُ ] إلَّا أَفْعَالَ الْأَجْنَادِ يَصُولُونَ فِي دَوْلَتِهِمْ ، وَيَلْزَمُونَ الْمَسَاجِدَ فِي بَطَالَتِهِمْ ، انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
فَقَدْ بَيَّنَّا الْأَمْرَ عَلَى أَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ لَا إنْكَارَ فِيهَا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ، وَيُتَوَجَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ أَوْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إنْ ضَعُفَ الْخِلَافُ فِيهَا أُنْكِرَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا خِلَافٌ ، فَلَهُمْ وَجْهَانِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ كَشَفَ فَخْذَيْهِ ، فَحُمِلَ حَالُ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى أَنَّهُ رَأَى هَذَا أَوْلَى وَلَمْ يَعْتَقِدْ الْمُنْكِرُ أَنَّهُ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى مَفْسَدَةٍ فَوْقَ مَفْسَدَةِ مَا أَنْكَرَهُ ، وَإِلَّا لَسَقَطَ الْإِنْكَارُ أَوْ لَمْ يَجُزْ ( وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى ) وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ هُبَيْرَةَ آخِرَ كِتَابِ الصَّلَاةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُنْقِرِيُّ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ خَلْفَ مَنْ يَقْنُتُ وَمَنْ لَا يَقْنُتُ ، فَإِنْ زَادَ فِيهِ حَرْفًا فَلَا يُصَلِّي خَلْفَهُ ، أَوْ جَهَرَ بِمِثْلِ ( إنَّا نَسْتَعِينُك ) أَوْ ( عَذَابَك الْجَدَّ ) فَإِنْ كُنْت فِي صَلَاةٍ فَاقْطَعْهَا ، كَذَا قَالَ .
وَمَنْ زَوَّرَ وِلَايَةً لِنَفْسِهِ بِإِمَامَةٍ وَبَاشَرَ فَيَتَوَجَّهُ : إنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ شَرْطًا لِاسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى صِحَّةِ إمَامَتِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَأَطْلَقَ ، كَمَنْ وِلَايَتُهُ فَاسِدَةٌ بِغَيْرِ كَذِبِهِ ، لَا مَا يَسْتَحِقُّهُ عَدْلٌ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ
لَعَلَّ ذَلِكَ فِي الْجَهْرِ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ

وَتَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ لِبَالِغٍ فِي نَفْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( هـ م ) وَعَنْهُ : وَفَرْضٌ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ( و ش ) وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ : وَلَوْ قُلْنَا : تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ ، وَبِنَاؤُهُمْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ نَافِلَةٌ يَقْتَضِي صِحَّةَ إمَامَتِهِ إنْ لَزِمَتْهُ ، قَالَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجْهًا ، وَيَصِحُّ بِمِثْلِهِ ( و ) وَفِي الْمُنْتَخَبِ : لَا .

وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ امْرَأَةٍ بِغَيْرِ نِسَاءٍ ( و ) وَبَنَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَخَبِ : لَا يَجُوزُ أَذَانُهَا لَهُمْ ، وَعَنْهُ : تَصِحُّ فِي نَفْلٍ ، وَعَنْهُ : فِي التَّرَاوِيحِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ ، وَقِيلَ : قَارِئَةً دُونَهُمْ ، وَقِيلَ : ذَا رَحِمٍ ، وَقِيلَ : أَوْ عَجُوزًا ، وَتَقِفُ خَلْفَهُمْ لِأَنَّهُ أَسْتُرُ ، وَعَنْهُ : تَقْتَدِي بِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ ، فَيَنْوِي الْإِمَامَةَ أَحَدُهُمْ ، وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ الصِّحَّةَ فِي الْجُمْلَةِ ، لِخَبَرِ أُمِّ وَرَقَةَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْخَاصِّ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ بِإِسْنَادٍ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، وَإِنْ صَحَّ فَيَتَوَجَّهُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الْفَرْضِ ، وَالنَّهْيُ لَا يَصِحُّ ، مَعَ أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ ، وَكَذَا الْخُنْثَى ، وَقِيلَ : تَصِحُّ بِخُنْثَى ، وَإِنْ قُلْنَا : لَا يَؤُمُّ خُنْثَى نِسَاءً .
وَتَبْطُلُ صَلَاةُ امْرَأَةٍ بِجَنْبِ رَجُلٍ لَمْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً .

فَصْلٌ وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مُحْدِثٍ أَوْ نَجِسٍ ، وَلَوْ جَهِلَهُ الْمَأْمُومُ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْإِشَارَةِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَبَنَاهُ فِي الْخِلَافِ أَيْضًا عَلَى إمَامَةِ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ بِذَلِكَ ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي : هُوَ أَمِينٌ عَلَى طَهَارَتِهِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا عَمِلْنَا بِقَوْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَزُوِّجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ ، فَقَالَ : فَيَجِبُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَا يَقْبَلَ قَوْلَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ، وَعَلَى أَنَّ دُخُولَهَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ ، فَلَمْ تُصَدَّقْ ، وَهَذَا مِنْ أَمْرِ الدِّينِ ، فَقَبْلٌ كَقَبْلِ الصَّلَاةِ ، وَعَلَّلَهُ فِي الْفُصُولِ بِأَنَّهُ فَاسِقٌ وَإِمَامَتُهُ لَا تَصِحُّ عِنْدَنَا ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ ، وَالْمُتَلَاعِبُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ ، وَإِنْ عَلِمَ هُوَ أَوْ الْمَأْمُومُ فِيهَا ، قَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ : أَوْ بِسَبْقِ حَدَثِهِ ، اسْتَأْنَفَ الْمَأْمُومُ ، وَعَنْهُ : يُبْنَى ( و م ش ) نَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى ، فَمَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ وَشَكَّ فِي وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِئُهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ ، إنْ شَاءُوا قَدَّمُوا وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا فُرَادَى .
قَالَ الْقَاضِي : فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُمْ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَةً ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ أَوْ فِيهَا ( ق ) أَعَادَ الْإِمَامُ ، وَعَنْهُ : وَالْمَأْمُومُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ و هـ ) وَهُوَ الْقِيَاسُ لَوْلَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ ، وَابْنِهِ ، وَعُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَغَيْرِ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ، حَتَّى فِي إمَامٍ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَإِنْ عَلِمَ مَعَهُ وَاحِدٌ أَعَادَ الْكُلُّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ : يُعِيدُ الْعَالِمُ ، وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : إنْ عَلِمَهُ اثْنَانِ وَأَنْكَرَ هُوَ أَعَادَ الْكُلُّ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ ذِي

الْيَدَيْنِ .
.

وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ كَافِرٍ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ أَسَرَهُ ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ : هُوَ كَافِرٌ وَإِنَّمَا صَلَّى تَهَزُّؤًا فَنَصُّهُ : يُعِيدُ الْمَأْمُومُ ، كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَنْ جَهِلَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ : هُوَ كَافِرٌ وَإِنَّمَا صَلَّى تَهَزُّؤًا فَنَصُّهُ يُعِيدُ الْمَأْمُومَ وَقِيلَ : لَا .
انْتَهَى .
الْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ .
.

وَإِنْ عُلِمَ لَهُ حَالَانِ ، أَوْ إفَاقَةٌ وَجُنُونٌ ، لَمْ يَدْرِ فِي أَيِّهِمَا ائْتَمَّ وَأَمَّ فِيهِمَا فَفِي الْإِعَادَةِ أَوْجُهٌ ، ثَالِثُهَا إنْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إسْلَامَهُ وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ لَمْ يُعِدْ ( 7 م ) .
وَلَا إمَامَةُ أَخْرَسَ بِنَاطِقٍ ( و ) وَلَا بِمِثْلِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ر ) خِلَافًا لِلْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْكَافِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْأَصْلِ وَالْبَدَلِ ، وَالْأُمِّيُّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَهُوَ الذَّكَرُ ، وَلَا إمَامَةُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ مُسْتَمِرٌّ ( و ) وَفِيهِ بِمِثْلِهِ وَجْهَانِ ( 8 م ) وَلَا عَلَى الْأَصَحِّ ( ش ) إمَامَةُ عَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الصِّحَّةَ ، قَالَهُ فِي إمَامٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَعْجِزُ عَنْهَا ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ لَا يَضْطَجِعُ ، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ ، وَإِمَامَةُ مُتَيَمِّمٍ بِمُتَوَضِّئٍ ( و ) وَلَا تُكْرَهُ ( م ) لِأَنَّ { عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ تَيَمَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَغَيْرُهُمَا ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَمْرٍو ، وَفِيهِ { أَنَّهُ غَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّيَمُّمُ ، وَأَعَلَّ غَيْرُ وَاحِدٍ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى أَصْلِنَا ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ ، وَلِهَذَا يُقَيَّدُ بِالْوَقْتِ .

( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ عَلِمَ لَهُ حَالَانِ يَعْنِي الْإِمَامَ ، وَالْحَالَانِ إسْلَامٌ وَكُفْرٌ أَوْ إفَاقَةٌ وَجُنُونٌ لَمْ يَدْرِ فِي أَيِّهِمَا أَيْ الْحَالَيْنِ ائْتَمَّ وَأَمَّ فِيهِمَا فَفِي الْإِعَادَةِ أَوْجُهٌ ، ثَالِثُهَا : إنْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إسْلَامَهُ وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ لَمْ يُعِدْ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهَا : يُعِيدُ مُطْلَقًا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُعِيدُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : الْفَرْقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، جَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ : فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُسْلِمُ تَارَةً وَيَرْتَدُّ أُخْرَى لَمْ يُصَلِّ خَلْفَهُ حَتَّى يَعْلَمَ عَلَى أَيِّ دَيْنٍ هُوَ ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ ، نَظَرْنَا : فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إسْلَامَهُ وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَإِنْ عَلِمَ رِدَّتَهُ وَشَكَّ فِي إسْلَامِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، انْتَهَى .
ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْإِمَامَةِ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَلَا إمَامَةُ مَنْ حَدَثُهُ مُسْتَمِرٌّ ، وَفِيهِ بِمِثْلِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى : أَحَدُهُمَا : يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ ، وَالْكَافِي ، وَالْعُمْدَةِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ بِمَنْ لَا سَلَسَ بِهِ ، انْتَهَى .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَلَا يَؤُمُّ أَخْرَسُ وَلَا دَائِمٌ حَدَثُهُ وَعَاجِزٌ عَنْ رُكْنٍ وَأُنْثَى ، بِعَكْسِهِمْ ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَمَنْ عَجَزَ ، وَالْمُنَوِّرِ : عَنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ لَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَأَمَّا عَدَمُ الْعِصْمَةِ فِي

الطَّهَارَةِ كَصَاحِبِ السَّلَسِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَعْصُومِ بِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا تَصِحُّ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : وَلَا يَقْتَدِي بِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .

وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ أُمِّيٍّ ( و ) نِسْبَةٌ إلَى الْأُمِّ ، وَقِيلَ إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَنْ يُدْغِمُ فِي الْفَاتِحَةِ حَرْفًا لَا يُدْغَمُ ، أَوْ يُحِيلُ الْمَعْنَى بِلَحْنِهِ ، وَعَنْهُ تَصِحُّ كَبِمِثْلِهِ فِي الْأَصَحِّ ( م ر ) وَفِي إعَادَةِ مَنْ عَلِمَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَأَسَرَّ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ وَجْهَانِ ( م 9 ) ، وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ ، فَفِي إمَامٍ وَجْهَانِ ( م 10 ) .

مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ أُمِّيٍّ ، وَعَنْهُ تَصِحُّ كبمثله فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي إعَادَةِ مَنْ عَلِمَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَأَسَرَّ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ يُشْبِهُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَإِنْ شَكَّ الْقَارِئُ هَلْ إمَامُهُ أُمِّيٌّ أَمْ لَا فِي صَلَاةِ سِرٍّ صَحَّتْ ، فَإِنْ بَانَ أُمِّيًّا فَوَجْهَانِ ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ وَلَمْ يَجْهَرْ فَهَلْ يُعِيدُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ صَلَّى قَارِئٌ خَلْفَ مَنْ جَهِلَ كَوْنَهُ قَارِئًا أَوْ شَكَّ فِيهِ فِي صَلَاةِ سِرٍّ صَحَّتْ ، وَإِنْ بَانَ أُمِّيًّا أَوْ أَسَرَّ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ وَادَّعَى أَنَّهُ قَرَأَ فَوَجْهَانِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ : وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ لَمَّا سَلَّمَ فَوَجْهَانِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : فَإِنْ صَلَّى الْقَارِئُ خَلْفَ مَنْ لَا يَعْلَمُ فِي صَلَاةِ الْإِسْرَارِ صَحَّتْ ، وَإِنْ كَانَ يُسِرُّ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ : عَدَمُ الصِّحَّةِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، زَادَ الشَّارِحُ : وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَحْسَنَ الْقِرَاءَةَ لَجَهَرَ .
وَالْوَجْه الثَّانِي : تَصِحُّ ، انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ : فَإِنْ أَسَرَّ فِي الْجَهْرِ لَمْ يَصِحَّ ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَحْسَنَ لَجَهَرَ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَإِنْ شَكَّ الْقَارِئُ فِي أُمِّيَّتِهِ فِي صَلَاةِ سِرٍّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ مَنْ يَتَقَدَّمُ إمَامًا قَارِئًا ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ فَأَسَرَّ ، لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
قُلْت : الصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنَّ إمَامَهُ أُمِّيٌّ أَنَّهُ يُعِيدُ ، وَأَنَّهُ إذَا أَسَرَّ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ أُمِّيٌّ أَمْ لَا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِيهِ هَلْ هُوَ أُمِّيٌّ أَمْ لَا .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بَطَلَتْ

صَلَاةُ الْقَارِئِ خَلْفَ أُمِّيٍّ فَفِي إمَامٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : فَلَوْ أَمَّ أُمِّيٌّ قَارِئًا فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَارِئِ وَفِي الْإِمَامِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ أَمَّ أُمِّيٌّ قَارِئًا وَحْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَارِئِ ، وَقِيلَ : فَرْضًا ، وَفِي الْإِمَامِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
قُلْت : حَيْثُ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْقَارِئِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ ، وَحَيْثُ قُلْنَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ ، ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ وَنَقْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ يُوَافِقُ مَا قُلْنَا ، وَكَذَا كَلَامُ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَابْنِ حَمْدَانَ الْآتِي يُوَافِقُ مَا قُلْنَا فِي الْفَرْعِ الثَّانِي .
قُلْت : وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ أَوْ مَأْمُومُهُ لَمْ يَصِحَّ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَكَذَا إنْ نَوَى إمَامَةَ مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ لَا يَؤُمَّهُ : كَامْرَأَةٍ تَؤُمُّ رَجُلًا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ ، فِي الْأَشْهَرِ ، وَكَذَا أُمِّيٌّ قَارِئٌ ، انْتَهَى .
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الَّتِي أُطْلِقَ الْخِلَافَ فِيهَا هُنَا فِيمَا يَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ اقْتَدَى قَارِئٌ وَأُمِّيٌّ بِأُمِّيٍّ فَإِنْ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ فَهَلْ يَبْقَى نَفْلًا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ ، أَمْ لَا يَبْقَى فَتَبْطُلُ ، أَمْ إلَّا الْإِمَامَ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ( م 11 ) وَجَوَّزَ الشَّيْخُ اقْتِدَاءَ مَنْ يُحْسِنُ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ قُرْآنًا وَفَتَحَ هَمْزَةَ ( اهْدِنَا ) وَمُحِيلٌ فِي الْأَصَحِّ كَضَمِّ تَاءِ ( أَنْعَمْت ) وَكَسْرِ كَافِ ( إيَّاكَ )

( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ اقْتَدَى قَارِئٌ وَأُمِّيٌّ بِأُمِّيٍّ فَإِنْ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ فَهَلْ تَبْقَى نَفْلًا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ ، أَمْ لَا تَبْقَى فَتَبْطُلُ ، أَمْ إلَّا الْإِمَامَ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ، انْتَهَى .
قَالَ الزَّرْكَشِيّ .
فَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ فَإِنَّ صَلَاتَهُمَا تَفْسُدُ ، وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ ، أَشْهَرُهُمَا الْبُطْلَانُ ، انْتَهَى وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : فَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ فِي الْأَصَحِّ وَبَقِيَ نَفْلًا ، وَقِيلَ : لَا يَبْقَى فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ ، وَقِيلَ : إلَّا الْإِمَامَ ، انْتَهَى .
زَادَ فِي الْكُبْرَى : وَقِيلَ : فِي صَلَاةِ الْقَارِئِ وَالْأُمِّيِّ خَلْفَ الْأُمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : الْبُطْلَانُ وَالصِّحَّةُ ، وَقِيلَ فِي رِوَايَةٍ : وَالثَّالِثُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ ، انْتَهَى .
وَفِي الرِّعَايَةِ طُرُقٌ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَجْهًا : أَنَّ الْفَسَادَ يَخْتَصُّ بِالْقَارِئِ ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ ، قَالَ : وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي تَعْلِيلِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لِأَنَّ الْقَارِئَ تَكُونُ صَلَاتُهُ نَافِلَةً فَمَا خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَصِرْ الْأُمِّيُّ بِذَلِكَ فَذًّا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : صَلَاةُ الْقَارِئِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَعْرِفَةِ هَذَا عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ يَشُقُّ ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ، فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ اخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : إنْ كَانَا خَلْفَهُ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ وَفِي بَقَائِهِ نَفْلًا وَجْهَانِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ صَحِيحَةٌ ، وَإِنْ قُلْنَا : لَا تَصِحُّ ، بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ ، وَفِي صَلَاتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ : وَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْقَارِئِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ نَافِلَةً وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ ، انْتَهَى .
فَتَلَخَّصَ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ جَزَمَ

بِفَسَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الْقَارِئِ وَالْأُمِّيِّ ، وَأَنَّ أَشْهَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ ، وَأَنَّ ابْنَ حَمْدَانَ قَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَارِئِ تَبْقَى نَفْلًا .
قُلْت : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ النِّيَّةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ أَنَّهَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا عَلَى الْمُقَدَّمِ عِنْدَهُ ، كَمَا إذَا أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ ، أَوْ بَطَلَ الْفَرْضُ الَّذِي انْتَقَلَ مِنْهُ ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ مَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ ، كَتَرْكِ الْقِيَامِ وَالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ ، وَالِائْتِمَامِ بِمُتَنَفِّلٍ ، إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ ، وَالِائْتِمَامِ بِصَبِيٍّ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ جَوَازَهُ ، فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ انْقِلَابُهُ نَفْلًا ، فَلْتَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتَصِحُّ إمَامَةُ إمَامِ الْحَيِّ وَهُوَ إمَامُ مَسْجِدِ رَاتِبِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ ( م ر ) لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ ( م ر ) وَيُصَلُّونَ جُلُوسًا ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِ : هَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ : لَا تَصِحُّ ، وَفِي الْإِيضَاحِ رِوَايَةٌ : قِيَامًا ، وَاخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَالتَّحْقِيقِ ( و ) وَعَنْهُ : تَصِحُّ مَعَ غَيْرِ إمَامِ الْحَيِّ ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُهُ ( و ) ، وَفِي الْإِيضَاحِ وَالْمُنْتَخَبِ إنْ لَمْ يُرْجَ صَحَّتْ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ قِيَامًا ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَوْلَى إنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : الْجَاهِلُ وُجُوبَ الْجُلُوسِ وَإِنْ ابْتَدَأَ قَائِمًا ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ أَتَمُّوا قِيَامًا وَلَمْ يَجُزْ الْجُلُوسُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامَ الْحَيِّ .
وَإِنْ أُرْتِجَ عَلَى الْمُصَلّ فِي الْفَاتِحَةِ وَعَجَزَ عَنْ الْإِتْمَامِ فَهُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ، يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُعِيدُهَا .
ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا وَسَبَقَ فِي آخِرِ النِّيَّةِ : يَسْتَخْلِفُ .

فَصْلٌ وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ عَالِمًا أَعَادَ الْمَأْمُومُ ( ش ) لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا مَنَعَ انْعِقَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ، أَوْ إمَامَتِهِ كَالْكُفْرِ وَاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ مُنِعَ ، وَلِتَعَذُّرِ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ مِنْ عَالِمٍ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ ، وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ : يُعِيدُ إنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي إمَامٍ يَعْلَمُ حَدَثَ نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَ الْمَأْمُومِ فَعَنْهُ : يُعِيدُ [ الْمَأْمُومُ ] ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( و هـ ش ) لِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ ، كَمَا لَوْ اعْتَقَدَهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَشَيْخُنَا ( و م ) كَالْإِمَامِ ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ أَوْ التَّقْلِيدُ ( م 12 ) وَكَعِلْمِ الْمَأْمُومِ لَمَّا سَلَّمَ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : إنْ كَانَ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَانِ فَفِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ رِوَايَتَانِ ، كَذَا قَالَ ، وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ أَعَادَهُ ، ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ ( ع ) ، لِتَرْكِهِ فَرْضَهُ ، وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ وَصَلَّى فَذًّا بِالْإِعَادَةِ ، وَعَنْهُ : لَا ، لِخَفَاءِ طُرُقِ عِلْمِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَعَنْهُ : إنْ طَالَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ لَا يُعْلَمُ جَوَازُهُ وَيَفْسُقُ ، أَيْ إنْ كَانَ مِمَّا يُفْسَقُ بِهِ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ فِي عَامِّيٍّ شَرِبَ نَبِيذًا بِلَا تَقْلِيدٍ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي بِالْفِسْقِ فِي مَوْضِعٍ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي آخَرَ ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَنْهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ ، وَوَجَدْت بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ ذَكَرَ عَدَمَ الْجَوَازِ ( ع ) وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْآجُرِّيِّ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْعَامِّيَّ إذَا

نَزَلَتْ بِهِ حَادِثَةٌ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ ، وَذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ ( ع ) وَأَنَّهُ التَّقْلِيدُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ [ إنَّمَا ] هُوَ اعْتِقَادُ التَّحْرِيمِ ، وَإِذَا لَمْ يَفْسُقْ مَنْ أَتَى مُخْتَلَفًا فِيهِ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ وَلَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّ لِفِعْلِهِ مَسَاغًا فِي الْجُمْلَةِ ، فَهَذَا أَوْلَى ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي : لَوْ لَزِمَتْ الْجُمُعَةُ أَهْلَ السَّوَادِ لَفَسَقُوا بِتَرْكِهَا ، فَقَالَ : مَا يَفْسُقُونَ ، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ [ بِهِمْ ] ، كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ : لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ ، وَلَمْ يَفْسُقُوا بِتَرْكِهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا ، وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ : هَلْ يَأْثَمُ مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةِ ؟ وَكَلَامُهُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ وَالنَّاسِي بِعَدَمِ التَّأْثِيمِ .

مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ عَالِمًا أَعَادَ الْمَأْمُومُ .
وَإِنْ كَانَ رُكْنًا أَوْ [ شَرْطًا ] عِنْدَ الْمَأْمُومِ فَعَنْهُ يُعِيدُ الْمَأْمُومُ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَشَيْخُنَا كَالْإِمَامِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ أَوْ التَّقْلِيدُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : لَا يُعِيدُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالشَّارِحُ وَمَالَ إلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ ، مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَالرِّوَايَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ أَحْمَدَ لَا تُوجِبُ اخْتِلَافًا ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُهَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ ، وَمَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ ، وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَقِيَاسُ الْأُصُولِ ، انْتَهَى .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : يُعِيدُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ صُحِّحَتْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
.

بَابُ مَوْقِفِ الْجَمَاعَةِ يُسْتَحَبُّ وُقُوفُ الْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ( و ) وَلَا يَصِحُّ قُدَّامَهُ بِإِحْرَامٍ فَأَكْثَرَ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْقِفًا بِحَالٍ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا : تُكْرَهُ ، وَتَصِحُّ ( و م ) وَالْمُرَادُ : وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَقِيلَ : تَصِحُّ جُمُعَةٌ وَنَحْوُهَا لِعُذْرٍ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقَالَ : مَنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ فَلَمَّا أَذِنَ جَاءَ فَصَلَّى قُدَّامَهُ عُزِّرَ ، وَالِاعْتِبَارُ بِمُؤَخِّرِ الْقَدَمِ ، وَإِلَّا لَمْ يَضُرَّ ، كَطُولِ الْمَأْمُومِ ، وَيُتَوَجَّهُ الْعُرْفُ ، وَإِنْ تَقَابَلَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ ( و ) وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ فِيهَا صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقَدُ خَطَؤُهُ ، وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ تَقَابَلَا حَوْلَهَا صَحَّتْ ( عِ ) وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ فِي جِهَتَيْنِ ( وَ ) قَالَ فِي الْخِلَافِ ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ ، وَقِيلَ : وَجِهَةٍ ( خ ) وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ مَسَافَةٌ فَوْقَ بَقِيَّةِ جِهَاتِ الْمَأْمُومَيْنِ فَهَلْ يُمْنَعُ الصِّحَّةَ كَالْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ أَمْ لَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ [ و ] فَإِنْ بَانَ عَدَمُ صِحَّةِ مُصَافَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ ، فَيَجِيءُ الْوَجْهُ : يَصِحُّ مُنْفَرِدًا ، وَكَصَلَاتِهِمْ قُدَّامَهُ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي رَجُلٍ أَمَّ رَجُلًا قَامَ عَنْ يَسَارِهِ : يُعِيدُ ، وَإِنَّمَا صَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ ، وَظَاهِرُهُ : تَصِحُّ مُنْفَرِدًا ، دُونَ الْمَأْمُومِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى إلْغَاءِ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِي مَسْجِدٍ مِحْرَابُهُ غُصِبَتْ قَدْرَ مَا يَقُومُ الْإِمَامُ فِيهِ : صَلَاةُ الْإِمَامِ فَاسِدَةٌ ، وَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ ، وَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَحْرَمَ

أَمْ لَا أَدَارَهُ مِنْ وَرَائِهِ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ وَقَفَا خَلْفَهُ ، وَإِلَّا أَدَارَهُمَا ، فَإِنْ شَقَّ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الْأَيْمَنُ قَبْلَ إحْرَامِ الدَّاخِلِ لِيُصَلِّيَا خَلْفَهُ جَازَ ، وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةِ : بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، وَكَتَفَاوُتِ إحْرَامِ اثْنَيْنِ خَلْفَهُ ، ثُمَّ إنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا تَقَدَّمَ الْآخَرُ إلَى الصَّفِّ ، أَوْ إلَى يَمِينِ الْإِمَامِ ، أَوْ جَاءَ آخَرُ ، وَإِلَّا نَوَى الْمُفَارِقَةَ ، وَلَوْ أَدْرَكَهُمَا جَالِسِينَ أَحْرَمَ ، وَلَا تُؤَخَّرُ إذًا لِلْمَشَقَّةِ ، وَقِيلَ : إنْ وَقَفَ إمَامٌ بَيْنَهُمَا فَفِي الْكَرَاهَةِ ( و هـ ) احْتِمَالَانِ ، وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ فِي الْفَذِّ : قَامَ مَقَامًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَهُ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِالنَّهْيِ ، لِأَجْلِ صَلَاتِهِ ، فَفَسَدَتْ ، كَقُدَّامِ الْإِمَامِ ، وَوُقُوفُهُ إلَى جَنْبِ امْرَأَةٍ مُشْتَرِكَانِ فِي النَّهْيِ ، وَوُقُوفُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ مُشْتَرِكُونَ فِي النَّهْيِ ، وَوُقُوفُ الْإِمَامِ خَلْفَ الْمَأْمُومِ نَهَى عَنْهُ لِأَجْلِ فَسَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ وُقُوفِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ شَاءَ ، وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الصَّفِّ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ خَلْفِهِ ، وَكَذَا إنْ بَعُدَ الصَّفُّ مِنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَحَبُّ تَوَسُّطُهُ لِلصَّفِّ ، لِلْخَبَرِ .

بَابُ مَوْقِفِ الْجَمَاعَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ .
فَإِنْ بَانَ عَدَمُ صِحَّةِ مُصَافَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَالْمُرَادُ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ ، فَيَجِيءُ الْوَجْهُ : يَصِحُّ مُنْفَرِدًا ، وَكَصَلَاتِهِمْ قُدَّامَهُ فِي [ صِحَّةِ ] صَلَاتِهِ وَجْهَانِ .
يَعْنِي إذَا صَلَّوْا قُدَّامَ الْإِمَامِ ، وَقُلْنَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ ، فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : تَصِحُّ صَلَاتُهُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا تَصِحُّ .
قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْمُحَرَّرِ : الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنْ نَوَى الْإِمَامَةَ بِمَنْ يُصَلِّي قُدَّامَهُ مَعَ عِلْمِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ ، كَمَا لَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ الْإِمَامَةَ بِالرَّجُلِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ بِمَنْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ، وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَنًّا وَاعْتِقَادًا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ فَصَلَّوْا قُدَّامَهُ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ ، عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ ، كَمَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ مَنْ عَادَتُهُ حُضُورُ جَمَاعَةٍ عِنْدَهُ ، انْتَهَى .

فَصْلٌ .
وَمَنْ صَلَّى عَنْ يَسَارِهِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ لَمْ يَصِحَّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ ، وَالشَّيْخُ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ( و ) وَقِيلَ : إنْ كَانَ خَلْفَهُ صَفٌّ ، وَمَنْ صَلَّى فَذًّا خَلْفَهُ رَكْعَةً وَقِيلَ : أَوْ أَحْرَمَ ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً ، وَقِيلَ : لِغَيْرِ غَرَضٍ لَمْ يَصِحَّ ، وَعَنْهُ : إنْ عَلِمَ النَّهْيَ ، وَفِي النَّوَادِرِ رِوَايَةٌ تَصِحُّ لِخَوْفِهِ تَضَيُّقًا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ : لِعُذْرٍ ، وَعَنْهُ : مُطْلَقًا ( و ) وَعَنْهُ : فِي النَّفْلِ ، وَبَنَاهُ فِي الْفُصُولِ عَلَى مَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ ، وَحَيْثُ صَحَّتْ فَالْمُرَادُ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَيُتَوَجَّهُ ، إلَّا لِعُذْرٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ : يَقِفُ فَذًّا فِي الْجِنَازَةِ ، رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَقَالَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو الْمَعَالِي ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ إنْ تَعَيَّنَ صَفًّا ثَالِثًا ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : فَتَكُونُ مَسْأَلَةَ مُعَايَاةٍ .

وَإِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ فَرَكَعَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ ، صَحَّتْ ، وَعَنْهُ : لَا ، وَعَنْهُ : إنْ عَلِمَ النَّهْيَ .
وَإِنْ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَلَمْ يَسْجُدْ وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُوجَزِ : أَوْ سَجَدَ فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَانِ ، وَعَنْهُ : إنْ جَهِلَ النَّهْيَ صَحَّتْ ( م 2 ) وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ ، وَأَطْلَقَ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا كَانَ لِغَرَضٍ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ وَجْهَيْنِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ ، وَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِنَحْنَحَةٍ أَوْ كَلَامٍ ، وَيَتْبَعَهُ ( م ) وَيُكْرَهُ بِجَذْبِهِ فِي الْمَنْصُوصِ ( و م ) وَقِيلَ : يَحْرُمُ ( خ ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ [ ابْنُ عَقِيلٍ ] وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ ابْنَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَالَ الْعِبَادَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ .
.

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ فَرَكَعَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ ، صَحَّتْ [ وَعَنْهُ : لَا .
وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ ] وَإِنْ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَلَمْ يَسْجُدْ وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُوجَزِ : أَوْ سَجَدَ فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَانِ ، وَعَنْهُ : إنْ جَهِلَ النَّهْيَ صَحَّتْ .
انْتَهَى ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ ، وَالزَّرْكَشِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ : إحْدَاهُنَّ يَصِحُّ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ ، وَالنَّظْمِ ، وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْمُذَهَّبِ : بَطَلَتْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : إنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ تَصِحَّ ، وَإِلَّا صَحَّتْ ، وَنَصَّ عَلَيْهَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَشَرْحِ الطُّوفِيِّ عَلَى الْخِرَقِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَنَصَرَهُ ، وَحَمَلَ هُوَ وَالشَّارِحُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيّ : صَرَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَنْ ظَاهِرِهِ ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ لِيُوَافِقَ النُّصُوصَ وَجُمْهُورَ الْأَصْحَابِ ، وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ فِي التَّلْخِيصِ ، وَالْبُلْغَةِ ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالْفَائِقِ ، وَغَيْرِهِمْ .
( تَنْبِيهٌ ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا هُوَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ، لِكَوْنِهِ لَمْ يُدْخِلْهَا فِي إطْلَاقِ الْخِلَافِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ

أَنَّهَا أَقْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْصُوصِ ، وَكَثْرَةِ الْأَصْحَابِ ، وَلِدَلِيلٍ يُسَاعِدُهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ غَيْرِهِ فِي زِحَامٍ ( و هـ ش ) نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَالَهُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ، وَلَمْ يُنْكَرْ ، وَعَمَلًا بِالْعُرْفِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ كَرِهَهُ ، كَمَنْ يَكْرَهُ التَّرَاصَّ فِي الصُّفُوفِ ، وَمَنَعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، فَيُومِئُ مَا أَمْكَنَهُ [ ( و م ) ] كَالْبَهِيمَةِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يَسْجُدُ إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً .
وَكَغَيْرِ حَاجَةٍ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَعَنْهُ : لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ زَوَالَهُ ، وَلَوْ احْتَاجَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَوَجْهَانِ ( م 3 ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُ سُجُودٌ إلَّا عَلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ صَحَّتْ ، كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَجَعَلَ طَرَفَ الْمُصَلِّي وَذَيْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا لِلْجَوَازِ ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : يَقُومُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ .
.
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ " وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ غَيْرِهِ فِي زِحَامٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ احْتَاجَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَوَجْهَانِ " انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْأَقْوَى عِنْدِي ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُوزُ ، وَيَلْزَمُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْجَوَازِ .
.

وَلَا يَصِحُّ وُقُوفُ امْرَأَةٍ فَذًّا ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي ، وَإِنْ وَقَفَتْ مَعَ رَجُلٍ فَقَالَ جَمَاعَةٌ : فَذًّا ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْوَفَاءِ ( م 4 ) وَإِنْ وَقَفَتْ مَعَ رِجَالٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وَخَلْفَهَا ( هـ ) فِيهِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، كَوُقُوفِهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَنْ يَلِيهَا رِوَايَةً تُبْطِلُ ، وَفِي الْفُصُولِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ وَأَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْمَنْصُوصِ .
وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقِيلَ : وَمَنْ خَلْفَهَا ، وَقِيلَ : وَأَمَامَهَا ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا ( وَ ) خِلَافًا لِلشَّرِيفِ وَأَبِي الْوَفَاءِ ، لِلنَّهْيِ عَنْ وُقُوفِهَا ، وَالْوُقُوفِ مَعَهَا ، فَهُمَا سَوَاءٌ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لَمَّا أُمِرَ الرَّجُلُ قَصْدًا بِتَأْخِيرِهَا فَتَرَكَ الْفَرْضَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَمَّا أُمِرَتْ هِيَ ضِمْنًا أَثِمَتْ فَقَطْ ، فَزَادُوا عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ : وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ ، فَيَلْزَمُهُمْ فَرْضِيَّةُ الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَشَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْمُحَاذَاةِ شُرُوطًا يَطُولُ ذِكْرُهَا ، وَالْتَزَمَ الْحَنَفِيَّةُ صِحَّةَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، وَاعْتَذَرُوا بِالنَّهْيِ عَنْ حُضُورِهَا ، فَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهَا تَرْتِيبٌ فِي الْمَقَامِ فِيهَا ، وَالْتَزَمَ الْقَاضِي أَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ حُضُورِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، فَلَا فَرْقَ ، وَالْأَوْلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ النَّهْيِ فِي الْكُلِّ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا التَّأْخِيرُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ فَتَكُونُ مَأْمُورَةً وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا .
وَصَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ خَلْفَهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ وَلَوْ كَانُوا مِائَةَ صَفٍّ ، لِتَأَكُّدِ إسَاءَتِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ ، بِخِلَافِ امْرَأَةٍ فِي صَفِّ رِجَالٍ ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا أَبْطَلَا صَلَاةَ اثْنَيْنِ عَنْ

جَنْبَيْهَا ، وَثَالِثٍ خَلْفَهَا يُحَاذِيهَا ، وَإِنْ أَمَّهَا رَجُلٌ وَقَفَتْ خَلْفَهُ ، وَإِنْ وَقَفَتْ عَنْ يَسَارِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : إنْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا وَلَا مَنْ يَلِيهَا فَكَرَجُلٍ ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : يَصِحُّ إنْ وَقَفَتْ يَمِينَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ فِي تَقْدِيمِهَا أَمَامَ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ .
وَفِي التَّعْلِيقِ فِي الصَّلَاةِ قُدَّامَ الْإِمَامِ قَالَ : إذَا كَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَهُوَ عُرْيَانُ ، وَالْمَأْمُومُ امْرَأَةً ، فَإِنَّهَا تَقِفُ إلَى جَنْبِهِ .
وَإِنْ وَقَفَ الْخَنَاثَى صَفًّا ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ رَجُلٍ بِجَنْبِ امْرَأَةٍ ، وَلَا صَلَاتُهَا ، وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ فَذًّا بِوُقُوفِهِ مَعَهَا ، صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالْأَبْعَدُ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِمْ صَفًّا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ يَقَعُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَنِيِّ وَالرِّيحِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، فَإِنْ سَلَّمْنَا بُنِيَ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ ، وَإِلَّا مَنَعْنَا الْحُكْمَ فِيهِمَا

( مَسْأَلَةٌ 4 ) وَإِنْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ فَقَالَ جَمَاعَةٌ : فَذًّا يَعْنِي الرَّجُلَ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْوَفَاءِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذَهَّبِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَالشَّرْحِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ : إحْدَاهُمَا يَكُونُ فَذًّا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، قُلْت : مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ ، وَابْنُ الْبَنَّا ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَكُونُ فَذًّا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ .

وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ خُنْثَى صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ، فَقِيلَ : يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَقِيلَ : خَلْفَهُ وَانْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِالصَّبِيِّ وَمُصَافَّتِهِ كَإِمَامَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، وَفَرْضُهُ نَفْلٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ ، فَيَقِفُ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ خَلْفَهُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ( و ) وَعَلَى الْأَوَّلِ : عَنْ يَمِينِهِ أَوْ جَانِبَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي الْخِلَافِ هَذَا وَرِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ : عَنْ جَانِبَيْهِ ، وَمَنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ صَحَّتْ مُصَافَّتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، إلَّا مَنْ جَهِلَ حَدَثَ نَفْسِهِ وَجَهِلَ مُصَافَّةً ( و ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : كَجَهْلِ مَأْمُومٍ حَدَثَ إمَامٍ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، وَفِي الْفُصُولِ : إنْ بَانَ مُبْتَدِعًا أَعَادَ ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا يُؤَمُّ ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ ، فَإِنَّ الْمُتَيَمِّمَ يُؤَمُّ .
وَإِمَامَةُ النِّسَاءِ تَقِفُ فِي صَفِّهِنَّ وَسَطًا ، وَالْأَشْهَرُ يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا ، وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا تُصَلِّي مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَلَا تَقْدَمُهُنَّ

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ خُنْثَى صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ، فَقِيلَ : يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَقِيلَ : خَلْفَهُ " انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ ، لِأَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ جَنْبَ الرَّجُلِ غَيْرُ مُبْطِلٍ ، وَوُقُوفَهُ خَلْفَهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَذًّا ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي الْبُطْلَانِ بِهِ ، قَالَ : وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا بِفَهْمٍ عَلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ سَهْوٌ عَلَى الْمَذْهَبِ .
انْتَهَى ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَقِفُ خَلْفَهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .

فَصْلٌ .
وَمَنْ لَمْ يَرَ الْإِمَامَ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ صَحَّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ إذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ وَهُوَ وَالْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ ( و م ش ) وَعَنْهُ : لَا ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ فِي النَّفْلِ : وَعَنْهُ : وَالْفَرْضِ مُطْلَقًا ، ( وَ ) كَظُلْمَةٍ وَضَرَرٍ وَعَنْهُ : لَا يَضُرُّ الْمِنْبَرُ ، وَعَنْهُ : لِجُمُعَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَإِنْ رَآهُ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ فِي بَعْضِهَا فِي الْمَسْجِدِ صَحَّ ، وَكَذَا خَارِجَهُ مَعَ إمْكَانِ الِاقْتِدَاءِ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الصَّحِيحِ فِي الْمَذْهَبِ ( وَ هـ ) وَلَوْ جَاوَزَ ثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ ( ش ) أَوْ كَانَتْ جُمُعَةً فِي دَارٍ وَدُكَّانٍ ( م ) وَجَزَمَ فِي الْخِرَقِيِّ وَالْكَافِي وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهَا بِاعْتِبَارِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ ( خ ) عُرْفًا ، وَزَادَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ : أَوْ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِالدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ ، إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْمُغْنِي اتِّصَالَ الصُّفُوفِ ، وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِبُعْدٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ ، وَلَا يُمْنَعُ الِاقْتِدَاءُ ، وَاعْتَبَرَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَفَسَّرَهُ بِبُعْدٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ بِحَيْثُ يَمْنَعُ إمْكَانَ الِاقْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ ، فَرَجَعَ إلَى الْعُرْفِ ، وَقِيلَ : يُمْنَعُ شُبَّاكٌ وَنَحْوُهُ ، وَحُكِيَ رِوَايَةً ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مَعَ الْقُرْبِ الْمُصَحَّحِ نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ ، أَوْ طَرِيقٌ وَلَمْ تَتَّصِلْ فِيهِ الصُّفُوفُ ، إنْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ صَفَّيْنِ مَا يَقُومُ فِيهِ صَفٌّ آخَرُ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، لِلْحَاجَةِ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَصِحَّ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِلْآثَارِ ( وَ هـ ) وَعَنْهُ : صَحَّ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ( وَ م ش ) وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ تُرِكَ لِلْآثَارِ وَمِثْلُهُ إذَا كَانَ بِسَفِينَةٍ وَإِمَامُهُ بِأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَرِيقٌ وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ ، وَالْمُرَادُ : فِي

غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَأَلْحَقَ الْآمِدِيُّ بِالنَّهْرِ النَّارَ وَالْبِئْرَ ، وَقِيلَ : وَالسَّبُعُ ، وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي الشَّوْكِ وَالنَّارِ .

فَصْلٌ .
وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ عُلُوُّ الْإِمَامِ كَثِيرًا ( و هـ م ) لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي خَبَرٍ سَهْلٍ يَدُلُّ [ عَلَى ] أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ .
وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يُرِدْ التَّعْلِيمَ ( وَ ش ) وَقِيلَ : إنْ فَعَلَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ( وَ م ) وَإِنْ سَاوَاهُ بَعْضُهُمْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فِي الْأَصَحِّ ( وَ م ) زَادَ بَعْضُهُمْ : بِلَا كَرَاهَةٍ ( وَ هـ ) وَفِي النَّازِلِينَ إذًا الْخِلَافُ ، وَالْكَثِيرُ ذِرَاعٌ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَقَدَّرَهُ أَبُو الْمَعَالِي بِقَامَةِ الْمَأْمُومِ ، لِحَاجَتِهِ إلَى رَفْعِ رَأْسِهِ ، وَفِي الْخِلَافِ : لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ إلَيْهِ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَكَذَا عَلَّلَهُ فِي الْفُصُولِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَهُوَ مَكْرُوهٌ .
وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ كَالْقَوْلَيْنِ ، وَلَا بَأْسَ بِعُلُوِّ الْمَأْمُومِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( ش ) وَلَا يُعِيدُ الْجُمُعَةَ مُصَلِّيهَا فَوْقَ الْمَسْجِدِ ( م ) .

وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ بِلَا حَاجَةٍ ( وَ هـ ) كَضِيقِ الْمَسْجِدِ ، وَعَنْهُ : لَا ، كَسُجُودِهِ فِيهِ ، وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ .
وَاِتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ مُبَاحٌ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الطَّاقِ ، وَقَدْ كَرِهَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو ذَرٍّ ، وَقَالَ الْحَسَنُ : الطَّاقُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْدَثَهُ النَّاسُ ، وَكَانَ يَكْرَهُ كُلَّ مُحْدَثٍ ، وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ : لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَّخِذُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ مَذَابِحَ كَمَذَابِحِ النَّصَارَى ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَيْضًا يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ يُشْرِفُ ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا مَرَّ بِمَسْجِدٍ يُشْرِفُ قَالَ : هَذِهِ بِيعَةٌ ، فَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ يَتَوَجَّهُ مِنْهُ كَرَاهَةُ الْمِحْرَابِ ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ عَلَيْهِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ قَالَ بِهِ ، وَفِيهِ أَيْضًا كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُشْرِفَةِ ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ .
وَلَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ إلَّا هُنَا ، وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ ، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ الْجَاهِلُ ، وَكَالْمَسْجِدِ وَالْجَامِعِ ، وَفِيهِمَا فِي آخِرِ الرِّعَايَةِ : أَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَالْمُرَادُ : وَلَا يُبْنَى مَسْجِدٌ ضِرَارًا ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى : يَبْنِي مَسْجِدًا إلَى جَنْبِ مَسْجِدٍ ؟ قَالَ : لَا يَبْنِي الْمَسَاجِدَ لِيُعَدِّيَ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَقَالَ صَالِحٌ : قُلْت لِأَبِي : كَمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَبْنُوا إلَى جَانِبِهِ مَسْجِدًا ؟ قَالَ : لَا يُبْنَى مَسْجِدٌ يُرَادُ بِهِ الضِّرَارُ لِمَسْجِدٍ إلَى جَنْبِهِ ، فَإِنْ كَثُرَ النَّاسُ حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْنَى وَإِنْ قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ .
فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يُبْنَى لِقَصْدِ الضِّرَارِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ وَلَا حَاجَةً فَرِوَايَتَانِ ، رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى : لَا يُبْنَى ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَأَنَّهُ يَجِبُ

هَدْمُهَا ، وَقَالَهُ فِيمَا بَنَى جِوَارَ جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ .
وَظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ : يُبْنَى ( م 6 ) .
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَلَا يَبْنِي مَسْجِدًا ضِرَارًا يَعْنِي لِمَسْجِدٍ آخَرَ لِقُرْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الضِّرَارَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَرِوَايَتَانِ ، رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى : لَا يَبْنِي ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَأَنَّهُ يَجِبُ هَدْمُهَا ، وَقَالَ فِيمَا بَنَى جِوَارَ جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ : يَبْنِي .
انْتَهَى ، الصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .

نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي مِحْرَابٍ يُرِيدُ أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْهُ الْإِمَامُ ، قَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يُحَوَّلَ وَيُحَرَّفَ ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ ، وَفَوْقَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْجِدِ بَيْتُ غَلَّةٍ ، وَلَوْ جُعِلَ فَوْقَ الْحَوَانِيتِ مَسْجِدًا وَغَلَّتُهَا لِرَجُلٍ ، قَالَ : هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ ، قِيلَ لَهُ : فَتَخْتَارُ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِهِ ؟ قَالَ : لَا ، وَيُكْرَهُ تَطَوُّعُهُ مَوْضِعَ الْمَكْتُوبَةِ بِلَا حَاجَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ هـ م ) وَقِيلَ : تَرْكُهُ أَوْلَى كَالْمَأْمُومِ .

وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي ، قَالَ أَحْمَدُ : لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الصَّفَّ قَالَ بَعْضُهُمْ : فَتَكُونُ سَارِيَةً عَرْضُهَا مَقَامُ ثَلَاثَةٍ بِلَا حَاجَةٍ وَيَتَوَجَّهُ أَكْثَرُ ، أَوْ الْعُرْفُ ، وَمِثْلُهُ نَظَائِرُهُ وَلِهَذَا لَمَّا جَزَمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْعُرْفِ ، وَبَحَثَ مَعَ الشَّافِعِيَّةِ فِي تَقْدِيرِهِمْ بِثَلَاثِ خُطُوَاتٍ قَالَ : الْقَدْرُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ حَدِّ الْقِلَّةِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَلِهَذَا جَعَلُوا خِيَارَ الشَّرْطِ ثَلَاثًا ، وَقَالُوا : الثَّلَاثُ آخِرُ حَدِّ الْقِلَّةِ ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَعَلُوا الثَّلَاثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ، وَمَا دُونَ الثَّلَاثِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ ، وَهَذَا خِلَافُ الْأُصُولِ وَعَنْهُ : [ لَا ] يُكْرَهُ ( وَ ) كَالْإِمَامِ .

وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ غَيْرِ إمَامٍ مَكَانًا بِالْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي فَرْضَهُ إلَّا بِهِ .
وَيُبَاحُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ ، جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ دَوَامُهُ بِمَوْضِعٍ مِنْهُ ، وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : كَانَ أَحْمَدُ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ وَيَكْرَهُ إيطَانَهَا .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَانَتْ فَاضِلَةً ( ش ) وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ مِنْ تَحَرِّي نَقْرَةِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ عِتْبَانَ لَمَّا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَسْجِدَ طَلَبَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَان فِي بَيْتِهِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَلِلْبُخَارِيِّ : اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا .
وَلِأَنَّ سَلَمَةَ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ ، وَقَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ إيطَانِ الْمَكَانِ كَإِيطَانِ الْبَعِيرِ ، فِيهِ تَمِيمُ بْنُ مَحْمُودٍ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : فِي إسْنَادِ حَدِيثِهِ نَظَرٌ .
ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى مَكَان مَفْضُولٍ ، أَوْ لِخَوْفِ رِيَاءٍ وَنَحْوِهِ ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا : وَلَوْ لِحَاجَةٍ ، كَاسْتِمَاعِ حَدِيثٍ ، وَتَدْرِيسٍ ، وَإِفْتَاءٍ ، وَنَحْوِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ : لَا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لِقَصْدٍ .
.

بَابُ الْعُذْرِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ .
يُعْذَرُ فِيهِمَا بِمَرَضٍ ، وَبِخَوْفِ حُدُوثِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا رَاكِبًا ، أَوْ مَحْمُولًا ، أَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِهِ ، أَوْ بِأَنْ يَقُودَ أَعْمَى لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ ، وَقِيلَ : لَا ، كَالْجَمَاعَةِ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الْجُمُعَةِ : يَكْتَرِي وَيَرْكَبُ ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضَعْفٍ عَقِبِ الْمَرَضِ ، فَأَمَّا مَعَ الْمَرَضِ فَلَا يَلْزَمُهُ لِبَقَاءِ الْعُذْرِ .
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ فَيَعْجِزُ عَنْ الْجَمَاعَةِ يَوْمَيْنِ مِنْ التَّعَبِ ، قَالَ : لَا أَدْرِي ، وَبِمُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ وَبِحَضْرَةِ طَعَامٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ ، وَيَشْبَعُ ، لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَلَا يَعْجَلْنَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ، وَعَنْهُ : مَا يُسْكِنُ نَفْسَهُ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْجُمُعَةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ ، إنْ بَدَأَ بِالطَّعَامِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ابْتَدَرَ إلَى الصَّلَاةِ ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ يَأْكُلُ مِنْهَا فَقَامَ وَصَلَّى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، كَذَا قَالَ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ ، وَبِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ مَالِهِ ، وَلَوْ تَعَمَّدَ سَبَبَ الْمَالِ ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي الْجُمُعَةِ ، قَالَ : كَسَائِرِ الْحِيَلِ لِإِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ ، كَذَا أَطْلَقَ ، وَاسْتَدَلَّ .
وَعَنْهُ : إنْ خَافَ ظُلْمًا فِي مَالِهِ فَلْيَجْعَلْهُ وِقَايَةً لِدِينِهِ ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ .
أَوْ ضَائِعٌ يَرْجُوهُ ، أَوْ مَعِيشَةٌ يَحْتَاجُهَا ، أَوْ مَالٌ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِفْظِهِ ، وَبِخَوْفِ مُعْسِرٍ حَبَسَهُ ، أَوْ لَزِمَهُ ، أَوْ تَطْوِيلُ إمَامٍ ، أَوْ مَوْتُ قَرِيبِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
أَوْ تَمْرِيضُهُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيهِ : وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ ، وَفِي النَّصِيحَةِ : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ حُضُورِهِ ، أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ فَوْتِ

رُفْقَتِهِ ، وَبِغَلَبَةِ نُعَاسٍ يَخَافُ فَوْتَهَا فِي الْوَقْتِ ، وَكَذَا مَعَ الْإِمَامِ ، وَقِيلَ : فِي الْجَمَاعَةِ لَا الْجُمُعَةِ ، وَقِيلَ : لَا ، فِيهِمَا ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُعْذَرُ فِيهِمَا : بِخَوْفِهِ نَقْضَ وُضُوئِهِ بِانْتِظَارِهِ ، وَبِالتَّأَذِّي بِمَطَرٍ ، أَوْ وَحْلٍ ( م ) فِي الْجُمُعَةِ ، وَعَنْهُ : سَفَرًا ، وَبِرِيحٍ بَارِدَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ : مُظْلِمَةً ، وَقِيلَ : رِيحٌ شَدِيدَةٌ ، وَعَنْهُ : سَفَرًا ، وَعَنْهُ : كُلُّهَا عُذْرٌ فِي سَفَرٍ لَا حَضَرٍ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ زَادَ مُسْلِمٌ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ إذَا قُلْت أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ ، فَقَالَ : فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقُولَ : أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ .
وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ مَاجَهْ : فِي السَّفَرِ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، فَدَلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْجَمْعِ وَفِي الْفُصُولِ : يُعْذَرُ فِي الْجُمُعَةِ بِمَطَرٍ وَبَرْدٍ وَخَوْفٍ وَفِتْنَةٍ ، كَذَا قَالَ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : مَنْ قَدَرَ يَذْهَبُ فِي الْمَطَرِ فَهُوَ لَهُ أَفْضَلُ ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، ثُمَّ قَالَ : لَوْ قُلْنَا : يَنْبَغِي مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ لَأَذْهَبْت الْخُشُوعَ ، وَجَلَبْت السَّهْوَ ، فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ ، وَقَالَ : وَالزَّلْزَلَةُ عُذْرٌ ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ خَوْفٍ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ أَنَّ التَّجَلُّدَ عَلَى دَفْعِ النُّعَاسِ وَيُصَلِّي مَعَهُمْ أَفْضَلُ ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ مَا يَرْجُوهُ لَا مَا يَخَافُ تَلَفَهُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرُّخَصَ غَيْرُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ ، وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْجُمُعَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّ كُلَّ مَا

أَذْهَبَ الْخُشُوعَ كَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ عُذْرٌ ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ أَصْحَابُنَا كَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ وَالْإِفْتَاءِ .
( تَنْبِيهٌ ) .
لَيْسَ فِي بَابِ الْعُذْرِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَبَابِ صَلَاةِ الْمَرْضَى شَيْءٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ .

وَيُكْرَهُ حُضُورُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ فُجْلًا وَنَحْوَهُ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، وَقِيلَ : فِيهِ وَجْهَانِ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ خَلَا الْمَسْجِدُ مِنْ آدَمِيٍّ ، لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ ، وَالْمُرَادُ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَسْجِدٍ ، وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ قَوْلِهِ فِي الرِّعَايَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْفُصُولِ : تُكْرَهُ صَلَاةُ مَنْ أَكَلَ ذَا رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مَعَ بَقَائِهَا ، أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا .
وَفِي الْمُغْنِي فِي الْأَطْعِمَةِ : [ يُكْرَهُ ] أَكْلُ [ كُلِّ ] ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ لِأَجْلِ رَائِحَتِهِ [ مِنْهُ ] أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ : ( بَابُ مَا تُجَنَّبُ الْمَسَاجِدُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ فِيهَا لِحُرْمَتِهَا ) .
وَمِمَّا ذُكِرَ خَبَرُ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ لِخَبَرِ أَنَسٍ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّا وَلَا يُصَلِّي مَعَنَا وَلِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ : فَلَا يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ : فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ عَنْ الْبَصَلِ وَالثُّومِ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ .
وَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُغِيرَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أَكَلَ ثُومًا ، وَقَالَ : إنَّ لَك عُذْرًا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ ، وَأَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، لَكِنْ إنْ حَرُمَ دُخُولُهُ وَجَبَ إخْرَاجُهُ ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ .
وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ : إذَا شَمَّ الْإِمَامُ رِيحَ الثُّومِ يَنْهَاهُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يَقُولُ : لَا

تُؤْذُوا أَهْلَ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ .
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ رَجُلٍ مِنْ الْمَسْجِدِ شَمَّ مِنْهُ رِيحَ الثُّومِ .
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ مِنْ الْمَأْكُولِ مَضْغُ السَّذَابِ أَوْ السُّعْدِ .
وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَنْ بِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ ، وَلِهَذَا سَأَلَهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ النَّفْطِ يُسْرَجُ بِهِ ، قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَلَكِنْ يُتَأَذَّى بِرَائِحَتِهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ .
وَيُعْذَرُ مَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ إنْ رَجَا الْعَفْوَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ ، وَقِيلَ : وَلَوْ رَجَاهُ عَلَى مَالٍ ، لَا مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ ، أَوْ [ حَدُّ ] قَذْفٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ إنْ رَجَا الْعَفْوَ .
وَلَا يُعْذَرُ بِمُنْكَرٍ فِي طَرِيقِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لِنَفْسِهِ لَا قَضَاءُ حَقٍّ لِغَيْرِهِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لِأَجْلِ مَا يَتْبَعُهَا مِنْ نَوْحٍ وَتَعْدَادٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، كَذَا هُنَا ، كَذَا قَالَ ، وَلَا بِالْجَهْلِ بِالطَّرِيقِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَهْدِيهِ ، وَكَذَا بِالْعَمَى ( هـ ) وَقَالَ فِي الْفُنُونِ : الْإِسْقَاطُ بِهِ هُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ ، وَفِي الْفُصُولِ : الْمَرَضُ وَالْعَمَى مَعَ عَدَمِ الْقَائِدِ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّ الْمُجَاوِرِ فِي الْجَامِعِ [ وَالْمُجَاوِرِ ] لَهُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ : وَيَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِدِ ، كَمَدِّ الْحَبْلِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ أَيْضًا : وَمَعْنَاهُ لِغَيْرِهِ ، وَيُصَلِّي جُمُعَةً فِيهَا دُعَاءٌ لِبُغَاةٍ ، وَيُنْكِرُهُ بِحَسَبِهِ .

بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ .
يُصَلِّي قَائِمًا ( ع ) وَلَوْ مُعْتَمِدًا بِشَيْءٍ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : لَا يَلْزَمُهُ اكْتِرَاءُ مَنْ يُقِيمُهُ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَقَّ لِضَرَرٍ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ فَقَاعِدًا ( وَ ) وَيَتَرَبَّعُ ( وَ م ) نَدْبًا [ ( وَ ) ] وَقِيلَ ، وُجُوبًا وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ كَمُتَنَفِّلٍ ، قَالَ فِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةِ : وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ ، وَإِلَّا رَكَعَ قَاعِدًا ، وَعَنْهُ : إنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ تَرَبَّعَ ، وَإِلَّا افْتَرَشَ ، وَلَا يَفْتَرِشُ مُطْلَقًا ( هـ ر ق ) وَعَنْهُ : لَا يَقْعُدُ إلَّا إنْ عَجَزَ عَنْ قِيَامِهِ لِدُنْيَاهُ .
وَأَسْقَطَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ ( الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ) بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ ، وَأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ ، وَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يُسْقِطُ فَرْضَهُ بِالتَّوَهُّمِ ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ : لَا تَأْمُرْ عَلَى فُلَانٍ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُك لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ ، يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ : إنَّ الْأَصْحَابَ بَلْ وَالْإِمَامَ أَحْمَدَ إنَّمَا اعْتَبَرُوا الْخَوْفَ وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ ، وَقَدْ قَالُوا : يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ إذَا لَمْ يُؤَمَّنْ هُجُومَ الْعَدُوِّ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ : إنَّ مِنْ شَرْطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ خَوْفَ التَّلَفِ ، وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ اعْتَبَرُوا الْخَوْفَ ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : إذَا كَانَ قِيَامُهُ يُوهِنُهُ وَيُضْعِفُهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَيُصَلِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَاعِدًا إنْ أَمْكَنَ مَعَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ شَقَّ قَاعِدًا وَالْمَذْهَبُ : وَلَوْ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ كَتَعَدِّيهَا بِضَرْبِ بَطْنِهَا فَنَفَّسَتْ كَمَا سَبَقَ فَعَلَى جَنْبِهِ ، وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ قَادِرًا وَصَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ كُرِهَ وَيَصِحُّ ، وَعَنْهُ : لَا ، ( وَ ش ) وَنَقَلَ

صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ : يُصَلِّي عَلَى مَا قَدَرَ وَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ : كَيْفَ شَاءَ ، كِلَاهُمَا جَائِزٌ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِلْقَاءُ أَوَّلًا ( هـ ) وَيَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ مَا أَمْكَنَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ [ ( وَ ) ] وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَأَقَلُّ رُكُوعِهِ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَدْنَى مُقَابَلَةٍ ، وَتَتِمَّتُهَا الْكَمَالُ .
وَجَعْلُ سُجُودِهِ أَخْفَضُ ، وَإِنْ سَجَدَ مَا أَمْكَنَهُ عَلَى شَيْءٍ رَفَعَهُ كُرِهَ وَصَحَّ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً : لَا يُجْزِئُهُ ، كَيَدِهِ .
وَلَا بَأْسَ بِسُجُودِهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَعَنْهُ : هُوَ أَوْلَى مِنْ الْإِيمَاءِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِفِعْلِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا ، قَالَ : وَنَهَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ .
وَإِنْ عَجَزَ أَدَّى بِطَرَفِهِ ، نَاوِيًا ، مُسْتَحْضِرًا الْفِعْلَ وَالْقَوْلَ إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِقَلْبِهِ ، كَأَسِيرٍ عَاجِزٍ عَنْهُ لِخَوْفِهِ قَالَ أَحْمَدُ : لَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ مَعَ عَقْلِهِ ، وَفِي التَّبْصِرَةِ : صَلَّى بِقَلْبِهِ أَوْ طَرْفِهِ ، وَفِي الْخِلَافِ : أَوْمَأَ بِعَيْنَيْهِ ، وَحَاجِبَيْهِ ، أَوْ قَلْبِهِ ، وَقَاسَ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِيمَاءُ بِيَدَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْزَمَهُ ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : يُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَيُومِئُ ، قَالَ : فَأَطْلَقَ وُجُوبَ الْإِيمَاءِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ ، وَعَلَى أَنَّ الطَّرْفَ مِنْ مَوْضِعِ الْإِيمَاءِ ، وَالْيَدَانِ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الْإِيمَاءِ بِحَالٍ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِطَرْفِهِ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَدْ احْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا ،

فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَالِسًا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا وَأَوْمَأَ بِطَرْفِهِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا ، وَلَيْسَ فِيهِ : وَأَوْمَأَ بِطَرْفِهِ .
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .
وَكَتَحْرِيكِ لِسَانٍ عَاجِزٍ وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ .
قَالَ فِي الْفُنُونِ : الْأَحْدَبُ يُجَدِّدُ لِلرُّكُوعِ نِيَّةً ، لِكَوْنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، كَمَرِيضٍ لَا يُطِيقُ الْحَرَكَةَ يُجَدِّدُ لِكُلِّ فِعْلٍ وَرُكْنٍ قَصْدًا كَفُلْكٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِالنِّيَّةِ ، وَعَنْهُ : تَسْقُطُ الصَّلَاةُ .
اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ( وَ هـ ) لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَفِي لَفْظٍ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، كَذَا قَالَ ، وَرَوَى الدَّارِمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْحِمَّانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .

وَمَنْ صَلَّى فَذًّا أَوْ غَيْرَ قَائِمٍ لِعُذْرٍ فَهَلْ يَكْمُلُ ثَوَابُهُ ؟ سَبَقَتْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَأَوَّلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْعِبَادَةَ عَجْزًا فَهَلْ يَكْمُلُ ثَوَابُهُ ؟ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي أَخْبَارِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْفَذِّ : لَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ لِعُذْرٍ ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ لَوْلَا الْعُذْرِ [ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُهُ ] .
ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَ أَبِي مُوسَى : إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : مِثْلَ أَجْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ صَلَّاهَا ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ كَأَحَدِهِمْ ، وَكَذَا اخْتَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ فِي حَدِيثِ مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ أَنَّ لَهُ أَجْرَ الشَّهِيدِ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ : مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ وَمِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ : مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ إثْمِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ : مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا .
مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَعَنْ أَبِي

كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ مَرْفُوعًا مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُ أَرْبَعَةٍ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِي مَالِهِ بِعِلْمِهِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَقَالَ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ فُلَانٍ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ عَمَلِهِ ، فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا ، فَهُوَ يَتَخَبَّطُ فِيهِ لَا يَدْرِي مَا لَهُ مِمَّا عَلَيْهِ ؛ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَقَالَ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ فُلَانٍ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ عَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُمَا فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ إلَى قَوْلِهِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْهُ .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَابْنِ قُتَيْبَةَ " أَنَّ الْمُؤْمِنَ تُكْتَبُ لَهُ طَاعَاتُهُ الَّتِي كَانَ يَعْمَلُهَا " .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا ، إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَةِ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَاخْتَارَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَقَالَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ ، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ فِي الْمَعْذُورِ قِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ مُسَاوِيًا ، وَقِيلَ : يُعْطَى أَجْرُهُ بِلَا تَضْعِيفٍ فَيَفْضُلُهُ الْغَازِي بِالتَّضْعِيفِ ، لِلْمُبَاشَرَةِ ، قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ اُكْتُبُوا لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الصِّحَّةِ وَبِحَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ ، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إنَّ بِالْمَدِينَةِ .
لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا ، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا ، إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ، حَبَسَهُمْ الْمَرَضُ وَفِي رِوَايَةٍ إلَّا شَرِكُوكُمْ فِي الْأَجْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ : وَهُمْ

بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ وَلَمْ يُجِبْ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا : إنَّهُ فَضَّلَهُمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ أُولِي الضَّرَرِ بِدَرَجَةٍ ، وَعَلَى غَيْرِهِمْ بِدَرَجَاتٍ ، وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا : هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرَارِ ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَمُقَاتِلٍ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَقَالَ قَوْمٌ : التَّفْضِيلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ ، مُبَالَغَةً ، وَبَيَانًا ، وَتَأْكِيدًا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ، كَصَاحِبِ الْمَحْصُولِ فِي تَفْسِيرِهِ فِي الْآيَةِ ، وَاخْتَارَهُ الْمَهْدَوِيُّ الْمَالِكِيُّ ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْمُتَخَلِّفِ عَنْ الْجِهَادِ لِعُذْرٍ : لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ لَا كُلُّهُ .

مَعَ قَوْلِهِ : مَنْ لَمْ يُصَلِّ قَائِمًا لِعَجْزِهِ ثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا ، لَا يَنْقُصُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا .
فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ الْعِبَادَةَ عَلَى قُصُورٍ ، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : إنَّ التَّفْضِيلَ فِي هَذَا وَفِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْفَذِّ وَفِي قَوْلِهِ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْذُورِ ، قَالَ : وَحَدِيثُ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُبَيِّنُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْخَيْرَ لَيْسَ كَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ ، وَلَيْسَ مَنْ حَجَّ كَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ ، فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ مَنْ كَانَ لَهُ حِزْبٌ مِنْ اللَّيْلِ فَنَامَ عَنْهُ أَوْ مَرِضَ ، كُتِبَ لَهُ قُلْنَا : لَا نُنْكِرُ تَخْصِيصَ مَا شَاءَ اللَّهُ تَخْصِيصَهُ بِالنَّصِّ ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُهُ بِالظَّنِّ وَالرَّأْيِ ، كَذَا قَالَ ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ ، وَمَشَى مَعَ الظَّاهِرِ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَقُومَ فَنَامَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَلِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ أَنْ يَقُولَ : الْمُرَادُ نِيَّةُ مَا نَوَى ، لَا عَمَلُهُ مِنْ اللَّيْلِ ، عَلَى ظَاهِرِهِ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ عُمَرَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] مَرْفُوعًا مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقَالَ شَيْخُنَا : مَنْ نَوَى الْخَيْرَ وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْفَاعِلِ .
ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ ، وَحَدِيثِ إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا وَحَدِيثِ إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ وَحَدِيثِ مَنْ دَعَا إلَى هُدًى [ قَالَ : ] وَلَهُ نَظَائِرُ ، وَاحْتَجَّ بِهَا فِي مَكَان آخَرَ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ وَقَالَ أَيْضًا عَنْ حَدِيثِ إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَكَانَ يَعْتَادُهَا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْجَمَاعَةِ ،

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْتَادُهَا لَمْ يُكْتَبْ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ إنَّمَا لَهُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ صَلَاةُ مُنْفَرِدٍ ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا صَلَّى قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا ، قَالَ : وَمَنْ قَصَدَ الْجَمَاعَةَ فَلَمْ يُدْرِكْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي قَوْلِ مُعَاذٍ لِأَبِي مُوسَى : " أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ ثُمَّ أَقُومُ ، فَأَقْرَأُ ، فَأَحْتَسِبُ فِي نَوْمَتِي ، مَا أَحْتَسِبُ فِي قَوْمَتِي " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، قَالَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا نَوَى بِالنَّوْمِ الْقُوَّةَ عَلَى الْقِيَامِ وَإِرَاحَةَ بَدَنِهِ لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ مَا يُكْتَبُ لَهُ فِي حَالِ قِيَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ لِيَدْأَبَ ، وَيَنَامُ لِيَقُومَ ، فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَقَالَ : وَفِي حَدِيثِ : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا : كَانَ مِنْ حُسْنِ فِقْهِ الْفُقَرَاءِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لَهُمْ مِثْلَ تَسْبِيحِ الْأَغْنِيَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْهُمْ فَلَهُمْ ثَوَابُ مَنْ عَمِلَ بِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَفْقَهُوا ، حَتَّى جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا لَهُ فَأَجَابَهُمْ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ يُشِيرُ إلَى الْفِقْهِ ، فَالْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فَضْلُ الْآدَمِيِّ فِي عِلْمِهِ وَفِقْهِهِ .

فَصْلٌ .
وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَأَمْكَنَهُ قِيَامٌ قَامَ وَأَوْمَأَ بِرُكُوعِهِ قَائِمًا ، وَبِسُجُودِهِ جَالِسًا ، لَا جَالِسًا يُومِئُ بِهِمَا ( هـ ) وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنْ قَدَرَ فِيهَا عَلَى قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ لَزِمَهُ وَأَتَمَّهَا ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْرَأْ قَامَ فَقَرَأَ ، وَإِلَّا قَامَ وَرَكَعَ بِلَا قِرَاءَةٍ ، وَإِنْ أَبْطَأَ مُتَثَاقِلًا مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ فَعَادَ الْعَجْزُ ، فَإِنْ كَانَ فِي قُعُودٍ مِنْ صَلَاتِهِ كَتَشَهُّدٍ صَحَّتْ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ وَلَوْ جَهِلُوا ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ ، وَظَاهِرُ [ كَلَامِ ] جَمَاعَةٍ : فِي الْمَأْمُومِ الْخِلَافُ ، وَهُوَ أَوْلَى .
وَيُبْنَى عَلَى إيمَاءٍ ( هـ ) وَيَبْنِي عَاجِزٌ فِيهَا [ ( وَ ) ] وَلَوْ طَرَأَ عَجْزٌ فَأَتَمَّ الْفَاتِحَةَ فِي انْحِطَاطِهِ أَجْزَأَ ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْقُعُودِ ، لَا مَنْ صَحَّ فَأَتَمَّهَا فِي ارْتِفَاعِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِالتَّحْرِيمَةِ مُنْحَطًّا لَا يُجْزِئُهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا تُجْزِئُهُ التَّحْرِيمَةُ مُنْحَطًّا كَقِرَاءَةِ الْمُتَنَفِّلِ فِي انْحِطَاطِهِ .
وَمَنْ قَدَرَ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَجَالِسًا جَمَاعَةً خُيِّرَ ( وَ هـ ش ) وَقِيلَ : جَمَاعَةً أَوْلَى ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ قَائِمًا ، وَلِلْمَرِيضِ الصَّلَاةُ مُسْتَلْقِيًا ( وَ هـ ) بِقَوْلِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ طَبِيبٍ وَسُمِّيَ بِهِ لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ وَقِيلَ بِثِقَتَيْنِ إنَّهُ يَنْفَعُهُ ، وَقِيلَ : عَنْ يَقِينٍ ، وَقَاسَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى الْفِطْرِ لِرَجَاءِ الصِّحَّةِ ، وَنَصَّ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ : إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ .
وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ قَاعِدًا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَسِيرَ الْخَائِفَ يُومِئُ ، وَسَبَقَ آخِرُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَحُكْمُ مَنْ خَافَ إنْ انْتَصَبَ قَائِمًا .

بَابٌ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ مَنْ ابْتَدَأَ سَفَرًا مُبَاحًا ( و م ش ) وَالْأَصَحُّ : أَوْ هُوَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مُحَرَّمٍ كَالْعَكْسِ ، كَتَوْبَتِهِ ، وَقَدْ بَقِيَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : أَوْ لَا ، وَعَنْهُ : مُبَاحًا غَيْرَ نُزْهَةٍ وَلَا فُرْجَةٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي لِأَنَّهُ لَهْوٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ ، وَلَا حَاجَةٍ ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِإِبَاحَتِهِ ، وَسَبَقَ فِي الْمَسْحِ كَلَامُ شَيْخِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ : سَفَرَ طَاعَةٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ [ نَاوِيًا ] ( و ) وَمَنْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ صَلَاةٌ ، كَحَائِضٍ وَكَافِرٍ ثُمَّ تَطْهُرُ وَيُسْلِمُ وَقَدْ بَقِيَ دُونَ الْمَسَافَةِ قَصَرَ ، وَكَذَا مَنْ بَلَغَ [ هـ ] خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا فِيمَنْ كَلَّفَ نَاوِيًا مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ أَرْبَعَةَ بُرْدٍ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : تَحْدِيدًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : تَقْرِيبًا ، وَهُوَ أَوْلَى سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا ( و م ش ) وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ ، وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ ، وَالْمِيلُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ ، سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ ، أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَمُتَعَرِّضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ بِرًّا أَوْ بَحْرًا ( وَ ) لَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا بِسَيْرِ الْإِبِلِ ( هـ ) فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً ( ع ) رَكْعَتَيْنِ ( ع ) لَا ثَلَاثًا ، فَلَوْ قَامَ إلَيْهَا عَمْدًا أَتَمَّ أَرْبَعًا ، إذَا فَارَقَ خِيَامَ قَوْمِهِ ( و ) أَوْ بُيُوتَ بَلَدِهِ ( و ) الْعَامِرَةَ ، وَقِيلَ : وَالْخَرَابَ ، كَمَا لَوْ وَلِيَهُ عَامِرٌ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : أَوْ جَعَلَ مَزَارِعَ وَبَسَاتِينَ يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ وَلَوْ فِي فَصْلٍ لِلنُّزْهَةِ ، وَقِيلَ : إذَا فَارَقَ سُورَ بَلَدِهِ ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ : وَلَوْ اتَّصَلَ بِهِ بَلَدٌ ، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْمَعَالِي انْفِصَالَهُ وَلَوْ بِذِرَاعٍ ، وَكَذَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ : لَا يَتَّصِلُ ، قَالَ أَبُو

الْمَعَالِي وَإِنْ بَرَزُوا بِمَكَانٍ لِقَصْدِ الِاجْتِمَاعِ يُنْشِئُونَ السَّفَرَ مِنْهُ فَلَا قَصْرَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : يَقْصُرُ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَيُعْتَبَرُ فِي سُكَّانِ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ مُفَارَقَةُ مَا نُسِبُوا إلَيْهِ عُرْفًا ، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو الْمَعَالِي مُفَارَقَةَ مَنْ صَعِدَ جَبَلًا الْمَكَانَ الْمُحَاذِيَ لِرُءُوسِ الْحِيطَانِ ، وَمُفَارَقَةَ مَنْ هَبَطَ لِأَسَاسِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَبَرَ مُفَارَقَةَ الْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً اعْتَبَرَ هُنَا مُفَارَقَةَ سِمَتِهَا .
وَعَنْهُ : يُعِيدُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَسَافَةَ ، خِلَافًا لِلْجَمِيعِ ، وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ عَقِيلٍ الْقَصْرَ بِبُلُوغِ الْمَسَافَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا ، خِلَافًا لِلْجَمِيعِ ، كَنِيَّةِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ يَجْهَلُ مَسَافَتَهُ ثُمَّ عَلِمَهَا يَقْصُرُ بَعْدَ عِلْمِهِ ، كَجَاهِلٍ بِجَوَازِ الْقَصْرِ ابْتِدَاءً ، أَوْ عَلِمَهَا ثُمَّ نَوَى إنْ وَجَدَ غَرِيمَهُ رَجَعَ ، أَوْ نَوَى إقَامَةً بِبَلَدٍ دُونَ مَقْصِدِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِ نِيَّتِهِ الْأُولَى دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَصَرَ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ انْعَقَدَ ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ الْمُعَلَّقَةِ حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ الْمُعْتَبَرُ ، وَقِيلَ : لَا يَقْصُرُ ، وَلَا يَتَرَخَّصُ فِي نَفْيٍ وَتَغْرِيبٍ ، إلَّا مَحْرَمَ الْمَرْأَةِ يَتَرَخَّصُ
بَابٌ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " الْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ ، أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا " لَعَلَّهُ وَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ ، أَوْ : وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ

فَصْلٌ .
وَيَقْصُرُ وَيَتَرَخَّصُ مُسَافِرٌ مُكْرَهًا ، كَأَسِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ ( ش ) كَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ ( و ) تَبَعًا لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ فِي نِيَّتِهِ وَسَفَرِهِ ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ فِي النَّوَادِرِ : لَا قَصْرَ .
وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : تُعْتَبَرُ نِيَّةُ مَنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ ، وَقَالَ : وَالْجَيْشُ مَعَ الْأَمِيرِ ، وَالْجُنْدِيُّ مَعَ أَمِيرِهِ إنْ كَانَ رِزْقُهُمْ فِي مَالِ أَنْفُسِهِمْ فَفِي أَيِّهِمَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَإِلَّا فَكَالْأَجِيرِ ، وَالْعَبْدِ لِلشَّرِيكَيْنِ تُرَجَّحُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا ، وَمَتَى صَارَ الْأَسِيرُ بِبَلَدِهِمْ أَتَمَّ فِي الْمَنْصُوصِ تَبَعًا لِإِقَامَتِهِمْ كَسَفَرِهِمْ ، وَيَقْصُرُ مَنْ حُبِسَ ظُلْمًا ، أَوْ حَبَسَهُ مَرَضٌ أَوْ مَطَرٌ وَنَحْوُهُ ( و ) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ حُكْمُ سَفَرِهِ لِوُجُودِ صُورَةِ الْإِقَامَةِ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : كَقَصْرِهِ ، لِوُجُودِ صُورَةِ السَّفَرِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَيَقْصُرُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا أَبْعَدَ لِيَقْصُرَ ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ قَصْدٍ صَحِيحٍ كَخَوْفٍ وَمَشَقَّةٍ ، فَعَدَمُ الْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَضُرُّ ، وَقِيلَ : لَا ، بَلْ لِقَصْدٍ صَحِيحٍ ، خَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى سَفَرِ النُّزْهَةِ ، مَعَ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَلَدٍ لَهُ طَرِيقَانِ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ ، وَتَخْرِيجُهُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سَفَرِ النُّزْهَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ لِقَصْدِ التَّرَخُّصِ فَقَطْ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهُ لِلنُّزْهَةِ عَلَى مَا سَبَقَ ، وَهَذَا يُبَيِّنُ ضَعْفَ التَّخْرِيجِ ، وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ ، وَلَا تَكَلَّمُوا عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ مَنْ قَصَدَ قَرْيَةً بَعِيدَةً لِحَاجَةٍ هِيَ فِي قَرْيَتِهِ ، وَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَصْلًا لِلْجَوَازِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، وَلَعَلَّ التَّسْوِيَةَ أَوْلَى ، وَلَوْ سَافَرَ لِيَتَرَخَّصَ فَقَدْ ذَكَرُوا لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُكْرَهُ قَصْدُ الْمَسَاجِدِ لِلْإِعَادَةِ ، كَالسَّفَرِ لِلتَّرَخُّصِ ، كَذَا [ قَالَ ] وَقَالَ فِي مَسْأَلَةٍ :

هَلْ الْمَسْحُ أَفْضَلُ أَمْ الْغَسْلُ أَفْضَلُ ؟ أَمَّا مَنْ لَا خُفَّ عَلَيْهِ ، وَأَرَادَ اللُّبْسَ لِغَرَضِ الْمَسْحِ خَاصَّةً فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ، كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ إنْشَاءٌ السَّفَرِ لِغَرَضِ التَّرَخُّصِ ، كَذَا قَالَ ، وَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ : مَنْ سَافَرَ يَقْصِدُ حَلَّ يَمِينِهِ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي : الْحُجَّةُ مَنْ أَبَاحَ الْقَصْرَ فِي كُلِّ سَفَرٍ ، لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقَالَ أَيْضًا : إنْ حُدَّ فَتَحْدِيدُهُ بِبَرِيدٍ أَجْوَدُ ، وَقَالَهُ أَيْضًا فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ ، وَأَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ رَجَّحَهُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ( م ش ) كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ فِيهِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا فِي التَّلْخِيصِ ، وَهِيَ أَظْهَرُ ( و ) وَكَعَاصٍ فِي سَفَرِهِ ( و ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السَّفَرَ الْمَكْرُوهَ يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ الْمُنَجَّى ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَكَذَا [ قَالَ ] ابْنُ عَقِيلٍ فِي السَّفَرِ إلَى الْمَشَاهِدِ لَا يَتَرَخَّصُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَشْبَهَ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الِاعْتِكَافِ ، وَقَدْ بَانَ بِمَا سَبَقَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هَلْ تَمْنَعُ التَّرْخِيصَ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ( م 1 ) وَأَطْلَقَ أَصْحَابُنَا إبَاحَةَ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ : غَيْرُ مُكَاثِرٍ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَحَرَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، مَرْفُوعًا وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا مُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَمَّا سُورَةُ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ فَتَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ لِمَنْ شَغَلَهُ عَنْ عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ ، وَالتَّكَاثُرُ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ ، أَوْ مُحْتَمِلٌ ، فَيُكْرَهُ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِاتِّسَاعَ فِي الْمَكَاسِبِ وَالْمَبَانِي مِنْ حِلٍّ إذَا أَدَّى جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ قَبْلَهُ مُبَاحٌ ،

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْ كَارِهٍ وَمِنْ غَيْرِ كَارِهٍ ، وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ ( و ) وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ ( هـ ) فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا ، وَعَنْهُ : لَا يُعْجِبُنِي الْإِتْمَامُ ، وَكَرِهَهُ شَيْخُنَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَقَدْ بَانَ بِمَا سَبَقَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هَلْ تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، مَنْع جَوَازِ الرُّخَصِ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي السَّفَرِ إلَى الْمَشَاهِدِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قُلْت : الصَّوَابُ الْجَوَازُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا : إذَا سَافَرَ سَفَرًا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ ، فَظَاهِرُ الْكَلَامِ جَوَازُ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ : وَيُسَنُّ لِمُسَافِرٍ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، انْتَهَى ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ " يُقَوِّي هَذَا ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ مَنَعُوا مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْعَهُمْ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِنَزْعِهَا ، لَا لِكَوْنِهَا مَكْرُوهَةً ، وَلَوْ عَلَّلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ لَكَانَ الصَّحِيحُ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا ، وَقَدْ قَالَ بِالْجَوَازِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .

وَيُوتِرُ وَيَرْكَعُ سُنَّةَ الْفَجْرِ ، وَيُخَيَّرُ فِي غَيْرِهِمَا ( ش ) فِي فِعْلِهِ ، وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ كَقَوْلِنَا وَقَوْلِهِ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : يُسَنُّ تَرْكُهُ غَيْرَهُمَا ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : التَّطَوُّعُ فِي السَّفَرِ ؟ قَالَ : أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي التَّخْيِيرَ فِي النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : يَتَطَوَّعُ أَفْضَلُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَغَيْرِهِمَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا .
.

فَصْلٌ .
تُشْتَرَطُ نِيَّةٌ ( و ش ) وَالْعِلْمُ بِهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، وَإِنَّ إمَامَهُ إذًا مُسَافِرٌ [ وَلَوْ ] بِأَمَارَةٍ وَعَلَامَةٍ كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ ، لَا أَنَّ إمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ ، عَمَلًا بِالظَّنِّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ قَصَرَ قَصَرْت ، وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْت ، لَمْ يَضُرَّ ، ثُمَّ فِي قَصْرِهِ إنْ سَبَقَ إمَامُهُ الْحَدَثُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ وَجْهَانِ ، لِتَعَارُضِ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ ( م 2 ) وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مُقِيمًا أَتَمُّوا ( هـ م ) لِأَنَّهُمْ بِاقْتِدَائِهِمْ [ بِهِ ] الْتَزَمُوا حُكْمَ تَحْرِيمَتِهِ ؛ وَلِأَنَّ قُدُومَ السَّفِينَةِ بَلَدَهُ يُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مُقِيمٌ مُسَافِرًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَصْرٌ وَحْدَهُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيمَنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ عَلِمَ بِهَا أَنَّهُ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ : يَصِحُّ الْقَصْرُ بِلَا نِيَّةٍ ( و هـ م ) وَالْأَشْهَرُ : وَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ ابْتِدَاءً ( م ) لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ ، فَيُخَيَّرُ مُطْلَقًا كَالصَّوْمِ

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : لَمْ يَضُرَّ ، ثُمَّ فِي قَصْرِهِ إنْ سَبَقَ إمَامُهُ الْحَدَثَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ وَجْهَانِ ، لِتَعَارُضِ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ .
انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ : أَحَدُهُمَا لَهُ الْقَصْرُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ نَوَى الْقَصْرَ فَأَحْدَثَ إمَامُهُ الْمُقِيمُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ ، أَوْ بَانَ الْإِمَامُ الْمُقِيمُ قَبْلَ السَّلَامِ مُحْدِثًا ، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي الْأَصَحِّ ، انْتَهَى ، وَلَيْسَتْ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُهَا ، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ : وَفِي وُجُوبِ إتْمَامِ مَنْ عَلِمَ حَدَثَ إمَامِهِ الْمُقِيمِ قَبْلَ سَلَامِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إمَامَهُ مُسَافِرٌ بِأَمَارَةٍ ، أَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا ، فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ ، فَإِنْ سَبَقَ إمَامُهُ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، فَخَرَجَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ ، فَلَهُ الْقَصْرُ فِي وَجْهٍ ، وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ فِي آخَرَ ، انْتَهَى ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : فَإِنْ جَهِلَ الْمُؤْتَمُّ حَالَ إمَامِهِ تَبِعَهُ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِتْمَامَ فَتَبِعَهُ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .

.
وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ رَفَضَهُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ جَازَ [ ( م ) ] وَأَتَمَّ ، لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ ، فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ مُطْلَقَةً ، وَلَوْ فَعَلَهُ عَمْدًا مَعَ بَقَاءِ نِيَّةِ قَصْرِهِ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ ( م 3 ) .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ رَفَضَهُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ جَازَ .
وَلَوْ فَعَلَهُ عَمْدًا مَعَ بَقَاءِ نِيَّةِ قَصْرِهِ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ .
انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ .
قُلْت الصَّوَابُ جَوَازُهُ ، وَفِعْلُهُ عَمْدًا دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ نِيَّةِ الْقَصْرِ ، ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ قَالَ : وَجْهُ الصِّحَّةِ إلْغَاءُ نِيَّةِ الْقَصْرِ بِفِعْلِ الْإِتْمَامِ ، لِأَصَالَتِهِ ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ كَوْنُ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ زِيَادَةَ فِعْلٍ عَمْدًا ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْبُطْلَانُ ، انْتَهَى .
وَالْأَوَّلُ أَقْوَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ عَزَمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ تَابَ مِنْهُ فِي صَلَاةٍ أَتَمَّ ، وَلَوْ ذَكَرَ مَنْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا قَطَعَ ، فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَتَمَّ ، وَأَنَّى لَهُ بِرَكْعَتَيْنِ سِوَى مَا سَهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَلْغُو ( هـ ) وَلَوْ كَانَ مَنْ سَهَا إمَامًا بِمُسَافِرٍ تَابَعَهُ ( هـ م ) إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِسَهْوِهِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُتَابَعَتِهِ ، كَقِيَامِ مُقِيمٍ إلَى خَامِسَةٍ .
وَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ : لَا تَبْطُلُ

وَمَنْ نَوَى الْقَصْرَ فَأَتَمَّ سَهْوًا فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ ( و ) وَالزِّيَادَةُ سَهْوٌ يَسْجُدُ لَهَا ، وَقِيلَ : لَا .
وَمَنْ أَوْقَعَ بَعْضَ صَلَاتِهِ مُقِيمًا كَرَاكِبِ سَفِينَةٍ أَتَمَّ ( و ) وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصْلًا لَمَّا ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ ، وَقِيلَ : إنْ نَوَى الْقَصْرَ مَعَ عِلْمِهِ بِإِقَامَتِهِ فِي أَثْنَائِهَا صَحَّ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ كَانَ مَسَحَ فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَطَلَتْ فِي الْأَشْهَرِ ، لِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ ، وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ ( و ) أَوْ عَكْسَهُ ( و ق ) أَتَمَّ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ ، وَحَكَى فِي الْأُولَى اعْتِبَارًا بِحَالَةِ أَدَائِهَا كَصَلَاةِ صِحَّةٍ فِي مَرَضٍ .
وَمَنْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ اعْتَقَدَهُ مُسَافِرًا أَوْ لَا وَعَنْهُ فِي رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ ( و م ) أَتَمَّ ، فَيُتِمُّ مَنْ أَدْرَكَ تَشَهُّدَ الْجُمُعَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ : يَقْصُرُ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ : يَقْصُرُ مُطْلَقًا ، كَمَا خَرَّجَ بَعْضُهُمْ إيقَاعَهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى صِحَّةِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ ، وَإِنْ نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ حَيْثُ يُحْرِمُ عَالِمًا كَمَنْ نَوَاهُ خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِمًا لَمْ تَنْعَقِدْ ، لِنِيَّةِ تَرْكِ الْمُتَابَعَةِ ابْتِدَاءً ، كَنِيَّةِ مُقِيمٍ الْقَصْرَ ، وَنِيَّةِ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ الظُّهْرَ ، خَلْفَ إمَامِ جُمُعَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : تَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلْإِتْمَامِ تَعْيِينُهُ بِنِيَّةٍ ، فَيُتِمُّ تَبَعًا كَغَيْرِ الْعَالِمِ ، وَإِنْ صَحَّ الْقَصْرُ بِلَا نِيَّةٍ قَصَرَ ، وَتَتَخَرَّجُ الصِّحَّةُ فِي عَبْدٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ .
وَإِنْ نَوَاهَا الْمُسَافِرُ قَصْرًا أَتَمَّ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يَتَّجِهُ أَنْ تُجْزِئَهُ إنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ : وَإِنْ ائْتَمَّ مَنْ يَقْصُرُ الظُّهْرَ بِمُسَافِرٍ ، أَوْ مُقِيمٍ يُصَلِّي الصُّبْحَ ، أَتَمَّ

فَصْلٌ .
وَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ خَلْفَ مُقِيمٍ ( هـ ) وَلَوْ فَسَدَتْ قَبْلَ رَكْعَةٍ ( م ) فَأَعَادَهَا أَتَمَّ ، وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَتَمَّ ، وَلَوْ بَانَ قَبْلَ السَّلَامِ فَوَجْهَانِ ( م 4 ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ بَانَ مُحْدِثًا مُقِيمًا مَعًا قَصَرَ ، وَكَذَا إنْ بَانَ حَدَثُهُ أَوَّلًا لَا عَكْسُهُ .
وَلَوْ ائْتَمَّ مَنْ جَهِلَ حَدَثَ نَفْسِهِ بِمُقِيمٍ ثُمَّ عَلِمَ قَصَرَ ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا حُكْمَ لَهُ ، وَيُتِمُّ مَنْ سَافَرَ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَقْصُرُ ( و هـ ش ) كَمَا يَقْضِي الْمَرِيضُ مَا تَرَكَهُ فِي الصِّحَّةِ نَاقِصًا ، احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَكَمَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى عَبْدٍ عَتَقَ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَكَالْمَسْحِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مُدَّتَهُ غَيْرُ مُرْتَبِطَةٍ ، فَلَا يَفْسُدُ الْمَسْحُ فِي أَوَّلِهَا بِفَسَادِهِ فِي آخِرِهَا ، فَاعْتُبِرَ بِحَالِهِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَمْ يَقْصُرْ ، وَعَنْهُ : إنْ فَعَلَهَا فِي وَقْتِهَا قَصَرَ ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى .
وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةَ سَفَرٍ فَذَكَرَ فِيهِ قَصَرَ ( و ) وَقِيلَ : لَا ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَدَاءِ كَالْجُمُعَةِ ، وَنَقُلْ الْمَرُّوذِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَكَذَا فِي سَفَرٍ آخَرَ ( و ) وَقِيلَ : يُتِمُّ كَذِكْرِهِ فِي إقَامَةٍ مُتَخَلِّلَة ، وَقِيلَ فِيهِ : يَقْصُرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ابْتِدَاءُ وُجُوبِهَا فِيهِ .
وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ تَقْيِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاسٍ ، وَمِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الَّتِي قَبْلَهَا : يُتِمُّ مَنْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَهَا بِلَا عُذْرٍ حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا ، عَنْهَا ، وَقَاسَهُ عَلَى السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ ، وَقَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ تُفْعَلَ فِي وَقْتِهَا ، وَقِيلَ : يَقْصُرُ ( و ) لِعَدَمِ تَحْرِيمِ السَّبَبِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي الْأَوَّلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَالْجُمُعَةِ ، قَالَ : وَهُوَ فَاسِدٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ ، وَفِي التَّعْلِيقِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ : إنْ سَافَرَ

بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَمْ يَقْصُرْهَا ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ ، وَلَا تَثْبُتُ الرُّخْصَةُ مَعَ التَّفْرِيطِ فِي الْمُرَخَّصِ فِيهِ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ أَتَمَّ وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَتَمَّ ، وَلَوْ بَانَ قَبْلَ السَّلَامِ فَوَجْهَانِ .
انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَغَيْرِهِمْ : أَحَدُهُمَا يُتِمُّ .
قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَانَ بَعْدَ السَّلَامِ ؛ وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَقْصُرُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : فَلَهُ الْقَصْرُ فِي الْأَصَحِّ .

فَصْلٌ وَإِنْ نَوَى مُسَافِرٌ إقَامَةً مُطْلَقَةً وَقِيلَ : بِمَوْضِعٍ يُقَامُ فِيهِ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ( و هـ ) أَتَمَّ ، وَكَذَا إنْ نَوَى مُدَّةً فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، أَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الْمُدَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ الْمُذْهَبُ ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ( و م ش ) وَعَنْهُ : ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ صَلَاةً ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي الْمُذْهَبُ ، وَفِي النَّصِيحَةِ : فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ( هـ ) بَلْ فِي رُسْتَاقٍ يَنْتَقِلُ فِيهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ كَقَصْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ عَشْرًا وَقِيلَ : لَا ، وَقَائِلٍ هَذَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ بِوُصُولِهِ مُنْتَهَى قَصْدِهِ خِلَافًا لِلْجَمِيعِ ، وَيَوْمُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمُدَّةِ ، وَعَنْهُ : لَا ( و م ش ) وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ : الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ وَأَنَّهُ مُسَافِرٌ مَا لَمْ يُجْمِعْ عَلَى إقَامَةٍ وَيَسْتَوْطِنُ ، كَإِقَامَتِهِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ ( و ) لَا يَعْلَمُ فَرَاغَ الْحَاجَةِ قَبْلَ الْمُدَّةِ ، وَقِيلَ : وَلَا يَظُنُّ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ مَا لَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً ، وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ ( ع ) وَفِي التَّلْخِيصِ : إقَامَةُ الْجَيْشِ الطَّوِيلَةِ لِلْغَزْوِ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( و هـ م ق ) وَلَوْ نَوَى إقَامَةً بِشَرْطٍ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا كَلَامَ ، وَإِنْ وُجِدَ فَفَسَخَ بَعْدَهُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ ، فَعَنْهُ : كَفَسْخِهِ مَعَهُ ، إبْطَالًا لِلنِّيَّةِ بِالنِّيَّةِ ، فَيَقْصُرُ مِنْ نِيَّتِهِ ، وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ : يَقْصُرُ إذَا سَافَرَ ، كَمَا لَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ ( م 5 )

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ نَوَى إقَامَةً بِشَرْطٍ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا كَلَامَ ، وَإِنْ وُجِدَ فَفُسِخَ بَعْدَهُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ فَعَنْهُ كَفَسْخِهِ مَعَهُ إبْطَالًا لِلنِّيَّةِ بِالنِّيَّةِ ، فَيَقْصُرُ مِنْ نِيَّتِهِ ، وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ : يَقْصُرُ إذَا سَافَرَ ، كَمَا لَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى ، إحْدَاهُمَا وَيَكُونُ كَفَسْخِهِ مَعَهُ إبْطَالًا لِلنِّيَّةِ بِالنِّيَّةِ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ، فَيَقْصُرُ مِنْ نِيَّتِهِ ، قُلْت : وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَقْصُرُ إذَا سَافَرَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعْهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا : عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ .

وَلَوْ مَرَّ بِوَطَنِهِ أَتَمَّ ( و هـ م ق ) وَعَنْهُ : وَلَا حَاجَةَ وَإِلَّا قَصَرَ ، وَكَذَا إنْ مَرَّ بِبَلَدٍ لَهُ فِيهِ امْرَأَةٌ أَوْ تَزَوَّجَ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَهْلٌ ( خ ) أَوْ مَاشِيَةٌ ( خ ) لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ هُمَا ( و م ) وَقِيلَ : أَوْ مَالٌ ، وَفِي ( عُمَدِ الْأَدِلَّةِ ) لَا مَنْقُولٌ وَقِيلَ : إنْ كَانَ بِهِ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ أَوْ دَارٌ قَصَرَ ، وَفِي أَهْلِ غَيْرِهِمَا وَمَالٍ وَجْهَانِ وَمَنْ فَارَقَ وَطَنَهُ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ بِقُرْبٍ لِحَاجَةٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ حَتَّى يَرْجِعَ وَيُفَارِقَهُ ( و ) وَكَذَا إنْ رَجَعَ لِمُرُورِهِ بِهِ فِي طَرِيقِ مَقْصِدِهِ ( ق ) وَعَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ : هُوَ كَغَيْرِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ بَلْ بَدَا لَهُ لِحَاجَةٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ بَعْدَ نِيَّةِ عَوْدِهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ ثَانِيَةً ( و ) وَعَنْهُ .
يَتَرَخَّصُ فِي عَوْدِهِ إلَيْهِ لَا فِيهِ ، كَنِيَّةٍ طَارِئَةٍ لِلْإِقَامَةِ بِقَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ .
وَمَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ أَقَامَ بِهِ إقَامَةً مَانِعَةً تَرَخَّصَ مُطْلَقًا حَتَّى فِيهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) لِزَوَالِ نِيَّةِ إقَامَتِهِ ، كَعَوْدِهِ مُخْتَارًا ، وَقِيلَ : كَوَطَنِهِ ، وَيُعْتَبَرُ لِلسَّفَرِ الْمُبِيحِ كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا ، فَإِنْ كَانَ دَائِمًا كَمَلَّاحٍ بِأَهْلِهِ دَهْرَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ ( خ ) .
لِتَفْوِيتِ رَمَضَانَ بِلَا فَائِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي السَّفَرِ ، وَكَمَا تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ مَكَانَهَا ( و ) كَمُقِيمٍ ، وَمِثْلُهُ مُكَارٍ ، وَرَاعٍ ، وَسَاعٍ ، وَبَرِيدٍ ، وَنَحْوِهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( خ ) وَقِيلَ عَنْهُ : يَتَرَخَّصُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، قَالَ : سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ لَا ، لِأَنَّهُ أَشَقُّ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ فِي مَلَّاحٍ وَغَيْرِهِ أَهْلُهُ مَعَهُ ، فَلَا يَتَرَخَّصُ وَحْدَهُ ، وَهُوَ خِلَافُ نُصُوصِهِ .

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَلَوْ مَرَّ بِوَطَنِهِ أَتَمَّ وَكَذَا إنْ مَرَّ بِبَلَدٍ لَهُ فِيهِ امْرَأَةٌ أَوْ تَزَوَّجَ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ وَقِيلَ : أَوْ مَالٌ ، وَفِي ( عُمَدِ الْأَدِلَّةِ ) لَا مَنْقُولٌ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ بِهِ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ أَوْ دَارٌ قَصَرَ ، وَفِي أَهْلِ غَيْرِهِمَا وَمَالٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ مِنْ تَتِمَّةِ الطَّرِيقَةِ ، وَهِيَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ ، لَا أَنَّهُمَا وَجْهَانِ مُسْتَأْنَفَانِ مُطْلَقَانِ ، هَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَمَنْ لَهُ الْقَصْرُ فَلَهُ الْفِطْرُ وَلَا عَكْسَ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ .
وَقَدْ يَنْوِي الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَيَقْطَعُهَا مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ مَثَلًا فَيُفْطِرُ وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ ، أَشَارَ ابْنُ عَقِيلٍ إلَيْهِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْفِطْرَ ، فَقَدْ يُعَايَا بِهَا ، وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ أَنَّ مَنْ قَصَرَ جَمَعَ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجَمْعِ : لَا ، وَفِي الْخِلَافِ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَهُ الْجَمْعُ لَا مَا زَادَ ، وَقِيلَ لَهُ : فِيمَا إذَا لَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً لَا يَقْصُرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ ، فَقَالَ : لَا نُسَلِّمُ هَذَا ، بَلْ لَهُ الْجَمْعُ ، وَهَلْ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ مَنْ قَصَرَ ؟ قَالَ الْأَصْحَابُ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ : هُوَ مُسَافِرٌ مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ أَوْ يَتَزَوَّجْ أَوْ يَقْدَمْ عَلَى أَهْلٍ .
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْجَيْشَ إذَا أَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ بِنَصِّ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] عَلَى ذَلِكَ ، وَبِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ : الْمَسْحُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ وَاحِدٌ ، لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ : الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعَةٌ : الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ وَالْمَسْحُ ثَلَاثًا وَالْفِطْرُ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَإِنْ نَوَى إقَامَةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا ، وَخَرَجَ عَنْ رُخْصَةِ السَّفَرِ .
وَيَسْتَبِيحُ الرُّخَصَ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ إذَا نَوَى مَا دُونَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى يَخْرُجُ قَصَرَ وَلَوْ كَانَ شُهُورًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَوْطِنٍ بَلْ مُنْزَعِجٌ انْزِعَاجَ السَّائِرِينَ فَصَارَ بِمَثَابَةِ السَّائِرِ ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ السَّفَرَ الطَّوِيلَ يَسْتَبِيحُ [ بِهِ ] جَمِيعَ الرُّخْصِ ،

إلَى أَنْ قَالَ فِي الْمَلَّاحِ وَنَحْوِهِ : لَا يَسْتَبِيحُ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ إلَّا التَّيَمُّمَ وَأَكْلَ الْمَيْتَةَ ، كَذَا قَالَ .
قَالَ : وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً [ لَمْ يَتَرَخَّصْ ، وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً ] فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ أَقَامَ لِحَاجَتِهِ تَرَخَّصَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ ، وَسَأَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم لِأَحْمَدَ : رَجُلٌ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ إذَا دَخَلَ مِصْرًا يَأْكُلُ ؟ قَالَ : يَجْتَنِبُ الْأَكْلَ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِيهِ إقَامَةً ، فَإِذَا زَادَ عَلَى إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَزِيَادَةٍ صَامَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ ، فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا .
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِاجْتِنَابِ الْأَكْلِ ظَاهِرًا ، وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيمَنْ نَوَى إقَامَةً طَوِيلَةً فِي رُسْتَاقٍ بِمَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ أَنَّ مَوْرِقًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ : إنِّي تَاجِرٌ أَتَنَقَّلُ فِي قُرَى الْأَهْوَازِ فَأُقِيمُ فِي الْقَرْيَةِ الشَّهْرَ وَأَكْثَرَ ، قَالَ : تَنْوِي الْإِقَامَةَ ؟ قُلْت : لَا ، قَالَ : لَا أَرَاك إلَّا مُسَافِرًا ، صَلِّ صَلَاةَ مُسَافِرٍ .
وَكَذَا احْتَجَّ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ : لَا يَبْطُلُ حُكْمُ سَفَرِهِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

بَابٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ تَرْكُهُ أَفْضَلُ ، وَعَنْهُ : فِعْلُهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ ، كَجَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ ، وَعَنْهُ : التَّوَقُّفُ ، وَيَجُوزُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، فِي سَفَرِ الْقَصْرِ ( هـ ) وَقِيلَ : وَالْقَصِيرِ ( و م ) وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا لِسَائِرٍ ، وَعَنْهُ : لِسَائِرٍ وَقْتَ الْأُولَى ، فَيُؤَخِّرُ إلَى الثَّانِيَةِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ( و م ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ صِفَةَ الْجَمْعِ فِعْلُ الْأُولَى آخَرَ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا .
بَابٌ الْجَمْعُ بَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ

وَيَجُوزُ لِمُرْضِعٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِلْمَشَقَّةِ بِكَثْرَةِ النَّجَاسَةِ ، وَفِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةٌ : لَا ( و ) وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : هِيَ كَمَرِيضٍ وَلِعَاجِزٍ عَنْ الطَّهَارَةِ وَالتَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ ، وَعَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ .

وَيَجُوزُ لِمَرِيضٍ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْمَشَقَّةِ ( و م ) وَزَادَ : يُقَدِّمُ خَوْفَ الْإِغْمَاءِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ السَّفَرِ ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ : إنْ جَازَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ ، وَاحْتَجَمَ أَحْمَدُ بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَافَ إنْ أَخَّرَ الْعِشَاءَ يَمْرَضُ ، لِأَجْلِ الْحِجَامَةِ السَّابِقَةِ ، وَيَجُوزُ لِمَطَرٍ وَثَلْجٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَحَكَى الْمَنْعَ رِوَايَةً ( و هـ ) يَشُقُّ ( و م ش ) وَقِيلَ : وَلِطَلٍّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ ( ش ) وَعَنْهُ : بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( و ش ) وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ، وَيَجُوزُ لِلْوَحْلِ فِي الْأَصَحِّ ( هـ ش ) وَقِيلَ : عَلَى الْأَصَحِّ لَيْلًا ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ ، وَقَاسَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى الْجَمْعِ لَهُمَا لِلْوَحْلِ ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا : الْوَحْلُ عُذْرٌ فِي الْجَمْعِ ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ الْمَذْكُورَةَ ، قَالَ : فَقَدْ جَعَلَهُ عُذْرًا فِي إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَنَادَى : الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ .
وَذَكَرَ الْخَبَرَ ، قَالَ : فَإِذَا جَازَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ لَأَجْلِ الْبَرْدِ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى الْوَحْلِ [ لِأَنَّهُ ] لَيْسَ مَشَقَّةُ الْبَرْدِ بِأَعْظَمَ مِنْ الْوَحْلِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ " جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ " وَلَا وَجْهَ لَهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَحْلُ .
قَالَ : وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْعُذْرِ وَالنَّسْخِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ ، وَقِيلَ : لَيْلًا مَعَ ظُلْمَةٍ ( و م ر ) وَمِثْلُهُ رِيحٌ شَدِيدَةٌ بَارِدَةٌ ( خ ) وَذَكَرَ أَحْمَدُ لِلْمَيْمُونِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَجْمَعُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ

قَبْلَهَا ، وَكَلَامُهُمْ لَا يُخَالِفُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّ مَشَقَّةَ بَعْضِ سَبَبَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَشَقَّةِ سَبَبٍ مِنْهَا ، أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ ، وَإِنْ لَمْ يَنَلْهُ مَطَرٌ أَوْ وَحْلٌ أَوْ رِيحٌ ، أَوْ نَالَهُ يَسِيرٌ ، جَمَعَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَكِفٍ ( م ) وَقِيلَ : مَنْ خَافَ فَوْتَ مَسْجِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ جَمَعَ ، وَقَدَّمَ أَبُو الْمَعَالِي : يَجْمَعُ الْإِمَامُ ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَفْضَلُ ، وَقِيلَ : فِي جَمْعِ السَّفَرِ ( و ش ) وَقِيلَ : التَّقْدِيمُ ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ ( و م ) وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَإِنْ جَمَعَ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ ، وَقِيلَ : الْأَرْفَقُ بِهِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَذَكَرَهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ ( م 1 ) وَإِنَّ فِي جَوَازِهِ لِلْمَطَرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّا لَا نَثِقُ بِدَوَامِهِ .
وَنَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ : يَجْمَعُ فِي حَضَرٍ لِضَرُورَةٍ مِثْلِ مَرَضٍ أَوْ شَغْلٍ ( خ ) قَالَ الْقَاضِي : أَوْ مَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هَذَا مِنْ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْذَارَهُمَا كُلَّهَا تُبِيحُ الْجَمْعَ ، وَاحْتَجَّ فِي الْخِلَافِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَسْقُطُ بِالْمَطَرِ ، لِلْخَبَرِ ، وَإِذَا سَقَطَتْ الْجَمَاعَةُ لِلْمَشَقَّةِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْمَطَرِ يَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْغَدَاةِ فَيَصِيرُ طِينًا ثُمَّ يَنْقَطِعُ وَقْتَ الذَّهَابِ فَقَالَ : مَنْ قَدَرَ أَنْ يَذْهَبَ فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَمْ يَذْهَبْ ، قَالَ : فَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ ، فَعَلَى قِيَاسِهِ يَكُونُ عُذْرًا فِي الْجَمْعِ ، وَيَتَوَجَّهُ مُرَادُهُ غَيْرُ غَلَبَةِ نُعَاسٍ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَوْ صَاحِبِ النَّظْمِ : الْخَوْفُ يُبِيحُ الْجَمْعَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ ، وَأَوْلَى ، لِمَفْهُومِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " مِنْ غَيْرِ

خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ " وَبِهِ تَمَسَّكَ إمَامُنَا فِي الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْجَمْعَ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ ، وَلِلصَّلَاةِ فِي حَمَّامٍ مَعَ جَوَازِهَا فِيهِ خَوْفَ فَوْتِ الْوَقْتِ ، وَلِخَوْفِ تَحَرُّجٍ فِي تَرْكِهِ ، أَيْ مَشَقَّةً ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ : لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ " فَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِمَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ وَحُمِلَ عَلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَأَوَّلِهِ ، وَعَلَى الْمُشْتَقَّةِ ، وَمَثَّلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالضَّعِيفِ لِلْكِبَرِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : بِأَنَّهُ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ .
قَالَ : وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ عَنْهُ فَقَالَ : قَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِتَحْدِيدِ الْمَوَاقِيتِ ، وَسَبَقَ كَلَامُهُ فِي الْجَمْعِ ، لِلْوَحْلِ .

( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَفْضَلُ ، وَقِيلَ : التَّقْدِيمُ ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَإِنْ جَمَعَ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ ، وَقِيلَ : الْأَرْفَقُ بِهِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَذَكَرَهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ ، انْتَهَى ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عِدَّةَ أَقْوَالٍ فِي مَحَلِّ الْأَفْضَلِيَّةِ ، حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الْجَمْعِ فَنَقُولُ : رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ جَمْعَ التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالْمُنَوِّرِ ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ ، وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ ، وَقَالَ : ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، قَالَ الشَّارِحُ : لِأَنَّهُ أَحْوَطُ ، وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَعَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، يَعْنِي أَنَّ جَمْعَ التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ ، لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي جَمْعِ السَّفَرِ ، وَقَالَ فِي رَوْضَةِ الْفِقْهِ : الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ ، وَقِيلَ : جَمْعُ التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ ، وَجَزَمَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فِعْلُ الْأَصْلَحِ لَهُ ، وَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنْزِلِ فَالْأَفْضَلُ التَّقْدِيمُ ، وَقَالَ فِي الْمُذَهَّبِ : الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ الِارْتِحَالَ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ النُّزُولُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ ، انْتَهَى .
وَقِيلَ : جَمْعُ التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : جَمْعُ التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَجَمْعُ التَّأْخِيرِ فِي غَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ تَمِيمٍ .

وَقِيلَ : يَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ مُطْلَقًا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَقَالَ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى ، وَغَيْرِهِمْ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقِيلَ : يَفْعَلُ الْمَرِيضُ الْأَرْفَقَ بِهِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَالَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَزَادَ : فَإِنْ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ فَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ : وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ إلَّا فِي جَمْعِ الْمَطَرِ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ ، انْتَهَى ( تَنْبِيهٌ ) إذَا قُلْنَا بِأَنْ يَفْعَلَ الْأَرْفَقَ وَاسْتَوَيَا عِنْدَهُ ، قَالَ فِي الْكَافِي وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ فِي الْمَرَضِ ، وَفِي الْمَطَرِ التَّقْدِيمُ ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَيْضًا فِي الْمَرِيضِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ

فَصْلٌ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِلْجَمْعِ فِي الْأَشْهَرِ ( و م ش ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : هُوَ الْمَذْهَبُ ، فَإِنْ جَمَعَ وَقْتَ الْأُولَى اُشْتُرِطَتْ عِنْدَ إحْرَامِهَا ، وَقِيلَ : أَوْ قَبْلَ فَرَاغِهَا ، وَقِيلَ : أَوْ إحْرَامِ الثَّانِيَةِ ( و م ر ) وَجَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ : وَإِحْرَامِ الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : هُوَ فَقَطْ ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا ( ق ) وَالْمُوَالَاةُ إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ ( و م ش ) قَالَ جَمَاعَةٌ : وَذِكْرٍ يَسِيرٍ كَتَكْبِيرِ عِيدٍ ، وَعَنْهُ : أَوْ سُنَّةٍ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : يَجُوزُ تَنَفُّلُهُ بَيْنَهُمَا ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا ، وَاخْتَارَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ الْعُرْفَ ، وَفِي الْخِلَافُ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْجَمْعِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ الْمُوَالَاةُ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْفُصُولِ الْمُوَالَاةَ ، قَالَ : وَمَعْنَاهَا أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ ، وَلَا كَلَامٍ ، لِئَلَّا يَزُولَ مَعْنَى الِاسْمِ وَهُوَ الْجَمْعُ ، وَقَالَ : إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الثَّانِيَةِ وَقُلْنَا تَبْطُلُ [ بِهِ ] فَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُطِلْ فَفِي بُطْلَانِ جَمْعِهِ احْتِمَالَانِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا لَا مُوَالَاةَ ، وَأَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْمَرُّوذِيِّ : لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ ، وَمِنْ نَصِّهِ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ : إذَا صَلَّى إحْدَاهُمَا فِي بَيْتِهِ وَالْأُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعُذْرِ عِنْدَ إحْرَامِهِمَا ، وَالْأَشْهَرُ : وَسَلَامِ الْأُولَى ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ دَوَامُهُ فِيهَا وَإِنْ انْقَطَعَ السَّفَرُ فِي الْأُولَى فَلَا جَمْعَ ، وَتَصِحُّ وَيُتِمُّهَا ، وَكَذَا بَعْدَهَا ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ كَالْقَصْرِ فَيُتِمُّهَا نَفْلًا ، وَقِيلَ : تَبْطُلُ ، وَقِيلَ : لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ ، كَانْقِطَاعِ مَطَرٍ فِي الْأَشْهَرِ ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ أَنَّ نَتِيجَتَهُ وَحْلٌ فَيَتْبَعُهُ ، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَنْ جَمَعَ لِسَفَرٍ فَزَالَ

وَثَمَّ مَطَرٌ أَوْ مَرَضٌ يَبْطُلُ جَمْعُهُ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي احْتِمَالًا يُبْطِلُ الْجَمْعَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ ، وَمَرِيضٌ كَمُسَافِرٍ .

فَصْلٌ وَإِنْ جَمَعَ وَقْتَ الثَّانِيَةِ اُشْتُرِطَتْ نِيَّةُ الْجَمْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى بِقَدْرِهَا ، لِفَوْتِ فَائِدَةِ الْجَمْعِ ، وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَهُمَا ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ : مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا ، لِتَحْرِيمِ التَّأْخِيرِ إذَنْ ( و ش ) وَقِيلَ : أَوْ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ ، وَوُجُودُ الْعُذْرِ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ ، وَالتَّرْتِيبُ ( ش ) لِأَنَّ عَلَيْهِمَا أَمَارَةً ، وَهِيَ اجْتِمَاعُ الْجَمَاعَةِ ؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَبَعٌ لِلْأُولَى فَمَا لَمْ يُوجَدْ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ التَّبَعِ ؛ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا يَجُوزُ فِعْلُهَا بِصَلَاةِ الْأُولَى ، فَقَدْ صَلَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَا يَصِحُّ ، بِخِلَافِ الْفَوَائِتِ فِي ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ ( و هـ ) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا هُنَا تَبَعٌ لِاسْتِقْرَارِهِمَا ، كَالْفَوَائِتِ ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا تَخْرِيجُ يَسْقُطُ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : [ وَضِيقُ ] وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَائِتَةٍ مَعَ مُؤَدَّاةٍ ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ لَهُمَا أَدَاءً ، وَقِيلَ : وَالْمُوَالَاةُ ، فَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ ، وَقَدَّمَ أَبُو الْمَعَالِي : لَا .
وَلَا يَقْصُرُهَا لِأَنَّهَا قَضَاءٌ ، وَإِنْ تَعَدَّدَ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ ، أَوْ نَوَاهُ الْمَعْذُورُ مِنْهُمَا ، أَوْ صَلَّى الْأُولَى وَحْدَهُ ثُمَّ الثَّانِيَةَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا ، صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ ، وَلَهُ الْوِتْرُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ [ ( م ) ] وَصَلَاةُ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ كَغَيْرِهِمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ : اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و ش ) وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي عِبَادَاتِهِ وَشَيْخُنَا : الْجَمْعَ وَالْقَصْرَ مُطْلَقًا ( و م ) وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ : الْجَمْعُ فَقَطْ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ( و هـ ) وَلِامْتِنَاعِ الْقَصْرِ لِلْمَكِّيِّ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ الْمَوْسِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْدُمُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ : مِنْ

السُّنَّةِ أَنْ لَا يُوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ .

بَابٌ صَلَاةُ الْخَوْفِ تَجُوزُ فِي قِتَالٍ مُبَاحٍ ( و ) وَلَوْ حَضَرًا ( و ) مَعَ خَوْفِ هَجْمِ الْعَدُوِّ ، فَإِنْ كَانَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَمْ يَخَفْ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَخَافُوا كَمِينًا صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ عُسْفَانَ ، فَيَصُفُّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَأَكْثَرَ ، فَيُصَلِّي بِهِمْ جَمِيعًا حَتَّى يَسْجُدَ ، فَيَسْجُدَ مَعَهُ [ الصَّفُّ ] الْأَوَّلُ ، وَيَحْرُسُ الثَّانِي حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدُ وَيَلْحَقُهُ ، وَفِي الْخَبَرِ " تَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمُ وَتَقَدَّمَ الْمُتَأَخِّرُ " فَقِيلَ : هُوَ أَوْلَى لِلتَّسْوِيَةِ فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ ، وَلِقُرْبِ مُوَاجِهَةِ الْعَدُوِّ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ( م 1 ) وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَحْرُسُ السَّاجِدَ مَعَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَلْحَقُهُ فِي التَّشَهُّدِ ، فَيُسَلِّمُ بِجَمِيعِهِمْ ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : يَحْرُسُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ ، وَإِنْ حَرَسَ بَعْضُ الصَّفِّ أَوْ جَعَلَهُمْ صَفًّا وَاحِدًا جَازَ ، لَا حِرَاسَةَ صَفٍّ وَاحِدٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ .

بَابٌ صَلَاةُ الْخَوْفِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَيَصُفُّهُمْ [ خَلْفَهُ ] صَفَّيْنِ [ فَأَكْثَرَ ] وَيُصَلِّي بِهِمْ جَمِيعًا حَتَّى يَسْجُدَ ، فَيَسْجُدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ ، وَيَحْرُسُ الثَّانِي حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ ، وَفِي الْخَبَرِ " تَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمُ وَتَقَدَّمَ الْمُتَأَخِّرُ " فَقِيلَ : هُوَ أَوْلَى لِلتَّسْوِيَةِ فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ ، وَلِقُرْبِ مُوَاجِهَةِ الْعَدُوِّ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْوَجِيزِ ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، وَالْهَادِي ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الصِّفَةَ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ ، وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهَا ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُذْهَبِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْبُلْغَةِ ، وَالرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَغَيْرِهِمْ .

فَصْلٌ وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، فَيَقْسِمُهُمْ طَائِفَتَيْنِ تَكْفِي كُلُّ طَائِفَةٍ الْعَدُوَّ ، وَزَادَ أَبُو الْمَعَالِي : بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا ، فَإِنْ فَرَّطَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَوْ فِيمَا فِيهِ حَظٌّ لَنَا أَثِمَ ، وَيَكُونُ صَغِيرَةً ، وَهَلْ يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ إنْ قَارَنَ الصَّلَاةَ ؟ الْأَشْبَهُ لَا يَقْدَحُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : يَفْسُقُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ، كَالْمُودَعِ وَالْأَمِينِ وَالْوَصِيِّ إذَا فَرَّطَ فِي الْأَمَانَةِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِمْ هَذَا الْخِلَافُ ، قَالَ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَبْنِيَّةً عَلَى إمَامَةِ الْفَاسِقِ ( م 2 ) وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ كَوْنُ كُلِّ طَائِفَةٍ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ ، قِيلَ : يُكْرَهُ أَقَلُّ ، طَائِفَةٌ تَحْرُسُ وَطَائِفَةٌ يُصَلِّيَ بِهَا رَكْعَةً ثُمَّ تُفَارِقُهُ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ إذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهَا مُفَارِقَةٌ بِلَا عُذْرٍ ، وَتُتِمُّهَا لِنَفْسِهَا ، وَتُسَلِّمُ وَتَنْوِي الْمُفَارِقَةَ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ بَطَلَتْ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ قَسَمَهُمْ طَائِفَتَيْنِ تَكْفِي كُلُّ طَائِفَةٍ الْعَدُوَّ فَإِنْ فَرَّطَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَوْ فِيمَا فِيهِ حَظٌّ لَنَا أَثِمَ ، وَيَكُونُ صَغِيرَةً ، وَهَلْ يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ إنْ قَارَنَ الصَّلَاةَ ؟ الْأَشْبَهُ لَا يَقْدَحُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : يَفْسُقُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ، كَالْمُودَعِ وَالْأَمِينِ وَالْوَصِيِّ إذَا فَرَّطَ فِي الْأَمَانَةِ ، وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى إمَامَةِ الْفَاسِقِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَقَالَ : فَإِنْ تَرَكَ الْأَمِيرُ مَا فِيهِ حَظُّ الْمُسْلِمِينَ أَثِمَ ، وَهَلْ يَفْسُقُ بِذَلِكَ قَبْلَ تَكْرَارِهِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ : وَهَذَا لَفْظُهُ : إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا كَانَ عَاصِيًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ بِذَلِكَ فَاسِقًا ، كَالْمُودَعِ وَالْأَمِينِ وَالْوَصِيِّ إذَا فَرَّطَ ، فَتُخَرَّجُ صِحَّةُ إمَامَتِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي صَلَاةِ الْفَاسِقِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَغِيرَةً لَا تُوجِبُ بِمُجَرَّدِهَا الْفِسْقَ حَتَّى يَشْفَعَهَا بِأَمْثَالِهَا ، وَهَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً قَارَنَتْ الصَّلَاةَ ؟ الْأَشْبَهُ أَنَّهَا لَا تَقْدَحُ ، وَعَلَّلَهُ ، انْتَهَى ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى كَلَام ابْنِ عَقِيلٍ يُقَوِّي مَا قَالَ إنَّهُ الْأَشْبَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، قُلْت : الصَّوَابُ أَنَّهُ يَفْسُقُ ، وَارْتِكَابُ مَا فَعَلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتَسْجُدُ لِسَهْوِ إمَامِهَا قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ فَرَاغِهَا ، وَهِيَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُنْفَرِدَةٌ ، وَقِيلَ : مُؤْتَمَّةٌ ، وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مُؤْتَمَّةٌ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ ، يَسْجُدُونَ لِسَهْوِهِ لَا لِسَهْوِهِمْ وَمَنَعَ أَبُو الْمَعَالِي انْفِرَادَهُ ، فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ إمَامَهُ فَأَدْرَكَهُ مَأْمُومًا بَقِيَ حُكْمُ إمَامَتِهِ ، وَإِذَا أَتَمَّتْ وَسَلَّمَتْ مَضَتْ تَحْرُسُ ، وَيُطِيلُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى تَحْضُرَ الْأُخْرَى فَتُصَلِّيَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ ، يَقْرَأُ إذَا جَاءُوا بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ ، وَإِنْ كَانَ [ قَرَأَ ] قَرَأَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ ، وَلَا يُؤَخِّرُ الْقِرَاءَةَ إلَى مَجِيئِهَا ( ق ) وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السُّكُوتُ وَلَا التَّسْبِيحُ وَلَا الدُّعَاءُ وَلَا الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ ، لَمْ يَبْقَ إلَّا الْبُدَاءَةُ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ طَوِيلَةٍ ، كَذَا قَالَ : لَا يَجُوزُ ، أَيْ يُكْرَهُ ، وَيَكْفِي إدْرَاكُهَا لِرُكُوعِهَا ، وَيَكُونُ تَرَكَ الْإِمَامُ الْمُسْتَحَبَّ ، وَفِي الْفُصُولِ : فَعَلَ مَكْرُوهًا ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ كَرَّرَهُ ، وَصَلَّتْ الثَّانِيَةُ وَسَلَّمَ بِهَا .
وَقِيلَ : لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهَا ، وَقِيلَ : يَقْضِي بَعْدَ سَلَامِهِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَتَسْجُدُ مَعَهُ لِسَهْوِهِ وَلَا تُعِيدُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَرِدْ عَنْهُ ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ كَمَسْبُوقٍ ، وَقِيلَ : إنْ سَهَا فِي حَالِ انْتِظَارِهَا ، أَوْ سَهَتْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ، فَهَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقُدْوَةِ ؟ وَإِذَا لَحِقُوهُ فِي التَّشَهُّدِ هَلْ يُعْتَبَرُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَأْخُوذٌ مِمَّنْ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ إذَا سَهَا فِيمَا يَأْتِي بِهِ ، أَوْ سَهَا إمَامُهُ قَبْلَ لُحُوقِهِ ، أَوْ سَهَا الْمُنْفَرِدُ ثُمَّ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَأَوْجَبَ أَبُو الْخَطَّابِ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى الْمَزْحُومِ لِانْفِرَادِهِ بِفِعْلِهِ .
وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْبَاقِي كَذَلِكَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَانْفَرَدَ بِهِ عَنْ

أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ : إنْ انْفَرَدَ الْمَأْمُومُ بِمَا لَا يَقْطَعُ قُدْوَتَهُ مَتَى سَهَا فِيهِ [ أَوْ بِهِ ] حَمَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ .
وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ ، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَإِنْ انْتَظَرَهَا جَالِسًا بِلَا عُذْرٍ وَائْتَمَّتْ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بَطَلَتْ .
تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : وَتَسْجُدُ مَعَهُ لِسَهْوِهِ وَلَا تُعِيدُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَرِدْ عَنْهُ ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ كَمَسْبُوقٍ ، وَقِيلَ : إنْ سَهَا فِي حَالِ انْتِظَارِهَا ، أَوْ سَهَتْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ، فَهَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقُدْوَةِ ؟ وَإِذَا لَحِقُوهُ فِي التَّشَهُّدِ هَلْ يُعْتَبَرُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَأْخُوذٌ مِمَّنْ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ إذَا سَهَا فِيمَا يَأْتِي بِهِ ، أَوْ سَهَا إمَامُهُ قَبْلَ لُحُوقِهِ ، أَوْ سَهَا الْمُنْفَرِدُ ثُمَّ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَأَوْجَبَ أَبُو الْخَطَّابِ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى الْمَزْحُومِ ، لِانْفِرَادِهِ بِفِعْلِهِ ، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْبَاقِي كَذَلِكَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَانْفَرَدَ بِهِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إنَّ انْفِرَادَ الْمَأْمُومِ بِمَا لَا يَقْطَعُ قُدْوَتَهُ مَتَى سَهَا فِيهِ أَوْ بِهِ حَمَلَ عَنْهُ الْأَمَامُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ ، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَنَقْلُهُ ، وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ تَحَمُّلُ الْإِمَامِ عَنْ الْمَأْمُومِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا الْمَأْمُومُ ، وَأَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ ، وَأَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَلْ يَجُوزُ تَرْكُ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَحْرُسُ الْحِرَاسَةَ لِمَدَدٍ أَغْنَاهَا عَنْهَا بِلَا إذْنٍ وَتُصَلِّي ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ ، أَمْ [ لَا ] لِأَنَّ رَأْيَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِرَأْيِ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِالنَّظَرِ فِيهِ ، بِدَلِيلِ الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ وقَوْله تَعَالَى إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ فِيهِ وَجْهَانِ م 3 ) وَعَلَيْهِمَا : تَصِحُّ ، لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ قِيلَ : لَوْ خَاطَرَ أَقَلَّ مِمَّا شَرَطْنَا ، وَتَعَمَّدُوا الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، فَقِيلَ : تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ بِهِمْ كَتَرْكِ حَمْلِ سِلَاحٍ مَعَ حَاجَةٍ ، وَقِيلَ : لَا ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ ( و م ر ش ) وَنَصُّهُ : تَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَخَالَفَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَجُوزُ تَرْكُ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَحْرُسُ الْحِرَاسَةَ لِمَدَدٍ أَغْنَاهَا [ عَنْهُ ] بِلَا إذْنٍ وَتُصَلِّي ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ ، أَمْ لَا لِأَنَّ رَأْيَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِرَأْيِ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِالنَّظَرِ فِيهِ ، بِدَلِيلِ الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ قَوْله تَعَالَى إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ فِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ( قُلْت ) : إنْ تَحَقَّقَتْ الْغَنَاءَ وَالرَّدْءَ الَّذِي جَاءَ جَازَ لَهَا تَرْكُ الْحِرَاسَةِ وَالصَّلَاةُ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا الْغَنَاءُ أَوْ شَكَّتْ فِيهِ لَمْ يَجُزْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَيْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
تَنْبِيهَانِ : التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ بَعْدَ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا تَصِحُّ يَعْنِي الصَّلَاةَ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ قِيلَ : لَوْ خَاطَرَ أَقَلُّ مِمَّا شَرَطْنَا وَتَعَمَّدُوا الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، فَقِيلَ : تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ بِهِمْ ، كَتَرْكِ حَمْلِ سِلَاحٍ مَعَ حَاجَةٍ ، وَقِيلَ : لَا .
انْتَهَى .
فَإِطْلَاقُ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ تَتِمَّةِ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ

وَإِنْ كَانَتْ مَغْرِبًا صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً ( و ) وَلَا تَفْسُدُ ، بِعَكْسِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى انْتِظَارَيْنِ ، وَالِانْصِرَافُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَضِيلَةِ بِهِ لَا الْجَوَازُ .
وَيَتَخَرَّجُ : تَفْسُدُ مِنْ فَسَادِهَا بِتَفْرِيقِهِمْ أَرْبَعَ طَوَائِفَ ( و هـ ) .
.

وَإِنْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ، وَتَصِحُّ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَبِأُخْرَى ثَلَاثًا ، وَتُفَارِقُهُ الْأُولَى فِي الْمَغْرِبِ وَالرَّبَاعِيَةِ عِنْدَ فَرَاغِ التَّشَهُّدِ ، وَيَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُهُ ، فَإِذَا أَتَتْ الثَّانِيَةُ قَامَ ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي : تُحْرِمُ مَعَهُ ، ثُمَّ يَنْهَضُ بِهِمْ ، وَقِيلَ : الْمُفَارَقَةُ وَالِانْتِظَارُ فِي الثَّالِثَةِ ( و م ر ق ) فَيَقْرَأُ سُورَةً وَيُحْتَمَلُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ ، وَلَا تَتَشَهَّدُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ تَشَهُّدِهَا ، وَقِيلَ : تَتَشَهَّدُ مَعَهُ إنْ قُلْنَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ ، لِئَلَّا تُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ بِتَشَهُّدٍ ، وَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعًا فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاةُ الْأَوَّلِيَّيْنِ فَقَطْ ( و ق ) لِمُفَارِقَتِهِمَا قَبْلَ الِانْتِظَارِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُبْطِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا صَارَ إلَى فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : وَسَوَاءٌ احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْرِيقِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : الصَّحِيحُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِنَا إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ صَحَّتْ صَلَاةُ الْكُلِّ لِحَاجَتِهِمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَالْجَيْشُ أَرْبَعُمِائَةٍ لِجَوَازِ الِانْفِرَادِ لِعُذْرٍ ، وَالِانْتِظَارُ إنَّمَا هُوَ تَطْوِيلُ قِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ ، وَإِلَّا صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَى لِجَوَازِ مُفَارَقَتِهَا ، بِدَلِيلِ جَوَازِ صَلَاتِهِ بِالثَّانِيَةِ الرَّكَعَاتِ الثَّلَاثِ عَلَى مَا سَبَقَ ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالثَّانِيَةِ ، لِانْفِرَادِهِمَا بِلَا عُذْرٍ ، وَهُوَ مُبْطِلٌ عَلَى الْأَشْهَرِ ، وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِدُخُولِهِمَا فِي صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ ، وَقِيلَ : تَبْطُلُ صَلَاةُ الْكُلِّ لِنِيَّتِهِ صَلَاةً مُحَرَّمَةً ابْتِدَاءً ، وَقِيلَ : تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِلَافِ ، قَالَ :

لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ إنَّمَا فَسَدَتْ لِانْصِرَافِهِمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِانْصِرَافِ بِلَا حَاجَةٍ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : تَبْطُلُ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ( و هـ م ) لِانْصِرَافِهِمَا فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ ، وَمَنْ جَهِلَ مِنْهُنَّ الْمُفْسِدَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إنْ جَهِلَهُ الْإِمَامُ ، كَحَدَثِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ لَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلِهَذَا قِيلَ : لَا تَصِحُّ كَحَدَثِهِ ، وَقِيلَ : لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا ، لِلْعِلْمِ بِالْمُفْسِدِ ، وَالْجَهْلُ بِالْحُكْمِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَالْحَدَثِ

فَصْلٌ .
لَوْ صَلَّى كَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَمَضَتْ ، ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَمَضَتْ ، وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ الصَّلَاةَ بِقِرَاءَةٍ وَقِيلَ : أَوْ [ لَا ] لِأَنَّهَا مُؤْتَمَّةٌ بِهِ حُكْمًا فَلَا تَقْرَأُ فِيمَا تَقْضِيهِ كَمَنْ زُحِمَ أَوْ نَامَ حَتَّى سَلَّمَ إمَامُهُ ، وَنَصُّهُ خِلَافُهُ ، ثُمَّ أَتَتْ الثَّانِيَةُ فَأَتَمَّتْ بِقِرَاءَةٍ أَجْزَأَ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَتْ الْمُخْتَارَةَ ( هـ ) وَعِنْدَهُ : يَفْعَلُ وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ ، وَلَوْ قَضَتْ الثَّانِيَةُ رَكْعَتَهَا وَقْتَ فَارَقَتْ إمَامَهَا وَسَلَّمَتْ ، ثُمَّ مَضَتْ وَأَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ كَخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحَّ ، وَهُوَ أَوْلَى ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ ، وَلَوْ صَلَّى كَخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً وَسَلَّمَ بِهَا صَحَّ ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ، وَنَصَّهُ التَّفْرِقَةُ ، وَلَمَّا مَنَعَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مُفْتَرِضًا خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ قَالَ : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُعَادُ فِيهِ الْفَرْضُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، فَصَلَاتُهُ فِي حَالِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِهِ مُؤَدَّاةٌ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَصِيرُ نَفْلًا بَعْدَ إعَادَتِهَا ، وَذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ .
كَمَعْذُورٍ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أَمَّ مِثْلَهُ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ شَهِدَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ، وَلَوْ صَلَّى بِهِمْ الرُّبَاعِيَّةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا تَامَّةً ، بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ ، فَتَكُونُ لَهُ تَامَّةً ، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً ، فَنَصَّهُ : تَصِحُّ ، لِخَبَرِ جَابِرٍ ، وَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، لِاحْتِمَالِ سَلَامِهِ فَتَكُونُ الصِّفَةُ قَبْلَهَا وَلَوْ قَصَرَهَا وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ كَصَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : مَا يُرْوَى فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا صِحَاحٌ .
ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ رَكْعَةً رَكْعَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ ، وَلِلْقَوْمِ [ رَكْعَةٌ ] رَكْعَةٌ ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ ، وَلِلْخَوْفِ وَالسَّفَرِ ، وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ ( و ) .
التَّنْبِيهُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : فِي فَصْلٍ ، وَلَوْ صَلَّى كَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ .
فَلَا تَقْرَأُ فِيمَا تَقْضِيهِ مَنْ زُحِمَ " قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : لَعَلَّهُ : كَمَنْ زُحِمَ ، وَأَجْرَاهُ شَيْخُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .

فَصْلٌ وَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ وَلَا خَوْفَ بَطَلَتْ وَقِيلَ : لَا صَلَاةَ إمَامٍ ، وَالْمُرَادُ عَلَى خَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ ، وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي الْخَوْفِ حَضَرًا بِشَرْطِ كَوْنِ الطَّائِفَة أَرْبَعِينَ ، فَيُصَلِّي بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً بَعْدَ حُضُورِهَا الْخُطْبَةَ ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِاَلَّتِي لَمْ تَحْضُرْهَا لَمْ تَصِحَّ ، وَتَقْضِي كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا جَهْرٍ ، وَيَتَوَجَّهُ تَبْطُلُ إنْ بَقِيَ مُنْفَرِدًا بَعْدَ ذَهَابِ الطَّائِفَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ هُنَا لِلْعُذْرِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُرْتَقِبٌ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَإِنْ صَلَّاهَا كَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ جَازَ ، قَالَ : وَيُصَلِّ الِاسْتِسْقَاءَ ضَرُورَةً ، كَالْمَكْتُوبَةِ ، وَالْكُسُوفُ ، وَالْعِيدُ آكَدُ مِنْهُ ، وَيُسْتَحَبُّ حَمْلُ سِلَاحٍ خَفِيفٍ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ يَجِبُ ( و م ش ) وَلَا يُشْتَرَطُ ( و ) وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : هَلْ يُسْتَحَبُّ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ : نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : لَا بَأْسَ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ : أَنَّ حَمْلَهُ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ مَحْظُورٌ ، فَهُوَ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ ، وَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ ، كَذَا قَالُوا مَعَ قَوْلِهِمْ : يُسْتَحَبُّ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي [ أَيْضًا ] وَقَالَ أَيْضًا عَنْ رَفْعِ الْجُنَاحِ عَنْهُمْ : رَفْعُ الْكَرَاهَةِ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ : لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَيُكْرَهُ مَا يُثْقِلُهُ أَوْ يَمْنَعُ إكْمَالَهَا أَوْ يَضُرُّ غَيْرَهُ ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ : يُكْرَهُ مَا يَمْنَعُهُ اسْتِيفَاءَ الْأَرْكَانِ ، وَمُرَادُهُ عَلَى الْكَمَالِ ، قَالَ : إلَّا فِي حَرْبٍ مُبَاحٍ ، كَذَا قَالَ ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي مَكَان آخَرَ وَيَحْمِلُ نَجَسًا لِحَاجَةٍ ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ ( م 4 )

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَيَحْمِلُ نَجَسًا لِحَاجَةٍ ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : قُلْت : يَحْتَمِلُ الْإِعَادَةَ وَعَدَمَهَا وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، قُلْت : الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَضُرُّ تَلْوِيثُ سِلَاحِهِ بِدَمٍ ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِمَّا إذَا تَيَمَّمَ فِي الْحَضَرِ خَوْفًا مِنْ الْبَرْدِ وَصَلَّى ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ يُعِيدُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ ، فِيهَا الْخِلَافُ مُطْلَقٌ

فَصْلٌ .
يَجُوزُ فِعْلُ الصَّلَاةِ حَالَ الْمُسَايَفَةِ أَوْ الْهَرَبِ الْمُبَاحِ كَظَنِّ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ غَرِيمٍ ظَالِمٍ ، أَوْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ ذَبِّهِ عَنْهُ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : أَوْ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ رَاجِلًا وَرَاكِبًا ، إيمَاءً إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا ، وَجَدَ ذَلِكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا .
وَلَوْ احْتَاجَ عَمَلًا كَثِيرًا ، وَعَنْهُ لَهُ التَّأْخِيرُ إذَنْ وَلَا يَجِبُ ( هـ ) بِخِلَافِ ، مَنْ هُدِّدَ بِالْقَتْلِ وَمُنِعَ مِنْهَا فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ وَهَذَا قَادِرٌ ، وَتَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِلنُّصُوصِ ، فَدَلَّ أَنَّهَا تَجِبُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا احْتَجُّوا بِهِ ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَالشَّيْخِ : لَا تَنْعَقِدُ ( و هـ ) وَيُعْفَى عَنْ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ ، كَعَمَلٍ كَثِيرٍ ، وَفِي الْفُصُولِ : يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الْمُتَابَعَةِ ، وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ ، وَلَا يَجِبُ سُجُودُهُ ، عَلَى دَابَّتِهِ وَلَهُ الْكَرُّ وَالْفَرُّ وَنَحْوُهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلَا يَزُولُ الْخَوْفُ إلَّا بِانْهِزَامِ الْكُلِّ وَلَا تَبْطُلُ بِطُولِهِ ( ش ) وَيَتَوَجَّهُ مِنْ هَذَا : لَوْ أُكْرِهَ عَلَى زِيَادَةِ فِعْلٍ [ لَمْ ] تَبْطُلْ بِهِ ، وَلِهَذَا جَزَمَ الْقَاضِي بِأَنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ لِدَفْعِ الْإِكْرَاهِ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ ، بِخِلَافِ الْخَوْفِ ، وَسَبَقَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ خِلَافُهُ ، وَقِيلَ : إنْ كَثُرَ دَفْعُ عَدُوٍّ مِنْ سَيْلٍ وَسَبُعٍ وَسُقُوطِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ أَبْطَلَ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْفِعْلُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ ، كَالْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ ، وَالدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ فِي حَالِ السُّجُودِ ، كَذَا قَالَ : وَلَا يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ إلَى الْقِبْلَةِ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُ قَادِرًا ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً : وَعَاجِزًا ، وَلِطَالِبِ عَدُوٍّ يَخَافُ

فَوْتَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ ، وَعَنْهُ : لَا ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( و ) وَكَذَا التَّيَمُّمُ لَهُ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي الْقَوْمِ يَخَافُونَ فَوْتَ الْغَارَةِ فَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَوْ يُصَلُّونَ عَلَى دَوَابِّهِمْ قَالَ : [ كُلٌّ ] أَرْجُو ، وَمَنْ أَمِنَ أَوْ خَافَ فِي الصَّلَاةِ انْتَقَلَ وَبَنَى ( ش ) فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَا تَبْطُلُ ( هـ ) وَمَنْ صَلَّاهَا لِظَنِّ عَدُوٍّ ، فَلَمْ يَكُنْ ، أَعَادَ ( و هـ م ق ) لِعَدَمِ الْمُبِيحِ ، كَمَا لَوْ كَانَ مُحْدِثًا ، وَقِيلَ : لَا ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ رِوَايَةً ، وَكَذَا إنْ كَانَ وَثَمَّ مَانِعٌ ، وَقِيلَ : إنْ خَفِيَ الْمَانِعُ وَإِلَّا أَعَادَ ، وَإِنْ بَانَ يَقْصِدُ غَيْرَهُ لَمْ يُعِدْ فِي الْأَصَحِّ ، لِوُجُودِ سَبَبِ الْخَوْفِ بِوُجُودِ عَدُوٍّ يَخَافُ هَجْمَهُ ، كَمَا لَا يُعِيدُ مَنْ خَافَ عَدُوًّا فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ رُفْقَتِهِ فَصَلَّاهَا ثُمَّ بَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ ، وَعَنْهُ : مَنْ خَافَ كَمِينًا أَوْ مَكْرُوهًا إنْ تَرَكَهَا صَلَّاهَا وَأَعَادَ ، وَإِنْ خَافَ هَدْمَ سُورٍ أَوْ طَمَّ خَنْدَقٍ إنْ صَلَّاهَا آمِنًا فَصَلَاةُ خَائِفٍ ، مَا لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُصَلِّي آمِنًا مَا لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ .

بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْفُصُولِ : سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِجَمْعِهَا الْجَمَاعَاتِ ، وَقِيلَ : لِجَمْعِ طِينِ آدَمَ فِيهَا ، وَقِيلَ : لِأَنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا ، وَقَدَّمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : لِجَمْعِهَا الْخَلْقَ الْكَثِيرَ ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الظُّهْرِ ، وَهِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ ، لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَمِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ ، وَلِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَا أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ، قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ : وَلَا تُجْمَعُ فِي مَحَلٍّ يُبِيحُ الْجَمْعَ ، وَعَنْهُ : ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ ، وَفِي الِانْتِصَارِ وَالْوَاضِحِ وَغَيْرِهِمَا : هِيَ الْأَصْلُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : رُخْصَةٌ فِي حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ ، وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ وَجْهَيْنِ : هَلْ هِيَ فَرْضُ الْوَقْتِ أَوْ الظُّهْرِ ( و هـ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ بِلَا شَرْطٍ ، وَلِهَذَا يَقْضِي مَنْ فَاتَتْهُ ظُهْرًا ، وَجَزَمَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ عِنْدَ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهَا الْمُخَاطَبُ بِهَا ، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ ، وَذَكَرَ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ وَيَبْدَأُ بِالْجُمُعَةِ خَوْفَ فَوْتِهَا ، وَيَتْرُكُ فَجْرًا فَائِتَةً نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) وَقَالَ فِي الْقَصْرِ : قَدْ قِيلَ : إنَّ الْجُمُعَةَ تُقْضَى ظُهْرًا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبْلَ فَوَاتِهَا لَا تَجُوزُ الظُّهْرُ ، وَإِذَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْ الظُّهْرُ ، قَالَ : فَدَلَّ أَنَّهَا قَضَاءٌ لِلْجُمُعَةِ

وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ ( و ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ الرِّجَالِ ( و ) الْمُكَلَّفِينَ [ ( و ) ] لَا الْخَنَاثَى ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَزَائِلِ الْعَقْلِ ، وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ رِوَايَةٌ : تَلْزَمُ النِّسَاءَ ، وَإِنْ لَزِمَتْ الْمَكْتُوبَةُ صَبِيًّا لَزِمَتْهُ ، وَقِيلَ : عَبْدًا ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ : وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ ، لِلْخَبَرِ ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الْأَحْرَارَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : فَمَا لَا يَجِبُ شَرْعًا لَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ كَالنَّوَافِلِ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّى : الْحُقُوقُ الشَّرْعِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِخِطَابِ الشَّارِعِ لَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلَا بِإِجْبَارِهِ كَالنَّوَافِلِ ، فَإِنْ خَالَفَ وَحَضَرَهَا سَقَطَ فَرْضُ الظُّهْرِ وَأَثِمَ كَالْآبِقِ ، وَقِيلَ : تَلْزَمُ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ فِي نَوْبَتِهِ ، وَعَنْهُ : تَلْزَمُ الْعَبْدَ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ خِلَافًا لَهُمْ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ سَيِّدَهُ : وَيَحْرُمُ مَنْعُهُ وَيُخَالِفُهُ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، خِلَافًا لَهُمْ .

وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الْمُسْتَوْطِنِينَ بُنْيَانًا مُعْتَادًا وَلَوْ كَانَ فَرَاسِخَ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ بِحَجَرٍ أَوْ قَصَبٍ وَنَحْوِهِ ، مُتَّصِلًا أَوْ مُتَفَرِّقًا ، يَشْمَلُهُ اسْمٌ وَاحِدٌ ، وَاعْتَبَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعَ الْمَنَازِلِ فِي الْقَرْيَةِ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَقَالَ أَيْضًا : مَعْنَاهُ مُتَقَارِبَةُ الِاجْتِمَاعِ ، وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا : لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ مُتَفَرِّقَةَ الْأَبْنِيَةِ وَالْمَنَازِلِ لَمْ تَقُمْ بِهَا الْجُمُعَةُ ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُمْ وَطَنٌ ، عَلَى أَنَّا لَا نَعْرِفُ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً فِي التَّفْرِيقِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ مُتَقَارِبًا جَازَ إقَامَتُهَا فِيهَا ، قَالَ الْأَصْحَابُ : لَا يَنْتَقِلُونَ عَنْهُ ، أَوْ قَرْيَةً خَرَابًا عَزَمُوا عَلَى إصْلَاحِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا ، فَيَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ ( هـ ) وَرَبَضُهُ كَهُوَ ، وَلَوْ مَعَ فُرْجَةٍ بَيْنَهُمَا ( هـ ) وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِينَ بِنَاءً كَبُيُوتِ الشَّعْرِ وَالْخَرَاكِي ( و ) وَتَجُوزُ إقَامَتُهَا بِقُرْبِ بِنَاءٍ فِي صَحْرَاءَ بِلَا عُذْرٍ ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي هَذَا كَالْمِصْرِ ، وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ فِيهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ [ وَقِيلَ بَلَى فِي جَامِعٍ وَغَيْرِهِ ] وَقِيلَ : بَلْ فِي جَامِعٍ ( و م ش ) .
وَفِي الْخِلَافِ : إنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وَلَوْ بَعُدَ ، وَإِنَّ الْأَشْبَهَ بِتَأْوِيلِهِ الْمَنْعُ ، كَالْعِيدِ يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ لَا فِيمَا بَعُدَ .

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَإِذَا أُقِيمَتْ فِي صَحْرَاءَ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ ، وَقَدَّمَ الْأَزَجِيُّ صِحَّتَهَا وَوُجُوبَهَا عَلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ بِعَمُودٍ ( خ ) أَوْ خِيَامٍ ( خ ) وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ [ خِلَافًا لِلْجَمِيعِ ] نَقَلَ أَبُو نَصْرٍ الْعِجْلِيُّ : لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ جُمُعَةٌ لِأَنَّهُمْ يَتَنَقَّلُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ : فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَوْطِنِينَ ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ، وَلَا يَتِمُّ عَدَدٌ مِنْ مَكَانَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ ، لِعَدَمِ اسْتِيطَانِ الْمُتَمِّمِ وَلَا يَجُوزُ تَجْمِيعُ أَهْلِ كَامِلٍ فِي نَاقِصٍ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا كَبَيْنِ الْبُنْيَانِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ ، لِعَدَمِ خُرُوجِهِمْ عَنْ حُكْمِ بُقْعَتِهِمْ ، وَالْأَوْلَى مَعَ تَتِمَّةِ الْعَدَدِ تَجْمِيعُ كُلِّ قَوْمٍ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُ الْقَرْيَةَ قَصْدُ مِصْرٍ بَيْنَهُمَا فَرْسَخٌ فَأَقَلُّ ، وَحَكَى رِوَايَةً ، وَلَا جُمُعَةَ بِمِنًى ( هـ ) كَعَرَفَةَ ، نَقَلَ يَعْقُوبُ : لَيْسَ بِهَا جُمُعَةٌ ، إنَّمَا يُصَلِّي الظُّهْرَ وَلَا يَجْهَرُ ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ وَالِي مَكَّةَ يَرْكَبُ مِنْ مِنًى فَيُجْمِعُ بِهِمْ ، قَالَ : لَا إلَّا إذَا كَانَ [ هُوَ ] بِمَكَّةَ .
.

وَالْمُقِيمُ فِي قَرْيَةٍ لَا يَبْلُغُ عَدَدَ الْجُمُعَةِ ، أَوْ فِي الْخِيَامِ وَنَحْوِهَا ، وَالْمُسَافِرُ غَيْرَ سَفَرِ قَصْرٍ ، لَا تَلْزَمُهُمْ إلَّا إذَا كَانَ فَرْسَخًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) قَالَ جَمَاعَةٌ : تَقْرِيبًا عَنْ مَكَانِ الْجُمُعَةِ ، وَعَنْهُ : عَنْ أَطْرَافِ الْبَلَدِ ( و م ) فَتَلْزَمُهُمْ ، وَعَنْهُ : الْمُعْتَبَرُ مَكَانُ سَمَاعِ النِّدَاءِ ( و ش ) زَادَ بَعْضُهُمْ : غَالِبًا مِنْ مَكَانِهَا أَوْ أَطْرَافِهِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ : أَيُّهُمَا وُجِدَ ، وَعَنْهُ : بَلْ إنْ سَمِعُوهُ ، وَعَنْهُ : إنْ فَعَلُوهَا ثُمَّ رَجَعُوا لِيَوْمِهِمْ لَزِمَهُمْ ، وَلَوْ سَمِعَتْهُ قَرْيَةٌ مِنْ فَوْقِ فَرْسَخٍ لِعُلُوِّ مَكَانِهَا ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ دُونَهُ لِجَبَلٍ حَائِلٍ أَوْ انْخِفَاضِهَا ، فَعَلَى الْخِلَافِ ، وَحَيْثُ لَزِمَهُمْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ أَصْلًا ، وَفِي صِحَّةِ إمَامَتِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ ، لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ ، وَعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِهِمْ ( م 1 )

بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَة ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَفِي صِحَّةِ إمَامَتِهِمْ فِيهَا وَجْهَانِ ، لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ ، وَعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِهِمْ ، انْتَهَى ، يَعْنِي مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِغَيْرِهِ ، كَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ بَقَرِيَّةٍ لَا يَبْلُغُ عَدَدُهُمْ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْجُمُعَةِ ، أَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي الْخِيَامِ وَنَحْوِهَا ، أَوْ كَانَ مُسَافِرًا دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ ، نَحْوَهُمْ وَبِقَرْيَتِهِمْ ، فِي مَسَافَةِ فَرْسَخٍ فَمَا دُونَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ ، فَصَلَّى مَعَهُمْ .
وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَالرِّعَايَتَيْنِ ، وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ ، وَالْفَائِقِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَأَطْلَقَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الْمُقِيمِ غَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِ ، أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ فِي الْكَافِي ، وَفِي الْمُقْنِعِ فِي الْمُسَافِرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ فِيهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ ، لِأَنَّهُمَا عَلَّلَا مَنْعَ إمَامَةِ الْمُسَافِرِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .

وَكَذَا إنْ لَزِمَتْ مُسَافِرًا أَقَامَ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ وَلَمْ يَنْوِ اسْتِيطَانًا ( م 2 ) وَالْأَشْهَرُ تَلْزَمُهُ ، وَعَنْهُ : لَا جَزْمَ بِهِ فِي التَّخْلِيصِ وَغَيْرِهِ ( خ ) .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ لَزِمَتْ مُسَافِرًا أَقَامَ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ وَلَمْ يَنْوِ اسْتِيطَانًا .
انْتَهَى ، وَذَلِكَ كَمَنْ أَقَامَ بِمِصْرَ لِعِلْمٍ أَوْ شُغْلٍ وَنَحْوِهِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، فَكَذَا فِي هَذِهِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ

وَتُجْزِئُ امْرَأَةً حَضَرَتْهَا تَبَعًا [ ( و ) ] لِلْمُقِيمِينَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهَا وَلَا تَؤُمُّ [ ( و ) ] فِيهِنَّ وَكَذَا مُسَافِرٌ لَهُ الْقَصْرُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ تَبَعًا لِلْمُقِيمِينَ [ خِلَافًا لَهُمْ ] قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهًا ، وَحَكَى رِوَايَةً تَلْزَمُهُ بِحُضُورِهَا ( خ ) فِي وَقْتِهَا مَا لَمْ يَنْضَرَّ بِالِانْتِظَارِ ، وَتَنْعَقِدُ ، ( و هـ م ر ) وَيَؤُمُّ فِيهَا [ ( م ر ) ] كَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ تَخْفِيفًا لِعُذْرِ مَرَضٍ وَخَوْفٍ وَنَحْوِهِمَا ( و ) لِزَوَالِ ضَرَرِهِ ، فَهُوَ كَمُسَافِرٍ يَقْدَمُ فَلَوْ دَامَ ضَرَرُهُ ، كَخَائِفٍ عَلَى مَالِهِ وَحَاقِنٍ ، جَازَ انْصِرَافُهُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ خَاصَّةً ، فَلَوْ صَلَّى بَقِيَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ ، وَهُوَ اشْتِغَالُهُ بِدَفْعِ ضَرَرِهِ ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ ، لِبَقَاءِ سَفَرِهِ ، وَهُوَ الْمُسْقِطُ وَإِنْ لَزِمَتْ عَبْدًا انْعَقَدَتْ بِهِ وَأَمَّ وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، وَلَيْسَ كَمُسَافِرٍ ( خ ) وَمُمَيِّزٌ كَعَبْدٍ ( خ ) وَمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا كَعَبْدٍ ، فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ : وَكَرِهَ قَوْمٌ التَّجْمِيعَ لِلظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعُذْرِ لِئَلَّا يُضَاهِيَ بِهَا جُمُعَةً أُخْرَى ، احْتِرَامًا لِلْجُمُعَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي يَوْمِهَا .
لَا كَامْرَأَةٍ [ ( خ ) ] .

فَصْلٌ .
مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَصَلَّى الظُّهْرَ شَاكًّا هَلْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ؟ لَمْ تَصِحَّ ( ر ش ) كَشَكِّهِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ، لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ ، لِلْأَخْبَارِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ ، لِاحْتِمَالِ بُطْلَانِهَا فَيَسْتَأْنِفُهَا ، فَتَقَعُ ظُهْرًا هَذَا قَبْلَهُ ، وَقِيلَ : إنْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهَا وَإِلَّا صَحَّتْ ( و م ) وَسَبَقَ وَجْهٌ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الظُّهْرُ ، فَتَصِحُّ مُطْلَقًا ( و هـ ) وَقَدَّمَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلِهَذَا يُصَلِّي الْفَجْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الظُّهْرُ وَلَمْ تَفُتْ ، لَكِنْ لَا تَبْطُلُ ظُهْرُهُ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ ( هـ ) وَكَذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَهْلُ بَلَدٍ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَشْهَرِ ( هـ ) وَقِيلَ : إنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ تَأْخِيرًا مُنْكَرًا ، فَلِلْغَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا وَيُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ ( و م ) لِخَبَرِ تَأْخِيرِ الْأُمَرَاءِ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ، وَسَبَقَ أَنَّ أَحْمَدَ احْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَا يَكْفُرُ ، وَاحْتَجَّ فِي الْخِلَافِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى صِحَّتِهَا بِغَيْرِ سُلْطَانٍ قَالَ : وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا ، قَالَ : وَأَخَذَ أَحْمَدُ بِظَاهِرِهِ فِي الْجُمُعَةِ ، فَسَأَلَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ إذَا أَخَّرُوا الصَّلَاةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : يُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا وَيُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَ هُنَا لَا يُصَلِّيهَا غَيْرُ وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا تَأَخَّرَ ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ يُصَلِّي غَيْرُهُ ، وَيُوَافِقُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي صِحَّتِهَا بِلَا سُلْطَانٍ بِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ لَمَّا أَبْطَأَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بِالْخُرُوجِ ،

وَصَلَّى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِالنَّاسِ حِين أَخَّرَهَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ .

وَمَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ صَحَّتْ ظُهْرُهُ قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ( و ) وَلَوْ زَالَ عُذْرُهُ ، وَقِيلَ : لَا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّرْغِيبِ ( و م ) كَصَبِيٍّ بَلَغَ فِي الْأَشْهَرِ ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : مَنْ لَزِمَتْهُ بِحُضُورِهِ لَمْ تَصِحَّ وَالْأَصَحُّ فِيمَنْ دَامَ عُذْرُهُ ، كَامْرَأَةٍ ، تَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَقِيلَ : الْأَفْضَلُ لَهُ التَّقْدِيمُ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ ، وَلَا تَبْطُلُ بِالسَّعْيِ فِي الْأَشْهَرِ ( هـ ) بِدَلِيلِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ ، مَعَ مَنْعِ اقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ ، اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الِاقْتِدَاءِ .

وَلَا تُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ ( م ) أَوْ لِمَعْذُورٍ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي الْمِصْرِ ( هـ ) وَفِي مَكَانِهَا وَجْهَانِ ( 3 م ) وَلَمْ يَكْرَهْهُ أَحْمَدُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي قَالَ : وَمَا كَانَ يَكْرَهُ إظْهَارَهَا ، قَالَ : وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ كَرِهَ إظْهَارَهَا وَكَثْرَةَ الْجَمْعِ فِيهَا لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا اُتُّهِمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، فَيُعَاقِبُهُمْ الْإِمَامُ إذَا لَمْ تَكُنْ أَعْذَارُهُمْ ظَاهِرَةً ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لَمْ تُكْرَهْ ، وَعَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحَبَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ لِلظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهُ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ : لَا يُصَلِّي فَوْقَ ثَلَاثَةٍ جَمَاعَةً ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَيَأْتِي قَبْلَ آخِرِ فَصْلٍ [ فِي ] الْبَابِ : هَلْ يُؤَذِّنُ لَهَا
الْمَسْأَلَةُ 3 ) قَوْلُهُ : وَلَا تُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ أَوْ لِمَعْذُورٍ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي الْمِصْرِ ، وَفِي مَكَانِهَا وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَلِمَنْ فَاتَتْهُ أَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ جَمَاعَةً بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً ، وَهَلْ يُكْرَهُ فِي مَوْضِعٍ صُلِّيَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ : لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُقِيمَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ ، وَعَلَّلُوهُ بِمَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي وَجَمَاعَةٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .

وَمَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَتَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِهِ ، لِلْخَبَرِ ، وَلَا يَجِبُ ( عِ ) وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ اللُّزُومِ حَتَّى يُصَلِّيَ ، بِنَاءً عَلَى اسْتِقْرَارِهَا بِأَوَّلِهِ ، فَلِهَذَا خَرَجَ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِهَا لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ ( و هـ ) وَفِيهِ قَبْلَ اللُّزُومِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ رِوَايَتَانِ ( م ر ق ) وَثَالِثَةٌ يَجُوزُ لِلْجِهَادِ ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ ، نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ ، وَقِيلَ : الرِّوَايَاتُ إنْ دَخَلَ وَقْتُهَا وَإِلَّا جَازَ ( 4 م ) وَلَهُ السَّفَرُ إنْ أَتَى بِهَا فِي قَرْيَةٍ بِطَرِيقِهِ ، وَإِلَّا كُرِهَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً ( و م ) وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا يُكْرَهُ .
قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : قَلَّ مَنْ يَفْعَلُهُ إلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي بَابِ الصَّيْدِ : اتَّفَقُوا أَنَّ سَفَرَ الرَّجُلِ مُبَاحٌ لَهُ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ ، وَاتَّفَقُوا أَنَّ السَّفَرَ حَرَامٌ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إذَا نُودِيَ لَهَا ، كَذَا قَالَ

( مَسْأَلَةٌ 4 ) .
قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ اللُّزُومِ حَتَّى يُصَلِّيَ وَفِيهِ قِيلَ اللُّزُومُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ رِوَايَتَانِ : وَثُلُثُهُ يَجُوزُ لِلْجِهَادِ ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ ، وَقِيلَ : الرِّوَايَاتُ إنْ دَخَلَ وَقْتُهَا وَإِلَّا جَازَ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلطُّوفِيِّ ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ فِي الْكَافِي : إحْدَاهُنَّ يَجُوزُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَجُوزُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، قَالَ هُوَ وَالشَّيْخُ فِي الْمُغَنِّي وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ : قُلْت : وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ حِينَ يَشْرَعُ فِي الْأَذَانِ لَهَا ، لِجَوَازِ أَنْ يَشْرَعَ فِي ذَلِكَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَلَا نِزَاعَ فِي تَحْرِيمِ السَّفَرِ حِينَئِذٍ ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِالْإِقَامَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ ، انْتَهَى

فَصْلٌ .
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ الِاسْتِيطَانُ ، وَقَدْ سَبَقَ ، وَالْوَقْتُ ، وَتَجِبُ بِالزَّوَالِ ، وَعَنْهُ : وَقْتَ الْعِيدِ [ وَتَجُوزُ وَقْتَ الْعِيدِ ] نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ : فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ شَاقِلَا وَالشَّيْخُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْخَامِسَةِ ، وَعَنْهُ : بَعْدَ الزَّوَالِ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ( و ) وَهُوَ الْأَفْضَلُ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَمُفْرَدَاتِهِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا : بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَآخِرُهُ وَقْتُ الظُّهْرِ لَا الْغُرُوبُ ( م ر ) .
.

فَإِنْ خَرَجَ صَلَّوْا ظُهْرًا ، فَإِنْ كَانُوا فِيهَا أَتَمُّوا جُمُعَةً ، قَالَ بَعْضُهُمْ : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ( و م ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : هُوَ الْمَذْهَبُ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ إذَا فَاتَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِدْرَاكُهُ ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِي الِاسْتِدَامَةِ لِلْعُذْرِ ، وَمِثْلُهُ الْعَدَدُ وَهُوَ لِلْمَسْبُوقِ ، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ حَصَلَ عَنْهُ بَدَلٌ وَهُوَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ ، وَلِأَنَّ بَعْضَهُ كَجَمِيعِهِ فِيمَنْ طَرَأَ تَكْلِيفُهُ فِي آخِرِهِ ، بِخِلَافِ الْعَدَدِ فِيهِمَا .
وَعَنْهُ : قَبْلَ رَكْعَةٍ لَا ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ .
ثُمَّ هَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا ( و ش ) أَوْ يَسْتَأْنِفُونَهَا ؟ ( و هـ ) فِيهِ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَعَنْهُ : يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ فِيهَا إلَّا السَّلَامَ .
وَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ فِيهَا ، فَقِيلَ كَذَلِكَ ، وَقِيلَ تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْغُرُوبِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْجُمُعَةِ ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ وَقْتُ الظُّهْرِ الَّتِي الْجُمُعَةُ بَدَلُهَا ( م 6 ) فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الْخُطْبَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ لَزِمَ فِعْلُهَا ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ .
وَكَذَا يَلْزَمُهُمْ إنْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ صَلَّوْا ظُهْرًا ، فَإِنْ كَانُوا فِيهَا أَتَمُّوا جُمُعَةً وَعَنْهُ : قَبْلَ رَكْعَةٍ لَا ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ ، ثُمَّ هَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا أَوْ يَسْتَأْنِفُونَ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْكَافِي وَالْمُقْنِعُ وَالْمُحَرَّرُ وَمُخْتَصَرُ ابْنِ تَمِيمٍ وَشَرْحُ ابْنِ مُنَجَّى الْبَحْرَيْنِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ وَالْفَائِقُ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، أَحَدُهُمَا : يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذَهَّبِ وَالْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَسْتَأْنِفُونَهَا ظُهْرًا ، قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا الْآتِي ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعْهُ الشَّارِحُ : فَعَلَى هَذَا إنْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ تَفْسُدُ وَيَسْتَأْنِفُهَا ظُهْرًا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبُو إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ : وَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلِ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْخِرَقِيِّ الْآتِيَانِ ، انْتَهَى ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا إنْ كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ ، وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا لَيْسَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ شَاقِلَا ، لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَدَّمَ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ ، وَهُنَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ غَرَبَتْ وَهُمْ فِيهَا فَقِيلَ كَذَلِكَ يَعْنِي يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُمْ فِيهَا وَقِيلَ : تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْجُمُعَةِ ، وَوَقْتَ الْعَصْرِ وَقْتُ الظُّهْرِ الَّتِي الْجُمُعَةُ بَدَلُهَا ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا هُوَ كَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ ،

وَقِيلَ : بَلْ تَبْطُلُ ، انْتَهَى ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تَبْطُلُ ، قُلْت : وَهَذَا الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ .
( تَنْبِيهٌ ) .
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى وَالْمُصَنِّفُ ، وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِمْ ، وَظَاهِرُهَا مُشْكِلٌ ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابَ قَالُوا : يَخْرُجُ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُمْ فِيهَا ، فَكَيْفَ يُصَحِّحُ الْجُمُعَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ إذَا جَوَّزْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ ، وَجَمَعَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ ، وَتَأَخَّرُوا إلَى آخَرِ الْوَقْتِ ، لَكِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ ، أَوْ حَصَلَ لَهُمْ إفَاقَةٌ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إسْلَامٌ أَوْ بُلُوغٌ أَوْ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ ، وَجَوَّزْنَا الصَّلَاةَ لَهُمْ ، وَلَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الصَّلَاةِ مِنْ قَبْلِ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَاسْتَمَرُّوا إلَى الْغُرُوبِ بَعِيدٌ جِدًّا ، ثُمَّ وَجَدْت الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُوَ الْخِلَافُ الْكَبِيرُ قَالَ : إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ كَمَا يَجُوزُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ، وَلَا فَرْقَ ، انْتَهَى ، فَقَطَعَ بِهَذَا ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ : لَمَّا قَالَ الْمُخَالِفُ الْوَقْتُ شَرْطٌ ، كَمَا أَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ تَفَرَّقَ الْعَدَدُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ الْوَقْتُ ، انْتَهَى .
فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَوَابِ الثَّالِثِ : فَأَمَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ نَقُولَ : تُبْنَى ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ نَقُولَ : تَبْطُلُ ؛

لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لَمْ يُجْعَلْ وَقْتًا لِلْجُمُعَةِ ، وَوَقْتَ الْعَصْرِ قَدْ جُعِلَ وَقْتًا لِلظُّهْرِ الَّتِي الْجُمُعَةُ بَدَلٌ عَنْهَا ، انْتَهَى .
فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ جَعَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ مَعَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَقْتًا وَاحِدًا لِلْعُذْرِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ ، كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ فَأَكْثَرَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( و ش ) لَا بِمَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ عَادَةً ( م ) وَعَنْهُ : بِخَمْسِينَ ، وَعَنْهُ : بِسَبْعَةٍ ، وَعَنْهُ : بِخَمْسَةٍ ، وَعَنْهُ : بِأَرْبَعَةٍ ( و هـ ) وَعَنْهُ : بِثَلَاثَةٍ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَعَنْهُ : بِثَلَاثَةٍ فِي الْقُرَى ، وَعَنْهُ : يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِمَامِ زَائِدًا ( خ ) فَعَلَيْهَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا نَاسِيًا لَمْ تُجْزِئْهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا بِدُونِهِ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ ، وَيَتَخَرَّجُ : لَا مُطْلَقًا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْمُؤْتَمِّ بِنَاسٍ حَدَثَةُ تَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرَأَ خَلْفَهُ ، تَقْدِيرًا لِصَلَاتِهِ صَلَاةَ انْفِرَادٍ .
وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ الْعَدَدَ فَنَقَصَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ ، وَلَزِمَهُ اسْتِخْلَافُ أَحَدِهِمْ ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ، وَلَوْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ لَمْ يَجُزْ بِأَقَلَّ ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ ، لِقِصَرِ وِلَايَتِهِ ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ ، وَبِالْعَكْسِ الْوِلَايَةُ بَاطِلَةٌ ، لِتَعَذُّرِهَا مِنْ جِهَتِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدَهُمْ .
وَلَوْ لَمْ يَرَهَا قَوْمٌ بِوَطَنٍ مَسْكُونٍ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ لِلْمُحْتَسِبِ أَمْرُهُمْ بِرَأْيِهِ بِهَا ، لِئَلَّا يَظُنَّ الصَّغِيرُ أَنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ زِيَادَةِ الْعَدَدِ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَحْمَدُ : يُصَلِّيهَا مَعَ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، مَعَ اعْتِبَارِ عَدَالَةِ الْإِمَامِ ، وَيَحْتَمِلُ : لَا ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا تَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِك ، وَلَيْسَ لِمَنْ قَلَّدَهَا أَنْ يَؤُمَّ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ ، ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَلَيْسَ لِمَنْ قَلَّدَ أَحَدَهُمَا أَنْ يَؤُمَّ فِي عِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ .
وَإِنْ نَقَصَ الْعَدَدُ ابْتَدَءُوا ظُهْرًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) وَقِيلَ : يُتِمُّونَ ظُهْرًا ( و م ر ) وَقِيلَ : جُمُعَةً ( و هـ ) وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْأُولَى ( هـ ) وَقِيلَ :

إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ ؛ لِأَنَّهُ الْعَدَدُ الْبَاقِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانُوا فِي الصَّلَاةِ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَالْمُرَادُ فِي انْتِظَارِهَا .
كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي الْخُطْبَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ : بَقِيَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا ، تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ، وَإِنَّمَا انْفَضُّوا لِظَنِّهِمْ جَوَازَ الِانْصِرَافِ .
وَلِأَبِي دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّ خُطْبَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ كَانَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ، وَظَنُّوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي الِانْفِضَاضِ عَنْ الْخُطْبَةِ ، وَأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُمْ انْفَضُّوا لِقُدُومِ التِّجَارَةِ وَلِشِدَّةِ الْمَجَاعَةِ ، أَوْ ظَنِّ وُجُوبِ الْخُطْبَةِ وَاحِدَةً وَقَدْ فَرَغَتْ ، وَفِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ ، كَانَ لِعُذْرٍ ، وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى شِرَاءِ الطَّعَامِ ؛ وَلِأَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الصَّلَاةُ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا رَجَعُوا لِلصَّلَاةِ ، كَذَا قَالَ .
وَقِيلَ : يُتِمُّونَ جُمُعَةً إنْ كَانَ بَعْدَ رَكْعَةٍ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَذَكَرَهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ( و م ر ) كَمَسْبُوقٍ .
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا صَحَّتْ مِنْ الْمَسْبُوقِ تَبَعًا لِصِحَّتِهَا مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ تَبَعًا ، وَإِنْ بَقِيَ الْعَدَدُ أَتَمَّ جُمُعَةً ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : سَوَاءٌ كَانُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَوْ لَحِقُوهُمْ قَبْلَ تَقَضِّيهِمْ بِلَا خِلَافٍ كَبَقَائِهِ مِنْ السَّامِعِينَ ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ خِلَافُهُ .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْخُطْبَةُ ، وَيَأْتِي .
فَصْلٌ .
وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا إذْنُ الْإِمَامِ ( و م ش ) وَعَنْهُ : بَلَى ( و هـ ) وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ ، وَعَنْهُ : يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا لَا لِجَوَازِهَا ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَالشَّالَنْجِيُّ : إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرُ مَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ

جَمَعُوا وَلَوْ بِلَا إذْنٍ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِمَوْتِهِ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَاشْتَرَطَ إذْنَهُ ، فَعَنْهُ : لَا إعَادَةَ ، لِلْمَشَقَّةِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، لِبَيَانِ عَدَمِ الشَّرْطِ ( م 7 ) .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) .
قَوْلُهُ : إذَا قُلْنَا : يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِمَوْتِهِ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَعَنْهُ : لَا إعَادَةَ لِلْمَشَقَّةِ ، وَعَنْهُ : بَلَى لِبَيَانِ عَدَمِ الشَّرْطِ ، انْتَهَى .
الرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ : هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَصَحَّحَهَا الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ و الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَمَعَ اعْتِبَارِهِ فَلَا تُقَامُ إذَا مَاتَ حَتَّى يُبَايَعَ عِوَضَهُ ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ ، وَقِيلَ : مَعَ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ ، وَقِيلَ : إنْ اعْتَبَرْنَا الْإِذْنَ أَعَادُوا ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ : إنْ اعْتَبَرْنَا إذْنَهُ فِيهَا فَمَاتَ فَلَا تُقَامُ الْجُمَعُ حَتَّى يُبَايَعَ عِوَضُهُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الرِّوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِهِ وَعَدَمِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ .

وَإِنْ غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلَدٍ فَأَقَامُوا فِيهِ الْجُمُعَةَ ، فَنَصُّ أَحْمَدَ : يَجُوزُ اتِّبَاعُهُمْ ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ قُلْنَا مِنْ شَرْطِهَا إمَامٌ إذَا كَانَ خُرُوجُهُمْ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ .

وَيَجِبُ السَّعْيُ بِالنِّدَاءِ الثَّانِي ( و ) وَعَنْهُ : بِالْأَوَّلِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ عُثْمَانَ سَنَّهُ ، وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ .
وَتَتَخَرَّجُ رِوَايَةٌ بِالزَّوَالِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ ، وَعِنْدَ ابْنِ الْبَنَّاءِ : لَا يُسْتَحَبُّ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : يَجِبُ النِّدَاءُ الَّذِي يُحَرِّمُ الْبَيْعَ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً .
وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ سَعَى فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا كُلَّهَا إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ ، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ ، وَالْمُرَادُ : بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلسَّعْيِ أَيْضًا

فَصْلٌ .
وَتَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ لِحَاجَةٍ ، كَخَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ ضِيقٍ ( ش هـ ر م ر ) لِئَلَّا تَفُوتَ حِكْمَةُ تَجْمِيعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ دَائِمًا ، وَلِجَوَازِهَا فِي الْخَوْفِ لِلْعُذْرِ ، وَإِنَّمَا افْتَتَحَتْهَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْأُولَى ، لِعَدَمِ بُطْلَانِهَا بِبُطْلَانِ الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : فِي مَوْضِعَيْنِ ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ وَالْخِلَافِ فِي الْعِيدِ ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ : وَذَكَرَ فِي الْجُمُعَةِ وَجْهَيْنِ ، وَعَنْهُ : لَا ، مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَعَلَهُ وَفِعْلُ عَلِيٍّ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِيدِ .
وَعَنْهُ : عَكْسُهُ ( خ ) لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَسُئِلَ عَنْ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدَيْنِ فَقَالَ : صَلِّ ، فَقِيلَ لَهُ : إلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ ؟ قَالَ : إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْعِيدِ : إنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِضَعَفَةِ النَّاسِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَحَمَلَهُ عَلَى الْحَاجَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ احْتَجَّ لِعَلِيٍّ فِي الْعِيدِ ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ، لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ بِالنَّاسِ فِي الْجَامِعِ بِلَا مَشَقَّةٍ ، وَغَايَةُ مَا تَرَكَهُ فَضِيلَةُ الصَّحْرَاءِ ، إنْ كَانَ يَرَى أَفْضَلِيَّتَهَا فِيهَا ، وَإِنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِخْلَافِ ، لِجَوَازِ التَّرْكِ ، وَلَيْسَ فِي الْحُضُورِ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ ، لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ جِدًّا ، وَعَدَمِ تَكَرُّرِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ .
وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ فِي الْعِيدِ ، وَفِي الْفُصُولِ : إنْ كَانَ الْبَلَدُ قِسْمَيْنِ بَيْنَهُمَا نَائِرَةٌ كَانَ عُذْرًا أَبْلَغَ مِنْ مَشَقَّةِ الِازْدِحَامِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ظُهْرٍ لَا جُمُعَةٍ ، كَالْأَعْذَارِ سَوَاءٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ وَلَا حَاجَةَ لَمْ يَجُزْ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مُخْتَلِفٌ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ فَرْضٍ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَرِدْ لَا يَجُوزُ ؛ وَلِأَنَّهُ مَا

خَلَا عَصْرٌ عَنْ نَفَرٍ تَفُوتُهُمْ الْجُمُعَةُ ، وَلَمْ يُنْقَلْ تَجْمِيعٌ ، بَلْ صَلَّوْا ظُهْرًا ، وَلَمْ يُنْكَرْ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا تُجْمَعُ ( ع ) وَحَيْثُ مُنِعَتْ فَالْمَسْبُوقَةُ بِالْإِحْرَامِ ( و ش ) ، وَقِيلَ : بِشُرُوعِ الْخُطْبَةِ بَاطِلَةٌ ، وَلَوْ صَحَّ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْجُمُعَةَ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا لِفَوْتِهَا .
وَقِيلَ يُتِمُّونَ ظُهْرًا ، كَمُسَافِرٍ نَوَى الْقَصْرَ فَبَانَ إمَامُهُ مُقِيمًا ، وَإِنْ امْتَازَتْ الْمَسْبُوقَةُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقِيلَ : أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ ( و هـ م ) وَزَادَ : أَوْ الْعَتِيقِ صَحَّتْ .
وَقِيلَ : السَّابِقَةُ ، وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا صَلَّوْا جُمُعَةً ( و ) وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ أَوْ جُهِلَتْ السَّابِقَةُ صَلَّوْا ظُهْرًا ، وَقِيلَ : جُمُعَةً ، وَقِيلَ : فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ( و ش ) .

فَصْلٌ .
يُسَنُّ الْغُسْلُ لَهَا أَحْدَثَ بَعْدَهُ أَوْ لَا ، وَلَوْ لَمْ يَتَّصِلْ غُسْلُهُ بِالرَّوَاحِ ( م ) وَأَفْضَلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ ، وَسَبْقِهِ بِجِمَاعٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَالتَّطَيُّبُ ( و ) وَفِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ " وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ يَعْنِي مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ لِتَأَكُّدِ الطِّيبِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ ، وَالْأَصْحَابِ خِلَافُهُ .
وَلُبْسُ أَفْضَلِ ثِيَابِهِ ( و ) وَالْبَيَاضُ ، وَالتَّبْكِيرُ وَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي مَنْزِلِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ مَاشِيًا ( و ) بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ( و ش ) وَقِيلَ : بَعْدَ صَلَاتِهِ ، لَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ( هـ ) وَلَا بَعْدَ الزَّوَالِ ( م ) نَقَلَ حَنْبَلٌ : الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ فَرْضٌ ، وَالذَّهَابُ إلَى الْجُمُعَةِ تَطَوُّعٌ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، قَالَ الْقَاضِي : لَمْ يُرِدْ بِالذَّهَابِ إلَيْهَا الْقَصْدَ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ [ بِهِ ] الْبُكُورَ أَوْ السَّعْيَ ، وَهُوَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ ، قَالَ : وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ فَسَّرُوهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ قَالُوا [ وَقَدْ ] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَوْ قَرَأَتْهَا لَسَعَيْت حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي ، وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ لِعُذْرٍ أَوْ لِلْعَوْدِ ، وَيُسَنُّ الدُّنُوُّ مِنْ الْإِمَامِ ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ ، وَكَذَا بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِهَا ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ فِي أَخْبَارٍ ، وَفِي بَعْضِهَا : وَلَيْلَتِهَا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَكِنَّ الْخَبَرَ فِي اللَّيْلَةِ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
قَالَ الْأَصْحَابُ : وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي : وَلَيْلَتِهَا ، لِلْخَبَرِ ، وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ ، وَأَفْضَلُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَكْثَرُ الْحَدِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ

الْعَصْرِ ، وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، وَيُكْرَهُ تَخَطِّي أَحَدٍ ، وَحَرَّمَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَالْمُنْتَخَبِ وَأَبُو الْمَعَالِي وَشَيْخُنَا .
وَإِنْ رَأَى فُرْجَةً ، فَإِنْ وَصَلَهَا بِدُونِهِ كُرِهَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَعَنْهُ : لَا مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ : عَكْسُهُ ، وَعَنْهُ : ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ ، وَعَنْهُ : بَلْ أَكْثَرُ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَتْ أَمَامَهُ لَمْ يُكْرَهْ ، وَجَزَمَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ، وَكَذَا أَبُو الْمَعَالِي ، وَزَادَ : وَأَنَّ تَبْكِيرَهُ لَا يُسْتَحَبُّ .
وَجَزَمَ فِي الْغُنْيَةِ : يَتَخَطَّى إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ .
وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا يُكْرَهُ لِإِمَامٍ وَغَيْرِهِ لِلْحَاجَةِ .
وَتَخَطَّى أَحْمَدُ زَوَارِقَ عِدَّةً بِدِجْلَةَ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ حَرِيمُ دِجْلَةَ ، وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا ضَيَّقُوا الطَّرِيقَ جَازَ مَشْيُهُ عَلَيْهَا ، قَالَهُ الْخَلَّالُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32