كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعُثْمَانَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ عَنْ مَالِكٍ : لَا يَجُوزُ .
وَإِنْ اسْتَدَامَهُ فَلَا كَفَّارَةَ ، لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ { أَنَّ رَجُلًا أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ ، مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ .
وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ .
أَمَّا الطَّيِّبُ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
وَأَمَّا الْجُبَّةَ فَانْزَعْهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا عَامَ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِلَا خِلَافٍ ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، مَعَ أَنَّ التَّزَعْفُرَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلرَّجُلِ مُطْلَقًا .
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ ابْتِدَائِهِ مَنْعُ اسْتِدَامَتِهِ ، كَالنِّكَاحِ .
وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ .
عَنْ عَائِشَةَ { : كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا ، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَانَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَالْمَذْهَبُ : يُكْرَهُ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ .
وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ .
وَقِيلَ : هُوَ كَبَدَنِهِ ، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .
وَإِنْ نَقَلَهُ مِنْ بَدَنِهِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ أَوْ نَقَلَهُ عَنْهُ ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ أَوْ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ فَدَى ، بِخِلَافِ سَيَلَانٍ بِعَرَقٍ وَشَمْسٍ .
وَيُسْتَحَبُّ لُبْسُهُ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ نَظِيفِينَ ، وَنَعْلَيْنِ ، بَعْدَ تَجَرُّدِ الرَّجُلِ عَنْ الْمَخِيطِ ، لَفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : ثَبَتَ ذَلِكَ .
وَفِي تَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ : إخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ الرِّدَاءِ أَوْلَى ، وَيَجُوزُ إحْرَامُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ .

فَصْلٌ ثُمَّ يُحْرِمُ عَقِيبَ مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَفْلٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ : عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَعَنْهُ : عَقِيبَهَا ، وَإِذَا رَكِبَ وَإِذَا سَارَ سَوَاءٌ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا عَقِبَ فَرْضٍ إنْ كَانَ وَقْتُهُ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : إذَا رَكِبَ ؛ لِأَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ .
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ : رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ .
وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا : { كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ } ، .
وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ أَظُنُّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ .
وَإِنَّ اسْتِحْبَابَ الرَّكْعَتَيْنِ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا يَرْكَعُهُمَا وَقْتَ نَهْيٍ .
وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ خِلَافُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا ، وَأَظْهَرُهُمَا إذَا سَارَ ، رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ } .
وَجْهُ الْأَوَّلِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنِي خُصَيْفٌ الْجَزَرِيُّ { عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ : عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ ، فَقَالَ : إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ ، خَرَجَ حَاجًّا ، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ ، فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا ، فَقَالُوا إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ، فَلَمَّا

عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ ، فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَفِي لَفْظٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ } .
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خُصَيْفٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ : هُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يُحْرِمَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ، وَأَكْثَرُهُمْ يُوَثِّقُ ابْنَ إِسْحَاقَ وَيَخْشَى مِنْهُ التَّدْلِيسَ .
وَقَدْ زَالَ .
وَخُصَيْفٌ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ سَعْدٍ .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ : صَالِحٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : إذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ : كُنَّا نَجْتَنِبهُ .
وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَجَمَعَ بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَأَحْوَطُ وَأَسْرَعُ إلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ أَوْلَى ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ إنْ كَانَ لِلْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ اُسْتُحِبَّ صَلَاةُ .
الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ ، صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا : وَيُسْتَحَبُّ تَعْيِينُ النُّسُكِ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِعْلِ مَنْ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ : إطْلَاقُ الْإِحْرَامِ أَفْضَلُ .
وَيُسْتَحَبُّ ( و هـ ش ) قَوْلُهُ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ نُسُكَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ [ مِنِّي ] .
وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا وَتَيَسُّرِهَا عَادَةً وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا ، وَكَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ : وَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَوْ مَعْنَاهُ ، نَحْوُ أُرِيدُ كَذَا إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ ، أَوْ قَوْلُ عَائِشَةَ لِعُرْوَةِ : قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ ( و ش ) { لِقَوْلِ ضُبَاعَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أُرِيدُ

الْحَجَّ وَأَجِدُنِي وَجِعَةً ، فَقَالَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي ، وَقُولِي : اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ { فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت } ، وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ { فَإِنْ حُبِسْت أَوْ مَرِضْت فَقَدْ حَلَلْت مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِك عَلَى رَبِّك } ، فَمَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ وَخَطَإِ طَرِيقٍ وَغَيْرِهِ حَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ ، وَلَوْ قَالَ : فَلِي أَنْ أَحِلَّ خَيْرٌ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ أَوْ إنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ .
وَقِيلَ : يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ بِقَلْبِهِ ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِحْرَامِ ، وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ ، فَكَذَا هُوَ ، وَاسْتَحَبَّ شَيْخُنَا الِاشْتِرَاطَ لِلْخَائِفِ خَاصَّةً ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ .
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : إنْ اشْتَرَطَ فَلَا بَأْسَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ : لَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ ، { لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ : أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ } ؟ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .

فَصْلٌ يُخَيَّرُ بَيْنِ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ ( و ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ إجْمَاعًا ، قَالَتْ عَائِشَةُ { : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَقَالَ : مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهْلِلْ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ } قَالَتْ : وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ ، وَكُنْت فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْهَا { لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ } .
وَفِيهِ أَيْضًا { خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ } ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ عَنْهَا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : { مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْت لَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهَا بِعُمْرَةٍ ، وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ : لَا يَجُوزُ إلَّا التَّمَتُّعُ ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ نَهَوْا عَنْ التَّمَتُّعِ وَعَاقَبُوا مَنْ تَمَتَّعَ .
وَكَرِهَ التَّمَتُّعَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ .
وَمُعَاوِيَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ .
وَبَعْضُهُمْ : وَالْقِرَانَ ، رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهُ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا ، فَمِنْ مُوجِبٍ لِذَلِكَ ، وَمِنْ مَانِعٍ ، وَمِنْ كَارِهٍ ، وَمِنْ مُسْتَحِبٍّ وَمِنْ مُبِيحٍ .
وَأَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ [ وَعَبْدِ اللَّهِ ] الَّذِي يَخْتَارُ الْمُتْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ آخَرُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَعْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعْته يَقُولُ : نَرَى التَّمَتُّعَ أَفْضَلَ ، وَسَمِعْته قَالَ لِرَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أُمِّهِ : تَمَتُّعٌ أَحَبُّ إلَيَّ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ

بْنُ إبْرَاهِيم : كَانَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدُّخُولَ بِعُمْرَةٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَأَحْلَلْت مَعَكُمْ } ، وَسَمِعْته يَقُولُ : الْعُمْرَةُ كَانَتْ آخَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا ، وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ وَتَأَسَّفَ } ، كَمَا سَبَقَ ، وَلَا يَنْقُلُهُمْ إلَّا إلَى الْأَفْضَلِ ، وَلَا يَتَأَسَّفُ إلَّا عَلَيْهِ ، فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْفَسْخِ لِفَضْلِ التَّمَتُّعِ ، بَلْ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، رَدٌّ : لَمْ يَعْتَقِدُوهُ .
ثُمَّ لَوْ كَانَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ ؟ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ ، ثُمَّ لَوْ كَانَ ، لَمْ يَتَأَسَّفْ لِاعْتِقَادِهِ جَوَازَهَا فِيهَا وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ الْهَدْيِ ؟ وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ فِي الْكِتَابِ دُونَ غَيْرِهِ .
قَالَ عِمْرَانُ : { نَزَلَتْ آيَةُ التَّمَتُّعِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ ، لَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ، وَلِلْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ ، وَلِإِتْيَانِهِ بِأَفْعَالِهَا كَامِلَةً عَلَى وَجْهِ الْيُسْرِ ، وَصَحَّ { عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا } ، وَقَوْلُهُ : { إنَّ هَذَا الدَّيْنَ يُسْرٌ } وَقَوْلُهُ { بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ } .
وَتُجَزِّئُ عُمْرَةُ التَّمَتُّعِ ، بِلَا خِلَافٍ ، وَفِي عُمْرَةِ الْإِفْرَادِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَعُمْرَةُ الْقِرَانِ الْخِلَافُ ؛ وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمُفْرَدِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَارِنِ ، فَكَانَ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ

فِي التَّمَتُّعِ زِيَادَةٌ عَلَى الْإِفْرَادِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوَازِيه وَهُوَ الدَّمُ ، وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ لَا جُبْرَانَ ، وَإِلَّا لَمَا أُبِيحَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِلَا عُذْرٍ ، لِعَدَمِ جَوَازِ إحْرَامٍ نَاقِصٍ يَحْتَاجُ أَنْ يَجْبُرَهُ بِدَمٍ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : إذَا دَخَلَ بِعُمْرَةٍ يَكُونُ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً وَدَمًا ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ دَمُ نُسُكٍ لَمْ يَدْخُلْهُ الصَّوْمُ كَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الْمَنَاسِكِ ، قِيلَ : دُخُولُ الصَّوْمِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ نُسُكًا ؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْقُرَبُ يَدْخُلُهَا الْإِبْدَالَ ، وَاخْتِصَاصُهُ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ نُسُكًا ، كَالْقِرَانِ نُسُكٌ وَيَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافٍ وَسَعْيٍ ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ التَّمَتُّعِ مِنْ جِهَتِهِ ، كَمَنْ نَذْرَ حِجَّةً يُهْدِي فِيهَا هَدْيًا ، ثُمَّ إنَّمَا اخْتَصَّ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، وَهُوَ التَّرَفُّه بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ ، فَإِنْ قِيلَ : نُسُكٌ لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلُ كَإِفْرَادٍ لَا دَمَ فِيهِ ، رُدَّ : تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعُ غَيْرِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّمُ سَوَاءٌ عِنْدَك .
وَإِنَّمَا كَانَ إفْرَادُ لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ دَمُ جِنَايَةٍ ؛ وَلِهَذَا إفْرَادٌ فِيهِ دَمُ تَطَوُّعٍ .
أَفْضَلُ ، فَإِنْ قِيلَ : فِي الْقِرَانِ مُسَارَعَةٌ إلَى فِعْلِ الْعِبَادَتَيْنِ ، وَهُوَ أَوْلَى لِلْآيَةِ وَكَالصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا ، قِيلَ : الْعِبْرَةُ بِمُسَارَعَةٍ شَرْعِيَّةٍ ؛ وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ الصَّلَاةُ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَآخِرَهُ ، وَتُؤَخَّرُ لِطَلَبِ الْمَاءِ أَوْ الْجَمَاعَةِ .
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ : إنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ؛ لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا } اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : وَإِنْ اعْتَمَرَ وَحَجَّ فِي سُفْرَتَيْنِ أَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ

، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ، وَذُكِرَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِيَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَسَبَقَتْ الثَّانِيَةُ آخِرَ الْبَابِ قَبْلَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ بِسُفْرَةٍ ثُمَّ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ مُتَمَتِّعٌ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اعْتَمَرُوا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ ثُمَّ تَمَتَّعُوا } .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ الْإِفْرَادُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ ، وَلَهُ قَوْلٌ : التَّمَتُّعُ ، وَقَوْلٌ : الْقِرَانُ ، وَمَذْهَبُهُ : شَرْطُ أَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ تِلْكَ السَّنَةَ ، فَلَوْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَتِهِ فَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ ، لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ ، أَمَّا حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتُلِفَ فِيهَا بِحَسَبِ الْمَذَاهِبِ ، حَتَّى اخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : هَلْ حَلَّ .
مِنْ عُمْرَتِهِ ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَحْمَدَ : لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِهِ وَهُوَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ ، كَذَا قَالَ .
وَجْهٌ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ { تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ .
وَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا

وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ تَمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلِيُهْدِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ } وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ وَأَمَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْمُتْعَةِ وَقَالَ : سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ .
{ وَقَالَ نَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ : كَيْفَ تُخَالِفُ أَبَاك وَقَدْ نَهَى عَنْهَا ؟ فَقَالَ : وَيْلَكُمْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ ، إنْ كَانَ عُمَرُ نَهَى عَنْهَا يَبْتَغِي فِيهِ الْخَيْرَ يَلْتَمِسُ بِهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ فَلِمَ تُحَرِّمُونَ ذَلِكَ وَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَرَسُولُ اللَّهِ ، أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سَنَتَهُ أَمْ سَنَةَ عُمَرَ ؟ لَمْ يَقُلْ لَكُمْ : إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَرَامٌ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : إنْ أَتَمَّ لِلْعُمْرَةِ أَنْ تُفْرِدُوهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ هَذَا الْمَعْنَى .
وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ ، وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ ، فَلَمْ يُحِلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ } .
وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْهُ : { تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ } ، وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ .
فِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ أَنَسٌ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِيهِمَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْكَرَهُ ، وَأَنَّ أَنَسًا قَالَ : مَا تَعُدُّونَا إلَّا صَبِيَّانَا .
وَلِمُسْلِمٍ : أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا { لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا } وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الصُّيَقْلِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا

اسْتَدْبَرْت لَجَعَلْتهَا عُمْرَةً ، وَلَكِنْ سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ } أَبُو أَسْمَاءَ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ .
وَقَالَ عُمَرُ { : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ : صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ } وَفِي رِوَايَةٍ { قُلْ عُمْرَةً وَحِجَّةً } رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَأَهَلَّ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ : هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، قِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ يُلَقِّنُ قَارِنًا تَلْبِيَتَهُ فَظَنَّهُ يُلَبِّي بِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ ؛ أَوْ سَمِعَهُ فِي وَقْتَيْنِ ، أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَمَّا أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ ، أَوْ قَرَنَ بِهِمَا أَيْ فَعَلَ الْحِجَّةَ بَعْدَهَا ، وَيُسَمَّى قِرَانًا لُغَةً .
وَخَبَرُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمْرَةً دَاخِلَةً فِي حِجَّةٍ كَقَوْلِهِ { دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَخَبَرُ الصُّبَيّ فِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ سُنَّةٌ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ ، فَإِنْ قِيلَ عَنْ عَائِشَةَ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلِلشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيُّ : { أَهَلَّ بِالْحَجِّ } ، وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : { أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ ، وَهُوَ فِيهِمَا } عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَسَبَقَ خَبَرُ عَائِشَةَ { لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْت لَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ } قِيلَ : أَفْرَدَ عَمَلَ الْحَجِّ عَنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ ، أَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِيمَا بَعْدُ .
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ جَابِرٍ إنَّمَا ذَكَرَ الصَّحَابَةَ فَقَطْ ، وَسَبَقَ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ، وَأَجَابَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ :

كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بِالْمَدِينَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ، فَلَمَّا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ فَسَخَ .
عَلَى أَصْحَابِهِ وَتَأَسَّفَ عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَجَلِ سَوْقِ الْهَدْيِ ، فَكَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى ثُمَّ أَخْبَارُ التَّمَتُّعِ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ وَأَصْرَحُ ، فَكَانَتْ أَوْلَى .
عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السَّابِقَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ ، لِاحْتِمَالِهِ اخْتِصَاصُهُ بِهِ .
وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ ، وَأَوْسَعُهُمْ نَفْسًا الطَّحْطَاوِيُّ ، تَكَلَّمَ فِيهِ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُ الطَّبَرِيُّ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَأَوْلَى مَا يُقَالُ عَلَى مَا فَحَصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ أَحْرَمَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِيهَا ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِ الْهَدْيِ .
وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ ، فَصَارَ قَارِنًا آخِرَ أَمْرِهِ .
وَأَمَّا كَرَاهَةُ عُمَرَ فَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مُوسَى : لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ ، وَلَكِنْ كَرِهْت أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ إلَى الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ فِي إمَارَتِهِ وَإِمَارَةِ عُمَرَ ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ ، إلَى أَنْ قَالَ لِعُمَرَ : مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْت فِي شَأْنِ النُّسُكِ ؟ قَالَ : إنْ تَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَإِنْ تَأْخُذْ بِسَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ } .
فَهَذَا رَأْيٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ عُثْمَانُ لَمَّا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ وَكَانَ يَأْمُرُ

بِالْمُتْعَةِ : أَنْتَ تَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ ؟ فَقَالَ : هَذَا رَأْيٌ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ اخْتِيَارُ التَّمَتُّعِ ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ وَالنَّجَّادُ وَغَيْرُهُمْ .
وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ سَعْدٌ وَعَجِبَ مِنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَلِهَذَا رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، فَقَالَ عُرْوَةُ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقِيلَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : أَرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ ، أَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقُولُ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ .
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ .
كَانَتْ مُتْعَةُ الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَعَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَسُنَّ الْحَجُّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً ؟ قَالَ : بَلْ لَنَا خَاصَّةً } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ " لَكُمْ خَاصَّةً " .
وَعَنْ أَبِي عِيسَى الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عُمَرُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ يَنْهَى عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ } قِيلَ : قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : لَيْسَ يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ عَنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ : مَنْ يَقُولُ هَذَا وَالْمُتْعَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهَا ؟ وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يُثْبِتُ حَدِيثَ بِلَالٍ وَلَا يُعْرَفُ الْحَارِثُ ، وَلَمْ يَرْوِهِ إلَّا الدَّرَاوَرْدِيَّ .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ رَبِيعَةُ ، وَتَفَرَّدَ بِهِ

الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْهُ ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ وَثَّقَ أَبَا عِيسَى سِوَى ابْنِ حِبَّانَ ، .
وَلَا يَخْفَى تَسَاهُلُهُ .
وَلَوْ صَحَّ هَذَا عِنْدَ عُمَرَ اُحْتُجَّ بِهِ فِي مَوْضِعٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : لَا يُعْرَفُ حَالُهُ .
وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ قَوْلُ جَابِرٍ ، { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحِلَّ ، فَقَالَ سُرَاقَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ ؟ فَقَالَ : بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ مُسْلِمٌ : { دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ } وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلْيَحْلِلْ الْحِلَّ كُلَّهُ ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَصَحَّ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَسْمَاءَ وَعِمْرَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ [ وَهُمْ ] أَكْثَرُ وَأَعْلَمُ وَأَصَحُّ وَمَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، فَالْعَمَلُ بِذَلِكَ أَحَقُّ وَأَوْلَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ التَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ، أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ آخَرُونَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَيْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ ، أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْكَافِي ، وَمُرَادُهُمْ مَا جَزَمَ بِهِ آخَرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ [ بِهَا ] فِيهِ ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ ، لَا الشَّهْرَ الَّذِي يَحِلُّ مِنْهَا فِيهِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَيَفْرُغُ مِنْهَا ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَيَتَحَلَّلُ ، قَالُوا : ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ، زَادَ جَمَاعَةٌ : مِنْ مَكَّةَ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : أَوْ قُرْبِهَا ، وَنَقَلَهُ حَرْبٌ وَأَبُو دَاوُد .
وَالْإِفْرَادُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَالشَّافِعِيَّةُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : وَعَنْهُ : بَلْ مِنْ الْمِيقَاتِ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنْ لَا يَأْتِيَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَلَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ فِيهِ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ ، فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ : لَيْسَ عَلَى مُعْتَمِرٍ بَعْدَ الْحَجِّ هَدْيٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا لَيْسَ مِنْ أَشْهُرِهِ ، بِدَلِيلِ فَوْتِ الْحَجِّ فِيهِ ، وَكَذَا فِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْأَوَّلِ صَحَّ .
وَفِي الْفُصُولِ : الْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ ، فَإِذَا تَحَلَّلَ مِنْهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ .
وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا ، قَالَ جَمَاعَةٌ : مِنْ الْمِيقَاتِ ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ ثُمَّ بِالْحَجِّ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : مِنْ مَكَّةَ أَوْ [ مِنْ ] قُرْبِهَا .
وَإِنْ شَرَعَ فِي طَوَافِهَا لَمْ يَصِحَّ ( و ش ) كَمَا لَوْ سَعَى ، إلَّا لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا ، بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ إدْخَالِهِ الْإِحْرَامَ بِهِ فِي

أَشْهُرِهِ ، عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَاعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِمْ ، وَلَهُمْ وَجْهَانِ لَوْ أَدْخَلَهُ فِيهَا وَكَانَ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَهَا ، لِتَرَدُّدِ النَّظَرِ هَلْ هُوَ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ ؟ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَصِرْ قَارِنًا ، بِنَاءً .
عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْإِحْرَامِ الثَّانِي شَيْءٌ ( و م ش ) وَفِيهِ خِلَافٌ لَنَا ، وَالصِّحَّةُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَأَسَاءَ عِنْدَهُمْ ، قَالُوا : فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ الْقُدُومِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ، لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفُضَهَا لِتَأَكُّدِ الْحَجِّ بِفِعْلِ بَعْضِهِ ، وَعَلَيْهِ لِرَفْضِهَا دَمٌ وَيَقْضِيهَا .
وَمَذْهَبُنَا أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ كَالْمُفْرِدِ فِي الْإِجْزَاءِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ ، كَمَا يَتَأَخَّرُ الْحِلَاقُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ ، فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك فَأَبَتْ ، فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ } .
وَفِي لَفْظٍ { يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا قَالَتْ : أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْت ، قَالَ فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ } زَادَ مُسْلِمٌ : { وَكَانَ رَجُلًا سَهْلًا ، إذَا هَوِيَتْ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ } .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ

وَعُمْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ [ وَأَبُو دَاوُد ] وَابْنُ مَاجَهْ .
وَفِي لَفْظٍ { مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَقَالَ : رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، كَذَا قَالَ ، وَرَفَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ .
وَكَعُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ ، وَكَمَا يُجْزِئُهُ الْحَجُّ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ ( و هـ ) رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَرَى إدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ ( و هـ ) كَمُتَمَتِّعٍ سَاقَ هَدْيًا ، فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا فَقِيلَ : تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ وَيَصِيرُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ يُتِمُّهُ ثُمَّ يَعْتَمِرُ ( و هـ ) ، وَقِيلَ : لَا تُنْتَقَضُ ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ طَافَ لَهَا ثُمَّ سَعَى ثُمَّ طَافَ لَهُ ثُمَّ سَعَى ( م 1 ) وَيَأْتِي فِيمَنْ حَاضَتْ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ بَعْدَ [ فَصْلٌ ] فَسْخِ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ وَعَنْ أَحْمَدَ : عَلَى الْقَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ ، لِعَدَمِ طَوَافِهَا ، وَلِاعْتِمَارِ عَائِشَةَ ، وَسَبَقَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ : لَا تُجْزِئُ الْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ، وَالْحَجُّ يُجْزِئُ لِلْمُتَمَتِّعِ مِنْ مَكَّةَ ، فَالْعُمْرَةُ لِلْمُفْرِدِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ أَوْلَى .

بَابُ الْإِحْرَامِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَعَنْ أَحْمَدَ : عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ ، كَمُتَمَتِّعٍ سَاقَ هَدْيًا ، فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا ثُمَّ سَعَى ثُمَّ طَافَ لَهُ ثُمَّ سَعَى ، انْتَهَى .
( الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ .
تَنْبِيهَاتٌ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْأَوَّلِ صَحَّ ، انْتَهَى ، لَعَلَّهُ " بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ " بِإِسْقَاطٍ " مِنْ " أَوْ يُقَالَ : وَتَقْدِيرُهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ النُّسُكِ الْأَوَّلِ

فَصْلٌ يَلْزَمُ الْمُتَمَتِّعَ دَمٌ ، بِالْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ لَا جُبْرَانَ ، وَسَبَقَ فِي أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِشُرُوطٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، قَالَ أَحْمَدُ : عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ جَابِرٍ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ يُعْتَبَرُ لِلْعُمْرَةِ أَوْ مِنْ أَعْمَالِهَا ، فَاعْتُبِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، كَالطَّوَافِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهَا ثُمَّ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ كَحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ بِعَرَفَةَ .
قِيلَ : مِنْ أَعْمَالِهَا أَنَّهُ يَعْتَبِرُ لَهُ مَا يَعْتَبِرُ لَهَا ، وَيُنَافِيه مَا يُنَافِيهَا ، وَلَيْسَ .
اسْتَدَامَتْهُ كَابْتِدَائِهِ ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَاسْتَدَامَهُ .
وَإِنَّمَا أَجْزَأَهُ إذَا أَعْتَقَ ؛ لِأَنَّ عَرَفَةَ مُعْظَمُ الْحَجِّ لَا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَاسْتِدَامَتِهِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ ، وَإِلَّا فَمُتَمَتِّعٌ ، لِأَمْنِهِ إفْسَادَهَا بِوَطْءٍ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ ، عِنْدَهُ ، وَالْأَظْهَرُ ، عَنْ الشَّافِعِيِّ : إنْ أَتَى بِأَفْعَالِهَا أَوْ بَعْضِهَا فِي أَشْهُرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ .
ثُمَّ قِيلَ عِنْدَهُمْ : يَلْزَمُهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ ، لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ، وَالْأَصَحُّ : لَا ، لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُحْرِمًا .
( الثَّانِي ) أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ( و ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْمُوَالَاةُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْلَى لَوْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ، لِكَثْرَةِ التَّبَاعُدِ .
( الثَّالِثُ ) أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ، فَإِنْ سَافَرَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ ، وَلَعَلَّ مُرَادُهُمْ : فَأَحْرَمَ بِهِ .
فَلَا دَمَ عَلَيْهِ ، نَصَّ [ عَلَيْهِ ] وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ .

وَهُوَ عَامٌّ ؛ وَلِأَنَّهُ مُسَافِرٌ لَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ كَمَحِلِّ الْوِفَاقِ .
وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْرِدَ ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُحَرَّرِ : فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ( و ش ) وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : بَلْ هُوَ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ ( ش ) وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ سَافَرَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَوَجْهَانِ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ وَجَبَ لِتَرَك الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، رُدَّ بِالْمَنْعِ بِدَلِيلِ الْقَارِنِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ رَجَعَ .
إلَى أَهْلِهِ فَلَا دَمَ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ بِقَدَرِهِ فَلَا دَمَ .
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ : يَلْزَمُهُ دَمٌ وَإِنْ رَجَعَ .
وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ .
قَالَ الْقَاضِي فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا يَمْنَعُ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ لَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ .
وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا فَالْخِلَافُ .
( الرَّابِعُ ) أَنْ يُحِلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ ، تَحَلَّلَ أَوْ لَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْهَا صَارَ قَارِنًا .
( الْخَامِسُ ) أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( ع ) لِلْآيَةِ ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ ، وَقِيلَ : مِنْ مَكَّةَ ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِأَنَّ .
حَاضِرَ الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ وَجَاوَرَهُ ، بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ .
وَالْبَعِيدُ يَتَرَخَّصُ ، فَأَشْبَهَ مَنْ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ إلَيْنَا .
وَقَالَ ( م ) هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ .
وَقَالَ ( هـ ) أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهُمْ إلَى مَكَّةَ ، وَمَنْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، وَلَهُ أَنْ

يُحْرِمَ مِنْ الْقَرِيبِ ، وَاعْتُبِرَ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ إقَامَتُهُ أَكْثَرَ بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ بِمَالِهِ ، ثُمَّ بِبَيْتِهِ ، ثُمَّ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ ( و ش ) وَإِنْ دَخَلَ أُفُقِيٌّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِ أَوْ نَوَاهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ ( و ) وَحُكِيَ وَجْهٌ ، وَإِنْ اسْتَوْطَنَ أُفُقِيٌّ مَكَّةَ فَحَاضِرٌ .
وَإِنْ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ بِالشَّامِ ثُمَّ عَادَ مُقِيمًا مُتَمَتِّعًا لَزِمَهُ الدَّمُ .
وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ : لَا ، كَسَفَرِ غَيْرِ مَكِّيٍّ ثُمَّ عَادَ .
( السَّادِسُ ) أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ .
ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا إنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِ الْمَسْجِدِ ، بَلْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ كَالْأَوَّلِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : إذَا أَحْرَمَ مِنْهُ لَزِمَهُ الدَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ وَلَمْ يَنْوِهَا بِهِ ، وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ .
فِي أُفُقِيٍّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي أَشْهُرِهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ دَمٌ .
قَالَ : فَالصُّورَةُ الْأُولَى أَوْلَى .
وَقَالَ : قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِهِ وَحَلَّ مِنْهَا وَلَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ دَمٌ .
( السَّابِعُ ) نِيَّةُ التَّمَتُّعِ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَثْنَائِهَا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَتَبِعَهُ الْأَكْثَرُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : لَا ، وَهُوَ أَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَحُصُولُ التَّرَفُّهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ ،

ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ .
وَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا ، وَهُوَ أَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَمَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ : يُعْتَبَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ إلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ ، فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لِلْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ ( و م ش ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، كَالْإِفْرَادِ وَكَسَائِرِ الطَّاعَاتِ ، بَلْ هُمْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمْ سُكَّانُ حَرَمِ اللَّهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمُ الْمُتْعَةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً : لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ .
وَقَالَ ( هـ ) : لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْمُتْعَةُ وَالْقِرَانُ ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ، وَمَتَى فَعَلَهُ لَزِمَهُ دَمُ جِنَايَةٍ .
وَتَحْرِيرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بِحَجٍّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ وَعَلَيْهِ لِرَفْضِهِ دَمٌ ، وَعَلَيْهِ حِجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ، وَعِنْدَ صَاحِبِيهِ : يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ ، وَيَقْضِيهَا ، وَعَلَيْهِ دَمٌ ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لَا يُشْرَعُ لِلْمَكِّيِّ ، وَرَفْضُهَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى ، وَأَقَلُّ عَمَلًا ، وَأَيْسَرُ قَضَاءً ، لِعَدَمِ تَوْقِيتِهَا ، وَعِنْدَ ( هـ ) تَأَكُّدِ إحْرَامِهَا بِفِعْلِهِ بَعْضِهَا ، وَفِي رَفْضِهَا إبْطَالُ الْعَمَلِ ، وَالْحَجُّ لَمْ يَتَأَكَّدْ ، وَفِي رَفْضِهِ امْتِنَاعٌ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالرَّفْضِ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ ، لَتَعَذُّرِ الْمُضِيِّ فِيهِ ، كَالْمَحْصَرِ ، وَفِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ قَضَاؤُهَا ، وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ قَضَاؤُهُ وَعُمْرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ ، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ لِتَأْدِيَةِ مَا الْتَزَمَهُ ، لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَلَا يَمْنَعُ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ ، عَلَى أَصْلِهِمْ ، وَعَلَيْهِ دَمٌ ، لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا ، لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِي عَمَلِهِ ، لِلنَّهْيِ ، فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ ، وَفِي حَقِّ الْأُفُقِيِّ دَمُ شُكْرٍ .
وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ

أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ ، فَيَتَعَذَّرُ رَفْضُهَا ، كَفَرَاغِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ يَلْزَمُ الْقَارِنَ دَمٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ بِالْآيَةِ ، وَبِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ ، كَالْمُتَمَتِّعِ ، وَنَقَلَ بَكْرٌ .
عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَيْسَ كَالْمُتَمَتِّعِ .
إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ هَدْيًا فِي كِتَابِهِ وَالْقَارِنُ إنَّمَا يُرْوَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلضَّبِّيِّ : اذْبَحْ تَيْسًا ، كَذَا قَالَ .
وَهُوَ مُنْقَطِعٌ ضَعِيفٌ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مُشَيْشٍ : الْقَارِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وُجُوبًا ؟ فَقَالَ : كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبًا ؟ وَإِنَّمَا شَبَّهُوهُ بِالْمُتَمَتِّعِ ، .
فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ رِوَايَةٌ : لَا يَلْزَمُهُ ، كَقَوْلِ دَاوُد ، ثُمَّ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا : هُوَ دَمُ نُسُكٍ .
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَيْسَ بِدَمِ نُسُكٍ .
أَيْ دَمِ جَبْرٍ ، كَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَلَا يَلْزَمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَظَاهِرُ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى الْآيَةِ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ سَافَرَ سَفَرَ قَصْرٍ أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ إنْ قُلْنَا بِهِ ، كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لُزُومَهُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ بَاقٍ بَعْدَ السَّفَرِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ .

لَا يَسْقُطُ دَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ بِإِفْسَادِ نُسُكِهِمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ ، كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ ، وَعَنْهُ يَسْقُطُ ( و هـ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّهُ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ ، قَالَ الْقَاضِي : إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ لِلْإِفْسَادِ دَمَانِ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ .
وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا بِفَوَاتِهِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا فَدَمَانِ لِفَوَاتِهِ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي ، وَفِي دَمِ فَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ : يَلْزَمُهُ دَمَانِ لِقِرَانِهِ وَفَوَاتِهِ وَلَوْ قَضَى الْقَارِنُ مُفْرَدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ ، جَزَمَ بِهِ .
الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ : يَلْزَمُهُ دَمٌ لِفَوَاتِهِ الْأَوَّلَ ( و ش ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ كَالْأَدَاءِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، وَفِيهِ لِفَوَاتِهِ الْخِلَافُ .
وَزَادَ فِي الْفُصُولِ : وَدَمٌ ثَالِثٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ ، كَذَا قَالَ .
وَإِذَا فَرَغَ حَجُّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْأَبْعَدِ ، كَمَنْ فَسَدَ حَجُّهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ ، وَكَذَا إنْ قَضَى مُتَمَتِّعًا فَتَحَلَّلَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْأَبْعَدِ .
.
الثَّانِي ) قَوْلُهُ : وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا فَدَمَانِ ، لِفَوَاتِهِ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ ، وَفِي دَمِ فَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ .
أَيْ الْمَذْكُورَتَانِ بِقَوْلِهِ قُبَيْلَ ذَلِكَ " وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا بِفَوَاتِهِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " وَفِيهِ لِفَوَاتِهِ الْخِلَافُ " يَعْنِي الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ .

فَصْلٌ يَلْزَمُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخِلَافِ ، وَرَدَّ مَا نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بِخِلَافِهِ إلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ ، لِقَوْلِهِ { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } [ أَيْ ] فَلْيُهْدِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَفْعَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إحْرَامِهِ ، لِقَوْلِهِ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } و { يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } ؛ وَلِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ تَتَعَلَّقُ بِهِ صِحَّةُ التَّمَتُّعِ ، فَلَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلْوُجُوبِ كَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْهَدْيَ مِنْ جِنْسِ [ مَا ] يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ ، فَكَانَ وَقْتُ وُجُوبِهِ بَعْدَ وَقْتِ الْوُقُوفِ كَطَوَافٍ وَرَمْيٍ وَحَلْقٍ وَعَنْهُ : بِإِحْرَامِ الْحَجِّ لِلْآيَةِ ( و هـ ش ) وَلِأَنَّهُ غَايَةٌ ، فَكَفَى أَوَّلُهُ .
كَأَمْرِهِ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ ، وَعَنْهُ : بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ ( و م ) وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي ، لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِفَوَاتٍ قَبْلَهُ ، وَعَنْهُ : بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ ، لِنِيَّتِهِ التَّمَتُّعَ إذَنْ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَنْبَنِي عَلَيْهَا مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ يُخْرَجُ عَنْهُ مَنْ تَرِكَتِهِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ ، وَالثَّانِي : لَا يُخْرَجُ شَيْءٌ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : فَائِدَةُ الرِّوَايَاتِ إذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ فَمَتَى ثَبَتَ التَّعَذُّرُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ ، أَمَّا وَقْتُ ذَبْحِهِ فَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُسْتَوْعِبُ وَالرِّعَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَحْرُهُ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : [ لَا يَجُوزُ ] قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ ( و هـ م ) فَظَاهِرُهُ يَجُوزُ إذَا وَجَبَ ، لِقَوْلِهِ { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } فَلَوْ جَازَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَجَازَ الْحَلْقُ ، لِوُجُودِ الْغَايَةِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُحْصِرِ ، وَيَنْبَنِي عَلَى عُمُومِ

الْمَفْهُومِ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَنَحَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَصَارَ كَمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَوْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ أَوْ فِعْلُ الْأَفْضَلِ ؛ وَلِمَنْعِ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِهِ ، وَسَيَأْتِي ، وَقَاسُوهُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ، وَهِيَ دَعْوَى ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِهِ يُفْتَقَرُ إلَى دَلِيلٍ ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ ، فَإِنْ احْتَجَّ بِمَا سَبَقَ فَسَبَقَ جَوَابُهُ .
وَإِنْ قِيلَ كَالصَّوْمِ وَهُوَ بَدَلُهُ قِيلَ هَذَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ فَاخْتَصَّ بِزَمَنٍ ، كَطَوَافٍ وَرَمْيٍ وَوُقُوفٍ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ ، وَهَذَا الْبَدَلُ يُخَالِفُ الْأَبْدَالَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ جَازَ فِيهِ بَعْضُ الْبَدَلِ جَازَ كُلُّهُ وَهُنَا تَجُوزُ الثَّلَاثَةُ لَا السَّبْعَةُ ، وَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا جَازَ الصَّوْمُ لِوُجُودِ السَّبَبِ ، كَنَظَائِرِهِ ، فَمِثْلُهُ هُنَا ، أَشْكَلَ جَوَابُهُ .
وَاخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ : لَهُ نَحْرُهُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَدَّلٌ ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ بِذَبْحِهِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى وُجُوبِهِ يَوْمَ النَّحْرِ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : لَهُ نَحْرُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : إنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ وَمَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ لَا يَضِيعُ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يُسْرَقُ .
وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ : وَبَعْدَ حِلِّهِ مِنْ الْعُمْرَةِ ، لَا إذَا أَحْرَمَ بِهَا ، فَإِنْ عَدِمَ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ وَجَدَهُ بِبَلَدِهِ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِتَوْقِيتِهَا ، كَمَاءِ الْوُضُوءِ ، بِخِلَافِ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ فَصِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ كَامِلَةً كَمَّلَتْ الْحَجَّ وَأَمْرَ الْهَدْيِ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ الْقَاضِي : كَمَّلَ اللَّهُ الثَّوَابَ بِضَمِّ سَبْعٍ إلَى ثَلَاثٍ .
وَقَالَ عَنْ قَوْلِهِ " تِلْكَ عَشَرَةٌ " لِأَنَّ الْوَاوَ [ تَقَع و ] تَكُونُ بِمَعْنَى

أَوْ .
وَقِيلَ تَوْكِيدُ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ ، وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْأَفْضَلُ أَنَّ آخِرَهَا عَرَفَةُ ، ( و هـ ) وَعَلَّلَ بِالْحَاجَةِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ يَخْتَصُّ بِالنَّفْلِ ، وَعَنْهُ : يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ( و م ش ) .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : يَصُومُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَفِي يَوْمِ عَرَفَةَ لَا جُنَاحَ ؛ وَلِأَنَّ صَوْمَهُ بِعَرَفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ ، وَلَهُ تَقْدِيمُهَا بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صِحَّةُ التَّمَتُّعِ ، فَكَانَ سَبَبًا لِوُجُودِ الصَّوْمِ ، كَإِحْرَامِ الْحَجِّ ، وَكُلُّ شَيْئَيْنِ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِهِمَا وَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا سَبَبًا ، كَالنِّصَابِ وَالْحَوْلِ ، وَالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ ، وَلَيْسَ صَوْمُ رَمَضَانَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِهِ وَبِالْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا ، قِيلَ لِلْقَاضِي : فَيَكُونُ إحْرَامُهَا سَبَبًا لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِيهَا ، فَأَجَابَ : نَعَمْ ، إذَا أَحْرَمَ وَسَاقَهُ كَانَ هَدْيَ مُتْعَةٍ وَمَنَعَهُ التَّحَلُّلَ ، وَلَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ ، لِمَا سَبَقَ ، كَذَا قَالَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : بِالْحَلِّ مِنْ الْعُمْرَةِ وَعَنْ أَحْمَدَ : وَقَبْلَ إحْرَامِهَا ، وَالْمُرَادُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، فَيَكُونُ السَّبَبَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَحَدُ نُسُكَيْ الْمُتَمَتِّعِ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ ، كَالْحَجِّ ، قَالَ : وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ : لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ ، لِلْآيَةِ ، أَيْ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ لَا [ فِي ] وَقْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ إحْرَامٍ ، فَفِيهِ زِيَادَةُ إضْمَارٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَفِي إحْرَامِهِ مَجَازٌ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ ، فَلَا يَكُونُ ظَرْفًا لِفِعْلٍ ، قَالَ : وَقِيلَ : فِي

جَوَابِهَا : إنَّهَا أَفَادَتْ وُجُوبَ الصَّوْمِ ، وَالْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ .
وَعِنْدَنَا : يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الْمُتْعَةِ : مَتَى يَجِبُ ؟ قَالَ : إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ ، كَذَا قَالَ ، وَوَقْتُ وُجُوبِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَقْتَ وُجُوبِ الْهَدْيِ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا : لَا خِلَافَ أَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَيَّنُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَيْهَا ، بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي وَقْتِ الْجَوَازِ ، وَمِنْ تَتِمَّةِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ : إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ فَصَامَ أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَهَذَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ ، وَلَعَلَّ هَذَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَحُجُّ ، قَالَ الْقَاضِي : إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ أَرَادَ بِهِ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الشَّبَهُ إذَا كَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ أَحَدَ السَّبَبَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ قَالَ : إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَهَا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَضَاءٌ ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَإِلَّا كَانَ أَدَاءً ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ ، فِي تَتَابُعِ الصَّوْمِ .
وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ ، وَظَهَرَ أَنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ صَوْمِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَكَذَا تَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ ؟ وَسَيَأْتِي .
وَفِي كَلَامِهِمْ مِنْ

النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى .
وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ .
وَيُعْمَلُ بِظَنِّهِ فِي عَجْزِهِ ، وَيُلْزِمُ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ .
يَجِبَ تَقْدِيمُ إحْرَامِ الْحَجِّ لِيَصُومَهَا فِيهِ .
وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا : يَجِبُ ، وَفِي التَّشْرِيقِ خِلَافٌ ، وَسَبَقَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ .
وَأَمَّا السَّبْعَةُ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي التَّشْرِيقِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، لِبَقَاءِ أَعْمَالٍ [ مِنْ ] الْحَجِّ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : بِلَا خِلَافٍ ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ : يَجُوزُ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِيمَنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي الصَّوْمِ وَيَجُوزُ بَعْدَ التَّشْرِيقِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ) وَالْمُرَادُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي .
وَقَدْ طَافَ ، يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ ، لِلْآيَةِ ، وَالْمُرَادُ : رَجَعْتُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ وَمُعْتَبَرٌ لِجَوَازِ الصَّوْمِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ تَحْقِيقًا كَتَأْخِيرِ رَمَضَانَ لِسَفَرٍ وَمَرَضٍ ، وَمَنَعَ الْمُخَالِفُ لُزُومَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ ، لَكِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ فَجَازَ عَلَى أَصْلِنَا ، كَمَا سَبَقَ ، وَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ } أَيْ يَجِبُ إذَنْ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا ابْتَدَأَ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ : بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ ، قِيلَ : وَفِي الطَّرِيقِ .
فَلَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ صَامَ بِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، فَإِنْ لَمْ يَجُزْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي التَّشْرِيقِ أَوْ جَازَ وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَشَرَةَ ( و م ش ) لِوُجُوبِهِ ، فَقَضَاهُ بِفَوَاتِهِ ، كَرَمَضَانَ ؛ وَلِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ ، كَصَوْمِ الظِّهَارِ لَوْ مَسَّهَا لَمْ يَسْقُطْ ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مُوجِبِي الْمُتْعَةَ ، كَالْهَدْيِ .
وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ ، فِي الْأَشْهَرِ عِنْدَنَا .
وَلَا تَلْزَمُ

الْجُمُعَةُ إذَا فَاتَ وَقْتُهَا ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصُومُ وَيَسْتَقِرُّ الْهَدْيُ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ ، وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ .
إحْدَاهُنَّ : يَلْزَمُهُ لِتَأْخِيرِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ بَدَلٌ ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ ، بِخِلَافِ صَوْمِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ أَصْلٌ ؛ وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ وَاجِبٌ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ ، كَرَمْيِ الْجِمَارِ .
وَالثَّانِيَةُ : لَا ( و م ش ) وَعَلَّلَهُ فِي الْخِلَافِ بِأَنَّهُ نُسُكٌ أَخَّرَهُ إلَى وَقْتِ جَوَازِ فِعْلِهِ ، كَالْوُقُوفِ إلَى اللَّيْلِ وَالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ عَنْ التَّشْرِيقِ ، كَذَا قَالَ .
وَالثَّالِثَةُ : لَا يَلْزَمُهُ مَعَ عُذْرٍ ( م 2 وم 3 ) وَفِي الِانْتِصَارِ : يَحْتَمِلُ أَنْ .
يُهْدِيَ فَقَطْ قَادِرٌ إنْ اُعْتُبِرَ فِي الْكَفَّارَةِ بِالْأَغْلَظِ ، وَأَمَّا إنْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَجَازَ فَلَا دَمَ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ وَالرِّعَايَةُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ بِتَأْخِيرِ الصَّوْمِ عَنْ أَيَّامِ الْحَجِّ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَجُزْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي التَّشْرِيقِ أَوْ جَازَ وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَشَرَةَ ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ ، وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ ، إحْدَاهُنَّ يَلْزَمُهُ لِتَأْخِيرِهِ .
وَالثَّانِيَةُ لَا وَالثَّالِثَةُ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ عُذْرٍ ، انْتَهَى .
اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ : ( مَسْأَلَةُ 2 ) الْمَعْذُورِ .
و ( مَسْأَلَةُ 3 ) غَيْرِهِ .
وَفِي مَجْمُوعِهِمَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ، أَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ : إحْدَاهُنَّ عَلَيْهِ دَمٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهِيَ الَّتِي نَصَّهَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الْعُذْرِ ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ فِي الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَقَدَّمَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وُجُوبَ الدَّمِ إذَا أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمَعْذُورِ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَوْلُهُ بَعْدَ إطْلَاقِ الرِّوَايَاتِ " وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلَفٌ " تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ إذَا اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقْت الْخِلَافَ ، وَتَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فِي مُقَدَّمَةِ الْكِتَابِ .

وَالرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَأْخِيرِ الْهَدْيِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ ( م 4 و 5 ) وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : يَلْزَمُهُ هَدَيَانِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ : لَا دَمَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ هَدْيَانِ إذَا أَيْسَرَ : .
أَحَدُهُمَا ) لِحِلِّهِ بِلَا هَدْيٍ وَلَا صَوْمٍ .
( وَالثَّانِي ) هَدْيُ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ .
وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ وَلَا تَفْرِيقٌ فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا السَّبْعَةِ ( و ) لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ وَكَذَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَى ، كَسَائِرِ الصَّوْمِ ، وَمَنَعَ الشَّيْخُ وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي الْأَدَاءِ بِأَنْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى وَأَتْبَعَهَا السَّبْعَةَ ، ثُمَّ إنَّمَا كَانَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ ، كَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ، بِخِلَافِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِ لَمْ يَسْقُطْ وَأَوْجَبَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ فَقِيلَ : يُفَرَّقُ بِيَوْمٍ ، وَقِيلَ : بِأَرْبَعَةٍ ، وَقِيلَ : بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى الْوَطَنِ ، وَقِيلَ : بِهِمَا ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ .
وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْ لَا فَكَصَوْمِ رَمَضَانَ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش )

( مَسْأَلَةٌ 4 و 5 ) قَوْلُهُ : وَالرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَأْخِيرِ الْهَدْيِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ ؟ انْتَهَى .
وَفِيهِ أَيْضًا مَسْأَلَتَانِ ( مَسْأَلَةُ 4 ) الْمَعْذُورِ .
و ( مَسْأَلَةُ 5 ) غَيْرِهِ ، وَفِيهِمَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ، وَأَطْلَقَهُنَّ أَيْضًا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
إحْدَاهُنَّ : يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْهَدْيِ ، قَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكُبْرَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، وَكَذَا قَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ فِي الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ .
( قُلْت ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَعْذُورِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ .
( تَنْبِيهٌ ) حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي الْمَعْذُورِ وَجْهَيْنِ ، وَفِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ رِوَايَتَيْنِ .

وَإِنْ وَجَبَ الصَّوْمُ وَشَرَعَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ هَدْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَأَجْزَأَهُ الصَّوْمُ ( و م ش ) وَفِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ تَخْرِيجٌ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَغْلَظِ .
فِي الْكَفَّارَةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُظَاهِرَ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَ ، فَنَاسَبَهُ الْمُعَاقَبَةُ ، وَالْحَاجُّ فِي طَاعَةٍ ، فَخُفِّفَ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ : يَلْزَمُهُ .
وَفِي وَاضِحِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : إنْ فَرَّغَهُ ثُمَّ قَدَرَ يَوْمَ النَّحْرِ نَحَرَهُ وَإِنْ وَجَبَ إذَنْ .
وَأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ يَجِبُ بِإِحْرَامِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا ، إلَّا أَنْ يَجِدَهُ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا ، وَقَبْلَ حِلِّهِ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْهَدْيُ .
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ السَّبْعَةَ بَدَلٌ أَيْضًا ، لِلْآيَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَوْمٌ لَزِمَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْهَدْيِ ، كَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ الْمَرْتَبَةِ ، بِخِلَافِ صَوْمِ فِدْيَةِ الْأَذَى ، وَاخْتِلَافُ وَقْتِهِمَا لَا يَمْنَعُ الْبَدَلِيَّةَ ، كَمَا اخْتَلَفَ وَقْتُهُ وَوَقْتُ الْهَدْيِ ، وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ الْهَدْيِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْبَدَلِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَإِنَّمَا جَازَ فِعْلُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ لِدُخُولِ وَقْتِهِ ، قَالُوا : الصَّوْمُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْهَدْيِ فِي الْإِحْلَالِ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ ، فَهِيَ الْبَدَلُ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُبْدَلِ رُدَّ : لَيْسَ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ ؛ بَلْ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَنْ يَصُومَ فِي الْحَجِّ ، بِخِلَافِ السَّبْعَةِ ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا تَبْطُلُ : بِأَنَّ ظُهُورَ الْمُبْدَلِ هُنَاكَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ مِنْ أَصْلِهِ ، وَيُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ ، وَهُنَا صَوْمُهُ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ ، لِإِبَاحَةِ الْإِحْلَالِ ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ فِعْلُهُ لِدُخُولِ وَقْتِهِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَيْضِهَا فِي عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلْمَشَقَّةِ [ بِأَنْ يَجِدَهُ ] بِبَلَدِهِ ، وَلَا يَبِيعَ مَسْكَنَهُ لِأَجَلِهِ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ

لَمْ تَعْتَدَّ إلَّا بِهِ مَا لَمْ .
تَيْأَسْ ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فَعَنْهُ : لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُهُ ( م 6 ) كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إنْ اُعْتُبِرَ حَالُ الْوُجُوبِ ، وَبِالْأَغْلَظِ ، وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ هُنَا .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ وَجَبَ الصَّوْمُ وَشَرَعَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ هَدْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَأَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فَعَنْهُ : لَا يَلْزَمُهُ وَعَنْهُ : يَلْزَمُهُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا : ( إحْدَاهُمَا ) يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَغَيْرِهِمَا ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَلْزَمُهُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَمَنَاسِكِ الْقَاضِي مُوَفَّقِ الدِّينِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ بَعْدَ الشُّرُوعِ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَتَبِعْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ : وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ أَوْ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَفَّارَاتِ مَجَالُ الْوُجُوبِ ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ ، فَعَلَى هَذَا الْبِنَاءِ أَيْضًا يَكُونُ الصَّحِيحُ مَا صَحَّحْنَاهُ أَوَّلًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ سَلِمَ هَذَا الْبِنَاءُ كَانَ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرٌ وَاضِحٌ ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ عَدَمُ الْبِنَاءِ .
تَنْبِيهَانِ : ( الْأَوَّلُ ) قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : فَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ صَارَ الصَّوْمُ أَصْلًا لَا بَدَلًا ، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ فِعْلُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْهَدْيُ ؟

الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةً فَقَطْ فَفِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ .

فَصْلٌ : جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ بِالِاسْتِحْبَابِ ، وَمَعْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ بِالْجَوَازِ ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا فَرَضَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْمُخَالِفِ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي اسْتِحْبَابَهُ فِي بِحَثِّ الْمَسْأَلَةِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِلْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ زَادَ الشَّيْخُ : إذَا طَافَا وَسَعَيَا فَنَوَيَا بِإِحْرَامِهِمَا ذَلِكَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً ، فَإِذَا فَرَغَاهَا وَحَلَّا مِنْهَا أَحْرَمَا بِالْحَجِّ لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ .
وَقَالَ ( هـ م ش ) وَدَاوُد : لَا يَجُوزُ ، وَلَنَا وَلَهُمْ مَا سَبَقَ فِي أَفْضَلِ الْأَنْسَاكِ .
قَالُوا : { لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } رُدَّ بِالْفَسْخِ ، نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ لَا إبْطَالُهُ ، مِنْ أَصْلِهِ ، زَادَ الْقَاضِي : عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا .
قَالُوا : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ } رُدَّ : الْآيَةَ اخْتَصَّتْ الِابْتِدَاءَ بِهِمَا لَا الْبِنَاءَ .
قَالُوا : أَحَدُ النُّسُكَيْنِ كَالْعُمْرَةِ .
رُدَّ : فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ ، ثُمَّ لَا فَائِدَةَ ، وَهُنَا فَضِيلَةُ التَّمَتُّعِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَضِيلَةُ الْإِفْرَادِ إنْ كَانَ .
قَارِنًا .
فَإِنْ قِيلَ : صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فِعْلَ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ، قِيلَ : مَنَعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا بُدَّ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لِيَسْتَفِيدَ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ .
فَلَا يُؤَخِّرُهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ ، فَكَيْفَ وَقَدْ أَحْرَمَ ؟ وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي ، وَقَدَّمَ الصِّحَّةَ ؛ لِأَنَّ بِالْفَسْخِ حَصَلَ عَلَى صِفَةٍ يَصِحُّ مِنْهُ التَّمَتُّعُ ؛ وَلِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَصِيرُ حَجًّا ، وَالْحَجُّ يَصِيرُ عُمْرَةً لِمَنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ .
قَالُوا : لَا يَجُوزُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَذَا بَعْدَهُ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يَجْعَلُهَا عُمْرَةً إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ ، وَلَا يَجْعَلُهَا وَهُوَ

فِي الطَّرِيقِ .
رُدَّ : لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ لَمْ يَجُزْ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مُوسَى : طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ } ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ الْفَسْخُ لِيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا ، فَإِذَا فَسَخَ قَبْلَ فِعْلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : افْسَخْ وَاسْتَأْنِفْ عُمْرَةً ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ تَعَرَّى عَنْ نُسُكٍ ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : يَجُوزُ ، فَيَنْوِي إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ عُمْرَةً ، وَخَبَرُ أَبِي مُوسَى أَرَادَ أَنَّ الْحَلَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَلْبِ النِّيَّةِ ، وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ : نَزَلْنَا بِسَرِفٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا } وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهَا : { حَتَّى إذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ } .
وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، فَصَلَّى الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ وَقَالَ لَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا } وَفِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لَمْ يَبْعُدْ وَاخْتَارَ ابْنُ حَزْمٍ وُجُوبَهُ ، وَقَالَ : هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِسْحَاقَ .
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ مَنْ طَافَ حَلَّ ، وَقَالَ : سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا يَرْوِي التَّخْيِيرَ أَوْ الْأَمْرَ بِالْحِلِّ ، فَالتَّخْيِيرُ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَتَّمَهُ عَلَيْهِمْ آخِرًا لَمَّا امْتَنَعُوا ، فَعِلَّةُ الْحَتْمِ زَالَتْ .
وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ لِعَطَاءٍ : مِنْ أَيْنَ يَقُولُ ذَلِكَ ؟

يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ .
قَالَ : مِنْ قَوْلِ اللَّهِ { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } قُلْت : فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ ، فَقَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ { أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } ، وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ إلَّا قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ ، لِعَدَمِ جَوَازِهِ فِي وَقْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يَسْتَفِيدُ بِهِ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ ، وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ مِمَّنْ مَعَهُ هَدْيٌ مِنْهُمَا ، وَكَذَا لَا يَحِلُّ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ هَدْيًا فَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ ، فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا مَعًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ { بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي الْعَشْرِ وَلَمْ يَحِلَّ } ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ ( و هـ ) وَنَقَلَ أَيْضًا فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَمَعَهُ هَدْيٌ : لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً ، .
{ لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ : قَصَّرْت مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ الْحَبَشِيُّ وَهُوَ الَّذِي خَلَفَ عَطَاءً فِي مَجْلِسِهِ بِمَكَّةَ فِي الْفُتْيَا ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ : النَّاسُ يُنْكِرُونَ هَذَا عَلَى مُعَاوِيَةَ .
وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى فِيمَنْ قَدِمَ مُتَمَتِّعًا مَعَهُ هَدْيٌ : إنْ قَدِمَ فِي شَوَّالَ نَحَرَهُ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ ، وَإِنْ قَدِمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَحِلَّ ، فَقِيلَ لَهُ خَبَرُ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ : إنَّمَا حَلَّ بِمِقْدَارِ التَّقْصِيرِ .
قَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُهُ يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْعَشْرِ لَا بَعْدَهُ إلَّا بِتَقْصِيرِ الشَّعْرِ .
قَالَ : وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْهَدْيَ لَا يَمْنَعُ التَّحَلُّلَ ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْمَقَامُ فِي

الْعَشْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ إحْرَامُهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَعَنْهُ أَيْضًا كَقَوْلِنَا .
وَجْهُ الْأَوَّلِ الْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ ، وَكَامْتِنَاعِهِ فِي وَقْتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ ، كَالْقِرَانِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَحَيْثُ صَحَّ الْفَسْخُ لَزِمَهُ دَمٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّمَتُّعِ إنْ اُعْتُبِرَتْ فَمَا حَلَّ حَتَّى نَوَى أَنَّهُ يَحِلُّ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَنْ الْقَاضِي : لَا ، لِعَدَمِ النِّيَّةِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْفَسْخِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ ذَلِكَ .

فَصْلٌ مَنْ حَاضَتْ وَهِيَ مُتَمَتِّعَةٌ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَخَافَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ خَافَهُ غَيْرُهَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَصَارَ قَارِنًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) وَلَمْ يَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ .
وَقَالَ ( هـ ) : يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ ، قَالَ أَحْمَدُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ ، لِخَبَرِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَحَاضَتْ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلَتْ .
فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ مِنْهُ فَقَالَ : هَذِهِ عُمْرَةٌ مَكَانَ عُمْرَتِك } لَنَا مَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الْقِرَانِ ؛ وَلِأَنَّ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَشْيَةِ الْفَوَاتِ ، فَمَعَهُ أَوْلَى وَخَبَرُ عُرْوَةَ رُوِيَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ .
فَلَمْ يَسْمَعْهُ ، وَالْإِثْبَاتُ عَنْ عَائِشَةَ بِخِلَافِهِ ، وَخَبَرُ جَابِرٍ السَّابِقُ ، وَمُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْضُ نُسُكٍ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَيُحْتَمَلُ : دَعِي الْعُمْرَةَ وَأَهِلِّي مَعَهَا بِالْحَجِّ ، أَوْ : دَعِي أَفْعَالَهَا .
وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ وَقَفَ الْقَارِنُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لَزِمَهُ رَفْضُ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَانِيًا أَفْعَالَهَا عَلَى أَفْعَالِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلِكَرَاهَتِهَا عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، فَإِنْ رَفَضَهَا لَزِمَهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا ، فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ ، لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا ، لِاشْتِغَالِهِ بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ الْحَجِّ ، وَعَلَيْهِ دَمُ كَفَّارَةٍ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا حَلَقَ لَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا ، .
عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَقِيلَ : بَلَى ، لِلنَّهْيِ ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْهُمْ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا : وَعِنْدَنَا يَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْعُمْرَةُ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ

الْوُقُوفَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ رَفْضُ الْعُمْرَةِ ، كَإِحْرَامِ الْحَجِّ ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُرْتَفَضُ بِرَفْضِهِ ، وَلَا يَتَحَلَّلُ بِوَطْءٍ مَعَ تَأَكُّدِهِ ، فَالْوُقُوفُ أَوْلَى وَلَيْسَ كَإِحْرَامٍ بِحَجَّتَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُضِيُّ فِيهِمَا وَالْوَقْتُ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ ، وَسَبَقَ فِي صِفَةِ الْقِرَانِ إذَا لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

فَصْلٌ .
وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ، بِأَنْ نَوَى نَفْسَ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا صَحَّ ( و ) كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ إحْرَامِ فُلَانٍ ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ مَا شَاءَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ) بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ ، وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ ، كَابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : فَإِنْ طَافَ شَوْطًا كَانَ لِلْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ فِيهِ ، فَكَانَ أَهَمَّ ، وَكَذَا لَوْ أُحْصِرَ أَوْ جَامَعَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ، وَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ كَانَ لِلْحَجِّ ، كَذَا قَالُوا .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : يَجْعَلُهُ عُمْرَةً ، كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ إحْرَامِ فُلَانٍ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَوْلَى ، كَابْتِدَاءِ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي غَيْرِهَا .
عَلَى مَا سَبَقَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إنْ جَعَلَهُ حَجًّا بَعْدَ دُخُولِ أَشْهُرِهِ لَمْ يُجْزِئْ فِي الْأَصَحِّ ، بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِهِ عُمْرَةً لَا مُبْهَمًا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ شَرَطْنَا تَعْيِينَ مَا أَحْرَمَ بِهِ بَطَلَ الْمُطْلَقُ ، كَذَا قَالَ .
وَإِنْ أَبْهَمَ إحْرَامَهُ فَأَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ صَحَّ ، لِخَبَرِ جَابِرٍ { أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ أَهْلَلْت ؟ قَالَ : بِمَا أَهْلَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ فَاهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا } وَفِي خَبَرِ أَنَسٍ : { أَهْلَلْت بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى { أَنَّهُ أَحْرَمَ كَذَلِكَ قَالَ سُقْت مِنْ هَدْيٍ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ عَلِمَ انْعَقَدَ بِمِثْلِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَكَمَا سَبَقَ ، فَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى مَا يُصْرَفُ إلَيْهِ ، كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَلَا إلَى مَا كَانَ صَرْفُهُ إلَيْهِ ، كَأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لَهُمْ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا احْتِمَالَيْنِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا : يُعْمَلُ

بِقَوْلِهِ لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ فَاسِدًا فَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إذَا نَذَرَ عِبَادَةً فَاسِدَةً هَلْ تَنْعَقِدُ بِصَحِيحَةٍ ؟ وَإِنْ جَهِلَهُ فَكَمَنْسِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : يَجْعَلُ نَفْسَهُ قَارِنًا ، وَكَذَا عِنْدَنَا إنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ، وَالْأَشْهَرُ كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ ، فَيَكُونُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ عِلْم بِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ ، كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، لِجَزْمِهِ بِالْإِحْرَامِ ، بِخِلَافِ : إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت ، فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمَا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ ( و ) وَلَوْ قَالَ : أَحْرَمْت يَوْمًا أَوْ بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا فَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ ، أَوْ يَصِحُّ ، كَالشَّافِعِيَّةِ ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ عُمْرَةً ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد ، كَمَا لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ .
احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَمُرَادُهُمْ : لَهُ جَعْلُهُ عُمْرَةً ، لَا تَعْيِينُهَا ، وَعَنْهُ : مَا شَاءَ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَحَمَلَ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى النَّدْبِ .
وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ : هَلْ يَجْعَلُهُ مَا شَاءَ أَوْ عُمْرَةً ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : فَإِنْ عَيَّنَهُ بِقِرَانٍ صَحَّ حَجُّهُ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ ، احْتِيَاطًا ، وَقِيلَ : وَتَصِحُّ عُمْرَتُهُ ، بِنَاءً عَلَى إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِحَاجَةٍ ، فَيَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ ، وَإِنْ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ فَكَفَسْخِ حَجٍّ إلَى عُمْرَةٍ ، وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَيُجْزِئُهُ عَنْهُمَا .
وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ جَعَلَهُ عُمْرَةً ، لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْحَجِّ إذْن لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ ، فَإِذَا سَعَى وَحَلَقَ فَمَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيُتِمُّهُ وَيُجْزِئُهُ ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ إنْ كَانَ حَاجًّا ، وَإِلَّا فَدَمُ

مُتْعَةٍ .
وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَجَعَلَهُ حَجًّا أَوْ قِرَانًا تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الْحَجِّ وَلَمْ يُجْزِئْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، لِلشَّكِّ ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَنْسِيَّ عُمْرَةٌ ، .
فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَجٌّ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ ، وَلَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ ، لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ قِرَانًا ، فِي الْجَدِيدِ ، فَيُتِمُّهُ وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْحَجِّ ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْعُمْرَةِ ، فِي الْأَصَحِّ ، إلَّا إنْ جَازَ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ إذَنْ ، وَإِلَّا فَلَا ، فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ أَصْحَابُهُ : وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ الْقِرَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَلَوْ جَعَلَهُ [ حَجًّا وَأَتَى بِعَمَلِهِ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ جَعَلَ عُمْرَةً ] وَأَتَى بِأَعْمَالِ الْقِرَانِ أَجْزَأَهُ عَنْهَا إنْ جَازَ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ شَيْئًا وَأَتَى بِعَمَلِ الْحَجِّ تَحَلَّلَ وَلَمْ يُجْزِئْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَشَكِّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ ، وَلَوْ أَتَى بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُتِمَّ عَمَلَهُ .
وَإِنْ عَرَضَ شَكُّهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ إنْ وَقَفَ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمِرًا ، فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُقُوفُ عَنْ الْحَجِّ ، وَإِنْ عَرَضَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَنَوَى قَارِنًا وَأَتَى بِعَمَلِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ : يُتِمُّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ وَمِنْهَا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ ، وَيَأْتِي بِهِ فَيَصِحُّ حَجُّهُ .
قَالَ أَكْثَرُهُمْ : إنْ فَعَلَ هَذَا صَحَّ حَجُّهُ .
وَلَا نُفْتِيه بِهِ ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ ، وَإِنَّ هَذَا الْحَلْقَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُبَاحُ بِالْعُذْرِ ، قَالُوا : وَيَلْزَمُ غَيْرَ الْمَكِّيِّ دَمٌ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ .
وَلَا يُعَيِّنُ

جِهَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَدَمُ مُتْعَةٍ ، وَإِلَّا فَقَدْ حَلَقَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ كَمُتَمَتِّعٍ ، وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ فِي صِيَامِ ثَلَاثَةٍ ، فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةً فَقَطْ فَفِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ ، وَكَذَا إنْ عَرَضَ الشَّكُّ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ .
وَفِي الْقَدِيمِ : يَتَحَرَّى وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ ، وَالْأَصَحُّ : يُجْزِئُهُ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : إنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ وَتَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرَ لَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا ، احْتِيَاطًا

فَصْلٌ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِوَاحِدَةٍ ( و م ش ) لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِوَاحِدَةٍ ، فَيَصِحُّ بِهِ ، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا ، كَأَصْلِهِ ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا ، كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا ، وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ ، تَجِبُ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَجِبْ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ ، وَكَنِيَّةِ صَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِصَلَاتَيْ نَفْلٍ أَوْ إحْدَاهُمَا قَالَهُ فِي الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ : مُطْلَقًا انْعَقَدَ بِالنَّافِلَةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَنْعَقِدُ بِالنُّسُكَيْنِ وَيَقْضِي وَاحِدَةً ، فَلَوْ أَفْسَدَهُ قَضَاهُمَا ، عِنْدَهُ .
وَقَالَ دَاوُد : لَا يَنْعَقِدُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، لِقَوْلِهِ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى .
غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ يَوْمَ النَّحْرِ بِأُخْرَى لَزِمَتَاهُ ، فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأُولَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، قَصَّرَ أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ .
وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ : إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ بِدْعَةٍ ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ ، فَإِذَا حَلَقَ فَهُوَ أَوْلَى إنْ كَانَ نُسُكًا فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الثَّانِي ؛ وَلِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَقَدْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ وَقْتِهِ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا : لَا ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ [ إلَّا ] التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى فَعَلَيْهِ دَمٌ ، لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ .
قَالُوا :

فَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ وَبَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَهَا ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا وَيَقْضِيهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا ، وَدَمٌ لِرَفْضِهَا بِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ أَهَلَّ لِعَامَيْنِ ، فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ إذَا قَالَ لَبَّيْكَ الْعَامَ وَعَامَ قَابِلٍ .
فَإِنَّ عَطَاءً يَقُولُ : يَحُجُّ الْعَامَ وَيَعْتَمِرُ قَابِلَ وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ اثْنَيْنِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ ( و ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَنْهُمَا وَلَا أَوْلَوِيَّةَ .
وَكَإِحْرَامِهِ عَنْ زَيْدٍ وَنَفْسِهِ ، وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ، لِأَمْرِهِ بِالتَّعْيِينِ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ : لَهُ جَعْلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ ، لِصِحَّتِهِ بِمَجْهُولٍ ، فَصَحَّ عَنْهُ ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : هُوَ الِاسْتِحْسَانُ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ وَسِيلَةٌ إلَى مَقْصُودٍ ، وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ ، فَاكْتُفِيَ بِهِ شَرْطًا ، فَلَوْ طَافَ شَوْطًا أَوْ سَعَى أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ جَعْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَلَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَعَنْهُ : يَبْطُلْ إحْرَامُهُ ، كَذَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
وَيَضْمَنُ وَيُؤَدَّبُ مَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ ، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
فَإِنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ فِي عَامٍ فِي نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ فَإِنْ فَرَّطَ أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا .
وَإِنْ فَرَّطَ الْمُوصَى إلَيْهِ بِذَلِكَ غَرِمَ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَمِنْ تَرِكَةِ الْمُوصِيَيْنِ إنْ كَانَ النَّائِبُ غَيْرَ مُسْتَأْجَرٍ لِذَلِكَ ، وَإِلَّا لَزِمَاهُ .
وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْسَهُ صَحَّ وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ

لِلْآخَرِ بَعْدَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ فِيمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا ، لَا مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَإِنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ ، فَلَغَتْ نِيَّتَهُ قَبْلَ أَدَائِهِ ، وَصَحَّ جَعْلُهُ ثَوَابَهُ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ ، كَذَا قَالُوا ، وَسَبَقَ آخِرَ الْمَنَاسِكِ فِي فَصْلِ الِاسْتِنَابَةِ عَنْ الْمَعْضُوبِ .
.

فَصْلٌ التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ لَا تَجِبُ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَتُسْتَحَبُّ عَقِبَ إحْرَامِهِ ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، لِمَا سَبَقَ ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ إذَا رَكِبَ ، وَالْمُرَادُ : وَاسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَنَسٍ : أَهَلَّ .
وَنَقَلَ حَرْبٌ : يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ يُسْلِمُ وَإِنْ شَاءَ بَعْدُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ كَالْإِحْرَامِ .
وَصِفَتُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك } قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ ، وَيَقُولُ " لَبَّيْكَ إنْ .
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ ، قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ ، فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ ، وَحَكَى الْفَتْحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ قَالَ ثَعْلَبٌ : مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ يَعْنِي حَمِدَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، قَالَ : وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ ، أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك أَيْ لِهَذَا السَّبَبِ .
وَلَبَّيْكَ لَفْظُهُ مُثَنَّى ، وَلَيْسَ بِمُثَنًّى ، لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّثْنِيَةَ بَلْ لِلتَّكْثِيرِ .
وَالتَّلْبِيَةُ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ ، أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ ، كَمَا قَالُوا : حَنَانَيْكَ وَنَحْوَهُ ، وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ وَعِنْدَ يُونُسَ لَفْظُهَا مُفْرَدٌ ، وَالْيَاءُ فِيهَا كَالْيَاءِ فِي عَلَيْك وَإِلَيْك وَلَدَيْك ، قُلِّبَتْ الْبَاءُ الثَّالِثَةُ يَاءً اسْتِثْقَالًا لِثَلَاثِ بَاءَاتٍ ، ثُمَّ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا ، ثُمَّ يَاءً لِإِضَافَتِهَا إلَى مُضْمَرٍ ، كَمَا فِي لَدَيْكَ ، وَرَدَّهُ سِيبَوَيْهِ بِقَوْلِ

الشَّاعِرِ : " فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرٍ " بِالْيَاءِ دُونَ الْأَلِفِ مَعَ إضَافَتِهِ إلَى الظَّاهِرِ ، وَهِيَ جَوَابُ الدُّعَاءِ .
وَالدَّاعِي قِيلَ : هُوَ اللَّهُ ، وَقِيلَ : مُحَمَّدٌ ، وَقِيلَ : إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( م 7 ) وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا ( هـ ) وَلَا يُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ .
وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي آخِرِهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد فِي زِيَادَتِهِ : { لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } .
وَزَادَ عُمَرُ مَا زَادَهُ ابْنُهُ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ أَيْضًا : لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ ، لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ كَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ، .
وَالنَّاسُ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْكَلَامِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا ، وَلَزِمَ تَلْبِيَتَهُ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ } حَدِيثٌ حَسَنٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ .
وَفِي الْإِفْصَاحِ لِابْنِ هُبَيْرَةَ : تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ ، وَقِيلَ لَهُ : الزِّيَادَةُ بَعْدَهَا لَا فِيهَا ، وَلِلْبُخَارِيِّ التَّلْبِيَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَابْنِ عُمَرَ ، وَلَيْسَ فِيهِ " وَالْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَك " وَقَدْ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : كَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { وَالْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَك } فَتَرَكَهُ لِأَنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ : لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ ، لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا : تَلْبِيَةَ ابْنِ عُمَرَ

حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَنْصَرِفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ فَزَادَ فِيهِ ذَلِكَ ، وَكَذَا ذَكَرَ الْآجُرِّيُّ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ : اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشَ الْآخِرَةِ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ ، نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : وَنَوْمٍ ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةِ كَنُطْقِهِ .
وَتَتَأَكَّدُ التَّلْبِيَةُ إذَا عَلَا نَشَزًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رُفْقَةً ، أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا ، وَعَقِيبَ مَكْتُوبَةٍ ، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا ، وَأَوَّلَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، أَوْ رَكِبَ ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ : أَوْ نَزَلَ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا الصَّلَاةَ بِمَكْتُوبَةٍ .
قَالَ النَّخَعِيُّ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا أَوْ عَلَا نَشَزًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا أَوْ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ .
وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ .
كَذَلِكَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ : إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، وَزَادَ : وَمِنْ آخَرِ اللَّيْلِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : لَا يُلَبِّي عِنْدَ لِقَاءِ الرُّفْقَةِ ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَنْقُلْ الْأَحْوَالِ بِهِ ، وَذَكَرَ كَمَا سَبَقَ ، وَزَادَ : وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ .
وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا ، لِخَبَرِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ { أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ } أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ { أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لَهُ كُنْ عَجَّاجًا ثَجَّاجًا } وَالْعَجُّ : التَّلْبِيَةُ ، وَالثَّجُّ : نَحْرُ الْبُدْنِ .
وَعَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ [ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ ] { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الْعَجُّ وَالثَّجُّ } عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَمَنْ رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ .
وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : أَصْلُ الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي إسْنَادِهِ .
وَكَرِهَ مَالِكٌ إظْهَارَهَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ ، حَكَاهُ بَعْضُهُمْ ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَظِهَارَهَا مَسْنُونٌ فِي الصَّحَارِي ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فِي مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهَا ( هـ ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ : إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ .
لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ : إنَّ هَذَا لَمَجْنُونٌ ، إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ إخْفَاءَ التَّطَوُّعِ أَوْلَى خَوْفَ الرِّيَاءِ عَلَى مَنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ ، بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ .
وَجَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّلْبِيَةِ ، فَإِنْ اُسْتُحِبَّتْ اُسْتُحِبَّ إظْهَارُهَا وَإِلَّا فَلَا ، وَبَعْضُهُمْ فِي إظْهَارِهَا وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْتَحَبَّ فَفِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِنَا ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : لَا يُلَبِّي بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ ، لِعَدَمِ نَقْلِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَتْرُكُهَا إذَا رَاحَتْ إلَى الْمَوْقِفِ ، وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُهَا إذْ زَاغَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، رَوَاهُمَا مَالِكٌ ، وَيَأْتِي مَتَى يَقْطَعُهَا .
وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا ، لِخَبَرِ

سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهُنَا } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْهُمْ ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ .
وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ مُحْرِمٍ يُضَحِّي لِلَّهِ يَوْمَهُ يُلَبِّي حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ إلَّا غَابَتْ بِذُنُوبِهِ فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا ( م ) لِخَبَرِ خُزَيْمَةَ : { إنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ ، وَيَسْتَعِيذُ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ } ، إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ .
وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا ( م ) لِقَوْلِ الْقَاسِمِ [ ابْنِ مُحَمَّدٍ ] كَانَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ، فِيهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ ، قَوَّاهُ أَحْمَدُ ، وَضَعَّفَهُ الْجَمَاعَةُ ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَصَلَاةٍ وَأَذَانٍ .
وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ التَّلْبِيَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ .
قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَقَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ لَهُ الْأَثْرَمُ : مَا شَيْءٌ يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُكَبِّرُونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا ؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ : لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ ، قُلْت : أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةً ؟ قَالَ : بَلَى ؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا .
وَاسْتَحَبَّهُ فِي الْخِلَافِ ، لِتَلَبُّسِهِ بِالْعِبَادَةِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : حَسَنٌ ، { فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ } .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد { أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا } .
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ } وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَذَا قَالَ وَتُسَنُّ نَسَقًا ، وَمِثْلُهَا التَّكْبِيرُ دُبُرَ الصَّلَاةِ فِي الْأَضْحَى وَالتَّشْرِيقِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ تُسْمِعَ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِهَا ( و ) وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) .
وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ سَمَاعِ رَفِيقِهَا ، خَوْفَ الْفِتْنَةِ ( و ش ) وَمَنَعَهَا فِي الْوَاضِحِ ، وَمِنْ أَذَانٍ أَيْضًا ، وَعَلَى .
قَوْلِنَا : صَوْتُهَا عَوْرَةٌ تُمْنَعُ ، كَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا : تَقْتَصِرُ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ( و ش ) وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَجَمَاعَةٍ : لَا تَرْفَعُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا .
وَلَا تُشْرَعُ إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ إنْ قُدِرَ ، كَأَذَانٍ وَذِكْرٍ وَصَلَاةٍ ، وَلَمْ يُجَوِّزْ أَبُو الْمَعَالِي الْأَذَانَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إلَّا لِنَفْسِهِ مَعَ عَجْزِهِ
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ فِي التَّلْبِيَةِ : هِيَ جَوَابُ الدُّعَاءِ ، وَالدَّاعِي قِيلَ : هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا مِنْ اللَّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ .

وَهَلْ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَارِنِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجَّةِ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِ أَنَسٍ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ الْحَجَّةَ قَبْلَ الْعُمْرَةِ ، وَأَنَّهُ يَذْكُرُ نُسُكَهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ
مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يُسْتَحَبُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَنَصَرَاهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
وَالْوَجْهُ ( الثَّانِي ) لَا يُسْتَحَبُّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَيَقْطَعُ الْحَاجُّ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ رَمْيِ أَوَّلِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ، قَالَ أَحْمَدُ : يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَقْطَعُ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ ( و هـ ش ) لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى ، فَكِلَاهُمَا قَالَ : لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ } .
وَلِلنَّسَائِيِّ : { فَلَمَّا رَمَى قَطَعَ التَّلْبِيَةَ } ، وَرَوَاهُ حَنْبَلٌ : { قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ } .
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِعَرَفَةَ فَقَالَ : مَالِي لَا أَسْمَعُ النَّاسَ يُلَبُّونَ ؟ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : يَخَافُونَ مِنْ مُعَاوِيَةَ .
فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ فُسْطَاطِهِ فَقَالَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ عَنْ بُغْضِ عَلِيٍّ .
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثِقَةٌ ، لَكِنَّهُ شِيعِيٌّ لَهُ مَنَاكِيرُ .
{ وَلَبَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُزْدَلِفَةَ } ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
{ وَلَبَّى مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ ، فَقِيلَ لَهُ : لَيْسَ يَوْمَ تَلْبِيَةٍ بَلْ يَوْمُ تَكْبِيرٍ ، فَقَالَ : أَجَهِلَ النَّاسُ أَمْ نَسُوا } ؟ { خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يُخَالِطَهَا تَكْبِيرٌ أَوْ تَهْلِيلٌ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِشُرُوعِهِ فِي الرَّمْيِ فَيَقْطَعُهَا كَالْمُعْتَمِرِ بِشُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ .
وَأَصَحُّ رِوَايَتَيْ مَالِكٍ : يَقْطَعُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، لِمَا سَبَقَ فِي إظْهَارِهَا ، وَلِمَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ إذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَسْعَى ثُمَّ يُلَبِّيَ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ ،

فَإِذَا غَدَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ ، وَكَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ حِينَ يَدْخُلُ الْحَرَمَ .
وَيَقْطَعُهَا الْمُعْتَمِرُ وَالْمُتَمَتِّعُ بِشُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ش ) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ، فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ ، خِلَافًا لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ { أَنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ } .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ ، صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَهُ ، فَلَا يَقْطَعُهَا ، كَمَا قَبْلَ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : يَقْطَعُ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ .
وَقَالَ الْخِرَقِيُّ : يَقْطَعُهَا إذَا وَصَلَ الْبَيْتَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : بِرُؤْيَتِهِ ، وَحَمْلًا عَلَى الْأَوَّلِ .
وَلَا بَأْسَ بِهَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ ، لِمَا سَبَقَ ، وَلِإِمْكَانِ الْجَمْعِ ، وَلَا دَلِيلَ لِلْكَرَاهَةِ ، وَحَكَى الشَّيْخُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ : لَا يُلَبِّي ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِذِكْرٍ يَخُصُّهُ ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : مَا رَأَيْنَا أَحَدًا يَقْتَدِي بِهِ يُلَبِّي حَوْلَ الْبَيْتِ إلَّا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، وَهُوَ جَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَالْقَدِيمُ : يُسْتَحَبُّ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : لَا يُظْهِرُهَا فِيهِ ( و ) وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : لَا يُسْتَحَبُّ .
وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي : يُكْرَهُ ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ ، قَالَ : لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الطَّائِفِينَ .
وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ : يُسَنُّ ، وَالسَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ ، وَهُوَ مُرَادُ أَصْحَابِنَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ( و ش ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ الْحَلَالُ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ( و هـ ش ) كَسَائِرِ

الْأَذْكَارِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يُكْرَهُ ( و م ) لِعَدَمِ نَقْلِهِ ، وَلَوْ صَحَّ اعْتِبَارُهَا بِسَائِرِ الْأَذْكَارِ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَثْنَائِهَا وَمُخَاطَبَتَهُ حَتَّى بِسَلَامٍ وَرَدَّهُ مِنْهُ كَأَذَانٍ ، وَاَللَّهُ [ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ] ، أَعْلَمُ .

وَهِيَ تِسْعٌ : إزَالَةُ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ يَتَضَرَّرُ بِإِبْقَاءِ الشَّعْرِ ، بِالْإِجْمَاعِ ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَقَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ { كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ أَرَى الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِك مَا أَرَى ، أَتَجِدُ شَاةً ؟ قُلْتُ : لَا ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قَالَ : هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِمُسْلِمٍ : { أَتَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنُ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ كَأَنَّ هَوَامَّ رَأْسِك تُؤْذِيك فَقُلْتُ : أَجَلْ ، فَقَالَ : فَاحْلِقْهُ وَاذْبَحْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ } وَالْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ ، هَذَا الْمَذْهَبُ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَنَصَرَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ جَمْعٌ ، وَاعْتُبِرَتْ فِي مَوَاضِعَ ، كَمَحَلِّ الْوِفَاقِ ، بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَمَا يُمَاطُ بِهِ الْأَذَى ، وَعَنْهُ : فِي أَرْبَعٍ .
نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ ، لِأَنَّ الْأَرْبَعَ كَثِيرٌ .
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً فِي خَمْسٍ ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ ، وَلَا وَجْهَ لَهَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : فِي رُبْعِ الرَّأْسِ ، وَكَذَا فِي الرَّقَبَةِ كُلِّهَا أَوْ الْإِبْطِ الْوَاحِدِ أَوْ الْعَانَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ .
وَقَالَ صَاحِبَاهُ : إذَا حَلَقَ عُضْوًا لَزِمَهُ دَمٌ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَطَعَامٌ ، أَيْ الصَّدْرُ وَالسَّاقُ وَشِبْهُهُ .
وَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ نُسِبَ ، فَيَجِبُ فِي رُبْعِهِ قِيمَةُ

رُبْعِ دَمٍ وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ لَزِمَهُ دَمٌ ، عِنْدَهُ ، وَقَالَا : صَدَقَةٌ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ : فِيمَا يُمَاطُ بِهِ الْأَذَى ، وَيَتَوَجَّهُ بِمِثْلِهِ احْتِمَالٌ .
وَالْفِدْيَةُ دَمٌ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ ، فِي رِوَايَةٍ وَهِيَ [ أَشْهَرُ ] كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ .
وَفِي رِوَايَةٍ : نِصْفُ صَاعٍ ( م 1 ) ( و م ش ) كَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ ، فَيُعْتَبَرُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا كَالشَّعِيرِ .
وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ : مِنْ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ ، وَمِنْ غَيْرِهِ صَاعٌ .
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : يُجْزِئُ خُبْزٌ رِطْلَانِ عِرَاقِيَّةً ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِأَدَمٍ وَإِنَّ مِمَّا يَأْكُلُهُ أَفْضَلُ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ .
قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ : أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ : يَصُومُ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ .
وَقَالَ الْحَسَنُ وَنَافِعٌ وَعِكْرِمَةُ : يَصُومُ عَشَرَةً وَالصَّدَقَةُ عَلَى عَشَرَةٍ ، كَذَا قَالُوا .
وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ مِثْلُهُ فِي التَّخْيِيرِ ، نَقَلَ جَعْفَرٌ وَغَيْرُهُ : كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ " أَوْ " فَهُوَ مُخَيَّرٌ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ( و م ش ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَعْذُورِ ، وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ أَصْلَهُ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ خُيِّرَ فِيهَا لِعُذْرٍ خُيِّرَ بِدُونِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَلَمْ يُخَيِّرْ اللَّهُ بِشَرْطِ الْعُذْرِ ، بَلْ الشَّرْطُ لِجَوَازِ الْحَلْقِ .
وَعَنْهُ : مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَتَعَيَّنُ الدَّمُ ، فَإِنْ عَدِمَهُ أَطْعَمَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ صَامَ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ ( و هـ ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحْظُورٍ يَخْتَصُّ الْإِحْرَامَ ، كَدَمٍ يَجِبُ بِتَرْكِ رَمْيٍ وَمُجَاوَزَةِ مِيقَاتٍ ، وَلَهُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحَلْقِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ .
وَفِي كُلِّ شَعْرَةٍ إطْعَامُ مِسْكِينٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَجَبَ شَرْعًا فِدْيَةً ، وَعَنْهُ : قَبْضَةُ طَعَامٍ ، لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ ،

فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ .
وَعَنْهُ : دِرْهَمٌ ، وَعَنْهُ : نِصْفُهُ ، وَعَنْهُ : دِرْهَمٌ أَوْ نِصْفُهُ ، ذَكَرَهَا أَصْحَابُ الْقَاضِي ، وَخَرَّجَهَا هُوَ مِنْ لَيَالِي مِنَى ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَالْأَوَّلِ ، وَفِي كَلَامِهِمْ أَيْضًا : عَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، وَعَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : لَا ضَمَانَ فِيمَا لَمْ يُمَطْ بِهِ الْأَذَى .
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ ثُلُثُ دِرْهَمٍ ، وَعَنْهُ : إطْعَامُ مِسْكِينٍ ، وَعَنْهُ : دِرْهَمٌ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ كَقَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ مَا ضُمِنَتْ بِهِ الْجُمْلَةُ ضُمِنَ بَعْضُهُ بِنِسْبَتِهِ كَصَيْدٍ ، وَبَعْضُ شَعْرٍ كَهِيَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ بَلْ كَمُوضِحَةٍ يَسْتَوِي صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا .
وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا بِنِسْبَتِهِ كَأُنْمُلَةِ أُصْبُعٍ ، وَشَعْرِ الْبَدَنِ كَالرَّأْسِ فِي الْفِدْيَةِ ( و ) خِلَافًا لِدَاوُدَ ، لِحُصُولِ التَّرَفُّهِ بِهِ ، بَلْ أَوْلَى ، أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ .
بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَالْفِدْيَةُ يَعْنِي فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ دَمٌ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ ، فِي رِوَايَةٍ وَهِيَ أَشْهَرُ ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِي رِوَايَةٍ : نِصْفُ صَاعٍ ، انْتَهَى .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَشْهَرُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ جَزَمَ بِهَا فِي الْكَافِي .
وَأَطْلَقَهَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .

وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ فِي رِوَايَةٍ [ اخْتَارَهَا ] جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَسَائِرِ الْبَدَنِ ، وَكَلُبْسِهِ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَفِي رِوَايَةٍ : لِكُلِّ [ وَاحِدٍ ] مِنْهُمَا حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ( م 2 ) ( و ) لِأَنَّهُمَا كَجِنْسَيْنِ ، لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِالرَّأْسِ فَقَطْ ، فَهُوَ كَحَلْقٍ وَلُبْسٍ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : إنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَالرِّوَايَتَانِ ، وَنَصُّ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ إتْلَافٌ ، فَهُوَ آكَدُ ، وَالنُّسُكُ يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي اللُّبْسِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) أَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَقَالَا : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ الْهَادِي وَالْمُنَوِّرُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُ وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَالَ : بِنِيَّتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ

وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ ( و م ش ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِقُهُ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ صَدَقَةٌ .
وَفِي الْفُصُولِ : احْتِمَالُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، كَشَعْرِ الصَّيْدِ ، كَذَا قَالَ : وَإِنْ سَكَتَ لَمْ يَنْهَهُ فَقِيلَ : عَلَى الْحَالِقِ ، كَإِتْلَافِهِ مَالَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ ، وَقِيلَ : عَلَى الْمُحْرِمِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ ( م 3 ) وَإِنْ حَلَقَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ مِنْهُ ، كَحَلْقِ مُحْرِمٍ رَأْسَ نَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ ، كَإِتْلَافِ وَدِيعَةٍ بِيَدِهِ ، وَقِيلَ : عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ ( و هـ ) وَلِلشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ .
وَفِي الْإِرْشَادِ وَجْهٌ : الْقَرَارُ عَلَى الْحَالِقِ .
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ لَا فِدْيَةَ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ .
وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فَهَدَرٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) لِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِلْآدَمِيِّ كَالْحَرَمِ لِلصَّيْدِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ ، وَمَنْ طَيَّبَ غَيْرَهُ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَوْ أَلْبَسَهُ فَكَالْحَلْقِ وَإِنْ نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ أَزَالَ مَا نَزَلَ ، أَوْ خَرَجَ فِيهَا أَزَالَهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، كَقَتْلِ صَيْدٍ صَائِلٍ ، أَوْ قَطَعَ جِلْدًا بِشَعْرٍ ، أَوْ افْتَصَدَ فَزَالَ ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُضْمَنُ ، كَقَلْعِ أَشْفَارِ عَيْنٍ لَمْ يَضْمَنْ هَدْيَهَا أَوْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ وَلَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْفَصْدِ احْتِمَالُ مِثْلِهِ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ فَقِيلَ : عَلَى الْحَالِقِ ، كَإِتْلَافِهِ مَالَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ ، وَقِيلَ : عَلَى الْمُحْرِمِ ، لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
إحْدَاهُمَا الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنْ حَلَقَ مُكْرَهٌ فَدَى الْحَالِقُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ ، قَالَ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ : وَإِنْ حَلَقَ بِلَا إذْنِهِ فَدَى الْحَالِقُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ .

وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ : إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ ، لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ ، كَذَا قَالَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَإِنْ حَصَلَ أَذًى مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ كَشِدَّةِ حَرٍّ وَقُرُوحٍ وَصُدَاعٍ أَزَالَهُ وَفَدَى ، كَأَكْلِ صَيْدٍ لِضَرُورَةٍ .

وَلَهُ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَلَا فِدْيَةَ بِقَطْعِهِ بِلَا تَعَمُّدٍ ، نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ بَانَ بِمُشْطٍ أَوْ تَخْلِيلٍ فَدَى ، قَالَ أَحْمَدُ : وَإِنْ خَلَّلَهَا فَسَقَطَ إنْ كَانَ شَعْرًا مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ

، وَتُسْتَحَبُّ الْفِدْيَةُ مَعَ شَكِّهِ وَفِي الْفُصُولِ : إنْ شَكَّ فِي عَدَدِ بَيْضِ صَيْدٍ احْتَاطَ ، كَشَكِّهِ فِي عَدَدِ صَلَوَاتٍ تَرَكَهَا

وَلَهُ حَكُّ رَأْسِهِ وَيَدَيْهِ بِرِفْقٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا ، وَقِيلَ غَيْرُ الْجُنُبِ لَا يُخَلِّلُهُمَا بِيَدَيْهِ وَلَا يَحُكُّهُمَا بِمُشْطٍ أَوْ ظُفْرٍ وَلَهُ غُسْلُهُ فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَسْرِيحٍ ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمْ ( و هـ ش ) ؛ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا ، وَأَدْبَرَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ ، وَاغْتَسَلَ عُمَرُ وَقَالَ : لَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شُعْثًا ، رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَالَ لِي عُمَرُ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ بِالْجُحْفَةِ : تَعَالَ أُبَاقِيكَ أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا فِي الْمَاءِ رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَكَرِهَ مَالِكٌ غَطْسَهُ فِي الْمَاءِ وَتَغْيِيبَ رَأْسِهِ فِيهِ ، وَالْكَرَاهَةُ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ ، وَيَتَوَجَّهُ قَوْلُ : تَرْكُهُ أَوْلَى أَوْ الْجَزْمُ بِهِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إلَّا مِنْ احْتِلَامٍ ، رَوَاهُ مَالِكٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَلِلشَّافِعِيِّ عَنْهُ : أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ وَقَالَ : مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا .
وَيُحْمَلُ هَذَا وَمَا سَبَقَ عَلَى الْحَاجَةِ ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَإِلَّا فَالْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مُزِيلٌ لِلشُّعْثِ وَالْغُبَارِ ، مَعَ الْجَزْمِ بِالنَّهْيِ عَنْ النَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ لِإِزَالَةِ شُعْثٍ وَغُبَارٍ ، فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ، مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ { اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا } وَهِيَ هُنَا ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْ عَدَمِ النَّهْيِ هُنَا عَدَمُهُ هُنَاكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، لِزَوَالِ الْغُسْلِ مِنْ الشُّعْثِ وَالْغُبَارِ مَا لَا يُزِيلُ النَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ وَاحْتِمَالُهُ إزَالَةَ الشَّعْرِ ، كَمَا سَيَأْتِي ؛ فَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُنَاكَ الْقَوْلُ بِهَا هُنَا

وَإِنْ غَسَلَهُ بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِمَا جَازَ ( و ش ) قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يُكْرَهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ ، وَحَكَاهُ عَنْ ( هـ م ش ) لِتَعَرُّضِهِ لَقَطْعِ الشَّعْرِ ، وَكَرِهَهُ جَابِرٌ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النَّظَافَةُ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ ، كَالْأُشْنَانِ وَالْمَاءِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَسْتَلِذُّ رَائِحَتَهُ ، ثُمَّ يَبْطُلَ بِالْفَاكِهَةِ وَالدُّهْنِ يَقْصِدُ بِهِ التَّرْجِيلَ وَإِزَالَةَ الشُّعْثِ ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَحْلَبَ وَالْأُشْنَانَ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ وَيَفْدِي ( و هـ م ) نَقَلَ صَالِحٌ : قَدْ رَجَّلَ شَعْرَهُ وَلَعَلَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ الْغَسْلِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : عَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، كَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَفِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ .
وَقِيلَ : هُمَا فِي تَحْرِيمِهِ ، فَإِنْ أَحْرَمَ فَدَى وَإِلَّا فَلَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ احْتَاجَ وَقَطَعَهُ لِحِجَامَةٍ أَوْ غَسْلٍ وَلَمْ يَضُرَّهُ كَذَا قَالَ .

مَسْأَلَةٌ 4 ) [ قَوْلُهُ ] : وَإِنْ غَسَلَهُ بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهَا جَازَ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يُكْرَهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، انْتَهَى الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُكْرَهُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ، ( قُلْتُ ) : وَهُوَ قَوِيٌّ إذَا خَافَ مِنْ قَطْعِ الشَّعْرِ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ( قُلْتُ ) : وَهِيَ ضَعِيفَةٌ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : وَعَنْهُ : يَحْرُمُ وَيَفْدِي وَذَكَرَ صَاحِبٌ الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ .
وَفِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ ، وَقِيلَ : هُمَا فِي تَحْرِيمِهِ ، فَإِنْ حَرُمَ فَدَى وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : قَالَ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ : يُكْرَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمَيِّ وَنَحْوِهِمَا ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَنَصَرُوا عَدَمَ الْفِدْيَةِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : فَإِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمَيِّ كُرِهَ لَهُ ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : الصَّوَابُ أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ ، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ فَبَعِيدٌ جِدًّا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ ؛ لِأَنَّهَا فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِذَلِكَ .
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ أَوْ الْجَوَازِ لَا فِدْيَةَ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ قَدْ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِي الْفِدْيَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، فَهُمْ قَدْ صَحَّحُوا عَدَمَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ ، وَعَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ الْفِدْيَةُ ، عَلَى الصَّحِيحِ ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " وَعَنْهُ : يَحْرُمُ وَيَفْدِي " وَقِيلَ

: فِيهِ رِوَايَتَانِ ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَيَحْرُمُ أَنْ يَتَفَلَّى الْمُحْرِمُ أَوْ يَقْتُلَ قَمْلًا بِزِئْبَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صِئْبَانًا ؛ لِأَنَّهُ بَيْضُهُ ، لِتَرَفُّهِهِ ، كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَلِظَاهِرِ خَبَرِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ كَسَائِرِ مَا يُؤْذِي ، وَكَالْبَرَاغِيثِ ، كَذَا قَالُوا ، وَظَاهِرُ تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَنَّ الْبَرَاغِيثَ كَقَمْلٍ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ : لَا يَقْتُلُهُ وَلَا بَعُوضًا ، وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ قَوْلًا وَزَادَ : وَلَا قُرَادًا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : إنْ قَرَصَهُ ذَلِكَ قَتَلَهُ مَجَّانًا ، وَإِلَّا فَلَا يَقْتُلُهُ ، وَرَمْيُ الْقَمْلِ كَقَتْلِهِ ، فِي قَوْلٍ ، وَقِيلَ : مِنْ غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : الرِّوَايَتَانِ فِيمَا [ إذَا ] أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَبَدَنِهِ وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ ، وَيَجُوزُ مِنْ ظَاهِرِهِ ، وَحَكَى الشَّيْخُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ ( م 5 ) فَإِنْ حَرُمَ قَتْلُ الْقَمْلِ فَعَنْهُ : يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( و هـ م ) وَعَنْهُ : لَا لِخَبَرِ كَعْبٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ ، كَسَائِرِ الْمُحَرَّمِ الْمُؤْذِي ، وَلَهُ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا لِإِبَاحَةِ التَّرَفُّهِ فِيهِ بِقَطْعِ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ .

( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَرَمْيُ الْقَمْلِ كَقَتْلِهِ ، فِي قَوْلٍ ، وَقِيلَ : مِنْ غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَبَدَنِهِ وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ ، وَيَجُوزُ مِنْ ظَاهِرِهِ ، وَحَكَى الشَّيْخُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنَّمَا يَكُونُ كَقَتْلِهِ إذَا رَمَاهُ مِنْ غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ : وَمَوْضِعُ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَلْقَاهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ لَحْمِهِ أَمَّا إنْ أَلْقَاهَا مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ أَوْ بَدَنِ مَحِلٍّ أَوْ مُحْرِمٍ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ، انْتَهَى .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ حَرُمَ قَتْلُ الْقَمْلِ ، فَعَنْهُ : يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَعَنْهُ لَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالزَّرْكَشِيُّ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْعُمْدَةِ : وَلَا شَيْءَ فِيمَا حَرُمَ أَكْلُهُ إلَّا الْمُتَوَلِّدَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالنَّظْمِ وَصَحَّحَهُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ

وَلَهُ قَتْلُ الْقُرَادِ عَنْ بَعِيرِهِ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ( و هـ ش ) كَسَائِرِ الْمُؤْذِي ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ، وَكَرِهَهُ عِكْرِمَةُ .
وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ ، وَأَنَّ ابْنَهُ كَرِهَهُ

وَحُكْمُ الْأَظْفَارِ كَالشَّعْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِلتَّرَفُّهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَسَبَقَ قَوْلُ دَاوُد فِي تَخْصِيصِهِ بِالرَّأْسِ خَاصَّةً ، وَيَتَوَجَّهُ هُنَا احْتِمَالٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ سُلِّمَ التَّرَفُّهُ بِهِ فَهُوَ دُونَ الشَّعْرِ ، فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ ، وَلَا نَصَّ يُصَارُ إلَيْهِ ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا سَبَقَ فِي الْمَنْهَجِ فِي شَعْرِ الْأَنْفِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى : لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ ، وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لَزِمَهُ دَمٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَهُمَا : أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا .
وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا لَزِمَهُ دَمٌ ، إقَامَةً لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ .
وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ فَلِكُلِّ ظُفُرٍ صَدَقَةٌ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ : تَجِبُ بِقَصِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا ، وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ فَأَكْثَرَ مُتَفَرِّقَةً مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ : طَعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ ظُفْرٍ ؛ لِأَنَّ فِي قَصِّهَا كَذَلِكَ يَتَأَذَّى بِهِ وَيَشِينُهُ ، بِخِلَافِ حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ : يَلْزَمُ الدَّمُ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ كَفٍّ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّعْرِ

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي حُكْمِ الْأَظْفَارِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّعْرِ : وَقَالَ الشَّيْخُ : وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى : لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ ، قَالَ : فَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ ، انْتَهَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الْفِدْيَةِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ أَظْفَارِهِ ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِأَخْذِهَا ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ : حَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ ، وَعَنْهُ : لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ بِفِدْيَةٍ ، انْتَهَى .
هَذَا لَفْظُهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : " وَعَنْهُ " يَعُودُ إلَى عَطَاءٍ لَا إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ ، وَذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ عَطَاءٍ ، وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : " فَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، وَقَدْ رَأَيْت لَفْظَهُ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ وَقَعَ بِظُفْرِهِ مَرَضٌ فَأَزَالَهُ أَوْ انْكَسَرَ فَقَصَّ مَا احْتَاجَهُ فَقَطْ ( و ) أَوْ قَلَعَ إصْبَعًا بِظُفْرِهَا فَهَدَرٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مُدَاوَاةُ قُرْحِهِ إلَّا بِقَصِّهِ قَصَّهُ وَيَفْدِي ، خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ قِيلَ لِأَحْمَدَ : يَنْكَسِرُ ظُفْرُهُ ، قَالَ : يُقَلِّمُهُ .
وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ أَكْثَرُ مِمَّا انْكَسَرَ ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : إنْ انْكَسَرَ فَآذَاهُ قَطَعَهُ وَفَدَى .

الثَّالِثُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ } ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ ، { لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ م ) وَعَنْهُ : عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ( و ش ) وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ : مِنْ الْوَجْهِ .
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَإِسْحَاقَ : مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا مِنْ الْوَجْهِ ، وَمَا أَدْبَرَ مِنْ الرَّأْسِ ، وَالْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَهَا دُونَ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُوضِحَةِ فِيهِ .
وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ وَلَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ إجْمَاعًا وَالصُّدْغُ وَهُوَ فَوْقَ الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ أَوْ يَنْزِلُ قَلِيلًا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ ، وَهَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ كَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ ، أَوْ مِنْ الْوَجْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَتَيْنِ ( م 7 و 8 ) وَالتَّحْذِيفُ الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفِ الْجَبِينِ فِي جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ النَّزَعَةِ وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ ؟ كَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ ، أَوْ مِنْ الْوَجْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 9 ) وَالنَّزَعَتَانِ بِفَتْحِ الزَّايِ ، وَإِسْكَانِهَا لُغَةً : مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ الرَّأْسِ مُتَصَاعِدًا فِي جَانِبَيْهِ مِنْ الرَّأْسِ ، كَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَبَعْضِ الْعُلَمَاءِ .
وَالنَّاصِيَةُ الشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ ( و ) وَبَعْضُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِثْلُهُ فِي التَّحْرِيمِ ، فَيَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ بِلَاصِقٍ مُعْتَادٍ أَوْ لَا ، كَعِمَامَةٍ وَطِينٍ وَنُورَةٍ وَحِنَّاءٍ وَقِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ لَا دَوَاءَ وَعِصَابَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَشَدُّ سَيْرٍ

فِيهِ .
وَيَفْدِي لِصُدَاعٍ وَنَحْوِهِ ( و )

مَسْأَلَةٌ 7 ، 8 ) قَوْلُهُ : وَالصُّدْغُ وَهُوَ فَوْقَ الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ أَوْ يَنْزِلُ قَلِيلًا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَتَيْنِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 7 ) فِي مَحَلِّ الصُّدْغِ هَلْ هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ أَوْ يَنْزِلُ قَلِيلًا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ وَيُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عَنْ رَأْسِهَا قَلِيلًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَابَعُوا الْمَجْدَ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : هُوَ مَا حَاذَى مُقَدَّمَ أَعْلَى الْأُذُنِ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّعْرُ فِي حَقِّ الْغُلَامِ يُحَاذِي طَرَفَ الْأُذُنِ الْأَعْلَى ، انْتَهَى .
وَيُصْلَحُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَمْ نَرَ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ حَمْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَكْسُهُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 8 ) هَلْ الصُّدْغُ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ مِنْ الرَّأْسِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمَجْدُ ، وَقَالَ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ ، قَالَ فِي

مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ ، قَالَ الشَّارِحُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ مِنْ الْوَجْهِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، ذَكَرَهُ الشَّارِحُ .
مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَالتَّحْذِيفُ الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفِ الْجَبِينِ فِي جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ النَّزْعَةِ وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
أَحَدُهُمَا هُوَ مِنْ الرَّأْسِ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْكَافِي ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ مِنْ الْوَجْهِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَتَقَدَّمَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ أَيْضًا ، فَحَصَلَ تَكْرَارٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) : أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الصُّدْغِ وَالتَّحْذِيفِ وَاحِدٌ فِي الْخِلَافِ ، هَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ ؟ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي بَابِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ .
وَقِيلَ : التَّحْذِيفُ مِنْ الْوَجْهِ دُونَ الصُّدْغِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : الصُّدْغُ مِنْ الْوَجْهِ ، قَالَهُ الشَّارِحُ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْفُصُولِ

وَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا فَلَا فِدْيَةَ ( ش ) كَسُتْرَةٍ بِيَدِهِ ، وَلَا أَثَرَ لِلْفَصْدِ وَعَدَمِهِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ وَمَا لَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ قَصَدَ بِهِ السِّتْرَ فَدَى ، كَجُلُوسِهِ عِنْدَ عَطَّارٍ لِقَصْدِ شَمِّ الطِّيبِ .
وَإِنْ لَبَّدَهُ بِغَسْلٍ أَوْ صَمْغٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَدْخُلُهُ غُبَارٌ وَلَا دَبِيبٌ وَلَا يُصِيبُهُ شُعْثٌ جَازَ ، لِقَوْلِ { ابْنِ عُمَرَ : رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَإِنْ اسْتَظَلَّ فِي مَحْمَلٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ نَازِلًا أَوْ رَاكِبًا قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ، فِي رِوَايَةٍ ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ( و م ) .
رُوِيَ [ عَنْ ] ابْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ النَّهْيُ عَنْهُ ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ؛ وَلِأَنَّهُ قَصَدَهُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ التَّرَفُّهَ كَتَغْطِيَتِهِ .
وَعَنْهُ : لَا فِدْيَةَ ، وَعَنْهُ : بَلَى إنْ طَالَ ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ ، قَالَ الشَّيْخُ : هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ ( م 10 و 11 ) ( و هـ ش ) ؛ لِأَنَّ { أُسَامَةَ أَوْ بِلَالًا رَفَعَ ثَوْبَهُ يَسْتُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَأَجَابَ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ سِتْرٌ لَا يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ .
زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَوْ كَانَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ، أَوْ بِهِ عُذْرٌ وَفَدَى ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ وَيَجُوزُ بِخَيْمَةٍ وَنَصْبِ ثَوْبٍ وَبَيْتٍ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ فِي الْبَدَنِ عَادَةً ، بَلْ جَمْعُ الرِّجَالِ فِيهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ

مَسْأَلَةٌ 10 و 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَظَلَّ فِي مَحْمَلٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ نَازِلًا أَوْ رَاكِبًا قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ، فِي رِوَايَةٍ ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ : لَا فِدْيَةَ ، وَعَنْهُ : بَلَى إنْ طَالَ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، قَالَ الشَّيْخُ : هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، انْتَهَى .
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَقِيلٍ [ يَحْتَمِلُ أَنْ ] يَعُودُ إلَى لُزُومِ الْفِدْيَةِ لَا غَيْرَ ، وَيَكُونُ قَدْ قَدَّمَ التَّحْرِيمَ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى التَّحْرِيمِ وَإِلَى لُزُومِ الْفِدْيَةِ ، فَيَكُونُ الْخِلَافُ قَدْ أَطْلَقَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ ، وَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَعَدَمِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ .
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ نَذْكُرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَنَذْكُرُ النَّقْلَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهُمَا : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 10 ) هَلْ يَحْرُمُ اسْتِظْلَالٌ بِالْمَحْمَلِ وَنَحْوِهِ ، أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَجُوزُ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ : إحْدَاهُنَّ يَحْرُمُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ وَفِي غَيْرِهِ وَابْنَ الزَّاغُونِيِّ وَصَاحِبَ التَّلْخِيصِ وَعُقُودَ ابْنِ الْبَنَّا وَجَمَاعَةً لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ، انْتَهَى .
وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ " عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَأَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقٌ فِي التَّحْرِيمِ أَيْضًا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَقَالَا : هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : يَجُوزُ

مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 11 ) إذَا قُلْنَا " يَحْرُمُ الِاسْتِظْلَالُ بِالْمَحْمَلِ وَنَحْوِهِ " فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ أَوْ لَا ، أَوْ يَلْزَمُهُ إنْ طَالَ ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ .
( إحْدَاهُنَّ ) لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ فِدْيَةٌ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : وَلَا يُظَلَّلُ بِمَحْمَلٍ فِي رِوَايَةٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِفِعْلِ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي إيضَاحِهِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي إفَادَتِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُبْهِجِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْحَاوِي وَالْمُذَهَّبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) إنْ كَثُرَ الِاسْتِظْلَالُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، فِي رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَالزَّرْكَشِيُّ ( قُلْتُ ) : وَهُوَ أَقْوَى وَأَوْلَى مِنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( تَنْبِيهٌ ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخُ فِي الْكَافِي وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ : هُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي

جَوَازِ الِاسْتِظْلَالِ وَعَدَمِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ حَمْدُونٍ .

وَيَجُوزُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ ( و ش ) فَعَلَهُ عُثْمَانُ ، رَوَاهُ مَالِكٌ ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ عَنْهُ ، وَعَنْ زَيْدٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَأَنَّهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَابِرٌ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رِوَايَتَانِ ، رَوَى النَّهْيَ عَنْهُ مَالِكٌ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ التَّقْصِيرِ مِنْ الرَّجُلِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حُرْمَةُ التَّخْمِيرِ كَسَائِرِ بَدَنِهِ ، وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ ، فَتَكُونُ كَالرَّأْسِ ( م 12 ) ( و هـ ) وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَفْعَلُهُ ، فَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِيهَا رِوَايَتَانِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ { وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ } وَفِي لَفْظٍ { وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ } انْفَرَدَ بِهِمَا مُسْلِمٌ ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ { وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ } وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ { وَخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ ، } وَلَا تُتَّجَهُ صِحَّتُهُ .
وَلَا يَخْفَى وَجْهُ التَّرْجِيحِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ قَالَ : { خَمِّرُوهُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ } وَفِي لَفْظٍ : { خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ } رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ، ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَالْخَطَأِ مَعَ تَمَادِيهِ عَلَيْهِ ، وَرَوَى الثَّانِيَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ الْأَزْدِيِّ ، ثِقَةٌ شِيعِيٌّ ، قَالَ ، أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ : خُولِفَ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ ، قَالَ الْفَضْلُ لِأَحْمَدَ : لَمْ كُرِهَ الرُّكُوبُ فِي الْمَحْمَلِ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ ؟ قَالَ : لِمَوْضِعِ الْبُصَاقِ .

( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ ، فَيَكُونُ كَالرَّأْسِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ وَلَا فِدْيَةَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ ( قُلْتُ ) : مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ فِي الرِّوَايَةِ : وَالْجَوَازُ أَصَحُّ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْفُصُولِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ

الرَّابِعُ : لُبْسُ الْمَخِيطِ فِي بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمَا عُمِلَ عَلَى قَدْرِهِ إجْمَاعًا وَلَوْ دِرْعًا مَنْسُوجًا أَوْ لَبَدًا مَعْقُودًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ ، قَالَ : لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ .
زَادَ الْبُخَارِيُّ : { وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ } قَالَ جَمَاعَةٌ بِمَا عُمِلَ عَلَى قَدْرِهِ وَقُصِدَ بِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَادٍ ، كَجَوْرَبٍ فِي كَفٍّ وَخُفٍّ فِي رَأْسٍ ، كَفَّرَ ، وَفِي صَيْفٍ ، وَقَلِيلُ اللُّبْسِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ ( و ش ) لِظَاهِرِ قَوْلِهِ { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا } الْآيَةَ ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ ، كَوَطْءٍ فِي فَرْجٍ أَوْ مَحْظُورٍ فَلَا تَتَقَدَّرُ فِدْيَتُهُ بِزَمَنٍ كَغَيْرِهِ وَاللُّبْسُ فِي الْعَادَةِ مُخْتَلِفٌ ، وَلَا يَحْرُمُ أَنْ يَأْتَزِرَ بِقَمِيصٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ لَيْلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ انْتِفَاعٌ مَا بِأَنْ نَزَعَهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ ، فَإِنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ وَنَحْوِهِ خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقَّهُ وَلَا فِدْيَةَ ؛ لِأَنَّ { يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَلْعِهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَبِي دَاوُد : { فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ } .
وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِقٍّ وَلَا فِدْيَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَشُقُّهُ لِئَلَّا يَتَغَطَّى رَأْسُهُ بِنَزْعِهِ .
وَإِنْ اسْتَدَامَ لُبْسَهُ لَحْظَةً فَوْقَ الْمُعْتَادِ فِي خَلْعِهِ فَدَى ، عَلَى مَا سَبَقَ ، وَإِنْ عَدِمَ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : سَمِعْت رَسُولَ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ ، وَلَيْسَ فِيهِ بِعَرَفَاتٍ " قَالَ مُسْلِمٌ : لَمْ يُذْكَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ " بِعَرَفَاتٍ " غَيْرُ شُعْبَةَ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادٍ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ { يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ } أَجَازَ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْإِزَارِ .
فَلَوْ اُعْتُبِرَ فَتْقُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ عَدَمُهُ ، وَلَمْ يُشْتَبَهْ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَمْ يُوجِبْ فِدْيَةً ، وَحَمْلُهَا أَوْلَى مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ ؛ وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ بَدَلًا ، وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ .
وَمَتَى وَجَدَ إزَارًا خَلَعَ السَّرَاوِيلَ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ : إنْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ فَدَى ، قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ ، لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ حَتَّى يُفَتِّقَهُ ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِلُبْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ الْخَبَرَ فِيهِ ، وَجَوَّزَهُ أَصْحَابُهُ وَالرَّازِيُّ بِلَا فَتْقٍ ، وَيَفْدِي .
وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ لِلْعَوْرَةِ فَقَطْ .
وَإِنْ عَدِمَ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ بِلَا فِدْيَةٍ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَلَا يَقْطَعُ خُفَّيْهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ فَسَادٌ ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ بِالنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ، وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَإِنَّ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ كَرَاهَتُهُ لِغَيْرِ إحْرَامٍ ، لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ ، قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ لِابْنِ عَبَّاسٍ : لَمْ يَقُلْ : لِيَقْطَعْهُمَا ، قَالَ : لَا ، رَوَاهُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْهُ .
صَحِيحٌ .
وَطَافَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِخُفَّيْنِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : وَالْخُفَّانِ مَعَ الْقَبَّاءِ ؟ قَالَ : لَبِسْتُهُمَا مَعَ مَنْ

هُوَ خَيْرٌ مِنْك يَعْنِي : النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ : الْخُفَّانِ نَعْلَانِ لِمَنْ لَا نَعْلَ لَهُ .
وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَأَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ لَبِسَهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ : أَمَرَتْنَا بِهِ عَائِشَةُ ؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِهِ ضَرَرًا ، كَالسَّرَاوِيلِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ فَتْقُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَلْبَسُهُ عَلَى هَيْئَتِهِ وَيَلْبَسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَقْطَعْهُمَا دُونَ كَعْبَيْهِ فَدَى ( و ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ، وَالْجَوَابُ : أَنَّ زِيَادَةَ الْقَطْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ رَوَى الْخَبَرَ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ [ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ] مِنْ قَوْلِهِ ، وَرَوَاهَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَشْرَانَ فِي أَمَالِيهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّهْقَانِ عَنْ الْعَبَّاسِ الدَّوْرِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْهُ ، وَرَوَاهَا مَالِكٌ وَأَيُّوبُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَرَفَعُوهَا ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا ، فَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ بِالْمَدِينَةِ ، لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ } وَذَكَرَهُ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ رَجُلًا نَادَى فِي الْمَسْجِدِ : مَا يَتْرُكُ الْحَرَامُ مِنْ الثِّيَابِ ؟ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ : هُوَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَلَيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ ، فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَلَامَهُ بِالْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ وَوَقْتِ الْحَاجَةِ ، لَا يُقَالُ : اكْتَفَى بِمَا سَبَقَ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ : فَلِمَ ذَكَرَ لُبْسَهُمَا ؟

وَالْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِهِ لُبْسَهُمَا بِلَا قَطْعٍ ، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِمْ : الْمُقَيَّدُ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ بِالْمَنْعِ فِي رِوَايَةٍ ، ثُمَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ ، وَعَنْ قَوْلِهِمْ : فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظٍ : بِأَنَّ خَبَرَنَا فِيهِ زِيَادَةُ حُكْمِ جَوَازِ اللُّبْسِ بِلَا قَطْعٍ ، يَعْنِي : وَهَذَا الْحُكْمُ لَمْ يُشْرَعْ بِالْمَدِينَةِ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الشَّيْخِ ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ .
وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مِنْ كَلَامِ أَبِي دَاوُد وَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ نَظَرٌ .
وَإِنْ لَبِسَ مَقْطُوعًا دُونَهُمَا مَعَ وُجُودِ نَعْلٍ لَمْ يَجُزْ وَفَدَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَرَطَ لِجَوَازِ لُبْسِهِمَا عَدَمَ النَّعْلَيْنِ ، وَأَجَازَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقَارِبُ النَّعْلَيْنِ ، وَلَمْ يُجِزْهُ لِإِسْقَاطِ الْفِدْيَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُحِيطٌ لِعُضْوٍ بِقَدْرِهِ ، كَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَوَازَهُ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَشَيْخُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُفٍّ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْقَطْعِ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ رُخْصَةَ الْبَدَلِ لَمْ تَكُنْ شُرِعَتْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ يَصِيرُ كَنَعْلٍ ، فَإِبَاحَتُهُ أَصْلِيَّةٌ ، وَإِنَّمَا الْمُبَاحُ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ الْخُفُّ الْمُطْلَقُ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ عَدَمَ النَّعْلِ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ وُجُودِهِ إفْسَادٌ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ .
وَلُبْسُ اللَّالَكَةِ وَالْجُمْجُمِ وَنَحْوِهِمَا يَجُوزُ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ ، وَإِنْ وَجَدَ نَعْلًا لَا يُمْكِنُهُ لُبْسُهَا لَبِسَ الْخُفَّ وَلَا فِدْيَةَ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ : يَفْدِي .
وَتُبَاحُ النَّعْلُ كَيْفَ كَانَتْ ، لِإِطْلَاقِ إبَاحَتِهَا ، وَعَنْهُ : فِي عَقِبِ النَّعْلِ أَوْ قَيْدِهَا السَّيْرُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الزِّمَامِ الْفِدْيَةُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ ، قَالَ الْقَاضِي : مُرَادُهُ الْعَرِيضَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِيهَا ، وَرُبَّمَا

تَعَذَّرَ الْمَشْيُ بِدُونِهِ ، وَكَمَا لَا يَجِبُ قَطْعُ الْخُفِّ وَأَوْلَى ، وَالرَّانُّ كَخُفٍّ
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي فَصْلٍ ( الرَّابِعُ ) : وَلَا فِدْيَةَ ؛ لِأَنَّ { يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَلْعِهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَإِنْ شَقَّ إزَارَهُ وَشَدَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ فَكَسَرَاوِيلَ [ وَلَا يُزِرُّهُ ] وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ شَيْئًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا بِشَوْكَةٍ أَوْ إبْرَةٍ أَوْ خَيْطٍ ، وَلَا يَغْرِزُ أَطْرَافَهُ ، فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَفَدَى ؛ لِأَنَّهُ كَمَخِيطٍ ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِمُحْرِمٍ : وَلَا تَعْقِدْ عَلَيْك شَيْئًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ مُرْسَلًا : رَأَى رَجُلًا مُحْتَزِمًا بِحَبْلٍ فَقَالَ : انْزِعْ الْحَبْلَ ، مَرَّتَيْنِ .
وَرَوَى هُوَ وَمَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقَ وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِمَوْلَاهُ : يَا أَبَا مَعْبَدٍ زُرَّ عَلَيَّ طَيْلَسَانِي ، فَقَالَ لَهُ : كُنْتُ تَكْرَهُ هَذَا .
فَقَالَ : أُرِيدُ أَنْ أَفْتَدِيَ قَالَ أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَّمَ عِمَامَةً عَلَى وَسَطِهِ : لَا يَعْقِدُهَا وَيُدْخِلُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ .

وَلَهُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِقَمِيصٍ وَيَرْتَدِيَ بِهِ وَبِرِدَاءٍ مُوصِلٍ وَلَا يَعْقِدَهُ ، وَيَعْقِدَ إزَارَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُهُ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَسُتْرَةٍ تَفْتُقُهُ

وَيُبَاحُ الْهِمْيَانُ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجَازَهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مُتَقَدِّمُوهُمْ وَمُتَأَخِّرُوهُمْ ، فَمَتَى كَانَ فِيهِ نَفَقَتُهُ فَإِنْ ثَبَتَ بِغَيْرِ عَقْدٍ بِأَنْ أَدْخَلَ السُّيُورَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ لَمْ يَعْقِدْهُ ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ، وَإِلَّا جَازَ عَقْدُهُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ : كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي عَقْدِهِ لَا فِي عَقْدِ غَيْرِهِ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ نَحْوُهُ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَ الْهِمْيَانَ لِلْمُحْرِمِ ، يَعْنِي مَا لَا نَفَقَةَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهُ إذَنْ ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ .
وَفِي رَوْضَةِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا : لَا يَعْقِدُ سُيُورَهُ ، وَقِيلَ : لَا بَأْسَ ، احْتِيَاطًا عَلَى النَّفَقَةِ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْمِنْطَقَةِ نَفَقَةٌ فَكَهِمْيَانٍ ، وَإِنْ لَبِسَهَا لِوَجَعٍ أَوْ حَاجَةٍ افْتَدَى ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ : الْمِنْطَقَةُ كَهِمْيَانٍ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ حَامِدٍ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ ، وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا النَّفَقَةُ وَعَدَمُهَا ، وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَقِيلَ : لَهُ شَدُّ وَسَطِهِ بِحَبْلٍ وَعِمَامَةٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : وَرِدَاءٌ لِحَاجَةٍ

وَيَحْمِلُ قِرْبَةَ الْمَاءِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِي صَدْرِهِ .
نَقَلَهُ صَالِحٌ ، وَيَتَقَلَّدُ بِسَيْفٍ لِحَاجَةٍ ( و ) لِقَضِيَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلَا يَجُوزُ بِلَا حَاجَةٍ ، نَقَلَ صَالِحٌ : إذَا خَافَ مِنْ عَدُوٍّ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ .
لَا ، إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ قَالَ الشَّيْخُ : وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : لَا يَحْمِلُ الْمُحْرِمُ السِّلَاحَ فِي الْحَرَمِ ، قَالَ : وَالْقِيَاسُ إبَاحَتُهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى اللُّبْسِ ، وَلَوْ حَمَلَ قِرْبَةً فِي عُنُقِهِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَا فِدْيَةَ ، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْمُحْرِمِ يُلْقِي جِرَابَهُ فِي عُنُقِهِ كَهَيْئَةِ الْقِرْبَةِ فَقَالَ : أَرْجُو أَلَا بَأْسَ ، كَذَا قَالَ الشَّيْخُ ، وَظَاهِرُهُ يُبَاحُ عِنْدَهُ فِي الْحَرَمِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَقَلَّدَ بِسَيْفٍ بِلَا حَاجَةٍ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ ؛ لِأَنَّ حَمْلَ السِّلَاحِ بِهَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ ( و ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا يَتَقَلَّدُهُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفٍ ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا : { لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ } ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَحْمَدُ مِنْ تَقْلِيدِ السَّيْفِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّبْسِ عِنْدَهُ ، وَلِهَذَا نَقَلَ صَالِحٌ : يَحْمِلُ قِرْبَةَ الْمَاءِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِي صَدْرِهِ ، وَمِثْلُهَا جِرَابُهُ ، وَإِنْ جَازَ فِيهِمَا ؛ فَلِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى هِمْيَانِ النَّفَقَةِ وَيَفْدِي بِطَرْحِ قَبَاءٍ وَنَحْوِهِ عَلَى كَتِفِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ [ اخْتَارَهُ ] الْأَكْثَرُ ( و م ش ) لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ لُبْسِهِ لِلْمُحْرِمِ ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ ؛ وَلِأَنَّهُ مَخِيطٌ لُبْسُهُ [ عَادَةً ] كَالْقَمِيصِ وَعَنْهُ : إنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَدَى وَإِلَّا فَلَا ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالتَّرْغِيبُ ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، لِمَا سَبَقَ فِي الْخُفِّ لِعَدَمِ نَعْلٍ ، وَكَالْقَمِيصِ يَتَّشِحُ بِهِ وَرِدَاءٍ مُوصِلٍ .
وَفِي الْوَاضِحِ

: أَوْ أَدْخَلَ إحْدَى يَدَيْهِ

الْخَامِسُ : الطِّيبُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِ الطِّيبِ } { وَقَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ لَا تُحَنِّطُوهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَلِمُسْلِمٍ { لَا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ } فَإِنْ طَيَّبَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَسَّ مِنْهُ مَا يَعْلَقُ بِهِ كَمَاءِ وَرْدٍ وَمِسْكٍ مَسْحُوقٍ .
أَوْ لُبْسٍ أَوْ اسْتَعْمَلَ مَا صُبِغَ بِطِيبٍ أَوْ بُخِّرَ بِهِ أَوْ غُمِسَ فِي مَاءِ وَرْدٍ فَدَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ رَطْبًا يَلِي بَدَنَهُ أَوْ يَابِسًا يُنْفَضُ عَلَيْهِ فَدَى وَإِلَّا فَلَا ، أَوْ لَبِسَهُ مُبَخَّرًا بِعُودٍ أَوْ نِدٍّ فَلَا فِدْيَةَ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِالطِّيبِ انْتِفَاعٌ مَا بِأَنْ غَسَلَهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ
وَقَوْلُهُ فِي فَصْلٍ ( الْخَامِسُ ) : لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِ الطِّيبِ } ، انْتَهَى قَالَ : ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : الْمَعْرُوفُ أَنَّ يَعْلَى رَاوِي الْحَدِيثِ ، وَصَاحِبَ الْقِصَّةِ غَيْرُهُ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) ، لَيْسَ كَمَا قَالَ : بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَعْلَى رَاوِي الْقِصَّةِ .
قَالَهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَابْنُ الْمُلَقَّنِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ وَرَدَ مَعْنًى بِهِمَا وَهُوَ رَاوِي الْقِصَّةِ كَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي حَدِيثِ الرُّقْيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .
نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِاغْتِرَارِ بَعْضِهِمْ بِمَا قَالَ .

وَإِنْ قَصَدَ شَمَّ طِيبٍ كَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ وَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ وَمَاءٍ وَرْدٍ وَنَحْوِهَا بِأَنْ قَصَدَ الْعَطَّارَ أَوْ الْكَعْبَةَ حَالَ تَجْمِيرِهَا حَرُمَ وَفَدَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ .
وَفِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ يُبَاحُ ( و ش ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي حَمْلِ مَا فِيهِ مِسْكٌ لِيَشُمَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ، وَالْفَرْقُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزَ

وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا يَفُوحُ رِيحُهُ بِرَشِّ مَاءٍ فَدَى ، كَظُهُورِهِ بِنَفْسِهِ ، وَكَذَا إنْ افْتَرَشَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَحْتَ حَائِلٍ غَيْرَ ثِيَابِ بَدَنِهِ لَا يَمْنَعُ رِيحَهُ وَمُبَاشَرَتَهُ ، وَإِنْ مَنَعَ فَلَا ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كُرِهَ وَلَا فِدْيَةَ .
وَإِنْ طُيِّبَ بِإِذْنِهِ فَدَى ، وَكَذَا إنْ اكْتَحَلَ بِهِ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ احْتَقَنَ لِاسْتِعْمَالِهِ كَشَمِّهِ .

وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا فِيهِ طِيبٌ يَظْهَرُ رِيحُهُ فَدَى ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَلَوْ طُبِخَ أَوْ مَسَّتْهُ النَّارُ ( هـ م ) لِبَقَاءِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ ، وَإِنْ ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ وَبَقِيَ طَعْمُهُ فَدَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا وَقِيلَ : لَا ، كَبَقَاءِ لَوْنِهِ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ ( هـ م )

وَلِمُشْتَرِيهِ حَمْلُهُ وَتَقْلِيبُهُ إنْ لَمْ يَمَسَّهُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ ، وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّطَيُّبَ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، وَيَتَوَجَّهُ ، وَلَوْ عَلِقَ بِيَدِهِ ، لِعَدَمِ الْقَصْدِ ، وَلِحَاجَةِ التِّجَارَةِ ، وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ : إنْ حَمَلَهُ مَعَ ظُهُورِ رِيحِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِلَّا جَازَ .
وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يُصْلَحُ لِلْعَطَّارِ بِحَمْلِهِ لِلتِّجَارَةِ إلَّا مَا لَا رِيحَ لَهُ

وَلَهُ شَمُّ الْعُودِ ( و ) لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّبْخِيرُ ، وَالْفَوَاكِهِ كُلِّهَا كَأُتْرُجٍّ وَتُفَّاحٍ ( و ) وَنَبَاتِ الصَّحْرَاءِ ( و ) كَشِيحٍ ، وَمَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لَا لِقَصْدِ الطِّيبِ كَحِنَّاءٍ وَعُصْفُرٍ ( و ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ ، وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ ، وَلَا يُسَمَّى مُتَطَيِّبًا عَادَةً ، وَكَذَا قُرُنْفُلٌ وَدَارُ صِينِيِّ وَنَحْوُهُمَا .

وَلَهُ شَمُّ مَا لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ وَنَمَّامٍ وَبَرَمٍ وَنَرْجِس وَمَرْزَجُوشٍ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ ، لِمَا سَبَقَ .
وَقَالَهُ عُثْمَانُ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَحْرُمُ فِي رِوَايَةٍ وَيَفْدِي ، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، لِقَوْلِ جَابِرٍ : لَا يَشُمُّهُ .
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَكَالْوَرْدِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ : لَا فِدْيَةَ ، وَأَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ : لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْمُحْرِمِ ، لِلْكَرَاهَةِ ( و هـ م ) وَذَكَرَ أَيْضًا رِوَايَةً : يَحْرُمُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ ( م 13 ) وَكَذَا مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَوَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ وَلَيْنُوفَرٍ وَيَاسَمِينٍ وَهُوَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الزَّنْبَقُ وَمَنْثُورٍ ، فِي رِوَايَةٍ .
وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ وَيَفْدِي ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا ، وَهِيَ أَظْهَرُ ، كَمَاءِ وَرْدٍ ( م 14 ) ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ لِلطِّيبِ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ ، كَزَعْفَرَانٍ ، وَمَاءِ رَيْحَانٍ وَنَحْوِهِ كَهُوَ .
وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ كَمَا وَرَدَ ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ

( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَلَهُ شَمُّ مَا لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ ، كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ وَنَمَّامٍ وَبَرَمٍ وَنَرْجِسِ وَمَرْزَحُوشٍ ، فِي رِوَايَةٍ ، اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ وَيُحْرِمُ فِي رِوَايَةٍ وَيَفْدِي وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ : لَا فِدْيَةَ ، وَأَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ : لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْمُحْرِمِ ، لِلْكَرَاهَةِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا رِوَايَةً : يَحْرُمُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبِدَايَةِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ شَمُّهُ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : هَذَا اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَحْرُمُ شَمُّهُ ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ .
صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ .
وَصَحَّحَ فِي التَّصْحِيحِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي شَمِّ الرِّيحَانِ ، وَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فِي شَمِّ النِّرْجِسَ وَالْبُرَمَ ( قُلْتُ ) : وَالْقَوْلُ بِالتَّفْرِقَةِ غَرِيبٌ ، أَعْنِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الرَّيْحَانِ وَغَيْرِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) : فِي إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ مَعَ قَوْلِهِ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُولَى : اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ " نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ التَّرْجِيحُ حَتَّى يُطْلِقَ الْخِلَافَ ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ " اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ " فَسَبَقَ الْقَلَمُ ، أَوْ سَقَطَ مِنْ النَّاسِخِ مَسْأَلَةٌ 14 ) : قَوْلُهُ وَكَذَا مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَوَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ وَنَيْلُوفَرَ وَيَاسَمِينٍ وَهُوَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الزِّئْبَقُ وَمَنْثُورٌ فِي رِوَايَةٍ .

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَحْرُمُ وَيَفْدِي ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا ، وَهِيَ أَظْهَرُ ، كَمَاءِ وَرْدٍ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
إحْدَاهُمَا لَيْسَ لَهُ شَمُّهُ ، فَإِنْ فَعَلَ فَدَى ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمَا .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَهُ شَمُّهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( مَسْأَلَةٌ 15 ) : قَوْلُهُ : وَمَاءُ رَيْحَانٍ وَنَحْوِهِ كَهُوَ ، وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ كَمَاءِ وَرْدٍ ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ ، الْمُصَنِّفُ فِي مَاءِ الرَّيْحَانِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثَ طُرُقٍ ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ كَأَصْلِهِ ، وَالْأَصْلُ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ ، فَكَذَا يَكُونُ فِي مَائِهِ ، وَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِهِ ، فَكَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي مَائِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهَانِ ) : الْأَوَّلُ : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ ، وَتَابَعَ عَلَى ذَلِكَ أَبَا الْخَطَّابِ وَصَاحِبَ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَحَكَى الشَّيْخُ فِي الْكَافِي : فِي الرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ الرِّوَايَتَيْنِ .
ثُمَّ قَالَ : فِي سَائِرِ النَّبَاتِ الطَّيِّبِ الرَّائِحَةُ الَّذِي لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ وَجْهَانِ قِيَاسًا عَلَى الرَّيْحَانِ ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّ جَمِيعَ الْقِسْمَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ فِي الْجَمِيعِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .

فَتُلَخَّصُ لِلْأَصْحَابِ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ ثَلَاثُ طُرُقٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( م 15 ) وَلَهُ الِادِّهَانُ بِدُهْنٍ لَا طِيبَ فِيهِ .
كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ فَرْقَدٍ السِّنْجِيِّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ وَيَفْدِي ، ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ ( و هـ ) كَالْمُطَيَّبِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا أَصْلُ الْأَدْهَانِ وَلَمْ يُكْتَسَبُ الدُّهْنُ إلَّا لِلرَّائِحَةِ وَلَا أَثَرَ لَهَا مُنْفَرِدَةً وَمَنَعَ الْقَاضِي ذَلِكَ ، وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَنْعَ لِلْكَرَاهَةِ وَلَا فِدْيَةَ ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى زَيْتٍ وَشَيْرَجٍ ، وَقَاسَا الْجَوَازَ عَلَى سَمْنٍ ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ السَّمْنَ كَزَيْتٍ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ الشَّحْمَ وَالْأَدْهَانُ مِثْلُهُ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صُدِّعَ فَقَالُوا : أَلَا نَدْهُنُك بِالسَّمْنِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالُوا : أَلَيْسَ تَأْكُلُهُ ؟ قَالَ : لَيْسَ أَكْلُهُ كَأَدْهَانٍ بِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ : إنْ تَدَاوَى بِهِ فَدَى ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَالرِّوَايَتَانِ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْبَدَنِ شَيْئًا .
وَخَصَّ الشَّيْخُ الْخِلَافَ بِالرَّأْسِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّعْرِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ ، وَالْوَجْهُ كَالشَّافِعِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا [ هُمَا ] فِي دَهْنِ شَعْرِهِ ، وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةُ لَا فِدْيَةَ بِادِّهَانِهِ بِدُهْنٍ فِيهِ طِيبٌ ، لِعَدَمِ قَصْدِهِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : يَحْرُمُ شَمُّ دُهْنٍ مُطَيَّبٍ وَأَكْلُهُ مَعَ ظُهُورِ رِيحِهِ أَوْ طَعْمِهِ ، وَفِي غَيْرِ مُطَيَّبٍ رِوَايَتَانِ كَذَا قَالَ .
وَيُقَدَّمُ غَسْلُ طِيبٍ عَلَى نَجَاسَةٍ يَتَيَمَّمُ لَهَا ، وَفْدِيَّةُ تَغْطِيَةٍ وَلِبَاسٍ وَطِيبٍ كَحَلْقٍ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فَعَلَهُ وَقْتَ حَاجَتِهِ فَقَطْ وَفَدَى ، كَحَلْقٍ لِعُذْرٍ ، وَمَنْ بِهِ

شَيْءٌ لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَبِسَ وَفَدَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَحْرُمُ دَلَالَةً عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى الصَّيْدِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالْإِثْمُ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ فِي الِادِّهَانِ بِدُهْنٍ لَا طِيبَ فِيهِ : قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : الرِّوَايَتَانِ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَخَصَّ الشَّيْخُ الْخِلَافَ بِالرَّأْسِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّعْرِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : وَالْوَجْهُ " انْتَهَى .
طَرِيقَةُ الْقَاضِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ ، كَالشَّيْخِ فِي الْكَافِي وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَطَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَابَعَهُ عَلَيْهَا الشَّارِحُ وَابْنُ مُنَجَّى وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ

( السَّادِسُ ) النِّكَاحُ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ مُحْرِمَةً أَوْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يَصِحَّ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و م ش ) تَعَمَّدَ أَوْ لَا .
لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا { لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ } وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي دَاوُد أَنَّ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ : إنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَأَرَدْت أَنْ تَحْضُرَ .
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطِبُ " وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ " رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلِأَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ : { أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ : لَا تَتَزَوَّجْهَا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ } .
وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ مَعْنَاهُ ، رَوَاهُمَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ ، فَمَنَعَ عَقْدُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ ، فَمَنَعَهُ الْإِحْرَامُ ، كَالطِّيبِ ، أَوْ عَقْدٌ لَا يَتَعَقَّبُهُ اسْتِمْتَاعٌ ، كَالْمُعْتَدَّةِ .
وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِلْبُخَارِيِّ : { وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ } .
وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ : { وَهُمَا مُحْرِمَانِ } .
وَالْجَوَابُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ { عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ ، رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ مُرْسَلًا ، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ { عَنْ مَيْمُونَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ } قَالَ : وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلِأَبِي دَاوُد : { تَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ } ، وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَا : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَطَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَلِمَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ مُرْسَلًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ } ، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهِلَ .
وَقَالَ أَيْضًا : أَوْهَمَ ، رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ ، أَيْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا بِمَعْنَى غَلِطَ وَسَهَا ، يُقَالُ وَهِلَ فِي الشَّيْءِ وَعَنْ الشَّيْءِ يَوْهَلُ وَهَلًا بِالتَّحْرِيكِ .
وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَهَذَا يَدُلُّ [ عَلَى ] أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ خَطَأٌ ، وَكَذَا نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَطَأٌ ، ثُمَّ قِصَّةُ مَيْمُونَةَ مُخْتَلِفَةٌ ، كَمَا سَبَقَ ، فَيَتَعَارَضُ ذَلِكَ ، وَمَا سَبَقَ لَا مُعَارِضَ لَهُ ، ثُمَّ رِوَايَةُ الْحِلِّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ، وَفِيهَا صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَالسَّفِيرُ فِيهَا ، وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا ، وَيُوَافِقُهَا مَا سَبَقَ ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ ، مَعَ صِغَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَنْ ، وَيُمْكِنُ

الْجَمْعُ بِأَنْ ظَهَرَ تَزْوِيجُهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ ، أَوْ فِعْلُهُ خَاصٌّ بِهِ ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ .
قَالَ أَحْمَدُ فِيمَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ : وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ لَا يُنْكِرُونَهُ .
وَعَقْدُ النِّكَاحِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ غَالِبًا ، وَيَحْرُمُ بِالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْأَمَةِ ، فَافْتَرَقَا ، وَيُعْتَبَرُ حَالَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ ، فَإِنْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِيهِ فَعَقَدَهُ بَعْدَ حِلِّهِ ، صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ، فَإِنْ وَكَّلَ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ ، فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا حَلَّ فَلِوَكِيلِهِ عَقْدُهُ لَهُ .
فِي الْأَقْيَسِ وَإِنْ قَالَ : عُقِدَ قَبْلَ إحْرَامِي ، قُبِلَ قَوْلُهُ ، وَكَذَا إنْ عَكَسَ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ فَيَمْلِكُ إقْرَارَهُ بِهِ ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِهِمَا وُقُوعُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَعَاطِي الصَّحِيحَ ، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي تَزْوِيجِ مُعْتَدَّةٍ فَفَرَغَتْ فَعَقَدَهُ [ لَهُ ] فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَصِحَّ ، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُ وَقَدْ حَلَلْتُ قَالَتْ : بَلْ مُحْرِمَةٌ ، صُدِّقَ ، وَتُصَدَّقُ هِيَ فِي نَظِيرِهَا فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ : إنْ زَوَّجَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِبَاحَةِ مَحْظُورٍ لِحَلَالٍ ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْإِحْرَامُ ، كَحَلْقِهِ رَأْسَ حَلَالٍ ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ يَأْتِي [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] آخِرَ الصَّدَاقِ

وَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَفِي التَّعْلِيقِ : لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَ ، وَيُزَوِّجُ خُلَفَاؤُهُ ، ثُمَّ سَلَّمَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِوِلَايَةِ الْحُكْمِ مَا لَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الْكَافِرُ وَلَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ : الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ ، لِلْحَرَجِ ؛ لِأَنَّ الْحُكَّامَ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِذْنِهِ وَوِلَايَتِهِ .
وَاخْتَارَ هُوَ الْجَوَازَ ، لِحِلِّهِ حَالَ وِلَايَتِهِ ، وَالِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَبْطُلُ بِفِسْقٍ طَرَأَ ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ أَحْرَمَ نَائِبُهُ كَهُوَ ( م 16 )
مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَفِي التَّعْلِيقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَ ، وَيُزَوِّجُ خُلَفَاؤُهُ ، ثُمَّ سَلَّمَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ : الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ ، لِلْحَرَجِ ؛ لِأَنَّ الْحُكَّامَ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِذْنِهِ وَوِلَايَتِهِ ، وَاخْتَارَ هُوَ الْجَوَازَ لِحِلِّهِ حَالَ وِلَايَتِهِ ، وَالِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إنْ أَحْرَمَ نَائِبُهُ كَهُوَ ، انْتَهَى .
اقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَلَى حِكَايَةِ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ : وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ : لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَنَائِبِهِ أَنْ يُزَوِّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الصِّحَّةِ مِنْهُمَا ، كَغَيْرِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي إبَاحَةِ الرَّجْعَةِ فِيهِ وَصِحَّتِهَا رِوَايَتَانِ : الْمَنْعُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ كَالنِّكَاحِ وَالْإِبَاحَةُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ ( م 17 ) ( و م ش ) لِأَنَّهَا إمْسَاكٌ ؛ وَلِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ ، فَلَا إحْلَالَ ، وَلَوْ حَرُمَتْ فَلَا مَانِعَ ، كَالتَّكْفِيرِ لِلْمُظَاهِرِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهَا أَبَاحَتْ الْوَطْءَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْعِدَّةِ ، وَالتَّكْفِيرُ لَيْسَ بِعَقْدٍ ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِالْكَفَّارَةِ حِلَّ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ أَوْ مَاتَتْ كَفَّرَ وَالْكَفَّارَةُ تَجُوزُ فِي حَالَةٍ لَا يَجُوزُ فِيهَا عَقْدُ النِّكَاحِ ، كَتَكْفِيرِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ أَوْ زَوْجَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ .

( مَسْأَلَةٌ 17 ) : قَوْلُهُ : وَفِي إبَاحَةِ الرَّجْعَةِ [ فِيهِ ] وَصِحَّتِهَا رِوَايَتَانِ : الْمَنْعُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ كَالنِّكَاحِ وَالْإِبَاحَةُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ ، ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَأَطْلَقَهُمَا هُنَا فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يُبَاحُ وَيَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعَبِ هُنَا وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ الْكُبْرَى وَالتَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ : عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) الْمَنْعُ وَعَدَمُ الصِّحَّةِ ، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَصِحُّ ، عَلَى الْمَشْهُورِ ، قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : وَهِيَ أَصَحُّ ، وَنَصَرَهَا فِي الْمُبْهِجِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهِيَ أَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ أَوْ مَاتَتْ كَفَّرَ " قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَلَعَلَّهُ لَوْ عَزَمَ أَوْ وَطِئَ ثُمَّ مَاتَتْ كَفَّرَ

وَتُكْرَهُ خِطْبَةُ الْمُحْرِمِ كَخُطْبَةِ الْعَقْدِ وَشُهُودِهِ ، وَحَرَّمَهَا ابْنُ عَقِيلٍ لِتَحْرِيمِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَطْلَقَ أَبُو الْفَرَجِ تَحْرِيمَ الْخِطْبَةِ ، وَتُكْرَهُ شَهَادَتُهُ فِيهِ ، وَحَرَّمَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ : لَا يَخْطِبُ ، قَالَ : وَمَعْنَاهُ : لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ ، ثُمَّ سَلَّمَهُ ، كَالْمُصَلِّي يَشْهَدُ النِّكَاحَ وَالْمُحْرِمِ يَشْهَدُ شِرَاءَ الصَّيْدِ وَلَا يَعْقِدَانِ ، وَلَا فِعْلَ لِلشَّاهِدِ فِي الْعَقْدِ ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْخَبَرِ : " وَلَا يَشْهَدُ " فَلَا تَصِحُّ .
وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : يُكْرَهُ ، لِمُحِلٍّ خِطْبَةِ مُحْرِمَةٍ ، وَإِنَّ فِي كَرَاهَةِ شَهَادَتِهِ [ فِيهِ ] وَجْهَيْنِ : ، كَذَا قَالَ ، وَلَا فِدْيَةَ بِمَا سَبَقَ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ ، وَيَصِحُّ شِرَاءُ أَمَةٍ لِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ ، لِمَا سَبَقَ ، قَالَ الشَّيْخُ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا

السَّابِعُ : الْوَطْءُ فِي قُبُلٍ يَفْسُدُ بِهِ النُّسُكُ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا .
فِي الْمُوَطَّإِ : بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالُوا : يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ .
قَالَ : وَقَالَ عَلِيٌّ : وَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا وَفِيهِ أَيْضًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ ، فَأَمَرَهُ بِنَحْرِ بَدَنَةٍ .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : لَا أَظُنُّهُ إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي وَرَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ ، قَالَ : يَنْحَرُ جَزُورًا بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَةٍ ، فَأَشَارَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ : اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ وَاسْأَلْهُ ، قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ ، فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ : بَطَلَ حَجُّك .
قَالَ الرَّجُلُ : أَفَأَقْعُدُ ؟ قَالَ : لَا .
بَلْ تَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلَ حُجَّ وَأَهْدِ .
فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ .
قَالَ شُعَيْبٌ : فَذَهَبْتُ مَعَهُ ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ ، فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَا وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَزَادَ : وَحُلَّ إذَا حَلُّوا ، فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ فَاحْجُجْ أَنْتَ وَامْرَأَتُك وَأَهْدَيَا هَدْيًا ، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ

وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتُمَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ : وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ حَدِيثُهُ حَسَنٌ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ : رَأَيْتُ عَلِيًّا وَأَحْمَدَ وَالْحُمَيْدِيَّ وَإِسْحَاقَ يَحْتَجُّونَ بِهِ ، قِيلَ لَهُ : فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَاذَا يَقُولُ ؟ قَالَ : يَقُولُونَ أَكْثَرَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَنَحْوَ هَذَا ، وَسَبَقَ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ .
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ ثُمَّ يَحْجُجَانِ مِنْ قَابِلٍ وَيُحْرِمَانِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا وَيَتَفَرَّقَانِ وَيُهْدِيَانِ جَزُورًا وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ : عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يَقْضِيَا نُسُكَهُمَا وَعَلَيْهِمَا الْهَدْيُ ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ { أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا أَتِمَّا حَجَّكُمَا ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى قَابِلَ حَتَّى إذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتهَا فِيهِ فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا وَلَا يُؤَاكِلْ وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا وَأَهْدَيَا } رِوَايَةُ الْعَبَادِلَةِ كَابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ عَبْدِ الْغَنِيّ بْنِ سَعِيدٍ .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : يَعْتَبِرُ بِذَلِكَ ، وَبَعْضُهُمْ يُضَعِّفُهَا ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ وَسُئِلَ عَنْ الْمُحْرِمِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ ؟ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَقَالَ : يَمْضِيَانِ بِحَجِّهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجًّا وَأَهْدَيَا ، وَتَفَرَّقَا مِنْ حَيْثُ أَصَابَهَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا .
وَرَوَى مَعْنَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَيَفْسُدُ

النُّسُكُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بَعْدَ الْوُقُوفِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و م ش ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَفْسُدُ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ .
لَنَا أَنَّ مَا سَبَقَ مُطْلَقٌ ؛ وَلِأَنَّهُ [ إنَّمَا ] صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا ، كَقَبْلِ الْوُقُوفِ ، { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمَّنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ تَمَّ حَجُّهُ } يَعْنِي قَارَبَهُ ، لِبَقَاءِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ .
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْنِ الْفَوَاتِ أَمْنُ الْفَسَادِ ، بِدَلِيلِ الْعُمْرَةِ ، وَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ ، وَنِيَّةِ الصَّوْمِ قَبْلَ الزَّوَالِ .
وَوَطْءُ امْرَأَةٍ فِي الدُّبُرِ وَاللِّوَاطُ وَبَهِيمَةٍ كَالْقُبُلِ ( و م ش ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْغُسْلِ كَالْقُبُلِ ، وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ : لَا يَفْسُدُ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ مِنْ عَدَمِ الْحَدِّ ، وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا لَا يَفْسُدُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ ، وَلَنَا خِلَافٌ فِي الْحَدِّ بِذَلِكَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ ، وَعَنْهُ كَقَوْلِنَا ، وَالنَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَنَحْوُهُ كَغَيْرِهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ م ) لِمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ ، كَالْفَوَاتِ [ وَفِيهِ نَظَرٌ ] ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ رُكْنٍ فَأَفْسَدَ ، وَالْوَطْءُ فِعْلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَقَاسُوا عَلَى الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ حَالَاتِ الْإِحْرَامِ مُدْرَكَةٌ ، كَحَالَاتِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِتَرْكِ شَرْطِهَا .
وَفِي الْفُصُولِ رِوَايَةٌ : لَا يَفْسُدُ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَجَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَتَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ ، وَكَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ ( و م ش ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : قَبْلَ الْوُقُوفِ شَاةٌ ، وَبَعْدَهُ بَدَنَةٌ ، وَالْقَارِنُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) لِإِطْلَاقِ مَا سَبَقَ ، وَكَالْمُفْرِدِ وَكَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ ؛ وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ ، فَتَدَاخَلَتْ الْكَفَّارَةُ ، كَحُرْمَةِ

الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ .
وَعَنْهُ : وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنْ وَطِئَ قَبْلَ فَوَاتِ الْعُمْرَةِ فَسَدَتْ ، وَعَلَيْهِ شَاةٌ لَهَا وَشَاةٌ لِلْحَجِّ ، وَبَعْدَ طَوَافِهَا لَا تَفْسُدُ ، بَلْ حَجَّةٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ .
قَالَ الْقَاضِي : وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ هَذَا عَلَى رِوَايَتِنَا : عَلَيْهِ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ ، كَذَا قَالَ .
وَالْمَرْأَةُ الْمُطَاوِعَةُ كَالرَّجُلِ ، لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مِنْهُمَا ، بِدَلِيلِ الْحَدِّ ؛ وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ ، كَمَا لَوْ قَتَلَا رَجُلًا أَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا وَحَلَفَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فَوَطِئَهَا ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ م ) وَدَاوُد ، وَكَنَفَقَةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُطَاوِعَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الصَّوْمِ ، وَعَنْهُ : يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ ( و ش ) لِأَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الصَّحَابَةِ ، وَعَنْهُ : لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا وَطْءَ مِنْهَا ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، كَالصَّوْمِ ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، كَالصَّوْمِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ .
وَعَنْهُ : بَلَى ( و هـ ) كَمُطَاوِعَةٍ ، وَعَنْهُ : يَفْدِي عَنْهَا الْوَاطِئُ ، لِأَنَّ الْإِفْسَادَ مِنْهُ ( و م ) كَإِفْسَادِ حَجِّهِ ، وَكَنَفَقَةِ الْقَضَاءِ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ : عَلَى الزَّوْجِ حَمْلُهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى أَنْ يَدَعَهَا .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ تُكَفِّرُ وَتَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهَا إلَى ذَلِكَ ، كَمَا قُلْنَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ ، وَكَمَا قُلْنَا فِي مُحْرِمٍ حُلِقَ رَأْسَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا : إنَّ الْفِدْيَةَ عَلَى الْحَالِقِ ، كَذَا قَالَ ، وَقَدْ عُرِفَ الْكَلَامُ فِيهِ ، فَتَتَوَجَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هُنَا .
وَفِي الرَّوْضَةِ : الْمُكْرَهَةُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا وَلَا

تَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهَا وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ ، كَذَا قَالَ .
وَيَلْزَمُهُمَا الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ ، وَحُكْمُهُ كَإِحْرَامٍ صَحِيحٍ .
نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ ، وَنُصِبَ الْخِلَافُ مَعَ دَاوُد ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَنْ الْحَسَنِ وَمَالِكٍ : يَجْعَلُ الْحَجَّةَ عُمْرَةً ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ ، وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ مَالِكٌ .
لَنَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَمَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } الْحَجُّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ، فَهُوَ مَرْدُودٌ ، وَيَلْزَمُهُمَا قَضَاؤُهُ إنْ كَانَ فَرْضًا ، وَتُجْزِئُهُ الْحَجَّةُ مِنْ قَابِلٍ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُجْزِئُ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْهُ الْأَوَّلُ لَوْ لَمْ يُفْسِدْهُ ، لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ : أَيَّتُهُمَا حَجَّةُ الْفَرِيضَةِ ؟ الَّتِي أَفْسَدَ أَوْ الَّتِي قَضَى ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي .
وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّفْلِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ ، لِإِطْلَاقِ مَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ ، وَلِوُجُوبِهِ بِدُخُولِهِ فِي الْإِحْرَامِ ، كَمَنْذُورٍ ، كَذَا قَالُوا ، وَالْمُرَادُ وُجُوبُ إتْمَامِهِ لَا وُجُوبُهُ فِي نَفْسِهِ ، لِقَوْلِهِمْ : إنَّهُ تَطَوُّعٌ [ كَغَيْرِهِ ] فَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ نَفْلٍ ، وَسَبَقَ عِنْدَ مَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعِ صَوْمٍ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ لَا يَقْضِيهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ ، لِتَعْيِينِهِ بِالدُّخُولِ فِيهِ ، وَيَلْزَمُ الْإِحْرَامُ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ : الْمِيقَاتُ أَوْ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِمَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ ، بِدَلِيلِ الْمَسَافَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى مَكَّةَ ، وَكَالصَّلَاةِ ؛ وَلِأَنَّ دُخُولَهُ فِي النُّسُكِ سَبَبٌ لِوُجُوبِهِ ، فَتَعَلَّقَ بِمَوْضِعِ الْإِيجَابِ ، كَالنَّذْرِ ،

قَالَ الْقَاضِي : فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ حَجَّةً مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَزِمَهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إذَا نَزَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَلَمْ يَنْوِ مِنْ أَيْنَ يَمْشِي يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ حَلَفَ ، قَالَ : وَلَمْ يُسَلِّمْ بَعْضُهُمْ هَذَا اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ ، كَذَا قَالَ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَسَبَقَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، فَلَا يَلْزَمُهُ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : هُمَا مِنْ الْمِيقَاتِ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يُجْزِئُهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا ، الْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ .
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَغْدَادَ فَحُبِسَ فِي السِّجْنِ ثُمَّ خُلِّيَ عَنْهُ أَيُحْرِمُ مِنْ بَغْدَادَ ؟ قَالَ : يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَحَبُّ إلَيَّ ، قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ بِإِفْسَادٍ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ نَقْلُ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ إلَى الْأُخْرَى ، لِلْقِيَاسِ السَّابِقِ وَإِطْلَاقِ الصَّحَابَةِ ، وَظَاهِرُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ ، لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ ، وَلِكَرَاهَةِ تَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ ، وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِتَقْدِيمِ إحْرَامِهِ ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ .
وَأَجَابَ الْقَاضِي بِتَأْكِيدِ الْمَكَانِ ، لِوُجُوبِ الدَّمِ بِمُجَاوَزَتِهِ ، كَذَا قَالَ .
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ ، وَسَبَقَ عِنْدَ سُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ بِفَسَادِ النُّسُكِ أَوْ فَوَاتِهِ .
وَيُسْتَحَبُّ تَفَرُّقُهُمَا فِي الْقَضَاءِ ( و م ش ) قَالَ أَحْمَدُ : يَتَفَرَّقَانِ فِي النُّزُولِ وَالْمَحْمَلِ وَالْفُسْطَاطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَذْكُرُ إذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ فَتَاقَتْ نَفْسُهُ فَوَاقَعَ الْمَحْذُورَ فَفِي الْقَضَاءِ دَاعٍ بِخِلَافِ الْأَدَاءِ ، وَلَمْ يَتَفَرَّقَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْسَدَاهُ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَبْلَغُ فِي مَنْعِ الدَّاعِي ، لِمَنْعِهِ مُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ ،

بِخِلَافِ الصَّوْمِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَتَفَرَّقَانِ لِتَذَكُّرِ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ يَسِيرَةٍ فَيَنْدَمَانِ وَيَتَحَرَّزَانِ وَلَنَا وَجْهٌ : يَجِبُ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، لِإِطْلَاقِ مَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ .
وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ مَوْضِعِ الْوَطْءِ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( و ش ) لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَعْنَى ، وَعَنْهُ : مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ ( و م ) وَزُفَرُ إلَى حِلِّهِمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ خَوْفُ الْمَحْظُورِ ، فَجَمِيعُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ ، وَالْفَرْقُ تَذَكُّرُهُ بِالْمَوْضِعِ وَسَبَقَ مَعْنَى التَّفَرُّقِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَحْرَمُهَا كَظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يَكُونُ بِقُرْبِهَا يُرَاعِي حَالَهَا ؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمُهَا وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ غَيْرُ الزَّوْجِ .
وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ ، فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ حَصَلَ بِهَا مُجَاوِرًا أَحْرَمَ لِلْقَضَاءِ مِنْ الْحِلِّ ، لِأَنَّهُ مِيقَاتُهَا ، سَوَاءً كَانَ أَحْرَمَ بِهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ .
وَإِنْ أَفْسَدَ الْمُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ وَمَضَى فِيهَا فَأَتَمَّهَا فَقَالَ أَحْمَدُ : يَخْرُجُ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ وَفَدَى ، لِتَرْكِهِ .
فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ الَّتِي أَفْسَدَهَا وَفَدَى بِمَكَّةَ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ عُمْرَتِهِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَالْمَيْمُونِيُّ : فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ مَا أَفْسَدَ ، قَالَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ تَفْرِيعًا عَلَى رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ : إنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ لِلْقَضَاءِ ، فَهَلْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ ؟ : إنْ أَنْشَأَ سَفَرَ قَصْرٍ فَمُتَمَتِّعٌ وَإِلَّا فَلَا ، عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ إذَا أَنْشَأَ سَفَرَ قَصْرٍ فَمُتَمَتِّعٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ رِوَايَةً أُخْرَى تَقْتَضِي إنْ بَلَغَ الْمِيقَاتَ فَمُتَمَتِّعٌ [ فَقَالَ :

لَا تَكُونُ مُتْعَةً حَتَّى يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَمُتَمَتِّعٌ ] وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا مِنْ الْمِيقَاتِ فَمُتَمَتِّعٌ ، ثُمَّ احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْمِيقَاتِ أَنَّهُ لَمَّا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ حَصَلَ السَّفَرُ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ، فَلَمَّا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ السَّفَرُ حُكْمٌ وَهُوَ بُطْلَانُ التَّمَتُّعِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَلَدِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يُفْسِدْهَا لَمَّا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ السَّفَرِ حُكْمٌ وَهُوَ صِحَّةُ التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى فِيهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَذَا هُنَا كَذَا قَالَ : وَقَضَاءُ الْعَبْدِ كَنَذْرِهِ ، قِيلَ : يَصِحُّ فِي رِقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِيهِ بِإِيجَابِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ ، بِخِلَافِ حَائِضٍ ، وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَجَبَتْ شَرْعًا ، فَوَقَفَتْ عَلَى شَرْطِ الشَّرْعِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ( م 18 ) وَإِنْ كَانَ مَا أَفْسَدَهُ مَأْذُونًا فِيهِ قَضَى مَتَى قَدَرَ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ ، وَإِلَّا مَلَكَ مَنْعَهُ ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِوُجُوبِهِ .
وَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَنَوَاهُ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، عَلَى الْمَذْهَبِ .
وَكَذَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْقَضَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ ، كَبَالِغٍ ، وَقِيلَ : لَا ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ ، وَيَقْضِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : قَبْلَهُ ، وَتَكْفِيهِمَا الْمَقْضِيَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَالْقَضَاءُ إنْ كَفَتْ لَوْ صَحَّتْ كَالْأَدَاءِ ، وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ : كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ

يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَقُلْنَا يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا فَأَفْطَرَهُ قَضَى يَوْمَيْنِ .
وَمَنْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ قَضَى الْوَاجِبَ لَا الْقَضَاءَ ( و ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزْدَادُ ، كَإِفْسَادِ قَضَاءِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ .
وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ ( و ) لِقَوْلِهِ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } وَإِنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا تَمَّ حَجُّهُ .
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، خِلَافًا لِلنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادٍ .
وَيَتَوَجَّهُ لَنَا مِثْلُهُ إنْ بَقِيَ إحْرَامُهُ وَفَسَدَ بِوَطْئِهِ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ فَسَدَ حَجُّهُ : وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ .
مَسْأَلَةٌ 18 ) [ قَوْلُهُ ] : وَقَضَاءِ الْعَبْدُ كَنَذْرِهِ ، قِيلَ : يَصِحُّ فِي رِقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِيهِ بِإِيجَابِهِ .
وَهُوَ مِنْ أَهْلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ : لَا ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ انْتَهَى .
الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ قَضَاءِ الْعَبْدِ فِي حَالِ رِقِّهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : هَذَا أَشْهَرُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ : وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي رِقِّهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، لِلُزُومِهِ لَهُ ، كَالنَّذْرِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ وَطِئَ فِي نُسُكٍ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ صَغِيرٌ فَسَدَ حَيْثُ يَفْسُدُ بِهِ نُسُكُ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ وَيُتِمَّانِهِ إذْن ثُمَّ يَقْضِيَانِهِ إذَا زَالَ الصِّغَرُ وَالرِّقُّ ، فَإِنْ زَالَا فِي فَاسِدِهِ بِحَيْثُ لَوْ صَحَّ كَفَاهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَفَاهُمَا قَضَاؤُهُ عَنْهُمَا .
وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى .
تَنْبِيهٌ ) : إتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ قَوِيٌّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَشْهَرُ ، وَلَكِنْ صَحَّحَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ فَتَنَاقَضَ قَوْلُهُ .

وَهَلْ هُوَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ ، لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ ، فَقِيلَ لَهُ : فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ عُمْرَةٍ عَلَى حَجٍّ ؟ فَقَالَ : إنَّمَا لَا يَصِحُّ عَلَى إحْرَامٍ كَامِلٍ ، وَهَذَا قَدْ تَحَلَّلَ مِنْهُ .
وَقَالَ أَيْضًا : إطْلَاقُ الْمُحْرِمِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكُلُّ .
وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ : يَبْطُلُ إحْرَامُهُ عَلَى احْتِمَالٍ ، وَقَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ : هُوَ مُحْرِمٌ ، لِوُجُوبِ الدَّمِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَا يُبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ : يَمْنَعُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ وَإِنَّمَا بَقِيَ بَعْضُ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْمَيْمُونِيُّ وَابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْيِ : يُنْتَقَضُ إحْرَامُهُ ( م 19 ) وَيَعْتَمِرُ مِنْ التَّنْعِيمِ ، فَيَكُونُ إحْرَامٌ مَكَانَ إحْرَامٍ ، فَهَذَا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ، لِيَطُوفَ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ ، كَالْوُقُوفِ ، وَإِذَا أَحْرَمَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ وَسَعَى مَا لَمْ يَكُنْ سَعَى ، وَتَحَلَّلَ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا وَجَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّ [ الْإِمَامَ ] أَحْمَدَ وَالْأَئِمَّةَ أَرَادُوا هَذَا وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالُهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا عُمْرَةً حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ .
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا كَالشَّيْخِ ، قَالَ : سَوَاءٌ بَعُدَ أَوْ لَا ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا : يَعْتَمِرُ مُطْلَقًا ، وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي ، فِي الْخِلَافِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ ( و م ) لِمَا

سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ الْمُبْتَدَإِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ ، وَالْعُمْرَةُ تَجْرِي مَجْرَى الْحَجِّ ، بِدَلِيلِ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ بِنَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ فِيمَنْ نَسِيَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ يَدْخُلُ مُعْتَمِرًا فَيَطُوفُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ، وَعِنْدَ ( هـ ش ) : لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَلَا يَفْسُدُ إحْرَامُهُ ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ كُلُّهُ فَلَا يَفْسُدُ بَعْضُهُ ، كَبَعْدِ التَّحَلُّلَيْنِ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ ( و ش ) لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَمَا قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ؟ أَمْ شَاةٌ ( و هـ م ) لِعَدَمِ إفْسَادِهِ لِلْحَجِّ كَوَطْءٍ دُونَ الْفَرْجِ بِلَا إنْزَالٍ وَلَحِقَهُ الْجِنَايَةُ ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 20 )

( مَسْأَلَةٌ 19 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ هُوَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ ، لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ أَيْضًا : إطْلَاقُ الْمُحْرِمِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكُلُّ .
وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ : يَبْطُلُ إحْرَامُهُ عَلَى احْتِمَالٍ وَقَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ : هُوَ مُحْرِمٌ ، لِوُجُوبِ الدَّمِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَا يُبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يُمْنَعُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ وَإِنَّمَا بَقِيَ بَعْضُ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْمَيْمُونِيُّ وَابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْي : يُنْتَقَضُ إحْرَامُهُ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : الصَّوَابُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ .
كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ مَسْأَلَةٌ 20 ) : قَوْلُهُ : وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ .
؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : يَلْزَمُهُ شَاةٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ .
قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي خُلَاصَتِهِ : يَلْزَمُهُ دَمٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْإِيضَاحِ وَالْكَافِي وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .

وَإِنْ طَافَ وَلَمْ يَرْمِ ثُمَّ وَطِئَ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، لِوُجُودِ أَرْكَانِ الْحَجِّ ، وَالْقَارِنُ كَالْمُفْرَدِ ، عَلَى مَا سَبَقَ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ لَا لِلْعُمْرَةِ ، بِدَلِيلِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ ، وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ ، فِيمَا سَبَقَ .
وَتَفْسُدُ قَبْلَ فَرَاغِ الطَّوَافِ ، وَكَذَا قَبْلَ سَعْيِهَا إنْ قُلْنَا رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ وَطِئَ قَبْلَهُ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ رُكْنًا أَوْ غَيْرَهُ ، وَلَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْحَلْقِ إنْ لَمْ يَجِبْ وَكَذَا إنْ وَجَبَ ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ ، وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ : تَفْسُدُ وَفِي التَّبْصِرَةِ فِي فِدَاءِ مَحْظُورِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ الرِّوَايَتَانِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ : يَفْسُدُ الْحَجُّ فَقَطْ ، كَذَا قَالَ .
وَلَا يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا إلَّا ] شَاةٌ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، لِنَقْصِ حُرْمَةِ إحْرَامِهَا عَنْ الْحَجِّ ، وَلِنَقْصِ أَرْكَانِهَا وَدُخُولِ أَفْعَالِهَا فِيهِ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَهُ .
وَالنَّقْصُ يَمْنَعُ كَمَالَ الْكَفَّارَةِ ، كَبَعْدِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْمُوجَزِ : الْأَشْبَهُ بَدَنَةٌ ( و ش ) كَالْحَجِّ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَطَأَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلَا يَفْسُدُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ ، لَنَا أَنَّهُ وَطِئَ فِي إحْرَامٍ تَامٍّ كَقَبْلِ الْأَرْبَعَةِ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَسَدَتْ بِجِمَاعٍ ثُمَّ اعْتَمَرَ مِنْ عَامِهِ لَا يَنْوِيهِ يَعْنِي الْقَضَاءَ قَالَ : لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى وَعَلَيْهِ دَمٌ .

وَلَوْ أَحْرَمَ حَالَ وَطْئِهِ فَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ : لَا يَجِبُ مُضِيُّهُ فِيهِ ، وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَنْعَقِدُ ، لِمُنَافَاتِهِ لَهُ .
وَسَبَقَ فِي الرِّدَّةِ فِي الْأَذَانِ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ : قَدْ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ الْوَاطِئُ ، وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ ابْتِدَاءً ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ ، وَيَأْتِي [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] فِي فَصْلِ مَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا .

( الثَّامِنُ ) الْمُبَاشَرَةُ بِلَمْسٍ أَوْ نَظَرٍ لِشَهْوَةٍ ( و ) فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، فَذُكِرَ لَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ قَوْلُ سُفْيَانَ : يَقُولُونَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ، فَقَالَ : جَيِّدٌ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ : ابْنُ عَبَّاسٍ جَعَلَ عَلَيْهِ بَدَنَةً ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ ، وَعَنْهُ شَاةٌ إنْ لَمْ يَفْسُدْ ( و هـ ش ) ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَأَطْلَقَهَا الْحَلْوَانِيُّ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ ، وَالْقِيَاسَانِ ضَعِيفَانِ ، وَفِي فَسَادِ نُسُكِهِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا يَفْسُدُ ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَهُ وَأَنْزَلَ ( و م ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ فَأَفْسَدَهَا الْإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ ، كَالصَّوْمِ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِنَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الرَّفَثِ ، وَهُوَ عَامٌّ فِيهِ ، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
وَالثَّانِيَةُ لَا يَفْسُدُ ، اخْتَارَهَا الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ( و هـ ش ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَالصَّوْمُ يَفْسُدُ بِجَمِيعِ مَحْظُورَاتِهِ ( م 21 ) وَالْحَجُّ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ ، وَالرَّفَثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَلَمْ نَقُلْ بِجَمِيعِهِ ، مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهِ فِي الْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ .
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ : إنْ أَمْنَى بِالْمُبَاشَرَةِ فَسَدَ ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ ( و ) قَالَ الشَّيْخُ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا كَالصَّوْمِ وَكَعَدِمِ الشَّهْوَةِ ، وَسَبَقَ فِي الصَّوْمِ خِلَافٌ ، وَمِثْلُهُ هُنَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَبَّلَ أَهْلَهُ : أَفْسَدْت حَجَّك .
وَمَعْنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ ، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْإِنْزَالِ ، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } وَأَنَّ مَنْ

وَقَفَ بِهَا تَمَّ حَجُّهُ .
وَعَلَيْهِ شَاةٌ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ ( و ) وَفِي رِوَايَةٍ : بَدَنَةٌ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، كَالْوَطْءِ ( م 22 )

( مَسْأَلَةٌ 21 ) : قَوْلُهُ : فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ .
وَعَنْهُ : شَاةٌ إنْ لَمْ يَفْسُدْ وَفِي فَسَادِ نُسُكِهِ رِوَايَتَانِ ( إحْدَاهُمَا ) : يَفْسُدُ ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَهُ وَأَنْزَلَ وَ ( الثَّانِيَةُ ) لَا يَفْسُدُ ، اخْتَارَهَا الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ إحْدَاهُمَا لَا يَفْسُدُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : هَذَا أَصَحُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَفْسُدُ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي الْمُبْهِجِ : فَسَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا أَنْزَلَ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذِهِ أَشْهَرُهَا .
مَسْأَلَةٌ 22 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ وَعَلَيْهِ شَاةٌ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ .
وَفِي رِوَايَةٍ : بَدَنَةٌ ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، كَالْوَطْءِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ وَلَمْ يُنْزِلْ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ شَاةٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعَبِ

وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ .
كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ

وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى لَمْ يَفْسُدْ ( م ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَالْمُبَاشَرَةُ أَبْلَغُ ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ ، كَقُبْلَةٍ وَطِيبٍ ، وَعَنْهُ : شَاةٌ ، وَرَوَى النَّجَّادُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَيْنِ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ الثَّانِيَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنْزَلَ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ : لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْجِمَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى ، وَالِاسْتِمْنَاءُ مِثْلُهُ .

وَإِنْ مَذَى بِتَكْرَارِ نَظَرٍ أَوْ أَمْنَى بِنَظْرَةٍ وَفِي الرَّوْضَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ : أَوْ مَذَى بِنَظْرَةٍ فَشَاةٌ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ حَصَلَ بِهِ لَذَّةٌ .
وَفِي الْكَافِي : لَا فِدْيَةَ بِمَذْيٍ بِتَكْرَارِ نَظَرٍ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ : وَلَا بِمَذْيٍ بِغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ

إنْ مَذَى بِاسْتِمْنَاءٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً : يَفْدِي بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ ، أَنْزَلَ أَوْ لَا ، وَمُرَادُهُ إنْ كَرَّرَهُ .
وَأَخَذَهَا مِنْ نَقْلِ الْأَثْرَمِ فِيمَنْ جَرَّدَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ غَيْرُ التَّجْرِيدِ : عَلَيْهِ شَاةٌ ، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى لَمْسٍ أَوْ مَذْيٍ ، لِنَظَرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى نِسَائِهِ ، وَكَذَا أَصْحَابُهُ ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ عَيْنٍ ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا جَوَازُهُ لِشَهْوَةٍ ، وَلِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ إنْ كَرَّرَ النَّظَرَ حَرُمَ ، وَإِلَّا كُرِهَ .

وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِهِ { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ دُونَ النَّظَرِ ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ : إنَّهُ كَالنَّظَرِ ، لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ .
وَخَطَأٌ كَعَمْدٍ ، كَوَطْءٍ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ نِسْيَانٌ غَالِبًا ، وَتَفْسُدُ الْعِبَادَةُ بِمُجَرَّدِهِ ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مَعَ شَهْوَةٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي خَطَأِ مَا سَبَقَ

وَمَنْ عَدِمَ بَدَنَةَ الْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَزِمَهُ صَوْمٌ كَصَوْمِ الْمُتْعَةِ ، لِوُجُوبِهَا بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ السَّابِقِ ، فَكَذَا بَدَلُهَا ، قَالَ الشَّيْخُ : هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ .
وَقَالَ الْقَاضِي يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ إطْعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا ، كَجَزَاءِ الصَّيْدِ لَا يَنْتَقِلُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إلَى الْإِطْعَامِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ ، وَلَا إلَى الصِّيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ : يُخَيَّرُ فِي الْجَمِيعِ ، كَفِدْيَةِ الْأَذَى ، أَمَّا الشَّاةُ فَيُخَيَّرُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى لِلتَّرَفُّهِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّقْصِيرِ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ

التَّاسِعُ : قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَاصْطِيَادُهُ ، بِالْإِجْمَاعِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وَقَوْلِهِ { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } وَيَأْتِي حُكْمُ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ ، وَيُحْرِمُ وَيَفْدِي مَا يُولَدُ مِنْهُ مَعَ أَهْلِيٍّ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ ، وَقِيلَ : لَا يَفْدِي مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ، قَدَّمَهُ ، فِي الرِّعَايَةِ لِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا حَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ ، وَهَذَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : الْأَوَّلُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، تَغْلِيبًا لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ ، كَمَا غَلَّبُوا تَحْرِيمَ أَكْلِهِ ، وَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ بِمَا يَضْمَنُ بِهِ آدَمِيًّا وَمَالًا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ ، وَمِنْهُ جِنَايَةُ دَابَّتِهِ ، عَلَى مَا سَيَأْتِي [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] فِي الْغَصْبِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَدَاوُد : جُرْحُ الصَّيْدِ لَا يُضْمَنُ .
لَنَا أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ تَنْفِيرِهِ ، وَقَدْ مَنَعَهُ الشَّارِعُ .
وَكُلُّ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ ضُمِنَتْ أَبْعَاضُهَا كَالْآدَمِيِّ وَالْمَالِ ، وَلَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ [ لِأَنَّهُ ] أَوْجَبَ الْجَزَاءَ بِقَتْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَا نَقَصَهُ
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ قَتْلِ صَيْدِ الْبَرِّ : وَقِيلَ لَا يَفْدِي مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : لَيْسَ كَمَا قَالَ مِنْ الرِّعَايَةِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا : وَمَا أَكَلَ أَبَوَاهُ فَدَى وَحَرُمَ قَتْلُهُ ، وَكَذَا مَا أَكَلَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ دُونَهُ ، وَقِيلَ لَا يَفْدِي كَمُحْرِمِ الْأَبَوَيْنِ ، انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِالْفِدْيَةِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ " ذَكَرَهُ " فَسَبَقَ الْقَلَمُ فَقَالَ " قَدَّمَهُ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتَحْرُمُ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةُ وَالْإِعَانَةُ وَلَوْ بِإِعَارَةِ سِلَاحٍ لِيَقْتُلَهُ بِهِ ، سَوَاءً كَانَ مَعَهُ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ لَا ، أَوْ بِمُنَاوَلَتِهِ سِلَاحَهُ أَوْ سَوْطَهُ أَوْ أَمَرَهُ بِاصْطِيَادِهِ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : أَوْ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ فَرَسًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الصَّيْدِ إلَّا بِهِ ؛ لِأَنَّ فِي خَبَرِ { أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَشَارَ إلَيْهِ إنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ ؟ قَالُوا : لَا .
وَفِيهِ : أَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا فَلَمْ يُؤْذِنُونِي وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ ، ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : نَاوَلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ ، قَالُوا : لَا وَاَللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ .
وَفِيهِ : إذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ .
وَفِيهِ : فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِي يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ إذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارٍ وَحْشٍ ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ، فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي } مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ .
وَيَضْمَنُهُ بِذَلِكَ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو الْحَارِثِ فِي الدَّالِّ ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْمُشِيرِ ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِيهِ وَفِي الَّذِي يُعِينُ ( و هـ ) لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَرَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُحْرِمٍ أَشَارَ ، وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ : لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ ، فَقَالَ الْقَاضِي : الْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ النَّجَّادُ : لَا يَدُلُّ الْمُحْرِمُ عَلَى صَيْدٍ وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ .
ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى دَلَالَةٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا التَّلَفُ ، قَالَ : وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِعَانَةَ تُوجِبُ الْجَزَاءَ ، كَذَا الْإِشَارَةُ ؛ وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ يَخْتَصُّهُ كَقَتْلِهِ وَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَصْبِ سِكِّينٍ وَشَرَكٍ وَإِمْسَاكِهِ ، وَضَمَانُهُ آكَدُ مِنْ

ضَمَانِ الْمَالِ ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَغَيْرُهُمْ ، وَلِهَذَا يَضْمَنُهُ بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ شَرَكٍ يَمْلِكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ بِهِ وَلَوْ نَفَّرَهُ ضَمِنَهُ ، وَلَوْ أَفْزَعَ عَبْدًا فَأَبَقَ فَلَا ، زَادَ فِي الْخِلَافِ : وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَتَلِفَ فَرْخُهُ ضَمِنَهُ ، وَلَوْ غَصَبَهُ فَمَاتَ فَرْخُهُ فَلَا .
وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ : يَضْمَنُهُ قَادِرٌ لَمْ يَكُفَّ الضَّرَرُ عَنْهُ : وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا : الدَّلَالَة يُضْمَنُ بِهَا الْمَالُ بِدَلِيلِ الْمُودِعُ يَدُلُّ عَلَى الْوَدِيعَةِ .
فَقِيلَ لَهُ : لِتَفْرِيطِهِ فِي الْحِفْظِ ؟ فَقَالَ قَدْ جَعَلْتَ سَبَبًا فِي التَّفْرِيطِ فِي الْحِفْظِ ، فَكَذَا فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ ، كَالْإِتْلَافِ ، كَذَا قَالَ ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِحْرَامِهِ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لَهُ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ ، كَالْمُودَعِ ، بِخِلَافِ الْمُحِلِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ : عَلَيْهِ الْجَزَاءُ أَيْضًا .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْمُبْهِجِ : إنْ كَانَتْ الدَّلَالَةُ مُلْجِئَةً لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ ، كَقَوْلِهِ : دَخَلَ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الْمَغَارَةِ ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ ، كَقَوْلِهِ : ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالسَّبَبِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا ، لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاتِلِ وَالدَّافِعِ دُونَ الْمُمْسِكِ وَالْحَافِرِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : بِأَنَّ الْمُمْسِكَ غَيْرُ مُلْجِئٍ وَيَضْمَنُ الصَّيْدَ ، وَالدَّلَالَةُ سَبَبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ [ وَيَضْمَنُ بِهَا الْمُودَعُ ] وَسَبَقَ أَنَّ ضَمَانَ الصَّيْدِ آكَدُ .
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ ، لِمَا سَبَقَ ، وَسَوَاءً كَانَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ .
وَلَا شَيْءَ عَلَى دَالٍّ وَمُشِيرٍ لِمَنْ رَأَى الصَّيْدَ قَبْلَ دَلَالَتِهِ وَإِشَارَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَبَبًا فِي تَلَفِهِ ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْ الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ

أَوْ اسْتِشْرَافٌ فَفَطَنَ لَهُ غَيْرُهُ فَصَادَهُ ، أَوْ أَعَارَهُ آلَةً لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَاسْتَعْمَلَهَا فِيهِ وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ : لَوْ دَلَّهُ فَكَذَّبَهُ لَمْ يَضْمَنْ ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ .

وَإِنْ نَصَبَ شَبَكَةً ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ ، كَدَارِهِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِلَّا ضَمِنَ ، كَالْآدَمِيِّ فِيهِمَا وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ ضَمَانَهُ وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ .
وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ فِي الْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ بِنَصْبِ الْيَهُودِ الشَّبَكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَخَذُوا يَوْمَ الْأَحَدِ مَا سَقَطَ فِيهَا ، وَأَنَّهُ شُرِعَ لَنَا ، وَمُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَتَحَيَّلْ فَالْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَيَّلْ فَالْخِلَافُ وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ .

وَفِي الْفُصُولِ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ : فِي دِبْقٍ قَبْلَ إحْرَامِهِ لَا يَضْمَنُ بِهِ بَلْ بَعْدَهُ ، كَنَصْبِ أُحْبُولَةٍ وَحَفْرِ بِئْرٍ وَرَمْيٍ ، اعْتِبَارًا بِحَالِ النَّصْبِ وَالرَّمْيِ ، وَيَحْتَمِلُ الضَّمَانَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ ، كَرَمْيِهِ عَبْدًا فَأَصَابَ حُرًّا ، وَقَالَ : يَتَصَدَّقُ مَنْ آذَاهُ وَأَفْزَعَهُ بِحَسَبِ أَذِيَّتِهِ ، وَقَالَ : أَظُنُّهُ اسْتِحْسَانًا كَالْآدَمِيِّ .

قَالَ : وَتَقْرِيبُهُ كَلْبًا مِنْ مَكَانِ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ ، كَتَقْرِيبِهِ الصَّيْدَ مِنْ مَهْلَكَةٍ

وَمَنْ نَفَّرَ صَيْدًا فَتَلِفَ أَوْ نَقَصَ فِي حَالِ نُفُورِهِ ضَمِنَ ، وَإِنْ كَانَ مَكَانَهُ بَعْدَ أَمْنِهِ مِنْ نُفُورِهِ فَلَا ، وَقِيلَ : بَلَى ؛ لِأَنَّ عُمَرَ دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَلَى وَاقِفٍ فِي الْبَيْتِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَيْرٌ مِنْ هَذَا الْحَمَامِ فَأَطَارَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُلَطِّخَهُ بِسُلْحِهِ فَوَقَعَ عَلَى وَاقِفٍ آخَرَ فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ : إنِّي وَجَدْت فِي نَفْسِي أَنِّي أَطْرَتْهُ مِنْ مَنْزِلٍ كَانَ فِيهِ آمِنًا إلَى مَوْقِعَةٍ كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ ، فَقَالَ نَافِعٌ لِعُثْمَانَ : كَيْفَ تَرَى فِي غَيْرِ ثَنِيَّةٍ عَفْوًا تَحْكُمُ بِهَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ : أَرَى ذَلِكَ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ تَلِفَ فِي حَالِ نُفُورِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَوَجْهَانِ ( م 23 )
( مَسْأَلَةٌ 23 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ تَلِفَ فِي حَالِ نُفُورِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قَالُوا : لَوْ نَفَّرَهُ فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ .
وَأَطْلَقُوا التَّلَفَ .
فَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْآفَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَغَيْرَهَا ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ إحَالَتُهُ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ ، فَتَعَيَّنَ إحَالَتُهُ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَضْمَنُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ : لَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، فِي الْأَصَحِّ .

وَإِنْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا ضَمِنَهُمَا ، وَإِنْ مَشَى الْمَجْرُوحُ قَلِيلًا ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْآخَرِ ضَمِنَ الْمَجْرُوحَ فَقَطْ ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يَضْمَنُهُمَا .

وَإِنْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ أَعَانَهُ أَوْ أَشَارَ فَقَتَلَهُ أَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ فَرِوَايَاتٌ : إحْدَاهُنَّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ .
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُشْتَرِكِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْمِثْلَ فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ ، وَمَنْ قَتَلَهُ ظَاهِرٌ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَالْقَتْلُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الرُّوحِ ، وَهُوَ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ لَا فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ ، كَقَوْلِهِ : مَنْ جَاءَ بِعَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ ، فَجَاءَ بِهِ جَمَاعَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَجِيءَ مُشْتَرَكٌ ، بِخِلَافِ : مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ .
فَدَخَلَهَا جَمَاعَةٌ ، لِوُجُودِ الدُّخُولِ ، وَهُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ مُنْفَرِدًا ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ } وَلَمْ يُفَرِّقْ وَرَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَكَذَا رَوَاهُ النَّجَّادُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَرَوَيَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ ؛ وَلِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَنْ مَقْتُولٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ ، وَيَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ ، فَكَانَ وَاحِدًا ، كَقِيَمِ الْعَبِيدِ وَالْمُتْلَفَاتِ ، وَكَذَا الدِّيَةُ ، لَا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ ، عَلَى الْأَشْهَرِ الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، قَالَ الْقَاضِي : وَجَزَاءُ الصَّيْدِ يَتَبَعَّضُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ بَعْضَ الْجَزَاءِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ لَا تَتَبَعَّضُ ، فَلَا يَخْرُجُ بَعْضُ الرَّقَبَةِ وَيَصُومُ ، وَمَتَى ثَبَتَ اتِّحَادُ الْجَزَاءِ فِي الْهَدْيِ ثَبَتَ فِي الصَّوْمِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } وَلِمَا سَبَقَ ( وَالثَّانِيَةُ ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ [ ( و هـ ) ] وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُشْتَرِكِينَ ، كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَيَأْتِي خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ .
( وَالثَّالِثَةُ ) : جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمٌ تَامٌّ ، وَمَنْ

أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَدَلٌ لَا كَفَّارَةٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَطَفَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ ، وَالصَّوْمُ كَفَّارَةٌ ، فَتَكْمُلُ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ ؛ وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ : لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَحَمَّلُهَا [ الزَّوْجُ ] عَنْهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ ، وَإِلَّا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَوْمٌ كَامِلٌ ، وَهِيَ طَرِيقٌ جَيِّدَةٌ عَلَيْهِمْ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَقِيلَ : لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مُحْرِمٍ قَاتِلٍ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ : لَا يَلْزَمُ مُتَسَبِّبًا مَعَ مُبَاشِرٍ .
وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ ، لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيَمْلِكَهُ فَقَتَلَهُ مُحِلٌّ ، وَقِيلَ : الْقَرَارُ عَلَيْهِ ( و هـ ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ فِعْلَ الْمُمْسِكِ عِلَّةً وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُمْسِكِ ، لِتَأَكُّدِهِ ( م 24 ) وَأَنَّ عَكْسَهُ الْمَالُ ، كَذَا قَالَ ، وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ وَالشَّرِيكُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، كَالْمُحِلِّ [ فِي الْحِلِّ ] فَالْجَزَاءُ جَمِيعُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ ، فِي الْأَشْهَرِ ، قَالَ ابْنُ الْبَنَّا : نَصَّ عَلَيْهِ ، كَذَا قَالَ ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ ، قَالَ الْقَاضِي : فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ جَمِيعَهُ ، وَيَحْتَمِلُ بِحِصَّتِهِ ( و ش ) وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ : لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ ، فَغَلَبَ الْإِيجَابُ ، كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ، وَصَيْدِ بَعْضِهِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضِهِ فِي الْحَرَمِ ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ آكَدُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ ، لِمَا سَبَقَ فِي الدَّالِّ ، وَكَذَا الْخِلَافُ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ سَبُعًا .
فَإِنْ سَبَقَ حَلَالٌ وَسَبُعٌ فَجَرَحَهُ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا ، وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جُرْحِهِ ، فَلَوْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ ضَمِنَ الْجَارِحُ نَقْصَهُ وَالْقَاتِلُ تَتِمَّةَ الْجَزَاءِ

( الْمَسْأَلَةُ 24 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ أَعَانَهُ أَوْ أَشَارَ فَقَتَلَهُ أَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ فَرِوَايَاتٌ : إحْدَاهُنَّ جَزَاءُ وَاحِدٍ عَلَى الْجَمِيعِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ وَالثَّانِيَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالثَّالِثَةُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمٌ تَامٌّ ، وَمَنْ أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ : لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مُحْرِمٍ قَاتِلٍ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ : لَا يَلْزَمُ مُمْسِكًا مَعَ مُبَاشِرٍ ، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيَمْلِكَهُ فَقَتَلَهُ مُحِلٌّ ، وَقِيلَ : الْقَرَارُ عَلَيْهِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ ، وَجَزَمَ [ بِهِ ] ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُمْسِكِ ، لِتَأَكُّدِهِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ .
إحْدَاهُنَّ عَلَى الْجَمِيعِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَيْضًا وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ فِي مَوْضِعٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي آخَرَ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَقَالَ : هَذَا أَوْلَى ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَاتِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَحَكَاهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ إنْ كَفَّرُوا بِالْمَالِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ ، وَمَنْ أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَقَالَ : هَذَا أَظْهَرُ ، انْتَهَى .

وَالْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الرِّوَايَةِ ، الْمَذْهَبُ خِلَافُهَا ، وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ .

وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدٌ صَادَهُ أَوْ ذَبَحَهُ إجْمَاعًا ، وَكَذَا إنْ دَلَّ حَلَالًا أَوْ أَعَانَهُ أَوْ أَشَارَ ( و ) وَكَذَا أَكْلُهُ مَا صِيدَ لَهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و م ش ) لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ { الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِي قَالَ : إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ } .
وَلِمُسْلِمٍ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ : رِجْلَ حِمَارٍ ، وَفِي لَفْظٍ : شِقَّ حِمَارٍ .
وَفِي لَفْظٍ : عَجُزَ حِمَارٍ يَقْطُرُ دَمًا .
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ قَالَ : { وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْته أَنِّي اصْطَدْته لَهُ } ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : { أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ } .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : لَا نَعْرِفُ لِلْمُطَّلِبِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : يُشْبِهُ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرٍ .
وَعَمْرو مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ .
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : لَيْسَ بِقَوِيٍّ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَقَالَ : إلَيْهِ أَذْهَبُ .
وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا فَقَالُوا : أَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ ، إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي .
رَوَاهُ

مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : يَجُوزُ أَكْلُهُ مَا صِيدَ لَهُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الِانْتِصَارِ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ أَبِي قَتَادَةَ يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ فَقَطْ ، قُلْنَا : وَبِالْأَمْرِ .
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْهُمْ الْجَوَازَ فِيهِ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ .
وَفِي الْهِدَايَةِ لَهُمْ : يَأْكُلُ إذَا لَمْ يَدُلَّ وَلَا أَمَرَ .
فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ مُحْرِمَةٌ ، قَالُوا : وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ خَبَرُ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا كَلَامُهُ ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ، وَمَا سَبَقَ أَخَصُّ .
وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ غَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) لِأَنَّ فِي خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ { هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ ابْنُ أَخِي طَلْحَةَ { : كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ وَنَحْنُ حُرُمٌ ، فَأُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ ، فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ ، وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمْ يَأْكُلْ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ ، وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ وَقَالَ : أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَأَفْتَى بِهِ ، أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِهِ لَأَوْجَعْتُك رَوَاهُ مَالِكٌ ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ : يَحْرُمُ ، وَقَالَهُ طَاوُسٌ ، وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ لِخَبَرِ الصَّعْبِ وَكَمَا لَوْ دَلَّ عَلَيْهِ ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَمَا سَبَقَ أَخَصُّ ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى .

وَمَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ لِدَلَالَةٍ أَوْ إعَانَةٍ وَصَيْدٍ لَهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ غَيْرِهِ ، كَحَلَالٍ ، لِمَا سَبَقَ ، وَلَنَا قَوْلٌ : يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ تَحْرِيمُهُ إشَارَةٌ وَاحِدٌ قُلْنَا : نَعَمْ ، عَلَى الْمُشِيرِ .

وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ ، لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ ، فَلَمْ يَتَكَرَّرْ ، كَإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ ، وَكَصَيْدِ الْحَرَمِ قَتَلَهُ حَلَالٌ وَأَكَلَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ حَرَمٌ وَلِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَلَا يَضْمَنُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ( و ) وَكَذَا إنْ دَلَّ أَوْ أَعَانَ أَوْ أَشَارَ فَأَكَلَ مِنْهُ وَفِي الْغُنْيَةِ : عَلَيْهِ الْجَزَاءُ

وَإِنْ أَكَلَ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، خِلَافًا لِأَصَحِّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، لَنَا أَنَّهُ إتْلَافٌ مُنِعَ مِنْهُ لِلْإِحْرَامِ ، كَقَتْلِ الصَّيْدِ ، وَلِهَذَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ ، فَلَوْ حَرَقَهُ بِنَارٍ فَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يَضْمَنُهُ ، وَفِي الْخِلَافِ : لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِيهِ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ ، وَكَالطِّيبِ لَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَلَوْ تَطَيَّبَ ضَمِنَهُ ، وَيَضْمَنُ بَعْضَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا ، لِضَمَانِ أَصْلِهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ ، وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ ، لِجَوَازِ عُدُولِهِ إلَى عَدْلِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَوْمٍ .
وَفِي الْخِلَافِ : لَا يُعْرَفُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، فَلَوْ قُلْنَا بِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ فِي شَعْرِهِ ثُلُثَ دَمٍ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فِيمَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ لَا يُضْمَنُ بِهِ ، كَطَعَامِ سَوَّسَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ ، فَلَمْ يَجِبْ ، كَمَا فِي الزَّكَاةِ ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ وَجْهَيْنِ .
وَبَيْضُ الصَّيْدِ مِثْلُهُ ، فِيمَا سَبَقَ .

وَإِنْ قَتَلَهُ لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقِيَاسِ قَوْلِهِ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ ، كَآدَمِيٍّ وَكَجَمْلٍ صَائِلٍ ، وَسَلَّمَهُ الْحَنَفِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ أُذِنَ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْعَبْدُ ، وَهُنَا أَذِنَ الشَّارِعُ لِإِذْنِهِ فِي الْفَوَاسِقِ لِدَفْعِ أَذًى مُتَوَهَّمٍ ، فَالْمُتَحَقَّقُ أَوْلَى ، وَفِي التَّنْبِيهِ : عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، وَقَالَهُ زُفَرُ ، كَجَمَلٍ صَائِلٍ عِنْدَهُمْ ، وَكَقَتْلِهِ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ( و ) خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَسَوَاءٌ خَشِيَ مِنْهُ تَلَفًا أَوْ مَضَرَّةً أَوْ عَلَى بَعْضِ مَالِهِ .

وَكَذَا إنْ خَلَّصَهُ مِنْ شَبَكَةٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ فَتَلِفَ قَبْلَ إرْسَالِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، فِي الْأَشْهَرِ ( و ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُبَاحٌ كَحَاجَتِهِ ، كَمُدَاوَاةِ الْوَلِيِّ مُوَلِّيهِ ، وَلَوْ أَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ فَوَدِيعَةٌ ، وَلَهُ أَخْذُ مَا لَا يَضُرُّهُ ، كَيَدٍ مُتَأَكِّلَةٍ ، وَإِنْ أَزْمَنَهُ فَجَزَاؤُهُ ( و ) لِأَنَّهُ كَتَالِفٍ ، وَكَجُرْحٍ تُيُقِّنَ بِهِ مَوْتُهُ ، وَقِيلَ : مَا نَقَصَ ، لِئَلَّا يَجِبَ جَزَاءَانِ لَوْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ بِقَتْلِهِ .

وَإِنْ جَرَحَهُ غَيْرَ مُوحٍ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى فَمَاتَ ضَمِنَهُ ، لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ ، وَإِنْ جَهِلَ خَبَرَهُ فَأَرْشُ الْجُرْحِ ، فَيُقَوِّمُهُ صَحِيحًا وَجَرِيحًا غَيْرَ مُنْدَمِلٍ ، لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ انْدِمَالِهِ ، فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ كَانَ سُدُسُهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَقِيلَ : يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ ، وَقِيلَ : قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُهُ كُلَّهُ ( م 25 ) وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ بِالْجُرْحِ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُ كُلَّهُ ، إحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، كَنَظَائِرِهِ ( م 26 )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32