كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

وَقِيلَ : لَهُ ، وَفِي جَوَازِ إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَجْهَانِ أَصْلُهُمَا هَلْ هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ ؟ ( م 3 ) وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : يَصِحُّ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، فَلَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ أَرَدْت مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا فَأَعْطَاهُ كَفَى ، لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ ، وَسَهْمُ فَرَسٍ لِغَزْوٍ لَهُ كَحَبِيسٍ وَمُسْتَأْجَرٍ ، وَعَنْهُ : لِمَالِكِهِ ، وَسَهْمُ فَرَسٍ مَغْصُوبٍ كَصَيْدٍ جَارِحٍ وَيُعْطِي نَفَقَةَ الْحَبِيسِ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَفِي جَوَازِ إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَجْهَانِ ، أَصْلُهُمَا هَلْ هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ ، انْتَهَى .
فَنَتَكَلَّمُ أَوَّلًا عَلَى أَصْلِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ يُعْرَفُ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا فِي جَوَازِ إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَعَدَمِهِ ، فَنَقُولُ : نَفْسُ الْإِعَارَةِ هَلْ هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ أَوْ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ ، فِيهِ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا النَّاظِمُ .
( أَحَدُهُمَا ) هِيَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ ، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ ، وَلَيْسَ بِإِعَارَةٍ ، وَقَالَ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِي الشَّيْءِ ، كَمَا يَسْتَفِيدُهُ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَالْإِبَاحَةُ رَفْعُ الْحَرَجِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ ، فَالتَّنَاوُلُ مُسْتَنِدٌ إلَى الْإِبَاحَةِ ، وَفِي الْأَوَّلِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْمِلْكِ ، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ : فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَوْ مُلِكَتْ بِمُجَرَّدِ الْإِعَارَةِ لَا يَسْتَقِلُّ الْمُسْتَعِيرُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ، كَمَا فِي الشُّفْعَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ، انْتَهَى .
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ : هِيَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ ، لَمْ يُجَوَّزْ لَهُ الْإِعَارَةُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَمَنْ قَالَ : هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ ، أَجَازَ

لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قُلْت ) : ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَدَمُ جَوَازِ إعَارَتِهَا عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ ، فَفِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا هِبَةُ مَنْفَعَةٍ ، وَقَالُوا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَلَا يَمْتَنِعُ هِبَةُ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ وَعَدَمُ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَصَحَّحَ فِي النَّظْمِ عَدَمَ الْجَوَازِ أَيْضًا مَعَ إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا هِبَةَ مَنْفَعَةٍ أَوْ إبَاحَةَ مَنْفَعَةٍ ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ الْجَوَازُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا هِبَةُ مَنْفَعَةٍ ، وَتَابَعَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : أَصْلُ هَذَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ ، وَقَالَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي : يَتَفَرَّعُ عَلَى رِوَايَةِ اللُّزُومِ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : قَطَعَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ بِجَوَازِ إعَارَةِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا قِيلَ بِلُزُومِهَا وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا ، انْتَهَى .
فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ ، وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مَنَعُوا مِنْ الْإِعَارَةِ وَلَمْ يَبْنُوا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ قَدْ صَحَّتْ .

وَمَنْ قَالَ : مَا أَرْكَبُهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ قَالَ رَبُّهَا مَا آخُذُ لَهَا أُجْرَةً وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا فَعَارِيَّةٌ ، وَلَوْ أَرْكَبَ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا لِلَّهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، وَكَذَا رَدِيفٌ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ .
يُقَالُ رَدِفْته بِكَسْرِ الدَّالِ أَرْدَفُهُ بِفَتْحِهَا إذَا رَكِبْت خَلْفَهُ ، وَأَرْدَفْتُهُ أَنَا ، وَأَصْلُهُ مِنْ رُكُوبِهِ عَلَى الرِّدْفِ ، وَهُوَ الْعَجُزُ ، وَيُقَالُ رِدْفٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَرَدِيفٌ .

وَلَوْ سَلَّمَ شَرِيكٌ شَرِيكَهُ الدَّابَّةَ فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ ، بِأَنْ سَاقَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ وَنَحْوَهُ ، لَمْ يَضْمَنْ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَيَتَوَجَّهُ كَعَارِيَّةٍ إنْ كَانَ عَارِيَّةً وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ رَدَّهَا إلَى مَنْ عُرِفَ بِقَبْضِهَا عَادَةً كَزَوْجَةٍ أَوْ سَائِسٍ خِلَافًا لِلْحَلْوَانِيِّ فِيهِ بَرِئَ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَإِصْطَبْلِ مَالِكِهَا وَغُلَامِهِ ، وَخَالَفَ فِيهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ ، وَظَاهِرُ تَقْدِيمِ الْمُسْتَوْعِبِ يَبْرَأُ بِرَبِّهَا وَوَكِيلِهِ فَقَطْ .

وَإِذَا قَالَ : أَعَرْتنِي ، وَآجَرْتنِي ، قَالَ : بَلْ غَصَبْتنِي ، أَوْ قَالَ : أَعَرْتُك ، قَالَ : آجَرَتْنِي وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهَا قُبِلَ قَوْلِ الْمَالِكِ ، وَكَذَا : أَعْرَتْنِي ، قَالَ : أَوْدَعْتُك ، صُدِّقَ الْمَالِكُ ، فَيَضْمَنُ مَا انْتَفَعَ ، وَلَوْ قَالَ : آجَرْتُك ، قَالَ : أَعَرْتنِي عَقِيبَ الْعَقْدِ ، قُبِلَ قَوْلِ الْقَابِضِ ، فَلَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ ، وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ ، فِي الْأَصَحِّ فِي مَاضِيهَا ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَقِيلَ : الْمُسَمَّى ، وَقِيلَ : أَقَلُّهُمَا ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ زَرْع عَارِيَّةً وَقَالَ رَبُّهَا إجَارَةً ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَكَذَا فِي الْأُجْرَةِ : أَعَرْتنِي وَآجَرْتنِي ، قَالَ : غَصَبْتنِي ، وَقِيلَ : إنْ قَالَ : أَوْدَعْتنِي ، قَالَ غَصَبْتنِي ، فَوَجْهَانِ [ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ] .

وَهِيَ وَكَالَةٌ فِي الْحِفْظِ ، فَيُعْتَبَرُ أَرْكَانُهَا ، وَيَنْفَسِخُ بِمَوْتٍ وَجُنُونٍ وَعَزْلٍ ، كَوَكَالَةٍ ، وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزٍ مِثْلِهَا عُرْفًا ، كَسَرِقَةٍ ، وَإِنْ عَيَّنَهُ رَبُّهَا فَأَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ أَوْ فَوْقَهُ بِلَا حَاجَةٍ كَالْبَسِ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرٍ فَلَبِسَهُ فِي بِنْصِرٍ لَا عَكْسِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَقِيلَ بِمِثْلِهِ كَدُونِهِ ، وَقِيلَ فِيهِ : إنْ رَدَّهُ إلَيْهِ فَلَا ، وَإِنْ نَهَاهُ عَنْ إخْرَاجِهَا لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا عِنْدَ الْخَوْفِ ، وَيَحْرُمُ لِغَيْرِهِ ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، وَإِنْ قَالَ : لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ ، وَقِيلَ إنْ وَافَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ ضَمِنَ ، كَإِخْرَاجِهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ ، وَإِنْ تَرَكَ عَلَفَ الدَّابَّةِ ضَمِنَ ، وَقِيلَ : لَا كَلَا تَعْلِفْهَا ، وَإِنْ حُرِّمَ .
وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ ، وَقِيلَ بِقَبُولِهِ ، وَيُعْتَبَرُ حَاكِمٌ ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ : لَا .

وَإِنْ عَيَّنَ جَيْبَهُ ضَمِنَ فِي كُمِّهِ وَيَدِهِ ، لَا عَكْسِهِ ، وَإِنْ عَيَّنَ كُمَّهُ فَفِي يَدِهِ أَوْ عَيَّنَ يَدَهُ فَفِي كُمِّهِ وَجْهَانِ ( م 1 و 2 ) وَإِنْ جَاءَهُ بِالسُّوقِ وَأَمَرَهُ بِحِفْظِهَا بِبَيْتِهِ فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ إلَى مُضِيِّهِ لِمَنْزِلِهِ ضَمِنَ ، وَقِيلَ : لَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَمَتَى أَطْلَقَ ، فَتَرَكَهَا بِجَيْبِهِ أَوْ يَدِهِ ، أَوْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ أَوْ عَضُدِهِ وَقِيلَ : مِنْ جَانِبِ الْجَيْبِ أَوْ تَرَكَ فِي كُمِّهِ ثَقِيلًا بِلَا شَدٍّ ، أَوْ تَرَكَهَا فِي وَسَطِهِ وَحَرَّزَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلَ ، لَمْ يَضْمَنْ .
وَضَمَّنَهُ فِي الْفُصُولِ فِي جَيْبٍ وَكُمٍّ ، عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الطَّرَّارَ لَا يَقْطَعُ وَذَكَرَ إنْ تَرَكَهُ فِي رَأْسِهِ وَغَرَزَهُ فِي عِمَامَتِهِ أَوْ تَحْتَ قَلَنْسُوَتِهِ احْتَمَلَ أَنَّهُ حِرْزٌ ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ مَالَ رَبِّهَا عَادَةً ، كَزَوْجَةٍ وَخَادِمٍ وَفِي الرَّوْضَةِ : وَوَلَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لَمْ يَضْمَنْ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، كَوَكِيلِ رَبِّهَا .

بَابُ الْوَدِيعَةِ مَسْأَلَةٌ 1 وَ 2 قَوْلُهُ : وَإِنْ عَيَّنَ كُمَّهُ فَفِي يَدِهِ أَوْ عَيَّنَ يَدَهُ فَفِي كُمِّهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) لَوْ قَالَ : اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ فَتَلِفَتْ فَهَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
أَحَدُهُمَا ) لَا يَضْمَنُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَضْمَنُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَإِلَيْهِ مِيلُ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِهِ ، يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) عَكْسُهَا مَا لَوْ قَالَ اُتْرُكْهَا فِي يَدِك فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ ، حُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا ( قُلْت ) الصَّوَابُ أَنَّ الْيَدَ أَحَرَزُ مِنْ الْكُمِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : الْيَدُ أَحْرَزُ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ ، وَالْكُمُّ أَحْرَزُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَالَبَةِ ، فَعَلَى هَذَا إنْ أَمَرَهُ بِتَرْكِهَا فِي يَدِهِ فَشَدَّهَا فِي كُمِّهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْمُغَالَبَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ ضَمِنَ .

وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَلَا خَوْفَ وَفِي الْمُبْهِجِ وَالْمُوجَزِ : وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ ، زَادَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ : كَأَبٍ وَوَصِيٍّ فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا ، نُصَّ عَلَيْهِ ، لَا لِمُسْتَأْجِرٍ لِحِفْظِ شَيْءٍ سَنَةً لِمِلْكِهِ ، مَنَافِعَهُ ، وَلَهُ مَا أَنْفَقَ [ عَلَيْهِ ] بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَيَتَوَجَّهُ كَنَظَائِرِهِ ، وَقِيلَ : مَعَ غِيبَةِ رَبِّهَا أَوْ وَكِيلِهِ إنْ كَانَ أَحْرَزَ ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ ( م 3 ) .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا ، فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَهُ مَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ ، .
وَقِيلَ : مَعَ غَيْبَةِ رَبِّهَا أَوْ وَكِيلِهِ إنْ كَانَ أَحْرَزَ ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْمِلُهَا مَعَهُ ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ [ كَثِيرٍ ] مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، قَالَ فِي الْمُبْهِجِ : لَا يُسَافِرُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ ، انْتَهَى ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا مَعَ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ السَّفَرُ بِهَا .

وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ ، وَفِي مُؤْنَةِ رَدٍّ مِنْ بَعْدِ خِلَافٍ فِي الِانْتِصَارِ ( م 4 ) .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ ، وَفِي مُؤْنَةِ رَدِّ مَنْ بَعُدَ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ اللُّزُومُ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، بَلْ أَطْلَقُوا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ .

وَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ بِهَا أَوْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ سَلَّمَهَا أَحَدَهُمَا ثُمَّ حَاكِمًا ، وَفِي لُزُومِهِ قَبُولَهَا وَقَبُولَ مَغْصُوبٍ وَدَيْنِ غَائِبٍ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَقِيلَ : أَوْ لِثِقَةٍ ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً ، كَتَعَذُّرِ حَاكِمٍ ، فِي الْأَصَحِّ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَفِي لُزُومِهِ أَيْ الْحَاكِمِ قَبُولَهَا وَقَبُولَ مَغْصُوبٍ وَدَيْنِ غَائِبٍ وَجْهَانِ [ وَكَذَا مَالٌ ضَائِعٌ ] انْتَهَى ، ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ يُشْبِهُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا حُكْمُهُنَّ وَاحِدٌ ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : الْأَصَحُّ اللُّزُومُ فِي قَبُولِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَالدَّيْنِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَالُ فِي يَدِ ثِقَةٍ قَادِرٍ فَإِنَّهُ يُضَعِّفُ اللُّزُومَ الْحَاكِمُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي النَّوَادِرِ أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْإِيدَاعَ عِنْدَ غَيْرِهِ لِخَوْفِهِ عَلَيْهَا ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْمُقِيمِ لَا الْمُسَافِرِ ، وَإِنْ أَوْدَعَهَا ، بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَهَا وَقَرَارُهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي فَعَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا يَضْمَنُ الثَّانِي إنْ جَهِلَ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، كَمُرْتَهِنٍ ، فِي وَجْهٍ .
وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةٍ مِنْ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ : لَهُ الْإِيدَاعُ بِلَا عُذْرٍ ، فَإِنْ دَفَنَهَا بِمَكَانٍ وَأَعْلَمَ سَاكِنَهُ فَكَإِيدَاعِهِ ، وَإِلَّا ضَمِنَ .

وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا بِانْتِفَاعِهِ أَوْ أَخَذَهَا لَا لِإِصْلَاحِهَا كَنَفَقَةِ أَوْ شَهْوَةِ رُؤْيَتِهَا ثُمَّ رَدَّهَا وَفِيهِمَا وَجْهٌ أَوْ كَسْرِ خَتْمِهَا أَوْ حَلِّهِ وَفِي الثَّلَاثَةِ رِوَايَةٌ أَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ ، أَوْ مَنَعَهَا بَعْدَ طَلَبِ طَالِبِهَا شَرْعًا وَالتَّمَكُّنِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لَهَا ، وَفِي أُجْرَةِ مَا مَضَى خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ ، ضَمِنَ وَكَذَا إنْ خَلَطَهَا بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ وَإِنْ تَمَيَّزَ فَلَا ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْبَغَوِيّ : وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ ، وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ فِي النَّوَادِرِ ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ أَحْمَدَ ، قَالَ : لِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ ، وَجَزَمَ [ بِهِ ] فِي الْمُبْهِجِ فِي الْوَكِيلِ ، كَوَدِيعَتِهِ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ( م 6 ) وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيَّهمَا ضَاعَ ضَمِنَ ، نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ خَلَطَهَا بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ يَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِتَعَدِّيهِ بِخَلْطِهَا بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ وَإِنْ تَمَيَّزَ فَلَا ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْبَغَوِيّ : وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ ، وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ فِي النَّوَادِرِ ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ أَحْمَدَ ، .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي الْوَكِيل ، كَوَدِيعَتِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ [ انْتَهَى ] .
إذَا خَلَطَ وَدِيعَةَ شَخْصٍ بِوَدِيعَتِهِ الْأُخْرَى خَلْطًا لَا يَتَمَيَّزُ هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَإِنْ خَلَطَ إحْدَى وَدِيعَتَيْ زَيْدٍ بِالْأُخْرَى بِلَا إذْنِهِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت : وَإِنْ أُودَعَهُ كِيسَيْنِ فَخَلَطَهُمَا بِلَا إذْنٍ ضَمِنَ ، انْتَهَى .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنْ يَضْمَنَهُمَا ، فَإِنَّهُمَا قَالَا : إذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ ضَمِنَهَا ، وَقَالَا لَمَّا نَصَرَا هَذَا الْقَوْلَ : وَلَنَا أَنَّهُ خَلَطَهَا بِمَالِهِ خَلْطًا لَا يَتَمَيَّزُ ، فَوَجَبَ ضَمَانُهَا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قَالُوا : إذَا خَلَطَهَا بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ ضَمِنَهَا .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَضْمَنُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِ مَا إذَا خَلَطَهَا بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ : وَلِأَنَّهُ إذَا خَلَطَهَا بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ إمْكَانَ رَدِّهَا ، فَلَزِمَ ضَمَانُهَا كَمَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي لُجَّةِ بَحْرٍ فَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ، لِأَنَّهُ إذًا لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى نَفْسِهِ إمْكَانَ رَدِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ أَخَذَ دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ ضَمِنَهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا إنْ رَدَّ بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا ، وَعَنْهُ : أَوْ غَيْرُهُ ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ فِي أَخْذِهِ مِنْهَا فَرَدَّ بَدَّلَهُ بِلَا إذْنِهِ ، وَمَتَى جَدَّدَ لَهُ اسْتِئْمَانًا أَوْ أَبْرَأهُ بَرِيءَ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَرَدِّهِ إلَيْهِ ، أَوْ إنْ خُنْت ثُمَّ تَرَكْت فَأَنْتَ أَمِينِي ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ : يَضْمَنُ بِنِيَّةِ التَّعَدِّي ، كَمُلْتَقِطٍ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّرْغِيبِ ( م 7 ) وَإِنْ خَرَقَ فَوْقَ الْمَسْدُودِ فَأَرْشُ الْكِيسِ .
مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَفِيهِ وَجْهٌ : يَضْمَنُ بِنِيَّةِ التَّعَدِّي كَمُلْتَقِطٍ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّرْغِيبِ ، انْتَهَى وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَضْمَنُ اللُّقَطَةَ بِنِيَّةِ التَّعَدِّي فِيهَا ، كَمَا لَا يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ بِذَلِكَ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ ، يَعْنِي صَاحِبَ الْمُقْنِعِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَضْمَنُ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي التَّضْمِينِ بِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِ الْكِتْمَانِ ، وَيُخَالِفُ الْمُودَعَ فَإِنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فَإِنْ نَوَى الْمُلْتَقِطُ اخْتِزَالَهُ أَوْ تَمَلُّكَهُ فِي الْحَالِ أَوْ كَتَمَهُ ضَمِنَهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ ، وَإِنْ عَرَفَهُ بَعْدُ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، انْتَهَى .

وَإِنْ قَالَ اسْتَخْدِمْهُ فَفَعَلَ صَارَ عَارِيَّةً ، وَإِنْ ادَّعَى إذْنَهُ فِي دَفْعِهَا لِفُلَانٍ وَأَنَّهُ دَفَعَ قَبْلُ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، [ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ ] ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَقَالَ : وَافَقُوا إنْ أَقَرَّ بِإِذْنِهِ ، وَقِيلَ ذَلِكَ كَوَكَالَةٍ بِقَضَاءِ دَيْنٍ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى [ عَلَيْهِ ] لِلْمَالِكِ غَيْرُ الْيَمِينِ مَا لَمْ يُقِرَّ بِالْقَبْضِ .

وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ إنْ [ ادَّعَى ] الرَّدَّ إلَى رَسُولٍ مُوَكَّلٍ وَمُودِعٍ فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ضَمِنَ ، لِتَعْلِيقِ الدَّفْعِ بِثَالِثٍ ، وَيُحْتَمَلُ : لَا ، وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ قَصَّرْت لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَضَاهُ فِي غَيْبَتِهِ وَتَرَكَ الْإِشْهَادَ ضَمِنَ ، لِأَنَّ مَبْنَى الدَّيْنِ عَلَى الضَّمَانِ ، وَيَحْتَمِلُ إنْ أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ ، كَذَا قَالَ ، وَلَوْ قَالَ : لَمْ تُودِعنِي ثُمَّ ثَبَتَتْ لَمْ يُقْبَلُ دَعْوَى رَدٍّ وَتَلَفٍ ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِهِمَا مُتَقَدِّمًا جُحُودُهُ لَمْ تُسْمَعْ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَبَعْدَهُ تُسْمَعُ بِرَدٍّ ، وَالْأَصَحُّ وَبِتَلَفٍ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا فِي : مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ قَصَّرْت لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْأَزَجِيِّ وَلَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّمَ حُكْمًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ قَالَ : لَك وَدِيعَةٌ ، ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ الْبَقَاءِ ، ثُمَّ عَلِمَ تَلَفَهَا ، أَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا فَأَنْكَرَهُ وَرَثَتُهُ فَوَجْهَانِ ( م 8 و 9 ) وَدَعْوَاهُ الرَّدَّ إلَيْهِمْ أَوْ دَعْوَى وَرَثَتِهِ الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا تُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ .
( مَسْأَلَةٌ 8 و 9 ) وَلَوْ قَالَ لَك وَدِيعَةٌ ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ الْبَقَاءِ ثُمَّ عَلِمَ تَلَفَهَا أَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا فَأَنْكَرَهُ وَرَثَتُهُ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى ، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) لَوْ قَالَ لَك وَدِيعَةٌ ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ الْبَقَاءِ ثُمَّ عَلِمَ تَلَفَهَا فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى .
( أَحَدُهُمَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عِنْدِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَالَ وَدِيعَةً ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ ( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ إلَى حَالِ الْمُودَعِ وَالرُّجُوعَ إلَى الْقَرَائِنِ ( الْمَسْأَلَةُ 9 الثَّانِيَةُ ) لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ قَبِلْنَا قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهَا فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَيَحْتَمِلُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى حَالِ الْمُودَعِ .

وَلَوْ تَلِفَتْ عِنْدَ وَرَثَتِهِ بَعْدَ إمْكَانِ رَدِّهَا فَقِيلَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ إنْ جَهِلَهَا رَبُّهَا ( م 10 ) .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ تَلِفَتْ عِنْدَ وَرَثَتِهِ بَعْدَ إمْكَانِ رَدِّهَا فَقِيلَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ إنْ جَهِلَهَا رَبُّهَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَضْمَنُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْحَاوِي ، قَالَ فِي الْقَاعِدَة الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ : وَالْمَشْهُورُ الضَّمَانُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ : ذَكَرَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَضْمَنُهَا ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ إلَّا الْمُصَنِّفُ ، يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ ( قُلْت ) قَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُهَا إنْ لَمْ يُعْلِمْ بِهَا صَاحِبَهَا ، جَزَمَ بِهِ الْمُحَرَّرُ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : وَهُوَ أَوْلَى .
( تَنْبِيهٌ ) ظَهَرَ مِنْ نَقْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرًا ، لِكَوْنِ الْأَصْحَابِ عَلَى الضَّمَانِ مُطْلَقًا ، أَوْ مَعَ جَهْلِ رَبِّهَا ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا اخْتَارَهُ وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَارِثِيِّ الْمُتَقَدِّمُ ، فَمَا حَصَلَ اخْتِلَافٌ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَعْمَلُ بِخَطِّ أَبِيهِ عَلَى كِيسٍ لِفُلَانٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَخَطِّهِ بِدَيْنٍ لَهُ ، فَيَحْلِفُ ، وَفِي [ عَكْسِهِ ] وَجْهَانِ م 11 ) وَإِسْنَادُ الدَّارِ وَالْكَاتِبِ وَدَفْتَرُهُ وَنَحْوُهُمَا وُكَلَاءُ كَالْأَمِيرِ فِي هَذَا ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ كَاتِبًا خَائِنًا أَوْ عَاجِزًا أَثِمَ بِمَا أَذْهَبَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ ، لِتَفْرِيطِهِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .

( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَيَعْمَلُ بِخَطِّ أَبِيهِ عَلَى كِيسٍ لِفُلَانٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَخَطِّهِ بِدَيْنٍ لَهُ ، فَيَحْلِفُ ، وَفِي عَكْسِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا وَجَدَ خَطَّ أَبِيهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَهَلْ يَعْمَلُ بِهَذَا الْخَطِّ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَاف ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَعْمَلُ بِهِ وَيَكُونُ تَرِكَةً مَقْسُومَةً ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَعْمَلُ بِهِ وَبِدَفْعٍ إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ : الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ قَاطِعًا بِهِ ، وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَارِثِيِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَالْكِتَابَةُ بِالدُّيُونِ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ الْوَدِيعَةِ ، كَمَا قَدَّمْنَا ، حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ خَطِّهِ بِدَيْنٍ لَهُ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " كَخَطِّهِ بِدَيْنٍ لَهُ فَيَحْلِفُ " قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَغَيْرِهِمَا : يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ ، مِثْلُ أَنْ يَجِدَ بِخَطِّهِ دَيْنًا لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ، أَوْ يَجِدُ فِي زُورٍ بَاعَ أَبِيهِ دَيْنًا لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَيَعْرِفُ مِنْ أَبِيهِ الْأَمَانَةَ وَأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ، انْتَهَى .
فَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَبِيهِ إلَّا الْأَمَانَةَ ، انْتَهَى .
وَيُتَصَوَّرُ الْيَمِينُ مِنْ الْوَرَثَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ

فَأَنْكَرَ وَرَدَّ الْيَمِينَ ، فَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا مَا كَتَبَ بِهِ أَبُوهُمْ ، فِيمَا يَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَكَذَا لَوْ أَقَامُوا شَاهِدًا وَيَحْلِفُونَ مَعَهُ ، أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَجْهُولٍ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَدْرَهُ ، فَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى قَدْرِ مَا وُجِدَ مَكْتُوبًا مِنْ أَبِيهِمْ ، عَلَى قَوْلٍ .

، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُ الْمُودِعِينَ نَصِيبَهُ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ يَنْقَسِمُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ : لَا يَنْقُصُ بِتَفْرِقَةٍ لَزِمَهُ دَفْعُهُ ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ ، وَفَرَضَ فِي التَّبْصِرَةِ الْمَسْأَلَةَ فِي عَيْنٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا .

وَيَلْزَمُ الْمُسْتَوْدِعَ مُطَالَبَةُ غَاصِبِهَا ، وَقِيلَ : لَيْسَ لَهُ ، وَمِثْلُهُ مُرْتَهِنٌ وَمُسْتَأْجِرٌ وَمُضَارِبٌ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِيهِ مَعَ حُضُورِ رَبِّ الْمَالِ : لَا يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ سُلِّمَ وَدِيعَةً كُرْهًا لَمْ يَضْمَنْ .

وَإِنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَضْمَنْ ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَضَمَّنَهُ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ فَرَّطَ ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَعِنْدَ أَبِي الْوَفَاءِ إنْ ظَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ كَانَ دَالًّا وَيَضْمَنُ ، وَفِي الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ : يَضْمَنُ الْمَالَ بِالدَّلَالَةِ ، وَهُوَ الْمُودَعُ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : مَنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ وَنَادَى بِتَهْدِيدِ مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلَمْ يَحْمِلْهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ أَوْ عَيَّنَهُ وَتَهَدَّدَهُ وَلَمْ يَنَلْهُ بِعَذَابٍ أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا ( م 12 و 13 ) .

مَسْأَلَةٌ 12 وَ 13 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ لَمْ يَضْمَنْ ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَضَمَّنَهُ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ فَرَّطَ ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَعِنْدَ أَبِي الْوَفَاءِ إنْ ظَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ كَانَ دَالًّا وَيَضْمَنُ ، وَفِي الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ يَضْمَنُ الْمَالَ بِالدَّلَالَةِ ، وَهُوَ الْمُودَعُ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : مَنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ وَنَادَى بِتَهْدِيدِ مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلَمْ يَحْمِلْهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ أَوْ عَيَّنَهُ وَتَهَدَّدَهُ وَلَمْ يَنَلْهُ بِعَذَابٍ أَثِمَ وَضَمِنَ ، وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) مَا إذَا صَادَرَهُ السُّلْطَانُ .
( وَمَسْأَلَةٌ 13 ) مَا إذَا أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا ، فَمَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الثَّانِيَةِ قَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا أَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ مُكْرَهًا لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ سَأَلَهُ عَنْهَا وَرَّى عَنْهَا ، وَإِنْ ضَاقَ النُّطْقُ عَنْهَا جَحَدَهَا وَتَأَوَّلَ أَوْ اسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ ، وَكَذَا إنْ أُحْلِفَ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ : لَهُ جَحْدُهَا وَكَتْمُهَا ، انْتَهَى .
قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَإِذَا قِيلَ التَّوَعُّدُ لَيْسَ إكْرَاهًا فَتَوَعَّدَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى سَلَّمَ فَجَوَابُ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَلَا إثْمَ ، وَفِيهِ بَحْثٌ ، وَإِذَا قِيلَ إنَّهُ إكْرَاهٌ فَنَادَى السُّلْطَانُ إنَّ مَنْ لَمْ يَحْمِلْ وَدِيعَةَ فُلَانٍ عُمِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَحَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ أَثِمَ وَضَمِنَ ، وَبِهِ أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فَتَاوِيهِمَا ، وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْيَمِينِ وَلَا بُدَّ حَلَفَ مُتَأَوِّلًا .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ : لَهُ جَحْدُهَا ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أُخِذَتْ مِنْهُ وَجَبَ الضَّمَانُ ، لِلتَّفْرِيطِ ، وَإِنْ حَلَفَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ أَثِمَ ، وَفِي وُجُوبِ

الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ ، حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْفَتَاوَى ( قُلْت ) : الصَّوَابُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّأْوِيلِ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَّمَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ .
ثُمَّ وَجَدْتُ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ : يُكَفِّرُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَفِيهِ بَحْثٌ ، وَحَاصِلُهُ إنْ كَانَ الضَّرَرُ الْحَاصِلُ بِالتَّغْرِيمِ كَثِيرًا يُوَازِي الضَّرَرَ فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ ، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ : وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَسْقُطُ ضَمَانٌ بِخَوْفِهِ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ ، بَلْ يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا اقْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا فَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا ، وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ، انْتَهَى .

وَمَنْ أَخَّرَ رَدَّهَا بَعْدَ طَلَبِهَا بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ ، وَيُمْهَلُ لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ وَهَضْمِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ بِقَدْرِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ أَخَّرَ لِكَوْنِهِ فِي حَمَّامٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ إلَى قَضَاءِ غَرَضِهِ ضَمِنَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ عَلَى وَجْهٍ ، وَاخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ ، فَقَالَ : يَجِبُ الرَّدُّ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُهُ لِعُذْرٍ سَبَبًا لِلتَّلَفِ ، فَلَمْ أَرَ نَصًّا ، وَيَقْوَى عِنْدِي : يَضْمَنُ ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا جَازَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ وَأَبَى ضَمِنَ ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ ، وَإِنْ مَنَعَهُ أَوْ مَطَلَهُ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ ادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا لَمْ يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، لِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَمَانَةِ بِهِ ، وَمَنْ أَخَّرَ دَفْعَ مَالٍ أُمِرَ بِدَفْعِهِ بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ ، وَقِيلَ : لَا ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِ الْوُجُوبِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ .

وَإِنْ قَالَ : هَذَا وَدِيعَةٌ الْيَوْمَ لَا غَدًا وَبَعْدَهُ يَعُودُ وَدِيعَةً فَقِيلَ : لَا وَدِيعَةَ ، وَقِيلَ : بَلَى فِي الْيَوْمِ ، وَقِيلَ : وَبَعْدَ غَدٍ ( م 14 ) وَإِنْ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ فِي غَدٍ وَبَعْدَهُ يَعُودُ تَعَيُّنُ رَدُّهُ .
مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ هَذَا وَدِيعَةٌ الْيَوْمَ لَا غَدًا وَبَعْدَهُ يَعُودُ وَدِيعَةً فَقِيلَ : لَا وَدِيعَةَ ، وَقِيلَ : بَلَى فِي الْيَوْمِ ، وَقِيلَ : وَبَعْدَ غَدٍ ، انْتَهَى .
قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ : هِيَ وَدِيعَةٌ عَلَى الدَّوَامِ ، نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ ( قُلْت ) : وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِمَّا إذَا شَرَطَ فِي الْخِيَارِ يَوْمًا لَهُ وَيَوْمًا لَا ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الْخِلَافَ ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا فِي بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ ، فَهَذِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ

وَمَنْ اسْتَأْمَنَهُ أَمِيرٌ عَلَى مَالِهِ فَخَشِيَ مِنْ حَاشِيَتِهِ إنْ مَنَعَهُمْ مِنْ عَادَتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ لَزِمَهُ فِعْلُ مَا يُمْكِنُهُ ، وَهُوَ أَصْلَحُ لِلْأَمِيرِ مِنْ تَوَلِّيهِ غَيْرَهُ فَيَرْتَعَ مَعَهُمْ لَا سِيَّمَا وَلِلْأَخْذِ شُبْهَةٌ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .

بَابُ الْغَصْبِ وَهُوَ اسْتِيلَاءٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا ظُلْمًا ، كَأُمِّ وَلَدٍ وَعَقَارٍ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ لَا بِدُخُولِهِ فَقَطْ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ فِي غَصْبِ مَا يُنْقَلُ مِثْلُهُ وَفِي التَّرْغِيبِ إلَّا فِي رُكُوبِهِ دَابَّةً وَجُلُوسِهِ عَلَى فِرَاشٍ ، وَيَرُدُّ كَلْبًا يُقْتَنَى لَا قِيمَتَهُ .
وَفِي الْإِفْصَاحِ : يَضْمَنُهُ وَيَرُدُّ خَمْرَ ذِمِّيٍّ مَسْتُورَةً ، وَعَنْهُ : وَقِيمَتَهَا ، وَقِيلَ : ذِمِّيٌّ .
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ : لَا يَرُدُّهَا وَأَنَّهُ يَلْزَمُ إرَاقَتُهَا إنْ حَدُّوا وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُهُ ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ تَعْزِيرُ مُرِيقِهِ ، وَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَى شُرْبِهِ وَاقْتِنَائِهِ ، لِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ بِالشُّرْبِ وَلَا يُقِرُّونَ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَإِنَّا لَا نَعْرِضُ لَهُمْ ، فَأَمَّا أَنْ نُقِرَّهُمْ فَلَا ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالْمَجُوسِ يُقِرُّونَ عَلَى نِكَاحِ الْمَحَارِمِ الْمَجُوسِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَمِيرَاثٍ ، وَالْمُسْلِمُ يُقَرُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ عَلَى الْخَمْرِ لِلتَّخْلِيلِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ لِلدِّبَاغِ وَالزَّيْتِ النَّجِسِ لِلِاسْتِصْبَاحِ ، ثُمَّ لَا يَضْمَنُ مَنْ أَتْلَفَهُ ، وَقَالَ هُوَ وَالتَّرْغِيبُ وَغَيْرُهُمَا : يَرُدُّ الْخَمْرَ الْمُحْتَرَمَةَ ، وَيَرُدُّ مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ لَا مَا أُرِيقَ فَجَمَعَهُ آخَرُ فَتَخَلَّلَ ، لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا ، وَسَبَقَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّ لَنَا خَمْرًا مُحْتَرَمَةً .

وَفِي رَدِّ صَيْدِهِ أَوْ أُجْرَتِهِ أَوْ هُمَا أَوْجُهٌ ( م 1 و 2 ) وَمِثْلُهُ فَرَسٌ ( م 3 و 4 ) وَيَرُدُّ صَيْدَ عَبْدٍ ، وَفِي أُجْرَتِهِ الْوَجْهَانِ ( م 5 ) قِيلَ : وَكَذَا أُحْبُولَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ : رِبْحُ الدَّرَاهِمِ لِمَالِكِهَا ، وَيَسْقُطُ عَمَلُ الْغَاصِبِ .

بَابُ الْغَصْبِ ( مَسْأَلَةٌ 1 وَ 2 ) قَوْلُهُ : وَفِي رَدِّ صَيْدِهِ أَوْ أُجْرَتِهِ أَوْ هُمَا أَوْجُهٌ ، انْتَهَى ، شَمِلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا غَصَبَ جَارِحًا وَصَادَ بِهِ فَهَلْ يَرُدُّ الصَّيْدَ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْجَارِحُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَرُدُّهُ : فَيَكُونُ لِمَالِكِ الْجَارِحَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : فَلِرَبِّهِ ، فِي الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ أَيْضًا أُجْرَةُ مُدَّةِ اصْطِيَادِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَهِيَ : ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَلْزَمُهُ ، قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ : هُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَلَا أُجْرَةَ لِرَبِّهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ ، فِي الْأَظْهَرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَلْزَمُهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِي صَيْدِ الْعَبْدِ .
( مَسْأَلَةٌ 3 وَ 4 ) قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ فَرَسٌ ، انْتَهَى .
أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي صَيْدِ الْفَرَسِ ، هَلْ هُوَ لِرَبِّهَا أَوْ لِلْغَاصِبِ ؟ وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ لِمَالِكِهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : فَلِرَبِّهِ ، فِي الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ لِلْغَاصِبِ ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ قَوِيٌّ ، انْتَهَى .
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّينِ : وَيَتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا غَصَبَ فَرَسًا وَكَسَبَ عَلَيْهِ مَالًا

إنْ جَعَلَ الْكَسْبَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَمَالِكِ الدَّابَّةِ عَلَى قَدْرِ نَفْعِهِمَا ، بِأَنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعَةُ الرَّاكِبِ وَمَنْفَعَةُ الْفَرَسِ ثُمَّ يُقْسَمُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا ، انْتَهَى ( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْعَل لِرَبِّ الْفَرَسِ الثُّلُثَانِ وَلِلْغَاصِبِ الثُّلُثُ ، قِيَاسًا عَلَى الْغَنِيمَةِ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) شَمِلَ قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فَرَسٌ مَسْأَلَتَيْنِ : مَا تَقَدَّمَ ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ( وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4 ) أُجْرَتُهُ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ هَلْ تَلْزَمُ الْغَاصِبَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ أُجْرَةِ الْجَارِحِ الَّذِي صَادَ بِهِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : ( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَيَرُدُّ صَيْدَ عَبْدٍ ، وَفِي أُجْرَتِهِ الْوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي بِهِمَا الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الْجَارِحِ وَالْفَرَسِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَذَا يَكُونُ الصَّحِيحُ هُنَا ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَلَا تَدْخُلُ أُجْرَتُهُ تَحْتَهُ إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ النَّافِعِ ، انْتَهَى .

وَفِي رَدِّ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَلَوْ دَبَغَهُ غَاصِبُهُ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : وَلَوْ طَهُرَ ( م 6 و 7 ) قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا التَّمَّارِ الدَّابَّةُ إذَا أَصَابَهَا إنْسَانٌ مَيْتَةً يَأْخُذُ ذَنَبَهَا ؟ قَالَ : إذَا كَانَتْ قَدْ تَرَكَهَا صَاحِبُهَا .
احْتَجَّ بِهِ فِي الْخِلَافِ عَلَى طَهَارَةِ شَعْرِهَا .

( مَسْأَلَةٌ 6 وَ 7 ) قَوْلُهُ : وَفِي جِلْدِ مَيْتَةٍ وَلَوْ دَبَغَهُ غَاصِبُهُ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ وَلَوْ طَهُرَ ، انْتَهَى ، فِيهِ الْمَسْأَلَتَانِ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) إذَا غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَلَمْ يَدْبُغْهُ غَاصِبُهُ فَهَلْ يَجِبُ رَدُّهُ أَمْ لَا إذَا قُلْنَا لَا يَطْهُرُ ؟ وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَأَوْجُهٌ : الرَّدُّ وَعَدَمُهُ وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي يَابِسٍ رَدَّهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ فَهَدَرٌ ، وَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا يَطْهُرُ رَدَّهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي رَدِّهِ مُطْلَقًا إذَا غَصَبَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيُّ : الْوَجْهَانِ هُنَا مَبْنِيَّانِ عَلَى طَهَارَتِهِ بِالدَّبْغِ وَعَدَمِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا يَطْهُرُ وَجَبَ رَدُّهُ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ ، وَقَطَعُوا بِذَلِكَ ، وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْكَافِي فَقَالَ : وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَفِي وُجُوبِ رَدِّهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى طَهَارَتِهِ بِالدَّبَّاغِ ، إنْ قُلْنَا يَطْهُرُ وَجَبَ رَدُّهُ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ ، كَكَلْبِ الصَّيْدِ ، انْتَهَى وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ أَيْضًا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، فَتَلَخَّصَ لَنَا أَنَّا إذَا قُلْنَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَدَبَغَهُ رَدَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَقَطَعُوا بِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَحَكَى تَبَعًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ قَوْلًا بِعَدَمِ الرَّدِّ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْبُغْهُ هَلْ يَجِبُ رَدُّهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ

فِيهِ وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يَجِبُ رَدُّهُ ، بِنَاءً عَلَى مَا بَنَاهُ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَطَعُوا بِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا ، إنْ لَمْ يَطْهُرْ لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ ، وَكَذَا حُكْمُ مَا قَبْلَ الدَّبْغِ إذَا لَمْ يَطْهُرْ ، وَالصَّوَابُ أَنَّا إنْ قُلْنَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ يَجِبُ رَدُّهُ ، انْتَهَى .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) إذَا دَبَغَهُ غَاصِبُهُ وَقُلْنَا لَا يَطْهُرُ ، فَهَلْ يَجِبُ رَدُّهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ إلَّا إذَا قُلْنَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ ، وَقَدْ قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ دَبَغَهُ فَفِي رَدِّهِ الْوَجْهَانِ الْمُبَيَّنَانِ أَيْضًا ، إنْ قِيلَ بِالطَّهَارَةِ وَجَبَ رَدُّهُ ، لِأَنَّهُ قَالَ : فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ الْمُتَخَلَّلَةَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ ، لِصَيْرُورَتِهِ مَالًا بِفِعْلِهِ ، بِخِلَافِ الْخَمْرَةِ الْمُتَخَلَّلَةِ ، فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهَا ، وَفِي هَذَا الْفَرْقِ بَحْثٌ ، فَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَجِبْ ، لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا قِيمَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ ، فَتَجِبُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدَّبْغِ ، انْتَهَى .

وَلَا تَثْبُتُ يَدٌ عَلَى بُضْعٍ ، فَيَصِحُّ تَزْوِيجُهَا ، وَلَا يَضْمَنُ نَفْعَهَا ، خِلَافًا لِعُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي أَمَةٍ حَبَسَهَا ، كَمَا يَضْمَنُ بَقِيَّةَ مَنَافِعِهَا ، وَكَذَا فِي الِانْتِصَارِ ، وَفِيهِ : لَوْ خَلَا بِهَا لَزِمَهُ مَهْرٌ ، وَاحْتَجَّ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ .

وَلَا يَضْمَنُ حُرٌّ وَقِيلَ كَبِيرٌ بِغَصْبِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي ثِيَابِهِ الَّتِي لَمْ يَنْزِعْهَا عَنْهُ وَأُجْرَتِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَإِيجَارِ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ وَجْهَانِ ( م 8 - 10 ) وَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ كَرْهًا لَزِمَتْهُ [ أُجْرَتُهُ ] وَلَوْ مَنَعَهُ الْعَمَلَ وَلَوْ عَبْدًا فَلَا ، وَيَتَوَجَّهُ بَلَى فِيهِمَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : فِي مَنْفَعَةِ حُرٍّ وَجْهَانِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : لَا تَلْزَمُهُ بِإِمْسَاكِهِ ، لِعَدَمِ تَلَفِهَا تَحْتَ يَدِهِ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَمْسَكَهُ ، لِأَنَّ الْحُرَّ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ ، كَمَا لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الَّذِي عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ يَدَ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَمَنْفَعَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ .

( مَسْأَلَةٌ 8 - 10 ) قَوْلُهُ : وَلَا يَضْمَنُ حُرٌّ وَقِيلَ : كَبِيرٌ بِغَصْبِهِ .
وَفِي الْأَصَحِّ ، وَفِي ثِيَابِهِ الَّتِي لَمْ يَنْزِعْهَا عَنْهُ وَأُجْرَتِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَإِيجَارِ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ .
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) هَلْ يَضْمَنُ الثِّيَابَ الَّتِي عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَكَذَا حُكْمُ الْجَلِيَّةِ عَلَيْهِ ( أَحَدُهُمَا ) يَضْمَنُهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ أَصَحُّ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَضْمَنُهَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9 ) هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ مُدَّةَ حَبْسِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَلْزَمُهُ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَعَلَيْهِ دَلَّ نَصُّهُ ، انْتَهَى .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 10 ) حُكْمُ إيجَارِ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ حُكْمُ إجَارَتِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا ( قُلْت ) بَلْ هُنَا أَوْلَى بِلُزُومِ الْأُجْرَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ صَحَّ غَصْبُهُ صَحَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُسْتَأْجِرُهُ ، وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : لَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ آخَرَ إذَا

قُلْنَا لَا تَثْبُتُ يَدُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ ، وَإِنْ قُلْنَا تَثْبُتُ صَحَّ ، انْتَهَى .

وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَإِنْ بَعَّدَهُ وَرَدُّ مَغْصُوبٍ بِزِيَادَتِهِ مُطْلَقًا ، وَفِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ تَخْرِيجٌ فِي الِانْتِصَارِ ( و هـ ) فَإِنْ قَالَ رَبُّهُ دَعْهُ وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدِ غَصْبِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ، فَإِنْ رَقَعَ بِهِ سَفِينَةً لَمْ تُقْلِعْ فِي اللُّجَّةِ ، وَقِيلَ : مَعَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ مَالِ الْغَيْرِ ، جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ ، وَإِنْ خَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ وَخِيفَ ضَرَرُ آدَمِيٍّ ، وَقِيلَ : تَلَفُهُ كَغَيْرِهِ بِقَلْعِهِ ، فَالْقِيمَةُ ، فَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا لِغَاصِبِهِ فَأَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ يُذْبَحُ الْمُعَدُّ لِلْأَكْلِ ( م 11 ) وَإِنْ مَاتَ رَدَّهُ ، وَقِيلَ : وَلَوْ آدَمِيًّا ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : الْحَيَوَانُ أَكْثَرُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ مَائِهِ مِنْهُ ، وَلَهُ قَتْلُهُ دَفْعًا عَنْ مَالِهِ ، قِيلَ : لَا عَنْ نَفْسِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ خَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ وَخِيفَ ضَرَرُ آدَمِيٍّ وَقِيلَ تَلَفُهُ .
فَالْقِيمَةُ ، فَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا لِغَاصِبِهِ فَأَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ يُذْبَحُ الْمُعَدُّ لِلْأَكْلِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الشَّارِحُ .
( أَحَدُهُمَا ) يُذْبَحُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُذْبَحُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) إنْ كَانَ مُعَدًّا لِلْأَكْلِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالدَّجَاجِ وَنَحْوِهَا ذُبِحَ وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ حَسَنٌ .

وَإِنْ بَنَى فِي الْأَرْضِ أَوْ غَرَسَ لَزِمَهُ الْقَلْعُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ : وَالتَّسْوِيَةُ وَالْأَرْشُ وَالْأُجْرَةُ ، فَإِنْ كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ عَنْ الْمَغْصُوبِ فَأُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةٌ ، وَإِلَّا أُجْرَتُهَا ، فَلَوْ أَجَّرَهَا فَالْأُجْرَةُ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ يَبْنِي فِيهَا وَيُؤَجِّرُهَا : الْغَلَّةُ عَلَى النِّصْفِ ، وَنَصُّهُ : الثَّمَرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : لَهُ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ : يَكُونُ شَرِيكًا بِزِيَادَةِ بِنَاءٍ ، وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا بِقِيمَتِهِ ، وَفِي الْبِنَاءِ قَوْلٌ ، وَلَا غَرَضَ صَحِيحَ فِي نَقْضِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيهِ : لَا يَلْزَمُهُ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ ، وَرَوَى الْخَلَّالُ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { لَهُ مَا نَقَصَ } قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : هَذَا مَنَعَنَا مِنْ الْقِيَاسِ .
وَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِيهِمَا لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ وَزَادَ : وَتَرْكُهُ بِأُجْرَةٍ .

وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ وَفِي الْقَلْعِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ( م 12 ) وَإِنْ زَرَعَ وَحَصَدَهُ فَالْأُجْرَةُ .
وَنَقَلَ حَرْبٌ : كَمَا لَمْ يَحْصُدْ ، فَيُخَيِّرُ رَبَّ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَفَقَتِهِ ، وَعَنْهُ : بِقِيمَتِهِ زَرْعًا ، فَلَهُ أُجْرَةُ أَرْضِهِ إلَى تَسْلِيمِهِ ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : لَا ، نَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ وَنَقَلَ مُهَنَّا : بِأَيِّهِمَا شَاءَ .
مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ يَعْنِي لَوْ وَهَبَ الْغَاصِبُ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ كُلْفَةَ ذَلِكَ وَفِي الْقَلْعِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ [ انْتَهَى ] يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ وَهَبَهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ إنْ أَرَادَ الْقَلْعَ ، وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُجْبَرُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدْ قَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ فِي نَظِيرَتِهَا فِي الصَّدَاقِ عَدَمَ اللُّزُومِ ، فَكَذَا هُنَا ، وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُجْبَرُ ، إذْ لَا ضَرَرَ لَهُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي نَظِيرَتِهَا فِي الصَّدَاقِ ، عَلَى مَا يَأْتِي .

وَيُزَكِّيهِ إنْ أَخَذَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ( م 13 ) وَبَيْنَ تَرْكِهِ إلَى حَصَادِهِ بِأُجْرَتِهِ ، وَقِيلَ : لِلْغَاصِبِ بِالْأُجْرَةِ ، وَقِيلَ : لَهُ قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ : قَسَمَ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، كَذَلِكَ قَالَ ، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَ مَعَهُ أَوْ بَهَائِمَهُ " فَأَبَى فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ ، كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فِيهَا بُنْيَانٌ سَكَنَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ رَبُّ الْأَرْضِ ، كَالْحَمْلِ لِرَبِّ الْأُمِّ ، لَكِنَّ الْمَنِيَّ لَا قِيمَةَ لَهُ ، بِخِلَافِ الْبَذْرِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَهَلْ الرُّطَبَةُ وَنَحْوُهَا كَزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ .
م 14 )

مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَيُزَكِّيهِ إنْ أَخَذَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ وُجُوبِهَا ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ .
( أَحَدُهُمَا ) يُزَكِّيهِ الْغَاصِبُ ( قُلْت ) : وَهَذَا الصَّحِيحُ ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ إلَى حِينِ أَخْذِ رَبِّ الْأَرْضِ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُزَكِّيهِ آخِذُهُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى النُّصُوصِ ، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ اخْتَارُوا أَنَّ الزَّرْعَ مِنْ أَصْلِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ .
مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ الرُّطَبَةُ وَنَحْوُهَا كَزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ كَالزَّرْعِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ : لِأَنَّهُ زَرْعٌ لَيْسَ لَهُ فَرْعٌ قَوِيٌّ ، فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ( قُلْت ) وَكَلَامِ غَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ كَالْغِرَاسِ ، اخْتَارَهُ النَّاظِمُ فَقَالَ : وَكَالْغَرْسِ فِي الْأَقْوَى الْمُكَرَّرِ جَزُّهُ

وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ طَمُّهَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، وَقِيلَ : لَا ، وَإِنْ أَبْرَأ رَبُّهَا وَقَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : أَوْ مَنَعَهُ فَوَجْهَانِ ( م 15 ) .
( مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ طَمُّهَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَقِيلَ : لَا ، وَإِنْ أَبْرَأهُ رَبُّهَا وَقَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : أَوْ مَنَعَهُ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْلِكُهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ فِي التَّلْخِيصِ : وَإِنْ غَصَبَ دَارًا أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا فَأَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا أَبْرَأهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِهَا ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : أَصْلُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ هَلْ الرِّضَى الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ لِلْحَفْرِ أَمْ لَا ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ ، انْتَهَى .
وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ : فَلَهُ طَمُّهَا ، مُطْلَقًا ، وَإِنْ سَخِطَ رَبُّهَا فَالْوَجْهُ الْمَنْعُ وَالْإِثْبَاتُ ، وَالثَّالِثُ إنْ أَبْرَأهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا وَصَحَّ فِي وَجْهٍ فَلَا ، زَادَ فِي الْكُبْرَى رَابِعًا : وَهُوَ إنْ كَانَ غَرَضُهُ فِيهِ صَحِيحًا لِدَفْعِ ضَرَرٍ وَخَطَرٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَهُ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَخَامِسًا : وَهُوَ إنْ تَرَكَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ غَيْرِ رَبِّهَا فَلَا ، وَقِيلَ : بَلَى ، لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، انْتَهَى .

وَإِنْ زَالَ اسْمَهُ كَنَسْجِ غَزْلٍ وَطَحْنِ حَبٍّ وَنَجْرِ خَشَبَةٍ وَضَرْبِ مَطْبُوعٍ وَطِينٍ لِبِنَاءٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَشَوَاهُ رَدَّهُ وَنَقَصَهُ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَأَخَذَ الْقَاضِي عَدَمَ مِلْكِهِ مِنْ ذَبْحِ السَّارِقِ لَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ ، وَعَنْهُ : يَمْلِكُهُ بِعِوَضِهِ قَبْلَ تَغْيِيرِهِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِي جَعْلِ حَدِيدٍ سُيُوفًا : يُقَوَّمُ فَيُعْطِيهِ الثَّمَنَ عَلَى الْقِيمَةِ حَدِيثَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي الزَّرْعِ أَعْطُوهُ ثَمَنَ بَذْرِهِ } وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَهُمَا ، وَعَنْهُ : يَصِيرُ شَرِيكًا بِزِيَادَتِهِ ، ذَكَرَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ أَوْ بَيْضًا فَجَعَلَهُ تَحْتَ دَجَاجَةٍ فَفَرَّخَ أَوْ نَوَى فَغَرَسَهُ وَفِي الِانْتِصَارِ أَوْ غُصْنًا فَصَارَ شَجَرَةً رَدَّهُ وَنَقَصَهُ ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ كَمَا قَبْلَهُ .

فَصْلٌ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ ، وَلَوْ بِنَبَاتِ لِحْيَةِ أَمْرَدَ أَوْ قَطْعَ ذَنَبَ حِمَارٍ ، وَعَنْهُ : يَضْمَنُ رَقِيقًا أَوْ بَعْضَهُ بِمُقَدَّرٍ وَلَوْ شَعْرًا مِنْ حُرٍّ بِمُقَدَّرٍ مِنْ قِيمَتِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ ، وَفِيهَا رِوَايَةٌ : بِمَا نَقَصَ ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ وَشَيْخُنَا ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَالْمَذْهَبُ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا بِقِيمَتِهِ مَا بَلَغَتْ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَبْلُغُ بِهَادِيَةِ حُرٍّ ، وَقِيلَ : بِأَكْثَرِهِمَا ، كَغَصْبِهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ [ فِي ] عَيْنِ خَيْلٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ رُبْعُ قِيمَتِهَا ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَخَصَّ فِي الرَّوْضَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ ، وَأَنَّ عَيْنَ غَيْرِهَا بِمَا نَقَصَ ، وَأَحْمَدُ قَالَهُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ ، وَكَذَا قَالَهُ عُمَرُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ نَقْصُهُ كَبُرٍّ ابْتَلَّ وَعَفِنَ فَقِيلَ : أَرْشُهُ ، وَقِيلَ : بَدَلُهُ ، وَخَيَّرَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَخَبَرُهُ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَ بَدَلِهِ أَوْ يَصْبِرَ لِيَسْتَقِرَّ فَبِأَخْذِهِ وَأَرْشِهِ ( م 16 ) .

مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ نَقْصُهُ كَبُرٍّ ابْتَلَّ وَعَفِنَ ، فَقِيلَ : أَرْشُهُ ، وَقِيلَ : بَدَلُهُ وَخَيَّرَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَخَيَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَ بَدَلِهِ أَوْ يَصْبِرُ لِيَسْتَقِرَّ فَيَأْخُذَهُ وَأَرْشَهُ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَهُ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ بَدَلُهُ كَمَا فِي الْهَالِكِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ : الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَالشِّيرَازِيِّ ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ، وَالشَّرِيفِ الزَّيْدِيِّ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَكْرُوسٍ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ : لِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَهَا النُّقْصَانَ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ وَخِيفَ الزِّيَادَةُ فِي الْبَاقِي فَلَهُ بَدَلُهُ ، كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ ، وَكَذَا قَالَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
( وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ ) يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهِ وَبَيْنَ تَرْكِهِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهُ فَيَأْخُذَهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ : قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِهِ ، انْتَهَى ، ( قُلْت ) وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَصَحُّهَا .

وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَ سِعْرٍ كَسَمِينٍ هَزِلَ فَزَادَتْ [ قِيمَتُهُ ] وَعَنْهُ : يَلِي ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى كَعَبْدٍ خَصَاهُ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ، وَقِيلَ : مَعَ تَلَفِهِ ، وَلَا مَرَضًا عَادَ بِبُرْءٍ ، وَنَصُّهُ : يَضْمَنُ ، كَزِيَادَةٍ فِي يَدِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، فَإِنْ عَادَ مِثْلُهَا مِنْ جِنْسِهَا ، كَسِمَنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ صَنْعَةٍ أُخْرَى ، وَقِيلَ : أَوْ جِنْسَيْنِ كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمٍ ، فَوَجْهَانِ ( م 17 و 18 ) .

( مَسْأَلَةٌ 17 ، 18 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ عَادَ مِثْلُهَا مِنْ جِنْسِهَا ، كَسَمِنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ صَنْعَةٍ أُخْرَى ، فَوَجْهَانِ انْتَهَى ، فِيهِ مَسْأَلَتَانِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 17 ) إذَا عَادَ مِثْلُ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَهَبَتْ مِنْ جِنْسِهَا ، مِثْلَ أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ ، ثُمَّ هَزِلَ فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ سَمِنَ فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ ، فَهَلْ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ الْأُولَى أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَضْمَنُهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، كَنَصِّهِ فِي الْخَلْخَالِ يُكْسَرُ ، قَالَ : يُصْلِحُهُ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَهُوَ أَحَدُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ ، قَالَ الشَّيْخ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : هَذَا أَقْيَسُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَضْمَنُهَا ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ : ضَمِنَهَا ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 18 ) لَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً غَيْرَ الصَّنْعَةِ الَّتِي نَسِيَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ ، فَهَلْ يَضْمَنُهَا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَالْحُكْمُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا ( قُلْت ) : وَيَتَوَجَّهُ الضَّمَانُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .

وَيَضْمَنُ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ وَإِتْلَافَهُ مَالَ رَبِّهِ ، وَلِرَبِّ الْجِنَايَةِ مُطْلَقًا الْقَوَدُ ، وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ جِنَايَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ ، لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ .

وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهِمَا لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْهُ وَفِي الْوَسِيلَةِ وَالْمُوجَزِ : قَسَّمَ ثَمَنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَشَرِيكَانِ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا ، كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ ، نُصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : مَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ كَتَالِفٍ ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي زَيْتٍ بِزَيْتٍ عَلَى الشَّرِكَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهِمَا لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْهُ ، انْتَهَى .
أَصْلُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ كَثِيرٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَقَالَ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ : وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ وَالْمُوجَزِ : يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهَا ، انْتَهَى .
قَالَ الْحَارِثِيُّ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الشَّرِكَةُ ، كَمَا فِي الْأَوَّلِ ، لَكِنْ يُبَاعُ ، وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْحِصَّةِ ، كَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمْ حَتَّى قَالُوا بِهِ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ .
وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ ، وَأَظُنّهُ قَوْلَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : وَأَمَّا إجْرَاءُ هَذَا الْوَجْهِ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَوَاهٍ جِدًّا ، لِأَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ ، وَقِسْمَتُهَا مُمْكِنَةٌ ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْبَيْعِ ؟ وَرَدَّهُ بِرَدٍّ حَسَنٍ .

فَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ بِاثْنَيْنِ لِآخَرَ فَتَلِفَ اثْنَانِ فَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ نِصْفَانِ ، يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ ( م 19 ) .
( مَسْأَلَةٌ 19 ) قَوْلُهُ : فَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ بِاثْنَيْنِ لِآخَرَ فَتَلِفَ اثْنَانِ فَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ نِصْفَانِ : يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَجَّهَهُمَا الْمُصَنِّفُ مِنْ عِنْدِهِ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ ، حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ ، فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون التَّالِفُ لِهَذَا دِرْهَمٌ ، وَلِهَذَا دِرْهَمٌ ، فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمَيْنِ بِالْبَاقِي ، فَتَسَاوَيَا ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ ( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ الْقُرْعَةَ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْوَجْهَيْنِ ، لِأَنَّا مُتَحَقِّقُونَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْنَا فَأَخْرَجْنَاهُ بِالْقُرْعَةِ ، كَمَا فِي نَظَائِرِهِ ، وَهُوَ كَثِيرٌ ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، فَمَنَّ اللَّهُ بِهِ ، فَلَهُ الْحَمْدُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ شُبْرُمَةَ لَمْ يَقُولَا بِالْقُرْعَةِ ، فَلَمْ يُعَرِّجَا عَلَيْهَا .

وَإِنْ صَبَغَ ثَوْبًا فَشَرِيكَانِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَزِيَادَةُ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا لِمَالِكِهِ ، وَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَيُمْنَعُ طَالِبُ قَلْعِ الصَّبْغِ مِنْهُمَا ، وَقِيلَ : لَا ، مَعَ ضَمَانِهِ النَّقْصَ ، وَعَنْهُ : لَا يَضْمَنُهُ رَبُّ الثَّوْبِ ، كَبِنَاءٍ ، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ الصَّبْغِ هِبَةً ، كَنَسْجِ غَزْلٍ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَسَامِيرَ سَمَّرَ بِهَا بَابًا ، فِي الْأَصَحِّ ، وَيَضْمَنُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ بِمِثْلِهِ ، وَعَنْهُ : بِقِيمَتِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَذَكَرَ أَيْضًا الْقِيمَةَ فِي نَقْرَةٍ وَسَبِيكَةٍ وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ ، كَمَا فِيهِ صِنَاعَةٌ مُبَاحَةٌ لَا مُحَرَّمَةٌ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبِقِيمَةِ مِثْلِهِ يَوْمَ تَعَذَّرَ ، وَعَنْهُ : يَوْمَ غَصْبِهِ ، وَقِيلَ : أَكْثَرُهُمَا إلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَوْمَ تَلَفِهِ وَعَنْهُ : يَوْمَ قَبَضَ بَدَلَهُ ، وَقِيلَ : أَكْثَرُهُمَا ، وَعَنْهُ : يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ ، وَإِنْ غَرِمَهَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَيَّ الْمِثْلِ لَمْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَيَضْمَنُ غَيْرُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، عَنْهُ : يَوْمَ غَصْبِهِ ، وَعَنْهُ : أَكْثَرُهُمَا وَعَنْهُ : فِي مَغْصُوبٍ بِمِثْلِهِ .
وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى [ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ ] وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } وَعَنْهُ : وَمَعَ قِيمَتِهِ ، وَعَنْهُ : غَيْرُ حَيَوَانٍ بِمِثْلِهِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَعَنْهُ : لَا يَبْلُغُ بِقِيمَةِ رَقِيقٍ [ يَوْمَ ] أَتْلَفَهُ دِيَةَ حُرٍّ وَفِي الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ : فَيَنْقُصُ عَنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ .
وَفِي الِانْتِصَارِ وَالْمُفْرَدَاتِ : لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُقَوَّمِ ، لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ كَسَرَ خَلْخَالًا يُصْلِحُهُ وَيَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ بِبَلَدِ غَصْبِهِ ، وَعَنْهُ : تَلَفُهُ مِنْ غَالِبِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الضَّمَانِ .

وَإِنْ نَسَجَ غَزْلًا أَوْ عَجَنَ دَقِيقًا فَقِيلَ : مِثْلُهُ ، وَقِيلَ : أَوْ الْقِيمَةُ ( م 20 ) وَيُقْبَلُ قَوْلُ غَاصِبِهِ فِي تَلَفِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بِبَدَلِهِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْمَالِ ، مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ ، وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ وَمُوسَى : يُخَيَّرُ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
مَسْأَلَةٌ 20 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَسَجَ غَزْلًا أَوْ عَجَنَ دَقِيقًا فَقِيلَ : مِثْلُهُ ، وَقِيلَ : أَوْ الْقِيمَةُ ، انْتَهَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هُوَ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ عِوَضُهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : هُوَ أَوْلَى عِنْدِي ، انْتَهَى ، وَيَحْتَمِلُهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْمُتَقَدِّمُ ، بَلْ هُوَ ظَاهِرُهُ

وَلَوْ غَصَبَ جَمَاعَةٌ مُشَاعًا فَرَدَّ وَاحِدٌ سَهْمَ وَاحِدٍ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ حَتَّى يُعْطِيَ شُرَكَاهُ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ صَالَحُوهُ عَنْهُ بِمَالٍ .
نَقَلَهُ حَرْبٌ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ بَيْعُ الْمُشَاعِ ، وَلَوْ زَكَّاهُ رَبُّهُ رَجَعَ بِهَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي : لَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ ، كَمَنْفَعَةٍ .

وَإِنْ أَبَقَ مَغْصُوبٌ فَلِرَبِّهِ أَخْذُ قِيمَتِهِ ، لِلْحَيْلُولَةِ ، كَمُدَبَّرٍ ، لَا لِفَوَاتِهِ ، فَلَوْ رَجَعَ لَزِمَهُ رَدُّهُ بِزِيَادَتِهِ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ ، لَا زِيَادَةَ مُنْفَصِلَةَ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا : إنَّهُ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ لَا يَمْلِكُهَا ، وَإِنَّمَا حَصَّلَ بِهَا الِانْتِفَاعَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ ، فَمَا اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ ، كَقِيمَةِ الْمُدَبَّرِ عِنْدَهُمْ وَكَأَخْذِ بَدَلِ ضَوْءِ عَيْنَيْهِ مِمَّنْ أَذْهَبَهُ ، فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ ثُمَّ عَادَ الضَّوْءُ رَجَعَ عَلَيْهِ ، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ ، كَمَا يَضْمَنُ شُهُودُ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ رَجَعُوا لِلتَّفْوِيتِ .

، وَفِي حَبْسِهِ لِيَرُدَّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ وَجْهَانِ ( م 21 ) .
مَسْأَلَةٌ 21 ) قَوْلُهُ : وَفِي حَبْسِهِ لِيَرُدَّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَهَلْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا هَلْ يَحْبِسُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ عَلَى رَدِّ الثَّمَنِ ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُ ، بَلْ يُدْفَعَانِ إلَى عَدْلٍ لِيُسَلِّمَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَالَهُ ، انْتَهَى ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْلَى .

وَإِنْ تَخَمَّرَ عَصِيرٌ فَقِيلَ : قِيمَتُهُ ، وَقِيلَ : مِثْلُهُ ( م 22 ) وَإِنْ تَخَلَّلَ رَدَّهُ وَنَقَصَ قِيمَةَ الْعَصِيرِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَصِيرِ ، لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنُهُ ، كَحَمَلٍ صَارَ كَبْشًا ، وَإِنْ غَلَاهُ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِهِ ، وَكَذَا نَقْصُهُ ، وَيَحْتَمِلُ : لَا ، لِأَنَّهُ مَاءٌ .
( مَسْأَلَةٌ 22 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ تَخَمَّرَ عَصِيرٌ فَقِيلَ : قِيمَتُهُ ، وَقِيلَ : مِثْلُهُ ، انْتَهَى ( أَحَدُهُمَا ) عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ انْتَهَى ( قُلْت ) وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا ، لِأَنَّ لَهُ مِثْلًا ، وَقَدْ بَقِيَ فِي حُكْمِ التَّالِفِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخٍ كَالْمُقْنِعِ ، وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ( قُلْت ) : وَفِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ تَقْدِيمُ آخَرَ الْمِثْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ أَوْلَدَ الْأَمَةَ فَسَقَطَ مَيِّتًا لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَقِيلَ : بَلَى ، قِيلَ : بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا ، وَقِيلَ بِعُشْرِ قِيمَةِ أَمَةٍ ( م 23 ) وَمَا يَصِحُّ إجَارَتُهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فِي قَضَايَا وَفِيهَا انْتِفَاعٌ ، وَنَقَلَ [ ابْنُ ] الْحَكَمِ : لَا مُطْلَقًا ، وَظَاهِرُ الْمُبْهِجِ التَّفْرِقَةُ و اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ ، وَجَعَلَهُ شَيْخُنَا ظَاهِرَ مَا نَقَلَ عَنْهُ ، نَقُلْ ابْنُ مَنْصُورٍ : إنْ زَرَعَ بِلَا إذْنٍ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا اسْتَعْمَلَهَا إلَى رَدِّهِ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ رَدِّ قِيمَتِهِ ، وَقِيلَ : وَبَعْدَهَا مَعَ بَقَائِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَضْمَنُ رَائِحَةَ مِسْكٍ وَنَحْوِهِ ، وَخِلَافًا لِلِانْتِصَارِ لَا نَقْدًا لِتِجَارَةٍ .
مَسْأَلَةٌ 23 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَوْلَدَ الْأَمَةَ فَسَقَطَ مَيِّتًا لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَقِيلَ : بَلَى ، قِيلَ : بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا ، وَقِيلَ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ هَلْ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَيَحْتَمِلُ الضَّمَانَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ أَقَيْسُ .

فَصْلٌ وَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ غَاصِبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَهُ ، كَغَاصِبِهِ ، وَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَهُ فَيَرْجِعُ مُودِعٌ وَنَحْوُهُ بِقِيمَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ ، وَكَذَا مُرْتَهِنٌ وَمُتَّهِبٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَمُسْتَأْجِرٌ بِقِيمَتِهِ ، وَعَكْسُهُ مُشْتَرٍ وَمُسْتَعِيرٌ ، وَيَأْخُذُ مُسْتَأْجِرٌ وَمُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ مَا دَفَعَا إلَيْهِ ، وَيَأْخُذُ مُشْتَرٍ نَفَقَتَهُ وَعَمَلَهُ مِنْ بَائِعٍ غَارٍّ قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ : يَرْجِعُ مُشْتَرٍ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ وَفِيهِ : لَا يُطَالِبُ بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ .

قَالَ الشَّيْخُ فِي فَتَاوِيهِ : وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى أَطْفَالِ غَاصِبِ وَصِيِّهِ مَعَ عِلْمِهِ لَمْ يَرْجِعْ ، وَإِلَّا رَجَعَ لِأَنَّ الْمُوصِيَ غَرَّهُ .

وَإِنْ أَحْبَلَ مُشْتَرٍ أَمَةً جَاهِلًا فَوَلَدُهُ حُرٌّ ، وَيَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ يَوْمَ وَضْعِهِ ، وَعَنْهُ : يَوْمَ مُطَالَبَتِهِ بِقِيمَتِهِ ، وَعَنْهُ : بِمِثْلِهِ فِي قِيمَتِهِ وَعَنْهُ : بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَعَنْهُ : بِمِثْلِهِ فِي صِفَتِهِ تَقْرِيبًا ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَيَرْجِعُ بِنَقْصِ وِلَادَةٍ وَمَنْفَعَةٍ فَائِتَةٍ وَفِدَاءِ وَلَدٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِ رِوَايَةً ، وَكَذَا مَهْرٌ وَأُجْرَةُ نَفْعٍ فِي بَيْعٍ وَعَارِيَّةٍ وَهِبَةٍ وَعَنْهُ : لَا ، لِحُصُولِ نَفْعٍ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ ، كَقِيمَتِهَا وَبَدَلِ أَجْزَائِهَا وَأَرْشِ بَكَارَةٍ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْكُلِّ لِغَاصِبِهِ ، وَيَرْجِعُ غَاصِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ الْآخِذُ عَلَيْهِ لَوْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْغَصْبِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ .

، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَنْ عَبْدٍ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ فَسَلَّمَهُ رَجُلٌ مَالًا مُضَارَبَةً بِأَمْرِ السَّيِّدِ فَسَلَّمَهُ الْعَبْدُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِهِ ، قَالَ : يَرْجِعُ بِهِ صَاحِبُهُ عَلَى مُشْتَرِيهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : ذَهَبَ الْمَالُ ، قَالَ : يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ ، قُلْتُ : فَيَكُونُ حُرًّا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَظَاهِرُهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى مَنْ الْقَرَارُ عَلَيْهِ .

وَلَوْ قَتَلَهَا غَاصِبٌ بِوَطْئِهِ فَالدِّيَةُ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا .

، وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ بَائِعَهُ غَصَبَهُ مِنْهُ لَمْ يُقْبَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَإِنْ صَدَّقَاهُ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عَلَى مُشْتَرٍ ، وَقِيلَ : يَبْطُلُ عِتْقُهُ إنْ صَدَّقَهُ مَعَهُمَا ، وَيَرِثُهُ وَارِثُهُ ثُمَّ مُدَّعٍ وَلَا وَلَاءَ .

وَلَوْ قُلِعَ غَرْسُ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنَاؤُهُ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ رَجَعَ بِالْغَرَامَةِ عَلَى الْبَائِعِ ، وَعَنْهُ : لِرَبِّهَا قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَ نَقْصَهُ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبَائِعِ ، وَمَنْ بَنَى فِيمَا يَظُنُّهُ مِلْكَهُ جَازَ نَقْضُهُ لِتَفْرِيطِهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ مَا اشْتَرَاهُ رَدَّ بَائِعُهُ مَا قَبَضَهُ ، وَقِيلَ : إنْ سَبَقَ الْمِلْكُ الشِّرَاءَ ، وَإِلَّا فَلَا .

وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِغَيْرِ عَالِمٍ بِغَصْبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ : أَوْ لِدَابَّتِهِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : إنْ قَالَ هُوَ لِي ، وَعَنْهُ : عَلَى آكِلِهِ ، كَآكِلِهِ بِلَا إذْنِهِ ، وَكَعَالِمٍ ، وَكَذَا إنْ أَطْعَمَهُ لِرَبِّهِ ، وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ ، وَكَذَا إنْ أَخَذَهُ بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ ، وَعَنْهُ : يَبْرَأُ ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، لِعَوْدِهَا إلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ أَخَذَهُ وَدِيعَةً وَنَحْوَهَا لَمْ يَبْرَأْ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : بَلَى ، كَعَارِيَّةٍ ، وَلَوْ أَبَاحَهُ لِلْغَاصِبِ فَأَكَلَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ ضَمِنَ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ كَهُوَ فِي ذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ وَقَالَ فِي الْفُنُونِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ يَبْقَى الضَّمَانُ ، بِدَلِيلٍ مَا لَوْ قَدَّمَ لَهُ شَوْكَهُ الَّذِي غَصَبَهُ مِنْهُ فَسَجَرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ .

لَوْ اتَّجَرَ بِالنَّقْدِ فَرِبْحُهُ لِرَبِّهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُنُونِ وَالتَّرْغِيبِ وَإِنْ صَحَّ الشِّرَاءُ نَقَلَ حَرْبٌ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ : إنَّمَا جَازَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَّزَهُ لَهُ ، وَعَنْهُ : يَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ .
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : بِنِيَّةِ نَقْدِهِ ، وَعَنْهُ : رِبْحُهُ لَهُ ، وَلَهُ الْوَطْءُ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ ، فَعَلَى هَذَا إنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ شُبْهَةٍ بِيَدِهِ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا .
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَإِنْ جَهِلَ رَبُّهُ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ أَوْ عَلِمَهُ وَيَشُقُّ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَهُوَ يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ فَسَلَّمَهُ إلَى حَاكِمٍ بَرِئَ ، وَلَهُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ بِهِ ، وَبِشَرْطِ ضَمَانِهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بِهِ .
وَفِي الْغُنْيَةِ : عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ إنْ عَرَفَهُ ، لِأَنَّ دِيَةَ قَتِيلٍ يُوجَدُ عَلَيْهِمْ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ ، أَوْ بِقِيمَتِهِ ، وَلَهُ شِرَاءُ عَرَضٍ بِنَقْدٍ .
وَلَا تَجُوزُ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ ، نُصَّ عَلَيْهِمَا ، وَظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ فِي الثَّانِيَةِ الْكَرَاهَةُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا غَيْرَ الصَّدَقَةِ ، وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ : يَتَصَدَّقُ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ كُرَاعًا وَسِلَاحًا يُوقَفُ ، وَهُوَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ لَيْسَ أَصْلُهُ طَيِّبًا وَلَا يُعْرَفُ رَبُّهُ ، وَقَالَ : يُوقِفُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ ، وَمَسْأَلَةُ الْمَرُّوذِيِّ عَمَّنْ مَاتَ وَكَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ تُكْرَهُ فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ ، فَقَالَ : إذَا أَوْقَفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ ؟ وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ ، وَيَتَوَجَّهُ : عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ ، قَالَ شَيْخُنَا : يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ

، وَقَالَهُ فِي وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا .
وَقَالَ : قَالَهُ الْعُلَمَاءُ ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا ( و هـ م ) وَهَذَا مُرَادُ أَصْحَابِنَا ، لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ .

وَقَالَ شَيْخُنَا : مَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يَضْمَنْ ، وَقَالَ : لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عَرَفَ رَدَّ الْمُعَاوَضَةِ ، لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا شَرْعًا ، لِلْحَاجَةِ ، كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا حَاكِمَ ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَقْفُ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ ، لِجَهْلِ الْمَالِكِ ، وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ الرِّوَايَتَانِ ، وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى مَالَ مُسْلِمٍ مِنْ التَّتَرِ لَمَّا دَخَلُوا الشَّامَ : إنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ صَرَفَ فِي الْمَصَالِحِ ، وَأَعْطَى مُشْتَرِيَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ لَهَا إلَّا بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ ، كَمَا رَجَّحْته فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ وَرَبِحَ ، وَنَصَّ فِي وَدِيعَةٍ تَنْتَظِرُ كَمَالَ مَفْقُودٍ وَأَنَّ جَائِزَةَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ ، قَالَ الْقَاضِي : إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ عَيْنَهُ مَغْصُوبٌ فَلَهُ قَبُولُهُ ، وَسَوَّى ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بَيْنَ وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ ، وَذَكَرَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ كَرَهْنٍ ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ فَفِي النَّوَادِرِ يَأْكُلُ عَادَتَهُ لَا مَا لَهُ عَنْهُ غُنْيَةٌ ، كَحَلْوَاءَ وَفَاكِهَةٍ .

فَصْلٌ مَنْ أَتْلَفَ مُحْتَرَمًا لِمَعْصُومٍ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ ضَمِنَهُ ، فَإِنْ أُكْرِهَ فَقِيلَ : يَضْمَنُ مُكْرِهُهُ ، كَدَفْعِهِ مُكْرَهًا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إتْلَافًا ، وَقِيلَ : الْمُكْرَهُ كَمُضْطَرٍّ ( م 24 ) وَيَرْجِعُ فِي الْأَصَحِّ مَعَ جَهْلِهِ ، وَقِيلَ : وَعِلْمِهِ ، لِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ ، بِخِلَافِ قَتْلٍ ، وَلَمْ يَخْتَرْهُ ، بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ ، وَهَلْ لِرَبِّهِ طَلَبُ مُكْرِهِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 25 ) فَإِنْ طَالَبَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَقِيلَ : الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا ضَمَانَ مَعَ إذْنِهِ ، وَعَيَّنَ ابْنُ عَقِيلٍ الْوَجْهَ الْمَأْذُونَ فِيهِ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ فِي الْمُجَلَّدِ التَّاسِعِ عَشَرَ مُحْتَجًّا عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ آكَدُ مِنْ الْمَالِ : لَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ فَقَتَلَهُ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَثِمَ ، وَلَوْ أَذِنَ فِي إتْلَافِ مَالِهِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْثَمُ وَلَا كَفَّارَةَ ، وَقَالَ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ : يُمْنَعُ مِنْ تَصْنِيعِ الْحَبِّ وَالْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ السَّبِخَةِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ ، وَسَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْأَشْهَرِ دَفْنُ شَيْءٍ مَعَ الْكَفَنِ .

مَسْأَلَةٌ 24 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ أَتْلَفَ مُحْتَرَمًا لِمَعْصُومٍ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ ضَمِنَهُ ، فَإِنْ أُكْرِهَ فَقِيلَ : يَضْمَنُ [ مُكْرِهُهُ ] .
وَقِيلَ : كَمُضْطَرٍّ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ .
الْقَوْلُ بِأَنَّ مُكْرِهَهُ يَضْمَنُهُ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِهِ ضَمِنَهُ ، يَعْنِي الْمُبَاشِرَ ، وَقَطَعَ بِهِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
( مَسْأَلَةٌ 25 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ لِرَبِّهِ طَلَبُ مُكْرِهِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ لِمَالِكِهِ مُطَالَبَةُ مُكْرِهِهِ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَامًّا وَقُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَهُ مُطَالَبَتُهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ [ لَهُ ] مُطَالَبَتُهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا .

وَإِنْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ ثُمَّ ذَهَبَ ضَمِنَهُ .
وَفِي الْفُنُونِ : إنْ كَانَ الطَّيْرُ مُتَأَلِّفًا فَلَا كَذَكَاةِ مُتَأَنِّسٍ وَمُتَوَحِّشٍ ، وَإِنْ دَفَعَ مِبْرَدًا إلَى عَبْدٍ فَبَرَدَ قَيْدَهُ فَفِي تَضْمِينِ دَافِعِهِ وَجْهَانِ ( م 26 ) وَلَا يَضْمَنُ دَافِعُ مِفْتَاحٍ إلَى لِصٍّ ، قَالَ شَيْخُنَا : مَنْ غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ فَلَهُ تَغْرِيمُ الْكَاذِبِ .
مَسْأَلَةٌ 26 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ دَفَعَ مِبْرَدًا إلَى عَبْدٍ فَبَرَدَ قَيْدَهُ فَفِي تَضْمِينِ دَافِعِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَحَكَاهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ احْتِمَالَيْنِ ، وَأَطْلِقُوهُمَا ، ( أَحَدُهُمَا ) يَضْمَنُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَضْمَنُ وَهُوَ ضَعِيفٌ .

وَإِنْ حَلَّ وِعَاءً فِيهِ دُهْنٌ جَامِدٌ فَذَهَبَ بِرِيحٍ أَلْقَتْهُ أَوْ شَمْسٌ فَوَجْهَانِ ( م 27 و 28 ) وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُهُ بِرِيحٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقْصَدٍ ، وَلَوْ حَبَسَ مَالِكٌ دَوَابَّ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ ، وَقِيلَ : بَلَى ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : أَوْ فَتَحَ حِرْزًا فَجَاءَ آخَرُ فَسَرَقَ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا يَتَوَجَّه فِيمَنْ حَبَسَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ أَنْ يَضْمَنَهُ بِالتَّسَبُّبِ .
( مَسْأَلَةٌ 27 ، 28 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ حَلَّ وِعَاءً فِيهِ دُهْنٌ جَامِدٌ فَذَهَبَ لِرِيحٍ أَلْقَتْهُ أَوْ شَمْسٍ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى ، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 27 ) إذَا حَلَّ وِعَاءً فِيهِ دُهْنٌ جَامِدٌ فَذَهَبَ بِرِيحٍ أَلْقَتْهُ فَهَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) يَضْمَنُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَضْمَنُ ، قَالَ الْقَاضِي : لَا يَضْمَنُ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَعَنْ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ : لَا يَضْمَنُ ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّخَلُّصِ ( قُلْت ) قَطَعَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي مَوْضِعٍ ، وَاخْتَارَ الضَّمَانَ فِي آخِرِ ( الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ 28 ) لَوْ ذَابَ بِشَمْسٍ هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ( أَحَدُهُمَا ) يَضْمَنُ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَنَصَرَاهُ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ ، ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَضْمَنُ قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَضْمَنُ ، فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا : لَا يَضْمَنُ : وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الضَّمَانَ .

وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ وَلَيْسَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا فَرِوَايَتَانِ ( م 29 ) وَيَضْمَنُ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ وَلَوْ بِنَفْحٍ بِرِجْلٍ ، نُصَّ عَلَيْهِ وَمَنْ ضَرَبَهَا إذَنْ فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ ، وَتَرْكُهُ طِينًا فِيهَا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَبِإِسْنَادِ خَشَبَةٍ إلَى حَائِطٍ ، وَبِاقْتِنَاءِ كَلْبٍ عَقُورٍ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ إلَّا لِدَاخِلِ بَيْتِهِ بِلَا إذْنِهِ .
وَفِيهِ رِوَايَةٌ نَقَلَ حَنْبَلٌ : الْكَلْبُ إذَا كَانَ مُوثَقًا لَمْ يَضْمَنْ مَا عَقَرَ ، وَيَضْمَنُ بِاقْتِنَاءِ سِنَّوْرٍ تَأْكُلُ فِرَاخًا عَادَةً ، مَعَ عِلْمِهِ ، كَالْكَلْبِ ، وَلَهُ قَتْلُهَا بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ ، كَالْفَوَاسِقِ .
وَفِي الْفُصُولِ : حِينَ أَكْلِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ ، كَصَائِلٍ ، وَإِنْ سَقَى مِلْكَهُ أَوْ أَجَّجَ فِيهِ نَارًا ضَمِنَ إنْ أَفْرَطَ أَوْ فَرَّطَ ، وَالْمُرَادُ : لَا بِطَرَيَانِ رِيحٍ ، وَلِهَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَوْ أَجَّجَهَا عَلَى سَطْحِ دَارِهِ فَهَبَّتْ الرِّيحُ فَأَطَارَتْ الشَّرَرَ لَمْ يَضْمَنْ ، لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ ، وَلَمْ يُفْرِطْ ، وَهُبُوطُ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي طَرِيقٍ فَبَالَتْ ، أَوْ رَمَى فِيهَا قِشْرَ بِطِّيخٍ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، فَهُوَ مُفْرِطٌ ، وَظَاهِرُهُ : لَا يَضْمَنُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا .

( مَسْأَلَةٌ 29 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ وَلَيْسَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا فَرِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمُسْتَوْعِبُ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحُ وَالْفَائِقُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ .
( إحْدَاهُمَا ) يَضْمَنُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْعُمْدَةِ ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ ، وَلِإِطْلَاقِهِمْ الضَّمَانَ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ مُطْلَقًا ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ وَقَالَ : هَذَا الْمَنْصُوصُ ، وَذَكَرَ الْمَنْصُوصَ فِي ذَلِكَ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَضْمَنُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : وَأَمَّا الْآمِدِيُّ فَحَمَلَ الْمَنْعَ عَلَى حَالَةِ ضِيقِ الطَّرِيقِ وَسَعَتِهِ ، وَالْمَذْهَبُ عَنْهُ الْجَوَازُ مَعَ السَّعَةِ وَعَدَمِ الْإِضْرَارِ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ جَعَلَ الْمَذْهَبَ الْمَنْعَ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ : الرَّبْطُ عُدْوَانٌ بِكُلِّ حَالٍ ، انْتَهَى .

وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ضَرَرَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَكَمَوَاتٍ ، وَعَنْهُ : بِإِذْنِ حَاكِمٍ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَكَذَا حُكْمُ الْبِنَاءِ فِيهَا مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرَهَا لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ ، نَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ : لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ .
إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ إمَامٍ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ تُهْدَمُ ، وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ : يَزِيدُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ : لَا يُصَلَّى فِيهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ ، قَالَ : أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ ، أَيُصَلَّى فِيهِ ؟ قَالَ لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ ، وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَالطَّرِيقُ أَمَامَهُ ، قَالَ : أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ ، وَلَكِنَّ طَرِيقَ مَكَّةَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَنَحَّى عَنْ الطَّرِيقِ وَيُصَلِّيَ يَمْنَةَ الطَّرِيقِ وَنَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ عَنْ بِنَاءِ سَابَاطٍ فَوْقَ مَسْجِدٍ : لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فِي الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ ، لِدَعْوِي الْحَاجَةِ إلَى الْحَفْرِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ مِنْهَا ، فَهُوَ كَتَنْقِيَتِهَا ، وَحَفْرِ هَدَفِهِ فِيهَا ، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ، وَوَضْعِ الْحَصَى فِي حُفْرَةٍ فِيهَا لِيَمْلَأَهَا ، وَتَسْقِيفِ سَاقِيَةٍ فِيهَا ، وَوَضْعِ حَجَرٍ فِي طِينٍ فِي طَرِيقٍ فِيهَا لِيَطَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَكَذَا بِنَاءُ الْقَنَاطِرِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فِيهَا ، لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا تَعُمُّ ، قَالَ بَعْضُ

أَصْحَابِنَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ : يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ سُقُوطُ الضَّمَانِ إذَا حَفَرَهَا فِي مَكَان مَائِلٍ عَنْ الْقَارِعَةِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ حَاجِزًا يُعْلَمُ بِهِ لِيُتَوَقَّى ، وَإِنْ حَفَرَهُ لِنَفْسِهِ ضَمِنَ وَلَوْ فِي فِنَائِهِ وَتَصَرَّفَ وَارِثُهُ فِي تَرِكَتِهِ ، وَإِذْنُ إمَامٍ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذَةِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ .
وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَجَوَّزَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا حَفْرَ بِئْرٍ لِنَفْسِهِ فِي فِنَائِهِ بِإِذْنِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، قَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ لَمْ يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ مِنْ التَّضَرُّرِ بِهَا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا ، وَكَذَا بَسْطُ حَصِيرٍ وَتَعْلِيقُ قِنْدِيلٍ وَنَحْوُهُ بِمَسْجِدٍ ، وَالْأَكْثَرُ لَا يَضْمَنُ كَوَضْعِهِ حَصًى فِيهِ ، وَالْأَصَحُّ وَقُعُودُهُ فِيهِ وَفِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ، وَفِعْلُ عَبْدِهِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ أَعْتَقَهُ أَوْ لَا وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ آمِرٌ وَحْدَهُ ، وَإِنْ حَفَرَهَا حُرٌّ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا وَثَبَتَ عِلْمُهُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ نُصَّ عَلَيْهِ ضَمِنَ الْحَافِرُ ، نَصُّهُ : هُمَا وَإِنْ جَهِلَ فَالْآمِرُ وَقِيلَ : الْحَافِرُ .

وَيَرْجِعُ إنْ مَالَ حَائِطُهُ إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَيْسَ فِي التَّرْغِيبِ : وَعَلِمَ لَمْ يَضْمَنْ وَقِيلَ : بَلَى ، كَبِنَائِهِ مَائِلًا كَذَلِكَ ، وَعَنْهُ إنْ طَالَبَهُ مُسْتَحِقٌّ بِنَقْضِهِ وَأَمْكَنَهُ ضَمِنَ ، وَلَا تَضْمَنُ عَاقِلَةٌ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَإِنْ أَبْرَأهُ وَأَلْحَقَ لَهُ فَلَا ، وَإِنْ طُولِبَ أَحَدُ الْمُشْتَرَكِينَ فَفِي حِصَّتِهِ وَجْهَانِ ( م 30 ) وَمِثْلُهُ خَوْفُ سُقُوطِهِ بِتَشَقُّقِهِ عَرْضًا ، وَيَضْمَنُ بِجَنَاحٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ بَعْدَ بَيْعٍ وَقَدْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ ، كَحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ .
وَلَا يَضْمَنُ وَلِيُّ فَرَّطَ ، بَلْ مُوَلِّيهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ .
مَسْأَلَةٌ 30 ) قَوْلُهُ : فِيمَا إذَا مَالَ حَائِطُهُ وَإِنْ طُولِبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَفِي حِصَّتِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) يُلْزِمُهُ بِحِصَّتِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .

فَصْلٌ وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ صَيْدَ حَرَمٍ وَغَيْرِهِ ، وَأَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَيَتَوَجَّهُ إلَّا الضَّارِبَةَ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ ، وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا ضَمِنَهُ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا .
وَفِي الْفُصُولِ : مَنْ أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا أَوْ دَابَّةً رُفُوسًا أَوْ عَضُوضًا عَلَى النَّاسِ وَخَلَّاهُ فِي طَرِيقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ نَفْسًا ضَمِنَ ، لِتَفْرِيطِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ طَائِرٌ جَارِحٌ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَأَفْسَدَ طُيُورَ النَّاسِ وَحَيَوَانَاتِهِمْ .
وَفِي الِانْتِصَارِ أَنَّ الْبَهِيمَةَ الصَّائِلَةَ يَلْزَمُ مَالِكَهَا وَغَيْرَهُ إتْلَافُهَا ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : إذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ يَجِبُ عَلَى مَالِكِهَا قَتْلُهَا ، وَعَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ إذَا صَالَتْ ، عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ ، وَمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَمْ يَضْمَنْ ، كَمُرْتَدٍّ ، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَةٌ لَا يَدَ عَلَيْهَا ظَاهِرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَعَلَّلَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَالِكِ ، وَلَا ذِمَّةَ لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا ، وَلَا قَصْدَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا ، بِخِلَافِ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ ، وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ ، وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُهَا ، قَالُوا : لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَضَمِنَهَا ، لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي يَدِ الْمَغْصُوبِ ، فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فِي الْبَهِيمَةِ ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي جِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ : لَوْ نَقَبَ لِصٌّ وَتَرَكَ النَّقْبَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ الْبَهِيمَةُ ضَمِنَهَا وَضَمِنَ مَا تَجْنِي بِإِفْلَاتِهَا وَتَخَلِّيهَا ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ إنْ جَازَهَا وَتَرَكَهَا بِمَكَانٍ ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ بِتَرْكِهَا فِيهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا بِمَكَانِهَا وَقْتَ

الْغَصْبِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ فِي نَقْلِ التُّرَابِ مِنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ : إنْ أَرَادَهُ الْغَاصِبُ وَأَبَى الْمَالِكُ فَلِلْغَاصِبِ ذَلِكَ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ ، مِثْلُ أَنْ كَانَ نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَيَنْقُلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِالْمَكَانِ ، أَوْ كَانَ طَرَحَهُ فِي طَرِيقٍ فَيَضْمَنُ مَا يَتَجَدَّدُ بِهِ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ ، مِثْلُ أَنْ كَانَ نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ أَوْ طَرَفِ الْأَرْضِ الَّتِي حَفَرَهَا ، وَيُفَارِقُ طَمَّ الْبِئْرِ ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ غَرَضٍ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ ضَمَانَ جِنَايَةِ الْحَفْرِ ، زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَوْ جِنَايَةُ الْغَيْرِ بِالتُّرَابِ .

وَيَضْمَنُ سَائِقٌ وَقَائِدٌ وَرَاكِبٌ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا ، وَقِيلَ : إنْ اجْتَمَعُوا ضَمِنَ رَاكِبٌ ، وَقِيلَ : وَقَائِدٌ جِنَايَتَهَا ، وَعَنْهُ : حَتَّى بِرِجْلِهَا ، كَكَبْحِهَا وَنَحْوِهِ ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ ، وَكَوَطْئِهَا بِهَا ، وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ فِيهِ : لَا ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ نَفَحَتْ بِهَا ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَعَنْهُ : يَضْمَنُ سَائِقٌ جِنَايَةَ رِجْلِهَا ، وَلَا ضَمَانَ بِذَنَبِهَا ، فِي الْأَصَحِّ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَمَنْ نَفَرَهَا أَوْ نَخَسَهَا ضَمِنَ وَحْدَهُ .

، وَيَضْمَنُ جِنَايَةَ وَلَدِهَا ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا إنْ فَرَّطَ ، نَحْوَ أَنْ يَعْرِفَهُ شَمُوسًا .

وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ لَيْلًا ، نُصَّ عَلَيْهِ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، عَنْهُ : مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرَةٍ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَفِي الْوَاضِحِ : وَالْمَالُ بِمَوْضِعٍ لَا يُنْسَبُ وَاضِعُهُ إلَى تَفْرِيطٍ ، إلَّا إنْ نُقِلَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَعَنْهُ : مُطْلَقًا ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ هَانِئٍ وَالْجَمَاعَةُ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَلَا يَضْمَنُ نَهَارًا وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : إلَّا أَنْ تُرْسَلَ بِقُرْبِ مَا تُتْلِفهُ عَادَةً .

وَمَنْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ صَبَرَ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا ، وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا فَهَدَرٌ ، وَالْحَطَبُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا خَرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرَفًا فَهَدَرٌ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا فَصَاحَ بِهِ مُنَبِّهًا لَهُ ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ .

وَمَنْ كَسَرَ أَوْ أَتْلَفَ آلَةَ لَهْوٍ وَلَوْ مَعَ صَبِيٍّ نُصَّ عَلَيْهِ أَوْ كَسَرَ إنَاءَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَوْ إنَاءً فِيهِ خَمْرٌ يُؤْمَرُ بِإِرَاقَتِهَا قَدَرَ يُرِيقُهَا بِدُونِهِ أَوْ عَجَزَ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ : إنْ لَمْ يَقْدِرْ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِنَّ ، كَصَلِيبٍ وَخِنْزِيرٍ ، وَعَنْهُ : يَضْمَنُ غَيْرَ آلَةِ لَهْوٍ ، وَعَنْهُ : يَضْمَنُ مِنْهَا دُفًّا ، وَنَقَلَ مُثَنَّى : يَكْسِرُهُ فِي مِثْلِ الْمَيِّتِ ، وَلَا يَضْمَنُ مُخَزِّنًا لِلْخَمْرِ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : بَلَى ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَلَا يَضْمَنُ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : فَجَعَلَهُ كَآلَةِ لَهْوٍ ، ثُمَّ سَلَّمَهُ عَلَى نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي سِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ ، وَنَصَّ عَلَى تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ ، فَيَتَوَجَّه فِيهِمَا رِوَايَتَانِ تَخْرِيجًا ، وَلَا حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى الرِّجَالِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ ، وَاحْتَجَّ فِي الْفُنُونِ فِي آلَةِ لَهْوٍ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إعْدَامُ الْآيَةِ مِنْ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ ، لِأَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ ، وَإِهَانَةٍ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ وَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا ، وَكَمُرْتَدٍّ يَجُوزُ بَيْعُهُ ، أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ آلَةَ لَهْوٍ يَرْغَبُ فِي مَادَّتِهَا ، كَعُودٍ وَدَاقُورَةٍ ، كَإِنَاءِ نَقْدٍ ، وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ عُثْمَانَ وَالصَّحَابَةَ أَحْرَقَتْ الْمَصَاحِفَ وَلَمْ تَغْرَمْ قِيمَةَ الْمَالِيَّةِ لِأَجْلِ التَّأْلِيفِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَبِتَحْرِيقِهِمْ مُصْحَفَ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَبِتَحْرِيقِ عِجْلِ بَنِي إسْرَائِيلَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مِنْهَا ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا : وَمِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَالِيَّةِ إتْلَافُ الثَّوْبَيْنِ الْمُعَصْفَرَيْنِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَإِرَاقَةُ عُمَرَ اللَّبَنَ الَّذِي شِيبَ بِالْمَاءِ لِلْبَيْعِ ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالْمَغْشُوشِ

أَوْلَى مِنْ إتْلَافِهِ .

وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ : تَحْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا ، كَمَا { حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ } ، فَمَشَاهِدُ الشِّرْكِ الَّتِي تَدْعُو سَدَنَتَهَا إلَى اتِّخَاذِ مَنْ فِيهَا أَنْدَادًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْهَدْمِ ، ثُمَّ ذَكَرَ تَحْرِيقَ عُمَرَ مَكَانَ الْخَمْرِ ، وَتَحْرِيقَهُ قَصْرَ سَعْدٍ لَمَّا احْتَجَبَ فِيهِ ، وَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيقِ تَارِكِي حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَوْلَا مَا فِيهَا مِنْ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّةِ .

وَمَنْ وَقَعَ فِي مِحْبَرَتِهِ مَالُ غَيْرِهِ بِتَفْرِيطِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ كُسِرَتْ مَجَّانًا ، وَإِنْ لَمْ يُفْرِطْ ضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ كَسْرَهَا ، فَإِنْ بَذَلَ رَبُّهَا بَدَلَهُ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ وَجْهَانِ ( م 31 ) .
مَسْأَلَةٌ 31 ) [ قَوْلُهُ ] وَمَنْ وَقَعَ فِي مِحْبَرَتِهِ مَالُ غَيْرِهِ بِتَفْرِيطِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ كُسِرَتْ مَجَّانًا ، وَإِنْ يُفَرِّطْ ضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ كَسْرَهَا ، فَإِنْ بَذَلَ رَبُّ الْمَالِ بَدَلَهُ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُصُولِ : ( أَحَدُهُمَا ) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَلْزَمُهُ .

وَإِنْ تَلِفَتْ حَامِلٌ أَوْ حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ طَبِيخٍ عَلِمَ رَبُّهُ ذَلِكَ ضَمِنَ ، وَقِيلَ : لَا اخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَكَرِيحِ دُخَانٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ سُعَالٍ وَضِيقِ نَفَسٍ وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ الْخِلَافُ .
( تَنْبِيهٌ ) [ قَوْلُهُ ] وَإِنْ تَلِفَتْ حَامِلٌ أَوْ حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ طَبِيخٍ عَلِمَ رَبُّهُ ذَلِكَ عَادَةً ضَمِنَ ، وَقِيلَ : لَا ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ لِأَنَّ مِنْهُنَّ مَنْ لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَكَرِيحِ دُخَانٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ سُعَالٍ وَضِيقِ نَفَسٍ ، انْتَهَى ، فِي قَوْلِهِ " اخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ " نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ عَنْ الْفُنُونِ ، وَلَمْ يَحْكِ إلَّا احْتِمَالَيْنِ مُطْلَقَيْنِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ ، فَقَالَ : قَالَ فِي الْفُنُونِ : إنْ شَمَّتْ حَامِلٌ رِيحَ طَبِيخٍ فَاضْطَرَبَ جَنِينُهَا فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَ فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ وَشَافِعِيَّانِ : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ ، وَإِنْ عَلِمُوا وَكَانَ عَادَةً مُسْتَمِرَّةَ الرَّائِحَةِ تَقْتُلُ احْتَمَلَ الضَّمَانَ ، لِلْإِضْرَارِ ، وَاحْتَمَلَ لَا ، لِعَدَمِ تَضَرُّرِ بَعْضِ النِّسَاءِ ، وَكَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهَا صَاحِبُ السُّعَالِ وَضِيقِ النَّفَسِ لَا ضَمَانَ وَلَا إثْمَ ، انْتَهَى فَلَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَاره ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ لَهُ عَلَى مَكَان فِي الْفُنُونِ آخَرَ ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ إحْدَى وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .

وَمَنْ غُرَّ بِكَثْرَةِ رِبْحٍ فِي بَلَدٍ وَأَمْنِ طَرِيقٍ لَمْ يَضْمَنْ وَذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْأَمْنُ بَعْدَ الْفَزَعِ ، وَالْعَاقِلُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مُتَّكِلًا .
وَفِي الِانْتِصَارِ [ فِيهِ أَيْضًا ] فِي بَابِ الْغَصْبِ : هِيَ مُشْكِلَةٌ إلَّا أَنَّا نَقُولُ فَرَّطَ فِي قُنْعِهِ بِقَوْلِهِ .
.

وَمَنْ نَوَى جَحْدَ حَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ بِيَدِهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ وَإِلَّا فَلِوَرَثَتِهِ ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ ، وَمَنْ نَدِمَ وَرَدَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَا غَصَبَهُ بَرِئَ مِنْ إثْمِهِ لَا مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : لَهُ مُطَالَبَتُهُ ، لِتَفْوِيتِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَيَاتَهُ كَمَا لَوْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ حَبَسَهُ عِنْدَ وَقْتِ حَاجَتِهِ كَمُدَّةِ شَبَابِهِ ثُمَّ رَدَّهُ فِي مَشِيبِهِ فَتَفْوِيتُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ يَفْتَقِرُ إلَى جَزَاءٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَظُنُّ وَالْقَاضِي أَيْضًا مَعْنَى رِوَايَةِ حَرْبٍ : " بَرِئَ مِنْ إثْمِ ذَلِكَ " بَرِئَ مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ وَبَقِيَ إثْمُ مَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْ مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ، فَلَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّوْبَةِ ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّ بِالضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ بِلَا تَوْبَةٍ يَزُولُ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ حَقِّ اللَّهِ .

، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ ادَّانَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَعَجَزَ : هَذَا أَسْهَلُ مِنْ الَّذِي اخْتَانَ وَإِنْ مَاتَ عَلَى عَدَمِهِ ، فَهَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : يُرْجَى أَنْ يَقْضِيَهُ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ جَدُّهُ : لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا الْآخِرَةِ وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ وِفَاقٌ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلِلْمَظْلُومِ الِاسْتِعَانَةُ بِمَخْلُوقٍ فَبِخَالِقِهِ أَوْلَى ، فَلَهُ الدُّعَاءُ بِمَا آلَمَهُ بِقَدْرِ مَا مُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ ، لَا عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْكُفْرِ وَلَوْ كَذَبَ عَلَيْهِ لَمْ يَفْتَرِ عَلَيْهِ ، بَلْ يَدْعُو اللَّهَ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ نَظِيرُهُ ، وَكَذَا إنْ أَفْسَدَ عِلِّيّه دِينَهُ .

قَالَ : وَمَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ فَلَمْ يَسْتَوْفِهِ حَتَّى مَاتَ طَالَبَ بِهِ وَرَثَتَهُ وَإِنْ عَجَزَ هُوَ وَوَرَثَتُهُ فَالْمُطَالَبَةُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَفِي الْأَشْبَهِ ، كَمَا فِي الْمَظَالِمِ لِلْخَبَرِ { مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ أَخِيهِ مَظْلَمَةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ } لِأَنَّهَا لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ ، وَالْإِرْثُ مَشْرُوطٌ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ ، كَمَا أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْعِلْمِ بِالْوَارِثِ ، فَلَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ عَصَبَةٌ بَعِيدَةٌ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ لَمْ يَرِثْهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا الْآخِرَةِ ، وَهَذَا عَامٌّ فِي حَقِّ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ مَشْرُوطٌ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، وَالْمَجْهُولُ وَالْمَعْجُوزُ عَنْهُ كَالْمَعْدُومِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا تَعَذَّرَ رَبُّ اللُّقَطَةِ { هِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } قَالَ أَحْمَدُ : الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَمَا صَبَرَ ، يُرِيدُ أَنَّهُ انْتَصَرَ { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } وَأَجْرُهُ أَعْظَمُ وَيُعِزُّهُ وَلَا يُذِلُّهُ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

بَابُ الشُّفْعَةِ تَثْبُتُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ لَا الْمَنْفَعَةِ ، كَنِصْفِ دَارٍ مُوصًى بِهَا بِنَفْعِهَا فَبَاعَ الْوَرَثَةُ نِصْفَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا فِيمَنْ اكْتَرَى نِصْفَ حَانُوتِ جَارِهِ : لِلْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ الشُّفْعَةُ مِنْ الثَّانِي وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُهُ ، فَلَا تَكْفِي الْيَدُ وَسَبْقُهُ ، وَتَثْبُتُ لِشَرِيكٍ حَتَّى مُكَاتَبٍ ، وَقِيلَ : وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ إنْ مَلَكَهُ ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ : وَإِنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ وَجَبَتْ هِيَ وَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا ، فَعَلَى هَذَا : الْأَصَحُّ يُؤْخَذُ بِهَا مَوْقُوفٌ جَازَ بَيْعُهُ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِي عَقَارٍ تَجِبُ قِسْمَتُهُ ، وَعَنْهُ : أَوْ لَا ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَشَيْخُنَا ، وَعَنْهُ : وَغَيْرُهُ ، إلَّا فِي مَنْقُولٍ يَنْقَسِمُ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُؤْخَذُ غَرْسٌ وَبِنَاءٌ تَبَعًا ، وَقِيلَ : وَزَرْعٌ وَثَمَرَةٌ ، وَقَيَّدَ الشَّيْخُ الثَّمَرَةَ بِالظَّاهِرَةِ وَأَنَّ غَيْرَهَا يَدْخُلُ تَبَعًا ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي : إنْ اشْتَرَاهُ وَفِيهِ طَلْعٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فَأَبَرّه لَمْ يَأْخُذْ الثَّمَرَةَ بَلْ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِحِصَّتِهِ كَشِقْصٍ وَسَيْفٍ ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ أَخَذَ الْأَصْلَ بِحِصَّتِهِ ، وَقِيلَ : وَتَثْبُتُ لِجَارٍ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ : الشُّفْعَةُ لِمَنْ هِيَ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا شِرْكًا لَمْ يَقْتَسِمُوا فَإِذَا صُرِفَتْ الطُّرُقُ وَعُرِفَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ .

وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ لَهَا طَرِيقٌ فِي دَرْبٍ لَا يَنْفُذ فَقِيلَ : لَا شُفْعَةَ فِيهِ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ فَقَطْ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَالْأَشْهَرُ : يَجِبُ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ غَيْرُهُ أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابِهِ إلَى شَارِعٍ ( م 1 ) وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ فَفِي زَائِدٍ وَجْهَانِ ( م 2 ) وَكَذَا دِهْلِيزُ جَارٍ وَصَحْنُهُ ( م 3 ) .
بَابُ الشُّفْعَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ لَهَا طَرِيقٌ فِي دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ فَقِيلَ : لَا شُفْعَةَ فِيهِ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ فَقَطْ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَالْأَشْهَرُ : يَجِبُ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ غَيْرُهُ أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابِهِ إلَى شَارِعٍ ، انْتَهَى .
الْأَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا ، صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الطَّرِيقِ بِالشَّرِكَةِ فِي الدَّرْبِ فَقَطْ مَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَاهُ احْتِمَالًا .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ فَفِي زَائِدٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ : ( أَحَدُهُمَا ) تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الزَّائِدِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا شُفْعَةَ فِيهِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَا .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا دِهْلِيزُ جَارٍ وَصَحْنُهُ ، انْتَهَى .
وَقَالَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ .

وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا سَبْقَ شِرَائِهِ فَتَحَالَفَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتُهُمَا فَلَا شُفْعَةَ ، وَلَوْ قُدِّمَ مَنْ لَا يَرَاهَا لِجَارٍ إلَى حَاكِمٍ لَمْ يَحْلِفْ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ خَرَجَ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ ، قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ ، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الْوَرَعِ ، وَأَنَّ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعَ بِهِ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بَاطِنًا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِيمَنْ عَامَلَ حِيلَةً رِبَوِيَّةً هَلْ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا عَلَيْهِ إلَّا رَأْسُ مَالِهٍ : نَقَلَهُ حَرْبٌ وَيَثْبُتُ وَفِي شِقْصٍ مَبِيعٍ ، وَقِيلَ : وَلَوْ مَعَ خِيَارِ مَجْلِسٍ وَشَرْطٍ ، وَقِيلَ : شُرِطَ لِمُشْتَرٍ ثَبَتَ قَدْرُ ثَمَنِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ إقْرَارٌ .

وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ مُشْتَرٍ فِي جَهْلِهِ بِهِ وَفِي قَدْرِهِ وَفِي أَنَّهُ أَحْدَثَ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ ، وَيُقَوَّمُ عَرَضٌ مَوْجُودٌ ، فَإِنْ قَالَ ثَمَنُهُ مِائَةٌ وَقَامَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ بِمِائَتَيْنِ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِائَةٍ ، فَإِنْ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ كَذِبًا فَوَجْهَانِ ( م 4 ) بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةِ غَيْرِهِ وَقْتَ لُزُومِهِ ، وَلَوْ تَعَيَّبَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَعَنْهُ : يَوْمَيْنِ ، وَعَنْهُ مَا رَأَى حَاكِمٌ ، نَقَلَ صَالِحٌ : لِلْمَاءِ حِصَّتَهُ [ مِنْ الثَّمَنِ ] وَإِلَّا لَمَا اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَلَا تَسْقُطُ حِصَّةُ الْمَاءِ مِنْ الثَّمَنِ .

مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ مِائَةً وَقَامَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ بِمِائَتَيْنِ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِائَةٍ فَإِنْ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ كَذِبًا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْغَلَطِ وَنَحْوِهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، كَمَا لَوْ أَخْبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت بَلْ هُنَا أَوْلَى ، لِأَنَّهُ قَدْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِكَذِبِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْأَقْوَى ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا قَالَ غَلِطْت ، انْتَهَى ، أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَبِلُوا قَوْلَهُ فِي دَعْوَاهُ الْغَلَطَ فِي الْمُرَابَحَةِ ، وَصَحَّحَ قَبُولَ قَوْلِهِ هُنَا فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُقْبَلُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْمُرَابَحَةِ : إنْ كَانَ الْبَائِعُ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ قُبِلَ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : فَيَخْرُجُ مِثْلُهُ هُنَا ، قَالَ : وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَبِي الْإِلْحَاقَ بِمَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : عِنْدِي أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ ، لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الذَّرَائِعَ مَحْسُومَةٌ ، وَهَذَا فَتَحَ بَابَ الِاسْتِدْرَاكِ لِكُلِّ قَوْلٍ يُوجِبُ حَقًّا ، ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ كَانَ فِيهَا أَمِينًا حَيْثُ رُجِعَ إلَيْهِ فِي الْإِخْبَارِ فِي الثَّمَنِ ، وَلَيْسَ الْمُشْتَرِي ابْنًا لِلشَّفِيعِ ، وَإِنَّمَا هُوَ خَصْمُهُ ، فَافْتَرَقَا .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ لَا

الْمُشْتَرِي ، انْتَهَى .

وَفِي رُجُوعِ شَفِيعٍ بِأَرْشٍ عَلَى مُشْتَرٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَإِنْ دَفَعَ مَكِيلًا بِوَزْنٍ أَخَذَ مِثْلَ كَيْلِهِ ، كَقَرْضٍ ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ : يَكْفِي وَزْنُهُ ، إذْ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَةِ الشِّقْصِ ، وَقَدْرُ الثَّمَنِ مِعْيَارُهُ لَا عِوَضُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَفِي رُجُوعِ شَفِيعٍ بِأَرْشٍ عَلَى مُشْتَرٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ عَفَا الْبَائِعُ عَنْ الْأَرْشِ مِنْ رُجُوعِ الشَّفِيعِ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَقُلْت : إنْ رَدَّ الْبَائِعُ الْعِوَضَ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ فَالشَّفِيعُ أَوْلَى بِهِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قَالُوا بِأَخْذِ الشَّفِيعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، ثُمَّ وَجَدْته فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْحَارِثِيِّ قَطَعُوا بِذَلِكَ ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَرْجِعُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ ابْنَ حَمْدَانَ فِي ذِكْرِ الْخِلَافِ ، وَأَطْلَقَهُ .
وَفِيهِ نَظَرٌ .

وَإِنْ أَقَامَ شَفِيعٌ وَمُشْتَرٍ بَيِّنَةً بِثَمَنِهِ احْتَمَلَ تَعَارُضُهُمَا وَالْقُرْعَةُ ، وَقِيلَ : بَيِّنَةُ شَفِيعٍ ( م 6 ) وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَخَذَهُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ ، فَإِنْ أَصَرَّ فَفِي بَقَائِهِ بِيَدِهِ أَوْ يَأْخُذَهُ حَاكِمٌ الْوَجْهَانِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي يُقَالُ أُقْبِضُهُ أَوْ أُبْرِئُهُ مِنْهُ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : [ فِي إنْكَارِ مُشْتَرٍ وَجْهٌ ] ( م 7 ) .

( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَامَ شَفِيعٌ وَمُشْتَرٍ بَيِّنَةً بِثَمَنِهِ احْتَمَلَ تَعَارُضَهُمَا وَالْقُرْعَةَ ، وَقِيلَ : بَيِّنَةُ شَفِيعٍ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَيَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْخِرَقِيِّ ، الْمُصَنِّفُ هُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ فِي الْمُقْنِعِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَتَعَارَضَانِ وَهُوَ احْتِمَالُ الشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) يُسْتَعْمَلَانِ بِالْقُرْعَةِ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَأَطْلَقَ الْأَقْوَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَوَجَّهَ الْحَارِثِيُّ قَوْلًا بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ قَالَ : قَوْلُ الْأَصْحَابِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالُوهُ فِي بَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي حَيْثُ قَدَّمُوا بَيِّنَةَ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ بِزِيَادَةٍ ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْمُشْتَرِي هُنَا ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
مَسْأَلَةٌ 7 ) [ قَوْلُهُ ] وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ ، فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَخَذَهُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ ، فَإِنْ أَصَرَّ فَفِي بَقَائِهِ بِيَدِهِ أَوْ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ الْوَجْهَانِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي يُقَالُ اقْبِضْهُ أَوْ أَبْرِئْهُ مِنْهُ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ .
فِي إنْكَارِ مُشْتَرٍ وَجْهٌ ، انْتَهَى .
قَوْلُ الْقَاضِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ : وَالْقَوْلُ بِإِبْقَاءِ الثَّمَنِ فِي يَدِهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَهُوَ قَوِيٌّ ، فَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَهُ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ يَأْخُذُهُ لَا أَعْلَمُ مَنْ

اخْتَارَهُ ، وَأَطْلَقَ الْأَقْوَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ .

[ وَلَوْ ادَّعَى شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ فَفِي الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ ( م 8 ) وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ ] يَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ ، فَلَوْ أُعْسِرَ بِهِ وُثِّقَ ، وَيَأْخُذُ مَلِيءٌ أَوْ مَنْ كَفَلَهُ مَلِيءٌ بِمُؤَجَّلٍ إلَى أَجَلٍ ، نُصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ حَلَّ بِمَوْتِ شَفِيعٍ أَوْ مُشْتَرٍ فَعَلَى الْمَيِّتِ ، وَإِنْ مَضَى ثُمَّ عَلِمَ فَكَحَالٍ وَيَمْلِكُهُ بِمُطَالَبَتِهِ ، وَقِيلَ : وَقَبْضِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : بِلَفْظٍ يَقْتَضِي أَخْذَهُ ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحُكْمَ تَارَةً وَدَفَعَ ثَمَنَهُ مَا لَمْ يَصْبِرْ مُشْتَرِيهِ ، ثُمَّ إنْ عَجَزَ فُسِخَ ، وَقِيلَ : حَاكِمٌ ، وَقِيلَ : بَانَ بُطْلَانُهُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ إنْ صَحَّ بَيْعُ غَائِبٍ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : الْأَصَحُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَتَمَلُّكِهِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : لَهُ حَبْسُهُ عَلَى ثَمَنِهِ ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ قَهْرِيٌّ ، وَالْبَيْعَ عَنْ رِضًى ، وَتُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي خِيَارِ شَرْطٍ ، وَكَذَا خِيَارُ مَجْلِسٍ مِنْ جِهَةِ شَفِيعٍ بَعْدَ [ أَنْ ] نُمَلِّكَهُ ، لِيَعُودَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ كَإِرْثٍ ، وَكَذَا اعْتِبَارُ رُؤْيَةِ شِقْصٍ ، نَظَرَ إلَى كَوْنِهِ قَهْرِيًّا أَوْ بَيْعًا ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْكُلِّ كَذَلِكَ نَظَرًا إلَى الْجِهَتَيْنِ ، فَإِنْ أَبِي مُشْتَرٍ قَبْضَهُ مِنْ بَائِعٍ أُجْبِرَ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَأْخُذُهُ شَفِيعٌ مِنْ بَائِعٍ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ وَحْدَهُ بِالْبَيْعِ وَجَبَتْ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ وَتَحَالَفَا ، وَعُهْدَته عَلَيْهِ ، وَفِي غَيْرِهَا [ عَلَى ] مُشْتَرٍ ، وَقِيلَ : لَا شُفْعَةَ .

( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ ادَّعَى شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ فَفِي الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته لِابْنِي الطِّفْلِ أَوْ لِهَذَا الطِّفْلِ وَلَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لَمْ يَثْبُتْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِلطِّفْلِ ، وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِإِقْرَارِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِ صَغِيرٍ بِإِقْرَارِ وَلِيِّهِ .
وَالثَّانِي تَثْبُتُ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لَهُ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ ، وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته لِابْنِي الطِّفْلِ فَهُوَ كَالْغَائِبِ ، وَقَالَ فِي الْغَائِبِ : يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ ، وَالْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ ، وَقَبِلَ : لَا شُفْعَةَ فِيهَا ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : فَهُوَ كَالْغَائِبِ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
وَقَالَ فِي الْغَائِبِ : أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ، انْتَهَى .

وَلَا تَجِبُ فِي مُنْتَقِلٍ بِلَا عِوَضٍ ، وَفِي عِوَضِ غَيْرِ مَالٍ كَنِكَاحٍ وَخَلْعٍ وَدَمٍ عَمْدٍ رِوَايَتَانِ ( م 9 ) وَعَلَى قِيَاسِهِ مَا أَخَذَهُ أُجْرَةً أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ ( م 10 ) .

مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَلَا تَجِبُ فِي مُنْتَقِلٍ إلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ ، وَفِيمَا جَعَلَ عِوَضَهُ عَيْنَ الْمَالِ كَالنِّكَاحِ وَخَلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ رَاوِيَتَانِ انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَظَاهِرُ الشَّرْحِ الْإِطْلَاقُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ فِي وَجْهَيْنِ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْكَافِي : لَا شُفْعَةَ فِي ، ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : أَوْلَى .
قَالَ الْحَارِثِيُّ : أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالُوا بِانْتِفَاءِ الشُّفْعَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَابْنُ بَكْرُوسٍ وَالْمُصَنِّفُ ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ، وَلِهَذَا قَدَّمَهُ فِي الْمَتْنِ انْتَهَى .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) فِيهِ الشُّفْعَةُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَعَلَى قِيَاسِهِ مَا أَخَذَهُ أُجْرَةً أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ ، انْتَهَى .
يَعْنِي أَنَّهُ مِثْلُ الَّذِي تَقَدَّمَ ، وَأَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ ، وَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَذَا يَكُونُ فِي هَذَا ، وَقَطَعَ بِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، قَالَ فِي الْكَافِي : وَمِثْلُهُ مَا اشْتَرَاهُ الذِّمِّيُّ

بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَطَرَدَ أَصْحَابُنَا الْوَجْهَيْنِ فِي النَّقْصِ الْمَجْعُولِ أَجْرُهُ فِي الْإِجَارَةِ ، وَلَكِنْ نَقُولُ : الْإِجَارَةُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ ، فَيَبْعُدُ طَرْدُ الْخِلَافِ إذَنْ ، فَالصَّحِيحُ عَلَى أَصْلِنَا جَرَيَانُ الشُّفْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ كَانَ الشِّقْصُ جُعْلًا فِي جَعَالَةٍ فَكَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ ، وَطَرَدَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الشِّقْصِ الْمَأْخُوذِ عِوَضًا عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِنَفْيِ الشُّفْعَةِ فِيهِ ، وَهُوَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ ، وَلَا أَعْلَمُ لِذَلِكَ وَجْهًا ، وَحَكَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ طَرْدَ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا فِي الْمَجْعُولِ رَأْسَ مَالٍ فِي السَّلَمِ ، وَهُوَ أَيْضًا بَعِيدٌ ، فَإِنَّ السَّلَمَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ .
وَهُوَ الصَّوَابُ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا تَقَرَّرَ مَا قُلْنَا فِي الْمَأْخُوذِ عِوَضًا عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَلَوْ عَجَزَ الْكَاتِبُ بَعْدَ الدَّفْعِ هَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ إذَا ؟ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) نَعَمْ .
( وَالثَّانِي ) لَا ، وَهُوَ أَوْلَى انْتَهَى

فَإِنْ وَجَبَتْ فَقِيلَ : يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ ، وَقِيلَ : بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ ( م 11 ) .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَبَتْ فَقِيلَ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ وَقِيلَ بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيِّ .
( أَحَدُهُمَا ) يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ مِنْ مَهْرٍ وَدِيَةٍ ، وَحَكَاهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ .
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ : وَقَالَ غَيْرُ الْقَاضِي : يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ غَيْرِ الْقَاضِي مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ .

وَإِنْ تَحَيَّلَ لِإِسْقَاطِهَا لَمْ تَسْقُطْ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْحِيَلِ فِي إبْطَالِ ذَلِكَ وَلَا فِي إبْطَالِ حَقِّ مُسْلِمٍ ، وَيَحْرُمُ بَعْدَ وُجُوبِهَا اتِّفَاقًا ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، فَلَوْ أَظْهَرَ ثَمَنَهُ مِائَةً وَكَانَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ أَوْ أَبْرَأهُ مِنْ ثَمَانِينَ دَفَعَ إلَيْهِ عِشْرِينَ ، وَلَوْ بَاعَهُ بِصُبْرَةٍ نَقْدًا وَبِجَوْهَرَةٍ دَفَعَ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَةُ الشِّقْصِ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ : دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الْبِنَاءِ لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِيهَا شُفْعَةٌ ، قَالَ : جَائِزٌ قُلْت : فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي قِسْمَةَ الْبِنَاءِ وَهَدْمَهُ ، قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ ، يُعْطِي نِصْفَ قِيمَتِهِ .

فَصْلٌ وَهِيَ عَلَى الْفَوْرِ ، فَتَسْقُطُ بِتَرْكِهَا بِلَا عُذْرٍ ، وَإِنْ أَشْهَدَ وَقْتَ عِلْمِهِ فَلَا ، ثُمَّ إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَهُ مَعَ إمْكَانِهِ أَوْ قَدَرَ عَلَى إشْهَادِ عَدْلٍ أَوْ مَسْتُورِي الْحَالِ أَوْ أَخْبَرَاهُ فَلَمْ يَطْلُبْ تَكْذِيبًا أَوْ قَدَرَ مُعَذِّرٌ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ نَسِيَ الْمُطَالَبَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ جَهِلَهَا أَوْ ظَنَّ الْمُشْتَرِي زَيْدًا فَبَانَ غَيْرَهُ أَوْ قَالَ بِكَمْ اشْتَرَيْتَ أَوْ اشْتَرَيْت رَخِيصًا أَوْ جَهِلَهَا حَتَّى بَاعَ حِصَّتَهُ فَوَجْهَانِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَبَادَرَ بِمُضِيٍّ مُعْتَادٍ ( م 12 - 23 ) وَالْأَصَحُّ : لَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ حَمَّامٍ وَطَعَامٍ وَنَافِلَةٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ حِينَ يَسْمَعُ حَتَّى يُعْلَمَ طَلَبُهُ ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ ، وَعَنْهُ : يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَعَنْهُ : عَلَى التَّرَاخِي ، كَخِيَارِ عَيْبٍ ، وَتَسْقُطُ بِتَكْذِيبِهِ عَدْلَيْنِ ، لَا بِدَلَالَتِهِ فِي الْبَيْعِ ، وَرِضَاهُ بِهِ ، وَضَمَانُ ثَمَنِهِ وَتَسْلِيمُهُ عَلَيْهِ ، وَالْأَصَحُّ : وَلَوْ دَعَا بَعْدَهُ لَهُ فِي صَفْقَتِهِ أَوْ بِالْمَغْفِرَةِ أَوْ نَحْوِهِ ، وَلَا بِإِسْقَاطِهَا قَبْلَهُ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ وَلَا بِتَوْكِيلِهِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : لِوَكِيلِ بَائِعٍ ، وَقِيلَ : عَكْسُهُ ، وَمِثْلُهُ وَصِيٌّ وَحَاكِمٌ .

مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَهِيَ عَلَى الْفَوْرِ فَتَسْقُطُ بِتَرْكِهَا بِلَا عُذْرٍ ، فَإِنْ أَشْهَدَ وَقْتَ عِلْمِهِ فَلَا ، ثُمَّ إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَهُ مَعَ إمْكَانِهِ أَوْ قَدَرَ عَلَى إشْهَادِ عَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْ الْحَالِ أَوْ أَخْبَرَاهُ فَلَمْ يَطْلُبْ تَكْذِيبًا أَوْ قَدَرَ مَعْذُورٌ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ نَسِيَ الْمُطَالَبَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ جَهِلَهَا أَوْ ظَنَّ الْمُشْتَرِي زَيْدًا فَبَانَ غَيْرَهُ أَوْ قَالَ بِكَمْ اشْتَرَيْت أَوْ اشْتَرَيْت رَخِيصًا أَوْ جَهِلَهَا حَتَّى بَاعَ [ حِصَّتَهُ ] فَوَجْهَانِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَبَادَرَ بِمُضِيِّ مُعْتَادٍ ، انْتَهَى .
اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 12 ) إذَا أَخَّرَ الطَّلَبَ مَعَ إمْكَانِهِ وَكَانَ قَدْ أَشْهَدَ وَقْتَ عِلْمِهِ فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَرَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَقَالَ : هَذَا الْمَذْهَبُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تَسْقُطُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا .
( تَنْبِيهٌ ) حَكَى الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ السُّقُوطَ قَوْلُ الْقَاضِي ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَلَمْ يَحْكِهِ أَحَدٌ عَنْ الْقَاضِي سِوَاهُ وَاَلَّذِي عَرَفْت مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي خِلَافُهُ ، وَنَقَلَ كَلَامَ الْقَاضِي مِنْ كُتُبِهِ ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِي حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنْهُ إنَّمَا قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ وَلَيْسَ بِالْمَسْأَلَةِ بَنَيْت عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِنَقْلِ الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ انْتَهَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 13 ) إذَا

قَدَرَ عَلَى إشْهَادِ عَدْلٍ فَلَمْ يُشْهِدْهُ فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : وَإِنْ وَجَدَ عَدْلًا فَأَشْهَدَهُ أَوْ لَمْ يُشْهِدْهُ لَمْ تَسْقُطْ الشُّفْعَةُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَإِنْ وَجَدَ عَدْلًا وَاحِدًا فَفِي الْمُغْنِي إشْهَادُهُ وَتَرْكُ إشْهَادِهِ سَوَاءٌ ، قَالَ : وَهُوَ سَهْوٌ ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ مَعْمُولٌ بِهَا مَعَ عَيْنِ الطَّالِبِ ، فَيَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُهَا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَهَذَا الْمَذْهَبُ ، أَعْنِي أَنَّهَا تَثْبُتُ بِإِشْهَادِ عَدْلٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 14 ) لَوْ قَدَرَ عَلَى إشْهَادِ مَسْتُورَيْ الْحَالِ فَلَمْ يُشْهِدْهُمَا فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ ( قُلْت ) قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ إشْهَادِهِمَا ، لِأَنَّ وُجُودَهُمَا كَعَدَمِهِمَا شَهَادَةً ، لِأَنَّ شَهَادَةَ مَسْتُورَيْ الْحَالِ لَا تُقْبَلُ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَهِيَ كَالْفَاسِقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ الْقَبُولِ ، لَكِنْ لِنُدْرَةِ وُجُودِ الْعَدْلَيْنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَهُمَا وَلَوْ لَمْ نَقْبَلْهُمَا ، وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ 15 ) لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .
( أَحَدُهُمَا ) تَسْقُطُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تَسْقُطُ ، ذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ وَالْمَجْدُ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي وَابْنِ

عَقِيلٍ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، أَوْ الرِّسَالَةِ هَلْ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرٌ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا اثْنَانِ ، وَهُنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَاحِدٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ : الْمَذْهَبُ لَا يُقْبَلُ إلَّا اثْنَانِ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَهُنَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُوَ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ 16 ) لَوْ أَخْبَرَهُ مَسْتُورَا الْحَالِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمَا فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) تَسْقُطُ ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تَسْقُطُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ فِي إشْهَادِهِمَا ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ 17 ) لَوْ قَدَرَ مَعْذُورٌ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا تَسْقُطُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تَسْقُطُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي .
( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ 18 ) لَوْ نَسِيَ الْمُطَالَبَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ جَهِلَهَا فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) تَسْقُطُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ نِسْيَانًا أَوْ الْبَيْعَ أَوْ تَرَكَهُ جَاهِلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَقَاسَهُ هُوَ وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تَسْقُطُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ : وَيَحْسُنُ بِنَا الْخَلَاصُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ إذَا أَمْكَنَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ

جَهْلًا بِمِلْكِهَا الْفَسْخَ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ بِذَلِكَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ 19 ) لَوْ أَخَّرَ الطَّلَبَ جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَجْهَلُهُ سَقَطَتْ لِتَقْصِيرِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ ، فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا تَسْقُطُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَسْقُطُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَكِنْ ذَكَرْنَاهَا لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِ ، وَلَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ 20 ) وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدٌ فَلَمْ يُطَالِبْ بِهَا فَبَانَ غَيْرَهُ فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا تَسْقُطُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تَسْقُطُ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهُ .
( تَنْبِيهٌ ) فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ ، مَعَ قَطْعِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِ أَحَدٍ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ 21 ) لَوْ قُلْت بِكَمْ اشْتَرَيْت أَوْ اشْتَرَيْت رَخِيصًا فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( أَحَدُهُمَا ) تَسْقُطُ ( قُلْت ) : وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ مَعَ عِلْمِهِ .
( وَالْوَجْهُ

الثَّانِي ) لَا تَسْقُطُ .
( الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ 22 ) لَوْ جَهِلَهَا حَتَّى بَاعَ فَهَلْ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا تَسْقُطُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تَسْقُطُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ 23 ) لَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَلَكِنْ بَادَرَ بِمُضِيٍّ مُعْتَادٍ فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِهِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تَسْقُطُ ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ ، قَالَ الْقَاضِي : إنْ سَارَ عَقِبَ عِلْمِهِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَبْطُلَ شُفْعَتُهُ ، انْتَهَى .
وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ .
تَنْبِيهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ وَجْهَيْنِ وَكَذَا حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُقْنِعِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ فِي

الْمُقْنِعِ لَهُمَا وَجْهَيْنِ : إنَّمَا هُمَا رَاوِيَتَانِ ، ثُمَّ قَالَ : وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ احْتِمَالَانِ أَوْرَدَهُمَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَالِاحْتِمَالَانِ إنَّمَا أَوْرَدَهُمَا فِي الْإِشْهَادِ عَلَى السَّيْرِ لِلطَّلَبِ ، وَذَلِكَ مُغَايِرٌ لِلْإِشْهَادِ عَلَى الطَّلَبِ حِينَ الْعِلْمِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُقْنِعِ : ثُمَّ إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ إمْكَانِهِ أَيْ إمْكَانِ السَّيْرِ لِلطَّلَبِ مُوَاجَهَةً فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْخِلَافِ ، وَإِذْ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ مُتَلَقًّى عَنْ الْخِلَافِ فِي الطَّلَبِ الثَّانِي .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَعَنْهُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ " انْتَهَى لَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَمَنْ لَمْ يُطَالِبْ بِالشُّفْعَةِ فِي وَقْتِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ، انْتَهَى .

وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ فَنَصُّهُ : لَا يَسْقُطُ ، وَقِيلَ بَلَى ، وَقِيلَ : مَعَ عَدَمِ الْحَظِّ ( م 24 ) وَلَوْ أَخَذَ بِهَا وَلَاحَظَ لَمْ يَصِحَّ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِلَّا اسْتَقَرَّ أَخْذُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 24 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ فَنَصُّهُ : لَا تَسْقُطُ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَقِيلَ : مَعَ عَدَمِ الْحَظِّ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ .
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : وَإِذَا عَفَا وَلِيُّ الصَّبِيِّ عَنْ شُفْعَتِهِ لَمْ تَسْقُطْ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدِي وَإِنْ كَانَ الْأَصْحَابُ عَلَى خِلَافِهِ ، لِنَصِّهِ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تَسْقُطُ مُطْلَقًا ، وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ الْأَخْذُ بِهَا إذَا كَبُرَ ، اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ ، وَكَانَ يُفْتِي بِهِ ، نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو حَفْصٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) إنْ كَانَ فِيهَا حَظٌّ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ ، انْتَهَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ .

وَلَوْ قَسَمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ لِغَيْبَتِهِ ، فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ ذَلِكَ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ( م 25 ) أَوْ قَاسَمَ وَكِيلَهُ أَوْ هُوَ لِإِظْهَارِهِ لَهُ زِيَادَةَ ثَمَنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ وَنَحْوِهِ ، ثُمَّ بَنَى وَغَرَسَ ، ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِشُفْعَتِهِ ، فَهِيَ بَاقِيَةٌ ، وَلِرَبِّهِمَا أَخْذُهُمَا وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ، وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهَا بِالْقَلْعِ ، فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ أَبِي أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ حِينَ تَقْوِيمِهِ ، أَوْ قَلْعِهِ وَضَمِنَ نَقْصَهُ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : أَوْ أَقَرَّهُ بِأُجْرَةٍ ، فَإِنْ أَبِي فَلَا شُفْعَةَ ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَلَا يَقْلَعُهُ ، وَنَقَلَ سِنْدِيٌّ : أَلَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَمْ قِيمَةُ النَّقْصِ ؟ قَالَ : لَا ، قِيمَةُ الْبِنَاءِ ، وَقَالَ : إنَّهُمْ يَقُولُونَ قِيمَةَ النَّقْصِ ، وَأَنْكَرَهُ وَرَدَّهُ وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا كَغَاصِبٍ ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُدَّةَ بَقَاءِ زَرْعِ مُشْتَرٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا أَخَذَهَا وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهَا ، وَلَا يَمْلِكُ أَخْذَ بَعْضِ الشِّقْصِ ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ أَخَذَ بَاقِيَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ ، فَلَوْ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَ بَابَهَا أَوْ هَدَمَهَا فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ أَخَذَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِالْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ ، نُصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : وَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ سَمَاوِيًّا لَزِمَهُ أَخْذُهُ بِجَمِيعِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا وَسَيْفًا فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَيَقْسِمُ ثَمَنَهُمَا عَلَى قِيمَتِهِمَا ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا شُفْعَةَ .

( مَسْأَلَةٌ 25 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ قَسَمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ لِغَيْبَتِهِ فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ ذَلِكَ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ الْجَوَازُ ، وَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ .
وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : جَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقْسِمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ، وَالْقِسْمَةُ هُنَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ، انْتَهَى ( قُلْت ) : وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا غَابَ وَلِيُّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا هَلْ يَقْسِمُهُ الْحَاكِمُ أَمْ لَا ؟ عَنْ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَيَأْتِي تَصْحِيحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

فَصْلٌ إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي فَصَفْقَتَانِ لَهُ أَخْذُ إحْدَاهُمَا ، وَكَذَا إنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ ، فَإِنْ أَخَذَ بِثَانِيهِمَا فَفِي مُشَارَكَةِ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ إنْ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ أَوَّلِهِمَا شَارَكَهُ ( م 26 ) وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ فَوَجْهَانِ م 27 ، 28 ) وَقِيلَ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُنُونِ ، وَقَاسَهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ ، لِأَنَّهُ يُثَنِّي الْإِيجَابَ ، وَهُنَا يُثَنَّى الْقَبُولُ ، بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَثْنِيَةُ الْعَقْدِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .

مَسْأَلَةٌ 26 ) قَوْلُهُ : إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي فَصَفْقَتَانِ لَهُ أَخْذُ إحْدَاهُمَا ، وَكَذَا إنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ ، فَإِنْ أَخَذَ بِثَانِيهِمَا فَفِي مُشَارَكَةِ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْجُهٌ : الثَّالِثُ إنْ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ أَوَّلِهِمَا شَارَكَهُ انْتَهَى ، وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهَا ) يُشَارِكُهُ الْمُشْتَرِي فِي شُفْعَتِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) إنْ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ الْأَوَّلِ شَارَكَهُ فِي الثَّانِي ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِمَا جَمِيعًا لَمْ يُشَارِكْهُ .
( مَسْأَلَةٌ 27 ، 28 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
شَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 27 ) إذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ بِأَنْ بَاعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً ، فَهَلْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا أَوْ لَا يَأْخُذُ إلَّا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، حَتَّى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ ، لِتَوَقُّفِ نَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعَيْنِ عَلَى عَقْدٍ ، فَمِلْكُ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا ، كَمَا لَوْ كَانَا مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ الْمُشْتَرِي اثْنَانِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَغَيْرُهُمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ

أَوْ التَّرْكُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي الْفُنُونِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 28 ) إذَا تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ فَإِنْ بَاعَ شُفْعَتَيْنِ مِنْ مَكَانَيْنِ لِوَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلْ لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْجَمِيعِ أَوْ التَّرْكُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ .
أَحَدُهُمَا ) لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمَا ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَغَيْرُهُمْ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ التَّرْكُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَدْ بَانَ لَك أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرًا لِاخْتِيَارِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لِأَحَدِهِمَا ، وَقُوَّتِهِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَإِنْ قَبِلَ نِصْفَهُمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ بَاعَهُ كُلًّا مِنْهُمَا بِكَذَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِثَمَنِهِ فَفِي الصِّحَّةِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ ( م 29 ، 30 ) وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُ مُشْتَرِيَيْنِ نِصْفَهُ بِنِصْفِ ثَمَنٍ صَحَّ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وَغَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ قَبِلَ جَمِيعَ مَا أَوْجَبَهُ لَهُ ، وَكَذَا مُشْتَرٍ مِنْ بَائِعَيْنِ ، وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ .
( مَسْأَلَةٌ 29 وَ 30 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَبِلَ نِصْفَهُمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ بَاعَ كُلًّا مِنْهُمَا بِكَذَا فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا بِثَمَنِهِ فَفِي الصِّحَّةِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَهُ فِي رَدِّ أَحَد الْمَبِيعِينَ بِالْعَيْبِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا ؟ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 29 ) لَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ شُفْعَتَيْنِ مِنْ مَكَانَيْنِ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي نِصْفَهُمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَمْ لَا ؟ حَكَى فِي الِانْتِصَارِ خِلَافًا فِي ذَلِكَ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ الصِّحَّةِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابٍ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ قَطَعَ فِي الْكَافِي فِي الْخَلْعِ فِيمَا إذَا قَالَ : بِعْتُك عَبِيدِي الثَّلَاثَةَ بِأَلْفٍ فَقَالَ : وَاحِدًا بِثُلُثِ الْأَلْفِ ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَهَذِهِ قَرِيبَةٌ مِنْهُمَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 30 ) لَوْ بَاعَ شُفْعَتَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَذَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِثَمَنِهِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَمْ لَا ؟ حَكَى فِي الِانْتِصَارِ خِلَافًا فِي ذَلِكَ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ هُنَا الصِّحَّةُ .

وَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلُهُمَا مِنْ زَيْدٍ شِقْصًا أَوْ بَاعَ مِلْكَيْهِمَا فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ أَوْ بِهِمَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 31 ، 32 ) .
مَسْأَلَةٌ 31 وَ 32 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلُهُمَا مِنْ زَيْدٍ شِقْصًا أَوْ بَاعَ مِلْكَيْهِمَا فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ أَوْ بِهِمَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 31 ) إذَا اشْتَرَى وَكِيلُ اثْنَيْنِ مِنْ زَيْدٍ شِقْصًا .
( الْمَسْأَلَةُ 32 الثَّانِيَةُ ) : لَوْ بَاعَ وَكِيلُهُمَا مِلْكَيْهِمَا ، فَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمْ بِالْمُوَكَّلَيْنِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِهِمَا ، لِأَنَّ وَكِيلَهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا أَشْبَهَ بِمَا لَوْ بَاشَرَ الْعَقْدَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَإِذَا قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِالْمُوَكَّلَيْنِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْأُولَى وَهُنَا فِي الثَّانِيَةِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : لَوْ كَانَتْ دَارٌ لِثَلَاثَةٍ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمْ شَرِيكَهُ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ فَبَاعَهُمَا لِرَجُلٍ فَلِشَرِيكِهِمَا الشُّفْعَةُ فِيهِمَا ، وَهَلْ لَهُ أَخْذُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ دُونَ الْآخِرِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَعَلَّلَاهُمَا ، وَهَذِهِ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ الثَّانِيَةِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ اشْتَرَى وَكِيلُ اثْنَيْنِ مِنْ زَيْدٍ شِقْصًا فِي عَقْدٍ فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي ؟ ( قُلْت ) : يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا ، انْتَهَى .
وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْأُولَى ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا فِي الْمَذْهَبِ ، فَحِينَئِذٍ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَجَدَ نَقْلًا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي التَّرْجِيحِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدَّمَةِ فَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

فَإِنْ اجْتَمَعَ شُفَعَاءُ فَهِيَ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ فَدَارَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ ، نِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ ، فَبَاعَ رَبُّ الثُّلُثِ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ ، لِرَبِّ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلسُّدُسِ وَاحِدٌ ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ ، وَعَنْهُ : عَلَى عَدَدِهِمْ ، وَلَا يُرَجِّحُ أَقْرَبُ وَلَا قَرَابَةٌ ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ أَوْ غَابَ فَلِغَيْرِهِ أَخْذُ كُلِّهِ أَوْ تَرْكُهُ فَقَطْ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا يُؤَخِّرُ بَعْضَ ثَمَنِهِ لِيَحْضُرَ الْغَائِبُ ، فَإِنْ أَصَرَّ فَلَا شُفْعَةَ ، وَالْغَائِبُ عَلَى حَقِّهِ ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ غَلَّتِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا أَخَذَ بِحِصَّتِهِ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَفَا لِيُلْزِمَ [ بِهِ ] غَيْرَهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ بَعْدَ طَلَبِ الشِّقْصِ مِنْهُ بَاطِلٌ ، مُطْلَقًا ، وَيَصِحُّ قَبْلَهُ ، فَإِنْ وَقَفَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَنَحْوَهُ وَقِيلَ : أَوْ رَهَنَهُ ، سَقَطَتْ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا ، وَيُفْسَخُ تَصَرُّفُهُ وَثَمَنُهُ لَهُ حَتَّى لَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا .
وَفِي الْفُصُولِ عَنْهُ : لَا ، لِأَنَّهُ شَفِيعٌ وَضَعَّفَهُ بِوَقْفِ غَصْبٍ أَوْ مَرِيضٍ مَسْجِدًا ، وَإِنْ بَاعَهُ وَنَحْوَهُ أَخَذَهُ بِثَمَنِ أَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ ، وَيَرْجِعُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا أَعْطَاهُ ، وَإِنْ آجَرَهُ انْفَسَخَتْ مِنْ وَقْتِ أَخْذِهِ ، وَقِيلَ : بَلْ لَهُ الْأُجْرَةُ ، وَفِيهَا فِي الْكَافِي الْخِلَافُ فِي هِبَةٍ ، وَإِنْ نَمَى بِيَدِهِ نَمَاءً مُتَّصِلًا كَشَجَرَةٍ كَبُرٍّ وَطَلْعٍ لَمْ يُؤَبَّرْ تَبِعَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ وَإِلَّا فَهُوَ لِمُشْتَرٍ إلَى الْجُذَاذِ بِلَا أُجْرَةٍ لِأَنَّ الشَّفِيعَ كَمُشْتَرٍ ، وَكَذَا زَرْعُهُ لَهُ إلَى حَصَادِهِ ، وَقِيلَ : بِأُجْرَةٍ ، فَيَتَوَجَّه تَخْرِيجٌ فِي الثَّمَرَةِ ، وَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ بِإِقَالَةٍ وَفِيهِ رِوَايَةٌ ، أَوْ عَيْبٍ فِي الشِّقْصِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ .
وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ لِعَيْبٍ فِي ثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ كَانَ

قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا شُفْعَةَ ، وَإِلَّا اسْتَقَرَّتْ ، وَلِلْبَائِعِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ شِقْصِهِ ، وَيَتَرَاجَعُ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي الْأَصَحِّ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ ، فَيَرْجِعُ دَافِعُ الْأَكْثَرِ بِالْفَضْلِ .

وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ وَالْبَائِعُ مُسْلِمٌ ، فَإِنْ تَبَايَعَ كَافِرَانِ بِخَمْرٍ شِقْصًا فَلَا شُفْعَةَ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَخِنْزِيرٍ ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا هَلْ هِيَ مَالٌ لَهُمْ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ]

بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَهِيَ الْأَرْضُ الدَّائِرَةُ الَّتِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا مُلِكَتْ ، وَكَذَا إنْ مَلَكَهَا مَنْ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَبَادَ ، كَحَرْبِيٍّ وَآثَارِ الرُّومِ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ ، نَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ فِي أَرْضٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا مَزَارِعُ وَلَا عُيُونٌ وَأَنْهَارٌ تَزْعُمُ كُلُّ قَرْيَةٍ أَنَّهَا لَهُمْ فِي حَرَمِهِمْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِهَؤُلَاءِ وَلَا لِهَؤُلَاءِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُمْ أَحْيَوْهَا ، فَمَنْ أَحْيَاهَا فَلَهُ ، وَمَعْنَاهُ نَقْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِنْ مَلَكَهَا مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ تُمْلَكْ ، لِأَنَّهَا فَيْءٌ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : مَعَ الشَّكِّ فِيهِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يُعَقِّبْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ ، وَعَنْهُ : يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ .

قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : وَلَا يَمْلِكُ مُسْلِمٌ بِإِحْيَاءِ أَرْضِ كَفَّارَةٍ صُولِحُوا عَلَيْهَا .
وَيَمْلِكُ الْمُحْيِي بِحِيَازَتِهِ بِحَائِطٍ مَنِيعٍ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : مَعَ إجْرَاءِ مَاءٍ أَوْ عِمَارَتِهِ عُرْفًا لِمَا يُرِيدُهُ لَهُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَإِنْ لَمْ يُنَصِّبْ بَابًا عَلَى بَيْتٍ

وَيَمْلِكُهُ بِغَرْسٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ ، نُصَّ عَلَيْهِمَا ، أَوْ مَنْعِ مَاءٍ لَا بِحَرْثٍ وَزَرْعٍ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَإِنْ كَرَبَ حَوْلَهَا قَالَ : لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ حَتَّى يُحِيطَ [ وَيَمْلِك ] بِدُونِ إذْنِ إمَامٍ .
وَفِيهِ وَجْهٌ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْوَاضِحِ ، وَيَمْلِكُ بِهِ ذِمِّيٌّ ، وَفِي الْمَنْصُوصِ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : لَا فِي دَارِنَا ، وَقِيلَ : وَمِثْلُهُ حَرْبِيٌّ ، وَلَا يَمْلِكُ بِهِ مَوَاتَ بَلَدِهِ كُفَّارٌ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَلَا مَا قَرُبَ مِنْ عَامِرٍ وَتَعَلَّقَ بِمَصْلَحَتِهِ ، كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَرْعَاهُ وَمُحْتَطَبِهِ وَحَرِيمِهِ ، وَلَا يُقْطِعُهُ إمَامٌ ، لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ ، وَقِيلَ : لِمِلْكِهِ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ مِلْكٌ بِهِ أُقْطِعَ ، وَعَنْهُ : لَا .

وَإِنْ وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ نِزَاعٌ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ فَلَهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ ، لِلْخَبَرِ ، وَلَا تَغَيُّرَ بَعْدَ وَضْعِهَا ، لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ ابْنُ بَطَّةَ أَنَّ الْخَبَرَ فِي أَرْبَابِ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادُوا قِسْمَتَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ حَاجَتِهِمْ .

وَلَا يُمْلَكُ مَا نَضَبَ مَاؤُهُ .
وَفِيهِ رِوَايَةٌ ، وَلَا مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ ، كَقَارٍ وَمِلْحٍ ، وَلَا بَاطِنٌ ظَهَرَ ، كَحَدِيدٍ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَكَذَلِكَ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَلَا يُقْطِعُهُ إمَامٌ ، كَظَاهِرٍ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ جَوَازَهُ ، وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقْطَع الزُّبَيْرَ نَخْلًا } .
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : النَّخْلُ مَالٌ ظَاهِرٌ كَمَعْدِنٍ ظَاهِرٍ ، فَيُشْبِهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ مِنْ الْخُمْسِ الَّذِي هُوَ سَهْمُهُ .

وَلَهُ إقْطَاعُ مَوْضِعٍ بِقُرْبِ السَّاحِلِ يَصِيرُ مَاؤُهُ مِلْحًا ، وَالْأَصَحُّ وَيَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ ، وَيَمْلِكُ الْمُحْيَا بِمَا فِيهِ حَتَّى مَعْدِنٍ جَامِدٍ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا ، وَعَنْهُ : وَجَارٍ وَكَلَأٍ ، وَيَلْزَمُهُ بَذْلُ فَاضِلِ مَائِهِ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ إنْ لَمْ تَجِدْ مَاءً مُبَاحًا وَلَمْ يُنَضَّرْ بِهَا وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي اتِّصَالَهُ بِمَرْعًى ، وَيَلْزَمُهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا لِزَرْعِ نَفْسِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : إلَّا أَنْ يُؤْذِنَهُ بِالدُّخُولِ أَوْ لَهُ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ فَيَخَافُ عَطَشًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ ، قَالَ : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَاءٍ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : يُكْرَهُ مَنْعُهُ فَضْلَ مَائِهِ لِيَسْقِيَ بِهِ ، لِلْخَبَرِ ، وَمَتَى لَمْ يَلْزَمْهُ بَاعَهُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ ، وَيَحْرُمُ مُقَدَّرًا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ( م ) أَوْ بِالرَّيِّ أَوْ جُزَافًا ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ : إنْ بَاعَ آصُعًا مَعْلُومَةً مِنْ سَائِحٍ جَازَ ، كَمَاءِ عَيْنٍ ، لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ ، وَإِنْ بَاعَ كُلَّ الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ ، لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ .

قَالَ جَمَاعَةٌ : مَنْ حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي شُرْبٍ وَسَقْيٍ وَزَرْعٍ ، وَيُقَدَّمُ آدَمِيٌّ ثُمَّ حَيَوَانٌ ، وَإِنْ حَفَرَهَا فِيهِ لِارْتِفَاقِهِ كَعَادَةِ مَنْ انْتَجَعَ أَرْضًا فَهُوَ أَحَقُّ مَا أَقَامَ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : يَلْزَمُهُ بَذْلُ فَاضِلِهِ لِشَارِبِهِ فَقَطْ ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ ، وَإِنْ رَحَلَ فَسَابِلَةٌ ، فَإِنْ عَادَ فَفِي اخْتِصَاصِهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَإِنْ حَفَرَهَا تَمَلُّكًا أَوْ بِمِلْكِهِ الْحَيِّ مَلَكَهَا ، فِي الرِّعَايَةِ : فِي الْأَقْيَسِ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : إنْ احْتَاجَتْ طَيًّا فَبَعْدَهُ ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .
وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ نِسْبَةً إلَى عَادٍ ، وَلَمْ يُرِدْ عَادًا بِعَيْنِهَا ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا هِيَ الَّتِي أُعِيدَتْ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
وَالْبَدِيُّ النِّصْفُ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، نَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ : الْعَادِيَّةُ الَّتِي لَمْ تَزُلْ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولُهُ ، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : وَالْعَادِيُّ الْقَدِيمَةُ وَعَنْهُ : قَدْرُ الْحَاجَةِ ، وَقِيلَ : أَكْثَرُهُمَا ، وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ : إنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَخَمْسُونَ ، وَحَرِيمُ عَيْنٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ : قَدْرُ الْحَاجَةِ وَحَرِيمُ الشَّجَرِ مَدُّ أَغْصَانِهَا .

بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ حَفَرَهَا لِارْتِفَاقِهِ كَعَادَةِ مَنْ انْتَجَعَ أَرْضًا فَهُوَ أَحَقُّ مَا أَقَامَ ، وَإِنْ رَحَلَ فَسَابِلَةٌ ، فَإِنْ عَادَ فَفِي اخْتِصَاصِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ .
( أَحَدُهُمَا ) عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِيهِمَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ ، فَيَخْتَصُّ بِهَا ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ ، قَالَ السَّامِرِيُّ : رَأَيْته بِخَطِّ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَى نُسْخَةِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قَالَ مَحْفُوظٌ يَعْنِي نَفْسَهُ : الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إذَا عَادُوا كَانُوا أَحَقَّ بِهَا ، لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ بِالْإِحْيَاءِ ، وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَرْحَلُوا كُلَّ سَنَةٍ ثُمَّ يَعُودُونَ ، فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُمْ عَنْهَا بِالرَّحِيلِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : فَهُمْ أَوْلَى بِهَا ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ .

وَلَوْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي عَمَلِهِ فِي مَعْدِنِهِ وَالْخَارِجُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ صَحَّ ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ : بِعْهُ بِكَذَا فَمَا زَادَ فَلَكَ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فِيهِ نَظَرٌ ، لِكَوْنِهِ هِبَةَ مَجْهُولٍ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَلْفًا مِمَّا لَقِيَ مُنَاصَفَةً وَالْبَقِيَّةُ لَهُ ، فَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا ، فَوَجْهَانِ ( م 2 ) .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي عَمَلِهِ فِي مَعْدِنِهِ وَالْخَارِجُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ صَحَّ وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَلْفًا مِمَّا لَقِيَ أَوْ مُنَاصَفَةً وَالْبَقِيَّةُ لَهُ ، فَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا ، فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ ، قَالَ الْقَاضِي : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَلَمْ يُورَدْ لِلْقَاضِي سِوَاهُ ، وَذَكَرَ فِيهِ نَصَّ أَحْمَدَ إذَا قَالَ : صَرِّفْ هَذَا عَلَى أَنَّ لَك ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَنَّهُ يَصِحُّ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَصِحُّ ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْمُغْنِي .

وَمَوَاتُ الْعَنْوَةِ كَغَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : لَا يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ وَيَقَرُّ بِيَدِهِ بِخَرَاجِهِ ، كَذِمِّيٍّ أَحْيَاهُ ، وَعَنْهُ : عَلَى ذِمِّيٍّ أَحْيَا غَيْرَ عَنْوَةٍ عُشْرَ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ .

وَفِي مِلْكِ مُسْلِمٍ بِهِ مَوَاتَ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ وَجْهَانِ ( م 3 ) .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَفِي مِلْكِ مُسْلِمٍ مَوَاتَ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَمْلِكُهُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الْحَقُّ فِي مَوَاتِ عَرَفَةَ .
وَقَالَ فِي مَوَاتِ الْحَرَمِ : فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ عَنْوَةٌ فَفِيهِ مَا مَرَّ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ ، وَإِنْ قِيلَ صَلُحَ جَازَ إحْيَاؤُهُ ، وَمِنْ شُيُوخِنَا مَنْ حَكَى احْتِمَالَ وَجْهَيْنِ ، وَهُمَا مَنْقُولَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، انْتَهَى ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَرَمَ فُتِحَ عَنْوَةً .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ ( قُلْت ) : لَوْ قِيلَ يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَاجُّ أَلْبَتَّةَ إنْ وُجِدَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا ، كَحَفْرِ بِئْرٍ لَمْ يَصِلْ مَاؤُهَا نَقَلَهُ حَرْبٌ أَوْ سَقْيِ شَجَرٍ مُبَاحٍ وَإِصْلَاحِهِ وَلَمْ يَرْكَبْهُ ، أَوْ أَقْطَعَ لَهُ ، لَمْ يَمْلِكْهُ ، وَهُوَ وَوَارِثُهُ أَوْ مَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ أَحَقُّ بِهِ ، وَلَا يَبِيعُهُ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ .

وَإِنْ تَرَكَ الْإِحْيَاءَ أُمِرَ بِهِ أَوْ تَرَكَهُ ، وَيُمْهَلُ بِطَلَبِهِ شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةً ، فَإِنْ بَادَرَ غَيْرُهُ فَأَحْيَاهُ قَبْلَ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ : أَوْ قَبْلَهَا فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ ( م 4 ) وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي نُزُولِهِ عَنْ وَظِيفَةٍ لِزَيْدٍ ، هَلْ يَتَقَرَّرُ غَيْرُهُ وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ نَزَلَ عَنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ وَيُوَلِّي مَنْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ شَرْعًا .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَيُمْهَلُ بِطَلَبِهِ شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةً ، فَإِنْ بَادَرَ غَيْرُهُ فَأَحْيَاهُ قَبْلَ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ : أَوْ قَبْلَهَا فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى ، وَالْحَارِثِيُّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يَمْلِكُهُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْلِكُهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَالَ النَّاظِمُ : هُوَ بَعِيدٌ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : قَبْلَ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ ، وَتَقْدِيرُهُ قَبْلَ فَرَاغِ أَوْ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ حَتَّى يُغَايِرَ قَوْلَ الشَّيْخِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ قَبْلَ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ مِنْ الْقَوْلِ ، فَيَكُونُ هَذَا قَوْلًا ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَوْلًا " وَمُدَّةَ " مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَالْمَذْهَبُ غَيْرُ قَوْلِ الشَّيْخِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ قَدَّمَ حُكْمًا .

وَمَنْ أَخَذَ مِمَّا حَمَاهُ إمَامٌ عُزِّرَ ( ش ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، لِمُخَالَفَتِهِ ، وَلَهُ نَظَائِرُ وَلَمْ يَذْكُرُوا ضَمَانًا ، فَظَاهِرُهُ لَا ضَمَانَ ( و ش ) لِبَقَاءِ إبَاحَتِهِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَمَا أَقَطَعَهُ إمَامٌ لِمَنْ يُحْيِيهِ كَمُتَحَجِّرٍ ، وَيُسَمَّى تَمَلُّكًا ، لِمَآلِهِ إلَيْهِ ، وَلَهُ إقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا ، لِلْمَصْلَحَةِ .

وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ مَوَاتًا لِدَابَّةٍ يَحْفَظُهَا أَوْ غَازٍ وَضَعِيفٍ مَا لَمْ يُضَيِّقْ ، وَلِإِمَامٍ غَيْرِهِ نَقْضُهُ ، كَهُوَ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي مِلْكِهِ بِإِحْيَاءٍ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَيَتَوَجَّهُ فِي بَعْضِ الْإِطْلَاقَاتِ الْخِلَافُ .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ مَوَاتًا وَلِإِمَامٍ غَيْرِهِ نَقْضُهُ ، كَهُوَ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مِلْكِهِ بِإِحْيَاءٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ : ( أَحَدُهُمَا ) يَمْلِكُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ الشَّارِحُ : وَهُوَ أَوْلَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ

وَنَقَلَ حَرْبٌ : الْقَطَائِعُ جَائِزَةٌ ، وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ : قَالَ مَالِكٌ : لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِ الْأُمَرَاءِ ، فَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا وَقَالَ : تَزْعُمُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِهِمْ ؟ وَنَقَلَ يَعْقُوبُ : قَطَائِعُ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ مِنْ الْمَكْرُوهَةِ كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد : وَمَا أَدْرِي مَا هَذِهِ الْقَطَائِعُ يُخْرِجُونَهَا مِمَّنْ شَاءُوا إلَى مَنْ شَاءُوا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مَنْ أَقْطَعَهَا ، فَكَيْفَ يُخْرِجُ مِنْهُ ، وَلِهَذَا عَوَّضَ عُمَرُ جَرِيرًا الْبَجَلِيَّ لَمَّا رَجَعَ فِيمَا أَقْطَعهُ وَقِيلَ لِشَيْخِنَا : إنْ أَطْلَقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْ الْمَصَالِحِ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرَهُ سَكَنَ زَاوِيَةً وَأَطْلَقَ لَهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ هِيَ وَالْفُقَرَاءُ ؟ فَقَالَ : إنْ اسْتَحَقَّ تَنَاوُلَهُ لِحَاجَتِهِ مَعَ دَيْنِهِ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ وَنَحْوِهِ جَازَ ، وَلَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُ وَلَا طَلَبُهُ بِأُجْرَةٍ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ .

وَلَهُ إقْطَاعُ جُلُوسٍ فِي طَرِيقٍ وَرَحْبَةٍ مُتَّسِعَةٍ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِجُلُوسِهَا مَا لَمْ يَعْدُ فِيهِ ، وَيَحْرُمُ مَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَوْ بِعِوَضٍ ، وَمَعَ عَدَمِ إقْطَاعٍ لِلسَّابِقِ الْجُلُوسُ عَلَى الْأَصَحِّ مَا بَقِيَ قُمَاشُهُ ، وَعَنْهُ : إلَى اللَّيْلِ وَفِي افْتِقَارِهِ إلَى إذْنٍ وَجْهَانِ ( م 6 ) .
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ مَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَوْ بِعِوَضٍ ، وَمَعَ عَدَمِ إقْطَاعٍ لِلسَّابِقِ الْجُلُوسُ عَلَى الْأَصَحِّ مَا بَقِيَ قُمَاشُهُ ، وَعَنْهُ ، إلَى اللَّيْلِ ، وَفِي افْتِقَارِهِ إلَى إذْنٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَفْتَقِرُ إلَى إذْنٍ ، هُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ .

وَلَهُ التَّظْلِيلُ بِغَيْرِ بِنَاءٍ ، كَبَارِيَةٍ وَنَحْوِهَا ، فَإِنْ طَالَ [ مَقَامُهُ ] أَوْ مَقَامُ سَابِقٍ إلَى مَعْدِنٍ فَفِي إزَالَتِهِ وَجْهَانِ ( م 7 و 8 ) .

( مَسْأَلَةٌ 7 وَ 8 ) قَوْلُهُ : وَلَهُ التَّظْلِيلُ بِغَيْرِ بِنَاءٍ ، كَبَارِيَةٍ وَنَحْوِهَا ، فَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ أَوْ مُقَامُ سَابِقٍ إلَى مَعْدِنٍ فَفِي إزَالَتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 7 ) إذَا طَالَ مُقَامُهُ فِي الْجُلُوسِ فَهَلْ يُزَالُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُزَالُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ اللَّائِقُ بِأُصُولِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قَالُوا بِالْإِقْطَاعِ انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُزَالُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : مَنَعَ ، فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 8 ) إذَا طَالَ مُقَامُ السَّابِقِ إلَى مَعْدِنٍ فَهَلْ يُزَالُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُمْنَعُ وَلَا يُزَالُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَا دَامَ أَخْذًا قَالَ الْحَارِثِيُّ : أَصَحُّهُمَا لَا يُمْنَعُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُمْنَعُ ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَقِيلَ : يُمْنَعُ مَعَ ضِيقِ

الْمَكَانِ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ ( قُلْت ) : وَغَيْرُ ابْنِ عَقِيلٍ وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلًا فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا حُكْمًا وَاحِدًا ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرُهُمَا .
وَقِيلَ : يُزَالُ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ الْجُلُوسِ ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا ( قُلْت ) : وَيَتَوَجَّهُ الْعَكْسُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ : فَصَحَّحَا أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَعْدِنِ ، وَقَدَّمَا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ إطَالَةِ الْجُلُوسِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ إطَالَةِ الْجُلُوسِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ الْإِطَالَةِ فِي الْمَعْدِنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقِيلَ فِي مَعْدِنٍ : مَنْ أَخَذَ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُنِعَ ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ : إنْ أَخَذَهُ لِتِجَارَةٍ هَايَأَ إمَامٌ بَيْنَهُمَا ، لِحَاجَةِ الْمُهَايَأَةِ وَالْقُرْعَةِ وَتَقْدِيمِ مَنْ يَرَى وَالْقِسْمَةِ ( م 9 ) وَفِي النَّصِيحَةِ : مَنْ عَمِلَ يَوْمَهُ فِي مَعْدِنٍ ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَاءَ غَيْرُهُ مِنْ الْغَدِ لِيَعْمَلَ فِيهِ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي حَوَانِيتِ السُّوقِ : يَسْتَأْذِنُ إلَّا مَنْ فَتَحَ بَابَهُ وَجَلَسَ لِلتِّجَارَةِ .

مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : لِحَاجَةِ الْمُهَايَأَةِ وَالْقُرْعَةِ وَتَقْدِيمِ مَنْ يَرَى وَالْقِسْمَةِ ، انْتَهَى .
هَذَا الْكَلَامُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَقِيلَ : إنْ أَخَذَهُ لِتِجَارَةٍ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا " إلَّا أَنَّهُ ابْتِدَاءُ مَسْأَلَةٍ ، يَعْنِي أَنَّ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ طَرِيقَةً ، وَهِيَ إنْ أَخَذَ لِتِجَارَةٍ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ أَخَذَ لِحَاجَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْمُهَايَأَةُ وَالْقُرْعَةُ وَتَقَدُّمُ مَنْ يَرَى وَالْقِسْمَةُ قَالَ الْقَاضِي : إنْ أَخَذَ لِلتِّجَارَةِ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِالْيَوْمِ أَوْ السَّاعَةِ بِحَسَبِ مَا يَرَى ، وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ فَاحْتِمَالَاتٌ ( أَحَدُهُمَا ) الْقُرْعَةُ ، ( وَالثَّانِي ) يُنَصِّبُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُمَا ثُمَّ يَقْسِمُ ، ( وَالثَّالِثُ ) يُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَوْلَى ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا قُدِّمَ ، فَإِنْ أَخَذَ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُنِعَ ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ : إنْ أَخَذَهُ لِتِجَارَةٍ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ أَخَذَهُ لِحَاجَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : الْمُهَايَأَةُ وَالْقُرْعَةُ وَتَقْدِيمُ مَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ وَأَنْ يُنَصِّبَ مَنْ يَأْخُذُهُ وَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا ، انْتَهَى .
وَهَذِهِ أَوْجُهُ الْمُصَنِّفِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، فَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمًا ، وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ أَخَذَ فَوْقَ حَاجَتِهِ يُمْنَعُ ، وَلَكِنْ تُصَحَّحُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَحَدُ الْأَوْجُهِ ، وَالصَّوَابُ مِنْهَا نَصْبُ الْإِمَامِ مَنْ يَأْخُذُهُ وَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْبُوذٍ رَغْبَةً عَنْهُ أَوْ وَجَدَ عَنْبَرَةً عَلَى السَّاحِلِ وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْبُوذٍ رَغْبَةً عَنْهُ أَوْ وَجَدَ عَنْبَرَةً عَلَى السَّاحِلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا أَخَذَهُ وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ اقْتَرَعَا ، وَقِيلَ : يُقَدِّمُ الْإِمَامُ ، وَقِيلَ : بِقِسْمَةِ مَعْدِنٍ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي مَنْبُوذٍ وَكَذَا إلَى الطَّرِيقِ ، وَجَزَمَ الْآمِدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بِالْقِسْمَةِ .

وَلِمَنْ فِي أَعْلَى مَاءٍ مُبَاحٍ السَّقْيُ إلَى أَنْ يَصِلَ [ إلَى ] كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ ، نُصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُهُ مُسْتَقِلَّةً سَدّهَا إذَا سَقَى حَتَّى يَصْعَدَ إلَى الثَّانِي ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَيُقَدَّمُ أَحَدُ مُسْتَوَيَيْنِ بِقُرْعَةٍ بِقَدْرِ حَقِّهِ .

وَفِي الْمَنْعِ مِنْ إحْيَاءِ مَوَاتٍ أَقْرَبَ إلَى أَوَّلِ الْمَاءِ وَجْهَانِ ( م 10 ) وَلَا يُسْقَى قَبْلَهُمْ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَفِي الْمَنْعِ مِنْ إحْيَاءِ مَوَاتٍ أَقْرَبَ إلَى أَوَّلِ الْمَاءِ وَجْهَانِ انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) لَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُمْ مَنْعُهُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إيرَادِ الْمُقْنِعِ ، انْتَهَى .

وَمَنْ سَبَقَ إلَى قَنَاةٍ لَا مَالِكَ لَهَا فَسَبَقَ آخَرُ إلَى بَعْضِ أَفْوَاهِهَا مِنْ فَوْقَ أَوْ أَسْفَلَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا سَبَقَ إلَيْهِ .

وَلِمَالِكِ أَرْضٍ مَنْعُهُ الدُّخُولَ بِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ رُسُومُهَا فِي أَرْضِهِ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَضْيِيقَ مَجْرَى قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ خَوْفَ لِصٍّ ، لِأَنَّهُ لِصَاحِبِهَا ، نُصَّ عَلَى الْكُلِّ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى عِمَارَتِهَا إلَّا فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ ، يَعْنِي عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ إجْبَارَ عُمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ كُلَّمَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ .
فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي نَهْرٍ لِضَيَاعٍ : أَكْرَهُ الْأَشْجَارَ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ غَصَبَ حَقَّهُ مِنْ مَاءٍ مُشْتَرَكٍ : لِلْبَقِيَّةِ أَخْذُ حَقِّهِمْ ، وَنَقَلَ مُثَنَّى : مَنْ سُدَّ لَهُ الْمَاءُ لِجَاهِهِ أَفَأَسْقِي مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَرْكِي لَهُ يَرُدُّهُ عَلَى مَنْ يَسُدُّ عَنْهُ ؟ فَأَجَازَهُ بِقَدْرِ حَاجَتِي .

وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ لِعَجْزِهِ أَوْ انْقِطَاعِهَا مَلَكَهَا مُسْتَنْقِذُهَا : وَقِيلَ ، لَا ، كَعَبْدٍ ، وَتَرْكِ مَتَاعٍ عَجْزًا ، فَيَرْجِعُ بِنَفَقَةٍ وَأُجْرَةِ مَتَاعٍ .
وَفِي الْمَنْصُوصِ ، وَفِي إلْقَائِهِ خَوْفَ غَرَقٍ وَجْهَانِ ( م 11 ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ لِعَجْزِهِ أَوْ انْقِطَاعِهَا مَلَكَهَا مُسْتَنْقِذُهَا وَقِيلَ : لَا ، كَعَبْدٍ ، وَتَرْكِ مَتَاعٍ عَجْزًا فَيَرْجِعُ بِنَفَقَةٍ وَأُجْرَةِ مَتَاعٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَفِي إلْقَائِهِ خَوْفَ غَرَقٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا أَلْقَى مَتَاعَهُ فِي الْبَحْرِ خَوْفًا مِنْ الْغَرَقِ فَهَلْ مِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( أَحَدُهُمَا ) مِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : نَصُّ أَحْمَدَ فِي الْمَتَاعِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يُلْقِيهِ رُكَّابُ السَّفِينَةِ مَخَافَةَ الْغَرَقِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْلِكُهُ آخِذُهُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَمَالَا إلَيْهِ ، ذَكَرَهُ فِي اللُّقَطَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ، ذَكَرَ فِي آخِرِ اللُّقَطَةِ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ ، فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

يَحْرُمُ الْتِقَاطُ مُمْتَنِعٍ عَنْ سَبْعٍ صَغِيرٍ ، كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَبِغَالٍ وَكَلْبٍ وَظِبَاءٍ وَطَيْرٍ وَحُمُرٍ أَهْلِيَّةٍ ، وَخَالَفَ الشَّيْخُ فِيهَا وَفِي طَيْرٍ مُسْتَوْحِشَةٍ وَيَضْمَنُهُ ، كَغَاصِبٍ ، وَنَصُّهُ وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ : يَضْمَنُ ضَالَّةً مَكْتُومَةً بِالْقِيمَةِ مَرَّتَيْنِ ، لِلْخَبَرِ ، وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إلَى نَائِبِ إمَامٍ أَوْ بِأَمْرِهِ بِرَدِّهِ مَكَانَهُ ، كَجَائِزٍ الْتِقَاطُهُ ، وَقِيلَ : أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَرْجِعْ ، لِتَعَدِّيهِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ أَخْذٍ مِنْ نَائِمٍ شَيْئًا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ ، وَلِنَائِبِ إمَامٍ أَخْذُهُ لِلْحِفْظِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ ، وَلَا تَكْفِي فِيهِ الصِّفَةُ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : وَلِغَيْرِهِ بِمَوْضِعٍ مَخُوفٍ ، وَلَهُ الْتِقَاطُ غَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ ، كَخَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ ، وَعَنْهُ : وَنَحْوِ شَاةٍ ، وَعَنْهُ وَعَرْضٍ ذَكَرَهَا أَبُو الْفَرَجِ إذَا أَمِنَ نَفْسَهُ وَقَوِيَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَكَغَاصِبٍ ، وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ بِمَضْيَعَةٍ ، وَخَرَّجَ وُجُوبَهُ إذَنْ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَعْرِضُ لَهَا ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ { وَلَا تَسْأَلَنَّ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا تَقْبِضْ أَمَانَةً وَلَا تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ } وَيَفْعَلُ الْحَظَّ لِمَالِكِهِ ، وَلَهُ أَكْلُ حَيَوَانٍ وَمَا يُخْشَى فَسَادُهُ بِقِيمَتِهِ ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا .
وَفِي الْمُغْنِي يَقْتَضِي قَوْلُ أَصْحَابِنَا لَا يُمْلَكُ عَرْضٌ فَلَا يَأْكُلُ ، وَلَهُ بَيْعُهُ وَحِفْظُ ثَمَنِهِ ، وَهُوَ كَلُقَطَةٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُ تَعْرِيفَهُ ، وَعَنْهُ : يَبِيعُ كَبِيرًا حَاكِمٌ ، وَعَنْهُ : مَعَ وُجُودِهِ وَفِي التَّرْغِيبِ : وَلَا يَبِيعُ بَعْضَ حَيَوَانٍ ، وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَكْلِهِ بِمَضْيَعَةٍ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ ذَبْحِهِ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَتَصَرَّفُ قَبْلَ الْحَوْلِ فِي شَاةٍ

وَنَحْوِهَا بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يُعَرِّفُ الشَّاةَ ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، وَيَرْجِعُ بِنَحْوِ نَفَقَتِهِ بِنِيَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ عِنْدَهُ طَائِرٌ يَرْجِعُ بِعَلَفِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا مَعَ تَرْكِ التَّعَدِّي ، فَإِنْ تَعَدَّى لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ ، وَيَلْزَمْهُ تَعْرِيفُ الْجَمِيعِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، نَهَارًا [ حَوْلًا ] مُتَوَالِيًا فِي أُسْبُوعٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : ثُمَّ مَرَّةً كُلَّ أُسْبُوعٍ فِي شَهْرٍ ، ثُمَّ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ ، وَقِيلَ : عَلَى الْعَادَةِ عَلَى الْفَوْرِ بِالنِّدَاءِ وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ : مِنْ رَبِّهَا ، وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ : مِنْهَا ، كَمَا لَوْ رَأَى تَجْفِيفَ عِنَبٍ وَنَحْوِهِ وَاحْتَاجَ غَرَامَةً ، وَقِيلَ : مِنْهَا إنْ لَمْ يَمْلِكْ ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا ، فِي مَجَامِعِ النَّاسِ ، وَيُكْرَهُ فِي مَسْجِدٍ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَا يَجُوزُ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلرَّجُلِ { لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ } وَقَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ فِي إنْشَادِهَا ، وَلَا يَصِفُهُ بَلْ : مَنْ ضَاعَ مِنْهُ نَفَقَةٌ أَوْ شَيْءٌ ، وَقِيلَ : لُقَطَةُ صَحْرَاءَ بِقَرْيَةٍ .

بَابُ اللُّقَطَةِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَلَهُ الْتِقَاطُ غَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ ، وَعَنْهُ : وَنَحْوُ شَاةٍ ، وَعَنْهُ : وَعَرَضٍ ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُقَدَّمَ لَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُ نَحْوِ الشَّاةِ كَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَالْعُرُوضِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْمَذْهَبُ جَوَازُ الْتِقَاطِ ذَلِكَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا نَقْصًا ، وَتَقْدِيرُهُ " وَعَنْهُ : لَا نَحْوُ شَاةٍ ، وَعَنْهُ : وَعَرَضٌ " لِيُوَافِقَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا صَدَّرَهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ : " غَيْرِ مُمْتَنِعٍ بِنَفْسِهِ " وَقَوْلُهُ : " كَخَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ " يَعْنِي لَهُ الْتِقَاطُهَا ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَمَاعَةٌ : إنَّ أَحْجَارَ الطَّوَاحِينِ الْكِبَارَ وَالْقُدُورَ الضَّخْمَةَ وَالْأَخْشَابَ الْكِبَارَ مُلْحَقَةٌ بِالْإِبِلِ مِنْ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا ، قَالُوا : بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْإِبِلِ مِنْ وُجُوهٍ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ وَلَا حَكَاهُ قَوْلًا ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ نَقْصًا ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُ مُمْتَنِعٍ عَنْ سَبْعٍ صَغِيرٍ " وَخَالَفَ الشَّيْخَ فِي طَيْرٍ مُسْتَوْحِشَةٍ ، فَكَوْنُهُ جَعَلَ كَلَامَ الشَّيْخِ قَوْلًا مُؤَخَّرًا فِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُقَدَّمُ لِمَا يَذْكُرُ .
وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ الشَّيْخَ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الصُّيُودِ الْمُتَوَحِّشَةِ الَّتِي إذَا تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ أَوْ عَجَزَ عَنْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ يَخُصَّ الطَّيْرَ بِذَلِكَ بَلْ بِالصَّيُودِ كُلِّهَا ، وَعَلَّلَهَا بِعِلَلٍ قَوِيَّةٍ جِدًّا ، فَقَالَ : لِأَنَّ تَرْكَهَا أَضْيَعُ لَهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَالْمَقْصُودُ حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا لَا حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا لَمَا جَازَ الْتِقَاطُ

الْأَثْمَانِ ، فَإِنَّ الدِّينَارَ دِينَارٌ أَيْنَمَا كَانَ انْتَهَى ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَقَطَعُوا بِهِ .

وَيَمْلِكُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ ، عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : إنْ اخْتَارَهُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْوَاضِحِ ، وَعَنْهُ : لَا يَمْلِكُ نَحْوَ شَاةٍ ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : يَمْلِكُ الْأَثْمَانَ فَقَطْ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَلَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ ، وَعَنْهُ : لَا ، فَيُعَرِّفُهُ أَبَدًا ، نَقَلَهُ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَهُ دَفْعُهُ لِحَاكِمٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا ، وَتُتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ فِيمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ اللُّصُوصِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي اللُّقَطَةِ : يَبِيعُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ رِوَايَتَيْنِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي صَبِيٍّ فَرَطَ وَبَلَغَ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا أَجْحَفَ بِمَالِهِ ، تَصَدَّقَ بِهَا مُتَفَرِّقَةً ، وَعَنْهُ : لَا تُمَلَّكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَعَنْهُ : وَغَيْرُهَا ، وَعَنْهُ : يَتَمَلَّكُ فَقِيرٌ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى ، فَإِنْ أَخَّرَ تَعْرِيفَهُ بَعْضَهُ سَقَطَ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، كَالْتِقَاطِهِ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ ، وَفِي الصَّدَقَةِ بِهِ رِوَايَتَا الْعُرُوضِ ، فَإِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ أَوْ ضَاعَتْ فَعَرَّفَهَا الثَّانِي مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَوْ أَعْلَمَهُ وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا لِنَفْسِهِ فَقِيلَ : يَمْلِكُهُ ، وَقِيلَ : لَا ( م 21 ) كَأَخْذِهِ مَا لَمْ يُرِدْ تَعْرِيفَهُ ، فِي الْأَصَحِّ نَوَى تَمَلُّكَهُ أَوْ كَتْمَهُ أَوْ لَا وَلَيْسَ خَوْفُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ يُطَالِبَهُ بِأَكْثَرَ عُذْرًا فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا ، فَإِنْ أَخَّرَ لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا بَعْدَهُ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا حَتَّى يَمْلِكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ ، وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بَعْدَهُ ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ .
وَقَالَ

أَبُو الْوَفَاءِ : تَبْقَى بِيَدِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا ، وَلَا يُعَرِّفُ مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَلَوْ كَثُرَ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : هِمَّتُهُ كَتَمْرَةٍ وَكِسْرَةٍ وَشِسْعٍ ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : وَصَدَقَتُهُ بِهِ أَوْلَى ، وَلَهُ أَخْذُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ ، وَقِيلَ : مُدَّةً يُظَنُّ طَلَبَ رَبِّهِ لَهُ ، وَقِيلَ : دُونَ نِصَابِ سَرِقَةٍ ، وَقِيلَ : دُونَ قِيرَاطٍ ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ بَدَلِهِ ، خِلَافًا لِلتَّبْصِرَةِ ، وَكَلَامُهُمْ فِيهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي التَّمْرَةِ يَجِدُهَا أَوْ يُلْقِيهَا عُصْفُورًا يَأْكُلُهَا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَيُطْعِمُهَا صَبِيًّا أَوْ يَتَصَدَّقُ ؟ قَالَ : لَا يَعْرِضُ لَهَا ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ ، وَيَنْتَفِعُ بِكَلْبٍ مُبَاحٍ ، وَقِيلَ : يُعَرِّفُهُ سَنَةً .

مَسْأَلَةٌ 1 و 2 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ أَخَّرَهُ أَيْ التَّعْرِيفَ لِعُذْرٍ أَوْ ضَاعَتْ فَعَرَّفَهَا الثَّانِي مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَوْ أَعْلَمَهُ وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا لِنَفْسِهِ فَقِيلَ : يَمْلِكُهُ ، وَقِيلَ : لَا ، انْتَهَى فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا أَخَّرَ التَّعْرِيفَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عَرَّفَهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ( أَحَدُهُمَا ) يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ وَلَا يَمْلِكُهَا بِهِ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَمْلِكُهَا بِهَذَا التَّعْرِيفِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) إذَا ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ وَوَجَدَهَا آخَرُ فَعَرَّفَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَوْ أَعْلَمُهُ بِهَا وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا لِنَفْسِهِ وَعَرَّفَهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَمْلِكُهَا ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَمْلِكُهَا ، قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ : وَيُشْبِهُ هَذَا مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا إذَا سَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَى مَا تَحَجَّرَهُ فَأَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ .

لُقَطَةُ فَاسِقٍ كَعَدْلٍ ، وَقِيلَ : يُضَمُّ إلَيْهِ ، وَكَذَا ذِمِّيٌّ ، وَقِيلَ : تُدْفَعُ لِعَدْلٍ ، كَتَعَذُّرِ حِفْظِهَا مِنْهُ ، وَإِذَا عَرَّفَ وَلِيُّ سَفِيهٍ وَصَبِيٍّ وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ : وَمَجْنُونٍ مَا الْتَقَطُوهُ مَلَكُوهُ ، وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ حِفْظُهَا وَتَعْرِيفُهَا وَإِنْ تَلِفَ بِيَدِ أَحَدِهِمْ وَفَرَّطَ ضَمِنَ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي صَبِيٍّ كَإِتْلَافِهِ ، وَكَعَبْدٍ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ : لَا ، وَمُكَاتَبٌ كَحُرٍّ ، وَلُقَطَةُ مُعْتَقِ بَعْضِهِ بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : تَدْخُلُ هِيَ وَكَسْبٌ نَادِرٌ كَهَدِيَّةٍ فِي مُهَايَأَةٍ .

وَلِعَبْدٍ أَنْ يَلْتَقِطَ وَيُعَرِّفَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ ، كَاحْتِطَابِهِ ، فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ ، وَفِي مِلْكِهِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ مَلَكَهُ وَأَتْلَفَهُ فَفِي ذِمَّتِهِ ، وَإِلَّا فِي رَقَبَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي زَادِ الْمُسَافِرِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : فِي ضَمَانِهِ إذَا أَتْلَفَ مَالًا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا فِي رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ وَالثَّانِي فِي ذِمَّتِهِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ وَإِذَا خَرَقَ ثَوْبَ رَجُلٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ ، وَلَهُ إعْلَامُ سَيِّدِهِ الْعَدْلِ ، وَلِسَيِّدِهِ الْعَدْلِ أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ لِيُعَرِّفَهُ وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا ، وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا دُونَ صِفَاتِهَا ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُهُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَقِيلَ : عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَقِيطٌ ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ : لِئَلَّا يَسْتَرِقَّهُ ، فَلَوْ تَرَكَهُ فَلَا وِلَايَةَ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَمَنْ وَصَفَهُ وَقِيلَ : وَظُنَّ صِدْقُهُ أَخَذَهُ ، وَلَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ شِرَاءٍ لَا قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي كَلَامِ أَبِي الْفَرَجِ وَالتَّبْصِرَةِ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى : لَا بَأْسَ ، وَإِنْ وَصَفَهُ أَحَدُ مُدَّعِيَيْنِ حَلَفَ ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ، وَمِثْلُهُ وَصَفَهُ مَغْصُوبًا وَمَسْرُوقًا ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ : إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي دِفْنِ فِي الدَّارِ مَنْ وَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ ، وَقِيلَ : لَا ، كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهِ ، لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ ، وَلَا تَتَعَذَّرُ الْبَيِّنَةُ ، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِالْتِقَاطِ عَبْدٍ ، وَقِيلَ : لَا ، فَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ أَخَذَهُ مِنْ وَاصِفِهِ ، وَيَضْمَنُهُ مَعَ تَلَفِهِ ، وَقِيلَ : وَلَهُ تَضْمِينُ الدَّافِعِ بِلَا حَاكِمٍ ، وَيَتَعَيَّنُ بِدَفْعِ بَدَلِهِ إلَى وَاصِفِهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي

الْأُولَى ، مَا لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِمِلْكِهِ .

وَلَوْ وَصَفَهُ اثْنَانِ فَقِيلَ : يُقْسَمُ ، وَقِيلَ : يَحْلِفُ مَنْ قَرَعَ ( م 3 ) وَمَتَى وَصَفَهُ بَعْدَ أَخْذِ الْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : إنْ زَادَ فِي الصِّفَةِ احْتَمَلَ تَخْرِيجُهُ عَلَى بَيِّنَةِ النِّتَاجِ وَالنِّسَاجِ ، فَإِنْ رَجَّحْنَا بِهِ رَجَّحْنَا هُنَا .
وَيَأْخُذُ اللُّقَطَةَ رَبُّهَا بِزِيَادَتِهَا قَبْلَ مِلْكِهَا ، وَلَا يَضْمَنُ مُلْتَقِطٌ إذَنْ نَقْصَهَا وَلَا هِيَ إنْ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ ، نَصَّ عَلَيْهِ كَأَمَانَةٍ وَالْمُنْفَصِلَةُ لَهُ بَعْدَهُ ، فِي الْأَصَحِّ وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَانِ .
مَسْأَلَة 3 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَصَفَهُ اثْنَانِ فَقِيلَ : يُقْسَمُ ، وَقِيلَ : يَحْلِفُ مَنْ قَرَعَ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَهِيَ الْأَخِيرَةُ .
( أَحَدُهُمَا ) يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ ، وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهَا ، وَهَذَا الصَّحِيحُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَالْمَذْهَبُ الْقُرْعَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا الْوَدِيعَةَ ، قَالَ الشَّارِحُ : وَهَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِنَا فِيمَا إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا ، انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، وَالْمُغْنِي وَصَحَّحَهُ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ : هَذَا أَقْيَسُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَيَضْمَنُ قِيمَةَ اللُّقَطَةِ يَوْمَ عَرَفَ رَبَّهَا ، وَقِيلَ : يَوْمَ تَصَرُّفِهِ ، وَقِيلَ : يَوْمَ غَرِمَ بَدَلَهَا ، وَعَنْهُ : لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا بَعْدَ مِلْكِهَا ، وَقِيلَ : وَلَا يَرُدُّهَا .
وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى رَبِّهَا ، ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ ، لِتَبَرُّعِهِ ، وَمَعْنَاهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ فِي عَدَمِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ بِتَلَفِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ : عَلَيْهِ ، وَضَمَانُهَا بِمَوْتِهِ كَوَدِيعَةٍ ، وَقِيلَ بِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ ، وَوَارِثُهُ كَهُوَ

وَمَنْ أَخَذَ مَتَاعَهُ وَتَرَكَ بَدَلَهُ فَلُقَطَةٌ ، وَهَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ أَوْ يَأْخُذُ حَقَّهُ أَوْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ( م 4 ) وَقِيلَ : مَعَ قَرِينَةِ سَرِقَةٍ لَا يُعَرِّفُهُ ، وَفِيهِ الْأَوْجُهُ ، وَيُتَوَجَّهُ جَعْلُ لُقَطَةِ مَوْضِعٍ غَيْرِ مَأْتِيٍّ كَرِكَازٍ وَإِنْ وَجَدَ فِي حَيَوَانٍ نَقْدًا أَوْ دُرَّةً فَلُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لِبَائِعٍ ادَّعَاهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُشْتَرٍ أَنَّهُ أَكَلَهُ عِنْدَهُ فَلَهُ ، وَإِنْ وَجَدَ دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فِي سَمَكَةٍ فَلِصَيَّادٍ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلَاعُهَا مِنْ مَعْدِنِهَا [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ]
( مَسْأَلَةُ 4 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ أُخِذَ مَتَاعُهُ وَتُرِكَ بَدَلُهُ فَلُقَطَةٌ ، وَهَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ أَوْ يَأْخُذُ حَقَّهُ أَوْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ : الْقَوْلُ يَأْخُذُ حَقَّهُ بِنَفْسِهِ أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهَذَا أَقْوَى عَلَى أَصْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اللَّفْظِ ، أَمَّا عَلَى التَّوَقُّفِ فَلَا يُكْتَفَى بِمِثْلِ هَذَا ، قَالَ : وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ ، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ ، يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ : يَتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يَأْخُذُهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْأَصْحَابِ ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .

بَابُ اللَّقِيطِ وَهُوَ طِفْلٌ مَنْبُوذٌ ، وَقِيلَ : أَوْ مُمَيِّزٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ فِي أَحْكَامِهِ ، وَقِيلَ إلَّا فِي قَوَدٍ ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى قَاذِفِ رِقِّهِ ، وَبِبَلَدِ كُفْرٍ كَافِرٌ ، وَقِيلَ : مُسْلِمٌ وَقِيلَ : مَعَ وُجُودِ مُسْلِمٍ فِيهِ ، وَمَا وُجِدَ فَوْقَهُ أَوْ مَشْدُودًا إلَيْهِ أَوْ تَحْتَهُ ظَاهِرًا فَلَهُ ، وَفِي مَدْفُونٍ عِنْدَهُ طَرِيًّا أَوْ بِقُرْبِهِ وَجْهَانِ ( م 1 و 2 )

بَابُ اللَّقِيطِ ( مَسْأَلَةُ 1 ) قَوْلُهُ : وَفِي مَدْفُونٍ عِنْدَهُ طَرِيًّا أَوْ بِقُرْبِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا وَجَدَهُ مَدْفُونًا عِنْدَهُ وَالدَّفْنُ طَرِيٌّ فَهَلْ يَكُونُ لِلطِّفْلِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يَكُونُ لَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَكُونُ لَهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَجْهًا أَنَّهُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الدَّفْنُ طَرِيًّا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ( قُلْت ) : وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا ، وَلَعَلَّهُمْ اعْتَمَدُوا عَلَى إطْلَاقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَمُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ إذَا كَانَ طَرِيًّا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 2 ) إذَا وَجَدَهُ مَطْرُوحًا بِقُرْبِهِ فَهَلْ يَكُونُ لَهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يَكُونُ لَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَكُونُ لَهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ

ابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَلَنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْقَى قَرِيبًا مِنْهُ وَبَيْنَ الْمَدْفُونِ عِنْدَهُ فَالْمُلْقَى قَرِيبًا لَهُ دُونَ الْمَدْفُونِ ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَقَطَعَ بِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَيَقْتَضِيهِ إيرَادُهُ فِي الْمُغْنِي ( قُلْت ) : قَدَّمَ فِي الْكَافِي وَالنَّظْمِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَدْفُونَ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُلْقَى ، كَمَا تَقَدَّمَ ، فَدَلَّ كَلَامُهُمَا أَنَّ الْمُلْقَى أَقْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِهِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ فِي الْمَدْفُونِ وَصَحَّحَا فِي الْمُلْقَى أَنَّهُ لَهُ .

وَقِيلَ : إنْ وَجَدَ رُقْعَةً فِيهَا أَنَّهُ لَهُ فَلَهُ ، يُنْفِقُ عَلَيْهِ حَاضِنُهُ وَهُوَ وَاجِدُهُ ، وَعَنْهُ : بِإِذْنِ حَاكِمٍ ، وَكَذَا حِفْظُهُ لِمَالِهِ ، وَإِنْ أَنْفَقَ فَفِي رُجُوعِهِ بِنِيَّتِهِ الْخِلَافُ ( م 3 ) وَلَا يَلْزَمُهُ ، وَاخْتَارَ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ : لَا يَرْجِعُ ، وَفِيهِمَا : لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَمَا حُكِيَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ إذْنِ حَاكِمٍ سَهْوٌ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي إنْفَاقِ الْمُودَعِ مِنْ الْوَدِيعَةِ عَلَى وَلَدِ رَبِّهَا الْغَائِبِ إذْنُ حَاكِمٍ ، لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ إثْبَاتُ حَاجَتِهِ لِعَدَمِ مَالِهِ وَعَدَمِ نَفَقَةٍ مَتْرُوكَةٍ بِرَسْمِهِ ، وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ غَابَ رَبُّهَا فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ إلَى الْقَاضِي فَقَدَّمَتْ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ إلَى الْقَاضِي فَقَضَى لَهَا بِالنَّفَقَةِ ، ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ فَأَنْكَرَ ، قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، إنَّمَا هَذَا حِينَئِذٍ دَافِعُ حَقٍّ ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ مَاتَ وَلَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مَالٌ وَخَلَّفَ وَرَثَةً صِغَارًا : يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْت : لَا يَضْمَنُ ؟ قَالَ : لَا ، قِيلَ لَهُ : يَقْضِي دَيْنَهُ ؟ قَالَ : لَا ، النَّفَقَةُ عَلَى الصَّبِيَّانِ ضَرُورَةٌ وَمَعَ عَدَمِ مَالِهِ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، لِأَنَّهُ وَارِثُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى عَالِمٍ بِهِ وَلِلْإِمَامِ قَتْلُ قَاتِلِهِ أَوْ دِيَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالْأَشْهَرُ يُنْتَظَرُ رُشْدُ مَقْطُوعٍ طَرَفُهُ .

( مَسْأَلَةُ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَنْفَقَ فَفِي رُجُوعِهِ بِنِيَّتِهِ الْخِلَافُ ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخِلَافِ الْخِلَافَ الَّذِي فِيمَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ ، وَاخْتَارَ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ هُنَا ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْمُغْنِي ، لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى اللَّقِيطِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى .

وَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ لِنَفَقَةٍ مَعَ فَقْرِهِ وَجُنُونِهِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا وَجْهَانِ ( م 4 و 5 )
مَسْأَلَةُ 4 و 5 ) قَوْلُهُ : وَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ لِنَفَقَةٍ مَعَ فَقْرِهِ وَجُنُونِهِ ، وَمَعَ أَحَدِهِمَا وَجْهَانِ ، انْتَهَى شَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 4 ) : إذَا كَانَ فَقِيرًا صَغِيرًا فَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ هُنَاكَ .
( أَحَدُهُمَا ) لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ هُنَا ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّارِحُ هُنَا وَفِي الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ، وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 5 ) إذَا كَانَ مَجْنُونًا فَهَلْ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ أَمْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى ( أَحَدُهُمَا ) تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّارِحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ ، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ إنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ قَرِينَةً لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ ، وَإِلَّا صَحَّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ فَاسِقٍ ، وَقِيلَ : غَيْرُ أَمِينٍ وَفِيهِ وَجْهٌ كَلُقَطَةٍ ، وَقِيلَ : وَمِثْلُهُ سَفِيهٌ .
وَلَا رَقِيقٍ ، فَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ فَهُوَ نَائِبُهُ وَلَا رُجُوعَ .
وَلَا كَافِرٍ ، وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ وَهُوَ كَمُسْلِمٍ فِيهِ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ وَفِي بَدَوِيٍّ مُنْتَقِلٍ فِي الْمَوَاضِعِ وَجْهَانِ ( م 6 ) وَلَا وَاجِدٍ فِي الْحَضَرِ يَنْقُلُهُ ، وَقِيلَ : إلَى بَدْوٍ ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ .
( مَسْأَلَةُ 6 ) قَوْلُهُ : وَفِي بَدَوِيٍّ مُنْتَقِلٍ إلَى الْمَوَاضِعِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَالصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُقَرُّ بِيَدِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا أَقْوَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُقَرُّ بِيَدِهِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ

وَفِي التَّرْغِيبِ : مَنْ وَجَدَ بِفَضَاءٍ خَال نَقَلَهُ حَيْثُ شَاءَ ، وَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ وَمُقِيمٌ وَفِي التَّرْغِيبِ : وَبَلَدِيٌّ ، وَقِيلَ : وَكَرِيمٌ وَظَاهِرُ عَدَالَةٍ عَلَى ضِدِّهِمْ ، وَيُقْرَعُ مَعَ التَّسَاوِي ، وَقِيلَ : يُسَلِّمُهُ حَاكِمٌ أَحَدَهُمَا أَوْ غَيْرَهُمَا ، وَيُقَدَّمُ رَبُّ يَدٍ وَلَا بَيِّنَةَ ، وَفِي يَمِينِهِ وَجْهَانِ ( م 7 ) وَيُقْرَعُ فِي الْيَدَيْنِ ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا وَسَأَلَ يَمِينَهُ فَيَتَوَجَّهُ يَمِينُهُ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : لَا كَطَلَاقٍ ، وَيُقَدَّمُ وَاصِفُهُ مَعَ عَدَمِهِمَا .
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالْمُبْهِجُ وَالْمُنْتَخَبُ وَالْوَسِيلَةُ : لَا يُقَدَّمُ وَاصِفُهُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ أَصْحَابِنَا لِتَأَكُّدِهِ ، لِكَوْنِهِ دَعْوَى نَسَبٍ ، وَلِلْغِنَى بِالْقَافَةِ وَإِلَّا سَلَّمَهُ حَاكِمٌ مَنْ شَاءَ ، فَلَا مُهَايَأَةَ ، وَلَا تَخْيِيرَ لِلصَّبِيِّ ، وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ سَقَطَ ، وَقِيلَ : لَا يُسَلِّمُهُ حَاكِمٌ ، وَيُقْرِعُ .
( مَسْأَلَةُ 7 ) قَوْلُهُ : وَيُقَدَّمُ رَبُّ يَدٍ وَلَا بَيِّنَةَ ، وَفِي يَمِينِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْلِفُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي وَقَالَ : هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْلِفُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هُوَ الصَّحِيحُ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَجْهُولٍ نَسَبُهُ بِأَنَّهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ وَقَالَتْ فِي مِلْكِهِ وَقِيلَ أَوْ لَا فَهُوَ لَهُ ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى رِقَّهُ وَهُوَ طِفْلٌ أَوْ مَجْنُونٌ لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ بَلْ يَدِهِ وَلَيْسَ وَاجِدَهُ ، فَهُوَ لَهُ ، وَلَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَوْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ ثَبَتَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا غَرِيبًا فَرِوَايَتَانِ ، وَفِي مُمَيِّزٍ وَجْهَانِ ، مَأْخَذُهُمَا صِحَّةُ إسْلَامِهِ ( م 8 و 9 ) وَإِنْ أَنْكَرَ بَالِغًا عَاقِلًا فَلَا وَلَوْ عَادَ أُقِرَّ .

مَسْأَلَةُ 8 و 9 ) قَوْله : وَلَوْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ ثَبَتَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا غَرِيبًا فَرِوَايَتَانِ ، وَفِي مُمَيِّزٍ وَجْهَانِ ، مَأْخَذُهُمَا صِحَّةُ إسْلَامِهِ انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ غَرِيبٌ نَسَبَهُ فَهَلْ يَثْبُتُ وَيُلْحَقُ بِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) يُلْحَقُ بِهِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ حَرْبٍ ثُمَّ هَاجَرَ إلَيْنَا أَوْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ أَوْ ذِمَّةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَادَّعَى نَسَبَ لَقِيطٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لَحِقَ بِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُلْحَقُ بِهِ ( قُلْت ) : إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ بِذَلِكَ لَحِقَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9 ) إذَا ادَّعَى رِقَّ مُمَيِّزٍ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُمَيِّزِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَقَالَ : مَأْخَذُهُمَا صِحَّةُ إسْلَامِهِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ إسْلَامِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَقَالُوا : هَذَا الْمَذْهَبُ ، فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ هُنَا بِالْحُرِّيَّةِ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَبِنَاءً عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَلَنَا هُنَاكَ قَوْلٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ ، فَكَذَا هُنَا ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ هُنَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ .
( تَنْبِيهٌ ) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إضْمَارٌ وَتَقْدِيرُهُ " وَفِي قَبُولِ قَوْلِ مُمَيِّزٍ : إنِّي حُرٌّ وَجْهَانِ " فَاخْتَصَرَ ذَلِكَ وَقَالَ : وَفِي مُمَيِّزٍ وَجْهَانِ .

وَفِي التَّرْغِيبِ : إذَا رَأَيْنَا عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ قُبِلَ ، أَمَّا مَعَ سُكُوتِهِ فَيَجُوزُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَيُقِرَّ ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ مُنَافٍ قُبِلَ ، وَقِيلَ فِي لَقِيطٍ لَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَإِنْ كَانَ تَصَرَّفَ بِبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يُقْبَلْ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : فِيمَا عَلَيْهِ ، وَمَتَى كَذَّبَهُ مُدَّعٍ سَقَطَ ، ثُمَّ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِآخَرَ وَجْهَانِ ( م 10 ) وَإِنْ بَلَغَ فَقَالَ : إنَّهُ كَافِرٌ ، فَمُرْتَدٌّ ، وَقِيلَ : يُقِرُّ بِجِزْيَةٍ أَوْ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مَسْأَلَةُ 10 ) قَوْلُهُ وَمَتَى كَذَّبَهُ مُدَّعٍ سَقَطَ ، ثُمَّ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِآخَرَ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ ، ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو وَقُلْنَا بِقَبُولِ الْإِقْرَارِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَفِي قَبُولِهِ لَهُ وَجْهَانِ ، ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
( أَحَدُهُمَا ) يُقْبَلُ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ يُنَاقِضُ اخْتِيَارَهُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ .
( وَالثَّانِي ) لَا يُقْبَلُ .
وَقَوْلُ الْحَارِثِيِّ " وَهُوَ يُنَاقِضُ اخْتِيَارَهُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ " لَيْسَ بِسَدِيدٍ ، فَإِنَّ الْعَالِمَ يَكُونُ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ خِلَافٍ وَيُفَرِّعُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَخْتَرْهُ ، فَيَخْتَارُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْمُفَرَّعِ قَوْلًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَالْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً عَلَى ذَلِكَ ، إذَا عَلِمَ فَقَدَّمَ الشَّارِحُ قَبُولَ إقْرَارِهِ ثَانِيًا ، وَنَصَرَهُ كَالشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ عَدَمَ الْقَبُولِ ، وَهُوَ قَوِيُّ فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ الْوَقْفِ يَصِحُّ بِفِعْلٍ دَالٍّ عَلَيْهِ عُرْفًا ، كَمَنْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً وَأَذَّنَ فِيهِمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : أَوْ أَذَّنَ فِيهِ وَأَقَامَ وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَجَعْفَرٌ وَجَمَاعَةٌ ، وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَعَنْهُ : بِقَوْلٍ فَقَطْ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ .
وَصَرِيحُهُ : وَقَفْت أَوْ حَبَسْت أَوْ سَبَّلْت .
وَكِنَايَتُهُ : تَصَدَّقْت أَوْ حَرَّمْت أَوْ أَبَّدْت ، فَيَصِحُّ بِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ أَوْ إقْرَانِهِ أَحَدَ أَلْفَاظِهِ الْخَمْسَةِ بِهَا أَوْ حُكْمَهُ .
وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : إذَا جَعَلَ عُلْوَ مَوْضِعٍ أَوْ سُفْلَهُ مَسْجِدًا صَحَّ ، وَكَذَا وَسَطُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِطْرَاقًا ، كَبَيْعِهِ ، فَيُتَوَجَّهُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا ، فَيَصِحُّ : جَعَلْت هَذَا لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِيهِ ، وَنَحْوُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ ، وَصُحِّحَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ وَقْفُ مَنْ قَالَ قَرْيَتِي الَّتِي بِالثَّغْرِ لِمَوَالِي الَّذِينَ بِهِ وَلِأَوْلَادِهِمْ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَقَالَ : إذَا قَالَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ : جَعَلْنَا هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا ، صَارَ مَسْجِدًا وَوَقْفًا بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُكْمِلُوا عِمَارَتَهُ ، وَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ : جَعَلْت مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، صَارَ بِذَلِكَ حَقًّا لِلْمَسْجِدِ .
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ شَيْخُنَا : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْوَقْفَ زِيَادَةً عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ ، وَلَا يُغَيِّرَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ، بَلْ إذَا غَيَّرَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أُلْزِمَ بِإِعَادَتِهِ إلَى مِثْلِ مَا كَانَ وَبِضَمَانِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ، وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إلْزَامُهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَبَى عُوقِبَ بِحَبْسٍ وَضَرْبٍ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّ الْمَدِينَ يُعَاقَبُ بِذَلِكَ ، فَكَيْفَ بِمَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ مَعَ تَقَدُّمِ ظُلْمٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ تَمْلِيكًا لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ ،

أَيْ لِلْمُسْلِمِينَ لِنَفْعِهِمْ بِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ ، لَا يَمْلِكُ ، لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِقْرَارِ لَهُ وَجْهَيْنِ ، كَالْحَمْلِ وَقَدْ يُوَافِقُ هَذَا قَوْلَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ :

الْمَوْهُوبُ لَهُ كُلُّ آدَمِيٍّ مَوْجُودٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : الْمَوْهُوبُ لَهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ ، فَلَا يَصِحُّ لِجِدَارٍ وَلَا بَهِيمَةٍ ، وَيَصِحُّ لِعَبْدٍ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُهُ ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى حَمْلِ صِحَّةِ الْهِبَةِ وَأَوْلَى ، لِصِحَّتِهَا لِعَبْدٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُ نَاظِرِهِ ( ش ) لِتَعَذُّرِ الْقَبُولِ كَحَالَةِ الْوَقْفِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ أَبَّدْت صَرِيحٌ ، وَأَنَّ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَوْ مُؤَبَّدَةً أَوْ لَا تُبَاعُ كِنَايَةٌ .

وَلَا يَصِحُّ فِي الذِّمَّةِ بَلْ فِي مُعَيَّنٍ جَائِزٍ بَيْعُهُ دَائِمٍ نَفْعُهُ مَعَ بَقَائِهِ كَإِجَارَةٍ ، وَلَوْ مَشَاعٌ إذَا قَالَ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمٍ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، ثُمَّ يُتَوَجَّهُ أَنَّ الْمَشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ ، ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ هُنَا ، لِتَعْيِينِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ .
لَا أُمَّ وَلَدٍ وَرَيَاحِينَ وَشَمْعَ ، وَاعْتَبَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ بَقَاءً مُتَطَاوِلًا أَدْنَاهُ عُمْرُ الْحَيَوَانِ وَلَا قِنْدِيلَ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ ، فَيُزَكِّيهِ رَبُّهُ وَقِيلَ : يَصِحُّ فِيهِ فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ ، وَعَنْهُ : وَلَا حُلِيٍّ لِتَحَلٍّ ، وَعَنْهُ : وَلَا مَنْقُولَ .

وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ [ لَا ] يَجُوزُ وَقْفُ سِلَاحٍ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَفِي نَقْدٍ لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ فَقَطْ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ أَطْلَقَ بَطَلَ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا ، وَكَذَا إجَارَتُهُ ( م 2 ) وَعِنْدَ الْقَاضِي إنْ أَطْلَقَ فَقَرْضٌ .
بَابُ الْوَقْفِ ( مَسْأَلَةُ 1 ) قَوْلُهُ : وَفِي نَقْدٍ لِتَحِلَّ وَوَزْنٍ فَقَطْ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَنَقْلَ الْجَمَاعَةُ لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : عَدَمُ الصِّحَّةِ أَصَحُّ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَصِحُّ ، قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : إنْ وَقَفَهَا لِلزِّنَةِ فَقِيَاسُ قَوْلِنَا فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ .
( مَسْأَلَةُ 2 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا إجَارَتُهُ ، يَعْنِي أَنَّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ إنْ أَجَرَهَا لِلتَّحَلّ أَوْ الْوَزْنِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَتَجُوزُ إجَارَةُ النَّقْدِ لِلْوَزْنِ وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ : وَتَجُوزُ إجَارَةُ نَقْدٍ لِلْوَزْنِ ، وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلتَّحَلِّي ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ خَرَجَ كَلَامُهُمْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّقْدِ عَدَمُ التَّحَلِّي بِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَجُوزُ .
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَفِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا تَرَى ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ " وَكَذَا إجَارَتُهُ " لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقٌ ، بَلْ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَمُصْطَلَحِهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ .

نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّارَ وَلَمْ يَحُدَّهَا قَالَ : وَإِنْ لَمْ يَحُدَّهَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً .

وَفِي الْوَسِيلَةِ : يَصِحُّ وَقْفُ الْمُصْحَفِ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً

وَفِي الْجَامِعِ وَقْفُ الْمَاءِ قَالَ الْفَضْلُ : سَأَلْته عَنْ وَقْفِ الْمَاءِ فَقَالَ : إنْ كَانَ شَيْئًا اسْتَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ جَازَ ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى وَقْفِ مَكَانِهِ .

وَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ ، لَا عَلَى حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ ، وَحُمِلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ إذَنْ ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ، وَفِيهِمَا نِزَاعٌ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَارِثِيُّ لِحَمْلٍ ( و م ) كَوَصِيَّةٍ لَهُ ( و ) وَعَبْدٍ وَقِيلَ : يَصِحُّ لَهُ ، وَفِي مُكَاتَبٍ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَفِي وَقْفِ أَحَدِ هَذَيْنِ ، وَعَلَيْهِ وَجْهٌ ، وَمَسْجِدٍ ، لِجَهَالَتِهِ ، وَمَعْدُومٍ أَصْلًا ، كَوَقْفِهِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي أَوْ لِفُلَانٍ ، وَصَحَّحَهُ فِيهِ فِي الْمُغْنِي ( و م ) لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : هُوَ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْحَارِثِيُّ أَنْ يَمْلِكَ ، لِحُصُولِ مَعْنَاهُ فَيَصِحُّ لِعَبْدٍ وَبَهِيمَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا ، وَلَا عَلَى نَفْسِهِ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْمَعَالِي وَشَيْخُنَا : كَشَرْطِ غَلَّتِهِ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ، فِي الْمَنْصُوصِ .

( مَسْأَلَةُ 3 ) قَوْلُهُ : وَفِي مُكَاتَبٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَمْ لَا ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
أَحَدُهُمَا ) لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَصِحُّ ، اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ .
تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ قَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَنْهُ : يَصِحُّ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْمَعَالِي وَشَيْخُنَا ، انْتَهَى .
فَقَوْلُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ عَقِيلٍ تَابِعٌ فِيهِ لِلشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ عَدَمُ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ : فَإِنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا مَاتَ كَانَ عَلَى الْمَسَاكِينِ كَانَ بَاطِلًا وَلَمْ يَكُنْ وَقْفًا صَحِيحًا وَكَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ فَإِذَا تُوُفِّيَ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ ، انْتَهَى ، وَكَذَلِكَ الْمُصَحَّحُ فِي الْفُصُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا إذَا قَالَ وَقَفْت هَذِهِ الدَّارَ عَلَى نَفْسِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ وَفَرَّعَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ فَصْلًا فِيهِ بَعْضُ فُرُوعٍ مِنْ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَعْرِفُهُ ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ بَيْعٍ ، وَغَيْرِهِ وَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِعِلَلٍ جَيِّدَةٍ ، فَهَذَا لَفْظُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّذْكِرَةِ ، فَفِي نَقْلِ

الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ ، وَكَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ مُوهِمٌ ، لِكَوْنِهِ ذَكَرَ كُلَّ رِوَايَةٍ فِي فَصْلٍ ، وَذَكَرَ فِي الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ وُجِدَ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ ( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : وَيَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَعَنْهُ : مِلْكٌ لِلَّهِ ، فَيَنْظُرُ فِيهِ ، وَيُزَوِّجُهُ حَاكِمٌ وَقِيلَ لَا يُزَوِّجُهَا وَيُلْزِمُهُ بِطَلَبِهِمَا مَصْرُوفَةً فِي مِثْلِهَا ، انْتَهَى هُنَا سَقَطَ بَيْنَ قَوْلِهِ بِطَلَبِهَا وَقَوْلِهِ مَصْرُوفَةً ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ وَوَلَدُهُ حُرٌّ إنْ أَوْلَدَهَا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَقِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ مَصْرُوفَةٌ فِي مِثْلِهِ ، انْتَهَى فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصٌ بِمِقْدَارِ هَذَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَهُ فِي ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اُنْظُرْ صَفْحَةَ 590 مِنْ هَذَا الْكِتَابِ

وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا ، وَأَنَّ فِيهِ فِي الْبَاطِنِ الْخِلَافَ .
وَفِي فَتَاوَى أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا إذَا حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ وَأَنْفَذَهُ شَافِعِيٌّ لِلْوَاقِفِ نَقْضُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا جَازَ لَهُ نَقْضُهُ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ ، بِخِلَافِ صَلَاتِهِ بِالْمَسْجِدِ وَحْدَهُ حَيَاتَهُ لِعَدَمِ الْقُرْبَةِ وَالْفَائِدَةِ فِيهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ .

وَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى بِرٍّ ، كَقَرَائِبَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَمَسَاجِدَ وَنَحْوِهَا ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ : وَإِنَّمَا صَحَّ وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا لِأَنَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّهُ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَيْهِمْ ، وَالْحَجُّ وَالْغَزْوُ ، وَقِيلَ : وَمُبَاحٌ ، وَقِيلَ : وَمَكْرُوهٌ ، لَا كِتَابَةَ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ ، وَلَا كَنِيسَةَ وَبَيْعَةَ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَفِيهِمَا فِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ ، كَمَارٍّ بِهِمَا .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَالرِّعَايَةِ ، وَمَارٍّ بِهَا مِنْهُمْ ، وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي فِي بِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُ مِنْهُمْ ، وَفِيهِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمْ : يَصِحُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ، كَالْمُسْلِمِينَ ، وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْوَاضِحِ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ ، وَوَصِيَّةٍ كَوَقْفٍ لِلْكُلِّ ، وَقِيلَ : مِنْ كَافِرٍ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى ذِمِّيَّةٍ لَزِمَهُ ، وَذَكَرَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ : يَصِحُّ لِلْكُلِّ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةٍ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي صِحَّتُهَا بِحُصْرٍ وَقَنَادِيلَ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةِ ، خِلَافًا لِشَيْخِنَا ، فَلِهَذَا قَالَ : لَوْ جَعَلَ الْكُفْرَ أَوْ الْجَهْلَ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَصِحُّ ، فَلَوْ وَصَّى لِأَجْهَلِ النَّاسِ لَمْ يَصِحَّ ، وَقَالَ : لَوْ حَبَسَ الذِّمِّيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى مَعَابِدِهِمْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْلِمِينَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْحُكْمُ إلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، قَالَ : وَمِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعَاوِنُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ ، فَكَيْفَ يُعَاوَنُونَ بِالْحَبْسِ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكْفُرُونَ فِيهَا ؟ وَعَلَّلَ فِي الْمُغْنِي الْوَصِيَّةَ لِمَسْجِدٍ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ صِحَّتُهَا لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ ، وَفِي التَّبْصِرَةِ : إنْ أَوْصَى لِمَا لَا مَعْرُوفَ فِيهِ وَلَا بِرَّ

كَكَنِيسَةٍ أَوْ كَتْبِ التَّوْرَاةِ لَمْ يَصِحَّ ، وَأَبْطَلَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقْفَ سُتُورٍ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَتِهِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا يَنْعَقِدُ ، وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يُسْتَرُ ، لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ كَالطَّوَافِ .
وَشَرْطُ اسْتِحْقَاقِهِ مَا دَامَ ذِمِّيًّا لَاغٍ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُنُونِ ، لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَهُ عَلَى الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِهِ دُونَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لَهُمْ حَالَ الْكُفْرِ ، وَأَيُّ فَرْقٍ ؟ وَيَصِحُّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ ، قَالَ شَيْخُنَا : فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَمَّاعًا لِلْمَالِ وَلَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبًا أَوْ فَاسِقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ ، لَا آدَابَ وَضْعِيَّةٍ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ مُجَرَّدُ السُّكْنَى ، وَلَمْ يَعْتَبِرُ الْحَارِثِيُّ الْفَقْرَ ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمْ ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا رَأَيْت صُوفِيًّا عَاقِلًا إلَّا سَلْمًا الْخَوَّاصَ ، وَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَصَوَّفَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يَأْتِ الظُّهْرُ إلَّا وَجَدْته أَحْمَقَ .
وَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، وَكَذَا مُؤَقَّتًا ، فَإِنْ صَحَّ فَبَعْدَهُ كَمُنْقَطِعٍ ، وَقِيلَ : يَلْغُو تَوْقِيتُهُ .

وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَإِنْ شَرَطَ فَاسِدًا كَخِيَارٍ فِيهِ وَتَحْوِيلِهِ وَتَغْيِيرِ شَرْطٍ لَمْ يَصِحَّ ، وَخَرَجَ مِنْ الْبَيْعِ صِحَّتُهُ ، وَيَلْزَمُ بِإِيجَابِهِ ، وَعَنْهُ : بِإِخْرَاجِهِ عَنْ يَدِهِ ، اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ ، فَلَوْ شَرَطَ نَظَرَهُ لَهُ سَلَّمَهُ لِيَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ ارْتَجَعَهُ ، وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ : قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ : وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ أَنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا وَقِيلَ : إذَا كَانَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ اشْتَرَطَ قَبُولَهُ ، كَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ ، قَالَ شَيْخُنَا : فَأَخْذُ رَيْعِهِ قَبُولٌ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ احْتِمَالًا : يَقْبَلُهُ نَائِبُ إمَامٍ .

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ [ عَلَى ] الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ رَدَّ فَنَصِيبُهُ لِلْبَاقِي ، فَإِنْ مَاتُوا أَوْ رَدُّوا فَلِلْفُقَرَاءِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا رَدَّ ثُمَّ قَبِلَ هَلْ يَعُودُ ؟ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَقِيلَ : كَمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ وَقِيلَ : يَصِحُّ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، كَتَعَذُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَوْتِ وَصْفٍ فِيهِ .

إذَا وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ مُنْقَطِعَةٍ وَلَمْ يَزِدْ صَحَّ ، وَيُصْرَفُ بَعْدَهَا إلَى وَرَثَتِهِ نَسَبًا بِقَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ ، وَعَنْهُ : إلَى عَصَبَتِهِ ، وَعَلَيْهِمَا يَكُونُ وَقْفًا ، وَعَنْهُ : مِلْكًا ، وَقِيلَ : عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، وَعَنْهُ : يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ ، وَعَنْهُ : لِلْفُقَرَاءِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَعَلَيْهِمَا وَقْفٌ ، وَعَنْهُ : يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ الْحَيِّ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّهُ قَبْلَ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : إنْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ لَمْ يَسْتَقِمْ ، قُلْت : فَيُعْتِقُهُمْ قَالَ : جَائِزٌ فَإِنْ مَاتُوا وَلَهُمْ أَوْلَادٌ فَلَهُمْ وَإِلَّا فَلِلْعَصَبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيعَ وَفُرِّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، وَكَذَا إنْ وَقَفَهُ وَلَمْ يَزِدْ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : فِيهَا ، وَفِي : تَصَدَّقْت بِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : وَإِنْ قَالَ : وَقَفْته ، وَلَمْ يَزِدْ ، صَحَّ ، فِي الصَّحِيحِ عِنْدَنَا ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ بَاطِلَةٍ ثُمَّ صَحِيحَةٍ صُرِفَ إلَيْهَا ، وَقِيلَ : مَعَ بَقَاءِ الْبَاطِلَةِ ، وَمَعْرِفَةُ انْقِرَاضِهَا مَصْرِفُ الْمُنْقَطِعِ ، وَخُرِّجَ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بُطْلَانُ مُنْقَطِعِ وَسَطِهِ أَوْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَوْ هُمَا .

وَيَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ، فَيَنْظُرُ فِيهِ هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ ، وَقِيلَ : يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ ، وَيُزَوِّجُهُ إنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَتَزَوَّجُهُ ، وَيَفْدِيهِ ، وَعَنْهُ : هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَنْظُرُ فِيهِ وَيُزَوِّجُهُ حَاكِمٌ وَيَتَزَوَّجُهُ ، وَجِنَايَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَقِيلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَقِيلَ : لَا يُزَوِّجُهَا ، وَيَلْزَمُهُ بِطَلَبِهَا مَصْرُوفَةٌ فِي مِثْلِهَا وَقِيلَ : مَصْرُوفَةٌ لِلْبَطْنِ الثَّانِي إنْ تَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ وَاقِفِهِ ، فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ .
وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهَا أَنَّ الْبَطْنَ الثَّانِيَ يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ وَاقِفِهِ لَا مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ، فَلَهُمْ الْيَمِينُ مَعَ شَاهِدِهِمْ ، لِثُبُوتِ الْوَقْفِ مَعَ امْتِنَاعِ بَعْضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْهَا ، وَإِنْ سَرَقَهُ أَوْ نَمَّاهُ فَإِنْ مَلَكَهُ الْمُعَيَّنُ قُطِعَ ، وَإِلَّا فَلَا ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، لَا بِوَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَالْأَصَحُّ يُخْرِجُ الْمُعَيَّنُ فِطْرَتَهُ عَلَى الْأَوْلَى ، كَعَبْدٍ اشْتَرَى مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ ، لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَيَبْطُلُ بِقَتْلِهِ قَوَدًا لَا بِقَطْعِهِ ، وَإِنْ قُتِلَ فَالظَّاهِرُ لَا قَوَدَ ، كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ ، وَلَا يَعْفُو عَنْ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَلِلْعَبْدِ الْقَوَدُ ، وَإِنْ عَفَا فَأَرْشُهُ فِي مِثْلِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ : كَنَفْعِهِ ، كَجِنَايَةٍ بِلَا تَلَفِ طَرَفٍ ، وَيُعَايَا [ بِهَا ] بِمَمْلُوكِ لَا مَالِكَ لَهُ ، وَهُوَ عَبْدٌ وُقِفَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ ، وَعَنْهُ : لَا يَزُول مِلْكُ وَاقِفِهِ ، فَتَلْزَمُهُ الْخُصُومَةُ فِيهِ وَمُرَاعَاتُهُ .

وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ ، وَيُتَوَجَّهُ عِتْقُ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ، عَلَى رِوَايَةٍ يَمْلِكُهُ وَاقِفُهُ وَيَنْظُرُ حَاكِمٌ فِيمَا لَا يَنْحَصِرُ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ فِي دَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، إنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ فَقَامَ بِأَمْرِهَا وَتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ ؟ فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا

وَمَنْ شَرَطَ نَظَرَهُ لَهُ لَمْ يَعْزِلْهُ بِلَا شَرْطٍ وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ أَوْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ أَوْ أَسْنَدَهُ فَوَجْهَانِ ( م 4 ) وَلِلنَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ النَّصَبُ وَالْعَزْلُ ، وَكَذَا لِلنَّاظِرِ بِالشَّرْطِ إنْ جَازَ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ وَلَا يُوصِي بِهِ .

مَسْأَلَةُ 4 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ شَرَطَ نَظَرَهُ لَهُ لَمْ يَعْزِلْهُ بِلَا شَرْطٍ ، وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ أَوْ فَرَضَهُ إلَيْهِ أَوْ أَسْنَدَهُ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ لَهُ عَزْلُهُ أَمْ لَا ؟ أَحَدُهُمَا لَهُ عَزْلُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ : فَإِنْ قَالَ وَقَفْت كَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ زَيْدٌ ، أَوْ عَلَى أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ أَوْ قَالَ عَقِبَهُ وَجَعَلْته نَاظِرًا فِيهِ أَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لَهُ ، صَحَّ ، وَلَمْ يَمْلِكْ عَزْلَهُ ، وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ لِزَيْدٍ فَقَالَ : جَعَلْت نَظَرِي لَهُ أَوْ فَوَّضْت إلَيْهِ مَا أَمْلِكُهُ مِنْ النَّظَرِ أَوْ أَسْنَدْته إلَيْهِ ، فَلَهُ عَزْلُهُ ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْحَصِرُ ، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ أَوْ رِبَاطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ ، وَجْهًا وَاحِدًا .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ ، وَبِهِ قَالَ هِلَالُ الرَّأْيِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الْأَقْوَى ، فَعَلَيْهِ لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ مِنْ جِهَتِهِ وَيَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ ، لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ ، فَكَانَ مَنْصُوبُهُ نَائِبًا عَنْهُ ، كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ، وَلَوْ الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ ، لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ إذَا قِيلَ بِنَظَرِهِ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ وَيَعْزِلَ أَيْضًا كَذَلِكَ ، انْتَهَى .
فَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ ذَكَرَ إذَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ أَوْ أَسْنَدَهُ .
وَالْحَارِثِيُّ ذَكَرَ إذَا كَانَ النَّظَرُ لِلْوَاقِفِ فَلَهُ نَصْبُ غَيْرِهِ وَعَزْلُهُ وَقَطَعَ بِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ .
وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " أَوْ غَيْرِهِ " لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَاهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا نَقْصًا ، وَتَقْدِيرُهُ وَإِنَّ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ مَثَلًا لِزَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ

فَالنَّقْصُ هُوَ " ثُمَّ جَعَلَهُ لِفُلَانٍ " وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا إنْ جَعَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقُلْنَا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِنَفْسِهِ ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ " وَإِنْ شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ فَهَلْ لَهُ عَزْلُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ : " وَمَنْ شَرَطَ نَظَرَهُ لَهُ لَمْ يَعْزِلْهُ " وَلَا يَتَأَتَّى عَوْدُهُ إلَى النَّاظِرِ بِالشَّرْطِ إذَا كَانَ غَيْرَ الْوَاقِفِ ، لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ شَرَطَهُ لَهُ إنْ مَاتَ فَعَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ فَسَقَ فَكَمَوْتِهِ ، لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْغَالِبِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَيُتَوَجَّهُ .
لَا ، وَلَوْ قَالَ : النَّظَرُ بَعْدَهُ لَهُ ، فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ الْمُرَادُ بَعْدَ نَظَرِهِ ؟ يُتَوَجَّهُ وَجْهَانِ ( م 5 ) .
( مَسْأَلَةُ 5 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ شَرَطَهُ لَهُ إنْ مَاتَ فَعَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ فَسَقَ فَكَمَوْتِهِ ، لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْغَالِبِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَيُتَوَجَّهُ : لَا ، وَلَوْ قَالَ : النَّظَرُ بَعْدَهُ لَهُ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ الْمُرَادُ بَعْدَ نَظَرِهِ ؟ يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، فَإِنَّ قَوْلَهُ " النَّظَرُ بَعْدَهُ لَهُ " كَقَوْلِهِ " النَّظَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَهُ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظَائِفِ ، ذَكَرُوهُ فِي نَاظِرِ الْمَسْجِدِ ، وَذَكَرَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّهُ يُقَرِّرُ فِي الْجَوَامِعِ الْكِبَارِ الْإِمَامُ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصِّهِ إلَّا بِشَرْطٍ ، وَلَا نَظَرَ لِغَيْرِهِ مَعَهُ ، أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَيُتَوَجَّهُ مَعَ حُضُورِهِ ، فَيُقَرِّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ ، وَلَا حُجَّةَ فِي تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مَعَ الْعَبْدِ ، لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ ، فَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ ، وَلَوْ سَبَقَ تَوْلِيَةُ نَاظِرٍ غَائِبٍ قُدِّمَتْ ، وَلِلْحَاكِمِ النَّظَرُ الْعَامُّ ، فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ مَا لَا يُسَوِّغُ ، وَلَهُ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ، وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ أَوْ أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ قَدَحَ فِيهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَنْعَزِلَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ ، عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ ( م 6 ) ثُمَّ إنْ صَارَ هُوَ أَوْ الْوَصِيُّ أَهْلًا عَادَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ، وَكَالْمَوْصُوفِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : وَمَتَى فَرَّطَ سَقَطَ مِمَّا لَهُ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْعَامِلِ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ إنْ كَانَ مَعْلُومًا ، فَإِنْ قَصَّرَ فَتَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَابَلَهُ ، وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ مِنْهُ اسْتَحَقَّهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ لِزِيَادَةٍ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا فِي الدِّيوَانِ وَعَمِلَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَى عَمَلِهِ فَلَهُ جَارِي مِثْلِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ وَقْتِ نَظَرِهِ فِيهِ ، وَقَالَهُ

شَيْخُنَا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ لِحَاكِمٍ شَمِلَ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ ، سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَاقِفِ أَوْ لَا ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، اتِّفَاقًا ، وَلَوْ فَوَّضَهُ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ ، وَلَوْ وَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا شَخْصًا قَدَّمَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَحَقَّهُمَا ، وَقَالَ شَيْخُنَا : لَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطُ النَّظَرِ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا .

مَسْأَلَةُ 6 ) قَوْلُهُ : وَلَهُ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ، وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ أَوْ أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ قَدَحَ فِيهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَنْعَزِلَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ ، عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ ، انْتَهَى .
اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْإِسْلَامُ ، وَالتَّكْلِيفُ ، وَالْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ ، وَالْخِبْرَةُ بِهِ ، وَالْقُوَّةُ عَلَيْهِ ، وَيُضَمُّ إلَى الضَّعِيفِ قَوِيٌّ أَمِينٌ ، ثُمَّ إنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ النَّاظِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته ، وَإِنْ كَانَتْ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْوَاقِفِ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ فَقَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ : يَصِحُّ ، وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ وَيَنْعَزِلُ إذَا فَسَقَ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِسْقِ الطَّارِئِ دُونَ الْمُقَارِنِ لِلْوِلَايَةِ ، وَالْعَكْسُ أَنْسَبُ ، فَإِنَّ فِي حَالِ الْمُقَارَنَةِ مُسَامَحَةٌ لِمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ بِخِلَافِ حَالَةِ الطَّرَيَانِ ، انْتَهَى ، وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إمَّا يَجْعَلُ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا ، لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَقِيلَ : يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : أَمَّا الْعَدَالَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ ، وَلَكِنْ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ وَحِفْظِ الْوَقْفِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ وَطَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ هَلْ يُضَمُّ

إلَيْهِ أَمِينٌ أَوْ يَنْعَزِلُ ؟ قَوْلَيْنِ ، قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الضَّمَّ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مَا إذَا شَرَطَ لَهُ النَّظَرَ بَعْدَ فُلَانٍ فَفَسَقَ فُلَانٌ أَنَّهُ كَمَوْتِهِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ .

وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِلنَّاظِرِ ثُمَّ لِلْحَاكِمِ تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ ، فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ ، وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيمِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ ، لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يَعْتَدُّ بِهِ قَالَ بِهِ وَلَا بِمَا يُشْبِهُهُ ، وَلَوْ نَفَّذَهُ حُكَّامٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِحُكْمِهِ مَسَاغٌ ، وَالضَّرُورَةُ وَإِنْ أَلْجَأَتْ إلَى تَنْفِيذِ حُكْمِ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّمَا هُوَ إذَا وَقَفَ عَلَى حَدِّ التَّقْلِيدِ ، وَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى قَضِيَّةٍ لَوْ نَزَلَتْ عَلَى عُمَرَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ الشُّورَى ، وَبُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى الشَّرْطِ وَلِلْعُرْفِ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَةِ الْحُكْمِ ، لِأَنَّ النَّمَاءَ لَمْ يُخْلَقْ ، وَلَيْسَ هَذَا كَحُكْمِهِ أَنَّ مُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ كَذَا حَيْثُ يَنْفُذُ فِي حَاضِرٍ وَمُسْتَقْبَلٍ ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَظَرٌ فِي مُوجِبِ عَقْدِ الْوَقْفِ ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمُطْلَقِ ، وَلَيْسَ تَقْدِيرُ النَّاظِرِ أَمْرًا حَتْمًا كَتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَنْقُصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصِهِ كَانَ بَاطِلًا ، لِأَنَّهُ لَهُمْ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ وَلَوْ تَفَاوَتُوا فِي الْمَنْفَعَةِ ، كَالْإِمَامِ وَالْجَيْشِ فِي الْمَغْنَمِ ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يُسَوِّي فِي قَسْمِ الْفَيْءِ ، لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْضِيلِ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ شَيْخُنَا ، وَجَعَلَ الْإِمَامَ وَالْمُؤَذِّنَ كَالْقَيِّمِ ، بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ وَمُتَفَقِّهَةٍ وَإِمَامٍ وَقَيِّمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32