كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

التَّنْبِيهُ الثَّانِي ) قَوْلُهُ فِي الْخَاتَمِ : وَلَهُ لُبْسُهُ فِي خِنْصَرِ يَدٍ مِنْهُمَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ : فِي يَسَارِهِ ، وَهَذَا نَصُّ أَحْمَدَ نَقَلَهُ صَالِحٌ وَالْفَضْلُ ، وَأَنَّهُ أَقَرُّ وَأَثْبَتُ ، وَقِيلَ : فِي الْيُمْنَى أَفْضَلُ ، انْتَهَى ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ فِي لُبْسِهِ فِي خِنْصَرِ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا .
وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى : وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ لُبْسَهُ فِي يَسَارِهِ أَفْضَلُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : وَهُوَ أَقَرُّ وَأَثْبَتُ وَأَحَبُّ إلَيَّ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي آدَابِهِ الْمَنْظُومَةِ : وَيَحْسُنُ فِي الْيُسْرَى كَأَحْمَدَ وَصَحْبِهِ ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِمِ : وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى مَنْسُوخٌ ، وَأَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثَ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : هُنَا ضُعِّفَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ حَدِيثُ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدَّمَ فِيهَا الْمُصَنِّفُ خِلَافَ الْمَنْصُوصِ وَالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَب فِيمَا يَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : " وَقِيلَ فِي الْيُمْنَى أَفْضَلُ " قَدَّمَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ، فَلِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ اخْتِيَارَاتٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَيُسَنُّ دُونَ مِثْقَالٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْحَابِ : لَا بَأْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، لِضَعْفِ خَبَرِ بُرَيْدَةَ السَّابِقِ ، وَالْمُرَادُ : مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ وَإِلَّا حَرُمَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ ، خَرَجَ الْمُعْتَادُ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَخْرُجْ بِصِيغَةِ لَفْظٍ لِيَعُمَّ ، ثُمَّ لَوْ كَانَ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ ، وَلِهَذَا جَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي : لَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ أَوْ مَنَاطِقَ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ ، إلَّا أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ ، مَعَ أَنَّ الْخَاتَمَ الْخَارِجَ عَنْ الْعَادَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عِدَّةِ خَوَاتِيمَ مُعْتَادٌ لُبْسُهُ ، كَحُلِيِّ الْمَرْأَةِ الْكَثِيرِ ، وَلِهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : لَا زَكَاةَ فِي كُلِّ حُلِيٍّ أُعِدَّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، لِرَجُلٍ كَانَ أَوْ لِامْرَأَةٍ .
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْحُلِيِّ وَكَثِيرِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْآتِيَ فِي حُلِيِّ الْمَرْأَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَوَانِي : أَلْفُ إنَاءٍ فَأَكْثَرُ ، فِي كُلِّ إنَاءٍ ضَبَّةٌ مُبَاحَةٌ فَلَا زَكَاةَ ، جَزَمُوا بِهِ ، لَكِنْ إنْ قِيلَ : ظَاهِرُ هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِبَرِ وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ ، كَحُلِيِّ الْمَرْأَةِ ، قِيلَ : يُحْتَمَلُ ذَلِكَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادِهِ ، لِمَا سَبَقَ ، وَحُلِيُّ الْمَرْأَةِ أَبَاحَهُ الشَّارِعُ بِلَفْظِهِ ، لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْهُ ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُخَرَّجُ جَوَازُ لُبْسِ خَاتَمَيْنِ فَأَكْثَرَ جَمِيعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ : قُرْآنٌ أَوْ غَيْرُهُ .
نَقَلَ إِسْحَاقُ أَظُنُّهُ ابْنَ مَنْصُورٍ لَا يُكْتَبُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ ، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ لِمَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فِيهِ ، وَلَعَلَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَرِهَهُ لِذَلِكَ ، وَعَنْهُ : لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِذَلِكَ ، وَلَا كَرَاهَةَ هُنَا ، وَلَمْ أَجِدْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا سِوَى هَذَا ، وَهِيَ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : أَوْ ذِكْرُ رَسُولِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ ( و م ش ) وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ ، فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلَّا بِخَاتَمٍ فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَةً فِضَّةً ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ لِلنَّاسِ إنِّي اتَّخَذْت خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ ، وَنَقَشْت فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَنْقُشُ أَحَدُكُمْ عَلَى نَقْشِهِ } .
وَلِلْبُخَارِيِّ : ( مُحَمَّدٌ ) سَطْرٌ ، وَ ( رَسُولٌ ) سَطْرٌ ، وَ ( اللَّهُ ) سَطْرٌ ، وَيَأْتِي كَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي فِي آخِرِ الرِّبَا أَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ عِنْدَ الضَّرْبِ .

وَتُبَاحُ قَبِيعَةُ السَّيْفِ ( و ) لِلْخَبَرِ ، وَكَذَا حِلْيَةُ الْمِنْطَقَةِ ، عَلَى الْأَصَحِّ [ وَ ] ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ لَهُ ، بِخِلَافِ الطَّوْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ حُلِيِّهَا ، وَعَلَى قِيَاسِهِ حِلْيَةُ الْجَوْشَنِ وَالْخُوذَةِ وَالْخُفِّ وَالرَّانِّ وَالْحَمَائِلِ ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : لِأَنَّهُ يَسِيرُ فِضَّةٍ فِي لِبَاسِهِ كَالْمِنْطَقَةِ ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي ، بِإِبَاحَةِ الْكُلِّ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ .
فِي الْحَمَائِلِ التَّحْرِيمَ ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ .
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمِغْفَرِ وَالنَّعْلِ وَرَأْسِ الرُّمْحِ وَشَعِيرَةِ السِّكِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، لِعَدَمِ الْفَرْقِ ، جَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ بِالْفِضَّةِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بِالْعَكْسِ ، وَيَدْخُلُ فِي الْخِلَافِ تركاش النُّشَّابِ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : وَالْكَلَالِيبُ ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرُ تَابِعٍ وَوَاحِدُ الْكَلَالِيبِ كَلُّوبٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُقَالُ أَيْضًا كِلَابٌ وَلَا يُبَاحُ غَيْرُ ذَلِكَ ، كَتَحْلِيَةِ الْمَرَاكِبِ ، وَلِبَاسِ الْخَيْلِ ، كَاللُّجُمِ ، وَقَلَائِدِ الْكِلَابِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى تَحْرِيمِ حِلْيَةِ الرِّكَابِ وَاللِّجَامِ وَقَالَ : مَا كَانَ عَلَى سَرْجٍ وَلِجَامٍ زُكِّيَ ، وَكَذَا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ وَالْكِمْرَانِ وَالْمِرْآةِ وَالْمُشْطِ وَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِيلِ وَالْمِرْوَحَةِ وَالشَّرْبَةِ وَالْمُدْهَنُ ، وَكَذَلِكَ الْمِسْعَطُ وَالْمِجْمَرُ وَالْقِنْدِيلُ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، كَذَا قِيلَ : وَلَا فَرْقَ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : أَكْرَهُ رَأْسَ الْمُكْحُلَةِ وَحِلْيَةَ الْمِرْآةِ فِضَّةً ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا شَيْءٌ تَافِهٌ ، فَأَمَّا الْآنِيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ ، قَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُهُ لَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُضَبَّبِ ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي حِلْيَةِ جَمِيعِ الْأَوَانِي ، كَذَلِكَ قَالَهُ فِي

الْمُسْتَوْعِبُ ، وَسَبَقَ حُكْمُ الْآنِيَةِ ، وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ الرَّجُلِ يُوصِي بِفَرَسٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضٍ يُوقِفُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ ، وَإِنْ بِيعَ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَجُعِلَ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا ، وَلَعَلَّهُ يَشْتَرِي بِتِلْكَ الْفِضَّةِ سَرْجًا وَلِجَامًا فَيَكُونُ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ .
قِيلَ لَهُ : تُبَاعُ الْفِضَّةُ وَتُجْعَلُ نَفَقَةَ الْفَرَسِ ، قَالَ : لَا ، الْفَرَسُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نَفَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ صَاحِبُهُ ، قَالَ الْقَاضِي : لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ فِي السَّرْجِ وَاللِّجَامِ ، وَصَحَّحَهُ الْآمِدِيُّ مَعَ الْفَرَسِ ، لَا مُفْرَدًا ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ الصِّحَّةَ رِوَايَةً ، ثُمَّ قَالَ : وَعَنْهُ .
تُبَاعُ الْفِضَّةُ وَتُصْرَفُ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ ، وَعَنْهُ : أَوْ تُنْفَقُ عَلَيْهِ ، وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصِّحَّةِ إبَاحَةَ تَحْلِيَتِهِمَا ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : أَخْشَى أَنْ لَا يَكُونَ السَّرْجُ مِنْ الْحُلِيِّ ، قَالَ أَبُو دَاوُد : كَأَنَّهُ أَرَادَ : يُكْرَهُ .

وَيَحْرُمُ تَحْلِيَةُ مَسْجِدٍ وَمِحْرَابٍ ، وَكَذَا إنْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ ، فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَتِهِ ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِيمَنْ وَقَفَ سُتُورًا عَلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ : وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ فَرَسًا ، لَهُ لِجَامٌ مُفَضَّضٌ ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ ، فَذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ الْحَكَمِ ، ثُمَّ قَالَ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ إبَاحَةُ تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ بِالْفِضَّةِ ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَالَ : هُوَ عَلَى مَا وَقَفَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ ، كَحِلْيَةِ الْمِنْطَقَةِ .
.

وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفٍ وَحَائِطٍ بِنَقْدٍ ؛ لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَخُيَلَاءُ ، كَالْآنِيَةِ ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي إبَاحَتِهِ تَبَعًا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ ، وَكَأَنَّ الْأَصْحَابَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرُوا الرَّاجِحَ ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ وَزَكَاتُهُ ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ وَعَدَّهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ ، وَلَا زَكَاةَ ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، وَذَهَابِ الْمَالِيَّةِ .

وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ يَسِيرُ الذَّهَبِ مُفْرَدًا ، كَالْخَاتَمِ ( وَ ) وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ( ع ) وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتُهُ ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ إبَاحَتُهُ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمَ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ ، فَنَزَعَهُ وَطَرَحَهُ ، وَقَالَ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذْ خَاتَمَك انْتَفِعْ بِهِ .
فَقَالَ لَا ، وَاَللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَلَا يُبَاحُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الذَّهَبِ إلَّا لِضَرُورَةٍ [ ( وَ ) ] كَجَعْلِهِ أَنْفًا وَشَدِّ السِّنِّ وَالْأَسْنَانِ ، وَهَلْ يُبَاحُ قَبِيعَةُ السَّيْفِ أَمْ لَا ؟ ( و م ر ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ أَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا الْجَوَازَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ ( م 2 ) وَقَيَّدَهَا بِالْيَسِيرَةِ ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ { قَبِيعَةَ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَزْنُهَا ثَمَانِيَةَ مَثَاقِيلَ } ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي إبَاحَتِهِ فِي السَّيْفِ ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ سَيْفَ عُمَرَ كَانَ فِيهِ سَبَائِكُ مِنْ ذَهَبَ وَأَنَّ سَيْفَ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ كَانَ فِيهِ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَقِيلَ : يُبَاحُ فِي سِلَاحٍ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَقِيلَ : كُلُّ مَا أُبِيحَ بِفِضَّةٍ أُبِيحَ بِذَهَبٍ ، وَكَذَا تَحْلِيَتُهُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ بِهِ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ تُبَاحُ قَبِيعَةُ السَّيْفِ أَمْ لَا يَعْنِي مِنْ الذَّهَبِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ أَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا الْجَوَازَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا يُبَاحُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا الْمَشْهُورُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : يُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُبَاحُ ، وَهِيَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْمُبَاحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَيْضًا .

وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ، كَالطَّوْقِ وَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارِ وَالدُّمْلُوجِ وَالْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ ، وَظَاهِرُهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، خِلَافًا لِلْخَطَّابِيِّ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مِنْ فِضَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلرَّجُلِ كَذَا ، قَالَ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَمَا فِي الْمَخَانِقِ وَالْمَقَالِدِ مِنْ حَرَائِزَ وَتَعَاوِيذَ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالتَّاجُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ( وَ ) وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : إنْ بَلَغَ أَلْفًا فَهُوَ كَثِيرٌ ، فَيَحْرُمُ لِلسَّرَفِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مِنْ الذَّهَبِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : أَلْفُ مِثْقَالٍ كَثِيرٌ ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ ، وَلِأَنَّهُ سَرَفٌ وَخُيَلَاءُ ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ، وَعَنْهُ : عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ كَثِيرٌ .
وَأَبَاحَ الْقَاضِي أَلْفَ مِثْقَالٍ فَمَا دُونَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُبَاحُ الْمُعْتَادُ وَلَكِنْ إنْ بَلَغَ الْخَلْخَالُ وَنَحْوُهُ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ ، وَسَبَقَ [ قَوْلٌ ] أَوَّلَ الْفَصْلِ قَبْلَهُ : مَا كَانَ لِسَرَفٍ كُرِهَ وَزُكِّيَ .

وَفِي جَوَازِ تَحْلِيَةِ الْمَرْأَةِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعْرَاةٍ أَوْ فِي مُرْسَلَةٍ وَجْهَانِ ، فَإِنْ جَازَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا ( م 3 ) .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَفِي جَوَازِ تَحْلِيَةِ الْمَرْأَةِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعْرَاةٍ أَوْ فِي مُرْسَلَةٍ وَجْهَانِ ، فَإِنْ جَازَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ ، وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ( قُلْت ) : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي جَامِعِ الْأَيْمَانِ : إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُرْسَلَةً ، فِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ ، جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ بِعَدَمِ الْحِنْثِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ بِحِنْثِهِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ : لَوْ لَبِسَ ذَهَبًا أَوْ لُؤْلُؤًا وَحْدَهُ حَنِثَ ، انْتَهَى .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هُنَاكَ الْجَوَازُ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا : هَلْ يُسَمَّى حُلِيًّا عُرْفًا وَعَادَةً أَمْ لَا ؟ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُرْجَعَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عَادَةٌ وَعُرْفٌ بِلُبْسِ ذَلِكَ لُبْسًا مُعْتَادًا جَازَ ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ بِالتَّحَلِّي بِذَلِكَ ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْحُلِيِّ لَهُنَّ بِلَا شَكٍّ ، وَمَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا عُرْفَ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ التَّحْلِيَةِ لِلنِّسَاءِ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ وَلَا زَكَاةَ فِي الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ ، كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ ، وَلَوْ كَانَ فِي حُلِيٍّ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ فَيُقَوَّمُ جَمِيعُهُ تَبَعًا ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ وَسَرَفٍ ، وَإِنْ كَانَ لِلْكِرَاءِ فَوَجْهَانِ ( م 4 - 5 ) .

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَلَا زَكَاةَ فِي .
إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ فَيُقَوَّمُ جَمِيعُهُ تَبَعًا ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ وَسَرَفٍ ، وَإِنْ كَانَ لِلْكِرَاءِ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
اشْتَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) : هَلْ يُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَاللُّؤْلُؤِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ فَقَطْ ؟ أَوْ لَا يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ وَالسَّرَفِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ فَقَطْ ، فَيُقَوَّمُ جَمِيعُهُ تَبَعًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، فَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لِتِجَارَةٍ وَلَا سَرَفٍ ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيِّ جَوْهَرٍ ، وَعَنْهُ : وَلُؤْلُؤٍ ، انْتَهَى .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 5 ) مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ مِنْ ذَلِكَ ، أَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا الرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَقَالَ : وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْمُذَهَّبِ : لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : فَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ لُؤْلُؤًا وَجَوَاهِرَ وَكَانَ لِلتِّجَارَةِ قُوِّمَ جَمِيعُهُ ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا مُنْفَرِدَةً ، فَكَذَا مَعَ غَيْرِهَا ، انْتَهَى .
وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَعُمَدِ

الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ مِنْ الْحُلِيِّ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَهُوَ قَوِيٌّ ، لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالتِّجَارَةِ ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : لَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لَمْ يَعُدْ لِلتَّكَسُّبِ ، فَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِتَصْحِيحِهَا .

وَالْفُلُوسُ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فِيهَا زَكَاةُ الْقِيمَةِ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ [ الْحَلْوَانِيُّ ] : لَا زَكَاةَ فِيهَا وَقِيلَ : تَجِبُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ : وَكَانَتْ رَائِجَةً .
وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً أَوْ لِلتِّجَارَةِ وَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ( و هـ ) وَقَالَ أَيْضًا : لَا زَكَاةَ إنْ كَانَتْ لِلنَّفَقَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ قُوِّمَتْ كَعُرُوضٍ .

فَصْلٌ وَلِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ التَّشَبُّهُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ تَخَتُّمِهِ بِذَلِكَ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَهِيَ تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ ، قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، فَمَرَّتْ بِهِ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا قَبَاءٌ ، فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ ، فَقُلْت : تَكْرَهُهُ ؟ قَالَ : كَيْفَ لَا أَكْرَهُهُ جِدًّا ؟ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ } .
قَالَ : وَكَرِهَ يَعْنِي أَحْمَدَ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ جَيْبِ الرِّجَالِ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ : صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ فِي لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْعِمَامَةَ ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي : يَجِبُ إنْكَارُ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَعَكْسُهُ ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد : لَا يُلْبِسُ خَادِمَتَهُ شَيْئًا مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ ، لَا يُشَبِّهُهَا بِهِمْ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يُخَاطُ لَهَا مَا كَانَ لِلرَّجُلِ وَعَكْسُهُ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَابْنِ تَمِيمٍ : يُكْرَهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ( و هـ ) مَعَ جَزْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِ أَحَدِهِمَا حُلِيَّ الْآخَرِ لِيَلْبَسَهُ ، مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَلَعَلَّهُ الَّذِي عَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ فِي الْفَصْلِ قَبْلِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ : يُكْرَهُ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا بِلِبَاسِ الْآخَرِ ، لِلتَّشَبُّهِ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ لَعْنِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ تَحِلِّي النِّسَاءِ بِالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ لِلرِّجَالِ ، إلَّا فِي الْخَاتَمِ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ لَهُمْ بِجَمِيعِ الْأَحْجَارِ مُبَاحٌ مِنْ الْيَاقُوتِ وَغَيْرِهِ .

وَيُسْتَحَبُّ التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ .
وَقَالَ : قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ } كَذَا ذُكِرَ ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ : لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا شَيْءٌ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ ، فَلَا يُسْتَحَبُّ [ هَذَا ] عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ .
وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ ، فَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ ، وَهَذَا الْخَبَرُ فِي إسْنَادِهِ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمَوْضُوعِ .

وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ خَاتَمُ حَدِيدٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ ؛ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : { كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ حَدِيدٍ عَلَيْهِ فِضَّةٌ .
فَرَمَى بِهِ .
فَلَا يُصَلِّي فِي الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ } .
وَهَذَا الْخَبَرُ لَمْ يَرْوِهِ فِي مُسْنَدِهِ ، وَعَنْ إيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَيْقِيبِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : { كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ } ، قَالَ : فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدَيَّ ، قَالَ : { وَكَانَ الْمُعَيْقِيبُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ إلَى إيَاسٍ ، وَإِيَاسٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ نُوحُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلَامًا ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَسَأَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ خَاتَمِ الْحَدِيدِ ، فَذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ } وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ " لُبْسَةُ أَهْلِ النَّارِ " وَابْنُ عُمَرَ قَالَ " مَا طَهُرَتْ كَفٌّ فِيهَا خَاتَمُ حَدِيدٍ " { وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ لِرَجُلٍ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ صُفْرٍ مَا لِي ، أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ } فَقَدْ احْتَجَّ بِخَبَرِ بُرَيْدَةَ ، وَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، فَأَلْقَاهُ وَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، فَقَالَ هَذَا شَرٌّ ، هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَاهُ وَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ، فَسَكَتَ عَنْهُ } .
حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَفَّانَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، أَنْبَأَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إنَّ رَسُولَ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَذَكَرَهُ وَفِيهِ { عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ أَلْقِ ذَا فَأَلْقَاهُ وَقَالَ عَنْ خَاتَمِ الْحَدِيدِ هَذَا شَرٌّ } لَمْ يَقُلْ : هَذَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ عَمَّارٌ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ كَرِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَثْرَمِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : الدُّمْلُوجُ الْحَدِيدُ وَالْخَاتَمُ الْحَدِيدُ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهُمَا ، فَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ عَلَّقَ عَلَيْهِ حَدِيدَةً أَوْ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ } كَذَا قَالَ ، وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ : يَجُوزُ دُمْلُوجٌ مِنْ حَدِيدٍ ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْخَاتَمُ وَنَحْوُهُ ( و ش ) وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : الرَّصَاصُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ شَيْئًا ، وَلَهُ رَائِحَةٌ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ مَنْ أَخْرَجَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ [ ( هـ م ر ) ] مِنْ مَعْدِنٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُبَاحَةٍ ، وَلَوْ مِنْ دَارِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) أَوْ مَوَاتِ حَرْبٍ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ : إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي لِلزِّرَاعَةِ وَبُسْتَانِهِ رِوَايَتَانِ ، وَعِنْدَنَا ، إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا فَكَأَرْضِهِ ، إنْ قُلْنَا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ .
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ أَوْ كَانَ جَامِدًا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِهِ كَمَغْصُوبٍ .
وَمَذْهَبُ ( م ) أَنَّ الْمَعْدِنَ لِلْإِمَامِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ ، وَأَنَّهُ لَهُ فِي مَمْلُوكَةٍ كَغَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَإِلَّا لِلْمَصَالِحِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : مَنْ أَخْرَجَ نِصَابَ نَقْدٍ ( و م ش ) وَعَنْهُ : أَوْ دُونَهُ ( و هـ ) أَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ غَيْرِ نَقْدٍ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ خِلَافًا لِلْآجُرِّيِّ وَخِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِعْ ( هـ ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَرْضِ ، كَجَوْهَرٍ وَبَلُّورٍ وَقَارٍ وَكُحْلٍ وَنَوْرَةٍ وَمَغْرَةٍ وَعَقِيقٍ وَكِبْرِيتٍ وَزِفْتٍ وَزُجَاجٍ وَهُوَ مُثَلَّثُ الزَّايِ ، بِخِلَافِ زِجَاجٍ جَمْعُ زُجٍّ وَهُوَ الرُّمْحُ فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَمِلْحٍ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ، وَالْقَارُ وَالنَّفْطُ فِي الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ ، وَسَلَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الزِّجَاجَ فَإِنَّهُ يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ ، وَلَا حَقَّ فِيهِ عِنْدَهُمْ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ عَمَّا يُرْوَى مَرْفُوعًا { لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ } : إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي لَا يَرْغَبُ فِيهَا عَادَةً ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرُّخَامَ وَالْبِرَامَ وَنَحْوَهُمَا مَعْدِنٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي الزِّئْبَقِ ، الْوُجُوبُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ مَاءُ الْفِضَّةِ .
وَعَدَمُهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ .
قَالَ أَحْمَدُ

رَحِمَهُ اللَّهُ : كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَعْدِنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ حَيْثُ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الْبَرَارِيِّ .
قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : وَالْمَاءُ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ ، فَلَا حَقَّ فِيهِ ، وَلِأَنَّ الطِّينَ تُرَابٌ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْهُ : لَمْ أَسْمَعْ فِي مَعْدِنِ الْقَارِ وَالنَّفْطِ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ شَيْئًا .
قَالَ بَعْضُهُمْ : فَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ عَنْ غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ لِأَهْلِهَا رُبْعُ الْعُشْرِ ( و م ق ) فِي الْحَالِ ( وَ ) بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ ( وَ ) فَإِنَّ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ بَعْدَهُمَا ، كَالْحَبِّ ، وَوَقْتُ وُجُوبِهَا إذَا أُحْرِزَ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ .
بِظُهُورِهِ ، كَالثَّمَرَةِ بِصَلَاحِهَا ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَوَّلَيْنِ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَتِهَا ، فِي الْأَصَحِّ ( هـ ) كَمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِهِ ( هـ ) ؛ لِأَنَّهُ رِكَازٌ عِنْدَهُ ، كَالْغَنِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ اُحْتُسِبَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، كَمَا سَبَقَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الزَّرْعِ ، كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، أَظُنُّهُ فِي الْمُغْنِي ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ : لَا يُحْتَسَبُ كَمُؤَنِ الْحَصَادِ وَالزِّرَاعَةِ .

وَفِي الْإِفْصَاحِ لِابْنِ هُبَيْرَةَ : فِي الْمَعْدِنِ الْخُمُسُ ( و هـ ق ) صُرِفَ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ ( و هـ ق ) فَهُوَ فَيْءٌ مِنْ الْكُفَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالرِّكَازِ وَالْغَنِيمَةِ ، مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ غَايَرَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ { الْمَعْدِنُ جُبَارٌ ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ } قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : { الْمَعْدِنُ جُبَارٌ } إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْءٌ وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الْمَعْدِنِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَأْجِرَ شَيْءٌ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : زَكَاةُ

وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي مِقْدَارِهِ ، وَيَعْمَلُ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِاجْتِهَادِهِ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْجِنْسِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ وَفِي الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ، قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : فَإِنْ كَانَ مَنْ سَبَقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ قَدْ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ فِي الْجِنْسِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ ، وَفِي الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ، وَحَكَمَ فِيهَا حُكْمًا أَنْفَذَهُ وَأَمْضَاهُ ، اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ فِي الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا حَقُّ الْمَعْدِنِ ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ حُكْمُهُ فِي الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْجِنْسِ مُعْتَبَرٌ بِالْمَعْدِنِ الْمَوْجُودِ ، وَحُكْمُهُ فِي الْقَدْرِ مُعْتَبَرٌ بِالْعَامِلِ الْمَفْقُودِ ، كَذَا قَالَ ، وَهَذَا يُشْبِهُ تَغْيِيرَ مَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ مِنْ وَقْفِهِ وَقَسْمِهِ ، وَفِي الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ هَلْ يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ .

وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهُ فِي دَفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ لَمْ يَتْرُكْ الْعَمَلَ بَيْنَهُمَا تَرْكَ إهْمَالٍ ، فَلَا أَثَرَ لِتَرْكِهِ لِمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَإِصْلَاحِ آلَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ، كَالِاسْتِرَاحَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِتُرَابٍ خَرَجَ بَيْنَ السَّبْكَيْنِ ، أَوْ هَرَبَ عَبِيدُهُ ، لَا أَنَّ [ كُلَّ ] عِرْقٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ ( م ق ) قَالَ أَصْحَابُنَا : إنْ أَهْمَلَهُ وَتَرَكَهُ فَلِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمٌ .

وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقِيلَ : مَعَ تَقَارُبِهِمَا ، كَقَارٍ وَنَفْطٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ ، وَقَالَ الشَّيْخُ : تُضَمُّ الْأَجْنَاسُ مِنْ مَعْدِنٍ وَاحِدٍ ، لِتَعَلُّقِهَا بِالْقِيمَةِ ، كَالْعُرُوضِ .
وَمَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ جِنْسٍ مِنْ مَعَادِنَ ضُمَّ ، كَالزَّرْعِ فِي مَكَانَيْنِ ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ .

وَفِي ضَمِّ نَقْدٍ إلَى آخَرَ الرِّوَايَتَانِ وَإِنْ أَخْرَجَ اثْنَانِ نِصَابًا فَالرِّوَايَتَانِ ، وَيَخْرُجُ مِنْ النَّقْدِ وَقِيمَةِ غَيْرِهِ ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : مِنْ عَيْنِهِ .
بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَفِي ضَمِّ نَقْدٍ إلَى آخَرَ الرِّوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا اسْتَخْرَجَ ذَهَبًا وَفِضَّةً مِنْ مَعْدِنٍ ، هَلْ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ أَمْ لَا ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ ، فِيهِ الرِّوَايَتَانِ : يَعْنِي بِهِمَا اللَّتَيْنِ فِي تَكْمِيلِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِمَا ، وَذَكَرْنَا الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ قُلْنَا يَكْمُلُ ضُمَّ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَكْمُلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ الضَّمُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : " وَإِنْ أَخْرَجَ اثْنَانِ نِصَابًا فَالرِّوَايَتَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي بِهِمَا اللَّتَيْنِ فِي الْخُلْطَةِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ ، وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ ،

وَلَا تَتَكَرَّرُ زَكَاةُ غَيْرِ النَّقْدِ ، إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التِّجَارَةَ فَالرِّوَايَتَانِ .
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " وَلَا تُكَرَّرُ زَكَاةُ غَيْرِ النَّقْدِ ، إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التِّجَارَةَ فَالرِّوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي بِهِمَا اللَّتَيْنِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِيمَا إذَا نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَذَلِكَ .

وَإِنْ أَخْرَجَ تِبْرًا وَاسْتَظْهَرَ بِزِيَادَةٍ جَازَ ، وَإِلَّا اسْتَرَدَّهُ أَوْ بَدَلَهُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا ضَمَانَ بِلَا تَعَدٍّ كَدَافِعٍ مُخْتَارٍ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ صَحِيحَهُ لَا يَضْمَنُ ، فَكَذَا فَاسِدُهُ ، وَإِنْ صَفَّاهُ الْآخِذُ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَجْزَأَ ، وَإِلَّا زَادَ أَوْ اسْتَرَدَّ ، وَلَا يَرْجِعُ بِتَصْفِيَتِهِ ، وَمَنْ أَخْرَجَ دُونَ نِصَابٍ فَكَمُسْتَفَادٍ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا الْفَرَجِ قَالَ : هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِمْ ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ : لَا زَكَاةَ فِيهِ .
كَذَا قَالَ ، مَعَ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ .

وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ بِدَارِ حَرْبٍ إلَّا بِقَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ فَغَنِيمَةٌ ، فَيُخَمَّسُ أَيْضًا بَعْدَ رُبْعِ الْعُشْرِ .

وَلَا شَيْءَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ، كَالْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ ( هـ م ر ) ، وَقِيلَ : يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ مَعْدِنٍ بِدَارِنَا ، وَيَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ قَبْلَ مَنْعِهِ مَجَّانًا .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : حَفْرُ ذَلِكَ كَإِحْيَائِهِ الْمَوَاتَ ، وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَذَلِكَ ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : قِيَاسُ مَذْهَبِنَا لَهُ كُلُّهُ كَبَقِيَّةِ الْمُبَاحَاتِ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ الْخُمُسُ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ زَكَّاهُ مَوْلَاهُ ، وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ انْبَنَى عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ

وَيَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ وَصَاغَةٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ كَعُرُوضٍ ( و ) ؛ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا هُوَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ [ فَهُوَ ] كَالْبَاقِلَّاءِ فِي قِشْرَيْهِ وَالْجَوْزِ ، وَكَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ تَبَعًا لِلشَّاةِ ، لَا مُنْفَرِدًا ، كَبَيْعِ التِّبْرِ مُنْفَرِدًا عَنْ التُّرَابِ ، وَلِأَنَّ تُرَابَ الصَّاغَةِ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ إلَّا فِي ثَانِي الْحَالِ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ ، وَعَنْهُ : لَا ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ ( و ش ) كَجِنْسِهِ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : لَا فِي تُرَابِ صَاغَةٍ ، وَأَنَّ غَيْرَهُ أَهْوَنُ ( و م ) وَزَكَاتُهُ عَلَى الْبَائِعِ ، لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ، كَبَيْعِ حَبٍّ بَعْدَ صَلَاحِهِ .

وَلَا شَيْءَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَعَنْبَرٍ وَغَيْرِهِمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ ( وَ ) وَعَنْهُ : فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْمَعْدِنِ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَقِيلَ : غَيْرُ حَيَوَانٍ ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، كَصَيْدِ الْبَرِّ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ التَّسْوِيَةَ ، وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا بِالْمِسْكِ وَالسَّمَكِ ، فَيَكُونُ الْمِسْكُ مِنْ الْبَحْرِيِّ ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّهُ يَرَى فِيهِ الزَّكَاةَ ، كَذَا [ قَالَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا ، وَكَذَا ] ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ، يُؤَيِّدُهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ فِي الْخِلَافِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ : وَكَذَلِكَ السَّمَكُ وَالْمِسْكُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَقَالَ : كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : فِي الْمِسْكِ إذَا أَصَابَهُ صَاحِبُهُ الزَّكَاةُ ، شَبَّهَهُ بِالسَّمَكِ إذَا صَادَهُ وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَمَا أَشْبَهَهُ بِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى ، وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، وَلَوْ كَانَ مَا خَرَجَ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَعَنْبَرٍ وَنَحْوِهِ مَمْلُوكًا فَيَتَوَجَّهُ ، كَمَنْ أَخَذَ دَابَّةً بِمَضْيَعَةٍ عَجْزًا [ ( و م ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

بَابُ حُكْمِ الرِّكَازِ فِي الرِّكَازِ وَهُوَ الْكَنْزُ الْخُمُسُ ( و ) وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَقْدٍ ( م ش ) فِي الْحَالِ ( و ) وَلَوْ قَلَّ ( ش ) وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ تَخْرِيجٌ عَلَى أَنَّهُ زَكَاةٌ ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ حَوْلٌ وَلَا نِصَابٌ ، وَلَا كَوْنُهُ ثَمَنًا وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ : يَتَعَيَّنُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ ، وَهَلْ هُوَ زَكَاةٌ يَخْرُجُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ ؟ ( و ش ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَكَالْمَعْدِنِ أَوْ [ فَيْءٍ ] يُصْرَفُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ ؟ ( و هـ م ) لِفِعْلِ عُمَرَ ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَخْمُوسٌ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) وَلَا يَخْتَصُّ بِمَصْرِفِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ بَلْ الْفَيْءِ الْمُطْلَقِ لِلْمَصَالِحِ [ ( هـ ) ] فَإِنْ قُلْنَا هُوَ زَكَاةٌ لَمْ تَجِبْ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ( و ش )
بَابُ حُكْمِ الرِّكَازِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ هِيَ زَكَاةٌ تَخْرُجُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ أَوْ فَيْءٌ يُصْرَفُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِيضَاحِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، إحْدَاهُمَا هُوَ زَكَاةٌ ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هُوَ فَيْءٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، وَالْجَامِعِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ : لِأَهْلِ الزَّكَاةِ أَوْ الْفَيْءِ .

لَكِنْ إنْ وَجَدَهُ عَبْدٌ فَلِسَيِّدِهِ كَكَسْبِهِ ، وَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ ، وَيَمْلِكُهُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَيُخْرِجُهُ عَنْهُمَا الْوَلِيُّ ، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ زَكَاةٌ ، وُجُوبُهُ عَلَى كُلِّ وَاجِدٍ ، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ فَيْءٌ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاجِدٍ ( و هـ م ) وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَدَهُ تَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قُلْنَا زَكَاةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ) وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْحَقَّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ ، كَالزَّكَاةِ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِدِ إذَا غَنِمَ شَيْئًا ، فَإِنَّ تَمْيِيزَ الْخُمُسِ إلَيْهِ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ يَجُوزُ دَفْعُ الْخُمُسِ مِنْ غَيْرِهِ ، كَمَا يَجُوزُ فِي غَنِيمَةِ الْوَاجِدِ ، كَذَا قَالَ : وَيَأْتِي فِي غَنِيمَةِ الْوَاجِدِ أَنَّ الْإِمَامَ يُخَمِّسُهُ ، فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي دَفْعِ الْخُمُسِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، قَدَّمَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا ، كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَضْمَنُ ؟ ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي عَنْ أَبِي ثَوْرٍ : يَضْمَنُ ، وَظَاهِرُهُ : لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا ، وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي أَجْنَبِيٍّ فَرَّقَ وَصِيَّةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي جِهَتِهِ ، وَعَلَى الْجَوَازِ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فِيهِ ، جَعَلَهُ الْقَاضِي كَغَنِيمَةِ الْوَاجِدِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ فِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ الْخَرَاجِ ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ يُؤْخَذُ الرِّكَازُ مِنْ الذِّمِّيِّ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَلَا خُمُسَ فِيهِ .

وَهَلْ يَجُوزُ رَدُّ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ ، كَإِرْثِهَا أَوْ قَبْضِهَا مِنْ دَيْنٍ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، أَمْ لَا يَجُوزُ ؟ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَهُ الْمَذْهَبُ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَكَذَا صَرْفُ الْخُمُسِ إلَى وَاجِدِهِ ، فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ فَقَطْ
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : هَلْ يَجُوزُ رَدُّ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَمْ لَا يَجُوزُ ؟ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَهُ الْمَذْهَبُ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ ، وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ فِي الرِّكَازِ وَالْعُشْرِ ، نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَيَأْتِي قَرِيبٌ مِنْ هَذَا فِي آخَرِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَبِيلِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَيْضًا .

( م 3 ) وَإِنْ قُلْنَا خُمُسَ الرِّكَازِ فَيْءٌ جَازَ تَرْكُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ ، كَالْخَرَاجِ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، وَلِلْإِمَامِ رَدُّ خُمُسِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْغَنِيمَةَ أَصْلًا لِلْمَنْعِ فِي الْفَيْءِ ، وَذَكَرَ الْخَرَاجَ أَصْلًا لِلْجَوَازِ فِيهِ وَيَأْتِي فِي آخَرِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدٍ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ أَنْ يُمْسِكَ الْخُمُسَ لِنَفْسِهِ لِحَاجَةٍ ( هـ ) وَالْبَاقِي بَعْدَ الْخُمُسِ لِوَاجِدِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا بِدَارِنَا [ ( هـ ) ] لَا أَنَّهُ فِي عَنْوَةٍ أَوْ صُلْحٍ لَهُمْ ( م ) ، وَقَوْلُنَا " بَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ " إنْ لَمْ يَكُنْ أَجِيرًا لِطَالِبِهِ ( و ) وَهَذَا إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ .

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا صَرْفُ الْخُمُسِ إلَى وَاجِدِهِ ، فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وَقِيلَ يَجُوزُ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ فَقَطْ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَفِي جَوَازِ دَفْعِ خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ وَجْهَانِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ : يَجُوزُ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ ، انْتَهَى .
وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ : وَلَا يُخَمِّسْ مَا وَجَدَهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ إنْ جَازَ دَفْعُ خُمُسِهِ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْهُ ، إنْ قُلْنَا هُوَ زَكَاةٌ ، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ فَيْءٌ خُمِّسَ ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الْأَقْيَسِ إنْ قَالَهُ هُوَ فَيْءٌ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَيْءٌ وَمَا وَجَدَهُ مُسْلِمٌ جَازَ دَفْعُ خُمُسِهِ إلَيْهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ، عَلَى الْأَقْيَسِ .
وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ : وَمَا وَجَدَهُ مُسْلِمٌ جَازَ دَفْعُ خُمُسِهِ إلَيْهِ ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِيهِمَا ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَإِنْ قُلْنَا خُمُسُ الرِّكَازِ فَيْءٌ جَازَ تَرْكُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ كَالْخَرَاجِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : قَالَ الْقَاضِي : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ عَلَى وَاجِدِهِ ، كَالزَّكَاةِ وَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَجُوزُ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَ ابْنِ رَزِينٍ قَوْلَ الْقَاضِي ، انْتَهَى : إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ كَالزَّكَاةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ .

وَإِنْ وَجَدَهُ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلِوَاجِدِهِ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَهِيَ أَشْهَرُ ، سَوَاءٌ ادَّعَاهُ أَوْ لَا ، وَعَنْهُ : لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ [ بِهِ ] وَإِلَّا فَلِمَنْ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ كَذَلِكَ ( م 4 ) ، إلَى أَوَّلِ مَالِكٍ ، فَيَكُونُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ ( و هـ ش م ر ) كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ بِصِفَةٍ ، لَا لِأَوَّلِ مَالِكٍ فَقَطْ ( هـ ) ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ ، ثُمَّ لِبَيْتِ الْمَالِ ، فَعَلَى هَذِهِ إنْ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ فَهُوَ لَهُ ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا ، وَعَنْهُ : بَلَى لِوَاجِدِهِ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ ، وَمَتَى دُفِعَ إلَى مُدَّعِيهِ بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ غَرِمَ وَاجِدُهُ بَدَلَهُ إنْ كَانَ أَخْرَجَ بِاخْتِيَارِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا غَرِمَهُ .
لَكِنْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَدَهُ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلِوَاجِدِهِ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَهِيَ أَشْهَرُ وَعَنْهُ لِمَالِكٍ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ ، وَإِلَّا فَلِمَنْ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ كَذَلِكَ ، انْتَهَى .
الرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا هِيَ أَشْهَرُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هِيَ أَنَصُّهُمَا ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهَا ، فَعَلَيْهَا إنْ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ فَهُوَ لَهُ : عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَى الْأُولَى إنْ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ فَلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، عَلَى الصَّحِيحِ ، جَزَمَ بِهِ مَنْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ : بَلْ لِوَاجِدِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَدَّمَ فِيهَا حُكْمًا .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا غَرِمَهُ ، لَكِنْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فِيهِ الْخِلَافُ ، [ انْتَهَى ] .
الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخِلَافِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي خَطَئِهِ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ .

وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ إذَا خَمَّسَ رِكَازًا فَادَّعَى بِبَيِّنَةٍ هَلْ لِوَاجِدِهِ الرُّجُوعُ ؟ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ ، وَعَنْهُ ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ : يَكُونُ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ فَلِوَاجِدِهِ .
وَقِيلَ لِبَيْتِ الْمَالِ ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ إرْثًا فَهُوَ مِيرَاثٌ ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لِمُورِثِهِمْ فَلِمَنْ قَبْلَهُ ، كَمَا سَبَقَ ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَاجِدُهُ سَقَطَ حَقُّهُ فَقَطْ ، وَكَذَا الْكَلَامُ إنْ وَجَدَ الرِّكَازَ فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ : مَعْصُومٍ [ فَلِوَاجِدِهِ ] فَلَوْ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ فَفِي دَفْعِهِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْخِلَافُ ، وَعَنْهُ : هُوَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ ، وَعَنْهُ : إنْ اعْتَرَفَ بِهِ ، وَإِلَّا فَعَلَى مَا سَبَقَ .

وَإِنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَرِوَايَتَانِ ، ذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ ( م 5 ) إحْدَاهُمَا هِيَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ بِدَعْوَاهُ بِلَا صِفَةٍ ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمِلْكِ ، وَالثَّانِيَةُ لِوَاجِدِهَا ، قَدَّمَهَا بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَتُهُ بِمَالِهِ .

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَرِوَايَتَانِ ، ذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ ، انْتَهَى .
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَجَدَهَا فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ إحْدَاهُمَا هِيَ لِوَاجِدِهَا ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَتُهُ بِمَالِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ فِي اللُّقَطَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا ، انْتَهَى .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ بِدَعْوَاهُ بِلَا صِفَةٍ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْمِلْكَ ، قَدَّمَهَا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُجَرَّدِ ، وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : وَإِنْ وَجَدَ مَا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ فَادَّعَاهُ مَنْ انْتَقَلَ عَنْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَا صِفَةٍ ، لِأَنَّهُ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ ، وَالثَّانِيَةُ لَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ إلَّا بِصِفَتِهِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَعَرَفَهُ ، انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) ظَهَرَ لِي مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْخِ فِي الْكَافِي لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِهِ لِلرَّاوِيَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي جَعَلَهَا هُنَا أَوْلَى نَقْصًا ، وَتَقْدِيرُهُ : إحْدَاهُمَا هِيَ لِوَاجِدِهَا إنْ لَمْ يَصِفْهَا صَاحِبُ الْمِلْكِ ، قَدَّمَهَا بَعْضُهُمْ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَتُهُ بِمَالِهِ .
فَالنَّقْصُ هُوَ " إنْ لَمْ يَصِفْهَا صَاحِبُ الْمِلْكِ " حَتَّى يُوَافِقَ مَا عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَةَ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِدُ فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ رِكَازًا أَوْ لُقَطَةً ( م 6 ) وَعَنْهُ : صَاحِبُ الْكِرَاءِ أَحَقُّ بِاللُّقَطَةِ ،
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِدُ فِي الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ رِكَازًا أَوْ لُقَطَةً .
يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ كَلَامِنَا عَلَى اللُّقَطَةِ ، وَصَحَّحَ الْقَاضِي أَيْضًا هُنَا أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَيْضًا فِي الرِّكَازِ وَقَالَ : بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ وَجَدَ رِكَازًا فِي مِلْكٍ انْتَقِلْ إلَيْهِ .

وَإِنْ وَجَدَهُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ شَيْءٍ أَوْ هَدْمِهِ فَقِيلَ : هُوَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ ؛ جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَقِيلَ هُوَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ ، قَالَ : لِأَنَّ عَمَلَهُ لِغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالثَّانِيَةُ لِلْمَالِكِ ، كَالْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الدَّارِ ، فَكَذَا الرِّكَازُ ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ( م 7 ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الرِّكَازَ الْمَدْفُونَ يَدْخُل فِي الْبَيْعِ كَالْمَعْدِنِ ،

( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَدَهُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ شَيْءٍ أَوْ هَدْمِهِ فَقِيلَ : هُوَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَقِيلَ : هُوَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ ، قَالَ : لِأَنَّ عَمَلَهُ لِغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالثَّانِيَةُ لِلْمَالِكِ ، كَالْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الدَّارِ ، فَكَذَا الرِّكَازُ ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : فِي كَلَامِ الْقَاضِي نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الرِّكَازَ الْمَدْفُونَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَالْمَعْدِنِ ، انْتَهَى .
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَطَرِيقَةُ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ هِيَ الصَّحِيحَةُ ، وَجَزَمَ بِهَا الشَّارِحُ أَيْضًا .
وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : هُوَ لِلْأَجِيرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا فَوَجَدَ كَنْزًا أَوْ لُقَطَةً ، فَوَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا لِمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِطَلَبِ كَنْزٍ ، وَالثَّانِي هُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ وَجَدَهُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ هَدْمِ مَكَان فَهُوَ لُقَطَةٌ ، وَعَنْهُ : بَلْ هُوَ رِكَازٌ ، فَيَأْخُذُهُ وَاجِدُهُ إنْ كَانَ فِيهِ عَلَامَةُ كُفْرٍ ، وَعَنْهُ : بَلْ هُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، انْتَهَى .
وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجَرِ .

وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مُكْرِي الدَّارِ وَمُكْتَرِيهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ أَوَّلًا ، أَوْ أَنَّهُ دَفَنَهُ ، فَوَجْهَانِ ( 8 م ) وَمَنْ وَصَفَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهُ : نَقَلَهُ الْفَضْلُ ، لَا أَنَّهُ يُصَدِّقُ السَّاكِنَ مُطْلَقًا ( ش )
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مُكْرِي الدَّارِ وَمُكْتَرِيهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ أَوَّلًا ، أَوْ أَنَّهُ دَفَنَهُ ، فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ : لِأَنَّ الدَّفْنَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِزِيَادَةِ الْيَدِ عَلَيْهِ .

وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ عَادَتْ إلَى الْمُكْرِي فَقَالَ : دَفَنْته قَبْلَ الْإِجَارَةِ ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي أَنَا وَجَدْته وَدَفَنْته ، فَالْوَجْهَانِ فِي التَّلْخِيصِ
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ عَادَتْ إلَى الْمُكْرِي ، فَقَالَ : دَفَنْته قَبْلَ الْإِجَارَةِ ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي : أَنَا وَجَدَتْهُ وَدَفَنْته ، فَالْوَجْهَانِ فِي التَّلْخِيصِ ، انْتَهَى ، وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، إحْدَاهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ مِنْهُمَا .

وَمَنْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ، فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ ، فَقَالَ فِي الْخِلَافِ : لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ، كَالطَّائِرِ وَالظَّبْيِ ( م 10 )
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ ، فَقَالَ فِي الْخِلَافِ : لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَالطَّائِرِ وَالظَّبْيِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الدَّارِ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِيمَنْ وَجَدَ رِكَازًا فِي مَأْجُورٍ لَهُ ، أَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ شَيْءٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ ، وَلَعَلَّ الْقَاضِي أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِوَاجِدِهِ ، مُقَابِلَةً لِمَنْ قَالَ : أَنَّهُ لِرَبِّ الدَّارِ ، وَإِنَّ مَعْنَاهُ مِنْهُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

، وَمُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ كَمُكْرٍ وَمُكْتِرٍ ( م 11 ) وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةُ بِأَنَّهُمَا كَبَائِعٍ مَعَ مُشْتَرٍ ، يُقَدَّمُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ ، كَذَا قَالَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي إنْ كَانَ لُقَطَةً الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ .
نَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا يَدْفَعُ إلَى الْبَائِعِ بِلَا صِفَةٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَنَصَرَهُ فِي الْخِلَافِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، لِسَبْقِ يَدِهِ ، قَالَ : وَبِهَذَا قَالَتْ الْجَمَاعَةُ
( مَسْأَلَةٌ 11 ) [ قَوْلُهُ ] وَمُسْتَعِيرٌ كَمُكْرٍ وَمُكْتِرٍ [ انْتَهَى ] وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافًا ، لَكِنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ هَذَا ، فَيَأْتِي الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ هُنَاكَ ، فَكَذَا يَكُونُ هُنَا ، فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

وَالرِّكَازُ مَا وُجِدَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ ، أَوْ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ ، فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ عَهْدٍ عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ كُفْرٍ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ وِفَاقًا ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ ( عِ ) أَوْ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَالسَّبَائِكِ وَالْآنِيَةِ فَلُقَطَةٌ .
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي إنَاءِ نَقْدٍ : إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَتَاعَ الْعَجَمِ فَهُوَ كَنْزٌ ، وَمَا كَانَ مِثْلَ الْعِرْقِ فَمَعْدِنٌ ، وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ ، وَكَذَا حُكْمُ دَارِ الْحَرْبِ إنْ قَدْر عَلَيْهِ بِلَا مَنَعَةٍ [ وَكَذَا مَا أُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِلَا مَنَعَةٍ فَهُوَ كَالرِّكَازِ ] نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : غَنِيمَةٌ ( و هـ ش ) خَرَّجَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ

الرِّكَازُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِلْمَالِكِ ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِمَنَعَةٍ ( و ) قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا : الْمَدْفُونُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَسَائِرِ مَالِهِمْ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : إنْ وَجَدَ بِدَارِهِمْ لُقَطَةً مِنْ مَتَاعِنَا فَكَدَارِنَا ، وَمِنْ مَتَاعِهِمْ غَنِيمَةً ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ تُعَرَّفُ حَوْلًا بِدَارِنَا ، ثُمَّ تُجْعَلُ فِي الْغَنِيمَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، احْتِيَاطًا .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ فِي اللُّقَطَةِ : فِي دَفْنِ مَوَاتٍ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ لُقَطَةٌ ، وَإِلَّا رِكَازٌ ( و هـ ق ) وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم : إذَا لَمْ يَكُنْ سِكَّةً لِلْمُسْلِمِينَ فَالْخُمُسُ ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : مَا لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ رِكَازٌ ، وَأَلْحَقَ شَيْخُنَا بِالْمَدْفُونِ حُكْمًا الْمَوْجُودَ ظَاهِرًا بِخَرَابٍ جَاهِلِيٍّ أَوْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ : مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ } ، قَالَ : { وَسُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ : مَا كَانَ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ وَالْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ لَك ، وَمَا كَانَ مِنْ الْخَرَابِ يَعْنِي فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ [ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ

كَثِيرٍ عَنْ عَمْرٍو بِهَذَا ، وَعَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ عَمْرٍو بِهَذَا ، وَعَنْ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو بِهَذَا ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَوَّلَهُ وَقَالَ : حَسَنٌ .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : { سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيسَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ مَرَاتِعِهَا ، فَقَالَ : وَفِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ ، وَمَا أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَالثِّمَارُ وَمَا أُخِذَ مِنْهَا مِنْ أَكْمَامِهَا ؟ فَقَالَ : مَنْ أَخَذَ بِفِيهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَمَنْ احْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ ، وَضَرْبُ نَكَالٍ ، وَمَا أُخِذَ مِنْ أَجْرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ : ثَنَا يَعْلَى : ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ : ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ] أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرٍو ، وَلِلنَّسَائِيِّ مَعْنَاهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ : { مَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ } عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، وَهِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ، وَهَذَا الْخَبَرُ ثَابِتٌ إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَمْرٌو مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
وَسَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِيهِ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ ، وَأَخَذَ بِخَبَرِهِ هَذَا فِي غَيْرِ اللُّقَطَةِ ، وَاحْتَجَّ غَيْرُ شَيْخِنَا بِهِ كَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْخَرَابِ الْجَاهِلِيِّ وَالطَّرِيقِ غَيْرِ الْمَسْلُوكِ

كَالْمَدْفُونِ لَكِنْ بِالْعَلَامَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبٌ ( ش ) لَكِنْ قَالَ : إنْ كَانَ ظُهُورُهُ لِسَبَبٍ ، كَسَيْلٍ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَقَالَ فِي الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِمَا : الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ بِخَرِبٍ عَادِيٍّ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا تَرَكَهُ الْكُفَّارُ وَهَرَبُوا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، فَإِنَّهُ [ فَيْءٌ ] فِيهِ الْخُمُسُ ، كَالرِّكَازِ ، ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الْمَعْدِنِ ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَدْفُونِ ، فِي الْعَادِيِّ وَبَيْنَ الرِّكَازِ .
قَالَ : فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالرِّكَازِ الْمَعْدِنَ ، ثُمَّ أَجَابَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِمَا سَبَقَ فِي الِانْتِصَارِ ، وَلِأَنَّ الشَّارِعَ قَالَ { الْمَعْدِنُ جُبَارٌ ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ } فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا ، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ صَاحِبُ الصَّحِيحِ هَذَا الْخَبَرَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي اسْتَنْكَرَهَا أَهْل الْعِلْمِ عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَالَ : الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الرِّكَازِ فَقَطْ } ، وَلَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ صَارَ إلَى الْقَوْلِ فِي اللُّقَطَةِ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ ، وَقَالَ : غَرَامَةُ الْمِثْلَيْنِ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ أَحَدٍ عَلِمْنَاهُ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ ( و ) وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ [ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ] بِمَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمَانَ [ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ ] قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، { فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِهَذَا السَّنَدِ نَحْوُ سِتَّةِ أَخْبَارٍ ، مِنْهَا : { مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ } ، وَمِنْهَا : { مَنْ كَتَمَ غَالًّا فَإِنَّهُ مِثْلُهُ } وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَنْهَضُ مِثْلُهُ لِشُغْلِ الذِّمَّةِ ، لِعَدَمِ شُهْرَةِ رِجَالِهِ وَمَعْرِفَةِ عَدَالَتِهِمْ ، وَحَبِيبٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ جَعْفَرٌ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : جَعْفَرٌ وَحَبِيبٌ مَجْهُولَانِ ، وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ : حَبِيبٌ ضَعِيفٌ ، وَلَيْسَ جَعْفَرٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : مَا مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُعْرَفُ حَالُهُ .
وَقَدْ جَهَدَ الْمُحَدِّثُونَ فِيهِمْ جُهْدَهُمْ ، وَانْفَرَدَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ بِقَوْلِهِ : إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ طَرِيقَيْنِ ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُمَا وَأَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِمَا ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَعِنْدَهُ قَالَهُ بِالزَّايِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ جَمِيعَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِالزَّايِ ، وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ نَظَرٌ ، وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِمَا أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا احْتَجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِحِمَاسٍ : أَدِّ زَكَاةَ مَالِكِ ، فَقَالَ : مَا لِي إلَّا جِعَابٌ وَأُدُمٌ .
فَقَالَ : قَوِّمْهَا ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا .
رَوَاهُ أَحْمَدُ : ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ : عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ .
وَرَوَاهُ [ سَعِيدٌ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي أَبُو

عَمْرِو بْنُ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ .
وَرَوَاهُ ] أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ مَشْهُورٌ .
وَسَأَلَ الْمَيْمُونِيُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يُحَوِّلُ عِنْدَهُ الْمَتَاعَ لِلتِّجَارَةِ قَالَ : يُزَكِّيهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ ، فَقُلْت : مَا أَحْسَنَهُ ، فَقَالَ أَحْسَنُ مِنْهُ حَدِيثُ " قَوِّمْهُ " .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ : ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلَّا عَرْضًا فِي تِجَارَةٍ ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ بِمَعْنَاهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَمَّا [ أَبُو عَمْرٍو ] عَنْ أَبِيهِ فَحِمَاسٌ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ ، وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مُتَقَدَّمٌ ، وَاعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي تُرَادُ لِلتِّجَارَةِ الزَّكَاةَ ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا زَكَاةَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَجِبُ ، قَالَ : وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ : لَا تَجِبُ ، وَحَكَى أَحْمَدُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد ، وَاحْتَجَّ بِظَوَاهِرِ الْعَفْوِ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالْحُمُرِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيَتَوَجَّهُ هُنَا مَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ نِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ مَعَ الشِّرَاءِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ النِّيَّةُ مَعَ الْفِعْلِ فِي نَقْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا أُضْحِيَّةً بَعْدَ حُصُولِ الْمِلْكِ ، فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْمِلْكِ ، وَهُنَا لَا تَصِحُّ نِيَّةُ التِّجَارَةُ بَعْدَ حُصُولِ الْمِلْكِ ، فَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ الْمِلْكِ .
وَالثَّانِي أَنَّ الشِّرَاءَ يُمْلَكُ بِهِ .
وَنِيَّةُ الْأُضْحِيَّةِ سَبَبٌ

يُزِيلُ الْمِلْكَ ، فَلَمْ يَقَعْ الْمِلْكُ وَسَبَبُ زَوَالِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَالزَّكَاةُ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ ، وَلَا هِيَ سَبَبٌ فِي إزَالَتِهِ ، وَالشِّرَاءُ يُمْلَكُ بِهِ ، فَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الزَّكَاةَ حِينَ الشِّرَاءِ ، كَذَا قَالَ ، وَفِيهِمَا نَظَرٌ .

فَصْلٌ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ ( و م ش ) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُجُوبِ ، كَالدَّيْنِ ، لَا فِي نَفْسِ الْعَرْضِ ، بِشَرْطِ أَنْ تَبْلُغَ نِصَابَ الْقِيمَةِ ( هـ ) فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ النِّصَابِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَكَالتَّلَفِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ : لَا يُؤَثِّرُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا رُبُعَ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّهَا كَالْأَثْمَانِ ، لِتَعَلُّقِهَا بِالْقِيمَةِ ، لَا مِنْ الْعَرْضِ عِنْدَنَا ، إلَّا أَنْ نَقُولَ بِإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ بِقَدْرِهَا وَقْتَ الْإِخْرَاجِ ، وَعِنْدَهُ : يُخَيَّرُ بَيْنَ رُبُعِ عُشْرِ الْقِيمَةِ أَوْ رُبُعِ عُشْرِ الْعُرُوضِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ ، وَعِنْدَ صَاحِبِيهِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ : رُبُعُ الْعُشْرِ مِنْ الْعَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَيُجْزِئُ نَقْدٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ ، وَتَتَكَرَّرُ الزَّكَاةُ كُلَّ حَوْلٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَمَذْهَبُ ( م ) : يُزَكِّي مَنْ تَرَبَّصَ نِفَاقًا وَلَوْ بَقِيَ عِنْدَهُ سِنِينَ لِعَامٍ وَاحِدٍ .

وَأَمَّا الدَّيْنُ فَهَلْ يُقَوَّمُ وَيُزَكِّي ؟ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَنِضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ؟ فِيهِ عَنْ ( م ) رِوَايَتَانِ ، وَلَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهُ بِفِعْلِهِ وَيَنْوِي أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ ، فَإِنْ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ ، أَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلْقُنْيَةِ فَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ ، لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ .
وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ( و ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْأَصْلِ ، كَنِيَّةِ إسَامَةِ الْمَعْلُوفَةِ ، وَنِيَّةِ الْحَاضِرِ لِلسَّفَرِ .
وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ إبْرَاهِيمَ وَابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّ الْعَرْضَ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَالرَّوْضَةِ ، لِخَبَرِ سَمُرَةَ ، وَلَا يَعْتَبِرُ فِيمَا مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ الْمُعَاوَضَةَ ، هَذَا الْأَشْهَرُ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْخِلَافِ ، لِخَبَرِ سَمُرَةَ ، وَلِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ كَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ فِي الْمُجَرَّدِ : يَعْتَبِرُ الْمُعَاوَضَةَ ( و ش ) تَمَحَّضَتْ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ لَا ، كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ وَالِاحْتِشَاشَ وَالْهِبَةَ لَيْسَ مِنْ جِهَاتِ التِّجَارَةِ كَالْمَوْرُوثِ ، وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ كَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ، وَعَنْهُ : يَعْتَبِرُ كَوْنَ الْعَرْضِ نَقْدًا ( و م ) ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، لِاعْتِبَارِ النِّصَابِ بِهِمَا ، فَيَعْتَبِرُ أَصْلُ وُجُودِهِمَا ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيمَا إذَا مَلَكَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ [ فَهِيَ ] كَهَذِهِ الرِّوَايَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُخْرِجُ مِنْهَا اعْتِبَارَ كَوْنِ بَدَلُهُ نَقْدًا أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ كَوَصِيَّةٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحْتِطَابٍ فَوَجْهَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ عَيْنَ مَالٍ بَلْ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ،

وَقِيلَ : لَا ، كَمَا لَوْ نَوَاهَا بِدَيْنِ حَالٍ ، وَإِنْ بَاعَ عَرْضَ قُنْيَةٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ نَاوِيًا بِهِ التِّجَارَةَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ اسْتَرَدَّهُ لِعَيْبِ ثَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِاخْتِيَارِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ لِعَيْبٍ فِيهِ .
وَمِثْلُهُ عَرْضُ تِجَارَةٍ بَاعَهُ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ لِعَيْبٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَوْرُوثٍ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ خِلَافًا أَظُنُّهُ أَبُو الْمَعَالِي فِيمَا مَلَكَهُ بِفَسْخٍ ، هَلْ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ ؟ فَإِنَّ الْفَسْخَ فِي عَرْضِ تِجَارَةٍ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ .
وَقَالَ : إنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا لِعَبِيدِ التِّجَارَةِ وَلَا نِيَّةَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ ، لِلْقَرِينَةِ ، لَا لِرَبِّ الْمَالِ كَذَا قَالَ .
قَالَ : وَإِنْ مَلَكَ بِفِعْلِهِ بِلَا نِيَّةٍ بِعَرْضِ تِجَارَةٍ عَرْضًا صَارَ لِلتِّجَارَةِ ، وَقِيلَ : لَيْسَ قُنْيَةً عِنْدَ بَائِعِهِ ، وَالْقَوْلُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَظْهَرُ ، وَأَظُنُّهُ الْمَذْهَبَ ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ لَمْ يَقْطَعْهَا ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، لَكِنْ لَوْ قُتِلَ ، عَبْدُ تِجَارَةٍ خَطَأً ، فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ ، صَارَ لِلتِّجَارَةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَمْدًا وَقُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِنِيَّةٍ ، وَلَوْ تَخَمَّرَ عَصِيرُ التِّجَارَةِ ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ حُكْمُ التِّجَارَةِ ، وَلَوْ مَاتَتْ مَاشِيَةُ التِّجَارَةِ فَدُبِغَ جُلُودُهَا وَقُلْنَا تَطْهُرُ فَهِيَ عَرْضُ تِجَارَةٍ .

وَتُقْطَعُ نِيَّةُ الْقُنْيَةِ وَقِيلَ : الْمُمَيَّزَةُ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَتَصِيرُ لِلْقُنْيَةِ ( و ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ ، كَالْإِقَامَةِ مَعَ السَّفَرِ وَحُلِيِّ اسْتِعْمَالٍ نَوَى بِهِ الْقُنْيَةَ أَوْ التِّجَارَةَ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ( و ) وَقِيلَ : لَا نِيَّةَ مُحَرَّمَةٍ ، كَنَاوٍ مَعْصِيَةً فَلَمْ يَفْعَلْهَا ، فِي بُطْلَانِ أَهْلِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ خِلَافٌ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَلَنَا خِلَافٌ ، هَلْ يَأْثَمُ عَلَى قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ بِدُونِ فِعْلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ؟ مَذْكُورٌ فِي فُصُولِ التَّوْبَةِ مِنْ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ .

فَصْلٌ قَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْحَوْلَ وَالنِّصَابَ فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ وَحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ وَالرِّبْحِ ، وَإِنْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ عَرْضَ تِجَارَةٍ بِنِصَابِ نَقْدٍ أَوْ بِعَرْضِ تِجَارَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ ( و ) وَيَبْنِي حَوْلَ التَّقْدِيرِ عَلَى حَوْلِ الْعَرْضِ مَنْ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ عَلَى التَّقَلُّبِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِثَمَنٍ وَعَرْضٍ ، فَلَوْ لَمْ يَبْنِ بَطَلَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ ، وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ ، وَالْقِيمَةُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ انْتَقَلَتْ مِنْ عَرْضٍ إلَى عَرْضٍ ، فَهُوَ كَنَقْدٍ نُقِلَ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ ، وَالْقِيمَةُ هِيَ النَّقْدُ اسْتَقَرَّ فِي الْعَرْضِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ نِصَابًا فَحَوْلُهُ مُنْذُ كَمُلَ قِيمَتُهُ نِصَابًا ، لَا مِنْ شِرَائِهِ ( و هـ )

وَإِنْ اشْتَرَاهُ أَوْ بَاعَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لَمْ يَبْنِ ( و ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي النِّصَابِ وَالْوَاجِبُ ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ بِمِثْلِهِ لِلْقُنْيَةِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ سَبَبُ الزَّكَاةِ ، قَدَّمَ عَلَيْهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ ، لِقُوتِهِ ، فَبِزَوَالِ ، الْمُعَارِضِ ثَبَتَ حُكْمُ السَّوْمِ ، لِظُهُورِهِ ، وَتَقُومُ الْعُرُوض عِنْدَ الْحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ( و هـ ) ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَهُ لِحَظِّ الْفُقَرَاءِ ، فَيَقُومُ بِالْأَحَظِّ لَهُمْ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ وَفِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ تَسَاوَيَا فِي الْغَلَّةِ يَبْلُغُ أَحَدُهُمَا نِصَابًا بِخِلَافِ الْمُتْلَفَاتِ ، وَخَيَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ سَوَاءٌ فِي قِيمَةِ الْأَشْيَاءِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ .
وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، كَالْمُتْلِفِ ، وَكَذَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ : بِنَقْدِ الْبَلَدِ ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْأَحَظُّ ، وَكَذَا مَذْهَبُ ( ش ) وَأَبِي يُوسُفَ : يَقُومُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِنَقْدِ قَوْمٍ بِجِنْسِ مَا اشْتَرَاهُ [ بِهِ ] ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِحَوْلِهِ ، فَوَجَبَ جِنْسُهُ ، كَالْمَاشِيَةِ ، وَلِأَنَّ أَصْلَهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : لَا يَقُومُ نَقْدٌ بِآخَرَ ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا : لَا يُبْنَى حَوْلُ نَقْدٍ عَلَى حَوْلِ نَقْدٍ آخَرَ ، فَيُقَوِّمُ بِمَا اشْتَرَى بِهِ ، وَمَا قَوَّمَ بِهِ لَا عِبْرَةَ بِتَلِفِهِ ، إلَّا قَبْلَ التَّمَكُّنِ ، فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ، وَلَا بِنَقْصِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا زِيَادَتِهِ إلَّا قَبْلَ التَّمَكُّنِ ، فَإِنَّهُ كَتَلَفِهِ ، وِفَاقًا ، وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ الزِّيَادَةُ كَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ ، وَلِلشَّافِعِيَّةُ وَجْهَانِ ، كَسَمْنِ مَاشِيَتِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ ، وَعِنْدَنَا : تُجْزِئُهُ صِفَةُ الْوَاجِبِ قَبْلَ السَّمْنِ .

وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ بِكُلِّ نَقْدٍ نِصَابًا خُيِّرَ بَيْنَهُمَا ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ( و هـ ) وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا : بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ كَأَصْلِ الْوُجُوبِ ، وَقِيلَ بِفِضَّةٍ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ كَهَذِهِ الْوُجُوهِ ، وَتُقَوَّمُ الْمُغَنِّيَةَ سَاذَجَةً ، وَيُقَوَّمُ الْمَخْصِيُّ بِصِفَتِهِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِقِيمَةِ آنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، وَسَبَقَ فِي ضَمِّ الذَّهَبِ [ إلَى الْفِضَّةِ ] حُكْمُ ضَمّ الْعَرْضِ إلَى أَحَدِهِمَا وَإِلَيْهِمَا ، وَسَبَقَ فِي الْحُلِيِّ النَّقْدُ الْمُعَدُّ لِلتِّجَارَةِ ، وَيُضَمُّ بَعْضُ الْعُرُوضِ إلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةً وَمُشْتَرًى ، وَسَبَقَ حُكْمُ الْمُسْتَفَادِ .

فَصْلٌ مَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ ( و هـ ) ؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا عَلَى التَّقَلُّبِ ، فَهِيَ تُزِيلُ سَبَبَ زَكَاةِ السَّوْمِ ، وَهُوَ الِاقْتِنَاءُ لِطَلَبِ النَّمَاءِ مَعَهُ ، وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْأَحَظِّ ، وَقِيلَ : زَكَاةُ السَّوْمِ ( و م ش ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِلِاجْتِمَاعِ وَتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ ، وَقِيلَ : الْأَحَظُّ مِنْهُمَا لِلْفُقَرَاءِ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، فَفِي أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ حِقَّةٌ أَوْ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ ، أَوْ إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٍ أَوْ ثَنِيَّةٍ ، أَوْ مِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ ، زَكَاةُ التِّجَارَةِ ، أَحَظُّ ، لِزِيَادَتِهَا بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ وَقْصٍ .
وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتِ مَخَاضٍ ، أَوْ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا ، زَكَاةُ السَّوْمِ أَحَظُّ .
وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ دُونَ الْجَذَعَةِ ، أَوْ خَمْسِينَ بِنْتِ مَخَاضِ أَوْ بِنْتِ لَبُونٍ ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ حِقَّةٌ ، أَوْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ، يَجِبُ الْأَحَظُّ مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَوْ السَّوْمِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : يُزَكِّي النِّصَابُ لِلْعَيْنِ وَالْوَقْصُ لِلْقِيمَةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَوْ لَا ، فِي وَجْهٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، لِمَا سَبَقَ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ السَّابِقُ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( م 1 ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَ زَكَاتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ ، وَإِنْ وُجِدَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا كَثَلَاثِينَ شَاةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ ، أَوْ أَرْبَعِينَ قِيمَتُهَا دُونَهَا قُدِمَ مَا وُجِدَ نِصَابُهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ غَيْرُهُ ( و ) قَالَ الشَّيْخُ : بِغَيْرِ خِلَافٍ ، لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِلَا مُعَارِضٍ ، وَقِيلَ : يُغَلِّبُ مَا يَغْلِبُ إذَا اجْتَمَعَ النِّصَابَانِ وَلَوْ سَقَطَتْ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ قَوْلُ لِلشَّافِعِيِّ ، وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ إنْ نَقَصَ نِصَابُ السَّوْمِ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .

بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : مَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
وَقِيلَ : زَكَاةُ السَّوْمِ ، وَقِيلَ : الْأَحَظُّ مِنْهُمَا لِلْفُقَرَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَوْ لَا ، فِي وَجْهٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، لِمَا سَبَقَ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ السَّابِقُ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ مَا قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ ، وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ( قُلْت ) : بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ .

أَمَّا إنْ سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ نِصَابِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يُتِمَّ الْحَوْلُ مِنْ بُلُوغِ النِّصَابِ ، فِي وَجْهٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ [ الْإِمَامِ ] أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَتَأَخَّرُ ، وَفِي وَجْهٍ : تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ عِنْدَ حَوْلِهِ ( 2 م ) وَإِذَا حَالّ حَوْلُ التِّجَارَةِ زَكَّى الزَّائِدَ عَلَى النِّصَابِ ، وَكَذَا حَكَى الشَّيْخُ إذَا سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ نِصَابِ جَمِيعِ الْحَوْلِ وَجَبَتْ زَكَاةُ السَّوْمِ فِي الْأَصَحِّ ، لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَأَمَّا إنْ سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ ، بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ نِصَابٍ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يُتِمَّ الْحَوْلُ مِنْ بُلُوغِ النِّصَابِ ، فِي وَجْهٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَفِي وَجْهٍ : تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ عِنْدَ حَوْلِهِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، الْوَجْهُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ : عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَجْدُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَمَالَا إلَيْهِ .
( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، مُرَاعَاةً لِلْفُقَرَاءِ ، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، فَإِنَّهُمَا قَالَا : فَقَالَ الْقَاضِي كَذَا ، وَيَحْتَمِلُ كَذَا .

وَمَنْ مَلَكَ سَائِمَةً لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ حَوْلٍ ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ اسْتَأْنَفَ السَّوْمَ حَوْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ التِّجَارَةِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : يَبْنِي ، لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ بِلَا مُعَارِضٍ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابَ الْقِيمَةِ .
وَبَنَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى تَقْدِيمِ مَا وُجِدَ نِصَابُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ، قَالَ : جَعَلَا لِانْقِطَاعِ حُكْمِ التِّجَارَةِ بِقَطْعِ النِّيَّةِ كَانْقِطَاعِهِ بِنَقْصِ قِيمَةِ النِّصَابِ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهَيْنِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا أَوْ زَرَعَهَا بِبَذْرٍ لِلتِّجَارَةِ أَوْ نَخْلًا فَأَثْمَرَتْ زَكَّى قِيمَةَ الْكُلِّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ق ) وَقِيلَ : يُزَكِّي الْأَصْلَ لِلتِّجَارَةِ ، وَالثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ لِلْعُشْرِ ( و هـ م ق ) إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الشَّجَرِ وَمَغْرَسِهِ ، فَهُوَ تَابِعٌ ، لِلثَّمَرَةِ ، وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ كَمَسْأَلَةِ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَقِيلَ بِزَكَاةِ الْعُشْرِ ( و هـ ) هُنَا ، لِكَثْرَةِ الْوَاجِبِ ، لِعَدَمِ الْوَقْصِ ، وَالْخَلْفُ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ ، وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلَ التِّجَارَةِ عَلَى زَرْعٍ وَثَمَرَةٍ مِنْ حَصَادٍ وَجُذَاذٍ ( و ش ) ؛ لِأَنَّ بِهِ يَنْتَهِي وُجُوبُ الْعُشْرِ الَّذِي لَوْلَاهُ لَجَرَيَا فِي حَوْلِ التِّجَارَةِ ، وَقِيلَ : لَا يَسْتَأْنِفُهُ إلَّا بِثَمَنِهِمَا [ إنْ بَيْعًا ( و هـ م ) ] لِكَمَالِ الْقُنْيَةِ وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَلَى مَالِ الْقُنْيَةِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ وَقْتَ الْوُجُوبِ أَوْ وَجَدَ نِصَابَ أَحَدِهِمَا فَكَمَسْأَلَةِ سَائِمَةِ التِّجَارَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ وَتَقْدِيمِ مَا تَمَّ نِصَابُهُ .

وَإِنْ زَرَعَ بَذْرَ تِجَارَةٍ فِي أَرْضِ قُنْيَةٍ فَهَلْ يُزَكِّي الزَّرْعَ زَكَاةَ عُشْرٍ ؟ ( و هـ م ق ) أَوْ قِيمَةً ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ ، وَفِي بَذْرِ قُنْيَةٍ الْعُشْرُ ( و ) وَفِي أَرْضِهِ لِلتِّجَارَةِ الْقِيمَةُ ( هـ ) وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ وَالزَّرْعُ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، أَوْ كَانَ لِعَقَارِ التِّجَارَةِ وَعَبِيدِهَا أُجْرَةٌ ، ضَمَّ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ وَالْأُجْرَةِ إلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ ، كَرِبْحٍ وَنِتَاجٍ ، وَقِيلَ : لَا ( و م ) وَكَذَا عِنْدَ ( م ) ثَمَنِ صُوفِ وَلَبَنٍ غَنَمٍ رِقَابُهَا لِلتِّجَارَةِ
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِنْ زَرَعَ بَذْرَ تِجَارَةٍ فِي أَرْضِ قَيْنَةٍ فَهَلْ يُزَكِّي قِيمَةَ الزَّرْعِ زَكَاةَ عُشْرٍ أَوْ قِيمَةً ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ : وَالْمَذْهَبُ يُزَكِّي قِيمَةَ الْكُلِّ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يَصْبُغُ بِهِ وَيَبْقَى كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ عَرْضُ تِجَارَةٍ يَقُومُ عِنْدَ حَوْلِهِ ( و هـ ش ) لِاعْتِيَاضِهِ عَنْ صَبْغٍ قَائِمٍ بِالثَّوْبِ ، فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ ، وَكَذَا مَا يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِيَدْبُغَ بِهِ ، كَعَفْصٍ وَقَرَظٍ ، وَمَا يَدْهُنُ بِهِ ، كَسَمْنٍ وَمِلْحٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ ، كَمَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ قُلًى وَنَوْرَةٍ وَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ .

وَلَا شَيْءَ فِي آلَاتِ الصُّنَّاعِ وَأَمْتِعَةِ التِّجَارَةِ وَقَوَارِيرِ عَطَّارٍ وَسِمَانٍ وَنَحْوِهِمْ ( و ) إلَّا إنْ كَانَ بَيْعُهَا [ مَعَ مَا فِيهَا ، وَكَذَلِكَ آلَاتُ الدَّوَابِّ إنْ كَانَتْ لِحِفْظِهَا ، وَإِنْ كَانَ يَبِيعُهَا مَعَهَا ] فَهِيَ مَالُ تِجَارَةٍ .

وَلَا زَكَاةَ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فِي عَرْضٍ وَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ وَشَجَرٍ وَنَبَاتٍ ( و ) سِوَى مَا سَبَقَ ، وَلَا فِي قِيمَةِ مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا ( و ) وَنَقَلَ مُهَنَّا : إنْ اتَّخَذَ سَفِينَةً أَوْ أَرْحِيَةً لِلْغَلَّةِ فَلَا زَكَاةَ ، يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ذَلِكَ تَخْرِيجًا مِنْ الْحُلِيِّ الْمُعَدِّ لِلْكِرَاءِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي حُلِيِّ الْكِرَاءِ ، قَالَ : لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْكِرَاءِ حُكْمًا ، فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ فِي النَّقْدِ ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ زَكَاةُ الْحُلِيِّ ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِمَعْنًى يُخْرِجُهُ عَنْ طَلَبِ النَّمَاءِ وَيُقْصَدُ بِهِ الِابْتِذَالُ الْمَخْصُوصُ ، وَهُنَا الْأَصْلُ عَدَمُهَا ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالنَّمَاءِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ نِيَّةُ التِّجَارَةِ .

وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ فَقِيلَ : يُزَكِّي قِيمَتَهُ ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقِيلَ : لَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَوْ صَرِيحُهُ ( م 3 ) وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ حُكْمُ الْفَارِّ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ ، فَقِيلَ : يُزَكِّي ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقِيلَ : لَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَوْ صَرِيحُهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ ، أَحَدَهُمَا يُزَكِّي قِيمَتَهُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ مَقْصُودِهِ ، كَالْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالْقَوْلَ الثَّانِيَ : لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَوْ صَرِيحُهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ .

وَمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا لِلتِّجَارَةِ بِأَلْفٍ ، فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ ، زَكَّاهُمَا ، وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَصَارَ عِنْدَ حَوْلِهِ بِأَلْفِ زَكَّى أَلْفًا وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَكَذَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ وَيُزَكِّيهِ ، لِوُجُوبِهَا فِي مِلْكِهِ .

وَإِنْ أَذِنَ كُلُّ شَرِيكٍ لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَأَخْرَجَاهَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُوَكِّلِ زَكَاةٌ ، كَمَا لَوْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ ، وَالْعَزْلُ حُكْمًا الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ فِيهِ سَوَاءٌ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ أَعْتَقَهُ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ حَقَّ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِإِخْرَاجِ صَاحِبِهِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ ، وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَزِلُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ حَقُّ الْمَالِكِ بِدَفْعِهِ ، إذْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ ، فَنَظِيرُهُ لَوْ كَانَ الْقَابِضُ مِنْهُمَا السَّاعِي ثُمَّ عَلِمَ الْحَالَ لَمْ يَضْمَنْ الْمَخْرَجَ لِلْمَخْرَجِ عَنْهُ شَيْئًا ، لَمَّا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى السَّاعِي بِهِ ، وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ بَقَائِهَا بِيَدِ السَّاعِي ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً لِلْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ بِشَيْءٍ ، وَيَقَعُ تَطَوُّعًا ، كَمَنْ دَفَعَ زَكَاةً يَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَكُنْ ، كَذَا قَالَ : وَفِيهِ خِلَافٌ ، وَيَأْتِي الْأَصْلُ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّ الْآخَرِ ، وَقِيلَ : لَا ، كَالْجَاهِلِ مِنْهُمَا ، وَالْفَقِيرِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُمَا ، فِي الْأَقْيَسِ فِيهِمَا .

كَذَا قَالَ : وَإِنْ أَذِنَ غَيْرُ شَرِيكَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَعَلَى مَا سَبَقَ ، وَهَلْ يَبْدَأُ بِزَكَاتِهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَجَزَمَ الْقَاضِي بِجَوَازِ إخْرَاجِ زَكَاةَ غَيْرِهِ قَبْلَ زَكَاتِهِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ ( م 4 ) بِأَنَّهُ تَخْتَصُّ النِّيَابَةُ فِيهِ بِالْعَجْزِ عَنْهُ ، فَلَمَّا اخْتَصَّ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَخْتَصَّ بِحَالِ النَّائِبِ دُونَ حَالٍ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا مَنْ عَلَيْهِ فَرْضُهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَنْ تَصَدَّقَ مُطْلَقًا ، وَلِأَنَّ بَقَاءَ بَعْضِ الْحَجِّ يَمْنَعُ أَدَاءَهُ عَنْ غَيْرِهِ كَذَلِكَ بَقَاءُ جَمِيعِهِ ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ ، وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْفَرْقِ الْأَخِيرِ ، وَمَنْ لَزِمَهُ نَذْرٌ وَزَكَاةٌ قَدَّمَ الزَّكَاةَ ، فَإِنْ قَدَّمَ النَّذْرَ لَمْ يُصْرَفْ إلَى الزَّكَاةِ ، وَعَنْهُ : يَبْدَأُ بِمَا شَاءَ ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِ النَّذْرِ ، وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عَلَى أَنَّ نَفْلَ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَا فِي نَفْلِ الْعِبَادَاتِ قَبْلَ أَدَائِهَا ، وَمَنْ وَكَّلَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا هُوَ ثُمَّ وَكِيلُهُ قَبْلَ عِلْمِهِ فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فِي ضَمَانِهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَكْثَرُ ، اكْتِفَاءً بِمَا سَبَقَ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَوْجُهًا ، ثَالِثَهَا لَا يَضْمَنُ إنْ قُلْنَا لَا يَنْعَزِلُ ، وَإِلَّا ضَمِنَ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ : إنَّهُ أَخْرَجَ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ إلَى السَّاعِي وَقَوْلُ مَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا ، وَيُؤْخَذُ مِنْ السَّاعِي إنْ كَانَ بِيَدِهِ ، فَإِنْ تَلِفَ أَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ كَانَا دَفَعَا إلَيْهِ فَلَا ، وَسَبَقَ حُكْمُ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارَبِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ .

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ أَذِنَ غَيْرُ شَرِيكَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَعَلَى مَا سَبَقَ ، وَهَلْ يَبْدَأُ بِزَكَاتِهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَجَزَمَ الْقَاضِي بِجَوَازِ إخْرَاجِ زَكَاةِ غَيْرِهِ قَبْلَ زَكَاتِهِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَجِّ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، أَحَدَهُمَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّرَكَاءِ وَالْوَقْتُ الْيَسِيرُ يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ .

بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ ( و ) خِلَافًا لِلْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَدَاوُد ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي خَبَرِ قَيْسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِصْحَابُ الْأَمْرِ السَّابِقِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ ، ثُمَّ قَدْ فَرَضَهَا الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَهَلْ تُسَمَّى فَرْضًا كَقَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ؟ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، أَمْ لَا ؟ ( و هـ ) فِيهِ رِوَايَتَا الْمَضْمَضَةِ ( م 1 ) .
وَتَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ ( خ ) لَا عَلَى سَيِّدِهِ ( م ر ) وَذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ ( و ) وَلَوْ فِي مَالِ صَغِيرٍ ، نَصَّ أَحْمَدُ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ ( و ) وَحُكِيَ وَجْهٌ ، وَقِيلَ : لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُخَاطَبٍ بِالصَّوْمِ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ : تَجِبُ عَلَى مُرْتَدٍّ ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ : لَا تَلْزَمُ أَهْلَ الْبَوَادِي .

بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ تُسَمَّى فَرْضًا كَقَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ؟ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، أَمْ لَا ؟ فِيهِ رِوَايَتَا الْمَضْمَضَةِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَفْرُوضَةٌ .
وَقَالَ : وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ إمَامِنَا فِي تَسْمِيَتِهَا فَرْضًا مَعَ كَوْنِهَا وَاجِبَةً رِوَايَتَيْنِ ، إحْدَاهُمَا تُسَمَّى فَرْضًا ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْأُخْرَى لَا تُسَمَّى فَرْضًا ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هَلْ تُسَمَّى فَرْضًا مَعَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، قَالَا : وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضٌ ، وَاسْتَدَلَّا لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ جَعَلَهَا كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ أَيْضًا ، وَذَكَرْنَا فَائِدَةَ الْخِلَافِ ، فَلْيُعَاوَدْ .

وَلَا فِطْرَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ صَاعٌ ( و ) وَفِي بَعْضِهِ رِوَايَتَانِ ، التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ ( م 2 ) وَلِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ : الْوُجُوبِ [ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ] { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَكَبَعْضِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ .
وَعَدَمِ الْوُجُوبِ ، كَالْكَفَّارَةِ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَلَا فِطْرَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ صَاعٌ ، وَفِي بَعْضِهِ رِوَايَتَانِ ، التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، كَبَعْضِ نَفَقَةِ الْغَرِيبِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ : أَخْرَجَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ الْكَفَّارَةَ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ .
وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَصَاحِبُ إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ " تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ : إذَا اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقْت الْخِلَافَ ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ ، فَإِنَّهُ وَقَعَ لَهُ هَذَانِ الْمَكَانَانِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا غَيْرُ

وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ بَعْدَمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابِ بِذْلَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( و ) وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلًا ، كَذَا قَالَ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، أَوْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلنَّظَرِ وَالْحِفْظِ أَوْ لِلْمَرْأَةِ حُلِيٌّ لِلُّبْسِ أَوْ لِلْكِرَاءِ تَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ قَبْلَهُ ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَغَيْرِهِ ، كَمَا سَبَقَ ، وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْوُجُوبِ وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْمَانِعِ أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ ، وَلِهَذَا لَمْ أَجِدْ أَحَدًا اسْتَثْنَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُفْلِسِ ، مَعَ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَحَالُوا الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْحَجِّ عَلَى الْمُفْلِسِ ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ فِي الْفَلَسِ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْحَجِّ نَظِيرُهُ ، فَهَذَانِ قَوْلَانِ عَلَى هَذَا ، وَوَجْهُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْآدَمِيِّ [ وَأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ آكَدُ ] .
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ بِخِلَافِ الْحُلِيِّ لِلُّبْسِ ، الْحَاجَةُ إلَى الْعِلْمِ وَتَحْصِيلِهِ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ فِي الْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُلِيَّ ، فَعَلَى الْأُولَى هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا يَمْنَعُ ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي فِي الْحُلِيِّ كَمَا سَبَقَ ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : لَمْ يُصَرِّحْ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي بِأَنَّهُ لِلُّبْسِ ، فَلَا تَعَارُضَ ، وَقَدْ يُقَالُ : الظَّاهِرُ مِنْ اتِّخَاذِهِ اللُّبْسُ ، فَيُحْمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ ، كَالْمُصَرَّحِ بِهِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا مِنْهُ بُدٌّ ، فَمَنَعَ كَغَيْرِهِ ، وَأَخْذُ الزَّكَاةِ أَضْيَقُ ، وَلِهَذَا تُمْنَعُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ فِيهِ ، وَلَا تُؤْخَذُ فِي غَيْرِهِ ، وَالثَّانِي لَا يُمْنَعُ ، لِحَاجَةٍ إلَيْهِ ، كَمَا لَا

بُدَّ مِنْهُ ، وَلِهَذَا سَوَّى الشَّيْخُ هُنَا فِي الْحُلِيِّ بَيْنَ اللُّبْسِ وَالْحَاجَةِ أَيْ كِرَائِهِ ( م 3 ) لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هُنَا جَوَازُ أَخْذِ الْفَقِيرَةِ مَا تَشْتَرِي بِهِ حُلِيًّا ، كَمَا تَأْخُذُ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا أَخْذُ الْفَقِيرِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَحْتَاجُهَا ، وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَخْذَ الزَّكَاةِ ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي يُوَافِقُهُ نَصُّ أَحْمَدَ فِي الْحُلِيِّ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي بَقِيَّةِ الْأَبْوَابِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا أَمْ لَا ؟ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ أَضْيَقُ ، يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي هُوَ كَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابِ بِذْلَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَزَمَ الشَّيْخُ : أَوْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلنَّظَرِ وَالْحِفْظِ ، أَوْ لِلْمَرْأَةِ حُلِيٌّ لِلُّبْسِ أَوْ لِلْكِرَاءِ تَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَقْوَالًا ثُمَّ قَالَ : فَعَلَى الْأَوَّلِ ، هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَخْذَ الزَّكَاةِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ ، إحْدَاهُمَا يَمْنَعُ ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي فِي الْحُلِيِّ ، كَمَا سَبَقَ ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : لَمْ يُصَرِّحْ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي بِأَنَّهُ لِلُّبْسِ ، فَلَا تَعَارُضَ وَالثَّانِي لَا يَمْنَعُ ، لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ، كَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَلِهَذَا سَوَّى الشَّيْخِ هُنَا فِي الْحُلِيِّ بَيْنَ اللُّبْسِ وَالْحَاجَةِ إلَى كِرَائِهِ انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا أَخْذُ الْفَقِيرِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَحْتَاجُهَا " لَمْ يَسْبِقْ هَذَا ، وَإِنَّمَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ بَابٍ ذَكَرَ أَصْنَافَ الزَّكَاةِ .

وَتَلَفُ الصَّاعِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِهِ كَتَلَفِ مَالِ الزَّكَاةِ ، وَمَا فَضُلَ عَنْهُ لَزِمَهُ بَيْعُهُ أَوْ رَهْنُهُ أَوْ كِرَاهُ فِي الْفِطْرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابَ نَقْدٍ أَوْ قِيمَتَهُ فَاضِلًا عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ ( هـ ) وَيَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا إنْ كَانَ مُطَالَبًا ، وَإِلَّا فَلَا ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و م ر ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ عِنْدَهُ ، وَعَنْهُ : يَمْنَعُ مُطْلَقًا .
وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ( و م ر ) كَزَكَاةِ الْمَالِ ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ عَكْسَهُ ، ( و ش هـ ر ) لِتَأَكُّدِهَا ، كَالنَّفَقَةِ وَكَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ .

وَلَا تَجِبُ إلَّا بِغُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ ، فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ مَلَكَ عَبْدًا فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ ، نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ( و ش م ر ) وَعَنْهُ : يَمْتَدُّ وَقْتُ الْوُجُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ مَعْنَاهُ ، وَعَنْهُ : تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْهُ ( و هـ م ر ق ) وَعَنْهُ : وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ ، ذَكَرَهَا فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَيْسَرَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا فِطْرَةَ ( و ) وَعَنْهُ : يُخْرِجُ مَتَى قَدَرَ ، وَعَنْهُ : إنْ أَيْسَرَ أَيَّامَ الْعِيدِ ، وَإِلَّا فَلَا .

وَمَتَى وُجِدَ قَبْلَ الْوُجُوبِ ، مَوْتٌ وَنَحْوُهُ فَلَا فِطْرَةَ ( و ) وَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ ( و ) ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( ع ) فِي عِتْقِ عَبْدٍ .

وَالْفِطْرَةُ فِي عَبْدٍ مَوْهُوبٍ وَمُوصٍ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ وَقْتَ الْوُجُوبِ ، وَكَذَا الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ ، كَمَقْبُوضٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُفْسَخْ فِيهِ الْعَقْدُ ، ( و ) وَكَمَا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ ( و ) وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا دُونَ نَفْعِهِ فَهَلْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ ؟ أَوْ عَلَى مَالِكِ نَفْعِهِ ؟ أَوْ فِي كَسْبِهِ ؟ فِيهِ الْأَوْجُهُ فِي نَفَقَتِهِ ( م 4 ) وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ ، لِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ فِيهِ ، وَقِيلَ : هِيَ كَنَفَقَتِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا دُونَ نَفْعِهِ فَهَلْ فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ ؟ أَوْ عَلَى مَالِكِ نَفْعَهُ ؟ أَوْ فِي كَسْبِهِ ؟ فِيهِ الْأَوْجُهُ فِي نَفَقَتِهِ ، انْتَهَى .
وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا الْخِلَافَ فِي نَفَقَتِهِ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ ، وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهَا عَلَى مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ ، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَكَذَا الصَّحِيحُ هُنَا وُجُوبُهَا عَلَى مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ ، أَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ ، قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ ، لِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ فِيهِ ، وَحَكَوْا الْأَوَّلَ قَوْمٌ ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ .

فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ إنْ قَدَرَ ( و ) فَيُؤَدِّي عَنْ عَبْدِهِ ، لِلْأَخْبَارِ ، خِلَافًا لِدَاوُدَ ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ ، حَتَّى الْمَرْهُونُ ، وَعَنْ دَاوُد أَيْضًا : تَلْزَمُهُ ، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ تَمْكِينُهُ مِنْ كَسْبِهَا ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُضَارِبِ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) كَزَكَاةِ التِّجَارَة ، وَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، كَنَفَقَتِهِ ، لَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ( م ش ) ؛ لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعٌ مِنْهَا بِقَدْرِ الْفِطْرَةِ ، كَمَا سَبَقَ ، وَيُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) وَعَنْ خَادِمِهَا إنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ ( هـ ) وَقِيلَ : لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ : وَيُؤَدِّي عَنْ عَبْدِهِ إنْ لَمْ يُمْلَكْ بِالتَّمْلِيكِ ، وَإِنْ مُلِكَ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ ( و م ق ) لِعَدَمِ مِلْكِ السَّيِّدِ الْأَعْلَى وَنَقَصَ مِلْكُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ، وَقِيلَ : يَلْزَمُ السَّيِّدُ الْحُرُّ ، كَنَفَقَتِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ ، وَحَكَى عَنْ أَحْمَدَ .

وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أَوْ ظِئْرًا بِطَعَامِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أُجْرَةٌ بِالشَّرْطِ ، كَالْأَثْمَانِ ، وَقِيلَ : تَلْزَمُهُ ، كَنَفَقَتِهِ ، وَكَذَا الضَّيْفُ ( و ) وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : تَجِبُ عَلَيْهِ عَمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَكُلُّ مَنْ تَجْرِي عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : كُلُّ مَنْ فِي عِيَالِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ .

وَتَلْزَمُهُ فِطْرَةُ أَبَوَيْهِ ( هـ ) وَإِنْ عَلَوَا ( م ) وَوَلَدُهُ الْكَبِيرُ ( هـ ) كَالصَّغِيرِ ( و ) وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ كَافِرٍ وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ ( هـ ) نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ ( و ) لِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : تَلْزَمُهُ ، اخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَكُلُّ

كَافِرٍ لَزِمَهُ نَفَقَةُ مُسْلِمٍ فَفِي فِطْرَتِهِ الْخِلَافُ .
وَالتَّرْتِيبُ فِي الْفِطْرَةِ كَالنَّفَقَةِ ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ بِرَقِيقِهِ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ عَلَيْهَا ، لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَخْرُجُ مَعَ الْقُدْرَةِ ، ثُمَّ بِأُمِّهِ ، ثُمَّ بِأَبِيهِ ، وَقِيلَ : عَكْسُهُ ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَقِيل بِتَسَاوِيهِمَا ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَقَدَّمَهُ آخَرُونَ ، وَذَكَرَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَقِيلَ : مَعَ صِغَرِهِ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ الْوَلَدُ عَلَى الزَّوْجَةِ ، وَقِيلَ : الصَّغِيرُ عَلَيْهَا وَعَلَى عَبْدٍ ، ثُمَّ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ ، وَقِيلَ : تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ ، وَقِيلَ : يُخَيَّرُ .

وَمَنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ شَهْرَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { عَمَّنْ تَمُونُونَ } رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ آبَائِهِ مَرْفُوعًا .
وَكَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، وَاعْتُبِرَ جَمِيعُ الشَّهْرِ تَقْوِيَةً لِنَفَقَةِ التَّبَرُّعِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَلْزَمُهُ إذَا مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ كَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً قَبْلَ الْغُرُوبِ ، وَمَعْنَاهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالرَّوْضَةِ ، وَعَنْهُ : لَا تَلْزَمُهُ ( و ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ وَقَالَ : يُحْمَلُ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ ، بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا لِمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ ، وَقَدْ تَعَذَّرَتْ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ مَانَهُ جَمَاعَةٌ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجِبَ ، لِعَدَمِ مُؤْنَةِ الشَّهْرِ مِنْ وَاحِدٍ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبَ فِطْرَتُهُ بِالْحِصَصِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَك ( 5 م )
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ شَهْرَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ مَانَهُ جَمَاعَةٌ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجِبَ ، لِعَدَمِ مُؤْنَةِ الشَّهْرِ مِنْ وَاحِدٍ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبَ فِطْرَتُهُ بِالْحِصَصِ ، كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهَيْنِ ، أَحَدَهُمَا لَا تَجِبُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
وَالْقَوْلَ الثَّانِيَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ

وَمَنْ عَجَزَ عَنْ فِطْرَةِ زَوْجَتِهِ أَخْرَجَتْ الْحُرَّةُ عَنْ نَفْسِهَا ، وَسَيِّدُ الْأَمَةِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ ، وَقِيلَ : لَا تَجِبُ ، كَالنَّفَقَةِ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ كَالنَّفَقَةِ ؟ أَمْ لَا كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ ( م 6 )
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ عَجَزَ عَنْ فِطْرَةِ زَوْجَتِهِ أَخْرَجَتْ الْحُرَّةُ عَنْ نَفْسِهَا ، وَسَيِّدُ الْأَمَةِ عَنْهَا ، كَالْمَعْدُومِ ، وَقِيلَ : لَا تَجِبُ ، كَالنَّفَقَةِ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ كَالنَّفَقَةِ ؟ أَمْ لَا كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ السُّقُوطُ ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، لِأَنَّ فِطْرَةَ نَفْسِهِ آكَدُ ، وَقَدْ سَقَطَتْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَعَلَى الْأَوَّلِ : هَلْ تَرْجِعُ الْحُرَّةُ وَالسَّيِّدُ عَلَى الزَّوْجِ كَالنَّفَقَةِ ؟ أَمْ لَا كَفِطْرَةِ الْقَرِيبِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 7 )
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ تَرْجِعُ الْحُرَّةُ وَالسَّيِّدُ عَلَى الزَّوْجِ ؟ كَالنَّفَقَةِ ، أَمْ لَا كَفِطْرَةِ الْقَرِيبِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، أَحَدَهُمَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْحُرَّةُ فِي الْأَقْيَسِ إنْ أَيْسَرَ بِالنَّفَقَةِ ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ السَّيِّدِ : يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ الْحُرِّ ، فِي وَجْهٍ ، انْتَهَى ، وَالْوَجْهَ الثَّانِيَ لَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَفِطْرَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ قِيلَ : عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً ، وَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ، وَقِيلَ : تَجِبُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ ، كَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ ، قَالَ الشَّيْخُ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، كَالنَّفَقَةِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْلِيقِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ، أَوْ أَنَّ سَيِّدَهُ مُعْسِرٌ ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَقُلْنَا نَفَقَةُ زَوْجَةِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ فَفِطْرَتُهَا عَلَيْهِ ( م 8 )
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَفِطْرَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ قِيلَ : عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً ، وَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ وَقِيلَ : تَجِبُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ ، كَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ ، قَالَ الشَّيْخُ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، كَالنَّفَقَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَلُّقِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ، أَوْ أَنَّ السَّيِّدَ مُعْسِرٌ ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَقُلْنَا نَفَقَةُ زَوْجَةِ عَبْدِهِ وَعَلَيْهِ فَفِطْرَتُهَا عَلَيْهِ ، انْتَهَى ، وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، الْأَوَّلُ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ : وَيُزَكِّي السَّيِّدُ عَنْ أَمَتِهِ تَحْتَ أَحَدِهِمَا ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : وَيُخْرِجُ السَّيِّدُ عَنْ أَمَتِهِ تَحْتَ أَحَدِهِمَا ، يَعْنِي الْعَبْدَ وَالْمُعْسِرَ ، فِي الشَّهْرِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : هَذَا أَصَحُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .

وَمَنْ تُسْلِمُ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ لَيْلًا فَقَطْ ، فَقِيلَ : فِطْرَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا ، لِقُوَّةِ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي تَحَمُّلِ الْفِطْرَةِ ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : بَيْنَهُمَا ، كَالنَّفَقَةِ ( م 9 ) .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ تُسْلِمُ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ لَيْلًا فَقَطْ ، فَقِيلَ : فِطْرَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا ، لِقُوَّةِ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي تَحَمُّلِ الْفِطْرَةِ ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : بَيْنَهُمَا ، كَالنَّفَقَةِ ، وَانْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَالَ إلَيْهِ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهُ .

وَمَنْ زَوَّجَ قَرِيبَهُ وَلَزِمَهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْجَنِينِ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( و ) ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ أَنَّ الصَّاعَ يُجْزِئُ عَنْ الْأُنْثَى مُطْلَقًا ، وَكَأَجِنَّةِ السَّائِمَةِ ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ : تَجِبُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، لِفِعْلِ عُثْمَانَ ، قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَحْسَنَهُ ، صَارَ وَلَدًا ، وَلِلْعُمُومِ .
وَتَلْزَمُهُ فِطْرَةُ الْبَائِنِ الْحَامِلِ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا عَنْ الْجَنِينِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ ، وَفِي أُمِّهِ وَجْهَانِ ، كَذَا قَالَ .

وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ ( هـ ) أَوْ عَبْدَيْنِ هـ ) وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ ( هـ ) وَمَنْ وَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَيَجِبُ صَاعٌ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ ( و م ش ) ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْوَاحِدِ صَاعًا ، فَأَجْزَأَهُ ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ كَغَيْرِهِ ، وَكَمَاءِ طَهَارَتِهِ .
وَعَنْهُ : عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا صَاعٌ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ ، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : إنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُ السَّيِّدُ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَعَنْ مَالِكٍ كَهَذَا ، وَعَنْهُ أَيْضًا : كُلُّهَا عَلَى مَالِكٍ بَاقِيهِ ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ عِنْدَهُ لَهُ ، فَهُوَ كَمُكَاتَبٍ .

وَلَا تَدْخُلُ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ ، كَالصَّلَاةِ ، وَمَنْ عَجَزَ عَمَّا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ قِسْطُهُ ، كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ ، لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قِسْطُهُ ، فَإِنْ كَانَ يَوْمَ الْعِيدِ نَوْبَةُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ نِصْفُهُ مَثَلًا اُعْتُبِرَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ قُوتِهِ نِصْفُ صَاعٍ ، وَإِنْ كَانَ نَوْبَةُ سَيِّدِهِ لَزِمَ الْعَبْدَ نِصْفُ صَاعٍ ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ : تَدْخُلُ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ ، بِنَاءً عَلَى دُخُولِ كَسْبٍ نَادِرٍ فِيهَا ، كَالنَّفَقَةِ فَلَوْ كَانَ يَوْمَ الْعِيدِ [ نَوْبَةُ الْعَبْدِ ] وَعَجَزَ عَنْهَا لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْهَا .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : تَلْزَمُهُ إنْ وَجَبَتْ بِالْغُرُوبِ فِي نَوْبَتِهِ ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ ، وَإِنْ كَانَ نَوْبَةُ السَّيِّدِ وَعَجَزَ [ عَنْهَا ] أَدَّى الْعَبْدُ قِسْطَ حُرِّيَّتِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ ، كَمُوسِرَةٍ تَحْتَ مُعْسِرٍ .

وَإِنْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ وَلَدًا بِاثْنَيْنِ فَكَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، جَزَمَ بِهِ [ الْأَصْحَابُ ] مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، وَتَبِعَ ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ : يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ صَاعٌ ، وَجْهًا وَاحِدًا ، وِفَاقًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، ثُمَّ خَرَجَ خِلَافُهُ مِنْ عِنْدِهِ ، وِفَاقًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَلَا نَصَّ فِيهَا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : كَمَنْ قَالَ : النَّسَبُ لَا يَتَبَعَّضُ ، فَيَصِيرُ ابْنًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلِهَذَا يَرِثُ كُلًّا مِنْهُمَا ، قَالَ : افْتِرَاقُ النَّسَبِ وَالْمِلْكِ فِي هَذَا لَا يُوجِبُ فَرْقًا بَيْنَهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا ، كَمَا لَمْ يُوجِبْهُ فِي النَّفَقَةِ ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَبَعَّضْ النَّسَبُ تَبَعَّضَتْ أَحْكَامُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُمَا أَخْرَجَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ صَاعًا .

وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنٍ مَنْ لَزِمَتْهُ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ بِلَا إذْنِهِ زَادَ فِي الِانْتِصَارِ : وَنِيَّتُهُ فَوَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ هَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا عَنْ الْغَيْرِ لِكَوْنِهَا طُهْرَةً لَهُ ؟ أَوْ أَصِيلًا ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 10 )

( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ مَنْ لَزِمَتْهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ بِلَا إذْنِهِ زَادَ فِي الِانْتِصَارِ : وَنِيَّتِهِ فَوَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ هَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا عَنْ الْغَيْرِ لِكَوْنِهَا طُهْرَةً لَهُ ؟ أَوْ أَصِيلًا ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدَهُمَا يُجْزِئُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : أَجْزَأَهُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُتَحَمِّلًا لَا أَصِيلًا ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَالْوَجْهَ الثَّانِيَ : لَا يُجْزِئُهُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَصِيلًا لَا مُتَحَمِّلًا .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ هَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا عَنْ الْغَيْرِ لِكَوْنِهَا طُهْرَةً لَهُ ؟ أَوْ أَصِيلًا ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ : إنْ أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ : إنْ قُلْنَا الْقَرِيبُ وَالزَّوْجُ مُتَحَمِّلَانِ جَازَ ، وَإِنْ قُلْنَا هُمَا أَصِيلَانِ فَلَا ، انْتَهَى .
فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ عَدَمُ الْبِنَاءِ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، لِعَدَمِ بِنَائِهِمْ .

وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ مَعَ قُدْرَتِهِ لَمْ يُلْزَمْ الْغَيْرُ شَيْئًا : وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْإِخْرَاجِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ كَنَفَقَتِهِ ، وَهَلْ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 11 ) وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا وَلَا اقْتِرَاضُهُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ مَعَ قُدْرَتِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْغَيْرُ شَيْئًا وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْإِخْرَاجِ ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهَلْ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ ، أَحَدَهُمَا لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ ، أَيْ نِيَّةُ الَّذِي لَزِمَتْهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهَ الثَّانِيَ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ ( قُلْت ) : يَحْتَمِلُ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ أَصِيلٌ أَوْ مُتَحَمِّلٌ ؟ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ أَصِيلٌ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ أَخْرَجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَقِيلَ : إنْ مَلَكَهُ السَّيِّدُ مَالًا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ ، فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ .
فَيُخْرِجُ الْعَبْدُ عَنْ عَبْدِهِ مِنْهُ ، وَمَنْ أَخْرَجَ عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ : هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ .

وَإِنْ شَكَّ فِي حَيَاةِ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ ، وَكَالنَّفَقَةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ تَلْزَمُهُ ( و ش ) لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالشَّكِّ ، وَالْكَفَّارَةُ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ ، فَلَا تَسْقُطُ مَعَ الشَّكِّ فِي حَيَاتِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ أَخْرَجَ ، لِمَا مَضَى ، كَمَالِ غَائِبٍ بَانَتْ سَلَامَتُهُ ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ : عَنْ الْقَرِيبِ ، كَالنَّفَقَةِ ، وَرَدَ بِوُجُوبِهَا ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ إيصَالُهَا كَتَعَذُّرِهِ بِحَبْسٍ وَمَرَضٍ ، وَسَقَطَتْ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ .

وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ ، لِلْعُمُومِ ، وَلِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ ، بِدَلِيلِ رُجُوعِ مَنْ رَدَّ الْآبِقَ بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ يَحْتَمِلُ ، وَهُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ : لَا تَجِبُ ( و هـ م ) وَلَوْ ارْتَجَى عَوْدَ الْآبِقِ ( م ) وَإِنَّهَا إنْ وَجَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : أَوْ يَعْلَمَ مَكَانَ الْآبِقِ ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ مَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا ، كَنُشُوزٍ وَصِغَرٍ وَغَيْرِهِ ( و م ش ) خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُمْتَنِعَةِ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا ابْتِدَاءً .
وَتَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَرِيضَةٍ وَنَحْوِهَا لَا تَحْتَاجُ نَفَقَةً .

وَمَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَقِيلَ يُخْرِجُهَا مَكَانَهُمَا ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ وِفَاقًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا كَمَالٍ مُزَكًّى فِي غَيْرِ بَلَدِ مَالِكِهِ ، وَقِيلَ : مَكَانَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ( م 12 ) ( و هـ م ) كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ [ ( و ) ] ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ ، لِتَعَدُّدِ الْوَاجِبِ بِتَعَدُّدِهِ ، وَاعْتُبِرَ لَهَا الْمَالُ كَشَرْطِ الْقُدْرَةِ ، وَلِهَذَا لَا تَزْدَادُ بِزِيَادَتِهِ ، وَلَا تَلْزَمُ الْفِطْرَةُ مِنْ نَفَقَتِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِنْفَاقٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ إيصَالُ الْمَالِ فِي حَقِّهِ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، أَوْ لَا مَالِكَ لَهُ [ وَالْمُرَادُ ] : مُعَيَّنٌ ، كَعَبِيدِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَالْفَيْءِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَقِيلَ : يُخْرِجُهَا مَكَانَهُمَا ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَقِيلَ : مَكَانَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْن تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا يُخْرِجُهَا مَكَانَهُ ، أَعْنِي مَكَانَ الْمُخْرِجِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَام كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ عَزَاهُ الْمَجْدُ إلَى النَّصِّ ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يُخْرِجُهَا مَكَانَهُمَا ، ( قُلْت ) : وَفِيهِ عُسْرٌ وَمَشَقَّةٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .

فَصْلٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ قَدْرَهَا ( و ) قَالَ أَحْمَد : يُخْرِجُ قَبْلَهَا .
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : الْأَفْضَلُ [ أَنْ تُخْرَجَ ] إذَا خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى ، وَفِي الْكَرَاهَةِ بَعْدَهَا وَجْهَانِ ، وَالْقَوْلُ بِهَا أَظْهَرُ ، لِمُخَالِفَةِ الْأَمْرِ ( م 13 ) وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ ، لَا سِيَّمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ هَذَا الْيَوْمَ } وَقِيلَ : تَحْرُمُ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْمَأَ إلَيْهِ ، وَيَكُونُ قَضَاءٌ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ ( خ ) قَالَ الْأَصْحَابُ [ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ] وَهِيَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَذَكَرُوا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ : { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : كَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا أَوْ بَقَاءُ بَعْضِهَا إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ بِأَكْثَرَ لِفَوَاتِ الْإِغْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْيَوْمِ ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَ سَبَبُهَا وَأَقْوَى جُزْأَيْ سَبَبِهَا ، كَمَنْعِ التَّقْدِيمِ [ عَلَى النِّصَابِ ، كَذَا ذَكَرُوا ، وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِخْرَاجِ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ ، خَرَجَ مِنْهُ التَّقْدِيمُ ] ، بِالْيَوْمَيْنِ لِفِعْلِهِمْ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ مَنْعُ التَّقْدِيمِ عَلَى السَّبَبِ الْوَاحِدِ ، وَجَوَازُهُ عَلَى أَحَدِ السَّبَبَيْنِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ ، عَلَى

مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ ، وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ الْحَنَفِيِّ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الْمَنْعُ قَبْلَ وُجُوبِهَا إلَّا إلَى نَائِبِ الْإِمَامِ لِيُقَسِّمَهَا فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَتَجُوزُ بِأَيَّامٍ ، وَقِيلَ : بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَحَكَى رِوَايَةً جَعَلَا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ ، وَقِيلَ : بِشَهْرٍ ( و ش ) لَا أَكْثَرُ ( هـ ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مِنْهُ ، كَزَكَاةِ الْمَالِ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُخْرَجَ إذَا خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى ، وَفِي الْكَرَاهَةِ بَعْدَهَا وَجْهَانِ ، وَالْقَوْلُ بِهَا أَظْهَرُ ، لِمُخَالِفَةِ الْأَمْرِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدَهُمَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْكَافِي وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ : كَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي .

وَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ أَثِمَ ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِمَا سَبَقَ ( و ) وَعَنْهُ ، لَا يَأْثَمُ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ : أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْكَحَّالِ : فَإِنْ أَخَّرَهَا ؟ قَالَ : إذَا أَعَدَّهَا لِقَوْمٍ .

فَصْلٌ يَجِبُ صَاعٌ عِرَاقِيٌّ مِنْ بُرٍّ ، وَمِثْلُهُ مَكِيلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ التَّمْرُ ( ع ) وَالزَّبِيبُ ( و ) وَالشَّعِيرُ ( ع ) وَالْأَقِطُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَفِي آخَرِ الْغُسْلِ وَفِي زَكَاةِ الْمُعْشِرَاتِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ التَّمْرِ ، وَيُحْتَاطُ فِي الثَّقِيلِ ، لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ ، وَلَا يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفِيهِ : { أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ } وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ ، لَا سِيَّمَا فِي الزُّهْرِيِّ ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ [ عَنْ الزُّهْرِيِّ ] عَنْ ابْنِ صَغِيرٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا { أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَا { صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ } وَالنُّعْمَانُ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ بِصَحِيحٍ إنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ يَرْوِيهِ مَعْمَرُ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا ، مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ ابْنُ صُعَيْرٍ مَرْفُوعًا ، وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، وَقَالَ : وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَإِنَّهُ يَقْتَضِيهِ مَا نَفَلَهُ الْأَثْرَمُ ( و هـ ) كَذَا قَالَ ، مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ عَنْ الصَّاعِ : نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، فَقَالَ : صَاعٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ } وَلَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْهُ ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ ، لَكِنْ عِنْدَهُ مُرْسَلَاتُ الْحَسَنِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الثِّقَاتُ صِحَاحٌ ، وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ

إلَيْهِ ، وَكَذَا نَقَلَ مُهَنَّا : هِيَ صَحِيحَةٌ ، مَا نَكَادُ نَجِدُهَا إلَّا صَحِيحَةً ، وَالْأَشْهَرُ لَا يَحْتَجُّ بِهَا ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ صَاعٌ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ { مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ } ، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ سِوَاهُ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ } وَفِيهِ سَالِمُ بْنُ نُوحٍ ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : مَا بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ، وَلِأَبِي دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ } .
وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْجُوزَجَانِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا : أَنَّ أَخْبَارَ نِصْفِ صَاعٍ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا ذَكَرُوا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : { كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ، حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ : إنِّي لَأَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ .
} .
وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْهُ : { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ } .
وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً مَكَانَ صَاعٍ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَعَنْ ( هـ ) رِوَايَةٍ يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعِ زَبِيبٍ ، وَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ صَاعٍ فَأَجْرُهُ أَكْثَرُ ، وَحَكَى لِأَحْمَدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ : سَمِعَتْ

مَالِكًا يَقُولُ : لَا يَزِيدُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ خَمْسًا ، فَغَضِبَ أَحْمَدُ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ ، وَيُجْزِئُ أَحَدُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُوتُهُ ، خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ : يُجْزِئُ مَنْ قُوتُهُ الشَّعِيرُ إخْرَاجُ الْبُرِّ ، لَا الْعَكْسُ ، وَمَذْهَبُ ( م ) يُعْتَبَرُ الْإِخْرَاجُ مِنْ جُلِّ قُوتِ الْبَلَدِ ، وَيُجْزِئُ دَقِيقُ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ بِزِيَادَةٍ انْفَرَدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، { أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ } قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ : إنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ ، قَالَ : بَلَى ، هُوَ فِيهِ ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ : [ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ ] : أَنْكَرُوهُ عَلَى سُفْيَانَ فَتَرَكَهُ سُفْيَانُ ، [ قَالَ أَبُو دَاوُد ] وَهِيَ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : بَلْ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ ؛ لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَتَهُ كَثَمَرٍ نُزِعَ حَبُّهُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : يُجْزِئُ كَمَا يُجْزِئُ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ نُزِعَ حَبُّهُ ، وَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ ( و م ش ) وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَالْمُحَرَّرِ فِي السَّوِيقِ ، وَصَاعُهُ بِوَزْنِ حَبِّهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ ، وَيُجْزِئُ بِلَا نَخْلٍ ، وَقِيلَ : لَا كَمَا لَا يُكَمَّلُ تَمْرٌ بِنَوَاهُ الْمَنْزُوعِ .

وَيُجْزِئُ أَقِطٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَعَنْهُ : يُجْزِئُ لِمَنْ يَقْتَاتُهُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ( و م ش ) وَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ( و ق ) فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي اللَّبَنِ غَيْرِ الْمَخِيضِ وَالْجُبْنِ أَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ يُجْزِئُ اللَّبَنُ لَا الْجُبْنُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، وَاَلَّذِي وَجَدَتْهُ عَنْهُ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ : صَاعُ لَبَنٍ ؛ لِأَنَّ الْأَقِطَ رُبَّمَا ضَاقَ ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجُبْنِ ، وَالرَّابِعُ يُجْزِئُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَ الْجُبْنُ ، لَا اللَّبَنُ ( م 14 ) وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهَا ، كَالدِّبْسِ و ) وَالْمَصْلِ ( و ) وَكَذَا الْخُبْزِ ، نَصَّ عَلَيْهِ [ ( و ) ] وَقَالَ : أَكْرَهُهُ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : يُجْزِئُ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ إنْ جَازَ الْأَقِطُ ، و إلَّا الْقِيمَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ ( و هـ ) : وَقِيلَ يُجْزِئُ كُلُّ مَكِيلٍ مَطْعُومٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَقَدْ أُومِئَ إلَيْهِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { صَاعًا مِنْ طَعَامٍ } وَقُوتُ بَلَدِهِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي الْمَنْعِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : يُجْزِئُ قُوتُ بَلَدِهِ ، مِثْلُ الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ ، وَقَالَهُ ( م ش ) فِي كُلِّ حَبٍّ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ .

( مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَيُجْزِئُ أَقِطٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فَعَلَيْهِ فِي اللَّبَنِ غَيْرُ الْمَخِيضِ وَالْجُبْنِ أَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ يُجْزِئُ اللَّبَنُ لَا الْجُبْنُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَالرَّابِعُ يُجْزِئُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَ الْجُبْنُ لَا اللَّبَنُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَابْنِ تَمِيمٍ ، وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأَوَّلَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَانِ فِي الزَّرْكَشِيّ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَجْزَأَ اللَّبَنُ لَا الْجُبْنُ ، أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ مُطْلَقًا ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِئُ مُطْلَقًا ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يُجْزِئُ اللَّبَنُ لَا الْجُبْنُ .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَجْزَأَ إخْرَاجُ اللَّبَنِ دُونَ الْجُبْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَهُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ " قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ .
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يُجْزِئُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ " وَهُوَ قَوِيٌّ ، قَالَ فِي الْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ : إذَا قُلْنَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ مُطْلَقًا ، فَإِذَا عَدِمَهُ أَخْرَجَ عَنْهُ اللَّبَنَ ، قَالَ الْقَاضِي : إذَا عَدِمَ الْأَقِطَ وَقُلْنَا لَهُ إخْرَاجُهُ جَازَ لَهُ إخْرَاجُ اللَّبَنِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ : إذَا لَمْ يَجِدْ الْأَقِطَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يُجْزِئُ وَأَخْرَجَ عَنْهُ اللَّبَنَ أَجْزَأَهُ ، لِأَنَّ الْأَقِطَ مِنْ اللَّبَنِ ، لِأَنَّهُ مُجَمَّدٌ مُجَفَّفٌ بِالْمَصْلِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ : أَنَّهُ أَكْمَلُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي

الْمُسْتَوْعِبِ ، وَرَدَّ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ قَوْلَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ ، فَقَالَا : وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْمَلَ مِنْ الْأَقِطِ لَجَازَ إخْرَاجُهُ مَعَ وُجُودِهِ ، وَلِأَنَّ الْأَقِطَ أَكْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ مِنْ وَجْهٍ ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ حَالَةِ الْإِدْخَارِ ، لَكِنْ يَكُونُ حُكْمُ اللَّبَنِ وَالْجُبْنِ حُكْمَ اللَّحْمِ يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا ، عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ، الْقَوْلُ الْخَامِسُ إجْزَاءُ إخْرَاجِ الْجُبْنِ لَا اللَّبَنِ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ ( قُلْت ) : وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عَكْسِهِ ، وَأَقْرَبُ إلَى الْأَقِطِ مِنْ اللَّبَنِ .

وَيُخْرِجُ مَعَ عَدَمِ الْأَصْنَافِ صَاعُ حَبٍّ أَوْ ثَمَرٍ يُقْتَاتُ ، عِنْدَ الْخِرَقِيِّ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَمَعْنَاهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا صَاعٌ ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ : إنَّهُ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : بِالْبَلَدِ غَالِبًا ، وَقِيلَ : يُجْزِئُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ : يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ ، كَلَحْمٍ وَلَبَنٍ ، وَقِيلَ : لَا يَعْدِلُ عَنْهُمَا بِحَالٍ ( م 15 ) وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ : يَتَعَيَّنُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى أَعْلَى مِنْهُ ،

( مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ : وَيُخْرِجُ مَعَ عَدَمِ الْأَصْنَافِ صَاعَ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ يُقْتَاتُ ، عِنْدَ الْخِرَقِيِّ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَمَعْنَاهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ عَنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ : إنَّهُ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : بِالْبَلَدِ غَالِبًا ، وَقِيلَ : يُجْزِئُ مَا يَقُومُ مَقَامُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ [ مَكِيلًا ] وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ : يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ ، كَلَحْمٍ وَلَبَنٍ ، وَقِيلَ : لَا يَعْدِلُ عَنْهُمَا بِحَالٍ ، انْتَهَى .
قَوْلُ الْخِرَقِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَقْيَسُ ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ ، زَادَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ : مَا يَقْتَاتُ غَالِبًا ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : بِالْبَلَدِ غَالِبًا ، وَقَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ .

وَلَا يُجْزِئُ مَعِيبٌ ، كَحَبٍّ مُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ ، لِلْآيَةِ ( و ) فَإِنْ خَالَطَهُ مَا لَا يُجْزِئُ فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَإِنْ قَلَّ زَادَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا ، لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَاجِبٌ تَنْقِيَةُ الطَّعَامِ ، وَيُجْزِئُ صَاعٌ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِتَقَارُبِ ، مَقْصُودِهَا أَوْ اتِّحَادِهِ ، وَقَاسَ الشَّيْخُ عَلَى فِطْرَةِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِيهَا ، يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرُجُ مِنْ الْكَفَّارَةِ : لَا يُجْزِئُ ، لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ ( و ) إلَّا أَنْ نَقُولَ بِالْقِيمَةِ ( و هـ )

وَالتَّمْرُ أَفْضَلُ ، مُطْلَقًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ ، وَالْبُرُّ أَفْضَلُ ، فَقَالَ : إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَاحْتَجَّ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا ، وَأَقَلُّ كُلْفَةً ، ثُمَّ قِيلَ : الزَّبِيبُ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : الْبُرُّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ( و م ) لَا مُطْلَقًا ( ش ) وَقِيلَ : الْأَنْفَعُ ، لَا مُطْلَقًا ( هـ ) وَعَنْهُ : الْأَقِطُ أَفْضَلُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إنْ كَانَ قُوتَهُمْ ، وَقِيلَ : قُوتُ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ( م 16 ) .

مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَالتَّمْرُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قِيلَ : الزَّبِيبُ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : الْبُرُّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَقِيلَ : الْأَنْفَعُ وَعَنْهُ : الْأَقِطُ أَفْضَلُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إنْ كَانَ قُوتَهُمْ ، وَقِيلَ : قُوتُ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ، انْتَهَى الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الزَّبِيبِ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ التَّمْرِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ : وَالْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الزَّبِيبُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ قَدْ شَابَهُ التَّمْرُ بِحَيْثُ إنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَمَنَافِعِهِ ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : الْبُرُّ أَفْضَلُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّى كَلَامَهُ فِي الْمُقْنِعِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِ ، وَقِيلَ : الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ ( قُلْت ) : لَوْ قِيلَ : إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلُ فِي بَلَدِهِ وَمَحَلَّتِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ ، كَمَا قَالُوا فِي الْمُفَاضِلِ بَيْنَ تَمْرِ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَأَطْلَقَ الثَّالِثَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .

وَتُصْرَفُ فِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ ، لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمْ .
وَفِي الْفُنُونِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا : يُدْفَعُ إلَى مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَلْزَمُهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْكَفَّارَةَ [ وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَةٍ ، لَا فِي الْمُؤَلَّفَةِ وَالرِّقَابِ ] وَغَيْرِ ذَلِكَ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، وَيَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى جَمَاعَةٍ ، وَآصُعٍ إلَى وَاحِدٍ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عَنْ مُدَبِّرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : الْأَفْضَلُ تَفْرِقَةُ الصَّاعِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَعَنْهُ : الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدَ عَنْ صَاعٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، لِلْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ نَقْلِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَوْ فَرَّقَ فِطْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى جَمَاعَةٍ لَمْ تُجْزِئْهُ ، كَذَا قَالَ .

وَيَأْتِي هَلْ إخْرَاجُ فِطْرَتِهِ أَفْضَلُ أَمْ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ ؟ وَمَنْ أَعْطَاهَا فَقِيرًا فَرَدَّهَا إلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ ، أَوْ حَصَلَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَسَّمَهَا فَعَادَتْ إلَى إنْسَانٍ فِطْرَتُهُ ، جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا ، كَشِرَائِهَا ( م 17 ) وَسَبَقَتْ فِي الزَّكَاةِ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَرِوَايَةُ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ : مَا أَحْسَنَ مَا كَانَ عَطَاءٌ يَفْعَلُ ، يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَتَّى مَاتَ ، وَهَذَا تَبَرُّعٌ .
( مَسْأَلَةٌ 17 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ أَعْطَى فَقِيرًا فَرَدَّهَا إلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ ، أَوْ حَصَلَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَسَّمَهَا فَعَادَ إلَى إنْسَانٍ فِطْرَتُهُ ، جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا ، كَشِرَائِهَا ، انْتَهَى .
الصَّحِيحُ قَوْلُ الْقَاضِي ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : مَنْ رَدَّ الْفَقِيرُ إلَيْهِ فِطْرَتَهُ جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ ، وَصَحَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ مَعَ تَقْدِيمِهِ لَهُ جَوَازَ إعْطَاءِ الْإِمَامِ الْفَقِيرَ زَكَاتَهُ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ ، ذَكَرُوهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الرِّكَازِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ هُنَاكَ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا ، وَيَأْتِي أَيْضًا هَذَا قُبَيْلَ بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْضُ تَكْرَارٍ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأَخِيرَةِ فِي الْفَائِقِ أَيْضًا ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ ، وَقِيلَ فِي التَّحْرِيمِ ، انْتَهَى .
فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِتَصْحِيحِهَا .

بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَتْهُ تَأْخِيرُ إخْرَاجِهَا عَنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْفَوْرِ ، وَلِأَنَّهَا لِلْفَوْرِ بِطَلَبِ السَّاعِي ( و ) فَكَذَا بِطَلَبِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَعَيْنٍ مَغْصُوبَةٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : بَلْ أَوْلَى ، وَلِئَلَّا يَخْتَلَّ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الزَّكَاةِ ، وَلِهَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ قُلْنَا بِهِ هُنَا ، وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْفَوْرِ ( و هـ ) لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ كَالْمَكَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إذَا خَشَى ضَرَرًا مِنْ عَوْدِ السَّاعِي ، وَكَذَا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَنَحْوِهِ ، كَمَا يَجُوزُ لِدَيْنِ الْآدَمِيِّ ، وَلِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي التَّأْخِيرُ لِعُذْرِ قَحْطٍ وَنَحْوِهِ ، احْتَجَّ أَحْمَدُ بِفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَاحْتَجَّ [ بَعْضُهُمْ ] بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَبَّاسِ " فَهِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَكَذَا أَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَلِلْمَالِكِ تَأْخِيرُهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لِتَعَذُّرِ إخْرَاجِهَا مِنْ النِّصَابِ لِغِيبَةٍ وَغَيْرِهَا إلَى الْقُدْرَةِ ، قَدَّمَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ .
وَيَحْتَمِلُ لَا إنْ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ تَسْقُطْ بِالتَّلَفِ ، وَيَجُوزُ لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ .
نَقَلَ يَعْقُوبُ : لَا أُحِبُّ تَأْخِيرَهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ قَوْمًا مِثْلَهُمْ فِي الْحَاجَةِ فَيُؤَخِّرَهَا لَهُمْ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : يَجُوزُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ وَاجِبٍ لِمَنْدُوبٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْمَنْعُ ، وَكَذَا قَرِيبٌ .
جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ الْمَنْعَ ، وَجَازَ مِثْلُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : لَهُ أَنْ يُعْطِيَ قَرِيبَهُ كُلَّ شَهْرٍ

شَيْئًا ، وَعَنْهُ : لَا ، وَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ الْأَوْلَى عَلَى تَعْجِيلِهَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ .

وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ إخْرَاجُ زَكَاةٍ عَنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ( و ش ) كَنَفَقَةٍ وَغَرَامَةٍ ، وَعَنْهُ : إنْ خَافَ أَنْ يُطَالَبَ بِذَلِكَ فَلَا ، كَمَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي لَكِنْ يُعْلِمُهُ إذَا بَلَغَ .

فَصْلٌ وَمَنْ مَنَعَهَا جَحْدًا لِوُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ ، وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ عُرِّفَ ، فَإِنْ أَصَرَّ ، أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ كَفَرَ ( ع ) وَلَوْ أَخْرَجَهَا ( ع ) وَقُتِلَ مُرْتَدًّا ( ع ) وَأُخِذَتْ مِنْهُ إنْ كَانَ وَجَبَتْ .
وَإِنْ مَنَعَهَا بُخْلًا أَوْ تَهَاوُنًا أُخِذَتْ مِنْهُ ( و م ش ) كَمَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ ( و ) وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ طَلَبَهُ بِهِ ، فَهُوَ كَالْخَرَاجِ ، بِخِلَافِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ وَالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ ، وَسَبَقَ فِي مَنْعِ دَيْنِ اللَّهِ الزَّكَاةَ ، وَلَا يُحْبَسُ لِيُؤَدِّيَ ( هـ ) لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْ الْمُمْتَنِعِ .
وَيُعَزَّرُ مَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ إمَامٌ أَوْ عَامِلُ زَكَاةٍ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ مَالُهُ بَاطِنًا عَزَّرَهُ إمَامٌ أَوْ مُحْتَسِبٌ فَقَطْ ، كَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ التَّعْزِيرَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : إنْ فَعَلَهُ لِفِسْقِ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا لَمْ يُعَزِّرْهُ ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ( و ش )

وَإِنْ كَتَمَ مَالَهُ أُمِرَ بِإِخْرَاجِهَا وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ قُتِلَ حَدًّا ، عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا [ ( خ ) ] لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ أَظْهَرَ لِإِظْهَارِ الْمَالِ وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا إلَّا بِالْقِتَالِ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُ إنْ وَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً : لَا يَجِبُ إلَّا مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا ، وَلَا يَكْفُرُ بِمُقَاتِلَةِ الْإِمَامِ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( و ) وَعَنْهُ : بَلَى ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْهُ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَأَطْلَقَ آخَرُونَ الرِّوَايَتَيْنِ وَسَبَقَ ذَلِكَ وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ فِي آخَرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ .

وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُمْتَنِعِ مُطْلَقًا زِيَادَةً عَلَى الزَّكَاةِ ( و ) ؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ مَعَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ مِنْ الظَّالِمِ ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا } فِيهِ سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَعَنْ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَعَنْهُ : تُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِثْلُهَا .
ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَالَهُ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ : إذَا مَنَعَ الزَّكَاةَ فَرَأَى الْإِمَامُ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ بِأَخْذِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ ، وَقَدَّمَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ : يُؤْخَذُ مَعَهَا شَطْرُ مَالِهِ .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : يُؤْخَذُ مِنْ خِيَارِ مَالِهِ زِيَادَةً ، وَقَالَهُ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ أَيْضًا ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ رِوَايَةً .
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ، وَعَنْ إِسْحَاقَ كَهَذَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا : شَطْرُ مَالِهِ الزَّكَوِيِّ .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : يُؤْخَذُ مِنْ خِيَارِ مَالِهِ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِشَطْرِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ عَدَدٍ وَلَا سِنٍّ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهَذَا تَكْلِيفٌ ضَعِيفٌ ، وَجْهُ ذَلِكَ مَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ لَا تُفَرَّقُ الْإِبِلُ عَنْ حِسَابِهَا ، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهَا ، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ " شَطْرُ مَالِهِ " وَهَذَا ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ إلَى بَهْزٍ وَبَهْزٌ ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ

: صَالِحٌ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد : هُوَ حُجَّةٌ ، وَقَالَ ، الْبُخَارِيُّ : مُخْتَلِفُونَ فِيهِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ إسْنَادُ إعْرَابِيٍّ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الثِّقَاتِ يَخْتَلِفُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : يُخْطِئُ كَثِيرًا ، فَأَمَّا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فَاحْتَجَّا بِهِ ، وَتَرَكَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا ، وَلَوْلَا حَدِيثُهُ { إنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ } لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَاتِ ، قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ عِنْدِي صَالِحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ ، وَقِيلَ : هُوَ مَنْسُوخٌ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِي النُّصُبِ وَالْأَسْنَانِ عَلَى حَدِيثِ الصِّدِّيقِ ، وَفِيهِ { مَنْ سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطِهِ } وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يُعْمَل بِهِ فِي الْمَانِعِ غَيْرُ الْغَالِّ ( ع ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ عَدْلٍ فِيهَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ زِيَادَةً ، وَأَطْلَقَ آخَرُونَ كَمَسْأَلَةِ التَّعْزِيرِ السَّابِقَةِ .

فَصْلٌ وَمَنْ طُولِبَ بِالزَّكَاةِ فَادَّعَى أَدَاءَهَا أَوْ بَقَاءَ الْحَوْلِ أَوْ نَقْصَ النِّصَابِ أَوْ زَوَالَ مِلْكِهِ أَوْ تَجَدُّدَهُ قَرِيبًا أَوْ أَنَّ مَا بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ أَوْ مُخْتَلَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ ( و ) بِلَا يَمِينٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يَشْرَعُ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَسْأَلُ الْمُتَصَدِّقُ عَنْ شَيْءٍ ، وَلَا يُبْحَثُ ، إنَّمَا يَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ مُجْتَمَعًا ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ : لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا ، كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَّارَةِ ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ ، وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي آخِرِ بَابِ الدَّعَاوَى .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : يُسْتَحْلَفُ فِي الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ( و هـ ش ) وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إنْ اتَّهَمَ ( و م ) وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : إنْ رَأَى الْعَامِلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ فَعَلَ ، وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ مَرَّ بِعَاشِرٍ وَادَّعَى أَنَّهُ عَشَرَهُ آخَرُ ، قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً ، فَإِذَا جَاءَ آخَرُ أَخْرَجَ إلَيْهِ بَرَاءَتَهُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْهُ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْكِتَابَةُ ؟ يَأْتِي فِي مَنْ سَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ، وَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ بِجَائِحَةٍ فَسَبَقَ فِي زَكَاةِ الثَّمَرِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَالِهِ صُدِّقَ ، وَالْمُرَادُ وَفِي الْيَمِينِ الْخِلَافُ .
بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : نَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يُسْأَلُ الْمُتَصَدِّقُ .
صَوَابُهُ الْمُصَدِّقُ ، بِحَذْفِ التَّاءِ وَهُوَ السَّاعِي ، وَقَدْ كَشَطَهَا بَعْضُهُمْ .

فَصْلٌ وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ ( و ) فَيَنْوِي الزَّكَاةَ أَوْ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ أَوْ صَدَقَةَ الْمَالِ أَوْ الْفِطْرِ ، وَلَوْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ ، كَصَدَقَتِهِ بِغَيْرِ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ ( و ) ؛ لِأَنَّ صَرْفَ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ ، فَلَا تَتَعَيَّنُ الزَّكَاةُ إلَّا بِتَعْيِينٍ ، وَظَاهِرُهُ لَا تَكْفِي نِيَّةُ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ صَدَقَةِ الْمَالِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي الزَّكَاةَ ، وَهَذَا مُتَّجَهٌ ، وَالْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي : إنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ الْمُعَيَّنِ أَجْزَأَهُ ، وَكَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ، لِئَلَّا يَلْزَمَهُ بِإِحْسَانِهِ ضَمَانٌ ، فَإِنْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ زَكَاةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ ، عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، لِإِشَاعَةِ الْمُؤَدَّى فِي الْجَمِيعِ ، لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مَحَلٌّ لِلْوُجُوبِ ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْفَرْضِ ، وَلَا تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى عَنْهُ ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَجْهٌ : تُعْتَبَرُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَالُ ، مِثْلُ شَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَأُخْرَى عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ ، وَدِينَارٌ عَنْ نِصَابٍ تَالِفٍ ، وَآخَرُ عَنْ نِصَابٍ قَائِمٍ ، وَصَاعٌ عَنْ فِطْرَةٍ ، وَآخَرُ عَنْ عُشْرٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ أَجْزَأَ عَنْهُ إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ، لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِيهَا ، وَإِنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا جَعَلَهَا لِأَيِّهِمَا شَاءَ ، كَتَعَيُّنِهِ ابْتِدَاءً ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ أَجْزَأَ عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ نَوَى عَنْ الْغَائِبِ فَبَانَ تَالِفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إذًا إلَى غَيْرِهِ ( و ) كَعِتْقٍ فِي كَفَّارَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ تَكُنْ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ ، وَإِنْ نَوَى عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا ، أَوْ نَوَى وَإِلَّا

فَنَفْلٌ ، أَجْزَأَ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَضُرَّ تَقْيِيدُهُ بِهِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يُجْزِئْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ ، كَمَنْ قَالَ : هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي أَوْ نَفْلٌ أَوْ إنْ كَانَ مَاتَ مُوَرِّثِي فَهَذِهِ زَكَاةُ إرْثِي مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ ، قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الشَّكِّ : إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِيٌّ وَإِلَّا فَنَفْلٌ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : كَقَوْلِهِ : إنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ دَخَلَ فَصَلَاتِي هَذِهِ عَنْهَا ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : لَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ : إنْ كَانَ الْوَقْتُ دَخَلَ فَفَرْضٌ وَإِلَّا فَنَفْلٌ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ .
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِيمَنْ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ : التَّرَدُّدُ فِي الْعِبَادَةِ يُفْسِدُهَا ، وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى وَنَوَى إنْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ فَهِيَ فَرِيضَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ فَهِيَ نَافِلَةٌ لَمْ يَصِحَّ لَهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا ، وَإِنْ نَوَى عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا وَإِلَّا فَارْجِعْ بِهِ فَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى قَوْلِ الرُّجُوعِ فِي التَّلَفِ .

قَالَ : وَلَوْ أَعَتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَلَمْ يُجْزِئْهُ لِعَيْبِهِ عَتَقَ ، وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ ، فَإِنْ قَالَ : أَعْتَقْته عَنْ كَفَّارَتِي وَإِلَّا رَدَدْته إلَى الرِّقِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا فَلَهُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِ وَقْتِ الصَّوْمِ ، وَهُنَا الْأَصْلُ بَقَاءُ الْمَالِ وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ .

وَمَنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ مَالِهِ الْغَائِبِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بَقَاءَهُ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ ، وَإِنْ قُلْنَا فِي الذِّمَّةِ فَوَجْهَانِ ، وَظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي فَائِدَةِ تَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ( م 1 ) وَالْأَوْلَى مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلدَّفْعِ ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ ، كَالصَّلَاةِ ، وَسَبَقَ فِيهَا خِلَافٌ ، وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ اعْتِبَارُهُ فِي الرَّوْضَةِ النِّيَّةِ عِنْدَ الدَّفْعِ ( و م ش ) وَلَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ لَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ عِنْدَهُ عَنْهَا حَالَةَ الدَّفْعِ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ ( هـ )

مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ مَالِهِ الْغَائِبِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بَقَاءَهُ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ ، فَإِنْ قُلْنَا فِي الذِّمَّةِ فَوَجْهَانِ ، وَظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي فَائِدَةِ تَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَابْنِ تَمِيمٍ ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ : لَوْ كَانَ النِّصَابُ غَائِبًا لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ مُهَنَّا ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي مَوْضِعٍ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ ، فَلَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَالِ ، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نُوَابٍ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالٍ فَأَقْرَضَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ ، وَهَذَا لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا ، وَكَذَا ذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ إلَى بِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى مَحَلِّ الزَّكَاةِ ، فَإِنْ قُلْنَا فِي الذِّمَّةِ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا فِي الْعَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رَجَبٍ وَنَقْلُهُ ، وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ إخْرَاجِهِ عَنْهُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ فِي مَوْضِعٍ ، وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ ، وَمَا قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِلْوَجْهَيْنِ وَلِصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ ، فَتُلَخِّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ ( و ) وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْوَكِيلِ ثِقَةً ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ : لَوْ اسْتَنَابَ كَافِرًا يُفَرِّقُ زَكَاةَ مَالِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَجْزَأَ ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ، كَمَا إذَا اسْتَنَابَ الذِّمِّيَّ فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ ، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِجَوَازِهِ ، كَالْمُسْلِمِ .

وَفِي صِحَّةِ تَوْكِيلِ مُمَيَّزٍ فِيهَا وَجْهَانِ ( م 2 ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَفِي صِحَّةِ تَوْكِيلِ مُمَيَّزٍ وَجْهَانِ ، يَعْنِي فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ ، ثُمَّ وَجَدْت الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ عَلَّلَ بِهَذَا ، لَكِنْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَصِحُّ .

فَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ جَازَ ، فَإِنْ بَعْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ عَنْ نِيَّةِ الْمَالِكِ فَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ لِوَكِيلٍ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ تُجْزِئُ بِدُونِهَا ( م 3 ) ( و ) وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوَكِيلِ وَحْدَهُ و ) ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهَا ، فَتَقَعُ نَفْلًا وَلَوْ أَجَازَهَا ، وَكَذَا مَنْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةً عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ لَمْ تُجْزِئْهُ وَلَوْ أَجَازَهَا ؛ لِأَنَّهَا مِلْكَ الْمُتَصَدِّقِ فَوَقَعَتْ عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ وَأَجَازَهَا رَبُّ النِّصَابِ ، وَصَحَّ تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ عَنْ الْمُخْرِجِ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ جَازَ ، فَإِنَّ بَعْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ عَنْ نِيَّةِ الْمَالِكِ فَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ تُجْزِئُ بِدُونِهَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى ، أَحَدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ ، وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ ، وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ ، فَنَوَاهَا الْوَكِيلُ ، فَقِيلَ : لَا تُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا يَقْتَضِي النَّفَلَ ، وَقِيلَ تُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَدَقَةٌ ( م 4 ) كَقَوْلِهِ : تَصَدَّقَ بِهِ نَفْلًا أَوْ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ أَجْزَأَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ ، فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ ، كَذَا عَلَّلَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ( و هـ ) وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُ ، لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ ، وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ : أَخْرِجْ عَنِّي زَكَاتِي مِنْ مَالِكِ ، فَفَعَلَ ، أَجْزَأَ عَنْ الْآمِرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ فِي الزَّكَاةِ ، وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ غَصْبٍ لَمْ تُجْزِئْهُ ، وَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي فِي تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ فَنَوَاهَا الْوَكِيلُ ، فَقِيلَ : لَا تُجْزِئُهُ ، لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا يَقْتَضِي النَّفَلَ ، وَقِيلَ : تُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَدَقَةٌ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ ، أَحَدَهُمَا لَا تُجْزِئُهُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الصَّدَقَةِ ، وَأَيْضًا الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ يَقِينًا ، فَلَا تَسْقُطُ بِمُحْتَمَلٍ ، وَأَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْمُوَكِّلِ ، وَهُنَا لَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ فِي هَذَا الْمَالِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا لَمْ يَنْوِ وَنَوَى الْوَكِيلُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ ، فَكَذَا هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْوَجْهَ الثَّانِيَ تُجْزِئُ ، لِمَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، لِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْإِخْرَاجِ ، وَهُنَا لَمْ تُوجَدْ ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ .

وَمَنْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ وَنَوَاهَا دُونَ الْإِمَامِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْتَحِقِّ فَكَذَا نَائِبُهُ ، وَإِنْ نَوَى الْإِمَامُ دُونَ رَبِّ الْمَالِ أَجْزَأَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ كَالْقِسْمِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ، وَلِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِهَا ، وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ غَالِبًا إلَّا الزَّكَاةَ ، فَكَفَى الظَّاهِرُ عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّائِعِ .
وَالْإِمَامُ يَنُوبُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ : لَا تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إمَّا وَكِيلُهُ أَوْ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ أَوْ وَكِيلُهُمَا ، فَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ رَبِّ الْمَالِ ، وَكَالصَّلَاةِ ، فَعَلَى هَذَا تَقَعُ نَفْلًا مِنْ الطَّائِعِ وَيُطَالَبُ بِهَا ، وَتُجْزِئُ مِنْ الْمُكْرَهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ، كَالْمُصَلِّي كَرْهًا ، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَالشَّيْخِ : لَا تُجْزِئُ الطَّائِعَ ، كَدَفْعِهِ إلَى الْفَقِيرِ بِلَا نِيَّةٍ ( م 5 ) وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ كَبَيْعِهِ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ ، وَتَزْوِيجِهِ مُوَلِّيَتَهُ ، وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَوْ لَمْ تُجْزِئْهُ لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ مِنْهُ ، وَذَكَرَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ : لَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى نِيَّةٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ .

( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ وَنَوَاهَا دُونَ الْإِمَامِ جَازَ ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّ ، وَإِنْ نَوَى الْإِمَامُ دُونَ رَبِّ الْمَالِ أَجْزَأَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ : لَا تُجْزِئُ ، لِأَنَّ الْإِمَامَ إمَّا وَكِيلُهُ أَوْ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ أَوْ وَكِيلُهُمَا ، فَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ رَبِّ الْمَالِ ، فَعَلَى هَذَا تَقَعُ نَفْلًا عَنْ الطَّائِعِ ، وَيُطَالَبُ بِهَا ، وَتُجْزِئُ لِلْمُكْرَهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ، كَالْمُصَلِّي كَرْهًا ، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَالشَّيْخِ لَا تُجْزِئُ الطَّائِعَ ، كَدَفْعِهِ إلَى الْفَقِيرِ ، بِلَا نِيَّةٍ ، انْتَهَى .
إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ مِنْ رَبِّهَا فَلَا يَخْلُو ، إمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كَرْهًا أَوْ طَوْعًا ، فَإِنْ أَخَذَهَا كَرْهًا وَأَخْرَجَهَا نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ وَلَمْ يَنْوِهَا رَبُّهَا أَجْزَأَتْ عَنْ رَبِّهَا ، عَلَى الصَّحِيحِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ .
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ : لَا تُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ : وَهَذَا أَصْوَبُ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ ، فَعَلَى الصَّحِيحِ تُجْزِئُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ طَوْعًا وَنَوَاهَا الْإِمَامُ دُونَ رَبِّهَا لَمْ يُجْزِئْهُ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ ، قَالَ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : هُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَالشَّيْخُ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْبَنَّا وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : تُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .

وَلَوْ غَابَ الْمَالِكُ أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ فَأَخَذَ السَّاعِي مِنْ مَالِهِ أَجْزَأَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِهَا إذَنْ ، وَنِيَّةُ الْمَالِكِ مُتَعَذِّرَةٌ بِمَا يُعْذِرُ فِيهِ ، كَصَرْفِ الْوَلِيِّ زَكَاةَ مَالِ مُوَلِّيهِ .

فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا : اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا ، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إذْ أَعْطَيْتُمْ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا أَنْ تَقُولُوا ذَلِكَ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا .
وَيُسْتَحَبُّ قَوْلُ الْآخِذِ ، أَجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت ، وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت ، وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا .
وَلَمْ يَأْمُرْ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُعَاتِهِ بِالدُّعَاءِ ، وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدْبِ ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَكَنٌ لَهُمْ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
وَفِي أَحْكَامِ الْقَاضِي : عَلَى الْعَامِلِ إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ أَنْ يَدْعُوَ لِأَهْلِهَا ، " وَعَلَى " ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ ، وَأَوْجَبَهُ الظَّاهِرِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي قَوْلِهِ " وَعَلَى الْغَاسِلِ سِتْرُ مَا رَآهُ " وَفِي بَابِ الْحُرُوفِ مِنْ الْعُدَّةِ وَالتَّمْهِيدِ : أَنَّ " عَلَى " لِلْإِيجَابِ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى { عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ } وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ } قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : صَدَقَةُ نَدْبٍ لَا إيجَابٍ .

وَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُ إخْرَاجِهَا ، فِي الْأَصَحِّ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ مَنَعَهَا أَهْلَ بَلَدِهِ اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا لِلزَّكَاةِ كَرِهَ إعْلَامُهُ بِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَمْ يُبَكِّتْهُ ، يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ ، مَا حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يُقَرِّعَهُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : تَرْكُهُ أَفْضَلُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يُسْتَحَبُّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ، وَفِي الرَّوْضَةِ : لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ .
وَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا وَيَعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ لَا يَأْخُذُ زَكَاةً فَأَعْطَاهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ تُجْزِئْهُ ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ زَكَاةً ظَاهِرًا ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ الْمَغْصُوبُ لِمَالِكِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَبْرَأْ ، ذَكَرَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، كَذَا قَالَ ، وَمُقْتَضَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ إعْلَامُهُ مُطْلَقًا ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَفِيهِ بُعْدٌ ، وَاخْتَارَ صَاحِب الرِّعَايَةِ يُجْزِئُهُ ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا جَهِلَ أَنَّهُ يَأْخُذُ ، وَيَأْتِي فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ خِلَافٌ مُتَقَارِبٌ ، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِهِ

فَصْلٌ يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ ( و ش ) لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ } الْآيَةَ ، وَكَالدَّيْنِ ، وَلِأَنَّ الْقَابِضَ رَشِيدٌ قَبَضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُ وَنَائِبُهُ ، فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، كَالْمُوَكَّلِ ، وَيُحْمَلُ مَا خَالَفَ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ ، أَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَخَذَهَا ، أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ مَصَارِفَهَا ، أَوْ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا جُحُودًا أَوْ بُخْلًا ، وَقِيلَ : يَجِبُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ إلَى الْإِمَامِ ، وَلَا يُجْزِئُ دُونَهُ ( و هـ م ) وَزَادَ : وَزَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَأَمْوَالِ التُّجَّارِ الَّتِي تُسَافِرُ بِهَا كَالظَّاهِرَةِ ، فَيَأْخُذُ الْعَاشِرُ زَكَاتَهَا إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا ، لِلْحَاجَةِ إلَى حِمَايَتِهَا مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، كَالْفَاكِهَةِ ، فَلَا تُعْشَرُ ؛ لِأَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ لَا يَقْصِدُونَهُ غَالِبًا إلَّا الْيَسِيرَ مِنْهُ لِلْأَكْلِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : يُعْشَرُ أَيْضًا .

وَلَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى إمَامٍ فَاسِقٍ ( و هـ ) قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَأْمُرُونَ بِدَفْعِهَا ، وَقَدْ عَلِمُوا فِيمَا يُنْفِقُونَهَا .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : يَحْرُمُ إنْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا ، وَيَجِبُ كَتْمُهَا عَنْهُ إذَنْ ( و م ش ) وَتُجْزِئُ مُطْلَقًا ( م ش ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِكِ فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك } وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { إذَا أَدَّيْتهَا إلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْت مِنْهَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَلَكَ أَجْرُهَا ، وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا }

وَلِلْإِمَامِ طَلَبُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إنْ وَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا ( و ) وَلَوْ مِنْ بَلَدٍ غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ فَلَمْ يُؤَدِّ أَهْلُهُ الزَّكَاةَ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ ، ( هـ ) ؛ لِأَنَّهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَيْسُوا تَحْتَ حِمَايَتِهِ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لَا نَظَرَ لَهُ فِي زَكَاةِ الْبَاطِنِ إلَّا أَنْ تَبْذُلَ .
وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ : قَالَ الْقَاضِي إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ بِالْمَالِ عَلَى عَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ ، قَالَ : وَقِيلَ : لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ ، وَإِذَا طَلَبَ الزَّكَاةَ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا إلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ إخْرَاجُهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ فِي صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ : إذَا أَبَى النَّاسُ أَنْ يُعْطُوهَا الْإِمَامَ قَاتَلَهُمْ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ نُخْرِجُهَا ، وَقِيلَ : يَجِبُ دَفْعُهَا إلَيْهِ إذَا طَلَبَهَا ( وَ ) وَلَا يُقَاتِلُ لِأَجْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَجَمَعَ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : لِأَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، كَالْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهَا ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَاطِنِ بِطَلَبِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَجْهًا وَاحِدًا ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ مَنْ أَدَّاهَا لَمْ تَجُزْ مُقَاتَلَتُهُ ، لِلْخُلْفِ فِي إجْزَائِهَا ، ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ فِي مَنْ قَالَ : أَنَا أُؤَدِّيهَا وَلَا أُعْطِيهَا لِلْإِمَامِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ قِتَالُهُ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ جَوَّزَ الْقِتَالَ عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ جَوَّزَهُ ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إلَّا عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يُجَوِّزْهُ .

وَيُسْتَحَبُّ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَ أَمَانَتِهِ ، وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ ، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَسِّمَهَا هُوَ .
وَقِيلَ : دَفْعُهَا إلَى إمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ ، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَزَوَالِ التُّهْمَةِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ ( و ش ) وَقَالَهُ ( هـ م ) حَيْثُ جَازَ الدَّفْعُ بِنَفْسِهِ ، وَعَنْهُ : دَفْعُ الظَّاهِرِ أَفْضَلُ ، وَعَنْهُ : يَخْتَصُّ بِالْعُشْرِ ، وَعَنْهُ : بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ ، وَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَوَارِجِ : إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ وَأَخَذُوا مِنْهُ الْعُشْرَ وَقَعَ مَوْقِعَهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ : هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إنَّمَا يُجْزِئُ أَخْذُهُمْ إذَا نَصَّبُوا لَهُمْ إمَامًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ اخْتِيَارًا ، وَعَنْهُ : التَّوَقُّفُ فِيمَا أَخَذَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ الزَّكَاةِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ قِيلَ : تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ الْفُسَّاقِ ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ عُشْرٍ وَصَدَقَةٍ إلَيْهِمْ وَلَا إقَامَةِ حَدٍّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَوَازِ الدَّفْعِ الْإِجْزَاءُ : لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ فِي الْمَنْصُوصِ ، وَإِنْ أَجْزَأَ فِي الْمَنْصُوصِ .

وَهَلْ لِلْإِمَامِ طَلَبُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ م 6 ) أَحَدِهِمَا لَهُ ذَلِكَ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : إذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ زَكَاةَ السَّائِمَةِ فَقِيلَ : تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ ، وَقِيلَ : لَا ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ قَوْلٌ ثَالِثٌ : إنْ نَوَى التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ أَجْزَأَ ، وَكَذَلِكَ الدَّفْعُ إلَى كُلِّ جَائِرٍ ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ فُقَرَاءُ
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ لِلْإِمَامِ طَلَبُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، إحْدَاهُمَا لَهُ ذَلِكَ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارِ ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَلَهُ طَلَبُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي النَّذْرِ وَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ ، وَقِيلَ : مُطْلَقًا وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهَ الثَّانِيَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .

فَصْلٌ يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ لِسَاعٍ وَغَيْرِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ لِرَحِمٍ وَشِدَّةِ حَاجَةٍ أَوْ لَا ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ( و ش ) وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَابْنِ الْبَنَّا : يُكْرَهُ ، وَنَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : لَا يُعْجِبُنِي ، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَانِ ( م 7 ) وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : لَا تُجْزِئُ ( و هـ م ق ) كَصَرْفِهَا فِي غَيْرِ الْأَصْنَافِ ، وَالْعُمُومَاتُ لَا تَتَنَاوَلُهُ ، لِتَحْرِيمِهِ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا : تُجْزِئُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى الثَّغْرِ ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ مُرَابَطَةَ الْغَازِي بِهِ قَدْ تَطُولُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ ، ثُمَّ إنَّ حَاجَةَ الْأَخْذِ فِيهِ لَا تُعْتَبَرُ ، فَكَذَا الْمَكَانُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ إلَى غَيْرِ الثَّغْرِ أَيْضًا ( و م ) مَعَ رُجْحَانِ الْحَاجَةِ ، وَكَرِهَهُ [ ( هـ ) ] إلَّا لِقَرَابَةٍ أَوْ رُجْحَانِ حَاجَةٍ ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَهُ لِقَرَابَةٍ ، وَيَجُوزُ النَّقْلُ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ بَلَدٍ وَاحِدٍ ، بِدَلِيلِ أَحْكَامِ رُخَصِ السَّفَرِ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَقَدْ عَلَّلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَدَمَ النَّقْلِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنَّ فُقَرَاءَ كُلِّ مَكَان لَا يَعْلَمُ بِهِمْ غَالِبًا إلَّا أَهْلُهُ .

( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا وَالْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَابْنُ مُنَجَّى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا تُجْزِئُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَالرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَكَذَلِكَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْفَقِيرِ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ ، وَبَذْلُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ ، وَيَحْرُمُ نَقْلُهُ عَنْهُ إلَى مُضْطَرٍّ أَوْ مُحْتَاجٍ فِي مَكَان آخَرَ ، قَالَ : وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أَيُّمَا أَهْلِ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ عَنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ } وَإِنْ كَانَ بِبَادِيَةٍ أَوْ خَلَا بَلَدُهُ مِنْ مُسْتَحِقٍّ لَهَا فَرَّقَهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ [ مِنْهُ ] ، عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ ، وَنَقْلُهَا عَلَيْهِ ( م ر ) كَوَزْنِ وَكِيلٍ .
وَالسِّفَارُ بِالْمَالِ يُزَكِّي فِي مَوْضِعٍ أَكْثَرَ إقَامَةِ الْمَالِ فِيهِ ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ ، لِتَعَلُّقِ الْأَطْمَاعِ بِهِ غَالِبًا ، وَظَاهِرُ نَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ : يُفَرِّقُهُ فِي الْبَلَدَانِ الَّتِي كَانَ بِهَا فِي الْحَوْلِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : هُوَ كَغَيْرِهِ اعْتِبَارًا بِمَكَانِ الْوُجُوبِ ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ لِاسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ إنْ تَعَذَّرَ بِدُونِهِ وَوَجَبَ ، ذَكَرَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ .

وَمَنْ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْمَالِ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَرَّقَهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) فَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ حَيْثُ هُوَ ، فَإِنْ كَانَ النِّصَابُ مِنْ السَّائِمَةِ فَقِيلَ : يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ ، لِئَلَّا يَنْقُلَ الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ فِي بَعْضِهَا ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَشْقِيصِ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ( م 8 ) وَسَبَقَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي بَابِهَا فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَأَنَّهَا تَجِبُ فِي بَلَدِ الْبُدْنِ .
( مَسْأَلَةٌ 8 م ) قَوْلُهُ : وَمَنْ لَزِمَتْهُ زَكَاةُ الْمَالِ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَرَّقَهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ حَيْثُ هُوَ ، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ فَقِيلَ : يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ ، لِئَلَّا يَنْقُلَ الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ وَقِيلَ : يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ فِي بَعْضِهَا ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَشْقِيصِ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّيْخُ فِي الْكَافِي ، الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ ، لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ ، وَيُغْتَفَرُ مِثْلُ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّشْقِيصِ .

وَيَجُوزُ نَقْلُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ ( و ) وَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ ( هـ ) أَنْ يَسِمَ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ فِي أَفْخَاذِهَا ، وَالْغَنَمَ فِي آذَانِهَا ، لِلْأَخْبَارِ فِي الْوَسْمِ ، وَلِخِفَّةِ الشَّعْرِ فِي ذَلِكَ فَيَظْهَرَ ، وَلِأَنَّهُ يَتَمَيَّزُ ، فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةٌ كَتَبَ : " لِلَّهِ " أَوْ " زَكَاةٌ " وَإِنْ كَانَتْ جِزْيَةٌ كَتَبَ : " صَغَارٌ " أَوْ " جِزْيَةٌ " ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ الْوَسْمَ بِحِنَّاءٍ أَوْ بِقِيرٍ أَفْضَلُ .

فَصْلٌ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ قِيمَةِ الزَّكَاةِ طَائِعًا ( و م ش ) أَوْ مُكْرَهًا [ ( م ) ] لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُعَاذٍ { خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبِّ ، وَالشَّاةَ مِنْ الْغَنَمِ ، وَالْبَعِيرَ مِنْ الْإِبِلِ ، وَالْبَقَرَ مِنْ الْبَقَرِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ وَالْجُبْرَانَاتُ الْمُقَدَّرَةُ فِي خَبَرِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُشْرَعُ ، وَإِلَّا كَانَتْ عَبَثًا ، وَكَسَمِينَةٍ عَنْ مَهْزُولَتَيْنِ ، وَكَالْمَنْفَعَةِ ، وَكَنِصْفِ صَاعٍ جَيِّدٍ عَنْ [ صَاعٍ ] رَدِيءٍ أَوْ نِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ عَنْ ، صَاعِ شَعِيرٍ مِثْلِهِ فِي الْقِيمَةِ ، [ ( و ) ] مَعَ تَجْوِيزِ الْمُخَالِفِ ثَوْبًا عَنْ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ ، وَكَعُدُولِهِ عَنْ السُّجُودِ [ الْوَاجِبِ ] إلَى وَضْعِ الْخَدِّ ، أَوْ عَنْ الرُّكُوعِ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَبْلَغَ فِي الْخُضُوعِ ، أَوْ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ إلَى أَضْعَافِ قِيمَتِهَا ، وَعَنْهُ : تُجْزِئُ الْقِيمَةُ ( و هـ ) وَعَنْهُ : فِي غَيْرِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، وَعَنْهُ : تُجْزِئُ لِلْحَاجَةِ ، مِنْ تَعَذُّرِ الْفَرْضِ وَنَحْوِهِ ، نَقَلَهَا وَصَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ ، وَقِيلَ : وَلِمُصْلِحَةٍ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً : تُجْزِئُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْبَيْعِ ، قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي شَرْحِ الْمُجَرَّدِ : إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ جُزْءًا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ جَازَ صَرْفُ ثَمَنِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ [ قَالَ ] وَكَذَا كُلُّ مَا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ .

وَهَلْ يُجْزِئُ نَقْدٌ عَنْ آخَرَ [ ( و م ) ] أَمْ لَا ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا ، وَعَنْ ابْنِ حَامِدٍ : أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا فِيهِ حَظٌّ لِلْفُقَرَاءِ ( م 9 ) وَإِنْ أَجْزَأَ فَفِي فُلُوسٍ عَنْهُ وَجْهَانِ ( م 10 ) وَعَنْهُ يُجْزِئُ عَمَّا يُضَمُّ إلَيْهِ ، وَعَنْهُ : تُجْزِئُ الْقِيمَةُ ، وَهِيَ الثَّمَنُ لِمُشْتَرِي ثَمَرَتِهِ الَّتِي لَا تَصِيرُ تَمْرًا وَزَبِيبًا مِنْ السَّاعِي قَبْلَ جُذَاذِهِ ( و م ش ) وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ ، فَلَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ .

( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُجْزِئُ نَقْدٌ عَنْ آخَرَ ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا ، وَعَنْ ابْنِ حَامِدٍ مَا فِيهِ حَظٌّ لِلْفُقَرَاءِ ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَقَدْ قَدِمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا ، فَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ نَقْدٍ عَنْ آخَرَ ، عَلَى الصَّحِيحِ ، بِنَاءً عَلَى هَذَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ رِوَايَتَيْ تَكْمِيلِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ فِي التَّكْمِيلِ ، وَذَكَرْنَا الصَّحِيحَ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي إجْزَاءَ إخْرَاجِ نَقْدٍ عَنْ آخَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمَا ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وَيُجْزِئُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَيَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : وَهِيَ أَصَحُّ ، وَنَصَرَهَا الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ، وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهَا فِي التَّصْحِيحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْإِفَادَاتِ ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُجْزِئُهُ ، جَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : وَهِيَ أَصَحُّ ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ ، كَمَا اخْتَارَ عَدَمَ الضَّمِّ ، وَوَافَقَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ هُنَا ، وَخَالَفَاهُ فِي الضَّمِّ ، فَاخْتَارَا جَوَازَهُ ، وَصَحَّحَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ ، وَلَمْ يُصَحِّحَا شَيْئًا فِي الضَّمِّ ، وَصَحَّحَ فِي الْفَائِقِ عَدَمَ الضَّمِّ ،

وَصَحَّحَ إخْرَاجَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى الضَّمِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ ، انْتَهَى ( قُلْت ) : بَنَاهُمَا عَلَى الضَّمِّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ : وَهَلْ يُجْزِئُ مُطْلَقًا إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَجْزَأَ فَفِي الْفُلُوسِ عَنْهُ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ .
وَقَالَ : قُلْت : إنْ جُعِلَتْ ثَمَنًا جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقَدْ قَدِمَ هُنَا أَنَّهَا أَثْمَانٌ .
وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي إجْزَاءِ إخْرَاجِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ : إمَّا مُطْلَقًا أَوْ إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ إجْزَاءُ الْفُلُوسِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : وَعَنْهُ : يَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِالْحِسَابِ مَعَ الضَّمِّ ، وَقِيلَ : وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا ، وَفِي إجْزَاءِ الْفُلُوسِ عَنْهَا مَعَ الْإِخْرَاجِ الْمَذْكُورِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ، وَالصَّوَابُ الْإِجْزَاءُ إذَا كَانَتْ نَافِعَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ بَاعَ النِّصَابَ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَصَحَّ فِي الْمَنْصُوصِ ( و ) فَعَنْهُ : لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ ثَمَنِهِ وَأَنْ يُخْرِجَ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ ، وَنَقَلَ عَنْهُ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ : إذَا بَاعَ ثَمَرَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ بَلَغَ فَفِي ثَمَنِهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يَتَصَدَّقُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ، قَالَ الْقَاضِي : أَطْلَقَ الْقَوْلَ هُنَا أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الثَّمَنِ ، وَخَيَّرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ، وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الثَّمَنِ .
قَالَ الْقَاضِي : الرِّوَايَتَانِ هُنَا بِنَاءً عَلَى رِوَايَتَيْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ .
وَقَالَ : هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَهُ بَعْدَهُ آخَرُونَ .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ : إذَا بَاعَ فَالزَّكَاةُ فِي الثَّمَنِ ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَالزَّكَاةُ فِيهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ [ وَقَالَ ] كَالْمَهْرِ إذَا طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ ، وَإِلَّا إلَى قِيمَتِهِ عِنْدَ تَلَفِهِ ، وَلَمْ تُكَلَّفْ الْمَرْأَةُ الدَّفْعَ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إخْرَاجِ ثَمَنِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُ الْمِثْلِ ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ : إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَوَجَدَ رُطَبًا وَعِنَبًا ، أَخْرَجَهُ وَزَادَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا ( م 11 ) ، وَقَدْ سَبَقَ مَعْنَاهُ وَسَبَقَ شَرْطُ زَكَاتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ فِي زَكَاةِ الثَّمَرِ .

( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بَلَغَ النِّصَابَ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَصَحَّ فِي الْمَنْصُوصِ فَعَنْهُ : لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ إنْ بَاعَ ثَمَرَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ بَلَغَ فَفِي ثَمَنِهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ ، وَنَقُلْ أَبُو طَالِبٍ : يَتَصَدَّقُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الثَّمَنِ ، قَالَ الْقَاضِي : الرِّوَايَتَانِ هُنَا بِنَاءً عَلَى رِوَايَتَيْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ ، وَقَالَ هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ ، وَقَالَهُ بَعْدَهُ آخَرُونَ ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ : إذَا بَاعَ فَالزَّكَاةُ فِي الثَّمَنِ ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَالزَّكَاةُ فِيهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إخْرَاجِ ثَمَنِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ [ إخْرَاجُ ] الْمِثْلِ ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ : إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَوَجَدَ رُطَبًا وَعِنَبًا أَخْرَجَهُ وَزَادَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاءَ وَعَدَمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى ، إحْدَاهُمَا لَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْ ثَمَنِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَبِنَاءُ الْقَاضِي وَأَبِي إِسْحَاقَ وَمَنْ بَعْدَهُمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : وَإِذَا تَصَرَّفَ فِي الثَّمَرَةِ أَوْ الزَّرْعِ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ وَاشْتَدَّ الْحُبُّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا صَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْخَرْصِ وَبَعْدَهُ ، وَتَبْقَى الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ تَمْرًا ، وَعَنْهُ : يُجْزِئُهُ عُشْرُ الثَّمَنِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ بِإِيجَابِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ، انْتَهَى ، وَصَحَّحَ مَا قُلْنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ يَجُوزُ وَيُجْزِئُ عُشْرُ ثَمَنِهِ .

فَصْلٌ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ السُّعَاةَ عِنْدَ قُرْبِ الْوُجُوبِ لِقَبْضِ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ ، وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ ، { ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ } ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُزْكِي وَلَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ ، فَفِي إهْمَالِ ذَلِكَ تَرْكٌ لِلزَّكَاةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ : لَا يَجِبُ ، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ ، وَيَجْعَلُ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ الْمُحَرَّمَ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ ، وَمِيلُهُ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُدَّ الْمَاشِيَةَ عَلَى أَهْلِهَا عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي أَفْنِيَتِهِمْ ، لِلْخَبَرِ ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِعَدَدِهِ قِبَلَ مِنْهُ وَلَا يُحَلِّفُهُ ، كَمَا سَبَقَ

وَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ فَإِنْ عَجَّلَ رَبُّهُ زَكَاتَهُ وَإِلَّا وَكَّلَ ثِقَةً يَقْبِضُهَا ثُمَّ يُصَرِّفُهَا فِي مَصْرِفِهَا ، وَلَهُ جَعْلُ ذَلِكَ إلَى رَبِّ الْمَالِ إنْ كَانَ ثِقَةً ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثِقَةً فَقَالَ الْقَاضِي : يُؤَخِّرُهَا إلَى الْعَامِ الثَّانِي .
وَقَالَ الْآمِدِيُّ : لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَهَا .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : إنْ لَمْ يُعَجِّلْهَا فَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُهَا مِنْهُ عِنْدَ حَوْلِهَا وَإِمَّا أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي ( م 12 )
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ السَّاعِي ثِقَةً يُوَكِّلُهُ فِي قَبْضِ مَا تَأَخَّرَ وُجُوبُهُ : فَقَالَ الْقَاضِي : يُؤَخِّرُهَا إلَى الْعَامِ الثَّانِي .
وَقَالَ الْآمِدِيُّ : لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَهَا .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : إنْ لَمْ يُعَجِّلْهَا فَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُهَا مِنْهُ عِنْدَ حَوْلِهَا ، وَإِمَّا أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، قَوْلُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ ، حَيْثُ وُجِدَتْ تُهْمَةٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقَوْلُ الْآمِدِيِّ لَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهُ ، وَهُوَ قَوِيٌّ إنْ طَلَعَ عَلَى إخْرَاجِ رَبِّ الْمَالِ .

وَإِذَا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَرَّقَهَا فِي مَكَانِهِ وَمَا قَارَبَهُ ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ حَمَلَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَمَا سَبَقَ .
وَلِلسَّاعِي بَيْعُ مَالِ الزَّكَاةِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَغَيْرِهَا لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ ، وَصَرْفُهُ فِي الْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ حَاجَتِهِمْ ، حَتَّى فِي إجَارَةِ مَسْكَنٍ ، وَإِنْ بَاعَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ فَذَكَرَ الْقَاضِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَيَضْمَنَ قِيمَةَ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ( م 13 ) ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ " فِي الْأَمْوَالِ " عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ فَسَأَلَ عَنْهَا الْمُصَدِّقَ ، فَقَالَ : إنِّي ارْتَجَعْتهَا بِإِبِلٍ ، فَسَكَتَ } .
وَمَعْنَى الرَّجْعَةِ ، أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا غَيْرَهَا ، وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا خَافَ تَلَفَهُ ، قَالَ : لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ، وَمَالَ إلَى الصِّحَّةِ ، وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، كَخَوْفِ تَلَفٍ وَمُؤْنَةِ نَقْلٍ ، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ ، فَإِنْ أَخَّرَ السَّاعِي قِسْمَةَ زَكَاةٍ عِنْدَهُ بِلَا عُذْرٍ ، كَاجْتِمَاعِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الزَّكَوَاتِ ، لَمْ يَجُزْ ، وَيَضْمَنُ ، لِتَفْرِيطِهِ ، وَكَذَا إنْ طَالِبَ أَهْلُ الْغَنِيمَةِ بِقِسْمَتِهَا فَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ مَالَ مُوَكِّلِهِ الَّذِي تَلِفَ بِيَدِهِ قَبْلَ طَلَبِهِ ؛ لِأَنَّ لِلْمُوَكَّلِ طَلَبَهُ ، فَتَرَكَهُ رِضًا بِبَقَائِهِ بِيَدِهِ ، وَلَيْسَ لِلْفُقَرَاءِ طَلَبُ السَّاعِي بِمَا بِيَدِهِ لِيَكُونَ تَرْكُ الطَّلَبِ دَلِيلَ الرِّضَا بِهِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ : إنْ تَلِفَتْ بِيَدِ إمَامٍ أَوْ سَاعٍ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَهَا .
وَتَأْخِيرَهَا لِيَحْضُرَ الْمُسْتَحِقُّ وَيَعْرِفُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لَيْسَ بِتَفْرِيطٍ .
وَإِنْ أَخَّرَ الْوَكِيلُ تَفْرِقَةَ مَالٍ ، فَيَأْتِي فِي آخِرِ الْوَدِيعَةِ

أَنَّهُ يَضْمَنُ ، فِي الْأَصَحِّ ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ .
كَذَا قَالُوا .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بَاعَ يَعْنِي السَّاعِيَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ ، فَذَكَرَ الْقَاضِي : لَا يَصِحُّ .
وَقِيلَ : يَصِحُّ ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، وَظَاهِرُ الشَّرْحِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، أَحَدَهُمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، حَيْثُ قَيَّدُوا الْجَوَازَ بِمَا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : لَهُ بَيْعُهَا لِمَصْلَحَةٍ وَكُلْفَةٍ فِي نَقْلِهَا أَوْ مَرَضِهَا أَوْ غَيْرِهَا ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَصِحُّ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، فَقَالَ فِي آخَرِ الْبَابِ : وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ صَحَّ ، وَقِيلَ : لَا ، فَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ ، انْتَهَى ، وَمَالَ فِي الْكَافِي إلَى الصِّحَّةِ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي ، وَمَالَ إلَيْهِ .

فَصْلٌ وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةً فَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْفَقِيرُ لَزِمَهُ بَدَلُهَا [ ( هـ ) ] كَمَا قَبْلَ الْعَزْلِ ، لِعَدَمِ تَعْيِينِهَا بِهِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الْعَوْدِ فِيهَا إلَى غَيْرِهَا وَلَمْ يَمْلِكْهَا الْمُسْتَحِقُّ ، كَمَالٍ مَعْزُولٍ لَوْ قَارَبَ الدَّيْنُ ، بِخِلَافِ الْأَمَانَةِ ، وَلَوْ كَانَ تَعْيِينُ الْمُخْرَجِ إلَيْهِ ثُمَّ الْمُخْرِجِ وَالْمَعْزُولِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ سَقَطَ قَدْرُ زَكَاتِهِ إنْ قُلْنَا بِالسُّقُوطِ بِالتَّلَفِ ، وَفِي سُقُوطِهَا عَنْ الْبَاقِي إنْ نَقَصَ عَنْ نِصَابٍ الْخِلَافُ ، وَيُشْتَرَطُ لِمِلْكِ الْفَقِيرِ وَإِجْزَائِهَا قَبْضُهُ ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْمُعَيَّنَةِ الْمَقْبُولَةِ : كَالْمَقْبُوضَةِ ، كَالْهِبَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالرَّهْنِ ، قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، لِلْأَمْرِ بِهَا بِلَفْظِ الْإِيتَاءِ وَالْأَدَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَاهِلِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ .

وَلَوْ قَالَ الْفَقِيرُ لِرَبِّ الْمَالِ اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ مِنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ .
وَلَوْ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ ، وَإِنْ تَلِفَ فَمِنْ ضَمَانِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ إذْنِهِ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ عَنْهُ أَوْ صَرْفِهِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ

فَصْلٌ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ إذَا تَمَّ النِّصَابُ ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ ( م ) لِقِصَّةِ الْعَبَّاسِ ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ أُجِّلَ لِلرِّفْقِ ، فَجَازَ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ ، نَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا بَأْسَ بِهِ ، زَادَ الْأَثْرَمُ : هُوَ مِثْلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ ، وَالظِّهَارُ أَصْلُهُ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِيهِمَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ وَالْفَضِيلَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ تَرْكَ التَّعْجِيلِ أَفْضَلُ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ ، وَنَصَّ فِي الْمُغْنِي أَنَّ تَأْخِيرَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْحِنْثِ لَيْسَ بِأَفْضَلَ [ قَالَ ] : كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ ، وَأَنَّ الْخِلَافَ الْمُخَالِفَ لَا يُوجِبُ تَفْضِيلَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ، كَتَرْكِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ، مَعَ أَنَّهُ حَكَى رِوَايَتَيْنِ : هَلْ الْجَمْعُ أَفْضَلُ ؟ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ [ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ] أَنَّهُمَا سَبَبَانِ فَقَدَمَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ : شَرْطَانِ ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ : سَبَبٌ وَشَرْطٌ ، وَجَوَّزَهُ أَصْحَابٌ ( م ) سِوَى أَشْهَبَ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ : كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ .

وَهَلْ لِوَلِيِّ رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُعَجِّلَ زَكَاتَهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 14 ) وَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ تَمَامِ النِّصَابِ ( و ) بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَزَادَ : فَيَسْتَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَ الْفَقِيرَ بِالتَّعْجِيلِ وَإِلَّا كَانَتْ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ ، وَسَوَاءٌ عَجَّلَ زَكَاتَهُ أَوْ زَكَاةَ نِصَابٍ ، وَيَجُوزُ لِعَامَيْنِ ، لِقِصَّةِ الْعَبَّاسِ ، وَلِأَنَّهُ عَجَّلَهَا بَعْدَ سَبَبِهَا وَعَنْهُ : لَا ؛ لِأَنَّ حَوْلَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ ، كَتَعْجِيلِهَا قَبْلَ تَمَامِ نِصَابِهَا .
وَالنِّصَابُ سَبَبٌ لِزَكَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا لِزَكَوَاتٍ ، لِلْإِجْحَافِ بِرَبِّ الْمَالِ ، فَعَلَى الْأُولَى : لَا يَجُوزُ لَهُ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ ، اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ .
وَعَنْهُ يَجُوزُ ( و هـ ق ) لِمَا سَبَقَ وَكَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ مُدَّةِ الْحِنْثِ ، بِأَعْوَامٍ وَإِذَا قُلْنَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فَعَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ ، وَمِنْهَا : لَا يَجُوزُ عَنْهُمَا ، وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ التَّعْجِيلُ لِشَاةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ الْحَوْلِ الثَّانِي وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ مِنْهُ لِلْحَوْلِ الثَّانِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ فَنَقَصَ بِهِ .
وَلَوْ قُلْنَا : يَرْتَجِعُ مَا عَجَّلَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ ، فَإِنْ مَلَكَ شَيْئًا اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ الْكَمَالِ .
وَقِيلَ : إنْ عَجَّلَ شَاتَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَجْزَأَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا يَرْجِعُ ، وَإِنْ عَجَّلَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَأُخْرَى مِنْ غَيْرِهَا جَازَ ، جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، لِأَنَّ نَقَصَ النِّصَابَ بِتَعْجِيلِ قَدْرِ مَا يَجِبُ عِنْدَ الْحَوْلِ لَا يَمْنَعُ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : تُجْزِئُ وَاحِدَةٌ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ ، وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابَيْنِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ أَجْزَأَ عَنْ النِّصَابِ دُونَ الزِّيَادَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ زَكَاةَ مَالٍ لَمْ

يَمْلِكْهُ ، فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ كَمَا فِي النِّصَابِ الْأَوَّلِ ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، وَعَنْهُ : يُجْزِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ أَيْضًا ، لِوُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ : يَضُمُّهُ إلَى الْأَصْلِ فِي حَوْلِ الْوُجُوبِ ، فَكَذَا فِي التَّعْجِيلِ ( و هـ ) وَصَاحِبَيْهِ ، وَلِهَذَا اخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ : يُجْزِئُ عَنْ الْمُسْتَفَادِ مِنْ النِّصَابِ فَقَطْ .
وَقِيلَ بِهِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالْحَوْلِ ، كَمَوْجُودٍ ، وَإِذَا بَلَغَهُ اسْتَقَلَّ بِالْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْأَصْلُ ، وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ وَعَنْ نِتَاجِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَنَتَجَتْ مِثْلَهَا فَالْأَشْهَرُ لَا تُجْزِئُهُ ، وَيَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ الْمُعَجَّلَةَ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ( م 15 ) فَإِنْ جَازَ فَأَخَذَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ جَازَ ، وَإِنْ اعْتَدَّ بِهَا قَبْلَ أَخْذِهَا فَلَا ؛ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْفَقِيرِ ، وَلَوْ عَجَّلَ مُسِنَّةً عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً وَنِتَاجِهَا فَالْأَشْهَرُ لَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْجَمِيعِ ، بَلْ عَنْ ثَلَاثِينَ ، وَلَيْسَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا ، وَيُخْرِجُ لِلْعَشْرِ رُبُعَ مُسِنَّةٍ .
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ ارْتِجَاعِ الْمُسِنَّةِ وَيُخْرِجُهَا أَوْ غَيْرَهَا عَنْ الْجَمِيعِ ، وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً ، ثُمَّ أَبْدَلَهَا بِمِثْلِهَا ، أَوْ نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ ، أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَدَلِ وَالسِّخَالِ ؛ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ عَنْ الْكُلِّ ، فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى .
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ وَجْهًا : لَا تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ كَانَ لِغَيْرِهَا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ مِائَةِ شَاةٍ أَوْ تَبِيعًا عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً ثُمَّ نَتَجَتْ الْأُمَّاتُ مِثْلَهَا وَمَاتَتْ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْ النِّتَاجِ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْحَوْلِ .
وَقِيلَ : لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ

الْأُمَّاتِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَتَجَتْ نِصْفَ الشَّاةِ مِثْلَهَا ثُمَّ مَاتَتْ أُمَّاتُ الْأَوْلَادِ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلِ عَنْهَا ، وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ شَاةٌ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّهُ نِصَابٌ لَمْ يُزْكِهِ ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِنِصْفِ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ قِسْطُ السِّخَالِ مِنْ وَاجِبِ الْمَجْمُوعِ ، وَلَمْ يَصِحَّ التَّعْجِيلُ عَنْهَا .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ ، وَلَوْ نَتَجَتْ نِصْفُ الْبَقَرِ مِثْلَهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ أَجْزَأَ التَّعْجِيلَ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الْعُجُولِ تَبَعًا لِأُمَّاتِهَا ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : عَلَى الثَّانِي نِصْفُ تَبِيعٍ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا ، قِسْطُهَا مِنْ الْوَاجِبِ ، وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْهِ وَتَلِفَ لَمْ يَصْرِفْهُ إلَى الْآخَرِ ( و ) كَمَا لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلِفَتْ وَلَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهَا .
وَفِي تَخْرِيجِ الْقَاضِي : مَنْ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ فَعَجَّلَ عَنْ جِنْسٍ مِنْهَا ثُمَّ تَلِفَ صَرَفَهُ إلَى الْآخَرِ ، وَمَنْ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقُلْنَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامَيْنِ ، وَعَنْ الزِّيَادَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا ، فَعَجَّلَ خَمْسِينَ وَقَالَ : إنْ رَبِحَتْ أَلْفًا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ عَنْهَا وَإِلَّا كَانَتْ لِلْحَوْلِ الثَّانِي ، جَازَ ، كَإِخْرَاجِهِ عَنْ مَالٍ غَائِبٍ إنْ كَانَ سَالِمًا وَإِلَّا فَعَنْ الْحَاضِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُخْرَجِ عَنْهُ .
وَمَنْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفٍ يَظُنُّهَا لَهُ فَبَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ أَجْزَأَ عَنْ عَامَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ لِوَلِيِّ رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُعَجِّلَ زَكَاتَهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ ، أَحَدَهُمَا يَجُوزُ ، قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ فِي بَابِ الْحَجْرِ ، حَيْثُ قَالُوا : يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْمِلَ مَا فِيهِ الْأَحَظُّ فِي مَالِهِ ( قُلْت ) : وَيُحْتَمَلُ قَوْلُ ثَالِثُ ، وَهُوَ مَا إذَا حَصَلَ فَائِدَةٌ أَوْ قَحْطٌ وَحَاجَةٌ شَدِيدَةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ وَعَنْ نِتَاجِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَنَجَتْ مِثْلُهَا فَالْأَشْهَرُ لَا تُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ الْمُعَجَّلَةَ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، إحْدَاهُمَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .

فَصْلٌ فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِيَ فَوْقَ حَقِّهِ اعْتَدَّ بِالزِّيَادَةِ مِنْ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَحْتَسِبُ مَا أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّكَاةِ أَيْضًا ، وَعَنْهُ : لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ ، قَدَّمَ هَذَا الْإِطْلَاقَ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَجَمَعَ الشَّيْخُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ : إنْ كَانَ نَوَى الْمَالِكُ التَّعْجِيلَ اعْتَدَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَحَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ ، وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ رِوَايَةَ الْجَوَازِ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ أَخَذَ الزِّيَادَةَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى التَّعْجِيلَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ وَأَخَذَهَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا غَصْبًا قَالَ : وَلَنَا رِوَايَةٌ : إنَّ مَنْ ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ يَحْتَسِبُهُ مِنْ الْعُشْرِ أَوْ مِنْ خَرَاجٍ آخَرَ ، فَهَذَا أَوْلَى .
وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِي أَرْضِ صُلْحٍ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنْهَا نِصْفَ الْغَلَّةِ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، قِيلَ لَهُ : فَيُزْكِي الْمَالِكُ عَمَّا بَقِيَ فِي يَدِهِ ؟ قَالَ : يُجْزِئُ مَا أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَنْ الزَّكَاةِ ، يَعْنِي إذَا نَوَى [ بِهِ ] الْمَالِكُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : إنْ زَادَ فِي الْخَرْصِ هَلْ يَحْتَسِبُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ الزَّكَاةِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، قَالَ : وَحَمَلَ الْقَاضِي الْمَسْأَلَةَ أَنَّهُ يَحْتَسِبُ بِنِيَّةِ الْمَالِكِ وَقْتَ الْأَخْذِ ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : مَا أَخَذَهُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ وَلَوْ فَوْقَ الْوَاجِبِ بِلَا تَأْوِيلٍ اعْتَدَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يَعْتَدُّ بِمَا أَخَذَ ، وَعَنْهُ : بِوَجْهٍ سَائِغٍ ، وَعَنْهُ : لَا ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي آخَرِ فَصْلِ شِرَاءِ الذِّمِّيِّ لِأَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ ، وَقَدَّمَ : لَا يَعْتَدُّ بِهِ .

فَصْلٌ وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَنِصَابُهُ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ أَجْزَأَهُ ، وَكَانَ حُكْمُ مَا عَجَّلَهُ كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ ؛ لِأَنَّهُ كَمَوْجُودٍ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَوْلِ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مَالِهِ ، كَمَا لَوْ عَجَّلَهُ إلَى السَّاعِي وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ بِيَدِهِ مَعَ زَوَالِ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ارْتِجَاعَهُ ، وَلِلسَّاعِي صَرْفُهُ بِلَا ضَمَانٍ ، بِخِلَافِ زَوَالِ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ : لَا يُجْزِئُ وَيَكُونُ نَفْلًا وَيَكُونُ كَتَالِفٍ ( و هـ ) فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً ثُمَّ نَتَجَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَاحِدَةً لَزِمَهُ شَاةٌ ثَانِيَةٌ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا ، وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَةٍ ، دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ زَكَاةُ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَنِصْفِ دِرْهَمٍ ، وَلَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا ثُمَّ رَبِحَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ لَزِمَهُ زَكَاتُهَا ، وَعَلَى الثَّانِي لَا .

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَنِصَابُهُ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ أَجْزَأَهُ ، وَكَانَ حُكْمُ مَا عَجَّلَهُ كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ .
وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ : لَا يُجْزِئُ وَيَكُونُ نَفْلًا ، وَيَكُونُ كَتَالِفٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَةٍ ، دِرْهَمَانِ وَنِصْفُ ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ زَكَاةُ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَنِصْفِ دِرْهَمٍ ، انْتَهَى ، تَابَعَ الْمُصَنِّفُ الْمَجْدَ فِي هَذَا الْبِنَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ خَطَأٌ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ خَمْسَةِ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا لَا زَكَاةَ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَنِصْفٍ ، كَمَا قَالَا ، لِأَنَّ التَّعْجِيلَ إنَّمَا هُوَ خَمْسَةٌ لَا غَيْرُ ، فَالْبَاقِي مِنْ غَيْرِ تَعْجِيلِ خَمْسَةٍ وَتِسْعُونَ ، فَيَلْزَمُهُ زَكَاتُهَا ، وَهُوَ وَاضِحٌ جِدًّا ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبَقَهُ قَلَمٌ ، فَلِذَلِكَ حَصَلَ الْخَلَلُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ تَغَيَّرَ بِالْمُعَجَّلِ قَدْرُ الْفَرْضِ قُدِّرَ كَذَلِكَ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا ، وَإِنْ نَتَجَ الْمَالُ مَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ ، كَتَعْجِيلِ تَبِيعٍ عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً ، فَنَتَجَتْ عَشْرًا ، فَقِيلَ : لَا يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ شَيْءٍ ، لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ ، وَهَلْ لَهُ ارْتِجَاعُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَمَّا عَجَّلَهُ عَنْهُ ، وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبُعُ مُسِنَّةٍ ، لِئَلَّا يَمْتَنِعَ الْمَالِكُ مِنْ التَّعْجِيلِ غَالِبًا ( م 16 ، 17 ) وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ ظُهُورِهِ أَجْزَأَهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالنِّصَابِ ، وَالْإِدْرَاكُ كَالْحَوْلِ ( و هـ ) وَقِيلَ : يَجُوزُ بَعْدَ مِلْكِ الشَّجَرِ وَوَضْعِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوُجُوبِ إلَّا مُضِيُّ الْوَقْتِ عَادَةً ، كَالنِّصَابِ الْحَوْلِيِّ ، وَقَدْ نَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ : لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْتَسِبَ فِي الْعُشْرِ مِمَّا زَادَ عَلَيْهِ السَّاعِي لِسَنَةٍ أُخْرَى .
وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَيَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ ، اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ ( و ش ) وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ بِظُهُورِ ذَلِكَ .

( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَتَجَ الْمَالُ مَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ ، كَتَبِيعٍ عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً ، فَنَتَجَتْ عَشْرًا ، فَقِيلَ : لَا يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ شَيْءٍ ، لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ ، وَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُهُ عَمَّا عَجَّلَهُ عَنْهُ ، وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبُعُ مُسِنَّةٍ ؟ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ الْمَالِكُ مِنْ التَّعْجِيلِ غَالِبًا ، انْتَهَى ، اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا نَتَجَ الْمَالُ مَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ ، كَتَعْجِيلِ تَبِيعٍ عَنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ ، فَنَتَجَتْ عَشْرًا ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَمَّا عَجَّلَهُ ، وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ ؟ أَوْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْ شَيْءٍ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ شَيْءٍ ، لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِئُهُ عَمَّا عَجَّلَهُ ، وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبُعُ مُسِنَّةٍ ، وَهُوَ أَوْلَى ، لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْجِيلِ .
( الْمَسْأَلَةُ 17 الثَّانِيَةُ ) إذَا قُلْنَا لَا يُجْزِئُهُ مَا عَجَّلَهُ ، فَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ الْمُعَجَّلِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ ، أَحَدُهُمَا لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ نَتَجَ الْمَالُ مَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ " قَالَ شَيْخُنَا : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : مَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الْفَرْضِ كَمَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، بِزِيَادَةِ لَفْظَةِ " صِفَةَ " لَكَانَ أَوْلَى .

فَصْلٌ وَإِنْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَمَاتَ قَابِضُهَا أَوْ ارْتَدَّ أَوْ اسْتَغْنَى مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَتْ ، فِي الْأَصَحِّ ( ش ) كَمَا لَوْ اسْتَغْنَى مِنْهَا أَوْ عُدِمَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الْقَبْضِ ( و ) وَلِهَذَا لَوْ عَجَّلَهَا إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا ، ثُمَّ وَجَبَتْ وَقَدْ اسْتَحَقَّهَا ، أَوْ صَرَفَهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمُدَّةٍ إلَى مُسْتَحِقٍّ كَانَ عِنْدَ وُجُوبِهَا غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ ، أَجْزَأَتْهُ ، وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ التَّعْجِيلُ ، وَكَمَا لَوْ عَجَّلَ الْكَفَّارَةَ بِعِتْقِ مَا يُجْزِئُ فَصَارَ عِنْدَ الْوُجُوبِ لَا يُجْزِئُ .

وَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ تَلِفَ النِّصَابُ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ بَانَ أَنَّ الْمُخْرَجَ غَيْرُ زَكَاةٍ ( و ) لِانْقِطَاعِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ .
وَقِيلَ : إنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ عَجَّلَ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَأَجْزَأَتْ عَنْ الْوَارِثِ .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ وُقُوعُ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْحَوْلِ الْمُزَكَّى عَنْهُ ، فَهُوَ كَتَعْجِيلِهَا لِحَوْلَيْنِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْجِيلَ وُجِدَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ مَعَ حَوْلِ مِلْكِهِ ، لَكِنْ إنْ قُلْنَا : لَهُ ارْتِجَاعُهَا فَلَهُ فِعْلُهُ ، لِيَنْقَطِعَ مِلْكُ الْفَقِيرِ عَنْهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا إلَيْهِ مُعَجَّلَةً إنْ شَاءَ ، كَدَيْنٍ عَلَى فَقِيرٍ لَا يَحْتَسِبْهُ مِنْ الزَّكَاةِ ، فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ جَازَ صَرْفُهَا إلَيْهِ .

وَإِذَا بَانَ الْمُعَجَّلُ غَيْرَ زَكَاةٍ فَوَجْهَانِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْن رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ مُطْلَقًا ( و هـ ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، لِوُقُوعِهِ نَفْلًا ، بِدَلِيلِ مِلْكِ الْفَقِيرِ لَهَا ، وَكَصَلَاةٍ يَظُنُّ دُخُولَ وَقْتِهَا فَبَانَ لَمْ يَدْخُلْ ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، قَالَ : كَمَا لَوْ أَدَّاهَا يَظُنُّهَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَكُنْ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهَا : يَرْجِعُ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَعِتْقِهِ عَنْ كَفَّارَةٍ لَمْ تَجِبْ فَلَمْ تَجِبْ .
وَالثَّانِيَةَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ ( و ش ) وَذَكَرَهَا فِي الْوَسِيلَةِ أَيْضًا ، وَفِي الْخِلَافِ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ ثُمَّ عَلِمَ غِنَاهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ شِهَابٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ ( م 18 ) وَاحْتَجَّ فِي الِانْتِصَارِ بِرِوَايَةِ مُهَنَّا الْمَذْكُورَةِ ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَلِفَ الْمَأْجُورُ ، وَالْفَرْقُ وُقُوعُهَا نَفْلًا ، بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ السَّاعِي عِنْدَ التَّلَفِ فَإِنَّ لَهُ ارْتِجَاعَهَا ، بِالِاتِّفَاقِ ، قَالَهُ صَاحِبُ الْفُصُولِ ، وَكَذَا فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ قَالَ : لِأَنَّ قَبْضَهُ لِلْفُقَرَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ ، فَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلِرَبِّ الْمَالِ وَيَكُونُ وَكِيلَهُ فِي إخْرَاجِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِهَا ، وَقَبْضُهُ لِلْمُعَجَّلَةِ مَوْقُوفٌ إنْ بَانَ الْوُجُوبُ ، فَيَدُهُ لِلْفُقَرَاءِ ، وَإِلَّا فَيَدُهُ لِلْمَالِكِ ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ : أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَطَعَ بِهِ .
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ : إنْ كَانَ الدَّافِعُ وَلِيَّ رَبِّ الْمَالِ رَجَعَ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ وَدَفَعَ إلَى السَّاعِي مُطْلَقًا رَجَعَ فِيهَا مَا لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْفَقِيرِ ، [ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ ] فَهُوَ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ رَبِّ الْمَالِ ، وَجَزَمَ غَيْرُ

وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ : إنْ كَانَ الدَّافِعُ لَهَا السَّاعِيَ رَجَعَ مُطْلَقًا ، وَإِنْ أَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ لِلسَّاعِي بِالتَّعْجِيلِ وَدَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ رَجَعَ عَلَيْهِ ، أَعْلَمَهُ السَّاعِي بِهِ أَمْ لَا ، وَقِيلَ : لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ رَجَعَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ ، وَقِيلَ : إنْ عَلِمَ أَنَّهَا زَكَاةٌ رَجَعَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ فِي الْوَلِيِّ أَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ ، وَكَذَا مَنْ دَفَعَ إلَى السَّاعِي ، وَقِيلَ : يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ وَكَانَتْ بِيَدِهِ ، وَمَتَى كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَادِقًا فَلَهُ الرُّجُوعُ بَاطِنًا ، أَعْلَمَهُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ لَا ، لَا ظَاهِرًا ، مَعَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ،

( مَسْأَلَةٌ 18 ) قَوْلُهُ : وَإِذَا بَانَ الْمُعَجَّلُ غَيْرَ زَكَاةِ فَوَجْهَانِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعُ فِيهِ مُطْلَقًا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، لِوُقُوعِهِ نَفْلًا قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِيَةُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ ، وَذَكَرَهَا فِي الْوَسِيلَةِ أَيْضًا ، وَفِي الْخِلَافِ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ شِهَابٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، أَحَدَهُمَا لَا يَرْجِعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : لَمْ يَرْجِعْ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ : اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ شِهَابٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ .

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ التَّعْجِيلِ صَدَّقَ الْآخِذَ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، وَيَحْلِفُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ .
وَلَوْ مَاتَ وَادَّعَى عِلْمَ وَارِثِهِ فَفِي يَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ هَذَا الْخِلَافُ ، وَقِيلَ : يُصَدِّقُ الْمَالِكَ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ لَهُ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ دَفَعْته قَرْضًا وَقَالَ الْآخَرُ هِبَةً .
وَمَتَى رَجَعَ فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ ، لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ ، كَنَظَائِرِهِ ، وَأَشَارَ أَبُو الْمَعَالِي إلَى تَرَدُّدِ الْأَمْرِ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْقَرْضِ ، فَإِذَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ بَقِيَ كَوْنُهَا قَرْضًا ، وَقِيلَ : يَرْجِعُ بِالْمُنْفَصِلَةِ ، كَرُجُوعِ بَائِعِ الْمُفْلِسِ الْمُسْتَرَدِّ عَيْنِ مَالِهِ بِهَا ، وَإِنْ نَقَصَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ نَقْصَهَا كَجُمْلَتِهَا وَأَبْعَاضِهَا ، كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ ، وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً ضَمِنَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَوْمُ التَّلَفِ عَلَى صِفَتِهَا يَوْمُ التَّعْجِيلِ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ [ حَدَثَ ] فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ فَلَا يَضْمَنُهُ ، وَمَا نَقَصَ يَضْمَنُهُ .

وَإِنْ اسْتَسْلَفَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَتَلِفَتْ بِيَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا وَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْفُقَرَاءِ ، سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ أَوْ سَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ قَبْضُهَا ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ الْعَوْدَ فِيهَا ، وَإِنَّهَا بِيَدِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَمَانَةٌ ، وَلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمْ ، لِعَدَمِ حَصْرِهِمْ ، وَكَمَا لَوْ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ قَبْضَهَا أَوْ قَبَضَهَا لِحَاجَةِ صِغَارِهِمْ ، وَكَمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ وَكِيلُ قَبْضٍ مُؤَجَّلًا قَبْلَ أَجَلِهِ لِتَعَدِّيهِ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ : إنْ تَلِفَتْ بِيَدِ السَّاعِي ضُمِنَتْ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْإِمَامَ يَدْفَعُ إلَى الْفَقِيرِ عِوَضَهَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ : إنْ قَبَضَهَا لِنَفْعِ الْفُقَرَاءِ لَا بِسُؤَالِهِمْ ضَمِنَهَا ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ ، [ وَإِنْ كَانَ ] بِسُؤَالِ الْمَالِكِ فَمِنْ ضَمَانِهِ ، كَوَكِيلِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِسُؤَالِ الْفَرِيقَيْنِ فَلِأَصْحَابِهِ وَجْهَانِ : هَلْ هِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ أَوْ الْفُقَرَاءِ ؟ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ شَرْطُ الْوُجُوبِ فِي الْمُعَجَّلَةِ كَنَقْصِ النِّصَابِ أَوْ غَيْرِهِ فَمِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ ؛ لِأَنَّ أَمَانَتَهُ لِلْفُقَرَاءِ تَخْتَصُّ الْوَاجِبَ .
وَتَعَمُّدُ الْمَالِكِ إتْلَافَ النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ التَّعْجِيلِ لَا فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ كَتَلَفِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فِي الرُّجُوعِ ، وَقِيلَ : لَا يَرْجِعُ .
وَقِيلَ : فِيمَا إذَا تَلِفَ دُونَ الزَّكَاةِ ، لِلتُّهْمَةِ .

فَصْلٌ وَإِنْ أَعْطَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا فَبَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ شَرِيفًا لَمْ يَجُزْ ، فِي الْأَشْهَرِ ( هـ ) وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي الْكُفْرِ ، لِتَقْصِيرِهِ ، وَلِظُهُورِهِ غَالِبًا ، فَيَسْتَرِدُّ فِي ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ مُطْلَقًا ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَكَذَا ذَكَرَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهَا ، وَكَذَا إنْ بَانَ قَرِيبًا لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَسَوَّى فِي الرِّعَايَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغِنَى ، وَأَطْلَقَ رِوَايَتَيْنِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ : يُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، قَالَ : لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَفَهَا وَكِيلُ الْمَالِكِ إلَيْهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَمْ يَعْلَمْهَا لَا تُجْزِئُ ، لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِنْ بَانَ الْآخِذُ غَنِيًّا أَجْزَأَتْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا ، لِلْمَشَقَّةِ ، لِخَفَاءِ ذَلِكَ عَادَةً ، فَلَا يَمْلِكُهَا الْآخِذُ ، لِتَحْرِيمِ الْأَخْذِ ، وَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا ( و م ش ) كَمَا لَوْ بَانَ عَبْدُهُ ، وَكَحَقِّ الْآدَمِيِّ ، وَلِبَقَاءِ مِلْكِهِ ، لِتَحْرِيمِ الْأَخْذِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَنِيِّ بِهَا وَبِقِيمَتِهَا إنْ تَلِفَتْ يَوْمَ تَلَفِهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا زَكَاةٌ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَلَا يَلْزَمُ إذَا دَفَعَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ إلَى فَقِيرٍ فَبَانَ غَنِيًّا ؛ لِأَنَّ مَقْصِدَهُ فِي الزَّكَاةِ إبْرَاءُ الذِّمَّةِ ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ ، فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ [ وَالسَّبَبُ الَّذِي أَخْرَجَ لِأَجْلِهِ فِي التَّطَوُّعِ الثَّوَابُ ، وَلَمْ يُفْتِ ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ ] وَسَبَقَ رِوَايَةُ مُهَنَّا فِي الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ وَكَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَذَكَرَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ : أَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ لَا تُجْزِئُ أَوْ إنْ بَانَ الْآخِذُ غَنِيًّا فَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ كَالْمُعَجَّلَةِ .

وَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَنَّهُ أَهْلًا فَلَمْ يَكُنْ فَرِوَايَاتٌ ، الثَّالِثَةُ : لَا يَضْمَنُ إذَا بَانَ غَنِيًّا ، وَيَضْمَنُ فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : لَا يَضْمَنُ مَعَ الْغِنَى ، وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى الضَّمَانَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّفْرِقَةَ كَذَا قَالَ ( م 19 ) وَكَذَا الْكَفَّارَةُ ، وَمَنْ مَلَكَ الرُّجُوعَ مَلَكَهُ وَارِثُهُ .
وَلَا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَّا إلَى مَنْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا ، فَلَوْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ بَانَ مِنْهُمْ لَمْ تُجْزِئْهُ ، خِلَافًا لِلْأَصَحِّ لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ .
وَيَأْتِي فِي الْغَارِمِينَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الزَّكَاةِ تَمْلِيكُ الْمُعْطِي ، وَسَبَقَ نَحْوُهُ قَبْلَ فُصُولِ التَّعْجِيلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ 19 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَنَّهُ أَهْلًا فَلَمْ يَكُنْ فَرِوَايَاتٌ ، الثَّالِثَةُ : لَا يَضْمَنُ إذَا بَانَ غَنِيًّا ، وَيَضْمَنُ فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : لَا يَضْمَنُ مَعَ الْغِنَى ، وَأَطْلَقَ فِي غَيْرِهِ رِوَايَتَيْنِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى الضَّمَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّفْرِقَةَ ، كَذَا قَالَ ، انْتَهَى .
وَتَبِعَ صَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي ذَلِكَ ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَاتِ ابْنُ تَمِيمٍ ، إحْدَاهُنَّ رِوَايَةُ التَّفْرِقَةِ ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا بَانَ غَنِيًّا وَيَضْمَنُ فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ ، هَذَا أَشْهَرُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : لَا يَضْمَنُ مَعَ الْغَنِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ : لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ إذَا بَانَ غَنِيًّا ، بِغَيْرِ خِلَافٍ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ : وَإِنْ ظَنَّهُ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامُ أَهْلًا فَلَمْ يَكُنْ ضَمِنَهَا ، وَعَنْهُ : لَا يَضْمَنُ ، وَعَنْهُ : إنْ بَانَ مَنْ أَخَذَهَا غَنِيًّا وَإِلَّا ضَمِنَ ، وَقِيلَ : إنْ بَانَ غَنِيًّا أَجْزَأَتْ وَلَمْ يَمْلِكْهَا ، وَعَنْهُ : لَا تُجْزِئُ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَنِيِّ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا زَكَاةٌ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَقِيلَ : إنْ ظَنَّهُ الْإِمَامُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ ظَنَّهُ حُرًّا مُسْلِمًا فَبَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا ضَمِنَ ، انْتَهَى ، وَذِكْرُهُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْآخِرَةِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا " وَلَمْ يَمْلِكْهَا " الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ نِزَاعٌ ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا أَلْبَتَّةَ ، وَقَوْلُهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي : " وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَنِيِّ إذَا عُلِمَ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً " وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا

فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالسَّاعِي ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهِمَا ، فَحِكَايَتُهُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ الرِّوَايَاتِ الْأُوَلِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَاتُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا .

بَابُ ذِكْرِ أَصْنَافِ [ أَهْلِ ] الزَّكَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ ( ع ) فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } الْآيَةَ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا هِيَ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ الْأَصْحَابُ : " إنَّمَا " تُفِيدُ الْحَصْرَ ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الصَّدَقَاتِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَسْتَغْرِقُهَا كُلُّهَا ، فَلَوْ جَازَ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا ، وَسَبَقَ حُكْمُ الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ ، وَسُئِلَ شَيْخُنَا عَمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي كُتُبًا يَشْتَغِلُ فِيهَا فَقَالَ : يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْهَا مَا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا بُدَّ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ .
وَسَبَقَ أَوَّلَ زَكَاةِ الْفِطْرِ .
وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا : مَا أَعْطَيْت مِنْ الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ فَهِيَ صَدَقَةٌ قَاضِيَةٌ أَيْ مُجْزِئَةٌ .
وَمَعْنَاهُ لِمَنْ بِالْجُسُورِ وَالطُّرُقِ مِنْ الْعَشَّارِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُقِيمُهُ السُّلْطَانُ لِأَخْذِ ذَلِكَ ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ .
وَذُكِرَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَان : لَا يُعْتَدُّ بِمَا أَخَذَهُ الْعَاشِرُ ( خ ) وَعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ أَنَّهُ مَرَّ بِالْعَاشِرِ فَأَخْفَى كِيسًا مَعَهُ حَتَّى جَاوَزَهُ .
وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبِي عُبَيْدٍ وَكِتَابِ صَاحِبِ الْوَهْمِ : مِنْ الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ ، وَلَمْ يَقُولَا : فِي الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمَا بِالْآيَةِ ، كَذَا قَالَ ، وَرَدَّهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ .
فَالْفَقِيرُ مَنْ وَجَدَ يَسِيرًا مِنْ كِفَايَتِهِ أَوَّلًا ( و ش ) وَالْمِسْكِينُ مَنْ وَجَدَ أَكْثَرَهَا أَوْ نِصْفَهَا ، وَعَنْهُ أَنَّهُ فَقِيرٌ ، وَالْأَوَّلُ مِسْكِينٌ ، وَأَنَّ الْمِسْكِينَ أَشَدُّ حَاجَةً ، اخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ ( و هـ م ) وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَلَيْسَا سِوَاهُ ( ق ) وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ .

وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ نَقْدٍ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ وَلَوْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا يُقِيمُهُ يَعْنِي لَا يَكْفِيهِ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَقَالَ فِيمَنْ لَهُ أُخْتٌ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا : يُعْطِيهَا ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهَا حُلِيٌّ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَلَا ، قِيلَ لَهُ : الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَحْصُدُهُ بِهِ أَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَأْخُذُ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَفِي مَعْنَاهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ مُؤْنَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْهُ بِعَيْنِهِ فِي الْمُؤْنَةِ .
قَالَ فِي الْخِلَافِ : نَصَّ عَلَى أَنَّ الْحُلِيَّ كَالدَّرَاهِمِ فِي الْمَنْعِ ، وَسَبَقَ ذَلِكَ وَمَنْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلْحِفْظِ وَالْمُطَالَعَةِ أَوَّلَ زَكَاةِ الْفِطْرِ .
وَقَالَ عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الرَّجُلُ لَهُ الصَّنْعَةُ يُغِلُّ مِنْهَا مَا يَقُوتُهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ يَأْخُذُ [ مِنْ ] الصَّدَقَةِ ؟ قَالَ : إذَا نَفِدَتْ وَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً .
وَعَنْهُ : يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ دَائِمًا بِمَتْجَرٍ أَوْ آلَةِ صَنْعَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَا يَأْخُذُ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا وَإِنْ كَثُرَ ( خ ) لِلْآجُرِّيِّ وَشَيْخِنَا ، لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ ، كَزِيَادَةِ الْمَدِينِ وَالْمُكَاتَبِ عَلَى قَضَاءِ دِينِهِمَا ، وَإِنْ مَلَكَ مِنْ النَّقْدِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ فَكَغَيْرِهِ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَقَالَا : يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ دَائِمًا ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا يَأْخُذُ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا ذَهَبًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا ، وَيَأْخُذُ مَنْ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( خ ) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا ، وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا بَانَ لَهُ ضَعْفُهُ رَجَعَ عَنْهُ ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا يَتْجُرُونَ بِالْخَمْسِينَ فَتَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ ، وَأَجَابَ غَيْرُ ابْنِ شِهَابٍ بِضَعْفِ الْخَبَرِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ ، فَتَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْكِفَايَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا ، وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّقْدِيرُ بِأَرْبَعِينَ وَبِخَمْسِ أَوَاقٍ وَهِيَ مِائَتَانِ ، وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْكُلِّ مَا ذَكَرْنَا .
بَابُ ذِكْرِ أَصْنَافِ [ أَهْلِ ] الزَّكَاةِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِيمَنْ مَلَكَ مَالًا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ : وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ لَا يَأْخُذُ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا ذَهَبًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا ، وَيَأْخُذُ مَنْ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا ، انْتَهَى ، فَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ " وَيَأْخُذُ مَنْ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا " فِيهِ شَيْءٌ ، إذْ قَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ : لَا يَأْخُذُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ ، بِلَا خِلَافٍ ، وَصَرَّحَ بِهِ هُنَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَقَدْ يُقَالُ : ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّ مَنْ لَهُ حِرْفَةٌ وَلَا يَمْلِكُ خَمْسِينَ أَوْ مَنْ مَلَكَ دُونَهَا وَلَا حِرْفَةَ لَهُ أَنَّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إذْ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ الْكِفَايَةُ بِصِنَاعَةٍ وَغَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا .
وَفِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ إيمَاءً إلَيْهِ ، إذْ لَفْظُ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ يُشْعِرُ بِالْحَاجَةِ ، وَمَنْ لَهُ كِفَايَةٌ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّ الْمِسْكَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيه .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : لَا يَأْخُذُ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا ذَهَبًا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32