كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

فَصْلٌ وَيُعْتَبَرُ قَوَدُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ دُونَ كَثَافَةِ لَحْمٍ ، فَمَنْ أُوضِحَ بَعْضُ رَأْسِهِ وَهُوَ كَرَأْسِ الْجَانِي أَوْ أَكْثَرَ أَوْضَحَهُ فِي كُلِّهِ ، وَفِي أَرْشٍ زَائِدٍ وَجْهَانِ ( م 4 ) وَفِي الْمُوجَزِ : فِيهِ وَفِي نَقْصِ أُصْبُعٍ رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ أُوضِحَ كُلُّهُ وَرَأْسُ الْجَانِي أَكْبَرُ فَلَهُ قَدْرُ شَجَّتِهِ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ ، وَقِيلَ : وَمِنْهُمَا .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَيُعْتَبَرُ قَوَدُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ دُونَ كَثَافَةِ لَحْمٍ ، فَمَنْ أُوضِحَ بَعْضُ رَأْسِهِ وَهُوَ كَرَأْسِ الْجَانِي أَوْ أَكْثَرَ أَوْضَحَهُ فِي كُلِّهِ ، وَفِي أَرْشٍ زَائِدٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَلْزَمُهُ أَرْشٌ لِلزَّائِدِ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، قَالَ الْقَاضِي : هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ : لَا يَلْزَمُهُ أَرْشٌ لِلزَّائِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ الْأَرْشُ لِلزَّائِدِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ ، قَالَهُ الشَّارِحُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ .

وَإِنْ شَجَّهُ هَاشِمَةً أَوْ مُنَقِّلَةً أَوْ مَأْمُومَةً فَلَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ وَفِي تَتِمَّةِ دِيَتِهَا وَجْهَانِ ( م 5 ) .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ شَجَّهُ هَاشِمَةً أَوْ مُنَقِّلَةً أَوْ مَأْمُومَةً فَلَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ ، وَفِي تَتِمَّةِ دِيَتِهَا وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقَطَعَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَجِبُ لَهُ مَا بَيْنَ دِيَةِ مُوضِحَةٍ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَإِنْ قُطِعَ قَصَبَةُ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ أَوْ سَاقٍ فَلَا قَوَدَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : بَلَى مِنْ مَارِنٍ وَكُوعٍ وَكَعْبٍ ، وَعَلَيْهِمَا فِي أَرْشِ الْبَاقِي وَلَوْ خَطَأً وَجْهَانِ ( م 6 ) وَقِيلَ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ وَجْهَانِ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قُطِعَ قَصَبَةُ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ أَوْ سَاقٍ فَلَا قَوَدَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : بَلَى مِنْ مَارِنٍ وَكُوعٍ وَكَعْبٍ ، وَعَلَيْهِمَا فِي أَرْشِ الْبَاقِي وَلَوْ خَطَأً وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجِبُ لَهُ أَرْشٌ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ الْأَرْشُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ حُكُومَةً مَعَ الْقِصَاصِ ، وَقَالَ فِيمَنْ قَطَعَ نِصْفَ الذِّرَاعِ : لَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الذِّرَاعِ ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَمَنْ جَوَّزَ لَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ فَعَنْهُ فِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ لِمَا قُطِعَ مِنْ الذِّرَاعِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .

وَلَا أَرْشَ لِكَفٍّ وَقَدَمٍ ، وَعَلَى النَّصِّ : لَوْ قُطِعَ مِنْ كُوعٍ فَتَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ ( م 7 ) .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَلَا أَرْشَ لِكَفٍّ وَقَدَمٍ ، وَعَلَى النَّصِّ : لَوْ قُطِعَ مِنْ كُوعٍ فَتَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا قَوَدَ أَيْضًا ، اعْتِبَارًا بِالِاسْتِقْرَارِ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُقْتَصُّ هُنَا مِنْ الْكُوعِ ، اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .

وَمَنْ قُطِعَ مِنْ مَرْفِقِهِ مُنِعَ الْقَوَدَ مِنْ الْكُوعِ ، وَفِيهِ إنْ قُطِعَ مِنْ عَضُدِهِ وَجْهَانِ ( م 8 ) .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ قُطِعَ مِنْ مَرْفِقِهِ مُنِعَ الْقَوَدَ مِنْ الْكُوعِ ، وَفِيهِ إنْ قُطِعَ مِنْ عَضُدِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ مَا إذَا قُطِعَ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ أَوْ السَّاقِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ .

وَلَهُ قَطْعُ عَضُدِهِ فَإِنْ خِيفَ جَائِفَةٌ فَفِي مَرْفِقِهِ وَجْهَانِ ( م 9 ) وَمَتَى خَالَفَ وَاقْتُصَّ مَعَ خَشْيَةِ الْحَيْفِ أَوْ مِنْ مَأْمُومَةٍ أَوْ وَجَائِفَةٍ أَوْ نِصْفِ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ أَجْزَأَ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَلَهُ قَطْعُ عَضُدِهِ ، فَإِنْ خِيفَ جَائِفَةٌ فَفِي مَرْفِقِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي فَفِي جَوَازِ الْقَطْعِ مِنْ مَرْفِقِهِ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .

وَإِنْ أَوْضَحَهُ فَأَذْهَب بَصَرَهُ أَوْ سَمْعَهُ أَوْ شَمَّهُ أَوْضَحَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ذَلِكَ فَقِيلَ : يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ ، وَالْأَشْهَرُ : يَسْتَعْمِلُ مَا يُذْهِبُهُ ( م 10 ) فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْعُضْوِ فَالدِّيَةُ ، وَكَذَا الْوَجْهَانِ إنْ أَذْهَبَهُ بِلَطْمَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ أُذُنِهِ أَوْ مَارِنِهِ أَوْ شَفَتِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ حَشَفَتِهِ أَوْ سِنِّهِ أُقَيِّدُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ بِنِسْبَةِ الْأَجْزَاءِ ، كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ ، وَقِيلَ : لَا قَوَدَ بِبَعْضِ لِسَانٍ
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَوْضَحَهُ فَأَذْهَبَ بَصَرَهُ أَوْ سَمْعَهُ أَوْ شَمَّهُ أَوْضَحَهُ بِقَدْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ذَلِكَ فَقِيلَ : يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ ، وَالْأَشْهَرُ : يَسْتَعْمِلُ مَا يُذْهِبُهُ ، انْتَهَى .
الْأَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمُذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِلُزُومِ الدِّيَةِ .

فَصْلٌ وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مُدَّةٍ يَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ فِي سِنٍّ كَبِيرٍ وَنَحْوِهَا الْقَوَدَ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَلِوَلِيِّهِ دِيَةُ سِنٍّ وَظُفْرٍ ، وَقِيلَ : هَدَرٌ ، كَنَبْتِ شَيْءٍ فِيهِ ، قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَلَهُ فِي غَيْرِهِمَا الدِّيَةُ ، وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ ( م 11 ) وَمَتَى عَادَ ذَلِكَ نَاقِصًا فَحُكُومَةٌ ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ ، فَإِنْ كَانَ أُقَيِّدُ أَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ رُدَّتْ ، وَلَا زَكَاةَ ، كَمَالٍ ضَالٍّ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي .
ثُمَّ إنْ عَادَ طَرَفُ جَانٍّ رَدَّ مَا أَخَذَ .
وَفِي الْمُذْهَبِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ ثُمَّ نَبَتَتْ : لَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ .
مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مُدَّةٍ يَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ .
فَإِنْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَلِوَلِيِّهِ دِيَةُ سِنٍّ وَظُفْرٍ .
وَلَهُ فِي غَيْرِهِمَا الدِّيَةُ ، وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَهُ الْقَوَدُ حَيْثُ يُشْرَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ وَهُوَ قَوِيٌّ .

وَمَنْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ فَحَقُّهُ بِحَالِهِ ، وَيُبَيِّنُهُ إنْ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ وَإِلَّا فَلَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ خَاصَّةً ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي بَقَاءَ حَقِّهِ ، ثُمَّ إنْ أَبَانَهُ أَجْنَبِيٌّ وَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ فَفِي دِيَتِهِ وَجْهَانِ ( م 12 ) وَإِنْ أَبَانَ سِنًّا وُضِعَ مَحَلَّهُ وَالْتَحَمَ فَفِي الْحُكُومَةِ وَجْهَانِ ( م 13 ) وَلَوْ رَدَّ الْمُلْتَحِمُ الْجَانِي أُقَيِّدُ ثَانِيَةً فِي الْمَنْصُوصِ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ فِي عَدَمِ عَوْدِهِ وَالْتِحَامِهِ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : إنْ ادَّعَى انْدِمَالَهُ وَمَوْتَهُ بِغَيْرِ جُرْحِهِ وَأَمْكَنَ قُبِلَ ، وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ كَهِيَ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةُ فِي النَّفْسِ وَدُونَهَا ، فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَالْقَوَدُ ، وَكَذَا إنْ تَآكَلَتْ أُخْرَى وَسَقَطَتْ ، أَوْ الْيَدُ مِنْ الْكُوعِ ، وَإِنْ شُلَّتَا بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّهَا لُغَةً فَأَرْشُهُمَا .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا قَوَدَ بِنَقْضِهِ بَعْدَ بُرْئِهِ ، وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ هَدَرٌ ، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ ، بِخِلَافِ قَسَمِ الْخَطَإِ ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَسْأَلَةِ : اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي ، مَعَ تَحْرِيمِ الْإِذْنِ وَالْقَطْعِ ، فَهُنَا أَوْلَى .
فَإِنْ اقْتَصَّ قَهْرًا مَعَ حُرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ مَسْمُومَةٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : نِصْفُهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ وَطَرَفٍ فَقُطِعَ صَرْفُهُ فَسَرَى أَوْ صَالَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَدَفَعَهُ دَفْعًا جَائِزًا فَقَتَلَهُ هَلْ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ ؟ كَمَا يُجْزِئُ إطْعَامُ مُضْطَرٍّ مِنْ كَفَّارَةٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ وَكَذَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا فَصَلَّى قَضَاءً وَنَوَى كَفَاهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ .
وَلَا دِيَةَ لِجُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ فَلْيَسْتَقِرَّ بِهِ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : لَوْ قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدًا فَلَهُ أَخْذُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَبَعْدَهُ ، لَا الْقَوَدُ قَبْلَهُ .

مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ فَحَقُّهُ بِحَالِهِ ، وَيُبَيِّنُهُ إنْ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ ، وَإِلَّا فَلَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ خَاصَّةً ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي بَقَاءَ حَقِّهِ ، ثُمَّ إنْ أَبَانَهُ أَجْنَبِيٌّ وَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ فَفِي دِيَتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ وُجُوبُ حُكُومَةٍ لَا دِيَتِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْأَصْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : وَإِنْ قَلَعَهَا قَالِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَتُهَا ، ذَكَرَهُ فِي السِّنِّ ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يَنْبَنِي حُكْمُهَا عَلَى وُجُوبِ قَلْعِهَا ، فَإِنْ وَجَبَ فَلَا شَيْءَ ، وَإِلَّا اُحْتُمِلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِدِيَتِهَا ، وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ أَعَادَ السِّنَّ فَنَبَتَ ثُمَّ قَلَعَهُ آخَرُ غَرِمَ دِيَتَهَا وَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ الدِّيَةُ ، انْتَهَى .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَبَانَ سِنًّا وَضَعَ مَحَلَّهُ وَالْتَحَمَ فَفِي الْحُكُومَةِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ احْتِمَالَيْنِ ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : فَأَمَّا إنْ جَعَلَ مَكَانَهَا سِنًّا أُخْرَى أَوْ سِنَّ حَيَوَانٍ أَوْ عَظْمًا فَنَبَتَ وَجَبَتْ دِيَتُهَا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَإِنْ قُلِعَتْ هَذِهِ الثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ دِيَتُهَا ، لَكِنْ تَجِبُ حُكُومَةٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ ، انْتَهَى .
فَقَدَّمَا وُجُوبَ الْحُكُومَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ تَتِمَّةِ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَ فِيهَا حُكْمًا ، وَلَيْسَتَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ .

وَلَوْ زَادَ أَرْشُ جُرُوحٍ عَلَى الدِّيَةِ فَعَفَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ وَأَحَبَّ أَخْذِ الْمَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَقِيلَ : يَأْخُذُ دِيَةً ، لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِاحْتِمَالِ جُرُوحٍ تَطْرَأُ ( م 14 ) .
وَيَحْرُمُ الْقَوَدُ قَبْلَ بُرْئِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ ، فَسِرَايَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ هَدَرٌ ، قَالَ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ الْعَفْوُ بِالْقِصَاصِ .
وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِخَبَرٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَبِأَنَّهُ تَعَجَّلَ حَقَّهُ ، كَقَتْلِ مَوْرُوثِهِ .
مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ زَادَ أَرْشُ جُرْحٍ عَلَى الدِّيَةِ فَعَفَا عَنْ الْقَوَدِ إلَى الدِّيَةِ ، وَأَحَبَّ أَخْذَ الْمَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَقِيلَ : يَأْخُذُ دِيَةً ، لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِاحْتِمَالِ جُرُوحٍ تَطْرَأُ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَأْخُذُ دِيَةً ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَاحْتِمَالُ جُرُوحٍ تَطْرَأُ الْأَصْلُ عَدَمُهَا .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لَا يَأْخُذُهَا ، لِمَا عَلَّلَهَا بِهِ الْمُصَنِّفُ ، فَهَذِهِ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا حَدِيدَةً عَلَى طَرَفِهِ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ حَتَّى بَانَ فَالْقَوَدُ كَالنُّفُوسِ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : لَوْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا يَقْطَعُ يَدًا حَنِثَ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعٌ لِجَمِيعِ الْيَدِ ، سَلَّمْنَا ، لَكِنْ تُقْطَعُ يَدُهُ ، لِأَنَّهُ قَطَعَ بَعْضَهَا وَأَعَانَ عَلَى الْبَاقِي ، أَوْ يُقْطَعُ بَعْضُهَا قَوَدًا وَالْبَاقِي مُؤْنَةٌ ، ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ ، وَعَنْهُ : لَا قَوَدَ ، كَمَا لَوْ تَمَيَّزَتْ أَفْعَالُهُمْ .

بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ وَلَهُ شُرُوطٌ : ( أَحَدُهَا ) كَوْنُ مُسْتَحِقِّهِ مُكَلَّفًا ، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا حُبِسَ الْجَانِي إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ ، فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ فَهَلْ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَنَصُّهُ : يَعْفُو فِي مَجْنُونٍ لَا صَبِيٍّ ( م 1 ) وَعَنْهُ : لِأَبٍ ، وَعَنْهُ : وَوَصِيٌّ وَحَاكِمٌ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا فِي نَفْسٍ وَدُونَهَا ، فَيَعْفُو إلَى الدِّيَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا سَقَطَ حَقُّهُمَا ، كَمَا لَوْ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَتَهُ ، وَقِيلَ : لَا تَسْقُطُ وَلَهُمَا الدِّيَةُ ، وَجِنَايَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ : .
بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ ( أَحَدُهُمَا ) كَوْنُ مُسْتَحِقِّهِ مُكَلَّفًا ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ فَهَلْ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَنَصُّهُ : يَعْفُو فِي مَجْنُونٍ لَا صَبِيٍّ ، انْتَهَى .
وَهُمَا احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ ، وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَهُ الْعَفْوُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
قَالَ الْقَاضِي : هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَالْمَنْصُوصُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ .

الشَّرْطُ الثَّانِي ) اتِّفَاقُ الْمُشْتَرَكِينَ فِيهِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ ، وَيُنْتَظَرُ قُدُومُ غَائِبٍ وَبُلُوغٌ وَإِفَاقَةٌ ، كَدِيَةٍ ، وَكَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ ، بِخِلَافِ مُحَارَبَةٍ ، لِتَحَتُّمِهِ ، وَحَدِّ قَذْفٍ لِوُجُوبِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا ، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا : وَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتَصُّ وَلَا يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصِّغَارِ ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ ، وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْإِمَامِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لَا بِحُكْمِ الْأَدَبِ قَالَ الْأَصْحَابُ : وَإِنَّمَا قَتَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ابْنَ مُلْجِمٍ حَدًّا لِكُفْرِهِ ، لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَافِرٌ ، وَقِيلَ : لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرْ الْحَسَنُ غَائِبًا مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَعَنْهُ : لِشَرِيكٍ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ الِانْفِرَادُ بِهِ ، وَإِنْ مَاتَا فَوَارِثُهُمَا كَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي مُوسَى : تَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِهِ مَنْ مَنَعْنَاهُ عُزِّرَ فَقَطْ ، وَحَقُّ شُرَكَائِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي ، وَيَأْخُذُ وَارِثُهُ مِنْ الْمُقْتَصِّ الزَّائِدَ عَنْ حَقِّهِ ، وَقِيلَ : حَقُّ شُرَكَائِهِ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ عَنْ الْجَانِي .
وَفِي الْوَاضِحِ احْتِمَالٌ : يَسْقُطُ حَقُّهُمْ ، عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَيْنًا ، وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ بِعَفْوِ شَرِيكٍ عَنْهُ ، وَبِشَهَادَتِهِ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِهِ لِكَوْنِهِ أَقَرَّ بِأَنَّ نَصِيبَهُ سَقَطَ مِنْ الْقَوَدِ ، وَحَقُّ الْبَاقِينَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : إنْ عَفَا أَحَدُهُمْ فَلِلْبَقِيَّةِ الدِّيَةُ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ قَتَلُوهُ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَبِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ لَزِمَهُمْ الْقَوَدُ وَإِلَّا الدِّيَةُ ، وَإِنْ قَتَلَهُ الْعَافِي قُتِلَ وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ أَوْ جَوَازَهُ .

وَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ الْقَوَدَ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْ مَالِهِ ، وَعَنْهُ : يَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّاءِ ، وَخَرَّجَهَا شَيْخُنَا وَاخْتَارَهَا .
وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً أَمْ يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْرُوثِهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ لَهُ الْقَوَدُ .
وَفِي الِانْتِصَارِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ، لِأَنَّ بِنَا حَاجَةً إلَى عِصْمَةِ الدِّمَاءِ ، فَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَقَتَلَ كُلُّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ، قَالَا : وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ .
وَفِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ ، كَوَالِدٍ لِوَلَدِهِ وَالْأَشْهَرُ وَالِدَيْهِ ، وَقِيلَ : وَعَفْوُهُ مَجَّانًا .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً أَوْ يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْرُوثِهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي بِذَلِكَ الْقَوَدَ هَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ ابْتِدَاءً أَمْ يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْرُوثِهِ ؟ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ : حَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْقِصَاصِ ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِلْوَارِثَةِ ابْتِدَاءً أَوْ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ ؟ انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً ، لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَنْتَقِلُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَيْهِمْ عَنْ مَوْرُوثِهِمْ .
( قُلْت ) : قَدْ حَكَى الْأَصْحَابُ رِوَايَتَيْنِ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ ، هَلْ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ بِالْمَوْتِ ؟ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ سَبَبَهَا وُجِدَ فِي حَيَاتِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : { قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدِّيَةَ مِيرَاثٌ } ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَتَصْحِيحِ الْمُقْنِعِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ ، فَكَذَا يَكُونُ الْقَوَدُ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا : لَوْ عَفَا الْمَقْتُولُ عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ صَحَّ ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ مُنَجَّى وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ .
قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ : صَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ، فَهُوَ كَمَالِهِ ، انْتَهَى .
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوَدَ انْتَقَلَ عَنْ الْمَقْتُولِ إلَى الْوَارِثِ كَالدِّيَةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الدِّيَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ ، وَأَنَّ

الْأَصْحَابَ قَالُوا بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ تِلْكَ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) أَنْ يُؤْمِنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ أَنْ يَتَعَدَّى الْجَانِي ، فَلَوْ لَزِمَ الْقَوَدُ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فَحَمَلَتْ لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ ، ثُمَّ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَةً .
وَفِي التَّرْغِيبِ : تُلْزَمُ بِرَضَاعِهِ بِأُجْرَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَتَّى تَفْطِمَهُ لِحَوْلَيْنِ وَفِي الْمُغْنِي : لَهُ الْقَوَدُ إنْ سُقِيَ لَبَنُ شَاةٍ ، وَتُقَادُ فِي طَرَفِهَا بِالْوَضْعِ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَسَقْيِ اللِّبَأِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَيَفْرُغُ نِفَاسُهَا .
وَفِي الْبُلْغَةِ : هِيَ فِيهِ كَمَرِيضٍ ، وَأَنَّهُ إنْ تَأَثَّرَ لَبَنُهَا بِالْجَلْدِ وَلَا مُرْضِعَ آخَرُ ، وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ كَالْقَوَدِ .
وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي تَأْخِيرَ الرَّجْمِ حَتَّى تَفْطِمَهُ .
وَقِيلَ : يَجِبُ .
نَقَلَ الْجَمَاعَةُ : تُتْرَكُ حَتَّى تَفْطِمَهُ .
وَلَا تُحْبَسُ لِحَدٍّ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، بَلْ لِقَوَدٍ وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ ، لَا فِي مَالِ غَائِبٍ .

فَإِنْ ادَّعَتْ حَمْلًا حُبِسَتْ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهَا ، وَقِيلَ : يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِامْرَأَةٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي التَّرْغِيبِ : لَا قَوَدَ مِنْ مَنْكُوحَةٍ مُخَالِطَةٍ لِزَوْجِهَا ، وَفِي حَالَةِ الظِّهَارِ احْتِمَالَانِ ( م 3 ) وَيَضْمَنُ مُقْتَصٌّ مِنْ حَامِلٍ جَنِينَهَا ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ إنْ عَلِمَهُ وَحْدَهُ ، وَقِيلَ حَاكِمٌ مَكَّنَهُ إنْ عِلْمًا أَوْ جَهْلًا ، وَإِلَّا مِنْ عِلْمٍ ، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ حَدَثَ قَبْلَ الْوَضْعِ .
وَفِي الْمُذْهَبِ فِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ ادَّعَتْ حَمْلًا حُبِسَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا ، وَقِيلَ : تُقْبَلُ بِامْرَأَةٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي التَّرْغِيبِ : لَا قَوَدَ مِنْ مَنْكُوحَةٍ مُخَالِطَةٍ لِزَوْجِهَا .
وَفِي حَالَةِ الظِّهَارِ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
قُلْت ) : الَّذِي يَقْوَى أَنَّهَا كَالْمَنْكُوحَةِ الْمُخَالِطَةِ لِزَوْجِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَحْرُمُ اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ إلَّا بِحَضْرَةِ سُلْطَانٍ ، وَفِي النَّفْسِ احْتِمَالٌ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَيَقَعُ الْمَوْقِعَ ، وَلَهُ تَعْزِيرُهُ ، وَفِي الْمُغْنِي : يُعَزِّرُهُ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَا يُعَزِّرُهُ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ كَالْمَالِ ، نَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعَدَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ قَالَ : هَذَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ، مَا لِلْحَاكِمِ هُنَا ؟ وَآلَةٍ مَاضِيَةٍ ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ وَأَحْسَنُهُ بَاشَرَ أَوْ وَكَّلَ .
وَقِيلَ : لَا يُبَاشِرُ فِي طَرَفٍ ، وَقِيلَ : يُوَكِّلُ فِيهِمَا ، كَجَهْلِهِ ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ الْجَانِي كَحَدٍّ ، وَقِيلَ : مِنْهُ ، وَإِنْ تَشَاحَّ جَمَاعَةٌ فِي مُبَاشَرَتِهِ أُقْرِعَ ، وَقِيلَ : يُعَيِّنُ إمَامٌ .

، فَإِنْ اقْتَصَّ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ فَفِي جَوَازِهِ بِرِضَا وَلِيٍّ وَجْهَانِ ، وَصُحِّحَ فِي التَّرْغِيبِ : لَا يَقَعُ قَوَدًا .
وَفِي الْبُلْغَةِ : يَقَعُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ( م 4 ) .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ اقْتَصَّ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ فَفِي جَوَازِهِ بِرِضَا وَلِيٍّ وَجْهَانِ ، وَصَحَّحَ فِي التَّرْغِيبِ : لَا يَقَعُ قَوَدًا .
وَفِي الْبُلْغَةِ يَقَعُ ، وَفِي الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَجُوزُ ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .

قَالَ : وَلَوْ أَقَامَ حَدَّ زِنًا أَوْ قَذْفٍ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنٍ لَمْ يَسْقُطْ ، بِخِلَافِ قَطْعِ سَرِقَةٍ .
وَلَهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ إنْ قَوِيَ وَأُحَسِّنُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ ، لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةٍ ، لِفَوَاتِ الرَّدْعِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا اضْطَرَبَتْ يَدُهُ فَجَنَى عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي عَلَى جَوَازِهِ إذْنًا ، وَيُتَوَجَّهُ اعْتِبَارُهُ ، وَهُوَ مُرَادُ الْقَاضِي ، وَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ ؟ يُتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْقَوَدِ ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ فِي حَدِّ زِنًا وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ ، كَحَدِّ سَرِقَةٍ ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ ، وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ الْوَاجِبِ قَطْعُهُ ، وَعَدَمُ حُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ بِجَلْدِهِ نَفْسَهُ ، وَقَدْ يُقَالُ بِحُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لِحُصُولِ الْأَلَمِ وَالتَّأَذِّي بِذَلِكَ .

وَلَا يُسْتَوْفَى قَوَدٌ فِي النَّفْسِ إلَّا بِسَيْفٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ ، كَلِوَاطٍ وَتَجْرِيعِ خَمْرٍ .
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ فِي قَوَدٍ : وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِي النَّفْسِ إلَّا بِسَيْفٍ ، لِأَنَّهُ أَوْحَى ، لَا بِسِكِّينٍ وَلَا فِي طَرَفٍ إلَّا بِهَا لِئَلَّا يَحِيفَ وَأَنَّ الرَّجْمَ بِحَجَرٍ لَا يَجُوزُ بِسَيْفٍ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَفِعْلِهِ وَقَتْلِهِ بِسَيْفٍ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ .
وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ : أَوْ الدِّيَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ .

، وَإِنْ عَفَا وَقَدْ قُطِعَ مَا يَلْزَمُ بِهِ فَوْقَ دِيَةٍ فَفِي لُزُومِهِ الزَّائِدَ احْتِمَالَانِ ( م 5 ) وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَعَنْهُ : يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ إنْ كَانَ فِعْلُهُ مُوجِبًا ، وَعَنْهُ : أَوْ مُوجِبًا لِقَوَدِ طَرَفِهِ لَوْ انْفَرَدَ ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَفِي دُخُولِ قَوَدِ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ كَدُخُولِهِ فِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ ( م 6 ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : فَائِدَتُهُ لَوْ عَفَا عَنْ النَّفْسِ سَقَطَ الْقَوَدُ فِي الطَّرَفِ ، لِأَنَّ قَطْعَ السِّرَايَةِ كَانْدِمَالِهِ ، وَإِنْ فَعَلَ بِهِ الْوَلِيُّ ، كَفِعْلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ .
وَإِنْ زَادَ أَوْ تَعَدَّى بِقَطْعِ طَرَفِهِ فَلَا قَوَدَ ، وَيَضْمَنُهُ بِدِيَتِهِ عَفَا عَنْهُ أَوْ لَا ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ ، وَجَزَمُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَقَالُوا : أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، أَوْ يَقْتُلُهُ .

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ عَفَا وَقَدْ قُطِعَ مَا يَلْزَمُ بِهِ فَوْقَ دِيَةٍ فَفِي لُزُومِ الزَّائِدِ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَلْزَمُ الزَّائِدُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي ) يَلْزَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَعْنِي إذَا قُلْنَا : لَا يُسْتَوْفَى الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ إلَّا بِالسَّيْفِ لَوْ فَعَلَ يَعْنِي بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَفِي دُخُولِ قَوَدِ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ كَدُخُولِهِ فِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( إحْدَاهُمَا ) يَدْخُلُ قَوَدُ الطَّرَفِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ ، وَيَكْفِي قَتْلُهُ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَدْخُلُ ، فَلَهُ قَطْعُ طَرَفِهِ ثُمَّ قَتْلُهُ ( قُلْت ) هُوَ الصَّوَابُ .

، وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَقِيلَ : كَقَطْعِ يَدِهِ ، وَقِيلَ : دِيَةُ رِجْلِهِ ( م 7 ) ، وَإِنْ ظَنَّ وَلِيُّ دَمٍ أَنَّهُ اقْتَصَّ فِي النَّفْسِ فَلَمْ يَكُنْ وَدَاوَاهُ أَهْلُهُ حَتَّى بَرَأَ ، فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ إلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ وَقَتْلِهِ ، وَإِلَّا تَرَكَهُ ، هَذَا رَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ .
مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَقِيلَ : كَقَطْعِ يَدِهِ ، وَقِيلَ : دِيَةُ رِجْلِهِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) تَجِبُ دِيَةُ رِجْلِهِ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لَا قَطْعُ مَا لَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) هُوَ كَقَطْعِ يَدِهِ فَيُجْزِئُ .

فَصْلٌ وَإِنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فِي وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ فَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِالْقَوَدِ اكْتِفَاءً أُقَيِّدُ ، وَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَلِيٍّ قَتْلَهُ عَلَى الْكَمَالِ فَقِيلَ : بِالْقُرْعَةِ ، وَقِيلَ : بِالسَّبْقِ ، وَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ ، كَمَا لَوْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ ، فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ ، وَقِيلَ : يُقَادُ لِلْكُلِّ اكْتِفَاءً مَعَ الْمَعِيَّةِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : إذَا طَلَبُوا الْقَوَدَ فَقَدْ رَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ ( م 8 ) قَالَ : وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُجْبَرَ لَهُ بَاقِي حَقِّهِ بِالدِّيَةِ ، وَيُتَخَرَّجُ : يُقْتَلُ بِهِمْ فَقَطْ ، عَلَى رِوَايَةِ يَجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَفَقِيرٍ ، وَفِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ كَخَطَإٍ ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُحَارَبَةَ كَمَسْأَلَتِنَا ، لِتَغْلِيبِ الْقَوَدِ فِيهَا ، لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِقَتْلِهِ غَيْرَ مُكَافِئِهِ ، وَفِيهِ : هِيَ لِلَّهِ ، بِدَلِيلِ الْعَفْوِ ، فَيَتَدَاخَلُ ، وَلَوْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ فَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ عَلَى جَانٍ ، وَفِي كِتَابِ الْآمِدِيِّ الْبَغْدَادِيِّ : وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ ، وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ وَابْنُ رَزِينٍ : عَلَى قَاتِلِهِ .
وَفِي الْخِلَافِ فِي تَيَمُّمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً لِبَعْضِ بَدَنِهِ .

( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِالْقَوَدِ اكْتِفَاءٍ أُقِيدَ ، وَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَلِيٍّ قَتْلَهُ عَلَى الْكَمَالِ فَقِيلَ : بِالْقُرْعَةِ ، وَقِيلَ : بِالسَّبْقِ ، وَقِيلَ : يُقَادُ لِلْكُلِّ اكْتِفَاءً مَعَ الْمَعِيَّةِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : إذَا طَلَبُوا الْقَوَدَ فَفِي رِضَى كُلِّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَيْنِ الزَّرْكَشِيّ .
( أَحَدُهُمَا ) الِاعْتِبَارُ بِالسَّبْقِ فَيُقَادُ لِلْأَوَّلِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ الْخِرَقِيُّ وَ الشَّيْخُ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّارِحُ ، وَابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ ، وَإِنْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ ، انْتَهَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَهُوَ أَقْيَسُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .

: لَوْ قَطَعَ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ لَهُمَا أُخِذَ مِنْهُ نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَبَعْضِ الْمُبْدَلِ ، وَمَنْ رَضِيَ بِالدِّيَةِ أَخَذَهَا ، وَلِمَنْ بَقِيَ الْقَوَدُ ، وَيُقَدَّمُ قَوَدُ الطَّرَفِ عَلَى النَّفْسِ ، وَلَا قَوَدَ فِيهِمَا حَتَّى يَنْدَمِلَ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : إنْ قَتَلَ رَجُلًا وَقَطَعَ يَدَ آخَرَ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ ، وَلَا يَذْهَبُ الْحَقُّ لِهَذَا إذَا كَانَ حَيًّا ، وَإِنْ قُتِلَ فَهِيَ نَفْسُهُ لَيْسَ هُنَا شَيْءٌ غَيْرَهَا .

وَإِنْ قَطَعَ يَدَ وَاحِدٍ وَأُصْبُعَ آخَرَ قُدِّمَ رَبُّ الْيَدِ إنْ كَانَ أَوَّلًا ، وَلِلْآخَرِ دِيَةُ أُصْبُعِهِ ، وَمَعَ أَوَّلِيَّتِهِ يُقْتَصُّ ، ثُمَّ رَبُّ الْيَدِ ، فَفِي أَخْذِهِ دِيَةَ الْإِصْبَعِ الْخِلَافُ ، وَإِنْ قَطَعَ يَسَارَ جَانٍ مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ بِهَا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ قَالَ لَهُ أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ غَلَطًا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُ أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ لَا تُجْزِئُ ، وَتُضْمَنُ بِالدِّيَةِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا عَمْدًا لَا بَدَلًا عَنْ يَمِينِهِ فَتُهْدَرُ وَلَهُ قَطْعُ يَمِينِهِ بَعْدَ بُرْءِ الْيَسَارِ إلَّا مَعَ تَرَاضِيهِمَا ، فَفِي سُقُوطِهِ إلَى الدِّيَةِ وَجْهَانِ ( م 9 ) .
مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَلَهُ قَطْعُ يَمِينِهِ بَعْدَ بُرْءِ الْيَسَارِ إلَّا مَعَ تَرَاضِيهِمَا فَفِي سُقُوطِهِ إلَى الدِّيَةِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا قُطِعَ يَسَارُ جَانٍ لَزِمَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ بِتَرَاضِيهِمَا وَقُلْنَا : لَا تُجْزِئُ .
( أَحَدُهُمَا ) يَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ قَطْعِ الْيَمِينِ ، وَإِذَا لَمْ تُجْزِ أُخِذَتْ الدِّيَةُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَسْقُطُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ

وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ مَجْنُونًا يَلْزَمُ قَاطِعَ يَسَارِهِ الْقَوَدُ إنْ عَلِمَهَا وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ ، وَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا فَالدِّيَةُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَجْنُونًا وَالْآخَرُ عَاقِلًا ذَهَبَتْ هَدَرًا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ دُهِشَ اُقْتُصَّ مِنْ يَسَارِ الْقَاطِعِ ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّثَبُّتِ .
وَقَالَ : إنْ قَطَعَهَا ظُلْمًا عَالِمًا عَمْدًا فَالْقَوَدُ ، وَقِيلَ : الدِّيَةُ ، وَيُقْتَصُّ مِنْ يُمْنَاهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ .

بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ يَجِبُ بِالْعَمْدِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ ، فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا ، وَعَفْوُهُ مَجَّانًا أَفْضَلُ ، ثُمَّ لَا عُقُوبَةَ عَلَى جَانٍ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ ، وَقَدْ سَقَطَ ، كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ قَاتِلٍ خَطَأً ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي قَوْلٌ فِي تَعْزِيرِهِ .
قَالَ شَيْخُنَا : الْعَدْلُ نَوْعَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) هُوَ الْغَايَةُ ، وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ ( وَالثَّانِي ) مَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ أَفْضَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ عَدْلُ الْإِنْسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ عَدْلٌ ، وَالْعَفْوَ إحْسَانٌ ، وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ ، لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إحْسَانًا إلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ ضَرَرٌ كَانَ ظُلْمًا مِنْ الْعَافِي ، إمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ ، فَلَا يُشْرَعُ ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ الْمُحَارِبِينَ ، [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] فَإِنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ أَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ فَلَهُ أَخْذُهَا وَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا .
وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي غَيْرِ الصُّلْحِ : لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، كَطَلَاقِ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ فَوْقَ أَرْبَعٍ ، وَقِيلَ لَهُ فِي الِانْتِصَارِ .

: لَوْ كَانَ الْمَالُ بَدَلَ النَّفْسِ فِي الْعَمْدِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ ، فَقَالَ : كَذَا نَقُولُ عَلَى رِوَايَةٍ يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ تَعَيَّنَتْ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنْ الدَّمِ ، فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَخْذِهَا قُتِلَ بِهِ ، وَعَنْهُ : يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا ، وَلَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ ، وَعَنْهُ : بِرِضَا الْجَانِي ، فَقَوَدُهُ بَاقٍ ، وَلَهُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ ، وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَوْ عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا وَلَوْ عَنْ يَدِهِ فَلَهُ الدِّيَةُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، عَلَى الْأُولَى خَاصَّةً ، وَإِنْ هَلَكَ الْجَانِي تَعَيَّنَتْ فِي مَالِهِ ، كَتَعَذُّرِهِ فِي طَرَفِهِ ، وَقِيلَ : تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ، وَعَنْهُ : إنْ قُتِلَ فَلِوَلِيِّ الْأَوَّلِ قَتْلُ قَاتِلِهِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ ، كَالْقَتْلِ [ فِي ] مُكَابَرَةٍ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي قَاتِلِ الْأَئِمَّةِ : يُقْتَلُ حَدًّا ، لِأَنَّ فَسَادَهُ عَامٌّ أَعْظَمُ مِنْ مُحَارِبٍ ، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ عَنْ قَوَدٍ فِي طَرَفٍ ثُمَّ قَتَلَهُ الْجَانِي قَبْلَ الْبُرْءِ فَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ أَوْ دِيَتُهَا ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : تَتِمَّةُ الدِّيَةِ .

وَإِنْ قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ : عَفَوْت عَنْ جِنَايَتِك أَوْ عَنْك ، بَرِئَ مِنْ الدِّيَةِ ، كَالْقَوَدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : إنْ قَصَدَهَا ، وَقِيلَ : إنْ ادَّعَى قَصْدَ الْقَوَدِ فَقَطْ قُبِلَ وَإِلَّا بَرِئَ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ بَقِيَتْ الدِّيَةُ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ عَفَا مَجْرُوحٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً صَحَّ ، كَعَفْوِ وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَعَنْهُ : فِي الْقَوَدِ إنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قَوَدَ فِيهِ لَوْ بَرَأَ ، وَعَنْهُ : لَا يَصِحُّ عَنْ الدِّيَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ : يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ لَا الْوَصِيَّةِ ، وَفِيهِ يُخَرِّجُ فِي السِّرَايَةِ فِي النَّفْسِ رِوَايَاتٍ : الصِّحَّةُ ، وَعَدَمُهَا ، وَالثَّالِثَةُ : يَجِبُ النِّصْفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الْعَفْوِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ ، وَيَبْقَى مَا قَابَلَ السِّرَايَةَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ .
قَالَ : وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إلَى صِحَّتِهِ فِي الْعَمْدِ ، وَفِي الْخَطَإِ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ قَالَ : عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبَةِ ، فَعَنْهُ : يَضْمَنُ السِّرَايَةَ بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ إنْ لَمْ يَقُلْ ، وَمَا يَحْدُثُ [ مِنْهَا ] كَعَفْوِهِ عَلَى مَالٍ ، وَعَنْهُ لَا ، كَعَفْوِهِ عَنْ الْجِنَايَةِ ( م 1 ) وَإِنْ قَصَدَ بِالْجِنَايَةِ الْجُرْحَ فَفِيهِ عَلَى الْأَوْلَى وَجْهَانِ ( م 2 ) وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ فِي عَفَوْت إلَى مَالٍ أَوْ دُونَ سِرَايَتِهَا ، وَيَصِحُّ مِنْ مَجْرُوحٍ : أَبْرَأْتُك مِنْ دَمِي وَنَحْوِهِ مُعَلَّقًا بِمَوْتِهِ ، فَلَوْ بَرَأَ بَقِيَ حَقُّهُ ، بِخِلَافِ : عَفَوْت عَنْك وَنَحْوُهُ .
وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ قَوَدِ شَجَّةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا ، وَمَنْ صَحَّ عَفْوُهُ فَإِنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ مَالًا عَيْنًا فَكَوَصِيَّةٍ ، وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا مِنْ ثُلُثِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَلِذَلِكَ صَحَّ عَفْوُ الْمُفْلِسِ مَجَّانًا ، مَعَ أَنَّهُ هُوَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَجَمَاعَةٌ لَمْ يُصَحِّحُوهُ إنْ قِيلَ يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ .

بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ قَالَ عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبَةِ ، فَعَنْهُ : يَضْمَنُ السِّرَايَةَ بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ إنْ لَمْ يَقُلْ ، وَمَا يَحْدُثُ كَعَفْوِهِ عَلَى مَالٍ ، وَعَنْهُ : لَا ، كَعَفْوِهِ عَنْ الْجِنَايَةِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَقُلْنَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ .
( إحْدَاهُمَا ) يَضْمَنُ السِّرَايَةَ بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ إرَادَةَ الْعَفْوِ عَمَّا يَحْدُثُ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِرَادَةِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَضْمَنُ السِّرَايَةَ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَصَدَ بِالْجِنَايَةِ الْجُرْحَ فَفِيهِ عَلَى الْأُولَى وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
[ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : يُقْبَلُ قَوْلُهُ ] قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : فَلَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَلَا شَيْءَ فِي السِّرَايَةِ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، لَا إذَا قَالَ : أَرَدْت بِالْجِنَايَةِ الْجِرَاحَةَ نَفْسَهَا دُونَ سِرَايَتِهَا ، وَقُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَقِيلَ : لَا يُقْبَلُ ، انْتَهَى .
فَقَدَّمَ قَبُولَ قَوْلِهِ ، وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي النَّظْمِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَإِنْ أَبْرَأَ عَبْدًا مِنْ جِنَايَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِرَقَبَتِهِ لَمْ يَصِحَّ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَحُرٍّ جِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَيَصِحُّ إبْرَاءُ عَاقِلَتِهِ إنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِلْمَقْتُولِ ، كَإِبْرَاءِ سَيِّدٍ ، كَعَفْوِهِ عَنْهَا وَلَمْ يُسَمِّ الْمُبْرَأَ .

، وَإِنْ وَكَّلَ فِي قَوَدٍ ثُمَّ عَفَا فَاقْتَصَّ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ، وَقِيلَ : بِضَمَانِهِمَا ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْعَافِي ، وَقِيلَ : الضَّمَانُ عَلَى الْوَكِيلِ حَالًا ، وَقِيلَ : عَلَى عَاقِلَتِهِ ، فَعَلَيْهِمَا إنْ كَانَ عَفَا إلَى الدِّيَةِ فَهِيَ لِلْعَافِي عَلَى الْجَانِي ، وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قَوَدٌ أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ فَلَهُ طَلَبُهُ وَإِسْقَاطُهُ ، فَإِنْ مَاتَ فَلِسَيِّدِهِ ، [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الدِّيَاتِ كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إنْسَانًا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ ، فَإِذَا أَلْقَى عَلَيْهِ أَفْعَى ، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا ، أَوْ طَلَبَهُ بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ وَنَحْوِهِ ، فَهَرَبَ فَتَلِفَ فِي هَرَبِهِ وَفِي التَّرْغِيبِ : وَعِنْدِي مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إلْقَاءَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِتَلَفِهِ ، لِأَنَّهُ كَمُبَاشِرٍ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ أَوْ رَوَّعَهُ بِأَنْ شَهَرَهُ فِي وَجْهِهِ ، أَوْ دَلَّاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ ، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا مُحَرَّمًا ، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا ، أَوْ قِشْرَ بِطِّيخٍ أَوْ صَبَّ مَاءً فِي فِنَائِهِ ، أَوْ طَرِيقٍ ، فَتَلِفَ بِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
أَوْ رَمَى مِنْ مَنْزِلِهِ حَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ ، أَوْ حَمَلَ بِيَدِهِ رُمْحًا جَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ خَلْفَهُ ، لَا قَائِمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ يَمْشِي .
لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ ، فَأَتْلَفَ إنْسَانًا ، أَوْ وَقَعَ عَلَى نَائِمٍ بِفِنَاءِ جِدَارٍ فَتَلِفَ بِهِ ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ الْأَخِيرَةَ فِي الرَّوْضَةِ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ ، وَإِنْ تَلِفَ الْوَاقِعُ فَهَدَرٌ ، لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّائِمِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ رَشَّهُ لِيُسْكِنَ الْغُبَارَ فَمَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ ، كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي سَابِلَةٍ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إنْ أَلْقَى كِيسَهُ فِيهِ دَرَاهِمُ فَكَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا فِيهَا لَيْسَ مَنْفَعَةٌ ضَمِنَ ، وَإِنْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّةُ رَاكِبٍ وَقَائِدٍ وَسَائِقٍ ضَمِنَهُ ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ : لَا كَمَنْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ فَمَاتَ وَنَحْوُهُ ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ .

كِتَابُ الدِّيَاتِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ رَشَّهُ لِيَسْكُنَ الْغُبَارُ فَمَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي سَابِلَةٍ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ يَعْنِي فِي الضَّمَانِ بِحَفْرِ ذَلِكَ .
( قُلْت ) : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الضَّمَانِ ، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْغَصْبِ فَقَالَ : وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ضَرَرَ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ ، وَعَنْهُ : إذَا كَانَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ ، وَعَنْهُ : يَضْمَنُ مُطْلَقًا ، انْتَهَى .
وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُنَاكَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ هُنَا حِكَايَةَ الْخِلَافِ لَا إطْلَاقَهُ ، أَوْ يَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ .

وَإِنْ كَانَ وَاضِعُ الْحَجَرِ آخَرُ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَقَدْ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ ، فَعَنْهُ : يُحَالُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَشْهُرُ فَضَمَانُهُ عَلَى الْوَاضِعِ ، كَالدَّافِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقَتْلَ عَادَةً لِمُعَيَّنٍ ، بِخِلَافِ مُكْرَهٍ وَعَنْهُ : عَلَيْهِمَا ( م 2 ) فَيَخْرُجُ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُتَسَبِّبِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ كَقَاتِلٍ وَمُمْسِكٍ ، وَإِنْ تَعَدَّى أَحَدُهُمَا خُصَّ بِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ كَانَ وَاضِعُ الْحَجَرِ آخَرَ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَقَدْ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ ، فَعَنْهُ : يُحَالُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَشْهَرُ ، فَضَمَانُهُ عَلَى الْوَاضِعِ ، وَعَنْهُ : عَلَيْهِمَا " ، انْتَهَى .
مَا قَالَهُ إنَّهُ أَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ أَعْمَقَ بِئْرًا قَصِيرَةً ضَمِنَا التَّالِفَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ تَلِفَ أَجِيرٌ لِحَفْرِ بِئْرٍ بِهَا فَهَدَرٌ ، وَكَذَا إنْ دَعَا مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِدَارِهٍ أَوْ بِمَعْدِنٍ فَمَاتَ بِهَدْمٍ لَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ .

وَإِنْ حَفَرَ بِبَيْتِهِ بِئْرًا وَسَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ ، فَمَنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ فَالْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَمَكْشُوفَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ إذْنِهِ ، وَقِيلَ : وَكَشَفَهَا ، وَلَوْ وَضَعَ آخَرُ فِيهَا سِكِّينًا ضَمِنُوهُ بَيْنَهُمْ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .

وَإِنْ قَرَّبَ صَغِيرًا مِنْ هَدَفٍ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ ضَمِنَهُ الْمُقَرِّبُ ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ نَفْسًا فَجِنَايَةُ خَطَإٍ مِنْ مُرْسِلِهِ ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ ضَمِنَهُ أَيْضًا ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ : مَا جَنَى فَعَلَى الصَّبِيِّ ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَكَغَصْبِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ

وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَعَرَفْت أَرْضُهُ بِهِ فَدِيَتُهُ ، وَإِنْ تَلِفَ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ فَرِوَايَتَانِ ( م 3 ) .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ فَدِيَتُهُ ، وَإِنْ تَلِفَ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ فَرِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَكْثَرُهُمْ ذَكَرَهُمَا فِيمَا إذَا مَاتَ بِمَرَضٍ وَذَكَرَهُمَا وَجْهَيْنِ : ( إحْدَاهُمَا ) تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا تَجِبُ : نَقَلَهَا أَبُو الصَّقْرِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ بِهِ إلَى أَرْضٍ بِهَا الطَّاعُونُ أَوْ وَبِيئَةٌ وَجَبَتْ الدِّيَةُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَمْ أَرَهُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ : وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ : لَا يَضْمَنُ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّاعِقَةِ وَالْمَرَضِ ، وَهُوَ الْحَقُّ ، انْتَهَى .

وَإِنْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا أَوْ غَلَّهُ فَتَلِفَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ حَيَّةٍ فَوَجْهَانِ ( م 4 ) .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا أَوْ غَلَّهُ فَتَلِفَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ حَيَّةٍ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تَجِبُ .

وَإِنْ اصْطَدَمَ رَجُلَانِ أَوْ رَاكِبَانِ أَوْ مَاشٍ أَوْ رَاكِبٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : بَصِيرَانِ أَوْ ضَرِيرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَمَاتَا أَوْ دَابَّتَاهُمَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مُتْلِفَ الْآخَرَ ، وَقِيلَ : نِصْفَهُ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ : إنْ غَلَبَتْ الدَّابَّةُ رَاكِبَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ .
وَإِنْ اصْطَدَمَا عَمْدًا وَيُقْتَلُ غَالِبًا فَهَدَرٌ ، وَإِلَّا شِبْهُ عَمْدٍ ، وَمَا تَلِفَ لِلسَّائِرِ مِنْهُمَا لَا يَضْمَنُهُ وَاقِفٌ وَقَاعِدٌ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَقِيلَ : بَلَى مَعَ ضِيقِ الطُّرُقِ ، وَفِي ضَمَانِ سَائِرِ مَا أَتْلَفَ لِوَاقِفٍ وَقَاعِدٍ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ وَجْهَانِ ( م 5 ) .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ " وَفِي ضَمَانِ سَائِرِ [ مَا أَتْلَفَ ] لِوَاقِفٍ وَقَاعِدٍ فِي طَرِيقٍ ضِيقٍ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَضْمَنُهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .

وَإِنْ اصْطَدَمَ قِنَّانِ مَاشِيَانِ فَهَدَرٌ ، لَا حُرٌّ وَقِنٌّ ، فَقِيمَةُ قِنٍّ ، وَقِيلَ : نِصْفُهَا فِي تَرِكَةِ حُرٍّ ، وَدِيَةُ حُرٍّ وَيُتَوَجَّهُ الْوَجْهُ أَوْ نِصْفُهَا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ .

وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مُتْلَفَ الْآخَرِ .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ فَرَّطَا وَقَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُصْعَدَ مِنْهُمَا بَلْ الْمُنْحَدِرُ إنْ لَمْ يَغْلِبْهُ رِيحٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ : لَا يَضْمَنُ مُنْحَدِرٌ .
وَفِي التَّرْغِيب : السَّفِينَةُ كَدَابَّةٍ ، الْمَلَّاحُ كَرَاكِبٍ ، وَيَصْدُقُ مَلَّاحٌ فِي إنْ تَلِفَ مَالٌ بِغَلَبَةِ رِيحٍ ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّدْمَ فَشَرِيكَانِ فِي إتْلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَنْ فِيهِمَا ، فَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا فَالْقَوَدُ ، وَإِلَّا شِبْهُ عَمْدٍ ، وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الْمُصَادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ ، وَلَوْ خَرَقَهَا عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ .

وَهَلْ يَضْمَنُ مَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ مَا فِيهَا أَوْ نِصْفِهِ أَوْ بِحِصَّتِهِ ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا ( م 6 ) .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ يَضْمَنُ مَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ مَا فِيهَا أَوْ نِصْفِهِ أَوْ بِحِصَّتِهِ ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا " ، انْتَهَى .
تَابَعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَمَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا فِي سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ ضَمِنَ مَا فِيهَا أَوْ نِصْفَهُ أَوْ بِحِصَّتِهِ ، ( قُلْت ) : يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْمَأْجُورِ ، أَوْ جَاوَزَ بِهَا الْمَكَانَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا إلَيْهِ وَتَلِفَتْ ، أَوْ زَادَ فِي الْحَدِّ سَوْطًا فَقَتَلَهُ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ جَمِيعَهُ ، وَقَدْ قَطَعَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا فِي السَّفِينَةِ بِإِلْقَاءِ حَجَرٍ فِيهَا ، ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْإِجَارَةِ ، وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا إذَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ كَامِلَةً ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي جَعَلَ تَغْرِيقَ السَّفِينَةِ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ فِيهَا أَصْلًا فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الْعَيْنِ كَامِلَةً إذَا جَاوَزَ بِهَا مَكَانَ الْإِجَارَةِ ، أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا ، وَكَذَلِكَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ ، بَلْ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مُسْتَوْفًى ، وَقَدَّمَ ضَمَانَ الْجَمِيعِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُهِلَ هُنَا عَنْ ذَلِكَ وَتَابَعَ ابْنَ حَمْدَانَ ، فَحَصَلَ الْخَلَلُ مِنْ وُجُودِ إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ وَمُتَابَعَتَهُ لِابْنِ حَمْدَانَ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَيْهِ ، وَابْنُ حَمْدَانَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ وَمِنْ تَخْرِيجِهِ ، وَكَوْنُهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَقَدَّمَ الضَّمَانَ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ أَلْقَى حَجَرًا فَفِيهِ نَوْعُ تَعَدٍّ ، وَأَمَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَأَلْقَى فِيهَا مِنْ جِنْسِ مَا فِيهَا فَلَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ ، وَفِيهِ مَا فِيهِ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الْحَدِّ وَغَيْرِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ حَمْدَانَ خَرَّجَ

الْأَوْجُهَ عَلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْحَدِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ غَيْرُ وَلِيِّهِمَا فَاصْطَدَمَا ضَمِنَ وَفِي التَّرْغِيبِ : تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهُمَا ، وَإِنْ رَكِبَاهَا فَكَبَالِغَيْنِ مُخْطِئَيْنِ ، وَكَذَا إنْ أَرْكَبَهُمَا وَلِيٌّ لِمَصْلَحَةٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَيَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ صَلَحَا لِلرُّكُوبِ وَأَرْكَبَهُمَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ مِثْلِهِمَا ، وَإِلَّا ضَمِنَ ، وَيَضْمَنُ كَبِيرٌ صَدْمِ الصَّغِيرِ .
وَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ ضَمِنَهُ مَنْ أَرْكَبَ الصَّغِيرَ ، نَقَلَ حَرْبٌ : إنْ حَمَلَ رَجُلٌ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ فَسَقَطَ ضَمِنَهُ ، إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ أَهْلُهُ بِحَمْلِهِ

فَصْلٌ وَإِنْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ خَطَأً فَهَدَرٌ ، كَالْعَمْدِ ، وَعَنْهُ : دِيَةُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ .
وَلَا تُحْمَلُ دُونَ الثُّلُثِ ، فِي الْأَصَحِّ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
نَقَلَ حَرْبٌ : مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .

وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ الْحَجَرُ رَابِعًا ضَمِنَتْهُ الْعَاقِلَةُ أَثْلَاثًا ، وَلَا قَوَدَ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَصْدِ غَالِبًا .
وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ : كَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسٍ وَمِقْلَاعٍ وَحَجَرٍ مِنْ يَدٍ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : يَفْدِيهِ الْإِمَامُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِمْ ، وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمْ فَقِيلَ : عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ دِيَتُهُ ، وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ( م 7 ) ، وَفِي بَقِيَّتِهَا الرِّوَايَتَانِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ زَادُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَعَنْهُ : عَلَى الْعَاقِلَةِ ، لِاتِّحَادِ فِعْلِهِمْ ، وَلَا يَضْمَنُ مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ وَأَمْسَكَ الْكِفَّةَ ، كَمَنْ أَوْتَرَ وَقَرَّبَ السَّهْمَ ، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : يَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا مُمْسِكٍ .
مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْجَنِيقِ ، وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمْ فَقِيلَ : عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِيهِ دِيَتُهُ ، وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) عَلَى صَاحِبَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ فِي الْخُلَاصَةِ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُلْغِي فِعْلَ نَفْسِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ ، وَالشَّيْخُ فِي الْعُمْدَةِ ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : هَذَا أَحْسَنُ وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ .

وَإِنْ وَقَعَ فِي حُفْرَةٍ ثُمَّ ثَانٍ ثُمَّ ثَالِثٌ ثُمَّ رَابِعٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَاتُوا أَوْ بَعْضُهُمْ فَدَمُ الرَّابِعِ هَدَرٌ ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَيْهِ ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَيْهِمَا ، وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ تَعَمَّدَ وَاحِدٌ أَوْ كُلُّهُمْ وَيُقْتَلُ غَالِبًا فَالْقَوَدُ ، وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَالثَّانِي الثَّالِثَ وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّالِثِ ، وَقِيلَ : عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ قِيلَ : عَلَى الثَّانِي ، وَقِيلَ : نِصْفُهَا وَقِيلَ : عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ، وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ، وَقِيلَ : دَمُهُ هَدَرٌ ( م 8 ) وَدِيَةُ الثَّانِي قِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ، وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ، وَقِيلَ : عَلَى الثَّالِثِ وَقْتَ نِصْفِهَا ( م 9 ) وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي دِيَةِ الثَّالِثِ أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ ، وَدِيَةُ الْأَوَّلِ : قِيلَ : عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ( م 10 ) وَفِي بَقِيَّتِهَا فِي الْكُلِّ الرِّوَايَتَانِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ مَاتُوا بِسُقُوطِهِمْ وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ وَقَعَ وَشَكَّ فِي تَأْثِيرِهِ أَوْ قَتَلَهُمْ فِي الْحُفْرَةِ أَسَدٌ وَلَمْ يَتَجَاذَبُوا فَلَا ضَمَانَ ، وَإِنْ تَجَاذَبُوا فَدَمُ الْأَوَّلِ هَدَرٌ ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ الثَّانِي ، وَعَلَى الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ ، وَعَلَى الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ ، وَقِيلَ : دِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي ، وَقِيلَ : وَالْأَوَّلُ ، وَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّلَاثَةِ .
وَكَذَا إنْ ازْدَحَمَ وَتَدَافَعَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ الْحُفْرَةِ فَسَقَطَ أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ ، وَعَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا ، وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا ، وَلِلرَّابِعِ بِهَا .
وَجَعَلَهُ عَلَى قَبَائِلِ الَّذِينَ ازْدَحَمُوا .
تَرَافَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ .
وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ .

( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَالثَّانِي الثَّالِثَ وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّالِثِ ، وَقِيلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ قِيلَ : عَلَى الثَّانِي ، وَقِيلَ : نِصْفُهَا ، وَقِيلَ : عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ، وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ، وَقِيلَ : دَمُهُ هَدَرٌ " انْتَهَى .
أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي دِيَةِ الثَّالِثِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ اخْتَارَ شَيْئًا مِنْهَا ، وَذَكَرَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالَيْنِ .
وَأَطْلَقَهُمَا .
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَهُوَ أَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ ( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : " وَدِيَةُ الثَّانِي قِيلَ : عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ، وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ، وَقِيلَ : عَلَى الثَّالِثِ ، وَقِيلَ : نِصْفُهَا " انْتَهَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ .
قَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ ابْنُ رَزِينٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَجِبُ ثُلُثَاهَا .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) تَجِبُ كَامِلَةً عَلَى الثَّالِثِ ، قَالَ الْمَجْدُ : وَعِنْدِي لَا شَيْءَ مِنْهَا عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ عَلَى الثَّالِثِ كُلُّهَا أَوْ نِصْفُهَا .
( وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ ) يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى الثَّالِثِ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ " وَدِيَةُ الْأَوَّلِ قِيلَ : عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ .
وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا " انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ .
جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَجِبُ ثُلُثَاهَا .
( قُلْت ) وَالْقَوْلُ بِأَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ قَوِيٌّ ، لِأَنَّهُ السَّبَبُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " وَفِي بَقِيَّتِهَا فِي الْكُلِّ الرِّوَايَتَانِ " ، هُمَا الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي

فِعْلِ نَفْسِهِ

وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ سِتَّةً تَغَاطُّوا فِي الْفُرَاتِ فَمَاتَ وَاحِدٌ فَرُفِعَ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَضَى بِخُمُسَيْ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَبِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ .

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ ، إنْ نَامَ عَلَى سَطْحِهِ فَهَوِيَ سَقْفُهُ مِنْ تَحْتِهِ عَلَى قَوْمٍ لَزِمَهُ الْمُكْثُ ، كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِيمَنْ أَلْقَى فِي مَرْكَبِهِ نَارٌ ، وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ لَمْ يَتَسَبَّبْ ، وَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ بِدَوَامِ مُكْثِهِ أَوْ بِانْتِقَالِهِ ضَمِنَهُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّائِبِ الْعَاجِزِ عَنْ مُفَارَقَةِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ أَوْ الْعَاجِزِ عَنْ إزَالَةِ أَثَرِهَا .
كَمُتَوَسِّطِ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ ، وَمُتَوَسِّطِ الْجَرْحَى ، تَصِحُّ تَوْبَتُهُ مَعَ الْعَزْمِ وَالنَّدَمِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْغَصْبِ وَمِنْهُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الْجُرْحِ ، وَتَخْلِيصُهُ صَيْدَ الْحَرَمِ مِنْ الشِّرْكِ ، وَحَمْلُهُ الْمَغْصُوبَ لِرَبِّهِ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ بِالتَّوْبَةِ وَالضَّمَانُ بَاقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ ، كَخُرُوجِ مُسْتَعِيرٍ مِنْ دَارٍ انْتَقَلَتْ عَنْ الْمُعِيرِ ، وَخُرُوجِ مَنْ أَجْنَبَ بِمَسْجِدٍ وَنَزَعَ مُجَامِعٌ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ اتِّفَاقًا .
وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ لَمْ يَتُبْ مِنْ أَصْلِهِ ، تَصِحُّ ، وَعَنْهُ : لَا .
اخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا ، وَكَذَا تَوْبَةُ الْقَاتِلِ قَدْ تُشْبِهُ هَذَا وَتَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَحَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ ، وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ : فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِمَنْ تَابَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ إتْلَافٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ ذَلِكَ ، لَكِنَّهُ قَالَ : إنَّ تَوْبَتَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَمْحُو جَمِيعَ ذَلِكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِثْمَ وَاللَّائِمَةَ وَالْمُعْتِبَةَ تَزُولُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَجِهَةِ الْمَالِكِ ، وَلَا يَبْقَى إلَّا حَقُّ الضَّمَانِ لِلْمَالِكِ .
قَالَ شَيْخُنَا : هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ بَعْدَ الْجُرْحِ أَوْ وُجُوبِ الْقَوَدِ لَيْسَ كَالْمُخْطِئِ ابْتِدَاءً ، فَرَّقَتْ الشَّرِيعَةُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ التَّائِبِ فِي أَثْنَائِهِ وَأَثَرِهِ .
وَأَبُو الْخَطَّابِ

مَنَعَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْغَاصِبِ لِلْخُرُوجِ طَاعَةٌ ، بَلْ مَعْصِيَةٌ ، فَعَلَهَا لِدَفْعِ أَكْثَرِ الْغَصْبَيْنِ بِأَقَلِّهِمَا ، وَالْكَذِبُ لِدَفْعِ قَتْلِ إنْسَانٍ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الْوَسَطُ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ أَضَلَّ غَيْرَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُضِلٌّ ، وَمَنْ لَا يَرَى أَنَّهُ إضْلَالٌ فَكَالْكَافِرِ الدَّاعِيَةِ يَتُوبُ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .
وَذَكَرَ جَدُّهُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْغَصْبِ مُمْتَثِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، إنْ جَازَ الْوَطْءُ لِمَنْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ ، وَإِلَّا تَوَجَّهَ لَنَا أَنَّهُ عَاصٍ مِنْ وَجْهٍ مُمْتَثِلٌ مِنْ وَجْهٍ

فَصْلٌ وَمِنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامٍ غَيْرِ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ أَوْ شَرَابِهِ فَطَلَبَهُ فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَأَخْذِهِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ عَاجِزٌ فَيَتْلَفُ أَوْ دَابَّتُهُ ، قَالَهُ الشَّيْخُ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَكَذَا أَخَذَهُ تُرْسًا مِمَّنْ يَدْفَعُ بِهِ ضَرْبًا عَنْهُ .
ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ .

وَإِنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ شَخْصٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَوَجْهَانِ ( م 11 ) وَقِيلَ : وَهُمَا فِي وُجُوبِهِ وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ضَمَانَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ، فَدَلَّ أَنَّهُ مَعَ الطَّلَبِ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، فَدَلَّ أَنَّ كَلَامَهُمْ عِنْدَهُ : وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ مَاتَ فَرَسُهُ فِي غُزَاةٍ : لَمْ يَلْزَمْ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ حَمْلِهِ .
نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يَذْكُرُ النَّاسَ فَإِنْ حَمَلُوهُ وَإِلَّا مَضَى مَعَهُمْ .
مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ شَخْصٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَوَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَضْمَنُهُ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمْ ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَضْمَنُهُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ خَرَّجُوا ضَمَانَهُ عَلَى مَنْ مَنَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى مَاتَ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الضَّمَانِ ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ وَغَيْرَهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَبَيْنَ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ إنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ ، لِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ هَلَاكُهُ بِسَبَبٍ مِنْهُ ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ ، فَافْتَرَقَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ أُسْقِطَتْ بِطَلَبِ سُلْطَانٍ أَوْ تَهْدِيدِهِ لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ مَاتَتْ بِوَضْعِهَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا ، أَوْ اسْتَعْدَى إنْسَانٌ ، ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَالْمُسْتَعْدِي فِي الْأَخِيرَةِ ، فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا ، كَإِسْقَاطِهَا بِتَأْدِيبٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهَا .
أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِمَرَضٍ .
وَإِنْ مَاتَتْ فَزَعًا فَوَجْهَانِ ( م 12 ) قَالَ فِي الْمُغْنِي : إنْ أَحْضَرَ ظَالِمَةً عِنْدَ حَاكِمٍ لَمْ يَضْمَنْهَا ، بَلْ جَنِينَهَا .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : وَكَذَا رَجُلٌ مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ .
وَتَرْجَمَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ عَلَى نَصِّهِ فِي طَلَبِ سُلْطَانٍ لِرَجُلٍ يَفْزَعُ الرَّجُلَ بِالسُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَمُوتُ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ " فَإِنْ مَاتَتْ فَزَعًا فَوَجْهَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ إلَيْهَا السُّلْطَانُ أَوْ هَدَّدَهَا ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ وَالنَّظْمِ ( أَحَدُهُمَا ) : يَضْمَنُهَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَنَصَرَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَضْمَنُهَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا : فَإِنْ اسْتَعْدَى عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا أَوْ مَاتَتْ فَزَعًا ضَمِنَهَا الْعَاقِلَةُ إنْ كَانَ ظَالِمًا ، وَإِلَّا فَلَا فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

قَالَ فِي الْفُنُونِ : إذَا شَمَّتْ حَامِلَةٌ رِيحَ طَبِيخٍ فَاضْطَرَبَ جَنِينُهَا فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَ ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ وَشَافِعِيَّانِ : إنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ ، وَإِنْ عَلِمُوا وَكَانَ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً أَنَّ الرَّائِحَةَ تَقْتُلُ احْتَمَلَ الضَّمَانُ ، لِلْإِضْرَارِ ، وَاحْتَمَلَ : لَا ، لِعَدَمِ تَضَرُّرِ بَعْضِ النِّسَاءِ ، وَكَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهَا صَاحِبُ سُعَالٍ وَضِيقِ نَفَسٍ ، لَا ضَمَانَ وَلَا إثْمَ ، كَذَا قَالَ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ .

وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ لِسَابِحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ لَمْ يَضْمَنْهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَبَالِغٍ سَلَّمَ نَفْسَهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِئْرًا أَوْ يَصْعَدَ شَجَرَةً فَهَلَكَ بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَاسْتِئْجَارِهِ قَبَّضَهُ الْأُجْرَةَ أَوْ لَا ، وَقِيلَ : إنْ أَمَرَهُ سُلْطَانٌ ضَمِنَهُ ، وَهُوَ مِنْ خَطَإِ الْإِمَامِ ، وَلَوْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ضَمِنَهُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ : مَا جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ ، كَقَرَابَةٍ وَصُحْبَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهِ ، فَهَذَا مُتَّجَهٌ ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ ، { وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ ، فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مُعَاوِيَةَ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : لَا يُقَالُ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ ، وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ لِلْحَاجَةِ ، وَاطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ .

وَإِنْ وَضَعَ شَيْئًا عَلَى عُلُوٍّ وَقِيلَ : غَيْرُ مُتَطَرِّفٍ فَرَمَتْهُ رِيحٌ أَوْ دَفَعَهَا عَنْ وُصُولِهَا إلَيْهِ ذَكَرَهَا فِي الِانْتِصَارِ فِي الصَّائِلِ فَلَا ضَمَانَ ، وَلَوْ تَدَحْرَجَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ ، وَأَنَّهُمَا فِي بَهِيمَةٍ حَالَتْ بَيْنَ مُضْطَرٍّ وَطَعَامِهِ ، وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِقَتْلِهَا ، مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ ، أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ أَوْ أَلْفُ مِثْقَالٍ ذَهَبًا ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَهَذِهِ أُصُولُ الدِّيَةِ ، إذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ أَحَدَهَا لَزِمَ قَبُولُهُ ، وَعَنْهُ مِنْ الْأُصُولِ : مِائَتَا حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، الْحُلَّةُ : بَرْدَانِ ، إزَارٌ وَرِدَاءٌ ، وَفِي الْمُذْهَبِ : جَدِيدَانِ مِنْ جِنْسٍ .
وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ فِي إفْرَادِ الْبُخَارِيِّ : الْحُلَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ : إزَارٌ وَرِدَاءٌ ، وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى تَكُونَ جَدِيدَةً تَحِلُّ عِنْدَ طَيِّهَا ، هَذَا كَلَامُهُ ، وَلَمْ يَقُلْ : مِنْ جِنْسٍ .
وَعَنْهُ : الْأَصْلُ الْإِبِلُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ قَالَ جَمَاعَةٌ : أَوْ زَادَ ثَمَنُهَا انْتَقَلَ عَنْهَا إلَى الْبَاقِي .
فَيَجِبُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعَنْهُ : ثَلَاثُونَ حِقَّةً ، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً ، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً : نَصَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مَنْ حَمَّلَ الْعَاقِلَةَ كَخَطَإٍ .
وَفِي الرَّوْضَةِ رِوَايَةٌ : الْعَمْدُ أَثْلَاثًا ، وَشِبْهُهُ رَبَاعًا ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَالْخَلِفَةُ الْحَامِلُ .
وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثَنَايَا ، وَقِيلَ : إلَى بَازِلِ عَامٍ ، وَلَهُ سَبْعٌ ، وَإِنْ تَسَلَّمَهَا بِقَوْلِ خِبْرَةٍ ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا رُدَّ قَوْلُهُ وَإِلَّا قُبِلَ .
وَتَجِبُ فِي الْخَطَإِ أَخْمَاسًا ، ثَمَانُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالسَّوِيَّةِ ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ، وَيُؤْخَذُ فِي بَقَرٍ مُسِنَّاتٍ وَأَتْبِعَةٍ ، وَفِي غَنَمٍ ثَنَايَا وَأَجْذِعَةٍ نِصْفَيْنِ وَيُتَوَجَّهُ : أَوْ لَا ، وَأَنَّهُ كَزَكَاةٍ .
وَتُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ وَعَنْهُ : وَأَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا دِيَةَ نَقْدٍ .
اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ

وَاعْتَبَرُوا جِنْسَ مَاشِيَتِهِ ، ثُمَّ بَلَدِهِ ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُؤْخَذُ فِي الْحُلَلِ الْمُتَعَارَفِ بِالْيَمَنِ ، وَإِنْ تَنَازَعَا فَقِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ سِتُّونَ دِرْهَمًا .

وَتَغْلُظُ دِيَةُ طَرَفٍ ، كَقَتْلٍ ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي غَيْرِ إبِلٍ .
وَدِيَةُ أُنْثَى نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ .
وَتُسَاوِي جِرَاحَهَا جِرَاحَهُ إلَى الثُّلُثِ وَعَنْهُ : عَلَى نِصْفِهِ كَالزَّائِدِ وَفِي الثُّلُثِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) .
بَابُ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ فِي جِرَاحِ الْمَرْأَةِ " وَفِي الثُّلُثِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ( إحْدَاهُمَا ) عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ كَانَ دُونَهُ ، وَهُوَ أَوْلَى ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ، وَالشِّيرَازِيُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَيُحْتَمَلُ كَلَامُهُ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَيُسَاوِي جِرَاحَهَا جِرَاحُهُ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ ، فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ .
فَظَاهِرُ قَوْلِهِ : " إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ " عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : " فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ " الْمُسَاوَاةُ ، وَكَذَا كَلَامُ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ .

وَدِيَةُ خُنْثَى مُشْكِلٍ نِصْفُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَكَذَا جِرَاحُهُ .
وَدِيَةُ كِتَابِيٍّ نِصْفُ دِيَةِ مُسْلِمٍ ، وَعَنْهُ : ثُلُثٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَقَالَ : إنَّهُ إنْ قَتَلَ عَمْدًا فَدِيَةُ الْمُسْلِمِ ، وَكَذَا جِرَاحُهُ

وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ بِدَارِنَا ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : أَوْ قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ آمَنُوهُ بِدَارِهِمْ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجِرَاحُهُ بِالنِّسْبَةِ .
وَفِي الْمُغْنِي فِي مُعَاهَدٍ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ وَنِسَاؤُهُمْ كَنِصْفِهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ .
وَلَا يَضْمَنُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ .
وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : مَنْ لَهُ دِينٌ لَهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ : كَدِيَةِ مُسْلِمٍ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُتْبِعُهُ .
وَنِسَاءُ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتُهُمْ وَرَاهِبٌ يَتْبَعُونَ أَهْلَ الدَّارِ وَالْآبَاءِ .
تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ " وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ بِدَارِنَا ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ " ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ " ذِمِّيٌّ " عَائِدٌ إلَى الْمَجُوسِيِّ ، وَقَوْلُهُ " مُعَاهَدٌ " عَائِدٌ إلَى الْوَثَنِيِّ ، لَكِنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَثَنِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا عَاهَدَ ، وَإِنْ أَعَدْنَا لَفْظَةَ ذِمِّيٍّ إلَى الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْوَثَنِيَّ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ مَخْصُوصًا بِهِ بَلْ بِهِ وَبِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتَغْلُظُ دِيَةُ نَفْسٍ خَطَأً .
وَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ : أَوْ عَمْدًا ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ .
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : كَمَا يَجِبُ بِوَطْءِ صَائِمَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَفَّارَتَانِ ، ثُمَّ قَالَ : تَغْلُظُ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ الدِّيَةَ .
وَفِي الْمُفْرَدَاتِ : تَغْلُظُ عِنْدَنَا فِي الْجَمِيعِ ، ثُمَّ دِيَةُ الْخَطَإِ لَا تَغْلُظُ فِيهَا .
وَفِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ : وَطَرَفٌ بِثُلُثِ دِيَتِهِ بِحَرَمٍ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَإِحْرَامٌ وَشَهْرٌ حَرَامٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : وَرَحِمٌ مَحْرَمٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ ، وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي التَّبْصِرَةِ وَالطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ وَغَيْرُهُمَا الرَّحِمُ بِالْمَحْرَمِ ، كَمَا قَالُوا فِي الْعِتْقِ ، وَلَمْ يَحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا لِلرَّحِمِ إلَّا بِسُقُوطِ الْقَوَدِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعَمُودَيْ النَّسَبِ وَقِيلَ : وَحَرَمِ الْمَدِينَةِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ .
تَخْرُجُ رِوَايَتَانِ ، وَلَا تَدَاخُلَ ، وَقِيلَ : التَّغْلِيظُ بِدِيَةٍ عَمْدٍ ، وَقِيلَ : بِدِيَتَيْنِ ، وَفِي الْمُبْهِجِ : إنْ لَمْ يُقْتَلْ بِأَبَوَيْهِ فَفِي لُزُومِهِ دِيَتَانِ أَمْ دِيَةٌ وَثُلُثٌ ؟ رِوَايَتَانِ .
وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَالشَّيْخِ : لَا تَغْلِيظَ كَجَنِينٍ وَعَبْدٍ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ الْأَظْهَرُ ، وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ : أَوْ كَافِرٌ ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ كَافِرًا عَامِدًا أُضْعِفَتْ الدِّيَةُ فِي الْمَنْصُوصِ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ تَغْلُظُ بِثُلُثٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ وَفِي كُلِّ جَنِينٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ ، وَقِيلَ : وَلَوْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ ، ظَهَرَ أَوْ بَعْضُهُ مَيِّتًا ، وَفِيهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ فِي الِانْتِصَارِ ، وَأَنَّ مِثْلَهُ لَوْ شُقَّ بَطْنُهَا فَشُوهِدَ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ : بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، فَسَقَطَ عَقِبَهَا ، أَوْ بَقِيَتْ مُتَأَلِّمَةً إلَيْهِ ، عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ غُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ ، لَهَا سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ ، وَقِيلَ أَوْ أَقَلُّ ، لَا خُنْثَى وَلَا مَعِيبَةٌ تُرَدُّ فِي بَيْعٍ ، وَلَا خَصِيٌّ وَنَحْوُهُ ، فَإِنْ أَعْوَزَتْ فَالْقِيمَةُ مِنْ أَصْلِ الدِّيَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَهَلْ الْمَرْعِيُّ فِي الْقَدْرِ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْإِسْقَاطِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَمَعَ سَلَامَتِهِ وَعَيْبِهَا هَلْ تُعْتَبَرُ سَلِيمَةً أَوْ مَعِيبَةً ؟ فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالَانِ ( م 2 ) .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ فِي غُرَّةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ : عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ غُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ ، فَإِنْ أَعْوَزَتْ فَالْقِيمَةُ مِنْ أَصْلِ الدِّيَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَهَلْ الْمَرْعِيُّ فِي الْقَدْرِ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْإِسْقَاطِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَمَعَ سَلَامَتِهِ وَعَيْبِهَا هَلْ تُعْتَبَرُ سَلِيمَةً أَوْ مَعِيبَةً فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
الصَّوَابُ فِيمَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ إنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْقَدْرِ بِوَقْتِ الْإِسْقَاطِ لَا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَالصَّوَابُ فِيمَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ أَنْ تُعْتَبَرَ الْأُمُّ سَلِيمَةً لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَةِ الْأُمِّ مُطْلَقًا ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا خَرَجَ سَلِيمًا وَكَانَتْ أُمُّهُ مَعِيبَةً فَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ سَلِيمَةً لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ أَوْ نَعْتَبِرُهَا عَلَى صِفَتِهَا ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الثَّانِي ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيُرَدُّ قَوْلُ كَافِرَةٍ : حَمَلْت مِنْ مُسْلِمٍ .
وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ مَيْتَةٍ أَوْ عُضْوًا فَخَرَجَ مَيِّتًا وَشُوهِدَ بِالْجَوْفِ يَتَحَرَّكُ فَفِيهِ خِلَافٌ ( م 3 ) .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَيُرَدُّ قَوْلُ كَافِرَةٍ حَمَلْت بِهِ مِنْ مُسْلِمٍ ، وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ مَيْتَةٍ أَوْ عُضْوًا فَخَرَجَ مَيِّتًا وَشُوهِدَ بِالْجَوْفِ يَتَحَرَّكُ فَفِيهِ خِلَافٌ " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ وُجُوبُ الْغُرَّةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَحَرَكَتُهُ تَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي مَمْلُوكٍ عُشْرُ قِيمَتِهَا ، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ : نِصْفُ عُشْرِهَا يَوْمَ جِنَايَتِهِ نَقْدًا إذَا سَاوَتْهُمَا حُرِّيَّةٌ وَرِقًّا ، وَإِلَّا فَبِالْحِسَابِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ دِينُ أَبِيهِ أَوْ هُوَ أَعْلَى مِنْهَا دِيَةً ، فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَتِهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ .

وَفِي التَّبْصِرَةِ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةٌ سَالِمَةٌ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ ، وَعَنْهُ : بَلْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ أَوْ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ .

وَإِنْ سَقَطَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ كَنِصْفِ سَنَةٍ لَا أَقَلَّ ، وَعَنْهُ : وَاسْتَهَلَّ ، فَفِيهِ مَا فِيهِ مَوْلُودًا ، وَإِلَّا فَكَمَيِّتٍ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا : كَحَيَاةِ مَذْبُوحٍ ، فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حَيَاتِهِ فَوَجْهَانِ ( م 4 ) .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ اخْتَلَفَا ، فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : الْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ ، إذْ الْكِتَابُ الْمَشْرُوحُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ ، وَعُذْرُهُ أَنَّهُ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي ، وَذُهِلَ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : الْقَوْلُ قَوْلُ مُسْتَحَقِّي دَيْنَ الْجَنِينِ .

وَفِي التَّرْغِيبِ أَوْ غَيْرِهِ : لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ حَيًّا وَبَعْضُهُ مَيِّتًا فَرِوَايَتَانِ .
وَإِنْ أَلْقَتْهُ أُمُّهُ وَقَدْ عَتَقَتْ أَوْ أُعْتِقَ ، وَأَعْتَقْنَاهُ فَعَنْهُ : كَجَنِينٍ حُرٍّ ، وَعَنْهُ مَعَ سَبْقِ الْعِتْقِ الْجِنَايَةَ ، وَعَنْهُ : كَجَنِينٍ مَمْلُوكٍ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ ( م 5 ) وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ مَعَ سَبْقِ الْعِتْقِ الْجِنَايَةَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَا عَبْدٍ جَرَحَ ثُمَّ عَتَقَ .
.
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أَلْقَتْهُ أُمُّهُ وَقَدْ عَتَقَتْ أَوْ أَعْتَقَ وَأَعْتَقْنَاهُ ، فَعَنْهُ : كَجَنِينِ حُرٍّ ، وَعَنْهُ : مَعَ سَبْقِ الْعِتْقِ الْجِنَايَةُ ، وَعَنْهُ : كَجَنِينِ مَمْلُوكٍ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ " ، انْتَهَى .
أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ كَجَنِينِ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي .
( إحْدَاهُمَا ) : هُوَ كَجَنِينِ حُرٍّ ، فَفِيهِ غُرَّةٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوِّرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : هُوَ كَجَنِينِ مَمْلُوكٍ ، ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ ، فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : نَقَلَهَا حَرْبٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) : هُوَ كَجَنِينِ حُرٍّ إنْ سَبَقَ الْعِتْقُ الْجِنَايَةَ وَإِلَّا فَلَا ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ كَوْنِهِ كَجَنِينِ مَمْلُوكٍ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " أَوْ أُعْتِقَ وَأَعْتَقْنَاهُ " يُشْعِرُ بِأَنَّ فِي عِتْقِ الْجَنِينِ خِلَافًا هَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ أَوْ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُوضَعَ ؟ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ مُفْرَدًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ ، وَعَنْهُ : لَا يُعْتَقُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَعَنْهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى تَلِدَهُ حَيًّا .

وَيَرِثُ الْغُرَّةَ وَالدِّيَةَ مَنْ يَرِثُهُ كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا ، وَلَا يَرِثُ قَاتِلٌ وَلَا رَقِيقٌ ، فَيَرِثُ عَصَبَةُ سَيِّدِ قَاتِلِ جَنِينِ أَمَتِهِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ هُنَا : إنْ شَرَطَ زَوْجُ الْأَمَةِ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ كَانَ حُرًّا ، وَإِلَّا عَبْدًا .

وَفِي جَنِينِ دَابَّةٍ مَا نَقَصَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : كَجَنِينِ أَمَةٍ .

وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ وَلَوْ عَمْدًا وَاخْتِيرَ الْمَالُ أَوْ أَتْلَفَ مَالًا فَدَاهُ سَيِّدُهُ أَوْ بَاعَهُ فِي الْجِنَايَةِ ، وَعَنْهُ : يَفْدِيهِ أَوْ يُسَلِّمُهُ بِهَا ، وَعَنْهُ : يُخَيِّرُ بَيْنَهُنَّ ، وَعَنْهُ : يَمْلِكُ بِالْعَفْوِ عَنْ قَوَدٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْوَسِيلَةِ رِوَايَةً : يَمْلِكُهُ بِجِنَايَةِ عَمْدٍ ، وَلَهُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ وَعِتْقُهُ ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَهِيَ لَهُ وَوَلَدُهَا ، وَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ أَوْ يَبِيعُهُ حَاكِمٌ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 6 ) .
وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَقِيلَ : بِإِذْنٍ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : لَا ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ : كَوَارِثٍ فِي تَرِكَةٍ ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ : يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ .
وَإِنْ فَدَاهُ فَبِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ ، وَعَنْهُ : بِكُلِّهِ ، كَأَمْرِهِ بِهَا أَوْ إذْنِهِ فِيهَا ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَعَنْهُ : إنْ أَعْتَقَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ ، وَعَنْهُ : فِي قَوَدٍ ، وَقِيلَ : أَوْ غَيْرِ عَالِمٍ ، وَقِيلَ أَوْ قَبْلَهُ يَفْدِيهِ بِكُلِّهِ ، وَلَوْ جَاوَزَتْ قِيمَتُهُ الدِّيَةَ ، وَمَوْتُهُ عَنْ جَانٍّ مُدَبَّرٍ كَمُبَاشِرِ عِتْقِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فَهَلْ قِيمَتُهُ لَهُ أَوْ لِسَيِّدِهِ كَمَوْتِهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ اشْتَرَكُوا بِالْحِصَصِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ تَعَلَّقَ حَقُّ مَنْ بَقِيَ بِجَمِيعِهِمْ وَقِيلَ : بِحِصَّتِهِمْ وَإِنْ جَرَحَ حُرًّا فَعَفَا ثُمَّ مَاتَ ، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَتِهِ فَدَاهُ بِثُلُثَيْهِ ، لِصِحَّةِ الْعَفْوِ فِي ثُلُثِهِ ، وَإِنْ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ زِدْت نِصْفَهَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَفْدِيهِ بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَبْلَغِ .
وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أُتْلِفَتْ ضَمِنَ وَشِرَاءُ وَلِيِّ قَوَدٍ لَهُ عَفْوٌ عَنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ أَوْ يَبِيعُهُ حَاكِمٌ فِيهِ رِوَايَتَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ ، فَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ .
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ .
لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَلْزَمُهُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
يَلْزَمُهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ، ذَكَرُوهُ فِي الرَّهْنِ .
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

بَابُ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا مَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَلِسَانٍ وَأَنْفٍ ، وَلَوْ مَعَ عِوَجِهِ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَذَكَرٍ ، حَتَّى صَغِيرٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَشَيْخٍ فَانٍ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .

وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
كَعَيْنَيْنِ وَمَعَ بَيَاضٍ يُنْقِصُ الْبَصَرَ يَنْقُصُ بِقَدْرِهِ ، وَعَنْهُ : الدِّيَةُ كَامِلَةً ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ، كَحَوْلَاءَ وَعَمْشَاءَ ، مَعَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِهِمَا ، وَأُذُنَيْنِ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : وَأَشْرَافِهِمَا ، وَهُوَ جِلْدٌ بَيْنَ الْعَذَارِ وَالْبَيَاضِ الَّذِي حَوْلَهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْوَاضِحِ وَأَصْدَافِ الْأُذُنَيْنِ ، وَشَفَتَيْنِ وَلَحْيَيْنِ ، وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَثُنْدُوَتَيْ الرَّجُلِ ، نَصَّ عَلَيْهِ : مَغْرَزُ الثَّدْيِ ، وَالْوَاحِدَةُ ثُنْدُوَةٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ بِلَا هَمْزَةٍ ، وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزَةِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي اللُّغَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ ، وَالثَّدْيُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، وَجَمْعُهُ أَثْدٍ وَثَدْيٌ وَثَدْيٌ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا .
وَيَدَيْنِ وَيَدَيْ مُرْتَعِشٍ كَصَحِيحٍ ، وَرِجْلَيْنِ ، وَقَدَمِ أَعْوَجَ .
وَيَدِ أَعْسَمَ ، وَهُوَ عِوَجٌ فِي الرُّسْغِ كَصَحِيحٍ .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ حُكُومَةً ، وَأَلْيَتَيْنِ ، وَهُمَا مَا عَلَا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْعَظْمُ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيهِمَا الدِّيَةُ إذَا قُطِعَتَا حَتَّى تَبْلُغَ الْعَظْمَ .
وَأُنْثَيَيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : احْتِمَالٌ وَحُكُومَةٌ لِتَنْقِيصِ ذَكَرِ ، وَإِسْكَتَيْ الْمَرْأَةِ وَهُمَا شَفْرَاهَا ، أَوْ أَشَلُّهُمَا .
وَعَنْهُ : فِي شَفَةٍ سُفْلَى ثُلُثَا دِيَةٍ .
وَفِي عُلْيَا ثُلُثُهَا .
وَفِي الْمَنْخِرَيْنِ ثُلُثَا دِيَةٍ ، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا ثُلُثُهَا ، وَعَنْهُ : فِيهِمَا دِيَةٌ ، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا : حُكُومَةٌ .
.

وَفِي الْأَجْفَانِ الْأَرْبَعَةِ دِيَةٌ ، وَفِي جَفْنٍ رُبْعٌ .

وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ دِيَةٌ ، وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ دِيَةٍ .

وَفِي أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عُشْرٍ ، وَلَوْ كَانَ لَهَا ظُفْرٌ ، وَالْإِبْهَامُ مِفْصَلَانِ ، فَفِي كُلِّ مِفْصَلٍ نِصْفُ عُشْرٍ ، وَفِي ظُفْرٍ خُمُسُ أُصْبُعٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ زَيْدٍ ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَفِي سِنٍّ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَضِرْسِهِ وَنَابِهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ ، مَا لَمْ تَعُدْ ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلَهَا فَحُكُومَةٌ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَعَنْهُ : فِي الْكُلِّ دِيَةٌ ، فَفِي كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرَانِ ، لِأَنَّ فَوْقَ ثَنِيَّتَيْنِ وَرَبَاعِيَتَيْنِ وَنَابَيْنِ وَضَاحِكَيْنِ وَنَاجِذَيْنِ وَسِتَّةِ طَوَاحِينَ وَأَسْفَلَ مِثْلُهَا ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ : إنْ قَلَعَ أَسْنَانَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَالدِّيَةُ .

وَفِي حَشَفَةِ ذَكَرٍ وَحَلَمَتَيْ ثَدْيَيْنِ وَكَسْرِ ظَاهِرِ سِنٍّ وَهُوَ مَا بَيْنَ لِثَةٍ دِيَةُ الْعُضْوِ كُلِّهِ ، ثُمَّ مَنْ قَلَعَ مَا فِي اللِّثَةِ وَهُوَ السَّنِخُ فَحُكُومَةٌ ، قَالَهُ الشَّيْخُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي سَنِخَةٍ حُكُومَةٌ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي حِسَابِ النِّسْبَةِ .

وَفِي قَطْعِ بَعْضِ مَارِنٍ وَأُذُنٍ وَلِسَانٍ وَسِنٍّ وَشَفَةٍ وَحَلَمَةٍ وَأَلْيَةٍ وَحَشَفَةٍ وَأُنْمُلَةٍ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَةِ ذَلِكَ مَنْسُوبًا بِالْأَجْزَاءِ وَفِي التَّرْغِيبِ هُنَا رِوَايَةٌ : ثُلُثُ دِيَةٍ لِشَحْمَةِ أُذُنٍ .
وَفِي الْوَاضِحِ : فِيمَا بَقِيَ مِنْ أُذُنٍ بِلَا نَفْعٍ الدِّيَةُ ، وَإِلَّا حُكُومَةٌ .

وَفِي شَلَلِ عُضْوٍ أَوْ ذَهَابِ نَفْعِهِ ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى شَفَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُطْبِقَانِ عَلَى الْأَسْنَانِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : أَوْ اسْتَرْخَتَا فَلَمْ يَنْفَصِلَا عَنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ : وَفِي التَّقَلُّصِ حُكُومَةٌ .

وَفِي تَسْوِيدِ سِنٍّ أَبَدًا دِيَتُهَا ، كَأُذُنٍ وَأَنْفٍ وَظُفْرٍ ، وَعَنْهُ : ثُلُثُ دِيَتِهَا كَتَسْوِيدِ أَنْفِهِ مَعَ بَقَاءِ نَفْعِهِ قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ ، وَعَنْهُ : حُكُومَةٌ ، كَمَا لَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ أَوْ كَلَّتْ ، وَعَنْهُ : إنْ ذَهَبَ نَفْعُهَا فَدِيَةٌ ، وَإِنْ اخْضَرَّتْ فَعَنْهُ : كَتَسْوِيدِهَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَعَنْهُ : حُكُومَةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ ( م 1 ) .
بَابُ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ فِي السِّنِّ ، " وَإِنْ اخْضَرَّتْ فَعَنْهُ كَتَسْوِيدِهَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ ، وَعَنْهُ : حُكُومَةٌ وَهُوَ أَشْهَرُ " .
وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ : فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَوْ تَحَرَّكَتْ وَجَبَتْ حُكُومَةٌ ، انْتَهَى .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) خُضْرَتُهَا كَتَسْوِيدِهَا ، قَطَعَ بِهِ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ فِي الْمُنْتَخَبِ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا فِي الْكَافِي .

وَفِي عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ وَبَقِيَ صُورَتُهُ كَأَشَلَّ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ وَثَدْيٍ وَذَكَرٍ وَلِسَانٍ أَخْرَسَ وَطِفْلٍ بَلَغَ أَنْ يُحَرِّكَهُ بِالْبُكَاءِ وَلَمْ يُحَرِّكْهُ وَسِنٍّ سَوْدَاءَ وَعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَثَدْيٍ بِلَا حَلَمَةٍ ، وَذَكَرٍ بِلَا حَشَفَةٍ ، وَقَصَبَةِ أَنْفٍ ، وَشَحْمَةِ أُذُنٍ ، حُكُومَةٌ .
وَعَنْهُ : ثُلُثُ دِيَةٍ .
وَلَوْ حَرَّكَهُ بِبُكَاءٍ فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي لِسَانِ صَغِيرٍ لَمْ يَنْطِقْ الدِّيَةُ .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ : حُكُومَةٌ .
وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ فِي ذَكَرٍ وَلِسَانٍ أَشَلَّ دِيَةٌ .

وَلَوْ نَبَتَ سِنٌّ مِنْ صَغِيرٍ سَوْدَاءُ ثُمَّ ثَغَرَ ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاءَ فَالدِّيَةُ ، وَيُحْتَمَلُ كَنَابِتَةٍ بَيْضَاءَ ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاءَ ، إنْ كَانَ لِعِلَّةٍ فَالرِّوَايَتَانِ ، وَإِلَّا الدِّيَةُ .

وَفِي يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَسِنٍّ زَوَائِدَ حُكُومَةٌ ، وَعَنْهُ : ثُلُثُ دِيَتِهِ : وَقِيلَ : هَدَرٌ ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي ذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ ، وَعَنْهُ : الدِّيَةُ ، وَعَنْهُ : لِعِنِّينٍ .
وَخَرَّجَ مِنْهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي لِسَانِ أَخْرَسَ .

وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ إنْ لَمْ يُجَامِعْ بِمِثْلِهِ فَثُلُثُ دِيَةٍ ، وَإِلَّا دِيَةٌ قَالَ : فِي عَيْنٍ قَاتِمَةٍ نِصْفُ دِيَةٍ .

، وَفِي شَلَلِ أَنْفٍ وَأُذُنٍ حُكُومَةٌ ، كَعِوَجِهِمَا .
قَالَ الشَّيْخُ : أَوْ تَغْيِيرُ لَوْنِهِمَا ، وَقِيلَ : الدِّيَةُ كَشَلَلِ يَدٍ وَمَثَانَةٍ وَنَحْوِهِمَا .

وَفِي الْمُذْهَبِ : وَإِنْ أَشَلَّ الْمَارِنَ وَعَوَّجَهُ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ ، وَيُحْتَمَلُ دِيَةٌ .

وَفِي أَنْفٍ أَخَشْمَ وَأُذُنٍ صَمَّاءَ وَمَخْرُومٍ مِنْهُمَا وَأَشَلَّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، وَفِي الْمُحَرَّرِ : إنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ سَالِمٌ فِي الْعَمْدِ فَحُكُومَةٌ .

وَفِي التَّرْغِيبِ فِي أُذُنٍ مُسْتَحْشِفَةٍ وَهِيَ الشَّلَّاءُ رِوَايَتَانِ ثُلُثُ دِيَةٍ أَوْ حُكُومَةٌ ، وَكَذَا فِيهِ فِي أَنْفٍ أَشَلَّ إنْ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ .

وَمَنْ لَهُ يَدَانِ عَلَى كُوعِهِ أَوْ يَدَانِ وَذِرَاعَانِ عَلَى مِرْفَقَيْهِ وَتَسَاوَيَا فَهُمَا يَدٌ ، وَلِلزِّيَادَةِ حُكُومَةٌ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةٍ وَحُكُومَةٌ وَفِي نِصْفِ أُصْبُعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ، فَإِنْ قَطَعَ يَدًا لَمْ يُقْطَعَا وَلَا أَحَدُهُمَا
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَمَنْ لَهُ يَدَانِ عَلَى كُوعِهِ أَوْ يَدَانِ وَذِرَاعَانِ عَلَى مِرْفَقَيْهِ وَتَسَاوَيَا فَهُمَا يَدٌ ، وَلِلزِّيَادَةِ حُكُومَةٌ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةٍ وَحُكُومَةٌ ، انْتَهَى .
هَذَا صَحِيحٌ ، وَقَوْلُهُ : " وَفِي نِصْفِ أُصْبُعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ " الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ : " وَفِي قَطْعِ أُصْبُعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا " ، بِإِسْقَاطِ نِصْفِ أُصْبُعٍ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، لِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ ، فَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ .

فَصْلٌ وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، كَذَا عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ .
يُقَالُ حَسَّ وَأَحَسَّ ، أَيْ عَلِمَ ، وَأَيْقَنَ : وَبِأَلِفٍ أَفْصَحُ ، وَبِهِمَا جَاءَ الْقُرْآنُ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ الْحَاسَّةُ وَالْحَوَاسُّ الْخَمْسُ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْأَشْهَرُ فِي حَسَّ بِلَا أَلِفٍ بِمَعْنًى قِيلَ : وَهِيَ سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَشْمٌ وَذَوْقٌ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ فِيهِ حُكُومَةً .

وَتَجِبُ دِيَةٌ فِي كَلَامٍ وَعَقْلٍ وَمَشْيٍ وَنِكَاحٍ وَأَكْلٍ وَحَدَبٍ فِي رِوَايَةٍ فِيهِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَخَالَفَ فِيهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ( م 2 ) وَصَعَّرَ ، بِأَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرُ الْوَجْهُ فِي جَانِبٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ ، أَوْ لَا يَبْلَعُ رِيقَهُ ، وَفِي تَسْوِيدِهِ : وَلَمْ يَزُلْ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَتَجِبُ دِيَةٌ فِي [ كَلَامٍ وَعَقْلٍ وَمَشْيٍ وَنِكَاحٍ وَأَكْلٍ وَ ] حَدَبٍ فِي رِوَايَةٍ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ فِيهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ انْتَهَى " .
( الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) هُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ وَلَمْ يُفَصِّلْ ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْمَشْيِ ، وَأَجْرَاهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَقَالُوا : تَجِبُ فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : قَالَ أَحْمَدُ فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ صُلْبَهُ فَانْحَنَى لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ ، انْتَهَى .
وَقَطَعَ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَالَ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ

وَفِي الْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ : أَوْ أَزَالَ لَوْنَهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثُلُثُ دِيَةٍ ، اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ .

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَمَنْفَعَةُ الصَّوْتِ وَمَنْفَعَةُ الْبَطْشِ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ الدِّيَةُ .
وَفِي الْفُنُونِ : لَوْ سَقَاهُ ذَرْقَ حَمَامٍ فَذَهَبَ صَوْتُهُ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ .

وَفِي إذْهَابِ الصَّوْتِ وَفِي نَقْصِهِ إنْ عَلِمَ بِقَدْرِهِ بِأَنْ يُخِنَّ يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا ، أَوْ يُذْهِبَ ضَوْءَ عَيْنٍ ، أَوْ سَمْعِ أُذُنٍ ، أَوْ شَمِّ مَنْخِرٍ ، أَوْ أَحَدِ الْمَذَاقِ الْخَمْسِ .

وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ بِالْحِسَابِ يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا ، وَقِيلَ : سِوَى الشَّفَوِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ ، وَسَوَاءٌ ذَهَبَ حَرْفٌ بِمَعْنَى كَلِمَةٍ كَجَعْلِهِ " أَحْمَدَ " " أَمَدَ " أَوْ لَا ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ .

وَمَنْ أُمْكِنَ زَوَالُ لُثْغَتِهِ لِكِبَرِ صَغِيرٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ تَعْلِيمِ كَبِيرٍ ، فَالدِّيَةُ ، وَإِلَّا وُزِّعَ عَلَى كَلَامِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ كَنَقْصِ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشْمٍ وَمَشْيٍ أَوْ أَنْحَى قَلِيلًا ، أَوْ صَارَ مَدْهُوشًا ، أَوْ فِي كَلَامِهِ تَمْتَمَةٌ ، أَوْ عَجَلَةٌ أَوْ لَا يَلْتَفِتُ ، أَوْ لَا يَبْلَعُ رِيقَهُ إلَّا بِشِدَّةٍ ، أَوْ اسْوَدَّ بَيَاضُ عَيْنَيْهِ أَوْ احْمَرَّ أَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ ، أَوْ ذَهَبَ لَبَنُ امْرَأَةٍ ، فَحُكُومَةٌ ، وَقِيلَ : إنْ ذَهَبَ اللَّبَنُ فَالدِّيَةُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي نَقْصِ بَصَرٍ يَزِنُهُ بِالْمَسَافَةِ ، فَلَوْ نَظَرَ الشَّخْصُ عَلَى مِائَتَيْ ذِرَاعٍ فَنَظَرُهُ عَلَى مِائَةٍ فَنِصْفُ الدِّيَةِ .

وَفِي الْوَسِيلَةِ : لَوْ لَطَمَهُ فَذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهِ فَالدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ .

وَمَنْ صَارَ أَلْثَغَ فَقِيلَ : دِيَةُ الْحَرْفِ ، وَقِيلَ : حُكُومَةٌ ( م 3 ) .
مَسْأَلَةٌ 3 ) [ قَوْلُهُ ] وَمَنْ صَارَ أَلْثَغَ فَقِيلَ : دِيَةُ الْحَرْفِ ، وَقِيلَ : حُكُومَةٌ ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ صَارَ أَلْثَغَ وَجَبَتْ دِيَةُ الْحَرْفِ الذَّاهِبِ .
وَقِيلَ : حُكُومَةٌ ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ لُثْغَةٌ أَوْ عَجَلَةٌ أَوْ ثِقَلٌ فَحُكُومَةٌ ، انْتَهَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : فِيهِ حُكُومَةٌ

وَإِنْ قَطَعَ رُبُعَ لِسَانٍ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَنِصْفُ دِيَةٍ ، فَإِنْ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى نِصْفُ دِيَةٍ وَالْأَشْهَرُ : وَحُكُومَةٌ ، وَقِيلَ : ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةٍ كَالثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : فِي الثَّانِيَةِ نِصْفٌ .

وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَنُطْقُهُ أَوْ كَانَ أَخْرَسَ فَدِيَةٌ ، وَإِنْ ذَهَبَا وَاللِّسَانُ بَاقٍ فَدِيَتَانِ .
وَفِي الْوَاضِحِ : إنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَدِيَةٌ ، أَزَالَ نُطْقَهُ أَوْ لَمْ يُزِلْهُ : فَإِنْ عَدِمَ الْكَلَامَ بِقَطْعِهِ وَجَبَ لِعَدَمِهِ أَيْضًا دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، كَذَا وَجَدْته .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : لَوْ ذَهَبَ شَمُّهُ وَسَمْعُهُ وَمَشْيُهُ وَكَلَامُهُ تَبَعًا فَدِيَتَانِ .

وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ جِنَايَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ فِي دِيَتِهِ ؛ فِي الْمَنْصُوصِ .

وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ فَدِيَتَانِ ، كَذَهَابِ شَمٍّ أَوْ سَمْعٍ بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَوْ أُذُنِهِ ، وَعَنْهُ : دِيَةٌ ، كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ الذَّاهِبَةِ بِنَفْعِهَا .
وَإِنْ ذَهَبَ مَاؤُهُ أَوْ إحْبَالُهُ فَالدِّيَةُ ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَكَذَا فِي الرَّوْضَةِ : إنْ ذَهَبَ نَسْلُهُ الدِّيَةُ .
وَفِي الْمُغْنِي : فِي ذَهَابِ مَائِهِ احْتِمَالَانِ .

وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي نَقْصِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ، وَفِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَهُ الْجَانِيَانِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ بَصَرِهِ أُرِيَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ ، وَيُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ شَيْءٍ إلَى عَيْنَيْهِ وَقْتَ غَفْلَتِهِ .

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ سَمْعٍ وَشْمٍ وَذَوْقٍ اُمْتُحِنَ وَعَمِلَ بِمَا يَظْهَرُ مَعَ الْيَمِينِ ، وَكَذَا عَقْلُهُ ، وَلَا يُحَلِّفُهُ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَيَرُدُّ الدِّيَةَ ، إنْ عَلِمَ كَذِبَهُ .

وَمَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا أَوْ ضَرَبَهُ فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : أَوْ رِيحٍ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فَعَنْهُ : عَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ .
وَعَنْهُ : هَدَرٌ ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَدُمْ ( م 4 ) .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : إنْ دَامَ فَثُلُثُ دِيَةٍ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا أَوْ ضَرَبَهُ فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَوْ رِيحٍ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، فَعَنْهُ : عَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ ، وَعَنْهُ هَدَرٌ ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَدُمْ " انْتَهَى .
( الرِّوَايَةُ الْأُولَى ) وَهُوَ وُجُوبُ ثُلُثِ الدِّيَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ هَدَرٌ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ

وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً كَبِيرَةً مُطَاوَعَةً وَلَا شُبْهَةَ ، أَوْ امْرَأَتَهُ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ لِمِثْلِهِ .
فَأَفْضَاهَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ ، أَوْ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ فَهَدَرٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الزِّيَادَةِ ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ ، أَيْ لَهُ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ، بِخِلَافِ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ .
وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَإِلَّا فَالدِّيَةُ ، فَإِنْ ثَبَتَ الْبَوْلُ فَجَائِفَةٌ ، وَلَا يَنْدَرِجُ أَرْشُ بَكَارَةٍ فِي دِيَةِ إفْضَاءٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَفِي الْفُنُونِ : فِيمَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا : الْقَوَدُ وَاجِبٌ .
لِأَنَّهُ قَتَلَ بِفِعْلٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ .

وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّعُورِ فَصْلُ الدِّيَةِ ، وَهِيَ شَعْرُ رَأْسٍ وَلِحْيَةٍ وَحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ عَيْنَيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : شَيْءٌ مِنْ الْإِنْسَانِ فِيهِ أَرْبَعَةٌ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُ الدِّيَةِ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي جِلْدَةِ وَجْهٍ وَفِي حَاجِبٍ نِصْفٌ ، وَفِي هَدِبٍ رُبُعٌ ، وَفِي بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا : حُكُومَةٌ ، فَإِنْ عَادَ سَقَطَتْ دِيَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَبْقَى مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَا لَا جَمَالَ فِيهِ فَالدِّيَةُ ، وَقِيلَ : بِقِسْطِهِ ، وَقِيلَ : حُكُومَةٌ ، وَعَنْهُ : فِي الشَّعْرِ حُكُومَةٌ ، كَالشَّارِبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

وَإِنْ قَلَعَ جَفْنًا بِهُدْبِهِ فَدِيَةُ الْجَفْنِ فَقَطْ .

وَإِنْ قَلَعَ لَحْيَيْنِ بِالْأَسْنَانِ فَدِيَةُ الْكُلِّ .

وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ أَصَابِعِهِ دَخَلَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ مَا حَاذَاهَا وَعَلَيْهِ أَرْشُ بَقِيَّةِ الْكَفِّ ، وَقِيلَ دِيَةُ يَدٍ سِوَى الْأَصَابِعِ .

وَفِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ وَذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ ثُلُثُ دِيَتِهِ ، شَبَّهَهُ أَحْمَدُ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ ، وَعَنْهُ : حُكُومَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمُنْتَخَبِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ ، وَكَذَا الْعَضُدُ وَكَذَا تَفْصِيلُ الرِّجْلِ .

وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ كَكَمَالِ قِيمَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ الْأَعْوَرِ ، فَإِنْ قَلَعَهَا صَحِيحٌ فَلَهُ الْقَوَدُ بِشَرْطِهِ ، وَيَأْخُذُ مَعَهُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي الْمَنْصُوصِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : لَا قَوَدَ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ قَلَعَهَا خَطَأً فَنِصْفُ الدِّيَةِ ، وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ خَطَأً فَنِصْفُ الدِّيَةِ ، وَإِلَّا فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
نَقَلَ مُهَنَّا : عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا : الْأَعْوَرُ إذَا فُقِدَتْ عَيْنُهُ لَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إذَا فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِ إلَّا إبْرَاهِيمَ ، وَقِيلَ : تُقْلَعُ عَيْنُهُ ، كَقَتْلِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ ، وَالْأَشْهَرُ : وَيَأْخُذُ نِصْفَ دِيَةٍ ، وَخَرَّجَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ .
إنْ قَلَعَ عَيْنَيْ صَحِيحٍ عَمْدًا فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَقَطْ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ دِيَتَانِ ، وَقِيلَ : عَيْنُ الْأَعْوَرِ كَغَيْرِهِ ، وَكَسَمْعِ أُذُنٍ وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجُ مَنْ جَعَلَهُ كَالْبَصَرِ فِي مَسْأَلَةِ نَظَرِيَّتِهِ مِنْ خَصَاصِ بَابٍ .

وَفِي يَدِ الْأَقْطَعِ أَوْ رِجْلِهِ عَمْدًا نِصْفُ الدِّيَةِ ، كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَعَنْهُ : كَمَالُهَا ، وَعَنْهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ الْأُولَى هَدَرًا .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ ذَهَبَتْ فِي حَدٍّ فَنِصْفُ دِيَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ فِي جِهَادٍ فَرِوَايَتَانِ ، فَإِنْ قَطَعَ يَدَ صَحِيحٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ إنْ كَمُلَتْ فِيهَا الدِّيَةُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ الشَّجَّةُ : جُرْحُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ، وَهِيَ عُشْرُ الْحَارِصَةِ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَشُقُّهُ قَلِيلًا وَلَا تُدْمِيهِ .
ثُمَّ الْبَازِلَةُ الدَّامِيَةُ الدَّامِغَةُ الَّتِي تُدْمِيهِ ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ الْغَائِصَةُ فِيهِ ، ثُمَّ السِّمْحَاقُ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ ، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ : الْبَاضِعَةُ بَيْنَ الْحَارِصَةِ وَالْبَازِلَةِ تَشُقُّ اللَّحْمَ وَلَا تُدْمِيهِ ، فَهَذِهِ خَمْسٌ فِيهَا حُكُومَةٌ ، وَعَنْهُ : فِي الْبَازِلَةِ بَعِيرٌ ، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةٌ ، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةٌ .
رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ وَلَمْ يَصِحَّ .

وَخَمْسٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ : الْمُوضِحَةُ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتُبْرِزُهُ ، فَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ، فَمِنْ حُرٍّ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ فِي مُوضِحَةِ وَجْهٍ عَشْرَةٌ ، فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ فَثِنْتَانِ ، وَقِيلَ : وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ أَوْضَحَهُ ثِنْتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ ، فَإِنْ ذَهَبَ بِسِرَايَةٍ أَوْ جِنَايَتِهِ فَالْكُلُّ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ خَرَقَهُ الْمَجْرُوحُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَثَلَاثٌ ، فَإِنْ قَالَ الْجَانِي أَنَا خَرَقْته صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يُصَدَّقُ مَنْ يُصَدِّقُهُ الظَّاهِرُ بِقُرْبِ زَمَنٍ وَبُعْدِهِ ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْمَجْرُوحُ .
قَالَ : وَلَهُ أَرْشَانِ ، وَفِي ثَالِثٍ جهان ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعِ امْرَأَةٍ فَثَلَاثُونَ ، فَإِنْ قَطَعَ الرَّابِعَةَ عَادَ إلَى عِشْرِينَ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَاطِعِهَا صُدِّقَتْ ، وَإِنْ خَرَقَ جَانٍ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ بَاطِنًا فَقَطْ فَوَاحِدَةٌ ، وَقِيلَ : ثِنْتَانِ كَخَرْقِهِ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمَاعَةٌ مُوضِحَةً فَهَلْ يُوضَحُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِهَا أَوْ يُوَزَّعُ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ .

ثُمَّ الْهَاشِمَةُ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ وَتَهْشِمُهُ فَفِيهَا عَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ هَشَمَهُ بِمُقْتَلٍ وَلَمْ يُوضِحْهُ فَحُكُومَةٌ ، وَقِيلَ : خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كَهَشْمِهِ ، عَلَى مُوضِحَةٍ .

ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ الَّتِي تُوَضِّحُ وَتَهْشِمُ وَتُنَقِّلُ عِظَامَهَا فَفِيهَا خَمْسَةَ عَشْرَ بَعِيرًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .

ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ الَّتِي تَصِلُ جِلْدَةَ الدِّمَاغِ تُسَمَّى الْآمَّةُ .
ثُمَّ الدَّامِغَةُ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ .

وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا فَدِيَةُ هَاشِمَةٍ أَوْ مُوضِحَةٍ فَقَطْ ، لِأَنَّهُ لَوْ هَشَمَهُ كُلَّهُ أَوْ أَوْضَحَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فَوْقَ دِيَةٍ ، وَقَدْ أَنْشَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : سَلَا أُمَّ عَمْرٍو وَاعْلَمَا كُنْهَ شَأْنِهِ وَلَا سِيَّمَا أَنْ تَسْأَلَا هَلْ لَهُ عَقْلُ هَذَا يُخَاطِبُ رَجُلَيْنِ أَيْ سَلَا أُمَّ عَمْرٍو ، أَيْ هَلْ شَجُّ رَأْسِ عَمْرٍو مِنْ الْمَأْمُومَةِ وَهَلْ تُوجِبُ هَذِهِ الْجِرَاحَةُ الدِّيَةَ أَمْ لَا ؟ وَالْعَقْلُ : الدِّيَةُ .
وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ رَافِعٍ الْمَخْزُومِيُّ أَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهَ لَمَّا سِقَاؤُنَا وَنَحْنُ بِوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ وَهِيَ شِمْ يُرِيدُ أَقُولُ لِعَبْدَةَ ، فَرَخَّمَ ، وَنَصَبَ اللَّهَ عَلَى الْإِغْرَاءِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ : أَقُولُ لِعَبْدَةَ لَمَّا وَهِيَ سِقَاؤُنَا بِوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ اتَّقِ اللَّهَ وَشِمْ الْبَرْقَ .
وَقَالَ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ : لَقَدْ طَافَ عَبْدُ اللَّهِ بِي الْبَيْتَ سَبْعَةً فَسَلَعْنَ عُبَيْدُ اللَّهِ ثُمَّ أَبَى بَكْرُ فَتَحَ الدَّالَ فِي عَبْدِ اللَّهِ لِلتَّثْنِيَةِ ، وَالسَّلْعَنَةُ ؛ ضَرْبٌ مِنْ الْمَشْيِ ، كَالْهَرْوَلَةِ ، وَارْتَفَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِفِعْلِهِ وَأَبَى بَكْرٌ مِنْ الْإِبَاءِ يُقَالُ أَبَى يَأْبَى إبَاءً .
وَقَالَ الْآخَرُ : مُحَمَّدِ زَيْدًا يَا أَخَا الْجُودِ وَالْفَضْلِ فَإِهْمَالُ مَا أَرْجُوهُ مِنْك مِنْ الْبَسْلِ يُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ ثُمَّ رَخَّمَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدِ زَيْدًا ، أَيْ أَعْطِ دِيَتَهُ ، وَالْبَسْلُ : الْحَرَامُ : وَقَالَ الْآخَرُ : عَلَى صُلْبِ الْوَظِيفِ أَشُدُّ يَوْمًا وَتَحْتِي فَارِسٌ بَطَلٌ كُمَيْتُ يُرِيدُ أَشُدُّ يَوْمًا عَلَى فَارِسٍ بَطَلٍ وَتَحْتِي كُمَيْتٌ صُلْبُ الْوَظِيفِ .

فَصْلٌ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَهِيَ مَا تَصِلُ بَاطِنَ جَوْفٍ ، كَبَطْنٍ وَلَوْ لَمْ يَخْرِقْ الْأَمْعَاءَ ، وَظَهْرٍ وَصَدْرٍ وَحَلْقٍ وَمَثَانَةٍ وَبَيْنَ خُصْيَتَيْنِ وَدُبْرٍ .
وَإِنْ جَرَحَ جَانِبًا فَخَرَجَ مِنْ آخَرَ فَثِنْتَانِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : وَاحِدَةٌ .

وَإِنْ جَرَحَ خَدًّا فَنَفَذَ إلَى فَمِهِ أَوْ نَفَذَ أَنْفًا أَوْ ذَكَرًا أَوْ جَفْنًا إلَى بَيْضَةِ الْعَيْنِ فَحُكُومَةٌ ، كَإِدْخَالِهِ أُصْبُعَهُ فَرْجَ بِكْرٍ وَدَاخِلِ عَظْمِ فَخِذٍ ، وَقِيلَ : جَائِفَةٌ .

وَإِنْ جَرَحَ وَرِكَهُ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ أَوْضَحَهُ فَوَصَلَ قَفَاهُ فَمَعَ دِيَةِ جَائِفَةٍ وَمُوضِحَةٍ حُكُومَةٌ ، لِجُرْحِ قَفَاهُ وَوَرِكِهِ .

وَمَنْ وَسَّعَ جُرْحَ جَائِفَةٍ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ : أَوْ أَحَدُهُمَا فَجَائِفَةٌ .

وَإِنْ فَتَقَ مُوضِحَةً نَبَتَ شَعْرُهَا فَجَائِفَةٌ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ .

وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ انْدَمَلَتْ فَأَوْضَحَهَا آخَرُ فَقِيلَ : مُوضِحَةٌ ، وَقِيلَ : حُكُومَةٌ ، وَكَذَا فَتْقُ جَائِفَةٍ مُنْدَمِلَةٍ .

وَذَكَرَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ : إنْ أَوْضَحَهُ فَبَرَأَ وَلَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ ثُمَّ أَوْضَحَهُ آخَرُ فَحُكُومَةٌ .

وَإِنْ الْتَحَمَ مَا أَرْشُهُ مُقَدَّرٌ لَمْ يَسْقُطْ ، وَفِي كَسْرِ ضِلْعٍ جَبْرٍ مُسْتَقِيمًا بَعِيرٌ ، وَكَذَا تَرْقُوَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي الْإِرْشَادِ : اثْنَانِ .

وَهَلْ فِي كَسْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فَخِذٍ وَسَاقٍ وَعَضُدٍ وَذِرَاعٍ وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لَعَظْمِي الزَّنْدِ بَعِيرٌ أَوْ اثْنَانِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً : فِيهَا وَفِي ضِلْعٍ حُكُومَةٌ .
بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ فِي كَسْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فَخِذٍ وَسَاقٍ وَعَضُدٍ وَذِرَاعٍ وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لَعَظْمِي الزَّنْدِ بَعِيرٌ أَوْ اثْنَانِ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ .
ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ حُكْمُهُنَّ وَاحِدٌ : ( إحْدَاهُمَا ) فِي كُلِّ وَاحِدٍ بَعِيرَانِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كَسْرِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) فِي كُلِّ وَاحِدٍ بَعِيرٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ ، وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي .
وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي غَيْرِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الضِّلْعُ وَالتَّرْقُوَتَانِ وَالزَّنْدَانِ ، وَقَطْعُ إذْنٍ فِي الزَّنْدَيْنِ بَعِيرَيْنِ .
فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ .

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ : فِيهَا حُكُومَةٌ ، وَإِنْ انْجَبَرَتْ .
وَتَرْجَمَهُ أَبُو بَكْرٍ بِنَقْصِ الْعُضْوِ بِجِنَايَةٍ ، وَعَنْهُ : فِي الزَّائِدِ أَرْبَعَةٌ ، لِأَنَّهُ عَظْمَاتُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ فِيمَا سِوَاهُ حُكُومَةٌ ، كَبَقِيَّةِ الْجُرُوحِ ، وَكَسْرِ الْعِظَامِ ، كَخَرَزَةِ صُلْبٍ وَعُصْعُصٍ وَعَانَةٍ ، وَقَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ فِي غَيْرِ ضِلْعٍ ، وَالْحُكُومَةُ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ ، ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرَأَتْ ، فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَهُ كَنِسْبَتِهِ صَحِيحًا عَشْرَةٌ وَمَعِيبًا تِسْعَةٌ فَفِيهِ ، عُشْرُ دِيَتِهِ ، وَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةٍ مَحَلٍّ لَهُ مُقَدَّرٌ مُقَدَّرَةً عَلَى الْأَصَحِّ ، كَمُجَاوَزَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْجِنَايَةُ حَالَ الْبُرْءِ فَحُكُومَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَتُقَوَّمُ حَالَهَا ، وَقِيلَ : قَبِيلَ الْبُرْءِ ، وَعَنْهُ : لَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُنْقِصْهُ ابْتِدَاءً ، أَوْ زَادَتْهُ حُسْنًا ، فِي الْأَصَحِّ .

بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ ، نَقَلَهُ عَنْهُ حَرْبٌ ، عَاقِلَةُ الْجَانِي : كُلُّ ذُكُورٍ عَصَبَةٍ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، نَسَبًا وَوَلَاءً ، الْأَحْرَارُ الْعَاقِلُونَ الْبُلَّغُ الْأَغْنِيَاءُ ، وَقِيلَ : وَمُمَيِّزٌ ، وَعَنْهُ : وَفَقِيرٌ مُعْتَمِلٌ ، وَلَوْ بَعُدُوا أَوْ غَابُوا ، وَعَنْهُ : إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَفِي التَّرْغِيبِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مِنْ عَصَبَةِ أُمِّهِ ، وَعَنْهُ : إلَّا عَمُودَيْهِ وَإِخْوَتَهُ ، وَهُمْ عَصَبَتُهُ ، وَعَنْهُ : إلَّا ابْنَاهُ إذَا كَانَ امْرَأَةً ، نَقَلَ حَرْبٌ : الِابْنُ لَا يَعْقِلُ عَنْ أُمِّهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ ، وَفِي هَرَمٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَجْهَانِ ( م 1 ) وَعَنْهُ : تَعْقِلُ امْرَأَةٌ وَخُنْثَى بِوَلَاءٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ : يَحْمِلُهَا حَامِلُ جِنَايَتِهَا ، وَإِنْ عَرَفَ نَسَبَ قَاتِلٍ مِنْ قَبِيلَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِهَا لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ .

بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي الْعَاقِلَةِ ، وَعَنْهُ : إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ .
انْتَهَى .
تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ : وَالْعَاقِلَةُ الْعُمُومَةُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
( وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ) : الْأَبُ وَالِابْنُ وَالْإِخْوَةُ وَكُلُّ الْعَصَبَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ ، انْتَهَى .
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخِرَقِيِّ ، بَلْ كَلَامُهُ إلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَقْرَبُ ، وَهِيَ قَوْلُهُ " وَعَنْهُ إلَّا عَمُودَيْهِ وَإِخْوَتَهُ " فَأَخْرَجَ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ وَالْإِخْوَةَ ، فَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيُّ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ " وَفِي هَرَمٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَحْمِلُونَ مِنْهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ؛ فَأَمَّا الزَّمْنَى وَالشُّيُوخُ وَالضُّعَفَاءُ فَيَعْقِلُونَ كَمَا يَعْقِلُ غَيْرُهُمْ ، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى .
وَقَالَ فِي الْكُبْرَى : وَيَعْقِلُ الْمَرِيضُ وَالضَّعِيفُ وَالشَّيْخُ ، وَفِي الْهَرَمِ وَالزَّمِنِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْمِلُونَ شَيْئًا .

وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ كَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ تَوَارَثَا .
وَيَتَعَاقَلُ ذِمِّيَّانِ ، وَعَنْهُ : لَا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ فَوَجْهَانِ وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ " وَيَتَعَاقَلُ ذِمِّيَّانِ ، وَعَنْهُ : لَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ فَوَجْهَانِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : يَتَعَاقَلُونَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَتَعَاقَلُونَ .
وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي ، وَقَالَ : بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوْرِيثِهِمْ ، انْتَهَى .
وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ التَّوَارُثِ ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : إنْ اتَّفَقَ دِينُهُمْ تَعَاقَلُوا وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ فِي الْمُغْنِي ؛ وَلَا يَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ عَنْ يَهُودِيٍّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَاقَلَا .

وَخَطَأُ إمَامٍ وَحَاكِمٍ فِي حُكْمٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَخَطَإِ وَكِيلٍ ، وَعَلَيْهَا : لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ، وَالْمُرَادُ فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، كَغَيْرِ حُكْمٍ ، وَكَذَا إنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَإٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ ، أَوْ جَهْلًا حَمْلًا ، أَوْ بَانَ مَنْ حَكَمَا بِشَهَادَتِهِ غَيْرِ أَهْلٍ ، وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ أَوْ عَجَزَتْ عَنْ الْجَمِيعِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ حَالًّا ، وَقِيلَ : كَالْعَاقِلَةِ ، وَعَنْهُ : لَا تَحْمِلُهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ سَقَطَتْ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً .
وَقَالَ الشَّيْخُ : بَلْ تَتَحَمَّلُهَا ، وَإِنْ سَلَّمَ فَمَعَ وُجُودِهِمْ ، وَقِيلَ : بَلْ فِي مَالِهِ .

وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَقِيلَ : كَمُسْلِمٍ ، وَقِيلَ : فِي مَالِهِ ( م 3 ) كَمَنْ رَمَى سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ كَفَرَ قَبْلَ إصَابَتِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَكَجِنَايَةِ مُرْتَدٍّ ، وَحُكِيَ وَجْهٌ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَقِيلَ : كَمُسْلِمٍ ، وَقِيلَ : فِي مَالِهِ " انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا ) يَكُونُ فِي مَالِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي كُتُبِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْقَوْلُ الْآخَرُ ) حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .

وَإِنْ تَغَيَّرَ دَيْنٌ جَارِحٌ حَالَتَيْ جُرْحٍ وَزَهُوقٍ عَقَلَتْ عَاقِلَتُهُ حَالَ الْجُرْحِ ، وَقِيلَ : أَرْشُهُ ، وَقِيلَ : الْكُلُّ فِي مَالِهِ ، وَإِنْ انْجَرَّ وَلَاءُ ابْنِ مُعْتِقِهِ بَيْنَ جُرْحٍ أَوْ رَمْيٍ وَتَلَفٍ فَكَتَغَيُّرِ دِينٍ .

فَصْلٌ وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةٌ عَمْدًا وَلَا اعْتِرَافًا لَمْ تُصَدِّقْهُ بِهِ وَلَا صُلْحًا ، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِصُلْحِهِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : يُغْنِي عَنْهُ ذِكْرُ الْعَمْدِ ، بَلْ مَعْنَاهُ صَالَحَ عَنْهُ صُلْحَ إنْكَارٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَا قِيمَةَ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ ، أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ ، وَلَا جِنَايَةً وَلَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَتُحْمَلُ الْغُرَّةُ تَبَعًا لِدِيَةِ الْأُمِّ ، إلَّا إنْ تَأَخَّرَ مَوْتُ الْأُمِّ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : هَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ ، وَقَالَ : الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةٌ ، فَقِيلَ لَهُ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةً فَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا .
فَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ خَبَرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْ الْمَرْأَةَ وَجَنِينَهَا .
قَالَ : فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ قَضَى بِدِيَةِ الْجَنِينِ عَلَى الْجِنَايَةِ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً عَمْدًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ : تَحْمِلُ الْقَلِيلَ .
وَعَمْدُ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ ، وَعَنْهُ : فِي مَالِهِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيُّ : مُغَلَّظَةٌ .
وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ : فِي مَالِهِ بَعْدَ عَشْرٍ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : مَا أَصَابَ الصَّبِيُّ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ ، فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ، فَهَذَا رِوَايَةٌ لَا تَحْمِلُ الثُّلُثَ وَتَحْمِلُ شِبْهَ عَمْدٍ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، نَصَّ عَلَيْهِ كَخَطَإٍ ، وَعَنْهُ : مُؤَجَّلًا كَذَلِكَ فِي مَالِ جَانٍ وَقِيلَ : حَالًّا ، قَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ كَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ : تَحْمِلُهُ حَالًّا .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : لَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي مَالِ جَانٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ .
وَقَالَ الْخِرَقِيُّ :

تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " وَقَالَ الْخِرَقِيُّ ، تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ " يَعْنِي الْعَمْدَ وَالصُّلْحَ وَالِاعْتِرَافَ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ ، لَيْسَ هَذَا فِي الْخِرَقِيِّ ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ نَقْلِ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ ، وَأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي غَيْرِ كِتَابَةٍ ، وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ .

وَفِي الرَّوْضَةِ : دِيَةُ الْخَطَإِ فِي خَمْسِ سِنِينَ ، فِي كُلِّ سَنَةٍ خُمُسُهَا ، وَيَجْتَهِدُ حَاكِمٌ فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ ، فَيَحْمِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا يَسْهُلُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَحْمِلُ الْمُوسِرُ مَالِكُ نِصَابٍ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ ، كَالْحَجِّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ نِصْفُ دِينَارٍ ، وَالْمُتَوَسِّطُ رُبُعًا ، وَفِي تَكَرُّرِهِ فِي الْأَحْوَالِ وَجْهَانِ ( م 4 ) وَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ كَإِرْثٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : الْأَبُ فَمَنْ دُونَهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ .
وَفِي الْوَاضِحِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّرْغِيبِ : الْآبَاءُ ثُمَّ الْأَبْنَاءُ ، وَقِيلَ مُدْلٍ بِأَبٍ كَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُسَاوَاةِ أَخٍ لِأَبٍ ( لِأَخٍ ) لِأَبَوَيْنِ رِوَايَتَيْنِ ، وَخَرَجَ مِنْهَا مُسَاوَاةُ بَعِيدٍ لِقَرِيبٍ ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ وَابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ فَأَسْقَطَتْ قَالَ لِعَلِيٍّ : لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَقْسِمَهَا عَلَى قَوْمِك ، يَقُولُ : عَلَى قُرَيْشٍ ، فَقَسَمَهَا عَلَيْهِمْ .

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَفِي تَكَرُّرِهِ فِي الْأَحْوَالِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : يَتَكَرَّرُ النِّصْفُ دِينَارٍ وَالرُّبُعُ دِينَارٍ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، عَلَى الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، فَيَجِبُ فِي كُلِّ حَوْلٍ ، عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعُ دِينَارٍ .
قَالَ فِي الْكَافِي : لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ ، فَيَتَكَرَّرُ بِالْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَتَكَرَّرُ ، بَلْ يُقَسَّطُ عَلَى الْغَنِيِّ النِّصْفُ دِينَارٍ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمُتَوَسِّطُ يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الرُّبُعُ دِينَارٍ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُصُولِ ، وَأَزَالَ الْإِشْكَالَ ، قَالَ فِي الْكَافِي : لَوْ قُلْنَا يَتَكَرَّرُ لَأَفْضَى إلَى إيجَابِ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ الزَّكَاةِ ، فَيَكُونُ مُضِرًّا ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : لِأَنَّ فِي إيجَابِ زِيَادَةٍ عَلَى النِّصْفِ إيجَابًا لِزِيَادَةٍ عَلَى أَقَلِّ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ مُضِرًّا ، انْتَهَى .
فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَلَيْسَ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ شَيْءٌ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ .

وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا يَضْرِبُ عَلَى عَاقِلَةٍ مُعْتِقَةٍ فِي حَيَاةِ مُعْتِقَةٍ ، بِخِلَافِ عَصَبَةِ النَّسَبِ ، كَذَا قَالَ : وَنَقَلَ حَرْبٌ : وَالْمَوْلَى يَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ .

وَتُؤْخَذُ مِنْ بَعِيدٍ لِغَيْبَةِ قَرِيبٍ وَقِيلَ : يُبْعَثُ إلَيْهِ فَإِنْ تُسَاوَوْا وَكَثُرُوا وُزِّعَ الْوَاجِبُ بَيْنَهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَمَا أَوْجَبَ ثُلُثَ دِيَةٍ فَأَقَلَّ أُخِذَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ ، وَثُلُثَيْهَا فَأَقَلَّ فَفِي رَأْسِ الْحَوْلِ ثُلُثٌ وَبَقِيَّتُهُ فِي رَأْسِ آخَرَ ، وَإِنْ أَوْجَبَ دِيَةً فَأَكْثَرَ فَفِي كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثٌ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ : دِيَةُ نَفْسٍ فِي ثَلَاثٍ .
وَقِيلَ : الْكُلُّ ، وَإِنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ فَدِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثٍ ، كَإِذْهَابِهِ بِجِنَايَتِهِ سَمْعًا وَبَصَرًا ، وَقِيلَ : فِي سِتٍّ .
وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ الزُّهُوقِ ، وَفِي الْجُرْحِ مِنْ الْبُرْءِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : مِنْ الْجِنَايَةِ فِي قَتْلِ مُوحٍ وَجُرْحٍ لَمْ يَسْرِ ، وَمَنْ صَارَ أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ لَزِمَهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ حَدَثَ مَانِعٌ بَعْدَ الْحَوْلِ فَقَسَّطَهُ وَإِلَّا سَقَطَ .

بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ تَلْزَمُ كُلُّ قَاتِلٍ وَلَوْ بِسَبَبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِكُلِّ مَقْتُولٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا ، وَقِيلَ : وَلَوْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ ، فِي الْإِرْشَادِ إنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَأَكْثَرَ ، فَقِيلَ : كَفَّارَةٌ ، وَقِيلَ : تَتَعَدَّدُ فَيَخْرُجُ مِثْلُهُ فِي جَنِينٍ وَأُمِّهِ ، وَعَنْهُ : يَكْفِي الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ : لَا تَلْزَمُ قَاتِلَ نَفْسِهِ ، وَعَنْهُ : وَلَا كَافِرًا ، بِنَاءً عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي إخْرَاجِ وَاجِبِ حَجٍّ لَا يَلْزَمُ مَجْنُونًا ، وَاخْتَارَ أَنَّ قَتْلَ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَوْءُودَةِ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ الْحِلَّ ، وَالْجَهْلُ بِالْحُكْمِ كَالْخَطَإِ ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ إنْ صَحَّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَنْ كُلِّ مَوْءُودَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَقَبَةً .
وَلَا تَلْزَمُ قَاتِلًا حَرْبِيًّا ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا قَاتِلًا نِسَاءَ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ ، وَقَوَدًا وَاحِدًا ، وَصَائِلًا وَبَاغِيًا ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ عَلَى رِوَايَةٍ لَا ضَمَانَ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي بَابِ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ : مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ ، ثُمَّ قَالَ : وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا تَلْزَمُ فِي الْعَمْدِ ، وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ بِقَوْلِهِ { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِالتَّكْفِيرِ احْتَاجَ دَلِيلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ نَسْخُ الْقُرْآنِ .
زَادَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَأَيْنَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَابَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ كُفْرٍ قَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، كَشَبَهِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَمَنْ لَزِمَتْهُ فَفِي مَالِهِ ، وَقِيلَ : مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَإِ إمَامٍ وَحَاكِمٍ فَفِيهِ .

وَيُكَفِّرُ عَنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْ مَالِهِ وَلِيُّهُ ، نَقَلَ مُهَنَّا : الْقَتْلُ لَهُ كَفَّارَةٌ ، وَالزِّنَا لَهُ كَفَّارَةٌ .
وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : لَيْسَ بَعْدَ الْقَتْلِ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنْ الزِّنَا .
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ : أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ الْقَتْلُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ .

بَابُ الْقَسَامَةِ وَهِيَ أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ عَنْهُ : عَمْدًا ، وَالنَّصُّ : أَوْ خَطَأً ، وَقِيلَ : لَا قَسَامَةَ فِي عَبْدٍ كَافِرٍ ، كَطَرَفٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُشْتَرَطُ لَهَا اللَّوَثُ ، وَهُوَ الْعَدَاوَةُ وَلَوْ مَعَ سَيِّدِ عَبْدٍ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَعَصَبَةُ مَقْتُولٍ ، نَحْوَ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَكَالْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ ، وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ : عَدَاوَةٌ أَوْ عَصَبِيَّةٌ ، وَعَنْهُ : أَنَّهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى ، كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ ، وَوُجُودِ قَتِيلٍ عِنْدَ مَنْ مَعَهُ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ ، وَشَهَادَةُ مَنْ لَا يَثْبُتُ قَتْلٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَابْنُ رَزِينٍ وَشَيْخُنَا وَغَيْرُهُمْ .
وَقَوْلُ الْمَجْرُوحِ فُلَانٌ جَرَحَنِي لَيْسَ لَوَثًا .
وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : أَذْهَبُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ لَطْخٌ ، إذَا كَانَ ثُمَّ سَبَبٌ بَيِّنٌ ، إذَا كَانَ ثَمَّ عَدَاوَةٌ ، إذَا كَانَ مِثْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَفْعَلُ هَذَا ، وَعَنْهُ : يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَاوَةِ أَثَرُ الْقَتْلِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ كَدَمٍ مِنْ أُذُنِهِ ، وَفِيهِ مِنْ أَنْفِهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) .
وَيُتَوَجَّهُ : أَوْ مِنْ شَفَتِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَيْسَ أَثَرًا ، وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي أَنْ لَا يَخْتَلِطَ بِالْعَمْدِ وَغَيْرِهِ .
بَابُ الْقَسَامَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَاوَةِ أَثَرُ الْقَتْلِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، كَدَمٍ فِي أُذُنِهِ .
وَفِيهِ مِنْ أَنْفِهِ وَجْهَانِ .
انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
( أَحَدُهُمَا ) يَكُونُ لَوَثًا وَهُوَ الصَّوَابُ ، كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَكُونُ لَوَثًا .

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ ادَّعَى قَتِيلٌ عَلَى مَحَلَّةِ بَلَدٍ كَبِيرٍ يَطْرُقُهُ غَيْرُ أَهْلِهِ تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ فِي رِوَايَةٍ .
وَيُشْتَرَطُ تَكْلِيفُ الْقَاتِلِ ، لِتَصِحَّ الدَّعْوَى وَإِمْكَانُ الْقَتْلِ مِنْهُ ، وَإِلَّا كَبَقِيَّةِ الدَّعَاوَى وَصِفَةُ الْقَتْلِ ، فَلَوْ اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ، لِعَدَمِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَطَلَبِ الْوَرَثَةِ ، وَكَذَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ وَعَيَّنَ الْقَاتِلَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُكَذِّبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُقْدَحْ ، لِغَيْبَتِهِ وَعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَنُكُولِهِ ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِنَّ ؛ وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ بِقِسْطِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 2 ) .
وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ ، ثُمَّ إنْ زَالَ الْمَانِعُ عَنْ صَاحِبِهِ حَلَفَ بِقِسْطِهِ ، وَقِيلَ : خَمْسِينَ ، وَيَأْخُذُ ، وَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَ التَّعْيِينُ أَقْسَمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ ، وَمَتَى فُقِدَ اللَّوَثُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا ، وَعَنْهُ : خَمْسِينَ وَبَرِئَ ، وَعَنْهُ : لَا يَمِينَ فِي عَمْدٍ ، وَهِيَ أَشْهَرُ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) [ قَوْلُهُ ] .
" وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ بِقِسْطِهِ " فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) .
يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوِّرِهِ .
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْلِفُ بِقِسْطِهِ .
اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ

وَلَا قَسَامَةَ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
قَالَ جَمَاعَةٌ : نَحْوَ : قَتَلَهُ هَذَا مَعَ جَمَاعَةٍ .
أَوْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا ، وَفِي الْمُغْنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي ثُبُوتُهَا فِي : قَتَلَهُ زَيْدٌ وَآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ .
وَقَالَ آخَرُ : قَتَلَهُ عَمْرٌو وَآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ ، وَيُقْبَلُ تَعْيِينُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَعْرِفُهُ وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ .

قَالَ أَحْمَدُ : وَلَا قَسَامَةَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ، إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { تَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ } : وَعَنْهُ : بَلَى ، فِي غَيْرِ قَوَدٍ .
وَتَجِبُ الدِّيَةُ ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا لَوَثٌ حَلَفَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ ، وَالْآخَرُ إنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ فَفِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ ، وَلَوْ عَيَّنَ بَعْضُهُمْ قَاتِلًا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَهَذَا أَيْضًا ، حَلَفَا عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَأَخَذَا نِصْفَ الدِّيَةِ .

وَيَجِبُ الْقَوَدُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ بِشَرْطِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَسَائِرِ قَتْلِ الْعَمْدِ .
قَالَ أَحْمَدُ : الَّذِي يَدْفَعُ الْقَتْلَ فِي هَذَا قَدْ يُبِيحُهُ بِأَيْسَرَ مِنْهُ ، فَيُبِيحُهُ بِالظَّنِّ ، فَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ بِسِلَاحٍ لِيَأْخُذَ مَتَاعَهُ أَلَيْسَ دَمُهُ هَدَرًا ؟ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَنَلْهُ بِشَيْءٍ ، فَكَذَا بِمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَرَفُوهُ وَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ .

وَيَبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ ذُكُورِ الْعَصَبَةِ الْعُدُولِ أَوَّلًا نَصَّ عَلَيْهِ الْوَارِثِينَ ، وَعَنْهُ : أَوْ لَا ، نَصَرَهَا جَمَاعَةٌ فَقَسَمُ مَنْ عُرِفَ وَفِيهِ نِسْبَةٌ مِنْ الْمَقْتُولِ ، لَا أَنَّهُ مِنْ الْقَبِيلَةِ فَقَطْ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَسَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ : إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلِيَاءَهُ ؟ قَالَ : فَقَبِيلَتُهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ .

وَلَا تُقْسِمُ أُنْثَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ تُقْسِمُ فِي الْخَطَإِ ، وَفِي خُنْثَى وَجْهَانِ ( م 3 ) .
وَلَا مُرْتَدٌّ وَقْتَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ الْحُرِّ ، لِعَدَمِ إرْثِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ ، بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ وَيَكْمُلُ الْكَسْرُ وَإِنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ حَلَّفَهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ .
{ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ } قُلْت : فَمَنْ احْتَجَّ بِالْوَاحِدِ ؟ قَالَ : يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ ، قَصَرَهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، ابْنُ الزُّبَيْرِ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ يَحْلِفُ وَلِيٌّ يَمِينًا ؛ وَعَنْهُ : خَمْسِينَ ، وَإِنْ جَاوَزُوا خَمْسِينَ حَلَفَ خَمْسُونَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا ، وَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَيْمَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَصْلُهُمَا الْمُوَالَاةُ ( م 4 ) .
فَإِنْ اُعْتُبِرَ فَحَلَفَ ثُمَّ جُنَّ أَوْ عَزَلَ الْحَاكِمُ مَوْلَاهُ ، لَا وَارِثَهُ ، وَوَارِثُهُ كَهُوَ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ طَالِبٌ فَلَهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ الدَّعْوَى فِي يَمِينٍ : الْمُدَّعِي .
وَمَتَى حَلَفَ الذُّكُورُ فَالْحَقُّ لِلْجَمِيعِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْعَمْدَ لِذُكُورِ الْعَصَبَةِ ، وَالسَّيِّدِ كَوَارِثٍ ، وَإِنْ نَكَلُوا أَوْ كَانُوا نِسَاءً حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ ، وَعَنْهُ : يَغْرَمُ الدِّيَةَ ، وَعَنْهُ : مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُوجَزِ : يَمِينًا وَاحِدَةً ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَفِي خُنْثَى وَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا مَدْخَلَ لَهُ ، كَالنِّسَاءِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .
وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَهُ مَدْخَلٌ كَالرَّجُلِ ، فَيَحْلِفُ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَيْمَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَصْلُهُمَا الْمُوَالَاةُ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُعْتَبَرُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " أَصْلُهُمَا الْمُوَالَاةُ " يَعْنِي أَنَّ الْأَيْمَانَ هَلْ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِيهَا أَمْ لَا ؟ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا لَا تَجِبُ ، قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ .

فَإِنْ ادَّعَى عَلَى جَمَاعَةٍ وَصَحَّ فَقِيلَ : يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ ، وَقِيلَ : قَسَّطَهُ بِالسَّوِيَّةِ ( م 5 ) فِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا تَصِحُّ يَمِينُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ : مَا قَتَلْته وَلَا أَعَنْت عَلَيْهِ وَلَا تَسَبَّبْت ، لِئَلَّا يَتَأَوَّلَ ، وَيُعْتَبَرُ حُضُورُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقْتَ يَمِينِهِ ، كَالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، وَحُضُورُ الْمُدَّعِي ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ ادَّعَى عَلَى جَمَاعَةٍ ( وَصَحَّ ) فَقِيلَ : يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ ، وَقِيلَ : قَسَّطَهُ بِالسَّوِيَّةِ " .
انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ .
( أَحَدُهُمَا ) : يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ يَمِينًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَابْنُ رَزِينٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقِسْطِهِ وَيَكُونُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ .

وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَوْلِيَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ نَكَلَ فَعَنْهُ كَذَلِكَ ، وَعَنْهُ : يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ ، وَهِيَ أَظْهَرُ ( م 6 و 7 ) .
( مَسْأَلَةٌ 6 و 7 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَوْلِيَاءُ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ نَكَلَ فَعَنْهُ كَذَلِكَ " ، وَعَنْهُ : يُحْبَسُ حَتَّى يَقْرَأَ أَوْ يَحْلِفَ ، وَعَنْهُ : تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، انْتَهَى .
اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) : إذَا طَلَبُوا أَيْمَانَهُمْ وَنَكَلُوا فَهَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ ، أَوْ يَحْلِفَ ، أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ الزَّرْكَشِيّ .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا يُحْبَسُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ .
( تَنْبِيهٌ ) ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ شَيْئًا ، وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) إذَا قُلْنَا لَا يُحْبَسُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ أَوْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُمْ ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَلَوْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ ، وَفِي التَّرْغِيبِ عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ وَجْهَانِ ، وَأَنَّهُمَا فِي كُلِّ نُكُولٍ عَنْ يَمِينٍ مَعَ الْعَوْدِ إلَيْهَا فِي مَقَامٍ آخَرَ ، هَلْ لَهُ ذَلِكَ لِتَعَدُّدِ الْمَقَامِ أَمْ لَا ؟ لِنُكُولِهِ مَرَّةً .

وَيَفْدِي مَيِّتٌ فِي زَحْمَةٍ ، كَجُمُعَةٍ وَطَوَافٍ ، مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِعُمَرَ وَعَلِيٍّ ، وَعَنْهُ : هَدَرٌ ، وَعَنْهُ : فِي صَلَاةٍ لَا حَجَّ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ فِي غَيْرِ زِحَامٍ خَالِيًا .
وَنُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ : لَا بَأْسَ أَنْ يَدِيَهُ سُلْطَانٌ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَهَذَا اسْتِحْبَابٌ .

وَإِنْ كَانَ قَتِيلًا وَثَمَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ أُخِذَ بِهِ نَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ قَتِيلٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ ؟ قَالَ : هَذَا قَسَامَةٌ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِعُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ " قِيسُوا مَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ فَخُذْهُمْ بِهِ " فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَتُغَرِّمُنَا وَتُحَلِّفُنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَحْلَفَ خَمْسِينَ رَجُلًا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت قَاتِلًا .
قَالَ عُمَرُ : وَهَذَا إزَالَةُ الْقَوَدِ بِالْيَمِينِ ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : { وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَرَّعَ مَا بَيْنَهُمَا ، فَوُجِدَ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَلْقَاهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا } .

كِتَابُ الْحُدُودِ تَحْرُمُ إقَامَةُ حَدٍّ إلَّا لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا إلَّا لِقَرِينَةٍ ، كَتَطَلُّبِ الْإِمَامِ لَهُ لِيَقْتُلَهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا ضَمَانَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلِسَيِّدٍ مُكَلَّفٍ عَالِمٍ بِهِ ، وَالْأَصَحُّ حُرٌّ وَقِيلَ : ذَكَرٌ عَدْلٌ إقَامَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى رَقِيقِهِ الْكَامِلِ رِقُّهُ ، كَتَعْزِيرٍ ، وَقِيلَ : غَيْرُ الْمُكَاتَبِ وَقِيلَ : وَغَيْرُ مَرْهُونِهِ وَمُسْتَأْجَرِهِ ، كَأَمَةٍ مُزَوَّجَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِيهَا وَجْهٌ ، وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً فَالسُّلْطَانُ ، وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تُحَدَّ وَجَعَلَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ مَرْهُونَةً ، وَمُكَاتَبَةً أَصْلًا لِمُزَوَّجَةٍ ، وَقِيلَ : يُقِيمُهُ وَلِيُّ امْرَأَةٍ ، وَمَنْ أَقَامَهُ فَبِإِقْرَارٍ .
كِتَابُ الْحُدُودِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " وَلِسَيِّدٍ إقَامَتُهُ عَلَى رَقِيقِهِ ، وَقِيلَ غَيْرُ مُكَاتَبٍ " انْتَهَى .
فَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ إقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ ، وَلَمْ أَعْلَمْ لَهُ مُتَابِعًا ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ : وَيَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مُطْلَقًا عَلَى قِنٍّ .
وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، قَالَ فِي الْكُبْرَى : وَلَا يُقِمْ الْحَدَّ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، .

وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَاكِمٌ ، وَفِيهِ هُوَ وَجْهَانِ ، مَعَ عِلْمِهِ بِشُرُوطِهَا ( م 1 ) وَنَصُّهُ : يُقِيمُهُ بِعِلْمِهِ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ " وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَاكِمٌ ، وَفِيهِ هُوَ وَجْهَانِ مَعَ عِلْمِهِ شُرُوطَهَا " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : يَسْمَعُهَا وَيُقِيمُهُ كَالْحَاكِمِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَسْمَعُهَا وَلَا يُقِيمُهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .

وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ وُجُوبَ بَيْعِ رَقِيقٍ زَنَى فِي الرَّابِعَةِ ، وَفِي قَتْلِهِ لِرِدَّةٍ وَقَطْعِهِ لِسَرِقَةٍ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ وُجُوبُ إقَامَةِ الْحَدِّ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ شَرِيكًا لِمَنْ يُقِيمُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْصِيَةِ أَوْ عَوْنًا لَهُ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَاحْتَجَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا إنْ عَصَى الرَّقِيقُ عَلَانِيَةً أَقَامَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَإِنْ عَصَى سِرًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ سِتْرِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ ، كَمَا يُخَيَّرُ الشُّهُودُ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ بَيْنَ إقَامَتِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ السِّتْرِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ، فَإِنْ تَرَجَّحَ أَنَّهُ يَتُوبُ سَتَرُوهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ضَرَرُ النَّاسِ كَانَ فِي الرَّاجِحِ رَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ ، وَلَمْ يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْ رَقِيقِهِ حَدًّا أَنْ يُقِيمَهُ عَلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ اسْتِتَابَتِهِ لَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى وُجُوبِ هَتْكِ كُلِّ رَقِيقٍ ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَرُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } .
كَذَا قَالَ وَيُقَالُ : السَّيِّدُ فِي إقَامَتِهِ كَالْإِمَامِ ، فَيَلْزَمُهُ إقَامَتُهُ بِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ كَالْإِمَامِ ، وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ بِدَلِيلِ الْإِمَامِ ، وَإِنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ : لِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَوْهُ مِنْ التَّحْرِيمِ ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا تَخْرِيجٌ فِي الْإِمَامِ ، وَغَايَتُهُ تَخْصِيصُ ظَاهِرِ

الْأَخْبَارِ وَتَقْيِيدُ مُطْلَقِهَا ، وَهُوَ جَائِزٌ ، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي تَحْقِيقِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ .
وَقِيلَ : لِوَصِيٍّ حَدُّ رَقِيقِ مُوَلِّيهِ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَفِي قَتْلِهِ لِرِدَّةٍ وَقَطْعِهِ لِسَرِقَةٍ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ ، وَلِضَرُورَةٍ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي .
( الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَهُ ذَلِكَ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ .

وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا ، وَعَنْهُ : قَاعِدًا ، بِسَوْطٍ لَا خَلَقٍ وَلَا جَدِيدٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ : وَلْتَكُنْ الْحِجَارَةُ مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفَّيْنِ ، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ : سَوْطُ عَبْدٍ دُونَ حُرٍّ بِلَا مَدٍّ ، لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا رَبْطَ ، وَلَا تَجَرُّدَ بَلْ مَعَ قَمِيصٍ أَوْ اثْنَيْنِ ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَالْفَضْلُ : وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَيْمُونِيُّ : يُجَرَّدُ .
وَإِنْ كَانَ السَّوْطُ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ ، عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ ، لِلْإِجْمَاعِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ ، وَلَا يُشَقُّ جِلْدٌ وَلَا يُبْدِي إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ ، وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي .
وَيَلْزَمُ اتِّقَاءُ وَجْهٍ وَرَأْسٍ وَفَرْجٍ وَمَقْتَلٍ ، وَإِنْ ضَرَبَ قَاعِدًا فَظُهْرُهُ وَمُقَارِبُهُ .

وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ فِي الْحُدُودِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مُوَالَاةِ الْوُضُوءِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ ، وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : فِيهِ نَظَرٌ ، وَمَا قَالَهُ أَظْهَرُ ، وَتُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ ، فَلَوْ جَلَدَهُ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ وَيُعِيدُهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْقَاضِي ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ مَنْ يُقِيمُهُ أَنَّهُ حَدٌّ ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لَا يُعْتَبَرُ ، وَيَأْتِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ كَلَامُ الْقَاضِي .
وَفِي الْفُصُولِ قُبَيْلَ فُصُولِ التَّعْزِيرِ : يَحْتَاجُ عِنْدَ إقَامَتِهِ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضْرِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمَّا وَضَعَ اللَّهُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْحَدُّ إذَنْ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَوَلَّى وَأَمَّرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ ، قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ نِيَّتُهُمَا ، كَمَا نَقُولُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ غَاسِلِهِ .
وَاحْتَجَّ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ لِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ ، كَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي تَتِمَّةِ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي آخِرِ الصُّلْحِ : فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ نَفْعَ الْخَلْقِ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ ، وَهَذَا هُوَ الرَّحْمَةُ الَّتِي بُعِثَ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَا أَرْسَلْنَاك إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } لَكِنْ الِاحْتِيَاطُ إلَى دَفْعِ الظُّلْمِ شُرِعَتْ الْعُقُوبَاتُ ، وَعَلَى الْمُقِيمِ لَهَا أَنْ يَقْصِدَ بِهَا النَّفْعَ وَالْإِحْسَانَ ، كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ بِعُقُوبَةِ الْوَلَدِ ، وَالطَّبِيبُ بِدَوَاءِ الْمَرِيضِ ، فَلَمْ يَأْمُرْ الشَّرْعُ إلَّا بِمَا هُوَ نَفْعٌ لِلْعِبَادِ .
وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ .

وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ ، وَتُضْرَبُ جَالِسَةً ، وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَتُمْسَكُ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ ، وَفِي الْوَاضِحِ ، أَسْوَاطُهَا كَذَلِكَ .
وَجَلْدُ الزِّنَا أَشَدُّ ، ثُمَّ الْقَذْفُ ، ثُمَّ الشُّرْبُ ، نَصَّ عَلَيْهَا ، ثُمَّ التَّعْزِيرُ ، وَلِلْإِمَامِ حَدُّهُ لِشُرْبٍ بِجَرِيدٍ وَنِعَالٍ .
وَفِي الْمُذْهَبِ وَالْبُلْغَةِ : وَأَيْدٍ ، وَفِي الْوَسِيلَةِ : يَسْتَوْفِي بِالسَّوْطِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ .
وَفِي الْمُوجَزِ : لَا يُجْزِئُ بِيَدٍ وَطَرَفِ ثَوْبٍ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : لَا يُجْزِئُ بِطَرَفِ ثَوْبٍ وَنَعْلٍ ، وَيَحْرُمُ حَبْسُهُ بَعْدَ حَدِّهِ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : مَنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَدِّ وَضَرَّ النَّاسَ فَلِلْوَالِي لَا الْقَاضِي حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : حَتَّى يَمُوتَ .
وَيَحْرُمُ الْأَذَى بِالْكَلَامِ كَالتَّعْيِيرِ ، عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، لِنَسْخِهِ بِشَرْعِ الْحَدِّ ، كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ .
وَلِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْزِيرًا ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَتَأْخِيرُ حَدٍّ ، وَإِنْ خِيفَ مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ ، عَلَى الْأَصَحِّ فَيُقَامُ بِطَرَفِ ثَوْبٍ وَعُثْكُولِ نَخْلٍ حَسْبَمَا يَحْتَمِلُهُ .
وَقِيلَ : ضَرَبَهُ بِمِائَةِ شِمْرَاخٍ ، وَقِيلَ : يُؤَخَّرُ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ مَرْجُوِّ الْبُرْءِ ، وَإِلَّا ضَمِنَ ، وَيُؤَخَّرُ لِشُرْبٍ حَتَّى يَصْحُوَ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَلِقَطْعِ خَوْفِ التَّلَفِ .
وَمَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ وَلَوْ حَدِّ خَمْرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، أَوْ تَعْزِيرٍ ، وَلَمْ يَلْزَمْ تَأْخِيرُهُ ، فَهَدَرٌ .

وَإِنْ زَادَ سَوْطًا ، أَوْ فِي السَّوْطِ ، أَوْ اعْتَمَدَ فِي ضَرْبِهِ ، فَدِيَتُهُ ، كَضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ ، وَإِلْقَاءِ حَجَرٍ فِي سَفِينَةٍ مِثْلُهُ لَا يُغْرِقُهَا اتِّفَاقًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَعَنْهُ : نِصْفُهَا وَقِيلَ : دِيَتُهُ عَلَى الْأَسْوَاطِ إنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ، وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ : إنْ وَضَعَ فِي سَفِينَةٍ كُرًّا فَلَمْ يَغْرَقْ ثُمَّ وَضَعَ قَفِيزًا فَغَرِقَتْ فَغَرَقُهَا بِهِمَا فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ ، وَالثَّانِي بِالْقَفِيزِ ، وَكَذَا الشِّبَعُ وَالرِّيُّ ، وَالسَّيْرُ بِالدَّابَّةِ فَرَاسِخَ ، وَالسُّكْرُ بِالْقَدَحِ أَوْ الْأَقْدَاحِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا يَنْشَأُ الْغَضَبُ بِكَلِمَةٍ بَعْدَ كَلِمَةٍ وَيَمْتَلِئُ الْإِنَاءُ بِقَطْرَةٍ بَعْدَ قَطْرَةٍ ، وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ أَرْوَتْنِي الْجَرْعَةُ ، وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ غَرَّقَ السَّفِينَةَ هَذَا الْقَفِيزُ ، وَقَالَ : لَا يُقَالُ لِسَفِينَةٍ ثَقِيلَةٍ بِوَقْرِهَا عَامَ بَعْضُهَا فِي الْمَاءِ غَرِيقَةً بَعْضَ الْغَرَقِ ، وَلَا يُقْلَعُ اسْمُ الْغَرَقِ إلَّا عَلَى غَمْرِ الْمَاءِ لَهَا ، وَجَزَمَ أَيْضًا فِي السَّفِينَةِ بِأَنَّ الْقَفِيزَ الْمُغَرِّقَ لَهَا .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِذَا زَادَ سَوْطًا ، فَدِيَتُهُ .
وَعَنْهُ : نِصْفُهَا " ، انْتَهَى .
قَدَّمَ وُجُوبَ الدِّيَةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَقَالَ فِي الْإِجَارَةِ : وَلَوْ جَاوَزَ الْمَكَانَ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَحْمُولِ فَالْمُسَمَّى مَعَ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ ، وَقِيلَ : نِصْفُهَا ، كَسَوْطٍ فِي حَدٍّ ، انْتَهَى .
فَظَاهِرُهُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ نِصْفِ الدِّيَةِ إذَا زَادَ سَوْطًا ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَمَنْ أَمَرَ بِزِيَادَةٍ فَزَادَ جَهْلًا ضَمِنَهُ الْآمِرُ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ( م 3 ) وَإِنْ تَعَمَّدَهُ الْعَادُّ فَقَطْ أَوْ أَخْطَأَ .
وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ ضَمِنَهُ الْعَادُّ .
وَتَعَمَّدَ الْإِمَامُ الزِّيَادَةَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَقْيَسِ ، لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ .
وَقِيلَ : كَخَطَإٍ ، فِيهِ الرِّوَايَتَانِ ، قَدَّمَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
وَلَا يُحْفَرُ لِمَرْجُومٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : بَلَى لِامْرَأَةٍ إلَى الصَّدْرِ إنْ رُجِمَتْ بِبَيِّنَةٍ اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالتَّبْصِرَةِ ، وَأَطْلَقَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَابْنُ رَزِينٍ : يُحْفَرُ لَهَا ، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ ، فَهُوَ سِتْرٌ بِخِلَافِ الرَّجُلِ .
وَيُسْتَحَبُّ بَدْأَةَ شُهُودٍ بِهِ وَحُضُورُهُمْ ، وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ ، الْإِمَامُ ، فَمَنْ يُقِيمُهُ .
وَيَجِبُ حُضُورُهُ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : يَجُوزُ النَّاسُ صُفُوفًا لَا يُخْلَطُونَ ثُمَّ يَمْضُونَ صَفًّا صَفًّا .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قَوْلِ مَاعِزٍ : رُدُّونِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ قَوْمِي غَرُّونِي ، يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْضُرْ رَجْمَهُ ، فَبِهَذَا أَقُولُ .
وَيَجِبُ لِزِنًا حُضُورُ طَائِفَةٍ ، وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ، لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { إنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ : الطَّائِفَةُ الْوَاحِدُ فَمَا فَوْقَهُ ، وَاخْتَارَ فِي الْبُلْغَةِ : اثْنَانِ ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْجَمَاعَةُ ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ ، قَالَ الزَّجَّاجُ : أَصْلُ الطَّائِفَةِ فِي اللُّغَةِ الْجَمَاعَةُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْوَاحِدِ طَائِفَةٌ ، يُرَادُ بِهِ : نَفْسُ طَائِفَةٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ مَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي مَعْنَى جَمَاعَةٍ ، وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : إذَا أُرِيدَ بِالطَّائِفَةِ الْوَاحِدُ كَانَ أَصْلُهَا طَائِفًا ، عَلَى مِثَالٍ

قَائِمٍ وَقَاعِدٍ فَتَدْخُلُ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ ، كَمَا يُقَالُ : رَاوِيَةٌ ، عَلَّامَةٌ ، نَسَّابَةٌ .
احْتَجَّ مَنْ قَالَ : أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } فَأَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ بِأَنَّ الطَّائِفَةَ اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك } وَلَوْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ وَاحِدًا لَمْ يَقُلْ ( فَلْيُصَلُّوا ) وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَسَبَقَ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ .
وَفِي الْفُصُولِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ طَائِفَةٌ اسْمُ جَمَاعَةٍ ، وَأَقَلُّ اسْمِ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْعَدَدِ ثَلَاثَةٌ .
وَلَوْ قَالَ جَمَاعَةٌ لَكَانَ كَذَلِكَ .
فَكَذَا إذَا قَالَ طَائِفَةٌ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ الطَّائِفَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فِي قَوْلِهِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ } لِأَنَّهُ أَوَّلُ شُهُودِ الزِّنَا
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ أُمِرَ بِزِيَادَةٍ فَزَادَ جَهْلًا ضَمِنَهُ الْآمِرُ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) : يَضْمَنُ الْآمِرُ أَيْضًا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يَضْمَنُ الضَّارِبُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَهُوَ أَوْلَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، حَيْثُ كَانَ عَالِمًا عَاقِلًا ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ .

وَإِنْ رَجَعَ مَنْ أَقَرَّ بِحَدِّ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبٍ قَبْلَهُ أَوْ فِي بَعْضِهِ أَوْ هَرَبَ ، فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِ ، سَقَطَ ، فَإِنْ تَمَّمَ ضَمِنَ الرَّاجِعُ فَقَطْ بِالْمَالِ ، وَلَا قَوَدَ .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي زِنًا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ بِكِتَابَةٍ ، نَحْوَ مَزَحْتُ ، أَوْ مَا عَرَفْتُ مَا قُلْتُ ، أَوْ كُنْتُ نَاعِسًا ، وَفِيهِ فِي سَارِقِ بَارِيَّة مَسْجِدٍ وَنَحْوِهَا : لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِي الزِّنَا فَقَطْ ، وَلَا يَتْرُكُ بَعْدَ بَيِّنَةٍ عَلَى الْفِعْلِ ، وَعَنْهُ : أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ ، وَقِيلَ : يُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِمَالٍ .

وَمَنْ أَتَى حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ ، نَقَلَ مُهَنَّا : رَجُلٌ زَنَى يَذْهَبُ يُقِرُّ ؟ قَالَ : بَلْ يَسْتُرُ نَفْسَهُ .
وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي إنْ شَاعَ رَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ تَعَلَّقَتْ التَّوْبَةُ بِظَاهِرٍ كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ أَظْهَرَهَا وَإِلَّا أَسَرَّ .
وَمَنْ قَالَ لِإِمَامٍ : أَصَبْتُ حَدًّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِمَا لَمْ يُبَيِّنْهُ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَيُحَدُّ مِنْ زَنَى هَزِيلًا وَلَوْ بَعْدَ سِمَنِهِ ، كَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ ، كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ ، فَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ ، لِلْخَبَرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

فَصْلٌ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ اُسْتُوْفِيَ وَحْدَهُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : لَا يُشْرَعُ غَيْرُهُ ، وَإِلَّا تَدَاخَلَ الْجِنْسُ .
فَظَاهِرُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ ، قَالَ أَحْمَدُ : يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ مَرَّةً لَا الْأَجْنَاسُ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً : لَا تَدَاخُلَ فِي السَّرِقَةِ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : فَقَطْعُ وَاحِدٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ : إنْ طَالَبُوا مُفْتَرِقِينَ قَطَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذِهِ رِوَايَةُ صَالِحٍ ، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهَا ، ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا : قَوْلُ الْفُقَهَاءِ تَتَدَاخَلُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ أَحْكَامٌ وَإِلَّا فَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يُعْقَلُ فِيهِ تَدَاخُلٌ .
فَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَحْكَامٌ ، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْأَئِمَّةُ ، كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بَعْضُ مَا ذَكَرَهُ هَذَا مِثْلُ لَحْمِ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ ، فَأَثْبَتَ فِيهِ تَحْرِيمَيْنِ .
وَتُسْتَوْفَى حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ كُلُّهَا ، وَيَبْدَأُ بِهَا مُطْلَقًا ، وَبِالْأَخَفِّ وُجُوبًا .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ جَازَ ، فَلَوْ زَنَى وَسَرَقَ مِرَارًا جُلِدَ مَرَّةً ثُمَّ قُطِعَتْ يَمِينُهُ ، وَإِنْ قَتَلَ فِي مُحَارَبَةٍ قُتِلَ فَقَطْ ، وَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ وَقَذَفَ وَقَطَعَ يَدًا قُطِعَ ثُمَّ حُدَّ لِقَذْفِهِ ثُمَّ لِشُرْبِهِ ، ثُمَّ لِلزِّنَا وَقِيلَ : يُؤَخَّرُ الْقَطْعُ ، وَأَنَّهُ يُؤَخَّرُ شُرْبٌ عَنْ قَذْفٍ إنْ قِيلَ أَرْبَعُونَ ، وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَقِيلَ : إنْ طَلَبَ صَاحِبُ قَتْلٍ جَلْدَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ مِنْ قَطْعٍ لِيَقْتُلَهُ فَوَجْهَانِ ، وَإِنْ قَتَلَ وَارْتَدَّ أَوْ سَرَقَ وَقَطَعَ قُتِلَ وَقُطِعَ لَهُمَا ، وَقِيلَ لِلْقَوَدِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي .
وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِي جَوَازِ الْخِلَافِ فِي اسْتِيفَائِهِ بِغَيْرِ حُضُورِ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، فَإِنَّ عَلَى الْمَنْعِ هَلْ يُعَزَّرُ ، وَأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمَقْتُولِ ، وَأَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِالِاسْتِيفَاءِ

أَوْ يَكُونُ كَمَنْ قَتَلَ جَمَاعَةً فَيُقْرِعُ أَوْ يُعَيِّنُ الْإِمَامَ ، وَأَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَمَا قِيلَ فِيمَنْ قُتِلَ لِرَجُلَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَإِنْ أَخَذَ الدِّيَةَ اسْتَوْفَى الْحَدَّ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْله " وَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ وَقَذَفَ وَقَطَعَ يَدًا قَطَعَ ثُمَّ حُدَّ لِقَذْفِهِ ثُمَّ لِشُرْبِهِ ثُمَّ لِلزِّنَا " انْتَهَى .
إنَّمَا بَدَأَ بِقَطْعِ الْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ فَقَدَّمَ ، لِأَنَّهُ قَالَ : وَيَبْدَأُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ وَالزِّنَا ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، هَلْ هُوَ لِلَّهِ أَوْ لِلْآدَمِيِّ ، فَقُدِّمَ عَلَى مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقُدِّمَ حَدُّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّهُ أَخَفُّ ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ : " فَلَوْ زَنَى وَسَرَقَ مِرَارًا جُلِدَ مَرَّةً ثُمَّ قُطِعَتْ يَمِينُهُ " فَبَدَأَ بِالْجَلْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْقَطْعِ ، وَكِلَاهُمَا حَقٌّ لِلَّهِ ، لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ حَقٌّ لِلَّهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدًا فَإِنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ ، فَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا : مَنْ قَتَلَ بِسِحْرٍ قُتِلَ حَدًّا وَلِلْمَسْحُورِ مِنْ مَالِهِ دِيَتُهُ ، فَيُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ أَوْ لَجَأَ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ بِهِ فِيهِ ، كَحَيَوَانٍ صَائِلٍ مَأْكُولٍ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، لَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ : وَلَا يُكَلَّمُ ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ لِيَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يُؤْخَذُ بِدُونِ الْقَتْلِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ فِيهِ كَذَلِكَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا ، وَمَنْ فَعَلَهُ فِيهِ أَخَذَ بِهِ فِيهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ لَجَأَ إلَى دَارِهِ كَذَلِكَ .

وَإِنْ قُوتِلُوا فِي الْحَرَمِ دَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَطْ لِلْآيَةِ فِي قَوْلِهِ { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ } قِرَاءَتَانِ فِي السَّبْعِ ، هَذَا ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ ، وَاسْتِدْلَالِهِمْ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فِيهِ ، صَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَقَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْمَرْوَزِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالُوا : الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ ، وَفِي التَّمْهِيدِ فِي النُّسَخِ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ ، كَمَا امْتَنَعَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ بَيْعَةِ يَزِيدَ وَبَايَعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ وَنَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِمْ وَإِحْلَالُ حَرَمِ اللَّهِ جَائِزًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَشِيعَتُهُ ، وَعَارَضَ نَصَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ فَقَالَ : إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا .
قَالَ وَالْخَبَرُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّمَ الْحَلَالَ فِي غَيْرِهَا حَرَامٌ فِيمَا عَدَا تِلْكَ السَّاعَةَ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ ، وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَحُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى مَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ ، فَيُقَالُ : وَغَيْرُ مَكَّةَ كَذَلِكَ ، وَاحْتَجَّ فِي الْخِلَافِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ إلَّا بِإِحْرَامٍ ، بِالْخَبَرِ : { وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي

سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } قَالُوا : فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ فِيهَا مَتَى عَرَضَ مِثْلُ تِلْكَ الْحَالِ عَلِمْنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ وَقَعَ لِدُخُولِهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، كَذَا قَالُوا ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا ضَعِيفًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ حُكْمًا وَاسْتِنْبَاطًا لَمْ يَعْرُجُوا ، وَذَكَرَ مِثْلَهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمُعَارَضَةِ وَقَالَ : لَوْ تَغَلَّبَ فِيهَا كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ وَجَبَ قِتَالُهُمْ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ أَوْ غَيْرُهُمْ عَلَى الرَّكْبِ دَفَعَ الرَّكْبُ كَمَا يَدْفَعُ الصَّائِلُ ، وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ بَلْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَجْهٌ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ كَالْحَرَمِ ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ وَمَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ } .
وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ لِلْعُمُومَاتِ وَلِغَزْوِ الطَّائِفِ وَإِقْرَارِهِمْ ، وَتَرَدَّدَ كَلَامُ شَيْخِنَا ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ ، وَهُمْ بَدَءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِتَالِ ، وَلَمَّا انْهَزَمُوا دَخَلَ مَلِكُهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مَعَ ثَقِيفٍ فِي حِصْنِ الطَّائِفِ ، فَحَارَبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ غَزَوْهُمْ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا ، وَفَتْحُ خَيْبَرَ كَانَ فِي صَفَرٍ ، وَبَيْعَةُ الرَّضْوَانِ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، بَايَعَهُمْ لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَهُ .
وَيَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ دَفْعًا ، وَإِنَّمَا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عَامِرٍ فِي سَرِيَّةٍ إلَى أَوْطَاسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوِ الَّتِي بَدَأَ الْكُفَّارُ

فِيهَا بِالْقِتَالِ ، قَالَ : وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا وَلَا مَنْسُوخَ فِيهَا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ } وَقَالَ فِي الْبَقَرَةِ { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ } الْآيَةَ ، وَبَيْنَهُمَا فِي النُّزُولِ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا فِي مَسْأَلَةِ التَّغْلِيظِ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ قَالَ تَعَالَى { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ بِشَرْطِ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَتْلَهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ يَحْرُمُ ، وَإِذَا كَانَ قَتْلُ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مُبَاحٌ حَرُمَ لِأَجْلِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ دَلَّ عَلَى تَغْلِيظِ الْقَتْلِ فِيهَا ، كَذَا قَالَ .
وَمَنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ حَدًّا .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ قَوَدًا مِنْ الْغُزَاةِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ أَخَذَ بِهِ فِي دَارِنَا خَاصَّةً ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا تُقَامُ الْحُدُودُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ .

وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ إنْ زَنَى الْأَسِيرُ .
أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا مَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ إذَا خَرَجَ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يُقَاتَلُ إذَا قَتَلَ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ هُنَاكَ حُكْمٌ ، كَذَا كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ ، وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ إذَا أَتَى حَدًّا ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أُسِرَ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَقَتَلَ أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا أَصَابَ هُنَاكَ .

بَابُ حَدِّ الزِّنَا إذَا زَنَى مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ حَتَّى يَمُوتَ .
وَفِي رِوَايَةٍ : يُجْلَدُ مِائَةً قَبْلَهُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : اخْتَارَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ : [ لَا ] كَالرِّدَّةِ ، اخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ ، وَابْنُ شِهَابٍ وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ : اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( م 1 ) وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ النَّفْيُ مَعَ الرَّجْمِ ، لِأَنَّهُ غَايَةُ التَّغْلِيظِ ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ الدُّنْيَا رَأْسًا ، بِخِلَافِ الْجَلْدِ ، وَآيَةُ الرَّجْمِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتْ فِي الْمُصْحَفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا ، فَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ : إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ بِهِ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ قُنُوعًا بِأَيْسَرِ شَيْءٍ ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ ، وَالْمَنَامُ أَدْنَى طَرِيقِ الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا .
وَإِذَا وَطِئَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي قُبُلِ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ فَهُمَا مُحْصَنَانِ ، مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ ، فَإِنْ اخْتَلَّ بَعْضُ ذَلِكَ فَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَنَحْوِهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مَنْعًا وَتَسْلِيمًا ، تَغْلِيظًا عَلَيْهِ .
وَفِي الْإِرْشَادِ : يُحْصِنُ مُرَاهِقٌ بَالِغَةً ، وَمُرَاهِقَةٌ بَالِغًا ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا رِوَايَةً .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا فَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ .
وَعَنْهُ : لَا تُحْصِنُ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمًا .
وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ : امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ بِخَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ ، يُحْصِنُهَا ؟

قَالَ : لَا .
قَالَ : وَحُكْمُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة كَالْمُسْلِمَةِ ، وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ : لَا يُحْصِنُ الْمَجُوسِيُّ .
وَإِنْ زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ فَلِكُلٍّ حَدُّهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَيَثْبُتُ إحْصَانُهُ بِقَوْلِهِ وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا ، وَالْأَشْهَرُ : أَوْ دَخَلْتُ بِهَا ، لَا بِوَلَدِهِ مِنْهَا ، وَاكْتَفَى فِي الْوَاضِحِ بِقَوْلِ بَيِّنَةٍ : بَاضَعَهَا ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ : أَتَاهَا ، وَنَحْوُهُ .

بَابُ حَدِّ الزِّنَا ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " إذَا زَنَى مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ حَتَّى يَمُوتَ ، وَفِي رِوَايَةٍ يُجْلَدُ مِائَةً قَبْلَهُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : اخْتَارَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ لَا ، كَالرِّدَّةِ ، اخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ وَابْنُ شِهَابٍ ، وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ : اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، " انْتَهَى .
( الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) الَّتِي نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ هِيَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ، وَصَحَّحَهَا الشِّيرَازِيُّ ، وَجَزَمَ بِهَا فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَنِهَايَتِهِ ، وَصَاحِبِ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
تَنْبِيهٌ ) .
إتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِصِيغَةِ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ " وَفِي رِوَايَةٍ يُجْلَدُ " بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ ، وَبِهِ يَتَّضِحُ الْمَعْنَى ، وَلِلْمُصَنِّفِ عِبَارَةٌ كَذَلِكَ فِي الْقَرْضِ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا

وَإِذَا زَنَى حُرٌّ غَيْرُ مُحْصَنٍ جُلِدَ مِائَةً ، وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ وَالْمَيْمُونِيُّ ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ ( هـ ) لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ تَعْزِيرًا ، وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ ، وَالْمَذْهَبُ يُغَرَّبُ عَامًا الرَّجُلُ مَسَافَةَ قَصْرٍ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَقَلَّ ، وَالْمَرْأَةُ بِمَحْرَمٍ بَاذِلٍ وَعَلَيْهَا أُجْرَتُهُ ، وَقِيلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ أَمْكَنَ وَبِدُونِهِ لِتَعَذُّرِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : مَعَ أَمْنٍ ، وَعَنْهُ : بِلَا مَحْرَمٍ ، تَعَذَّرَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِي الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ ، وَتُغَرَّبُ مَسَافَةَ قَصْرٍ ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ لِوُجُوبِهِ .
كَالدَّعْوَى ، وَعَنْهُ : أَقَلُّ ، وَعَنْهُ : بِدُونِهِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : إنْ تَعَذَّرَ فَامْرَأَةٌ ثِقَةٌ ، وَلَوْ بِالْأُجْرَةِ .
وَقِيلَ : لَا تُغَرَّبُ مَعَ تَعَذُّرِهَا ، وَقِيلَ مُطْلَقًا .
وَيُجْلَدُ رَقِيقٌ خَمْسِينَ ، وَلَا يُغَرَّبُ ، وَلَا يُعَيَّرُ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَقَدْ يُتَوَجَّهُ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، احْتِمَالٌ ( و م ) لِأَنَّ عُمَرَ نَفَاهُ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ : يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ نَفَاهُ : أَبْعَدَهُ مِنْ صُحْبَتِهِ .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ الْخَلَّالُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ عَلَى الْأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ ، فَإِذَا أُحْصِنَتْ بِزَوْجٍ فَعَلَيْهَا نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ } وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْعَابِدِيِّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ عَلَى الْأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ بِزَوْجٍ ،

فَإِذَا أُحْصِنَتْ بِزَوْجٍ فَعَلَيْهَا نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ } وَرَوَاهُمَا الْحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ مَرْدُوَيْهِ إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : صَدُوقٌ ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِي الضُّعَفَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ : يُخْطِئُ وَيُخَالِفُ .
وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِالْحِسَابِ وَيُغَرَّبُ فِي الْمَنْصُوصِ بِحِسَابِهِ .

وَهَلْ اللُّوطِيُّ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَزِنًى أَوْ يُرْجَمُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا ، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقِيسًا عَلَى الزَّانِي فِي الْغُسْلِ ، كَذَلِكَ فِي الْحَدِّ ، وَأَنَّ الْغُسْلَ قَدْ يَجِبُ وَلَا حَدَّ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَدَلَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْغُسْلِ نَفْيُ الْحَدِّ ، وَأَوْلَى ، وَنَصَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( و هـ ) لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ ، لِخُرُوجِهِ عَنْ هَيْئَةِ الْفُرُوجِ وَأَحْكَامِهَا .
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ إذَا قِيلَ : الْفَاعِلُ كَزَانٍ فَقِيلَ : يُقْتَلُ الْمَفْعُولُ ( بِهِ ) مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ ، كَفَاعِلٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ : كُلُّ مُسْتَحْسَنٍ وَمُسْتَلَذٍّ فِي الدُّنْيَا أُنْمُوذَجُ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابٍ ، وَكُلُّ مُؤْلِمٍ وَمُؤْذٍ أُنْمُوذَجُ عِقَابٍ ، فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ الْأَمْرَدِ أُنْمُوذَجًا لِحُصُولِ مِثْلِهِ فِي الْآخِرَةِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أُنْمُوذَجٌ حَسَنٌ ، فَإِذَا وُجِدَ مِثْلُهُ وَأَضْعَافُهُ فِي جَارِيَةٍ حَصَلَ مَقْصُودُ الْأُنْمُوذَجِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنَالَ مِثْلَ هَذَا فِي الْآخِرَةِ فَيُبَاحُ مِثْلُ مَا حَظَرَ مِمَّا كَانَتْ تَشْرَئِبُّ إلَيْهِ فَيُوجَدُ الصِّبْيَانُ عَلَى هَيْئَةِ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ ، وَرُبَّمَا كَانَ الْوِلْدَانُ كَذَلِكَ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ : لَا يَمْتَنِعُ جِمَاعُ الْوِلْدَانِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْشَاءُ الشَّهَوَاتِ لِذَلِكَ ، فَيَكُونُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْأَذَى ، وَلِأَجْلِ قَطْعِ النَّسْلِ ، وَهَذَا قَدْ أُمِنَ فِي الْجَنَّةِ وَلِذَلِكَ أُبِيحُوا شُرْبَ الْخَمْرِ لَمَّا أَمِنُوا مِنْ غَائِلَةِ السُّكْرِ وَهُوَ إيقَاعُ

الْعَرْبَدَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعَدَاوَةِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ .
فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ ، وَلَمْ يُخْلَقْ هَذَا الْمَحَلُّ لِلْوَطْءِ ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ : الْعَاهَةُ هِيَ الْمَيْلُ إلَى مَحَلٍّ فِيهِ تَلْوِيثٌ وَأَذًى ، فَإِذَا أُزِيلَ وَلَمْ يَكُنْ نَسْلٌ لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الِالْتِذَاذِ وَالْمُتْعَةِ ، وَلَا وَجْهَ لِلْعَاهَةِ ، انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ أَيْضًا : سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَقَارِبُ فِي النَّارِ هَلْ يَبْقَى عَلَى طَبْعِهِ ؟ فَقَالَ : قَدْ أَشَارَ إلَى تَغَيُّرِ الطَّبْعِ بِقَوْلِهِ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } فَيُزِيلُ التَّحَاسُدَ وَالْمَيْلَ إلَى اللِّوَاطِ ، وَأَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ .
وَمَمْلُوكُهُ كَأَجْنَبِيٍّ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : وَدُبُرُ أَجْنَبِيَّةٍ كَلِوَاطٍ ، وَقَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَقِيلَ : كَزِنًا : وَإِنَّهُ لَا حَدَّ بِدُبُرِ أَمَتِهِ وَلَوْ مُحَرَّمَةً بِرَضَاعٍ ، وَزَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ كَلِوَاطٍ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِخَبَرِ الْبَرَاءِ وَأَوَّلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ وَارِثٍ ، وَأَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ : ضَرْبَ الْعُنُقِ فِيهِ عَلَى ظَنِّ الرَّاوِي ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ ، عَلَى خَبَرِ الْبَرَاءِ إلَّا رَجُلًا يَرَاهُ مُبَاحًا فَيُجْلَدُ ، قُلْت : فَالْمَرْأَةُ ، قَالَ : كِلَاهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ يُقْتَلُ .
وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إنَّ خَبَرَ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ وَإِنَّ غَيْرَ الْمُسْتَحِلِّ كَزَانٍ ، نَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ اللُّوطِيُّ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَزِنًى أَوْ يُرْجَمُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا فِيهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) حَدُّهُ كَحَدِّ الزَّانِي سَوَاءٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) حَدُّهُ الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ الْقَيِّمِ فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ ، وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَهُ ، وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى مَا إذَا زَنَى بِأَمَتِهِ : الصَّحِيحُ قَتْلُ اللُّوطِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مُحْصَنًا أَمْ لَا

وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً وَلَوْ سَمَكَةً عُزِّرَ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
وَعَنْهُ : كَلُوطِيٍّ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَجِبُ الْحَدُّ فِي رِوَايَةٍ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فِي رِوَايَةٍ فَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ بِخِلَافِ اللِّوَاطِ ، كَذَا قَالَ وَظَاهِرُهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ ، وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ مَعَ أَنَّهُ احْتَجَّ لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاللِّوَاطِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ بِهِ ، وَظَاهِرُهُ يَجِبُ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَالتَّسْوِيَةُ أَوْلَى ، مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ غَرِيبٌ .
وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَتَحْرُمُ ، فَيَضْمَنُهَا .
وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، فَيَضْمَنُ النَّقْصَ .

فَصْلٌ وَلَا حَدَّ إلَّا بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ مِنْ خَصِيٍّ أَوْ فَحْلٍ أَوْ قَدْرِهَا لِعَدَمٍ ، فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا ، فَتُعَزَّرُ امْرَأَتَانِ تَسَاحَقَتَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُحْتَمَلُ الْحَدُّ ، لِلْخَبَرِ ، وَيُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ ، فَلَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ [ فِي ] دُبُرٍ ، أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ فِيهَا شِرْكٌ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ فِيهِ حَقٌّ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ ، أَوْ مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ ، أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ نُشُوءٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ ، أَوْ تَحْرِيمِ نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا ، أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ : وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا فَلَا حَدَّ ، نَقَلَ مُهَنَّا : لَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ بِقَوْلِهِ إنَّهَا امْرَأَتُهُ وَأَنْكَرَتْ هِيَ ، وَقَدْ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا ، فَلَا تُحَدُّ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِجَهْلِ الْعُقُوبَةِ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ ، لِقِصَّةِ مَاعِزٍ .

وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ أَبَدًا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلِمَ لَمْ يُحَدَّ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَهِيَ أَظْهَرُ ، وَقِيلَ : وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ ، وَالْأَكْثَرُ يُعَزَّرُ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : وَلَا يُرْجَمُ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَحَرْبٌ : يُحَدُّ وَلَا يُرْجَمُ ، وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُعْتَدَّةُ ، فَإِنْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً فَلَا حَدَّ ، وَعَكْسُهُ مُحَرَّمَةٌ بِنَسَبٍ .
وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَمُتْعَةٍ ، أَوْ بِلَا وَلِيٍّ ، وَشِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ قَبْلَهُ ، لَمْ يُحَدَّ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ فِي " وَطْءِ بَائِعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ " ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ يُحَدَّ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ ، فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ ( م 3 ) وَكَذَا وَطْؤُهُ بِعَقْدٍ فُضُولِيٍّ ، وَعَنْهُ : يُحَدُّ قَبْلَ الْإِجَارَةِ ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ : يُحَدُّ قَبْلَهَا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِهَا .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ ، كَمَا مَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقُلْنَا : يُحَدُّ بَعْدَهُ أَمْ لَا .
( قُلْت ) : هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ إذْنِ وَلِيٍّ ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى فِي نَقْضِ حُكْمِ مَنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِمَا هُنَاكَ ، فَلْيُرَاجَعْ ، وَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يُنْقَضُ ، فَلَا يُحَدُّ هُنَا ، فَأَثَّرَ الْحُكْمُ شَيْئًا ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُنْقَضُ فَيُحَدُّ هُنَا فَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ وَمَسْأَلَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ .

وَحَكَى رِوَايَةً ، وَإِنْ زَنَى بِمَيِّتَةٍ فَرِوَايَتَانِ ( م 4 ) وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : النَّاسُ يَقُولُونَ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَظَنَنْته يَعْنِي نَفْسَهُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَأَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَشَارَ إلَيْهِ ، هَذَا بِخِلَافِ طَرَفِ مَيِّتٍ لِعَدَمِ ضَمَانِ الْجُمْلَةِ ، لِعَدَمِ وُجُودِ قَتْلٍ بِخِلَافِ الْوَطْءِ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ زَنَى بِمَيِّتَةٍ فَرِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَحَكَاهُمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَجْهَيْنِ .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوَّرِهِ ، وَغَيْرِهِمَا .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ

وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ فَزَنَى فَنَصُّهُ : يُحَدُّ .
اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : لَا ، كَامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ غُلَامٍ بِإِلْجَاءٍ أَوْ تَهْدِيدٍ أَوْ مَنْعِ طَعَامٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَنَحْوِهِ ، وَعَنْهُ : فِيهِمَا : لَا بِتَهْدِيدٍ وَنَحْوِهِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ الْفِعْلُ بَلْ الْقَوْلُ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : إنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْقَتْلَ سَقَطَ عَنْهَا الدَّفْعُ ، كَسُقُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِالْخَوْفِ .

وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ وَقَدْ أَحَلَّتْهَا لَهُ عُزِّرَ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ ، وَعَنْهُ : إلَّا سَوْطًا ، وَعَنْهُ : بِعَشْرٍ ، وَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ ، فِي رِوَايَةٍ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : عَلَيْهِ الْعَمَلُ ، قَالَ أَحْمَدُ : لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْجِلْدِ أَوْ الرَّجْمِ ، وَعَنْهُ : بَلَى .
وَقَالَ شَيْخُنَا : إنْ ظَنَّ جَوَازَهُ لَحِقَهُ ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ فِيهِ وَفِي حَدِّهِ ، وَعَنْهُ : يُحَدُّ ، فَلَا يَلْحَقُهُ كَعَدَمِ حِلِّهَا ، وَلَوْ ظَنَّ حِلَّهَا ، نَقَلَهُ مُهَنَّا .
وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ ، قَالَ : يُحَدُّ ، إلَّا أَمَةَ امْرَأَتِهِ ، عَلَى خَبَرِ النُّعْمَانِ ، قُلْت : فَأَحَلَّ أَمَتَهُ لِرَجُلٍ ؟ قَالَ : لَا يَصْلُحُ وَلَا تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ وَإِنْ وَطِئَهَا فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ ، لِأَنَّهُ وَطِئَ عَلَى شُبْهَةٍ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ : إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَلَدُ إذَا لَمْ يُحَدَّ .
وَفِي زَادِ الْمُسَافِرِ رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ : الرَّجُلُ يُحِلُّ أَمَتَهُ لِرَجُلٍ أَوْ فَرْجَهَا أَوْ الْمَرْأَةُ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا ، حَدِيثُ النُّعْمَانِ ابْنِ بَشِيرٍ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ الْأَوْلَى حُكْمُ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْقَرَابَةِ عَلَى خَبَرِ النُّعْمَانِ .
وَعَنْهُ فِيمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ : إنْ أَكْرَهَهَا عَتَقَتْ وَغَرِمَ مِثْلَهَا وَإِلَّا مَلَكَهَا بِمِثْلِهَا ، لِخَبَرِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ ، لِأَنَّهُ إتْلَافٌ ، كَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ ، فَمَنْ أَتْلَفَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِمَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ انْتِفَاعُ مَالِكِهِ بِهِ عَتَقَ ، وَلِمَالِكِهِ قِيمَتُهُ ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الْأُصُولِ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَإِنَّ مِنْ هَذَا جِذْعَ مَرْكُوبِ الْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ حَكَاهَا شَيْخُنَا فَقَالَ : حَكَى عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ الْقَوْلَ بِهِ .

وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا مَعَ عِلْمِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، أَوْ زَنَى بِمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ بِصَغِيرَةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَقِيلَ : أَوْ لَا ، وَقِيلَ : لَهَا تِسْعٌ ، أَوْ بِمَجْنُونَةٍ ، أَوْ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ مَلَكَهَا ، أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا فَجَحَدَتْ ( هـ ) كَسُكُوتِهَا ( و ) أَوْ بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ ، وَنَصَّهُ : أَوْ نَكَحَ بِنْتَه مِنْ زِنًا ، وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخِلَافُ ، وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى مُعْتَقِدٍ تَحْرِيمَهُ حُدَّ .
وَكَذَا بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي الْمُغْنِي أَوْ دَعَا أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَوَطِئَ يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ .
وَإِنْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مَنْ لَا يُحَدَّ ، وَقِيلَ : ابْنُ عَشْرٍ ، أَوْ جَهِلَهُ .
أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا .
أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ ، حُدَّتْ ، كَلُزُومِهَا كَفَّارَةَ رَمَضَانَ دُونَ مَجْنُونٍ .
وَكَذَا يُحَدُّ رَجُلٌ وَطِئَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ نَصَّ عَلَيْهِ .

فَصْلٌ وَلَا يَثْبُتُ الزِّنَى إلَّا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَنْ يُقِرَّ بِهِ حُرٌّ وَعَبْدٌ ، مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ لَا ، أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ [ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ مَجْلِسٌ وَسَأَلَهُ الْأَثْرَمُ : مَجْلِسٌ أَوْ مَجَالِسُ ] قَالَ الْأَحَادِيثُ لَيْسَتْ تَدُلُّ إلَّا عَلَى مَجْلِسٍ ، إلَّا عَنْ ذَاكَ الشَّيْخِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ .
وَذَاكَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ .
وَيُصَرِّحُ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ ، وَعَنْهُ : وَمَنْ زَنَى وَفِي الرِّعَايَةِ أَنَّهَا أَظْهَرُ ، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِإِقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ أَوْ صَدَّقَهُمْ مَرَّةً فَهَلْ هُوَ رُجُوعٌ فَلَا يُحَدُّ أَوْ يُحَدُّ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 5 ) وَلَا يُحَدُّونَ ، وَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ إنْ أَنْكَرَ ، وَأَنَّهُ إنْ صَدَّقَهُمْ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ .
( الثَّانِي ) أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِزِنًا وَاحِدٍ يَصِفُونَهُ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَأَنَّ هَذَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ ، لَمْ يُسْمَعْ أُقِيمَ حَدٌّ إلَّا بِإِقْرَارٍ ، وَسَوَاءٌ أَتَوْا الْحَاكِمَ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقِينَ ، وَلَوْ صَدَّقَهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ شَهِدُوا فِي مَجْلِسَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَكَانُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ لِأَمْرٍ ظَاهِرٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : أَوْ خَفِيَ ، كَشَكِّهِ فِي فِسْقٍ ، حُدُّوا لِلْقَذْفِ ، كَمَا لَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، أَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَجْبُوبًا أَوْ رَتْقَاءَ ، وَعَنْهُ : لَا كَمَسْتُورِي الْحَالِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَوْ مَوْتُ أَحَدِهِمْ قَبْلَ وَصْفِهِ الزِّنَا ، وَأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهَا عَذْرَاءُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِيهَا فِي الْوَاضِحِ تَزُولُ حَصَانَتُهَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ، وَعَنْهُ : يُحَدُّ الْعُمْيَانُ خَاصَّةً .
فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجًا لَاعَنَ ، وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْبُوبِ أَنَّ الشُّهُودَ قَذَفَةٌ ، وَقَدْ

أَحْرَزُوا ظُهُورَهُمْ ، فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ الشَّعْبِيِّ : الْعَذْرَاءُ .
قَالَ أَحْمَدُ [ قَالَ ] عَنْهُ اخْتِلَافٌ ، فَدَلَّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، فَإِنْ رَجَمَهُ الْقَاضِي فَالْخَطَأُ مِنْهُ ، قُلْت : فَتَرَى فِي هَذَا أَوْ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا ، فَلَمْ يَسْأَلْ الْقَاضِي عَنْ إحْصَانِهِ حَتَّى رَجَمَهُ إنَّ الدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَالَ غَيْرُهُ : إذَا رَجَمَهُ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ بَانَ لَهُ كَذِبُهُمْ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ الْقَوَدُ مَعَ الْعَمْدِ .
قَالَ : وَإِنْ رَجَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ إحْصَانَهُ فَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ : إنَّ خَطَأَهُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ أَخْطَأَ فِي النَّفْسِ ، وَهَذَا أَوْلَى بِهِ عِنْدِي ، وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ قَوْلَيْنِ ، بِخِلَافِ الْعَذْرَاءِ ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبَ فِيمَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَقَدَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ ، فَقَالَ الْقَاذِفُ : أَنَا أَجِيءُ بِثَلَاثَةِ شُهُودٍ مَعِي ، فَجَاءَ بِهِمْ يَكُونُ شَاهِدًا مَعَهُمْ ، قَالَ : إنْ جَاءَ بِهِمْ قَرِيبًا وَلَمْ يَتَبَاعَدْ فَهُوَ شَاهِدٌ رَابِعٌ .
وَنَقَلَ مُهَنَّا : إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا ، أَحَدُهُمْ فَاسِقٌ ، فَصَدَّقَهُمْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
مَسْأَلَةٌ 5 ) [ قَوْلُهُ ] : " فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِإِقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ أَوْ صَدَّقَهُمْ مَرَّةً فَهَلْ هُوَ رُجُوعٌ فَلَا يُحَدُّ أَوْ يُحَدُّ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ رُجُوعٌ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ .

، وَمَنْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمٍ فَقِيلَ : لَا يَفْسُقُ ، وَخَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ ( م 6 ) وَإِنْ شَهِدُوا بِزِنًا وَاحِدٍ لَكِنْ عَيَّنَ اثْنَانِ بَيْتًا ، أَوْ بَلَدًا أَوْ يَوْمًا ، وَاثْنَانِ آخَرَ ، حُدُّوا لِلْقَذْفِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا ظَاهِرُهَا الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ بِكَوْنِهَا زَانِيَةً ، وَعَنْهُ : لَا اعْتِبَارَ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ ، وَإِنْ عَيَّنَ اثْنَانِ زَاوِيَةً مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ وَاثْنَانِ أُخْرَى مِنْهُ ، أَوْ قَالَ اثْنَانِ : فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ ، أَوْ قَائِمَةٍ ، وَقَالَ اثْنَانِ فِي أَحْمَرَ أَوْ نَائِمَةً ، كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ ، وَقِيلَ : هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمٍ ، فَقِيلَ : لَا يَفْسُقُ ، وَخَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَفْسُقُ ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ فَهُوَ قَاذِفٌ ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ : زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً ، وَقَالَ اثْنَانِ : مُكْرَهَةً ، لَمْ يُقْبَلْ ، فَيُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ ، لِقَذْفِهَا ، وَفِي حَدِّ الْأَرْبَعَةِ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَجْهَانِ ( م 7 ) وَقِيلَ : تُقْبَلُ عَلَى الرَّجُلِ فَيُحَدُّ وَحْدَهُ ، اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا تُحَدُّ هِيَ وَفِيهِ : وَفِيهِ وَجْهَانِ .
وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ : لَا يُحَدُّ أَحَدٌ ، وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ : وَهِيَ بَيْضَاءُ ، وَقَالَ اثْنَانِ غَيْرَهُ لَمْ يُقْبَلْ ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ : زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً ، وَقَالَ اثْنَانِ : مُكْرَهَةً ، لَمْ يُقْبَلْ فَيُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ لِقَذْفِهَا ، وَفِي حَدِّ الْأَرْبَعَةِ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يُحَدُّونَ لِقَذْفِهِ ، جَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ وَمُنْتَخَبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُحَدُّونَ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَيَظْهَرُ لِي قُوَّةُ هَذَا الْقَوْلِ ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّجُلِ قَدْ كَمُلَتْ ، فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فَأَوْلَى أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَرَجَعُوا أَوْ أَحَدُهُمْ فَهَلْ يُحَدُّونَ أَوْ إلَّا الرَّاجِعُ وَحْدَهُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 8 ) .
وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ يُحَدُّ الرَّاجِعُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَحْدَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ بَعْدَهُ ، وَظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ ، لَا يُحَدُّ أَحَدٌ لِتَمَامِهَا بِالْحُكْمِ ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْحَدِّ حُدَّ وَحْدَهُ إنْ وَرِثَ حَدَّ الْقَذْفِ .
وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ : لَا يُحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) [ قَوْلُهُ ] " وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَرَجَعُوا أَوْ أَحَدُهُمْ يَعْنِي قَبْلَ الْحَدِّ فَهَلْ يُحَدُّونَ أَوْ إلَّا الرَّاجِعَ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) يُحَدُّ الْأَرْبَعَةُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ ، فَقَالَ : حُدُّوا فِي الْأَظْهَرِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : عَلَى الْجَمِيعِ الْحَدُّ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، انْتَهَى .
فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يُحَدُّ غَيْرُ الرَّاجِعِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ وَمُنْتَخَبِهِ ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ .

وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ الزُّنَاةُ بِهَا لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، وَفِي حَدِّ الْأَوَّلَيْنِ لِلزِّنَا وَلِلْقَذْفِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ ( م 9 و 10 ) .
وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ لَمْ تُحَدَّ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : بَلَى إنْ لَمْ تَدَّعِ شُبْهَةً وَفِي الْوَسِيلَةِ وَالْمَجْمُوعِ رِوَايَةٌ : وَلَوْ ادَّعَتْ .

مَسْأَلَةٌ 9 و 10 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ الزُّنَاةُ بِهَا لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، وَفِي حَدِّ الْأَوَّلِينَ لِلزِّنَا وَلِلْقَذْفِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ مَسْأَلَتَانِ أَطْلَقَ فِيهِمَا الْخِلَافَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 9 ) هَلْ يُحَدُّ الْأَوَّلُونَ لِلزِّنَا لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ هُمْ الزُّنَاةُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : يُحَدُّونَ لِلزِّنَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ النَّاظِمُ : هَذَا الْأَشْهَرُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يُحَدُّونَ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 10 ) هَلْ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : يُحَدُّونَ ، لِلْقَذْفِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيز .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُحَدُّونَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ وَجَمَاعَةٍ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا : وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ كَلَامًا مَعْنَاهُ لَا يُحَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَدَّ الزِّنَا ، وَهَلْ يُحَدُّ الْأَوَّلُونَ حَدَّ الْقَذْفِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا جَاءَ مَجِيءَ الشَّاهِدِ هَلْ يُحَدُّ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .

وَكَذَا حَدُّهُ لِخَمْرٍ بِرَائِحَتِهِ وَكَذَا قِيلَ فِي قَيْئِهِ وَوُجُودِهِ سَكْرَانَ ، وَقِيلَ : يُحَدُّ ( م 11 و 12 ) .
وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : يُؤَدَّبُ لَهُ بِرَائِحَتِهِ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ كَحَاضِرٍ مَعَ مَنْ يَشْرَبُهُ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : يُسْتَعْمَلُ لِقَطْعِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ الْكُسْفُرَةُ وَعِرْقُ الْبَنَفْسَجِ وَالثُّومِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ قَوِيَّةٌ .
مَسْأَلَةٌ 11 و 12 ) قَوْلُهُ : " وَكَذَا قِيلَ فِي قَيْئِهِ وَوُجُودِهِ سَكْرَانَ ، وَقِيلَ : يُحَدُّ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ حُكْمُ مَا إذَا تَقَيَّأَهَا أَوْ وُجِدَ سَكْرَانَ حُكْمُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُهَا أَمْ يُحَدُّ مُطْلَقًا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ : ( مَسْأَلَةٌ 11 ) مَنْ تَقَيَّأَهَا .
وَ ( مَسْأَلَةٌ 12 ) وُجُودُ سَكْرَانَ .
( إحْدَاهُمَا ) حُكْمُهُمَا حُكْمُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يُحَدُّ هُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْإِرْشَادِ فِي وُجُودِهِ سَكْرَانَ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً .
فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ

بَابُ الْقَذْفِ مَنْ قَذَفَ بِزِنًا فِي قُبُلٍ وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ مُحْصَنًا وَلَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ نَصَّ عَلَيْهِ جُلِدَ الْحُرُّ ثَمَانِينَ وَالْعَبْدُ أَرْبَعِينَ وَلَوْ عَتَقَ قَبْلُ حُدَّ ، وَمُعْتَقٌ بَعْضُهُ بِحِسَابِهِ ، وَقِيلَ : كَعَبْدٍ .
وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ عُزِّرَ ، وَقِيلَ : سِوَى سَيِّدٍ لِعَبْدِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُحَدُّ .
وَحُدَّ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا بِقَذْفِهِ وَإِنْ نَزَلَ كَقَوَدٍ فَلَا يَرِثُهُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ وَرِثَهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ وَحُدَّ لَهُ لِتَبَعُّضِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ لَا يُحَدُّ الْأَبُ ، وَفِي أُمٍّ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : لَا حَدَّ بِقَذْفِهِ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ ، وَعَنْهُ يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ أَوْ ذِمِّيَّةٌ لَهَا وَلَدٌ أَوْ زَوْجُ مُسْلِمٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ قَذَفَ كَافِرًا لَا وَلَدَ لَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يُحَدَّ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَيُحَدُّ بِقَذْفٍ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ ( بِفَتْحِ الْغَيْنِ ) ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ( و م ) وَأَنَّهَا عُذْرٌ فِي غَيْبَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَتَقَدَّمَ [ فِي ] الطَّلَاقِ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ وَشَيْخِنَا { لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَدِيجَةَ : وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ ، وَقَوْلُهُ إنِّي أَعْرِفُ إذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى } ، وَلِدُعَائِهَا وَجَعْلِهَا رِجْلَيْهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ تَقُولُ : يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي ، وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ امْرَأَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَتْ : وَاَللَّهِ إنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ .
فَقُلْت : قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ ، أَفَتَأْمَنُ إحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ ، فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ ، وَإِنَّ عُمَرَ قَالَ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ } .
وَفِيهِ :

وَكَانَ قَدْ أَقْسَمَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
وَالْمُحْصَنُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ، وَقِيلَ : وَوَطْءٌ لَا يُحَدُّ بِهِ لِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ ، وَقِيلَ : يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ بَاطِنِ عِفَّةٍ .
وَفِي الْمُبْهِجِ : لَا مُبْتَدِعٍ .
وَفِي الْإِيضَاحِ : لَا فَاسِقٍ ظَهَرَ فِسْقُهُ .
وَلَا يَخْتَلُّ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً بِمُتَّهَمٍ بِهَا حُدَّ ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَفِيهِ ، لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ فَاسِقٍ ، وَفِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ : عِنْدِي يُحَدُّ بِقَذْفِ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ ، لِعَدَالَتِهِ فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الزِّنَا ، وَفِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا : لَا ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ( م 1 ) فَالْغُلَامُ ابْنُ عَشْرٍ وَالْبِنْتُ بِنْتُ تِسْعٍ ، وَمُطَالَبَتُهُ إذَا بَلَغَ ، وَالْمُلَاعَنَةُ وَابْنُهَا وَوَلَدُ الزِّنَا كَغَيْرِهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

بَابُ الْقَذْفِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ " وَفِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ " انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) : لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّهُ أَشْهَرُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرٍ أَوْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ ، وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الْبَنَّا ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ : أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وُجُوبُ الْحَدِّ ، انْتَهَى ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ ، قَالَهُ فِي الْعُمْدَةِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوَّرِهِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ .
وَالْمُحْصَنُ هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَفِيفُ ، انْتَهَى .
وَقِيلَ : هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَرَّجَةٌ لَا مَنْصُوصَةٌ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَطَأُ أَوْ يُوطَأُ ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ سِنَّهُمَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ : زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِدُونِ تِسْعٍ عُزِّرَ ، زَادَ فِي الْمُغْنِي : إنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبٍ ، لِأَنَّهُ لِتَأْدِيبِهِ وَإِلَّا فَرِوَايَتَا الْبُلُوغِ .
وَإِنْ قَالَ : وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ وَمَا ثَبَتَ وَأَمْكَنَ فَرِوَايَتَانِ ( م 2 ) ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، فَإِنْ قَالَتْ : أَرَدْتَ قَذْفِي الْآنَ فَأَنْكَرَ فَهَلْ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ وَجْهَانِ ( م 3 ) .
وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى جُنُونٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ كَانَ مِمَّنْ يُجَنُّ لَمْ يَقْذِفْهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهُ فَأَنْكَرَتْ وَعَرَّفَتْ لَهُ حَالُ جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ فَوَجْهَانِ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ وَمَا ثَبَتَ وَأَمْكَنَ فَرِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) : يُحَدُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : حُدَّ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ : فَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ : زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يُحَدُّ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، فَإِنْ قَالَتْ : أَرَدْتَ قَذْفِي الْآنَ وَأَنْكَرَ فَهَلْ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ ؟ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : لَا يُحَدُّ ، بَلْ يُعَزَّرُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَابْنُ الْبَنَّاءِ ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يُحَدُّ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : فَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي : الْقَوْلُ قَوْلُهَا ( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْقَوْلَيْنِ ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولَةٍ فَرِوَايَتَانِ ( م 4 ) ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ قَذْفًا مُتَقَدِّمًا كَانَ فِي صِغَرٍ أَوْ قَالَ : زَنَيْتِ مُكْرَهَةً ، أَوْ قَالَ : يَا زَانِيَةُ ثُمَّ ثَبَتَ زِنَاهَا فِي كُفْرٍ لَمْ يُحَدَّ ، كَثُبُوتِهِ فِي إسْلَامٍ .
وَفِي الْمُبْهِجِ : إنْ قَذَفَهُ بِمَا أَتَى فِي الْكُفْرِ حُدَّ ، لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ .
وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ : رَجُلٌ رَمَى امْرَأَةً بِمَا فَعَلَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؛ قَالَ : يُحَدُّ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي : لَوْ قَالَ ابْنُ عِشْرِينَ لِابْنِ خَمْسِينَ زَنَيْتُ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يُحَدَّ ، وَهُوَ سَهْوٌ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولَةٍ فَرِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ .
( إحْدَاهُمَا ) : يُحَدُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : حُدَّ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَا يُحَدُّ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ

وَلَا يَسْقُطُ حَدٌّ بِزَوَالِ إحْصَانِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( خ ) حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِهِ ( خ ) أَوْ لَا ( خ ) لِأَنَّ الْحُدُودَ تُعْتَبَرُ بِوَقْتِ وُجُوبِهَا ، وَكَمَا لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهِ وَجُنُونِهِ .
وَبِخِلَافِ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِضِيقِ الشَّهَادَةِ ، وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ، وَبِأَنَّ الزِّنَا نَوْعُ فِسْقٍ ، وَاحْتِمَالُ وُجُودِ الْجِنْسِ أَكْثَرُ مِنْ النَّوْعِ ، إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ مُزِيلُهُ عَلَى الْقَذْفِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ .
قِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ : لَوْ زَنَى مَقْطُوعُ الْيَدِ أَتُعَادُ بَعْدَ بَعْثِهِ وَيُعَاقَبُ ؟ فَقَالَ : لَا نُرَاعِي مِثْلَ هَذَا ، كَحَدِّ هَزِيلٍ بَعْدَ سِمَنِهِ ، كَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ .

وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إلَّا أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ فِيهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَلَوْ دُونَ فَرْجٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ تُقِرَّ بِهِ فَيُصَدِّقَهَا فَيَعْتَزِلَهَا ثُمَّ تَلِدَ بِمَا يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْ الزَّانِي ، فَيَلْزَمُهُ قَذْفُهَا وَنَفْيُهُ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ وَكَذَا وَطْؤُهَا فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ وَظَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي .
وَفِي التَّرْغِيبِ نَفْيُهُ مُحَرَّمٌ مَعَ التَّرَدُّدِ ، فَإِنْ تَرَجَّحَ النَّفْيُ بِأَنْ اسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ فَوَجْهَانِ ، وَاخْتَارَ جَوَازَهُ مَعَ أَمَارَةِ الزِّنَا ، وَلَا وُجُوبَ وَلَوْ رَآهَا تَزْنِي ، وَاحْتَمَلَ مِنْ الزِّنَا حَرُمَ نَفْيُهُ ، وَلَوْ نَفَاهُ وَلَاعَنَ انْتَفَى ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ مَا يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ أَوْ اسْتَفَاضَ زِنَاهَا أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ ثِقَةٌ ، أَوْ رَأَى مَعْرُوفًا بِهِ عِنْدَهَا ، زَادَ فِي التَّرْغِيبِ : خَلْوَةٌ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْمُغْنِي هُنَا اسْتِفَاضَةُ زِنَاهَا ، وَقَدَّمَ لَا يَكْفِي اسْتِفَاضَةٌ بِلَا قَرِينَةٍ ، فَلَهُ قَذْفُهَا ، وَفِرَاقُهَا أَوْلَى ، قَالَ شَيْخُنَا : إذَا قَالَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا زَنَتْ فَكَذَّبَتْهُ فَفِي كَوْنِهِ قَاذِفًا نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، فَإِنْ جَعَلَ قَذْفًا أَوْ قَذَفَهَا صَرِيحًا فَلَهُ لِعَانُهَا ، وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ فَأَنْكَرَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ .
وَلَوْ أَسْقَطَتْ جَنِينًا بِسَبَبِ الْقَذْفِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ قَذْفُهُ فَلَا عُدْوَانَ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ حَرُمَ قَذْفُهُ ضَمِنَهُ .
وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ الْمُبَاحَ أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي أَوْ يَظُنُّهُ وَلَا وَلَدَ ، وَإِنْ وَلَدَتْ أَسْوَدَ وَهُمَا أَبْيَضَانِ أَوْ عَكَسَهُ فَلَهُ نَفْيُهُ بِقَرِينَةٍ ، وَقِيلَ : وَدُونَهَا .

فَصْلٌ وَصَرِيحُ الْقَذْفِ ، يَا زَانٍ يَا عَاهِرُ ، قَدْ زَنَيْتَ .
زَنَى فَرْجُك وَنَحْوُهُ ، وَكَذَا يَا لُوطِيُّ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ مَعَ غَضَبٍ وَنَحْوِهِ ، وَعَنْهُ : يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَيَا مَعْفُوجٌ ، صَرِيحٌ قَالَ أَحْمَدُ : يُحَدُّ ، وَقِيلَ : كِنَايَةٌ وَإِنْ فَسَّرَ يَا مَنْيُوكَةَ بِفِعْلِ زَوْجٍ فَلَيْسَ قَذْفًا ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ .
وَزَادَ إنْ أَرَادَ بِزَانِي الْعَيْنِ أَوْ يَا عَاهِرَ الْيَدِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَعَ سَبْقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَذْفٍ صَرِيحٍ ، وَإِنْ قَالَ : لَسْت بِوَلَدِ فُلَانٍ فَقَذَفَ لِأُمِّهِ ، فِي الْمَنْصُوصِ إلَّا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ ، وَكَذَا إنْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ بِالْقِيَاسِ لَا حَدَّ .
نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْتَ لِأَبِيك : يُحَدُّ ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ كَافِرَةً ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا لِتَمِيمِيٍّ : لَسْت مِنْهُمْ وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ قَالَ : لَوْ كُنْتَ وَلَدَ فُلَانٍ مَا فَعَلَتْ كَذَا .
وَلَسْتَ بِوَلَدِي كِنَايَةٌ فِي قَذْفِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : صَرِيحٌ .

وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ أَوْ لِامْرَأَةٍ يَا زَانٍ فَصَرِيحٌ ، كَفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا ، خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ فِي عَالِمٍ بِعَرَبِيَّةٍ ، وَقِيلَ : كِنَايَةٌ ، وَقِيلَ لِلرَّجُلِ ، وَكَذَا أَنْتِ أَزْنَى النَّاسِ ، أَوْ مِنْ فُلَانَةَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي فُلَانَةَ وَجْهَانِ ( م 5 ) ، وَفِي زَنَتْ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ثَنَاهُمَا وَجْهَانِ ( م 6 ) ، وَكَذَا زَنَى بَدَنُك ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَكَذَا الْعَيْنُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : لَا .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَكَذَا أَنْتِ أَزْنَى النَّاسِ أَوْ مِنْ فُلَانَةَ " .
يَعْنِي أَنَّهُ صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي فُلَانَةَ وَجْهَانِ ، يَعْنِي فِي قَذْفِ فُلَانَةَ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ( أَحَدُهُمَا ) : لَيْسَ بِقَاذِفٍ لَهَا ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَهُوَ أَقْيَسُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : هُوَ قَذْفٌ أَيْضًا لَهَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَفِي زَنَتْ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ثَنَاهُمَا وَجْهَانِ " انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ صَرِيحٌ ، فَيُحَدُّ بِهِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ بِصَرِيحٍ ، فَلَا يُحَدُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا ، فِي الْأَصَحِّ .

وَإِنْ قَالَ : زَنَأْت فِي الْجَبَلِ فَصَرِيحٌ ، وَقِيلَ إنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ ، وَقَالَ أَرَدْتُ الصُّعُودَ فِي الْجَبَلِ ، قِيلَ : فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَبَلِ فَوَجْهَانِ ( م 7 ) ، وَقِيلَ : لَا قَذْفَ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي لَفْظَةِ " عِلْقٌ " وَذَكَرَهَا شَيْخُنَا صَرِيحَةً وَمَعْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ رَزِينٍ ( كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُرْفًا ) .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الصُّعُودَ فِي الْجَبَلِ ، قِيلَ : فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَبَلِ فَوَجْهَانِ " يَعْنِي هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، وَهُوَ قَوْلُهُ ، وَقِيلَ : إنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَقَالَ أَرَدْتُ الصُّعُودَ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : هُوَ صَرِيحٌ ، وَجْهًا وَاحِدًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : حُكْمُهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، فِيهَا الْوَجْهَانِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَبَلِ فَوَجْهَانِ ، وَقِيلَ : لَا قَذْفَ ، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهَا لَفْظَةُ ( عِلْقٌ ) وَذَكَرَهَا شَيْخُنَا صَرِيحَةً " انْتَهَى .
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَقَالَ شَيْخُنَا إنَّ ( عِلْقٌ ) تَعْرِيضٌ ، انْتَهَى .
فَلَعَلَّهُ قَالَ هَذَا أَوَّلًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ بِأَنَّهَا صَرِيحٌ ، أَوْ لَهُ قَوْلَانِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَكِنَايَتُهُ وَالتَّعْرِيضُ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : قَدْ فَضَحْتِهِ ، أَوْ نَكَّسْتِ رَأْسَهُ ، أَوْ أَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ ، أَوْ يَا قَحْبَةُ يَا فَاجِرَةُ ، أَوْ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يَا حَلَالُ ابْنَ الْحَلَالِ ، مَا يَعْرِفُك النَّاسُ بِالزِّنَا ، يَا نَظِيفُ ، يَا خَنِيثُ بِالنُّونِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ يَا عَفِيفُ ، أَوْ لِعَرَبِيٍّ : يَا نَبَطِيُّ ، يَا فَارِسِيُّ ، يَا رُومِيُّ ، أَوْ لِأَحَدِهِمْ يَا عَرَبِيُّ أَوْ مَا أَنَا بِزَانٍ أَوْ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ ، وَعَنْهُ : بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ قُبِلَ ، وَعَنْهُ : يُحَدُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ ، وَعَنْهُ : لَا يُحَدّ إلَّا بِنِيَّةٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، وَالْقَرِينَةُ كَكِنَايَةِ طَلَاقٍ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : هُوَ قَذْفٌ بِنِيَّةٍ ، وَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهَا ، وَفِي قِيَامِ قَرِينَةٍ مَقَامَهَا مَا تَقَدَّمَ ، وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا بِالنِّيَّةِ ، وَفِي لُزُومِ إظْهَارِهَا وَجْهَانِ ( م 8 ) ، وَإِنْ عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ وَيُقْبَلُ تَأْوِيلُهُ ، وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ : يُحَدُّ بِالصَّرِيحِ فَقَطْ .
وَإِنَّ قَوْلَهُ : أَحَدُهُمَا زَانٍ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَنَا ، فَقَالَ : لَا ، ( فَقَالَ : ) قَذْفٌ لِلْآخَرِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُفْرَدَاتِ .
وَإِذَا لَمْ يُحَدَّ بِالتَّعْرِيضِ عُزِّرَ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمُ عَقْلِهِ .
وَفِي الْمُغْنِي وَجْهَانِ فِيمَنْ يُجَنُّ وَقْتًا وَيُفِيقُ وَقْتًا ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي مَقْذُوفٍ : يُقْبَلُ مِنْ مُطْبَقٍ إفَاقَتُهُ طَارِئَةٌ ، وَيَتَوَجَّهُ أَوْ يُجَنُّ وَقْتًا ، وَكَذَا فِي الْخِلَافِ فِي : أَخْبَرَنِي فُلَانٌ ، أَوْ أَشْهَدَنِي أَنَّك زَنَيْت ، فَكَذَّبَهُ فُلَانٌ .

مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ " وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا بِالنِّيَّةِ ، وَفِي لُزُومِ إظْهَارِهَا وَجْهَانِ " انْتَهَى .
لَعَلَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ فِي التَّرْغِيبِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إظْهَارُ النِّيَّةِ إذَا سُئِلَ عَمَّا أَرَادَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَكَذَا لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَقَالَ : صَدَقْت ، فَإِنْ زَادَ فِيمَا قُلْت فَقِيلَ ، كَذَلِكَ وَقِيلَ يُحَدُّ ( م 9 ) .
وَيُعَزَّرُ فِي يَا كَافِرُ ، يَا فَاجِرُ ، يَا حِمَارُ ، يَا تَيْسُ ، يَا ثَوْرُ ، يَا رَافِضِيُّ ، يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ أَوْ الْفَرْجِ ، يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، يَا ظَالِمُ ، يَا كَذَّابُ ، يَا خَائِنُ ، يَا شَارِبَ الْخَمْرِ ، يَا مُخَنَّثُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقِيلَ فَاسِقٌ كِنَايَةٌ ، وَمُخَنَّثٌ تَعْرِيضٌ ، وَيُعَزَّرُ فِي : قَرْنَانِ وَقَوَّادٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ عَنْ دَيُّوثٍ ، قَالَ : يُعَزَّرُ ، قُلْت : هَذَا عِنْدَ النَّاسِ أَقْبَحُ مِنْ الْفِرْيَةِ ، فَسَكَتَ .
وَفِي الْمُبْهِجِ : دَيُّوثٌ قَذْفٌ لِامْرَأَتِهِ ، وَمِثْلُهُ كَشْخَانٌ وَقَرْطَبَانٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي مَأْبُونٍ كَمُخَنَّثٍ فِي الْفُنُونِ : هُوَ لُغَةً الْعَيْبُ يَقُولُونَ : عُودٌ مَأْبُونٌ وَالْأَبْنُ : الْجُنُونُ ، وَالْأُبْنَةُ : الْعَيْبُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الزَّاهِرِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِعْلِ بِهِ أَوْ الْفِعْلِ مِنْهُ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ ، لِأَنَّ الْأُبْنَةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا لَا تُعْطِي أَنَّهُ يَفْعَلُ بِمُقْتَضَاهَا إلَّا بِقَوْلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ ، كَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ : يَا شَبِقَةُ ، يَا مُغْتَلِمَةُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ كِنَايَةً ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ لِظَالِمٍ بْنِ ظَالِمٍ : جَبَرَك اللَّهُ وَرَحِمَ سَلَفَك احْتَمَلَ الْمَدْحُ وَالتَّهَزِّي ، وَأَنَّهُ أَظْهَرُ ، فَيُعَزَّرُ .
قَالَ شَيْخُنَا : إنَّ " عِلْقٌ " تَعْرِيضٌ .
مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : " وَكَذَا لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَقَالَ صَدَقْت ، فَإِنْ زَادَ فِيمَا قُلْت ، فَقِيلَ : كَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يُحَدُّ ، " انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَإِنْ قَذَفَ مَجْبُوبًا حُدَّ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، لِأَنَّهُ قَذَفَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَعَكْسُهُ : مَا أَنْتَ ابْنُ فُلَانَةَ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَإِنْ قَذَفَ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ عَادَةُ الزِّنَا مِنْهُمْ كَأَهْلِ بَلَدِهِ لَمْ يُحَدَّ .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ : لَيْسَ قَاذِفًا ، لِأَنَّهُ لَا عَارَ ، وَيُعَزَّرُ ، كَسْبُهُمْ بِغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْمُغْنِي جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا لِقَذْفِ الصَّغِيرَةِ ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : وَيُعَزَّرُ حَيْثُ لَا حَدَّ ، وَإِنْ قَالَ : مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ لَمْ يُحَدَّ ( ع ) وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : الْكَاذِبُ ابْنُ الزَّانِيَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَهُ ، لِعَدَمِ التَّعْيِينِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُعَزَّرُ ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ ، لَكِنْ يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ غِيبَةِ أَهْلِ قَرْيَةٍ ( هـ ) لَا أَحَدَ هَؤُلَاءِ ، أَوْ وَصَفَ رَجُلًا بِمَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ فِي الْعَالِمِ مَنْ يَزْنِي وَنَحْوُهُ ، إلَّا أَنْ يَعْرِفَ بَعْدَ الْبَحْثِ .

وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ بِكَ زَنَيْتُ سَقَطَ حَقُّهَا بِتَصْدِيقِهَا وَلَمْ تَقْذِفْهُ ، وَإِنْ قَالَ زَنَى بِكِ فُلَانٌ فَقَدْ قَذَفَهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَخَرَجَ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ ، فَعَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقْذِفْهُ يَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ يَقْذِفْهَا ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مُكْرَهَةٌ أَوْ نَائِمَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ فِي الزَّوْجَةِ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : { خَبَرُ مَاعِزٍ حِينَ سَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِفُلَانَةَ ، فَلَمْ يَضْرِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، نَقَلَهُ لَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ وَنَقَلَ مِنْهَا : لَا يُحَدُّ لَهَا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَوْ كَانَ قَاذِفًا لَمْ يَسْأَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِمَنْ " وَإِنَّمَا هَذَا بَيَانُ الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهَا أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي ، أَوْ زَنَيْت وَأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي فَقَدْ قَذَفَتْهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ ، وَإِنْ قَالَ يَا زَانِيَةُ قَالَتْ بَلْ أَنْتَ زَانٍ حُدَّ لَهُ ، وَعَنْهُ : لَا لِعَانَ ، وَتُحَدُّ هِيَ فَقَطْ ، وَهُوَ سَهْوٌ عِنْدَ الْقَاضِي [ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ : بَلْ هَذَا يُعْطِي رِوَايَةً عَنْهُ أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ ] .

فَصْلٌ وَهُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ ، فَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ ، قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ عَنْهُ : لَا عَنْ بَعْضِهِ ، وَعَنْهُ : لِلَّهِ ، فَلَا يَسْقُطُ ، وَعَلَيْهِمَا لَا يُحَدُّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إلَّا بِالطَّلَبِ وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا ( ع ) .
وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الثَّانِيَةِ : وَبِدُونِهِ ، وَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( ع ) وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ .
وَفِي الْبُلْغَةِ : لَا يَسْتَوْفِيهِ بِدُونِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ فَوَجْهَانِ ، وَأَنَّ هَذَا فِي الْقَذْفِ الصَّرِيحِ ، وَأَنَّ غَيْرَهُ يَبْرَأُ بِهِ سِرًّا ، عَلَى خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ ، وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ هَلْ تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ أَوْ النِّيَّةُ ، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ قَدَّمَ قَاذِفَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَأَقَرَّ فَقَالَ : قَدْ أَمْسَيْنَا ، غَدًا نُقِيمُهُ عَلَيْهِ ، فَغَابَ الْمَقْذُوفُ ، فَقَالَ : لَا يُحَدُّ حَتَّى يَحْضُرَ ، لَعَلَّهُ عَفَا .
وَإِنْ قَالَ اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ عُزِّرَ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُحَدُّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَلَى الْأَوَّلِ .

وَإِنْ مَاتَ وَوَرِثَ حَدَّ الْقَذْفِ فَلِوَارِثِهِ الْمُطَالَبَةُ إذَنْ .
وَإِنْ قُذِفَ مَيِّتٌ مُحْصَنٌ أَوَّلًا فَلِوَارِثِهِ الْمُحْصَنِ خَاصَّةً حَدُّ قَاذِفِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ : لَا حَدَّ بِقَذْفِ مَيِّتٍ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ .
وَحَقُّ الْقَذْفِ لِلْوَرَثَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : سِوَى الزَّوْجَيْنِ ، وَفِي الْمُغْنِي : لِلْعَصَبَةِ ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ حَدَّهُ الْبَاقُونَ كَامِلًا .
وَقِيلَ يَسْقُطُ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ : افْتَرَى عَلَى أَبِيهِ وَقَدْ مَاتَ فَعَفَا ابْنُهُ ؟ قَالَ : جَائِزٌ .
وَسَأَلَهُ الْأَثْرَمُ : أَلَهُ الْعَفْوُ بَعْدَ رَفْعِهِ ؟ قَالَ : فِي نَفْسِهِ فَإِنَّمَا هُوَ حَقُّهُ ، وَإِذَا قَذَفَ أَبَاهُ فَهَذَا شَيْءٌ يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ مَلَكَهُ وَارِثُهُ ، فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ لِمَنْ يَطْلُبُ مِنْهُمْ بِقِسْطِهِ وَسَقَطَ قِسْطُ مَنْ عَفَا ، بِخِلَافِ الْقَذْفِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ ، وَهَذَا يَتَبَعَّضُ .
تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا ) قَوْلُهُ : " قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : بِخِلَافِ الْقَذْفِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ وَهَذَا يَتَبَعَّضُ " ، انْتَهَى .
صَوَابُهُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَبَعَّضُ مَكَانَ " الْقَذْفِ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَهُوَ فِي الرَّوْضَةِ كَذَلِكَ وَهُوَ وَاضِحٌ .

وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ وَيُقْتَلُ ، وَعَنْهُ : إنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ ، وَعَنْهُ : كَافِرٌ بِإِسْلَامٍ ، وَهِيَ مُخَرَّجَةٌ مِنْ نَصِّهِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ وَالسَّاحِرِ الذِّمِّيِّ ، قَالَ فِي الْمَنْثُورِ : وَهَذَا كَافِرٌ قُتِلَ مَنْ سَبَّهُ ، فَيُعَايَا بِهَا ، وَقَذْفُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَقَذْفِ أُمِّهِ ، وَيَسْقُطُ سَبُّهُ بِالْإِسْلَامِ ، كَسَبِّ اللَّهِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمُرْتَدِّ ، قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
الثَّانِي ) قَوْلُهُ " وَيَسْقُطُ سَبُّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ كَسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمُرْتَدِّ ، قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ " ، انْتَهَى .
لَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بَلْ قَدْ قَدَّمَ حُكْمًا ، وَهُوَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُهُ بِالْإِسْلَامِ ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا .

قَالَ شَيْخُنَا : وَكَذَا مَنْ قَذَفَ نِسَاءَهُ لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بَرَاءَتَهَا وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْهُنَّ وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي وَجْهٍ ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ : فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا ( م 10 ) ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ : رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ : يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ ؟ فَعَظَّمَهُ جِدًّا وَقَالَ عَنْ الْحَدِّ : لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْءٌ وَذَهَبَ إلَى حَدٍّ وَاحِدٍ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ " وَقَالَ شَيْخُنَا ، وَكَذَا مَنْ قَذَفَ نِسَاءَهُ ، لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ بِكَلَامِهِمْ فِي عَائِشَةَ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بِبَرَاءَتِهَا وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ ، فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْهُنَّ وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي وَجْهٍ ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا " ، انْتَهَى .
يَعْنِي لَوْ حَصَلَ مُفَارَقَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَخْرُجُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَوْ لَا ؟ أَوْ تَخْرُجُ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ؟ حُكِيَ أَقْوَالًا ، ظَاهِرُهَا إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهَا .
( قُلْت ) : قَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا ، وَأَنَّ ابْنَ حَامِدٍ وَغَيْرَهُ قَالَ : يَجُوزُ نِكَاحُ مَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ ، فَقَالَ فِي الْخَصَائِصِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ : وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ نِكَاحُ زَوْجَاتِهِ فَقَطْ ، وَجَوَّزَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ نِكَاحَ مَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ ، انْتَهَى

وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ ، فَحَدٌّ طَالَبُوا أَوْ بَعْضُهُمْ ، فَيُحَدُّ لِمَنْ طَلَبَ ، ثُمَّ لَا حَدَّ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ ، وَعَنْهُ : إنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ ، .

وَعَنْهُ : إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ هُنَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، كَمَا لَوْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ ، وَفِي يَا نَاكِحَ أُمِّهِ ، الرِّوَايَاتُ ، وَنَصَّ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ : يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ ، يُطَالِبُهُ .
قِيلَ : إنَّمَا أَرَادَ أُمَّهُ ، قَالَ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَهُ ، هَذَا قَصْدٌ لَهُ ، وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ تَعَدَّدَ الْحَدُّ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : إنْ تَعَدَّدَ الطَّلَبُ ، وَمَنْ أَعَادَ قَذْفَهُ قَبْلَ الْحَدِّ فَحَدٌّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَتَعَدَّدُ ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ لِعَانِهِ فَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يُحَدُّ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَالْمَذْهَبُ يُعَزَّرُ ، عَلَيْهِمَا لَا لِعَانَ ، وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ يُلَاعَنُ إلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًا لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاعْتَرَفَتْ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ يُلَاعَنُ لِنَفْيِ تَعْزِيرٍ .

وَإِنْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ فَرِوَايَاتٌ ، الثَّالِثَةُ يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ ( م 11 ) ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ نَكَحَهَا قَبْلَ حَدِّهِ فَقَذَفَهَا فَإِنْ طَالَبَتْ بِأَوَّلِهِمَا فَحَدٌّ فَفِي الثَّانِي رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ طَالَبَتْ بِالثَّانِي فَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَاعَنَ لَمْ يُحَدَّ لِلْأَوَّلِ ، وَمَنْ تَابَ مِنْ زِنًا حُدَّ قَاذِفُهُ ، وَقِيلَ : يُعَزَّرُ ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ : يُحَدُّ بِزِنًا جَدِيدٍ لِكَذِبِهِ يَقِينًا ، بِخِلَافِ مَنْ سَرَقَ عَيْنًا ثَانِيًا فَإِنَّهُ وَجَدَ مِنْهُ مَا وَجَدَ فِي الْأَوِّلَةِ .
وَإِنْ قَذَفَ مَنْ أَقَرَّتْ بِهِ مَرَّةً وَفِي الْمُبْهِجِ أَرْبَعًا أَوْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ أَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَلَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا إعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَعَبْدُ الْقَادِرِ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَهُ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ ، وَقِيلَ : إنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ وَإِلَّا دَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ : وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ فَيَعْرِضُ وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ ، لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ ، لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ .

مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ فَرِوَايَاتٌ ، الثَّالِثَةُ يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ " ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُنَّ ) : يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : حُدَّ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يُحَدُّ مُطْلَقًا ، قَالَ النَّاظِمُ : يُحَدُّ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ فِي الْأُولَى .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) : لَا يُحَدُّ مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

وَمَنْ جَوَّزَ التَّصْرِيحَ فِي الْكَذِبِ الْمُبَاحِ هُنَا نَظَرٌ ، وَمَعَ عَدَمِ تَوْبَةٍ وَإِحْسَانِ تَعْرِيضِهِ كَذِبٌ ، وَيَمِينُهُ غَمُوسٌ ، قَالَ : وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا : لَا يَعْلَمُهُ ، بَلْ يَدْعُو لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَظْلِمَتِهِ ، قَالَ : وَزِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ كَغِيبَتِهِ ، وَذَكَرَ فِي الْغُنْيَةِ : إنْ تَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ وَأَهْلِهِ وَغِيبَتِهِ بِعَيْبٍ خَفِيٍّ يَعْظُمُ أَذَاهُ بِهِ ، فَهُنَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ وَيَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ مَظْلِمَةٌ مَا ، فَيَجْبُرَهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا يُجْبِرُ مَظْلِمَةَ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي زِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا لِبَعْضِهِمْ .
لَا يَصِحُّ إحْلَالُهُ ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَبَاحُ بِإِبَاحَتِهِ ابْتِدَاءً ، قَالَ : وَعِنْدِي يَبْرَأُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إبَاحَتَهُ ، كَالدَّمِ وَالْقَذْفِ ، قَالَ : وَيَنْبَغِي اسْتِحْلَالُهُ فَإِنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ ، وَإِذْنُهُ فِي عِرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ وَهِيَ كَإِذْنِهِ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ : رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ الْمُدَّعِي أَسْقَطَ حَقَّهُ ، فَجَازَ .
قُلْنَا : لَيْسَ لَهُ إبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ ، وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَ بِأَنْ يُشْتَمَ أَوْ يُغْتَابَ لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ ، وَتَقَدَّمَ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ أَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَهُ بِمِلْكِ مَحَلِّهِ .
وَتَقَدَّمَ فِي الْعُمْرِيِّ أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ ضَرَرًا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ ؟ } وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَلَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ ، وَيُحْمَلُ عَلَى إسْقَاطِ حَقٍّ وَحَدٍّ .
وَإِنْ أَعْلَمَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَحَلَّلَهُ فَإِبْرَاءٌ مِنْ مَجْهُولٍ .
وَفِي الْغُنْيَةِ : لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ لِجَوَازٍ ، لَوْ عَرَفَ قَدْرَ ظُلْمِهِ لَمْ

تَطْلُبْ نَفْسُهُ بِالْإِحْلَالِ .
إلَى أَنْ قَالَ : فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَيُلْزِمُهُ قَبُولَ حَسَنَاتِهِ مُقَابَلَةً لِجِنَايَتِهِ ، كَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا فَجَاءَ بِمِثْلِهِ فَأَبَى قَبُولَهُ وَأَبْرَأهُ حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ، نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا ، وَلَوْ لِعَطَشٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ النَّجِسِ ، إلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَخَافَ تَلَفًا ، وَيُقَدِّمُ بَوْلًا ، وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِمَا مَاءً نَجِسًا ، وَأَبَاحَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ مَا دُونَ الْمُسْكِرِ ، قَالَ الْخَلَّالُ : فُتْيَاهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
فَإِذَا شَرِبَهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ وَيُصَدَّقُ مُخْتَارًا لِحِلِّهِ ، كَمُكْرَهٍ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، ذَكَرَهُمَا فِي التَّعْلِيقِ ، قَالَ : كَمَا لَا يُبَاحُ لِمُضْطَرٍّ ، فَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ ( م 1 ) ، وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِلْمُكْرَهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
قَالَ شَيْخُنَا : يُرَخِّصُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ، لِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ .

بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " فَإِذَا شَرِبَهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ [ وَيُصَدَّقُ ] مُخْتَارًا لِحِلِّهِ كَمُكْرَهٍ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ ، قَالَهُ الْوَاضِحِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا قُلْنَا لَا يَحِلُّ لِمُكْرَهٍ وَشَرِبَهُ مُكْرَهًا فَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ فِي الْوَاضِحِ .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ الْحَدِّ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إطْلَاقَ الْخِلَافِ ، لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّرْجِيحِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حِكَايَتَهُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَقَدْ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يُحَدُّ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ قُلْنَا يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ أَمْ لَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : يُحَدُّ الْمُكْرَهُ .
اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَعَدَمِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
تَنْبِيهَاتٌ ) ( أَحَدُهَا ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي حَدِّهِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا ، وَالْمَجْدُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالنَّاظِمُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ حَكَوْا الْخِلَافَ فِي حَدِّهِ ، لَمْ يُفَصِّلُوا ، وَكَذَا الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قَطَعُوا بِعَدَمِ الْحَدِّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا .

وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِ مَرَّةٍ ، كَحَدِّ الْقَذْفِ ، وَعَنْهُ : مَرَّتَيْنِ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ بَقِيَّةَ الْحُدُودِ بِمَرَّتَيْنِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِمَرَّتَيْنِ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا ، بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ، كَالْقَوَدِ ، فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ فِيهِ ، وَهَذَا مُتَّجَهٌ أَوْ عَدْلَيْنِ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا عَالِمًا تَحْرِيمَهُ مُخْتَارًا ، كَدَعْوَاهُ إكْرَاهًا أَوْ جَهْلِهِ بِسُكْرِهِ ، وَيُعَزَّرُ مِنْ جَهْلِ تَحْرِيمِهِ لِقُرْبِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ كَالْحَدِّ .
وَفِي الْفُصُولِ وَالْبُلْغَةِ : مُخْتَارًا ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا وَرَاءَهُ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا ، وَلَا يَسْتَفْسِرُهُمَا الْحَاكِمُ عَمَّا شَرِبَ ، لِأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ يُوجِبُ الْحَدَّ فَدَلَّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرَهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا اسْتَفْسَرَهُمَا .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَيُعَزَّرُ مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ لِقُرْبِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ " ، انْتَهَى .
صَوَابُهُ : " وَلَا يُعَزَّرُ " بِزِيَادَةِ لَا ، وَهُوَ فِي الْبُلْغَةِ كَذَلِكَ ، وَالْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ .

فَعَلَى الْحُرِّ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً ، وَجَوَّزَهَا شَيْخُنَا لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنَّهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، وَعَنْهُ أَرْبَعُونَ اخْتَارَهُ ، أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا ، وَضَرَبَ عَلِيٌّ النَّجَاشِيَّ بِشُرْبِهِ فِي رَمَضَانَ ثَمَانِينَ ، ثُمَّ حَبَسَهُ ، ثُمَّ عِشْرِينَ مِنْ الْغَدِ .
نَقَلَ صَالِحٌ : أَذْهَبُ إلَيْهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يَغْلُظُ عَلَيْهِ ، كَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ يُعَزَّرُ بِعَشْرَةٍ فَأَقَلَّ .
وَفِي الْمُغْنِي : عَزَّرَهُ بِعِشْرِينَ لِفِطْرِهِ ، وَالرَّقِيقُ نِصْفُهُ

وَعَنْهُ : يُحَدُّ ذِمِّيٌّ لَا حَرْبِيٌّ ، وَقِيلَ : إنْ سَكِرَ ، وَالْمَذْهَبُ : لَا .
قَالَ فِي الْبُلْغَةِ : وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالِانْقِيَادِ فِي مُخَالَفَةِ دِينِهِ .

وَيُحَدُّ مَنْ احْتَقَنَ بِهَا ، فِي الْمَنْصُوصِ ، كَمَا لَوْ اسْتَعَطَ أَوْ عَجَنَ دَقِيقًا فَأَكَلَهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَلَمْ يَخْبِزْ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : أَوْ تَمَضْمَضَ حُدَّ .
وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : إنْ وَصَلَ جَوْفَهُ حُدَّ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32