كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

وَيَحْرُمُ ( و ) وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَ الْغَيْرُ وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ عَادَتُهُ يُصَلِّي فِيهِ ، حَتَّى الْمُعَلَّمُ وَنَحْوُهُ ( ش ) لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ جُلُوسُهُ فِيهِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : إلَّا مَنْ جَلَسَ بِمَكَانٍ يَحْفَظُهُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ دُونَهُ ، قِيلَ : لِأَنَّهُ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ جَلَسَ لِحِفْظِهِ لَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَتِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةً : أَوْ دُونَهُ ، فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي اخْتِصَاصٍ بِمُبَاحٍ ، كَتَوْكِيلِهِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحِ وَمَقَاعِدِ السُّوقِ ، ( م 8 ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : فَإِنْ جَلَسَ فِي مُصَلَّى الْإِمَامِ ، أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ ، أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَان ضَيِّقٍ ، أُقِيمَ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) .
قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ وَفِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ : إلَّا مَنْ جَلَسَ بِمَكَانٍ يَحْفَظُهُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ دُونِهِ ، قِيلَ : لِأَنَّهُ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ جَلَسَ لِحِفْظِهِ لَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَتِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةً : أَوْ دُونَهُ ، فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي اخْتِصَاصٍ بِمُبَاحٍ كَتَوْكِيلِهِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحِ وَمَقَاعِدِ السُّوقِ ، انْتَهَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقِيَامُ بِاخْتِيَارِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ ، وَبِهِ عَلَّلَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي و الشَّارِحُ ، و ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي ظَاهِرُ مَا قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .

وَإِنْ آثَرَ بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلَ ، أَوْ سَبَقَ إلَيْهِ آخَرُ ، فَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَقِيلَ : يُبَاحُ .
وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ إنْ آثَرَ أَفْضَلَ مِنْهُ .
وَفِي الْفُنُونِ : إنْ آثَرَ ذَا هَيْئَةٍ بِعِلْمٍ وَدِينٍ جَازَ ، وَلَيْسَ إيثَارًا حَقِيقَةً ، بَلْ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ ( 9 - 10 ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى فَإِذَا قَامَ مَقَامَ ذَلِكَ فَقَدْ غَصَبَهُ عَلَيْهِ ، كَذَا قَالَ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَخْرِيجُ سُؤَالِ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَصَرَّحَ [ بِهِ ] فِي الْهَدْيِ فِيهِمَا بِالْإِبَاحَةِ ، وَلَا يُكْرَهُ الْقَبُولُ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَالطَّرِيقُ لِلْمُرُورِ فَلَمْ يُكْرَهْ السَّبْقُ .

( مَسْأَلَةٌ 9 ) وَإِنْ آثَرَ بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلَ أَوْ سَبَقَ إلَيْهِ آخَرُ ، فَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَقِيلَ : يُبَاحُ ، وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ إنْ آثَرَ أَفْضَلَ مِنْهُ ، وَفِي الْفُنُونِ : إنْ آثَرَ ذَا هَيْئَةٍ بِعِلْمٍ [ وَدِينٍ ] جَازَ ، وَلَيْسَ إيثَارًا حَقِيقَةً ، بَلْ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) لَوْ آثَرَ بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلَ ، فَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُبَاحُ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يَجُوزُ إنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، أَحَدُهَا يُكْرَهُ الْإِيثَارُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ : هَذَا الْمَشْهُورُ ، انْتَهَى .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُبَاحُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ ، قَالَهُ فِي الْفُصُولِ .
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : يَجُوزُ إنْ آثَرَ أَفْضَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي الْفُنُونِ .
( الْمَسْأَلَةُ 10 الثَّانِيَةُ ) لَوْ آثَرَ شَخْصًا فَسَبَقَ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُبَاحُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، أَوْ يَحْرُمُ ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ ، أَحَدُهَا يَحْرُمُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَاهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُبَاحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَصَحَّحَهُ النَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَقَدَّمَهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ .

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : يُكْرَهُ ، وَقِيلَ : بِالْمَنْعِ هُنَا إنْ قِيلَ الْإِيثَارُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ ، وَهُوَ لِلْمَجْدِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) .
لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ ، مَعَ أَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِمَا ، وَالصَّحِيحُ الْإِبَاحَةُ .

وَمَنْ فَرَشَ مُصَلًّى فَفِي جَوَازِ رَفْعِهِ لِغَيْرِهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ .
إنْ تَخَطَّى رَفَعَهُ ( م 11 ) وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ بِتَحْرِيمِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ فَلَهُ وَإِلَّا كُرِهَ ، وَأَطْلَقَ شَيْخُنَا : لَيْسَ لَهُ فَرْشُهُ .
وَمَنْ قَامَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ قَالَ بَعْضُهُمْ قَرِيبًا ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ فَهُوَ أَحَقُّ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ وَصَلَ بِالتَّخَطِّي فَكَمَا سَبَقَ ، وَجَوَّزَهُ أَبُو الْمَعَالِي .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ فَرَشَ مُصَلًّى فَفِي جَوَازِ رَفْعِهِ لِغَيْرِهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : إنْ تَخَطَّى رَفَعَهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ و مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلطُّوفِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْرِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَهُ رَفْعُهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَجَزْم بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لِغَيْرِهِ رَفْعُهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ : قُلْت : فَلَوْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ يَحْضُرْ رُفِعَ ، انْتَهَى .
قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقِيلَ : إنْ وَصَلَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ تَخَطِّي أَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ ، وَإِلَّا جَازَ رَفْعُهُ .

فَصْلٌ .
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَانِ ( و م ش ) وَهُمَا بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَنْصُوصِ ، وَمِنْهُ : خُطْبَةٌ ( و هـ ) وَمَنْ شَرْطِهِمَا تَقْدِيمُهُمَا ( و ) وَقْتَ الْجُمُعَةِ ( و ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَوْلُ الْحَمْدِ لِلَّهِ ( و م ر ش ) وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( و م ر ش ) وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَوْجَبَهُ شَيْخُنَا فَقَطْ ، لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ إيمَانٌ بِهِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ دُعَاءٌ لَهُ ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الدُّعَاءِ أَمَامَهُ ، كَمَا قُدِّمَ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَالتَّشَهُّدُ مَشْرُوعٌ فِي الْخِطَابِ وَالثَّنَاءِ ، وَأَوْجَبَ فِي مَكَان آخَرَ الشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَعَ الدُّعَاءِ ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهِ عَلَى النَّفْسِ ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ ، وَتَأْتِي رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ ، وَظَاهِرُهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، وَقِيلَ : لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ .
.

وَتُشْتَرَطُ الْمَوْعِظَةُ و م ر ش ) وَقِيلَ : فِي الثَّانِيَةِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَشَيْخُنَا : لَا يَكْفِي ذَمُّ الدُّنْيَا وَذِكْرُ الْمَوْتِ ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي : وَكَذَا الْحِكَمُ الْمَعْقُولَةُ الَّتِي لَا تَتَحَرَّكُ لَهَا الْقُلُوبُ وَلَا تَنْبَعِثُ بِهَا إلَى الْخَيْرِ ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى : أَطِيعُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ " فَالْأَظْهَرُ : لَا يَكْفِي ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَوْصِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْمِ الْخُطْبَةِ عُرْفًا ، وَلَا يَحْصُلُ بِاخْتِصَارٍ يَفُوتُ بِهِ الْمَقْصُودُ .
وَقِرَاءَةُ آيَةٍ ( و م ر ش ) وَعَنْهُ : بَعْضِهَا ، وَقِيلَ فِي الْأَوِّلَةِ ، وَقِيلَ [ فِي ] الثَّانِيَةِ ، وَعَنْهُ : لَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : لَوْ قَرَأَ آيَةً لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ كَقَوْلِهِ ( ثُمَّ نَظَرَ ) أَوْ ( مُدْهَامَّتَانِ ) لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْجُنُبِ ، وَهَذَا احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ الْجُنُبِ ، وَأَنَّهُ يَكْفِي بَعْضُ آيَةٍ تُفِيدُ مَقْصُودَ الْخُطْبَةِ ، وَإِنْ قَرَأَ مَا يَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ : لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَةٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : لَا تَكُونُ خُطْبَةً إلَّا كَمَا خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خُطْبَةٌ تَامَّةٌ ، وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : تُجْزِئُهُ سُورَةٌ ؟ فَقَالَ : عُمَرُ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ عَلَى الْمِنْبَرِ ، قِيلَ : فَتُجْزِئُهُ قَالَ : لَا ، لَمْ يَزُلْ النَّاسُ يَخْطُبُونَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَفِي الْفُصُولِ : إنْ قَرَأَ سُورَةَ فَاطِرٍ أَوْ الْأَنْعَامِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْ الْأَذْكَارِ ؟ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يَزِدْ ، وَقِيلَ : يَجِبُ تَرْتِيبُ الْحَمْدِ وَمَا بَعْدَهُ ، وَأَوْجَبَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ الثَّنَاءَ عَلَى

اللَّهِ ، وَلَا يَكْفِي مَا يُسَمَّى خُطْبَةً ( م ر ) وَلَا تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ ( هـ م ر ) .

وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْعَدَدِ ( م ر ) وَسَائِرُ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِخَفْضِ صَوْتِهِ أَوْ بُعْدٍ ، لَمْ تَصِحَّ ، وَإِلَّا صَحَّتْ ، وَإِنْ كَانُوا صُمًّا ، فَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : تَصِحُّ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ : لَا ( م 12 ) وَإِنْ قَرُبَ الْأَصَمُّ وَبَعُدَ مَنْ يَسْمَعُ فَقِيلَ : لَا تَصِحُّ ، لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ طُرْشًا ، أَوْ كَانُوا عُجْمًا وَكَانَ عَرَبِيًّا ( م 13 ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَهَذَا كَمَا يَقُولُهُ فِي شَاهِدِ النِّكَاحِ إذَا كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمِهِ .
وَفِيهِمَا الْخِلَافُ فَيَتَّجِهُ هُنَا مِثْلُهُ ، كَذَا قَالَ .
وَإِنْ انْفَضُّوا وَعَادُوا وَكَثُرَ التَّفْرِيقُ عُرْفًا أَوْ فَاتَ رُكْنٌ مِنْهَا فَفِي الْبِنَاءِ وَجْهَانِ ، وَفِي الْفُصُولِ : إنْ انْفَضُّوا لِفِتْنَةٍ أَوْ عَدُوٍّ ، اُبْتُدِئَ كَالصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ ، كَالْوَقْتِ يَخْرُجُ فِيهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَقْتَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ لِلْعُذْرِ وَهُوَ الْجَمْعُ ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَمْعِ ، وَقَدْ زَالَ ، وَسَبَقَ فِي الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ ، .

( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانُوا صُمًّا فَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَصِحُّ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ : لَا ، انْتَهَى .
مَا قَالَهُ الْمَجْدُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُ الْمَجْدِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) وَإِنْ قَرُبَ الْأَصَمُّ وَبَعُدَ مَنْ يَسْمَعُ فَقِيلَ : لَا تَصِحُّ ، لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ ، وَقِيلَ : تَصِحُّ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ طُرْشًا ، أَوْ كَانُوا عُجْمًا وَكَانَ عَرَبِيًّا ، انْتَهَى .
وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي التَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالنُّكَتِ لِلْمُصَنِّفِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ احْتِمَالَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا ، أَحَدُهُمَا : لَا تَصِحُّ .
قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، لِاشْتِرَاطِهِمْ سَمَاعَ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ لِلْخُطْبَةِ ، وَقَدْ انْتَفَى ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ : فَإِنْ انْفَضُّوا ثُمَّ عَادُوا قَبْلَ أَنْ يَتَطَاوَلَ الْفَصْلُ صَلَّاهَا جُمُعَةً ، انْتَهَى .
فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا تَطَاوَلَ الْفَصْلُ لَا يُصَلِّي جُمُعَةً مَا لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْخُطْبَةَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، فَقَالُوا : فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَزِمَ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ إنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّوْا ظُهْرًا ، وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعَادَةِ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَمَعَ طُولِ الْفَصْلِ فَقَدْ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ ، وَهِيَ مُشْتَرَطَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، فَيَسْتَأْنِفُ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخُطْبَةِ .

وَيُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ ( و ش ) كَبَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَةِ ، وَحَكَى فِيهِ الْخِلَافَ ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فَنَزَلَ فَسَجَدَ لَمْ يُكْرَهْ ( م ) وَقِيلَ : يَبْنِي وَلَوْ طَالَ كَسَائِرِ سُنَنِهَا ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُسْتَحَبُّ قُرْبُ الْمِنْبَرِ مِنْ الْمِحْرَابِ لِئَلَّا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ جَازَ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ

وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ ، وَفِي بُطْلَانِهَا بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ وَجْهَانِ ، كَأَذَانٍ ، وَأَوْلَى ( م 14 ) وَإِنْ حَرُمَ الْكَلَامُ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا جُمُعَةَ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ ، وَضَعْفٌ ، وَلَا يَصِحُّ ، وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ لَا جُمُعَةَ لَهُ كَامِلَةٌ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ كَقَوْلِهِ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 14 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي بُطْلَانِهَا بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ وَجْهَانِ ، وَأَوْلَى ، انْتَهَى .
قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الْأَذَانِ بِالْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا ، فَكَذَا هُنَا يَبْطُلُ وَأَوْلَى ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي بُطْلَانِ الْأَذَانِ بِالْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ إذَا كَانَ يَسِيرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، فَلْيُرَاجِعْ .
وَقَدْ قَالَ هُنَا : إنَّهُ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، الْوَجْهُ الثَّانِي : لَا تَبْطُلُ ، قُلْت : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُطْبَةِ ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ الْكَلَامُ الْيَسِيرُ ، فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ .

وَالْخُطْبَةُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ كَقِرَاءَةٍ ، وَقَالَ الْقَاضِي : وَعَلَى أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ دَلِيلُ النُّبُوَّةِ وَعَلَامَةُ الرِّسَالَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ ، وَالْخُطْبَةُ الْمَقْصُودُ بِهَا الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ وَحَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ الِاعْتِبَارُ فِيهِ بِاللَّفْظِ وَالنَّظْمِ دُونَ الْمَعْنَى ، وَالْخُطْبَةُ يُجْزِئُ فِيهَا الْمَعْنَى ، وَهَلْ يَجِبُ إبْدَالُ عَاجِزٍ عَنْ قِرَاءَةٍ بِذِكْرٍ أَمْ لَا لِحُصُولِ مَعْنَاهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 16 ) .
( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَالْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَقِرَاءَةٍ وَهَلْ يَجِبُ إبْدَالُ عَاجِزٍ عَنْ قِرَاءَةٍ بِذِكْرٍ أَمْ لَا ، لِحُصُولِ مَعْنَاهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَقَالَ : وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إبْدَالِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقًا فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ ، أَحَدُهُمَا يَجِبُ قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، كَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا أَيْضًا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجِبُ .

فَصْلٌ .
وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَتَانِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و هـ م ر ) وَعَنْهُ : بَلَى ( و ش ) وَعَنْهُ : الْكُبْرَى اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَصَّهُ : تُجْزِئُ خُطْبَةُ الْجُنُبِ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ لَبْثِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ ، كَصَلَاةِ مَنْ مَعَهُ دِرْهَمُ غَصْبٍ ، وَقِيلَ : لَا لِتَحْرِيمِ لَبْثِهِ ، وَإِنْ عَصَى بِتَحْرِيمِ قِرَاءَةٍ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ لَهَا ، فَهُوَ كَصَلَاةٍ بِمَكَانِ غَصْبٍ ، وَفِي الْفُصُولِ : نَصُّ أَحْمَدَ يُعْطِي أَنَّ الْآيَةَ لَا تَشْتَرِطُ ، وَهُوَ أَشْبَهُ ، أَوْ جَوَازُ قِرَاءَةِ الْآيَةِ لِلْجُنُبِ ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ ، وَفِي فُنُونِهِ أَوْ عُمَدِ الْأَدِلَّةِ : يُحْمَلُ عَلَى النَّاسِي إذَا ذُكِّرَ اُعْتُدَّ بِخُطْبَتِهِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، كَطَهَارَةٍ صُغْرَى .
.

وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَلِيَ الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةَ وَاحِدٌ ( و هـ ) وَفِي خُطْبَةِ مُمَيَّزٍ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ ( م 17 ) وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ ( و ق ) وَعَنْهُ : لِغَيْرِ عُذْرٍ ( و م ) ذَكَرَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَالْخِلَافُ إنْ وَلِيَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا اثْنَانِ ، وَقِيلَ : إنْ جَازَ فِي الْأُولَى فَهُنَا وَجْهَانِ .
115 ( مَسْأَلَةٌ 17 ) .
قَوْلُهُ : وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَلِيَ الْخُطْبَتَيْنِ [ وَالصَّلَاةَ ] وَاحِدٌ ، وَفِي خُطْبَةِ مُمَيِّزٍ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَإِنْ قُلْنَا يُعْتَدُّ بِآذَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَفِي خُطْبَتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ قُلْنَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ مُمَيِّزٍ فَفِي صِحَّةِ خُطْبَتِهِ وَجْهَانِ ، إنْ صَحَّ أَنْ يَؤُمَّ غَيْرُ مَنْ خَطَبَ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا : لَا تَصِحُّ ، قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تَصِحُّ .

وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النَّائِبِ الْخُطْبَةَ ( و م ) كَالْمَأْمُومِ ، لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ( و هـ ش ) لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ جُمُعَةُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ إلَّا تَبَعًا ، كَمُسَافِرٍ ، وَإِنْ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ( خ ) إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مَا تَتِمُّ بِهِ جُمُعَةٌ ، وَتَعْلِيلُهُمَا مَا سَبَقَ ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَسَبَقَ فِي ظُهْرٍ مَعَ عَصْرٍ ، وَإِنْ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ أَتَمُّوا فُرَادَى ، قِيلَ : ظُهْرًا ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَّ الْعَدَدُ ، وَقِيلَ : جُمُعَةً بِرَكْعَةٍ مَعَهُ ، كَمَسْبُوقٍ ، وَقِيلَ : جُمُعَةً مُطْلَقًا ، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ ( م 18 ) وَإِنْ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فَأَتَمُّوا فُرَادَى لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ ( و ) وَلَوْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ ( ش ) كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدَ ، وَأَوْلَى ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ .
وَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَةَ غَيْرُ الْإِمَامِ اُعْتُبِرَتْ عَدَالَتُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ رِوَايَتَانِ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ : وَمَنْ قَدَّمَهُ إمَامٌ أَوْلَى إنْ لَمْ تَبْطُلْ بِحَدَثِهِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ وَعَادَ عَادُوا لِإِمَامَتِهِ ، وَإِلَّا مَنْ قَدَّمَهُ الْمَأْمُومُ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِلَا اسْتِخْلَافٍ فَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ .
وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ حَتَّى اسْتَخْلَفَ ، فَإِنْ أَتَوْا فِيهِ بِرُكْنٍ وَانْقَضَى فَلَا اسْتِخْلَافَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَضِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالثَّانِي ، فَإِنْ قَطَعُوا نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْأَوَّلِ فَالْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْجُمُعَةِ ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَقَالَ : وَإِنْ أَحْدَثَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجِبْ اسْتِخْلَافٌ وَلَا مُتَابَعَةٌ ، وَأَتَمُّوا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى ، أَوْ بَعْضُهُمْ ، كَذَا قَالَ ، وَقَدْ نَقَلَ صَالِحٌ : إذْ قَدَّمَ رَجُلًا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ أَوْ بَعْدَمَا

أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ فَصَلَّى بِهِمْ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ .
( مَسْأَلَةٌ 18 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ أَتَمُّوا فُرَادَى ، قِيلَ : ظُهْرًا ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَّ الْعَدَدُ ، وَقِيلَ : جُمُعَةً بِرَكْعَةٍ مَعَهُ ، كَمَسْبُوقٍ ، وَقِيلَ : جُمُعَةً مُطْلَقًا ، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً بِرَكْعَةٍ مَعَهُ كَمَسْبُوقٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُتِمُّهَا جُمُعَةً مُطْلَقًا ، لِمَا عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ .

وَيُصَلِّي الْخُرْسُ ظُهْرًا لِفَوْتِ الْخُطْبَةِ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَقِيلَ : جُمُعَةً يَخْطُبُ أَحَدُهُمْ إشَارَةً ، كَمَا تَصِحُّ جَمِيعُ عِبَادَاتِهِ : صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَظِهَارُهُ وَلِعَانُهُ وَيَمِينُهُ وَتَلْبِيَتُهُ وَشَهَادَتُهُ وَإِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ ، وَالْقَصْدُ التَّفَهُّمُ ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ ، فَإِنَّ الْقَصْدَ النُّطْقُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانُوا عُجْمًا فَخَطَبَ بِهِمْ بِالْعَجَمِيَّةِ صَحَّ ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَلِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْخُطْبَةَ قِرَاءَتُهَا مِنْ صَحِيفَةٍ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ : كَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ ، كَذَا قَالَ ، وَسَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : كَالْقِرَاءَةِ مِنْ الْحِفْظِ ، فَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ كَالْقِرَاءَةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَمَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ وَخَالِدٌ الْقَسْرِيُّ أَنَّهُمْ خَطَبُوا فَارْتُجَّ عَلَيْهِمْ ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ : هَيْبَةُ الزَّلَلِ تُورِثُ حَصْرًا ، وَهَيْبَةُ الْعَافِيَةِ تُورِثُ جُبْنًا .
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ أَنَّهُ اُرْتُجَّ عَلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَعَادَ إلَى الْحَمْدِ ثَلَاثًا ، فَارْتُجَّ عَلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَهْلَ الشَّامِ ، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ، وَبَعْدَ عِيٍّ بَيَانًا ، وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ عَادِلٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَائِلٍ .
ثُمَّ نَزَلَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَاسْتَحْسَنَهُ .
وَقِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ : عَجِلَ عَلَيْك الشَّيْبُ ، فَقَالَ : كَيْفَ لَا يَعْجَلُ ، وَأَنَا أَعْرِضُ عَقْلِي عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ؟ وَخَطَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فِي يَوْمِ أَضْحَى فَارْتُجَّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : لَا أَجْمَعُ عَلَيْكُمْ لَوْمًا وَعِيًّا ، مَنْ أَخَذَ شَاةً مِنْ السُّوقِ

فَهِيَ لَهُ وَثَمَنُهَا عَلَيَّ .
وَارْتُجَّ عَلَى مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ فَقَالَ وَضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْمِنْبَرَ : فَتَى حُرُوبٍ لَا فَتَى مَنَابِرَ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : رَجُلٌ لُومَةٌ : يَلُومُهُ النَّاسُ ، وَلُوَمَةٌ : يَلُومُ النَّاسَ .
مِثْلُ هُزْأَةٌ وَهُزَأَةٌ .
.

فَصْلٌ .
تُسَنُّ خُطْبَتُهُ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مَحَلٍّ عَالٍ ( و ) يَكُونُ عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ ، كَذَا كَانَ مِنْبَرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسُمِّيَ مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ ، مِنْ النَّبْرِ ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمِنْبَرِ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا ، وَكَانَ مِنْبَرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ يَقِفُ عَلَى الثَّالِثَةِ الَّتِي تَلِي مَكَانَ الِاسْتِرَاحَةِ ، ثُمَّ وَقَفَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ عُمَرُ عَلَى الْأُولَى ، تَأَدُّبًا ، ثُمَّ وَقَفَ عُثْمَانُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ عَلِيٌّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ قَلَعَهُ مَرْوَانُ وَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجٍ ، فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَرْتَقُونَ سِتًّا يَقِفُونَ مَكَانَ عُمَرَ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَإِنْ وَقَفَ بِالْأَرْضِ وَقَفَ عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ ، بِخِلَافِ الْمِنْبَرِ .
وَيُسَنُّ سَلَامُهُ إذَا اسْتَقْبَلَهُمْ ( هـ م ) كَسَلَامِهِ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فِي خُرُوجِهِ ( ق ) قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : وَلِأَنَّهُ اسْتِقْبَالٌ بَعْدَ اسْتِدْبَارٍ ، فَأَشْبَهَ مَنْ فَارَقَ قَوْمًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَعَكْسُهُ الْمُؤَذِّنُ إذَا صَعِدَ ، وَرَدُّ هَذَا السَّلَامِ وَكُلِّ سَلَامٍ مَشْرُوعٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ لَا فَرْضُ عَيْنٍ ( هـ ) وَقِيلَ : سُنَّةٌ ( خ ) كَابْتِدَائِهِ ( و ) وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ : يَجِبُ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا

وَيُسَنُّ جُلُوسُهُ وَقْتَ التَّأْذِينِ ( و ) وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ ( هـ ) [ وَمَالِكٍ ] فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : لَا يُسْتَحَبُّ ، وَكَذَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ ، خَفِيفَةٌ قَالَ جَمَاعَةٌ : بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ، وَإِنْ أَبَى فَصَلَ بِسَكْتَةٍ ، وَخُطْبَتُهُ قَائِمًا ، وَعَنْهُ : هُمَا شَرْطَانِ ، جَزَمَ فِي النَّصِيحَةِ ( و ش م ر ) وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ فِي جَلْسَتِهِ بَيْنَهُمَا ، وَعَنْ ( م ) يَجِبُ ، وَتَصِحُّ بِدُونِهِ ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ ، وَاعْتِمَادُهُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا ( و ) بِإِحْدَى يَدَيْهِ ، وَيَتَوَجَّهُ بِالْيُسْرَى وَالْأُخْرَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ أَوْ يُرْسِلُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ أَمْسَكَ يَمِينَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا ، وَقَصْدُهُ تِلْقَاءَهُ [ ( و ) ] وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ ( و ) وَفِي التَّعْلِيقِ : وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُ ، جَعَلَهُ أَصْلًا لِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَالدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ ( ش ) وَقِيلَ : يَرْفَعُ يَدَيْهِ ( خ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ ، وَاحْتَجَّ بِالْعُمُومِ ، وَقِيلَ : لَا يُسْتَحَبُّ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : بِدْعَةٌ ، وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَرَأَى عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ : فَقَالَ : قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ ، لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدَيْهِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الْمُسَبِّحَةِ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ ، وَفِي لَفْظٍ : لَعَنَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ .

وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لِمُعَيَّنٍ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ لِلسُّلْطَانِ ، وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ فِي الْجُمْلَةِ ، حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ : لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ ؛ لِأَنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ : هُوَ كُلُّ مَنْ نَظَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ ، وَبَدَأَ بِهِ لِعُمُومِ نَفْعِهِ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ : أَمَّا مَحَبَّتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي وُجُوبِهَا ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّظَرُ إلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ عِبَادَةٌ وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْرِمُوا الشُّهُودَ فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْرِجُ بِهِمْ الْحُقُوقَ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : إنِّي لَأَدْعُو لَهُ بِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ ، وَأَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا ، كَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَامِدٍ ، وَهُوَ غَرِيبٌ ، وَالْخَبَرَانِ لَا يُعْرَفَانِ ، ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافًا لِلنَّاسِ فِي وُجُوبِ مَحَبَّةِ الْفَاسِقِ ، وَوُجُوبِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ ، بِنَاءً عَلَى زَوَالِ إمَامَتِهِ بِذَلِكَ ، كَرِوَايَةٍ لَنَا ، الْمَذْهَبُ خِلَافُهَا ، قَالَ : وَالْمَأْخُوذُ بِهِ مَا بَيَّنَ أَحْمَدُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَاعْتِقَادِ طَاعَتِهِ وَإِمَامَتِهِ ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ الرَّفْضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يُخْرَجُ عَنْ الْإِمَامَةِ ، وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ حَسَبَ الطَّاقَةِ .
وَمَا قَالَهُ مِنْ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ فَبِنَاءً عَلَى التَّكْفِيرِ بِهِ ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الْقَوْلِ بِالرَّفْضِ وَنَحْوِهِ فَخِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] وَالْأَصْحَابِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ ، وَإِنْ فَسَقَ وَجَارَ لَكِنَّ ابْنَ حَامِدٍ يُشِيرُ إلَى الْخُرُوجِ عَلَيْهِ بِالْبِدَعِ ، فَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ

وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي الْخُطْبَةِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ( و ) وَيَنْحَرِفُونَ إلَيْهِ فِيهَا ( و ) وَفِي التَّنْبِيهِ : إذَا خَرَجَ ، وَيَتَرَبَّعُونَ فِيهَا ، وَلَا تُكْرَهُ الْحَبْوَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ( و ) وَكَرِهَهَا صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السُّنَنِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْنِدَ الْإِنْسَانُ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، لِإِخْبَارِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ رَأَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيِّ : مَا رَأَيْت أَحْمَدَ جَالِسًا [ إلَّا ] الْقُرْفُصَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : هَذِهِ الْجِلْسَةُ الَّتِي تَحْكِيهَا قِيلَةُ : إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا جِلْسَةَ الْمُتَخَشِّعِ الْقُرْفُصَاءَ ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَقْصِدُ فِي جُلُوسِهِ هَذِهِ الْجِلْسَةَ وَهِيَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ ، مُفْضِيًا بِأَخْمَصِ قَدَمَيْهِ إلَى الْأَرْضِ ، وَرُبَّمَا احْتَبَى بِيَدَيْهِ ، وَلَا جِلْسَةَ أَخْشَعُ مِنْهَا ، وَقَالَ أَيْضًا فِي آدَابِ الْقِرَاءَةِ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَبَّعَ وَلَا يَتَّكِئَ .
وَخَبَرُ قِيلَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ ، وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : مِنْ أَعْظَمِ مَنَافِعِ الْإِسْلَامِ وَآكَدِ قَوَاعِدِ الْأَدْيَانِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالتَّنَاصُحُ .
فَهَذَا أَشَقُّ مَا تَحَمَّلَهُ الْمُكَلَّفُ ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ الرُّسُلِ ، حَيْثُ يَثْقُلُ صَاحِبُهُ عَلَى الطِّبَاعِ وَتَنْفِرُ مِنْهُ نُفُوسُ

أَهْلِ اللَّذَّاتِ ، وَيَمْقُتُهُ أَهْلُ الْخَلَاعَةِ ، وَهُوَ إحْيَاءٌ لِلسُّنَنِ ، وَإِمَاتَةٌ لِلْبِدَعِ ، إلَى أَنْ قَالَ : لَوْ سَكَتَ الْمُحِقُّونَ وَنَطَقَ الْمُبْطِلُونَ لَتَعَوَّدَ النَّشْءُ مَا شَاهَدُوا ، وَأَنْكَرُوا مَا لَمْ يُشَاهِدُوا ، فَمَتَى رَامَ الْمُتَدَيِّنُ إحْيَاءَ سُنَّةٍ أَنْكَرَهَا النَّاسُ وَظَنُّوهَا بِدْعَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا ذَلِكَ ، فَالْقَائِمُ بِهَا يُعَدُّ مُبْتَدَعًا ، كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا سَاذَجًا ، أَوْ كَتَبَ مُصْحَفًا بِلَا زُخْرُفٍ ، أَوْ صَعِدَ مِنْبَرًا فَلَمْ يَتَسَوَّدْ ، وَلَمْ يَدُقَّ بِسَيْفٍ مَرَاقِيَ الْمِنْبَرِ ، وَلَمْ يَصْعَدْ عَلَى عَلَمٍ وَلَا مَنَارَةٍ ، وَلَا نَشَرَ عَلَمًا ، فَالْوَيْلُ لَهُ مِنْ مُبْتَدَعٍ عِنْدَهُمْ ، أَوْ أَخْرَجَ مَيِّتًا لَهُ بِغَيْرِ صُرَاخٍ وَلَا تَخْرِيقٍ وَلَا قُرَّاءٍ وَلَا ذِكْرِ صَحَابَةٍ عَلَى النَّعْشِ وَلَا قَرَابَةٍ .
.

فَصْلٌ .
مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّحِيَّةِ ( هـ م ) وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا ( و ) بَلْ يَرْكَعُهُمَا وَيُوجِزُ ، أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ : إنْ لَمْ تَفُتْهُ مَعَهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَإِنْ جَلَسَ قَامَ فَأَتَى بِهَا ، أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَسْقُطُ مِنْ عَالِمٍ وَمِنْ جَاهِلٍ لَمْ يَعْلَمْ عَنْ قُرْبٍ ، وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ سُقُوطَهَا بِهِ ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْعَالِمِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ ، وَأَنَّ الْجَالِسَ يُخَيَّرُ بَيْنَ صَلَاتِهِ أَوَّلًا ، وَعِنْدَ انْصِرَافِهِ ، وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِلْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ .
ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ ، وَمَنْ ذَكَرَ فَائِتَةً أَوْ قُلْنَا لَهَا سُنَّةً صَلَّاهَا وَكَفَتْ ، وَالْمُرَادُ إنْ كَانَتْ الْفَائِتَةُ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تَحْصُلُ بِغَيْرِهَا ( و ) وَلَا بِصَلَاةِ جِنَازَةٍ ( و ) وَلَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ وَالْفَرْضَ ، فَظَاهِرُ [ كَلَامِهِمْ ] حُصُولُهُمَا ( و ش ) وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ : لَوْ نَوَى غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَغُسْلَ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا ( و م ش ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى وَلِأَنَّهُ لَا تَنَافِي ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ، وَفِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الثَّانِي ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ مُرَادَهُ لَا تَحْصُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ، كَمَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ وَالسُّنَّةَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَحْصُلُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً ، لِعَدَمِ صِحَّتِهِ قَبْلَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي وَجْهٍ .
لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ ، وَالْجَنَابَةُ تَمْنَعُهُ ، وَالْأَشْهَرُ تُجْزِئُ نِيَّةُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْ الْجُمُعَةِ ، كَالْفَرْضِ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، فَظَاهِرُهُ حُصُولُ ثَوَابِهَا ، وَقِيلَ : لَا تُجْزِئُ ، لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ،

وَكَالْفَرْضِ عَنْ السُّنَّةِ .
وَلَا تَجِبُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ ( و ) خِلَافًا لِدَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِكُلِّ دَاخِلٍ قَصَدَ الْجُلُوسَ [ أَوْ لَا ] يُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْبُدَاءَةِ بِالطَّوَافِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَجْلِسِ : وَإِنْ جَلَسَ قَامَ فَأَتَى بِهَا ، أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا ، انْتَهَى .
قُلْت : ذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي فَصْلٌ إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ مُحْدِثًا أَنَّ التَّحِيَّةَ تَسْقُطُ بِطُولِ الْفَصْلِ .

وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ( هـ ) كَبَعْدِهَا ( هـ ) نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ .
وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فِي الْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ ( و هـ م ) أَوْجُهٌ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ أَصْلَ التَّحْرِيمِ سُكُوتَهُ لِتَنَفُّسٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالُ ( م 19 ) وَيَحْرُمُ فِيهِمَا و هـ م ) وَقِيلَ : وَحَالَةَ الدُّعَاءِ ، وَقِيلَ : الْمَشْرُوعُ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ عَلَى السَّامِعِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ مُطْلَقًا ( و ش ) وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، وَلَهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هـ م ر ق ) وَفِي التَّخْرِيجِ لِلْقَاضِي : فِي نَفْسِهِ وَالسُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا ، كَالدُّعَاءِ اتِّفَاقًا قَالَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : وَرَفْعُ الصَّوْتِ قُدَّامَ بَعْضِ الْخُطَبَاءِ مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا ، وَدُعَاءُ الْإِمَامِ بَعْدَ صُعُودِهِ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَيَجُوزُ تَأْمِينُهُ عَلَى الدُّعَاءِ ، وَحَمْدُهُ خُفْيَةً إذَا عَطَسَ ، وَيَجُوزُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ، وَرَدُّ السَّلَامِ نُطْقًا كَإِشَارَتِهِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ ، كَتَحْذِيرِ الضَّرِيرِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَجِبُ ، وَأَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِالْجَوَازِ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ مَنْعِ الْكَلَامِ ، فَدَلَّ أَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي مَنْعِ الْكَلَامِ ، وَأَنَّ الِابْتِدَاءَ كَالرَّدِّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ ، وَيَتَوَجَّهُ : يَجُوزُ إنْ سَمِعَ وَلَمْ يَفْهَمْهُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ مُطْلَقًا ( و هـ م ) لِلْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَكَذَا التَّعْلِيمُ وَالْمُذَاكَرَةُ ، وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ ، لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لَهُ ، وَلَا يَفُوتُ ، وَيُفْضِي إلَى رَفْعِ الصَّوْتِ ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِالْخَبَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الْحِلَقِ قَبْلَهَا .

( مَسْأَلَةٌ 19 ) .
قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ كَبَعْدِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ .
وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فِي الْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ أَوْجُهٌ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ أَصْلَ التَّحْرِيمِ سُكُوتَهُ لِتَنَفُّسٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالٌ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُنَّ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : وَفِي كَرَاهَتِهِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ : فِي الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَفِي إبَاحَتِهِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ ، وَأَطْلَقَ فِي النَّظْمِ وَجْهَيْنِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ احْتِمَالَيْنِ فِي الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ ، أَحَدُهَا يُبَاحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا عِنْدِي أَصَحُّ وَأَقْيَسُ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : وَيَجُوزُ الْكَلَامُ فِي الْجَلْسَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَاطِبٍ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكْرَهُ ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ ابْنِ رَزِينٍ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَحْرُمُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .

وَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَافِلَةٍ ( و ) فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ : بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ : بِخُرُوجِهِ ( و هـ ) وَهُوَ أَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ ( م 20 ) وَلَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ ( م ) وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ : لَا ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ : لَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ( خ ) وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ : يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ بِخُرُوجِهِ ، لِاتِّصَالِهِ بِحَالِ الْخُطْبَةِ ، وَالْكَلَامُ يُمْكِنُ قَطْعُهُ فَلَا يَتَّصِلُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا تَحْرِيمَ إنْ لَمْ يَحْرُمْ الْكَلَامُ فِيهَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ( ش ) وَيُخَفِّفُهُ مَنْ هُوَ فِيهِ وَمَنْ نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ : فِي السُّنَّةِ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ ، فَلَوْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ ، فَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : يَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيُسَلِّمُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُتِمُّهَا أَرْبَعًا وَيُخَفِّفُ ، كَمَا لَوْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ ، وَلَا يُمْنَعُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ خُفْيَةً ( هـ م ) بَلْ هُوَ أَفْضَلُ فِي الْمَنْصُوصِ فَيَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ ، وَفِي الْفُصُولِ : إنْ بَعُدُوا فَلَمْ يَسْمَعُوا هَمْهَمَتَهُ جَازَ أَنْ يَتَشَاغَلُوا بِالْقِرَاءَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ فِي الْفِقْهِ ، وَيُبَاحُ كَلَامُ الْخَاطِبِ ، وَلَهُ ، لِمَصْلَحَةٍ ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهَانِ وَلَا مَنْعَ ( هـ م ر ) كَأَمْرِ إمَامٍ بِمَعْرُوفٍ ( و ) وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةُ كَلَامٌ ، وَلِغَيْرِهِ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِتَ مُتَكَلِّمًا بِإِشَارَةٍ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : يُسْتَحَبُّ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَى سَائِلٍ وَقْتَ الْخُطْبَةِ ، وَلَا يُنَاوِلُهُ إذَنْ لِلْإِعَانَةِ عَلَى مُحَرَّمٍ ، وَإِلَّا جَازَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَسُؤَالِ الْخَطِيبِ الصَّدَقَةَ عَلَى إنْسَانٍ ، وَفِي الرِّعَايَةِ : الْكَرَاهَةُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ السُّؤَالُ

وَالتَّصَدُّقُ فِي مَسْجِدٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ التَّصَدُّقُ عَلَى مَنْ سَأَلَ ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَطَّةَ : يَحْرُمُ السُّؤَالُ ، وَقَالَهُ فِي إنْشَادِ الضَّالَّةِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ وَأَوْلَى ، قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَا تُنْشَدُ الضَّالَّةُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَيَأْتِي كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ آخِرَ الِاعْتِكَافِ فِي الْبَيْعِ فِيهِ ، فَيَجِبُ الْإِنْكَارُ إنْ وَجَبَ الْإِنْكَارُ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُقُوبَتَهُ لِمُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ ، وَيَقُولُ لِمَنْ نَشَدَ الضَّالَّةَ أَيْ طَلَبَهَا : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ، فَنَظِيرُهُ الدُّعَاءُ عَلَى السَّائِلِ ، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِرَجُلٍ قَالَ فِي جِنَازَةٍ : اسْتَغْفِرُوا لَهُ : لَا غَفَرَ اللَّهُ لَك ، وَسَيَأْتِي ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَنَّهُ رَأَى مُصَلِّيًا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ ، فَحَصَبَهُ وَأَمَرَهُ بِرَفْعِهِمَا ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ : أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ : كُلْ بِيَمِينِك فَقَالَ : لَا أَسْتَطِيعُ فَقَالَ : لَا اسْتَطَعْت مَا مَنَعَهُ إلَّا الْكِبْرُ ، فَمَا رَفَعَهُمَا إلَى فِيهِ .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ بِلَا عُذْرٍ ، كَذَا قَالَ ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا فِيمَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ، كَمُرُورِ رَجُلٍ بَيْنَ يَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ أَوْ أَتَانٍ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَ : قَطَعَ عَلَيْنَا صَلَاتَنَا قَطَعَ اللَّهُ أَثَرَهُ فَأُقْعِدَ .
لَهُ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا ، وَسَبَقَ دُعَاءُ عُمَارَةَ عَلَى الَّذِي رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ ، فَأَمَّا إنْ حَصَلَ مِنْهُ كَذِبٌ أَوْ شَوَّشَ عَلَى مُصَلٍّ فَوَاضِحٌ ، وَعَنْهُ : إنْ حَصَبَ سَائِلًا وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ ، فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ .
وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ ( و

) وَكَذَا شُرْبُ مَاءٍ إنْ سَمِعَهَا ، وَإِلَّا فَلَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : مَا لَمْ يَشْتَدَّ عَطَشُهُ .
وَجَزْم أَبُو الْمَعَالِي بِأَنَّهُ إذَنْ أَوْلَى ، وَفِي النَّصِيحَةِ : إنْ عَطِشَ فَشَرِبَ فَلَا بَأْسَ ( و ش ) قَالَ فِي الْفُصُولِ : وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ شُرْبَهُ بِقِطْعَةٍ بَعْدَ الْأَذَانِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ ، قَالَ : وَكَذَا شُرْبُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ ، فَأُطْلِقَ ، وَيَتَوَجَّهُ : يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ ، وَتَحْصِيلًا لِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ .
( مَسْأَلَةٌ 20 ) قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَافِلَةٍ ، فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ : بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ : بِخُرُوجِهِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ ، انْتَهَى .
الْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
وَالثَّانِي قَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ مُنَجَّى ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِهِ كَلَامَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَفِي غَيْرِهِ .

وَهَلْ يَنْزِلُ عِنْدَ لَفْظِ الْإِقَامَةِ أَوْ إذَا فَرَغَ لِيَقِفَ بِمِحْرَابِهِ عِنْدَهَا ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ( م 21 ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَالَ صُعُودِهِ عَلَى تُؤَدَةٍ لِأَنَّهُ سَعْيٌ إلَى ذِكْرٍ ، كَالسَّعْيِ إلَى الصَّلَاةِ ، وَإِذَا نَزَلَ نَزَلَ مُسْرِعًا لَا يَتَوَقَّفُ ، كَذَا قَالُوا ، وَلَا فَرْقَ ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ نَعَسَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، مَا لَمْ يَتَخَطَّ ، وَسَبَقَ فِي الْأَعْذَارِ ، وَسَبَقَ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْصُورَةِ ، آخِرَ بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ
( مَسْأَلَةٌ 21 ) .
قَوْلُهُ : وَهَلْ يَنْزِلُ يَعْنِي الْخَطِيبَ عِنْدَ لَفْظَةِ الْإِقَامَةِ أَوْ إذَا فَرَغَ لِيَقِفَ بِمِحْرَابِهِ عِنْدَهَا ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
تَابَعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ فِي الْعِبَارَةِ ، وَتَابَعَهُ أَيْضًا ابْنُ تَمِيمٍ ، ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ، أَحَدُهُمَا : يَنْزِلُ عِنْدَ لَفْظَةِ ، الْإِقَامَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَنْزِلُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ كَثِيرٍ مِنْ الْخُطَبَاءِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

فَصْلٌ .
وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ ( ع ) يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ جَهْرًا ( و ) فِي الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ ، وَالثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ( و ش ) وَعَنْهُ : الثَّانِيَةُ بِ " سَبِّحْ " لَا " الْغَاشِيَةِ " ، ( م ) وَقِيلَ : الْأُولَى بِ " سَبِّحْ " ، وَالثَّانِيَةُ بِالْغَاشِيَةِ ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ : سُورَةُ ( و هـ ) ، وَفِي فَجْرِهَا ، الم السَّجْدَةُ ( م ) وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى ، خِلَافًا لَهُ أَيْضًا ، قَالَ شَيْخُنَا لِتَضَمُّنِهِمَا لِابْتِدَاءِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ .
وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا ، فِي الْمَنْصُوصِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : لِئَلَّا يُظَنَّ الْوُجُوبُ ، وَقَرَأَهَا أَحْمَدُ فَسَهَا أَنْ يَسْجُدَ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، قَالَ الْقَاضِي : كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ ، قَالَ : وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا بَقِيَّةُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِثْلُهُ هُنَا ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ لِلتَّرْغِيبِ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَيُكْرَهُ تَحَرِّيهِ قِرَاءَةَ سَجْدَةٍ غَيْرِهَا ، وَالسُّنَّةُ إكْمَالُهَا ، وَيُكْرَهُ بِالْجُمُعَةِ ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ : وَالْمُنَافِقِينَ فِي عِشَاءِ لَيْلَتِهَا ، وَعَنْهُ : لَا ، وَلَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) قَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظُهْرًا مَقْصُورَةً ، فَتُفَارِقُهَا فِي أَحْكَامٍ ، وَكَمَا أَنَّ تَرْكَ الْمُسَافِرِ السُّنَّةَ أَفْضَلُ ، لِكَوْنِ ظُهْرِهِ مَقْصُورَةً ، وَإِلَّا لَكَانَ التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ ، لَكِنْ لَا يُكْرَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يُدَاوِمُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ، وَأَنَّ عَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ ، وَعَنْهُ : بَلَى رَكْعَتَانِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَعَنْهُ : أَرْبَعٌ ( و هـ ش ) قَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : رَأَيْت

أَبِي يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكَعَاتٍ وَقَالَ : رَأَيْته يُصَلِّي رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، فَإِذَا قَرُبَ الْأَذَانُ أَوْ الْخُطْبَةُ تَرَبَّعَ وَنَكَّسَ رَأْسَهُ ، وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ رَأَيْته إذَا أَخَذَ فِي الْأَذَانِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا ، قَالَ : وَقَالَ : اخْتَارَ قَبْلَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا سِتًّا ، وَصَلَاةُ أَحْمَدَ قَبْلَ الْأَذَانِ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ( و ش ) وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ الْحَدِيثَ ، وَسَبَقَ قَوْلُهُمْ : يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ ، وَأَكْثَرُهَا بَعْدَهَا سِتٌّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَرْبَعًا ( و هـ ش ) وَفِي التَّبْصِرَةِ : قَالَ شَيْخُنَا : أَدْنَى الْكَمَالِ سِتٌّ ، وَحُكِيَ عَنْهُ : لَا سُنَّةَ لَهَا ، وَإِنَّمَا قَالَ : لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا ، فَعَلَهُ عِمْرَانُ ، وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَدَعَ الْإِمَامُ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ تَأْلِيفًا لِلْمَأْمُومِ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : وَلَوْ كَانَ مُطَاعًا يَتَّبِعُهُ الْمَأْمُومُ ، فَالسُّنَّةُ أَوْلَى ، قَالَ : وَقَدْ يُرَجَّحُ الْمَفْضُولُ ، كَجَهْرِ عُمَرَ بِالِاسْتِفْتَاحِ لِتَعْلِيمِ السُّنَّةِ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي إزَارٍ وَثِيَابُهُ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : تُصَلِّي فِي إزَارٍ وَاحِدٍ ؟ فَقَالَ : إنَّمَا صَنَعْت ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُك ، وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَلِمُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قِيلَ لَهُ : مَا هَذَا الْوُضُوءُ ؟ فَقَالَ : يَا بَنِي فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَاهُنَا ؟ لَوْ عَلِمْت أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْت هَذَا الْوُضُوءَ ، سَمِعْت خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْمَوَالِيَ ، وَكَانَ خِطَابُهُ لِأَبِي حَازِمٍ ، وَفَرُّوخَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ لَا

يَنْصَرِفُ ، قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ : بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدٍ كَانَ بَعْدَ إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ كَثُرَ نَسْلُهُ ، وَنَمَا عَدَدُهُ ، فَوَلَدَ الْعَجَمِ الَّذِينَ هُمْ فِي وَسَطِ الْبِلَادِ ، وَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ أَنَّ فَرُّوخَ ابْنٌ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَبُو الْعَجَمِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ عَنْ عَادَاتِ النَّاسِ ، لِتَرْكِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ ، وَتَرْكِ أَحْمَدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ، وَقَالَ : رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْرِفُونَهُ .
.

فَصْلٌ .
مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً أَتَمَّ جُمُعَةً ( و ) وَكَذَا دُونَهَا فِي رِوَايَةٍ ( و هـ ) وَالْمَذْهَبُ : لَا ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ الْمُسَافِرِ إدْرَاكُ إيجَابٍ وَهَذَا إدْرَاكُ إسْقَاطٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا صَلَّى أَرْبَعًا ، فَاعْتُبِرَ إدْرَاكٌ تَامٌّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ دُونَ رَكْعَةٍ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ الْجَمَاعَةُ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ ، وَلَوْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْ الْجُمُعَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا ، قَالَ أَحْمَدُ : لَوْلَا الْحَدِيثُ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَقَالَ : قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَفَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا تَصِحُّ ظُهْرُهُ مَعَهُمْ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ ، وَتَحْرُمُ بَعْدَ الزَّوَالِ ( و م ش ) وَقِيلَ : لَا تَصِحُّ ، لِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي : الْمَذْهَبُ يَنْوِي الْجُمُعَةَ ( خ ) تَبَعًا لِإِمَامِهِ ثُمَّ يُتِمُّ ظُهْرًا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّهُ فَرَّ مِنْ اخْتِلَافِ النِّيَّةِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ فِي الْبِنَاءِ ، وَالْوَاجِبُ الْعَكْسُ أَوْ التَّسْوِيَةُ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْبِنَاءِ مَعَ اخْتِلَافٍ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلَهُ وَالْقَوْلَ الْأَوَّلَ رِوَايَتَيْنِ ، وَقَالَ فِي فُنُونِهِ أَوْ عُمَدِ الْأَدِلَّةِ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا يَنْوِيَهَا ظُهْرًا ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ ، فَإِنْ دَخَلَ نَوَى جُمُعَةً وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا ، وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَا يَعْتَدُّ بِهِ فَأَحْرَمَ ، ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ أَوْ نَسِيَهُ ، أَوْ أَدْرَكَ الْقِيَامَ وَزُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى سَلَّمَ ، أَوْ تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ وَقُلْنَا يَبْنِي وَنَحْوُ ذَلِكَ ، اسْتَأْنَفَ ظُهْرًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي فَرْضٍ وَشَرْطٍ ، كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ ، وَلِافْتِقَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى النِّيَّةِ ، بِخِلَافِ بِنَاءِ التَّامَّةِ عَلَى

الْمَقْصُورَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَا يَفْتَقِرُ ، وَعَنْهُ : يُتِمُّهَا ظُهْرًا ( و ش ) وَعَنْهُ : جُمُعَةً ( و هـ ) كَمُدْرِكِ رَكْعَةٍ ، وَعَنْهُ : يُتِمُّ جُمُعَةً مَنْ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ أَوْ نَسِيَهُ لِإِدْرَاكِهِ الرُّكُوعَ ، كَمَنْ أَتَى بِالسُّجُودِ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ( و م ) لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي جَمَاعَةٍ ، وَالْإِدْرَاكُ الْحُكْمِيُّ كَالْحَقِيقِيِّ لِحَمْلِ الْإِمَامِ السَّهْوَ عَنْهُ ، وَإِنْ أَحْرَمَ فَزُحِمَ وَصَلَّى فَذًّا لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ أُخْرِجَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ نَوَى مُفَارِقَتَهُ أَتَمَّ جُمُعَةً ، وَإِلَّا فَعَنْهُ : يُتِمُّ جُمُعَةً ، كَمَسْبُوقٍ ، وَعَنْهُ : يُعِيدُ ؛ لِأَنَّهُ فَذٌّ فِي رَكْعَةٍ ( م 22 ) وَلَا أَذَانَ فِي الْأَمْصَارِ لِمَنْ فَاتَتْهُ ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْمُسَافِرِينَ إذَا أَدْرَكُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّوْا صَلَاةَ الظُّهْرِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ إنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ إظْهَارَهُ كَالْجُمُعَةِ كَمَا سَبَقَ ، وَيَتَوَجَّهُ إخْفَاؤُهُ .
.
مَسْأَلَةٌ 22 ) .
قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ فَزُحِمَ وَصَلَّى فَذًّا لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ أُخْرِجَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ أَتَمَّ جُمُعَةً ، وَإِلَّا فَعَنْهُ : يُتِمُّ جُمُعَةً ، كَمَسْبُوقٍ ، وَعَنْهُ : يُعِيدُ ؛ لِأَنَّهُ فَذٌّ فِي رَكْعَةٍ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، إحْدَاهُمَا : لَا تَصِحُّ ، وَيُعِيدُهَا ظُهْرًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ .
قُلْت : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، فَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةٍ قَدْ مَنَّ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا

فَصْلٌ .
تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ إسْقَاطَ حُضُورٍ لَا وُجُوبٍ ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِ ، لَا كَمُسَافِرٍ وَنَحْوِهِ عَمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ، وَذَكَرَ فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ كَانَ خَارِجَ الْبَلَدِ ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ كَصَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ ، وَعَنْهُ : لَا تَسْقُطُ ( و ) كَالْإِمَامِ ، وَعَنْهُ : تَسْقُطُ عَنْهُ أَيْضًا ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ .
وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ ، وَقَالَ : الْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِأَيْسَرِ عُذْرٍ ، كَمِنْ لَهُ عَرُوسٌ تُجَلَّى عَلَيْهِ ، فَكَذَا الْمَسَرَّةُ بِالْعِيدِ ، كَذَا قَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا وَجْهَ لِعَدَمِ سُقُوطِهَا مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ ، وَعَنْهُ : لَا تَسْقُطُ عَنْ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ ، وَيَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ الْعِيدُ بِالْجُمُعَةِ ( خ ) كَالْعَكْسِ وَأَوْلَى ، فَيُعْتَبَرُ الْعَزْمُ عَلَى الْجُمُعَةِ ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ : يَسْقُطُ بِفِعْلِهَا وَقْتَ الْعِيدِ ، وَفِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ احْتِمَالُ تَسْقُطُ الْجُمَعُ وَتُصَلَّى فُرَادَى ، وَفِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي : وَيَجْلِسُ مَكَانَهُ لِيُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ ، لِضَعْفِ الْخَبَرِ الْخَاصِّ فِيهِ ، وَاحْتَجَّ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا وَيُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، وَجُلُوسُهُ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ إلَى طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا ، لَا فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ عَلَى الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَيْ

مُرْتَفِعَةً ، وَإِنْ قَامَ وَجَلَسَ بِمَكَانٍ فِيهِ فَلَا بَأْسَ ، لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ : لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ ، وَصَرَّحُوا بِالْمَسْجِدِ ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَأَوْلَى ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ وَفِي الصَّحِيحِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ وَزَادَ فِي دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مُصَلَّاهُ أَوْ يُحْدِثْ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَزَالُ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : انْتِظَارُ الْعِبَادَةِ عِبَادَةٌ ، وَإِذَا لَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ عَلَى هَيْئَةِ الِانْتِظَارِ ، فَنَافَى بِحَدَثِهِ حَالَ الْمُتَأَهِّبِينَ لَهَا ، فَلِذَلِكَ كَانَ الدُّعَاءُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَزُولَ النَّهْيُ .
وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، لِلْخَبَرِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالْأَوْلَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِالذِّكْرِ ، وَأَفْضَلُهُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَعَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أُبَيٍّ سَعِيدٍ مَرْفُوعًا يَقُولُ اللَّهُ : مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ دُعَائِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ ثَوَابِ الشَّاكِرِينَ ، وَإِنَّ فَضْلَ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ رَوَاهُ أَبُو

حَفْصِ بْنُ شَاهِينِ ، وَذَكَرَ أَنَّ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ يُفَسِّرُهُ ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ : هَذَا مَوْضُوعُ مَا رَوَاهُ إلَّا صَفْوَانُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْخَبَرَيْنِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ ، كَذَا قَالَ ، وَلَيْسَ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ بِمَوْضُوعٍ ، وَفِي حُسْنِهِ نَظَرٌ ، وَقَالَ تَعَالَى اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ ، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ ، وَلَمْ يَرَهُ شَيْخُنَا ، وَيَأْتِي آخِرَ الِاعْتِكَافِ

بَابٌ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ .
وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، فَيُقَاتِلُ الْإِمَامُ أَهْلَ بَلَدٍ تَرَكُوهَا ، وَعَنْهُ : فَرْضُ عَيْنٍ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ( و هـ ) وَعَنْهُ : سُنَّةٌ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ( و م ش ) فَلَا يُقَاتَلُ تَارِكُهَا ، كَالتَّرَاوِيحِ وَالْأَذَانِ ، خِلَافًا النِّهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي .
وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَنْ حَضَرَهَا وَيَتْرُكَهَا ، وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا شُرُوطُ الْجُمُعَةِ ( و ) وَأَوْجَبَهَا فِي الْمُنْتَخَبِ بِدُونِ الْعَدَدِ .
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ : عَلَى الْمَرْأَةِ صَلَاةُ عِيدٍ ؟ قَالَ : مَا بَلَغَنَا فِي هَذَا شَيْءٌ ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُصَلِّيَ ، وَعَلَيْهَا مَا عَلَى الرِّجَالِ ، يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ .
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا إذًا الِاسْتِيطَانُ ، وَعَدَدُ الْجُمُعَةِ ، فَلَا تُقَامُ إلَّا حَيْثُ تُقَامُ الْجُمُعَةُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و هـ ) : وَعَنْهُ لَا ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( و م ش ) فَيَفْعَلُهَا الْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُنْفَرِدُ ، وَعَلَى الْأُولَى يَفْعَلُونَهَا تَبَعًا ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا مَنْ فَاتَتْهُ كَمَا يَأْتِي ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : لَا ( و هـ ) وَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ لَمْ يُصَلُّوهَا فِي سَفَرٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَيْسَتْ بِدُونِ اسْتِيطَانِ وَعَدَدٍ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً ( ع ) وَأَوْجَبَ ابْنُ عَقِيلٍ السَّعْيَ مِنْ بُعْدٍ ، لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ وَإِنَّا إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الْعَدَدَ كَفَى اسْتِيطَانُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، وَاعْتُبِرَ الِاسْتِيطَانُ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَذَكَرَ فِي الْعَدَدِ الرِّوَايَتَيْنِ .
وَلِلْمَرْأَةِ حُضُورُهَا ( و م ر ) وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ و ش ) فِي غَيْرِ الْمُسْتَحْسَنَةِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ : لِلشَّابَّةِ ( و هـ ) وَعَنْهُ : لَا يُعْجِبُنِي ( و م ر )

وَوَقْتُهَا كَصَلَاةِ الضُّحَى لَا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ ( و ش م ر ) وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْأَضْحَى ( م ) بِحَيْثُ يُوَافِقُ مَنْ بِمِنًى فِي ذَبْحِهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالْإِمْسَاكُ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ ( و ) وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ ( م ) وَالْأَكْلُ فِيهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ ( و ) وَالْأَفْضَلُ تَمَرَاتٍ وِتْرًا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ : وَهُوَ آكَدُ مِنْ إمْسَاكِهِ فِي الْأَضْحَى ، وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ ، وَالصَّدَقَةُ ، وَتَبْكِيرُ الْمَأْمُومِ مَاشِيًا ، قَالَ جَمَاعَةٌ : بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ( و ش ) لَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ( م ر ) ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ كَانَ الْبَلَدُ ثَغْرًا اُسْتُحِبَّ الرُّكُوبُ وَإِظْهَارُ السِّلَاحِ ، وَيَكُونُ مُظْهِرًا لِلتَّكْبِيرِ ( و م ش ) : يُظْهِرُهُ فِي الْفِطْرِ فَقَطْ ، لَا عَكْسِهِ ( هـ ) وَيُسَنُّ لُبْسُ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ [ ( و ) ] إلَّا الْمُعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَى الْمُصَلَّى فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ ( و ش ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : إلَّا الْإِمَامَ ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مُعْتَكِفٌ كَغَيْرِهِ فِي زِينَةٍ وَطِيبٍ وَنَحْوِهِمَا : ثِيَابٌ جَيِّدَةٌ وَرَثَّةٌ الْكُلُّ سَوَاءٌ ، وَيُسَنُّ تَأَخُّرُ الْإِمَامِ إلَى الصَّلَاةِ ، وَالصَّحْرَاءُ أَفْضَلُ ( و هـ م ) نَقَلَ حَنْبَلٌ : الْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى فِي الْعِيدِ أَفْضَلُ إلَّا ضَعِيفًا أَوْ مَرِيضًا ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَأْتِي الْمُصَلَّى حَتَّى ضَعُفَ ، وَكَرِهَ الْأَكْثَرُ الْجَامِعَ بِلَا عُذْرٍ ، وَلَيْسَ بِأَفْضَلَ إنْ وَسِعَهُمْ ( ش ) بَلْ لِأَهْلِ مَكَّةَ [ ( و ) ] لِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ ، وَذَهَابُهُ فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعُهُ فِي آخَرَ ( و ) قِيلَ : يَرْجِعُ فِي الْأَقْرَبِ ، وَالْجُمُعَةُ فِي هَذِهِ كَالْعِيدِ فِي الْمَنْصُوصِ .

فَصْلٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ( ع ) فَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ ( و ) ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ ( م ) ثُمَّ يُكَبِّرُ سِتًّا ( و م ) وَعَنْهُ : سَبْعًا ( و ش ) زَوَائِدَ ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ ( م ) وَعَنْهُ : يَسْتَفْتِحُ بَعْدَ الزَّوَائِدِ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ ، وَيُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ قِرَاءَتِهَا ، وَعَنْهُ : بَعْدَهَا ( و هـ ) خَمْسًا زَوَائِدَ ( و م ش ) لَا ثَلَاثًا زَوَائِدَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ( هـ ) وَعَنْهُ : خَمْسًا فِي الْأُولَى وَأَرْبَعًا فِي الثَّانِيَةِ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَسٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّكْبِيرِ وَكُلُّهُ جَائِزٌ .
وَعَنْهُ : يُصَلِّي أَهْلُ الْقُرَى بِلَا تَكْبِيرٍ ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ : يُصَلِّ أَهْلُ الْقُرَى أَرْبَعًا ، إلَّا أَنْ يَخْطُبَ رَجُلٌ فَرَكْعَتَيْنِ ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لَا لِإِحْرَامِهِ فَقَطْ ( م ) وَلَا لَهُ وَلِلزَّوَائِدِ ( هـ )

وَبَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ ذِكْرٌ ( هـ م ) غَيْرُ مُؤَقَّتٍ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ ( و ش ) يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ وَعَنْهُ : يَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ وَعَنْهُ : وَيَدْعُو ، وَعَنْهُ وَعَنْهُ : وَيُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ ، وَعَنْهُ وَعَنْهُ : يَذْكُرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ وَعَنْهُ : يَدْعُو وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَاحْتَجَّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَهُوَ مُخْتَلِفٌ وَعَنْهُ : وَفِي الذِّكْرِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ وَالذِّكْرُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ ( و ) : شُرُوطٌ لِلصَّلَاةِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ ثَمَّ وَلَمْ تَبْطُلْ ، وَسَاهِيًا لَا يَلْزَمُهُ سُجُودٌ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ كَذَا قَالَ وَيَقْرَأُ ، فِيهِمَا جَهْرًا ( و ) وَعَنْهُ : أَدْنَاهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْأُولَى بِسَبِّحِ وَالثَّانِيَةُ بِالْغَاشِيَةِ ، الْأُولَى ق وَالثَّانِيَةُ اقْتَرَبَتْ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ : لَا تَوْقِيتَ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ( و هـ م ) وَمِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَائِمًا بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ ذَكَرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ ( و ق ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْبُوقِ ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا ( هـ ) نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : كَالْقِرَاءَةِ ، وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : أَوْ ذَكَرَهُ فِيهِ [ ( و ) ] وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ : يَقُومُ فَيَأْتِي بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ فِيهِ ، كَتَكْبِيرِ الرُّكُوعِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلرُّكُوعِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ الْمَسْبُوقَ بِهَا يَأْتِي بِهَا إذَا خَافَ رَفْعَ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ ، وَعَنْ ( هـ ) فِي عَوْدِ رَاكِعٍ إلَى الْقِيَامِ لِلْقُنُوتِ رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ أَتَى بِهِ الذَّاكِرُ لَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ ( م ) وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَتَى بِهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا ، وَقِيلَ : لَا يَسْتَأْنِفُ إنْ كَانَ يَسِيرًا

، وَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
بَابٌ صَلَاةُ الْعِيدِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي الذِّكْرِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
أَحَدُهُمَا : يَأْتِي بِهِ أَيْضًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا أَصَحُّ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَأْتِي بِهِ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَالْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ : وَيَقُولُهُ فِي وَجْهٍ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ لَا يَقُولُهُ ، قُلْت : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : يَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ .

فَصْلٌ .
ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ ، فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْخُطْبَةِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ( هـ ش ) وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهَيْنِ ، وَهُمَا كَالْجُمُعَةِ فِي أَحْكَامِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ( و م ) إلَّا التَّكْبِيرَ مَعَ الْخَاطِبِ ( م ر ) وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ الطَّهَارَةَ وَاتِّحَادَ الْإِمَامِ وَالْقِيَامَ وَالْجَلْسَةَ وَالْعَدَدَ لِكَوْنِهَا سُنَّةً ( و ) لَا شَرْطَ لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ ، فَأَشْبَهَا الْأَذَانَ وَالذِّكْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَفِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ رِوَايَتَانِ إمَّا كَالْجُمُعَةِ أَوْ لِأَنَّ خُطْبَتَهَا مَقَامُ رَكْعَتَيْنِ ، بِخِلَافِ الْعِيدِ ( م 2 ) وَفِي النَّصِيحَةِ : إذَا اسْتَقْبَلَهُمْ سَلَّمَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ .
وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ ( و م ) نَسَقًا ( و ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : جَالِسًا ، وَقِيلَ : قَائِمًا ( و م ق ) فَلَا جَلْسَةَ لِيَسْتَرِيحَ إذَا صَعِدَ ، لِعَدَمِ الْأَذَانِ هُنَا ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ .
وَالثَّانِيَةَ ، بِسَبْعٍ ( و ش ) : بَعْدَ فَرَاغِهَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ : إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ وَقِيلَ : التَّكْبِيرَاتُ شَرْطٌ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : يَفْتَتِحُهَا بِالْحَمْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ افْتَتَحَ خُطْبَةً بِغَيْرِهِ ، وَقَالَ : كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ وَيَذْكُرُ فِي خُطْبَةِ [ الْفِطْرِ ] حُكْمَ الْفِطْرَةِ وَفِي الْأَضْحَى الْأُضْحِيَّةَ ، وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي : إذَا فَرَغَ فَرَأَى قَوْمًا لَمْ يَسْمَعُوهَا اُسْتُحِبَّ إعَادَةُ مَقَاصِدِهَا لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ رَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ أَتَاهُنَّ فَوَعَظَهُنَّ وَحَثّ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ ، وَالْمُرَادُ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ فِتْنَةٍ [ و ] تَرْكُ نَفْلِ

الصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهُ فِي مَكَانِهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ أَوْلَى ، لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَفْعَلْهُ ، وَإِنَّمَا نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ عَنْهُ ] مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ ، فَلَا تَظْهَرُ صِحَّتُهُمَا ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَرَى الصَّلَاةَ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : لَا يُسَنُّ ذَلِكَ ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا يُصَلِّي ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ ( و م هـ ) قَبْلهَا و [ وَافَقَهُ ] الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمَامِ ، وَفِي الْمُوجَزِ : لَا يَجُوز ، وَفِي الْمُحَرَّرِ : لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلهَا وَلَا بَعْدهَا ، كَذَا قَالَ ، وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي النَّصِيحَةِ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّي قَبْلهَا وَلَا بَعْدهَا حَتَّى تَزُول الشَّمْس ، لَا فِي بَيْتِهِ وَلَا طَرِيقِهِ ، اتِّبَاعًا لِلسَّنَةِ وَلِجَمَاعَةٍ صَحَابَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ ، كَذَا قَالَ .
وَقِيلَ : يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ ، وَجَزْم بِهِ فِي الْغُنْيَةِ ، وَهُوَ أَظْهَر ، وَنَصَّهُ : لَا ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ قَضَاء فَائِتَةٍ لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ ، وَمِنْ كَبَّرَ قَبْل سَلَام الْإِمَام صَلَّى مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ ، لَا أَرْبَعًا ، نَصَّ عَلَيْهِ [ ( و ) ] كَسَائِرِ الصَّلَوَات ، وَقَالَ الْقَاضِي : هُوَ كَمِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَة ، لَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ يَعْنِي حَالَ الْخُطْبَةِ رِوَايَتَانِ ، إمَّا كَالْجُمُعَةِ ، أَوْ لِأَنَّ خُطْبَتَهَا مَكَانَ رَكْعَتَيْنِ ، بِخِلَافِ الْعِيدِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالشَّرْحْ وَالْحَاوِيَيْنِ ، إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : خُطْبَتَا الْعِيدَيْنِ فِي أَحْكَامِهِمَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى فِي أَحْكَامِ الْكَلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَهِيَ فِي الْإِنْصَاتِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْكَلَامِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ فِيهَا ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ ، انْتَهَى .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخَطِيبَ فِي الْعِيدِ إنْ شَاءَ رَدَّ السَّلَامَ وَشَمَّتَ الْعَاطِسَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ، انْتَهَى .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْكَلَامُ حَالَةَ الْخُطْبَةِ ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَلَمْ يَجِبْ الْإِنْصَاتُ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ .

وَيُكَبِّرُ مَسْبُوقٌ فِي الْقَضَاءِ بِمَذْهَبِهِ ، كَبَعْدِ الْفَرَاغِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي ، وَعَنْهُ : بِمَذْهَبِ إمَامِهِ ( و م ) كَمَأْمُومٍ ( م 3 ) ( و ) وَكَذَا إنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَعِنْدَ ( هـ ) بِمَذْهَبِ إمَامِهِ ، وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي خِلَافٌ فِي الْمَأْمُومِ .
وَمَنْ فَاتَتْهُ حَضَرَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ صَلَّاهَا ( هـ ) نَدْبًا ( و ) عَلَى صِفَتِهَا ( م ش ) مَتَى شَاءَ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَإِلَّا مِنْ الْغَدِ : لَا يُكَبِّرُ الْمُنْفَرِدُ ، وَقِيلَ : وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا بِلَا تَكْبِيرٍ بِسَلَامٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : كَالظُّهْرِ : أَوْ بِسَلَامَيْنِ يُخَيَّرُ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَيُكَبِّرُ مَسْبُوقٌ فِي الْقَضَاءِ بِمَذْهَبِهِ ، كَبَعْدَ الْفَرَاغِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي ، وَعَنْهُ : بِمَذْهَبِ إمَامِهِ ، كَمَأْمُومٍ ، انْتَهَى .
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي صِفَةِ تَكْبِيرِ الْمَأْمُومِ إذَا صَلَّى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ ، أَحَدُهُمَا يُكَبِّرُ بِمَذْهَبِهِ ( قُلْت ) : وَهَذَا الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكَبِّرُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ : إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ قَامَ إذَا سَلَّمَ فَصَلَّى كَصَلَاتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً قَضَى أُخْرَى وَكَبَّرَ فِيهَا سِتًّا بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلَهَا ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُكَبِّرُ خَمْسًا .
( تَنْبِيهٌ ) .
صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُكَبِّرُ فِي الْقَضَاءِ بِمَذْهَبِهِ عَلَى الْمُقَدَّمِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكَبِّرُ بِمَذْهَبِ إمَامِهِ ، إذَا عَلِمَ ذَلِكَ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ صَلَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَنَّ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ وَجْهَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي ، أَحَدُهُمَا يُكَبِّرُ بِمَذْهَبِهِ ، وَالثَّانِي بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الَّذِي صَلَّى ، وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا ، بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ بِمَذْهَبِ نَفْسِهِ ، إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْإِمَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ ، وَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنْ يُقَدِّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُكَبِّرُ فِي الْقَضَاءِ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ إمَامِهِ وَيُطْلِقُ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا صَلَّى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ ؟ وَهَذَا لَا يُقَالُ وَلَا يَصِحُّ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْفَرَاغِ الْفَرَاغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَا الْفَرَاغَ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَأَرَادَ بِالْمَسْبُوقِ الْأَوَّلِ الْمَسْبُوقَ بِبَعْضِ التَّكْبِيرِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَالصَّحِيحُ

أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِ التَّكْبِيرِ مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ بِمَذْهَبِهِ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قُلْنَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ أَوْلَى ، وَلِغَرَابَتِهِ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ ، وَقَصَدَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ لَا إطْلَاقَهُ ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ صَلَاةَ هَذَا تَبَعٌ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُصَلِّي كَصَلَاتِهِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ جُدَّا .

وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا فَكَالسُّنَنِ فِي الْقَضَاءِ ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ : فِيمَنْ قَضَاهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَهُ وَيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً ، فَعَلَهُ أَنَسٌ .
وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لِلضَّعَفَةِ ( م ) وَفِي صِفَةِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ الْخِلَافُ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي صِفَةِ صَلَاةِ خَلِيفَةِ عَلِيٍّ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيّ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ] : يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إنْ خَطَبَ فَإِنَّهَا تُسْتَحَبُّ لَهُ ، وَلَهُ تَرْكُهَا ، وَإِلَّا أَرْبَعًا ، وَقِيلَ : إنْ صَلَّى أَرْبَعًا لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلَ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ بِتَعْيِيدِهِ يَظْهَرُ شِعَارُ الْقَوْمِ ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ وَضُحًى ، وَيَنْوِيهِ الْمَسْبُوقُ نَفْلًا .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : فَإِنْ نَوَوْهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ ، أَوْ جَهِلُوا السَّبْقَ فَنَوَوْهُ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً ، فَوَجْهَانِ ، وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَاحْتَجَّ فِي الْخِلَافِ بِصَلَاةِ خَلِيفَةِ عَلِيٍّ أَرْبَعًا عَلَى قَضَاءِ مَنْ فَاتَتْهُ أَرْبَعًا .
قَالَ : وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ أَدَاءً ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يَكُونُ أَرْبَعًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رَكْعَتَيْنِ ، عُلِمَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَ فَوَاتِ الصَّلَاةِ مَعَهُ ، كَذَا قَالَ : وَإِذَا أَخَّرُوا الْعِيدَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( هـ ) إلَى الزَّوَالِ صَلَّوْا ( م ) [ مِنْ ] الْغَدِ ، وَلَوْ أَمْكَنَ فِي يَوْمِهَا ( ش ) وَكَذَا لَوْ مَضَى أَيَّامٌ صَلَّوْا ، خِلَافًا لِلْقَاضِي ( هـ ) فِي الْفِطْرِ و [ فِي ] الْأَضْحَى وَثَانِي التَّشْرِيقِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي : إنْ عَلِمُوا بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَمْ يُصَلُّوا مِنْ الْغَدِ لَمْ يُصَلُّوا ، وَهِيَ قَضَاءٌ ، وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي : أَدَاءٌ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ أَوْ الْعُذْرِ .

فَصْلٌ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ ( هـ م ) وَإِظْهَارُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَمِنْ الْخُرُوجِ ( و ) إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَةِ وَعَنْهُ : إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ ( و ق ) وَعَنْهُ : إلَى وُصُولِهِ الْمُصَلَّى .
وَالتَّكْبِيرُ فِيهِ آكَدُ مِنْ الْأَضْحَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا يُكَبِّرُ عَقِيبَ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْأَشْهَرِ ( و ) وَيُسَنُّ الْمُطْلَقُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ( هـ م ) وَلَوْ لَمْ يَرَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ ( ش ) وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَفِي الْغُنْيَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا : يُسَنُّ إلَى آخِرِ التَّشْرِيقِ أَيْضًا وَأَيَّامُ الْعَشْرِ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ ( و هـ ش ) وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ الْمَعْدُودَاتُ ( و ) وَعَنْهُ : عَكْسُهُ ، وَعَنْهُ : الْمَعْلُومَاتُ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ ( و م ) وَعَنْهُ : يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَيُكَبِّرُ فِي خُرُوجِهِ إلَى الْمُصَلَّى ( و ) وَيُسَنُّ فِيهِ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ لِلْمَحَلِّ ، وَعَنْهُ : حَتَّى الْمُنْفَرِدُ ( و م ش ) مِنْ مُصَلَّاهُ لَا مِنْ صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ ( هـ ) هُوَ كَالْمُحْرِمِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ ( و م ش ) لَا مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ ( هـ ) وَيَنْتَهِي تَكْبِيرُهُمَا عَقِبَ عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا عَصْرُ يَوْمِ النَّحْرِ ( هـ ) وَلَا صَلَاةُ فَجْرِ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ( م ش ) وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : مِثْلَهُ لِمُحْرِمٍ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ، وَيُكَبِّرُ إمَامٌ [ إلَى ] الْقِبْلَةِ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ ابْنُ الْقَاسِمِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ كَغَيْرِهِ ، وَالْأَشْهَرُ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَإِنْ قَضَى فِيهَا مَكْتُوبَةً مِنْ غَيْرِ أَيَّامِهَا كَبَّرَ فِي رِوَايَةٍ ( و هـ ش ) كَأَيَّامِهَا ( و ) فِي عَامِهَا قِيلَ فِي حُكْمِ الْمَقْضِيِّ كَالصَّلَاةِ وَقِيلَ أَدَاءً لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ وَقِيلَ : أَدَاءً ؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلزَّمَانِ ، وَعَنْهُ : لَا يُكَبِّرُ ( م 4 و 5 ) ( و ق ) وَلَا يُكَبِّرُ بَعْدَ أَيَّامِهَا ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ وَقْتُهَا ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : بَاطِلٌ بِالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ ، فَإِنَّهَا تُقْضَى مَعَ

الْفَرَائِضِ ، أَشْبَهَ التَّلْبِيَةَ ، وَلَا يُكَبِّرُ عَقِيبَ نَافِلَةٍ خِلَافًا لِلْآجُرِّيِّ ( ق ) وَلَا عَقِيبَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ إنْ قِيلَ فِيهِ مُقَيَّدٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( ق ) يُكَبِّرُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ، أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْوَفَاءِ ، وَقَالَ : هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ وَأَحَقُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ لَا يَتَعَقَّبُهَا ذِكْرٌ .
وَلَا تَجْهَرُ بِهِ امْرَأَةٌ ، وَتَأْتِي بِهِ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ : تُكَبِّرُ تَبَعًا لِلرِّجَالِ فَقَطْ ( و هـ ) وَعَنْهُ : لَا تُكَبِّرُ كَالْأَذَانِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : هَذَا النَّهْيُ يَرْجِعُ إلَى الْجَهْرِ ، كَمَا حَمَلْنَا حَذْفَ السَّلَامِ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْجَهْرِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : هَلْ يُسَنُّ لَهَا التَّكْبِيرُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ .

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَضَى فِيهَا مَكْتُوبَةً مِنْ غَيْرِ إيَامِهَا كَبَّرَ فِي رِوَايَةٍ كَأَيَّامِهَا ، فِي عَامِهَا ، قِيلَ : فِي حُكْمِ الْمَقْضِيِّ ، كَالصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : أَدَاءً ؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلزَّمَانِ ، وَعَنْهُ : لَا يُكَبِّرُ ، انْتَهَى ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا قَضَى فِي أَيَّامِ التَّكْبِيرِ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مِنْ غَيْرِ أَيَّامِهَا ، فَذَكَرَ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا يُكَبِّرُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يُكَبِّرُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، الْأَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ ( قُلْت ) : وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 5 ) .
إذَا قَضَى صَلَاةً مِنْ أَيَّامِ التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّكْبِيرِ فِي عَامِهَا فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لَهَا ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ : قِيلَ : فِي حُكْمِ الْمَقْضِيِّ ، كَالصَّلَاةِ ، وَقِيلَ أَدَاءً ؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلزَّمَانِ ، هَلْ يُوصَفُ التَّكْبِيرُ بِالْقَضَاءِ كَالصَّلَاةِ أَوْ لَا يُوصَفُ ، وَإِنْ وُصِفَتْ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لِلزَّمَانِ ؟ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ : وَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِيهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُؤَدَّاةِ فِي التَّكْبِيرِ ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، انْتَهَى .
قُلْت : الصَّوَابُ أَنَّهُ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَقْضِيِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ قَضَى زَمَنَ التَّكْبِيرِ صَلَاةً فَائِتَةً فِيهِ كَبَّرَ ، بَلَى ، وَقِيلَ : هَلْ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ لِلْقَضَاءِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِمَّا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِيهَا كَالْمُؤَدَّاةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي التَّكْبِيرِ وَعَدَمِهِ ، انْتَهَى .

وَمُسَافِرٌ كَمُقِيمٍ وَلَوْ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ ( هـ ) وَمُمَيِّزٌ كَبَالِغٍ ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ صَلَاةٌ مُعَادَةٌ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ يُضْرَبُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ نَفْلِ الْبَالِغِ .
وَمَنْ نَسِيَهُ [ قَضَاهُ مَكَانَهُ وَيَعُودُ فَيَجْلِسُ مَنْ قَامَ أَوْ ذَهَبَ ، وَقِيلَ : أَوْ مَاشِيًا ( و ش ) كَالذَّكَرِ ] بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَأْتِ بِهِ ( و م ش ) وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَإِنْ أَحْدَثَ وَلَوْ سَهْوًا ( هـ ) أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَقِيلَ : أَوْ تَكَلَّمَ ، فَوَجْهَانِ ( م 6 ) ، وَيُكَبِّرُ مَأْمُومٌ نَسِيَهُ إمَامُهُ ( و ) وَمَسْبُوقٌ إذَا قَضَى ( و ) وَمَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَبَّرَ ثُمَّ لَبَّى ، نَصَّ عَلَى الْكُلِّ .
وَصِفَتُهُ شَفْعًا " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " ( و هـ ) وَاسْتَحَبَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ تَثْلِيثَ التَّكْبِيرِ أَوَّلًا ( و م ر ) وَآخِرًا ( و ش ) وَلَا بَأْسَ قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ : " تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك " نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، كَالْجَوَابِ ، وَقَالَ : " لَا أَبْتَدِئُ بِهِ " " الْكُلُّ حَسَنٌ " " يُكْرَهُ " قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : تَرَى لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ ؟ قَالَ : لَا .
وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ : مَا أَحْسَنَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ الشُّهْرَةَ ، وَفِي النَّصِيحَةِ : أَنَّهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ .
وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْأَمْصَارِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ م ) وَقَالَ : إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرٌ ، قِيلَ لَهُ : تَفْعَلُهُ أَنْتَ ؟ قَالَ : لَا ، وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ : يُسْتَحَبُّ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ( خ ) نَقَلَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ أَنَّ أَحْمَدَ قِيلَ لَهُ : يَكْثُرُ النَّاسُ ، قَالَ : وَإِنْ كَثُرُوا .
قُلْت : تَرَى أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى فِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؟ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ .
وَرَخَّصَ فِي الذَّهَابِ

، وَلَمْ يَرَ شَيْخُنَا زِيَارَةَ الْقُدْسِ لِيَقِفَ بِهِ ، أَوْ عِيدَ النَّحْرِ ، وَلَا التَّعْرِيفَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ ، وَأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ ، وَفَاعِلُهُ ضَالٌّ ، وَمَنْ تَوَلَّى صَلَاةَ الْعِيدِ أَقَامَهَا كُلَّ عَامٍ ؛ لِأَنَّهَا رَاتِبَةٌ ، مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا ، بِخِلَافِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَغَيْرُهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ 6 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ أَحْدَثَ وَلَوْ سَهْوًا ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَقِيلَ : أَوْ تَكَلَّمَ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، أَحَدُهُمَا : لَا يُكَبِّرُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ : قَضَاءً مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ التَّلْخِيصُ وَالْمُحَرَّرُ وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقُ وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْكَافِي : وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَمْ يُكَبِّرْ ، وَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَيْضًا : قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يُكَبِّرُ إذَا أَحْدَثَ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكَبِّرُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَوْ أَحْدَثَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفْرَدٌ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ ، كَسَائِرِ الذِّكْرِ ، انْتَهَى .
وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهَذَا الْوَجْهُ اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ ، وَلَكِنْ يَقْوَى الْمَذْهَبُ بِمَا قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : وَقِيلَ : أَوْ تَكَلَّمَ ، هَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ : وَبَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ : إنْ تَرَكَهُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ لَمْ يُكَبِّرْ ، انْتَهَى ، فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ قَدْ صَحَّتْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .

بَابٌ صَلَاةُ الْكُسُوفِ يُقَالُ : كَسَفَتْ الشَّمْسُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَمِثْلُهُ خَسَفَتْ .
وَقِيلَ : الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ ، وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ تُسَنُّ ( و ) حَضَرًا ( و ) وَسَفَرًا ( و ) وَالْأَفْضَلُ جَمَاعَةً ( و ) فِي جَامِعٍ ( و ) : فِي الْمُصَلَّى ، لَا أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ فِي الْبَيْتِ مُنْفَرِدًا ( هـ م ) وَلِلصِّبْيَانِ حُضُورُهَا ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَامِدٍ لَهُمْ وَلِلْعَجَائِزِ كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ .
وَسَبْقُ حُضُورِ النِّسَاءِ جَمَاعَةَ الرِّجَالِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا إذْنُ الْإِمَامِ وَلَا الِاسْتِسْقَاءُ ( و ) كَصَلَاتِهِمَا مُنْفَرِدًا : بَلَى ، وَعَنْهُ : لِاسْتِسْقَاءٍ ، وَعَنْهُ : لَهَا لِصَلَاةٍ وَخُطْبَةٍ ، لَا لِلْخُرُوجِ وَالدُّعَاءِ ، وَلَا تُشْرَعُ خُطْبَةٌ ( و هـ م ) وَعَنْهُ : بَلَى بَعْدَهَا خُطْبَتَانِ ، تُجَلَّى الْكُسُوفُ أَوْ لَا ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ( و ش ) وَأَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ رِوَايَتَيْنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ نَصًّا أَنَّهُ لَا يَخْطَبُ ، إنَّمَا أَخَذُوهُ مِنْ نَصِّهِ : لَا خُطْبَةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَمْ يَذْكُرْ لَهَا أَحْمَدُ خُطْبَةً ، وَفِي النَّصِيحَةِ : أُحِبُّ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَهَا ، وَإِنْ تَجَلَّى لَمْ يُصَلِّ ( و ) وَفِيهَا يُخَفِّفُ ، وَقِيلَ : كَنَافِلَةٍ إنْ تَجَلَّى قَبْلَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَوْ فِيهِ ، وَإِلَّا أَتَمَّهَا صَلَاةَ كُسُوفٍ ، لِتَأَكُّدِهَا بِخَصَائِصِهَا ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : مَنْ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عِنْدَ حُدُوثِ الِامْتِدَادِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَنْقُولِ جَوَّزَ النُّقْصَانَ عِنْدَ التَّجَلِّي ، وَمَنْ مَنَعَ مَنَعَ النَّقْصَ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ رُكْنًا بِالشُّرُوعِ ، فَيَبْطُلُ بِتَرْكِهِ ، وَقِيلَ : لَا تُشْرَعُ الزِّيَادَةُ لِحَاجَةٍ زَالَتْ ، كَذَا قَالَ ، وَكَذَا إنْ غَرَبَ ، وَالْأَشْهَرُ يُصَلِّي إذَا غَابَ الْقَمَرُ خَاسِفًا لَيْلًا ، وَفِي مَنْعِ الصَّلَاةِ لَهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَجْهَانِ ، إنْ فُعِلَتْ وَقْتَ نَهْيٍ ( م 1 ) وَلَيْسَ وَقْتُهَا كَالْعِيدِ ( م ) وَلَا تُقْضَى ، كَاسْتِسْقَاءٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ وَسُجُودِ شُكْرٍ ، وَلَا

تُعَادُ ( و ) وَقِيلَ : بَلَى رَكْعَتَيْنِ ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي فِي جَوَازِهِ وَجْهَيْنِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ : يَذْكُرُ وَيَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ ، وَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي بَقَائِهِ وَوُجُودِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ .
بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلُهُ : وَالْأَشْهَرُ يُصَلِّي إذَا غَابَ الْقَمَرُ خَاسِفًا لَيْلًا ، وَفِي مَنْعِ الصَّلَاةِ لَهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَجْهَانِ ، إنْ فُعِلَتْ وَقْتَ نَهْيٍ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، قَالَ الشَّارِحُ : فِيهِ احْتِمَالَانِ ، ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي ، أَحَدُهُمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ نَهْيٍ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : لَمْ يُمْنَعْ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : قَالَ الشَّارِحُ عَنْ احْتِمَالَيْ الْقَاضِي : أَحَدُهُمَا : لَا يُصَلِّي ، لِأَنَّ الْقَمَرَ آيَةُ اللَّيْلِ ، وَقَدْ ذَهَبَ اللَّيْلُ ، أَشْبَهَ مَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، وَالثَّانِي يُصَلِّي ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِنُورِهِ بَاقٍ ، فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ ، انْتَهَى .

فَصْلٌ .
وَهِيَ رَكْعَتَانِ ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى جَهْرًا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ ( خ ) بِالْفَاتِحَةِ ، ثُمَّ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : نَحْوَ مِائَةِ آيَةٍ ( و ش ) وَقِيلَ : مُعْظَمُ الْقِرَاءَةِ ، وَقِيلَ : نِصْفُهَا ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ، وَدُونَ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ، قِيلَ : كَمُعْظَمِهَا ، ثُمَّ يَرْكَعُ دُونَ الْأَوَّلِ ، نِسْبَتُهُ إلَى الْقِرَاءَةِ كَنِسْبَةِ الْأَوَّلِ مِنْهَا ، ثُمَّ يَرْفَعُ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُطِيلُهُمَا فِي الْأَصَحِّ ( ش ) وَقِيلَ : كَالرُّكُوعِ ( و م ) وَكَذَا الْجَلْسَةُ بَيْنَهُمَا ( خ ) وَلَا يُطِيلُ اعْتِدَالَ الرُّكُوعِ ، ( و ) وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ( ع ) وَانْفَرَدَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِإِطَالَتِهِ ، فَيَكُونُ فَعَلَهُ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، أَوْ أَطَالَهُ قَلِيلًا لِيَأْتِيَ بِالذِّكْرِ الْوَارِدِ فِيهِ ، قَالَ جَابِرٌ : فَانْصَرَفَ حِينَ انْصَرَفَ وَقَدْ آضَتْ الشَّمْسُ ، أَيْ رَجَعَتْ إلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ مِنْ آضَ يَئِيضُ إذَا رَجَعَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ( أَيْضًا ) .
وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْهُ وَوَصَفَتْ عَائِشَةُ بِأَنَّهُ أَطَالَهَا جِدًّا وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ جَدَّ جِدًّا وَفِي الْإِشَارَةِ : بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ يُسَبِّحُ قَدْرَ مَا قَرَأَ وَرُوِيَ : يَقْرَأُ وَفِي النَّصِيحَةِ : إذَا رَفَعَ مِنْ رُكُوعِهِ الثَّانِي فِي الْأُولَى سَمَّعَ وَحَمَّدَ ، وَإِنْ ذَكَرَ فَحَسَنٌ ، ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ دُونَ الْأُولَى ، ( و ) قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّ قِيَامٍ أَقْصَرُ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَكَذَا التَّسْبِيحُ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ قِرَاءَةَ الْقِيَامِ الثَّالِثِ أَطْوَلَ مِنْ الثَّانِيَ ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسْلَمُ ، وَلَيْسَتْ كَهَيْئَةِ نَافِلَةٍ ( هـ ) وَوَافَقَهُ ( م ) فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ ، وَتَجُوزُ بِكُلِّ صِفَةٍ رُوِيَتْ فَقَطْ ، فَمِنْهُ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَأَرْبَعٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ

حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : خَمْسٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ ، وَفِي السُّنَنِ : كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ : أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَفْضَلُ وَالرُّكُوعُ الثَّانِي سُنَّةٌ ، وَتُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ( م 2 ) ( و م ) وَاخْتَارَ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ صَلَّاهَا الْإِمَامُ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ لِإِدْرَاكِهِ مُعْظَمَ الرَّكْعَةِ ، وَلَوْ زَادَ فِي السُّجُودِ كَمَا زَادَ فِي الرُّكُوعِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ، وَالرُّكُوعُ مُتَّحِدٌ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ وَالرُّكُوعُ وَالثَّانِي سُنَّةٌ ، وَتُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيهِ ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، أَحَدُهُمَا يُدْرَكُ بِهِ الرُّكُوعُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُدْرَكُ بِهِ الرُّكُوعُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارَ ابْنِ عَقِيلٍ .

فَصْلٌ .
تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ عَلَى الْكُسُوفِ ، وَيُقَدَّمُ هُوَ عَلَى الْجُمُعَةِ إنْ أُمِنَ فَوْتُهَا ، ( و ) أَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا ، وَكَذَا عَلَى الْعِيدِ وَالْمَكْتُوبَةِ فِي الْأَصَحِّ ( و ) وَفِي تَقْدِيمِ الْوِتْرِ إنْ خِيفَ فَوْتُهُ وَالتَّرَاوِيحِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ ( م 3 و 4 ) وَقِيلَ إنْ صُلِّيَتْ التَّرَاوِيح جَمَاعَةً قُدِّمَتْ لِمَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ .
وَإِنْ كَسَفَتْ بِعَرَفَةَ صَلَّى ثُمَّ دَفَعَ ، وَإِنْ مُنِعَتْ وَقْتَ نَهْيٍ دَعَا وَذَكَرَ ، وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْكُسُوفِ لِغَيْرِهِ ( و م ش ) إلَّا لِزَلْزَلَةٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَعَنْهُ : وَلِكُلِّ آيَةٍ ( و هـ ) وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ : كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ السُّنَنُ وَالْآثَارُ ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِشَرٍّ وَعَذَابٍ لَمْ يَصِحَّ التَّخْوِيفُ بِذَلِكَ ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَهْبَةٍ وَخَوْفٍ ، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةُ رَغْبَةٍ وَرَجَاءٍ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ [ تَعَالَى ] عِبَادَهُ أَنْ يَدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ، وَفِي النَّصِيحَةِ : يُصَلُّونَ لِكُلِّ آيَةٍ مَا أَحَبُّوا ، رَكْعَتَيْنِ أَمْ أَكْثَرَ ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، وَأَنَّهُ يَخْطُبُ ، وَقِيلَ : إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ كُسُوفٌ إلَّا فِي ثَامِنٍ وَعِشْرِينَ ، أَوْ تَاسِعٍ وَعِشْرِينَ ، وَلَا خُسُوفٌ إلَّا فِي إبْدَارِ الْقَمَرِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَرُدَّ بِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِهِ ، فَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ الشَّافِعِيُّ فِي تَارِيخِهِ : أَنَّ الْقَمَرَ خَسَفَ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ ، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، قَالَ : وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا صَوَّرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ ، وَاسْتَبْعَدَهُ أَهْلُ النَّجَامَةِ ، هَذَا كَلَامُهُ ، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ عَاشِرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اتِّفَاقًا .
قَالَ فِي الْفُصُولِ : لَا يَخْتَلِفُ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ ،

نَقَلَهُ الْوَاقِدِيُّ وَالزُّبَيْرِيُّ ، وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّعُوا وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا سِيَّمَا إذَا اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : مَا يَدَّعِيهِ الْمُنَجِّمُونَ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ قَبْلَ كَوْنِهِ مِنْ طَرِيقٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْحِسَابَ ، بَلْ هُوَ مِمَّا إذَا حَسَبَهُ الْحَاسِبُ عَرَفَهُ ، وَلَيْسَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَخَصَّصُونَ فِيهِ ، مِمَّا يَجْعَلُونَهُ حُجَّةً فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى الْغَيْبِ مِمَّا تَفَرَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِهِ ، فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا فِيمَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ عَلَى مَا أَرْهَجُوا بِهِ .
وَيُسْتَحَبُّ الْعِتْقُ فِي كُسُوفِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : لِلْقَادِرِ .

مَسْأَلَةٌ 3 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي تَقْدِيمِ الْوِتْرِ إنْ خِيفَ فَوْتُهُ وَالتَّرَاوِيحِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي إذَا اجْتَمَعَ وِتْرٌ وَكُسُوفٌ أَوْ تَرَاوِيحُ وَكُسُوفٌ ، وَخِيفَ مِنْ فَوَاتِ الْوِتْرِ أَوْ التَّرَاوِيحِ ، فَهَلْ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكُسُوفِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، فَذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 3 ) إذَا اجْتَمَعَ الْوِتْرُ وَالْكُسُوفُ وَخِيفَ فَوَاتُ الْوِتْرِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا أَصَحُّ ، قَالَ فِي الْمَذْهَبِ : بَدَأَ بِالْكُسُوفِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْح ابْن رَزِين وَغَيْرهمْ ، ، وَالْوَجْه الثَّانِي يُقَدَّمُ الْوِتْرُ ، وَاخْتَارَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ إذَا خِيفَ فَوَاتُ الْوِتْرِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا قَدْرُ الْوِتْرِ فَالْأَوْلَى التَّلَبُّسُ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ ، وَحُكِيَ الْأَوَّلُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4 ) إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَتَرَاوِيحُ ، وَخِيفَ مِنْ فَوْتِ التَّرَاوِيحِ ، وَتَعَذُّرِ فِعْلُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي تَقْدِيمِ التَّرَاوِيحِ أَوْ الْكُسُوفِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا تُقَدَّمُ التَّرَاوِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقَدَّمُ الْكُسُوفُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّ الْكُسُوفَ آكَدُ ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى .

بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ تُسَنُّ ( هـ ) حَضَرًا وَسَفَرًا عِنْدَ جَدْبِ الْأَرْضِ ، وَقِيلَ : وَخَوْفِهِ وَاحْتِبَاسِ الْقَطْرِ لِمُجْدِبٍ ، وَفِي مُخْصِبٍ لِمُجْدِبٍ وَجْهَانِ ( م 1 ) .
.
بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي مُخْصِبٍ لِمُجْدِبٍ وَجْهَانِ ، يَعْنِي هَلْ يُصَلِّي الْمُخْصِبُ لِلْمُجْدِبِ أَمْ تَخْتَصُّ الصَّلَاةُ بِالْمُجْدِبِ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، أَحَدُهُمَا يُصَلُّونَ لَهُمْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْجَدْبِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَإِنْ اسْتَسْقَى مُخْصِبٌ لِمُجْدِبٍ جَازَ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ، انْتَهَى .
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي شَرْحِ الْمَجْدِ : أَحَدُهُمَا يُصَلُّونَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : اسْتَسْقَوْا عَلَى الْأَقْيَسِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يُصَلُّونَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَتَبِعْهُ الشَّارِحُ : قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يُصَلُّونَ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَقُدِّمَ فِي الْفَائِقِ .

وَلَا اسْتِسْقَاءَ لِانْقِطَاعِ مَطَرٍ عَنْ أَرْضٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ وَلَا مَسْلُوكَةٍ لِعَدَمِ الضَّرَرِ .
وَإِنْ غَارَ مَاءُ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ نَقَصَ وَضَرَّ فَرِوَايَتَانِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُسْتَسْقَى ، وَأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا : لَا .
وَالْأَفْضَلُ جَمَاعَةً ( و م ش ) وَقْتَ الْعِيدِ ( و م ش ) وَقِيلَ : بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَيَعِظُهُمْ الْإِمَامُ وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَالصَّدَقَةُ وَالصِّيَامُ ، زَادَ جَمَاعَةٌ : ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ صَائِمًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ بِأَمْرِهِ ، مَعَ أَنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ( ع ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ : فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا لَا مُطْلَقًا ، وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُهُمْ : تَجِبُ فِي الطَّاعَةِ ، وَتُسَنُّ فِي الْمَسْنُونِ ، وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ وَذَكَرَ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو الْمَعَالِي : لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ زَمَنَ الْجَدْبِ وَحْدَهُ أَوْ هُوَ وَالنَّاسُ لَزِمَهُ فِي نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ ، وَإِنْ نَذَرَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ انْعَقَدَ أَيْضًا ، كَالصَّلَوَاتِ الْمَشْرُوعَةِ لِلْأَسْبَابِ ، كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَرْكَعَ لِلطَّوَافِ أَوْ أَنْ أُحَيِّيَ الْمَسْجِدَ صَحَّ .
وَيَعِدُهُمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى ( و ) مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا مُتَذَلِّلًا ، مُتَنَظِّفًا ، وَقِيلَ فِيهِ : لَا ، كَالطِّيبِ ( وَ ) ، وَمَعَهُ الشُّيُوخُ وَأَهْلُ الدِّينِ .

، وَيُسْتَحَبُّ خُرُوجُ الْمُمَيِّزِ ( و م ش ) وَقِيلَ : يَجُوزُ كَالطِّفْلِ ، وَالْبَهِيمَةِ وَقِيلَ فِيهَا : يُكْرَهُ .
وَفِي الْفُصُولِ : نَحْنُ لِخُرُوجِ الشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا ، قَالَ : وَيُؤْمَرُ سَادَةُ الْعَبِيدِ بِإِخْرَاجِ عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ وَلَا يَجِبُ ، وَالْمُرَادُ مَعَ عَدَمِ الْفِتْنَةِ .

، وَيَجُوزُ خُرُوجُ الْعَجَائِزِ ( و م ) وَقِيلَ : لَا وَجَعَلَهُ أَبُو الْوَفَاءِ ظَاهِرَ كَلَامِهِ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ( و هـ ش ) وَلَا تَخْرُجُ ذَاتَ هَيْئَةِ ( الِاسْتِسْقَاء ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إجَابَةُ الدُّعَاءِ ، وَضَرَرَهَا أَكْثَرُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُكْرَهُ ( و ) وَيُكْرَهُ إخْرَاجُنَا لِأَهْلِ الذَّمَّةِ ( و ) وَقِيلَ : لَا ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَا يُكْرَهُ خُرُوجُهُمْ ( هـ ) وَإِنْ خَرَجُوا لَمْ يُمْنَعُوا وَلَمْ يَخْتَلِطُوا بِالْمُسْلِمِينَ ، .
وَهَلْ الْأَوْلَى إفْرَادُهُمْ بِيَوْمٍ أَمْ لَا ؟ [ ( و ) ] فِيهِ وَجْهَانِ ( م 2 و 3 ) وَفِي خُرُوجِ عَجَائِزِهِمْ الْخِلَافُ ، وَلَا تَخْرُجُ شَابَّةٌ مِنْهُمْ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ .
وَجَعَلَ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : وَهَلْ الْأَوْلَى إفْرَادُهُمْ بِيَوْمٍ أَمْ لَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
أَحَدُهُمَا لَا يُفْرِدُونَ بِيَوْمٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : لَا يُفْرَدُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِيَوْمٍ فِي الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : لَوْ قَالَ قَائِلٌ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ خُرُوجُهُمْ فِي وَقْتٍ مُفْرَدٍ ، لَمْ يَبْعُدْ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُسْقَوْنَ فَيُخْشَى الْفِتْنَةُ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : الْأَوْلَى خُرُوجُهُمْ مُنْفَرِدِينَ بِيَوْمٍ ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ .
( تَنْبِيهَانِ ) : الْأَوَّلُ قَوْلُهُ " وَفِي خُرُوجِ عَجَائِزِهِمْ الْخِلَافُ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي عَجَائِزِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُذْهَبِ الْجَوَازُ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفُنُونِ آخِرَ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ الدَّفْنِ " صَوَابُهُ آخِرَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .

وَيَجُوزُ التَّوَسُّلُ بِصَالِحٍ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِيِّ : إنَّهُ يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَجَعَلَهَا شَيْخُنَا كَمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِهِ ، قَالَ : وَالتَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ ، وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ وَأَفْعَالِ الْعِبَادِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي حَقِّهِ مَشْرُوعٌ ( عِ ) وَهُوَ مِنْ الْوَسِيلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى { اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } وَقَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } : الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ بِمَخْلُوقٍ ، قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : الدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرٍ مَعْرُوفٍ التِّرْيَاقُ الْمُجَرَّبُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : قَصْدُهُ لِلدُّعَاءِ عِنْدَهُ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ بِدْعَةٌ لَا قُرْبَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، وَقَالَ أَيْضًا : يَحْرُمُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ .
وَقَدْ شَاعَ عِنْدَ النَّاسِ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ نَاصِرِ الدِّينِ أَبِي مَنْصُورٍ ، وَلِيُّ خُرَاسَانَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ عَظَّمَهُ إلَى غَايَةٍ إلَى أَنْ قَالَ : وَقَدْ زُرْت مَشْهَدَهُ بِظَاهِرِ غَزْنَةَ وَهُوَ الَّذِي يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ النَّاسُ وَيَرْجُونَ اسْتِجَابَةَ الدَّعَوَاتِ عِنْدَهُ ، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفُنُونِ آخَرَ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ الدَّفْنِ

فَصْلٌ .
وَيُصَلَّى بِهِمْ كَالْعِيدِ ( و ش ) وَعَنْهُ : بِلَا تَكْبِيرٍ زَائِدٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ( و م ) وَفِي النَّصِيحَةِ : يَقْرَأُ فِي الْأُولَى { إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا } وَفِي الثَّانِيَةِ مَا أَحَبَّ ، ثُمَّ يَخْطُبُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و م ش ) وَعَنْهُ : قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ .

وَيَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ ( م ) كَالْعِيدِ فِي الْأَحْكَامِ ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ ( و ) خُطْبَةً مُفْتَتَحَةً بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ وَعَنْهُ : بِالْحَمْدِ ( و م ر ) وَقِيلَ : بِالِاسْتِغْفَارِ ( و ش م و ) وَيُكْثِرُهُ فِيهَا ، وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكَبِّرُ فِيهَا كَالْعِيدِ ( م ش ) وَعَنْهُ : خُطْبَتَيْنِ ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ ( و م ش ) وَعَنْهُ : يَدْعُو فَقَطْ ( و هـ ) نَصَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَقْتَ الدُّعَاءِ فَقَطْ وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَسَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَرْفَعُونَ ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ ، وَمِنْهُ { اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍ ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ ، اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك ، وَانْشُرْ رَحْمَتَك ، وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ } وَيُؤَمِّنُونَ ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ : يَدْعُونَ ، وَيَقْرَأُ { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا } الْآيَاتُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اسْتَسْقَى فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ } وَهُوَ نَوْعٌ مُسْتَحَبٌّ ( و ) فَقَالَ : { اللَّهُمَّ أَغِثْنَا } ثَلَاثًا ، فَفِيهِ تَكْرَارُ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا ، وَالْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ ، غِثْنَا بِلَا أَلِفٍ مِنْ غَاثَ يَغِيثُ أَيْ أَنْزَلَ الْمَطَرَ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ لَا مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ ، وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ الْعَوَامّ : أَمْطِرْنَا ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي يُقَالُ مَطَرَتْ .
وَأَمْطَرَتْ ؛ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ : أَمْطَرَتْ فِي الْغَدَاةِ .

وَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ ، قِيلَ : بَعْدَ خُطْبَتِهِ ، وَقِيلَ فِيهَا ( 4 م ) فَيَدْعُو سِرًّا .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ ، قِيلَ : بَعْدَ خُطْبَتِهِ وَقِيلَ فِيهَا ، انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ؛ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسَنُّ بَعْدَهَا ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا : وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ .

، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ [ ( هـ ) ] بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ الْيَمِينَ يَسَارًا وَالْيَسَارَ يَمِينًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لَا جَعْلَ أَعْلَى الْمُرَبَّعِ أَسْفَلَهُ ( ش ) وَالنَّاسُ كَذَلِكَ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد : يَقْلِبُ الْإِزَارَ تَنْقَلِبُ السُّنَّةُ ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ } ، وَلَا تَحْوِيلَ فِي كُسُوفٍ وَحَالِ الْإِمْطَارِ وَالزَّلْزَلَةِ ، وَيَتْرُكُونَهُ حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ ، .

وَوُقُوفُهُ أَوَّلَ الْمَطَرِ وَإِخْرَاجُ أَثَاثِهِ وَثِيَابِهِ لِيُصِيبَهَا ، وَتَطْهِيرُهُ مِنْهُ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَقِرَاءَتُهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا } وَشِبْهَهَا ، تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ ، وَإِنْ سُقُوا وَإِلَّا عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا ، وَإِنْ سُقُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ صَلَّوْا ، لَا قَبْلَ التَّأَهُّبِ لَهُ ، وَبَعْدَ التَّأَهُّبِ يَخْرُجُونَ وَيُصَلُّونَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَيَسْأَلُونَ الْمَزِيدَ ، وَقِيلَ : يَخْرُجُونَ وَلَا يُصَلُّونَ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَقِيلَ بِنَفْيِهِمَا .

فَصْلٌ .
وَإِنْ خِيفَ مِنْ زِيَادَةِ الْمَاءِ اُسْتُحِبَّ قَوْلُ { اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالْآكَامِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ } ، وَقِيلَ : وَيُسْتَحَبُّ صَلَاةُ كُسُوفٍ أَيْضًا ، وَيُسْتَحَبُّ قَوْلُ { مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ } .

وَيَحْرُمُ : بِنَوْءِ كَذَا ( ش ) لِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ مَرْفُوعًا ] { أَلَمْ تَرَوْا إلَى مَا قَالَ : مَا أَنْعَمْت عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ ، يَقُولُونَ : الْكَوْكَبُ وَبِالْكَوْكَبِ } ، وَلَهُ أَيْضًا عَنْهُ مَرْفُوعًا : { مَا أُنْزِلَ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ ، يُنَزِّلُ اللَّهُ الْغَيْثَ فَيَقُولُونَ : الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ " بِكَوْكَبِ كَذَا كَذَا " ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ النِّعْمَةِ ، وَإِضَافَةُ الْمَطَرِ إلَى النَّوْءِ دُونِ اللَّهِ كُفْرٌ ( ع ) وَلَا يُكْرَهُ : فِي نَوْءِ كَذَا ، خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ .

وَإِنْ نَذَرَ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ زَمَنَ الْجَدْبِ أَنْ يُسْتَسْقَى وَحْدَهُ لَزِمَهُ وَحْدَهُ ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ بِلَا تَعْيِينِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَلَوْ نَذَرَهَا زَمَنَ الْخِصْبِ ، فَقِيلَ : لَا يَنْعَقِدُ ، وَقِيلَ : بَلَى ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَيُصَلِّيهَا ، وَيَسْأَلُ دَوَامَ الْخِصْبِ وَشُمُولَهُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) .
قَوْلُهُ : وَإِنْ نَذَرَ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ زَمَنَ الْجَدْبِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ [ وَحْدَهُ ] لَزِمَهُ وَحْدَهُ ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ [ بِلَا ] تَعْيِينِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا تَلْزَمُهُ ( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَذَرَهَا زَمَنَ الْخِصْبِ فَقِيلَ : لَا يَنْعَقِدُ ، وَقِيلَ : بَلَى ، لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَيُصَلِّيهَا ، وَيَسْأَلُ دَوَامَ الْخِصْبِ وَشُمُولَهُ ، انْتَهَى أَحَدُهُمَا يَنْعَقِدُ لِمَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي .
لَا يَنْعَقِدُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ اسْتِسْقَاءً .
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ

( م 6 ) وَمَنْ رَأَى سَحَابًا أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ سَأَلَ اللَّهَ خَيْرَهُ ، وَتَعَوَّذَ بِهِ مِنْ شَرِّهِ ، وَمَا سَأَلَ سَائِلٌ وَلَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ ، وَوَرَدَ فِي الْأَثَرِ : " إنَّ قَوْسَ قُزَحٍ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْغَرَقِ " قَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ : هُوَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، قَالَ : وَدَعْوَى الْعَامَّةِ : إنْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ كَانَتْ الْفِتَنُ وَالدِّمَاءُ ، وَإِنْ غَلَبَتْ خُضْرَتُهُ كَانَ رَخَاءٌ وَسُرُورٌ ، هَذَيَانٌ

كِتَابُ الْجَنَائِزِ .
وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْكَسْرِ ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ ، وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ ، وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ ، وَيُقَالُ عَكْسُهُ ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ إذَا سَتَرَ ، يَجْنِزُ بِكَسْرِ النُّونِ .
( بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرِيضِ وَمَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْمَوْتِ ) تَرْكُ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ فِعْلَهُ ، وَقِيلَ : يَجِبُ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : إنْ ظَنَّ نَفْعَهُ ، وَلَيْسَا سَوَاءً ( م ) وَيَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ ( و هـ م ش ) فِي الْمُسْكِرِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ مِنْ صَوْتِ مَلْهَاةٍ وَغَيْرِهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فِي أَلْبَانِ الْأُتُنِ وَاحْتَجَّ بِتَحْرِيمِهَا ، وَفِي التِّرْيَاقِ وَالْخَمْرِ ، وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ فِي مُدَاوَاةِ الدُّبُرِ بِالْخَمْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيهِ وَفِي سَقْيِهِ الدَّوَابَّ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا يُدَاوَى بِهَا جُرْحٌ وَلَا غَيْرُهُ ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ .
وَلَوْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِشُرْبِ دَوَاءٍ بِخَمْرٍ وَقَالَ : أُمُّك طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَشْرَبْهُ حَرُمَ شُرْبُهُ ، نَقَلَهُ هَارُونُ الْحَمَّالُ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي هَذِهِ تَخْرِيجٌ مِنْ رِوَايَةِ جَوَازِ التَّحَلُّلِ لِمَنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ لَا تَحُجُّ الْعَامَ ، لِعِظَمِ الضَّرَرِ ، مَعَ أَنَّ فِي الْجَوَازِ خِلَافًا مُطْلَقًا ، وَالْحَجُّ كَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلْعُذْرِ كَذَا شُرْبُ الْمُسْكِرِ لِعُذْرِ غُصَّةٍ أَوْ إكْرَاهٍ .
وَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ التَّدَاوِي ، وَسَأَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدٍ قَالَ : إذَا دَخَلَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يُحْرِمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ، قَالَ : يُحْرِمُ وَلَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ إذَا عَلِمَ مِنْهُ رُشْدًا .
فَجَوَّزَ أَحْمَدُ إسْقَاطَ حَقِّ السَّيِّدِ لِضَرَرِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ، مَعَ تَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ ، فَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى ،

وَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا تَخْرِيجٌ بِمَنْعِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَقْيَسُ ، وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ : لَا يُعْجِبنِي أَنْ يَمْنَعَهُ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : فَاسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ : وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَا بُدَّ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا ، قَالَ : تَطْلُقُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَا يَطَؤُهَا ، قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ الطَّلَاقَ وَحَرَّمَ وَطْءَ الْحَائِضِ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ، فَفَلَّسَهُ الْحَاكِمُ ، فَفَارَقَهُ ، لِعِلْمِهِ بِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ شَرْعًا ، أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً فِيمَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٌ ، فَقَدِمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى رِوَايَةٌ يَقْضِي وَلَا يُكَفِّرُ ، قَالَ الشَّيْخُ : لِأَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَهُ مِنْ صَوْمِهِ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ ، فَيَتَوَجَّهُ فِي مَسْأَلَةِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ كَذَلِكَ ، وَهُوَ جَارٍ فِيهَا .

وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ إبِلٍ فَقَطْ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ( هـ ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِنَا ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّدَاوِي بِهِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَوْضِعٍ : لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَاسْتِعْمَالَهُ إلَّا ضَرُورَةً كَعَطَشِ وَطَفْيِ حَرِيقٍ ، قَالَ : وَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ مُسْتَخْبَثٍ كَبَوْلِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ، وَكُلِّ مَائِعٍ نَجِسٍ .
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَالْمَرُّوذِيُّ وَابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُمْ .

: وَيَجُوزُ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ : يَجُوزُ بِدِفْلَى وَنَحْوِهَا لَا يَضُرُّهُ .

نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَالْفَضْلُ فِي حَشِيشَةٍ تُسْكِرُ تُسْحَقُ وَتُطْرَحُ مَعَ دَوَاءٍ لَا بَأْسَ ، أَمَّا مَعَ الْمَاءِ فَلَا ، وَشَدَّدَ فِيهِ .

وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الدَّوَاءَ الْمَسْمُومَ إنْ غَلَبَ مِنْهُ السَّلَامَةُ ، زَادَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ : وَرُجِيَ نَفْعُهُ أُبِيحَ شُرْبُهُ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَخْطَرُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ ، وَقِيلَ لَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلتَّلَفِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُرِدْ التَّدَاوِيَ .
.

وَفِي الْبُلْغَةِ : لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِخَمْرٍ فِي مَرَضٍ ، وَكَذَا بِنَجَاسَةٍ أَكْلًا وَشُرْبًا وَظَاهِرُهُ : يَجُوزُ لِغَيْرِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِطَاهِرٍ وَفِي الْغُنْيَةِ : يَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ وَشَيْءٍ نَجِسٍ ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ : لَا بَأْسَ بِجَعْلِ الْمُسْكِرِ فِي الدَّوَاءِ لَهَا وَيُشْرَبُ .

وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : يَجُوزُ اكْتِحَالُهُ بِمَيْلِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ .
وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : لِأَنَّهَا حَاجَةٌ وَيُبَاحَانِ لَهَا .
وَفِي الْإِيضَاحِ : يَجُوزُ بِتِرْيَاقٍ ، وَسَبَقَ فِي الْآنِيَةِ اسْتِعْمَالُ نَجِسٍ ، وَلَا بَأْسَ بِالْحِمْيَةِ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ التَّدَاوِي ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ، لِلْخَبَرِ : { يَا عَلِيُّ لَا تَأْكُلْ مِنْ هَذَا ، كُلْ مِنْ هَذَا ، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَك } ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُظَنُّ ضَرَرُهُ وَلَا يَجِبُ التَّدَاوِي إذَا ظُنَّ نَفْعُهُ .

فَصْلٌ .
يُكْرَهُ الْأَنِينُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَا تَمَنِّي الْمَوْتَ عِنْدَ الضَّرَرِ ، كَذَا قَيَّدُوا ، وَكَذَا فِي الْخَبَرِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا ، وَلِهَذَا قَالَ : { إمَّا مُحْسِنًا فَيَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يُسْتَعْتَبُ } قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ .
وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ هَذَا ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ : مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ ، جَمَعَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ عَمَّارٍ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَلَمِ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : أَمَّا إنِّي قَدْ دَعَوْت فِيهَا بِدُعَاءٍ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْت الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي ، إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك ، وَالشَّوْقَ إلَى لِقَائِك ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ } ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَمَّارٌ ، فَذَكَرَهُ .
سَمِعَ حَمَّادٌ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ ، فَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ، عَنْ شَرِيكٍ ، وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَمَّارٌ ، فَذَكَرَهُ .
وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرٍ بِدِينِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ : يُسْتَحَبُّ ، لِلْخَبَرِ

الْمَشْهُورِ { وَإِذَا أَرَدْت بِعِبَادِك فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : أَنَا أَتَمَنَّى الْمَوْتَ صَبَاحًا وَمَسَاءً أَخَاف أَنْ أُفْتَنَ فِي الدُّنْيَا .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ : الْفِتْنَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامٌ يَقُومُ بِأَمْرِ النَّاسِ .
وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ [ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ] : غَيْرُ تَمَّنِي الشَّهَادَةِ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحِ : { مَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ } ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ ، وَرُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ وَغَيْرِهَا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِهِ الْهَدْيِ ، وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ : قَالَ عَالِمٌ يَوْمًا لِكَرْبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ : لَيْتَنِي لَمْ أَعِشْ لِهَذَا الزَّمَانِ ، فَقَالَ مُتَحَذْلِقٌ يَدَّعِي الزُّهْدَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ اعْتِرَاضَهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ : لَا تَقُلْ هَذَا وَأَنْتَ إمَامٌ تَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، مَا أَرَادَهُ اللَّهُ بِك خَيْرٌ مِمَّا تَتَمَنَّاهُ لِنَفْسِك ، وَهَذَا اتِّهَامٌ لِلَّهِ ، فَأَجَابَهُ : مِنْ أَيْنَ لَك لِسَانٌ تَنْطِقُ بِمَا لَا نَكِيرَ عَلَى الْعُلَمَاءِ ؟ كَأَنَّك تُعَلِّمُهُمْ مَا لَا يَعْلَمُونَ ، وَتُوهِمُ أَنَّك تُدْرِكُ [ عَلَيْهِمْ ] مَا يَجْهَلُونَ .
أَلَيْسَ اللَّهُ قَدْ حَكَى عَنْ مَرْيَمَ { يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا } وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : يَا لَيْتَنِي كُنْت مِثْلَك يَا طَائِرٌ .

وَفِي كَرَاهَةِ مَوْتِ الْفَجْأَةِ رِوَايَتَانِ ( م 1 )
.
كِتَابُ الْجَنَائِزِ .
بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرَضِ وَمَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْمَوْتِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلِهِ : وَفِي كَرَاهَةِ مَوْتِ الْفَجْأَةِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ ، أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ ، صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْعَلَائِقِ مِنْ النَّاسِ مُسْتَعِدًّا لِلِقَاءِ رَبِّهِ لَمْ يُكْرَهْ ، بَلْ رُبَّمَا ارْتَقَى إلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَإِلَّا كُرِهَ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ صِفَةَ هَذِهِ الْمَوْتَةِ هَلْ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ اللَّهِ أَمْ لَا ؟ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَيُقَالُ هَذِهِ الْمَوْتَةُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ ، كَمَا أَنَّ الْمَوْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَحْبُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَمَوْتَ السَّكْرَانِ مَثَلًا مَكْرُوهٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالْأَخْبَارُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَكَذَا الرِّوَايَتَانِ فِي حُقْنَةٍ لِحَاجَةٍ ، وَقَطْعِ الْعُرُوقِ وَفَصْدِهَا ( م 2 - 4 ) وَوُصِفَتْ الْحُقْنَةُ لِرَجُلٍ كَانَ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ أَنْزَلَ ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : احْتَقِنْ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : وَكَذَا الرِّوَايَتَانِ فِي حُقْنَةٍ لِحَاجَةٍ وَقَطْعِ الْعُرُوقِ وَفَصْدِهَا ، انْتَهَى ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) هَلْ تُكْرَهُ الْحُقْنَةُ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي ، فَقَالَ : هَلْ تُكْرَهُ الْحُقْنَةُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، إحْدَاهُمَا تُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ وَغَيْرِهَا ، نَقَلَهَا حَرْبٌ وَغَيْرُهُ ، وَالثَّانِيَةُ لَا تُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ ، نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ وَالْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَبُو طَالِبٍ وَصَالِحٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ الْكِنْدِيُّ ، انْتَهَى .
إحْدَاهُمَا لَا تُكْرَهُ بَلْ تُبَاحُ لِلْحَاجَةِ ، وَتُكْرَهُ مَعَ عَدَمِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الصُّغْرَى فِي آدَابِهَا ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا تُكْرَهُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهَا ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ ، وَقَالَ الْخَلَّالُ : كَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَرِهَهَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ أَبَاحَهَا عَلَى مَعْنَى الْعِلَاجِ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيِّ : وُصِفَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَفَعَلَهُ ، يَعْنِي الْحُقْنَةَ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : يُكْرَهُ مُطْلَقًا ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ : ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3 ) هَلْ يُكْرَهُ قَطْعُ الْعُرُوقِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَقَالَ : يُكْرَهُ قَطْعُ الْعُرُوقِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ ، انْتَهَى .
وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى تَقْدِيمِ الْكَرَاهَةِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْآدَابِ ، إحْدَاهُمَا تُكْرَهُ ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُكْرَهُ ، قُلْت : الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ ، إنْ قَالُوا فِي قَطْعِهَا نَفْعٌ وَإِزَالَةُ ضَرَرٍ لَمْ يُكْرَهْ ، وَإِلَّا كُرِهَتْ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 4 )

هَلْ يُكْرَهُ فَصْدُ الْعُرُوقِ أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي فَقَالَ : هَلْ يُكْرَهُ فَصْدُ الْعُرُوقِ أَمْ لَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ، مِنْهُمْ صَالِحٌ وَجَعْفَرٌ ، وَالثَّانِيَةُ يُكْرَهُ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا لَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ، كَمَا قَالَ الْقَاضِي ، وَكَذَا الْجَمَاعَةُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : لَا يَتَعَوَّدُهُ ، وَقَالَ : مَا فَصَدْت عِرْقًا قَطُّ

، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَيٍّ وَرُقْيَةٍ وَتَعْوِيذَةٍ وَتَمِيمَةٍ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ قَبْلَ الْأَلَمِ ( م 5 ) فَقَطْ .
وَفِي كَرَاهَةِ التُّفْلِ وَالنَّفْخِ فِي الرُّقْيَةِ رِوَايَاتٌ ، الثَّالِثَةُ يُكْرَهُ التُّفْلُ م 6 ) وَيَحْرُمُ ذَلِكَ بِغَيْرِ لِسَانٍ عَرَبِيٍّ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَكَذَا الطَّلْسَمُ ، وَأَمَّا التَّمِيمَةُ وَهِيَ عُوذَةٌ أَوْ خَرَزَةٌ أَوْ خَيْطٌ وَنَحْوُهُ فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْهُ ، وَدَعَا عَلَى فَاعِلِهِ ، وَقَالَ : { لَا تُزِيدُك إلَّا وَهْنًا انْبِذْهَا عَنْك ، لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْك مَا أَفْلَحْت أَبَدًا } رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَالْإِسْنَادُ حَسَنٌ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يَحْرُمُ ذَلِكَ .
وَقَالَ : شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيقَ التَّمِيمَةِ بِمَثَابَةِ أَكْلِ التِّرْيَاقِ وَقَوْلِ الشِّعْرِ ، وَهُمَا مُحَرَّمَانِ .
وَقَالَ أَيْضًا : يَجُوزُ حَمْلُ الْأَخْبَارِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، فَمَنْهِيٌّ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا هِيَ النَّافِعَةُ لَهُ وَالدَّافِعَةُ عَنْهُ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّهُ ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ النَّافِعُ الدَّافِعُ ، وَلَعَلَّ هَذَا خَرَجَ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الدَّهْرَ يَضُرُّهُمْ فَكَانُوا يَسُبُّونَهُ ، وَقَالَ : إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ الْبَلَاءُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ قَطْعَ الْبَاسُورِ ، زَادَ ابْنُ هَانِئٍ : كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً ، وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ التَّلَفُ حُرِّمَ ، وَإِنْ خِيفَ مِنْ تَرْكِهِ جَازَ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْجَوَازَ كَأَكْلَةٍ وَبَطٍّ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِيهِمَا : مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَاهُ ، وَلَا بَأْسَ بِكَتْبِ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ وَيُسْقَى مِنْهُ مَرِيضٌ وَحَامِلٌ لِعُسْرِ الْوَلَدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

( مَسْأَلَةٌ 5 ) .
قَوْلُهُ : وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَيٍّ وَرُقْيَةٍ وَتَعْوِيذَةٍ وَتَمِيمَةٍ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ قَبْلَ الْأَلَمِ ، انْتَهَى ذِكْرُ مَسْأَلَتَيْنِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) الْكَيُّ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَقَالَ : يُكْرَهُ الْكَيُّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ ، انْتَهَى ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ إبَاحَتُهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَالْكَرَاهَةُ مَعَ عَدَمِهَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْآدَابِ الْكُبْرَى ، وَالْمُسْتَوْعِبِ فِي آدَابِهِ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ الْكَيُّ مُطْلَقًا ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ : مَا يُعْجِبُنِي الْكَيُّ ، وَعَنْهُ : يُبَاحُ بَعْدَ الْأَلَمِ لَا قَبْلَهُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَهِيَ أَصَحُّ ، قَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : وَيُبَاحُ الْكَيُّ بَعْدَ الْأَلَمِ وَيُكْرَهُ قَبْلَهُ ، وَعَنْهُ : وَبَعْدَهُ ، انْتَهَى .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ وَالتَّمَائِمُ ، فَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَالَ : وَيُبَاحُ الْكَيُّ لِلضَّرُورَةِ ، وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِهَا ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ يُبَاحُ بَعْدَ الْأَلَمِ لَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَصَحُّ .
قَالَ وَكَذَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذِ وَالتَّمَائِمِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ الْأَلَمِ وَبَعْدَهُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَةِ : وَيُكْرَهُ تَعْلِيقُ التَّمَائِمِ وَنَحْوِهَا ، وَيُبَاحُ تَعْلِيقُ قِلَادَةٍ فِيهَا قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَا التَّعَاوِيذُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَيُعَلَّقُ عَلَى مَرِيضٍ ، ( وَحَامِلٍ ) ، وَفِي إنَاءٍ ثُمَّ يُسْقَيَانِ مِنْهُ وَيُرْقَى مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ بِمَا وَرَدَ مِنْ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ وَدُعَاءٍ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُسْتَوْعِبِ : وَلَا بَأْسَ بِالْقِلَادَةِ يُعَلِّقُهَا فِيهَا الْقُرْآنُ ، وَكَذَا التَّعَاوِيذُ ، وَلَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ لِلْحُمَّى ، وَلَا بَأْسَ

بِالرُّقَى مِنْ النَّمْلَةِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : يُكْرَهُ التَّمَائِمُ وَنَحْوُهَا ، كَذَا قِيلَ يُكْرَهُ ، وَالصَّوَابُ مَا يَأْتِي مِنْ تَحْرِيمِهِ لِمَنْ لَمْ يَرْقِ عَلَيْهَا قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ ، وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ ، وَيَأْتِي أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْقَاضِي ، وَأَنَّ الْمَنْعَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ .
وَتُبَاحُ قِلَادَةٌ فِيهَا قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُهُ ، وَتَعْلِيقُ مَا هُمَا فِيهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَا التَّعَاوِيذُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ لِلْحُمَّى وَالنَّمْلَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَالصُّدَاعِ وَالْعَيْنِ مَا يَجُوزُ ، وَيُرْقَى مِنْ ذَلِكَ بِقُرْآنٍ ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ دُعَاءٍ وَذِكْرٍ ، وَيُكْرَهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَيَحْرُمُ الرَّقْيُ وَالتَّعَوُّذُ بِطَلْسَمٍ وَعَزِيمَةٍ ، قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ : وَيُكْرَهُ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ ، وَقِيلَ يَحْرُمُ ، وَكَذَا الطَّلْسَمُ ، وَقَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالتَّحْرِيمِ ، وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُهُ .
وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : هَلْ يُعَلِّقُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : التَّعْلِيقُ كُلُّهُ مَكْرُوهٌ ، وَكَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ .
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ : سَمِعْت مَنْ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ التَّمَائِمِ تُعَلَّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَقَالَ : أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ ، قَالَ أَبُو دَاوُد : وَقَدْ رَأَيْت عَلَى ابْنٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ صَغِيرٌ تَمِيمَةً فِي رَقَبَتِهِ فِي أُدُمٍ ، قَالَ الْخَلَّالُ : قَدْ كَتَبَ هُوَ مِنْ الْحُمَّى بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ تَعْلِيقِ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ ، انْتَهَى ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي التَّمِيمَةِ التَّحْرِيمُ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا بَأْسَ بِكَتْبِ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ وَيُسْقَى مِنْهُ مَرِيضٌ أَوْ حَامِلٌ لِعُسْرِ الْوَلَدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي كَرَاهَةِ التُّفْلِ وَالنَّفْخِ فِي الرُّقْيَةِ رِوَايَاتٌ ، الثَّالِثَةُ

يُكْرَهُ التُّفْلُ ، انْتَهَى .
قَالَ الرِّعَايَةُ وَتَبِعْهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْآدَابِ : وَيُكْرَهُ التُّفْلُ بِالرِّيقِ وَالنَّفْخُ بِلَا رِيقٍ ، وَفِي كَرَاهَةِ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ وَإِبَاحَتِهِ مَعَ الرِّيقِ وَعَدَمِهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَيُكْرَهُ التُّفْلُ بِالرِّيقِ فِي الرُّقْيَةِ وَالنَّفْخُ بِلَا رِيقٍ ، وَقِيلَ فِي كَرَاهَةِ النَّفْثِ فِيهَا مَعَ الرِّيقِ وَعَدَمِهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى فَقَدَّمَ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَكُرِهَ النَّفْثُ فِي الرُّقَى ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّفْخِ .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : وَجَزَمَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ بِاسْتِحْبَابِ النَّفْخِ وَالتُّفْلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَوِيَتْ كَيْفِيَّةُ نَفْسِ الرَّاقِي كَانَتْ الرُّقْيَةُ أَتَمَّ تَأْثِيرًا وَأَقْوَى فِعْلًا ، وَهَذَا تَسْتَعِينُ بِهِ الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ وَالْخَبِيثَةُ فَيَفْعَلُهُ الْمُؤْمِنُ وَالسَّاحِرُ ، انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ ابْنَ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ وَغَيْرِهِ

فَصْلٌ .
يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادُ لَهُ ، وَكَذَا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ ( و ) وَقِيلَ : بَعْدَ أَيَّامٍ ، لِخَبَرٍ ضَعِيفٍ ، وَأَوْجَبَ أَبُو الْفَرَجِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ عِيَادَتَهُ ، وَالْمُرَادُ مَرَّةً ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ، وَفِي أَوَاخِرِ الرِّعَايَةِ : فَرْضُ كِفَايَةٍ ، كَوَجْهٍ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ : السُّنَّةُ مَرَّةٌ ، وَمَا زَادَ نَافِلَةٌ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : ثَلَاثَةٌ لَا يُعَادُ وَلَا يُسَمَّى صَاحِبُهَا مَرِيضًا : الضِّرْسُ وَالرَّمَدُ وَالدُّمَّلُ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ رَوَاهُ النِّجَادُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ نَقَلَ عَنْ أَمَامِنَا [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] أَنَّهُ قَالَ لَهُ وَلَدُهُ : يَا أَبَتِ ، إنَّ جَارَنَا فُلَانًا مَرِيضٌ ، فَمَا نَعُودُهُ ؟ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ مَا عَادَنَا فَنَعُودُهُ .
وَيُشْبِهُ هَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنَاهُ فِي السَّلَامِ عَلَى الْحُجَّاجِ ، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَفِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ لِلْخَطَّابِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ وَيُعْطِيَ الْإِخْوَانَ حُقُوقَهُمْ ، فَتَرَكَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَرَكَهَا كُلَّهَا ، وَكَانَ يَقُولُ : لَا يَتَهَيَّأُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُخْبِرَ بِكُلِّ عُذْرٍ .
وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : لَا تَعُدْ إلَّا مَنْ يَعُودُك ، وَلَا تَشْهَدْ جِنَازَةَ مَنْ لَا يَشْهَدُ جِنَازَتَك ، وَلَا تُؤَدِّ حَقَّ مَنْ لَا يُؤَدِّي حَقَّك ، فَإِنْ عَدَلْت عَنْ ذَلِكَ فَأَبْشِرْ بِالْجَوْرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرَادُ بِهِ التَّأْدِيبُ وَالتَّقْوِيمُ دُونَ الْمُكَافَأَةِ وَالْمُجَازَاةِ .
وَبَعْضُ هَذَا مِمَّا يُرَاضِ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ : رَدُّ السَّلَامِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ } وَفِي لَفْظٍ { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ } وَفِي لَفْظٍ { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ }

{ قِيلَ : وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ إذَا لَقِيته فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، وَإِذَا دَعَاك فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ ، إلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ حَدِيثِ السِّتِّ ، وَلَا ذَكَرَ فِيهِ النَّصِيحَةَ .

وَلَا يُطِيلُ عِنْدَهُ ، وَعَنْهُ : كَبَيْنَ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ ، وَمُرَادُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ .
وَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ : لَا بَأْسَ ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ أَحْمَدُ : يَعُودُهُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، وَقَالَ عَنْ قُرْبِ وَسَطِ النَّهَارِ : لَيْسَ هَذَا وَقْتَ عِيَادَةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُكْرَهُ إذًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا بَأْسَ فِي آخِرِ النَّهَارِ ، لِلْخَبَرِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ : الْعِيَادَةُ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَيَغِبُّ بِهَا ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْجَمَاعَةِ خِلَافُهُ ، وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ ، وَظَاهِرِ الْحَالِ ، وَمُرَادُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهِيَ تُشْبِهُ الزِّيَارَةَ ، وَقَدْ كَتَبْت مَا تَيَسَّرَ فِيهَا فِي أَوَاخِرِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ الْحَرَّانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي نَوَادِرِهِ الشِّعْرَ الْمَشْهُورَ : لَا تُضْجِرَنَّ عَلِيلًا فِي مُسَاءَلَةٍ إنَّ الْعِيَادَةَ يَوْمٌ بَيْنَ يَوْمَيْنِ بَلْ سَلْهُ عَنْ حَالِهِ وَادْعُ الْإِلَهَ لَهُ وَاجْلِسْ بِقَدْرِ فُوَاقٍ بَيْنَ حَلْبَيْنِ مَنْ زَارَ غِبًّا أَخًا دَامَتْ مَوَدَّتُهُ وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحًا لِلْخَلِيلَيْنِ .

وَيُخْبِرُ بِمَا يَجِدُهُ بِلَا شَكْوَى ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَحْمَدُ اللَّهَ أَوَّلًا ، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ { إذَا كَانَ الشُّكْرُ قَبْلَ الشَّكْوَى فَلَيْسَ شَاكٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُخْبِرُ بِمَا يَجِدُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، لَا لِقَصْدِ شَكْوَى ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لِعَائِشَةَ لَمَّا قَالَتْ : وَا رَأْسَاهْ ، قَالَ : بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ } وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّك لَتُوعَكَ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي الْفُنُونِ : قَوْله تَعَالَى { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرَاحَةِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الشَّكْوَى عِنْدَ إمْسَاسِ الْبَلْوَى ، قَالَ : وَنَظِيرُهُ { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } و { مَسَّنِيَ الضُّرُّ } و { مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدنِي } وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْآيَةِ الْأُولَى : هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إظْهَارِ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَمَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْأَذَى وَالتَّعَبِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَكْوَى .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : شَكْوَى الْمَرِيضِ مُخْرِجَةٌ مِنْ التَّوَكُّلِ ، وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنِينَ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى ، ثُمَّ احْتَجَّ بِقَوْلِ رَجُلٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِخَيْرٍ فِي عَافِيَةٍ ، فَقَالَ لَهُ : حُمِمْت الْبَارِحَةَ ؟ فَقَالَ : إذَا قُلْت لَك : أَنَا فِي عَافِيَةٍ فَحَسْبُك لَا تُخْرِجْنِي إلَى مَا أَكْرَهُ .
وَوَصْفُ الْمَرِيضِ مَا يَجِدُهُ لِلطَّبِيبِ لَا يَضُرُّهُ ، وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ ، إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ : إذَا كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِمَّا يُمْكِنُ كِتْمَانُهَا فَكِتْمَانُهَا مِنْ أَعْمَالِ اللَّهِ الْخَفِيَّةِ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ مِنْ التَّوَكُّلِ وَغَيْرِهِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، وَأَنَّ الصَّبْرَ وَاجِبٌ

بِالِاتِّفَاقِ .
قَالَ : وَالصَّبْرُ لَا تُنَافِيه الشَّكْوَى ، قَالَ : وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ صَبْرٌ بِغَيْرِ شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ ، وَالشَّكْوَى إلَى الْخَالِقِ لَا تُنَافِيهِ ، وَمُرَادُهُ : بَلْ شَكْوَاهُ إلَى الْخَالِقِ مَطْلُوبَةٌ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي أَنِينِ الْمَرِيضِ : أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ شَكْوَى ، وَلَكِنَّهُ اشْتَكَى إلَى اللَّهِ .
وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ : إنَّ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ لَا جَزَعَ فِيهِ وَلَا شَكْوَى إلَى النَّاسِ .
وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَكَا إلَى اللَّهِ لَا مِنْهُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ الدُّعَاءَ ، فَالْمَعْنَى : يَا رَبِّ ارْحَمْ أَسَفِي عَلَى يُوسُفَ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى : { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } إنْ قِيلَ : فَأَيْنَ الصَّبْرُ وَهَذَا لَفْظُ الشَّكْوَى ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّكْوَى إلَى اللَّهِ لَا تُنَافِي الصَّبْرَ وَإِنَّمَا الْمَذْمُومُ الشَّكْوَى إلَى الْخَلْقِ ، أَلَمِ تَسْمَعْ قَوْلَ يَعْقُوبَ : { إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ } قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَا إلَى النَّاسِ وَهُوَ فِي شَكَوَاهُ رَاضٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَزَعًا ، أَلَمْ تَسْمَعْ { قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ فِي مَرَضِهِ أَجِدُنِي مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي مَكْرُوبًا } وَقَوْلُهُ : { بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ } هَذَا سِيَاقُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، عَنْ خَبَّابٍ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ سَبْعَ كَيَّاتٍ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَقِيت ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ خَبَّابٌ تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِ الْمُصَابِ لَا عَلَى وَجْهِ الشِّكَايَةِ ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ جُوعِهِ

وَرَبْطِ الْحَجَرِ ، تَسْلِيَةً لِلْفَقِيرِ ، وَيُحْسِنُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ ، قَالَ الْقَاضِي : يَجِبُ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَنْبَغِي ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي } زَادَ أَحْمَدُ { إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ } .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى { مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ : يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الْعَبْدِ ظَنَّهُ عِنْدَ إحْسَاسِهِ بِلِقَاءِ اللَّهِ ، لِئَلَّا يَكْرَهَ أَحَدٌ لِقَاءَ اللَّهِ يَوَدُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا يَكْرَهُهُ ، وَالرَّاجِي الْمَسْرُورُ يَوَدُّ زِيَادَةَ ثُبُوتِ مَا يَرْجُو حُصُولَهُ وَتَغَلُّبَ رَجَائِهِ ، وَفِي النَّصِيحَةِ : يَغْلِبُ الْخَوْفُ لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَلِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ .
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَغَيْرُهُ ، وَنَصُّهُ : يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا ، وَفِي رِوَايَةٍ : فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ ، وَلِهَذَا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الْخَوْفِ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ ، إمَّا فِي نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي أُمُورِ النَّاسِ ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالَ الرَّجَاءِ بِلَا خَوْفٍ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ ، إمَّا فِي نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي أُمُورِ النَّاسِ ، وَالرَّجَاءُ بِحَسَبِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ يَجِبُ تَرْجِيحُهُ ، كَمَا { قَالَ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا } وَأَمَّا الْخَوْفُ فَيَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى تَفْرِيطِ الْعَبْدِ وَتَعَدِّيهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِالذَّنْبِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : يُغَلِّبُ الشَّابُّ الرَّجَاءَ ، وَالشَّيْخُ الْخَوْفَ وَيَذْكُرُهُ ( و ) زَادَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ : الْمُخَوَّفُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالْوَصِيَّةُ ، وَيَدْعُو بِالصَّلَاحِ وَالْعَافِيَةِ .

وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : { كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا عَادَ مَرِيضًا مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ وَقَالَ أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعٌ { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك ، إلَّا عُوفِيَ } وَفِي الْفُنُونِ : إنْ سَأَلَكَ وَضْعَ يَدِك عَلَى رَأْسِهِ لِلتَّشَفِّي فَجَدِّدْ تَوْبَةً لَعَلَّهُ يَتَحَقَّقُ ظَنُّهُ فِيك ، وَقَبِيحٌ تَعَاطِيَك مَا لَيْسَ لَك ، وَإِهْمَالُ هَذَا وَأَمْثَالِهِ يُعْمِي الْقُلُوبَ وَيُحَمِّرُ الْعُيُونَ وَيَعُودُ بِالرِّيَاءِ ، قَالَ : وَحُكِيَ أَنَّ مَسْخَرَةً مِنْ مَسَاخِرِ الْمُلُوكِ رُئِيَ رَاكِبًا بِزِيٍّ حَسَنٍ ، فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ الشِّبْلِيُّ فَخَدَمَهُ خِدْمَةَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَجِلَّاءِ الدَّوْلَةِ ، فَتَرَجَّلَ وَقَالَ : أَيُّهَا الشَّيْخُ إنَّمَا أَنَا مَسْخَرَةُ الْمَلِكِ ، فَقَالَ : أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي ، أَنْتَ تَأْكُلُ الدُّنْيَا بِمَا تُسَاوِي ، وَأَنَا آكُلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْمَاجِنِ كَيْف لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ أَنْ يُكْرَمَ إكْرَامًا يَخْرُجُ عَنْ رُتْبَتِهِ حَتَّى كَشَفَ عَنْ حَالِهِ وَصِنَاعَتِهِ ، فَلَيْسَ الدُّعَاءُ بَسْطَ الْكَفَّيْنِ بَلْ تَقَدُّمُ التَّوْبَةِ قَبْلَ السُّؤَالِ .
سَأَلَ مَرِيضٌ بَعْضَ الصُّلَحَاءِ مَسْحَ يَدِهِ مَوْضِعَ أَلَمِهِ ، فَوَقَفَ ، فَعَاوَدَهُ .
فَقَالَ : اصْبِرْ حَتَّى أُحَقِّقَ تَوْبَةً لَعَلَّك تَنْتَفِعُ بِإِمْرَارِهَا .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي قَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ : وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَهُ وَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَمْسَحَ الْإِنْسَانُ وَجْهَهُ بِيَدِ الْعَالِمِ وَمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ مِنْ الصَّالِحِينَ ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ ، وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي أَخْلَاقِ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ

أَنَّهُ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى أَحْمَدَ ثُمَّ مَسَحَهَا عَلَى بَدَنِهِ ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ، وَجَعَلَ يَنْفُضُ يَدُهُ ، وَجَعَلَ يَقُولُ : عَمَّنْ أَخَذْتُمْ هَذَا ؟ وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا .
وَيَأْتِي قَبْلَ بَابِ الدَّفْنِ ، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ كَانَ كَثِيرًا يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَيَدَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ ، نَقَلَ مُهَنَّا : وَلَا يَكْرَهُهُ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَمْ أَرَهُ يَشْتَهِي أَنْ يُفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ .
وَفِي مُسْلِمٍ : عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ { صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى أَهْلَهُ ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ ، فَاسْتَقْبَلَهُ وَلَدَانِ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمَا وَاحِدًا وَاحِدًا وَمَسَحَ خَدِّي } .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ، تَأْنِيسًا ، وَلِيُذَكِّرَهُ الطِّفْلُ بِذَلِكَ مَا عَاشَ فَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ ، وَخَصَّ الْخَدَّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ فِي حَقِّ الطِّفْلِ .
وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ { إذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ } وَفِي آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَان عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ مَرْفُوعًا { سَلُوهُ الدُّعَاءَ فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ ، وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ : إنَّ سَنَدَهُ صَحِيحٌ ، وَتَقْلِيدُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ لَهُ ، وَاسْتَحَبَّهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ : الْأَمْرَاضُ تَمْحِيصُ الذُّنُوبِ ، وَقَالَ لِمَرِيضٍ تَمَاثَلَ : يَهْنِيكَ الطَّهُورُ ، وَرَوَى جَمَاعَةٌ فِي تَرْجَمَةِ مُوسَى بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ كَذَّابٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، مَرْفُوعًا { دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ } وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ يَفْعَلُونَ هَذَا ، وَهُوَ حَسَنٌ ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ .

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُكْرَهُ أَنْ يَعُودَ أَجْنَبِيٌّ امْرَأَةً غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ أَوْ تَعُودَهُ ، وَتَعُودُ امْرَأَةٌ امْرَأَةً مِنْ أَقَارِبِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَهَلْ يُكْرَهُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ عِيَادَتَهَا ، وَيَأْتِي قَوْلٌ فِي إذْنِ زَوْجٍ لِعِيَادَةِ نَسِيبٍ ، وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الرَّمْلَةِ عَادَتْ بِشْرًا بِبَغْدَادَ ، وَأَنَّ أَحْمَدَ رَآهَا عِنْدَهُ وَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ لَهُ : قُلْ لَهَا تَدْعُو لَنَا ، وَدَعَتْ .
وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلِقْ بِنَا إلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا ، وَذَهَبَا إلَيْهَا .
فَفِيهِ زِيَارَةُ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ وَسَمَاعُ كَلَامِهَا .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُلَيَّةَ أُمِّ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ : كَانَتْ امْرَأَةً نَبِيلَةً عَاقِلَةً ، وَكَانَ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوهِ الْبَصْرَةِ وَفُقَهَائِهَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهَا ، فَتَبْرُزُ وَتُحَادِثُهُمْ وَتُسَائِلُهُمْ .
وَالْأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يُخَافُ مِنْهَا فِتْنَةٌ كَالْعَجُوزِ ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى خَوْفِهَا جَمْعًا .
وَيَأْتِي حُكْمُ الْخَلْوَةِ [ فِي ] آخِرِ الْعَدَدِ .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : عِيَادَةُ الْمَرِيضِ سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ ، كَذَا قَالَ ، وَسَوَاءٌ فِيهِ مَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَالْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَوْكَدِ وَالْأَفْضَلِ مِنْهُمَا ، كَذَا قَالَ : وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْقَرِيبَ أَوْلَى .

فَصْلٌ .
مَنْ جَهَرَ بِمَعْصِيَةٍ مُطْلَقًا مَعَ بَقَاءِ إسْلَامِهِ فَهَلْ يُسَنُّ ( م 7 و 8 ) هَجْرُهُ أَمْ يَجِبُ إنْ ارْتَدَعَ أَمْ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ ، أَمْ تَرْكُ السَّلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ( م 7 و 8 ) .

( مَسْأَلَةٌ 7 ، 8 ) قَوْلُهُ : مَنْ جَهَرَ بِمَعْصِيَةٍ مُطْلَقًا مَعَ بَقَاءِ إسْلَامِهِ فَهَلْ يُسَنُّ هَجْرُهُ أَمْ يَجِبُ إنْ ارْتَدَعَ ، أَمْ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ ، أَمْ تَرْكُ السَّلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيُكْرَهُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّاسِ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ، انْتَهَى .
أَحَدُهَا يُسَنُّ هَجْرُهُ ، أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَقَالَ : لَا يَأْثَمُ إنْ جَفَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى .
وَفِي آدَابِ ابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ فَقَالَ : وَهِجْرَانُ مَنْ أَبْدَى الْمَعَاصِيَ سَنَةً .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ : وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ تَرْكُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ مُطْلَقًا ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا عَرَفْت مِنْ أَحَدٍ نِفَاقًا فَلَا تُكَلِّمُهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ لَا يُكَلِّمُوهُمْ ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ مُثَنَّى وَغَيْرِهِ إبَاحَةُ الْهَجْرِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ لِخَوْفِ الْمَعْصِيَةِ ، وَرِوَايَةُ الْمَيْمُونِيِّ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ أَوْ صَرِيحُهُ فِي النُّشُوزِ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَأَطَالَ فِي الْآدَابِ الْكَلَامَ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ دَلِيلَ كُلِّ قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ : قَالَ أَحْمَدُ فِي مَكَان آخَرَ : يَجِبُ هَجْرُ مَنْ كَفَرَ أَوْ فَسَقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ ، وَقِيلَ : يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَام أَحْمَدَ ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُعْتَقِدِهِ قَالَ : لِيَكُونَ ذَلِكَ كَسْرًا أَوْ اسْتِصْلَاحًا .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ ، وَمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَهِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَافِرِهِمْ وَفَاسِقِهِمْ وَالْمُتَظَاهِرِينَ بِالْمَعَاصِي وَتَرْكِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، مَكْرُوهٌ لِسَائِرِ النَّاسِ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي

التَّمَامِ : لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي وُجُوبِ هِجْرَانِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَفُسَّاقِ الْمِلَّةِ .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ : أَطْلَقَ كَمَا تَرَى ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجَاهِرِ وَغَيْرِهِ فِي الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ : لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَأَرْحَامِهِ لَمْ يَجُزْ هَجْرُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهَلْ يَجُوزُ هَجْرُهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَقَالَ وَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَيْضًا ، قَالَ فِي الْآدَابِ : وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ ، وَهُوَ أَوْلَى ، انْتَهَى .
قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ

وَفِي تَحْرِيمِ السَّلَامِ عَلَى مُبْتَدِعٍ غَيْرِ مُخَاصِمٍ رِوَايَتَانِ ( م 9 ) وَتَرْكُ الْعِيَادَةِ مِنْ الْهَجْرِ ، وَنَصُّهُ : لَا يُعَادُ الْمُبْتَدِعُ ، وَحَرَّمَهَا فِي النَّوَادِرِ وَعَنْهُ : لَا يُعَادُ الدَّاعِيَةُ ، وَاعْتَبَرَ شَيْخُنَا الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ ، وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ جَهَرَ بِالْبِدْعَةِ دَعَا إلَيْهَا أَمْ لَا أَوْ أَسَرَّهَا ، وَظَاهِرُ بَعْضِهَا : وَالْمَعْصِيَةُ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي الرَّجُلِ يَمْشِي مَعَ الْمُبْتَدِعِ : لَا يُكَلِّمُهُ .
وَنَقَلَ غَيْرُهُ : إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ يُحِبُّهُ ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ : إذَا عَرَفْت مِنْ أَحَدٍ نِفَاقًا فَلَا تُكَلِّمُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ لَا يُكَلِّمُوهُمْ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : نَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَذَا كُلُّ مَنْ خِفْنَا عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : إنَّهُ اتَّهَمَهُمْ بِالنِّفَاقِ ، فَكَذَا مَنْ اُتُّهِمَ بِالْكُفْرِ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ كَلَامِهِ ، وَعَنْهُ : إنَّهُ أَخَذَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ ، { وَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ كَلَامَهَا وَالسَّلَامَ عَلَيْهَا حِينَ ذُكِرَ مَا ذُكِرَ } ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ فِي النُّشُوزِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ بِخَوْفِ الْمَعْصِيَةِ ، وَتَحْرِيمُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ ضَعِيفٌ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إذَا عُلِمَ مِنْ الرَّجُلِ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ لَمْ يَأْثَمْ إنْ هُوَ جَفَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَإِلَّا كَيْفَ يَبِينُ لِلرَّجُلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرَ مُنْكَرًا عَلَيْهِ ، وَلَا جَفْوَةً مِنْ صَدِيقٍ .
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : يَكُونُ فِي سَقْفِ الْبَيْتِ الذَّهَبُ يُجَانَبُ صَاحِبُهُ ] يُجْفَى صَاحِبُهُ .
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَرْكَ اللُّطْفِ لَا تَرْكَ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَ : لَيْسَ لِمَنْ قَارَفَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاحِشِ حُرْمَةٌ وَلَا وَصْلَةٌ إذَا كَانَ مُعْلِنًا ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْخَلَّالِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : إنَّ مَنْ أُسِرَ بِمَعْصِيَةٍ لَا يُهْجَرُ

مَعَ إطْلَاقِهِمْ وَإِطْلَاقِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ هَجْرَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَإِنَّهُ إجْمَاعٌ ، مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا ضَحِكَ فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ : لَا أُكَلِّمُك أَبَدًا ، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي خُلُقِهَا سُوءٌ ، فَكَانَ يَهْجُرُهَا السَّنَةَ وَالْأَشْهُرَ ، فَمَا يُكَلِّمُهَا ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ رَأَى فِي عَضُدِهِ خَيْطًا مِنْ الْحُمَّى : لَوْ مِتَّ وَهَذَا عَلَيْك لَمْ أُصَلِّ عَلَيْك .
وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَكَلَ ابْنُك طَعَامًا كَادَ يَقْتُلُهُ ، قَالَ : لَوْ مَاتَ مَا صَلَّيْت عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ فِي الْبِدْعَةِ : سَوَاءٌ كَفَرَ بِهَا أَمْ لَا .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّ الذِّمِّيَّ تَجُوزُ إجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَتُرَدُّ التَّحِيَّةُ عَلَيْهِ إذَا سَلَّمَ وَيَجُوزُ قَصْدُهُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، فَجَازَتْ عِيَادَتُهُ وَتَعْزِيَتُهُ كَالْمُسْلِمِ .
وَعَكْسُهُ مَنْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ ، لِوُجُوبِ هَجْرِهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَلَمْ نَهْجُرْ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِأَنَّا عَقَدْنَاهَا مَعَهُمْ لِمَصْلَحَتِنَا بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ : وَلَا أَهْلَ الْحَرْبِ ، لِلضَّرَرِ بِتَرْكِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ بَايَنُوهُمْ بِالْقِتَالِ ، وَأَيُّ هَجْرٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ؟ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ : الْمُبْتَدِعُ الْمُدَّعِي لِلسُّنَّةِ هَلْ يَجِبُ هَجْرُهُ وَمُبَاعَدَتُهُ ؟ نَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمُرْجِئِ يَدْعُو إلَى طَعَامِهِ أَوْ أَدْعُوهُ ؟ قَالَ : تَدْعُوهُ وَتُجِيبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً أَوْ رَأْسًا فِيهِمْ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : أَهْلُ الْبِدَعِ لَا يُعَادُونَ ( و م ) وَلَا تُشْهَدُ لَهُمْ جِنَازَةٌ ( و م ) وَنَقَلَ حَرْبٌ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُخَالَطَ أَهْلُ الْبِدَعِ ، وَرَدَّ الْخَطَّابُ أَبُو ثَابِتٍ سَلَامَ جَهْمِيٍّ ، فَقَالَ أَحْمَدُ : تَرُدُّ عَلَى كَافِرٍ ؟ فَقُلْت : أَلَيْسَ تَرُدُّ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ؟ فَقَالَ : الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ

قَدْ تَبَيَّنَ أَمْرُهُمَا .
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : فَمَذْهَبُهُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ إنْ كَانَ دَاعِيَةً مُشْتَهِرًا بِهِ فَلَا يُعَادُ ، وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَلَا يُجَابُ إلَى طَعَامٍ وَلَا دَعْوَةٍ ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ التَّقِيَّةُ بِلَا إظْهَارٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : الْجَوَازُ ، وَالْمَنْعُ أَيْضًا ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إمَامَتِهِ ، كَذَا قَالَ [ بِنَاءِ عَلَى إمَامَته ] .
، ( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَفِي تَحْرِيمِ السَّلَامِ عَلَى مُبْتَدِعٍ غَيْرِ مُخَاصِمٍ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَمَكْرُوهٌ لِسَائِرِ النَّاسِ ، وَقِيلَ : لَا يُسَلِّمُ أَحَدٌ عَلَى فَاسِقٍ مُعْلِنٍ ، وَلَا مُبْتَدِعٍ مُعْلِنٍ ، وَلَا يَهْجُرُ مُسْلِمًا مَسْتُورًا غَيْرَهُمَا مِنْ السَّلَامِ ، فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ ، قُلْت : وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ كَلَامَ ابْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ .

قَالَ : وَأَمَّا مُبَايَعَتُهُمْ وَمُشَارَاتُهُمْ فَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ : أَمُرُّ بِقَرْيَةٍ فِيهَا الْجَهْمِيَّةُ لَا زَادَ مَعِي تَرَى أَنْ أَطْوِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، لَا تَشْتَرِ مِنْهَا شَيْئًا وَتَوَقَّ أَنْ تَبِيعَهُ ، قُلْت : بَايَعْتُهُ وَلَا أَعْلَمُ ، قَالَ : إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْتَرِدَّ الْبَيْعَ فَافْعَلْ ، قُلْت : فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ ؟ قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ أَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى هَذَا فَتَذْهَبُ أَمْوَالُ النَّاسِ ، قُلْت : وَكَيْف أَصْنَعُ ؟ قَالَ لَا أَدْرِي ، أَكْرَهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فِيهَا بِشَيْءٍ ، وَلَكِنَّ أَقَلَّ مَا هُنَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَتَتَوَقَّى مُبَايَعَتَهُمْ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ مُطْلَقًا ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ دَاعِيَةً فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا كَالْمُرْتَدِّينَ سَوَاءً ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي إمَامَتِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَرَدِّ سَلَامِهِ ، كَذَا قَالَ ، فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ مُرَادَهُ الْبِدْعَةُ الْمُكَفِّرَةُ ، فَالدَّاعِيَةُ إلَيْهَا كَمُرْتَدٍّ ، وَإِلَّا فَالْوَجْهَانِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ غَيْرِ الْمُكَفِّرَةِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إطْلَاقِ وَجْهَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَأَشْهُرُ الرِّوَايَتَيْنِ : يُكَفَّرُ ، وَالثَّانِيَةُ : يُفَسَّقُ ، وَعَنْهُ : لَا .
وَيَأْتِي ذَلِكَ .
وَأَيْنَ مَنَعْنَا : فَبَايَعَهُ وَلَا يَعْلَمُ ؟ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالرِّبْحِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدُمْ عَلَى مَحْظُورٍ يَعْلَمُهُ فَعَفِّي عَنْهُ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَصِحَّ رَدَّ الرِّبْحَ إلَى الْمَالِكِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ : وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورِ : وُجُوبًا ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فَيَتَوَجَّهُ فِيهِ ، كَمَنْ بِيَدِهِ رَهْنٌ أَيِسَ مِنْ رَبِّهِ .
وَقَالَ الْخَطَّابُ أَبُو ثَابِتٍ لِأَحْمَدَ : أَشْتَرِي دَقِيقًا لِأَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ ؟ قَالَ : مَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَشْتَرِيَ دَقِيقًا لِرَجُلٍ يَرُدُّ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ

الْخَلَّالُ فِي الْعِلْمِ .

قَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَأَمَّا مُنَاكَحَتُهُمْ فَتَحْرُمُ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَيَسْتَوِي أَهْلُ التَّقِيَّةِ وَالْمُجَادَلَةِ وَعِلْمُهُ بِهِ وَعَدَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى ، كَذَا قَالَ ، وَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مَعَ تَخْرِيجِهِ عَلَى إمَامَتِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي بَيْعِ وَنِكَاحِ مَنْ كَفَّرْنَاهُ كَمُرْتَدٍّ إنْ دَعَا إلَيْهَا أَوْ مُطْلَقًا ، وَإِلَّا جَازَ ، وَسَيَأْتِي فِي إرْثِ أَهْلِ الْمِلَلِ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : آخُذُ عَلَى ابْنِ الْجَهْمِيِّ ؟ قَالَ : كَمْ لَهُ ؟ قُلْت : ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ابْنُ ثَمَانٍ ، قَالَ : لَا تَأْخُذْ عَلَيْهِ وَلَا تُلَقِّنْهُ لِتُذِلَّ الْأَبَ بِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ : يَأْخُذُ عَلَيْهِ وَيُلَقِّنُهُ ، لَعَلَّ اللَّهَ يَهْدِيه عَلَى يَدِهِ وَيُنْشِئُهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ ، { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحِ السُّنَّةِ : وَإِذَا رَأَيْت الرَّجُلَ رَدِيءَ الطَّرِيقِ وَالْمَذْهَبِ ، فَاسِقًا فَاجِرًا صَاحِبَ مَعَاصٍ ، ظَالِمًا ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَاصْحَبْهُ وَاجْلِسْ مَعَهُ ، فَإِنَّك لَيْسَ تَضُرُّك مَعْصِيَتُهُ وَإِذَا رَأَيْت عَابِدًا مُجْتَهِدًا مُتَقَشِّفًا ، صَاحِبَ هَوًى ، فَلَا تَجْلِسْ مَعَهُ ، وَلَا تَسْمَعْ كَلَامَهُ ، وَلَا تَمْشِ مَعَهُ فِي طَرِيقٍ ، فَإِنِّي لَا آمَنَ أَنْ تَسْتَحْلِيَ طَرِيقَتَهُ فَتَهْلِكَ مَعَهُ .
وَقَالَ [ الْإِمَامُ ] أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى مُسَدَّدٍ : وَلَا تُشَاوِرْ أَهْلَ الْبِدَعِ فِي دِينِك ، وَلَا تُرَافِقْهُ فِي سَفَرِك .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةِ : وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إذَا رَأَيْت الشَّابَّ أَوَّلَ مَا يَنْشَأُ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَارْجُهُ ، وَإِذَا رَأَيْته مَعَ أَصْحَابِ الْبِدَعِ فَأَيْأَسْ مِنْهُ ، فَإِنَّ الشَّابَّ عَلَى أَوَّلِ نُشُوئِهِ .
وَرَوَى أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : قُبُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ رَوْضَةٌ ، وَقُبُورُ أَهْلِ

الْبِدَعِ مِنْ الزُّهَّادِ حُفْرَةٌ ، فُسَّاقُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ ، وَزُهَّادُ أَهْلِ الْبِدَعِ أَعْدَاءُ اللَّهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ عَنْ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ : ذَلِكَ جَالَسَهُ الْمَغَازِلِيُّ وَيَعْقُوبُ وَفُلَانٌ ، فَأَخْرَجَهُمْ إلَى رَأْيٍ جَهْمٍ هَلَكُوا بِسَبَبِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَرْوِي الْحَدِيثَ وَهُوَ سَاكِنٌ خَاشِعٌ مِنْ قِصَّتِهِ ، فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَجَعَلَ يَحْكِي : وَلَا يَعْدِلُ خُشُوعُهُ وَلِينُهُ ، وَيَقُولُ : لَا تَغْتَرُّوا بِنُكْسِ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ قَدْ خَبِرَهُ ، لَا تُكَلِّمْهُ ، وَلَا كَرَامَةَ لَهُ .

فَصْلٌ .
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَجَّهَ الْمُحْتَضَرُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ ( و ) وَعَنْهُ : مُسْتَلْقِيًا ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : سَوَاءٌ ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ : يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ ، وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَطْهِيرَ ثِيَابِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ : الْمُرَادُ بِثِيَابِهِ عَمَلُهُ ، قَالَ : وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَثِيَابَك فَطَهِّرْ } يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ الْأَكْثَرُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَفْسِهِ ، وَيَعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ فِي مَنْ يُحِبُّهُ مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ ، وَيُوصِي الْأَرْجَحَ فِي نَظَرِهِ بِهِمْ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْفُنُونِ : إنْ حَدَّثَتْك نَفْسُك بِوَفَاءِ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ فَقَدْ كَذَبَتْك الْحَدِيثَ ، هَذَا سَيِّدُ الْبَشَرِ مَاتَ وَحُقُوقُهُ عَلَى الْخَلْقِ بِحُكْمِ الْبَلَاغِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْأُخْرَى ، وَقَدْ قَالَ { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } وَقَدْ شَبِعَ بِهِ الْجَائِعُ وَعَزَّ بِهِ الذَّلِيلُ ، فَقَطَعُوا رَحِمَهُ ، وَظَلَّ أَوْلَادُهُ بَيْنَهُمْ بَيْنَ أَسِيرٍ وَقَتِيلٍ ، وَأَصْحَابُهُ قَتْلَى ، عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَعُثْمَانُ فِي دَارِهِ ، وَهَذَا مَعَ إسْدَاءِ الْفَضَائِلِ وَإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالزُّهْدِ ، اُطْلُبْ لِخَلَفِك مَا كَانَ لِسَلَفِك .

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَدَّى حَلْقَهُ ، وَأَنْ يُلَقَّنَ قَوْلَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لِأَنَّ إقْرَارُهُ بِهَا إقْرَارٌ بِالْأُخْرَى ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَمَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ : يُلَقَّنُ الشَّهَادَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَبَعٌ ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْأُولَى ، وَيُلَقَّنُ مَرَّةً ، نَقَلَهُ مُهَنَّا وَأَبُو طَالِبٍ ( و ) وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ ثَلَاثًا ، وَلَا يُزَادُ ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أُعِيدَ بِرِفْقٍ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : يُكْرَهُ التَّلْقِينُ مِنْ الْوَرَثَةِ بِلَا عُذْرٍ ، وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الْفَاتِحَةُ ، وَيُسَنُّ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَقِيلَ : وَتَبَارَكَ ، وَكَرِهَ مَالِكٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ ، وَكَرِهَهَا الْحَنَفِيَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يُغَسَّلَ .

وَإِذَا مَاتَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُغْمِضَهُ ( و ) لِلْخَبَرِ ، لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ ، وَقَوْلُ " بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ " نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُغْمِضُ الرَّجُلُ ذَاتَ مَحْرَمٍ وَتُغْمِضُهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : يُكْرَهُ أَنْ يُغْمِضَهُ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ أَوْ يَقْرَبَاهُ وَيَشُدُّ لَحْيَيْهِ ، وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ ، وَيَنْزِعُ ثِيَابَهُ ، وَيُسَجِّيه بِثَوْبٍ ( و ) وَيَجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدَةً أَوْ طِينًا وَنَحْوَهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ ، قَالَ : فَيُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ شَيْءٌ عَالٍ لِيَحْصُلَ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ .

قَالَ الْأَصْحَابُ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعَ فِي تَجْهِيزِهِ ، مَعَ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَسَبَقَ أَنْ : لَا يَنْبَغِي ، لِلتَّحْرِيمِ ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَرِيرِ { لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ } وَيُسْرِعُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجِبُ وَوَصِيَّتُهُ ، وَيَنْتَظِرُ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ أَوْ يَشُقُّ جَمْعٌ بِقُرْبٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) وَأَطْلَقَ تَعْجِيلَهُ فِي رِوَايَةٍ .
وَفِي الِانْتِظَارِ لِوَلِيٍّ وَجْهَانِ ( م 10 ) وَيُنْتَظَرُ فِي مَوْتِ الْفَجْأَةِ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ ، بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَانْفِصَالُ كَفَّيْهِ ، وَارْتِخَاءِ رِجْلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَوْمٌ ، وَقِيلَ : يَوْمَانِ ، مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ ، قَالَ الْآجُرِّيُّ فِيمَنْ مَاتَ عَشِيَّةً : وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ ، يَقُولُونَ : يَتَلَاعَبُ بِهِ الشَّيْطَانُ ، قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ .
مَسْأَلَةٌ 10 ) .
قَوْلُهُ فِي سُرْعَةِ تَجْهِيزِهِ : وَيُنْتَظَرُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ جَمْعٌ بِقُرْبٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي الِانْتِظَارِ لِوَلِيٍّ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَنْتَظِرَ وَلِيَّهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا تَابَعَا الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَيَجُوزُ التَّأَنِّي قَدْرَ مَا يَجْتَمِعُ لَهُ النَّاسُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ ، مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ أَوْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفَسَادَ انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَنْتَظِرُ ، فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ .

وَلَا يُسْتَحَبُّ النَّعْيُ وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ ( م ) بَلْ يُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) : لَا يُعْجِبنِي ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ إعْلَامُ غَيْرِ قَرِيبٍ أَوْ صَدِيقٍ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : أَوْ جَارٍ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَهْلِ دَيْنٍ ، وَيَتَوَجَّهُ اسْتِحْبَابُهُ ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ ، لِإِعْلَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَنْ الَّذِي يَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَيْ يَكْنُسُهُ أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي ؟ } أَيْ أَعْلَمْتُمُونِي ، وَلَا يَلْزَمُ إعْلَامُ قَرِيبٍ .

وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ تَكْفِينِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : إنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا حَضَرْته الْوَفَاةُ قَالَ : أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا : يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَالَ : فَإِنْ مِتُّ مِنْ لَيْلَتِي فَلَا تَنْتَظِرُوا بِي الْغَدَ ، فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي إلَيَّ أَقْرَبُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ

.
بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ .
غُسْلُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ( و ) بِمَاءٍ طَهُورٍ ( م ر ) مَرَّةً وَاحِدَةً ( و ) وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْغَاسِلِ مُسْلِمًا ، فَلَا يَصِحُّ غُسْلُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ ( هـ م ق ) إنْ اُعْتُبِرَتْ لَهُ النِّيَّةُ وَإِلَّا صَحَّ وَعَنْهُ : وَلَا نَائِبًا لِمُسْلِمٍ نَوَاهُ الْمُسْتَنِيبُ ، وَالْمُرَادُ : وَإِنْ صَحَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْيَهُودِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لُوا أَخَاكُمْ } وَيُعْتَبَرُ الْعَقْلُ ( و ) وَلَا يُكْرَهُ كَوْنُهُ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا ( و هـ ش ) وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ فِي الْحَائِضِ : لَا يُعْجِبنِي ، وَالْجُنُبُ أَيْسَرُ ، لَا الْعَكْسُ ( م ) وَقِيلَ : مِثْلُهُمَا الْمُحْدِثُ ( خ ) وَيُغَسِّلُ حَلَالٌ مُحْرِمًا وَعَكْسُهُ ( و ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : الْأَفْضَلُ ثِقَةٌ عَارِفٌ بِأَحْكَامِ الْغُسْلِ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يَجِبُ ، نَقْلُ حَنْبَلٌ : لَا يَنْبَغِي إلَّا ذَلِكَ ، وَقِيلَ : تُعْتَبَرُ الْمَعْرِفَةُ ، وَقِيلَ : الْعَدَالَةُ .

بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ .
( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْغَاسِلِ مُسْلِمًا فَلَا يَصِحُّ غُسْلُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ إنْ اُعْتُبِرَتْ لَهُ النِّيَّةُ وَإِلَّا صَحَّ انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا نَقْصًا فَإِنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : " فَلَا يَصِحُّ غُسْلُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ إنْ اُعْتُبِرَتْ لَهُ النِّيَّةُ وَإِلَّا صَحَّ " تَخْرِيجٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ و الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُهُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، وَبَعْضُهُمْ حَكَى وَجْهًا بِالصِّحَّةِ إذَا لَمْ تُعْتَبَرْ النِّيَّةُ وَالْمَجْدِ ذَكَرَ تَخْرِيجًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً فَلَيْسَ لَهَا غُسْلُ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمَ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْلِ ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَقَالَا بَعْدَ ذَلِكَ : لَا يَصِحُّ غُسْلُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ نَجِسٌ ، فَلَا يُطَهِّرُ غُسْلُهُ الْمُسْلِمَ ، انْتَهَى : فَأَزَالَا الْإِبْهَامَ الَّذِي فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ

وَفِي مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ كَأَذَانِهِ ( م 1 ) فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ وَفِي الِانْتِصَارِ : يَكْفِي إنْ عَلِمَ ، وَكَذَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي ، وَاحْتَجَّ بِغُسْلِهِمْ لِحَنْظَلَةَ ، وَبِغُسْلِهِمْ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلَمْ تَأْمُرْ الْمَلَائِكَةُ وَلَدَهُ بِإِعَادَةِ غُسْلِهِ وَبِأَنَّ { سَعْدًا لَمَّا مَاتَ أَسْرَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْمَشْيِ إلَيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : خَشِيت أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ إلَى غُسْلِهِ كَمَا سَبَقَتْنَا إلَى غُسْلِ حَنْظَلَةَ } .
قَالَ : فَيَدُلُّ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تُغَسِّلْ حَنْظَلَةَ لَغَسَّلَهُ ، وَلَكِنَّ غُسْلَهَا قَامَ مَقَامَ غُسْلِهِ ، وَأَنَّهَا لَوْ سَبَقَتْ إلَى سَعْدٍ سَقَطَ فَرْضُ الْغُسْلِ ، وَإِلَّا لَمْ يُبَادِرْ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ غُسْلُهُ بَعْدَ غُسْلِهِمْ لَهُ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، مَعَ أَنَّهُ وَجَّهَ عَدَمَ صِحَّتِهِ مِنْ الْمُمَيِّزِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ ، مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ لِنَفْسِهِ فَكَذَا لِغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَقَالَ : قَالُوا هَذَا غُسْلُ الْمَلَائِكَةِ ، وَكَلَامُنَا فِي غُسْلِ الْآدَمِيِّينَ .
قِيلَ : الْوَاجِبُ الْغُسْلُ ، فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى رِوَايَةٍ ، وَلِهَذَا نَقُولُ : يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ النِّيَّةِ كَالصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ ، فَكَيْفَ بِغُسْلِ الْمَلَائِكَةِ ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : الْوَاجِبُ الْغُسْلُ ، فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ مَنْ كَانَ .
قَالُوا : وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْنَا لِمُخَاطَبَتِنَا بِحَقِّ الْآدَمِيِّ دُونَ الْمَلَائِكَةِ ، وَإِنَّمَا أُمِرُوا فِي الْبَعْضِ إظْهَارًا لِلْفَضِيلَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي مُسْلِمِي الْجِنِّ كَذَلِكَ ، وَأَوْلَى ، لِتَكْلِيفِهِمْ ، وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ .

( مَسْأَلَةٌ 1 ) .
قَوْلُهُ : وَفِي مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ كَأَذَانِهِ : يَعْنِي هَلْ يُجْزِئُ غُسْلُهُ لِلْمَيِّتِ أَمْ لَا : أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَيُجْزِئُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، فَقَالَ : إذَا غَسَّلَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ الْمَيِّتَ صَحَّ غُسْلُهُ ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ تَصِحُّ ، فَصَحَّ أَنْ يُطَهِّرَ غَيْرَهُ كَالْكَبِيرِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ : وَيَجُوزُ مِنْ مُمَيِّزٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ : وَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ : قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ مُمَيِّزًا ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَذَانِ إجْزَاءَ أَذَانِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَكَذَا هُنَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ ، وَلَا يُجْزِئُ .
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الصِّحَّةَ : قَالَ الْمَجْدُ : وَيَتَخَرَّجُ لَنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَقَلَّ بِغُسْلِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ، كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ ، بَلْ يَقَعُ فِعْلُهُ نَفْلًا ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ : حَكَى بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ غَاسِلًا لِلْمَيِّتِ وَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ رِوَايَتَيْنِ ، وَطَائِفَةٌ وَجْهَيْنِ

فَصْلٌ يُقَدَّمُ بِهِ وَصِيُّهُ الْعَدْلُ ، وَقِيلَ : أَوْ فَاسِقٌ ، ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ، وَعَنْهُ : يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ ( و ش ) لَا عَلَى الْأَبِ ( م ) وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ [ مِنْ ] نِكَاحٍ ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مُحْتَجًّا لِلْمَذْهَبِ : وَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْأَبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ ، كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ ؛ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ، ثُمَّ أَقْرَبُ عُصْبَتِهِ نَسَبًا وَنِعْمَةً ، وَعَنْهُ : يُقَدَّمُ أَخٌ وَابْنُهُ عَلَى جَدٍّ ( م ) وَعَنْهُ : سَوَاءٌ ، ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ ، كَالْمِيرَاثِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَصَاحِبُ النَّظْمِ : ثُمَّ صَدِيقُهُ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْجَارِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَا فَرْقَ ، وَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى صَدِيقٍ نَظَرٌ ، وَقِيلَ : لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ( و ) وَقِيلَ : وَلَوْ صَحَّتْ بِصَلَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِجَوْدَةِ الصَّنْعَةِ ، كَحَفْرِ الْقَبْرِ وَالْحَمْلِ وَطَرْحِ التُّرَابِ ، وَقِيلَ : لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ .
وَالْأَوْلَى تُغَسِّلُ الْمَرْأَةَ وَصِيَّتَهَا عَلَى مَا سَبَقَ ، ثُمَّ أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ ، ثُمَّ بِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ ، ثُمَّ الْقُرْبَى كَالْمِيرَاثِ ، وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا سَوَاءٌ ، لِاسْتِوَائِهَا فِي الْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ ، وَكَذَا بِنْتُ أَخِيهَا وَبِنْتُ أُخْتِهَا ، وَفِي الْهِدَايَةِ : بِنْتُ الْأَخِ ، فَدَلَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عُصْبَةً لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا فَهِيَ أَوْلَى ، لَكِنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ : حَتَّى وَالِيه وَقَاضِيه .

وَيُغَسِّلُ [ أُمَّ ] وَلَدِهِ فِي الْأَصَحِّ ( هـ ) وَأَمَتَهُ الْقِنَّ عَلَى الْأَصَحِّ ( هـ ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ ، لِلُزُومِهِ تَجْهِيزَهَا ( و ) وَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا انْتَهَى تَقَرَّرَ حُكْمُهُ ، وَكَذَا تَغْسِيلُهُمَا لَهُ ، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ هُنَا ، وَقِيلَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ، لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ مِنْ وَجْهٍ لِقَضَاءِ دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ .
.
تَنْبِيهَانِ ) .
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ : " وَيُغَسِّلُ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَمَتَهُ الْقِنَّ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ ، لِلُزُومِهِ تَجْهِيزَهَا " كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَلَعَلَّهُ تَجْهِيزَهُمَا ، بِضَمِيرِ الْمَثْنَى ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ بِلُزُومِ تَجْهِيزِ أُمِّ الْوَلَدِ .

وَتُغَسِّلُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا ( و ) ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ ( ع ) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ ( هـ ) أَوْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ ( هـ ) وَفِيهِمَا وَجْهٌ ، أَوْ بَعْدَ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ ( ش م ر ) إنْ أُبِيحَتْ الرَّجْعِيَّةُ ، وَحُكِيَ عَنْهُ : تُغَسِّلُهُ لِعَدَمٍ ، فَيَحْرُمُ نَظَرُ عَوْرَةٍ ، وَحُكِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا ، كَالْمَذْهَبِ فِيمَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ ( و ) .
وَيُغَسِّلُ امْرَأَتَهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و م ش ) وَعَنْهُ : لِعَدَمٍ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ( و هـ ) وَمَتَى جَازَ نَظَرَ كُلُّ [ وَاحِدٍ ] مِنْهُمَا غَيْرَ الْعَوْرَةِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وِفَاقًا لِجُمْهُورِ ، الْعُلَمَاءِ ، وَجَوَّزَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ بِلَا لَذَّةٍ ، وَاللَّمْسُ وَالْخَلْوَةُ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي نَظَرِ الْفَرْجِ ، فَتَارَةً أَجَازَهُ بِلَا لَذَّةٍ وَتَارَةً مَنَعَ ، وَقَالَ : الْمُعَيَّنُ فِي الْغُسْلِ وَالْقَائِمُ عَلَيْهِ كَالْغَاسِلِ فِي الْخَلْوَةِ بِهَا وَالنَّظَرِ إلَيْهَا ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لِشَهْوَةٍ لَمْ تُغَسِّلْهُ ، لِرَفْعِ ذَلِكَ حِلَّ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَوْ وَطِئَ أُخْتَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُغَسِّلْهُ إلَّا أَنْ تَضَعَ عَقِبَ مَوْتِهِ ، لِزَوَالِ الْحُرْمَةِ ، وَلَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي اسْتِبْرَاءٍ فَوَجْهَانِ ، وَلَا الْمُعْتَقَ بَعْضُهَا ، وَلَا تُغَسِّلُ مُكَاتَبَةٌ سَيِّدًا لَمْ يَشْتَرِطْ وَطْأَهَا ، وَيُغَسِّلُهَا .
وَتَرْكُ التَّغْسِيلِ مِنْ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ وَسَيِّدٍ أَوْلَى ، وَالْأَشْهَرُ يُقَدَّمُ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهَا وَأَجْنَبِيَّةٌ عَلَيْهِمَا .

( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَيُغَسِّلُ امْرَأَتَهُ ، وَعَنْهُ : لِعَدَمٍ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ " انْتَهَى ، إنَّمَا اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ لَا الثَّالِثَةَ ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فَلَا بَأْسَ ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَثْبَتَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ لَمَّا نَفَى رِوَايَةَ الْجَوَازِ مَعَ الضَّرُورَةِ جَعَلَ اخْتِيَارَ الْخِرَقِيِّ الْجَوَازَ مُطْلَقًا لَا الْمَنْعَ مُطْلَقًا ، فَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَمْ يَخْتَرْ الْخِرَقِيُّ الْمَنْعَ مُطْلَقًا ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ .
( الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ " وَلَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي اسْتِبْرَاءٍ فَوَجْهَانِ " انْتَهَى ، الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَكَيْف يُقَالُ : لَا يُغَسِّلُ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ ، ثُمَّ يُحْكَى خِلَافًا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ زَوْجٌ وَسَيِّدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ فَإِذَا جَعَلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي زَالَ الْإِشْكَالُ ، وَكَانَ هَذَا قَوْلًا مُؤَخَّرًا ، وَطَرِيقَةً ضَعِيفَةً ، فَيُقَالُ : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ غُسْلِ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَأَبُو الْمَعَالِي يَقُولُ : لَا يُغَسِّلُهُمَا ، وَحَكَى فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ وَجْهَيْنِ ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَإِنْ نَحْمِلَهُ عَلَى هَذَا يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي تَقْدِيمِ زَوْجٍ عَلَى سَيِّدٍ وَعَكْسِهِ وَتَسَاوِيهِمَا أَوْجُهٌ ( م 2 ) .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) .
قَوْلُهُ : " وَفِي تَقْدِيمِ زَوْجٍ عَلَى سَيِّدٍ وَعَكْسِهِ وَتَسَاوِيهِمَا أَوْجُهٌ " ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ ، أَحَدُهَا الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ السَّيِّدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : الزَّوْجُ أَوْلَى فِي أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ : قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : السَّيِّدُ أَوْلَى .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ التَّسَاوِي .
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْخَطَّابِ

وَفِي أُمِّ وَلَدٍ عَلَى زَوْجَةٍ وَعَكْسِهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَالْقَاتِلُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَقْتُولِ إنْ لَمْ يَرِثْهُ ، لِمُبَالَغَتِهِ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَلَمْ أَجِدْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ ، وَلَا يَتَّجِهُ فِي قَتْلٍ لَا يَأْثَمُ بِهِ
( مَسْأَلَةٌ 3 ) .
قَوْلُهُ : " وَفِي أُمِّ وَلَدٍ زَوْجَةٍ وَعَكْسِهِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمَيِّتِ زَوْجَةٌ وَأُمُّ وَلَدٍ ، فَهَلْ الزَّوْجَةُ أَوْلَى بِالْغُسْلِ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ ، أَمْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجَةِ ؟ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ : هَلْ الزَّوْجَةُ أَوْلَى أَمْ هُمَا سَوَاءٌ ؟ كَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، وَغَيْرُهُمْ ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ فِي ذَلِكَ عَلَى نَقْلٍ خَاصٍّ ، وَهُوَ الظَّنُّ بِهِ ، لَكِنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَحْكِ مَا قَالَهُ هُوَ لَا الْجَمَاعَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ قَوْلَهُمْ ، وَلَكِنْ حَصَلَ ذُهُولٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّوْجَةَ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ فِي غُسْلِهِ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَيْسَ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ لِلزَّوْجَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، مَعَ الْمُشَاحَّةِ ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : إنَّ أُمَّ الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ ، إنْ وُجِدَ بِهِ نَقْلٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ .
لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غُسْلُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ( هـ ) وَعَنْهُ : وَسَبْعٌ إلَى عَشْرٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ( و م ) أَمْكَنَ الْوَطْءُ أَوْ لَا ( م ) فَلَا عَوْرَةَ إذَنْ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ مَنْدَهْ : الْأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ لِسَبْعٍ ، وَقِيلَ : تُحَدُّ الْجَارِيَةُ بِتِسْعٍ ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ : إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَرَوَاهُ الْقَاضِي بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا ، وَحَكَى فِيهِمَا : إلَى الْبُلُوغِ ، لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ ، كَقَبْلِ السَّبْعِ ، وَعَنْهُ : الْوَقْفُ فِي الرَّجُلِ لِلْجَارِيَةِ ، وَقِيلَ : بِمَنْعِهِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَعَنْهُ : لَهُ غُسْلُ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ دُونَ سَبْعٍ إلَى ثَلَاثٍ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : يُغَسِّلَانِ مَنْ لَا يُشْتَهَى .

وَيُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْ غُسْلِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَتَكْفِينِهِ وَاتِّبَاعِ جِنَازَتِهِ وَدَفْنِهِ ( و م ) وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو حَفْصٍ ( و هـ ش ) قَالَ أَبُو حَفْصٍ : رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، وَلَعَلَّ مَا رَوَاهُ ابْنُ مُشَيْشٍ قَوْلٌ قَدِيمٌ ، أَوْ تَكُونُ قَرَابَةً بَعِيدَةً ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً ، مِثْلَ مَا رَوَى حَنْبَلٌ ، كَذَا [ قَالَ ] قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : الْمَذْهَبُ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُ ، وَمَا رَوَاهُ حَنْبَلٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : يُحَضِّرُ وَلَا يُغَسِّلُ ، وَاحْتَجُّوا بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُوَالَاةِ ، وَهُوَ عَامٌّ ؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ وَتَطْهِيرٌ لَهُ ، فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ ، وَفَارَقَ غُسْلَهُ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ دُونَ غُسْلِهِ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَنْهُ : دَفْنُهُ خَاصَّةً ، كَالْعَدَمِ ( و ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا غُسِّلَ فَكَثَوْبٍ نَجِسٍ ، فَلَا وُضُوءَ وَلَا نِيَّةَ لِلْغُسْلِ ، وَيُلْقَى فِي حُفْرَةٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ : وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ رَكِبَ وَسَارَ أَمَامَهُ ، وَذَكَرُوا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ : إنَّهُ إذَا سَارَ أَمَامَهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ لَزِمَنَا دَفْنُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ : لَا ، وَقَالَ مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ كَمُرْتَدٍّ نَتْرُكُهُ طُعْمَةً لِكَلْبٍ ، وَإِنْ غَيَّبْنَاهُ فَكَجِيفَةٍ .
وَالزَّوْجَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَقِيلَ : وَالْأَجْنَبِيُّ كَقَرِيبٍ

فَصْلٌ .
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِمَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ ، ثُمَّ قِيلَ : الْأَسَنُّ ، وَقِيلَ : الْأَفْضَلُ ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ : يُقَدَّمُ الْأَخْوَفُ ثُمَّ الْفَقِيرُ ثُمَّ مَنْ سَبَقَ ( م 4 ) وَيُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ ، وَكَذَا عَلَى مُغْتَسَلِهِ ( و ) مُسْتَلْقِيًا ، وَنُصُوصُهُ : كَوَقْتِ الِاحْتِضَارِ ، مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ ، تَحْتَ سِتْرٍ مُجَرَّدًا ، مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ ، وَإِنَّمَا غُسِّلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَمِيصٍ عَلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَعَنْهُ غُسْلُهُ فِي قَمِيصٍ وَاسِعٍ أَفْضَلُ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِمَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ ، ثُمَّ قَالَ : الْأَسَنُّ .
وَقِيلَ : الْأَفْضَلُ ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ تَقْدِيمَ الْأَخْوَفِ ، ثُمَّ الْفَقِيرِ ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ " انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا : يُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْأَسَنِّ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ قَدَّمَ الْأَصْحَابُ فِي الْإِمَامَةِ الْأَفْضَلَ عَلَى الْأَسَنِّ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ عَلَيْهِ

( و ش ) وَيُكْرَهُ أَنْ يُحْضِرَهُ إلَّا مَنْ يُعَيِّنُ غَاسِلُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لِوَلِيِّهِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ .
وَلَا يُغَطِّي وَجْهَهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و ) وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ : يُسَنُّ ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَغَيَّرَ لِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيُظَنُّ السُّوءُ ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ } فَلَمْ يَصِحَّ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَيُرْفَعُ رَأْسُهُ إلَى قَرِيبِ جُلُوسِهِ ، وَلَا يُشَقُّ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَيُعْصَرُ بَطْنُهُ بِرِفْقٍ ، وَيَكُونُ ثَمَّ بَخُورٍ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ هُنَا بَلْ بَعْدَ غُسْلِهِ ، وَيَحْرُمُ مَسُّ عَوْرَتِهِ ( و ) وَنَظَرُهَا ( و ) وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتُرُ [ الْعَوْرَةَ ] الْغَلِيظَةُ : الْفَرْجَانِ ، لِئَلَّا يَشُقَّ الْغُسْلُ ، وَيُنَجِّيه بِخِرْقَةٍ ( و ) وَيُسْتَحَبُّ فِي بَقِيَّةِ بَدَنِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : بَدَنُهُ عَوْرَةٌ ، إكْرَامًا لَهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ سَتْرُ جَمِيعِهِ ، فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْضُرَهُ إلَّا مَنْ يُعَيِّنُ فِي أَمْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ ، فِي الْغُنْيَةِ : كَالْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ : إنَّهُ عَوْرَةٌ ، لِوُجُوبِ سَتْرِ جَمِيعِهِ ، ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ ، وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ ( هـ م ر ق ) وَفِي وُجُوبِ الْفِعْلِ وَجْهَانِ ( م 5 ) فَائِدَتُهُمَا فِي ] نِيَّةِ غُسْلِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ .

مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ " ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ ، وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي وُجُوبِ الْفِعْلِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ نَفْسُ الْفِعْلِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ : وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجِبُ الْفِعْلُ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ غُسْلِ الْغَرِيقِ عَلَى الْأَظْهَرِ ، فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْفِعْلِ ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيه ( قُلْت ) كَلَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ يُحْتَمَلُ ، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ لَا يَجِبُ نَفْسُ الْفِعْلِ يَقُولُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَنْ يَنْوِي الْغُسْلَ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ تُرِكَ الْمَيِّتُ تَحْتَ مِيزَابٍ أَوْ أُنْبُوبَةٍ أَوْ مَطَرٍ ، أَوْ كَانَ غَرِيقًا ، فَحَضَرَ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ ، وَنَوَى غُسْلَهُ إذَا اشْتَرَطْنَاهَا فِيهِ ، وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ غُسْلُهُ فِيهِ ، أَجْزَأَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ ، وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ بِغَرَقٍ أَوْ بِمَطَرٍ ، فَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : يَجِبُ تَغْسِيلُهُ ، وَلَا يُجْزِئُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ الْمَجْدُ : هَذَا إنْ اعْتَبِرْنَا الْفِعْلَ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ نَوَى غُسْلَهُ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ .
قَالَ : وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى غُسْلِهِ إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الْفِعْلَ وَلَا النِّيَّةَ .
وَقَالَ فِي الْفَائِقِ : وَيَجِبُ غُسْلُ الْغَرِيقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَمَأْخَذُهُمَا وُجُوبُ الْفِعْلِ .

وَفِي التَّسْمِيَةِ الرِّوَايَاتُ السَّابِقَةُ ( م 6 ) وَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ ، وَلَا يَكْفِي مَسْحُهَا ، وَلَا وُصُولُ الْمَاءِ إلَيْهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ تُنَحَّى ( هـ ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : لَا يُنَحَّى لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ فَتَخْرُجُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى ، وَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وَمَنْخِرَيْهِ بِمَاءٍ ( هـ ) نَدْبًا ، وَقِيلَ : وُجُوبًا ، ثُمَّ يُتَمِّمُهُ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ ( و ) وَظَاهِرُهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ( هـ ) وَالْأَصَحُّ لَا يَجِبُ تَوْضِيئُهُ ( و ) لِقِيَامِ مُوجِبِهِ وَهُوَ زَوَالُ عَقْلِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يَصُبُّ مَاءً عَلَى فِيهِ وَأَنْفِهِ لِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ ، وَلَا يُدْخِلُهُ فِيهِمَا ( ش ) .
.
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ " وَفِي التَّسْمِيَةِ الرِّوَايَاتُ السَّابِقَةُ " يَعْنِي فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ ، وَصَحَّحْنَا الْمَذْهَبَ مِنْ ذَلِكَ ، فَلْيُعَاوَدْ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ .

فَصْلٌ .
ثُمَّ يَغْسِلُ بِرَغْوَةِ السِّدْرِ رَأْسَهُ بِتَثْلِيثِ رَاءِ رَغْوَةٍ وَلِحْيَتَهُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَبَقِيَّةَ بَدَنِهِ ، وَنَصُّهُ : لَا يُسَرَّحُ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يُكْرَهُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ : يُسَرَّحُ خَفِيفًا ( و ش ) يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ، وَيَقْلِبُهُ عَلَى جَنْبِهِ ، مَعَ غَسْلِ شِقَّيْهِ ( و هـ ) وَقِيلَ : بَعْدَهُمَا ( و ش ) يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَقِيلَ : حَتَّى الْوُضُوءَ ، وَحَكَى رِوَايَةً ، ثَلَاثًا ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فِي تَكْرِيرِ وُضُوئِهِ ، وَيُكْرَهُ مَرَّةً ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَعَنْهُ : لَا يُعْجِبنِي ، وَيُمِرُّ كُلَّ مَرِّ يَدِهِ عَلَى بَطْنِهِ ( و ش ) وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : عَقِبَ الثَّانِيَةِ ( و هـ ) لِأَنَّهُ يُلَيِّنُ ، فَهُوَ أَمْكَنُ ، وَعَنْهُ : وَعَقِبَ الثَّالِثَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُنَقِّ بِثَلَاثٍ زَادَ حَتَّى يُنَقِّيَ ( و ) وَيَقْطَعُ عَلَى وِتْرٍ ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ ، وَنَقَلَ ابْنُ وَاصِلٍ : يُزَادُ إلَى خَمْسٍ ، وَيُمْزَجُ بِسِدْرٍ مَضْرُوبٍ أَوَّلًا ، وَيَجُوزُ مَعْنَاهُ ، كَخِطْمِيٍّ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ : إنْ لَمْ يُوجَدْ يَسْتَعْمِلُ الْغُبَيْرَاءَ ؟ قَالَ : لَا أَعْرِفُهُ .
ثُمَّ يُغَسِّلُ فَيَكُونُ غُسْلُهُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : بَعْدَ تَنْقِيَةِ بَدَنِهِ مِنْ السِّدْرِ بِخِرْقَةٍ ، وَقِيلَ : يَذُرُّ فِي مَاءٍ ( و هـ ) وَقِيلَ : لَا يُغَيِّرُهُ ، وَإِلَّا لَمْ يُعِدْ غُسْلَهُ فِي وَجْهٍ ( و ش ) وَيَجْعَلُ كُلَّ مَرَّةٍ ( و م ) وَقِيلَ لِأَحْمَدَ : يَبْقَى السِّدْرُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : وَإِنْ بَقِيَ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يَجْعَلُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( و ش ) وَعَنْهُ : وَالثَّانِيَةُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا : ثَلَاثًا بِسِدْرٍ وَآخِرُهَا بِمَاءٍ وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ هَلْ السِّدْرُ فِي الثَّانِيَةِ أَمْ [ فِي ] الثَّالِثَةِ ؟ وَيَجْعَلُ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا ( هـ ) وَفِي مَذْهَبِهِ خِلَافٌ ، وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ خَطَّأَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ ، قِيلَ : مَعَ السِّدْرِ ، وَنَقَلَهُ

الْجَمَاعَةُ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ، وَذَكَرَهُ الْخَلَّالُ ، وَقِيلَ : وَحْدُهُ ( م 7 ) وَقِيلَ : يُجْعَل فِي الْكُلِّ ( خ ) وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ مَاءٌ حَارٌّ ( م ) بِلَا حَاجَةٍ كَخِلَالٍ وَأُشْنَانٍ ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَامِدٍ ( و هـ ) وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِهِ فِي حَمَّامٍ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَلَا يَغْتَسِلُ غَاسِلُهُ بِفَضْلِ مَاءٍ سُخِّنَ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَرَكَهُ حَتَّى يَبْرُدَ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ .
مَسْأَلَةٌ 7 ) .
قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا قِيلَ : مَعَ السِّدْرِ ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ، وَذَكَرَهُ الْخَلَّالُ ، وَقِيلَ : وَحْدَهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : عَلَيْهِ الْعَمَلُ ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُجْعَلُ وَحْدَهُ فِي مَاءٍ قَرَاحٍ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ

وَيَجِزُّ شَارِبَهُ ( و ق ) وَعَلَى الْأَصَحِّ : وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ ، وَهُوَ قَوْلٌ لَهُ أَيْضًا وَيَأْخُذُ شَعْرَ إبْطِهِ فِي الْمَنْصُوصِ ( و ق ) وَعَنْهُ : وَعَانَتِهِ ، قِيلَ فِيهَا : بِنَوْرَةٍ ، لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ .
وَفِي الْفُصُولِ : لِأَنَّهَا أَسْهَلُ مِنْ الْحَلْقِ بِالْحَدِيدِ ، وَقِيلَ : بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ ( م 8 ) وَعَنْهُ : فِي الْكُلِّ إنْ فَحَشَ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَيَأْخُذُ مَا بَيْنَ فَخْذَيْهِ ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مَعَهُ ، كَعُضْوٍ سَاقِطٍ ، وَيُعَادُ غُسْلُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ ، كَعُضْوٍ ، وَالْمُرَادُ يُسْتَحَبُّ .
وَيَبْقَى عَظْمٌ نَجِسٌ جُبِرَ بِهِ مَعَ الْمُثْلَةِ وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ عَكْسُهُ .
وَفِي الْفُصُولِ : إنْ اتَّخَذَ أُذُنًا بَدَلَ أُذُنِهِ وَسَقَطَتْ حِينَ غُسْلِهِ دُفِنَتْ مُنْفَرِدَةً ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ أُلْصِقَتْ ثُمَّ بَانَتْ أُعِيدَتْ إلَيْهِ ، وَيُزَالُ اللُّصُوقُ لِلْغُسْلِ الْوَاجِبِ ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَتْ وَمُسِحَ عَلَيْهَا ، وَلَا يَبْقَى خَاتَمُ وَنَحْوُهُ وَلَوْ بِبَرْدِهِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ إتْلَافٌ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ ، قَالَ أَحْمَدُ تُرْبَطُ أَسْنَانُهُ بِذَهَبٍ إنْ خِيفَ سُقُوطُهَا ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ سَقَطَتْ لَمْ تُرْبَطْ فِيهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَيُؤْخَذُ إنْ لَمْ تَسْقُطْ ، وَيَحْرُمُ خَتْنُهُ [ ( و ) ] وَكَذَا حَلْقُ رَأْسِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : يُكْرَهُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يَقُصُّ ، وَقِيلَ : يَحْلِقُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ .

( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ شَعْرَ إبْطِهِ فِي الْمَنْصُوصِ ، وَعَنْهُ : وَعَانَتِهِ ، قِيلَ فِيهَا : بِنُورَةٍ ، لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ .
وَفِي الْفُصُولِ : لِأَنَّهَا أَسْهَلُ مِنْ الْحَلْقِ بِالْحَدِيدِ ، وَقِيلَ : بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ ، انْتَهَى .
وَظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، أَحَدُهُمَا يَكُونُ أَخْذُهَا بِنُورَةٍ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ( قُلْت ) : وَهُوَ أَوْلَى إنْ تَيَسَّرَ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَكُونُ بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيه .
وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ ( قُلْت ) : نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، وَقِيلَ : يُزَالُ بِأَحَدِهِمَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ : وَيُزَالُ شَعْرُ عَانَتِهِ ، وَأَطْلَقَ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَيُزَالُ شَعْرُ عَانَتِهِ بِالنُّورَةِ أَوْ بِالْحَلْقِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ : وَيُنَوَّرُ أَوْ يُحْلَقُ إبْطَاهُ وَعَانَتُهُ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، فَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَفِي جَوَازِ أَخْذِ شَعْرِ عَانَتِهِ بِالْحَلْقِ أَوْ بِالنُّورَةِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : بَلْ بِالنُّورَةِ فَقَطْ .

وَيُسْتَحَبُّ خِضَابُ الشَّعْرِ بِحِنَّاءٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : الشَّائِبُ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يُخَضَّبُ مَنْ عَادَتُهُ الْخِضَابُ ، وَيُضَفَّرُ شَعْرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ ، وَيُسْدَلُ خَلْفَهَا .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمَامَهَا ، لَا أَنَّهُ يُضَفَّرُ ضَفْرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا ( هـ ) وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : لَا يُضَفَّرُ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : الْعَرُوسُ تَمُوتُ فَتُحَلَّى ، فَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا .

وَيُنَشَّفُ الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ ( و ) لِئَلَّا يَبْتَلَّ كَفَنُهُ .
وَفِي الْوَاضِحِ : لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْحَيِّ فِي رِوَايَةٍ ، كَذَا قَالَ .
وَفِي الْوَاضِحِ : لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ غُسْلِ الْحَيِّ ، وَلَا يَتَنَجَّسُ مَا نُشِّفَ بِهِ ، فِي الْمَنْصُوصِ ( و ) .

وَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ بَعْدَ غُسْلِهِ غُسِلَتْ النَّجَاسَةُ ( و ) وَوُضِّئَ ( هـ ) فَقَطْ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَنَصَّهُ : وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَأُعِيدَ غُسْلُهُ ( هـ م ق ) وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ وَجَبَ لِزَوَالِ الْعَقْلِ ، فَقَدْ وَجَبَ بِمَا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ، فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى ، بِخِلَافِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَبْطُلَ الْغُسْلُ بِمَا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ، كَخَلْعِ الْخُفِّ لَا يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلِ ، وَيَنْقُضُ الطَّهَارَةَ فِيهَا .
وَإِنْ لَمَسَتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ وَانْتَقَضَ طُهْرُ الْمَلْمُوسِ غُسِلَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُوَضَّأُ فَقَطْ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي .
وَإِنْ جَاوَزَ سَبْعًا لَمْ يُعِدْ غُسْلُهُ ، وَيُوَضَّأُ ، وَعَنْهُ : لَا ، لِلْمَشَقَّةِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ ، وَلَا يُكْرَهُ حَشْوُ الْمَحَلِّ إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بِقُطْنٍ أَوْ طِينٍ حُرٍّ ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ وِفَاقًا لِمَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَعِنْدَ ( ش ) لَا بَأْسَ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَيَجِبُ التَّلَجُّمُ ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ تَكْفِينِهِ حُمِلَ ( و ) وَعَنْهُ : يُعَادُ غُسْلُهُ وَيُطَهَّرُ كَفَنُهُ ، وَعَنْهُ : قَبْلَ سَبْعٍ ، وَعَنْهُ : يُعَادُ مِنْ الْكَثِيرِ قَبْلَ تَكْفِينِهِ وَبَعْدَهُ ، وَعَنْهُ : خُرُوجُ دَمٍ أَيْسَرُ ، وَإِنْ خَاطَبَهُ الْغَاسِلُ حَالَ غُسْلِهِ نَحْوُ : انْقَلِبْ رَحِمَك اللَّهُ ، فَلَا بَأْسَ ، لِقَوْلِ [ عَلِيٍّ ] لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { طِبْت حَيًّا وَمَيِّتًا } : .

فَصْلٌ .
وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ ، يُمِّمَ ( و ) بِحَائِلٍ ، وَقِيلَ : أَوْ بِدُونِهِ ، كَمُحْرِمٍ ( و هـ ) وَعَنْهُ : يُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ بِلَا مَسٍّ ، وَقِيلَ : بَلْ بِحَائِلٍ ، وَعَنْهُ : التَّيَمُّمُ وَالْغُسْلُ سَوَاءٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْخُنْثَى النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ وَهُمْ أَوْلَى ، وَقِيلَ : النِّسَاءُ ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْكُلِّ كَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ ، وَحُكْمُهُ أَنْ يُيَمَّمَ وَعَنْهُ : لَا ( خ ) لِتَعَذُّرِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ ، وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ( هـ ) وَيُدْفَنُ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْمُحْتَرِقِ وَنَحْوِهِ : يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ، كَمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِعَرَكِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيمَنْ خِيفَ تَلَاشِيه بِهِ : يُغَسَّلُ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي فِيمَنْ تَعَذَّرَ خُرُوجَهُ مِنْ هَدْمٍ : لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ كَمُحْتَرِقٍ ، وَالْمُحْرِمُ كَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ ، وَقِيلَ : لَهُ نَظَرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ، فَيَجُوزُ التَّغْسِيلُ ( و ش ) وَعَنْهُ : مَعَ عَدَمِ غَاسِلٍ ( و م ) وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ يُطِيقُ الْغُسْلَ عَلِمُوهُ وَبَاشَرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

( و ) وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ طِفْلٍ ( و ) وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَجْهٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ } ، وَعَنْ عَائِشَةَ : { أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَأَحْمَدُ وَقَالَ : مُنْكَرٌ جِدًّا قَالَ : وَهُوَ مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ .
وَإِذَا كَمَّلَ السِّقْطُ بِتَثْلِيثِ السِّينِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ ، أَوْ بَانَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ غُسِّلَ ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ ، ( و ق ) وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، لِأَنَّهُ لَا يُبْعَثُ قَبْلَهَا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يُبْعَثُ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ .
وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : لَا يُقْطَعُ بِإِعَادَتِهِ وَعَدَمِهَا ، كَالْجَمَادِ .
وَفِي الْفُصُولِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ ، كَالْعَلَقَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُعَادُ وَلَا يُحَاسَبُ ، وَذَكَرَ الْبَرْبَهَارِيُّ أَنَّهُ يَقْتَصُّ مِنْ الْحَجَرِ لِمَ نَكَبَ أُصْبُعَ الرَّجُلِ ؟ وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا ، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَأْوِيلِهِ ، وَأَمَّا الْبَهَائِمُ وَالْقِصَاصُ بَيْنَهَا فَهُوَ قَوْلُنَا وَقَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ ، لِخُرُوجِهَا عَنْ التَّكْلِيفِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ ( هـ ) وَإِنْ جَهِلَ أَذَكَرٌ أُمّ أُنْثَى سَمَّى بِصَالِحٍ لَهُمَا ، كَطَلْحَةَ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ كَافِرَيْنِ فَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَكَمُسْلِمٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يُصَلَّى

عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَيَأْتِي فِي مَجْهُولِ الْحَالِ .

وَيُغَسَّلُ الْمُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، كَمَا سَبَقَ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : الْمَنْعَ مِنْ تَغْطِيَةِ رِجْلَيْهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ وَالتَّلْخِيصِ ، وَهُوَ وَهْمٌ ، قَالَهُ الْخَلَّالُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ بَقِيَّةَ كَفَنِهِ كَحَلَالٍ ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ لَا يُزَادُ ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ : يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ الْجَوَازَ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : وَيَسْتُرُ عَلَى نَعْشِهِ بِشَيْءٍ ، وَيُجَنَّبُ مَا يَجْتَنِبُ حَيًّا ( هـ م ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ ، وَقِيلَ : يَفْدِي الْفَاعِلُ ، وَلَا يُوقَفُ بِعَرَفَةَ ، وَلَا يُطَافُ [ بِهِ ] بِدَلِيلِ الْمُحْرِمِ الَّذِي مَاتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ جُنَّ ، وَيَنْقَطِعُ ثَوَابُهُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ السِّدْرِ ( هـ م ) وَلَا تُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الطِّيبِ فِي الْأَصَحِّ .
.

فَصْلٌ .
شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ( هـ ) لَا يُغَسَّلُ ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي تَحْرِيمَهُ ، وَحَكَى رِوَايَةً ( و هـ ش ) لِأَنَّهُ أَثَرُ الشَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَهُوَ حَيٌّ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : لَا يَجُوزُ غُسْلُهُ ، وَفِي الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ ، وَيُغَسَّلُ لِجَنَابَةٍ أَوْ طُهْرٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ عَلَى الْأَصَحِّ ( م ش ) فَفِي تَوْضِئَةِ مُحْدِثٍ وَجْهَانِ ( م 9 ) وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ ، وَكَذَا كُلُّ غُسْلٍ وَجَبَ قَبْلَ الْمَوْتِ ، كَالْكَافِرِ يُسْلِمُ ثُمَّ يُقْتَلُ ، وَقِيلَ فِيهِ : لَا غُسْلَ ، وَلَا فَرْقَ .
وَتُغْسَلُ نَجَاسَةٌ ( و ) وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهَا ، كَالدَّمِ ( و ) وَلَوْ لَمْ تَزُلْ إلَّا بِالدَّمِ لَمْ يَجُزْ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِغُسْلِهَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي تَكْفِينِهِ فِي ثَوْبِهِ يَجِبُ بَقَاءُ الدَّمِ ، وَذَكَرُوا رِوَايَةَ كَرَاهَةِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ لِدَمِ الشَّهِيدِ .
مَسْأَلَةٌ ( 9 ) قَوْلُهُ فِي الشَّهِيدِ : وَفِي تَوْضِئَةِ مُحْدِثٍ وَجْهَانِ ، يَعْنِي إذَا قُلْنَا يُغَسَّلُ لِجَنَابَةٍ أَوْ طُهْرٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَهَلْ يُوَضَّأُ إذَا كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ فَقَطْ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُقْنِعِ ، أَحَدُهُمَا لَا يُوَضَّأُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْغُسْلِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ ، وَلَكِنَّ قَوْلَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ : وَالشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُوَضَّأُ ، وَفِيهِ مَا فِيهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُوَضَّأُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ .
( تَنْبِيهٌ ) .
قَوْلُهُ : " وَكُلُّ شَهِيدٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ " وُجِدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ " وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ " ، وَهُوَ خَطَأٌ ، وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا ، وَهُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذَلِكَ .
فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ

وَمَنْ سَقَطَ فِي الْمَعْرَكَةِ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ أَوْ رَفَسَتْهُ فَمَاتَ ، أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي : لَا دَمَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ اعْتَبِرْنَا الْأَثَرَ هُنَا احْتِيَاطًا لِلْغُسْلِ ، وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ فِي الْقَسَامَةِ احْتِيَاطًا لِوُجُوبِ الدَّمِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ( خ ) غُسِّلَ ( ش ) كَبَقِيَّةِ الشُّهَدَاءِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَحَكَى رِوَايَةً ، وَكَذَا مَنْ عَادَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ فِيهَا ، فِي الْمَنْصُوصِ ( ش ) وَإِنْ جُرِحَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ أَوْ تَكَلَّمَ زَادَ الْجَمَاعَةُ : أَوْ عَطَسَ غُسِّلَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ) وَمَعْنَاهُ قَوْلُ ( م ) ، وَعَنْهُ : إلَّا مَعَ جِرَاحَةٍ كَثِيرَةٍ ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ ( و ) وَالْمُرَادُ عُرْفًا ، لَا وَقْتَ صَلَاةٍ أَوْ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً ، وَهُوَ يَعْقِلُ ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ أَكَلَ غُسِّلَ ، وَقِيلَ : لَا يُغَسَّلُ وَإِنْ مَاتَ حَالَ الْحَرْبِ ( و ش ) نَقَلَ جَمَاعَةٌ : إنَّمَا يُتْرَكُ غُسْلُ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ ، وَإِنَّ مَنْ حُمِلَ وَفِيهِ رُوحٌ غُسِّلَ ، وَلَا يُغَسَّلُ الْمَقْتُولُ ظُلْمًا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : فِي مَعْرَكَةٍ ( و هـ ق ) أَوْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا ( و ) وَكُلُّ شَهِيدٍ غُسِّلَ صَلَّى عَلَيْهِ وُجُوبًا ، وَمَنْ لَا يُغَسَّلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ] ( و م ) وَعَنْهُ : تَجِبُ الصَّلَاةُ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( و هـ ) وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ فَهِيَ أَفْضَلُ ، وَعَنْهُ : تَرْكُهَا ، وَظَاهِرُ الْخِلَافِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ تَعَارُضُ الْأَخْبَارِ فَيُخَيَّرُ ، كَمَا قُلْنَا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ إنْ شَاءَ إلَى الْأُذُنَيْنِ أَوْ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ ، وَحُكِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ ( و ش ) وَتُنْزَعُ عَنْهُ لَامَةُ الْحَرْبِ ( م ر ) وَنَحْوُ فَرْوَةٍ وَخُفٍّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م ) وَيَجِبُ دَفْنُهُ فِي بَقِيَّةِ ثِيَابِهِ ، فِي الْمَنْصُوصِ ( ش ) فَلَا يُزَادُ ( هـ م ) وَلَا

يُنْقَصُ ( هـ ) بِحَسْبِ الْمَسْنُونِ ، وَقِيلَ : لَا بَأْسَ ، وَالْغَالُّ الْمَقْتُولُ فِي الْمَعْرَكَةِ شَهِيدٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِيلَ لَهُ : إنَّهُ شَهِيدٌ ، وَقِيلَ : لَهُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ ، فَقَالَ : كَلًّا وَأَخْبَرَ عَنْ عَذَابِهِ بِمَا غَلَّهُ } ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ثَوَابَهُ نَقَصَ لِغُلُولِهِ ، وَلَهُ ثَوَابٌ .

وَالشَّهِيدُ غَيْرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ بِضْعَةَ عَشْرَ ، مُفَرَّقَةً فِي الْأَخْبَارِ ، وَمِنْ أَغْرَبَهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْخَلَّالُ مِنْ رِوَايَةِ الْهُذَيْلِ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ } وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّى وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ الْعَاشِقَ مِنْهُمْ .
وَأَشَارُوا إلَى الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ { مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا } وَهَذَا الْخَبَرُ مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَةِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ فِيمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ : أَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ غَيْرُ سُوَيْدٍ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، كَذَا قَالَ ، وَقَدْ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ .
وَقَالَ أَيْضًا : فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ : ضَعِيفٌ ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : صَدُوقٌ ، زَادَ أَبُو حَاتِمٍ : كَثِيرُ التَّدْلِيسِ ، وَزَادَ غَيْرُهُ : عَمِيَ فَكَانَ يُلَقَّنُ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : هُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْخَبَرَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ ، وَرَوَاهُ سُوَيْد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مَوْقُوفًا ، وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ } ، قَالَ أَحْمَدُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ : هُوَ كَذَا وَكَذَا ، وَمَنْ يَأْخُذُ عَنْهُ ؟ وَقَالَ أَبُو دَاوُد : كَانَ لَا يَعْقِلُ الْحَدِيثَ .
وَقَالَ ابْنُ الشَّرْقِيِّ : لَا يَدْرِي الْحَدِيثَ ، وَضَعَّفَهُ السَّاجِيُّ وَالْأَزْدِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ

: دَارَتْ الْفُتْيَا عَلَيْهِ فِي زَمَانِهِ إلَى مَوْتِهِ ، وَكَانَ مُولَعًا بِسَمَاعِ الْغِنَاءِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ : كَوْنُ الْعِشْقِ شَهَادَةً مُحَالٌ ، وَأَتَى بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ ؟ وَهُوَ بَلْوَى مِنْ اللَّهِ ، وَمِحْنَةٌ وَفِتْنَةٌ ، صَبَرَ فِيهَا وَعَفَّ وَاحْتَسَبَ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : سُئِلَ حَنْبَلِيٌّ : لِمَ كَانَ جِهَادُ النَّفْسِ آكَدَ الْجَهَادَيْنِ ؟ قَالَ : لِأَنَّهَا مَحْبُوبَةٌ ، وَمُجَاهِدَةُ الْمَحْبُوبِ شَدِيدَةٌ ، بَلْ نَفْسُ مُخَالَفَتِهَا جِهَادٌ .
وَسَبَقَ كَلَامُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ قُبَيْلَ كِتَابِ آدَابِ السَّفَرِ : وَكُلُّ مُتَجَرِّدٍ لِلَّهِ فِي جِهَادِ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، كَمَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ : رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ ، وَسُئِلَ شَيْخُنَا عَنْ هَذَا الْخَبَرِ مَرْفُوعًا ، قَالَ : لَا يَصِحُّ : وَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي الرَّقَائِقِ ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ مَرْفُوعًا فِي قَوْلِهِ { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيدًا }

فَصْلٌ .
يُغَسَّلُ مَجْهُولُ الْإِسْلَامِ بِعَلَامَتِهِ ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ( و ) وَلَوْ كَانَ أَقْلَفَ أَوْ كَانَ بِدَارِنَا لَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا عَلَامَةَ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ : يُسْتَدَلُّ بِخِتَانٍ وَثِيَابٍ ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَدْرِ صَلَّى عَلَيْهِ ، لَا يَضُرُّهُ .
وَدُفِنَ مَعَنَا ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِهِ الْمَنْثُورِ فِيمَنْ مَاتَ بَيْنَ دَارِنَا وَدَارِ الْحَرْبِ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ إذَا وُجِدَ الطِّفْلُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَيِّتًا يَجِبُ غُسْلُهُ وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِرِنَا ، قَالَ : وَقَدْ مَنَعُوا أَنْ يُدْفَنَ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ، كَذَا قَالَ ، وَقَدْ سَبَقَ .

وَمَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ غُسِّلَ وَصُلِّي عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْفِينِهِ وَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ سَلًّا كَإِدْخَالِهِ فِي الْقَبْرِ ، مَعَ خَوْفِ فَسَادِهِ أَوْ حَاجَةٍ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : يُثَقَّلُ بِشَيْءٍ ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : وَلَا مَوْضِعَ لَنَا الْمَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنْ التُّرَابِ إلَّا هُنَا ، وَمَنْ مَاتَ بِبِئْرٍ أُخْرِجَ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِلَّا طُمَّتْ وَجُعِلَتْ قَبْرَهُ ، وَمَعَ حَاجَةِ الْأَحْيَاءِ إلَيْهَا يُخْرَجُ ، وَقِيلَ : لَا مَعَ مُثْلَةٍ وَفِي الْفُصُولِ : إنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُ وَأَمِنَّا عَلَى النَّازِلِ فِيهَا لَزِمَ ذَلِكَ ، وَإِلَّا طُمَّتْ ، وَمَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا تَبْقَى بِحَالِهَا .

وَيَلْزَمُ الْغَاسِلَ سَتْرُ الشَّرِّ لَا إظْهَارُ الْخَيْرِ ، فِي الْأَشْهَرِ فِيهِمَا ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : لَا يُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا ، وَكَمَا يَحْرُمُ تَحَدُّثُهُ وَتَحَدُّثُ الطَّبِيبِ وَغَيْرُهُمَا بِعَيْبٍ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : إلَّا عَلَى مُشْتَهِرٍ بِفُجُورٍ أَوْ بِدْعَةٍ فَيُسْتَحَبُّ ظُهُورُ شَرِّهِ وَسَتْرُ خَيْرِهِ .
وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ وَلَا نَشْهَدُ إلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : أَوْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ أَوْ الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الْأَكْثَرُ ، وَأَنَّهُ الْأَكْثَرُ دِيَانَةً ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَالُ الْمَيِّتِ مُوَافِقَةً لِقَوْلِهِمْ ، وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ عَلَامَةً مُسْتَقِلَّةً ، وَكَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ هُبَيْرَةَ : الِاعْتِبَارُ بِأَهْلِ الْخَيْرِ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ الشَّهَادَةِ لِلْعَشْرَةِ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ : أَلَيْسَ أَبُو بَكْرٍ قَاتِلًا لِأَهْلِ الرِّدَّةِ وَقَالَ : لَا ، حَتَّى تَشْهَدُوا أَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ ؟ فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ أَبِي بَكْرٍ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ قُلْت : فَحَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ : لَوْ شَهِدْت عَلَى أَحَدٍ حَيٍّ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ لَشَهِدَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَحَدٌ حَيٌّ ، إلَّا وَيُعْلِمُك أَنَّ مَنْ مَاتَ قَدْ شَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ .
وَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا : { أَيُّمَا مُسْلِمٌ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : فَقُلْنَا : وَثَلَاثَةٌ ؟ قَالَ : وَثَلَاثَةٌ قُلْنَا : وَاثْنَانِ ؟ قَالَ : وَاثْنَانِ } ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ : رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .

وَفِي مَنْثُورِ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَحْمَدَ : " مَنْ مَاتَ بِبَغْدَادَ عَلَى السُّنَّةِ نُقِلَ مِنْ جَنَّةٍ إلَى جَنَّةٍ " وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ : جَنَّاتُ الدُّنْيَا [ فِي ] ثَلَاثِ مَوَاضِعَ : نَهْرِ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ ، وَدِمَشْقُ بِالشَّامِ ، وَسَمَرْقَنْدُ بِخُرَاسَانَ .
وَكَثُرَ تَفْضِيلُ بَغْدَادَ وَمَدْحُهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ شُعْبَةُ لِأَبِي الْوَلِيدِ : أَدَخَلْت بَغْدَادَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَكَأَنَّك لَمْ تَرَ الدُّنْيَا .
وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ : مَا رَأَيْت قَوْمًا أَعْقَلَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى : دَخَلْت بَغْدَادَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : مَا رَأَيْت النَّاسَ وَلَا رَأَيْت الدُّنْيَا وَقَالَ : مَا دَخَلْت بَلَدًا قَطُّ إلَّا عَدَدْتُهُ سَفَرًا إلَّا بَغْدَادَ ، فَإِنِّي حِينَ دَخَلْتهَا عَدَدْتهَا وَطَنًا وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : الْإِسْلَامُ بِبَغْدَادَ ، وَإِنَّهَا لَصَيَّادَةٌ تَصِيدُ الرِّجَالَ ، وَمَنْ لَمْ يَرَهَا لَمْ يَرَ الدُّنْيَا .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : رَأَيْت أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ فِي النَّوْمِ فَقُلْت : مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك ؟ قَالَ : دَعْنِي مِمَّا فَعَلَ اللَّهُ بِي ، مَنْ أَقَامَ بِبَغْدَادَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَاتَ نُقِلَ إلَى الْجَنَّةِ ، وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَذَكَرَ بَغْدَادَ فَقَالَ هِيَ دَارُ دُنْيَا وَآخِرَةٍ .
وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُرُوءَةَ وَالظُّرْفَ فَعَلَيْهِ بِسُقَاةِ الْمَاءِ بِبَغْدَادَ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا حُمِلَ إلَيْهَا رَأَى سِقَاءً فَقَالَ : هَذَا سِقَاءُ السُّلْطَانِ ؟ فَقِيلَ : سِقَاءُ الْعَامَّةِ ، فَشَرِبَ مِنْهُ ، فَشَمَّ مِنْ الْكُوزِ رَائِحَةَ الْمِسْكِ ، فَقُلْت لِمَنْ مَعِي : أَعْطِهِ دِينَارًا ، فَأَبَى أَخْذَهُ فَقُلْت لَهُ : لِمَ ؟ قَالَ : أَنْتَ أَسِيرٌ ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُرُوءَةِ آخُذُ مِنْك .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى : إذَا كَانَ عِلْمُ الرَّجُلِ حِجَازِيًّا ، وَخُلُقُهُ عِرَاقِيًّا ، وَطَاعَتُهُ شَامِيَّةً ، فَقَدْ كَمُلَ .

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي أَهْلِ بَغْدَادَ : هُمْ جَهَابِذَةُ الْعِلْمِ .
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّيْلَمِيُّ وَهُوَ شَيْخٌ يَنْطِقُ بِعُلُومٍ : دَخَلْتُ الْبُلْدَانَ مِنْ سَمَرْقَنْدَ إلَى الْقَيْرَوَانِ وَمِنْ سَرَنْدِيبَ إلَى بَلَدِ الرُّومِ ، فَمَا وَجَدْت بَلَدًا أَفْضَلَ وَلَا أَطْيَبَ مِنْ بَغْدَادَ .
وَقَالَ : إذَا خَرَجْت مِنْ الْعِرَاقِ ، فَالدُّنْيَا كُلُّهَا رُسْتَاقٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : اعْتِدَالُ هَوَائِهَا وَطِيبُ مَائِهَا لَا يُشَكُّ فِيهِ ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ فُطْنَ أَهْلِهَا وَعُلُومَهُمْ وَذَكَاءَهُمْ يَزِيدُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى هَذَا جَمِيعُ فُطَنَاءِ الْغُرَبَاءِ ، وَإِنَّمَا يَعِيبُهَا الْجَامِدُ الذِّهْنِ ، وَمَا زَالَتْ الشُّعَرَاءُ تَمْدَحُهَا ، كَذَا قَالَ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فِي فَضْلِ الشَّامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا لَيْسَ فِي الْعِرَاقِ ، وَأَفْضَلُ الشَّامِ دِمَشْقُ بِلَا شَكٍّ ، فَهُوَ فَاضِلٌ فِي نَفْسِهِ ، وَأَقَامَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاء وَالزُّهَّادِ وَالْعُبَّادِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَمَا يَتَّفِقُ فِيهِ قَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ فِي غَيْرِهِ ، بَلْ لَا يُوجَدُ ، فَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ وَأَنْصَفَ عَلِمَهُ .
وَمَعْلُومٌ مَا فِي ذَمِّ الْمَشْرِقِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَالْفِتَنِ .
وَبَغْدَادُ مِنْهُ ، وَفِيهَا مِنْ الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَكَثْرَةِ اسْتِيلَاءِ الْغَرَقِ عَلَيْهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْأَخْبَارِ وَفَضْلُ بَغْدَادَ عَارِضٌ بِسَبَبِ الْخُلَفَاءِ بِهَا ، وَفِي ذَمِّهَا خَبَرٌ خَاصٌّ عَنْ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا { تُبْنَى مَدِينَةٌ بَيْنَ قُطْرَبُّلَ وَالصَّرَاةِ وَدِجْلَةُ وَدُجَيْلٌ ، يَخْرُجُ مِنْهَا جَبَّارُ أَهْلِ الْأَرْضِ ، يُجْبَى إلَيْهَا الْخَرَاجُ ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهَا ، أَسْرَعُ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْمِعْوَلِ فِي الْأَرْضِ الرَّخْوَةِ } فَهَذَا خَبَرٌ مَعْرُوفٌ بِعَمَّارِ بْنِ سَيْفٍ ، وَضَعَّفَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ .
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ أَيْضًا : ثِقَةٌ .
وَقَالَ الْعِجْلِيُّ : ثِقَةٌ ثَبْتٌ مُتَعَبِّدٌ

صَاحِبَ سُنَّةٍ ، وَتَرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَقَالَ الْخَطِيبُ : لَا أَصْلَ لَهُ ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، رُوِيَ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ طَرِيقًا كُلُّهَا وَاهِيَةٌ ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَلَا يَثْبُتُ ، وَذَكَرْتهَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ .
قَالَ [ الْإِمَامُ ] أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ { تُبْنَى مَدِينَةٌ } فَقَالَ : لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ إنْسَانٌ ثِقَةٌ ، قَالَ الْخَطِيبُ : كُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاهِيَةُ الْأَسَانِيدِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ ، كَذَا قَالَ ، مَعَ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي فَضْلِ الْعِرَاقِ بِأَشْيَاءَ مِنْ جِنْسِهَا ، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ ذَمَّ بَغْدَادَ ، فَعَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ : هِيَ مَغْصُوبَةٌ وَقِيلَ : مِنْ السَّوَادِ وَهُوَ وَقْفٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَا شِرَاؤُهَا ، وَقِيلَ : لِمُجَاوَرَةِ السَّلَاطِينِ وَالْمُتْرَفِينَ .
وَقَالَ سُفْيَانُ : الْمُتَعَبِّدُ بِبَغْدَادَ كَالْمُتَعَبِّدِ فِي الْكَنِيفِ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْحَرَمِيُّ : كَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ جِوَارَ الْقَوْمِ وَقُرْبَهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : لَيْسَ بَغْدَادُ مَسْكَنَ الزُّهَّادِ .
ثُمَّ أَجَابَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمَا لَا يَنْفَعُ ، وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ يَزْرَعُ دَارِهِ وَيَخْرُجُ عَنْهَا ، قَالَ أَصْحَابُهُ : لِأَنَّ بَغْدَادَ كَانَتْ مَزَارِعَ وَقْتَ فُتِحَتْ .

قَالَ شَيْخُنَا : وَتَوَاطُؤُ الرُّؤْيَا كَتَوَاطُؤِ الشَّهَادَاتِ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَيَحْرُمُ سُوءَ الظَّنِّ بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ ، وَيُسْتَحَبُّ ظَنُّ الْخَيْرِ بِالْأَخِ الْمُسْلِمِ ، قَالَ : وَلَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ ظَنِّهِ فِي رِيبَةٍ .
وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : حُسْنُ الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ حَسَنٌ .
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيَّانِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ ظَنُّ الشَّرِّ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ بِظَنِّهِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ ، وَفِي الْبُخَارِيِّ : " مَا يَكُونُ مِنْ الظَّنِّ " ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا } وَفِي لَفْظِ : { دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : { إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ } { وَبَعَثَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمْرًا الْخُزَاعِيَّ إلَى مَكَّةَ ، فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ يَصْحَبُهُ فَقَالَ لَهُ : إذَا هَبَطْت بِلَادَ قَوْمِهِ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْقَائِلُ أَخُوك الْبَكْرِيُّ لَا تَأْمَنُهُ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ ، رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ .

بَابُ الْكَفَنِ .
وَهُوَ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ( و ) وَقِيلَ : وَحَنُوطُهُ وَطِيبِهِ ( و م ق ) وَلَا بَأْسَ بِالْمِسْكِ فِيهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَاجِبٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَحْسِينِهِ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ، فَيَجِبُ مَلْبُوسُ مِثْلِهِ ، ذَكَرَهُ غَيْرٍ وَاحِد ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( و هـ ) مَا لَمْ يُوصِ بِدُونِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ : إنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ حَالِهِ ، كَنَفَقَتِهِ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلْسٍ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حَالِهِ ، كَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، قَالَ : وَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ الْعَادَةِ فَأَكْثَرَ الطِّيبَ وَالْحَوَائِجَ ، وَأَعْطَى الْمُقْرِئِينَ بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ ، وَأَعْطَى الْحَمَّالِينَ وَالْحَفَّارَ زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ لَا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ فَمُتَبَرِّعٌ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فَمِنْ نَصِيبِهِ .
وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُهُ سَلْبًا سَرِيعًا } وَلَيْسَ الْكَفَنُ سُنَّةً ، خِلَافًا لِلتُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ ، فِي الْمَنْصُوصِ ( ش ) وَلَيْسَا سَوَاءً ( هـ ) وَقِيلَ لِأَحْمَدَ : يُصَلِّي أَوْ يُحْرِمُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ وَيَضَعُهُ لِكَفَنِهِ ، فَرَآهُ حَسَنًا ، وَعَنْهُ : يُعْجِبنِي جَدِيدٌ أَوْ غَسِيلٌ ، وَكُرِهَ لُبْسُهُ حَتَّى يُدَنِّسَهُ ، قِيلَ : لَهُ بَيْعُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ ؟ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا .
وَفِي الْمُغْنِي : جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَحْسِينِهِ ، وَلَا تَجِبُ ، وَكَذَا فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ : يُسْتَحَبُّ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحَيِّ ، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى دَيْنِ الرَّهْنِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْأَصَحِّ ( هـ ش ) وَلَا يُسْتَرُ بِحَشِيشٍ ، وَيُقْضَى دَيْنُهُ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفُنُونِ ، وَيُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ ، وَعَكْسُهُ

الْكَفَنُ وَالْمُؤْنَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُهُ : لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ السَّبِيلِ ، وَالْمَذْهَبُ : بَلْ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَلَوْ بَذَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ قَبُولُهُ ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْبَقِيَّةِ نَقْلُهُ وَسَلْبُهُ مِنْ كَفَنِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ ، بِخِلَافِ مُبَادَرَتِهِ إلَى دَفْنِهِ فِي مِلْكِ الْمَيِّتِ ، لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُمْ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ( م ر ) ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ( و ) ثُمَّ عَلَى مُسْلِمٍ عَالِمٍ بِهِ ، أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ : قَالَ حَنْبَلٌ : بِثَمَنِهِ كَالْمُضْطَرِّ ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي : إذَا ذَهَبَتْ رِفْقَتُهُ وَتَرَكُوهُ بِطَرِيقٍ سَابِلَةٍ أَوْ قُرْبِ الْعَامِرِ أَسَاءُوا وَإِلَّا أَثِمُوا ، وَإِنْ وَجَدُوهُ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْحَنُوطِ وَالْكَفَنِ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ، كَذَا قَالَ ، وَيُتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُمْ .
وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ر ) وَقِيلَ : بَلَى ، وَحَكَى رِوَايَةً ( و هـ ش م ر ) وَقِيلَ : مَعَ عَدَمِ تَرِكَةٍ ، وَلَا يُكَفَّنُ ذِمِّيٌّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمٍ ، كَمُرْتَدٍّ ، وَقِيلَ : يَجِبُ كَالْمَخْمَصَةِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ ، لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ ، لَكِنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : لِمَصْلَحَتِنَا .

فَصْلٌ .
يَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ ثَوْبٌ ، لَا سَتْرَ الْعَوْرَةِ ( ق ) وَكَذَا لِحَقِّ الْمَيِّتِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( و م ق ) وَقِيلَ : ثَلَاثَةٌ ، وَحَكَى رِوَايَةً وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ لَمْ تَجُزْ مَعَ وَارِثٍ صَغِيرٍ ، وَأَبْطَلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ بِالْكَفَنِ الْحَسَنِ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ لَا عَلَى الدَّيْنِ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي ، وَقَالَ : فَإِنْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَثَوْبٌ .
وَفِي الزَّائِدِ لِلْكَمَالِ وَجْهَانِ ، وَلَيْسَ الْوَاجِبُ ثَوْبَيْنِ ( هـ ) وَيُقَدَّمُ عَلَى تَكْفِينِ جَمَاعَةٍ فِي ثَوْبٍ لِعَدَمٍ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَالْأَشْهَرُ يُجْمَعُونَ فِي الثَّوْبِ ، لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي قَتْلَى أُحُدٍ ، وَهَلْ يُقَدَّمُ سَتْرُ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِيه وَبَاقِيه بِحَشِيشٍ أَوْ كَحَالِ الْحَيَاةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَإِنْ أَوْصَى بِتَكْفِينِهِ فِي ثَوْبٍ أَوْ دُونَ مَلْبُوسٍ مِثْلِهِ جَازَ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( ع ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : أَوْ فِي كِسْوَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : إنْ وَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثَوْبٍ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَإِنْ وَصَّى فِي أَثْوَابٍ ثَمِينَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَسَبَقَتْ الْكَرَاهَةُ ، وَلَا تُمْنَعُ الصِّحَّةُ ، فَإِنْ صَحَّ فَمِنْ ثَلَاثَةٍ ( و هـ ) وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَصِفَ الْكَفَنُ الْبَشَرَةَ ( و ) وَتُكْرَهُ رِقَّةٌ تَحْكِي هَيْئَةَ الْبَدَنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَبِشَعْرٍ وَصُوفٍ ، وَيَحْرُمُ بِجُلُودٍ ، وَكَذَا تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِحَرِيرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ر ) كَصَبِيٍّ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إلَّا احْتِمَالًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَعَنْهُ : يُكْرَهُ ( و م ش ) وَقِيلَ : لَا ( و هـ ) وَمِثْلُهُ الْمَذْهَبُ وَيُكْرَهُ ، تَكْفِينُهَا بِمُزَعْفَرٍ وَمُعَصْفَرٍ ( هـ ) فِيهِمَا لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْبَيَاضِ ، وَكَالرَّجُلِ ، وَيَتَوَجَّهُ كَمَا سَبَقَ فِي سِتْرِ

الْعَوْرَةِ ، فَيَجِيءُ الْخِلَافُ ، فَلَا يُكْرَهُ لَهَا ، لَكِنَّ الْبَيَاضَ أَوْلَى ، وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُكْرَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ النُّقُوشِ ، وَهُوَ مَعْنَى الْفُصُولِ ، وَيَجُوزُ لِعَدَمِ تَكْفِينِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ حَرِيرٍ لِلضَّرُورَةِ ، لَا مُطْلَقًا ( م ر ) .

بَابُ الْكَفَنِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُقَدَّمُ سِتْرَ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِيه ، وَبَاقِيه بِحَشِيشٍ أَوْ كَحَالِ الْحَيَاةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا يُقَدَّمُ رَأْسُهُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ فَقَالَ : فَإِنْ كَانَ الْكَفَنُ يَعُوزُ فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ سُتِرَ مِنْهُ مَا اسْتَتَرَ ، لَكِنْ يُقَدَّمُ جَانِبُ الرَّأْسِ ، وَيُسْتَرُ مَا بَقِيَ بِالْحَشِيشِ وَالْوَرَقِ ، انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَيْضًا فَقَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكْفِ لِسِتْرِ جَمِيعِ الْمَيِّتِ سُتِرَ بِهِ مَا يَلِي رَأْسَهُ ، وَبَاقِي جَسَدِهِ بِالْحَشِيشِ وَالْوَرَقِ ، انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا فَقَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ سُتِرَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ ، وَسُتِرَ بَقِيَّةُ بَدَنِهِ بِوَرَقٍ أَوْ حَشِيشٍ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَرُ عَوْرَتُهُ ، وَمَا فَضَلَ يُسْتَرُ بِهِ رَأْسُهُ وَمَا يَلِيه ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ الْمَجْدَ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لِلرَّجُلِ ثَوْبًا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ سَتَرَ رَأْسَهُ ، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ حَشِيشًا أَوْ وَرَقًا ، كَمَا فُعِلَ بِخَبَّابٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ سَتَرَهَا انْتَهَى .
فَجَزَمُوا بِتَقْدِيمِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، و الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيهِ ، وَقَالُوا : لَوْ فَضَلَ عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ شَيْءٌ سُتِرَ بِهِ الرَّأْسُ ، وَهَذَا صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَغَيْرِهِ ( قُلْت ) : الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَسْتُرُ الرَّأْسَ وَمَا يَلِيه وَلَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الرَّأْسِ وَمَا يَلِيه عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَمَا يَلِيهِمَا ، لَا عَلَى الْعَوْرَةِ ،

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا يُكْرَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ ( و ) وَلَا تَعْمِيمُهُ ( و ) فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا ( م 2 و 3 ) بَلْ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ ( م ) وَيَحْرُمُ دَفْنُ ثَوْبٍ وَحُلِيٍّ غَيْرِ الْكَفَنِ ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ ، وَقَدْ ذَكَرُوا تَحْرِيمَهُ أَصْلًا لِرِوَايَةِ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ بِلَا حَاجَةٍ ، وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ تَأْثِيمُ مُتْلِفِهِ ، وَلَوْ أَذِنَ مَالِكُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 2 و 3 ) .
قَوْلُهُ : وَلَا يُكْرَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ ، وَلَا تَعْمِيمُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا ، انْتَهَى .
ذِكْرُ مَسْأَلَتَيْنِ .
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3 ) هَلْ يُكْرَهُ تَعْمِيمُهُ أَمْ لَا ؟ ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا لَا يُكْرَهُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكْرَهُ ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : لَا يَكُونُ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ : الْأَفْضَلُ عِنْدَ إمَامِنَا أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ، فَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا .

فَصْلٌ .
يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْأَثْوَابِ ثَلَاثَ لَفَائِفَ بِيضٍ ، لَا وَاحِدٌ مِنْهَا [ حَبِرَةٌ ] يُخَمَّرُ وَحْدَهُ ( هـ ) وَيُسْتَحَبُّ تَبْخِيرُهَا ، زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ : ثَلَاثًا ، لِلْخَبَرِ ، وَالْمُرَادُ وِتْرًا ، بَعْدَ رَشِّهَا بِمَاءِ وَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ، لِيُعَلَّقَ ، وَيُبْسَطُ بَعْضُهَا ، فَوْقَ بَعْضٍ ، وَأَحْسَنُهَا أَعْلَاهَا ، لِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ عَادَةُ الْحَيِّ ، وَيُذَرُّ بَيْنَهَا حَنُوطٌ وَهُوَ أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ لَا ظَاهِرَ الْعُلْيَا ( و ) وَلَا عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي عَلَى النَّعْشِ ( و ) نَقَلَهُ [ الْجَمَاعَةُ ] لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ ، وَعَنْهُ : وَلَا كُلَّ الْعُلْيَا ( خ ) ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا ، وَيُحَنَّطُ قُطْنٌ يُجْعَلُ مِنْهُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ ، وَيُشَدُّ فَوْقَهُ خِرْقَةٌ تَجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : يُجَنَّبُ الْقُطْنَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، كَمَنَافِذِهِ .
وَفِي الْغُنْيَةِ : إنْ خَافَ حَشَاهُ بِقُطْنٍ وَكَافُورٍ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : إنْ خَافَ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَيُطَيَّبُ مَوَاضِعُ سُجُودِهِ وَمَغَابِنُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَتَطْيِيبُ كُلِّهِ حَسَنٌ ، وَعَنْهُ : الْكُلُّ سَوَاءٌ ، وَالْمَنْصُوصُ : يُكْرَهُ دَاخِلَ عَيْنَيْهِ ( و ) وَيُكْرَهُ وَرْسٌ وَزَعْفَرَانٌ فِي حَنُوطٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَجْلِ لَوْنِهِ ، فَرُبَّمَا ظَهَرَ عَلَى الْكَفَنِ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : لِاسْتِعْمَالِهِ غِذَاءً وَزِينَةً ، وَلَا يُعْتَادُ التَّطَيُّبُ بِهِ ، قَالَ : وَيُكْرَهُ طَلْيُهُ بِصَبْرٍ لِيَمْسِكَهُ وَيُغَيِّرَهُ ، مَا لَمْ يُنْقَلْ ، ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ، ثُمَّ طَرَفُهَا الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ ، وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَقَالَ : لِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِ الْحَيِّ فِي قُبَاءَ وَرِدَاءَ وَنَحْوِهِمَا ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ بِالْعَكْسِ ، لِئَلَّا يَسْقُطَ عَنْهُ الطَّرَفُ الْأَيْمَنُ إذَا

وُضِعَ عَلَى يَمِينِهِ فِي الْقَبْرِ ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ، وَيُجْعَلُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ رِجْلَيْهِ ؛ لِشَرَفِهِ وَالْفَاصِلُ عَنْ وَجْهِهِ وَرِجْلَيْهِ عَلَيْهِمَا ، وَيَعْقِدُهَا إنْ خَافَ انْتِشَارَهَا ، فَلِذَا تُحَلُّ الْعُقَدُ فِي الْقَبْرِ ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ : وَلَوْ نَسِيَ بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ قَرِيبًا ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ ، وَيُكْرَهُ تَخْرِيقُهُ ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ ، قَالَ : فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إلَّا لِخَوْفِ نَبْشِهِ ، قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ : وَلَوْ خِيفَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ ، وَلَا يُحَلُّ الْإِزَارُ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ يُكْرَهُ فِي مِئْزَرٍ ثُمَّ قَمِيصٍ ، وَالْمَنْصُوصُ : بِكُمَّيْنِ وَدَخَارِيصَ لَا يُزَرُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْحَيِّ زَرُّهُ فَوْقَ إزَارٍ ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَمِيصُهُ مُطْلَقَ الْأَزْرَارِ ، كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ لِلْحَيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ ، وَالْأَصْلُ التَّقْرِيرُ وَعَدَمُ التَّغْيِيرِ ، وَيَأْتِي كَلَامُ أَحْمَدَ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ : تُحَلُّ أَزْرَارُهُ ؟ قَالَ : لَا .
وَظَاهِرُهُ الِاسْتِحْبَابُ ، وَأَنَّهَا لَا تُحَلُّ لِذَلِكَ .
وَفِي اللِّبَاسِ لِلْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النَّظْمِ : لَا يُكْرَهُ حَلُّ الْأَزْرَارِ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُرَّةَ الْمَذْكُورِ ، وَبِقَوْلِ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ : مَا رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ زَارَّيْنِ قَمِيصًا قَطُّ ، وَإِنَّمَا أَشَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إلَى خَبَرِ قُرَّةَ ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ إلَّا { أَنَّ قُرَّةَ الْمُزَنِيَّ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ } ، لَكِنْ كَانَ قُرَّةُ لَا يَزِرُّ قَمِيصَهُ ، وَكَذَلِكَ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ وَابْنُ مُعَاوِيَةَ إيَاسٌ ، لَا فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ ، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَقِيلَ يَزُرُّهُ ، وَهُوَ فِي رِوَايَةٍ فِي الْوَاضِحِ .
ثُمَّ لِفَافَةٌ فَوْقَهُمَا ، وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ،

وَلَيْسَ الْمُسْتَحَبُّ قَمِيصًا ثُمَّ إزَارًا يَسْتُرُهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِفَافَةً كَذَلِكَ .

فَصْلٌ وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ مِئْزَرٌ ثُمَّ قَمِيصٌ وَهُوَ الدِّرْعُ ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ ، وَدِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ ، وَحُكِيَ تَذْكِيرُهُ ثُمَّ خِمَارٌ ثُمَّ لِفَافَتَانِ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَنَصُّهُ : وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ خِرْقَةٌ تَشُدُّ فَخْذَاهَا ثُمَّ مِئْزَرٌ ، ثُمَّ قَمِيصٌ وَخِمَارٌ ، ثُمَّ لِفَافَةٌ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : تُشَدُّ فَخْذَاهَا بِمِئْزَرٍ تَحْتَ دِرْعٍ ، وَيُلَفُّ فَوْقَ الدِّرْعِ الْخِمَارُ بِاللِّفَافَتَيْنِ ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : لَا بَأْسَ أَنْ تُنْقَبَ وَلَيْسَتْ كَرَجُلٍ مَعَ خِمَارٍ ، وَخِرْقَةٌ خَامِسَةٌ تُشَدُّ بِهَا بَقِيَّةُ الْأَكْفَانِ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا ( هـ ) لِيَجْمَعَهَا ، وَقَالَهُ ( ش ) وَزَادَ : ثَوْبَيْنِ ، وَأَسْقَطَ الْقَمِيصَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32