كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

وَيُتَوَجَّهُ رِوَايَتَا عَامِلِ زَكَاةٍ الثَّمَنُ أَوْ الْأُجْرَةُ

، قَالَ : وَلَوْ عَطَّلَ مُغِلٌّ وَقْفَ مَسْجِدٍ سَنَةً تَقَسَّطَتْ الْأُجْرَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى لِتَقُومَ الْوَظِيفَةُ فِيهِمَا ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ ، وَلَا يُنْقِصُ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعَطُّلِ الزَّرْعِ بَعْضَ الْعَامِ ، فَقَدْ أَدْخَلَ مُغِلَّ سَنَةٍ فِي سَنَةٍ ، وَأَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَّا فِي زَمَنِنَا فِيمَا نَقَصَ عَمَّا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ كُلَّ شَهْرٍ أَنَّهُ يُتَمِّمُ مِمَّا بَعْدُ ، وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ ، وَرَأَيْت غَيْرَ وَاحِدٍ لَا يَرَاهُ ، وَقَالَ : وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِوَظِيفَتِهِ غَيَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَقُومُ بِهَا إذَا لَمْ يَتُبْ الْأَوَّلُ وَيَلْتَزِمْ بِالْوَاجِبِ .

وَيَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقُّ شَرْعًا ، وَأَنْ يَعْمَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ وَاجِبٍ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ طَرِيقُهَا الْأَوْلَى لَا الْوَاجِبُ ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّقَابَةِ ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَاضَى النَّاسُ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فِيهِمْ صَحَّ ، وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْمَسَاجِدِ السُّلْطَانِيَّةِ وَهِيَ الْجَوَامِعُ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ ، لِئَلَّا يَفْتَاتَ عَلَيْهِ فِيمَا وَكَلَ إلَيْهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ رَضُوا بِغَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ وَصَحَّ فِي الْمَذْهَبِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَإِنْ غَابَ مَنْ وَلَّاهُ فَنَائِبُهُ أَحَقُّ ، ثُمَّ مَنْ رَضِيَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ، لِتَعَذُّرِ إذْنِهِ ، وَتَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ إلَى هَذَا الْإِمَامِ مَا لَمْ يُصْرَفْ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ مَا وُلِّيَ الْقِيَامَ بِهِ .
وَيُعْمَلُ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الصَّلَاةِ ، لَا تَجُوزُ مُعَارَضَتُهُ فِيهِ ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُؤَذِّنُ بِهِمَا فِي الْوَقْتِ وَالْأَذَانِ ، وَأَقَلُّ مَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِمَامِ الْعَدَالَةُ وَالْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْعِلْمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ .

وَفِي جَوَازِ كَوْنِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ عَبْدًا رِوَايَتَانِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ إنْ جَازَ صَحَّتْ وِلَايَتُهُ ، فَكَذَا الْعَدَالَةُ وَغَيْرُهَا
تَنْبِيهَانِ ) ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : " وَفِي جَوَازِ أَنَّ كَوْنَ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ عَبْدًا فِيهِ رِوَايَتَانِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ إنْ جَازَ صَحَّتْ وِلَايَتُهُ فَكَذَا الْعَدَالَةُ وَغَيْرُهَا " انْتَهَى إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ فِي مَعْرِضِ بَحْثٍ ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ ، وَلَنَا رِوَايَةٌ بِالْجَوَازِ ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا جَوَازَ وِلَايَتِهِ لِلْإِمَامَةِ وَصِحَّتَهَا .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ " وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ يُحَرِّمُ الْوُضُوءَ مِنْ زَمْزَمَ ، فَعَلَى نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَاضِحٌ ، وَقِيلَ : لِمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ ، وَأَنَّهُ لَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ فِي كَرَاهَةِ الْوُضُوءِ وَتَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهَا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا مُسْتَوْفًى ( فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ) فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَاكَ قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَبَبَ النَّهْيِ اخْتِيَارُ الْوَاقِفِ وَشَرْطُهُ ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ لَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَمْ يَحْرُمُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، فَهُنَاكَ لَمْ يَعْزُ الْوَجْهَيْنِ ، بَلْ قَالَ : اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ ، فَنَسَبَهُ إلَيْهِمْ ، وَهُنَا عَزَاهُمَا إلَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِصَرْفِ الْوَقْفِ ، وَقَالَ : نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، مَعَ إطْلَاقِهِ لِلْخِلَافِ ( فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ) وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا هُنَاكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
اُنْظُرْ صَفْحَةَ 602 - 603 لِهَذَا التَّنْبِيهِ .

وَقَالَ شَيْخُنَا : قَدْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقَ ، وَإِنْ نَفَذَ حُكْمُهُ أَوْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ .
وَقَالَ أَيْضًا : اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا ، لَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ .

وَمَا بَنَاهُ أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَالْإِمَامَةُ لِمَنْ رَضُوهُ ، لَا اعْتِرَاضَ لِلسُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَيْسَ لَهُمْ صَرْفُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ إنْ غَابَ ، وَلَهُمْ انْتِسَاخُ كِتَابِ الْوَقْفِ وَالسُّؤَالُ عَنْ حَالِهِ ، وَاحْتَجَّ شَيْخُنَا { بِمُحَاسَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ } ، مَعَ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ صَرْفِهَا وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، فَهُنَا أَوْلَى ، وَنَصُّهُ : إذَا كَانَ مُتَّهَمًا وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ ، وَنَصْبُ الْمُسْتَوْفِي الْجَامِعَ لِلْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةُ قَبْضِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ إلَّا بِهِ وَجَبَ ، وَقَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ لِقِلَّةِ الْعُمَّالِ ، وَمُبَاشَرَةُ الْإِمَامِ وَالْمُحَاسَبَةُ بِنَفْسِهِ ، كَنَصْبِ الْإِمَامِ لِلْحَاكِمِ ، وَلِهَذَا { كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَدِينَةِ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ وَاسْتِيفَاءَ الْحِسَابِ بِنَفْسِهِ ، وَيُوَلِّي مَعَ الْبُعْدِ } ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَسَجَّلَ كِتَابَ الْوَقْفِ مِنْ الْوَقْفِ ، كَالْعَادَةِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَوَلَدُهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ قِيمَتُهُ عَلَى وَاطِئِهِ مَصْرُوفَةً فِي مِثْلِهِ كَقِيمَةِ أَصْلِهِ [ الْمُتْلَفِ ] وَمِنْ زَوَاجٍ أَوْ زِنًى وَقْفٌ ، وَقِيلَ : الْوَلَدُ وَقِيمَتُهُ مِلْكٌ لَهُ ، كَنَفَقَةٍ وَمَهْرٍ ، وَيَحْرُمُ وَطْؤُهُ لِلْأَمَةِ ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ مَلَكَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَنَفَقَتُهُ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ شَرْطٍ ، ثُمَّ نَفَقَةُ حَيَوَانٍ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَتَجِبُ عِمَارَتُهُ بِحَسَبِ الْبُطُونِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ لَا تَجِبُ ، كَالطَّلْقِ ، وَتَقَدَّمَ عِمَارَتُهُ عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَسَبُ الْإِمْكَانِ ، بَلْ قَدْ يَجِبُ ، وَلِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ ، لِمَصْلَحَةٍ ، كَشِرَائِهِ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ ، وَيَتَوَجَّه فِي قَرْضِهِ مَالًا

كَوَلِيٍّ .

وَيُرْجَعُ إلَى شَرْطِهِ فِي تَقْدِيمٍ وَتَسْوِيَةٍ وَجَمْعٍ وَضِدِّ ذَلِكَ ، وَاعْتِبَارِ وَصْفٍ وَعَدَمِهِ وَعَدَمِ إيجَارِهِ أَوْ قَدْرِ الْمُدَّةِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا لُزُومَ الْعَمَلِ بِشَرْطٍ مُسْتَحَبٍّ خَاصَّةً ، وَذَكَرَهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَيَعْذُرُ غَيْرَهُ ، فَبَذْلُ الْمَالِ فِيهِ سَفَهٌ وَلَا يَجُوزُ ، وَأَيَّدَهُ الْحَارِثِيُّ بِنَصِّهِ الْآتِي فِي شَرْطِ أُجْرَةٍ لِلنَّاظِرِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ قَدَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَلَهُ أَكْثَرُ إنْ اسْتَحَقَّهُ بِمُوجَبِ الشَّرْعِ ، وَقَالَ : الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ بَاطِلٌ ، اتِّفَاقًا ، وَقِيلَ : لَا يَتَعَيَّنُ طَائِفَةٌ وَقَفَ عَلَيْهَا مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً ، كَالصَّلَاةِ فِيهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : يُحْتَمَلُ إنْ عَيَّنَ مَنْ يُصَلِّي فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ يُدَرِّسُ الْعِلْمَ اخْتَصَّ ، وَإِنْ سَلِمَ فَلِأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّزَاحُمُ بِإِشَاعَتِهِ ، وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ أَفْضَلُ ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُرَادُ لَهُ ، وَقِيلَ : يُمْنَعُ تَسْوِيَةً بَيْنَ فُقَهَاءَ كَمُسَابَقَةٍ .
قَالَ شَيْخُنَا : قَوْلُ الْفُقَهَاءِ نُصُوصُهُ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ .
يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ ، لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ ، مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ وَلَفْظَ الْمُوصِي وَالْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ أَوْ لُغَةَ الشَّارِعِ أَوْ لَا .

قَالَ : وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ جِهَادٍ غَيْرِ شَرْعِي وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُبَاحِ ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ هُنَا لِأَنَّهُ بِفِعْلٍ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ مَشْرُوعًا وَقُرْبَةً وَطَاعَةً وَاِتِّخَاذُهُ دِينًا ، وَالشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا إذَا لَمْ يُفْضِ ذَلِكَ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ ، وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَا ، قَالَ : وَمَنْ شَرَطَ فِي الْقُرُبَاتِ أَنْ يُقَدِّمَ فِيهَا الصِّنْفَ الْمَفْضُولَ فَقَدْ شَرَطَ خِلَافَ شَرْطِ اللَّهِ ، كَشَرْطِهِ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَعْلَمِ ، فَكَيْفَ إذَا شَرَطَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالصِّنْفِ الْمَفْضُولِ ؟

وَالنَّاظِرُ مُنَفِّذٌ لِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ شُرُوطًا ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْزِلَ فَاسِقٌ وَشِرِّيرٌ وَمُتَجَوِّهٌ وَنَحْوُهُ عُمِلَ بِهِ ، وَإِلَّا تَوَجَّهَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي فُقَهَاءَ وَنَحْوِهِمْ ، وَفِي إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ الْخِلَافُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ شَيْخِنَا فِي مَوْضِعٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ فَاسِقٌ فِي جِهَةٍ دِينِيَّةٍ كَمَدْرَسَةٍ وَغَيْرِهَا ، مُطْلَقًا ، لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ [ عَلَيْهِ ] وَعُقُوبَتُهُ ، فَكَيْفَ يَنْزِلُ ؟ وَإِنْ نُزِّلَ مُسْتَحِقٌّ تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ .

وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَحْضَرٍ لِوَقْفٍ فِيهِ شُرُوطٌ ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ وَقْفٍ غَيْرُ ثَابِتٍ وَجَبَ ثُبُوتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِنْ شَرَطَ [ لِلنَّاظِرِ ] إخْرَاجَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَإِدْخَالَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ بَطَلَ ، لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَاهُ ، لَا قَوْلَهُ : يُعْطِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَمْنَعُ مَنْ شَاءَ ، لِتَعْلِيقِهِ اسْتِحْقَاقَهُ بِصِفَةٍ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : الْفَرْقُ لَا يَتَّجِهُ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : كُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إذَا قِيلَ يَفْعَلُ مَا شَاءَ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ : حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِفِعْلِ مَا يَهْوَاهُ وَمَا يَرَاهُ مُطْلَقًا فَشَرْطٌ بَاطِلٌ ، لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعِ ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُبَاحًا ، وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ ، حَتَّى لَوْ تَسَاوَى فِعْلَانِ عُمِلَ بِالْقُرْعَةِ ، وَإِذَا قِيلَ هُنَا بِالتَّخْيِيرِ فَلَهُ وَجْهٌ .
قَالَ : وَعَلَى النَّاظِرِ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ ، فَيَعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ ، وَمَعَ الِاشْتِبَاهِ إنْ كَانَ عَالِمًا عَادِلًا سَوَّغَ لَهُ اجْتِهَادُهُ ، قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مَنْ قَسَّمَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَرَّى الْعَدْلَ وَيَتْبَعُ مَا هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، اسْتَفَادَ الْقِسْمَةَ بِوِلَايَةٍ ، كَإِمَامٍ وَحَاكِمٍ ، أَوْ بِعَقْدٍ كَالنَّاظِرِ وَالْوَصِيِّ ، وَيَتَعَيَّنُ مَصْرِفُهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ .

وَقِيلَ : إنْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ ، فَشُرْبُ مَاءٍ لِلْوُضُوءِ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ وَأَوْلَى .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي الْفَرَسِ الْحَبِيسِ : لَا يُعِيرُهُ وَلَا يُؤَجِّرُهُ إلَّا لِنَفْعِ الْفَرَسِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْكَبَهُ فِي حَاجَةٍ إلَّا لِتَأْدِيبِهِ وَجَمَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَرِفْعَةٍ لَهُمْ أَوْ غَيْظَةٍ لِلْعَدُوِّ ، وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ : يَحْرُمُ الْوُضُوءُ مِنْ زَمْزَمَ ، فَعَلَى نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَاضِحٌ وَقِيلَ لِمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَنَّهُ لَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ فِي كَرَاهَةِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَتَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهَا ، وَعَنْهُ خُرُوجُ بُسُطِ مَسْجِدٍ وَحُصُرِهِ لِمَنْ يَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ ، وَسُئِلَ عَنْ التَّعْلِيمِ بِسِهَامِ الْغَزْوِ فَقَالَ : هَذَا مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : أَخَافُ أَنْ تُكْسَرَ ، وَلَهُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ لِعَلَفِهَا ، نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ .

وَإِنْ شَرَطَ لِنَاظِرِهِ أُجْرَةً فَكُلْفَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَبْقَى أُجْرَةُ مِثْلِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ : مِنْ الْوَقْفِ ، وَقِيلَ لِشَيْخِنَا : فَلَهُ الْعَادَةُ بِلَا شَرْطٍ ؟ فَقَالَ : لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا يُقَابِلُ عَمَلَهُ

وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَقْفِ هَلْ هُوَ كَإِجَارَةِ ، أَوْ جَعَالَةٍ وَاسْتَحَقَّ بِبَعْضِ الْعَمَل لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَقْدَ عُرْفًا ، أَوْ هُوَ كَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَاخْتَارَ هُوَ الْأَخِيرَ ( م 7 ) قَالَ : وَمَنْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ قَوْمٌ لَهُمْ رَوَاتِبُ أَضْعَافُ حَاجَاتِهِمْ وَقَوْمٌ لَهُمْ جِهَاتٌ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ بِيَسِيرٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : النِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ جَائِزٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ .

مَسْأَلَةُ 7 ) قَوْلُهُ : وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَقْفِ هَلْ هُوَ كَإِجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ وَاسْتُحِقَّ بِبَعْضِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَقْدَ عُرْفًا ؛ أَوْ هُوَ كَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَاخْتَارَ هُوَ الْأَخِيرَ ، انْتَهَى ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً ، بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ ، وَالْمُوصَى بِهِ أَوْ الْمَنْذُورُ لَهُ لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ انْتَهَى .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ : وَلَا يُقَالُ إنَّ مِنْهُ مَا يُؤْخَذُ أُجْرَةً عَنْ عَمَلٍ كَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ أَوَّلًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ ، بَلْ هُوَ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ ، انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيُّ الدِّينِ أَخَذَ اخْتِيَارَهُ مِنْ هَذَا ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ حَامِدُ بْنُ أَبِي الْحَجَرِ أَنَّهُ كَالْإِجَارَةِ ، ذَكَرَهُ وَلَدُ الْمُصَنِّفِ فِي الطَّبَقَاتِ .
{ تَنْبِيهُ } قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : النِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ مَغْلِيٌّ : صَوَابُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ ، كَذَا هُوَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ ، انْتَهَى ( قُلْت ) : لَوْ قِيلَ : وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ ، لَكَانَ أَوْلَى ، ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ قَالَ : لَعَلَّهُ مَصْلَحَةٌ انْتَهَى .
لَكِنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، ثُمَّ وَجَدْت الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قَالَ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ وَبِكُلِّ حَالٍ ، فَالِاسْتِخْلَافُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ جَائِزٌ ، وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْهُ ، إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ

.

وَيَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالتَّسْوِيَةُ إنْ أَمْكَنَ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَعَنْهُ : وَإِنْ وَصَّى فِي أَهْلِ سِكَّتِهِ وَهُمْ أَهْلُ دَرْبِهِ التَّفْضِيلُ لِحَاجَةٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ وَنَقَلَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا الْمَرُّوذِيُّ التَّسْوِيَةَ ، وَيُعْتَبَرُ سُكْنَاهُ وَقْتَ وَصِيَّةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ طَرَأَ إلَيْهِ بَعْدَهَا ، وَقِيلَ : هُمَا أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ طَرِيقُهُمْ بِدَرْبِهِ ، وَعَنْهُ : فِيمَنْ وَصَّى ، فِي فُقَرَاءِ مَكَّةَ يَنْظُرُ أَحْوَجَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْتِدَاءٌ كَفَى وَاحِدٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ ، وَقِيلَ : فِي الْوَاحِدِ رِوَايَتَانِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَنْصُوصِ إعْطَاءُ فَقِيرٍ أَكْثَرَ مِنْ زَكَاةٍ ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَصْنَافِهَا أَوْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ اقْتَصَرَ عَلَى صِنْفٍ ، كَزَكَاةٍ ، وَقِيلَ : لَا ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَصَّى بِثُلُثِهِ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ : يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ .
فَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَفْظُ الْمُوصِي ، وَأَوَامِرُ اللَّهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمَقْصُودُ ، بِدَلَالَةِ أَنَّ الْمُوصِي لِلْمَسَاكِينِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِمْ ، وَالْإِطْعَامُ فِي الْكَفَّارَةِ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانُوا مَنْصُوصًا عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ قَالَ : أُعْتِقُ عَبْدِي لِأَنَّهُ أَسْوَدُ ، لَمْ يُعْتِقْ غَيْرَهُ ، وَعَكْسُهُ أَمْرُ اللَّهِ قَالَ : وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي الرَّجُلِ يَجْعَلُ الشَّيْءَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ هَلْ يُعْطَى مِنْهُ فِي السَّبِيلِ ؟ قَالَ : لَا ، وَيُعْطَى الْمَسَاكِينُ كَمَا أَوْصَى وَقَالَ الْقَاضِي عَنْ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ : أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ فِيمَنْ وَصَّى أَنْ يُفَرَّقَ فِي فُقَرَاءِ مَكَّةَ هَلْ يُفَرَّقُ

عَلَى قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ ؟ فَقَالَ : يُنْظَرُ إلَى أَحْوَجِهِمْ ، قَالَ : وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْحَاجَةَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْعَدَدَ ، كَذَا قَالَ الْقَاضِي ، مَعَ أَنَّ النَّصَّ فِي فُقَرَاءِ مَكَّةَ وَهُمْ مُعَيَّنُونَ ، وَقِيلَ لِكُلِّ صِنْفٍ ثُمُنٌ ، إنْ افْتَقَرَ شَمِلَهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ ذَكَرَ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَعْطَى الْآخَرَ .
وَفِيهِ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي قَدْ يَعْرَى عَنْ فَائِدَةٍ ، فَاعْتُبِرَ لَفْظُهُ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : يَعْمَلُ وَالِي الْمَظَالِمِ فِي وَقْفٍ عَامٍّ بِدِيوَانِ حَاكِمٍ أَوْ سَلْطَنَةٍ أَوْ كِتَابٍ قَدِيمٍ يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ .

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدٍ غَيْرِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَالذَّكَرُ كَأُنْثَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ ، وَفِي شُمُولِهِ وَلَدَ بَنِيهِ الْمَوْجُودَ وَعَنْهُ : وَمَنْ سَيُوجَدُ وَفِي وَصِيَّةٍ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ رِوَايَتَانِ ( م 5 و 8 ) وَالْأَصَحُّ مُرَتَّبًا ، كَبَطْنٍ بَعْدَ بَطْنٍ ، أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ، أَوْ الْأَوَّلَ وَنَحْوَهُ ، وَقِيلَ : يَشْمَلُ وَلَدَ بَنَاتِهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدَ فُلَانٍ قَبِيلَةً أَوْ قَالَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادُهُمْ فَلَا تَرْتِيبَ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا فَقَالَ هَذَا لِفُلَانٍ حَيَاتَهُ وَلِوَلَدِهِ .
قَالَ : وَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ ، فَإِذَا مَاتَ فَلِوَلَدِهِ ، وَلَوْ قَالَ وَلَدِي فَإِذَا انْقَرَضَ وَلَدُهُ فَالْفُقَرَاءُ شَمِلَهُ ، وَقِيلَ : لَا ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ نَسْلِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ عَقِبِهِ وَلَا قَرِينَةَ لَمْ يَشْمَلْ وَلَدَ بَنَاتِهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ كَمَنْ يَنْتَسِبُ إلَيَّ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَقُلْ لِصُلْبِي ، وَقِيلَ : إنْ قَالَهُ شَمِلَ وَلَدَ بِنْتِهِ لِصُلْبِهِ فَقَطْ ، وَعَنْهُ : يَشْمَلُهُمْ غَيْرَ وَلَدِ وَلَدِهِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ ، يَشْمَلُ فِي الذُّرِّيَّةِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ ، وَتَجَدُّدُ حَقِّ حَمْلٍ بِانْفِصَالِهِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ ، كَمُشْتَرٍ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي .

مَسْأَلَةُ 8 و 9 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءُ فَالذَّكَرُ كَأُنْثَى ، نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي شُمُولِهِ وَلَدَ بَنِيهِ الْمَوْجُودَ وَعَنْهُ : وَمَنْ سَيُوجَدُ وَفِي وَصِيَّةٍ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) هَلْ يَشْمَلُ وَلَدَ بَنِيهِ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ غَيْرِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَشْمَلُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : الْمَذْهَبُ دُخُولُهُمْ .
وَقَالَ النَّاظِمُ : وَهُوَ أَوْلَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَالْقَاضِي فِيمَا عَلَّقَهُ بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ خِلَافِهِ ، وَالشِّيرَازِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَابْنِ رَزِينٍ وَالْفَائِقِ ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَدْخُلُونَ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي بَابِ الْوَصَايَا وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَدْخُلُونَ بِدُونِ قَرِينَةٍ ، قَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا وَالشَّارِحُ : اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَنْ سَيُوجَدُ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَقَالَا : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) وَهِيَ الَّتِي أَخَّرَهَا يَشْمَلُهُ أَيْضًا ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ ، نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى وَابْنُ الْمُنَادِي كَمَا تَقَدَّمَ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، قَالَ النَّاظِمُ : هَذَا أَوْلَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي

الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9 ) حُكْمُ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِ غَيْرِهِ فِي دُخُولِ وَلَدِ بَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيُوجَدُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا .
( تَنْبِيهٌ ) قَدْ يُقَالُ : شَمِلَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ : وَعَنْهُ وَمَنْ سَيُوجَدُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ بَعْدَ الْوَقْفِ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَشْمَلُهُ ، فَيَسْتَحِقُّ مَعَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ قُلْنَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ .

وَنَقَلَ جَعْفَرٌ : يُسْتَحَقُّ مِنْ زَرْعٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَصَادَ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُسْتَحَقُّ قَبْلَ حَصَادِهِ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : الثَّمَرَةُ لِلْمَوْجُودِ عِنْدَ التَّأْبِيرِ أَوْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ، وَيُشْبِهُ الْحَمْلَ إنْ قَدِمَ إلَى ثَغْرٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ ، وَقِيَاسُهُ مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا يُسْتَحَقُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ مُغِلِّهِ وَإِنَّ مَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ ، وَإِنَّ لِوَرَثَةِ إمَامِ مَسْجِدٍ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْفَلَّاحُ غَيْرَهُ ، وَلَهُمْ مِنْ مُغِلِّهِ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَهُ مَوْرُوثُهُمْ مِنْ الْإِمَامَةِ ، وَبَنَى فُلَانٌ لِذُكُورِهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانُوا قَبِيلَةً شَمِلَ النِّسَاءَ ، وَلَا يَدْخُلُ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّ الْمُنْعِمَ لَيْسَ عَصَبَةَ الْمُعْتَقِ وَالْمَجُوسِيَّ لَيْسَ بِأَهْلِ كِتَابٍ حَقِيقَةً ، فَلَا يَشْمَلُهُمَا الْإِطْلَاقُ ، وَكَمَا لَوْ وَصَّى لِأَنْسَابِهِ لَمْ يَشْمَلْ الْمُرْضِعَ وَالْمُرْتَضِعَ ، فَالْأَحْكَامُ قَدْ تَلْحَقُ وَإِنْ لَمْ تَلْتَحِقْ بِالْحَقِيقَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .

وَلَوْ قَالَ : أَوْلَادِي ، ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ ثُمَّ الْفُقَرَاءُ ، فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ ، وَقِيلَ : أَفْرَادٌ .
وَفِي الِانْتِصَارِ إذَا قُوبِلَ جَمْعٌ بِجَمْعٍ اقْتَضَى مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ مِنْهُ بِالْفَرْدِ مِنْ مُقَابَلَةِ لُغَةٍ فَعَلَى هَذَا الْأَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْإِرْثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَالِدُهُ أَخَذَ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذْ هُوَ فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ ، وَلِهَذَا لَوْ اُتُّبِعَتْ الشُّرُوطُ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْضِهِمْ لَمْ تُحْرَمْ الثَّانِيَةُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِمْ ( عِ ) وَلَا فَرْقَ ، قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَقَوْلُ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَعُمُّ وَمَا اسْتَحَقَّهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ ، اسْتَحَقَّهُ أَوَّلًا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ ، وَلِصِدْقِ الْإِضَافَةِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الشَّارِطِينَ وَيَقْصِدُونَهُ ، لِأَنَّهُ يَتِيمٌ لَمْ يَرِثْ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ الْجَدِّ ، وَلِأَنَّ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ يَنْتَقِلُ مَعَ وُجُودِهِ الْمَانِعُ إلَى وَلَدِهِ ، وَلَكِنْ هُنَا هَلْ يُعْتَبَرُ مَوْتُ الْوَالِدِ ؟ يُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا اسْتَحَقَّهُ فَمَفْهُومٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ، فَعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا إنْ قَالَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوَهُ فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ ، مَعَ أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ ، فَإِنْ زَادَ عَلَى أَنَّهُ إنْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ وَلَهُ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ وَعَنْ وَلَدِ وَلَدِهِ [ لِصُلْبِهِ ] الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَهُ مَعَهُمْ مَا لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ ، وَقَالَ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا .
هَذِهِ

الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا مُشَارَكَةَ ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِدَرَجَتِهِ وَالْوَقْفَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبُطُونِ فَهَلْ هُوَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ لِبَطْنِهِ مِنْهُمْ كَالْمُرَتَّبِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ ( م 10 ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ .
مَسْأَلَةُ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِدَرَجَتِهِ وَالْوَقْفُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبُطُونِ ، فَهَلْ هُوَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ لِبَطْنٍ مِنْهُمْ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يَكُونُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ كُلِّهِمْ ، فَوُجُودُ هَذَا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَخْتَصُّ بِهِ الْبَطْنُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ ، فَيَسْتَوِي فِيهِ إخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أَبِيهِ ، لِأَنَّهُمْ فِي الْقُرْبِ سَوَاءٌ ، قَدَّمَهُ النَّاظِمُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، حَتَّى يَبْقَى لِهَذَا الشَّرْطِ فَائِدَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ وَلَدِ لِدَرَجَتِهِ فَهَلْ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ لِبَطْنِهِ ؟ وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ، فِيهِ احْتِمَالَاتٌ ( م 11 ) وَلَا شَيْءَ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ بِحَالٍ ، وَقَوْلُهُ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَشْمَلُ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْأَصْلِيَّ ، لِأَنَّ وَالِدَيْهِمَا لَوْ كَانَا حَيَّيْنِ اشْتَرَكَا فِي الْعَائِدِ ، فَكَذَا وَلَدُهُمَا

( مَسْأَلَةُ 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لِدَرَجَتِهِ فَهَلْ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ لِبَطْنِهِ ؟ وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهَا ) يَعُودُ نَصِيبُهُ إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ كُلِّهِمْ وَإِنْ كَانُوا بُطُونًا ، وَحَكَمَ بِهِ التَّقِيُّ سُلَيْمَانُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ بَطْنِهِ ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَالًا أَوْ قُوَّةً ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي عَنْ ابْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ أَخَاهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَعَمَّهُ وَابْنًا لِعَمِّهِ الْحَيِّ فَيَكُونُ نَصِيبُهُ بَيْنَ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الْمَيِّتِ وَابْنِ عَمِّهِ الْحَيِّ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ الْحَيُّ شَيْئًا .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ بَطْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُتَنَاوِلِينَ لَهُ فِي الْحَالِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ ، وَلَا شَيْءَ لِعَمِّهِ الْحَيِّ وَلَا لِوَلَدِهِ .
فَائِدَةُ صُورَةِ النَّصِيبِ الْعَائِدِ وَالْأَصْلِيِّ ، إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ، وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ، ثُمَّ مَاتَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ ، فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَدٌ آخَرُ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُ أَبِيهِ الْأَصْلِيِّ إلَى وَلَدِهِ ، وَأَمَّا مَا عَادَ إلَى أَبِيهِ مِنْ نَصِيبِ أَخِيهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ هَذَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ نَصِيبِهِ ؟ أَمْ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدُ بَلْ يَسْتَحِقُّهُ بَقِيَّةُ الطَّبَقَةِ ؟ لِأَنَّ أَبَاهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهُ بِمُسَاوَاتِهِ لِلْمَيِّتِ فِي الدَّرَجَةِ ، وَابْنُهُ لَيْسَ

بِمُسَاوٍ لِلْمَيِّتِ فِي الدَّرَجَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَنَصِيبُ أَبِيهِ هُوَ مَا اسْتَحَقَّهُ أَبُوهُ بِالْإِحَالَةِ دُونَ هَذَا الْعَائِدِ ، هَذَا فِيهِ وَجْهَانِ ، حَكَاهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَرَجَّحَ الثَّانِيَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، لِمَا ذَكَرْنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ قَالَ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ الذُّكُورُ [ وَالْإِنَاثُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ الذُّكُورُ ] مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ ، ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبُهُمْ ثُمَّ الْفُقَرَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لَهُ فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَتَرَكَ بِنْتًا فَمَاتَتْ وَلَهَا أَوْلَادٌ فَقَالَ شَيْخُنَا : مَا اسْتَحَقَّتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا لَهُمْ ، وَيُتَوَجَّهُ : لَا ( م 12 ) وَلَوْ قَالَ : وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ ، عَمَّنْ لَمْ يُعْقِبْ وَمَنْ أَعْقَبَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ ، وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ ، فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَطْعًا ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَيُتَوَجَّهُ نُفُوذُ حُكْمٍ بِخِلَافِهِ ،
مَسْأَلَةُ 12 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ ثُمَّ نَسْلُهُمْ وَعَقِبُهُمْ ثُمَّ الْفُقَرَاءُ عَلَى أَنَّ [ مَنْ ] مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لَهُ فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَتَرَكَ بِنْتًا فَمَاتَتْ وَلَهَا أَوْلَادٌ ، فَقَالَ شَيْخُنَا : مَا اسْتَحَقَّتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا لَهُمْ ، وَيُتَوَجَّهُ : لَا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الَّذِي يَظْهَرُ مَا وَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَنَّ أَوْلَادَهَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا ، لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُعْطِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَّا الْأَوْلَادَ وَأَوْلَادَ الْأَوْلَادِ ، ثُمَّ خَصَّ أَوْلَادَ الظَّهْرِ بَعْدَهُمَا بِالْوَقْفِ ، وَأَوْلَادُ هَذِهِ الْبِنْتِ لَيْسُوا مِنْ أَوْلَادِ الظَّهْرِ ، وَهِيَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ ، وَقَوْلُهُ " عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لَهُ " يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا ، وَأَوْلَادُهَا لَيْسُوا مِنْهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ عَادَتُهُ حُضُورُ الدَّرْسِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَبِيتِ فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ لِلْقَاضِي فِي اعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِي الْحَيْضِ لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُعْتَبَرَةً فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكْفِي ، تَكَرُّرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَدْرِ عَادَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاتَ فِي الْجَامِعِ لَيْلَتَيْنِ لَا يُقَالُ إنَّ الْعَادَةَ بَيْتُوتَتُهُ فِي الْجَامِعِ ، وَإِذَا حَضَرَ مَجْلِسَ الْفِقْهِ مَرَّتَيْنِ لَا يُقَالُ إنَّ عَادَتَهُ حُضُورُ مَجْلِسِ الْفِقْهِ ، وَكَوْنُهُ مَأْخُوذًا مِنْ الْعَوْدِ لَا يُوجِبُ اعْتِبَارَ الِاشْتِقَاقِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْهُ ، كَمَا أَنَّ الدَّابَّةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ يَدِبُّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ يُسَمَّى دَابَّةً ، فَقَالَ الْقَاضِي : قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَادَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ بِالْمَرَّتَيْنِ ، وَلَا يُوجَدُ بِالْمَرَّةِ ، وَأَمَّا مَنْ بَاتَ بِمَسْجِدٍ دَفْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَالُ بِأَنَّ مَعْنَى الْعَادَةِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْمُعَاوَدَةُ ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهُ وَهُوَ الْبَيْتُوتَةُ فِي غَيْرِهِ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْعَادَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْمُعَاوَدَةِ ، لِوُجُودِ مَعْنَى الِاسْمِ فِيهِ أَوْلَى ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ دَابَّةٌ لِكُلِّ مَا دَبَّ ، لَكِنْ غَلَبَ عَلَى بَعْضِ الْحَيَوَانِ ، فَتَرَكْنَا الِاشْتِقَاقَ لِأَجْلِهِ .

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثِ وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ مَنَعَ الثَّالِثَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا ، وَنَقَلَهُ حَرْبٌ ، وَكَذَا وَلَدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ ثُمَّ الْفُقَرَاءُ هَلْ يَشْمَلُ وَلَدَ وَلَدِهِ ؟ وَقِيلَ : يَشْمَلُهُ ، وَإِنْ تَعَقَّبَ شَرَطَ جَمْلًا عَادَ إلَى الْكُلِّ .
وَفِي الْمُغْنِي وَجْهَانِ فِي أَنْت حَرَامٌ وَوَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُك إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَاسْتِثْنَاءٌ كَشَرْطٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَقِيلَ : وَالْجَمْلُ مِنْ جِنْسٍ ، وَكَذَا مُخَصَّصٌ مِنْ صِفَةٍ وَعَطْفِ بَيَانٍ وَتَوْكِيدٍ وَبَدَلٍ وَنَحْوِهِ ، وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ، نَحْوُ : عَلَى أَنَّهُ ، وَبِشَرْطِ أَنَّهُ ، وَنَحْوُهُ كَشَرْطٍ ، لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلٍ لَا بِاسْمٍ ، وَعُمُومُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَطْفِ بِوَاوٍ وَفَاءٍ وَثُمَّ ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .
وَقَرَابَتُهُ وَلَدُهُ وَوَلَدُ أَبِيهِ وَجَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ ، وَعَنْهُ : وَأَكْثَرُ إلَى الْأَبِ الْأَدْنَى ، وَعَنْهُ : ثَلَاثَةُ آبَاءٍ ، وَعَنْهُ : يَخْتَصُّ مِنْهُمْ مَنْ يَصِلُهُ ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ : إنْ وَصَلَ أَغْنِيَاءَهُمْ أُعْطُوا وَإِلَّا الْفُقَرَاءُ أَوْلَى ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْحَارِثِيُّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ فِي كُلِّ لَفْظٍ عَامٍّ ، وَقِيلَ : وَكَذَا قَرَابَةُ أُمِّهِ ، وَعَنْهُ : وَإِنْ وَصَلَهُمْ شَمِلَهُمْ وَإِلَّا فَلَا ، وَمِثْلُهُ قَرَابَةُ غَيْرِهِ أَوْ الْفُقَهَاءُ وَيَصِلُ بَعْضَهُمْ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَنَقَلَ مَعْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ .
وَابْنُهُ كَأَبِيهِ فِي أَقْرَبِ قَرَابَتِهِ أَوْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ ، وَأَخُوهُ لِأَبِيهِ أَوْ أَبَوَيْهِ كَجَدِّ أَبٍ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ ابْنُهُ وَأَخُوهُ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ جَدٌّ وَإِخْوَةٌ لِأَبِيهِ كَأُمِّهِ إنْ شَمِلَهُ قَرَابَتُهُ ، وَكَذَا أَبْنَاؤُهُمَا وَلِأَبَوَيْهِ أَوْلَى ، وَيُتَوَجَّهُ رِوَايَةُ : كَأَخِيهِ لِأَبِيهِ لِسُقُوطِ الْأُمُومَةِ ، كَنِكَاحٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَأَبُوهُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ ابْنِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : ابْنُ

ابْنِهِ ، وَأَنَّ مَنْ قُدِّمَ قُدِّمَ وَلَدُهُ إلَّا الْجَدَّ يُقَدَّمُ عَلَى بَنِي إخْوَتِهِ ، وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لِأَبَوَيْهِ ، وَيَسْتَوِي جَدَّاهُ وَعَمَّاهُ ، كَأَبَوَيْهِ ، وَقِيلَ : يُقَدَّمُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ لِأَبِيهِ ، وَإِنْ قَالَ : لِجَمَاعَةٍ أَوْ لِجَمْعٍ مِنْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ فَثَلَاثَةٌ ، وَيُتَمَّمُ بِمَا بَعْدَ الدَّرَجَةِ الْأُولَى ، وَيَشْمَلُ أَهْلَ الدَّرَجَةِ وَلَوْ كَثُرُوا ، وَيُتَوَجَّهُ فِي جَمَاعَةٍ اثْنَانِ ، لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَقَلُّ الْجَمْعِ فِيمَا لَهُ تَثْنِيَةٌ خَاصَّةً ثَلَاثَةً .
وَفِي الْبُلْغَةِ : يَجِبُ حُضُورُ وَاحِدٍ الرَّجْمَ ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَعِنْدِي اثْنَانِ ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْجَمَاعَةُ ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ فِي لَفْظِ الْجَمْعِ اثْنَانِ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ( عِ ) وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ فِي الْخَبَرِ التَّاسِعِ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } أَيْ زَاغَتْ عَنْ الْحَقِّ وَعَدَلَتْ ، وَإِنَّمَا قَالَ قُلُوبُكُمَا لِأَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ ، قَالَ سِيبَوَيْهِ : الْعَرَبُ تَقُولُ وَضَعَا رِحَالَهُمَا ، يُرِيدُونَ رَحْلَيْ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَلَفْظُ النِّسَاءِ ثَلَاثَةٌ ، عَلَى ظَاهِرِ مَا سَبَقَ ، وَسَبَقَ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَقَدْ احْتَجَّ بِالْآيَةِ قَالَ : وَالنِّسَاءُ إنَّمَا يَكُنَّ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ ، كَذَا قَالَ : وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَآلُهُ وَقَوْمُهُ وَنِسَاؤُهُ كَقَرَابَتِهِ ، وَقِيلَ : كَذِي رَحِمِهِ ، وَهُمْ قَرَابَةُ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي مُجَاوَزَتُهُ لِأَبٍ رَابِعٍ ، وَأَنَّ وَلَدَهُ لَيْسَ بِقَرَابَتِهِ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ : يَخْتَصُّ مَنْ يَصِلُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ ، وَأَنَّ الْقَرَابَةَ تُعْطِي أَرْبَعَةَ آبَاءٍ فَمَنْ دُونَ ، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَنَّ قَوْمَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ ، وَأَنَّ الْقَرَابَةَ قَرَابَةُ أَبِيهِ إلَى

أَرْبَعَةِ آبَاءٍ وَعَنْهُ : أَزْوَاجُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، ذَكَرَهَا شَيْخُنَا ، وَقَالَ : فِي دُخُولِهِنَّ فِي آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ ، وَاخْتَارَ الدُّخُولَ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الشَّرِيفِ ، وَلَفْظُ أَهْلِ بَيْتِهِ يُضَارِعُ آلَهُ ، وَأَنَّ الشَّخْصَ يَدْخُلُ فِيهِمَا لَا فِي أَهْلِهِ ، لِأَنَّهُ مِمَّنْ يُؤْهِلُ بَيْتَهُ لَا نَفْسَهُ ، وَظَاهِرُ الْوَسِيلَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَهْلِ كَالْقَرَابَةِ ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ أَنَّهُمْ نِسَاؤُهُ ، وَعِتْرَتُهُ عَشِيرَتُهُ ، وَقِيلَ : ذُرِّيَّتُهُ ، وَقِيلَ : وَلَدُهُ وَوَلَدُهُ ، وَقِيلَ : قَرَابَتُهُ كَآلِهِ وَأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُتَنَاوَلِ ، وَعَصَبَتُهُ وَارِثُهُ بِهَا مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : فِيهَا وَفِي قَرَابَتِهِ الْأَقْرَبِ ، وَالْعَزَبُ وَالْأَيِّمُ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ ، وَقِيلَ : الْعَزَبُ لِرَجُلٍ ، وَالْأَيِّمُ لِامْرَأَةٍ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : الْأَيَامَى النِّسَاءُ الْبُلَّغُ ، وَمَنْ فَارَقَتْ زَوْجَهَا أَرْمَلَةٌ ، وَقِيلَ : وَكَذَا الرَّجُلُ أَرْمَلُ .
وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي : الصَّغِيرَةُ لَا تُسَمَّى أَيِّمًا وَلَا أَرْمَلَةً عُرْفًا ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْبَالِغِ ، وَالثُّيُوبَةُ زَوَالُ الْبَكَارَةِ ، قَالَهُ الشَّيْخُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ بِزَوْجِيَّةٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَإِخْوَتِهِ وَعُمُومَتِهِ لِذَكَرٍ ، وَأُنْثَى كَعَانِسٍ وَبِكْرٍ ، وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ ، وَتَنَاوُلُهُ لِبَعِيدٍ كَوَلَدِ وَلَدِهِ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُقَالُ رَجُلٌ أَيِّمٌ وَامْرَأَةٌ أَيِّمٌ وَرَجُلٌ أَرَمَلُ وَامْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ ، وَرَجُلٌ بِكْرٌ وَامْرَأَةٌ بِكْرٌ إذَا لَمْ يَتَزَوَّجَا ، وَرَجُلٌ ثَيِّبٌ وَامْرَأَةٌ ثَيِّبٌ إذَا كَانَا قَدْ تَزَوَّجَا ، قَالَ : وَالْقَوْمُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ، قَالَ تَعَالَى { لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ } الْآيَةَ ( و ش ) سُمُّوا قَوْمًا لِقِيَامِهِمْ بِالْأُمُورِ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ، وَالرَّهْطُ لُغَةً مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً ، وَلَا وَاحِدَ مِنْ لَفْظِهِ وَالْجَمْعُ أَرْهُطٌ وَأَرْهَاطٌ وَأَرَاهِطُ وَأَرَاهِيطُ .
وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ : الرَّهْطُ مَا بَيْنَ

الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ ، وَكَذَا قَالَ : النَّفَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ ، وَمَوَالِيهِ مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : مِنْ فَوْقُ ، وَمَتَى عَدِمَ مَوَالِيَهُ فَقِيلَ : لِعَصَبَةِ مَوَالِيهِ ، وَقِيلَ : لِوَارِثِهِ بِوَلَاءٍ ، وَقِيلَ : مُنْقَطِعٌ ( م 13 ) وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ إلَّا مَعَ عَدَمِ مَوَالِيهِ ابْتِدَاءً .
وَجِيرَانُهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَعَنْهُ : مُسْتَدَارُ أَرْبَعِينَ ، وَعَنْهُ : ثَلَاثِينَ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْطِيَ إلَّا الْجَارَ الْمُلَاصِقَ ، وَقِيلَ : الْعُرْفُ .
مَسْأَلَةُ 13 ) قَوْلُهُ : وَمَوَالِيهِ مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : مِنْ فَوْقُ وَمَتَى عَدِمَ مَوَالِيَهُ فَقِيلَ : لِعَصَبَةِ مَوَالِيهِ ، وَقِيلَ : لِوَارِثِهِ بِوَلَاءٍ ، وَقِيلَ : مُنْقَطِعٌ ، انْتَهَى .
أَحَدُهَا يَكُونُ لِعَصَبَةِ مَوَالِيهِ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لِوَارِثِهِ بِالْوَلَاءِ ، وَهُوَ أَعَمُّ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) يَكُونُ كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَفِي عَصَبَةِ الْمَوَالِي وَقِيلَ : هُوَ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ ، قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ ، قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهُوَ لِمَوَالِي أَبِيهِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ .

وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ إخْوَتِهِ لَمْ يَشْمَلْ مُخَالِفَ دِينِهِ بِلَا قَرِينَةٍ ، وَقِيلَ : يَشْمَلُ وَقْفَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ ، كَشُمُولِهِ كَافِرًا مُخَالِفًا دِينَهُ إنْ وَرِثَهُ .

وَالْعُلَمَاءُ حَمَلَةُ الشَّرْعِ ، وَقِيلَ : مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَلَوْ أَغْنِيَاءً ، وَهَلْ يَخْتَصُّ مَنْ يَصِلُهُ كَقَرَابَتِهِ ؟ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مَنْ عَرَفَهُ ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فُقَهَاءَ وَمُتَفَقِّهَةً كَعُلَمَاءَ ، وَلَوْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا ، لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ وَالْقُرَّاءُ الْآنَ حُفَّاظُهُ .

وَالصَّبِيُّ وَالْغُلَامُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ، وَمِثْلُهُ الْيَتِيمُ بِلَا أَبٍ ، وَلَوْ جُهِلَ بَقَاءُ أَبِيهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : يُعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ أَبٌ يُعْرَفُ ، قَالَ : وَلَا يُعْطَى كَافِرٌ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ وَقْفٍ عَامٍّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ ، وَيُتَوَجَّهُ وَجْهُ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : [ قَالَ ] بَعْضُهُمْ : وَلَا يَشْمَلُ وَلَدَ الزِّنَا ، لِأَنَّ الْيُتْمَ انْكِسَارٌ يَدْخُلُ عَلَى الْقَلْبِ بِفَقْدِ الْأَبِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ بَلَغَ : خَرَجَ مِنْ حَدِّ الْيُتْمِ .
وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ أَعْقَلَ النَّاسِ الزُّهَّادُ .

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : لَيْسَ مِنْ الزُّهْدِ تَرْكُ مَا يُقِيمُ النَّفْسَ وَيُصْلِحُ أَمْرَهَا وَيُعِينُهَا عَلَى طَرِيقِ الْآخِرَةِ ، فَإِنَّهُ زُهْدُ الْجُهَّالِ وَإِنَّمَا هُوَ تَرْكُ فُضُولِ الْعَيْشِ وَمَا لَيْسَ بِضَرُورَةٍ فِي بَقَاءِ النَّفْسِ ، وَعَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ، قَالَ شَيْخُنَا : الْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحِ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، وَهُوَ مِنْ الْعُدْوَانِ الْمُحَرَّمِ ، وَتَرْكُ فُضُولِهَا مِنْ الزُّهْدِ الْمُبَاحِ ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْهُ مُطْلَقًا كَمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ الْخُبْزِ أَوْ الْمَاءِ أَوْ لُبْسِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ أَوْ النِّسَاءِ فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ ، وَاَللَّهُ أَمَرَ بِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَالشُّكْرِ لَهُ ، وَالطَّيِّبُ : مَا يَنْفَعُ وَيُعِينُ عَلَى الْخَيْرِ ، وَحَرَّمَ الْخَبِيثَ ، وَهُوَ مَا يَضُرُّ فِي دِينِهِ .

وَالشَّابُّ وَالْفَتَى مَنْ بَلَغَ إلَى ثَلَاثِينَ وَقِيلَ وَخَمْسَةٍ ، وَالْكَهْلُ مِنْهَا إلَى خَمْسِينَ ، وَالشَّيْخُ مِنْهَا إلَى سَبْعِينَ .
وَفِي الْكَافِي وَالتَّرْغِيبِ : إلَى آخِرِ الْعُمْرِ ، ثُمَّ الْهَرِمُ .

وَأَبْوَابُ الْبِرِّ الْقُرْبِ ، وَأَفْضَلُهَا الْغَزْوُ ، يُبْدَأُ بِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُتَوَجَّهُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ ، وَالرِّقَابُ وَالْغَارِمُونَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنُ السَّبِيلِ مَصَارِفُ الزَّكَاةِ ، فَتُعْطَى فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى لِمَنْ يَفْدِيهِمْ .
قَالَ شَيْخُنَا : أَوْ يُوَفَّى مَا اُسْتُدِينَ فِيهِمْ ، لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَسْتَدِينُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَصْرِفُهَا لِأَهْلِ الدَّيْنِ } ، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرْفَ وَفَاءً كَالصَّرْفِ أَدَاءً قَالَ : وَيُعْطِي مَنْ صَارَ مُسْتَحِقًّا قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ كَزَكَاةٍ .

وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالتَّرْغِيبُ أَنَّ : ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : الْبِرُّ وَالْقُرْبَةُ لِفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ ، وُجُوبًا ، وَالْأَصَحُّ : لَا ، كَفُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ ، مَعَ أَنَّ قَرِيبًا لَا يَرِثُهُ أَحَقُّ ، فَيَبْدَأُ بِهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلِهَذَا فِي وُجُوبِ وَصِيَّتِهِ لَهُمْ الْخِلَافُ ، فَدَلَّ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا كَهِيَ

، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى فِي السَّبِيلِ : يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ [ الشُّرْبُ ] مِنْهُ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : أَوْصَى بِمَالٍ فِي السَّبِيلِ فَدَفَعَ إلَى قَرَابَةٍ لَهُ فِي الثَّغْرِ يَغْزُو بِهِ وَلَعَلًّ فِي الثَّغْرِ أَشْجَعَ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا لَمْ يُعْطَ الْمَالَ كُلَّهُ أَيَأْخُذُهُ ؟ فَلَمْ يَرَ بِأَخْذِهِ بَأْسًا ، قِيلَ لَهُ : بَعَثَ بِمَالٍ لِقَرَابَةٍ لَهُ بِالثَّغْرِ يَغْزُو بِهِ تَرَى لَهُ يَرُدُّهُ أَوْ يَقْبَلُهُ ؟ قَالَ : الْقَرَابَةُ غَيْرُ الْبَعِيدِ ، وَإِذَا بَعَثَ إلَيْهِ بِمَالٍ وَقَدْ كَانَ أَشْرَفَتْ نَفْسُهُ فَلَا بَأْسَ بِرَدِّهِ ، وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ رَدَّهُ ، قِيلَ لَهُ : أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا يَشْتَرِي بِهِ فَرَسًا يَغْزُو بِهِ وَيَدْفَعُ بَقِيَّتَهُ إلَيْهِ فَغَزَا ثُمَّ مَاتَ ، قَالَ : هُوَ لَهُ يُورَثُ عَنْهُ .
وَسَبِيلُ الْخَيْرِ لِمَنْ أَخَذَ مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ .
وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ : يَعُمُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَارِمُ لِلْإِصْلَاحِ ، قَالَ : وَيَجُوزُ لِغَنِيٍّ قَرِيبٍ وَيَشْمَلُ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِمٍ كَالْمُسْلِمِينَ ، وَضَمِيرُهُ الْأُنْثَى ، وَقِيلَ : لَا ، كَعَكْسِهِ .

وَالْأَشْرَافُ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُسَمُّونَ إلَّا مَنْ كَانَ عَلَوِيًّا ، قَالَ : وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الشَّارِعُ حُكْمًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِيُتَلَقَّى حَدُّهُ مِنْ جِهَتِهِ .
وَالشَّرِيفُ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْوَضِيعِ وَالضَّعِيفِ ، وَهُوَ الرِّيَاسَةُ وَالسُّلْطَانُ ، وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقَّ الْبُيُوتِ بِالتَّشْرِيفِ صَارَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ شَرِيفًا ، فَلَوْ وَصَّى لِبَنِي هَاشِمٍ لَمْ يَدْخُلْ مَوَالِيهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَحَنْبَلٌ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَفْظُ الْمُوصِي ، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْت مِنْ السُّكَّرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ لَمْ يَعُمَّ غَيْرَهُ مِنْ الْحَلَاوَاتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : [ عَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ لَمْ يُعْتِقْ غَيْرَهُ مِنْ الْعَبِيدِ ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُ : حَرَّمْت السُّكَّرَ لِأَنَّهُ حُلْوٌ عَمَّ جَمِيعَ الْحَلَاوَاتِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ ] اعْتِقْ عَبْدَك لِأَنَّهُ أَسْوَدُ عَمَّ .
وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ أَوْصَى بِصَدَقَةٍ طَعَامًا هَلْ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ دَفْعُ قِيمَتِهِ ؟ قَالَ : لَا إلَّا مَا أَوْصَى ، وَجَعَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ وِفَاقًا ، قَالَ أَحْمَدُ : وَالْوَصَايَا يُنْتَهَى فِيهَا إلَى مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ وَصَّى فِي مَرَضِهِ فَقَالَ : صَيَّرْت دَارِي هَذِهِ لِوَلَدِ أَخِي وَوَلَدِ أُخْتِي عَلَى أَنْ يَسْكُنُوهَا يَنْفُذُ فِي ثُلُثِهِ عَلَى مَا سَمَّى ، وَنَصَّ فِيمَنْ أَوْصَى بِصَدَقَةٍ فِي أَبْوَابِ بَغْدَادَ يُفْعَلُ ، وَنَصَّ فِيمَنْ قَالَ اعْتِقُوا رَقَبَةً وَلَوْ كَافِرَةً لَا يُعْتَقُ إلَّا مُسْلِمٌ ، وَنَصَّ فِيمَنْ أَوْصَى بِكَفَّارَاتٍ غَدَاءً وَعَشَاءً أَعْجَبُ إلَيَّ

كَمَا أَوْصَى ، وَلَوْ أَوْصَى فِي الْمَسَاكِينِ لَمْ يَجُزْ فِي غَزْوٍ وَغَيْرِهِ ، بَلْ يُعْطَى الْمَسَاكِينُ كَمَا أَوْصَى ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْوَسِيلَةِ : مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ فَلَهُ إيجَارُهُمَا ، أَوْمَأَ إلَيْهِ .

وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ وَصَّى لِأَجْنَبِيٍّ وَلَهُ قَرَابَةٌ لَا يَرِثُهُ مُحْتَاجٌ يُرَدُّ إلَى قَرَابَتِهِ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا رِوَايَةً : لَهُ ثُلُثُهَا ، وَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهَا ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَأَبُو طَالِبٍ وَالْجَمَاعَةُ الْأَوَّلَ ، كَمَا وَصَّى ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجَازَ وَصِيَّةَ الَّذِي أَعْتَقَ } وَالْأَصَحُّ دُخُولُ وَارِثِهِ فِي وَصِيَّتِهِ لِقَرَابَتِهِ ، خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ مِنْ الْوَرَثَةِ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ

وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ أَمَةٍ فَأُنْثَى ، وَالْعَبْدُ ذَكَرٌ ، وَقِيلَ : أَوْ أُنْثَى ، وَفِي خُنْثَى غَيْرِ مُشْكِلٍ وَجْهَانِ ( م 14 )
مَسْأَلَةُ 14 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ أَمَةٍ فَأُنْثَى ، وَالْعَبْدُ ذَكَرٌ ، وَقِيلَ : أَوْ أُنْثَى ، وَفِي خُنْثَى غَيْرِ مُشْكِلٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ الْخُنْثَى غَيْرُ الْمُشْكِلِ يُعْطَى حُكْمَ مَا حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِهِ ، إنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ أُنْثَى كَانَ أُنْثَى ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ ذَكَرٌ كَانَ ذَكَرًا ، فَيَصِحُّ إعْطَاؤُهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحُكْمِ الَّذِي حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِهِ ، وَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَكُنْ خُنْثَى مِنْ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لَا فِي الْخُنْثَى غَيْرِ الْمُشْكِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أُنْثَى عَنْ عَبْدٍ ، فَخُنْثَى بِطَرِيقِ أَوْلَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ فِيمَا إذَا وَصَّى بِعِتْقِ أَمَةٍ أَوْ عَبْدٍ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ اشْتَغَلَتْ بِمُعَيَّنٍ ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ ، فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ إلَّا بِمُتَحَقِّقٍ ، ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بِعَبْدٍ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تُجْزِئُ .

وَلَوْ أَوْصَى بِأُضْحِيَّةٍ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ فَضَحَّوْا بِغَيْرِهِ خَيْرًا مِنْهُ جَازَ ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِزِيَادَةِ خَيْرٍ فِي الْمُخْرَجِ .

وَيَحْرُمُ بَيْعُهُ ، وَكَذَا الْمُنَاقَلَةُ نَقَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ لَا يَسْتَبْدِلُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ وَلَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ ، وَجَوَّزَهُمَا شَيْخُنَا لِمَصْلَحَةٍ ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ الْهَدْيِ ، وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمُنَاقَلَةِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ : نَقْلُ الْمَسْجِدِ لَمَنْفَعَةٍ لِلنَّاسِ ، وَنَصُّهُ : تَجْدِيدُ بِنَائِهِ لِمَصْلَحَتِهِ ، وَعَنْهُ بِرِضَى جِيرَانِهِ ، وَعَنْهُ يَجُوزُ شِرَاءُ دُورِ مَكَّةَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةً ، فَيُتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا : جَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَتِهِ لِمَصْلَحَةٍ ، كَجَعْلِ الدُّورِ حَوَانِيتَ وَالْحُكُورَةَ الْمَشْهُورَةَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ وَقَالَ فِيمَنْ وَقَفَ كُرُومًا عَلَى الْفُقَرَاءِ يَحْصُلُ عَلَى جِيرَانِهَا بِهِ ضَرَرٌ : يُعَوِّضُ عَنْهُ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْجِيرَانِ ، وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا وَالثَّانِي وَقْفًا ، وَيَجُوزُ نَقْضُ مَنَارَتِهِ وَجَعْلُهَا فِي حَائِطِهِ لِتَحْصِينِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ فِيهِ خَشَبَتَانِ لَهُمَا ثُمْنٌ تَشَعَّثَ وَخَافُوا سُقُوطَهُ أَتُبَاعَانِ وَيُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ ، وَيُبْدَلُ مَكَانَهُمَا جِذْعَيْنِ ؟ قَالَ : مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا ، وَاحْتَجَّ بِدَوَابِّ الْحَبْسِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا تُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي الْحَبْسِ ، قَالَ فِي الْعُيُونِ : لَا بَأْسَ بِتَغْيِيرِ حِجَارَةِ الْكَعْبَةِ إنْ عَرَضَ لَهَا مَرَمَّةٌ ، لِأَنَّ كُلَّ عَصْرٍ احْتَاجَتْ فِيهِ إلَيْهِ قَدْ فُعِلَ ، وَلَمْ يَظْهَرْ نَكِيرٌ وَلَوْ تَعَيَّبَتْ الْآلَةُ لَمْ يَجُزْ ، كَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ ، وَلَا يَنْتَقِلُ النُّسُكُ مَعَهُ ، كَآيِ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْ سُورَةٍ هِيَ فِيهَا ، لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ إلَّا بِنَصِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِقَوْلِهِ : { ضَعُوهَا فِي سُورَةِ كَذَا } قَالَ : وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : مَوَاضِعُ الْآيِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَنَفْسِ الْآيِ ، وَلِهَذَا حَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّةَ التَّغْيِيرِ فِي إدْخَالِ الْحَجَرِ إلَى الْبَيْتِ ، وَيُكْرَهُ نَقْلُ حِجَارَتِهَا عِنْدَ عِمَارَتِهَا إلَى غَيْرِهَا ، كَمَا لَا يَجُوزُ صَرْفُ تُرَابِ الْمَسَاجِدِ لِبِنَاءٍ فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، قَالَ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّى أَبْنِيَتُهَا زِيَادَةً عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ عُلُوِّهَا وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الصَّكُّ فِيهَا وَفِي أَبْنِيَتِهَا إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَيُتَوَجَّهُ جَوَازُ الْبِنَاءِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْلَا الْمُعَارِضُ فِي زَمَنِهِ لَفَعَلَهُ ، كَمَا فِي خَبَرِ عَائِشَةَ ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِيهِ : يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّوَابِ لِأَجْلِ قَالَةِ النَّاسِ ، وَرَأَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ تَرْكَهُ أَوْلَى لِئَلَّا يَصِيرَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ وَكُلُّ وَقْفٍ تَعَطَّلَ نَفْعُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ بِخَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِضِيقِ مَسْجِدٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، أَوْ خَرِبَتْ مَحَلَّتُهُ ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِيعَ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
نَقَلَ جَمَاعَةٌ : لَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ لَا يَرُدُّ شَيْئًا .
وَفِي الْمُغْنِي : إلَّا أَنْ يَقِلَّ فَلَا يُعَدَّ نَفْعًا ، وَقِيلَ : أَوْ أَكْثَرُ نَفْعِهِ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي فَرَسٍ كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ ، فَقُلْت : دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ ضَعُفُوا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهَا ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِمَنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا ، وَقِيلَ : أَوْ خِيفَ تَعَطُّلُ نَفْعِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ ، وَقِيلَ : أَوْ أَكْثَرُهُ قَرِيبًا .
سَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ : يُبَاعُ إذَا عَطِبَ إذَا فَسَدَ ؟ قَالَ : إي وَاَللَّهَ يُبَاعُ إذَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفُ وَالْفَسَادُ ، وَالنَّقْصُ .
بَاعُوهُ وَرَدُّوهُ فِي مِثْلِهِ ، وَسَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ : إنْ أَخَذَ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا فَعَتَقَ فِي يَدِهِ وَتَغَيَّرَ عَنْ

حَالِهِ ، قَالَ : يُحَوَّلُ إلَى مِثْلِهِ ، وَكَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ : لَوْ أَشْرَفَ عَلَى كَسْرٍ أَوْ هَدْمٍ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ أُخِّرَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ بِيعَ ، وَقَوْلُهُمْ " بِيعَ " أَيْ يَجُوزُ نَقْلُهُ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مَا قَالُوهُ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا لَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَغَيْرِهَا ، قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ : وَلِأَنَّهُ اسْتِبْقَاءٌ لِلْوَقْفِ بِمَعْنَاهُ ، فَوَجَبَ كَإِيلَادِ أَمَةٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ قَتْلِهَا وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا ، وَمَعَ الْحَاجَةِ يَجِبُ بِالْمِثْلِ ، وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ ، لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ ، وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ ، لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ بِلَا حَاجَةٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَلَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِيُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ بِيعَ ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ ، وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ ، وَالْمُرَادُ مَعَ اتِّحَادِ الْوَاقِفِ ، كَالْجِهَةِ ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ عَيْنَيْنِ كَدَارَيْنِ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا عَيْنًا وَاحِدَةً وَلَمْ تُنْقَصْ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ ، فَإِنْ نَقَصَتْ تُوُجِّهَ الْبَيْعُ فِي قِيَاسِ الْمُذْهَبِ كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنِ أَوْ حَاجَةِ صَغِيرٍ ، بَلْ هَذَا أَسْهَلُ ، لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ وَبَيْعِهِ عَلَى قَوْلٍ ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَهُ بِيعَ ، وَشَرْطُهُ إذَنْ فَاسِدٌ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ ، وَيُتَوَجَّهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ لَوْ شَرَطَ عَدَمَهُ عِنْدَ تَعَطُّلِهِ .
وَيَلِيهِ حَاكِمٌ ، وَقِيلَ : نَاظِرُهُ وَمَصْرِفُهُ فِي مِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ ، كَجِهَتِهِ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي عَلَى ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ أَوْ نَفْعِ غَيْرِهِ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي الْحَبِيسِ : أَوْ يُنْفَقُ ثَمَنُهُ عَلَى الدَّوَابِّ الْحُبْسِ وَيَصِيرُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ لِلثَّانِي فَقَطْ ، وَعَنْهُ : لَا يُبَاعُ مَسْجِدٌ ، فَتُنْقَلُ آلَتُهُ لِمَسْجِدٍ

[ آخَرَ ] اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَعَنْهُ : وَلَا يُبَاعُ غَيْرُهُ ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ ، لَكِنْ يُنْقَلُ إلَيْهِ .

فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ .
قَوْلُهُ : وَيَلِيهِ حَاكِمٌ ، وَقِيلَ : نَاظِرُهُ ، انْتَهَى ، مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ جَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَقَوَّاهُ شَيْخُنَا الْبَعْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ حَيْثُ أَجَزْنَا بَيْعَهُ وَأَرَدْنَا ، فَمَنْ يَلِي بَيْعَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ ، كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَدَارِسِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ ، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الَّذِي يَلِي بَيْعَهُ الْحَاكِمُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ، وَالْحَارِثِيُّ ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ ، وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمُ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا ) يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : إذَا تَعَطَّلَ الْوَقْفُ فَإِنَّ النَّاظِرَ فِيهِ يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، انْتَهَى ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَيَتَوَلَّى الْبَيْعَ نَاظِرُهُ الْخَاصُّ ، حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ فَقَالَ : يَبِيعُهُ النَّاظِرُ فِيهِ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يَكُونُ الْبَائِعُ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ فَقَالَ : وَنَاظِرُهُ

شَرْعًا يَلِي عَقْدَ بَيْعِهِ وَقِيلَ : إنْ تَعَيَّنَ مَالِكُ النَّفْعِ لِعَقْدٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ : فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ ، وَمَعَ عَدَمِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ، ( قُلْت ) : إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ : بَلْ يَفْعَلُهُ مُطْلَقًا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ كَالْوَقْفِ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ : حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، انْتَهَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ : فَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ ، انْتَهَى .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الْخِصَالِ ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَأَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّى فِي الْخُلَاصَةِ ، وَابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فَقَالَ : وَمَا تَعَطَّلَ نَفْعُهُ فَلِمَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ ، ( قُلْت ) : إنْ مَلَكَهُ ، وَقِيلَ : بَلْ لِنَاظِرِهِ بَيْعُهُ بِشَرْطٍ ، انْتَهَى ، قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) يَلِيهِ الْحَاكِمُ ، جَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ فَقَالَ : وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا أَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ وَمَا حَوْلَهُ وَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فَلِإِمَامٍ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ انْتَهَى ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ ، وَقَوَّاهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْتَبِدُّ بِهِ دُونَ نَاظِرِهِ الْخَاصِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهَذَا مَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ عُدِمَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ فَقِيلَ : يَلِيهِ الْحَاكِمُ ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ

وَالْحَارِثِيُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ، وَذَكَرَهُ نَصَّ أَحْمَدَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَقِيلَ : يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ وَحَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، حَيْثُ أَطْلَقُوا أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَبِيعُهُ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ ، وَقِيلَ : يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ ( قُلْت ) : وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ ، أَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَلِيهِ إذَا قُلْنَا يَمْلِكُهُ ( تَنْبِيهٌ ) تَلَخَّصَ لَنَا مِمَّا تَقَدَّمَ طُرُقٌ فِيمَنْ يَلِي الْبَيْعَ ، لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا فَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) يَلِيهِ الْحَاكِمُ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ .
( وَالثَّانِي ) يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ فَفِيهِ طُرُقٌ : ( أَحَدُهَا ) يَلِيهِ النَّاظِرُ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَعَزَاهُ إلَى نَصِّ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ .
( الثَّانِي ) يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّاءِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( الثَّالِثُ ) يَلِيهِ الْحَاكِمُ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْحَلْوَانِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ .
( الرَّابِعُ ) يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كَانَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهِيَ

طَرِيقَتُهُ فِي التَّلْخِيصِ .
( الْخَامِسُ ) هَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَهِيَ طَرِيقَةُ النَّاظِمِ ( السَّادِسُ ) هَلْ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ ؟ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، أَوْ النَّاظِرُ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى .
( السَّابِعُ ) هَلْ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ ؟ أَوْ النَّاظِرُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( الثَّامِنُ ) طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ : هَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كَانَ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ ؟ أَوْ الْحَاكِمُ ؟ حَكَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ، فِيهِ قَوْلَانِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاظِرٌ خَاصٌّ فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ ؟ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَذَكَرَهُ نَصَّ أَحْمَدَ ، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ؟ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَوْ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ ، وَاخْتَارَهُ ، فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
( التَّاسِعُ ) هَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ مُطْلَقًا ؟ ، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ ، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ .
( الْعَاشِرُ ) يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كَانَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ ؟ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ ، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفَائِقِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ طَرِيقَةً ، ثِنْتَانِ فِيمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ ، وَعَشْرٌ فِي غَيْرِهَا .
وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي ذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَتَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

نَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ جَعَلَ خَانًا فِي السَّبِيلِ وَبَنَى بِجَنْبِهِ مَسْجِدًا فَضَاقَ أَيُزَادُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ : لَا .
قِيلَ : فَإِنْ تُرِكَ لَيْسَ يَنْزِلُ فِيهِ قَدْ عُطِّلَ ، قَالَ : يُتْرَكُ عَلَى مَا صِيرَ لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ مَعَ إمْكَانِ عِمَارَتِهِ دُونَ الْأُولَى بِحَسَبِ النَّمَاءِ ، قَالَهُ فِي الْفُنُونِ وَإِنَّ جَمَاعَةً أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ وَغَلَّطَهُمْ ، وَلَهُ بَيْعُ بَعْضِهَا وَصَرْفُهَا فِي عِمَارَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَمَنْ وَقَفَ عَلَى ثَغْرٍ فَاحْتُلَّ صُرِفَ فِي ثَغْرٍ مِثْلِهِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ فَانْحَرَفَ الْمَاءُ : يُرْصَدُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ .
وَفِي رَفْعِ مَسْجِدٍ أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ رَفْعَهُ وَجَعْلَ تَحْتَ سُفْلِهِ سِقَايَةً وَحَانُوتًا وَجْهَانِ ، وَجَوَازُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ( م 15 )
مَسْأَلَةُ 15 ) قَوْلُهُ وَفِي رَفْعِ مَسْجِدٍ أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ رَفْعَهُ وَجَعْلَ سُفْلِهِ سِقَايَةً وَحَانُوتًا وَجْهَانِ ، وَجَوَازُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، انْتَهَى ( أَحَدُهُمَا ) يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ، نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي الْجِهَادِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَقَالَ : فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ مَسْجِدٍ رَفْعَهُ عَنْ الْأَرْضِ وَجَعْلَ سُفْلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ رُوعِيَ أَكْثَرُهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ : وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَأَوَّلُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَقِيلَ : نَصَّ أَحْمَدُ فِي مَسْجِدٍ أَرَادَ أَهْلُهُ إنْشَاءَ كَذَلِكَ ، وَهُوَ أَوْلَى ، انْتَهَى .
فَاخْتَارَ تَأْوِيلَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَرَدَّ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ هَذَا التَّأْوِيلَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ

وَمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ مَسْجِدٍ جَازَ صَرْفُهُ لِمِثْلِهِ وَفَقِيرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا ، وَعَنْهُ : بَلَى لِمِثْلِهِ .
اخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
وَقَالَ أَيْضًا : وَفِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ وَبِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رَيْعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ ، قَالَ : وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ رَيْعَهُ يَفْضُلُ عَنْهُ دَائِمًا وَجَبَ صَرْفُهُ ، لِأَنَّ بَقَاءَهُ فَسَادٌ وَإِعْطَاءَهُ فَوْقَ مَا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ ، لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ ، كَغَيْرِ مَسْجِدِهِ ، وَقَالَ : وَمِثْلُهُ وَقْفُ غَيْرِهِ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ مَعْنَاهُ ، قَالَ : وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ .

وَيَحْرُمُ غَرْسُ شَجَرَةٍ فِي مَسْجِدٍ ، وَتُقْلَعُ ، قَالَ أَحْمَدُ : غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ ، ظَالِمٌ غَرَسَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَفِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ : يُكْرَهُ ، وَإِنْ وَقَفَ وَهِيَ فِيهِ وَعَيَّنَ مَصْرِفَهَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا كَمُنْقَطِعٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : فِي مَصَالِحِهِ ، وَإِنْ فَضَلَ فَلِجَارِهِ أَكْلُهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَلِغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ ، وَقِيلَ : مُطْلَقًا ، وَإِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ نَاظِرٌ فِي وَقْفٍ تُوُجِّهَ أَنَّهُ لَهُ إنْ أَشْهَدَ ، وَإِلَّا لِلْوَقْفِ ، وَيُتَوَجَّهُ فِي أَجْنَبِيٍّ : لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : يَدُ الْوَقْفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا ، كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهُ بِمَالِهِ بِحُكْمِ إجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ ( م 16 ) وَيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ ، فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ ، وَيَدُ أَهْلِ عَرْصَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَابِتَةٍ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ ، وَإِلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ وَتَحْلِيَتِهِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ( و ش ) وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، ( و م ) ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ الْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَالنَّدْبُ ، قَالُوا : وَيَضْمَنُ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ ، وَاحْتَجُّوا بِتَذْهِيبِ الْوَلِيدِ لِلْكَعْبَةِ لَمَّا بَعَثَ إلَى وَالِيهَا خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ ، وَيَحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ فِيهِ وَلَا تُغَطَّى بِالْمُغْتَسَلِ ، لِأَنَّهُ لِلْمَوْتَى وَتُطَمُّ نَقَلَ ذَلِكَ الْمَرُّوذِيُّ .
وَفِي الرِّعَايَةِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَكْرَهْ حَفْرَهَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ : قُلْت : بَلَى إنْ كُرِهَ الْوُضُوءُ فِيهِ .

مَسْأَلَةُ 16 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ نَاظِرٌ فِي وَقْفٍ تَوَجَّهَ أَنَّهُ لَهُ إنْ أَشْهَدَ ، وَإِلَّا لِلْوَقْفِ ، وَيُتَوَجَّهُ فِي أَجْنَبِيٍّ [ لِلْوَقْفِ ] بِنِيَّتِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا : يَدُ الْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا ، كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهُ بِمَالِهِ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ مَا لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .

وَفِي صِحَّةِ بَيْعٍ فِيهِ ( و ) وَتَحْرِيمِهِ ( خ ) وَعَمَلِ صَنْعَةٍ كَخِيَاطَةٍ ، نَفَعَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَا ، رِوَايَتَانِ ( م 17 - 19 ) .

مَسْأَلَةُ 17 - 19 ) قَوْلُهُ : وَفِي صِحَّةِ بَيْعٍ فِيهِ يَعْنِي الْمَسْجِدَ وَتَحْرِيمِهِ ، وَعَمَلِ صَنْعَةٍ كَخِيَاطَةٍ ، نَفَعَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَا ، رِوَايَتَانِ انْتَهَى ، فِيهِ مَسَائِلُ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - 17 ) هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَفِي صِحَّتِهِمَا وَجْهَانِ ، مَعَ التَّحْرِيمِ : ( إحْدَاهُمَا ) لَا يَصِحُّ : قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي كِتَابِهِ قَبْلَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ : وَيَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ ، لِلْخَبَرِ ، وَلَا يَصِحَّانِ ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، انْتَهَى ( قُلْت ) : قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : مَنَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ صِحَّتَهُ وَجَوَازَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخَرِ الِاعْتِكَافِ ، لِأَنَّهُ قَدَّمَ عَدَمَ الْجَوَازِ ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ : إنْ حَرَّمَ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَهُوَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَصِحُّ ، وَهُوَ قَوِيٌّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ قُبَيْلَ بَابِ السَّلَمِ ، وَلَكِنْ قَطَعُوا بِالْكَرَاهَةِ ، وَصَحَّحُوا الْبَيْعَ .
( تَنْبِيهٌ ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا أَنَّهُ سَوَاءٌ قُلْنَا يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَنَى الْخِلَافَ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ ، فَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِلَّا صَحَّ ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الِاعْتِكَافِ ، فَإِنَّهُ هُنَاكَ قَدَّمَ التَّحْرِيمَ ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ : إنْ حَرُمَ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ ابْنِ أَبِي الْمَجْدِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 18 ) هَلْ يَحْرُمُ

الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( إحْدَاهُمَا ) يَحْرُمُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْإِفْصَاحِ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : مَنَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ جَوَازَهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ ، وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا حُكْمًا فِي مَكَان وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي آخَرَ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي آخَرِ كِتَابِ الْبَيْعِ ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي قَبْلَ كِتَابِ السَّلَمِ بِيَسِيرٍ : وَيُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ : وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ عَنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَقَصَهُ صَانِعُهَا بِكَنْسٍ أَوْ رَشٍّ أَوْ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَيُجَنَّبُ الْمَسْجِدُ عَمَلَ الصَّنْعَةِ وَإِنْ كَانَ الصَّانِعُ يُحَرِّمُهُ ، قَالَ فِي الْآدَابِ : وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ عَنْ كُلِّ عَمَلِ صَنْعَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ أَوْ رَشٍّ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، انْتَهَى .
قَالَ حَرْبٌ : سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ الْعَمَلِ فِي الْمَسْجِدِ نَحْوِ الْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهِ ، فَكَأَنَّهُ كَرَاهَةٌ لَيْسَ بِذَلِكَ التَّشْدِيدِ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يَكْتُبُ بِالْأُجْرَةِ فِيهِ قَالَ : أَمَّا الْخَيَّاطُ وَشِبْهُهُ فَلَا يُعْجِبُنِي ، إنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : مَا يُعْجِبُنِي مِثْلُ الْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ وَشِبْهُهُ ، وَسَهَّلَ فِي الْكِتَابَةِ ، قَالَ

الْحَارِثِيُّ : خَصَّ الْكِتَابَةَ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَحْصِيلِ عِلْمٍ ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الدَّارِسَةِ ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِمَا لَا يَكُونُ تَكَسُّبًا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ : فَلَيْسَ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ ، انْتَهَى ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ التَّسْهِيلُ فِي الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ احْتَاجَ الْخِيَاطَةَ لِلُبْسِهِ فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ إطْلَاقُ الْخِلَافِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَحْرُمُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ .
قَالَ صَالِحٌ لِأَبِيهِ : تَكْرَهُ الْخَيَّاطِينَ فِي الْمَسَاجِدِ ؟ قَالَ : إي لَعَمْرِي شَدِيدًا ، وَكَذَا رَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ : وَهَذَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَرِوَايَةُ حَرْبٍ الْكَرَاهَةُ ، فَهَاتَانِ رِوَايَتَانِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ الْعَمَلُ وَالصَّنَائِعُ كَالْخِيَاطَةِ وَالْخَرْزِ وَالْحَلْجِ وَالنِّجَارَةِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ إذَا كَثُرَ ، وَلَا يُكْرَهُ إذَا قَلَّ ، كَرَقْعِ ثَوْبِهِ وَخَصْفِ نَعْلِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتَحْرِيمِ إقَامَةِ حَدٍّ بِهِ وَجْهَانِ ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ ( م 20 ) وَاِتِّخَاذِهِ طَرِيقًا وَوَضْعِ النَّعْشِ فِيهِ لَا النَّسْخِ ، وَأَوْمَأَ إذَا لَمْ يَتَكَسَّبْ بِهِ ، وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ تَعْلِيمُ الْكِتَابَةِ بِلَا ضَرَرٍ لَهُ .
وَفِي النَّوَادِرِ : لَا يَجُوزُ ، وَأَفْتَى فِي الْفُنُونِ بِإِخْرَاجِهِمْ ، وَاسْتَثْنَى فَقِيهًا يَدْرِي مَا يُصَانُ عَنْهُ فَقِيرًا ، قَالَ : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلَّا سُدَّتْ إلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ } وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِسَابِقَتِهِ ، وَتَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ : أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ الْعَرَبِ ، وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِي الْمَسْجِدِ ، أَيْ بَيْتٌ صَغِيرٌ ، وَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا أُحِبُّ أَنْ يُضْرَبَ فِيهِ أَحَدٌ وَلَا يُقَامَ [ فِيهِ ] حَدٌّ ، لَعَلَّهُ يَكُونُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَمَنَعَ شَيْخُنَا اتِّخَاذَهُ طَرِيقًا ، قَالَ : وَالِاتِّخَاذُ وَالِاسْتِئْجَارُ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقُعُودِ صَانِعٍ وَفَاعِلٍ فِيهِ لِمَنْ يَكْتَرِيه ، كَبِضَاعَةٍ لِمُشْتَرٍ لَا يَجُوزُ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَخِيطُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ : لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمَسْجِدَ مَعَاشًا وَلَا مَقِيلًا وَلَا مَبِيتًا ، إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ ، وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِي طَرِيقٍ قَرِيبٍ مِنْهُ أَمُرُّ فِيهِ ؟ قَالَ : لَا يَتَّخِذُ طَرِيقًا مِثْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَمُرُّونَ فِيهِ ، قُلْت : فَإِنْ كَانَ يَوْمُ مَطَرٍ يُمَرُّ فِيهِ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ ضَرُورَةٌ يَضْطَرُّ إلَيْهِ مِثْلُ الْمَطَرِ نَعَمْ .

( مَسْأَلَةُ 20 ) قَوْلُهُ : وَفِي تَحْرِيمِ إقَامَةِ حَدٍّ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ ، انْتَهَى .
نَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا أُحِبُّ أَنْ يُضْرَبَ فِيهِ الْحَدُّ وَلَا يُقَامَ حَدٌّ ، لَعَلَّهُ يَكُونُ مِنْهُ شَيْءٌ ، انْتَهَى ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ قُبَيْلَ صَلَاةِ الْمَرِيضِ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَدٌّ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ : وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ إقَامَةِ حَدٍّ فِيهِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الصُّغْرَى .
وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ : وَيُجَنَّبُ الْمَسْجِدُ إقَامَةَ الْحُدُودِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .
وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ : وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ : لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ التَّحْرِيمُ ، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ

وَيُكْرَهُ فِيهِ كَثْرَةُ حَدِيثِ لَاغٍ ( و ) وَدُنْيَا ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : مَسْجِدُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَاصَّةً لَا يُنْشَدُ فِيهِ شِعْرٌ وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ ، كَرَامَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَرَى لِرَجُلٍ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ الذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ صَوْتٍ ( و ) بِغَيْرِ عِلْمٍ وَنَحْوِهِ ( م ) وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ ( هـ ) ، وَنَوْمُ غَيْرِ مُعْتَكِفٍ ، وَنَصُّهُ : وَمَا لَا يُسْتَدَامُ كَمَرِيضٍ وَضَيْفٍ وَمُجْتَازٍ ، وَعَنْهُ : مَنْعُ مُسْتَدَامٍ وَعَنْهُ : يَجُوزُ ( و ش )

، وَعَنْهُ يُكْرَهُ مَقِيلًا وَمَبِيتًا ، وَمَنَعَهُمَا شَيْخُنَا لِغَنِيٍّ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ لِلْحَنَفِيَّةِ : يُكْرَهُ إلَّا لِمُعْتَكِفٍ .
وَفِي الْمُحِيطِ : لِلْحَاجَةِ إلَى حِفْظِ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ ، وَيُبَاحُ أَنْ يُغْلَقَ أَبْوَابُهُ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ مَنْ يُكْرَهُ دُخُولُهُ إلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَهُوَ مِنْ أُغْلِقَ الْبَابُ فَهُوَ مُغْلَقٌ ، وَغُلِقَ فَهُوَ مَغْلُوقٌ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ .
وَكَرِهَهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَاخْتَارَ مَشَايِخُهُمْ كَقَوْلِنَا وَنَصَّ أَحْمَدُ ، قَالَ أَحْمَدُ : يُخْرَجُ الْمُعَبِّرُ لَا الْقَصَّاصُ ، وَقَالَ : يُعْجِبُنِي قَاصٌّ إذَا كَانَ صَدُوقًا ، وَمَا أَحْوَجَ النَّاسَ إلَيْهِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : أَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ وَضْعِ الْأَخْبَارِ فَلَا أَرَاهُ ، وَلَوْ قُلْت إنَّهُ يَسْمَعُهُمْ الْجَاهِلُ فَلَعَلَّهُ يَنْتَفِعُ ، وَكَرِهَ مَنْعَهُمْ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : مَا أَنْفَعَهُمْ لِلْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ عَامَّةُ حَدِيثِهِمْ كَذِبًا .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ : لَقِيَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَنَا أُرِيدُ مَجْلِسَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ ، فَقَالَ لِي : وَأَنْتَ أَيْضًا يَا شُجَاعُ ارْجِعْ ، فَرَجَعَتْ ، قَالَ إبْرَاهِيمُ : لَوْ كَانَ فِي هَذَا خَيْرٌ لَسَبَقَ إلَيْهِ الثَّوْرِيُّ وَوَكِيعٌ وَأَحْمَدُ وَبِشْرٌ .

وَفِي الْغُنْيَةِ : قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُ الْقَاصِّ ، لِأَنَّ الْقِصَصَ بِدْعَةٌ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ الْجَامِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ فَحُضُورُ مَجْلِسِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ .
فَأَمَّا قِرَاءَتُهُمْ لِلتَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا فَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ قَالَ : هَذِهِ مَسْأَلَةُ مُسْلِمٍ ؟ وَغَضِبَ ، وَظَاهِرُهُ الْإِنْكَارُ ، وَحَرَّمَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَالْقَاضِي وَذُكِرَ [ أَنَّ ] ابْنَ هُرْمُزَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ بَطَّةَ .

وَمَنْ جَعَلَ سُفْلَ بَيْتِهِ مَسْجِدًا انْتَفَعَ بِسَطْحِهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا ، وَأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ السَّطْحَ مَسْجِدًا انْتَفَعَ بِأَسْفَلِهِ ، لِأَنَّ السَّطْحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَسْفَلَ

بَابُ الْهِبَةِ وَهِيَ تَبَرُّعُ الْحَيِّ بِمَا يُعَدُّ هِبَةً عُرْفًا ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي فِي الصَّدَاقِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْعَفْوِ وَالتَّمْلِيكِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ فِي عَفْوٍ وَجْهَانِ .
وَفِي الْمُذْهَبِ أَلْفَاظُهَا : وَهَبْت وَأَعْطَيْت وَمَلَكْت .
وَفِي الِانْتِصَارِ أَطْعَمْتُكَهُ كَوَهَبْتُكَهُ ، { وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا } ، وَفِي الْغُنْيَةِ : يُكْرَهُ رَدُّ الْهَدِيَّةِ وَإِنْ قُلْت .
وَيُكَافِئُهُ أَوْ يَدْعُو لَهُ ، وَيُتَوَجَّهُ : إنْ لَمْ يَجِدْ دَعَا لَهُ ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ " لَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ " وَحَكَى أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى عَنْ وَهْبٍ قَالَ : تَرْكُ الْمُكَافَأَةِ مِنْ التَّطْفِيفِ ، وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ ، وَكَذَا اخْتَارَ شَيْخُنَا فِي رَدِّ الرَّافِضِيِّ أَنَّ مِنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ مُكَافَأَةَ مَنْ لَهُ يَدٌ أَوْ نِعْمَةٌ لِيَجْزِيَهُ بِهَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تُقْبَلُ هَدِيَّةُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، وَذَكَرُوهُ فِي الْغَنِيمَةِ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي الْمُشْرِكِ : أَلَيْسَ يُقَالُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ وَقَبِلَ ؟ وَقَدْ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ اخْتِيَارَ الْقَبُولِ أَثْبَتُ ، وَالثَّانِي أَنَّهَا نَاسِخَةٌ ، وَالثَّالِثُ : قَبِلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقَبُولُهُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ضَعِيفٌ أَوْ مَنْسُوخٌ ، وَقِيلَ : الْهِبَةُ تَقْتَضِي عِوَضًا وَقِيلَ : مَعَ عُرْفٍ ، فَلَوْ أَعْطَاهُ لِيُعَاوِضَهُ أَوْ لِيَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً فَلَمْ يَفِ فَكَالشَّرْطِ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَإِنْ شَرَطَهُ مَعْلُومًا صَحَّتْ ، كَعَارِيَّةٍ ، وَقِيلَ : بِقِيمَتِهَا بَيْعًا وَعَنْهُ : هِبَةً ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ، كَنَفْيِ ثَمَنٍ ، وَكَمَجْهُولٍ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ فِيهِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَيُرْضِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ رَدَّهَا بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَلِفَتْ فَقِيمَتُهَا يَوْمَهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ

يُكَافِئَهُ بِالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ ادَّعَى رَبُّهَا شَرْطَ الْعِوَضِ أَوْ الْبَيْعِ فَأَنْكَرَهُ فَوَجْهَانِ ( م 1 ) وَتَصِحُّ هِبَةُ جَائِزٍ بَيْعُهُ خَاصَّةً ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ ، وَقَالَ إذَا وَقَفَ أَوْ وَصَّى بِأَرْضٍ مُشَاعَةٍ احْتَاجَ أَنْ يَحُدَّهَا كُلَّهَا ، وَكَذَا الْبَيْعُ وَالصَّدَقَةُ هُوَ عِنْدِي وَاحِدٌ .
بَابُ الْهِبَة ( مَسْأَلَةُ 1 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ ادَّعَى رَبُّهَا شَرْطَ الْعِوَضِ أَوْ الْبَيْعِ فَأَنْكَرَهُ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ ادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهُ شَرَطَ الْعِوَضَ فَأَنْكَرَهُ الْمُتَّهِبُ أَوْ قَالَ : وَهَبَتْنِي مَا بِيَدِي فَقَالَ : بَلْ بِعْتُكَهُ ، فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ إذَا حَلَفَ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
( قُلْت ) الْهِبَةُ مِنْ الْأَدْنَى تَقْتَضِي عِوَضًا هُوَ الْقِيمَةُ إذَا قَبِلَهُ ، فَإِنْ مَاتَ رَجَعَ إنْ شَاءَ انْتَهَى ، وَقَطَعَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الْهِبَةُ ، هَذَا مَا يَظْهَرُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، كَمَا قَالَ فِي الْكَافِي ، وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ ، وَقَالَ : حَكَاهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرُ وَاحِدٍ

وَهِبَةُ مَجْهُولٍ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ كَصُلْحٍ ، وَقَالَ فِي الْكَافِي : وَكَلْبٌ وَنَجَاسَةٌ يُبَاحُ نَفْعُهَا ، نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أَهْدَى إلَى رَجُلٍ كَلْبَ صَيْدٍ : تَرَى لَهُ أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : هَذَا خِلَافُ الثَّمَنِ ، هَذَا عِوَضٌ مِنْ شَيْءٍ ، فَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا ، وَقِيلَ : وَجِلْدُ مَيْتَةٍ ، وَقِيلَ : وَمَجْهُولٌ عِنْدَ مُتَّهَبٍ ، وَغَيْرُ مَقْدُورٍ ، كَوَصِيَّةٍ ، وَيُتَوَجَّهُ [ مِنْهُ ] هِبَةُ مَعْدُومٍ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي عَبْدَةَ : سُئِلَ عَنْ الصَّدَقَةِ بِثُلُثِ دَارٍ غَائِبَةٍ عَلَى رَجُلٍ مُشَاعَةٍ ، وَحَدِّ الدَّارِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ ، قَالَ : جَائِزٌ ، لَيْسَ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ : لَا يَجُوزُ حَتَّى يُعَرِّفَ الدَّارَ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ : إذَا قَالَ ثُلُثُ ضَيْعَتِي لِفُلَانٍ بِلَا قِسْمَةٍ جَازَ إذَا كَانَتْ تُعْرَفُ ، وَلَا مُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ غَيْرِ الْمَوْتِ ، وَلَا مُؤَقَّتَةً ، خِلَافًا لِلْحَارِثِيِّ فِيهِمَا ، إلَّا فِي الْعُمْرِيِّ ، كَقَوْلِهِ : أَعْمَرْتُكَ أَوْ أَعْطَيْتُك أَوْ جَعَلَتْهُ لَك عُمْرَك أَوْ عُمْرِي أَوْ مَا بَقِيت أَوْ حَيَاتَك ، فَيَصِحُّ وَيَصِيرُ لِلْمُعَمَّرِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ، كَتَصْرِيحِهِ ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ : مَنْ يُعَمَّرُ الْجَارِيَةَ أَيَطَأُ ؟ قَالَ : لَا أَرَاهُ ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَرَعِ ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ ، وَرَوَى سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ { أَنَّ رَجُلًا أَعْمَرَ فَرَسًا حَيَاتَهُ ، فَخَاصَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ } وَالْإِنْسَانُ إنَّمَا يَمْلِكُ الشَّيْءَ عُمْرَهُ ، فَقَدْ وَقَّتَهُ بِمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ ، فَصَارَ كَالْمُطْلَقِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَالنَّهْيُ إذَا كَانَ صِحَّةُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ضَرَرًا عَلَى مُرْتَكِبِهِ لَمْ تُمْنَعْ صِحَّتُهُ ، كَطَلَاقِ الْحَائِضِ ، وَصِحَّةُ الْعُمْرَى ضَرَرٌ ، لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِلَا عِوَضٍ ، وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهُ إلَيْهِ إنْ مَاتَ قَبْلَهُ

أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الرُّقْبَى أَوْ رُجُوعُهُ مُطْلَقًا إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ فَسَدَ الشَّرْطُ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَعَنْهُ : صِحَّتُهُ كَالْعَقْدِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، قَالَ أَحْمَدُ : حَدِيثُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ } وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ { مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ } نَقَلَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَسُكْنَاهُ أَوْ غَلَّتُهُ أَوْ خِدْمَتُهُ لَك أَوْ مَنَحْتُكَهُ عَارِيَّةً ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : إذَا قَالَ هُوَ وَقْفٌ عَلَى فُلَانٍ فَإِذَا مَاتَ فَلِوَلَدِي أَوْ لِفُلَانٍ فَكَمَا قَالَ ، إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ الْوَاقِفُ لَيْسَ يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا ، إنَّمَا هُوَ لِمَنْ وَقَفَهُ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ ، مِثْلُ السُّكْنَى ، وَالسُّكْنَى مَتَى شَاءَ رَجَعَ فِيهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الرُّقْبَى وَالْوَقْفِ : إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ بِخِلَافِ السُّكْنَى وَنَقَلَ : الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْوَقْفُ مَعْنًى وَاحِدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَرْطٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَرَثَةِ الْمُعَمِّرِ ، وَإِنْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنَّهُ لَهُ حَيَاتَهُ رَجَعَ ، وَإِنْ جَعَلَهُ لَهُ حَيَاتَهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الَّذِي أُعْمِرَهُ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ وَيُقَدَّمُ إذَا وُقِفَ الْوَقْفُ .

وَتَصِحُّ بِالْعَقْدِ ، وَهَلْ يَمْلِكُهَا بِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ النَّمَاءُ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ
مَسْأَلَةُ 2 ) قَوْلُهُ : وَتَصِحُّ بِالْعَقْدِ ، وَهَلْ يَمْلِكُهَا بِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَفِي الِانْتِصَارِ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَمْلِكُهَا بِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَلَيْسَ الْقَبْضُ بِرُكْنٍ فِيهَا ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الِانْتِصَارِ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَجْعَلُ الْقَبْضَ مُعْتَبَرًا لِلُزُومِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا لَا لِانْعِقَادِهَا وَإِنْشَائِهَا ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ ، وَغَيْرُهُمْ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ عَلَى الْقَبْضِ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، قَالَ فِي الْكَافِي : لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا بِقَبْضِهِ ، وَفِيمَا عَدَاهُ رِوَايَتَانِ .
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْغُرُوبِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَالْعَبْدُ مَوْهُوبٌ لَمْ يُقْبَضْ ثُمَّ قُبِضَ وَقُلْنَا يُعْتَبَرُ فِي هِبَتِهِ الْقَبْضُ فَفِطْرَتُهُ عَلَى الْوَاهِبِ ، وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ ، كَالْإِيجَابِ فِي غَيْرِهَا ، وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ ، وَقِيلَ : يَقَعُ الْمِلْكُ مُرَاعًى ، فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَبُولِهِ ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْفِطْرَةِ ،

، وَيَلْزَمُ بِقَبْضِهَا بِإِذْنِ وَاهِبٍ ، وَعَنْهُ : مُتَمَيِّزٌ بِالْعَقْدِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هُوَ الْمَذْهَبُ ، وَيُعْتَبَرُ ، إذْنُ وَاهِبٍ فِيهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : فِي صِحَّةِ قَبْضِهِ بِلَا إذْنِهِ رِوَايَتَانِ .
وَيَلْزَمُ فِي كُلِّ مَا بِيَدِ مُتَّهَبٍ بِالْعَقْدِ ، وَعَنْهُ : يُعْتَبَرُ مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهَا فِيهِ ، وَعَنْهُ : وَإِذْنُهُ [ فِيهِ ] وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي إذْنِهِ أَوْ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا ، وَعَنْهُ : لَا ، وَيَبْطُلُ إذْنُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، وَوَارِثُ وَاهِبٍ يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَقِيلَ : يَبْطُلُ الْعَقْدُ ، كَمُتَّهَبٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَيَقْبِضُ أَبٌ لِطِفْلٍ مِنْ نَفْسِهِ ، وَالْأَصَحُّ : لَا يَحْتَاجُ قَبُولًا ، وَفِي قَبْضِ وَلِيِّ غَيْرِهِ مِنْ نَفْسِهِ رِوَايَتَا شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ .
وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمَشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فِيهِ ، فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً .
قَالَ فِي الْفُنُونِ : بَلْ عَارِيَّةٌ يَضْمَنُهُ ( م 3 )

مَسْأَلَةُ 3 ) قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ : يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمَشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فِيهِ ، فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا ، وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً ، قَالَ فِي الْفُنُونِ : بَلْ عَارِيَّةٌ يَضْمَنُهُ ، انْتَهَى .
مَا قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ قَطَعَ بِهِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ : يَكُونُ نِصْفُ الشَّرِيكِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ ، فَزَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ ، إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ هُنَا ذَلِكَ فَيَقْوَى كَوْنُهُ أَمَانَةً ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ حَيْثُ قَبَضَهُ أَعْنِي بَعْدَ الشَّرِكَةِ أَوْ يَكُونُ انْتَقَلَ إلَيْهِمَا مَعًا بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَيَقْوَى الضَّمَانُ ، حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ ، وَقِيلَ : لِصُلْبِهِ ، وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ : لَا وَلَدَ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ [ وَعَنْهُ ] لَا فِي نَفَقَةٍ كَشَيْءٍ تَافِهٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : كَشَيْءٍ يَسِيرٍ ، وَعَنْهُ : بَلَى مَعَ تَسَاوِي فَقْرٍ أَوْ غِنًى بِقَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ .
وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي : وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ كَتَسْوِيَةٍ فِي وَجْهٍ بَيْنَ أَبٍ وَأُمٍّ وَأَخ وَأُخْتٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ ، وَعَنْهُ : الْمُسْتَحَبُّ ذَكَرٌ كَأُنْثَى ، كَنَفَقَةٍ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَكَانَ يُقَالُ : يَعْدِلُ بَيْنَهُمْ فِي الْقُبَلِ ، فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرُ وَقْفٍ وَاحْتَجَّ بِهِ الْحَارِثِيُّ عَلَى وُجُوبِهِ مَعَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِبَعْضِهِمْ ، وَالْأَصَحُّ هُنَا : لَا ، وَمِثْلُهُمْ بَقِيَّةُ أَقَارِبِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ وَغَيْرِهِ ، وَزَعَمَ الْحَارِثِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى ، وَهُوَ سَهْوٌ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي تَعْلِيلِ [ قَوْلِهِ ] لَا تُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : إنْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَعُمَّهُمْ بِالنِّحْلَةِ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي ذِمِّيٍّ نَحَلَ بَعْضَ وَلَدِهِ فَمَاتَ الْمَنْحُولُ وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ كَيْفَ حَالُهُ فِي هَذَا الْمَالِ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي الشِّرْكِ .
وَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ أَوْ فَضَّلَهُ وَقِيلَ : لِغَيْرِ مَعْنًى فِيهِ سَوَّى بِرُجُوعٍ ، لَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ غَيْرَهُ فِي رِوَايَةِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَالْأَشْهَرُ : وَكَذَا بِإِعْطَاءٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا فِي مَرَضِهِ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ : لَا يَنْفُذُ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ : يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ تَبَيَّنَّا لُزُومَهُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ

بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ وَشَيْخُنَا .
وَحُكِيَ عَنْهُ بُطْلَانُهَا ، اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : قَوْلُهُمْ لَوْ حُرِّمَ لَفَسَدَ : وَالتَّحْرِيمُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي رِوَايَةٍ لَا فِي أُخْرَى ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي دَارِ غَصْبٍ ، فَدَلَّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَيْنِ وَلَهُ التَّخْصِيصُ بِإِذْنٍ ، ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ ، وَلَهُ تَمَلُّكُهُ بِلَا حِيلَةٍ ، قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا .

وَلَا يُكْرَهُ قَسَمُ [ حَيٍّ ] مَالَهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : لَا يُعْجِبُنِي ، فَإِنْ حَدَثَ وَلَدٌ سَوَّى نَدْبًا ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقِيلَ : وُجُوبًا ، قَالَ أَحْمَدُ : أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُسَوِّي ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي ، وَتُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ : ذَكَرٌ كَأُنْثَى فِي وَقْفٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : لَا بَأْسَ ، قِيلَ : فَإِنْ فَضَّلَ ؟ قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي عَلَى وَجْهِ الْأَثَرَةِ إلَّا لِعِيَالٍ بِقَدْرِهِمْ وَقِيلَ : بَلْ كَهِبَةٍ ، وَقِيلَ : وَبِمَنْعِهَا ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْحَارِثِيُّ .

وَلَوْ وَقَفَ ثُلُثَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْوَارِثِ أَوْ وَصَّى بِوَقْفِهِ فَعَنْهُ : كَهِبَةٍ ، فَيَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ ، وَعَنْهُ : لَا ، إنْ قِيلَ هِبَةٌ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُ فِي ثُلُثِهِ ، وَهِيَ أَشْهَرُ ( م 4 ) فَعَلَيْهَا لَوْ سَوَّى بَيْنَ ابْنِهِ وَبِنْتِهِ فِي دَارٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَرَدَّا فَثُلُثُهَا وَقْفٌ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَثُلُثَاهَا مِيرَاثٌ ، وَإِنْ رَدَّ ابْنُهُ فَلَهُ ثُلُثَا الثُّلُثَيْنِ إرْثًا وَلِبِنْتِهِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا ، وَإِنْ رَدَّتْ فَلَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا وَلِابْنِهِ نِصْفُهُمَا وَقْفًا وَسُدُسُهَا إرْثًا ، لِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ التَّسْوِيَةَ وَلِبِنْتِهِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا ، وَعَلَى الْأُولَى عَمَلُك فِي الدَّارِ كَثُلُثَيْهَا عَلَى الثَّانِيَةِ ، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ زَائِدٍ عَلَى ثُلُثِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ .

مَسْأَلَةُ 4 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَقَفَ ثُلُثَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْوُرَّاثِ أَوْ أَوْصَى بِوَقْفِهِ فَعَنْهُ : كَهِبَةٍ فَيَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ ، وَعَنْهُ : لَا ، وَإِنْ قِيلَ هِبَةٌ ، وَعَنْهُ : تَلْزَمُ فِي ثُلُثِهِ ، وَهِيَ أَشْهَرُ ، انْتَهَى .
( الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : هِيَ أَشْهَرُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَصَّهُمَا ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَعَنْهُ : لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، قَالَ فِي الْمُقْنِعِ : وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى : أَنَّهُ كَالْهِبَةِ ، فَيَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : لَوْ وَقَفَ الثُّلُثَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَارِثٍ أَوْ وَصَّى أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ صَحَّ وَلَزِمَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا يَصِحُّ ، وَعَنْهُ : إنْ أُجِيزَ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ ، كَالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ ، ثُمَّ قَالَ : قُلْت : إنْ قُلْنَا هُوَ لِلَّهِ صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا .

وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ وَاهِبٍ فِي هِبَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَالْقِيمَةِ ، وَعَنْهُ : وَلَوْ أَبًا وَعَنْهُ ، فِيهِ : يَرْجِعُ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ أَوْ رَغْبَةٌ ، كَتَزْوِيجٍ وَفَلَسٍ ، أَوْ مَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُتَّهَبِ مُؤَبَّدًا أَوْ مُوَقَّتًا ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ رَجَعَ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ مُجَدَّدًا ، وَفِيهِ بِفَسْخٍ وَجْهَانِ ( م 5 )
مَسْأَلَةُ 5 ) قَوْلُهُ فِي رُجُوعِ الْأَبِ فِي الْهِبَةِ لِوَلَدِهِ : وَفِيهِ بِفَسْخٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَهُ الرُّجُوعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَرْجِعُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهَذَا فِي الْإِقَالَةِ إذَا قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فَيَمْتَنِعُ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ ، قَالَهُ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ :

وَقِيلَ : إنْ وَهَبَ وَلَدَيْهِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَفِي رُجُوعِهِ فِي الْكُلِّ وَجْهَانِ ، وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ فَاحْتِمَالَانِ فِي الِانْتِصَارِ ( م 6 )
مَسْأَلَةُ 6 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ فَاحْتِمَالَانِ فِي الِانْتِصَارِ ، انْتَهَى .
قَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ : أَظْهَرُهُمَا لَا يَسْقُطُ لِثُبُوتِهِ لَهُ بِالشَّرْعِ ، كَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ حَقَّهُ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ ، وَقَدْ يَتَرَجَّحُ سُقُوطُهُ ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُجَرَّدُ حَقِّهِ ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ لِلَّهِ وَلِلْمَرْأَةِ ، وَلِهَذَا يَأْثَمُ بِعَضْلِهِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَلَيْسَ كَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ حَقَّهُ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ ، وَيَأْتِي نَظِيرَتُهَا فِي الْحَضَانَةِ .

وَفِي زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ ، رِوَايَتَانِ ( م 7 )
( مَسْأَلَةُ 7 ) قَوْلُهُ : وَفِي زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ : وَفِي مَنْعِ الْمُتَّصِلَةِ صُورَةً وَمَعْنًى رِوَايَتَانِ ، زَادَ فِي الْكُبْرَى : كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَبَلٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) يُمْنَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَرَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّمَانِينَ بَعْدَ إطْلَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ : وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ ، انْتَهَى .
وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُمْنَعُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : الْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمُفْلِسِ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُفْلِسِ عَدَمَ الرُّجُوعِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فَقَالَ : وَيُشَارِكُ الْمُتَّهِبُ بِالْمُتَّصِلَةِ .
وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ : لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ لِلزِّيَادَةِ انْتَهَى ، فَاخْتَلَفَا لِمَنْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ .

وَفِي رُجُوعِ امْرَأَةٍ فِيمَا وَهَبَتْهُ زَوْجَهَا بِمَسْأَلَتِهِ وَقِيلَ : أَوْ لَا ، رِوَايَتَانِ ( م 8 ) وَقِيلَ : تَرْجِعُ : إنْ وَهَبَتْهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ فَلَمْ يَنْدَفِعْ ، أَوْ عِوَضٍ أَوْ شَرْطٍ فَلَمْ يَحْصُلُ .
مَسْأَلَةُ 8 ) قَوْلُهُ : وَفِي رُجُوعِ امْرَأَةٍ فِيمَا وَهَبَتْهُ زَوْجَهَا بِمَسْأَلَتِهِ وَقِيلَ : أَوْ لَا ، رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَهَا الرُّجُوعُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ بِمَا وَهَبَتْ زَوْجَهَا بِمَسْأَلَتِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَالشَّيْخُ فِي الْكَافِي ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُقْنِعِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَالَ : إنَّهُ أَظْهَرُ ، وَغَيْرُهُمْ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ الرُّجُوعِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِنْهُ ضَرَرٌ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَهَا الرُّجُوعُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : بِمَسْأَلَتِهِ وَقِيلَ أَوْ لَا .
فَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إذَا وَهَبَتْهُ بِغَيْرِ مَسْأَلَتِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْوَجْهَيْنِ ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَقِيلَ : لَهَا الرُّجُوعُ أَيْضًا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .

وَلَوْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تُبَرِّئْنِي فَأَبْرَأَتْهُ صَحَّ ، وَهَلْ تَرْجِعُ ؟ ثَالِثُهَا تَرْجِعُ إنْ طَلَّقَهَا ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ( م 9 )
مَسْأَلَةُ 9 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تُبْرِئْنِي فَأَبْرَأَتْهُ صَحَّ ، وَهَلْ تَرْجِعُ ؟ ثَالِثُهَا تَرْجِعُ إنْ طَلَّقَهَا ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَلَكِنَّ رُجُوعَهَا هُنَا آكَدُ وَأَوْلَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُدُوثِ زِيَادَةٍ فَوَجْهَانِ ( م 10 ) وَالْمُنْفَصِلَةُ لِابْنٍ ، وَقِيلَ : لِأَبٍ ، وَلَا تُمْنَعُ الرُّجُوعَ ، كَنَقْصِهِ ، وَفِيهَا فِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ .
( مَسْأَلَةُ 10 ) قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُدُوثِ زِيَادَةٍ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَمْنَعُهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِمُوَافَقَةِ دَعْوَاهُ الْأَصْلَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلَدِ فِي حُدُوثِهَا ، وَهُوَ بَعِيدٌ .

وَإِنْ وَهَبَهُ مُتَّهِبٌ لِابْنِهِ فَفِي رُجُوعِ أَبِيهِ وَعَدَمِهِ وَرُجُوعِهِ إنْ رَجَعَ ابْنُهُ احْتِمَالَانِ ( م 11 و 12 ) وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : يَرْجِعُ جَدٌّ ، فِي وَجْهٍ ، وَرُجُوعُهُ بِقَوْلِهِ ، عَلِمَ الْوَلَدُ أَوْ لَا ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَا يَجُوزُ عَتْقُهَا حَتَّى يَرْجِعَ فِيهَا وَيَرُدَّهَا إلَيْهِ ، إذَا قَبَضَهَا أَعْتَقَهَا ، فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ قَبْضِهِ وَأَنَّهُ يَكْفِي ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي قَبْضِهِ مَعَ قَرِينَةٍ وَجْهَيْنِ وَكَذَا بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَلَا يَنْفُذُ ، وَلَيْسَ الْوَطْءُ بِمُجَرَّدِهِ رُجُوعًا ، وَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا ، مَا لَمْ يَضُرَّهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : مَا لَمْ يُجْحِفْ بِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، وَفِيهِ : وَمَا لَمْ يُعْطِهِ وَلَدًا آخَرَ ، وَنَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ حِينَ أَخَذَهُ صَارَ لَهُ فَيَعْدِلُ بَيْنَهُمَا ، وَعَنْهُ : لَهُ تَمَلُّكُهُ كُلِّهِ ، وَقِيلَ : بَلْ مَا احْتَاجَهُ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ : يَأْكُلُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ إلَّا أَنْ يُفْسِدَهُ فَلَهُ الْقُوتُ ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ [ فِيهِ ] قَبْلَ تَمَلُّكِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ شَيْخُنَا : وَيَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِ لِأَجْلِ الْأَذَى سِيَّمَا بِالْحَبْسِ .
وَفِي الْمُوجَزِ : لَا يَمْلِكُ إحْضَارَهُ مَجْلِسَ حُكْمٍ ، فَإِنْ حَضَرَ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُحْبَسْ ، وَيَمْلِكُهُ بِقَبْضِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، مَعَ قَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ ، وَيُتَوَجَّهُ : أَوْ قَرِينَةٍ .
وَفِي الْمُبْهِجِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ رِوَايَتَانِ ، بِنَاءً عَلَى حُصُولِ مِلْكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَيَصِحُّ بَعْدَهُ ، وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَعَ غِنَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى عَلَيْهِ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ : وَلَوْ كُنْت أَنَا لَجَبَرْته عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ ، وَعَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك }

( مَسْأَلَةُ 11 و 12 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَهَبَهُ مُتَّهِبٌ لِابْنِهِ فَفِي رُجُوعِ أَبِيهِ وَعَدَمِهِ وَرُجُوعِهِ إنْ رَجَعَ ابْنُهُ احْتِمَالَانِ انْتَهَى ، يَعْنِي فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ احْتِمَالَانِ ، إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 11 ) إذَا وَهَبَ الْمُتَّهِبُ لِابْنِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ فَهَلْ يَرْجِعُ الْجَدُّ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَمْلِكُ الْجَدُّ الرُّجُوعَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِهِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالشَّارِحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمْ ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْأَبِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ الرُّجُوعُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَهِمَ ، انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) قَدْ ظَهَرَ لَك بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرًا ظَاهِرًا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 12 ) إذَا رَجَعَ الِابْنُ فِي هِبَتِهِ الَّتِي وَهَبَهَا أَبُوهُ لَهُ فَهَلْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيمَا رَجَعَ إلَى وَلَدِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَرْجِعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جُزِمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَرْجِعُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ ، وَفِيهِ قُوَّةٌ .
( تَنْبِيهٌ ) قَدْ لَاحَ لَك أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَلْ يَثْبُتُ لِوَلَدِهِ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ أَوْ قِيمَةُ مُتْلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَنَصُّهُ : لَا ، ( م 13 ) وَإِنْ ثَبَتَ فَفِي مِلْكِهِ إبْرَاءَ نَفْسِهِ نَظَرٌ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ لَا يَمْلِكُهُ ، كَإِبْرَائِهِ لِغَرِيمِهِ ( م 14 ) وَقَبْضِهِ مِنْهُ ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَمْلِكْهُ .

مَسْأَلَةُ 13 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَثْبُتُ لِوَلَدِهِ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ أَوْ قِيمَةُ مُتْلَفٍ أَوْ غَيْرُهُ ؟ فِيهَا وَجْهَانِ ، وَنَصُّهُ : لَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ( أَحَدُهُمَا ) يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لِوَلَدِهِ الدَّيْنُ وَنَحْوُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ وَانْتِفَاءِ الْمُطَالَبَةِ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ ، انْتَهَى .
وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَوْلَدَ أَمَةَ ابْنِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ قِيمَتُهَا فِي ذِمَّتِهِ ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَثْبُتُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ الْبَنَّا ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ النَّصَّ ( قُلْت ) : قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي : يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ النَّصُّ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُهُ : إذَا مَاتَ الْأَبُ بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ ، وَقَوْلُهُ : مَنْ أَخَذَ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ شَيْئًا فَأَنْفَقَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ بَعْدِهِ ، عَلَى أَنَّ أَخْذَهُ لَهُ وَإِنْفَاقَهُ إيَّاهُ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ ، انْتَهَى .
( مَسْأَلَةُ 14 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ ثَبَتَ فَفِي مِلْكِهِ إبْرَاءَ نَفْسِهِ نَظَرٌ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَذَكَر غَيْرُهُ لَا يَمْلِكُهُ ، كَإِبْرَائِهِ لِغَرِيمِهِ ، انْتَهَى ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يَمْلِكُ الْأَبُ إسْقَاطَ دَيْنِ الِابْنِ عَنْ نَفْسِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ الْمِلْكِ لِذَلِكَ ، كَمَا قَالَهُ غَيْرُ الْقَاضِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا .

وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِ ابْنِهِ فَأَنْكَرَ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ ، وَهُوَ عَلَى الْأَبِدِ [ نَقَلَهُ مُهَنَّا ] فَظَاهِرُهُ لَا يَرْجِعُ إنْ أَقَرَّ الِابْنُ ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُهُ ، وَمِثْلُهُ وَارِثُهُ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، وَفِي الِانْتِصَارِ فِيمَنْ قَتَلَ ابْنَهُ إنْ قُلْنَا الدِّيَةُ لِوَارِثٍ طَالَبَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنَّ الْمُبَاحَ يَحْرُمُ إتْلَافُهُ عَبَثًا وَلَا يَضْمَنُهُ ، فَإِنْ مَاتَ فَفِي أَخْذِهِ عَيْنُ مَالِهِ وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ : أَوْ بَعْضُهُ وَلَمْ يُنْقَدْ ثَمَنُهُ رِوَايَتَانِ ( م 15 ) وَمَا قَضَاهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَصَّى بِقَضَائِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ ، وَنَصُّهُ : يَسْقُطُ ، كَحَبْسِهِ بِهِ ، فَلَا يَثْبُتُ ، كَحَيَاتِهِ ، وَيَطْلُبُهُ بِنَفَقَتِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ .
وَعَيْنٌ فِي يَدِهِ ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : مَا حَازَهُ لَا يَأْخُذُهُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ إذَا حَازَهُ لِنَفْسِهِ .

( مَسْأَلَةُ 15 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ مَاتَ فَفِي أَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ : أَوْ بَعْضِهِ وَلَمْ يُنْقَدْ ثَمَنُهُ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ .
( إحْدَاهُمَا ) لَهُ الْأَخْذُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدْ قَدَّمَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْأَبِ ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : إذَا كَانَ فِي الدَّيْنِ فَفِي الْعَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَأَحْرَى ، قَالَ فِي الْكَافِي : قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، وَهَذَا إذَا صَارَ إلَى الْأَبِ بِغَيْرِ تَمْلِيكٍ وَلَا عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، فَأَمَّا إنْ صَارَ إلَيْهِ بِنَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الثُّبُوتِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، فَهَذِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً .

وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ مَالًا لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ اقْتَرَضَهُ ثُمَّ مَاتَ قَالَ : مَا وَجَدُوهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَالُهُمْ عَلَيْهِ ، وَمَا اسْتَهْلَكَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِمْ دَيْنٌ ، وَكَانَ [ قَالَ ] قَبْلَ ذَلِكَ : يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ دَيْنُ وَلَدِهِ ، وَالْأُمُّ كَأَبٍ فِي تَسْوِيَةٍ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْإِفْصَاحِ وَالْوَاضِحِ وَغَيْرِهِمَا : وَرُجُوعٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، قَالَهُ فِي الْمُوجَزِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالشَّيْخُ ، وَقِيلَ : وَتَمْلِكُ ، وَنُصُوصُهُ : لَا تَتَمَلَّكُ وَلَا تَتَصَدَّقُ ، قَالَ : وَهِيَ أَحَقُّ بِالْبِرِّ مِنْهُ ، وَيُتَوَجَّهُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً وَمِنْ رِوَايَةِ ثُبُوتٍ وِلَايَةٌ لِجَدٍّ وَإِجْبَارُهُ أَنْ يَكُونَ كَأَبٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا لَمْ يُخَالِفْ ( عِ ) كَالْعُمْرِيَّتَيْنِ .

وَهَدِيَّةٌ كَهِبَةٍ ، وَكَذَا صَدَقَةٌ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَحَنْبَلٌ : لَا رُجُوعَ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْهَدِيَّةِ قَبُولٌ ، لِلْعُرْفِ ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ .
وَوِعَاءُ هَدِيَّةٍ كَهِيَ ، مَعَ عُرْفٍ ،

وَمَنْ أَهْدَى لِيُهْدَى إلَيْهِ أَكْثَرُ فَنَقَلَ صَالِحٌ أَنَّ أَبَاهُ ذَكَرَ قَوْلَ الضَّحَّاكِ : لَا بَأْسَ بِهِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ سَأَلَ الْحَاجَةَ فَسَعَى مَعَهُ فِيهَا فَيُهْدِي لَهُ قَالَ : إنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْبِرِّ وَطَلَبَ الثَّوَابَ كَرِهْته لَهُ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِيمَنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ فَيُهْدِي لَهُ : إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لِأَدَاءِ أَمَانَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ ، إلَّا أَنْ يُكَافِئَهُ .

وَنَقَلَ يَعْقُوبُ : لَا يَنْبَغِي لِلْخَاطِبِ إذَا خَطَبَ لِقَوْمٍ أَنْ يَقْبَلَ لَهُمْ هَدِيَّةً ، فَهَاتَانِ رِوَايَتَانِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا التَّحْرِيمَ ، قَالَ : وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَكَابِرِ ، قَالَ : وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد ( بَابُ الْهَدِيَّةِ لِلْحَاجَةِ ) ثُمَّ رُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا } وَكَانَ الزَّجَّاجُ أَدَّبَ الْقَاسِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ فَلَمَّا تَوَلَّى الْوَزَارَةَ كَانَ وَظِيفَتُهُ عَرْضَ الْقِصَصِ وَقَضَاءَ الْأَشْغَالِ وَيُشَارِطُ وَيَأْخُذُ مَا أَمْكَنَهُ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظِمِ : يَجِبُ عَلَى الْوُلَاةِ إيصَالُ قِصَصِ أَهْلِ الْحَوَائِجِ ، فَإِقَامَةُ مَنْ يَأْخُذُ الْجُعْلَ عَلَى هَذَا حَرَامٌ ، فَإِنْ كَانَ الزَّجَّاجُ لَا يَعْلَمُ مَا فِي هَذَا فَهُوَ جَهْلٌ ، وَإِلَّا فَحِكَايَتُهُ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ قِلَّةِ الْفِقْهِ .
وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ : إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

تَصِحُّ مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً مِنْ مُكَلَّفٍ ، قَالَ فِي الْكَافِي : لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ ( وَ ش ) قَالَ : لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ ، وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ ، وَلَنَا خِلَافٌ ، هَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمِلْكَ أَوْ مَا دَامَ مُكَلَّفًا أَوْ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ ( م 1 ) وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْت لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ } مَعْنَى بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ بَلَغَتْ الرُّوحُ ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الْخَطَّابِيِّ : وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ ، إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ ، بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

كِتَابُ الْوَصَايَا ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمِلْكَ أَوْ مَا دَامَ مُكَلَّفًا أَوْ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ؟ فِيهِ [ ثَلَاثَةُ ] أَقْوَالٍ .
( أَحَدُهَا ) تُقْبَلُ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ، لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ } قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ اللَّطَائِفِ : فَمَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُغَرْغِرَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ، وَقَدَّمَهُ ، لِأَنَّ الرُّوحَ تُفَارِقُ الْقَلْبَ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ فَلَا يَبْقَى لَهُ نِيَّةٌ وَلَا قَصْدٌ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) تُقْبَلُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَلَكَ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا .
وَقَدْ خَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : { سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَتَى تَنْقَطِعُ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ مِنْ النَّاسِ ؟ قَالَ : إذَا عَايَنَ } يَعْنِي الْمِلْكَ ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : " لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي مُهْلَةٍ مِنْ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَأْتِهِ مَلَكُ الْمَوْتِ يَقْبِضُ رُوحَهُ ، فَإِذَا نَزَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَا تَوْبَةَ حِينَئِذٍ " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : " التَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ مَا لَمْ يَنْزِلْ سُلْطَانُ الْمَوْتِ " .
وَرَوَى فِي كِتَابِ الْمَوْتِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : " إذَا عَايَنَ الْمَيِّتُ الْمَلَكَ ذَهَبَتْ الْمَعْرِفَةُ " .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوُهُ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الرِّعَايَتَيْنِ ، وَنِهَايَةِ الْمُبْتَدِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ كُتَيْلَةُ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مَا دَامَ مُكَلَّفًا ، وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَالصَّوَابُ قَبُولُهَا مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا وَإِلَّا فَلَا .
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْ

تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَمُوتُ سَرِيعًا ، وَتَأْتِي هَذِهِ الْأَقْوَالُ اسْتِطْرَادًا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ، وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ .

وَقِيلَ : غَيْرِ سَفِيهٍ ، وَمَنْ بَالِغٍ عَشْرًا ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَفِي مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) لَا مِنْ مُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَقَادِرٍ ، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ ، وَقِيلَ : بَلَى ، كَأَخْرَسَ ، وَكَذَا إقْرَارُهُ ، وَنَصُّهُ : يَصِحُّ بِخَطِّهِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ وَرَثَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ، وَعَكَسَهُ خَتْمِهَا وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا ، فَيُخَرَّجُ فِيهَا رِوَايَتَانِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) [ قَوْلُهُ ] وَفِي مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشْرَ ، وَأَطْلَقَهُمَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْغُلَامِ لِدُونِ عَشْرٍ وَلَا إجَازَتُهُ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ : هَذَا الْأَشْهَرُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ : تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ .
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْعُدَّةِ : وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ ، وَقَطَعَ بِهِ الْبَعْلِيُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : لَمْ أَجِدْ هَذِهِ مَنْصُوصَةً عَنْ أَحْمَدَ .

وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا وَمَعَهُ إخْوَةٌ فَقَالَ وَصِيَّتِي عَلَى مِثْلِ وَصِيَّتِك : لَيْسَ ذَا بِشَيْءٍ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : مَا أَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ لِلسَّائِلِ : مَنْ وَرِثَهُ ؟ قَالَ : أَنَا ، قَالَ : فَأَنْفِذْهَا .
وَتَتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ مَعَ عِلْمِهِ مَا فِيهَا ، وَإِلَّا فَالرِّوَايَتَانِ .

وَتَصِحُّ مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ ، وَقِيلَ : وَمَعَ ذِي رَحِمٍ بِمَالِهِ ، وَعَنْهُ : بِثُلُثِهِ ، فَعَلَى الْأَوْلَى لَوْ وَرِثَهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ وَرَدَّ بَطَلَتْ بِقَدْرِ فَرْضِهِ مِنْ ثُلُثَيْهِ ، فَيَأْخُذُ الْوَصِيُّ الثُّلُثَ ثُمَّ ذُو الْفَرْضِ مِنْ ثُلُثَيْهِ ثُمَّ يُتَمِّمُ الْوَصِيَّةَ مِنْهُمَا ، وَقِيلَ : لَا يُتَمِّمُ كَوَارِثٍ بِفَرْضٍ وَرَدَّ ، وَعَلَيْهَا : بَيْتُ الْمَالِ جِهَةُ مَصْلَحَةٍ لَا وَارِثَ ، وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا لِآخَرَ فَلَهُ عَلَى الْأُولَى كُلُّهُ إرْثًا وَوَصِيَّةً ، وَقِيلَ : لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ وَصِيَّةً ثُمَّ فَرْضُهُ وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ .

وَتُسْتَحَبُّ مَعَ غِنَاهُ عُرْفًا .
وَقَالَ الشَّيْخُ مَعَ فَضْلِهِ عَنْ غِنَى وَرَثَتِهِ بِخُمُسِهِ ، وَقِيلَ : بِثُلُثِهِ .
وَفِي الْإِفْصَاحِ يُسْتَحَبُّ بِدُونِهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : بِخُمُسِهِ لِمُتَوَسِّطٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ مَنْ مَلَكَ فَوْقَ أَلْفٍ : إلَى ثُلُثِهِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْصَى بِالْخُمُسِ وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى وَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَالٌ كَثِيرٌ فَبِالرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : دُونَ أَلْفٍ فَقِيرٌ لَا يُوصِي بِشَيْءٍ قَالَ أَصْحَابُنَا : فَقِيرٌ ، وَيُكْرَهُ لِفَقِيرٍ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَارِثُهُ مُحْتَاجٌ ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ .

وَأَطْلَقَ فِي الْغُنْيَةِ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ لَا يَرِثُ ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلِمِسْكِينٍ وَعَالِمٍ وَدَيِّنٍ قَطَعَهُ عَنْ السَّبَبِ الْقَدَرُ ، وَضَيَّقَ الْوَرَعُ عَلَيْهِمْ الْحَرَكَةَ فِيهِ ، وَانْقَلَبَ السَّبَبُ عِنْدَهُمْ فَتَرَكُوهُ ، وَوَثِقُوا بِالْحَقِّ وَاشْتَاقَتْ أَقْسَامُهُمْ إلَيْهِ بِلَا تَبِعَةٍ وَلَا عُقُوبَةٍ ، طُوبَى لِمَنْ أَنَالَهُمْ أَوْ خَدَمَهُمْ أَوْ أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِمْ أَوْ أَحْسَنَ الْقَوْلَ فِيهِمْ ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ ، فَهَلْ يُدْخَلُ عَلَى الْمَلِكِ إلَّا بِخَاصَّتِهِ ؟ وَكَذَا قَيَّدَ فِي الْمُغْنِي اسْتِحْبَابَهَا لِقَرِيبٍ بِفَقْرِهِ ، مَعَ أَنَّ دَلِيلَهُ يَعُمُّ ، وَعَنْهُ : تَجِبُ لِقَرِيبٍ لَا يَرِثُهُ [ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ] وَفِي التَّبْصِرَةِ عَنْهُ : وَلِلْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ ، وَسَبَقَ قَبْلَ الْفَصْلِ الْآخِرِ فِي الْوَقْفِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا .

وَلَا يَجُوزُ لِوَارِثِهِ بِثُلُثِهِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ : فِي صِحَّتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، وَيَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لَهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، كَالرَّدِّ ، وَعَنْهُ : وَقَبْلَهُ فِي مَرَضِهِ خَرَّجَهَا الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ مِنْ إذْنِ الشَّفِيعِ فِي الشِّرَاءِ ، ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَشَيْخُنَا ، وَهِيَ تَنْفِيذٌ لِصِحَّتِهَا بِلَفْظِهَا وَبِقَوْلِهِ أَمْضَيْت ، فَلَا يَرْجِعُ مُجِيزُ وَالِدٍ ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي ، وَيَلْزَمُ بِغَيْرِ قَبُولِهِ وَقَبْضِهِ وَلَوْ مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ ، وَمَعَ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى مُجِيزِهِ ، وَمَعَ جَهَالَةِ الْمُجَازِ ، وَيُزَاحَمُ بِمُجَازٍ لِثُلُثِهِ لِلَّذِي لَمْ يُجَاوِزْهُ لِقَصْدِهِ تَفْضِيلَهُ ، كَجَمَلِهِ الزَّائِدِ لِثَالِثٍ ، وَكَوَصِيَّةٍ بِمِائَةٍ وَبِمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ ، فَنِصْفٌ وَثُلُثٌ مِنْ خَمْسَةٍ ، لِرَبِّ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ ، أَجَازُوا أَوْ رَدُّوا ، بِخِلَافِ وَصِيَّتِهِ بِمَالِهِ وَبِمِثْلِهِ لِوَاحِدٍ وَبِمَالِهِ لِآخَرَ إنْ سَلَّمَ ، لِعَدَمِ تَصَوُّرِ صِحَّةِ الزَّائِدِ ، وَالنِّصْفُ يَصِحُّ إنْ أَجَازُوا ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُقَسَّمُ الْمَالُ مَعَ الْإِجَازَةِ ، وَالثُّلُثُ مَعَ الرَّدِّ ثُلُثَانِ وَثُلُثٌ ، وَيَأْتِي فِي عَمَلِ الْوَصَايَا ، وَعَنْهُ : هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ ، وَأَطْلَقَهَا أَبُو الْفَرَجِ ، وَخَصَّهَا فِي الِانْتِصَارِ بِالْوَارِثِ ، فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ وَلَا يُزَاحِمُ بِمُجَاوِزٍ لِثُلُثِهِ ، لِبُطْلَانِهِ .

وَإِجَازَتُهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي احْتِمَالٍ فِي الِانْتِصَارِ وَقَالَ غَيْرُهُ : مِنْ ثُلُثِهِ ، كَمُحَابَاةِ صَحِيحٍ فِي بَيْعِ خِيَارٍ ثُمَّ مَرِضَ زَمَنَهُ وَأَذِنَ فِي قَبْضِ هِبَةٍ ، لَا خِدْمَتِهِ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا مَتْرُوكًا .

وَمَنْ أَجَازَهَا بِجُزْءٍ مُشَاعٍ وَقَالَ : ظَنَنْت قِلَّةَ الْمَالِ ، قُبِلَ ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَحَلَفَ وَرَجَعَ بِزَائِدٍ عَلَى ظَنِّهِ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُجَازُ عَيْنًا أَوْ مَبْلَغًا مُقَدَّرًا وَظَنَّ بَقِيَّةَ الْمَالِ كَثِيرًا وَفِيهِ وَجْهٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت قِيمَتَهُ أَلْفًا فَبَانَ أَكْثَرَ قُبِلَ ، وَلَيْسَ نَقْصًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ، قَالَ : وَإِنْ أَجَازَ وَقَالَ : أَرَدْت أَصْلَ الْوَصِيَّةِ ، قُبِلَ .

وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي وَصِيَّتِهِ ، نَحْوُ فَسَخْت ، أَوْ هُوَ لِوَرَثَتِي ، أَوْ مَا أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو وَلَمْ يَرْجِعْ فَبَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : لِلثَّانِي ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ يُؤْخَذُ بِآخِرِ الْوَصِيَّةِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : لِلْأَوَّلِ ، وَأَيُّهُمَا مَاتَ فَهُوَ لِلْآخَرِ ، وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ ثُمَّ بِثُلُثِهِ لِآخَرَ فَمُتَغَايِرَانِ ، وَفِي الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنهمَا .
وَلَوْ رَهَنَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَوْجَبَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَلَمْ يُقْبَلْ أَوْ عَرَضَهُ لِبَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ أَوْ زَالَ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ فَرُجُوعٌ ، كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ ، وَقِيلَ : لَا ، كَإِيجَارِهِ وَتَزْوِيجِهِ وَلُبْسِهِ وَسُكْنَاهُ ، وَكَوَصِيَّتِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَيَتْلَفُ أَوْ يَبِيعُهُ ثُمَّ يَمْلِكُ مَالًا .

وَإِنْ جَحَدَهُ أَوْ خَلَطَ بِصُرَّةِ مُوصًى بِقَفِيزٍ مِنْهَا بِغَيْرِهَا بِخَيْرٍ وَقِيلَ : مُطْلَقًا ، أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا أَوْ الْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ نَسَجَهُ أَوْ ضَرَبَ النَّقْرَةَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فَوَجْهَانِ ( م 3 - 5 ) وَذَكَرَهُمَا ابْنُ رَزِينٍ فِي وَطْئِهِ .

مَسْأَلَةٌ 3 - 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ جَحَدَهُ أَوْ خَلَطَ صُبْرَةَ مُوصٍ بِقَفِيزٍ مِنْهَا بِغَيْرِهَا بِخَيْرٍ ، وَقِيلَ : مُطْلَقًا ، أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا أَوْ الْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ نَسَجَهُ أَوْ ضَرَبَ النَّقْرَةَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 3 ) إذَا جَحَدَ الْوَصِيَّةَ فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَيْسَ بِرُجُوعٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ رُجُوعٌ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَقَيَّدَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا عَلِمَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4 ) إذَا خَلَطَ الصُّبْرَةَ الْمُوصَى بِقَفِيزٍ مِنْهَا بِغَيْرِهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَكُونُ رُجُوعًا .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : فَإِنْ أَوْصَى بِطَعَامٍ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَكْثَرُهُمْ بِالْخَيْرِيَّةِ ، بَلْ أَطْلَقُوا ، فَشَمِلَ الْخَيْرِيَّةَ وَغَيْرَهَا ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْحَاوِي فَقَالُوا : سَوَاءٌ كَانَ دُونَهُ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَكُونُ رُجُوعًا ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي ، وَيَأْتِي كَلَامُهُمَا ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ مَفْهُومُ

إيرَادِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، انْتَهَى .
وَصَرَّحُوا بِالْخَيْرِيَّةِ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِيمَا إذَا خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ وَقَالَ : هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْخَلْطَ هَلْ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ أَوْ اشْتِرَاكٌ ، فَإِنْ قُلْنَا هُوَ اشْتِرَاكٌ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَإِلَّا كَانَ رُجُوعًا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخَلْطَ اشْتِرَاكٌ ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ ، فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : وَإِنْ وَصَّى بِقَفِيزٍ مِنْهَا ثُمَّ خَلَطَ بِخَيْرٍ مِنْهَا فَقَدْ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا ، وَزَادَ فِي الْكُبْرَى : قُلْت : إنْ خَلَطَهَا بِأَرْدَأَ مِنْهَا صِفَةً فَقَدْ رَجَعَ ، وَإِنْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا فِي الصِّفَةِ فَلَا ، انْتَهَى وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ ثُمَّ خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا إلَّا أَنْ يَخْلِطَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا فَيَكُونُ رُجُوعًا ، انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) تَلَخَّصَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَابْنَ رَزِينٍ وَابْنَ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيَّ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْبَعْضُ بِالْخَيْرِيَّةِ وَلَا عَدَمِهَا ، وَقَيَّدَهُ الْبَعْضُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْإِطْلَاقُ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّقْيِيدِ وَعَدَمِهِ ، وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ بِالْخَيْرِيَّةِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ الْخَيْرِيَّةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ أَطْلَقُوا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِينَ قَيَّدُوا أَقَلُّ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَلْ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ مَعَ

الْإِطْلَاقِ وَيُقَدِّمَهُ ، وَيَجْعَلَ التَّقَيُّدَ بِالْخَيْرِيَّةِ طَرِيقَةً يُؤَخِّرُهُ عَكْسَ مَا عَمِلَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ فَقَدَّمَهُ : ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 5 ) إذَا عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا وَالْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ ضَرَبَ النَّقْرَةَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْكَافِي وَالنَّظْمِ فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَكُونُ رُجُوعًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ فِيمَا إذَا جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا وَنَسَجَ الْغَزْلَ وَنَحْوَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُقْنِعُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي غَيْرِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِمَا ، وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ فِيهِمَا ، وَصَحَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا أَزَالَ اسْمَهُ فَطَحَنَ الْحَبَّ وَنَسَجَ الْغَزْلَ أَنَّهُ رُجُوعٌ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَكُونُ رُجُوعًا ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : لَا يَكُونُ رُجُوعًا ، فِي الْأَصَحِّ .

وَإِنْ بَنَى فِيهَا وَارِثٌ وَخَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ فَقِيلَ : يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ، وَقِيلَ : لَا ( م 6 ) وَيَضْمَنُ مَا نَقَضَهَا .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ وَإِنْ بَنَى فِيهَا وَارِثٌ وَخَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ فَقِيلَ : يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ، وَقِيلَ : لَا .
انْتَهَى أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُوصَى لَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الْبِنَاءِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَارِثُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمْ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَرْجِعُ وَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ الدَّارِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ عِمَارَتِهِ ، ( قُلْت ) : الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ بِنَاءٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ جَهِلَ الْوَصِيَّةَ فَلَهُ قِيمَتُهُ غَيْرُ مَقْلُوعٍ ، وَإِنْ زَادَ فِيهِ عِمَارَةً فَفِي أَخْذِهَا وَجْهَانِ ( م 7 ) قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : لَا يَأْخُذُ نَمَاءً مُنْفَصِلًا ، وَفِي مُتَّصِلٍ وَجْهَانِ ، وَهِيَ كَبَيْعٍ فِيمَا يَتْبَعُ الْعَيْنَ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ زَادَ فِيهِ عِمَارَةً يَعْنِي الْمُوصِي فَفِي أَخْذِهَا وَجْهَانِ انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَارِثِيِّ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) يَأْخُذُهُ الْمُوصَى لَهُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَنَقَلَ ابْنُ صَدَقَةَ فِيمَنْ وَصَّى بِكَرْمٍ وَفِيهِ جَمَلٌ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ : إنْ كَانَ يَوْمَ وَصَّى بِهِ لَهُ فِيهِ جَمَلٌ فَهُوَ لَهُ .

قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ سَقْيُ ثَمَرَةٍ مُوصَى بِهَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَ هَذِهِ الثَّمَرَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ .

وَإِنْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلَهُ وَصِيَّةُ عَمْرٍو فَقَدِمَ فِي حَيَاتِهِ وَقِيلَ وَبَعْدَهَا فَلَهُ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

تَبَرُّعُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي التَّيَمُّمِ : أَوْ غَيْرُ مَخُوفٍ بِنَحْوِ هِبَةٍ وَمُحَابَاةٍ ، وَقِيلَ : وَكِتَابَةٍ ، كَوَصِيَّةٍ .
وَاخْتَلَفَ فِيهَا كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَكَذَا وَصِيَّتُهُ بِكِتَابَتِهِ ، وَإِطْلَاقُهَا بِقِيمَتِهِ ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيُّ مِنْ مُفْلِسٍ رِوَايَةً : يَنْفُذُ عِتْقُهُ ، وَلَوْ عَلَّقَ صَحِيحٌ عِتْقَ عَبْدِهِ فَوُجِدَ شَرْطُهُ فِي مَرَضِهِ فَمِنْ ثُلُثِهِ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَالْمَخُوفُ كَبِرْسَامٍ ، وَوَجَعِ قَلْبِ وَرِئَةٍ ، وَإِسْهَالٍ لَا يَسْتَمْسِكُ أَوْ مَعَهُ دَمٌ ، وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ زَحِيرٌ ، وَحُمَّى مُطْبِقَةٌ وَقُولَنْجُ ، وَهَيَجَانُ صَفْرَاءَ أَوْ بَلْغَمٌ ، وَرُعَافٌ أَوْ قِيَامٌ دَائِمٌ ، وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ ، وَمَا قَالَهُ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ ، وَقِيلَ : أَوْ وَاحِدٌ ، لِعَدَمٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ الْمَخُوفُ عُرْفًا أَوْ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ ، وَالْمَرَضُ الْمُمْتَدُّ ، كَسُلٍّ وَجُذَامٍ .
فَإِنْ قُطِعَ صَاحِبُهُ وَعَنْهُ : أَوْ لَا فَمِنْ ثُلُثِهِ ، وَالْحَاضِرُ الْتِحَامَ قِتَالٍ أَوْ هَيَجَانَ بَحْرٍ ، أَوْ وُقُوعَ طَاعُونٍ ، أَوْ هُوَ أَسِيرُ مَنْ عَادَتُهُ الْقَتْلُ ، وَعَنْهُ : أَوْ لَا ، أَوْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ أَوْ حُبِسَ لَهُ ، كَمَرِيضٍ ، وَعَنْهُ : لَا ، وَالْحَامِلُ عِنْدَ الطَّلْقِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ ، لِنِصْفِ سَنَةٍ ، كَمَرِيضٍ ، حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ نِفَاسِهَا ، وَالْأَشْهَرُ مَعَ أَلَمٍ لَا بَعْدَ مُضْغَةٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : إلَّا مَعَ أَلَمٍ ، وَحُكْمُ مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ لَا خَرْقُهَا وَقَطْعُهَا فَقَطْ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ كَمَيِّتٍ فِي حُكْمِهِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ فِي الْحَرَكَةِ فِي الطِّفْلِ ، وَفِي الْجِنَايَةِ ، وَقَالَ هُنَا : لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا لِكَلَامِهِ ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ كَمَيِّتٍ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ إنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ وَلَمْ تَبْنِ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ ، وَرِثَهُ وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ يَرِثُهُ ، لِأَنَّ الْمَوْتَ زَهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلِأَنَّ

الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُوَرَّثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ أَثْبَتَ مِنْ حَيَاةِ هَذَا .
وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الشَّيْخِ أَنَّ مَنْ ذُبِحَ لَيْسَ كَمَيِّتٍ مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ ، وَيَأْتِي فِي الْجِنَايَةِ فِي أَنَّ قَطْعَ حَشْوَتِهِ أَوْ مَرِيئِهِ أَوْ وَدَجَيْهِ قَتْلٌ ، وَمَنْ جُرِحَ مُوحِيًا فَكَمَرِيضٍ ، مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ فَسَدَ عَقْلُهُ وَقِيلَ : أَوْ لَا لَمْ يَصِحَّ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : مَنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ كَقَطْعِ حَشْوَتِهِ وَغَرِيقٍ وَمُعَايَنٍ كَمَيِّتٍ ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الْجِنَايَةِ ، وَسَيَأْتِي ، وَيَصِحُّ مُعَاوَضَةُ مَرِيضٍ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ، وَعَنْهُ مَعَ وَارِثٍ بِإِجَازَةٍ ، اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، لِفَوَاتِ حَقِّهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ .

وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ أَجَّرَ الْمَوْقُوفَ لِأَجْنَبِيٍّ كَفُضُولِيٍّ ، وَمِثْلُهَا وَصِيَّتُهُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ حَقِّهِ ، وَيَصِحُّ وَقْفُهُ كَذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ تَحْبِيسٌ وَلَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِرْثِ ، وَيُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي جُمْلَةٍ كَهِبَةٍ ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا فِي الَّتِي قَبْلَهَا صَحَّ وَهُنَا يُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ وَلَا يُؤَثِّرُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ ، فَلَوْ مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ لِوَاقِفٍ وَالْوَقْفُ مُنْجِزٌ صَحَّ فِي ثُلُثِهِ ، عَلَى الْأَشْهَرِ ، وَهَلْ لِمَرِيضَةٍ تَزَوَّجَتْ بِدُونِ مَهْرِهَا نَقْصُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ لَيْسَ لَهَا ، كَإِجَارَتِهَا نَفْسَهَا بِمُحَابَاةٍ ( م 1 ) وَيَتَوَجَّهُ فِيهَا كَمَهْرٍ وَزِيَادَةِ مَرِيضٍ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ ثُلُثِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا يَسْتَحِقُّهَا ، صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : كَوَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ .
بَابُ تَبَرُّعِ الْمَرِيضِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ لِمَرِيضَةٍ تَزَوَّجَتْ بِدُونِ مَهْرِهَا نَقْصُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، جَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ : لَيْسَ لَهَا ، كَإِجَارَتِهَا نَفْسَهَا بِمُحَابَاةٍ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَمَنْ تَزَوَّجَ مَرِيضَةً بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا فَهَلْ لَهَا مَا نَقَصَ ؟ قُلْت : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى : وَهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ ، فَإِذَنْ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَمْدَانَ إنَّمَا ذَكَرَهُمَا تَخْرِيجًا مِنْ عِنْدِهِ لَا أَنَّهُمَا لِلْأَصْحَابِ .
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ لَيْسَ لَهَا إلَّا مَا سَمَّى ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : لَهُ لُبْسُ نَاعِمٌ وَأَكْلُ طَيِّبٍ لِحَاجَتِهِ ، وَإِنْ فَعَلَهُ لِتَفْوِيتِ الْوَرَثَةِ مُنِعَ ، وَفِيهِ : يَمْنَعُهُ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَعَادَتِهِ ، وَسَلَّمَهُ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ ، كَإِتْلَافِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَابْنُ شِهَابٍ ، قَالَ : لِأَنَّ حَقَّ وَارِثِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ ، وَلَوْ قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ وَتَفِي تَرِكَتُهُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ صَحَّ ، وَنَصُّهُ : مُطْلَقًا ، وَلَا يَبْطُلُ تَبَرُّعُهُ بِإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ فِي الْمَنْصُوصِ .

وَلَوْ بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمُحَابَاةٍ عَبْدًا قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ بِعَشَرَةٍ فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُهُ بِالْعَشَرَةِ وَثُلُثُهُ بِالْمُحَابَاةِ ، لِنِسْبَتِهِمَا مِنْ قِيمَتِهِ ، فَصَحَّ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ فِي نِصْفِهِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ لِنِسْبَةِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُحَابَاةِ فَصَحَّ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ .
اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي سِوَى الْخِيَارِ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ الْبَيْعُ بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ عَشَرَةٌ أَوْ يُفْسَخُ ، وَلَوْ كَانَ وَارِثًا صَحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي ثُلُثِهِ ، وَلَا مُحَابَاةَ ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ يَدْفَعُ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ عِشْرِينَ أَوْ يُفْسَخُ ، وَلَوْ أَفْضَى إلَى إقَالَةٍ فِي سَلَمٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِأَفْضَلَ تَعَيَّنَتْ الْوُسْطَى ، كَبَيْعِهِ قَفِيزَ حِنْطَةٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ بِقَفِيرِ حِنْطَةٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ، أَوْ سَلَفِهِ عَشَرَةً فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ ثُمَّ أَقَالَهُ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ فِي مَرَضِهِ ، وَلَوْ حَابَى أَجْنَبِيًّا أَخَذَ شَفِيعُهُ الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ ، فِي الْأَصَحِّ .

مَنْ وَهَبَ أَوْ وَصَّى لِوَارِثٍ فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ اعْتِبَارًا بِالْمَوْتِ فَلَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ مَالَهُ لِزَوْجَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ عَمِلَتْ بِالْجَبْرِ ، لِقَطْعِ الدَّوْرِ ، فَتَقُولُ : صَحَّتْ هِبَتُهُ فِي شَيْءٍ ، وَرَجَعَ إلَيْهِ بِإِرْثِهِ نِصْفُهُ ، يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ الْمَالُ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، اُجْبُرْ الْمَالَ بِنِصْفِ شَيْءٍ وَقَابِلْ وَابْسُطْ الشَّيْئَيْنِ وَنِصْفًا خَمْسَةً ، فَالشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ خُمُسَا الْمَالِ ، فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ مَالِهِ ، وَلِوَرَثَتِهَا خُمُسُهُ .
تَنْبِيهٌ ) [ قَوْلُهُ ] وَمَنْ وَهَبَ أَوْ وَصَّى لِوَارِثٍ فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ اعْتِبَارًا بِالْمَوْتِ ، انْتَهَى ، نَاقَضَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَقَالَ : وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ أَجْنَبِيًّا أَوْ عَكْسَهُ اُعْتُبِرَ بِحَالِ الْإِقْرَارِ لَا الْمَوْتِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، فَيَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ، ثُمَّ قَالَ : وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، انْتَهَى .
فَجَعَلَ الْعَطِيَّةَ كَالْإِقْرَارِ ، فَاعْتَبَرَ حَالَةَ الْإِقْرَارِ ، وَجَعَلَ الْهِبَةَ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْعَطِيَّةِ فِي بَابِ تَبَرُّعِ الْمَرِيضِ كَالْوَصِيَّةِ ، فَاعْتَبَرَ الْمَوْتَ ، وَهَذَا الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ كَلَامَ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ تَبَرُّعِ الْمَرِيضِ عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ ، لِيُعْلَمَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا ، لَا يَقْطَعُ فِي مَكَان بِشَيْءٍ وَيَقْطَعُ بِضِدِّهِ فِي غَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ أَعْتَقَ ذَا رَحِمٍ أَوْ أَعْتَقَ أَمَةً وَتَزَوَّجَهَا عَتَقَ وَتَرِثُهُ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، وَيَرِثُهُ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقِيلَ : لَا تَصِحُّ مِنْ مَدْيُونٍ وَقِيلَ بَلَى وَيُبَاعُ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُهُ عَلَى الْمَيِّتِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَوَرِثَ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ ثُلُثَ سُدُسِ بَقِيَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ، وَبَقِيَّةُ ثُلُثَيْهِ يَرِثُهَا الِابْنُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ ، وَيَصِحُّ ظَاهِرًا ، وَيُحَرَّمُ تَزْوِيجُهُ أَمَتَهُ الْمُعْتَقَةَ حَتَّى يَبْرَأَ .

وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَلَهُ مِائَتَانِ وَنَكَحَهَا بِمِائَةٍ مَهْرِ مِثْلِهَا ، صَحَّ عِتْقُهُ وَنِكَاحُهُ ، وَقِيلَ : وَلَهَا الْمَهْرُ ، وَفِي إرْثِهَا الْوَجْهَانِ ، وَيُحَرَّمُ وَطْءُ مُتَّهَبٍ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَمُوتَ .
وَفِي الْخِلَافِ : لَهُ التَّصَرُّفُ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : وَالْوَطْءُ .

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي صِحَّتِهِ ذَا رَحِمِهِ أَوْ مَلَكَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، وَوَرِثَا ، فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا ، فَلَوْ اشْتَرَى ابْنُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى وَارِثِهِ صَحَّ وَعَتَقَ عَلَى وَارِثِهِ ، وَإِنْ دَبَّرَ ابْنُ عَمِّهِ عَتَقَ ، وَالْمَنْصُوصُ : لَا يَرِثُ ،

وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِي عَتَقَ ، وَالْأَشْهَرُ : يَرِثُ ، وَلَيْسَ عِتْقُهُ وَصِيَّةً لَهُ ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ لَمْ يَرِثْهُ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ، وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ .

وَلَوْ ادَّعَى الْهِبَةَ أَوْ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ قُبِلَ قَوْلُهُمْ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي الْعِتْقِ ، وَلَوْ قَالَ وَهَبْتنِي زَمَنَ كَذَا صَحِيحًا فَأَنْكَرُوا قُبِلَ قَوْلُهُ .
وَلَوْ كَانَ مَهْرُهَا عَشَرَةَ آلَافٍ فَقَالَتْ فِي مَرَضِهَا مَا لِي عَلَيْهِ إلَّا سِتَّةٌ فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ ، نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ .

إذَا عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْ عَطَايَا وَوَصَايَا بُدِئَ بِالْعَطَايَا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ثُمَّ بِالْوَصَايَا مُتَقَدِّمُهَا وَمُتَأَخِّرُهَا سَوَاءٌ ، فَلَوْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ صَحَّ وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا يُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَيُعْتَقُ عَلَى وَارِثِهِ وَلَمْ يَرِثْ ، وَعَنْهُ : وَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْكُلِّ بِالْحِصَصِ مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ : يُقَدَّمُ الْعِتْقُ .

وَتُخَالِفُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهَا ، وَيَقْبَلُهَا عِنْدَ وُجُودِهَا ، وَيَثْبُتُ مِلْكُهُ مِنْ حِينِهَا ، فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَهُ ، وَإِلَّا فَلَهُ مِنْهَا بِحَسَبِ خُرُوجِهِ .
وَنَمَاؤُهَا يَتْبَعُهَا .
فَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَكَسَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ دَخَلَهُ الدَّوْرُ ، فَنَقُولُ أَبَدًا عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْهُ ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ شَيْءٌ ، لِأَنَّهُ هُنَا مِثْلُهُ ، فَصَارَ الْعَبْدُ وَقِيمَتُهُ يَعْدِلُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ ، فَالشَّيْءُ إذَنْ نِصْفُ الْعَبْدِ ، فَيُعْتَقُ نِصْفُهُ ، وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ ، وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا .
وَالْعَطِيَّةُ كَالْوَصِيَّةِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةِ .
وَيَخْرُجُ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَارِثُهُ لَا حَاكِمَ فِي الْمَنْصُوصِ ثُمَّ حَاكِمُ الْوَاجِبِ ، كَحَجٍّ وَغَيْرِهِ ، وَمِثْلُهُ وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةٍ تَخْيِيرٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، وَتَبَرُّعُهُ مِنْ ثُلُثِ بَاقِيهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ فِي حَجٍّ لَمْ يُوصَ بِهِ وَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ مِنْ الثُّلُثِ ، وَنَقَلَ عَنْهُ : مِنْ كُلِّهِ مَعَ عِلْمِ وَرَثَتِهِ ، وَنَقَلَ عَنْهُ فِي زَكَاةٍ : مِنْ كُلِّهِ مَعَ صَدَقَةٍ ، وَعَنْهُ : تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ .

وَنَقَلَ ابْنُ صَدَقَةَ فِيمَنْ أَوْصَتْ فِي مَرَضِهَا لِزَوْجِهَا بِمَهْرِهَا : هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، قِيلَ فَأَوْصَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ ؟ قَالَ : إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً جَازَ ، قَالَ اللَّهُ { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ } الْآيَةَ .

فَإِنْ أَخْرَجَهُ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنٍ أَجْزَأَ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ( م 2 ) وَفِي الْخِلَافِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ حَيًّا بِلَا أَمْرِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَقَالَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَا يُعْجِبُنِي يَأْخُذُ دَرَاهِمَ لِيَحُجَّ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِحَجٍّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَخِيهِ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَالْمَعْنَى فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَا يَخْلُفُ الْمَيِّتَ ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ ، فَإِنْ قَالَ أَدُّوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثَيْ وَقِيلَ : أَوْ قَالَ : حُجُّوا أَوْ تَصَدَّقُوا بُدِئَ بِهِ ، فَإِنْ نَفَذَ ثُلُثُهُ سَقَطَ تَبَرُّعُهُ ، وَقِيلَ : يَتَزَاحَمَانِ فِيهِ ، وَبَاقِي الْوَاجِبِ مِنْ ثُلُثَيْهِ ، وَقِيلَ : مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ ثَلَاثِينَ وَالتَّبَرُّعُ عَشَرَةً وَالْوَاجِبُ عَشَرَةً جُعِلَتْ تَتِمَّةُ الْوَاجِبِ شَيْئًا يَكُنْ الثُّلُثُ عَشَرَةً إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالتَّبَرُّعِ ، لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ ، فَاضْمُمْ الشَّيْءَ إلَيْهِ يَكُنْ الشَّيْءُ خَمْسَةً وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ الْوَاجِبُ عَشَرَةً ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ سِتَّةً ، وَلِلتَّبَرُّعِ أَرْبَعَةٌ ، وَإِنْ شِئْت خُذْ حِصَّةَ الْوَاجِبِ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ اُنْسُبْ كُلًّا مِنْ حِصَّةِ التَّبَرُّعِ وَالْوَرَثَةِ مِنْ الْبَاقِي ، فَخُذْ مِنْهُمْ تَتِمَّةَ الْوَاجِبِ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ ، أَوْ اُنْسُبْ تَتِمَّتَهُ مِنْ الْبَاقِي وَخُذْ بِقَدْرِهَا .

مَسْأَلَةٌ 2 ) : قَوْلُهُ : فَإِنْ أَخْرَجَهُ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنٍ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
قَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا " وَيُخْرِجُ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَارِثُهُ ثُمَّ حَاكِمٌ الْوَاجِبَ كَحَجٍّ وَغَيْرِهِ " فَالْمُخْرِجُ لِلْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ ، فَلَوْ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِخْرَاجِ جَازَ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَهَلْ يُجْزِئُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : فَإِنْ أَخْرَجَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَيِّتٍ زَكَاةً تَلْزَمُهُ بِإِذْنِ وَصِيِّهِ أَوْ وَارِثِهِ أَجْزَأَتْهُ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ، وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَهَا الْوَارِثُ ثُمَّ وَصِيٌّ بِإِخْرَاجِهَا وَلَمْ يَعْلَمْهُ ، وَكَذَا الْحَجُّ وَالْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهُمَا ، انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ ابْنَ حَمْدَانَ فِي ذَلِكَ ( قُلْت ) : أَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ جَازَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، عَلَى الصَّحِيحِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَهِيَ آخِرُ مَسْأَلَةٍ بَيَّضَهَا فِيهِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْفَائِقِ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا قَالَ ، وَالصَّوَابُ الْإِجْرَاءُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِلَايَةِ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا .

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَمَنْ مَاتَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ : يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْلَمَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبٍ .

إذَا أَعْتَقَ مَرِيضٌ بَعْضَ عَبْدٍ بَقِيَّتُهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ كُلَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ ، وَيَدْفَعُ قِيمَةَ حَقِّ شَرِيكِهِ ، وَعَنْهُ : يُسَرَّى فِي الْمُنْجَزِ خَاصَّةً ، وَعَنْهُ : لَا سِرَايَةَ ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ سَيِّدِهِ عَتَقَ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ ، وَقِيلَ : كُلُّهُ ، لِأَنَّ رَدَّ الْوَرَثَةِ هُنَا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِيهِ ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ إذَا وَهَبَ عَبْدًا وَأَقْبَضَهُ فَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ ، فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، قَالُوا : وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت ثُلُثَهُمْ أَقْرَعَ ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت الثُّلُثَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَكَمَا قَالَ ، وَلَا قُرْعَةَ .

وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ عَتَقَ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ ، وَتَتِمَّةُ الثُّلُثِ مِنْ الْبَاقِي ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، فَيَضْرِبُ قِيمَةَ مَنْ قَرَعَ فِي ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَنْسُبُ قِيمَتَهَا مِمَّا بَلَغَ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِنِسْبَتِهِ ، وَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ بِيعَا ، وَعَنْهُ : يُعْتَقُ الثُّلُثُ ، فَإِنْ الْتَزَمَ وَارِثُهُ وَبِقَضَائِهِ فَوَجْهَانِ ( م 3 ) .

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا فَظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمَا بِيعَا فَإِنْ الْتَزَمَ وَارِثُهُ بِقَضَائِهِ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى : يَعْنِي فَفِي نُفُوذِ عِتْقِهِمَا وَجْهَانِ وَمَحَلُّهُمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ غَنِيًّا فِيمَا يَظْهَرُ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَالَا : وَقِيلَ أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ إذَا تَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَقَضَى الدَّيْنَ هَلْ يُنَفَّذُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَحُكِيَ أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي احْتِمَالَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) يُنَفَّذُ عِتْقُهُمَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَقَضَى مَنْ عَيَّنَ مَا خَلَّفَ يَصِحُّ وَاسْتَحَقَّ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُنَفَّذُ عِتْقُهُمَا ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ : لَوْ تَصَرَّفُوا فِيهَا نُفِّذَ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ يُنَفَّذُ الْعِتْقُ خَاصَّةً ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي نُفُوذِ عِتْقِهِمْ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ وَجْهَيْنِ ، وَأَنَّهُ لَا يُنَفَّذُ مَعَ الْعِلْمِ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مَأْخَذَهُمَا أَنَّ حُقُوقَ الْغُرَمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ هَلْ يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ إسْقَاطَهُمَا بِالْتِزَامِهِمْ الْأَدَاءَ مِنْ عِنْدِهِمْ أَمْ لَا ؟ انْتَهَى .
وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ وَتَسَاوَتْ قِيمَتُهَا وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَبِي أَعْتَقَ هَذَا ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ [ أَعْتَقَ ] هَذَا عَتَقَ ثُلُثُهُمَا ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سُدُسُ الَّذِي عَيَّنَهُ وَنِصْفُ الْآخَرِ ، وَكَذَا لَوْ عَيَّنَ الْأَصْغَرُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا وَأَطْلَقَهُ الْأَكْبَرُ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَلَوْ خَرَجَتْ لِلْمُعَيَّنِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ فَقَطْ .

وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، كَعِتْقِهِ أَحَدَهُمْ فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْمَيِّتِ مَاتَ حُرًّا وَتَتِمُّ الثُّلُثُ بِقُرْعَةٍ بَيْنَ الْبَاقِينَ ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِأَحَدِهِمَا فَهُمَا تَرِكَتُهُ فَيُعْتَقُ ثُلُثُ قِيمَتِهَا .
وَقَالَ الشَّيْخُ : يَقْرَعُ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْمَيِّتِ ، كَعِتْقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِي الثَّانِي ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ،

وَإِنْ قَالَ : إنْ أَعْتَقْت سَالِمًا فَغَانِمٌ حُرٌّ قُدِّمَ سَالِمٌ ، وَلَوْ زَادَ وَقْتَ عِتْقِي لَهُ لِئَلَّا يَرِقَّانِ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

تَصِحُّ لِمَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ وَلِأَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَالْمُذْهَبُ : وَلِحَرْبِيٍّ ، كَالْهِبَةِ ( ع ) وَفِي الْمُنْتَخَبِ : يَصِحُّ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ وَدَارِ حَرْبٍ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ، وَلِمُكَاتَبِهِ وَلِمُدَبَّرِهِ ، وَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ لِعَبْدِهِ الْقِنِّ بِمُشَاعٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُعْتَقُ بَعْضُهُ وَيَمْلِكُ مِنْهَا بِقَدْرِهِ ، وَلِأُمِّ وَلَدِهِ ، كَوَصِيَّتِهِ أَنَّ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ ،

وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ تَزْوِيجِهَا فَفَعَلَتْ وَأَخَذَتْ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَقِيلَ : تَبْطُلُ ، وَقِيلَ : لَا ( م 1 ) كَوَصِيَّةٍ بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى شَرْطِهِ .
بَابُ الْمُوصَى لَهُ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأُمِّ الْوَلَدِ : وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ تَزْوِيجِهَا فَفَعَلَتْ وَأَخَذَتْ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَقِيلَ : تَبْطُلُ ، وَقِيلَ : لَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( أَحَدُهُمَا ) تَبْطُلُ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ ، الْخِرَقِيِّ إذَا وَصَّى لِعَبْدِهِ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ ، قَالَ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ قَبْلَ آخِرِهِ بِقَرِيبٍ مِنْ كُرَّاسَيْنِ : قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ : وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا مَالًا يَعْنِي إلَى زَوْجَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَزَوَّجَتْ تَرُدُّ الْمَالَ إلَى وَرَثَتِهِ ، انْتَهَى .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ : وَإِنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا رَدَّهُ إذَا تَزَوَّجَ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا مَالًا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهِ .
فَتَزَوَّجَتْ رَدَّتْهُ إلَى وَرَثَتِهِ ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ ، انْتَهَى .
فَقِيَاسُ هَذَا النَّصِّ أَنَّ أُمَّ وَلَدِهِ تَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الْوَصِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِرَدِّهَا ، وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا تَبْطُلُ ، كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَمَاتَ فَقَالَتْ لَا أَتَزَوَّجُ عَتَقَتْ .
فَإِذَا تَزَوَّجَتْ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَدَّ إلَى الرِّقِّ ، قَالَ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَنَصَرَهُ ( قُلْت ) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَبْقَى عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا قِيمَتُهَا ، مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ ، وَلَمْ أَرَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلِعَبْدِهِ بِمُعَيَّنٍ ، كَمُشَاعٍ ، فَعَنْهُ : كَمَا لَهُ ، وَعَنْهُ : يَشْتَرِي وَيُعْتِقُ ، وَالْمَذْهَبُ : لَا يَصِحُّ ( م 2 ) وَعَنْهُ : مَنْعُهَا كَقِنٍّ زَمَنَهَا ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
وَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ ، وَيُعْتَقُ بِقَبُولِهِ إنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَإِلَّا بِقَدْرِهِ ، وَيَصِحُّ لِعَبْدٍ إنْ مَلَكَ .
وَفِي الْوَاضِحِ : أَوْ لَا ، وَهِيَ لِسَيِّدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا وَقْتَ مَوْتِ مُوصٍ ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ قَبُولِهِ فَالْخِلَافُ ، وَلَا يَصِحُّ لِعَبْدِ وَارِثِهِ وَقَاتِلِهِ مَا لَمْ يَصِرْ حُرًّا وَقْتَ نَقْلِ الْمِلْكِ ، وَيَصِحُّ لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ ،
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَ [ تَصِحُّ ] لِعَبْدِهِ بِمُعَيَّنٍ ، كَمُشَاعٍ ، فَعَنْهُ : كَمَا لَهُ ، وَعَنْهُ : يَشْتَرِي وَيُعْتِقُ ، وَالْمَذْهَبُ : لَا يَصِحُّ ، انْتَهَى .
الْمَذْهَبُ عَدَمُ الصِّحَّةِ ، بِلَا إشْكَالٍ ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَصَرَّحَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فَمَنْ بَعْدَهُ ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَلْ يَكُونُ كَمَا لَهُ أَوْ يَشْتَرِي مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتِقُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) يَشْتَرِي مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتِقُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَكُونُ كَمَا لَهُ .

وَلِحَمْلٍ عَلِمَ وُجُودَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ، بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ حَيًّا ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ وَلَا وَطْءَ فَوَجْهَانِ ، مَا لَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ ( م 3 ) وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِهِ ، وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِكَ ذَكَرٌ فَلَهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فَكَانَا فَلَهُمَا مَا شَرَطَ ، وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك فَلَا ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْضُ حَمْلِهَا لَا كُلُّهُ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ لِمَنْ تَحَمَّلَ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَ [ يَصِحُّ ] لِحَمْلٍ عَلِمَ وُجُودَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ، بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ حَيًّا ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ وَلَا وَطْءَ فَوَجْهَانِ ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مُدَّةَ أَكْثَرِ الْحَمْلِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ : وَتَصِحُّ لِحَمْلٍ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ قَبْلَهَا ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ ، إذَا الْكِتَابُ الَّذِي شَرَحَهُ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُ ، وَعُذْرُهُ أَنَّهُ تَابَعَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَذُهِلَ عَنْ كَلَامِ الْمَتْنِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي وُجُودِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ .

وَلَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ قَالَ لِجَارِي أَوْ قَرِيبِي فُلَانٍ بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ لَمْ يَصِحَّ ، وَعَنْهُ يَصِحُّ ، كَقَوْلِهِ أَعْطُوا ثُلُثَيْ أَحَدِهِمَا ، فِي الْأَصَحِّ ، فَقِيلَ : يُعَيِّنُهُ الْوَرَثَةُ ، وَقِيلَ : بِقُرْعَةٍ ( م 4 ) .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ قَالَ لِجَارِي أَوْ قَرِيبِي فُلَانٍ بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ لَمْ يَصِحَّ ، وَعَنْهُ : تَصِحُّ ، كَقَوْلِهِ أَعْطُوا ثُلُثَيْ أَحَدِهِمَا ، فِي الْأَصَحِّ فَقِيلَ : يُعَيِّنُهُ الْوَرَثَةُ ، وَقِيلَ : بِقُرْعَةٍ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ .
( أَحَدُهُمَا ) يُعَيِّنُهُ الْوَرَثَةُ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) تُعَيَّنُ الْقُرْعَةُ ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ بِصِحَّتِهَا لِمَجْهُولٍ وَمَعْدُومٍ وَبِهِمَا ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ فِي فَتَاوِيهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ إحْدَاهُمَا ، فَعَلَى الْأُولَى لَوْ قَالَ عَبْدِي غَانِمٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مِائَةٌ ، وَلَهُ عَبْدَانِ بِهَذَا الِاسْمِ ، عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ وَحَنْبَلٌ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ هِيَ لَهُ مِنْ ثُلُثِهِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ،

وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ أَوْ لِعَمْرٍو أَوْ لِأَحَدِهِمَا صَحَّ ، لَا مُطْلَقًا .

وَلَوْ وَصَّى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَوَهَبَهُ الْخِدْمَةَ أَوْ رَدَّ عَتَقَ مُنْجَزًا ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ لَا .

وَإِنْ قَتَلَ الْوَصِيُّ الْمُوصِي وَلَوْ خَطَأً بَطَلَتْ ، وَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ لَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : فِيهِمَا رِوَايَتَانِ ، وَمِثْلُهَا التَّدْبِيرُ ، فَإِنْ جَعَلَ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَوَجْهَانِ ( م 5 ) .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَتَلَ الْوَصِيُّ الْمُوصِيَ وَلَوْ خَطَأً بَطَلَتْ ، وَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ لَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : فِيهِمَا رِوَايَتَانِ ، وَمِثْلُهَا التَّدْبِيرُ فَإِنْ جَعَلَ عَتَقَا نِصْفُهُ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى الْكَلَامُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ ، قَالَ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ : إذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) بِنَاؤُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ ، طَرِيقَةُ الْقَاضِي ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى مَوْتِهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ : لَيْسَتْ هَذِهِ عَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ .
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : إذَا قَتَلَ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِي بَعْدَ وَصِيَّتِهِ بَطَلَتْ ، وَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي : وَمَنْ قَتَلَ مَنْ وَصَّى لَهُ بِشَيْءٍ أَوْ مَنْ دَبَّرَهُ بَطَلَا ، فَقَدَّمَا ذَلِكَ وَأَطْلَقَا ( قُلْت ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْعِتْقِ ، وَالْقَوْلُ بِعِتْقِهِ ضَعِيفٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ وَقَبْلَ اسْتِيفَائِهَا عَتَقَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ أَوْ لِلْقِصَاصِ ، لِأَنَّ صِفَةَ الْعِتْقِ وُجِدَتْ فِيهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ ، انْتَهَى .
وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، فَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ .

وَتَصِحُّ لِمَسْجِدٍ ، وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَتِهِ ، فَلَوْ قَالَ : إنْ مِتُّ فَبَيْتِي لِلْمَسْجِدِ أَوْ فَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ مَالِي لَهُ تَوَجَّهَ صِحَّتُهُ .

وَتَصِحُّ بِمُصْحَفٍ لِيُقْرَأَ فِيهِ وَيُوضَعُ بِجَامِعٍ أَوْ مَوْضِعٍ حَرِيزٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

وَ [ تَصِحُّ ] لِفَرَسٍ حَبِيسٍ مَا لَمْ يُرِدْ تَمْلِيكَهُ ، فَإِنْ مَاتَ فَالْبَقِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ لَا لِفَرَسٍ حَبِيسٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ عَبْدِ زَيْدٍ فَتَعَذَّرَ ، أَوْ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ أَوْ عَبْدِ زَيْدٍ بِهَا ، فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِ ، فَاشْتَرَوْهُ بِدُونِهَا .

وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ بِأَلْفٍ فَأَعْتَقُوا نَسَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ لَزِمَهُمْ عِتْقُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَإِنْ قَالَ أَرْبَعَةٌ بِكَذَا جَازَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا مَعْلُومًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .

وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ وَوَصِيَّةٍ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ أَخَذَ الْعَبْدُ الْوَصِيَّةَ ، نَقَلَ صَالِحٌ مَعْنَاهُ .

وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ اشْتَرَى بِثُلُثِهِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ .

وَلَوْ وَصَّى بِشِرَاءِ فَرَسٍ لِلْغَزْوِ بِمُعَيَّنٍ وَبِمِائَةٍ نَفَقَةً لَهُ فَاشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْهُ فَبَاقِيهِ نَفَقَةٌ لَا إرْثٌ ، فِي الْمَنْصُوصِ .

وَتَصِحُّ لِفَرَسِ زَيْدٍ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ ، وَيَصْرِفُهُ فِي عَلَفِهِ .

وَلَوْ وَصَّى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ وَبِشَيْءٍ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ جِيرَانِهِ وَزَيْدٌ مِنْهُمْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَلِقَرَابَتِهِ وَلِلْفُقَرَاءِ : لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ سَهْمَانِ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ حُكْمِ كُلِّ صُورَةٍ إلَى الْأُخْرَى وَلَوْ وَصَّى لَهُ وَلِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِهِ فَنِصْفَانِ ، كُلُّهُ وَلِلَّهِ ، وَقِيلَ فِيهِ : كُلُّهُ لَهُ ، وَقِيلَ فِي الْأُولَى كَأَحَدِهِمْ ، كُلُّهُ وَإِخْوَتُهُ ، فِي وَجْهٍ ،

وَلَوْ وَصَّى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَنِصْفُهُ لِلْحَيِّ ، وَقِيلَ : كُلُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ إنْ لَمْ يَقُلْ : بَيْنَهُمَا ، كَالْمَنْصُوصِ فِي : لَهُ وَلِجِبْرِيلَ أَوْ الْحَائِطُ ، وَلَهُ وَلِلرَّسُولِ فَنِصْفُ الرَّسُولِ فِي الْمَصَالِحِ .

لَا قَبُولَ وَلَا رَدَّ لِمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، وَلَا رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ فِيمَا كُيِّلَ أَوْ وُزِنَ ، وَقِيلَ : وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَكَمُتَحَجِّرٍ مَوَاتًا .
وَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْمُوصِي أَوْ رَدِّهِ بَعْدَهُ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ وَرَدِّهِ فَوَارِثُهُ كَهُوَ ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَإِنْ طَلَبَهُ وَارِثٌ بِأَحَدِهِمَا وَأَبَى حُكِمَ عَلَيْهِ بِرَدٍّ ، وَقِيلَ : يَنْتَقِلُ بِلَا قَبُولٍ ، كَخِيَارٍ ، وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ كَهِبَةٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : هُمَا وَاحِدٌ ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا : يَمْلِكُهَا بِلَا قَبُولِهِ ، كَمِيرَاثٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَطْؤُهُ قَبُولٌ ، كَرَجْعَةٍ وَبَيْعِ خِيَارٍ ، وَمَتَى رَدَّ أَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُهُ فَتَرِكَةٌ وَلَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ أَحَدٍ ، وَنَصِيبُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِمَّنْ يُمْكِنُ تَعْمِيمُهُمْ لِلْوَرَثَةِ ، وَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ ، وَنَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ مُنْذُ قَبِلَهُ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فَهُوَ قَبْلَهُ لِلْوَرَثَةِ فَيُزَكُّوهُ ، وَقِيلَ : لِلْمَيِّتِ ، وَقِيلَ مُنْذُ مَاتَ الْمُوصِي فَيُزْكِيهِ ، وَعَنْهُ : نَتَبَيَّنُهُ إذَا قَبِلَهُ ، وَعَلَيْهِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَوْ قَبِلَهُ وَارِثُهُ كَانَ مِلْكًا لِمَوْرُوثِهِ ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ ، وَتَبْطُلُ بِتَلَفِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ ، مُطْلَقًا ، وَإِنْ تَلِفَ غَيْرُهُ فَلِلْوَصِيِّ كُلُّهُ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : ثُلُثُهُ إنْ مَلَكَهُ بِقَبُولِهِ ، وَيُقَوَّمُ بِسِعْرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى أَقَلِّ صِفَاتِهِ إلَى الْقَبُولِ عَلَى الْأَخِيرِ ، وَعَلَى أَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلْمَيِّتِ يَوْمَ الْقَبُولِ سِعْرًا وَصِفَةً .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : وَقْتَ الْمَوْتِ ، وَأَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ تَرْكِهِ الْأَقَلَّ مِنْ مَوْتٍ إلَى قَبْضِ وَارِثٍ ، وَيَحْتَمِلُ وَقْتَ مَوْتٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ إلَّا مَالٌ غَائِبٍ أَوْ دَيْنٌ أَخَذَ ثُلُثَ الْمُعَيَّنِ .
وَفِي الْأَصَحِّ ، وَمِنْ

بَقِيَّتِهِ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَا يَحْصُلُ إلَى كَمَالِهِ ، وَمِثْلُهُ الْمُدَبَّرُ ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ، وَفِي التَّرْغِيبِ : فِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَنْجِيزِ عِتْقِ ثُلُثِهِ تَسْلِيمُ ثُلُثَيْهِ إلَى الْوَرَثَةِ وَتَسْلِيطُهُمْ عَلَيْهِمَا مَعَ تَوَقُّعِ عِتْقِهِمَا بِحُضُورِ الْمَالِ ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُ ، قَالَ : وَكَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى أَحَدِ أَخَوَيِّ الْمَيِّتِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَهَلْ يَبْرَأُ عَنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَسْلِيمِ نَصِيبِ أَخِيهِ ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ .
وَالنَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ يَتْبَعُ الْعَيْنَ ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ فَلَهُ بَقِيَّتُهُ ، وَقِيلَ : ثُلُثُهَا ، كَثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ اسْتَحَقَّ مِنْهُمْ اثْنَانِ ، وَقِيلَ : لَهُ الْبَاقِي أَيْضًا .

وَلَوْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ صُبْرَةِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَتَلِفَ ثُلُثَاهَا فَلَهُ الْبَاقِي ، وَقِيلَ : ثُلُثُهُ .

وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يُعْتِقَهُ وَارِثُهُ ، فَإِنْ أَبَى فَحَاكِمٌ ، وَكَسْبُهُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ إرْثٌ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : لَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي مُوصًى بِوَقْفِهِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : الْمُوصِي بِعِتْقِهِ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

يُعْتَبَرُ إمْكَانُهُ ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : وَاخْتِصَاصُهُ بِهِ ، فَلَوْ وَصَّى بِمَالٍ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدُ ، وَتَصِحُّ بِمَا يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ ، وَبِإِنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، وَبِزَوْجَتِهِ ، وَوَقْتُ فَسْخِ النِّكَاحِ فِيهِ الْخِلَافُ ، وَبِمَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهُ أَبَدًا أَوْ إلَى مُدَّةِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ السَّقْيُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَهَا ، بِخِلَافِ مُشْتَرٍ فَإِنْ تَحَصَّلَ شَيْءٌ فَلَهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ ، وَمِثْلُهُ بِمِائَةٍ لَا يَمْلِكُهَا إذْنٌ .

وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ وَصَّى بِمَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَةُ أَوْ هَذِهِ النَّخْلَةُ ، لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَعْدُومٍ ، وَالْأَشْهَرُ : وَبِحَمْلِ أَمَتِهِ ، وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قِيلَ : يَدْفَعُ أُجْرَةَ حَضَانَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ بَطَلَتْ .

وَبِمُبَاحٍ نَفْعُهُ كَزَيْتٍ نَجِسٍ ، وَلَهُ ثُلُثُهُ ، وَقِيلَ : كُلُّهُ مَعَ أَقَلِّ مَالٍ لَهُ غَيْرُهُ ، وَكَذَا كَلْبُ الصَّيْدِ وَحِفْظُ مَاشِيَةٍ وَزَرْعٌ ، وَقِيلَ : وَبُيُوتٌ ، وَالْأَصَحُّ وَتَرْبِيَةُ صَغِيرٍ لِأَحَدِهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يَصِدْ بِهِ أَوْ يَصِيدُ إنْ احْتَاجَهُ ، أَوْ لِحِفْظِ مَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ إنْ حَصَلَ فَخِلَافٌ ( م 1 ) وَفِي الْوَاضِحِ : الْكَلْبُ لَيْسَ مِمَّا يَمْلِكُهُ ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا : إنَّمَا يَصِحُّ لِمِلْكِ الْيَدِ الثَّابِتِ لَهُ ، كَخَمْرٍ تَخَلَّلَ ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ فِي يَدِهِ خَمْرٌ وَرِثَ عَنْهُ ، فَلِهَذَا يُوَرَّثُ الْكَلْبُ ، نَظَّرَا إلَى الْيَدِ حِسًّا .
بَابُ الْمُوصَى بِهِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَبِمُبَاحٍ نَفْعُهُ كَكَلْبِ صَيْدٍ وَحِفْظِ مَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ ، وَقِيلَ : وَبُيُوتٍ ، وَالْأَصَحُّ وَتَرْبِيَةُ صَغِيرٍ لِأَحَدِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَصِدْ بِهِ أَوْ يَصِيدُ إنْ احْتَاجَهُ أَوْ لِحِفْظِ مَاشِيَةٍ وَزُرُوعٍ إنْ حَصَلَ فَخِلَافٌ ، انْتَهَى ، وَذَكَرَ الْخِلَافُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ احْتِمَالَيْنِ مُطْلَقَيْنِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ .
( أَحَدُهُمَا ) تَجُوزُ ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، فِي غَيْرِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَجَعَلَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْكَلْبَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَا يَصِيدُ بِهِ بَلْ الْهُرَاءُ كَالْجَرْوِ الصَّغِيرِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَجَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ فِي آدَابِ الرِّعَايَتَيْنِ ( قُلْت ) : الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيدَ وَلَا أَعُدُّهُ لِلصَّيْدِ بَعِيدٌ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يُحَرَّمُ ، وَهُوَ أَقْوَى فِيمَا لَمْ يَرِدْ الصَّيْدُ بِهِ أَلْبَتَّةَ .

وَتَصِحُّ بِمَجْهُولٍ كَعَبْدٍ [ وَشَاةٍ ] وَيُعْطَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهُ لُغَةً ، وَقِيلَ : عُرْفًا ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، فَشَاةٌ عَنَدَةَ أُنْثَى كَبِيرَةٌ ، وَبَعِيرٌ وَثَوْرٌ عِنْدَهُ لِلذَّكَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَفِي الْخِلَافِ الشَّاةُ اسْمٌ لِجِنْسِ الْغَنَمِ يَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْت لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ جَدْيٍ حَنِثَ .
وَقَالَ أَيْضًا : الشَّاةُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى ، فَقِيلَ لَهُ : بَلْ لِلْأُنْثَى وَالذَّكَرِ ، فَقَالَ : هَذَا خِلَافُ اللُّغَةِ ، وَالدَّابَّةُ خَيْلٌ وَبِغَالٌ وَحَمِيرٌ ، فَتَقَيَّدَ يَمِينُ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً بِهَا وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ فِي وَصِيَّةٍ بِدَابَّةٍ يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْبَلَدِ ، وَحِصَانٌ وَجَمَلٌ ذَكَرٌ ، وَنَاقَةٌ وَبَقَرَةٌ أُنْثَى .
وَفِي التَّمْهِيدِ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ : الدَّابَّةُ لِلْفَرَسِ عُرْفًا ، وَالْإِطْلَاقُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَقَالَهُ فِي الْفُنُونِ عَنْ أُصُولِيٍّ ، يَعْنِي نَفْسَهُ ، قَالَ : لِنَوْعِ قُوَّةٍ فِي الدَّبِيبِ ، لِأَنَّهُ ذُو كَرٍّ وَفَرٍّ .

وَإِنْ قَالَ مِنْ عَبِيدِي فَعَنْهُ : يُعِينُهُ الْوَرَثَةُ ، وَعَنْهُ : الْقُرْعَةُ ( م 2 ) وَفِي التَّبْصِرَةِ هُمَا فِي لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا ، وَقَوْلُهُ أَعْتِقُوا عَبْدًا فَمُجْزِئٌ عَنْ كَفَّارَةٍ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ بِثَمَنٍ وَسَطٍ ، وَأَحَدُ عَبِيدِي كَوَصِيَّةٍ ، وَقِيلَ مُجْزِئٌ عَنْ كَفَّارَةٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ الْقُرْعَةَ هُنَا ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : لِلْعَبِيدِ تَعْيِينُ عِتْقِ أَحَدِهِمْ ، فَإِنْ هَلَكُوا إلَّا وَاحِدًا تَعَيَّنَ وَصِيَّةً ، وَقِيلَ : بِقُرْعَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بَطَلَتْ ، وَقِيلَ : يَشْتَرِي ، كَعَبْدٍ مِنْ مَالِي ، وَكَالْمَنْصُوصِ فِي أَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ أَحَدِ كِيسَيْ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا شَيْءٌ ، وَإِنْ مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَجْهَانِ ( م 3 ) وَإِنْ قَتَلُوا بَعْدَ مَوْتِهِ غَرِمَ قَاتِلُهُ لَهُ قِيمَةَ وَاحِدٍ بِقُرْعَةٍ وَاخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ مِنْ عَبِيدِي ، فَعَنْهُ : يُعَيِّنُهُ الْوَرَثَةُ ، وَعَنْهُ : الْقُرْعَةُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ .
أَحَدُهُمَا يُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي خِلَافَيْهِمَا ، وَالشِّيرَازِيُّ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يُعْطِي وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بَطَلَتْ ، وَقِيلَ : يَشْتَرِي وَإِنْ مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ وَلَمْ يَمْلِكْهُ ثُمَّ مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَصِحُّ ، كَمَنْ وَصَّى لِعَمْرٍو بِعَبْدٍ ثُمَّ مَلَكَهُ .

وَإِنْ وَصَّى بِكَلْبٍ أَوْ طَبْلٍ فَلَهُ الْمُبَاحُ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ .

وَلَوْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ وَلَهُ أَقْوَاسٌ وَلَا قَرِينَةَ فَلَهُ قَوْسٌ نُشَّابٌ ، وَقِيلَ : وَوَتَرُهَا ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ، وَقِيلَ : كَأَحَدِ عَبِيدِهِ ، وَقِيلَ : غَيْرُ قَوْسِ بُنْدُقٍ ، وَقِيلَ : مَا يُرْمَى بِهِ عَادَةً .

وَلَوْ وَصَّى مَنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ صَرَفَ مِنْ ثُلُثِهِ [ مَئُونَةَ ] حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، حَتَّى يُنَفِّذَ ، وَعَنْهُ : مَئُونَةُ حَجَّةٍ وَبَقِيَّتُهُ إرْثٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بَعْدَ حَجِّهِ لِلْحَجِّ أَوْ سَبِيلِ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ الْأَلْفُ أَوْ الْبَقِيَّةُ فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ، وَعَنْهُ : يُعَانُ بِهِ فِي حَجَّةٍ ، وَعَنْهُ : يُخَيَّرُ وَإِنْ قَالَ حَجَّةٌ بِأَلْفٍ فَكُلُّهُ لِمَنْ يَحُجُّ عَيَّنَهُ أَوْ لَا ، وَقِيلَ : الْبَقِيَّةُ إرْثٌ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَإِنْ أَبَى الْمُعَيَّنُ الْحَجَّ فَقِيلَ : يَبْطُلُ ، وَقِيلَ : فِي حَقِّهِ ( م 4 ) كَقَوْلِهِ بِيعُوا عَبْدِي لِفُلَانٍ وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ الْمُوصَى لَهُ بِفَرَسٍ فِي السَّبِيلِ عَلَى الْخُرُوجِ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَيَحُجُّ غَيْرُهُ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ نَفَقَةً أَوْ أُجْرَةً ، وَالْبَقِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ ، كَالْفَرْضِ ، وَكَقَوْلِهِ حُجُّوا عَنِّي ، وَلَهُ تَأْخِيرُهُ لِعُذْرٍ ، [ وَ ] لَوْ قَالَهُ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ صُرِفَتْ الْأَلْفُ كَمَا سَبَقَ ، وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ الْفَاضِلِ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِلْفَرْضِ .
وَفِي الْفُصُولِ : مَنْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِكَذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا عَيَّنَ زَائِدًا عَلَى النَّفَقَةِ ، لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ جَعَالَةٍ ، وَاخْتَارَهُ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَجِّ ،

مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَبَى الْمُعَيَّنُ الْحَجَّ فَقِيلَ : تَبْطُلُ ، وَقِيلَ .
فِي حَقِّهِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ مِنْ أَصْلِهَا ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْمُقْنِعِ ، فِي إحْدَى نُسْخَتَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تَبْطُلُ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرَ وَيَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ أُجْرَةٍ وَالْبَقِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ : لَمْ يُعْطِهِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّهِ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَذَكَرَ فِي النَّظْمِ قَوْلًا : إنَّ بَقِيَّةَ الْأَلْفِ لِذِي حَجٍّ .
( تَنْبِيهٌ ) مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمُوصِي قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُوصِي قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ عَيَّنَ الْمُعَيِّنُ يُقَامُ بِنَفَقَةِ الْمِثْلِ وَالْبَقِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ صَحَّ ، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ إنْ وَصَّى بِأَلْفٍ يَحُجُّ بِهَا صَرَفَ فِي كُلِّ حَجَّةٍ قَدْرَ نَفَقَتِهِ حَتَّى يُنَفِّذَ ، وَلَوْ قَالَ : حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ ، فَمَا فَضَلَ لِلْوَرَثَةِ ، وَلَوْ قَالَ : يَحُجُّ عَنِّي زَيْدٌ بِأَلْفٍ ، فَمَا فَضَلَ وَصِيَّةً لَهُ إنْ حَجَّ ، وَلَا يُعْطِي إلَى أَيَّامِ الْحَجِّ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : اشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا يَتَّجِرُ بِهِ ؟ قَالَ : لَا يَجُوزُ ، قَدْ خَالَفَ ، لَمْ يَقُلْ اتَّجَرَ بِهِ .
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ وَصِيٌّ بِإِخْرَاجِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ ، كَقَوْلِهِ : تَصَدَّقَ عَنِّي بِهِ ، لَا يَأْخُذُ مِنْهُ ، وَكَمَا لَا يَحُجُّ عَلَى دَابَّةٍ مُوصَى بِهَا فِي السَّبِيلِ وَلَا يَحُجُّ وَارِثٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ : بَلَى إنْ عَيَّنَهُ ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى نَفَقَتِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ : إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ جَازَ ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ، قَالَ : لَا ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ .

وَلَوْ وَصَّى بِحِجَجٍ نَفْلًا فَفِي صِحَّةِ صَرْفِهَا فِي عَامٍ وَجْهَانِ ( م 5 ) .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَصَّى بِحِجَجٍ نَفْلًا فَفِي صِحَّةِ صَرْفِهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَجُوزُ صَرْفُ ذَلِكَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ ، نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ : وَهُوَ أَوْلَى ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ ، وَقَالَ : إلَّا أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ : وَإِنْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ صَحَّ ، وَأَحْرَمَ النَّائِبُ بِالْفَرْضِ أَوَّلًا إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضٌ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَجُوزُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَقَالَ : لَوْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى ثَلَاثَةٍ يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ إنْ كَانَتْ نَفْلًا ، انْتَهَى .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ : وَحَكَى أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ جَوَازَ صَوْمِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَيُجْزِئُ عَنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْأَيَّامِ ، قَالَ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ ، قَالَ : فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثَلَاثِ حِجَجٍ جَازَ صَرْفُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ نَائِبَهُ مِثْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ ، ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ اسْتِنَابَةِ الْمَعْضُوبِ مِنْ بَابِ الْإِحْرَامِ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الصَّوْمِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ تِلْكَ الْحَالَ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْحَارِثِيُّ ، وَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَوْ وَصَّى بِدَفْنِ كُتُبِ الْعِلْمِ لَمْ تُدْفَنْ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ : مَا يُعْجِبُنِي ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا بَأْسَ ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ : تُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ ، قَالَ الْخَلَّالُ : الْأَحْوَطُ دَفْنُهَا .

وَلَوْ وَصَّى بِإِحْرَاقِ ثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَصُرِفَ فِي تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ هُوَ أَوْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَفِي التُّرَابِ يُصْرَفُ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى ، وَفِي الْمَاءِ يُصْرَفُ فِي عَمَلِ سُفُنٍ لِلْجِهَادِ .

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ لَوْ : أَنَّ رَجُلًا وَصَّى بِكُتُبِهِ مِنْ الْعِلْمِ لِآخَرَ وَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ .

إذَا وَصَّى بِثُلُثِهِ عَمَّ ، وَعَنْهُ : يَعُمُّ الْمُتَجَدِّدَ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ أَوْ قَوْلِهِ : بِثُلُثَيْ يَوْمَ أَمُوتُ ، وَدِيَتُهُ مُطْلَقًا لَهُ ، كَصَيْدٍ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي أُحْبُولَةٍ نَصَبَهَا ، خِلَافًا لِلِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ فَيَتَوَجَّهُ فِي ضَمَانِ الْمَيِّتِ الْخِلَافُ ، وَسَبَقَ فِي الْغَصْبِ ضَمَانُهُ بِبِئْرٍ حَفَرَهَا فِي فِنَائِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَالَهُ مَنْ قَالَ يَمْلِكُ صَيْدًا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي أُحْبُولَةٍ نَصَبَهَا ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ ، قَالَ أَحْمَدُ : { قَضَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الدِّيَةَ مِيرَاثٌ } .
وَعَنْهُ : هِيَ لِوَرَثَتِهِ ، قَالَ : لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ مَوْتِهِ .

وَلَوْ وَصَّى بِمَنْفَعَةِ أَمَتِهِ أَبَدًا أَوْ لِآخَرَ بِرَقَبَتِهَا أَوْ بَقَائِهَا تَرِكَةً صَحَّ ، وَلِمَالِكِ رَقَبَتِهَا بَيْعُهَا ، كَعِتْقِهَا ، وَقِيلَ : وَعَنْ كَفَّارَتِهِ كَعَبْدٍ مُؤَجَّرٍ ، فَيَبْقَى انْتِفَاعُ رَبِّ الْوَصِيَّةِ بِحَالِهِ ، وَقِيلَ : بِبَيْعٍ لِمَالِكِ نَفْعِهَا ، وَقِيلَ : لَا ، وَفِي كِتَابَتِهَا الْخِلَافُ وَلَهُ قِيمَتُهَا وَوَلَدُهَا وَقِيمَتُهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ، وَقِيلَ : هُنَّ بِمَنْزِلَتِهَا ، وَعَلَيْهِمَا تَخَرَّجَ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ قَاتِلِهَا [ وَعَفَا ] هَلْ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ ؟ وَإِنْ جَنَتْ سَلَّمَهَا هُوَ أَوْ فَدَاهَا مَسْلُوبَةً ، وَلَا يَطَأُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ ، وَلِمَالِكِ نَفْعِهَا خِدْمَتُهَا حَضَرًا وَسَفَرًا وَإِجَارَتُهَا وَإِعَارَتُهَا ، وَقِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى وَارِثِهَا إنْ قَتَلَهَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : إنْ قَتَلْت فَرَقَبَةٌ بِثَمَنِهَا مَقَامَهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِمَالِكِ النَّفْعِ ، قَالَ : وَهُوَ أَوْلَى ، وَقِيلَ : يَجِدُ بِوَطْئِهِ وَوَلَدُهُ قِنٌّ ، وَتَزْوِيجُهَا إلَيْهِمَا ، وَيَجِبُ بِطَلَبِهَا وَوَلِيُّهَا مَالِكُ الرَّقَبَةِ ، وَقِيلَ : هُمَا ، وَفِي مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَجْهَانِ ( م 6 و 7 ) وَنَفْعُهَا بَعْدَ الْوَصِيِّ لِوَرَثَتِهِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي هِبَةِ نَفْعِ دَارِهِ وَسُكْنَاهَا شَهْرًا وَتَسْلِيمِهَا ، وَقِيلَ : لِوَرَثَةِ الْمُوصِي ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ ثَمَنِهَا مِنْ ثُلُثِهِ ؟ أَوْ مَا قِيمَتُهَا بِنَفْعِهَا وَبِدُونِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 8 ) .

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : فِيمَنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ أَمَتِهِ أَبَدًا : وَلِمَالِكِ رَقَبَتِهَا بَيْعُهَا كَعِتْقِهَا ، وَقِيلَ : وَعَنْ كَفَّارَتِهِ : فَيَبْقَى انْتِفَاعُ رَبِّ الْوَصِيَّةِ [ بِمَنْفَعَتِهَا ] بِحَالِهِ ، وَقِيلَ : يَبِيعُ لِمَالِكِ نَفْعِهَا ، وَقِيلَ : لَا ، وَفِي كِتَابَتِهَا الْخِلَافُ ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخِلَافِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي جَوَازِ بَيْعِهَا .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِهَا ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَطْلَقَ فِيهَا الْخِلَافَ مِنْ وَجْهَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 و 7 ) قَوْلُهُ : وَفِي مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَجْهَانِ [ انْتَهَى ] ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) مَهْرُهَا هَلْ يَكُونُ لِمَالِكِ نَفْعِهَا أَوْ رَقَبَتِهَا ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَظَاهِرُ الشَّرْحِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، وَكَذَا ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ .
( أَحَدُهُمَا ) لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لِمَالِكِ نَفْعِهَا ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمَا : وَقَالَ أَصْحَابُنَا : وَهُوَ لِمَالِكِ نَفْعِهَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) نَفَقَتُهَا هَلْ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ نَفْعِهَا أَوْ رَقَبَتِهَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ ، وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ ،

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقِيلَ : يَكُونُ فِي كَسْبِهَا فَإِنْ عَدِمَ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَقِيلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : هُوَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ عَنْ الْقَوْلِ بِكَوْنِهِ فِي كَسْبِهَا : هُوَ رَاجِعٌ إلَى إيجَابِهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ ، انْتَهَى .
وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَّا وَجْهَيْنِ ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ ثَمَنِهَا مِنْ ثُلُثِهِ ؟ أَوْ مَا قِيمَتُهَا بِنَفْعِهَا وَبِدُونِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يَعْتَبِرُ جَمِيعَهَا مِنْ الثُّلُثِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تُقَوَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ ، فَيَعْتَبِرُ مِمَّا بَيْنَهُمَا ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ .

وَإِنْ وَصَّى بِنَفْعِهَا وَقْتًا فَقِيلَ كَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ وَحْدَهُ مِنْ ثُلُثِهِ ، لِإِمْكَانِ تَقْوِيمِهِ مُفْرَدًا ( م 9 ) وَيَصِحُّ بَيْعُهَا ، وَيَصِحُّ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ لِسَيِّدِهِ ، وَبِالْمُكَاتَبِ وَهُوَ كَمُشْتَرِيهِ ، وَيَصِحُّ بِهِ لِزَيْدٍ وَبِدِينِهِ لِعَمْرٍو ، وَيُعْتَقُ بِأَدَائِهِ وَيَمْلِكُهُ زَيْدٌ بِعَجْزِهِ ، فَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ عَمْرٍو مُطْلَقًا فِيمَا بَقِيَ ، وَإِنْ قَالَ ضَعُوا نَجْمًا فَمَا شَاءَ وَارِثُهُ ، وَإِنْ قَالَ أَكْثَرُ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلُ نِصْفِهِ وُضِعَ فَوْقَ نِصْفِهِ وَفَوْقَ رُبُعِهِ ، وَإِنْ قَالَ مَا شَاءَ فَالْكُلُّ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَا شَاءَ مِنْ مَالِهَا ، وَفِي الْخِلَافِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْعَقْلِ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَصَّى بِنَفْعِهَا وَقْتًا فَقِيلَ كَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يَعْتَبِرُ وَحْدَهُ مِنْ ثُلُثِهِ ، لِإِمْكَانِ تَقْوِيمِهِ مُنْفَرِدًا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ .
( أَحَدُهُمَا ) حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) إنْ وَصَّى بِمَنْفَعَتِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِهَا مِنْ الثُّلُثِ ، لِأَنَّ عَبْدًا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ اُعْتُبِرَتْ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ مِنْ الثُّلُثِ ، اخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَقَالَ : هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي ، فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَإِنْ وَصَّى بِكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

إذَا أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ عَيَّنَهُ فَلَهُ نَصِيبُهُ مَضْمُومًا إلَى الْمَسْأَلَةِ .
وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ وَلَوْ لَمْ يَرِثْهُ مُوصٍ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لِمَانِعٍ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَهُ كَأَقَلِّهِمْ نَصِيبًا مَضْمُومًا ، فَمَعَ ابْنٍ نِصْفٌ ، وَمَعَ زَوْجَةٍ تُسْعٌ ، وَكَذَا وَصِيَّتُهُ بِنَصِيبِهِ ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ اعْتِبَارُهُ ، فَنَحْمِلُهُ عَلَى الْمَجَازِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى بِمَالِهِ صَحَّ ، مَعَ تَضَمُّنِهِ الْوَصِيَّةَ بِنَصِيبِ الْوَرَثَةِ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ وَصَّى بِحَقِّهِ كَدَارِهِ وَبِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ إرْثِهِ ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ فِي التَّوْلِيَةِ بِعْتُكَهُ بِمَا اشْتَرَيْته بِهِ ، لِلْعُرْفِ ، فَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي بِعْتُكَهُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ عَبْدَهُ وَيَعْلَمَانِهِ ، وَقَالُوا : يَصِحُّ ، وَظَاهِرُهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَا ، لِاسْتِدْعَاءِ التَّوْلِيَةِ الْمِثْلَ ، وَإِنْ قَالَ كَأَعْظَمِهِمْ فَلَهُ مِثْلُهُ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ .

بَابُ عَمَلِ الْوَصَايَا وَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتٍ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ ، وَبِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ ، فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا ، فَمَعَ ابْنَيْنِ الرُّبُعُ ، وَمَعَ أَرْبَعَةٍ السُّدُسُ ، فَصَحَّحَ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْوَارِثِ ثُمَّ وُجُودِهِ ، ثُمَّ اضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى ، ثُمَّ اقْسِمْ مَا ارْتَفَعَ عَلَى مَسْأَلَةِ وُجُودِهِ ، فَمَا خَرَجَ أَضِفْهُ ، إلَى مَا ارْتَفَعَ ، وَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَاقْسِمْ مَا ارْتَفَعَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الْعَمَلُ لَوْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ ، فَلَوْ خَلَّفَ خَمْسَةَ بَنِينَ وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ سَادِسٍ لَوْ كَانَ ، فَاضْرِبْ مَسْأَلَةَ عَدَمِهِ خَمْسَةً ، فِي مَسْأَلَةِ وُجُودِهِ سِتَّةً ، يَكُنْ ثَلَاثِينَ ، فَاقْسِمْهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوُجُودِ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ ، وَعَلَى الْعَدَمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةٌ ، فَقَدْ وَصَّى بِسِتَّةٍ وَاسْتَثْنَى خَمْسَةً ، فَلَهُ سَهْمٌ يُضَافُ إلَى الثَّلَاثِينَ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَمَعْنَاهُ لِلشَّيْخِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ الْمَقْرُوءَةِ أَرْبَعَةُ بَنِينَ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ سَادِسٍ لَوْ كَانَ ، قَالَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ ، وَإِنْ عَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنَّهُ وَصَّى بِالْخَمْسِ إلَّا السُّدُسَ ، كَذَا قَالَ ، مَعَ قَوْلِهِ فِي النُّسَخِ الْمَعْرُوفَةِ : أَرْبَعَةٌ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ خَامِسٍ لَوْ كَانَ إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ سَادِسٍ لَوْ كَانَ ، عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوا أَوْصَى بِالسُّدُسِ إلَّا السُّبُعَ ، فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَكَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ ، وَإِنَّ قَوْلَهُمْ أَوْصَى بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ صَحِيحٌ ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ نَصِيبَ الْخَامِسِ الْمُقَدَّرِ غَيْرَ مَضْمُومٍ ، وَإِنَّ النَّصِيبَ الْمُسْتَثْنَى هُوَ السُّدُسُ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَمَا قَالَهُ

الْحَارِثِيُّ صَحِيحٌ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الشَّيْخِ : أَرْبَعَةٌ ، أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ لَوْ كَانَ ، فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ ، وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْلَ ابْنُ رَزِينٍ فِي ابْنَيْنِ وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ الرُّبُعُ ، وَإِلَّا مِثْلَ نَصِيبِ رَابِعٍ لَوْ كَانَ سَهْمٌ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ .
تَنْبِيهَانِ ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : أَوْصَى لَهُ بِالسُّدُسِ إلَّا السُّبُعَ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ ، انْتَهَى فَقَوْلُهُ لَهُ سَهْمَانِ سَبْقَةُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ سَهْمٌ مُزَادٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ ، أَوْ يُقَالُ لَهُ سَهْمَانِ مُزَادَانِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : فِيمَا إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ " وَعَنْهُ : لَهُ سَهْمٌ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ مَضْمُومًا إلَيْهَا اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ " لَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ ، وَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ مُؤَخَّرَةٌ ذَكَرَهَا وَقَدَّمَ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ : فَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ أَعْطَى السُّدُسَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى : يُعْطِي سَهْمًا مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ ، انْتَهَى .
اُنْظُرْ الصَّفْحَةَ التَّالِيَةَ 700 .

وَلَوْ وَصَّى بِضَعْفِ نَصِيبِ ابْنِهِ فَمِثْلَاهُ ، وَبِضَعْفَيْهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ وَبِثَلَاثَةِ أَضْعَافِهِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : ضِعْفَاهُ مِثْلَاهُ وَثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ .

وَلَوْ وَصَّى بِحَظٍّ أَوْ قِسْطٍ أَوْ نَصِيبٍ أَوْ جُزْءٍ أَوْ شَيْءٍ أَعْطَاهُ وَارِثَهُ مَا يَتَمَوَّلُ ، وَبِثُلُثِهِ إلَّا حَظًّا أَعْطَى مَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَبِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ سُدُسُهُ ، وَلَوْ كَانَ عَائِلًا مَضْمُومًا إلَيْهِ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ، وَقِيلَ : سُدُسُهُ كُلُّهُ ، أَطْلَقَهُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ ، وَعَنْهُ : لَهُ سَهْمٌ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ مَضْمُومًا إلَيْهَا ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، وَعَنْهُ : لَهُ مِثْلُ أَقَلِّهِمْ مَضْمُومًا إلَيْهَا ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : عَلَيْهِمَا لَا يُزَادُ عَلَى السُّدُسِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : إنْ صَحَّ فِي لُغَةٍ أَوْ أَثَرٍ أَنَّهُ السُّدُسُ فَكَسُدُسِ مُوصَى بِهِ ، وَإِلَّا فَكَجُزْءٍ .

وَإِنْ وَصَّى بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَثُلُثٍ فَخُذْهُ مِنْ مَخْرَجِهِ وَاقْسِمْ الْبَقِيَّةَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ ضَرَبْت الْمَسْأَلَةَ أَوْ وَفِّقْهَا لِلْبَقِيَّةِ فِي الْمَخْرَجِ ، فَتَصِحُّ مِمَّا بَلَغَ ، ثُمَّ مَا لِلْوَصِيِّ مَضْرُوبٌ فِي مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ وَقْفِهَا أَوْ مَا لِكُلِّ وَارِثٍ فِي بَقِيَّةِ الْمَخْرَجِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَوْ فِي وَقْفِهِ ، وَكَذَا إنْ وَصَّى بِأَجْزَاءٍ تَعْبُرُ الثُّلُثَ وَأُجِيزَتْ ، وَإِنْ رُدَّتْ أَخَذْتهَا مِنْ مَخْرَجِهَا فَجَعَلْتهَا ثُلُثَ الْمَالِ ، فَإِذَا وَصَّى بِنِصْفٍ وَرُبُعٍ وَلَهُ ابْنَانِ فَأَجَازَا صَحَّتْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، وَإِنْ رَدَّا جَعَلْت الثُّلُثَ ثَلَاثَةً وَلِلِابْنَيْنِ سِتَّةٌ وَإِنْ أَجَازَا لِأَحَدِهِمَا ضَرَبْت مَسْأَلَةَ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ [ تَكُنْ ] اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ ، لِلْمَجَازِ لَهُ سَهْمٌ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فِي الْأُخْرَى ، وَكَذَا مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ ، وَالْبَاقِي لِلِابْنَيْنِ وَإِنْ أَجَازَ ابْنٌ لَهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ فَلَهُ سَهْمُهُ مِنْ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ ، وَلِمَنْ رَدَّ سَهْمَهُ مِنْ الرَّدِّ فِي الْإِجَازَةِ وَالْبَاقِي لِلْوَصِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَإِنْ أَجَازَ وَاحِدٌ لِوَاحِدٍ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ ] فَاعْمَلْ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ وَخُذْ مِنْ الْمُجِيزِ لِمَنْ أَجَازَ لَهُ مَا يَدْفَعُهُ بِإِجَازَتِهَا لَهُ ، فَإِنْ انْكَسَرَ فَابْسُطْ الْكُلَّ مِنْ جِنْسِهِ ،

وَلَوْ عَبَرَتْ الْوَصَايَا الْمَالَ فَكَمَسْأَلَةِ عَائِلَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَنِصْفٌ وَثُلُثَانِ مِنْ سَبْعَةٍ فَالْمَالُ يُقَسَّمُ مَعَ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَالثُّلُثُ مَعَ الرَّدِّ ، وَمَالٌ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ .

وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ فِيمَنْ وَصَّى بِمَالِهِ لِوَارِثِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ وَأُجِيزَ فَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُهُ ، وَمَعَ الرَّدِّ هَلْ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ .

وَلَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِمَالِهِ وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِهِ وَلَهُ ابْنَانِ فَأَجَازَا فَالْمَالُ أَرْبَاعًا ، لِزَيْدٍ نِصْفٌ وَرُبُعٌ ، وَلِعَمْرٍو رُبُعٌ ، وَإِنْ رَدَّا فَالثُّلُثُ كَذَلِكَ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ ، وَإِنْ أَجَازَا لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو رُبُعُ الثُّلُثِ وَالْبَقِيَّةُ لِزَيْدٍ ، أَعْطَى لَهُ وَصِيَّتَهُ أَوْ الْمُمْكِنَ مِنْهَا ، وَقِيلَ : ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، كَالْإِجَازَةِ لَهُمَا ، وَإِنْ أَجَازَا لِعَمْرٍو فَلَهُ تَتِمَّةُ الثُّلُثِ ، وَقِيلَ : تَتِمَّةُ الرُّبُعِ ، وَلِزَيْدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ ، وَإِنْ أَجَازَ ابْنٌ لَهُمَا أَخَذَا مَا مَعَهُ أَرْبَاعًا ، وَإِنْ أَجَازَ لِزَيْدٍ أَخَذَ مَا مَعَهُ ، وَقِيلَ : ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَإِنْ أَجَازَ لِعَمْرٍو أَخَذَ نِصْفَ تَتِمَّةِ الثُّلُثِ ، وَقِيلَ : نِصْفُ تَتِمَّةِ الرُّبُعِ ، وَقِيلَ : الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ .

وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ وَمَالُهُ غَيْرُ الْعَبْدِ مِائَتَانِ فَلِزَيْدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ ، وَلِعَمْرٍو رُبُعُهُ وَثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ ، وَمَعَ الرَّدِّ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ ، وَلِعَمْرٍو سُدُسُهُ وَسُدُسُ الْمِائَتَيْنِ .
وَطَرِيقُهُ أَنْ تُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا وَصَّى لَهُ بِقَدْرِ نِسْبَةِ الثُّلُثِ إلَى مَجْمُوعِهِمَا ، وَقِيلَ : يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا لَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ : لِزَيْدٍ رُبُعُ الْعَبْدِ وَخُمُسُهُ ، وَلِعَمْرٍو عَشَرَةٌ وَنِصْفُ عُشْرِهِ وَخُمُسُ الْمِائَتَيْنِ .
وَطَرِيقُهُ أَنْ تَنْسُبَ الثُّلُثَ إلَى الْحَاصِلِ لَهُمَا مَعَ الْإِجَازَةِ ، فَتُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ .

وَلَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَبِمِائَةٍ لِعَمْرٍو وَبِتَمَامِ ثُلُثٍ آخَرَ عَلَيْهَا لِبَكْرٍ وَثُلُثُهُ مِائَةٌ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ بَكْرٍ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ جَاوَزَ الْمِائَةَ فَأُجِيزَ نُفِّذَ ، وَإِنْ رَدَّ فَلِكُلِّ نِصْفٍ وَصِيَّتُهُ ، فِي اخْتِيَارِ الشَّيْخِ ، وَقِيلَ : إنْ جَاوَزَ مِائَتَيْنِ فَلِزَيْدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ ، وَلِعَمْرٍو مِائَةٌ ، وَلِبَكْرٍ نِصْفُ الزَّائِدِ ، وَإِنْ جَاوَزَ مِائَةً فَلِزَيْدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ ، وَبَقِيَّةُ الثُّلُثِ لِعَمْرٍو مَعَ مُعَادَتِهِ بِبَكْرٍ ، وَقِيلَ : تَبْطُلُ وَصِيَّةُ بَكْرٍ هُنَا ( م 1 ) .
مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ ، وَبِمِائَةٍ لِعَمْرٍو ، وَبِتَمَامِ ثُلُثٍ آخَرَ [ عَلَيْهَا ] لِبَكْرٍ وَثُلُثُهُ مِائَةٌ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ بَكْرٍ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ جَاوَزَ الْمِائَةَ فَأُجِيزَ نَفَذَ ، وَإِنْ رُدَّ فَلِكُلِّ نِصْفٍ وَصِيَّتُهُ ، فِي اخْتِيَارِ الشَّيْخِ ، وَقِيلَ إنْ جَاوَزَ مِائَتَيْنِ فَلِزَيْدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ ، وَلِعَمْرٍو مِائَةٌ ، وَلِبَكْرٍ نِصْفُ الزَّائِدِ ، وَإِنْ جَاوَزَ مِائَةً فَلِزَيْدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ ، وَبَقِيَّةُ الثُّلُثِ لِعَمْرٍو مَعَ مُعَاوَدَتِهِ بِبَكْرٍ ، وَقِيلَ : تَبْطُلُ وَصِيَّةُ بَكْرٍ هُنَا ، انْتَهَى .
مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ هُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَالْأَصَحُّ مَا قَالَ الْقَاضِي ، وَصَحَّحَهُ الْمُحَرَّرُ فِيمَا إذَا جَاوَزَ الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ ، فَوَافَقَ الْمَجْدُ الْقَاضِي فِيمَا إذَا جَاوَزَ الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ ، وَخَالَفَهُ فِيمَا إذَا جَاوَزَ الْمِائَةَ ، فَأَبْطَلَهَا .

وَلَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِتَمَامِ الثُّلُثِ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْمُوصِي أَلْقَيْت قِيمَتَهُ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ بَعْدَ تَقْوِيمِهَا بِدُونِهِ ، ثُمَّ الْبَقِيَّةُ لِلتَّمَامِ .

وَلَوْ وَصَّى لِوَارِثٍ وَغَيْرِهِ بِثُلُثَيْهِ اشْتَرَكَا مَعَ الْإِجَازَةِ وَمَعَ الرَّدِّ عَلَى الْوَارِثِ الْآخَرِ الثُّلُثَ ، وَقِيلَ : نِصْفُهُ كَوَصِيَّتِهِ لَهُمَا بِثُلُثَيْهِ وَالرَّدُّ عَلَى الْوَارِثِ ، وَإِنْ رَدُّوا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ لَا وَصِيَّتَهُ عَيَّنَا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : لِلْآخَرِ ، وَقِيلَ : لَهُ السُّدُسُ ، وَإِنْ أُجِيزَ لِلْوَارِثِ فَلَهُ الثُّلُثُ ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ ، وَقِيلَ : السُّدُسُ .

وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِعَمْرٍو بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ ابْنَيْهِ فَقِيلَ : لِكُلٍّ مِنْهُمَا الثُّلُثُ مَعَ الْإِجَازَةِ ، كَانْفِرَادِهِمَا ، وَالسُّدُسُ مَعَ الرَّدِّ ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ، وَقِيلَ : لِعَمْرٍو كَابْنٍ بَعْدَ إخْرَاجِ الثُّلُثِ ( م 2 ) وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي تُسْعَانِ ، وَفِي الرَّدِّ لَهُمَا الثُّلُثُ عَلَى الْخَمْسَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ زَيْدٍ بِثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لِعَمْرٍو الثُّلُثُ ، وَلِزَيْدٍ ثُلُثُ الْبَاقِي مَعَ الْإِجَازَةِ ، وَمَعَ الرَّدِّ الثُّلُثُ عَلَى خَمْسَةٍ ، وَعَلَى الثَّانِي فِيهِ دَوْرٌ ، لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَنَصِيبِ ابْنِ عَلَى الْآخَرِ ، فَاجْعَلْ الْمَالَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَنَصِيبًا ، فَالنَّصِيبُ لِعَمْرٍو ، وَلِزَيْدٍ ثُلُثُ الْبَاقِي سَهْمٌ ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ فَهُوَ النَّصِيبُ ، وَبِالْبَابِ تَضْرِبُ مَخْرَجَ كُلِّ وَصِيَّةٍ فِي الْأُخْرَى تَكُنْ تِسْعَةً ، أَلْقِ مِنْهَا دَائِمًا وَاحِدًا مِنْ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ بِالْجَبْرِ فَالنَّصِيبُ سَهْمَانِ ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، وَإِنْ شِئْت قُلْت لِلِابْنَيْنِ سَهْمَانِ ، ثُمَّ تَقُولُ : هَذَا مَالٌ ذَهَبَ ثُلُثُهُ فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِهِ فَيَصِيرُ ثَلَاثَةً ، ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ لِوَصِيِّهِ النَّصِيبُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَبِالْجَبْرِ خُذْ مَالًا وَأَلْقِ مِنْهُ نَصِيبًا وَثُلُثُ بَاقِيهِ يَبْقَى ثُلُثُ مَالٍ إلَّا ثُلُثَيْ نَصِيبٍ يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ ، اُجْبُرْ وَقَابِلْ وَابْسُطْ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ ، ثُمَّ اقْلِبْ فَاجْعَلْ الْمَالَ ثَمَانِيَةً وَالنَّصِيبَ اثْنَيْنِ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِعَمْرٍو بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ ابْنَيْهِ فَقِيلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الثُّلُثُ مَعَ الْإِجَازَةِ ، كَانْفِرَادِهِمَا ، وَالسُّدُسُ مَعَ الرَّدِّ ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ، وَقِيلَ لِعَمْرٍو كَابْنٍ بَعْدَ إخْرَاجِ الثُّلُثِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ ، وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ نِصْفَيْنِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لِصَاحِبِ النَّصِيبِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِابْنٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي وَذَلِكَ التُّسْعَانِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ ، وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهَذَا أَصَحُّ بِلَا مِرْيَةٍ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ : وَالتَّفْرِيعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَفِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ .

وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ [ نَصِيبِ ] أَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا رُبُعَ الْمَالِ فَمَخْرَجُ الْكَسْرِ أَرْبَعَةٌ ، زِدْهُ رُبُعَهُ يَصِيرُ خَمْسَةً ؛ فَهُوَ النَّصِيبُ ، وَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ وَاحِدًا ، وَاضْرِبْهُ فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ يَصِرْ سِتَّةَ عَشَرَ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ ، وَإِنْ شِئْت قُلْت فُضِّلَ كُلُّ ابْنٍ بِرُبُعٍ ، فَلِكُلِّ ابْنٍ رُبُعٌ [ يَبْقَى رُبُعٌ ] اقْسِمْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، فَلَهُ نِصْفُ ثَمَنِ سَهْمٍ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَلَوْ قَالَ إلَّا رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ ، فَالْبَاقِي بَعْدَهُ مَالٌ إلَّا نَصِيبًا ، زِدْهُ رُبُعَهُ ، اُجْبُرْ وَقَابِلْ فَيَصِيرُ مَالًا وَرُبُعًا وَأَرْبَعَةَ أَنْصِبَاءٍ وَرُبُعًا ، اُبْسُطْ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ يَصِيرُ خَمْسَةَ أَمْوَالٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ نَصِيبًا ، فَاجْعَلْ الْمَالَ سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَالنَّصِيبُ خَمْسَةً ، فَالْوَصِيَّةُ اثْنَانِ ، وَلَوْ قَالَ إلَّا رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَالْبَاقِي بَعْدَهَا أَنْصِبَاءُ بَنِيهِ ثَلَاثَةً ، فَأَلْقِ رُبُعَهَا مِنْ نَصِيبِ الْوَصِيِّ يَبْقَى رُبُعُهُ هُوَ الْوَصِيَّةُ ، زِدْهُ عَلَى أَنْصِبَاءِ [ الْوَرَثَةِ ] وَابْسُطْهَا أَرْبَاعًا ، فَلَهُ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ .

تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى رَشِيدٍ عَدْلٍ وَلَوْ رَقِيقٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، وَعَنْهُ : تَصِحُّ إلَى مُمَيِّزٍ ، وَعَنْهُ مُرَاهِقٍ ، وَمِثْلُهُ سَفِيهٌ ، وَإِلَى فَاسِقٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ إنْ أَمْكَنَ الْحِفْظَ بِهِ ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ فِي فِسْقٍ طَارِئٍ فَقَطْ ، وَقِيلَ : عَكْسُهُ وَتَصِحُّ إلَى عَاجِزٍ ، خِلَافًا لِلتَّرْغِيبِ ، وَيُضَمُّ [ إلَيْهِ ] أَمِينٌ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ إبْدَالَهُ ، وَفِي الْكَافِي : لِلْحَاكِمِ إبْدَالُهُ ، وَلَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ وَصِيٍّ خَاصٍّ كَافٍ .

بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِلَى فَاسِقٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ إنْ أَمْكَنَ الْحِفْظُ بِهِ ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ فِي فِسْقٍ طَارِئٍ فَقَطْ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْفَاسِقَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّرَيَانِ وَعَدَمِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَى فَاسِقٍ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ ، كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ، وَالشِّيرَازِيِّ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ ، وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ، وَعَنْهُ : تَصِحُّ إلَى فَاسِقٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ ، قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ طَرَأَ فِسْقُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصًا ، وَهُوَ : " وَعَنْهُ : وَإِلَى فَاسِقٍ " فَلَفْظَةُ " وَعَنْهُ " سَقَطَتْ مِنْ الْكَاتِبِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ فِي فِسْقٍ طَارِئٍ " فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " وَذَكَرَهَا " عَائِدٌ إلَى الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَذْهَبُ كَمَا قُلْنَا ، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، ثُمَّ وَجَدْت شَيْخَنَا قَالَ .
إنَّهُ عَطَفَ عَلَى مُمَيِّزٍ ، وَالتَّقْدِيرُ وَعَنْهُ : يَصِحُّ إلَى مُمَيِّزٍ وَإِلَى فَاسِقٍ " وَهُوَ حَسَنٌ ، لَكِنْ خَلَلٌ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُرَاهِقِ وَالسَّفِيهِ .

قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ وَصَّى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ حَجِّهِ : وِلَايَةُ الدَّفْعِ وَالتَّعْيِينِ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ [ عِ ] وَإِنَّمَا لِلْوَلِيِّ الْعَامِّ الِاعْتِرَاضُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ فِعْلِهِ مُحَرَّمًا ، فَظَاهِرُهُ : لَا نَظَرَ وَلَا ضَمَّ مَعَ وَصِيٍّ مُتَّهَمٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ .

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّهَمًا : لَمْ يُخْرَجْ مِنْ يَدِهِ وَيُجْعَلْ مَعَهُ آخَرَ ، وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى : إنْ كَانَ مُتَّهَمًا ضُمَّ إلَيْهِ رَجُلٌ يَرْضَاهُ أَهْلُ الْوَقْفِ بِعِلْمِ مَا جَرَى ، وَلَا تُنْزَعُ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ ، وَتَرْجَمَهُ الْخَلَّالُ : هَلْ لِلْوَرَثَةِ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ الْوَصِيِّ الْمُتَّهَمِ ؟ ثُمَّ إنْ ضَمَّهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ تَوَجَّهَ جَوَازُهُ ، وَمِنْ الْوَصِيِّ فِيهِ نَظَرٌ ، بِخِلَافِ ضَمِّهِ مَعَ الْفِسْقِ .

وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : فِي ابْتِدَاءِ الْحَجْرِ عَلَى رَشِيدٍ بَذَرَ مَالَهُ أَنَّهُ مَالٌ يُخْشَى ضَيَاعُهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ ، فَجَازَ لِلْحَاكِمِ حِفْظُهُ ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَالَ غَيْرِهِ فِي مَضْيَعَةٍ ، أَوْ رَأَى الْحَاكِمُ الْوَصِيَّ يَبْذُرُ مَالَ الْيَتِيمِ .

وَيَعْتَبِرُ إسْلَامَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي كَافِرًا فَوَجْهَانِ ( م 1 ) .
وَتُعْتَبَرُ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَقِيلَ : وَبَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : يَكْفِي عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَقِيلَ : وَعِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَيُضَمُّ أَمِينٌ .
مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي كَافِرًا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَى كَافِرٍ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يَصِحُّ إذَا كَانَ عَدْلًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَابْنُ رَزِينٍ .
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ، قَالَ الْمَجْدُ : وَجَدْته بِخَطِّهِ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَصِحُّ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى كَافِرٍ .
وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ : وَلَا تَصِحُّ إلَّا إلَى مُسْلِمٍ ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْعَدْلَ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ ، فَحَيْثُ اشْتِرَاطُنَا الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ فَفِي الْكَافِرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْهَا فِي الْمُسْلِمِ فَيَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْكَافِرِ ، وَهُوَ أَوْلَى ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ ، وَأَمَّا أَنْ نَشْتَرِطَ الْعَدَالَةَ فِي الْمُسْلِمِ وَلَمْ نَشْتَرِطْهَا فِي الْكَافِرِ فَبَعِيدٌ جِدًّا ، بَلْ لَا يَصِحُّ .

وَمَنْ وَصَّى إلَى وَاحِدٍ ثُمَّ إلَى آخَرَ وَلَمْ يَعْزِلْ الْأَوَّلَ اشْتَرَكَا ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِتَصَرُّفٍ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قِيلَ لَهُ : فَإِنْ أَخَذَ بَعْضَ الْمَالِ دُونَهُ وَقَالَ لَا أَدْفَعُهُ إلَيْك ، فَقَالَ : إنَّمَا عَلَيْهِ الْجَهْدُ ، فَلْيَجْتَهِدْ فِيمَا ظَهَرَ لَهُ ، وَمَا غَابَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ، قِيلَ : فَيُرْفَعُ أَمْرُهُمَا إلَى الْحَاكِمِ وَيَبْرَأُ مِنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ .

وَمَنْ وَجَدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ قَالَ الشَّيْخُ : أَوْ غَابَ لَزِمَ ضَمُّ أَمِينٍ ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمَا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَجْهَانِ ( م 2 ) .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ قَالَ الشَّيْخُ : أَوْ غَابَ لَزِمَ ضَمُّ أَمِينٍ ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمَا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي لَوْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ عَزْلَهُمَا ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَلَوْ مَاتَ جَازَ إقَامَةُ وَاحِدٍ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ عَزْلَهُمَا جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ بَدَلَهَا وَاحِدًا ، فِي الْأَصَحِّ .
وَقَالَ فِي الصُّغْرَى : وَإِنْ مَاتَا جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ بَدَلَهُمَا وَاحِدًا ، فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ : فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمَا فَلَهُ نَصْبُ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ : لَا يُنَصِّبُ إلَّا اثْنَيْنِ ، انْتَهَى .
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ : أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ يَكْفِي وَاحِدٌ ، انْتَهَى .
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ أَوْ لُزُومِ اثْنَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ حَدَثَ عَجْزٌ لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ : يَضُمُّ أَمِينًا ، وَقِيلَ : لَهُ ذَلِكَ ( م 3 ) وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الصَّرْفُ وَلَا عَجْزَ لَمْ يَجُزْ .
قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْعَامِلِ : فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَاظِرٌ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَإِنْ لَمْ يَجُزْ بِهِ عُرْفٌ كَانَ عَزْلًا لِلْأَوَّلِ ، وَإِلَّا فَلَا .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ حَدَثَ عَجْزٌ لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ : يَضُمُّ أَمِينًا ، وَقِيلَ : لَهُ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ وُجُوبُ ضَمِّ أَمِينٍ هُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : مَتَى عَجَزَ الْعَدْلُ عَنْ النَّظَرِ لِعِلَّةٍ وَنَحْوِهَا ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ وَلَمْ يَنْعَزِلْ ، إجْمَاعًا ، انْتَهَى .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ ضَمُّ أَمِينٍ ، مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ .

وَلَوْ وَصَّى إلَيْهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ أَوْ يَحْضُرَ فُلَانٌ أَوْ إنْ مَاتَ فَفُلَانٌ صَحَّ ، وَيَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا عِنْدَ الشَّرْطِ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ، أَوْ هُوَ وَصِيٌّ سَنَةً ثُمَّ عَمَّرَ ، وَلِلْخَبَرِ { أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ } .

وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ ، وَيَتَوَجَّهُ : لَا ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَهِيَ كَالْوَكَالَةِ فِي الْحَيَاةِ ، وَلِهَذَا هَلْ لِلْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ وَيَعْزِلَ مَنْ وَصَّى إلَيْهِ ؟ وَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَعْلُومٍ ، وَلِلْمُوصِي عَزْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ ، فَلِهَذَا لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : إذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ : الْإِمَامُ بَعْدِي فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ فِي حَيَاتِي أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ فَالْخَلِيفَةُ فُلَانٌ صَحَّ ، وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ .

وَإِنْ قَالَ : فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي ، فَإِنْ وُلِّيَ ثُمَّ مَاتَ فَفُلَانٌ بَعْدَهُ ، لَمْ يَصِحَّ لِلثَّانِي ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ إذَا وُلِّيَ وَصَارَ إمَامًا حَصَلَ التَّصَرُّفُ وَالنَّظَرُ وَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ ، فَكَانَ الْعَهْدُ إلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا جُعِلَ الْعَهْدُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَتَغَيُّرِ صِفَاتِهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إلَيْهِ إمَامَةٌ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وِلَايَةَ حُكْمٍ أَوْ وَظِيفَةٍ بِشَرْطِ شُغُورِهَا أَوْ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ مَوْتِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْقِيَامِ مَقَامَهُ أَنَّ وِلَايَتَهُ تَبْطُلُ ، وَأَنَّ النَّظَرَ وَالِاخْتِيَارَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا وِلَايَةَ الْحُكْمِ بِالْوَكَالَةِ فِي مَسَائِلَ ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطٍ بَطَلَ بِمَوْتِهِ ، قَالُوا : لِزَوَالِ مِلْكِهِ ، فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : وَلِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ يَقْتَضِي الْحَيَاةَ ، وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا مُنْجَزًا بِشَرْطٍ فَوُجِدَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعَلَّقِ لَمْ يُعْتَقْ ، إذَا بَطَلَ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ ، وَلِهَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِ الشَّرْطِ بَطَلَ فَهَا هُنَا أَوْلَى ، وَقَدْ يُقَالُ : ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ عَمْرٍو إنْ قُمْت فَأَنْتَ وَعَبْدِي زَيْدٍ حُرَّانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ قَامَ أَوْ قَالَ : إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي زَيْدٍ حُرٌّ فَأَبَانَهَا ثُمَّ قَامَتْ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ زَيْدٌ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يُحْتَمَلُ عِتْقُهُ وَعَدَمُهُ .

وَلِلْوَصِيِّ قَبُولُهَا حَيَاةَ الْمُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَيُعْتَبَرُ قَبُولُهَا ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ فِيهِمَا .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : إذَا وَجَدَ حَاكِمًا ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَحَنْبَلٌ ، وَعَنْهُ : لَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَعَنْهُ : وَلَا قَبْلَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : إنْ قَبِلَهَا ثُمَّ غَيَّرَ فِيهَا الْمُوصِي ؟ قَالَ : لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا إذَا غَيَّرَ فِيهَا ، وَمَا أَنْفَقَهُ وَصِيٌّ مُتَبَرِّعٌ بِمَعْرُوفٍ فِي ثُبُوتِهَا مِنْ يَتِيمٍ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ،

وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةٌ إلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ الْمُوصِي ، كَالْوَكَالَةِ ، كَقَضَاءِ دَيْنِهِ ، وَتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ ، وَالنَّظَرِ لِصِغَارِهِ ، وَحَدُّ قَذْفِهِ يَسْتَوْفِيهِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُوصَى لَهُ ، لَا بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مَعَ رُشْدِ وَارِثِهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ فِي وَكَالَةٍ عَامَّةٍ ، كَبَيْعِ مَالِهِ وَصَرْفِهِ فِي كَذَا وَتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ أَطْفَالِهِ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ كَالْأَبِ لِلْمَصْلَحَةِ ، كَمُضَارَبَةٍ ، يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي شَيْءٍ لَا يَتَجَاوَزُهُ ، فَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَأَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فَهَذَا وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ ، يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذَا كَانَ نَظَرًا لَهُمْ .

وَإِنْ وَصَّاهُ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَفِي جَوَازِ قَضَائِهِ بَاطِنًا وَتَكْمِيلِ ثُلُثِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِهِ رِوَايَتَانِ ( م 4 و 5 ) وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةٍ أَبِي دَاوُد مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فِي الدَّيْنِ : أَيَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ ؟ قَالَ : لَا .

مَسْأَلَةٌ 4 و 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَصَّاهُ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَفِي جَوَازِ قَضَائِهِ بَاطِنًا وَتَكْمِيلِ ثُلُثِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ ، فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 4 ) إذَا وَصَّى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَهَلْ يُسَوَّغُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) يُسَوَّغُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَعَنْهُ : لَا يَقْضِيهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَعَنْهُ : يَقْضِيهِ إنْ أَذِنَ فِيهِ حَاكِمٌ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ : اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4 ) إذَا أَوْصَى بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ وَأَبَى الْوَرَثَةُ إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا بِأَيْدِيهِمْ أَوْ جَحَدُوا وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَهَلْ يُكْمِلُ الثُّلُثَ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ فَقَطْ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) يُخْرِجُهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يُخْرِجُ ثُلُثَ مَنْ فِي يَدِهِ ، قَالَ الشَّيْخُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ : وَيُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، فَالْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا ، وَالثَّانِيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ أَجْنَاسًا ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كُلِّ جِنْسٍ ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ

قَوْلًا .

فَإِنْ فَرَّقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ جَهِلَ مُوصَى لَهُ فَتَصَدَّقَ هُوَ أَوْ حَاكِمٌ بِهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَمْ يَضْمَنْ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفِي حَبْسِ الْبَقِيَّةِ لِيُعْطُوهُ مَا عِنْدَهُمْ أَوْ يُعْطِيهِمْ وَيُطَالِبَهُمْ بِالثُّلُثِ رِوَايَتَانِ ( م 6 ) وَمَعَ بَيِّنَةٍ فِي لُزُومِ قَضَائِهِ بِلَا حَاكِمٍ وَقَالَ الشَّيْخُ : فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ ، مَا لَمْ يُوَافِقْهُ وَارِثُهُ الْمُكَلَّفِ ( م 7 ) وَفِي بَرَاءَةِ الْمَدِينِ بَاطِنًا بِقَضَائِهِ دَيْنًا يَعْلَمُهُ عَلَى الْمَيِّتِ الرَّوِيَّتَانِ ( م 8 ) قِيلَ لَهُ

( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَفِي حَبْسِ الْبَقِيَّةِ لِيُعْطُوهُ مَا عِنْدَهُمْ أَوْ يُعْطِيهِمْ وَيُطَالِبَهُمْ بِالثُّلُثِ الرِّوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَحْبِسُ الْبَقِيَّةَ عِنْدَهُ لِيُعْطُوهُ مَا عِنْدَهُمْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فِي الْفُصُولِ ، وَنَصَرَ شَيْخُنَا الْمَنْصُورُ عِنْدَنَا ، وَهُوَ أَنْ يَحْبِسَ الْبَاقِيَ بَعْدَ إخْرَاجِ ثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ ، فَإِنْ أَخْرَجُوهُ وَإِلَّا رَدَّهُ إلَيْهِمْ ، انْتَهَى .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُعْطِيهِمْ وَيُطَالِبُهُمْ بِثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، بَلْ الَّذِي حَكَاهُ الْأَصْحَابُ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ : تَكْمِيلُ الثُّلُثِ مِمَّا فِي يَدِهِ ، وَإِخْرَاجُ ثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ ، وَيَحْبِسُ الْبَاقِيَ لِيُخْرِجُوا ثُلُثَ مَا بِأَيْدِيهِمْ ، وَمَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَا يَخْرُجُ عَمَّا قَالُوهُ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَمَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ فِي لُزُومِ قَضَائِهِ بِلَا حَاكِمٍ رِوَايَتَانِ ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ هُمَا فِي الْجَوَازِ دُونَ اللُّزُومِ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ الْوَارِثُ الْمُكَلَّفُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا يُشْتَرَطُ الْحَاكِمُ ، بَلْ تَكْفِي الشَّهَادَةُ عِنْدَ الْمُوصَى إلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ : لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِدُونِ حُضُورِ حَاكِمٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَفِي بَرَاءَةِ الْمَدِينِ بَاطِنًا بِقَضَائِهِ دَيْنًا يَعْلَمُهُ عَلَى الْمَيِّتِ الرِّوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِآخَرَ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ

وَيَبْرَأُ بَاطِنًا أَمْ لَا ؟ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ بِالتَّعْرِيفِ ، وَهُمَا الْمَذْكُورَتَانِ فِيمَا إذَا جَحَدَ الْوَرَثَةُ دَيْنًا يَعْلَمُهُ الْمُوصَى إلَيْهِ ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْهُمَا .
وَالصَّوَابُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ بَاطِنًا ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَدْفَعُ إلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الدَّفْعُ ، وَإِلَّا جَازَ وَبَرِئَ بَاطِنًا .

وَصِيٌّ جَعَلَهُ الْوَرَثَةُ بِبَيْتٍ وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ حَتَّى أَشْهَدَ لَهُمْ وَخَرَجَ مِنْهَا ، قَالَ : لَا يَجُوزُ لَهُ وَيَجِدُّ جَهْدَهُ وَلَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ ، قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : تُوُفِّيَ وَتَرَكَ وَرَثَةً وَغُرَمَاءَ ، قَالَ : لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمْ حَتَّى يَحْضُرَ الْغُرَمَاءُ .

وَلِلْمَدِينِ دَفْعُ الدَّيْنِ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ إلَيْهِ وَإِلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ ، وَلَا يَقْبِضُهُ عَيْنًا ، وَإِلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ ، وَقِيلَ : أَوْ لِلْوَصِيِّ ، وَإِنْ صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ وَقِيلَ : أَوْ لِغَيْرِهِ فِي جِهَتِهِ ، لَمْ يَضْمَنْهُ .

وَإِنْ وَصَّاهُ بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ دَيْنًا بِيَمِينِهِ نَقَدَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ ، بِبَيِّنَةٍ ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَنَقَلَ : يُقْبَلُ مَعَ صِدْقِ الْمُدَّعِي .

وَنَقَلَ صَالِحٌ : أَنَّهُ أَوْصَى أَنَّ لِفَوْزَانِ عَلَيَّ نَحْوَ خَمْسِينَ دِينَارًا وَهُوَ يَصْدُقُ فِيمَا قَالَ يَقْضِي مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ ثُمَّ يُعْطِي وَلَدُ صَالِحٍ كُلَّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ،

وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ وَصَّاهُ بِدَفْعِ مَهْرِ امْرَأَتِهِ : لَمْ يَدْفَعْهُ مَعَ غَيْبَةِ الْوَرَثَةِ ،

وَإِذَا قَالَ : ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت أَوْ أَعْطِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَنْ شِئْت ، لَمْ يُبَحْ لَهُ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَقِيلَ : مَعَ عَدَمِ قَرِينَةٍ ، وَكَذَا وَلَدُهُ وَوَارِثُهُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَأَبَاحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مَنْع ابْنِهِ ، وَذَكَرَ آخَرُونَ : وَأَبِيهِ ، وَلَمْ يَزِيدُوا ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَنْعِ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَجْهًا .

وَلَوْ قَالَ : تَصَدَّقْ مِنْ مَالِي احْتَمَلَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ وَاحْتَمَلَ مَا قَلَّ وَكَثُرَ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مُعَيَّنًا عَيَّنَهُ ، ذَكَرَهَا فِي التَّمْهِيدِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَقَلِّ الْوَاجِبِ ( م 9 ) .
مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْ مِنْ مَالِي احْتَمَلَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ وَاحْتَمَلَ مَا قَلَّ وَكَثُرَ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مُعَيَّنًا عَيَّنَهُ ، ذَكَرَهَا فِي التَّمْهِيدِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَقَلِّ الْوَاجِبِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَرَائِنِ وَالْعُرْفِ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ ( الْقَوْلُ الثَّانِي ) أَقْوَى ، وَالْأَحْوَطُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ .

وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ بِحَفْرِ بِئْرٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ فِي السَّبِيلِ ، فَقَالَ : لَا أَقْدِرُ ، فَقَالَ الْمُوصِي : افْعَلْ مَا تَرَى ، لَمْ يَجُزْ حَفْرُهَا بِدَارِ قَوْمٍ لَا بِئْرَ لَهُمْ ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ .

وَلَوْ أَمَرَهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَلَمْ يَجِدْ عَرْصَةً لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ عَرْصَةٍ يَزِيدُهَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .

وَلَوْ قَالَ : تَدْفَعُ هَذَا إلَى يَتَامَى فُلَانٍ فَإِقْرَارٌ بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا وَصِيَّةٌ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .

وَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارٍ لِوَرَثَةٍ كِبَارٍ أَبَوْا بَيْعَهُ الْوَاجِبَ أَوْ غَابُوا أَوْ لَهُمْ وَلِصِغَارٍ وَلِلصِّغَارِ حَاجَةٌ وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ ضَرَرٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَبِيعُ بِقَدْرِ دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ وَحِصَّةِ صِغَارٍ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : بَيْعُ الْوَصِيِّ الدُّورَ عَلَى الصِّغَارِ يَجُوزُ ؟ قَالَ : إذَا كَانَتْ نَظَرًا لَهُمْ لَا عَلَى كِبَارٍ يُؤْنَسُ مِنْهُمْ رُشْدٌ ، هُوَ كَالْأَبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي النِّكَاحِ ، قِيلَ لَهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثْبَتَ وَصِيَّتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي ؟ قَالَ : إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ .

وَمَنْ مَاتَ بِبَرِّيَّةٍ وَلَا حَاكِمَ وَلَا وَصِيَّ فَلِمُسْلِمٍ حَوْزُ تَرِكَتِهِ وَبَيْعُ مَا يَرَاهُ ، وَقِيلَ : إلَّا الْإِمَاءَ ، وَيُكَفِّنُهُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْ عِنْدِهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ نَوَاهُ وَلَا حَاكِمَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ أَوْ أَبَاهَا رَجَعَ ، وَقِيلَ : فِيهِ وَجْهَانِ ، كَإِمْكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ مَعَ إذْنِهِ ( م 10 و 11 ) [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

مَسْأَلَةٌ 10 و 11 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ مَاتَ بِبَرِّيَّةٍ وَلَا حَاكِمَ وَلَا وَصِيَّ فَلِمُسْلِمٍ حَوْزُ تَرِكَتِهِ وَبَيْعُ مَا يَرَاهُ وَيُكَفِّنُهُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْ عِنْدِهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ نَوَاهُ وَلَا حَاكِمَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ أَوْ أَبَاهَا رَجَعَ ، وَقِيلَ : فِيهِ وَجْهَانِ ، كَإِمْكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ مَعَ إذْنِهِ ، انْتَهَى .
أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ، وَشَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 10 ) إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِئْذَانُ حَاكِمٍ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا تَكَلَّفَ عَلَيْهِ مِنْ كَفَنٍ وَغَيْرِهِ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ : ( أَحَدُهُمَا ) يَرْجِعُ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِمَّنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْحَاكِمَ مَعَ إمْكَانِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 11 ) إذَا اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ فِي صَرْفِ ذَلِكَ فَصَرَفَهُ وَلَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ : ( أَحَدُهُمَا ) يَرْجِعُ وَيَكْفِي إذْنُ الْحَاكِمِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَرْجِعُ ، وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ وَلَا التَّبَرُّعَ ، وَإِنَّمَا ذُهِلَ عَنْ ذَلِكَ ، وَفِيهَا خِلَافٌ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الرُّجُوعِ ، لَكِنَّ إذْنَ الْحَاكِمِ هُنَا يُقَوِّي الرُّجُوعَ ، فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ .

أَسْبَابُ الْإِرْثِ : نِكَاحٌ وَرَحِمٌ وَوَلَاءُ عِتْقٍ .
وَعَنْهُ : وَعِنْدَ عَدَمِهِنَّ بِمُوَالَاةٍ ، وَهِيَ الْمُؤَاخَاةُ ، وَمُعَاقَدَةٌ ، وَهِيَ الْمُحَالَفَةُ ، وَإِسْلَامُهُ عَلَى يَدَيْهِ ، وَالْتِقَاطُهُ ، وَكَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَلَا يَرِثُ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ ، وَقِيلَ : بَلَى عِنْدَ عَدَمٍ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : لَا أَدْرِي فَيُتَوَجَّهُ مِنْهُ : يُنْفِقُ عَلَى الْمُنْعِمِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ : لَا ، وَفِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ بُنْدَارٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، { قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ أُمَّك ثُمَّ أُمَّك ثُمَّ أُمَّك ثُمَّ أَبَاك ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ } وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَسْأَلُ رَجُلٌ مَوْلَاهُ مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إيَّاهُ إلَّا دُعِيَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَهُ شُجَاعٌ أَقْرَعَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ .
هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ مَوْلَاهُ الَّذِي تَقَدَّمَ ، { لِخَبَرِ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا إلَّا عَبْدًا هُوَ أَعْتَقَهُ ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، قَالَ : وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مِيرَاثُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ .
وَعَوْسَجَةُ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ : لَا يَصِحُّ .

وَالْوَرَثَةُ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ ، وَذُو رَحِمٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ ، فَذُو الْفَرْضِ عَشَرَةٌ : زَوْجَانِ وَأُمٌّ وَجَدَّةٌ وَبَنَاتُ صُلْبٍ وَبَنَاتُ ابْنٍ وَكُلُّ أَخٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَقَدْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ بِمَوْتِ أُمِّهِ عَنْهُمَا وَتَارَةً أَبٌ وَجَدٌّ لِأَبٍ ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ مَعَ عَدَمِ وَلَدٍ وَوَلَدِ ابْنٍ ، وَالرُّبُعُ مَعَ الْوُجُودِ ؛ وَلِلزَّوْجَةِ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ نِصْفُ حَالَيْهِ فِيهِمَا ، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ السُّدُسُ بِالْفَرْضِ مَعَ ذُكُورِ الْوَلَدِ وَإِنْ نَزَلُوا ، وَبِالتَّعْصِيبِ مَعَ عَدَمِهِمْ ، وَبِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ مَعَ إنَاثِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ ابْنِهِ ، وَلِلْجَدِّ مَعَ وَلَدِ أَبَوَيْنِ أَوْ أَبٍ كَأَخٍ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَحَظَّ لَهُ أَخَذَهُ ، وَلَهُ مَعَ ذِي فَرْضٍ بَعْدَهُ الْأَحَظُّ مِنْ مُقَاسَمَةٍ ، كَأَخٍ ، أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي أَوْ سُدُسُ الْجَمِيعِ ، فَزَوْجَةٌ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَتُسَمَّى مُرَبَّعَةَ الْجَمَاعَةِ لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُ السُّدُسِ أَخَذَهُ وَسَقَطَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْأَبِ ، وَالْمَذْهَبُ : إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ ، لِتَكْدِيرِ أُصُولِ زَيْدٍ ، فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا اسْمُهُ أَكْدَرُ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ مَا فَرْضُ أَرْبَعَةٍ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ مِيرَاثُ مَيِّتِهِمْ بِفَرْضٍ وَاقِعِ فَلِوَاحِدٍ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى لِثَانِيهِمْ بِحُكْمٍ جَامِعِ وَلِثَالِثٍ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُلُثُ الَّذِي يَبْقَى وَمَا يَبْقَى نَصِيبُ الرَّابِعِ .
وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ : لِلزَّوْجِ نِصْفٌ ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ ، وَلِلْجَدِّ سُدُسٌ ، وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ ، ثُمَّ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ أَرْبَعَةً مِنْ تِسْعَةٍ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، فَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ، لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ ، وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ ، وَلَا عَوْلَ

، وَلَا فَرْضَ لِأُخْتٍ مَعَهُ ابْتِدَاءً فِي غَيْرِهَا .
فَإِنْ عَدِمَ الزَّوْجُ فَمِنْ تِسْعَةٍ ، وَهِيَ الْخَرْقَاءُ ، لِكَثْرَةِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ [ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ] فِيهَا ، فَكَأَنَّهُ خَرَقَهَا ، وَهِيَ سَبْعَةٌ ، وَتَرْجِعُ إلَى سِتَّةٍ ، فَلِهَذَا تُسَمَّى الْمُسَدَّسَةَ وَالْمُسَبَّعَةَ وَالْمُثَلَّثَةَ ، وَالْعُثْمَانِيَّة ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ قَسَمَهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَالْمُرَبَّعَةَ ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَعَلَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَالْمُخَمَّسَةَ ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ : عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ ؛ وَالشَّعْبِيَّةَ وَالْحَجَّاجِيَّةَ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ امْتَحَنَ بِهَا الشَّعْبِيَّ فَأَصَابَ فَعَفَا عَنْهُ .
وَإِنْ عَدِمَ الْجَدُّ سُمِّيَتْ الْمُبَاهَلَةَ ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ .
وَوَلَدُ الْأَبِ إذَا انْفَرَدُوا مَعَهُ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْجَمِيعُ قَاسَمُوهُ ، ثُمَّ أَخَذَ عَصَبَةُ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ نَصِيبَ وَلَدِ الْأَبِ ، وَتُسَمَّى الْمُعَادَةَ ، وَتَأْخُذُ أُنْثَاهُمْ تَمَامَ فَرْضِهَا ، وَالْبَقِيَّةُ لِوَلَدِ الْأَبِ ، فَجَدٌّ وَأُخْتَانِ لِجِهَتَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، ثُمَّ تَأْخُذُ الَّتِي لِأَبَوَيْنِ نَصِيبَ الَّتِي لِأَبٍ ، وَهِيَ امْرَأَةٌ حُبْلَى قَالَتْ لِوَرَثَةٍ : إنْ أَلِدُ أُنْثَى لَمْ تَرِثْ وَأُنْثَيَيْنِ أَوْ ذَكَرًا الْعُشْرُ وَذَكَرَيْنِ السُّدُسُ .
وَجَدٌّ وَأُخْتَانِ لِجِهَتَيْنِ وَأَخٌ لِأَبٍ ، لِلْجَدِّ ثُلُثٌ ، وَلِلَّتِي لِأَبَوَيْنِ نِصْفٌ ، يَبْقَى سُدُسٌ لَهُمَا وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَمَعَهُمْ أُمٌّ لَهَا سُدُسٌ ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي ، وَلِلَّتِي لِأَبَوَيْنِ نِصْفٌ ، وَالْبَاقِي لَهُمَا ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةُ زَيْدٍ ، وَمَعَهُمْ أَخٌ آخَرُ مِنْ تِسْعِينَ [ وَهِيَ ] تِسْعِينِيَّةُ زَيْدٍ ، هَذَا الْعَمَلُ كُلُّهُ فِي الْجَدِّ عَمَلُ زَيْدٍ وَمَذْهَبُهُ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ وَعَلَى مَعْنَاهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32