كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

( مَسْأَلَةٌ 25 ) : قَوْلُهُ : وَإِنْ جَرَحَهُ غَيْرَ مُوحٍ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى فَمَاتَ ضَمِنَهُ .
وَإِنْ جَهِلَ خَبَرَهُ فَأَرْشُ الْجُرْحِ ، فَيُقَوِّمُهُ صَحِيحًا وَجَرِيحًا غَيْرَ مُنْدَمِلٍ ، لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ انْدِمَالِهِ فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ كَانَ سُدُسُهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَقِيلَ يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ ، وَقِيلَ : قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ ، وَقِيلَ ، يَضْمَنُ كُلَّهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ ( إحْدَاهُمَا ) : يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ ( قُلْتُ ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ الصَّيْدِ ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ كَمَا قَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ ، وَكَذَا صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ ، وَقَدَّمُوا وُجُوبَ مِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ لَحْمًا ، فَكَذَا هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجِبُ قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ قِيمَةِ مِثْلِهِ فِيمَا إذَا أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ الصَّيْدِ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَدَّمَ خِلَافَهُ قَدْ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُ ( مَسْأَلَةٌ 26 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا [ إنْ وَجَدَهُ ] مَيِّتًا وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِالْجُرْحِ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُ كُلَّهُ إحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، كَنَظَائِرِهِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَتَيْنِ لِلْأَصْحَابِ ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّهَا كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، فِيهَا الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ ، وَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا ، فَكَذَا فِي هَذِهِ .
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ

يَضْمَنُهُ كُلَّهُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ أَظْهَرُ .
( قُلْتُ ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَإِنْ كَانَ مُوحِيًا أَوْ غَابَ غَيْرَ مُنْدَمِلٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ، كَقَتْلِهِ ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ إذَا جَرَجَهُ وَغَابَ وَجَهِلَ خَبَرَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ( و م ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : لَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ .
وَأَجَابَ [ الْقَاضِي ] بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الضَّمَانَ ، كَالْجَنِينِ ، كَذَا قَالُوا ، وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ ، وَسَبَقَ قَوْلُ مَالِكٍ وَدَاوُد أَوَّلَ الْفَصْلِ

وَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَا يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ ، كَبَيْتِهِ وَنَائِبِهِ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَلَا يَضُمُّهُ وَلَهُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ ، وَمَنْ غَصَبَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ كَرَحْلِهِ وَخَيْمَتِهِ وَقَفَصِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ ، وَمِلْكُهُ بَاقٍ ، فَيَرُدُّهُ مَنْ أَخَذَهُ ، وَيَضْمَنُهُ مَنْ قَتَلَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ ، فَقِيلَ : يَضْمَنُهُ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ : إنْ أَمْكَنَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ ( م 27 ) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و هـ م ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا يَزُولُ مِلْكُهُ مُطْلَقًا ، وَالثَّانِي لَا .
وَلَهُ فِي لُزُومِ إرْسَالِهِ مُطْلَقًا قَوْلَانِ ، وَالْأَشْهَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ : لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ مِنْ قَفَصٍ مَعَهُ ، وَلَهُمْ قَوْلٌ : إنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ ، لَنَا عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ قِيَاسُهُ عَلَى سَائِرِ أَمْلَاكِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ مُنِعَ ابْتِدَاءَ تَمَلُّكِهِ زَوَالُهُ ، بِدَلِيلِ الْبُضْعِ ، وَلَا مَنْ رَفَعَ يَدَهُ الْمُشَاهَدَةَ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الصَّيْدِ ، وَالْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ وَمِلْكُهُ ثَابِتٌ ، وَلَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِهِ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَفْعَلْ ، وَلِهَذَا لَوْ جَرَحَهُ حَلَالًا فَمَاتَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، بِخِلَافِ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ فَإِنَّهُ فَعَلَ الْإِمْسَاكَ ، وَاسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا حَنِثَ بِاسْتِدَامَتِهِ ، فَهُوَ كَاللُّبْسِ ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ( و م ش ) وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا تَعَيَّنَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِعْلُهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ خَاصَّةً ، كَالْمَغْصُوبِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحْتَرَمٌ ، فَلَا يَبْطُلُ

بِإِحْرَامِهِ ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ ، وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِتَخْلِيَتِهِ بِنِيَّتِهِ ، بِخِلَافِ أَخْذِهِ فِي الْإِحْرَامِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ، فَلَا يَضْمَنُهُ مُرْسِلُهُ ( و ) قِيلَ لِلْقَاضِي : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ حَتَّى يَلْحَقَ بِالْوَحْشِ ، بَلْ يَرْفَعُ يَدَهُ وَيَتْرُكُهُ فِي مَنْزِلِهِ وَفِي قَفَصِهِ ، فَقَالَ : أَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَيَلْزَمُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : يُرْسِلُهُ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِكُمْ ، ثُمَّ قَاسَهُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ حَالَ الْإِحْرَامِ ، وَهَذَا الْفَرْعُ فِيهِ نَظَرٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ ، وَقَدْ فَرَّقَ هُوَ فِي بَحْثِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ بِمَنْعِ ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : لَا يُرْسِلُهُ بَعْدَ حِلِّهِ ، كَمَا لَا يَتْرُكُ اللُّبْسَ بَعْد حِلِّهِ ، وَيَلْزَمُهُ قَبْلَهُ ، وَاعْتَبَرَهُ فِي الْمُغْنِي بِعَصِيرٍ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ قَبْلَ إرَاقَتِهِ ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَوَجِّهٌ ، وَفِي الْكَافِي : يُرْسِلُهُ بَعْدَ حِلِّهِ ، كَمَا لَوْ صَادَهُ ، كَذَا قَالَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ ، وَلَا يَصِحُّ نَقْلُ مِلْكِهِ عَمَّا بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : إنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ تَمَلُّكِهِ ، وَالنِّكَاحُ يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالْبَقَاءِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَزُولُ .

( مَسْأَلَةٌ 27 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةُ كَرَحْلِهِ وَخَيْمَتِهِ وَقَفَصِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ ، وَمِلْكُهُ بَاقٍ .
وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ فَقِيلَ : يَضْمَنُهُ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ : إنْ أَمْكَنَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ ، انْتَهَى .
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الضَّمَانُ مُطْلَقًا ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ وَالنَّاظِمُ وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِابْنِ عَقِيلٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي ، وَكَذَا الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ .
وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ ، وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ : نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ .

كَذَا قَالَ .
وَإِنْ مَلَكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَزِمَهُ رَفْعُ يَدِهِ وَإِرْسَالُهُ ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ ضَمِنَهُ ، كَصَيْدِ الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و هـ ) .
وَيَتَوَجَّهُ : لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَلَهُ ذَبْحُهُ وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ و م ش ) لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَنْفِيرِ صَيْدِ مَكَّةَ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ الْخَفِيِّ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَالصَّحَابَةُ مُخْتَلِفُونَ ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ لِتَحْرِيمِهِ مَا لَا يُحَرِّمُهُ

وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إرْثٍ ( و ) لِخَبَرِ الصَّعْبِ السَّابِقِ ، فَلَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ .
وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ تَلِفَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُعَيَّنِ لِمَالِكِهِ أَيْضًا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَا شَيْءَ لِوَاهِبِهِ ، وَإِنْ قَبَضَهُ رَهْنًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَقَطْ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ .
وَإِنْ أَرْسَلَهُ ضَمِنَهُ لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ ، وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ ، وَقِيلَ : يُرْسِلُهُ لِئَلَّا تَثْبُتَ يَدُهُ الْمُشَاهَدَةُ عَلَيْهِ ( و هـ م ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ ، وَمِثْلُهُ مُتَّهِبُهُ عَلَى وَاهِبِهِ ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ رَدِّهِ فَهَدَرٌ .
وَلَا يُتَوَكَّلُ فِي صَيْدٍ ، وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَلَا فَسْخُ بَائِعِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ بَلْ فَسْخُ الْمُشْتَرِي بِهِمَا ، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ وَيُرْسِلُهُ وَيَمْلِكُهُ بِإِرْثٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ مِنْهُ .
وَيَمْلِكُ بِهِ الْكَافِرُ ، فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ .
وَقِيلَ : لَا ، كَغَيْرِهِ ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فَيَمْلِكُهُ إذَا حَلَّ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ وَاتِّهَابٍ
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَيَمْلِكُهُ بِإِرْثٍ ، وَقِيلَ : لَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ وَاتِّهَابٍ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَلَا يَمْلِكُ صَيْدًا بِاصْطِيَادِهِ بِحَالٍّ وَلَا بِشِرَاءٍ وَلَا اتِّهَابٍ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، انْتَهَى .
فَلَعَلَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصًا ، وَتَقْدِيرُهُ : وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ : يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ وَاتِّهَابٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ ذَبَحَ صَيْدًا أَوْ قَتَلَهُ فَمَيْتَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَلَوْ قَتَلَهُ لِصُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِمَعْنًى فِيهِ ، لِحَقِّ اللَّهِ ، كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِ ، فَسَاوَاهُ فِيهِ ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ فَلَمْ يَحِلَّ لِغَيْرِهِ ، كَذَبْحٍ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِجُرْحِهِ ، وَالْمِلْكُ أَوْسَعُ مِنْ الْإِبَاحَةِ ، بِدَلِيلِ الْمَجُوسِيِّ ، فَتَحْرِيمُهُ أَوْلَى ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وَمِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ } وَعَنْ الْحَكَمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ إبَاحَتُهُ ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ ، وَلَهُ قَوْلٌ : يَحِلُّ لِغَيْرِهِ .
وَأَبَاحَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ لِحَلَالٍ .
وَإِنْ اُضْطُرَّ فَذَبَحَهُ فَمَيْتَةٌ أَيْضًا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] كُلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ قَتَلَهُ فَإِنَّمَا هُوَ قَتْلٌ قَتَلَهُ ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي ، وَيَتَوَجَّهُ حِلُّهُ لِحِلِّ فِعْلِهِ

وَإِنْ ذَبَحَ مُحِلٌّ صَيْدَ حَرَمٍ فَكَالْمُحْرِمِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلَانِ .

وَإِنْ كَسَرَ مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ حَلَّ لِمُحِلٍّ ، كَكَسْرِ مَجُوسِيٍّ ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي ، لِأَنَّهُ كَالذَّبْحِ ، لِحِلِّهِ لِمُحْرِمٍ بِكَسْرِ مُحِلٍّ لَا بِكَسْرِ مُحْرِمٍ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا كَسَرَهُ ، وَقِيلَ : وَعَلَى حَلَالٍ وَمُحْرِمٍ .

وَإِنْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا حَتَّى حَلَّ ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ ، لِتَحْرِيمِ إمْسَاكِهِ ، كَغَصْبٍ ، وَكَذَا بِذَبْحِهِ ، وَهُوَ مَيْتَةٌ ، لِضَمَانِهِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ ، كَحَالِ إحْرَامِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : يَأْكُلُهُ وَيَضْمَنُهُ كَصَيْدِهِ بَعْدَ الْحِلِّ ، كَذَا قَالَ ، وَكَذَا إنْ أَمْسَكَ صَيْدَ حَرَمٍ وَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ .
وَإِنْ جَلَبَهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ ( و ) .
وَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا ؟ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لِعَارِضٍ فِيهِ احْتِمَالَانِ ، قَالَهُ فِي الْفُنُونِ ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ بَيْضُهُ ( م 28 )
( مَسْأَلَةٌ 28 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ أَمْسَكَ صَيْدَ حَرَمٍ وَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ .
ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ وَإِنْ جَلَبَهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ ، وَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا ؟ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لِعَارِضٍ فِيهِ احْتِمَالَانِ ، قَالَهُ فِي الْفُنُونِ ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ بَيْضِهِ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : الصَّوَابُ التَّحْرِيمُ كَأَصْلِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَضْمَنُ الصَّيْدَ بِمِثْلِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) وَدَاوُد .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : بِقِيمَتِهِ ، ثُمَّ لَهُ صَرْفُهَا فِي النَّعَمِ الَّتِي تَجُوزُ فِي الْهَدَايَا فَقَطْ .
لَنَا { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ } الْآيَةَ .
فَجَزَاءٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ يُقْرَأُ فِي السَّبْعِ بِتَنْوِينِهِ ، فَمِثْلُ صِفَةٌ أَوْ بَدَلٌ ، وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِنَصَبِ مِثْلِ ، أَيْ يَخْرُجُ مِثْلُ .
وَقَدَّرْنَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ ، وَيُقْرَأُ بِإِضَافَةِ الْجَزَاءِ إلَى مِثْلِ ، فَمِثْلُ فِي حُكْمِ الزَّائِدِ ، كَقَوْلِهِمْ : مِثْلِي لَا يَقُولُ ذَلِكَ ، أَيْ أَنَا لَا أَقُولُ ، وَقَدَّرْنَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ الْمَقْتُولُ لَا مِثْلُهُ ، وَمِنْ النَّعَمِ صِفَةٌ لِجَزَاءٍ إنْ نَوَّنْته ، أَيْ جَزَاءٌ كَائِنٌ مِنْ النَّعَمِ ، وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِهِ إنْ نَصَبْت مَثَلًا ، لِعَمَلِهِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ صِلَته ، لَا إنْ رَفَعْته ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ صِلَتِهِ ، وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِصِفَةٍ أَوْ بَدَلٍ ، وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِهِ إنْ أَضَفْته .
وَيَجُوزُ مُطْلَقًا جَعْلُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي " قَتَلَ " ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ يَكُونُ مِنْ النَّعَمِ و ( يَحْكُمُ بِهِ ) صِفَةُ جَزَاءٍ إذَا نَوَّنْته ، وَإِذَا أَضَفْته فَفِي مَوْضِعِ حَالٍ عَامِلُهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ الْمُقَدَّرِ فِي الْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ .
وَقَالَ جَابِرٌ { سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ هُوَ صَيْدٌ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْهُ .
حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ جَزَاءٌ كَبْشٌ مُسِنٌّ وَتُؤْكَلُ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ

الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : إسْنَادُهُ صَالِحٌ ، وَلَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا ، وَلَهُ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ كَبْشٌ ، وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ .
وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَالْجَفْرَةُ : الَّتِي قَدْ أَرْبَعَتْ .
الْأَجْلَحُ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : صَدُوقٌ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : مَا أَقْرَبَهُ مِنْ فِطْرٍ وَفِطْرٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ .
وَكِلَاهُمَا شِيعِيٌّ .
وَلِمَالِكٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : أَذْهَبُ إلَيْهِ ، وَحَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي ظَبْيٍ بِعَنْزٍ ، رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ .
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَرْبَدَ أَوْطَأَ ظَبْيًا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَسَأَلَ أَرْبَدَ عُمَرَ فَقَالَ : اُحْكُمْ يَا أَرْبَدُ فِيهِ .
فَقَالَ : أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ وَلَمْ آمُرْك أَنْ تُزَكِّيَنِي ، فَقَالَ أَرْبَدُ : أَرَى فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ عُمَرُ : فَذَلِكَ فِيهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَضَى فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَقَضَى ابْنُ عُمَرَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِي ضَبُعٍ بِكَبْشٍ ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَقَضَى ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَمَامَةٍ بِشَاةٍ ، قَالَ عَطَاءٌ : مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ ، لِمَا سَبَقَ مِنْ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ، وَقَوْلِهِ لِعُمَرَ : قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ ، وَلِاخْتِلَافِ

الْقِيمَةِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسِّعْرِ وَصِفَةِ الْمُتْلَفِ ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُمْ وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الْجَفْرَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا ؛ وَلِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ ، وَالشَّاةُ خَيْرٌ مِنْ الْحَمَامَةِ ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُخْرَجٌ عَلَى وَجْهِ التَّكْفِيرِ ، فَكَانَ أَصْلًا ، كَالْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ ، وَبَعْضُهُ هَلْ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ أَمْ بِقِيمَتِهِ ؟ سَبَقَ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِمَّا صِيدَ لَهُ .
وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ مَعَ ضَمَانِ قِيمَتِهِ لِرَبِّهِ ( و ) الْجَزَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) فَإِنْ حَرُمَ أَكْلُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ، وَإِنْ حَلَّ ضَمِنَ نَقْصَهُ ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَقِيقَةً ؛ وَلِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ لِلْإِحْرَامِ ، كَغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ فَاجْتَمَعَا ، كَالْعَبْدِ وَعِنْدَ دَاوُد : لَا جَزَاءَ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : وَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي الْحَرَمِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ قِيمَتَهُ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، وَقِيمَةً أُخْرَى لِمَالِكِهِ .
كَصَيْدِ حَرَمِيٍّ ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِمْ : إنْ مَلَكَ الْأَرْضَ بِمَا نَبَتَ فِيهَا .
وَيُعْتَبَرُ الْمِثْلُ بِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ : هُوَ عَلَى مَا حَكَمَ الصَّحَابَةُ ، زَادَ أَبُو نَصْرٍ الْعِجْلِيُّ : لَا يُحْتَاجُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى ( و ش ) لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ .
وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ [ وَغَيْرُهُ ] بِقَوْلِهِ [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ] { اقْتَدُوا بِاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِي وَ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ } وَعِنْدَ مَالِكٍ : يُسْتَأْنَفُ الْحُكْمُ وَلَا يُكْتَفَى بِهِ ، لِقَوْلِهِ { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي لَنَا وَقَالَ لِخَصْمِهِ : لَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْحُكْمِ ، كَقَوْلِهِ : لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَمَنْ ضَرَبَهُ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ ، لَا يَتَكَرَّرُ الدِّينَارُ بِضَرْبٍ وَاحِدٍ ، كَذَا مَثَّلَ وَقَاسَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا حَكَمَ فِيهِ بِمِثْلِهِ صَحَابِيَّانِ فِي وَقْتِهِمَا

.
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فَرْضَ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّحَابِيِّينَ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ قُلْنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَإِنْ كَانَ لِسَبْقِ الْحُكْمِ فِيهِ فَحُكْمُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِثْلُهُ فِي هَذَا ، لِلْآيَةِ .
وَقَدْ احْتَجَّ بِهَا الْقَاضِي ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : كُلُّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ .
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : يَتْبَعُ مَا جَاءَ ، قَدْ حَكَمَ وَفَرَغَ مِنْهُ .
وَقَدْ رَجَعَ الْأَصْحَابُ فِي بَعْضِ الْمِثْلِيِّ إلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ ، كَمَا يَأْتِي ، فَإِنْ عُدِمَ فَقَوْلُ عَدْلَيْنِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ ، خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ خَبِيرَيْنِ ، لِاعْتِبَارِ الْخِبْرَةِ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ ، فَيَعْتَبِرَانِ الشَّبَهَ خِلْقَةً لَا قِيمَةً ، كَفِعْلِ الصَّحَابَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا الْقَاتِلَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م ) وَهُمَا أَيْضًا ( م ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَلِقِصَّةِ أَرْبَدَ السَّابِقَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ ، كَتَقْوِيمِهِ عَرَضَ الزَّكَاةِ لِإِخْرَاجِهَا ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا قَتَلَ خَطَأً ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يُنَافِي الْعَدَالَةَ ، إلَّا جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لِعَدَمِ فِسْقِهِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَعَلَى قِيَاسِهِ قَتْلُهُ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ ، فَمِنْ الْمِثْلِيِّ ، فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهَا .
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُرْوَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : بَدَنَةٌ ، رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ ، وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٍ وَعُرْوَةَ وَقَتَادَةُ وَالشَّافِعِيُّ ، وَفِي الْأُيَّلِ بَقَرَةٌ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَالتَّيْتَلُ [ وَالْوَعْلُ ] كَالْأُيَّلِ وَعَنْهُ : فِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَدَنَةٌ ، ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْوَاضِحِ وَالتَّبْصِرَةِ .

وَعَنْهُ : لَا جَزَاءَ لِبَقَرَةِ الْوَحْشِ ، كَجَامُوسٍ .
وَفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ : التَّيْتَلُ الْوَعْلُ الْمُسِنُّ ، قَالَ : وَالْوَعْلُ هِيَ الْأَرْوَى .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ ( و ش ) لِمَا سَبَقَ قَالَ أَحْمَدُ : حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : كَانَ الْعُلَمَاءُ بِالشَّامِ يَعُدُّونَهَا مِنْ السِّبَاعِ وَيَكْرَهُونَ أَكْلَهَا قَالَ الشَّيْخُ : وَهُوَ الْقِيَاسُ ، إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى ، وَفِي الظَّبْيِ وَهُوَ الْغَزَالُ شَاةٌ ( و ش ) كَمَا سَبَقَ ، وَكَذَا الثَّعْلَبُ إنْ أُكِلَ ( و م ش ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَطَاوُسٍ : فِيهِ الْجَزَاءُ ، وَلَنَا وَجْهٌ أَوْ حُرِّمَ تَغْلِيبًا ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَأَنَّ عَلَيْهَا لَا يَقُومُ ، وَنَقَلَ بَكْرٌ : عَلَيْهِ جَزَاءٌ ، هُوَ صَيْدٌ لَكِنْ لَا يُؤْكَلُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيهِ وَفِي السِّنَّوْرِ : يَحْرُمُ أَكْلُهُمَا وَقَتْلُهُمَا ، وَفِي الْقِيمَةِ بِقَتْلِهِمَا رِوَايَتَانِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي السِّنَّوْرِ أَهْلِيًّا أَوْ بَرِّيًّا حُكُومَةً ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى النَّدْبِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : فِي سِنَّوْرِ الْبَرِّ حُكُومَةٌ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُسْتَوْعِبُ : مَا فِي حِلِّهِ خِلَافٌ كَثَعْلَبٍ وَسِنَّوْرٍ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ وَغَيْرِهَا فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ الْخِلَافُ ، وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ أُبِحْنَ ، وَفِيهِنَّ السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ عَلَى قَوْلٍ ، وَمُرَادُهُ بِالْإِبَاحَةِ غَيْرُهُ ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ ( و ش ) لِمَا سَبَقَ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ جَمَلٌ وَعَنْ عَطَاءٍ شَاةٌ ، وَالْعَنَاقُ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ دُونَ الْجَفْرَةِ ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ ، ( و ش ) نَصَّ عَلَيْهِ ، لِمَا سَبَقَ ، وَهِيَ مِنْ الْمَعْزِ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ .
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : فُطِمَتْ وَرَعَتْ ، وَقِيلَ : يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدَيْهِ وَعَنْ أَحْمَدَ ، جَدْيٌ ، وَقِيلَ : شَاةٌ ، وَقِيلَ : عَنَاقٌ ، وَفِي الضَّبِّ جَدْيٌ ( و ش ) لِمَا سَبَقَ ، وَعَنْهُ : شَاةٌ

؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ : قِيمَتُهُ ، وَالْوَبَرُ كَالضَّبِّ ، وَقَالَ الْقَاضِي : فِيهِ جَفْرَةٌ ( و ش ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْبَرَ مِنْهَا : وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ : شَاةٌ ، وَفِي الْحَمَامِ : شَاةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِمَا سَبَقَ .
وَلِلنَّجَّادِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ ، جَابِرٍ قَالَ : قَضَى عُمَرُ فِي الْمُحْرِمِ فِي الطَّيْرِ إذَا أَصَابَهُ شَاةٌ ، وَلِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ ، كَحَمَامِ الْحَرَمِ ، وَقِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى جِنْسِهِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ الشَّاةَ إذَا كَانَتْ مِثْلًا فِي الْحَرَمِ فَكَذَا الْحِلُّ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ : فِيهِ شَاةٌ ، وَفِي الْحِلِّ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا شَاةٌ ، وَالثَّانِيَةُ حُكُومَةٌ .
كَحَمَامِ الْحِلِّ .
وَالْحَمَامُ كُلُّ مَا عَبَّ الْمَاءَ أَيْ يَضَعُ مِنْقَارَهُ فِيهِ فَيَكْرَعُ وَيَهْدُرُ كَالشَّاةِ وَيُشْبِهُهَا فِيهِ ، لَا يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَبَقِيَّةِ الطَّيْرِ ، فَمِمَّا شَرِبَ كَالْحَمَّامِ وَالْعَرَبِ تُسَمِّيهِ حَمَامًا الْقَطَا وَالْفَوَاخِيتُ وَالْوَرَاشِينُ وَالْقُمْرِيُّ وَالدِّبْسَيْ وَالشَّغَانِينُ ، وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالْغُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا : فِي كُلِّ مُطَوَّقٍ شَاةٌ ؛ لِأَنَّهُ حَمَامٌ ، وَقَالَهُ الْكِسَائِيُّ ، فَالْحَجَلُ مُطَوَّقٌ وَلَا يَعُبُّ ، فَفِيهِ الْخِلَافُ

وَيَضْمَنُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالصَّحِيحَ وَالْمَعِيبَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْحَامِلَ وَالْحَائِلَ بِمِثْلِهِ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَالْهَدْيُ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ ، وَلِهَذَا فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ هَدْيًا مُطْلَقًا كَالْجَفْرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ وَلَا يَضْمَنُ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ ، فَاخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِهِ ، كَالْمَالِ ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْهُ ، وَلَا يَجِبُ فِي أَبْعَاضِهِ وَلَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي الزَّكَاةِ يُضْمَنُ مَعِيبًا بِصَحِيحٍ ، ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ .
وَخَرَّجَهُ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا مِنْ الرِّوَايَةِ هُنَاكَ ، وَفِيهَا تَعْيِينُ الْكَبِيرِ أَيْضًا ، فَمِثْلُهُ هُنَا ، كَقَوْلِ مَالِكٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَضْمَنُ الْحَامِلَ بِقِيمَةِ مِثْلِهَا ( و ش ) لِأَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ لَحْمِهَا وَقِيلَ أَوْ بِحَائِلٍ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَزِيدُ فِي لَحْمِهَا كَلَوْنِهَا ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا ضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ فَقَطْ ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ .
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ : إذَا صَادَ حَامِلًا فَإِنْ تَلِفَ حَمْلُهَا ضَمِنَهُ .
وَفِي الْفُصُولِ : يَضْمَنُهُ إنْ تَهَيَّأَ لِنَفْخِ الرُّوحِ [ فِيهِ ] لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَصِيرُ حَيَوَانًا ، كَمَا يَضْمَنُ جَنِينَ امْرَأَةٍ بِغُرَّةٍ قَالَ جَمَاعَةٌ : وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَجَزَاؤُهُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : وَمِثْلُهُ يَعِيشُ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُهُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ إلَى أَنْ يَطِيرَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ لَكِنْ هُوَ لَمْ يَجْعَلْهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ ، فَهُوَ كَطَيْرٍ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ أَمْسَكَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ .

( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ ضَمَانَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحَامِلِ وَالْحَائِلِ بِمِثْلِهِ وَقِيلَ : يَضْمَنُهُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ إلَى أَنْ يَطِيرَ ، انْتَهَى .
هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ مُنَاسِبًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا مُوَافِقًا لَهُ ، لِأَنَّ كَلَامَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ ، فَلَعَلَّ هُنَا نَقَصَا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، أَوْ يُقَدَّرُ مَا يُصَحِّحُ ذِكْرَ هَذَا الْقَوْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَجُوزُ فِدَاءُ ذَكَرٍ بِأُنْثَى ، قَالَ جَمَاعَةٌ : بَلْ أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ ، وَفِي أُنْثَى بِذَكَرٍ وَجْهَانِ : الْجَوَازُ ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ ، وَالْمَنْعُ ( م 29 ) لِأَنَّ زِيَادَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ زِيَادَتِهَا ، وَكَالزَّكَاةِ
( مَسْأَلَةٌ 29 ) قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ فِدَاءُ ذَكَرٍ بِأُنْثَى ، قَالَ جَمَاعَةٌ ، بَلْ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ ، وَفِي أُنْثَى بِذَكَرٍ وَجْهَانِ : الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) الْجَوَازُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْمَنْعُ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : وَالْأُنْثَى أَفْضَلُ .
فَيَفْدِي بِهِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ : تُفْدَى أُنْثَى بِمِثْلِهَا ، انْتَهَى ، فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْمَنْعُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِأَعْوَرَ مِنْ أُخْرَى وَأَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِأَعْرَجَ مِنْ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ ، لَا أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَعَكْسُهُ ، لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ

وَكَفَّارَةُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ .
نَصَّ عَلَيْهِ .
وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و ) .
وَعَنْهُ : يَلْزَمُ الْمِثْلُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ، نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيِّ [ وَزُفَرَ ] وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا إطْعَامَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ لِيَعْدِلَ بِهِ الصِّيَامَ ؛ لِأَنَّ مِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَلَنَا الْآيَةُ .
و " أَوْ " حَقِيقَةٌ فِي التَّخْيِيرِ كَآيَةِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَالْيَمِينِ ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَهَدْيِ الْمُتْعَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةُ إتْلَافٍ مَنَعَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ ، أَوْ فِيهَا أَجْنَاسٌ ، كَالْحَلْقِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ [ تَعَالَى ] ذَكَرَ الطَّعَامَ فِيهَا لِلْمَسَاكِينِ ، فَكَانَ مِنْ خِصَالِهَا كَغَيْرِهَا .
وَمَا وَرَدَ مِنْ إيجَابِ الْمِثْلِ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ الْمُقَدَّرِ وَلَا تَخْيِيرَ وَلَا تَرْتِيبَ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ قَوَّمَ الْمِثْلَ بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا طَعَامًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و ش ) لِأَنَّ كُلَّ مُتْلَفٍ وَجَبَ مِثْلُهُ إذَا قُوِّمَ وَجَبَتْ قِيمَةُ مِثْلِهِ ، كَالْمِثْلِيِّ مِنْ مَالِ الْآدَمِيِّ ، فَيُقَوَّمُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَتْلَفَهُ وَبِقُرْبِهِ ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ .
وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ( و ش ) وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ [ بِالْحَرَمِ ] لِأَنَّهُ مَحَلُّ ذَبْحِهِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : يُقَوِّمُ الصَّيْدَ مَكَانَ إتْلَافِهِ أَوْ بِقُرْبِهِ لَا الْمِثْلُ [ ( و هـ م ) ] وَدَاوُد ، كَمَا لَا مِثْلَ لَهُ ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَعَنْهُ : لَهُ الصَّدَقَةُ بِالْقِيمَةِ ، وَلَيْسَتْ الْقِيمَةُ مِمَّا خَيَّرَ اللَّهُ فِيهِ ، وَالطَّعَامُ كَفِدْيَةِ الْأَذَى الْمُخْرَجُ فِي فِطْرَةٍ وَكَفَّارَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : وَكُلُّ مَا يُسَمَّى طَعَامًا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي قَتْلِهِ ، وَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ

مِسْكِينٍ يَوْمًا ( و ) كُلُّ مَذْهَبٍ عَلَى أَصْلِهِ ، فَعِنْدَنَا : مِنْ الْبُرِّ مُدٌّ ، وَمِنْ غَيْرِهِ مُدَّانِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، وَصَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ : مُدٌّ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْيَوْمَ فِي الظِّهَارِ فِي مُقَابَلَةِ الْمِسْكَيْنِ ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ : يَصُومُ عَنْ مُدٍّ .
وَفِي رِوَايَةٍ : عَنْ مُدَّيْنِ ، فَأَقَرَّهُ بَعْضُهُمْ ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى مَا سَبَقَ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي ثَوْرٍ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ [ فِي الصَّيْدِ ] كَفِدْيَةِ الْأَذَى ، وَإِنْ بَقِيَ مَا لَا يَعْدِلُ يَوْمًا صَامَ يَوْمًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ .
وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُ صَوْمٍ ( و ) لِلْآيَةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضِهِ ( و ) كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْإِطْعَامِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ بَقِيَ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ ، فَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا ، وَكَذَا عِنْدَهُمْ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ

وَمَا دُونَ الْحَمَامِ كَسَائِرِ الطَّيْرِ يَضْمَنُهُ ( و ) لِمَا رَوَى النَّجَّادُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَا أُصِيبَ مِنْ الطَّيْرِ دُونَ الْحَمَامِ فَفِيهِ الدِّيَةُ ، وَيَأْتِي فِي الْجَرَادِ ، وَلِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ ، كَالْحَمَامِ ، وَعَنْ دَاوُد : لَا يَضْمَنُ دُونَ الْحَمَامِ ، وَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ ، كَمَالِ الْآدَمِيِّ ، وَفِي أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَجِبُ فِيهِ شَاةٌ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ ، وَكَالْحَمَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَالثَّانِي قِيمَتُهُ ( م 30 - 32 ) ( و ش ) لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ خُولِفَ فِي الْحَمَامِ ، لِلصَّحَابَةِ .
وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ بَلْ طَعَامًا ، قَالَ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي الْهَدْيِ ، وَقِيلَ : يُخْرِجُ الْقِيمَةَ ، لِمَا يَأْتِي فِي الْجَرَادِ وَإِنْ أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ ضَمِنَهُ ( و ) بِقِيمَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، مَكَانَهُ ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَطَرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ { عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَجُلًا أَوْطَأَ بَعِيرَهُ عَلَى أُدْحِيِّ نَعَامٍ فَكَسَرَ بَيْضَهَا فَقَامَ إلَى عَلِيٍّ فَسَأَلَهُ .
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : عَلَيْك بِكُلِّ بَيْضَةٍ جَنِينُ نَاقَةٍ أَوْ ضِرَابُ نَاقَةٍ ، فَانْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ ، فَقَالَ هَلُمَّ إلَى الرُّخْصَةِ ، عَلَيْك بِكُلِّ بَيْضَةٍ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ } حَدِيثٌ حَسَنٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ ، وَعَنْ أَبِي الْمِهْزَمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلَهُ وَلِابْنِ مَاجَهْ : ثَمَنُهُ .
وَلِلنَّجَّادِ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ : صِيَامُ يَوْمٍ لِكُلِّ بَيْضَةٍ ، وَلِلشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى : فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ صَوْمٌ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ ؛ وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ ، لِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِثْلُهُ ، وَلَا مِثْلَ لَهُ ، فَضُمِنَ

بِقِيمَتِهِ ، كَالصَّيْدِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَضْمَنُ بَيْضَةَ نَعَامَةٍ بِعُشْرِ قِيمَةِ بَدَنَةٍ ، وَعَنْ دَاوُد : لَا شَيْءَ فِيهِ ، وَلَا شَيْءَ فِي بَيْضٍ مُذَرٍّ أَوْ فَرْخُهُ مَيِّتٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : إلَّا بَيْضَ النَّعَامِ فَإِنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةً ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : لَا شَيْءَ فِيهِ ، كَسَائِرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ غَيْرِ الصَّيْدِ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْمُوجَزِ : إنْ تَصَوَّرَ وَتَخَلَّقَ فِي بَيْضِهِ فَفِيهِ مَا فِي جَنِينٍ صِيدَ سَقَطَ بِالضَّرْبَةِ مَيِّتًا ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ كُسِرَ بَيْضُ نَعَامَةٍ فَقِيمَتُهُ ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَقِيمَتُهُ ، اسْتِحْسَانًا ، لِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ ، فَكَسْرُهُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبُ مَوْتِهِ ، وَالْقِيَاسُ يَغْرَمُ الْبَيْضَةَ فَقَطْ ، لِلشَّكِّ فِي حَيَاتِهِ ، وَعَلَى الِاسْتِحْسَانِ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ فَأَلْقَى جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ الْأُمُّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَةً فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ حَيٌّ فَعَاشَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ ، وَسَبَقَ قَوْلٌ : يَحْفَظُهُ إلَى أَنْ يَطِيرَ ، وَإِنْ جَعَلَ بَيْضًا تَحْتَ آخَرَ أَوْ مَعَ بَيْضٍ صِيدَ أَوْ شَيْئًا فَنَفَرَ عَنْهُ حَتَّى فَسَدَ أَوْ فَسَدَ بِنَقْلِهِ ضَمِنَهُ ، لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ ، وَإِنْ صَحَّ وَفَرَّخَ فَلَا ، وَحُكْمُ [ بِيضِ ] كُلِّ حَيَوَانٍ حُكْمُهُ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَفِي لَبَنِهِ قِيمَتُهُ ، كَمَا سَبَقَ مَكَانَهُ ، كَحَلْبِ حَيَوَانٍ مَغْصُوبٍ ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ، وَيَضْمَنُ الْجَرَادَ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ طَيْرٌ فِي الْبَرِّ يُتْلِفُهُ الْمَاءُ ، كَالْعَصَافِيرِ ، وَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ ( و ش ) لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ ، وَعَنْهُ : يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ عَنْ جَرَادَةٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ : عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ بِحُكْمِ حَكَمَيْنِ ، لِمَا رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنْ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ : تَعَالَ نَحْكُمْ ، فَقَالَ كَعْبٌ :

دِرْهَمٌ ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ : إنَّك لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ ، لِتَمْرَةٍ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ : إنِّي أَصَبْت جَرَادَةً وَأَنَا مُحْرِمٌ ، فَقَالَ : أَطْعِمْ قَبْضَةً مِنْ طَعَامٍ .
وَلِلشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلَهُ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِكَعْبٍ فِي جَرَادَتَيْنِ قَتَلَهُمَا وَنَسِيَ إحْرَامَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ فَأَلْقَاهُمَا : مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِك ؟ قَالَ : دِرْهَمَانِ ، قَالَ : بَخٍ ، دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ ، اجْعَلْ مَا جَعَلْت فِي نَفْسِك .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ ، فَإِنْ قَتَلَهُ أَوْ أَتْلَفَ بَيْضَ طَيْرٍ لِحَاجَةٍ كَالْمَشْيِ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ [ قَتَلَهُ ] لِنَفْعِهِ كَمُضْطَرٍّ ، وَقِيلَ : لَا ؛ لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ كَصَائِلٍ ، وَعَنْهُ : لَا يَضْمَنُ الْجَرَادَ ؛ لِأَنَّ كَعْبًا أَفْتَى بِأَخْذِهِ وَأَكْلِهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : مَا حَمَلَك أَنْ تُفْتِيَهُمْ بِهِ ؟ قَالَ : هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ ، قَالَ : وَمَا يُدْرِيك ؟ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنْ هُوَ إلَّا نَثْرَةُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ .
رَوَاهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمِهْزَمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَقَالَ : الْحَدِيثَانِ وَهْمٌ ، وَرَوَاهُ عَنْ كَعْبٍ قَوْلُهُ

مَسْأَلَةٌ 30 ) قَوْلُهُ : وَفِي أَكْبَرِ مِنْ الْحَمَامِ وَجْهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) تَجِبُ فِيهِ شَاةٌ وَ ( الثَّانِي ) قِيمَتُهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ ( أَحَدُهُمَا ) تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ فِي الْحَمَامِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِيهِ شَاةٌ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : أَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ كَالْحَمَامِ ، وَقِيلَ : الْقِيمَةُ ، وَقِيلَ : لَا ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 31 ) إذَا قَتَلَ الْجَرَادَ لِحَاجَةٍ كَالْمَشْيِ عَلَيْهِ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ النَّاظِمُ : وَيُفْدَى جَرَادٌ فِي الْأَصَحِّ بِقِيمَةٍ وَلَوْ فِي طَرِيقٍ يُشْبِهُ بِبُعْدٍ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 32 ) إذَا مَشَى عَلَى بَيْضِ الطَّيْرِ لِحَاجَةٍ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ .
وَقَدْ حَكَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ

الْجَرَادِ إذَا انْفَرَشَ فِي طَرِيقِهِ ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا .
وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ فِي الْجَرَادِ ، فَكَذَا فِي هَذَا ( قُلْتُ ) : الضَّمَانُ هُنَا قَوِيٌّ لِنُدْرَتِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا يَضْمَنُ رِيشً طَائِرٍ إنْ عَادَ ، لِزَوَالِ النَّقْصِ .
وَقِيلَ : بَلَى ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ : عَلَيْهِ حُكُومَةٌ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ .
لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا شَعْرُهُ وَإِنْ صَارَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَكَالْجُرْحِ ، كَمَا سَبَقَ ، وَإِنْ غَابَ فَفِيهِ مَا نَقَصَ ( و ش ) لِإِمْكَانِ زَوَالِ نَقْصِهِ ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَجَهِلَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْجَزَاءِ ( هـ م )

وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَطَيْرٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَبَاحَهُ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالذِّئْبَ وَالسَّبُعَ وَكُلَّ مَا عَدَا مِنْ السِّبَاعِ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : يَقْتُلُ السَّبُعَ عَدَا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْدُ ( و م ش ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَقْتُلُ مَا فِي الْخَبَرِ وَالذِّئْبَ ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : الْعَقُورُ وَغَيْرُ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنَسُ وَالْمُسْتَوْحِشُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ .
لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ ، وَكَذَا الْفَأْرَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْوَحْشِيَّةُ سَوَاءٌ .
قَالَ أَصْحَابُهُ وَلَا شَيْءَ فِي بَعُوضٍ وَبَرَاغِيثَ وَقُرَادٍ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ ، وَلَا مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ ، وَمُؤْذِيَةٌ بِطَبْعِهَا .
وَكَذَا النَّمْلُ الْمُؤْذِي ، وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ ، لَكِنْ لَا جَزَاءَ ، لِلْعِلَّةِ الْأُولَى .
لَنَا أَنَّ اللَّهَ [ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ] عَلَّقَ تَحْرِيمَ صَيْدِ الْبَرِّ بِالْإِحْرَامِ وَأَرَادَ بِهِ الْمَصِيدَ ، لِقَوْلِهِ : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ } وَقَوْلِهِ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } لِأَنَّهُ أَضَافَ الصَّيْدَ إلَى الْبَرِّ ، وَلَيْسَ الْمُحَرَّمُ صَيْدًا حَقِيقَةً ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ } وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ : الْغُرَابُ وَالْحِدْأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِمُسْلِمٍ { وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ } وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ { خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ : الْحَيَّةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ : الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ { فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ } وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ

فِيهِ { يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ } وَسُئِلَ أَيْضًا : مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ ؟ فَقَالَ : حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ وَالْحَيَّةِ ، قَالَ : وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { خَمْسٌ قَتْلُهُنَّ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فَأَسْقَطَ الْغُرَابَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { خَمْسٌ كُلُّهُنَّ فَاسِقَةٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فِي الْحَرَمِ ، فَأَسْقَطَ الْحِدَأَةَ } ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى } ، فَنَصَّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ عَلَى أَدْنَاهُ تَنْبِيهًا ، وَالتَّنْبِيهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ إنْ كَانَ ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ ، وَالْمُخَالِفُ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ ، وَالْأَسَدُ كَلْبٌ ، كَمَا فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ ؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ وَلَا مِثْلِهِ لَا يُضْمَنُ بِشَيْءٍ كَالْحَشَرَاتِ ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يُجَاوِزُ بِقِيمَتِهِ شَاةً ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مُؤْذٍ ، قُلْنَا : فَهَذَا لَا جَزَاءَ فِيهِ .
وَعِنْدَ زُفَرَ : تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِمْ ، وَقَالَ قَوْمٌ : لَا يُبَاحُ قَتْلُ غُرَابِ الْبَيْنِ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ ، فَإِنَّهُ مَثَّلَ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ فَقَطْ ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُرَادُ بِهِ الْغُرَابُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، لِلَّفْظِ الْخَاصِّ ، لَكِنَّ غَيْرَهُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ ، وَفِي الْمَفْهُومِ نَظَرٌ هُنَا ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ ، قَالَ : الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَالْفُوَيْسِقَةَ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالْحِدَأَةَ وَالسَّبُعَ الْعَادِيَ } فِيهِ يَزِيدُ بْنُ

أَبِي زِيَادٍ ، ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ ، سَبَقَ أَوَّلَ الْمَوَاقِيتِ ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلصِّحَاحِ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَادِيَ وَصْفٌ لَازِمٌ .
وَيَدْخُلُ فِي الْإِبَاحَةِ الْبَازِي وَالصَّقْرُ وَالشَّاهِينُ وَالْعُقَابُ وَنَحْوُهَا ، وَالذُّبَابُ وَالْبَقُّ وَالْبَعُوضُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يَقْتُلُ الْقِرْدَ وَالنِّسْرَ وَالْعُقَابَ إذَا وَثَبَ ، وَلَا كَفَّارَةَ ، فَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ ، وَمَا لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ لَا جَزَاءَ فِيهِ ، لِمَا سَبَقَ ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : وَيَجُوزُ قَتْلُهُ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد : يَقْتُلُ كُلَّ مَا يُؤْذِيهِ ، وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ فِي نَمْلٍ وَنَحْوِهِ ، وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَذِيَّةٍ ، وَذَكَرَ مِنْهَا الذُّبَابَ وَالتَّحْرِيمُ أَظْهَرُ ، لِلنَّهْيِ ( م 33 ) وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الذَّرِّ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : وَيَقْتُلُ النَّمْلَةَ إذَا عَضَّتْهُ وَالنَّحْلَةَ إذَا آذَتْهُ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : لَا يَجُوزُ قَتْلُ نَحْلٍ وَلَوْ بِأَخْذِ كُلِّ عَسَلِهِ ، قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ [ ضَرَرُ ] نَمْلٍ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ ، قَالَ أَحْمَدُ : يُدَخِّنُ لِلزَّنَابِيرِ إذَا خَشِيَ أَذَاهُمْ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَحْرِيقِهِ ، وَالنَّمْلُ إذَا آذَاهُ يَقْتُلُهُ ، وَاحْتَجَّ فِي الْمُغْنِي عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ غَيْرِ مُؤْذٍ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْكِلَابِ ، فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ ، وَأَنَّهُ إنْ جَازَ ، جَازَ قَتْلُ كُلِّ كَلْبٍ لَمْ يُبَحْ اقْتِنَاؤُهُ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ هُنَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ، وَيَلْزَمُ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ قَتْلُ النَّمْلِ ، وَأَوْلَى ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ : يَقْتُلُ النَّمْلَ إذَا آذَتْهُ ، فَالْكِلَابُ بِنَجَاسَتِهَا وَأَكْلِ مَا غَفَلَ النَّاسُ

عَنْهُ أَوْلَى ، لَكِنَّ مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ يَحْرُمُ قَتْلُهُ ( م ) كَمَا أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ يُبَاحُ قَتْلُهُ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { نَهَى عَنْ قَتْلِ الْخَطَاطِيفِ ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْعَنْكَبُوتِ ، وَكَانَ يُقَالُ : إنَّهَا مَسْخٌ } رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ : وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ الْعَنْكَبُوتِ ، وَفِي ذَلِكَ بَسْطٌ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ .
وَلَا جَزَاءَ فِي مُحَرَّمٍ إلَّا مَا سَبَقَ مِنْ الْمُتَوَلِّدِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الضُّفْدَعِ : لَا فِدْيَةَ فِيهِ ، نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ .
وَفِي الْإِرْشَادِ فِيهِ حُكُومَةٌ ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَهُ سُفْيَانُ ، وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ فَقَالَ : لَا أَعْرِفُ فِيهِ حُكُومَةً .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : فِي النَّمْلَةِ لُقْمَةٌ أَوْ تَمْرَةٌ إذَا لَمْ تُؤْذِهِ ، وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ مِثْلَهُ فِي النَّحْلَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : فِي أُمِّ حُبَيْنٍ جَدْيٌ ، وَهِيَ دَابَّةٌ مَعْرُوفَةٌ مِثْلُ ابْنِ عِرْسٍ وَابْنِ آوَى وَيُقَالُ أُمُّ حُبَيْنَةَ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْتِفَاخِ بَطْنِهَا ، شُبِّهَتْ بِالْحُبْلَى ، وَمِنْهُ الْأَحْبَنُ وَهُوَ الْمُسْتَسْقَى ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] قَضَى بِذَلِكَ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ كُلُّ مُحَرَّمٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ

مَسْأَلَةٌ 33 ) قَوْلُهُ : وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ فِي نَمْلٍ وَنَحْوِهِ يَعْنِي إذَا لَمْ يُؤْذِ وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَذِيَّةٍ ، وَذَكَرَ مِنْهَا الذُّبَابَ ، وَالتَّحْرِيمُ أَظْهَرُ لِلنَّهْيِ انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ يَحْرُمُ قَتْلُ النَّمْلِ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَمْ لَا ؟ ( قُلْت ) الصَّوَابُ التَّحْرِيمُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَقَالَ : وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّ قَتْلَ النَّمْلِ وَالنَّحْلِ وَالضُّفْدَعِ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْفُصُولِ : لَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ وَلَا تَخْرِيبُ أَجْحُرَتِهِنَّ وَلَا قَصْدُهُنَّ بِمَا يَضُرُّهُنَّ ، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ الضَّفَادِعِ ، انْتَهَى ، وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ بُيُوتِ النَّمْلِ بِالنَّارِ ؟ فَقَالَ يُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ التَّحْرِيقِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْكَلْبِ أَنْ لَا يَضُرَّهُ فِيهِ : لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ ، وَكَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَكَان آخَرَ : يُكْرَهُ قَتْلُ مَا لَا يَضُرُّ مِنْ نَمْلٍ وَنَحْلٍ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ انْتَهَى .
وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَصَارَتْ الْأَقْوَالُ فِي قَتْلِ مَا لَا يَضُرُّهُ فِيهِ ثَلَاثَةً الْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالتَّحْرِيمُ ، انْتَهَى ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ ، وَقَدْ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ .

وَلَا يَحْرُمُ أَهْلِيٌّ إجْمَاعًا ، وَالِاعْتِبَارُ فِي وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ بِأَصْلِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) .
فَالْحَمَامُ وَحْشِيٌّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَفِي أَهْلِيِّهِ الْجَزَاءُ ( م ) وَالْبَطُّ كَالْحَمَامِ ، وَعَنْهُ : لَا يَضْمَنُهُ أَهْلِيًّا ( و هـ ) لِأَنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ، كَذَا قَالُوا ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ فِي الدَّجَاجِ رِوَايَتَيْنِ ، وَخَصَّهُمَا ابْنُ أَبِي مُوسَى بِالدَّجَاجِ السِّنْدِيِّ .
وَالْجَوَامِيسُ أَهْلِيَّةٌ مُطْلَقًا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّ مَا تَوَحَّشَ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ تَأَنَّسَ مِنْ وَحْشِيٍّ فَلَيْسَ صَيْدًا ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلًا فِي الثَّانِيَةِ

وَيَحْرُمُ مَنْعُ الصَّيْدِ الْمَاءَ وَالْكَلَأَ

وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ إجْمَاعًا ، وَالْبَحْرُ الْمِلْحُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ سَوَاءٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ } الْآيَةَ ( و ) وَمَا يَعِيشُ فِيهَا كَسُلَحْفَاةٍ وَسَرَطَانٍ كَالسَّمَكِ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لَهُ حُكْمُهُ وَمَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ لَهُ حُكْمُهُ ، كَالْبَقَرِ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لَا شَيْءَ فِي السُّلَحْفَاةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْوَزَغِ ، وَلَا يُقْصَدُ أَخْذُهَا ، وَيُمْكِنُ أَخْذُهَا بِلَا حِيلَةٍ ، كَذَا قَالُوا ، فَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَبَرِّيٌّ ؛ لِأَنَّهُ يُفَرِّخُ وَيَبْيَضُّ فِي الْبَرِّ ، وَيَكْتَسِبُ مِنْ الْمَاءِ الصَّيْدَ .
وَفِي حِلِّهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ : الْمَنْعُ صَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا " ؛ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ لِلْمَكَانِ ، فَلَا فَرْقَ وَالثَّانِيَةُ يَحِلُّ ( م 34 ) لِإِطْلَاقِ حِلِّهِ فِي الْآيَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُحَرِّمُهُ ، كَحَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ وَسَبُعٍ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ]

مَسْأَلَةٌ 34 ) قَوْلُهُ : وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ وَفِي حِلِّهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ : الْمَنْعُ صَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَالثَّانِيَةُ يَحِلُّ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
إحْدَاهُمَا لَا يُبَاحُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالشَّرْحِ ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَنْسَكِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ فِي الْوَجِيزِ : يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ مُطْلَقًا ، انْتَهَى .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُبَاحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : وَهُوَ اخْتِيَارِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ

وَيَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِمَّا فُسِّرَ بِهِ الرَّفَثُ وَالْفُسُوقُ [ وَهُوَ ] السِّبَابُ وَقِيلَ : الْمَعَاصِي .
وَالْجِدَالُ : الْمِرَاءُ ، رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ أَنْ تُمَارِيَ صَاحِبَك حَتَّى تُغْضِبَهُ ، قَالَ الشَّيْخُ : الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : يَجِبُ اجْتِنَابُ الْجِدَالِ وَهُوَ الْمُمَارَّةُ فِيمَا لَا يُعْنِي .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفُسُوقُ وَهُوَ السِّبَابُ ، وَالْجِدَالُ وَهُوَ الْمُمَارَاةُ فِيمَا لَا يُعْنِي .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ لَهُ كُلُّ جِدَالٍ وَمِرَاءٍ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، وَكُلُّ سِبَابٍ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحِلِّ ، وَأَوْلَى ، كَذَا قَالَ ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } لَا تُمَارِينَ أَحَدًا فَيَخْرُجُهُ الْمِرَاءُ إلَى الْمُمَارَاةِ وَفِعْلِ مَا لَا يَلِيقُ فِي الْحَجِّ ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ : لَا شَكَّ فِي الْحَجِّ وَلَا مِرَاءَ ، فَإِنَّهُ قَدْ عُرِفَ وَقْتُهُ .
وَفِيهِ [ فِي قَوْلِهِ ] { وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } قِيلَ : بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْحِيدِ ، وَقِيلَ : غَيْرُ فَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ ، وَقِيلَ : إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، وَفِيهِ فِي قَوْلِهِ { فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ } أَيْ فِي الذَّبَائِحِ ، وَالْمَعْنَى : فَلَا تُنَازِعْهُمْ ، وَهَذَا جَائِزٌ فِي فِعْلٍ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ .
فَإِذَا قُلْتَ لَا يُجَادِلْنَك فُلَانٌ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ لَا تُجَادِلْنَهُ ، وَلِهَذَا قَالَ { وَإِنْ جَادَلُوك فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } قَالَ : وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ ، عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ لِيَرُدُّوا بِهِ مَنْ جَادَلَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ وَلَا يُجِيبُوهُ وَلَا يُنَاظِرُوهُ .
وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا : يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَوَقَّى الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَنْفَعُ ، وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ وَاللَّغْوُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ

إلَيْهِ .
وَبَسْطُ هَذَا فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَكِتَابِ أُصُولِ الْفِقْهِ آخِرَ الْقِيَاسِ ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ثُمَّ قَرَأَ { مَا ضَرَبُوهُ لَك إلَّا جَدَلًا } } أَبُو غَالِبٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ : صَالِحُ الْحَدِيثِ ، وَوَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ سَعِيدٍ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : لَيْسَ بِقَوِيٍّ ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ ، وَبَالَغَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ : لَا يُلْتَفَتُ إلَى رِوَايَتِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجٍ .
وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { جِدَالٌ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَعَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ مَرْفُوعًا { لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ فِي الْمُزَاحَةِ ، وَيَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا } .
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَيُسْتَحَبُّ قِلَّةُ الْكَلَامِ إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ ، وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ لَهُ كَثْرَتُهُ بِلَا نَفْعٍ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلِيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ مَرْفُوعًا { مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ ، وَلَهُ أَيْضًا فِي لَفْظٍ { قِلَّةُ الْكَلَامِ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ }

وَتَجُوزُ [ لَهُ ] التِّجَارَةُ وَعَمَلُ الصَّنْعَةِ ( و ) وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ مُسْتَحَبٍّ أَوْ وَاجِبٍ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ ، فَنَزَلَتْ { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : حَدَّثَنَا { أَبُو أُمَامَةَ التَّيْمِيُّ قَالَ : كُنْت رَجُلًا أُكْرَى فِي هَذَا الْوَجْهِ ، وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ : لَيْسَ لَك حَجٌّ ، فَلَقِيت ابْنَ عُمَرَ فَقُلْت : إنِّي أُكْرَى فِي هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : لَيْسَ لَك حَجٌّ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَلَيْسَ تُحْرِمُ وَتُلَبِّي وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتُفِيضُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَتَرْمِي الْجِمَارَ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ لَك حَجًّا ، جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ مِثْلَ مَا سَأَلْتنِي فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } الْآيَةَ .
فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ : لَك حَجٌّ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَعِنْدَهُ : { إنَّا نُكْرَى فَهَلْ لَنَا مِنْ حَجٍّ ؟ } وَفِيهِ : { وَتَحْلِقُونَ رُءُوسَكُمْ } .
وَفِيهِ : { فَقَالَ : أَنْتُمْ حُجَّاجٌ } وَسَبَقَ فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ قَصْدُ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ بِالسَّفَرِ

وَيَجُوزُ لُبْسُ الْكُحْلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْبَاغِ ، وَقَطْعُ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ بِغَيْرِ طِيبٍ ، وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : يُسَنُّ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .

وَكَذَا يَجُوزُ الْمُعَصْفَرُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و ش ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ أَنْبَأْنَا أُبَيٌّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : فَإِنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ مِنْ الثِّيَابِ ، وَلْتَلْبَسْ مَا أَحَبَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا أَوْ خَزًّا أَوْ حُلِيًّا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصًا } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ : رَوَاهُ عَبْدَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ إلَى قَوْلِهِ : { وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ } لَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ .
وَلِلشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ : أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ثَوْبَيْنِ مُضَرَّجِينَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ : مَا هَذِهِ الثِّيَابُ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا إخَالُ أَحَدًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ ، فَسَكَتَ عُمَرُ .
وَقَالَ عُرْوَةُ : كَانَتْ أَسْمَاءُ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُصْبَغَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ .
وَقَالَ أَسْلَمُ : رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى طَلْحَةَ يَوْمًا ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : إنَّمَا هُوَ مُدَرٌّ فَقَالَ : إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ : إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ .
رَوَاهُمَا مَالِكٌ .
وَلِلشَّافِعِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ .
وَرَوَى حَنْبَلٌ فِي مَنَاسِكِهِ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ

سَعْدٍ قَالَتْ : كُنَّ أُزَاوَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرِمْنَ فِي الْمُعَصْفَرَاتِ .
وَاخْتُلِفَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ ، وَنَهَى عَنْهُ عُثْمَانُ وَقَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : إنَّمَا نَهَانِي .
رَوَاهُ النَّجَّادُ .
فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَلِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ جَاهِلٌ فِي جَمِيعِ الْأَصْبَاغِ أَوْ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ ، كَمَا سَبَقَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ ، وَحَمَلَ الْقَاضِي الْخَبَرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِاسْتِحْبَابِ الْبَيَاضِ فِي الْإِحْرَامِ ، أَوْ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا تُقْصَدُ رَائِحَتُهُ كَسَائِرِ الْأَصْبَاغِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ مَا لَمْ يَنْفُضْ [ فَجَازَ ] وَإِنْ نَفَضَ كَغَيْرِهِ ، وَجَوَّزَهُ فِي الْوَاضِحِ مَا لَمْ يَنْفُضْ عَلَيْهِ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : يُمْنَعُ مِنْ لُبْسِهِ وَإِنْ لَبِسَهُ وَهُوَ يَنْفُضُ فَدَى ، وَلِلْمَصْبُوغِ بِالرَّيَاحِينِ حُكْمُهَا مَعَ الرَّائِحَةِ

وَيَجُوزُ الْكُحْلُ بِإِثْمِدٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ، إلَّا لِزِينَةٍ فَيُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ( و م ش ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ ، وَكَرِهَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَزَادَ : وَفِي حَقِّهَا أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ ضَمِّدْهَا بِالصَّبْرِ .
وَحَدَّثَ عَنْ عُثْمَانَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ ضَمَّدَهَا بِالصَّبْرِ } .
وَعَنْ جَابِرٍ { أَنْ عَلِيًّا قَدِمَ الْيَمَنَ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ فَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ : أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقْتِ صَدَقْتِ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ .
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِامْرَأَةٍ اكْتَحِلِي بِغَيْرِ الْإِثْمِدِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ لَكِنَّهُ زِينَةٌ وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ .
وَلَنَا قَوْلٌ : لَا يَجُوزُ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا تَكْتَحِلُ الْمَرْأَةُ بِالسَّوَادِ .
فَظَاهِرُهُ التَّخْصِيصُ .

وَيَنْظُرُ الْمُحْرِمُ فِي الْمِرْآةِ لِحَاجَةٍ ، كَإِزَالَةِ شَعْرَةٍ بِعَيْنِهِ .
وَيُكْرَهُ لِزِينَةٍ ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَنَا قَوْلٌ : يَحْرُمُ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ وَلَا يُصْلِحُ شَعَثًا وَلَا يَنْفُضُ عَنْهُ غُبَارًا ، وَقَالَ : إذَا كَانَ يُرِيدُ زِينَةً فَلَا يَرَى شَعْرَةً فَيُسَوِّيهَا ، رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ : اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا } وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَفِي تَرْكِ الْأَوْلَى نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَأْتُوا شُعْثًا غُبْرًا ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَنْظُرُ الْمُحْرِمُ فِي الْمِرْآةِ وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ فِيهَا ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَزَادَ : لِشَكْوَى بِعَيْنَيْهِ ، وَأَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَبَعْضُ مَنْ أَطْلَقَهُ قَيَّدَهُ فِي مَكَان آخَرَ بِالْحَاجَةِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْغُسْلِ فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَلَا فِدْيَةَ بِذَلِكَ ، وَبِمَا فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَّا مَا سَبَقَ فِي الْمُعَصْفَرِ .

قَالَ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا : وَيَلْبَسُ الْخَاتَمَ ، وَسَبَقَ فِي الْحُلِيِّ فِي الزَّكَاةِ لُبْسُهُ لِزِينَةٍ ، وَإِذَا لَمْ يُكْرَهْ فَيَتَوَجَّهُ فِي كَرَاهَتِهِ لِلْمُحْرِمِ لِزِينَةِ مَا فِي كُحْلٍ وَنَظَرٌ فِي مِرْآةٍ .
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ وَالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ ، وَفِي رِوَايَةٍ رَخَّصَ .

وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا ، حَرُمَ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ بِبُرْقُعٍ أَوْ نِقَابٍ أَوْ غَيْرِهِ ( و ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : كَرَاهِيَةُ الْبُرْقُعِ ثَابِتَةٌ عَنْ سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ ، وَسَبَقَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ } وَخَبَرُهُ فِي الْمُعَصْفَرِ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا ، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ حُرْمٌ إلَّا فِي وَجْهِهَا } مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي الْجَمَلِ ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ يَهِمُ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : مَجْهُولٌ ، وَوَثَّقَهُ الْفَسَوِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : لَا بَأْسَ بِهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْإِيضَاحِ : وَكَفَّيْهَا .
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ : وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ .
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ : إنَّ الْمَرْأَةَ أُبِيحَ لَهَا كَشْفُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسْدِلَ عَلَى الْوَجْهِ لِحَاجَةٍ ( و ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ { : كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْنَا أَسْدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا ، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ رِوَايَةٌ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ ، وَسَبَقَ أَوَّلَ الْمَوَاقِيتِ وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ قَالَتْ : كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، رَوَاهُ

مَالِكٌ ، أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ جَوَازَ السَّدْلِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا لَهَا أَنْ تُسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ فَوْقٍ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الثَّوْبَ مِنْ أَسْفَلَ ، وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ .
قَالَ الشَّيْخُ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ كَأَنَّهُ يَقُولُ : إنَّ النِّقَابَ مِنْ أَسْفَلَ عَلَى وَجْهِهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي [ وَجَمَاعَةٌ ] تُسْدِلُ وَلَا تُصِيبُ الْبَشَرَةَ ، فَإِنْ أَصَابَتْهَا فَلَمْ تَرْفَعْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ فَدَتْ ، لِاسْتِدَامَةِ السَّتْرِ ، قَالَ الشَّيْخُ : لَيْسَ هَذَا الشَّرْطُ عَنْ أَحْمَدَ وَلَا فِي الْخَبَرِ ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ، فَإِنَّ الْمَسْدُولَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ إصَابَةِ الْبَشَرَةِ .
فَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَبُيِّنَ ، وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ ، لَكِنْ زَادَ : وَأَنَّهَا مُنِعَتْ مِنْ الْبُرْقُعِ وَالنِّقَابِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُعَدُّ لِسَتْرِ الْوَجْهِ ، كَذَا قَالَ .
وَالْمَذْهَبُ : يُحَرِّمُ تَغْطِيَةَ مَا لَيْسَ لَهَا سَتْرُهُ ، وَلَا يُمْكِنُهَا تَغْطِيَةُ جَمِيعِ الرَّأْسِ إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ ، وَلَا كَشْفُ جَمِيعِ الْوَجْهِ ، إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ ، فَسَتْرُ الرَّأْسِ كُلِّهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ ، وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ إلَّا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ ، بِالْإِجْمَاعِ ، لِمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : وَلِحَاجَةِ السَّتْرِ ، كَعَقْدِ الْإِزَارِ لِلرَّجُلِ .
وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ [ جَيِّدٍ ] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { : كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهَا } .
وَإِنَّمَا كَرِهَهُ فِي الْجُمُعَةِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ لِقُرْبِهَا مِنْ الرِّجَالِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ ، لِلْمَشَقَّةِ بِتَرْكِهِ

لِطُولِ الْمُدَّةِ ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ ، لَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ .
وَيَحْرُمُ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ عَلَيْهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) وَهُمَا شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ كَمَا يُعْمَلُ لِلْبُزَاةِ وَفِيهِ الْفِدْيَةُ كَالنِّقَابِ ، لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ ، وَكَالرَّجُلِ ( و ) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْطِيَتِهَا بِكُمِّهَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ جَوَازُهُ بِهِمَا .
بِدَلِيلِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَيْهِ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ .
وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمَيْهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَنَا فِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ ، أَوْ الْكَفَّانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمُ التَّيَمُّمِ كَالْوَجْهِ ، قَالَهُ الْقَاضِي .
وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْأَخِيرِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَهَا ذَلِكَ ، وَلِلشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَمِثْلُهُمَا إنْ لَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا خِرْقَةً أَوْ خِرَقًا وَشَدَّتْهَا عَلَى حِنَّاءٍ أَوْ لَا ، كَشَدِّهِ عَلَى جَسَدِهِ شَيْئًا وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ : لَا يَحْرُمُ وَإِنْ لَفَّتْهَا بِلَا شَدٍّ فَلَا .
لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ لَا تَغْطِيَتُهُمَا ، كَبَدَنِ الرَّجُلِ .

وَلَهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ فِي الْمُعَصْفَرِ ، وَقَالَتْهُ عَائِشَةُ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَحَمَلَهَا الشَّيْخُ عَلَى الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ كَالْكُحْلِ ، وَلَا فِدْيَةَ .
وَلَا يَحْرُمُ لِبَاسُ زِينَةٍ ( و ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : وَيُكْرَهُ ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : الْمُحْرِمَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَتْرُكَانِ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ ، وَلَهُمَا مَا سِوَى ذَلِكَ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ : يَحْرُمُ لِبَاسُ زِينَةٍ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ كَحُلِيٍّ .

وَيُسْتَحَبُّ خِضَابُهَا بِحِنَّاءٍ لِلْإِحْرَامِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُدَلِّكَ الْمَرْأَةُ بِشَيْءٍ مِنْ حِنَّاءٍ عَشِيَّةَ الْإِحْرَامِ ، وَتُغَلِّفَ رَأْسَهَا بِغَسْلَةٍ لَيْسَ فِيهَا طِيبٌ ، وَلَا تُحْرِمُ عَطَلًا ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يَكْتُبُ حَدِيثَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ كَالطِّيبِ ، وَيُكْرَهُ فِي إحْرَامِهَا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ ، كَالْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَإِنْ شَدَّتْ يَدَيْهَا بِخِرْقَةٍ فَدَتْ وَإِلَّا فَلَا ( و ش ) لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لَوْنُهُ لَا رِيحُهُ عَادَةً ، كَخِضَابٍ بِسَوَادٍ وَنِيلٍ ، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ لَا بَأْسَ بِهِ ، لِقَوْلِ عِكْرِمَةَ : إنَّ عَائِشَةَ وَأَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ وَهُنَّ حُرُمٌ .
رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِيهِ الْفِدْيَةُ ، وَيُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ لِمُزَوَّجَةٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةً وَتَحَبُّبًا إلَى الزَّوْجِ كَالطِّيبِ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ : وَيُكْرَهُ لِلْأَيِّمِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا ، وَفِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ ضَعِيفَةٌ ، بَعْضُهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَبَعْضُهَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ ، وَبَعْضُهَا أَبُو الشَّيْخِ وَبَعْضُهَا الطَّبَرَانِيُّ ، وَهِيَ فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُقْنِعِ فِي بَابِ السِّوَاكِ ، وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي كِتَابِ ( الِاسْتِفْتَاءُ فِي مَعْرِفَةِ اسْتِعْمَالِ الْحِنَّاءِ ) ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ اخْتَضِبْنَ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَضِبُ لِزَوْجِهَا ، وَإِنَّ الْأَيِّمَ تَخْتَضِبُ تَعْرِضُ لِلرِّزْقِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ }

فَأَمَّا الْخِضَابُ لِلرَّجُلِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَا لَا تَشَبُّهَ فِيهِ بِالنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ، وَلَا دَلِيلَ لِلْمَنْعِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ : كَرِهَهُ أَحْمَدُ [ قَالَ أَحْمَدُ ] : لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : هُوَ بِلَا حَاجَةٍ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ ( و ش ) .
ثُمَّ احْتَجَّ بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهِينَ وَالْمُتَشَبِّهَات ، وَسَبَقَتْ مَسْأَلَةُ التَّشَبُّهِ عِنْدَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ .
} نَهَى عَنْهُ لِلَوْنِهِ لَا لِرِيحِهِ ، فَإِنَّ رِيحَ الطِّيبِ لَهُ حَسَنٌ ، وَالْحِنَّاءُ فِي هَذَا كَالزَّعْفَرَانِ .
وَعَنْ مُفَضَّلِ بْنِ يُونُسَ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ عَنْ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي يَسَارٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَخْضُوبِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَالَ : مَا بَالُ هَذَا ؟ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ .
فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إلَى الْبَقِيعِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَقْتُلُهُ ؟ قَالَ : إنِّي نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ } أَبُو يَسَارٍ رَوَى عَنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ .
وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ سِوَى قَوْلِ أَبِي حَاتِمٍ : مَجْهُولٌ ، فَأَرَادَ : مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ .
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ الْمُفَضَّلَ انْفَرَدَ بِوَصْلِهِ .
وَقَالَ أَبُو مُوسَى : حَدِيثٌ مَشْهُورٌ ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَنَحْوِهِ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ عُمَرُ بْنُ بَدْرٍ الْمَوْصِلِيُّ : لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الْحِنَّاءِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةً ( م 35 ) وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ ( هـ ) ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : الْحِنَّاءُ مِنْ الزِّينَةِ .
وَمَنْ يُرَخِّصُ فِي الرَّيْحَانِ يُرَخِّصُ فِيهِ .
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ

بْنُ حَرْبٍ وَسُئِلَ عَنْ الْخِضَابِ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَ : لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الطِّيبِ وَلَكِنَّهُ زِينَةٌ ، وَقَدْ كَرِهَ الزِّينَةَ عَطَاءٌ لِلْمُحْرِمِ ، وَقَدْ احْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَابْنِ جَرِيرٍ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ : لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَتْنِ شَيْءٌ ، لِخَبَرِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا { سَيِّدُ إدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ } وَفِيهِ { وَسَيِّدُ الشَّرَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمَاءُ ، وَسَيِّدُ الرَّيَاحِينِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْفَاغِيَةُ } وَهُوَ الْحِنَّاءُ ، رَوَاهُ ابْنُ شَاذَانَ بِإِسْنَادِهِ ، وَيُبَاحُ لِحَاجَةٍ ، لِخَبَرِ { سَلْمَى مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَكَى أَحَدٌ رَأْسَهُ قَالَ : اذْهَبْ فَاحْتَجِمْ وَإِذَا اشْتَكَى رِجْلَهُ قَالَ : اذْهَبْ فَاخْضِبْهَا بِالْحِنَّاءِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَلَهُ فِي لَفْظٍ : قَالَتْ { : كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَتْ تُصِيبُهُ قُرْحَةٌ وَلَا نُكْتَةٌ إلَّا أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنَّاءَ } حَدِيثٌ حَسَنٌ
مَسْأَلَةٌ 35 ) قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِضَابِ لِلْمَرْأَةِ فَأَمَّا الْخِضَابُ لِلرَّجُلِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَا لَا تَشَبُّهَ فِيهِ بِالنِّسَاءِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ .
وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ : كَرِهَهُ أَحْمَدُ ، قَالَ أَحْمَدُ : لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : هُوَ بِلَا حَاجَةٍ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الْحِنَّاءِ ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةً ، انْتَهَى .
مَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ هُوَ الصَّوَابُ .
وَقَالَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ ، وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : فَأَمَّا الْخِضَابُ لِلرَّجُلِ فَيَتَوَجَّهُ إبَاحَتُهُ مَعَ الْحَاجَةِ ، وَمَعَ غَيْرِهَا يَخْرُجُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَشَبُّهِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ فِي لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ ، انْتَهَى .

الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ لِلشَّكِّ ، وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ فَدَى لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ : يُغَطِّي رَأْسَهُ وَيَفْدِي ، وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ لِلشَّكِّ وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ فَدَى ، انْتَهَى .
تُجْعَلُ هَذِهِ الْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ " أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ " أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً ، وَأَنَّ صَوَابَهُ " وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَلَبِسَ الْمَخِيطَ فَدَى " مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَلِفٍ قَبْلَ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ " أَوْ لَبِسَ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ تَكْرَارًا مِنْ الْمُصَنِّفِ وَسَهْوًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا " إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ لَمْ تَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ " وَقَالَ هُنَا " فَدَى " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ قَالَ : يَعْنِي إمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ تَغْطِيَةِ وَجِهَةِ وَرَأْسِهِ ، أَوْ بَيْنَ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ ، انْتَهَى .
يَعْنِي أَنَّ كَلَامَهُ صَحِيحٌ ، وَيُقَدَّرُ فِيهِ فَيُقَالُ : وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ ، أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَلَبِسَ الْمَخِيطَ ، فَدَى .
وَهُوَ صَحِيحٌ .
لَكِنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَصَلَ اللُّبْسُ ، وَقَوْلُهُ " أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ " مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَغْطِيَةَ وَجْهِ الرَّجُلِ لَا تُوجِبُ فِدْيَةً ، وَإِلَّا فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مُشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

مَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ ، مِثْلُ أَنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ ثُمَّ قَلَّمَ ، أَوْ لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ وَلَوْ بِمَخِيطٍ فِي رَأْسِهِ ، أَوْ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ فِيهِ ، أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ ، أَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَهَا أَوْ غَيْرَهَا ، وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، تَابَعَهُ أَوْ فَرَّقَهُ ، فَظَاهِرُهُ : لَوْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا بُنِيَتْ الْجُمْلَةُ فِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي تَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ كَذَا الْوَاحِدُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي تَكْمِيلِ الدَّمِ .
وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ ، وَعَنْهُ : لِكُلِّ وَطْءٍ كَفَّارَةٌ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهَا كَالْأَوَّلِ .
فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ فِي غَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : إنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ الْمَحْظُورِ فَلَبِسَ لِلْحَرِّ ثُمَّ لِلْبَرْدِ ثُمَّ لِلْمَرَضِ فَكَفَّارَاتٌ ، وَإِلَّا كَفَّارَةٌ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ لَبِسَ قَمِيصًا وَجُبَّةً وَعِمَامَةً لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ ، قُلْتُ : فَإِنْ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً ثُمَّ بَرِئَ ثُمَّ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً ، فَقَالَ : عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ : إذَا لَبِسَ وَغَطَّى رَأْسَهُ مُتَفَرِّقًا فَكَفَّارَتَانِ .
وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَرِوَايَتَانِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنْ كَرَّرَهُ فِي مَجْلِسٍ تَدَاخَلَتْ ، لَا فِي مَجَالِسَ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : تَتَدَاخَلُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فَقَطْ .
وَجَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ : لَا تَدَاخُلَ ، وَفِي الْقَدِيمِ : تَتَدَاخَلُ ، وَلَهُ قَوْلٌ : عَلَيْهِ لِلْوَطْءِ الثَّانِي شَاةٌ ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
لَنَا مَا تَدَاخَلَ مُتَتَابِعًا تَدَاخَلَ مُتَفَرِّقًا كَالْأَحْدَاثِ وَالْحُدُودِ وَكَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لَا يَتَضَمَّنُ سَبَبُهَا إتْلَافَ نَفْسٍ ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؛ وَلِأَنَّهُ وَطِئَ ، فَكَفَّرَ عَنْهُ كَالْأَوَّلِ ، أَوْ مَحْظُورٍ فَكَفَّرَ عَنْهُ كَغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ

أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ .
وَلَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ إذَا كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ اعْتِبَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْأَيْمَانِ .
وَتَتَعَدَّدُ كَفَّارَةُ الصَّيْدِ بِتَعَدُّدِهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و ) لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ أَنَّ مَنْ قَتَلَ صَيْدًا لَزِمَهُ مِثْلُهُ ، وَمَنْ قَتَلَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ أَكْثَرَ مَعًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ ، فَمُتَفَرِّقًا أَوْلَى ، لِأَنَّ حَالَ التَّفْرِيقِ لَيْسَ أَنْقَصَ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ ، كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ ، أَوْ بَدَلُ مُتْلَفٍ ، كَبَدَلِ مَالِ الْآدَمِيِّ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا تَتَعَدَّدُ إنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ ، وَحُكِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ ثَانِيًا فَلَا جَزَاءَ ، يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ .
رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَقَالَهُ دَاوُد ، لِلْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إذَا عُلِّقَ بِلَفْظِ ( مَنْ ) لَمْ يَتَكَرَّرْ نَحْوُ : مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ ، وَلِأَنَّهُ قَالَ { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ ثُمَّ عَادَ قِيلَ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك .
رَوَاهُ النَّجَّادُ .
وَكَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجَزَاءَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ شَرْطٍ فِي مَحَالٍّ ، نَحْوُ مَنْ دَخَلَ دُورِي فَلَهُ بِدُخُولِ كُلِّ دَارٍ دِرْهَمٌ .
وَالْقَتْلُ يَقَعُ فِي صَيْدٍ وَصُيُودٍ .
وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ، كَقَوْلِهِ فِي آيَةِ الرِّبَا : { وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ } وَلِلْعَائِدِ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ، وَكَقَوْلِهِ فِي آيَةِ الْمُحَارَبَةِ : { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَزْمِ وَعَنْ الثَّالِثِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ .
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْهُ فِي حَمَامِ

الْحَرَمِ : فِي الْحَمَامَةِ شَاةٌ ، وَبِتَقْدِيمِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَيْهِ .
وَسَبَقَ جَوَابُ الرَّابِعِ .
وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَحْظُورَاتٍ مِنْ أَجْنَاسٍ مُتَّحِدَةِ الْكَفَّارَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَشْهَرُ ( و ) كَحُدُودٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَعَنْهُ : كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَنْهُ : إنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَمُوجِبَاتُهَا مُخْتَلِفَةٌ ، كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقِيلَ : إنْ تَبَاعَدَ الْوَقْتُ تَعَدَّدَ الْفِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا

وَلَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِرَفْضِهِ بِالنِّيَّةِ ( و ) لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ .
وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : لَا شَيْءَ لِرَفْضِهِ ؛ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا ، وَحُكْمُ الْإِحْرَامِ بَاقٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) لِأَنَّهَا جِنَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فَتَعَدَّدَتْ كَفَّارَاتُهَا ، كَفِعْلِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الرَّفْضِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي إحْرَامِ الصَّغِيرِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ عِنْدَهُ ، وَلَا كَفَّارَةَ بِإِحْرَامِهِ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَلَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ ( و ) وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ ، قَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ : مَبْنَاهُ عَلَى التَّوَسُّعَةِ وَسُرْعَةِ الْحُصُولِ ؛ فَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا انْعَقَدَ وَحُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ ، وَسَبَقَ قَبْلَ الْفَصْلِ الثَّامِنِ .
وَعَمْدُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ خَطَأٌ

وَإِنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ .
نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ ( و ش ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ اللَّهَ { وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ : وَمِمَّا رَوَيْته بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ الْمُتَّصِلِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَذَكَرَهُ ، .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرَادِيِّ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَقَالَ : لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إلَّا بِشْرٌ ، تَفَرَّدَ بِهِ الرَّبِيعُ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ بِشْرٌ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنْهُ غَيْرُ الرَّبِيعِ وَأَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ الْفَقِيهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : جَوَّدَ إسْنَادَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ، فَلَمْ يَذْكُرْ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ ، وَرَوَى الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ فِي الْمُخْتَارَةِ الطَّرِيقَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَوَّلِ دِيَاتِ الْجِرَاحِ مِنْ الْمُحَلَّى : هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْ بِشْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُتَّصِلًا ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ النَّاسُ هَكَذَا .
وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ : لَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ ابْنِ مُصَفَّى جِدًّا وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا إلَّا عَنْ الْحَسَنِ ، يَعْنِي مُرْسَلًا ، وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عُمُومِ

دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ لَنَا وَلِلْأُصُولِيَّيْنِ : وَسَبَقَ قِصَّةُ الَّذِي أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي الْجُبَّةِ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَلْعِهَا وَغَسْلِهِ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِفِدْيَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَكَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الطِّيبَ لَمْ يَكُنْ حُرِّمَ ، فَقِيلَ لَهُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ : { اصْنَعْ فِي عُمْرَتِك كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك } فَقَالَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُرِّمَ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يُحَرَّمْ فِي الْعُمْرَةِ إلَى هَذِهِ الْحَالِ ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَ فِي اللُّبْسِ لَمْ يَكُنْ حُرِّمَ ، وَقِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ ، وَالتَّفْرِقَةُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ وَهِيَ التَّجَرُّدُ وَالتَّلْبِيَةُ فَلَمْ يُعْذَرْ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ يَبْطُلُ بِالذَّبِيحَةِ عَلَيْهَا أَمَارَةٌ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي التَّسْمِيَةِ وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْأَمَارَةَ وَقْتَ الذَّبْحِ وَالتَّسْمِيَةَ يَتَقَدَّمُهَا ، كَذَا قَالَ ، وَعَنْهُ : تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ( و هـ م ) كَالْحَلْقِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ ، وَالتَّفْرِقَةِ بِأَنَّهُ إتْلَافٌ يَبْطُلُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ لَيْسَ بِإِتْلَافِ ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي .
وَقَالَ : الْمَأْمُورُ بِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، كَتَجَنُّبِ الْمَحْظُورِ ، فَحُكْمُ أَحَدِهِمَا حُكْمُ الْآخَرِ .
وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ بِإِمْكَانِ تَلَافِيهِ فَمَا مَضَى لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحُكْمِ هُنَا كَالصَّوْمِ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي لِخَصْمِهِ : يَجِبُ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ .
وَمَتَى زَالَ عُذْرُهُ غَسَلَهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ أَخَّرَهُ وَلَا عُذْرَ فَدَى ، وَلَهُ غَسْلُهُ بِيَدِهِ وَبِمَائِعٍ وَغَيْرِهِ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِينَ بِحَلَالٍ وَيَغْسِلُهُ ، وَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَطْعِ رَائِحَتِهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَعَلَ وَتَوَضَّأَ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَطْعُهَا .

وَإِنْ مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَبَانَ رَطْبًا فَوَجْهَانِ ( م 36 ) لِأَنَّهُ قَصَدَ مَسَّهُ وَجَهْلُ تَحْرِيمِهِ كَجَهْلِ تَحْرِيمِ الطِّيبِ
( مَسْأَلَةٌ 36 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَبَانَ رَطْبًا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .
أَحَدُهُمَا : لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ ، فَأَشْبَهَ مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الطِّيبَ .
( قُلْتُ ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَسَّ الطِّيبِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ

وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ فَدَى مُطْلَقًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و ) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ كَإِتْلَافِ مَالِ آدَمِيٍّ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ لِأَذًى بِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى مَعْذُورٍ بِنَوْعٍ آخَرَ وَلَنَا وَجْهٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخْرِجَةٌ مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً : لَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهٍ وَنَاسٍ وَجَاهِلٍ وَنَائِمٍ وَنَحْوِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، لِمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا

وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ مُطْلَقًا ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ صَالِحٌ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و ) لِظَاهِرِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَبَيْضِهِ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : عَلَى الْمُتَعَمِّدِ بِالْكِتَابِ ، وَعَلَى الْمُخْطِئِ بِالسُّنَّةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنْبَأَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءٍ : فَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيُغَرَّمُ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ وَرَوَى النَّجَّادُ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ : لِيُحْكَمْ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ أَلْقَى جُوَالِقًا عَلَى ظَبْيٍ فَأَمَرَهُ بِالْجَزَاءِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَهَذَا لَا يَكُونُ عَمْدًا ، وَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ ، كَمَالِ الْآدَمِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ : لَا جَزَاءَ بِقَتْلِ الْخَطَأِ ، نَقَلَهُ صَالِحٌ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إذَا صَادَ الْمُحْرِمُ نَاسِيًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، إنَّمَا عَلَى الْعَامِدِ .
رَوَاهُ النَّجَّادُ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَقَالَهُ طَاوُسٌ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إنَّهُ السُّنَّةُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ قَالَ الْقَاضِي : هِيَ حُجَّةٌ لَنَا مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ الْإِحْرَامَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ ، وَعِنْدَهُمْ : لَا يَلْزَمُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ خَصَّ الْعَمْدَ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ الْوَعِيدِ فِي آخِرِهَا ؛ وَلِأَنَّ مَا سَبَقَ أَخَصُّ ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ ، فَقُدِّمَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي } فَإِنْ صَحَّ لَفْظُهُ وَدَلَالَتُهُ فَمَا سَبَقَ أَخَصُّ وَسَبَقَتْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ ، وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ : يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لَا فِي الْعَمْدِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنْبَأَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ :

وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا غَيْرَ نَاسٍ لِحُرْمَةٍ وَلَا مَرِيدًا غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ فَقَدْ أَحَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَةٌ ، وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِحُرْمَةٍ أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ فَذَلِكَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ عَلَيْهِ النَّعَمُ .
وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ ، وَالْمُكْرَهُ عِنْدَنَا كَمُخْطِئٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَسَبَقَ فِي الْحَلْقِ ، وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي إتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ خَطَأٌ

الْقَارِنُ كَغَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( و م ش ) لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا حُرْمَتَانِ كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ ، اخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ إحْرَامَانِ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ ، فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ وَنِيَّةُ الْحَجِّ غَيْرُ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ ، كَبَيْعِ عَبْدٍ وَدَارٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَقْدًا وَاحِدًا وَالْمَبِيعُ اثْنَانِ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُهُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ جَزَاءَانِ ( و هـ ) ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحِ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ تَخْرِيجًا إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَخَصَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ بِالصَّيْدِ ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِإِحْرَامٍ ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ، وَكَمَا لَوْ وَطِئَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ ، قَالَ الْقَاضِي لَا يَمْتَنِعُ التَّدَاخُلُ ثُمَّ لَمْ يَتَدَاخَلَا لِاخْتِلَافِ كَفَّارَتِهِمَا ، أَوْ ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ وَالْإِحْرَامَ لَا يَتَدَاخَلَانِ ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ يَتَدَاخَلَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي الْحَلْقِ وَبَنَى الْحَنَفِيَّةُ قَوْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ قَالُوا : إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرُ مُحْرِمٍ بِالْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ ، خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ ، وَبِتَأْخِيرِ وَاجِبٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ .

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ حَالَ الْإِحْرَامِ إلَّا الْجِمَاعِ وَسَبْقِ دَوَاعِيهِ وَرَفْضِ النُّسُكِ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَقَتْلِ الصَّيْدِ ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الرِّدَّةِ وَسَبَقَ فِي الْأَذَانِ

كُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ قَدَرَ يُوصِلُهُ إلَيْهِمْ .
وَيَجِبُ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ ( و ) وَيُجْزِئُهُ جَمِيعُهُ ( و هـ ش ) قَالَ أَحْمَدُ : مَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ ، ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : نُزِّهَتْ مَكَّةُ عَنْ الدِّمَاءِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَنْحَرُ فِي الْحَجِّ إلَّا بِمِنًى ، وَلَا فِي الْعُمْرَةِ إلَّا بِمَكَّةَ ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ .
وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ ، لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا { وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ } وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَرَمَ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ طَرِيقٌ إلَيْهَا ، وَالْفَجُّ : الطَّرِيقُ وَلِأَنَّهُ نَحْرَهُ بِالْحَرَمِ كَمَكَّةَ وَمِنًى .
وَقَوْلُهُ { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } وَقَوْلُهُ { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } لَا يَمْنَعُ الذَّبْحَ فِي غَيْرِهَا ، كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ بِمِنًى وَتَخْصِيصُهَا بِمَنَاسِكَ لَا يَلْزَمُ فِي الذَّبْحِ ، لِشَرَفِ مَكَّةَ ، وَهُوَ تَنْجِيسٌ قِيلَ لِلْقَاضِي : فَلِمَ اسْتَحْبَبْتُمْ النَّحْرَ بِهَا ؟ فَقَالَ : لِيَكُونَ اللَّحْمُ طَرِيًّا لِأَهْلِهَا ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ : يُسَنُّ أَنْ يَنْحَرَ الْحَاجُّ بِمِنًى وَالْمُعْتَمِرُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ ، وَسَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ : هُمَا سَوَاءٌ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ : فِي الْإِجْزَاءِ

وَإِنْ سَلَّمَهُ لِلْفُقَرَاءِ سَلِيمًا فَنَحَرُوهُ أَجْزَأَ وَإِلَّا اسْتَرَدَّهُ وَنَحَرَهُ ، فَإِنْ أَبَى أَوْ عَجَزَ ضَمِنَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ

وَيَجِبُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِالْحَرَمِ أَوْ إطْلَاقُهُ لِمَسَاكِينِهِ ( و ش ) لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ كَالذَّبْحِ ، وَالتَّوَسُّعَةُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَةٌ ، وَالطَّعَامُ كَالْهَدْيِ ( و ش ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ يَجُوزَانِ فِي الْحِلِّ .
وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ : الْهَدْيُ بِمَكَّةَ ، وَالطَّعَامُ حَيْثُ شَاءَ .
لَنَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ ، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ يَنْفَعُهُمْ كَالْهَدْيِ ، وَقِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ : إنَّ اللَّهَ نَكَّرَ الْمَسَاكِينَ وَلَمْ يَخُصَّ الْحَرَمَ ، فَقَالُوا : إنَّهُ عُطِفَ عَلَى الْهَدْيِ فَصَارَ تَنْكِيرًا بَعْدَ تَعْرِيفٍ ، كَقَوْلِنَا : صَدَقَةٌ نَبْلُغُ بِهَا بَلَدَ كَذَا لِكَذَا كَذَا مِسْكَيْنَا ، رَجَعَ إلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْبَلَدِ .
وَمَسَاكِينُهُ مَنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَتِهِ مُقِيمًا بِهِ أَوْ مُجْتَازًا مِنْ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنْ بَانَ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِ غَنِيًّا فَكَالزَّكَاةِ ، وَمَا جَازَ تَفْرِيقُهُ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ إلَى فُقَرَاءِ الذِّمَّةِ ( هـ ) كَالْحَرْبِيِّ ( و )

وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينَ وَيُعَشِّيَهُمْ إنْ جَازَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ ( م 37 ) الْإِجْزَاءُ قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ : لَا ، [ لِأَنَّ ] الصَّدَقَةَ تَنْبَنِي عَنْ التَّمْلِيكِ .
( مَسْأَلَةٌ 37 ) قَوْلُهُ فِي الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ : وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينَ وَيُعَشِّيَهُمْ إنْ جَازَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ .
انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَجُوزُ ( قُلْتُ ) : وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِهَا ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَرُبَّمَا كَانَ أَنْفَعَ لَهُمْ مِنْ الْهَدْيِ ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ .

وَإِنْ مُنِعَ مِنْ إيصَالِهِ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ فَفِي جَوَازِ ذَبْحِهِ فِي غَيْرِهِ وَتَفْرِيقِهِ رِوَايَتَانِ وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ ، لِقَوْلِهِ : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } ( م 38 )
( مَسْأَلَةٌ 38 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ مُنِعَ مِنْ إيصَالِهِ إلَى الْحَرَمِ فَفِي جَوَازِ ذَبْحِهِ فِي غَيْرِهِ وَتَفْرِيقِهِ رِوَايَتَانِ ، وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : هُوَ أَظْهَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ

وَمَا وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فَحَيْثُ فَعَلَهُ ( هـ ش ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِالْفِدْيَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ ، وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ .
وَاشْتَكَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَأْسَهُ فَحَلَقَهُ عَلِيٌّ وَنَحَرَ عَنْهُ جَزُورًا بِالسُّقْيَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا ، وَعَنْهُ : فِي الْحَرَمِ ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ فِي غَيْرِ الْحَلْقِ ، قَالَهُ فِي الْفُصُولِ وَالتَّبْصِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، خُولِفَ فِيهِ لِمَا سَبَقَ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ الْعُذْرَ فِي الْمَحْظُورِ ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمَعْذُورِ فِي الْحَرَمِ كَسَائِرِ الْهَدْيِ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ : حَيْثُ قَتَلَهُ ، وَقِيلَ : لِعُذْرٍ ، وَالْمَذْهَبُ : فِي الْحَرَمِ ، لِلْآيَةِ .
وَوَقْتُ ذَبْحِهِ حِينَ فَعَلَهُ وَلَهُ الذَّبْحُ قَبْلَهُ لِعُذْرٍ ، كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ .

وَمَنْ أَمْسَكَ صَيْدًا أَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ جَزَاءَهُ ثُمَّ تَلِفَ ، أَوْ قَدَّمَ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْحَلْقُ فِدْيَتَهُ ، أَجْزَأَ ، نُصَّ عَلَى ذَلِكَ [ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ] .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ أَخْرَجَ فِدَاءَ صَيْدٍ بِيَدِهِ قَبْلَ تَلَفِهِ فَتَلِفَ أَجْزَأَ عَنْهُ ، وَهُوَ بَعِيدٌ .

كَذَا قَالَ وَيُجْزِئُ صَوْمٌ ( و ) وَالْحَلْقُ ( و ) وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ( و ) وَمَا سُمِّيَ نُسُكًا بِكُلِّ مَكَان ( و ) كَأُضْحِيَّةٍ لِعَدَمِ تَعَدِّي نَفْعِهِ ، وَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِمَكَانٍ ، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ .
وَالدَّمُ كَأُضْحِيَّةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قِيَاسًا عَلَيْهَا ، فَلَا يُجَزِّئُ مَا لَا يُضَحَّى بِهِ ، وَيُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ ( و ) أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي التَّمَتُّعِ { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ ، وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّسُكَ فِي خَبَرِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِذَبْحِ شَاةٍ ، وَالْبَاقِي قِيَاسٌ عَلَيْهِمَا .
وَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ كُلُّهَا ؟ كَمَا لَوْ اخْتَارَ الْأَعْلَى مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ ، أَمْ سُبُعُهَا وَالْبَاقِي لَهُ أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ ، لِجَوَازِ تَرْكِهِ مُطْلَقًا كَذَبْحِ سَبْعِ شِيَاهٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 39 ) وَكُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ ، كَعَكْسِهَا ، لِقَوْلِ جَابِرٍ كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، فَقِيلَ لَهُ : وَالْبَقَرَةُ ؟ فَقَالَ : وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ ؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ

تَنْبِيهٌ ) : قَوْلُهُ : وَيُجْزِئُ صَوْمٌ وِفَاقًا وَحَلْقٌ وِفَاقًا ، وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ ، ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وِفَاقًا ، وَمَا سُمِّيَ نُسُكًا بِكُلِّ مَكَان وِفَاقًا ، كَأُضْحِيَّةٍ ، انْتَهَى .
الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ نَظَرًا ، فَإِنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ لِأَهْلِ الْحَرَمِ ، وَكَذَا مَا كَانَ نُسُكًا ، فَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " لِعَدَمِ نَفْعِهِ " وَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِمَكَانٍ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُنَافِي هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَمَا يُسَمَّى نُسُكًا ، فَإِنَّ فِيهِمَا نَفْعًا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 39 ) قَوْلُهُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ : وَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً .
لِجَوَازِ تَرْكِهِ مُطْلَقًا ، كَذَبْحِ سَبْعِ شِيَاهٍ ، فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَقَالَ : قُلْتُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا زِيَادَةُ الثَّوَابِ ، فَإِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ .
( أَحَدُهُمَا ) : تَلْزَمُهُ كُلُّهَا ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَنْذُورَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَلْزَمُهُ إلَّا سُبْعُهَا ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ : فَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً لَمْ تَلْزَمْهُ كُلُّهَا ، فِي الْأَشْهَرِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ : هَذَا أَقِيسُ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَلَهَا نَظَائِرُ ، مِنْهَا لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَقُلْنَا يُجَزِّئُ

وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ ، وَنَصَرُوا : تُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا تُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ ( و هـ ) لِمَا سَبَقَ ، وَالثَّانِيَةُ : تُجْزِئُهُ مَعَ عَدَمِ الْبَدَنَةِ ( و ش ) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ وَتُجْزِئُهُ أَيْضًا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَقِيلَ : لَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ النَّعَامَةَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً فِي غَيْرِ النَّذْرِ : لَا تُجْزِئُهُ عَنْهَا إلَّا لِعَدَمِهَا .
وَمَنْ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ أَجُزْأَهُ سَبْعُ شِيَاهٍ ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ مَعْدُولَةٌ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ ، وَهِيَ دَمٌ كَامِلٌ ، وَأَطْيَبُ لَحْمًا ، فَهِيَ أَعْلَى ، وَعَنْهُ : عِنْدَ عَدَمِهَا ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ ، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : إنْ عَلَيَّ بَدَنَةٌ وَأَنَا مُوسِرٌ لَهَا وَلَا أَجِدُهَا ، فَأَشْتَرِيهَا ؟ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَاعَ سَبْعَ شِيَاهٍ فَيَذْبَحَهُنَّ } عَطَاءٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قَالَ فُلَانٌ ، وَأُخْبِرْتُ ، جَاءَ بِمَنَاكِيرَ ، وَإِذْ قَالَ : أَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ ، فَحَسْبُك بِهِ .
وَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَشْرُ شِيَاهٍ ، رَوَاهُ حَنْبَلٌ ، لِقَوْلِ رَافِعٍ { : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُ فِي قَسْمِ الْغَنَائِمِ عَشْرًا مِنْ الشَّاءِ بِبَعِيرٍ } ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ مَاجَهْ ، قَالَ الْخَلَّالُ : الْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، يَعْنِي الْأَوَّلَ .

وَمِنْهَا لَوْ نَذَرَ هَدْيًا فَأَقَلُّ مَا يُجَزِّئُ شَاةٌ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ ، فَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً بَدَلَ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ النَّذْرَ تَنَاوَلَ هَذِهِ ، فَهِيَ كَإِحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ ، وَلَكِنَّ مَنْ يُعَلِّلُ بِجَوَازِ التَّرْكِ يُدْخِلُ هَذِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بِتَحْرِيرِهَا

وَمَنْ لَزِمَهُ سَبْعُ شِيَاهٍ أَجْزَأَتْهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ، لِإِجْزَائِهِمَا عَنْ سَبْعَةٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إلَّا فِي جَزَاءِ صَيْدٍ .
وَفِي الْمُغْنِي أَنَّهُ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ أَطْيَبُ ، وَالْبَقَرَةُ كَالْبَدَنَةِ فِي إجْزَاءِ سَبْعِ شِيَاهٍ عَنْهَا وَاَللَّهُ [ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ] أَعْلَمُ [ بِالصَّوَابِ ]

أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْمُحِلِّ ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ : وَعَلَى دَالٍّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ ، وَمَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا كَانَتْ حَرَامًا قَبْلَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ [ عَنْ مَكَّةَ كَانَتْ حَرَامًا وَلَمْ تَزَلْ ] ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ } وَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ نَحْوُهُ ، وَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ { وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ } وَفِيهِ : { لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا } وَفِيهِ : { وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ .
الْقَيْنُ : الْحِدَادُ وَلِلْأَثْرَمِ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ : { وَلَا يُحْتَشُّ حَشِيشُهَا } وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ أَيْ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا وَبَيَّنَهُ " وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إنَّمَا حُرِّمَتْ بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ الْجَزَاءُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ ، لِمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ مِنْهُمْ ؛ وَلِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ ، كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ ، وَالْحُرْمَتَانِ تَسَاوَتَا فِي الْمَنْعِ مِنْهُ ،

وَعَنْ دَاوُد : لَا يَضْمَنُهُ ، لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَضْمَنُهُ صَغِيرٌ وَكَافِرٌ ، وَلَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ فِيهِ .
وَلَهُ فِي إجْزَاءِ الْهَدْيِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَلَنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ ، فَدَخَلَهُ الصَّوْمُ ، كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ عَامَّةٌ ، فَضَمِنَهُ الصَّغِيرُ وَالْكَافِرُ كَغَيْرِهِمَا ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَلِأَنَّ ضَمَانَهُ كَالْمَالِ ، وَهُمَا يَضْمَنَانِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ : هُوَ آكَدُ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ مُؤَبَّدَةٌ فَلَزِمَ الْجَزَاءُ ، بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَحُكْمُ صَيْدِهِ حُكْمُ صَيْدِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ، حَتَّى فِي تَمَلُّكِهِ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ جَزَاءَانِ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ وَإِنْ دَلَّ مُحِلٌّ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَاهُ بِجَزَاءٍ وَاحِدٍ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : الْجَزَاءُ عَلَى الْمَدْلُولِ وَحْدَهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ ، كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ ، فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ ، لَنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْجَزَاءِ ، فَضَمِنَ بِالدَّلَالَةِ ، كَصَيْدِ الْمُحْرِمِ ، وَلَا يَلْزَمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ كَصَيْدِ الْحَرَمِ ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ طَرْدُهُ صَيْدَ الْمَدِينَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا حُرْمَةٌ تُوجِبُ رَفَعَ يَدِهِ عَنْ الصَّيْدِ كَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ ، فَلَا يَلْزَمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ : لَا جَزَاءَ عَلَى دَالٍّ فِي حِلٍّ بَلْ عَلَى الْمَدْلُولِ وَحْدَهُ ، كَحَلَالٍ دَلَّ مُحْرِمًا ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ ، وَالْأَوَّلُ نَصُّ أَحْمَدَ

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلٌ عَنْ الْمَحَلِّ لَا جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ ، وَالْمَحَلُّ مُتَّحِدٌ ، كَقَتْلِهِمَا رَجُلًا خَطَأً ، الدِّيَةُ وَاحِدَةٌ ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَلَنَا مَا سَبَقَ ، وَمَا قَالُوهُ مَمْنُوعٌ

وَإِنْ قَتَلَ الْمُحِلُّ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ قَتَلَهُ عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ ضَمِنَهُ ( و ) لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي الْحِلِّ أَوْ [ فِي ] الْحَرَمِ ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْصُومٌ بِالْحَرَمِ كَالْمُلْتَجِئِ ، وَعَنْهُ : لَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ

وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِي الْحِلِّ فَتَلِفَ فَرْخُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَا يَضْمَنُ الْأُمَّ ، وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَقْتُلَ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ ، أَوْ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ ، أَوْ يُمْسِكَ طَائِرًا فِي الْحَرَمِ فَيَتْلَفَ فَرْخُهُ فِي الْحِلِّ ، لَا يَضْمَنُ ( و ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ، وَلَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا الْمُحْرِمِ وَعَنْهُ : يَضْمَنُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا ، اعْتِبَارًا بِالْقَاتِلِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الطَّائِرِ عَلَى الْغُصْنِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ ضَمَانُ الْفَرْخِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَإِنْ فَرَّخَ فِي مَكَان يُحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ عَنْهُ فَالْوَجْهَانِ

وَلَوْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُمَا فِي الْحَرَمِ حُرِّمَ تَغْلِيبًا ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ : لَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ ، وَلَوْ كَانَ رَأْسُهُ فَقَطْ فِيهِ فَخَرَّجَهُ الْقَاضِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ

وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ ، بَلْ دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ ، كَاسْتِرْسَالِهِ بِنَفْسِهِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَضْمَنُهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ ، كَسَهْمِهِ ( و ) وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو ثَوْرٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخَطَأِ كَالْعَمْدِ ، وَعَنْهُ : فِي كَلْبِهِ يَضْمَنُهُ بِقُرْبِ الْحَرَمِ بِتَفْرِيطِهِ وَإِلَّا فَلَا ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ عَقِيلٍ ( و م ) فَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ صَيْدًا غَيْرَهُ ( و ) وَعَنْهُ : بَلَى ، لِتَفْرِيطِهِ ، وَإِنْ قَتَلَ السَّهْمُ صَيْدًا غَيْرَ الَّذِي قَصَدَهُ فَكَالْكَلْبِ ، وَقِيلَ : يَضْمَنُهُ الرَّامِي .
وَيَحْرُمُ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ، ضَمِنَهُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ فِي الْحَرَمِ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ .

أَوْ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ دَخَلَ سَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ الْحَرَمَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ( و ) قَالَ الْقَاضِي : كَعَدْوِهِ بِنَفْسِهِ فَيَدْخُلُ الْحَرَمَ ثُمَّ يَقْتُلُهُ فِي الْحِلِّ

وَلَوْ جَرَحَ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِيهِ فَمَاتَ فِي حَرَمٍ حَلَّ وَلَمْ يَضْمَنْ ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ فَمَاتَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يُكْرَهُ ، لِمَوْتِهِ فِي الْحَرَمِ ، كَذَا قَالَ بَابُ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبَاتِهِمَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

يَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ ( ع ) وَنَبَاتِهِ حَتَّى الشَّوْكِ وَالْوَرَقِ إلَّا الْيَابِسَ ؛ لِأَنَّهُ كَمَيِّتٍ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ .
وَمَا انْكَسَرَ وَلَمْ يَبِنْ كَظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ ، وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا زَالَ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْقَطْعِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَحْرُمُ عُودٌ وَوَرَقٌ زَالَا مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ زَالَتْ هِيَ ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ ، وَلَا يَحْرُمُ الْإِذْخِرُ وَالْكَمْأَةُ وَالثَّمَرَةُ وَمَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ مِنْ بَقْلٍ وَرَيَاحِينَ وَزَرْعٍ ( ع ) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا يَحْرُمُ مَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ مِنْ شَجَرٍ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَابْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرِّيحَانِ وَالْبُقُولِ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ [ مَا ] زَرَعْتَهُ أَنْتَ فَلَا بَأْسَ ، وَمَا نَبَتَ فَلَا ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَظَاهِرُهُ لَهُ أَخْذُ جَمِيعِ مَا يَزْرَعُهُ ، وَجَزَمَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ ، كَزَرْعٍ وَعَوْسَجٍ ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكُ الْأَصْلِ كَالْأَنْعَامِ ، وَجَزَمَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ بِالْجَزَاءِ فِيهِ ( و ش ) لِلنَّهْيِ عَنْ قَطْعِ شَجَرِهَا ، وَكَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ ، وَأُجِيبَ : النَّهْيُ عَنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهُوَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ ، وَهَذَا مُضَافٌ إلَى مَالِكِهِ فَلَا يَعُمُّهُ الْخَبَرُ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ كَالزَّرْعِ ، وَعَنْ الْقَاضِي : إنْ أَنْبَتَهُ فِي الْحَرَمِ أَوَّلًا فَفِيهِ الْجَزَاءُ ، وَإِنْ أَنْبَتَهُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ غَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا وَاخْتَارَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ جِنْسِ شَجَرِهِمْ لَا يَحْرُمُ ، كَجَوْزٍ وَنَخْلٍ ، قِيَاسًا عَلَى مَا أَنْبَتُوهُ مِنْ الزَّرْعِ وَحَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ ، فَإِنَّا إنَّمَا أَخْرَجْنَا مِنْ الصَّيْدِ مَا كَانَ أَصْلُهُ إنْسِيًّا دُونَ مَا تَأَنَّسَ مِنْ الْوَحْشِيِّ ، كَذَا هُنَا ، كَذَا قَالَ ، وَهُوَ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الزَّرْعِ ، وَلَمْ

يَجْعَلُوا الشَّجَرَ كَالصَّيْدِ ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِشَجَرَةٍ كَالصَّيْدِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : يَجُوزُ قَطْعُ الشَّجَرِ إلَّا مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ ، كَالدَّوْحِ وَنَحْوِهِ لَنَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّهُ شَجَرٌ نَامٍ غَيْرُ مُؤْذٍ ، نَبَتَ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ ، لَمْ يُنْبِتْهُ آدَمِيٌّ ، كَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ ، وَمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَشَوْكٍ وَعَوْسَجٍ يَحْرُمُ قَطْعُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ ، لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : لَا يَحْرُمُ ، ( م 1 ) ( و ش ) لِأَنَّهُ مُؤْذٍ بِطَبْعِهِ كَالسِّبَاعِ
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَشَوْكٍ وَعَوْسَجٍ يَحْرُمُ قَطْعُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ ، لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : لَا يَحْرُمُ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَحْرُمُ قَتْلُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَشَجَرُ الْحَرَمِ وَنَبَاتُهُ يَحْرُمُ إلَّا الْيَابِسَ وَالْإِذْخِرَ وَمَا زَرَعَهُ الْإِنْسَانُ أَوْ غَرَسَهُ ، فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ ( قُلْتُ ) : ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ " وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ " أَيْ لَا يُقْطَعُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لَا يَحْرُمُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ( قُلْت ) : وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ

وَفِي جَوَازِ رَعْي حَشِيشِهِ وَجْهَانِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَجَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ ، وَجَزَمَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ بِالْمَنْعِ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمَا ( م 2 ) وَأَخَذَهُ الْقَاضِي مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ لِلْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا } فَقَالَ : " لَا يُحْتَشُّ مِنْ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ : فَقِيلَ لَهُ : تَأْخُذُ الْمِقْرَعَةُ مِنْ الشَّجَرَةِ ؟ فَقَالَ : مَا كَانَ يَابِسًا ؛ فَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْبَنَّا : أُومِئَ إلَيْهِ ( و هـ م ) لِأَنَّ مَا حَرُمَ إتْلَافُهُ بِنَفْسِهِ حَرُمَ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِ مَا يُتْلِفُهُ ، كَالصَّيْدِ ، وَعَكْسُهُ الْإِذْخِرُ ، وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ ] ( و ش ) وَأَبُو يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تَدْخُلُ الْحَرَمَ فَتَكْثُرُ فِيهِ فَلَمْ يُنْقَلْ شَدُّ أَفْوَاهِهَا ، وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِ كَالْإِذْخِرِ ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ ، وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ : لَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَشَّ الْمُحْرِمُ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ .
وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْخِلَافَ إنْ أَدْخَلَ بَهَائِمَهُ لِرَعْيِهِ وَإِنْ أَدْخَلَهَا لِحَاجَةٍ لَمْ يَضْمَنْهُ ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَ كَلْبَهُ فَأَخَذَ صَيْدًا لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ وَأَغْرَاهُ ضَمِنَهُ ، كَذَا الْحَشِيشُ ، قَالَ : وَلِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقَطْعِهِ ، كَذَا بِرَعْيِهِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : إنْ احْتَشَّهُ لَهَا فَكَرَعْيِهِ .

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَفِي جَوَازِ رَعْيِ حَشِيشِهِ وَجْهَانِ ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَجَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ ، وَجَزَمَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ بِالْمَنْعِ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) : عَدَمُ الْجَوَازِ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمَا ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَغَيْرُهُمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) الْجَوَازُ ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ( قُلْتُ ) : وَهُوَ الصَّوَابُ

وَيَضْمَنُ شَجَرَ الْحَرَمِ وَحَشِيشَهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ ش ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، كَالصَّيْدِ ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِقَطْعِ شَجَرٍ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّوَافِ وَفَدَى قَالَ الرَّاوِي وَذَكَرَ الْبَقَرَ رَوَاهُ حَنْبَلٌ فِي الْمَنَاسِكِ : وَيَضْمَنُ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَدَنَةٍ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَعَنْهُ : بِبَقَرَةٍ ، كَالْمُتَوَسِّطَةِ ، وَالْغُصْنَ بِمَا نَقَصَ كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ ، وَالنَّبَاتَ وَالْوَرَقَ بِقِيمَتِهِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ( و ش ) وَقِيلَ : فِي الْغُصْنِ قِيمَتُهُ ، وَقِيلَ : نَقْصُ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ .
وَجَزَمَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ فِي الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَالصَّغِيرَةِ شَاةٌ ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَكَالصَّيْدِ يُضْمَنُ بِمُقَدَّرٍ ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِقِيمَتِهِ ( و هـ ) ( م 3 ) وَعَنْهُ أَيْضًا : فِي الْغُصْنِ الْكَبِيرِ شَاةٌ ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَهُ ثُمَّ صَامَ ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : مَنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَ الْجَزَاءَ طَعَامًا كَالصَّيْدِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ فِيهِ ، كَالصَّيْدِ عِنْدَهُ ، وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ بِاسْتِخْلَافِهِ ، فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ ، كَنَبَاتِ شَعْرِ آدَمِيٍّ قَطَعَهُ ، وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ، كَحَلْقِ الْمُحْرِمِ شَعْرًا فَعَادَ ،

( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَيَضْمَنُ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَدَنَةٍ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَعَنْهُ : بِبَقَرَةٍ وَجَزَمَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ فِي الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ ، وَالصَّغِيرَةِ شَاةٌ ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَنْهُ : يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِقِيمَتِهِ ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) : تُضْمَنُ بِبَقَرَةٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ أَيْضًا .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) تُضْمَنُ بِبَدَنَةٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ .
( تَنْبِيهٌ ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ : " وَعَنْهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِقِيمَتِهِ " أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَاخِلَةٌ فِي الْخِلَافِ الَّذِي أَطْلَقَهُ ، وَهِيَ لَا تُقَاوِمُ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا ، فَفِي إدْخَالِهَا فِي الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْطُوعِ نَصَّ عَلَيْهِ ، كَالصَّيْدِ ، وَقِيلَ : يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ قَاطِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ ، كَقَلْعِ الرِّيحِ لَهُ ، وَذَكَاةُ الصَّيْدِ يُعْتَبَرُ لَهَا الْأَهْلِيَّةُ ، بِخِلَافِ هَذَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : يَمْلِكُهُ بِصَدَقَتِهِ بِقِيمَتِهِ ، كَحُقُوقِ الْعِبَادِ ، وَلَهُ بَيْعُهُ ، وَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَوَافَقُوا عَلَى الصَّيْدِ

وَمَنْ غَرَسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي الْحِلِّ رَدَّهُ لِإِزَالَتِهِ حُرْمَتَهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ يَبِسَ ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ ، وَلَوْ قَلَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْحِلِّ فَقَدْ أَتْلَفَهُ ، فَيَضْمَنُهُ وَحْدَهُ ، لِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ نَفَّرَ صَيْدًا فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ لَا قَاتِلُهُ ، لِتَفْوِيتِهِ حُرْمَتَهُ بِإِخْرَاجِهِ ، وَيَحْتَمِلُ فِيمَنْ قَلَعَهُ كَدَالٍّ مَعَ قَاتِلٍ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رُدَّ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ ، فَإِنْ فَدَاهُ ثُمَّ وَلَدَ لَمْ يَضْمَنْ وَلَدَهُ ، وَإِنْ وَلَدَ قَبْلَهُ فَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : لَا يَضْمَنُهُ ، وَيَحْتَمِلُ : أَنْ يَضْمَنَهُ ( و هـ ) لِبَقَاءِ أَمْنِ الصَّيْدِ ، وَلِهَذَا يَلْزَمُ رَدُّهُ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ( م 4 )
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ فِدَاهُ ثُمَّ وَلَدَ لَمْ يَضْمَنْ وَلَدَهُ ، وَإِنْ وَلَدَ قَبْلَهُ فَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : لَا يَضْمَنُهُ ، وَيَحْتَمِلُ : أَنْ يَضْمَنَهُ ، لِبَقَاءِ أَمْنِ الصَّيْدِ ، وَلِهَذَا يَلْزَمُ رَدُّهُ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَضْمَنُهُ ( قُلْتُ ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي ) لَا يَضْمَنُهُ .

وَمَنْ قَطَعَ غُصْنًا أَصْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ ( و ش ) لِأَنَّهُ لِأَصْلِهِ ، وَفِي عَكْسِهِ وَجْهَانِ .
لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ ، أَوْ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ ( م 5 ) .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ قَطَعَ غُصْنًا أَصْلَهُ أَوْ بَعْضَهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ .
وَفِي عَكْسِهِ وَجْهَانِ ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ ؛ أَوْ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَضْمَنُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَضْمَنُهُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] لَا يُخْرِجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَلَا يُدْخِلُ مِنْ الْحِلِّ ، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَلَا يُخْرِجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى كَرَاهَةِ إخْرَاجِهِ ، وَجَزَمَ فِي مَكَان آخَرَ بِكَرَاهَتِهِمَا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ ، وَفِي إدْخَالِهِ إلَى الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ .
وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَجُوزُ فِي تُرَابِ الْحِلِّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ ، لِكَرَاهَةِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِيهَا أَيْضًا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ ، كَتُرَابِ الْحَرَمِ .
قَالَ : وَنَحْنُ لِأَخْذِ تُرَابِ الْقُبُورِ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ النَّبْشِ أَكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَعَلَهُ ، كَذَا قَالَ ، وَالْأَوْلَى أَنَّ تُرَابَ الْمَسْجِدِ أَكْرَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : يَحْرُمُ وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يُكْرَهُ لِلتَّبَرُّكِ وَغَيْرِهِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ : يَحْرُمُ ، وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ : أَنَّ أَحْمَدَ كَرِهَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَرِهَ النَّاسُ إخْرَاجَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ ، فَكَذَا هُنَا ، كَذَا قَالَ : وَأَحْمَدُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى مَا قَالَ بَلْ عَلَى مَا سَبَقَ ، وَلَعَلَّهُ بِدْعَةٌ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا تُرَابُ الْمَسْجِدِ فَانْتِفَاعٌ بِالْمَوْقِفِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ : فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِطِيبِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَيَلْزَقُ عَلَيْهَا طِيبًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ ، وَذَكَرَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ فِي طِينِ الْحَرَمِ ، مِنْهُمْ الْمُسْتَوْعِبُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : فَإِنْ أَلْصَقَهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِلتَّبَرُّكِ جَازَ إخْرَاجُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَسَبَقَ حُكْمُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيَّةُ لَهُ ، ثُمَّ لَوْ جَازَ لَمْ يَلْزَمْ مِثْلُهُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ جِدًّا لَا أَثَرَ

لَهُ ، وَقَدْ سَبَقَ .
وَلَا يُكْرَهُ وَضْعُ حَصًى فِي الْمَسْجِدِ ، كَمَا فِي مَسْجِدِهِ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَعْدَهُ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي الِاسْتِشْفَاءِ بِالطِّيبِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِشْفَاءِ بِمَا يُوضَعُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ مِنْ شَمْعٍ وَنَحْوِهِ ، قِيَاسًا عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ ، وَلِتَبَرُّكِ الصَّحَابَةِ بِفَضَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَذَا قَالَ .
وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرَى فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِشْفَاءِ بِالطِّيبِ وَنَحْوِهِ نَظَرًا ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمَاءِ زَمْزَمَ وَلَا كَفَضَلَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

وَلَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ مَاءِ زَمْزَمَ قَالَ أَحْمَدُ : أَخْرَجَهُ كَعْبٌ ، لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ الشَّيْخُ : وَلِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ كَالثَّمَرَةِ ، وَعَنْ عَائِشَةَ { أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ خَلَّادِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ .
فَذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذَا { عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فِي الْقَوَارِيرِ وَقَالَتْ : حَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَدَاوَى وَالْقِرَبِ فَكَانَ يَصُبُّ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ ثُمَّ قَالَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ } ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ : رُبَّمَا أَخْطَأَ .

حَدُّ الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا ، وَمِنْ الْيَمَنِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ أَضَاءَةِ لِبْنٍ وَمِنْ الْعِرَاقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عَلَى ثَنِيَّةِ زُحَلٍ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْمُنْقَطَعِ .
وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ فِي شِعْبٍ يُنْسَبُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ ، وَمِنْ جُدَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ مُنْقَطَعِ الْأَعْشَاشِ .
وَمِنْ الطَّائِفِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ طَرَفِ عَرَفَةَ ، وَمِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَقِيلَ عِنْدَ إضَاءَةِ لِبْنٍ ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ

تَوَاتَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْمِيَةُ بَلَدِهِ بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ قَوْمٌ : سُمِّيَتْ مَدِينَةً ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الدِّينِ ، وَالدِّينُ الطَّاعَةُ ، وَيُقَامُ بِهَا طَاعَةٌ وَإِلَيْهَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : لِأَنَّهَا دِينَ أَهْلُهَا أَيْ مُلِكُوا .
يُقَالُ : دَانَ فُلَانٌ بَنِي فُلَانٍ أَيْ مَلَكَهُمْ ، وَفُلَانٌ فِي دِينِ فُلَانٍ : فِي طَاعَتِهِ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ طَابَةُ } .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ اللَّهَ سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ } وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا { إنَّهَا طَيْبَةُ يَعْنِي الْمَدِينَةَ وَإِنَّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا طَهُرَتْ مِنْ الشِّرْكِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ خَبَرَ جَابِرٍ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ قَالَ : كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَالْمَدِينَةُ .
وَذَكَرَهُ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أُمِرْت بَقَرِيَّةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى ، يَقُولُونَ : يَثْرِبُ ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُسَمَّى بِيَثْرِبَ .
وَهَلْ يُكْرَهُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ ( م 6 ) لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا { مَنْ سَمَّى الْمَدِينَةَ بِيَثْرِبَ فَلِيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ ، هِيَ طَابَةُ ، هِيَ طَابَةُ } فِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ سَبَقَ أَوَّلَ الْمَوَاقِيتِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : كُرِهَ ذِكْرُ الثَّرْبِ ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : يَثْرِبُ اسْمُ أَرْضٍ ، وَمَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا ، قَالَ الْفَرَّاءُ : نَصْلٌ يَثْرِبِيٌّ وَأَثْرِبِيٌّ ، مَنْسُوبٌ إلَى يَثْرِبَ ، وَإِنَّمَا فَتَحُوا الرَّاءَ اسْتِيحَاشًا لِتَوَالِي الْكَسَرَاتِ

( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ بَعْدَ الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَسْمِيَةِ الْمَدِينَةِ : فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُسَمَّى يَثْرِبَ ، وَهَلْ يُكْرَهُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ .
لِحَدِيثٍ ذَكَرَهُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
قَالَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ : فَهِمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهِيَةَ تَسْمِيَةِ الْمَدِينَةِ يَثْرِبَ ، وَقَالُوا : مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : الصَّوَابُ الْكَرَاهَةُ .
لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .

وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةٍ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا ، لِخَبَرِ عَلِيٍّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إلَى كَذَا } وَفِي لَفْظٍ [ آخَرَ ] { حَرَمٌ مِنْ عِيرٍ إلَى كَذَا } رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ .
وَلِمُسْلِمٍ .
{ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلَى ثَوْرٍ } .
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا ، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَلَفْظُهُ { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وَلَهُمَا عَنْهُ مَرْفُوعًا { اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ { : وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى } وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا ، وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَدَعَوْت فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَعَنْ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهَهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ، وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا : { تَحْرِيمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا } ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا : { تَحْرِيمُ مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا ، أَلَّا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ ، وَلَا يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلَفٍ } .
وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا { إنِّي حَرَّمْت مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَكَانَ أَبُو

سَعِيدٍ يَجِدُ أَحَدَنَا فِي يَدِهِ الطَّيْرَ فَيَفُكُّهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ } ، وَلَهُ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مَرْفُوعًا : { إنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ } .
وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا ، وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ ، وَلَا يُصْلَحُ أَنْ تُقْطَعَ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ { : حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ لَا يُخْبَطُ شَجَرُهُ وَلَا يُعْضَدُ ، إلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ } .
فِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كِنَانَةَ ، رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ .
وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلَامًا ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي تَحْرِيمِهَا أَخْبَارٌ سِوَى ذَلِكَ [ ثُمَّ ] قَالُوا : لَمْ يُبَيِّنْهُ بَيَانًا عَامًّا ، رُدَّ لَا يُعْتَبَرُ .
ثُمَّ بُيِّنَ وَنُقِلَ عَامًّا أَوْ نُقِلَ خَاصًّا ، كَحَجَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَرَجْمِهِ لِمَاعِزٍ ، وَصِفَةِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ .
قَالُوا { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قُلْنَا : مِمَّا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ .
ثُمَّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ ، كَغَيْرِ مَكَّةَ ، قَالَ الْقَاضِي : تَحْرِيمُ صَيْدِ الْمَدِينَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا : يَصِحُّ ، فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي زَوَالِ مِلْكِ الصَّيْدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الصِّحَّةِ احْتِمَالَيْنِ ( م 7 ) وَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ شَجَرِهَا وَحَشِيشِهَا لِحَاجَةِ الْمُسَانَدِ وَالْحَرْثِ وَالرَّحْلِ وَالْعَلَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لِمَا سَبَقَ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ بِقُرْبِهَا ، فَالْمَنْعُ مِنْهُ ضَرَرٌ ، بِخِلَافِ مَكَّةَ .
وَمَنْ أَدْخَلَهَا صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ أَنَسٍ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ : أَحْسَبُهُ قَالَ كَانَ فَطِيمًا وَكَانَ إذَا

جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَيْرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : حُكْمُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا سَبَقَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَلَا جَزَاءَ فِيمَا حُرِّمَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَكَمُوا فِيهِ بِجَزَاءٍ ، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( و هـ م ش ) وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ بِلَا إحْرَامٍ ، أَوَ لَا يَصْلُحُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ أَوْ لَذَبَحَ الْهَدَايَا كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الضَّمَانُ ، وَلَا مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ وَحَنْبَلٌ : فِيهِ الْجَزَاءُ ، سَلَبُهُ لِمَنْ وَجَدَهُ ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ لِمَا سَبَقَ مِنْ تَحْرِيمِهَا كَمَكَّةَ وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ { أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ ، فَسَلَبَهُ ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ ، فَقَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ { : رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَخَذَ رَجُلًا يَصِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَسَلَبَهُ ثِيَابَهُ ، فَجَاءَ مَوَالِيهِ فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ هَذَا الْحَرَمَ وَقَالَ مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَصِيدُ فِيهِ شَيْئًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَلَا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا ، وَلَكِنْ إنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ ثَمَنَهُ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ { مَنْ أَخَذَ أَحَدًا يَصِيدُ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ } قَالَ الْبُخَارِيُّ : سُلَيْمَانُ أَدْرَكَ الْمُهَاجِرِينَ ، سَمِعَهُ

يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَتَفَرَّدَ عَنْهُ يَعْلَى .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : لَيْسَ بِمَشْهُورٍ فَيُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِحُرْمَةِ ذَلِكَ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَالْإِحْرَامِ ، وَسَلَبُهُ : ثِيَابُهُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَالسَّرَاوِيلُ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ : وَزِينَةٌ ، كَمِنْطَقَةٍ وَسِوَارٍ وَخَاتَمٍ وَجُبَّةٍ قَالَ : وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْهُ آلَةَ الِاصْطِيَادِ ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْفِعْلِ الْمَحْظُورِ ، كَمَا قُلْنَا فِي سَلَبِ الْمَقْتُولِ ، قَالَ غَيْرُهُ : وَلَيْسَتْ الدَّابَّةُ مِنْهُ ، وَأَخَذَهَا قَاتِلُ الْكَافِرِ لِئَلَّا يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْحَرْبِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْلُبْهُ أَحَدٌ تَابَ فَقَطْ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ : فِيهِ الْجَزَاءُ ، وَهَلْ هُوَ مَا قُلْنَا أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ لِمَسَاكِينِ الْمَدِينَةِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : قَالَ الْقَاضِي : تَحْرِيمُ صَيْدِ الْمَدِينَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا تَصِحُّ فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي زَوَالِ [ مِلْكِ ] الصَّيْدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الصِّحَّةِ احْتِمَالَيْنِ ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : الصَّوَابُ صِحَّةُ التَّذْكِيَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْمَنْعُ .
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا : حُكْمُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا سَبَقَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَدْخَلَ صَيْدًا أَوْ أَخَذَ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ .

وَفِي صَيْدِ السَّمَكِ فِي الْحَرَمَيْنِ رِوَايَتَانِ ، وَقَدْ سَبَقَتَا ( م 8 ) .
وَحَرَمُهَا مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِمَا سَبَقَ وَاللَّابَةُ : الْحَرَّةُ ، وَهِيَ أَرْضٌ بِهَا حِجَارَةٌ سُودٌ
مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَفِي صَيْدِ السَّمَكِ فِي الْحَرَمَيْنِ رِوَايَتَانِ .
وَقَدْ سَبَقَتَا ، انْتَهَى .
( قُلْتُ ) : إنَّمَا سَبَقَ ذِكْرُ حَرَمِ مَكَّةَ .
فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ وَذَكَرَ الْجَوَازَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ .
قَالَ : وَفِي حِلِّهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا صَيْدُ السَّمَكِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ إذَا كَانَ مَثَلًا فِي بِرْكَةٍ أَوْ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ ، أَوْ نَقُولُ : دَخَلَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ فِي قَوْلِهِ الْحَرَمُ .
وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ هُنَا : " وَقَدْ سَبَقَتَا " وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ الْحُكْمُ وَاحِدٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ ، وَأَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْجِوَارِ بِمَكَّةَ فَقَالَ : كَيْفَ لَنَا بِهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ ، وَإِنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَيَّ } ( و هـ ش ) وَعَنْهُ : الْمَدِينَةُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ .
قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَسُئِلَ عَنْ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ أَحَبُّ إلَيْك أَمْ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ : بِالْمَدِينَةِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهَا مُهَاجَرُ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْمُقَامَ فِيهَا ( و م ) .
لَنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّهُ { سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَأَرْسَلَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُ كَمَا سَبَقَ وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَاخْتُلِفَ عَنْ يُونُسَ وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلًا ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ أَصَحُّ ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ { وَهِيَ أَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ

إلَيَّ } فَرَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ : حَدَّثَنِي يُونُسُ وَابْنُ سَمْعَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْحَمْرَاءِ السَّابِقِ ، وَلَا أَحْسَبُهُمَا يَصِحَّانِ ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { مَا أَطْيَبَك مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّك إلَيَّ ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْك مَا سَكَنْت غَيْرَك } وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ بِمُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَكْثَرَ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ نَصٌّ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا أَفْضَلُ وَلِمَا سَبَقَ ، قَالُوا عَنْ رَافِعٍ مَرْفُوعًا { الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ } رُدَّ : لَا يُعْرَفُ ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى وَقْتِ كَوْنِ مَكَّةَ دَارَ حَرْبٍ ، أَوْ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهَا وَالشَّرْعُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ، وَكَذَا لَا يُعْرَفُ { اللَّهُمَّ إنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَيْك } وَقَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ بَعْدَ مَكَّةَ ، وَلِمَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَرْفُوعًا : { مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } وَلَهُ وَلِلْبُخَارِيِّ ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ : اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِك ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِك .
وَالْجَوَابُ لِأَنَّهُمَا هَاجَرَا مِنْ مَكَّةَ فَأَحَبَّا الْمَوْتَ فِي أَفْضَلِ الْبِقَاعِ بَعْدَهَا ، وَلِهَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مَنَايَانَا بِهَا حَتَّى تُخْرِجَنَا مِنْهَا } وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ تَدُلُّ عَلَى فَضْلِهَا لَا فَضِيلَتِهَا عَلَى مَكَّةَ وَبِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُلِقَ مِنْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْبَشَرِ ، وَتُرْبَتُهُ خَيْرُ التُّرَبِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ فَضْلَ الْخِلْقَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التُّرْبَةِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَفْضَلُ

مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ تُرْبَتَهُ أَفْضَلُ ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ التُّرْبَةَ أَفْضَلُ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ : الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ ، فَأَمَّا ، وَهُوَ فِيهَا فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ وَالْجَنَّةُ ؛ لِأَنَّ بِالْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ .
فَدَلَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ [ تَعَالَى ] أَنَّ التُّرْبَةَ عَلَى الْخِلَافِ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا فَضَّلَ التُّرْبَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ غَيْرَ الْقَاضِي عِيَاضٍ ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ ، وَلَا وَافَقَهُ أَحَدٌ .
وَفِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ الْخِلَافُ فِي الْمُجَاوَرَةِ فَقَطْ ، وَجَزَمُوا بِأَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَقَالَ : الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَانٍ يَكْثُرُ فِيهِ إيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ أَفْضَلُ حَيْثُ كَانَ ، وَمَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ ، وَأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ ، وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ : الْمُقَامُ بِالْمَدِينَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مُهَاجَرُ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ وَفِيهِنَّ " أَوْ شَهِيدًا " وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ { وَلَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ ، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ،

وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الْمَدِينَةُ حَرَمٌ ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ ، وَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ ، وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِهِ الْمَنْعُ .
لَنَا مَا سَبَقَ ، قَالُوا : يُفْضِي إلَى الْمَلَلِ وَلَا يَأْمَنُ الْمَحْظُورَ فَيَتَضَاعَفُ الْعَذَابُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَى أَهْلِهِ .
وَأَبْطَلَ الْقَاضِي الْمَلَلَ بِمَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالنَّظَرَ إلَى قَبْرِهِ وَوَجْهِهِ فِي حَيَاتِهِ وَوُجُوهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ أَدَّى إلَى الْمَلَلِ ، وَيُقَابِلُ مُضَاعَفَةَ الْعَذَابِ مُضَاعَفَةُ الثَّوَابِ ، عَلَى أَنَا نَمْنَعُ مَنْ عَلِمَ وُقُوعَ الْمَحْظُورِ ، وَلَا يُفْضِي إلَى الضِّيقِ ، كَذَا قَالَ ، وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ ، وَلِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا الْمُجَاوَرَةُ بِهَا ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ : كَيْفَ لَنَا بِالْجِوَارِ بِمَكَّةَ ؟ وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يُقِيمُ بِهَا .
وَمَنْ كَانَ بِالْيَمَنِ وَجَمِيعِ الْبِلَادِ لَيْسَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَخْرُجُ وَيُهَاجِرُ ، أَيْ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ الْجِوَارَ بِمَكَّةَ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَكَاهُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ ، وَيَحْتَمِلُ الْقَوْلَ بِهِ ، فَيَكُونُ فِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَتُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ فَاضِلٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَشَيْخُنَا وَابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ : سُئِلَ أَحْمَدُ : هَلْ تُكْتَبُ السَّيِّئَةُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا بِمَكَّةَ ، لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَنَ وَهَمَّ أَنْ يَقْتُلَ عِنْدَ الْبَيْتِ أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ .
وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّيِّئَاتِ .
وَسَبَقَ فِي آخَرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ

.

لَا يَحْرُمُ صَيْدُ وَجٍّ وَشَجَرُهُ ، وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ ( ش ) وَلَهُ فِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إنْسَانٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا { أَنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَمٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ الطَّائِفَ وَحِصَارِهِ ثَقِيفًا } صَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ .
لَنَا لَا دَلِيلَ ، [ وَالْأَصْلُ ] الْإِبَاحَةُ مَعَ ظَاهِرِ مَا سَبَقَ ، وَالْخَبَرُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي مُحَمَّدٍ : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَفِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ، وَتَفَرَّدَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ ؛ فَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ : لَا يُعْرَفُ ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْأَزْدِيُّ : لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ ، وَقَالَ الْقَاضِي : يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءَ ، نَهَارًا ، وَقِيلَ : وَلَيْلًا وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ السُّرَّاقِ .
وَخُرُوجُهُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى كُدًى ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ .
وَفِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ : لِيَقُلْ حِينِ دُخُولِهِ : بِسْمِ اللَّهِ ، وَبِاَللَّهِ ، وَمِنْ اللَّهِ ، وَإِلَى اللَّهِ ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك .
فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَدَعَا .
وَمِنْهُ : اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا .
وَزِدْ مِنْ [ عِظَمِهِ وَ ] شَرَفِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا ، وَاَللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْك السَّلَامُ ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ .
وَقِيلَ : يَجْهَرُ بِهِ .
وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ : وَيُكَبِّرُ ، وَقِيلَ : وَيُهَلِّلُ { وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ .
وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ } .
ثُمَّ يُضْطَبَعُ بِرِدَائِهِ فِي طَوَافِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ : فِي رَمْلِهِ ، وَقَالَهُ الْأَثْرَمُ : يَجْعَلُ وَسَطَهُ تَحْتَ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ فَوْقَ الْأَيْسَرِ .

وَيَطُوفُ الْمُتَمَتِّعُ لِلْعُمْرَةِ ، وَالْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ لِلْقُدُومِ ، وَهُوَ الْوُرُودُ .
وَفِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ نَرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ ، وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ .
وَكَذَا عَطَاءٌ .
وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقًا ، بِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِتَقْدِيمِ حَقِّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : لَا يَشْتَغِلُ بِدُعَاءٍ ، فَيُحَاذِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ أَوْ بَعْضَهُ وَهُوَ جِهَةُ الْمَشْرِقِ بِبَدَنِهِ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ : يُجْزِئُهُ بِبَعْضِهِ ، وَفِي الْمُجَرَّدِ احْتِمَالٌ : لَا يُجْزِئْهُ إلَّا بِكُلِّ بَدَنِهِ ، قَالَ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ : وَلْيَمُرَّ بِكُلِّ الْحَجَرِ بِكُلِّ بَدَنِهِ ، فَيَسْتَلِمْهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى [ وَيُقَبِّلْهُ ] نَقَلَ الْأَثْرَمُ : وَيَسْجُدْ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَاهُ .
وَإِنْ شَقَّ قَبَّلَ يَدَهُ .
نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا بَأْسَ .
وَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ ، قَالَهُ الْقَاضِي .
وَفِي الرَّوْضَةِ : هَلْ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا : وَإِلَّا اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ وَقَبَّلَهُ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : فِي تَقْبِيلِهِ الْخِلَافُ فِي الْيَدِ ، وَيُقَبِّلُهُ وَإِلَّا أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ .
وَلَا يُقَبِّلُهُ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يُزَاحِمُ فَيُؤْذِي أَحَدًا ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ شَيْخٍ مَجْهُولٍ عَنْ عُمَرَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ ، إنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ } وَفِي اسْتِقْبَالِهِ بِوَجْهِهِ

وَجْهَانِ ( م 1 ) وَعِنْدَ شَيْخِنَا هُوَ السُّنَّةُ ، وَفِي الْخِلَافِ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لَهُ فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا ، قَالَ جَمَاعَةٌ [ وَإِنْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ احْتَسَبَ مِنْ الْحَجَرِ ] وَيَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَإِيمَانًا بِك ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ ، فَيُقَرِّبُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ إلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : لِكَوْنِ الْحَرَكَةِ الدَّوْرِيَّةِ تَعْتَمِدُ فِيهَا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ، فَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَامُ فِي ذَلِكَ لِلْخَارِجِ جَعَلَ لِلْيُمْنَى ، فَأَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ يُسَمَّى الشَّامِيَّ وَالْعِرَاقِيَّ ، وَهُوَ جِهَةُ الشَّامِ ، ثُمَّ يَلِيه الرُّكْنُ الْغَرْبِيُّ وَالشَّامِيُّ ، وَهُوَ جِهَةُ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ الْيَمَانِيُّ جِهَةُ الْيَمَنِ .
ثُمَّ يَرْمُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْوَاطٍ ، وَلَا يَقْضِيهِ وَلَا بَعْضَهُ فِي غَيْرِهَا ، فَيُسْرِعُ الْمَشْيَ وَيُقَارِبُ الْخُطَا ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ وَالتَّأْخِيرِ لَهُ أَوْ لِلدُّنُوِّ أَوْلَى .
وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَنْتَظِرُ لِلرَّمَلِ ، كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لِتَعَذُّرِ التَّجَافِي فِي الصَّلَاةِ .
وَفِيهِ فِي فُصُولِ اللِّبَاسِ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ : الْعَدْوُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ مَكْرُوهٌ جِدًّا ، كَذَا قَالَ ، وَيَتَوَجَّهُ : تَرْكُ الْأَوْلَى ، ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعًا ، يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ، وَكَذَا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ يُقَبِّلُ يَدَهُ .
وَفِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِرْشَادِ : يُقَبِّلُهُ ، وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتِمَّا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ ، وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي رَمَلِهِ كَبَّرَ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : وَهَلَّلَ .
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ : وَقَالَ مَا تَقَدَّمَ ، وَبَيْنَ الرُّكْنَيْنِ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ

: آخِرُ طَوَافِهِ بَيْنَهُمَا { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } وَيُكْثِرُ فِي بَقِيَّةِ رَمَلِهِ وَطَوَافِهِ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ، وَمِنْهُ : رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ ، وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الْأَقْوَمَ .
وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي سَعْيِهِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ، وَأَنَّهُ يَقِفُ فِي كُلِّ طَوَافِهِ عِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَالْمِيزَابِ وَكُلِّ رُكْنٍ وَيَدْعُو ، وَلَهُ الْقِرَاءَةُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَتُسْتَحَبُّ .
وَقَالَهُ الْآجُرِّيُّ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك فِيهِ ؟ قَالَ : كُلٌّ ، وَعَنْهُ : تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ لِتَغْلِيطِهِ مُصَلِّينَ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : لَيْسَ لَهُ إذًا ، وَقَالَ شَيْخُنَا : تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ فِيهِ لَا الْجَهْرُ بِهَا .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ ، وَفِيهَا قِرَاءَةٌ وَدُعَاءٌ ، فَيَجِبُ كَوْنُهُ مِثْلَهَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : وَجِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ [ جِنْسِ ] الطَّوَافِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِالتَّزَاحُمِ فِيهِ ، وَلَا يُعْجِبُنِي التَّخَطِّي .
وَلَا يُسَنُّ رَمَلٌ وَاضْطِبَاعٌ لِامْرَأَةٍ أَوْ مُحْرِمٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ حَامِلِ مَعْذُورٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ : يَرْمُلُ بِالْمَحْمُولِ ، وَقِيلَ : مَنْ تَرَكَهُمَا فِيهِ أَوْ لَمْ يَسْعَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَتَى بِهِمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي مَنْسَكِهِ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَنَفَاهُمَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ ، وَيُجْزِئُ الطَّوَافُ رَاكِبًا لِعُذْرٍ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : وَلِغَيْرِهِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ ، وَعَنْهُ : مَعَ دَمٍ ، وَكَذَا الْمَحْمُولُ مَعَ نِيَّتِهِ .
وَصِحَّةُ أَخْذِ الْحَامِلِ مِنْهُ الْأُجْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهَا عَمَّا يَفْعَلُهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَيَأْتِي فِي الْحَلْقِ : لَا يُشَارِطُهُ

عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ ، وَقِيلَ : مَعَ نِيَّتِهِمَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَكَذَا السَّعْيُ رَاكِبًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يُجْزِئُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا طَافَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَاكِبًا لِيَرَاهُ النَّاسُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : فَيَجِيءُ مِنْ هَذَا [ أَنَّهُ ] لَا بَأْسَ بِهِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِيَرَى الْجُهَّالَ .
وَإِنْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ أَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ الْأَقَلَّ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ نَصَّ عَلَى الْكُلِّ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ أَوْ وَرَاءَ حَائِلٍ وَقِيلَ : وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ .
جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَكَذَا طَوَافُهُ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ عِنْدَ شَيْخِنَا : لَيْسَ هُوَ مِنْهُ بَلْ جُعِلَ عِمَادًا لِلْبَيْتِ وَفِي الْفُصُولِ : إنْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ ، وَلَمْ يَزِدْ .
وَإِنْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ كَصَلَاتِهِ إلَيْهَا .
بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَفِي اسْتِقْبَالِهِ بِوَجْهِهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
( أَحَدُهُمَا ) يُسْتَحَبُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : هُوَ السُّنَّةُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَإِنَّهُمَا قَالَا : فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ قَامَ بِحِذَائِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ ، لَكِنَّ هَذِهِ صُورَةٌ مَخْصُوصَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُسْتَحَبُّ .

وَإِنْ قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ .
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً .
وَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ ( م 2 و 3 ) وَفِي الِانْتِصَارِ فِي الضَّرُورَةِ : أَفْعَالُ الْحَجِّ لَا تَتْبَعُ إحْرَامَهُ فَتَتَرَاخَى عَنْهُ ، وَتَنْفَرِدُ بِمَكَانٍ وَزَمَنٍ وَنِيَّةٍ ، فَلَوْ مَرَّ بِعَرَفَةَ أَوْ عَدَا حَوْلَ الْبَيْتِ بِنِيَّةِ طَلَبِ غَرِيمٍ أَوْ صَيْدٍ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ فِي الْوُقُوفِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ ، وَقِيلَ لَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ النِّيَّةِ : الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ ؟ فَقَالَ : لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَوْ عَدَا خَلْفَ غَرِيمِهِ أَوْ رَجَمَ إنْسَانًا بِالْحَصَى وَهُوَ عَلَى الْجَمْرَةِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْتُوتَةِ بِمُزْدَلِفَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ فِي حَجِّهِ ، وَلَكِنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ تَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِهِ ، كَمَا تَشْتَمِلُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى جَمِيعِ أَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا ، وَهَذِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ، وَقَدْ شَمَلَتْهَا نِيَّةُ الْحَجِّ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَدَلِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْهَدْيُ فَإِنَّهُ لَمْ تَشْمَلْهُ نِيَّةُ الْحَجِّ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ تَشْمَلُ أَفْعَالَهُ لَا الْبَدَلَ وَهُوَ الْهَدْيُ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي مَسْأَلَةِ النِّيَّةِ أَنَّ الْحَجَّ كَالْعِبَادَاتِ ، لِتَعَلُّقِهِ بِأَمَاكِنَ وَأَزْمَانٍ ، فَيَفْتَقِرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى نِيَّةٍ وَتُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ مِنْ حَدَثٍ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي إبَاحَةِ النُّطْقِ ، وَعَنْهُ : يَجْبُرُهُ بِدَمٍ .
وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ مِنْ نَاسٍ وَمَعْذُورٍ فَقَطْ ، وَعَنْهُ : وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ ، وَعَنْهُ : وَكَذَا حَائِضٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ ،

وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَأَنَّهُ لَا دَمَ لِعُذْرٍ ، وَقَالَ : هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ لَهَا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : وَالتَّطَوُّعُ أَيْسَرُ ، وَإِنْ طَافَ فِيمَا لَا يَجُوزُ [ لَهُ ] لُبْسُهُ صَحَّ وَفَدَى ، ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ ، وَيَلْزَمُ النَّاسَ فِي الْأَصَحِّ ، وَجَزَمَ [ بِهِ ] ابْنُ شِهَابٍ انْتِظَارُهَا لِأَجَلِهِ فَقَطْ إنْ أَمْكَنَ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الْمَرِيضِ بِبَلَدِ الْغَزْوِ يُقِيمُونَ عَلَيْهِ قَالَ : لَا يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ .

مَسْأَلَةٌ 2 ، 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ ، فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً ، وَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 2 ) وَهِيَ الْأَصْلُ : إذَا قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ فَهَلْ يُجَزِّئُهُ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ ؟ أَوْ هُوَ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً ؟ يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْمُصَلِّي الشُّرُوعَ فِي الْفَاتِحَةِ فَعَطَسَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، يَنْوِي بِذَلِكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَعَنْ الْعُطَاسِ ، وَجْهٌ فِي الْمَسْأَلَةِ تَوْجِيهَيْنِ مِنْ عِنْدِهِ ، أَحَدُ التَّوْجِيهَيْنِ أَنَّهُ يُجْزِئُ ، فِي قِيَاسٍ لَهُمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالتَّوْجِيهُ الثَّانِي حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ يَنْوِيهِمَا ، وَهِيَ : ( الْمَسْأَلَةُ 3 الثَّانِيَةُ ) وَقَدْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ : أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَنْهُ : تَبْطُلُ .
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَى التَّوْجِيهِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَة الْأُولَى وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَاطِسِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
تَنْبِيهَانِ ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ ، فَالْحَقِيقِيَّةُ نِيَّةُ الطَّوَافِ حَقِيقَةً ، وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ حُكْمُهَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : اسْتِصْحَابُ

حُكْمِ النِّيَّةِ أَنْ لَا يَقْطَعَهَا ، نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ فِي الطَّوَافِ : وَإِنْ أَحْدَثَ تَطَهَّرَ .
وَفِي الْبِنَاءِ رِوَايَاتُ الصَّلَاةِ ، يَعْنِي اللَّاتِي فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ تَطَهَّرَ .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ صِحَّةِ الْبِنَاءِ ، وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ .
ذَكَرُوهُ فِي بَابِ النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا .

وَيُسَنُّ فِعْلُ الْمَنَاسِكِ عَلَى طَهَارَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالنَّجَسُ وَالسُّتْرَةُ كَالْحَدَثِ ، وَقِيلَ : الطَّهَارَةُ وَالسُّتْرَةُ لِلسَّعْيِ كَالطَّوَافِ ، وَالْمُوَالَاةِ فِيهِ وَالْأَكْثَرُ : وَفِي السَّعْيِ شَرْطٌ ، فَإِنْ فَصَلَ يَسِيرًا أَوْ أُقِيمَتْ مَكْتُوبَةٌ أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ صَلَّى وَبَنَى ، وَإِنْ أَحْدَثَ تَطَهَّرَ ، وَفِي الْبِنَاءِ رِوَايَاتُ الصَّلَاةِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : لَا يُشْتَرَطُ مَعَ عُذْرٍ ، وَعَنْهُ : سُنَّةٌ وَمَنْ شَكَّ فِيهِ فِي عَدْوِهِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ : بِظَنِّهِ ، وَيَأْخُذُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : بِعَدْلٍ ثُمَّ يَتَنَفَّلُ بِرَكْعَتَيْنِ ، وَعَنْهُ : وَلَوْ بَعْدَ مَكْتُوبَةٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : وُجُوبُهُمَا ، وَهِيَ أَظْهَرُ ، وَحَيْثُ رَكَعَهُمَا جَازَ ، وَالْأَفْضَلُ خَلْفَ الْمَقَامِ ، بِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ، وَلَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُ الْمَقَامِ وَمَسْحُهُ ( ع ) فَسَائِرُ الْمَقَامَاتِ أَوْلَى ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مَسِّ الْمَقَامِ قَالَ : لَا تَمَسَّهُ وَنَقَلَ الْفَضْلُ : يُكْرَهُ مَسُّهُ وَتَقْبِيلُهُ ، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : فَإِذَا بَلَغَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ فَلْيَمَسَّ الصَّخْرَةَ بِيَدِهِ وَلْيُمَكِّنْ مِنْهَا كَفَّهُ وَيَدْعُو .
وَفِي مَنْسَكِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : لَمْ يُؤْمَرُوا بِمَسْحِهِ ، وَلَقَدْ تَكَلَّفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ شَيْئًا لَمْ يَتَكَلَّفْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُمْ ، وَلَقَدْ كَانَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ فِيهِ فَمَا زَالُوا يَمْسَحُونَهُ حَتَّى امَّاحَ .
وَيَجُوزُ جَمْعُ أَسَابِيعَ بِرَكْعَتَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ ، كَفَصْلِهِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ ، بِخِلَافِ تَأْخِيرِ تَكْبِيرِ تَشْرِيقٍ عَنْ فَرْضٍ ، وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ عَنْهَا ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ ، لِئَلَّا تُؤَدِّيَ إلَى إسْقَاطِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَعَنْهُ : يُكْرَهُ قَطْعُهُ عَلَى شَفْعٍ ، فَيُكْرَهُ الْجَمْعُ إذَا ، ذَكَرَهُ

فِي الْخِلَافِ وَالْمُوجَزِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ .
وَلَهُ تَأْخِيرُ سَعْيِهِ عَنْ طَوَافِهِ بِطَوَافٍ وَغَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
ثُمَّ يُسْتَحَبُّ عَوْدُهُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ .
وَفِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ : قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ .
وَإِنْ فَرَغَ مُتَمَتِّعٌ ثُمَّ عَلِمَ أَحَدَ طَوَافَيْهِ بِلَا طَهَارَةٍ وَجَهِلَهُ لَزِمَهُ الْأَشَدُّ وَهُوَ مِنْ الْحَجِّ ، فَيَلْزَمُهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ وَدَمٌ ، وَإِنْ كَانَ وَطِئَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ لَمْ يَصِحَّا ، وَتَحَلَّلَ بِطَوَافِهِ الَّذِي نَوَاهُ لِحَجِّهِ عَنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ ، وَلَزِمَهُ دَمٌ لِحَلْقِهِ ، وَدَمٌ لِوَطْئِهِ فِي عُمْرَتِهِ .

ثُمَّ يَخْرُجُ لِلسَّعْيِ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَرْقَاهُ لِيَرَى الْبَيْتَ ، وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا ، وَيَقُولُ ثَلَاثًا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ .
وَيَدْعُو .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْشِي إلَى الْعَلَمِ : قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : قَبْلَهُ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَهُوَ أَظْهَرُ رَمَلَ ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ( م 4 و 5 ) إلَى الْعَلَمِ الْآخَرِ ، ثُمَّ يَمْشِي فَيَرْقَى الْمَرْوَةَ ، يَقُولُ مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا ، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ ، فَيُلْصِقُ عَقِبَهُ بِأَصْلِهِمَا ، وَتُعْتَبَرُ الْبُدَاءَةُ ثَانِيًا بِالْمَرْوَةِ ، فَيَنْزِلُ يَمْشِي مَوْضِعَ مَشْيِهِ ، وَيَسْعَى مَوْضِعَ سَعْيِهِ ، إلَى الصَّفَا ، يَفْعَلُهُ سَبْعًا ، ذَهَابُهُ سَعْيَةٌ ، وَرُجُوعُهُ سَعْيَةٌ ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ سَقَطَ الشَّوْطُ الْأَوَّلُ .
وَلَا تَرْقَى امْرَأَةٌ وَلَا تَسْعَى شَدِيدًا ، وَلَا يُسَنُّ فِيهِ اضْطِبَاعٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ طَوَافٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، سَهْوًا وَجَهْلًا ، وَعَنْهُ : مُطْلَقًا ، ذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ ، وَعَنْهُ : مَعَ دَمٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَمِنْ شَرْطِهِ النِّيَّةُ ، قَالَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَزَادَ : وَأَنْ لَا يُقَدِّمَهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ خِلَافُهُمَا ( م 6 ) وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْأَخِيرَةِ وَأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَنْعَهُ عَنْ أَحْمَدَ .
ثُمَّ إنْ كَانَ حَاجًّا بَقِيَ مُحْرِمًا ، وَالْمُعْتَمِرُ تُسْتَحَبُّ مُبَادَرَتُهُ وَتَقْصِيرُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِيَحْلِقَ لِلْحَجِّ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ : حَلْقُهُ ، وَيَحِلُّ الْمُتَمَتِّعُ بِلَا هَدْيٍ وَمَعَ هَدْيٍ .
وَعَنْهُ : أَوْ تَلْبِيدُ رَأْسِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي : يَحِلُّ إذَا حَجَّ فَيُحْرِمُ بِهِ بَعْدَ طَوَافِهِ

وَسَعْيِهِ لِعُمْرَتِهِ ، وَيَحِلُّ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَحْرُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَإِلَّا لَنَحَرَهُ وَصَارَ كَمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ ، وَقِيلَ : يَحِلُّ كَمَنْ لَمْ يَهْدِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَعَنْهُ : إنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ فَيَنْحَرُهُ قَبْلَهُ .
وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى : وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ .
وَيُسْتَحَبُّ لِمُحِلٍّ بِمَكَّةَ مُتَمَتِّعٍ ، وَمَكِّيِّ الْإِحْرَامِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا : فَالْمَكِّيُّ يُهِلُّ إذَا رَأَى الْهِلَالُ ؟ قَالَ : كَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ .
قَالَ الْقَاضِي : فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُهِلُّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : يُحْرِمُ مُتَمَتِّعٌ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَوْ جَاوَزَهُ لَزِمَهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ مَعَ دَمِ تَمَتُّعٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُحْرِمُ يَوْمَ تَرْوِيَةٍ أَوْ عَرَفَةَ ، فَإِنْ عَبَرَهُ فَدَمٌ وَلَا يَطُوفُ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو دَاوُد : لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُوَدِّعَهُ ، وَطَوَافُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى لِلْحَجِّ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ وَالْكَافِي .
وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَتَى بِهِ وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ .
ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى مِنًى قَبْلَ الزَّوَالِ فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ [ إلَى ] الْفَجْرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيَبِيتُ بِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ سَارَ إلَى نَمِرَةَ فَأَقَامَ بِهَا إلَى الزَّوَالِ ، فَيَخْطُبُ الْإِمَامُ يُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ ، وَيُقْصِرُ ، يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا خُطْبَةَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ : بَلَى يُعَلِّمُهُمْ مَا يَفْعَلُونَهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ يَجْمَعُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُعَجِّلُ ثُمَّ

يَأْتِي عَرَفَةَ ، وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ ، وَيُسْتَحَبُّ وُقُوفُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ وَاسْمُهُ إلَالُ بِوَزْنِ هِلَالٍ وَلَا يُشْرَعُ صُعُودُهُ ( ع ) قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَيَقِفُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ رَاكِبًا ، وَقِيلَ : رَاجِلًا ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، كَجَمِيعِ الْمَنَاسِكِ وَالْعِبَادَاتِ .
قَالَ : وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فِي الْمَنَاسِكِ لِيُعَلِّمَهُمْ وَيَرَوْهُ ، فَرُؤْيَتُهُ عِبَادَةٌ ، وَقِيلَ : سَوَاءٌ ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ الْحَجِّ عَلَيْهَا .
وَفِي الِانْتِصَارِ وَمُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْيِ .
وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي ( مُثِيرِ الْغَرَامِ السَّاكِنِ ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِي ذَلِكَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُبَّادِ ، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ حَجَّ خَمْسَ عَشْرَةَ [ حَجَّةً ] مَاشِيًا .
وَذَكَرَ غَيْرُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ، وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ مَعَهُ

( مَسْأَلَةٌ 4 ، 5 ) قَوْلُهُ : ثُمَّ يَمْشِي إلَى الْعَلَمِ ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : قَبْلَهُ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَهُوَ أَظْهَرُ رَمَلَ ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ ، وَلَهُ فِيهِمَا اخْتِيَارٌ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 4 ) هَلْ يَمْشِي إلَى الْعَلَمِ ثُمَّ يَسْعَى ؟ أَوْ يَسْعَى قَبْلَهُ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، وَاخْتَارَ الثَّانِيَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَسْعَى مِنْ الْعَلَمِ قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 5 ) إذَا وَصَلَ إلَى الْعَلَمِ أَوْ قَبْلَهُ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ ، فَهَلْ يَرْمُلُ ؟ أَوْ يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، وَاخْتَارَ هُوَ الثَّانِيَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ( قُلْت ) : جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : إنَّ جَمَاعَةً قَالُوهُ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَوْلُهُ : " ثُمَّ يَمْشِي إلَى الْعَلَمِ " كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَلَعَلَّهُ ثُمَّ يَمْشِي ، فَإِذَا بَلَغَ الْعَلَمَ ، وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ شَرَطَ النِّيَّةَ ، قَالَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ

الْأَكْثَرِ خِلَافُهُمَا ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ مَا قَالَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ .
وَقَالَهُ أَيْضًا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْفَائِقِ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ قَطْعًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ لِذَلِكَ ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهَا فِي شُرُوطِ السَّعْيِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهَا اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِيَّةٍ ، وَلَكِنْ يُعَكَّرُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُهُمْ ذَكَرُوا النِّيَّةَ فِي شُرُوطِ الطَّوَافِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوهَا فِي شَرْطِ السَّعْيِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

و [ قَالَ ] فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ : فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْمَاشِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ لَهُ : وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ ؟ قَالَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ } قَالَ : وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتُصَافِحُ رُكْبَانَ الْحَجِّ وَتَعْتَنِقُ الْمُشَاةَ } كَذَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ ، وَسَبَقَ الْأَوَّلُ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ النَّاسِ ، وَنَصُّهُ فِي مُوصٍ بِحَجَّةٍ : يَحُجُّ عَنْهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا .
وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُكْثِرُ قَوْلَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
لِلْخَبَرِ ، وَرُوِيَ أَيْضًا : يُحْيِي وَيُمِيتُ .
وَرُوِيَ : بِيَدِهِ الْخَيْرُ .
وَرَوَيَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِزِيَادَةِ : وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ .
ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ .
فَمَنْ وَقَفَ أَوْ مَرَّ لَحْظَةً مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ وَحَكَى رِوَايَةً : مِنْ الزَّوَالِ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ إهْلَالُهُ ، صَحَّ حَجُّهُ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَلَا يَصِحُّ مَعَ سُكْرٍ وَإِغْمَاءٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، بِخِلَافِ إحْرَامٍ وَطَوَافٍ .
وَيَتَوَجَّهُ فِي سَعْيِ مِثْلِهِ ، وَجَعَلَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ كَوُقُوفٍ ، وَيَصِحُّ مَعَ نَوْمٍ وَجَهْلٍ بِهَا ، فِي الْأَصَحِّ ، لَا جُنُونٍ ، بِخِلَافِ رَمْيِ جِمَارٍ وَمَبِيتٍ .
وَمَنْ وَقَفَ بِهَا نَهَارًا وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ قَبْلَهُ وَفِي الْإِيضَاحِ : قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَقَالَهُ أَبُو الْوَفَاءِ فِي مُفْرَدَاتِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ عَادَ مُطْلَقًا .
وَفِي الْوَاضِحِ : وَلَا عُذْرَ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَعَنْهُ : لَا كَوَاقِفٍ لَيْلًا ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ نَسِيَ نَفَقَتَهُ بِمِنًى : يُخْبِرُ الْإِمَامَ ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ ذَهَبَ وَلَا يَرْجِعُ .
قَالَ الْقَاضِي : فَرَخَّصَ لَهُ

لِلْعُذْرِ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُ مِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ [ دَمٌ ] .
وَهَلْ لِخَائِفِ فَوْتِهَا صَلَاةُ خَائِفٍ ؟ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، أَوْ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ ؟ أَوْ يُؤَخِّرُهَا إلَى أَمْنِهِ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ( م 7 ) .
( مَسْأَلَةُ 7 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ لِخَائِفِ فَوْتِهَا صَلَاةُ خَائِفٍ ؟ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، أَوْ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ ؟ أَوْ يُؤَخِّرُهَا إلَى أَمْنِهِ [ فِيهِ ] أَوْجُهٌ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهَا ) يُصَلِّيهَا صَلَاةَ خَائِفٍ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُعِيدُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) فِيهِ قُوَّةٌ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَالْأَوَّلَانِ احْتِمَالَانِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ .

ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ بِسَكِينَةٍ .
وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ : مُسْتَغْفِرًا ، وَيُسْرِعُ فِي الْفُرْجَةِ ، وَيُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْعِشَاءَيْنِ بِهَا قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ وَيَبِيتُ بِهَا ، وَلَهُ الدَّفْعُ قَبْلَ الْإِمَامِ نَصَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَةَ .
وَذَكَرَ دَفْعَ ابْنِ عُمَرَ قَبْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ، وَقَبْلُهُ فِيهِ دَمٌ إنْ لَمْ يَعُدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا لَيْلًا ، وَيَتَخَرَّجُ : لَا مِنْ لَيَالِيِ مِنًى ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : لَا يَجِبُ ، كَرُعَاةٍ وَسُقَاةٍ ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَكَمَا لَوْ أَتَاهَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ رَقِيَ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ ، أَوْ وَقَفَ عِنْدَهُ ، يَحْمَدُ اللَّهَ [ تَعَالَى ] وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو وَيَقْرَأُ { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ } الْآيَتَيْنِ ، فَإِذَا أَسْفَرَ جِدًّا سَارَ بِسَكِينَةٍ ، فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا أَسْرَعَ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا رَمْيَةَ حَجَرٍ ، وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ سَبْعِينَ ، كَحَصَى الْخَذْفِ ، مِنْ أَيْنَ شَاءَ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَاسْتَحَبَّهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ وُصُولِهِ مِنًى وَيُكْرَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَتَكْسِيرُهُ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : وَمِنْ الْحَشِّ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُ حَجَرٌ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ ، وَفِي نَجَسٍ وَخَاتَمِ فِضَّةٍ حَصَاةٌ وَجْهَانِ ( 8 و 9 ) لَا مَا رَمَى بِهِ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، وَلَا غَيْرَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : بِلَا قَصْدٍ ، لَا هُمَا ، وَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْحَصَى الْمَعْهُودِ مِنْ رُخَامٍ وَمَسْنٍ وَبِرَامٍ وَنَحْوِهَا ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ .
وَفِي الْفُصُولِ : إنْ رَمَى بِحَصَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَأَجْزَأَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَى عَنْ إخْرَاجِ تُرَابِهِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَ ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِ الْمَنْعُ هُنَا وَفِي النَّصِيحَةِ : يُكْرَهُ مِنْ الْجِمَارِ أَوْ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَكَان نَجِسٍ ، وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِهِ

رِوَايَتَانِ ( م 10 ) فَإِذَا وَصَلَ مِنًى وَهِيَ مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَدَأَ بِهَا فَرَمَاهَا بِسَبْعٍ ، رَاكِبًا إنْ كَانَ ، وَالْأَكْثَرُ مَاشِيًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَلَا يُجْزِئُ وَضْعُهَا ، بَلْ طَرْحُهَا .
وَظَاهِرُ الْفُصُولِ : لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ ، وَنَفْضُهَا مَنْ وَقَعَتْ بِثَوْبِهِ نَصَّ عَلَيْهِ كَتَدَحْرُجِهَا ، وَقِيلَ : لَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ انْقَطَعَ ، وَكَتَدَحْرُجِ حَصَاةٍ بِسَبَبِهَا ، وَيُشْتَرَطُ رَمْيُهُ بِوَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ ، فَلَوْ رَمَى دَفْعَةً فَوَاحِدَةٌ ، وَيُؤَدَّبُ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَعَلِمَ حُصُولَهَا فِي الرَّمْيِ ، وَقِيلَ : أَوْ ظَنَّهُ ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ رِوَايَةً : وَلَوْ شَكَّ .
وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ .
وَنَقَلَ حَرْبٌ : يَرْمِي ثُمَّ يُكَبِّرُ ، وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا ، وَذَنْبًا مَغْفُورًا ، وَسَعْيًا مَشْكُورًا .
وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَرْمِي عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : وَيَرْفَعُ يُمْنَاهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ وَلَا يَقِفُ ، وَلَهُ رَمْيُهَا مِنْ فَوْقِهَا ، وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يُسَنُّ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَيُجْزِئُ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ ، وَعَنْهُ : بَعْدَ فَجْرِهِ ، فَإِنْ غَرَبَتْ فَمِنْ غَدٍ بَعْدَ الزَّوَالِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : نَصُّهُ لِلرُّعَاةِ خَاصَّةً الرَّمْيُ لَيْلًا ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ .

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ مِنْ الْحَرَمِ يَعْنِي أَخْذَ حَصَى الْجِمَارِ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَهْوٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ : وَيُكْرَهُ مِنْ مِنًى ، وَإِلَّا فَمُزْدَلِفَةُ مِنْ الْحَرَمِ ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ : يَأْخُذُهُ مِنْهَا ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ : " وَيُكْرَهُ مِنْ الْحَرَمِ " مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا أَخْذَهُ قَبْلَ وُصُولِ مِنًى ، وَفِيهِ بُعْدٌ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ حَرَمَ الْكَعْبَةِ ، وَفِي مَعْنَاهُ قُوَّةٌ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ، 9 ) قَوْلُهُ فِي الرَّمْيِ : وَفِي نَجَسٍ وَخَاتَمِ فِضَّةٍ حَصَاةٌ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) إذَا رَمَى بِحَصًى نَجَسٍ فَهَلْ يُجْزِئُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، وَذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يُجْزِئُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَلَا يُجْزِئُ بِنَجَسٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى .
قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَفِي الْإِجْزَاءِ بِنَجَسٍ وَجْهٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُجْزِئُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9 ) إذَا رَمَى بِخَاتَمِ فِضَّةٍ حَصَاةً ، فَهَلْ يُجْزِئُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يُجْزِئُ ( قُلْت ) : وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْحَصَاةَ وَقَعَتْ تَبَعًا ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُجْزِئُ ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ الرَّمْيَ بِالْحَصَاةِ أَجْزَأَهُ ، وَإِلَّا فَلَا .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ

وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ : ( إحْدَاهُمَا ) لَا يُسْتَحَبُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يُسْتَحَبُّ ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ .

ثُمَّ يَنْحَرُ هَدَايَا إنْ كَانَ مَعَهُ ، ثُمَّ يَحْلِقُ ، يَبْدَأُ بِأَيْمَنِهِ ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : وَيَدْعُو .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يُكَبِّرُ .
وَلَا يُشَارِطُهُ عَلَى أُجْرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ ، قَالَهُ أَبُو حَكِيمٍ وَقَالَ : ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ وَكِيعٍ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ : إنَّهُ تَعَلُّمُ الْآدَابِ الْخَمْسَةِ ، الْخَامِسُ التَّكْبِيرُ ، مِنْ حَجَّامٍ ، وَإِنَّ الْحَجَّامَ نَقَلَهَا عَنْ عَطَاءٍ .
وَإِنْ قَصَّرَ فَمِنْ جَمِيعِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِعَيْنِهَا ، وَعَنْهُ : أَوْ بَعْضِهِ ، فَيُجْزِئُ مَا نَزَلَ عَنْ رَأْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَعْرِهِ ، بِخِلَافِ الْمَسْحِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَأْسًا ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْخِلَافِ ، قَالَ : وَلَا يُجْزِئُ شَعْرُ الْأُذُنِ ، عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجْزِئْ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَقْصِيرُ جَمِيعِهِ ، وَمَنْ لَبَّدَ أَوْ ضَفَّرَ أَوْ عَقَصَ كَغَيْرِهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : فَلْيَحْلِقْ ، قَالَ : يَعْنِي وَجَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ : لِأَنَّهُ لَا يُمَكِّنُهُ التَّقْصِيرُ مِنْ كُلِّهِ ، لِاجْتِمَاعِهِ .
وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ كَذَلِكَ أُنْمُلَةً فَأَقَلَّ ، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : تَجِبُ أُنْمُلَةٌ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : السُّنَّةُ لَهَا أُنْمُلَةٌ وَيَجُوزُ أَقَلُّ وَيُسَنُّ أَخْذُ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : وَلِحْيَتِهِ .
وَمَنْ عَدِمَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى .
وَقَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي خِتَانٍ ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي الْمُحْرِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى النَّدْبِ ، قَالَهُ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ ، وَفِي الْخِرَقِيِّ .
فِي الْعَبْدِ : يُقَصِّرُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ ثُمَّ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ ، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُهُ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ : وَالْعَقْدُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ شِهَابٍ وَابْنِ

الْجَوْزِيِّ : حِلُّهُ .
وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ ( م 11 ) وَعَنْهُ إلَّا الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ .
وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ فِيهِ دَمٌ ، وَعَنْهُ : إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ وَنَقَلَ مُهَنَّا : فِي مُعْتَمِرٍ تَرَكَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ، الدَّمُ كَثِيرٌ ، عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ الدَّمِ ، فَإِنْ حَلَقَ قُبِلَ نَحْرُهُ أَوْ رَمْيُهُ أَوْ نَحَرَ أَوْ زَارَ قَبْلَ رَمْيِهِ فَلَا دَمَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ : يَلْزَمُ عَامِدًا عَالِمًا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، وَأَطْلَقَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَرُّوذِيُّ : يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَلِلْمُخْطِئِ فِيمَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي يُشْبِهُ خَطَأَ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَفْهَمُهُ مِنْ النَّصِّ ، وَمِمَّا احْتَجَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَفِي الْخِرَقِيِّ فِي الْعَبْدِ يُقَصِّرُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ ، انْتَهَى .
لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْخِرَقِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ فِي مُفْرَدٍ فِي غَيْرِ الْمُخْتَصَرِ ، كَمَا نُقِلَ عَنْهُ مَسَائِلُ مِنْ غَيْرِ مُخْتَصَرِهِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُقْنِعِ عَنْهُ مَسْأَلَةً كَذَلِكَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ سَبْقَةَ قَلَمٍ ، أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : وَفِي الْوَجِيزِ ، فَسَبَقَ الْقَلَمُ إلَى الْخِرَقِيِّ ، وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْمُصَنِّفِينَ ، وَلَمْ نَرَ الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةً إلَّا فِي الْوَجِيزِ ، لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ عَنْ مُصَنِّفٍ ، وَتَوَارَدَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ ، وَفَسَّرُوا كَلَامَهُ بِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : ثُمَّ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ ، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُهُ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ : وَالْعَقْدُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ شِهَابٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ حِلُّهُ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ ، انْتَهَى .
( الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ الْمَنْعُ أَيْضًا مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ ، اخْتَارَهُ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى وَقَالَ الشَّيْخُ : النَّحْرُ فَرِوَايَتَانِ ( م 12 ) وَهَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ رَمْيٍ وَحَلْقٍ وَطَوَافٍ ؟ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، أَوْ بِوَاحِدٍ مِنْ رَمْيٍ وَطَوَافٍ وَالثَّانِي بِالْبَاقِي ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 13 ) فَعَلَى الثَّانِيَةِ الْحَلْقُ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ ، وَفِي التَّعْلِيقِ : نُسُكٌ ، كَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيٍ يَوْمَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَنَّهُ نُسُكٌ ، وَيَحِلُّ قَبْلَهُ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ فِي حِلِّهِ قَبْلَهُ رِوَايَتَيْنِ ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي الْأَوَّلَ عَنْ الْأَصْحَابِ .
وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : إنْ كَانَ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا لَمْ يَحِلَّ هَذَا التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ إلَّا بَعْدَ رَمْيٍ وَحَلْقٍ وَنَحْرٍ وَطَوَافٍ ، فَيَحِلُّ الْكُلُّ ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي .
ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ ، وَعَنْهُ : لَا يَخْطُبُ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ .

( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى وَقَالَ الشَّيْخُ : النَّحْرُ فِيهِ ، رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا دَمَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَوْلَى .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) عَلَيْهِ دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ ، وَمَحَلُّهُمَا إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ رَمْيٍ وَحَلْقٍ وَطَوَافٍ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، أَوْ بِوَاحِدِ مِنْ رَمْيٍ وَطَوَافٍ وَالثَّانِي بِالْبَاقِي ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ( إحْدَاهُمَا ) يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ رَمْيٍ وَحَلْقٍ وَطَوَافٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
قَالَ فِي الْكَافِي : قَالَهُ أَصْحَابُنَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّخْلِيصِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ رَمْيٍ وَطَوَافٍ .

ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ فَيَطُوفُ الْمُتَمَتِّعُ فِي الْمَنْصُوصِ لِلْقُدُومِ ، كَعُمْرَتِهِ ، ثُمَّ يَسْعَى ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ : يُجْزِئُ سَعْيُ عُمْرَتِهِ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
ثُمَّ يَطُوفُ الْفَرْضَ ، وَهُوَ الْإِفَاضَةُ وَالزِّيَارَةُ ، يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ بِالنِّيَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( ش ) بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ ، وَعَنْهُ : فَجْرُهُ ، وَلَا دَمَ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِلَا عُذْرٍ ، خِلَافًا لِلْوَاضِحِ ، وَلَا عَنْ أَيَّامِ مِنًى ، كَالسَّعْيِ وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً فِي .
الْحَلْقِ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي سَعْيٍ ، وَيَطُوفُهُ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ ، وَقَبْلَهُ لِلْقُدُومِ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، مَا لَمْ يَكُونَا دَخَلَا مَكَّةَ ، قَالَ أَحْمَدُ : مَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى .
وَفِي الْوَاضِحِ : هُوَ سُنَّةٌ لِمَنْ خَرَجَ مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ ، فَإِنْ كَانَ سَعَى لِلْقُدُومِ وَإِلَّا سَعَى ، ثُمَّ يَحِلُّ مُطْلَقًا ، وَإِنْ قِيلَ : السَّعْيُ لَيْسَ رُكْنًا ، قِيلَ : سُنَّةٌ ، وَقِيلَ : وَاجِبٌ ، فَفِي حِلِّهِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ ( م 14 و 15 ) ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ زَمْزَمَ لِمَا أَحَبَّ ، وَيَتَضَلَّعُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : وَيَرُشُّ .
عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : { قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي ذَرٍّ إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ } أَيْ تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَالطَّعَامِ .
وَيَقُولُ مَا وَرَدَ

مَسْأَلَةٌ 14 و 15 ) قَوْلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ : ثُمَّ يَحِلُّ مُطْلَقًا ، وَإِنْ قِيلَ : السَّعْيُ لَيْسَ رُكْنًا ، قِيلَ : سُنَّةٌ ، وَقِيلَ : وَاجِبٌ ، فَفِي حِلِّهِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا قُلْنَا : إنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَهَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ بِقِيلَ وَقِيلَ ، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْأَرْكَانِ أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ ، ثُمَّ قَالَ : وَعَنْهُ : يُجْبِرُهُ بِدَمٍ ، وَعَنْهُ : سُنَّةٌ ، فَحَكَى الْخِلَافُ رِوَايَتَيْنِ ، وَحَكَاهُمَا هُنَا قَوْلَيْنِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَاكَ إذَا لَمْ نَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ أَنَّ الْمُقَدَّمَ أَنَّهُ يَجْبُرُهُ بِدَمٍ ، فَيَكُونُ وَاجِبًا ، وَهُنَا أُطْلِقَ الْخِلَافُ ، أَوْ يُقَالُ : لَمْ يُقَدِّمْ هُنَاكَ حُكْمًا ، وَهُنَا حَرَّرَ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، فَإِنَّ كَلَامَهُ هُنَاكَ مُحْتَمِلٌ ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَيْسَا بِالرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ ، وَإِنَّمَا هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ ، فَهَلْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً ؟ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ وَالْمُقَدَّمِ مِنْهُمَا وَالصَّحِيحِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا ، وَذَكَرَ هُنَاكَ مَنْ اخْتَارَ كُلَّ رِوَايَةٍ مِنْهُمَا ، وَأَمَّا هُنَا فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ رَجَّحَ أَنَّهُ وَاجِبٌ ، وَبَعْضُهُمْ رَجَّحَ أَنَّهُ سُنَّةٌ إذَا لَمْ نَقُلْ إنَّهُ رُكْنٌ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ وَاجِبٌ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 15 ) إذَا قُلْنَا إنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ وَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ، فَهَلْ يَحِلُّ قَبْلَ السَّعْيِ أَمْ لَا ؟ أُطْلَقَ الْخِلَافُ فِيهِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَحِلُّ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْإِحْلَالَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِضَافَةِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحِلُّ

حَتَّى يَسْعَى .

ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي ظُهْرَ يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، لِلْخَبَرِ فَيَبِيتُ بِمِنًى ثَلَاثَ لَيَالٍ ، وَيَرْمِي فِي غَدٍ بَعْدَ الزَّوَالِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَبْلَ الزَّوَالِ .
وَفِي الْوَاضِحِ : بِطُلُوعِ الشَّمْسِ ، إلَّا ثَالِثَ يَوْمٍ ، وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي مَنْسَكِهِ أَنَّ لَهُ الرَّمْيَ مِنْ أَوَّلِ ، وَأَنَّهُ يَرْمِي فِي الثَّالِثِ كَالْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ ، ثُمَّ يَنْفِرُ وَيَرْمِي إلَى الْمَغْرِبِ الْجَمْرَةَ الْأُولَى ، وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ، ثُمَّ الْوُسْطَى ، وَيَدْعُو عِنْدَهُمَا طَوِيلًا ، قَالَ بَعْضُهُمْ : رَافِعًا يَدَيْهِ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الْجِمَارِ ، ثُمَّ الْعَقَبَةِ ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ، وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ .
فَإِنْ نَكَسَهُنَّ أَوْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنْ السَّابِقَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : إنْ جَهِلَ ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِرَمْيِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيَجْعَلُ الْأُولَى يَسَارَهُ وَالْأُخْرَيَيْنِ يَمِينَهُ ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعٍ ، وَعَنْهُ : سِتٍّ ، وَعَنْهُ : خَمْسٍ ، ثُمَّ الْيَوْمُ الثَّانِي كَذَلِكَ .
وَعَنْهُ : يَجُوزُ رَمْيٌ مُتَعَجَّلٌ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَيَنْفِرُ بَعْدَهُ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إنْ رَمَى عِنْدَ .
طُلُوعِهَا مُتَعَجِّلٌ ثُمَّ نَفَرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ دَمًا ، وَإِنْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى الْغَدِ رَمَى رَمِيَّيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ رَمَى الْكُلَّ وَيَوْمُ النَّحْرِ آخَرُ أَيَّامِ مِنًى [ أَجْزَأَ ] أَدَاءً ، وَقِيلَ : قَضَاءً .
وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ ، وَلَا يَأْتِي بِهِ كَالْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى ، وَتَرْكُ حَصَاةٍ كَشَعْرَةٍ ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ : يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَعَنْهُ : عَمْدًا ، وَعَنْهُ : دَمٌ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَصْحَابِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : ضَعَّفَهُ شَيْخُنَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَعَنْهُ : فِي ثِنْتَيْنِ كَثَلَاثٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ،

وَكَجَمْرَةٍ وَجِمَارٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : وَاحِدَةٌ هَدَرٌ ، وَعَنْهُ : وَثِنْتَانِ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ : إذَا لَمْ يَقُمْ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَطْعَمَ شَيْئًا ، وَدَمٌ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَإِنْ لَمْ يُطْعِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِيِ مِنًى دَمٌ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَعَنْهُ : لَا شَيْءَ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ .
وَلَيْلَةً كَذَلِكَ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَعَنْهُ : كَشَعْرَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نُسُكًا بِمُفْرَدِهَا ، بِخِلَافِ مُزْدَلِفَةَ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَالُوا : لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ ، وَعَنْهُ : لَا [ يَجِبُ ] شَيْءٌ ، فَإِنْ شَاءَ تَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ لَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَمْيُ .
الْيَوْمِ ، الثَّالِثِ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَيَدْفِنُ بَقِيَّةَ الْحَصَى ، فِي الْأَشْهَرِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : فِي الْمَرْمَى ، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : أَوْ يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ فِي اللَّوَاتِي قَبْلَهُنَّ ، فَإِنْ غَرَبَتْ شَمْسُهُ بَاتَ وَرَمَى بَعْدَ الزَّوَالِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : أَوْ قَبْلَهُ ، وَهُوَ النَّفْرُ الثَّانِي .
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ لِأَجَلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا ، ذَكَرَهُ [ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَ ] شَيْخُنَا ، وَلَا مَبِيتَ بِمِنًى عَلَى سُقَاةِ الْحَاجِّ وَالرُّعَاةِ ، وَلَهُمْ الرَّمَلُ بِلَيْلٍ وَنَهَارٍ ، فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُمْ بِهَا لَزِمَ الرِّعَاءُ ، قَالَ الشَّيْخُ : وَكَذَا عُذْرُ خَوْفٍ وَمَرَضٍ .
قَالَ فِي الْفُصُولِ : أَوْ خَوْفِ فَوْتِ مَالِهِ أَوْ مَوْتِ مَرِيضٍ .
وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ ثَانِيَ أَيَّامِ مِنًى ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ : مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُلْ : يَزُورُ الْبَيْتَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْإِقَامَةَ بِمِنًى ، قَالَ : وَاحْتَجَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفِيضُ كُلَّ لَيْلَةٍ } ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ : مَنْ شَاءَ طَافَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلْوَدَاعِ إنْ لَمْ يُقِمْ ، قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ : إنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَزْمِ .
عَلَى الْخُرُوجِ .
وَاحْتَجَّ بِهِ شَيْخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ ( و ش ) وَكَذَا فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ [ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ ] ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُقَبِّلُ الْحَجَرَ ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ دَخَلَ كَمَا وَصَفْنَا ، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ الْوَدَاعِ لِغَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ : أَوْ شِرَاءِ حَاجَةٍ بِطَرِيقِهِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ : أَوْ قَضَى بِهَا حَاجَةً [ أَعَادَ ] ، وَسَأَلَهُ صَالِحٌ : إنْ وَقَفَ وَقْفَةً أَوْ رَجَعَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا قَدْرَ غَلْوَةٍ ؟ قَالَ : أَرْجُو ، وَنَصُّهُ فِيمَنْ وَدَّعَ وَخَرَجَ ثُمَّ دَخَلَ لِحَاجَةٍ : يُحْرِمُ ، وَإِذَا خَرَجَ وَدَّعَ ، كَمَنْ دَخَلَ مُقِيمًا ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : وَدَّعَ ثُمَّ نَفَرَ يَشْتَرِي طَعَامًا يَأْكُلُهُ ؛ قَالَ لَا يَقُولُونَ حَتَّى يَجْعَلَ الرَّدْمَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ .
وَإِنْ تَرَكَتْهُ غَيْرُ حَائِضٍ لَمْ تَطْهُرْ قَبْلَ مُفَارِقَةِ الْبُنْيَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ : وَأَهْلُ الْحَرَمِ رَجَعَ ، فَإِنْ شَقَّ وَالْمَنْصُوصُ : أَوْ بَعْدَ مَسَافَةِ قَصْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَمَتَى رَجَعَ الْقَرِيبُ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْرَامٌ ، قَالَ الشَّيْخُ : كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَالْبَعِيدُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَيَأْتِي بِهَا وَيَطُوفُ لِوَدَاعِهِ .
وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ أَوْ لِلْقُدُومِ كَفَاهُ عَنْهُمَا ، وَعَنْهُ : يُوَدِّعُ وَإِنْ وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ بِمِنًى وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ فَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ ، وَإِنْ خَرَجَ غَيْرَ حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا لَا يُوَدِّعْ .
.
وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ وَالْحِجْرُ مِنْهُ بِلَا خُفٍّ وَنَعْلٍ وَسِلَاحٍ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَتَعْظِيمُ دُخُولِهِ فَوْقَ الطَّوَافِ يَدُلُّ عَلَى

قِلَّةِ الْعِلْمِ ، قَالَهُ فِي الْفُنُونِ ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ عِبَادَةٌ ، قَالَهُ أَحْمَدُ .
وَفِي الْفُصُولِ : وَرُؤْيَتُهُ لِمَقَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوَاضِعِ الْأَنْسَاكِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَوُقُوفُهُ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ ، وَيَلْتَزِمُهُ مُلْصِقًا بِهِ جَمِيعَهُ وَيَدْعُو .
وَالْحَائِضُ تَقِفُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَأْتِي الْحَطِيمَ وَهُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ فَيَدْعُو ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا : .
ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ زَمْزَمَ ، وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ .
.

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ : أَوْ لِلْقُدُومِ كَفَاهُ عَنْهُمَا ، وَعَنْهُ : يُوَدِّعُ ، انْتَهَى .
تَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَفِعْلُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ كَافٍ عَنْهُ وَعَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدَّمَ أَنَّ تَأْخِيرَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَفِعْلَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ لَا يَكْفِي عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ : يُجْزِئُهُ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَقَطَعُوا بِهِ ، وَقَالُوا : نَصَّ عَلَيْهِ ، زَادَ فِي الْهِدَايَةِ : مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ ، فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ ، مِنْهَا حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَهُمَا كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ ، وَمِنْهَا أَنَّ كَلَامَهُ أَوْهَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهَذَا الْقَوْلِ نَصٌّ عَنْ أَحْمَدَ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ ، فَيَتَقَوَّى الْقَوْلُ الثَّانِي بِقَطْعِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ وَبِالنَّصِّ عَنْ أَحْمَدَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
لَكِنَّ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ عُسْرٌ ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ إجْزَاءِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِضِيقِ وَقْتِ الْوُقُوفِ ، بَلْ قَصَدَ عَرَفَةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ وَأَرَادَ الْعَوْدَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ ثُمَّ لِلْقُدُومِ ، إمَّا نِسْيَانًا أَوْ غَيْرَهُ ، فَهَذَا الطَّوَافُ يَكْفِيهِ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَنَقَلَ حَرْبٌ : إذَا قَدِمَ مُعْتَمِرًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ عُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَإِنْ الْتَفَتَ وَدَّعَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ ، وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى النَّدْبِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ : لَا يُوَلِّي ظَهْرَهُ حَتَّى يَغِيبَ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : ثُمَّ يَأْتِي الْأَبْطَحَ الْمُحَصَّبَ فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ بِهِ .
وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ لَا لِلْقِبْلَةِ ( هـ ) ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهَا وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَدْعُو ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَرُبَ مِنْ الْحُجْرَةِ أَوْ بَعُدَ .
وَفِي الْفُصُولِ نَقَلَ صَالِحٌ وَأَبُو طَالِبٍ : إذَا حَجَّ لِلْفَرْضِ لَمْ يَمُرَّ بِالْمَدِينَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ كَانَ فِي سَبِيلِ الْحَجِّ ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَدْعُو ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُكْرَهُ قَصْدُ الْقُبُورِ لِلدُّعَاءِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَوُقُوفُهُ عِنْدَهَا لَهُ ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَمَسُّحُهُ بِهِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : بَلْ يُكْرَهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : أَهْلُ الْعِلْمِ كَانُوا لَا يَمَسُّونَهُ ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : يَدْنُو مِنْهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ يَقُومُ حِذَاءَهُ فَيُسَلِّمُ ، كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَرَخَّصَ فِي الْمِنْبَرِ ( م ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ : وَلْيَأْتِ الْمِنْبَرَ .
فَلْيَتَبَرَّكْ بِهِ تَبَرُّكًا بِمَنْ ، كَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : يَحْرُمُ طَوَافُهُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ

الْعَتِيقِ ، اتِّفَاقًا ، قَالَ : وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ ، فَإِنَّهُ مِنْ الشِّرْكِ ، وَقَالَ : وَالشِّرْكُ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ عِنْدَ حُجْرَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَمَا لَا تُرْفَعُ فَوْقَ صَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّوْقِيرِ وَالْحُرْمَةِ كَحَيَاتِهِ ، رَأَيْته فِي مَسَائِلَ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا .
وَفِي الْفُنُونِ : قَدِمَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ الْمَدِينَةَ ، فَرَأَى ابْنَ الْجَوْهَرِيِّ الْوَاعِظَ الْمِصْرِيَّ يَعِظُ ، فَعَلَا صَوْتُهُ ، فَصَاحَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالنَّبِيُّ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّوْقِيرِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَحَالِ حَيَاتِهِ ، فَكَمَا لَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ بِحَضْرَتِهِ حَيًّا وَلَا مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهِ ، فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، انْزِلْ ، فَنَزَلَ ابْنُ الْجَوْهَرِيِّ ، وَفَزِعَ النَّاسُ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لِأَنَّهُ كَلَامُ صِدْقٍ وَحَقٍّ وَجَاءَ عَلَى لِسَانِ مُحِقٍّ ، فَنَحْكُمُ عَلَى سَامِعِهِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ هَذَا أَدَبٌ مُسْتَحَبٌّ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ .
كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِلْإِنْصَاتِ لِكَلَامِهِ إذَا قَرَأَ بَلْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْقِرَاءَةِ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ ، فَهُنَا أَوْلَى ، وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ .
وَفِي مَبَاحِثِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُهُ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ .
قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَيُّوبَ ، فَسَمِعَ لَغَطًا فَقَالَ : مَا هَذَا اللَّغَطُ ، أَمَا بَلَغَهُمْ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ ؟ وَعَنْ السَّرِيِّ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ فَسَمِعَ كَلَامًا فَقَالَ : مَا هَذَا كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ فَسَمِعَ كَلَامًا فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ كَانُوا

يَعُدُّونَ الْكَلَامَ عِنْدَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ .
وَإِذَا تَوَجَّهَ هَلَّلَ ثُمَّ قَالَ آئِبُونَ تَائِبُونَ ، عَابِدُونَ ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ .
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَكَانُوا يَغْتَنِمُونَ أَدْعِيَةَ الْحَاجِّ قَبْلَ أَنْ يَتَلَطَّخُوا بِالذُّنُوبِ .

أَرْكَانُ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ .
وَلَوْ تَرَكَهُ رَجَعَ مُعْتَمِرًا ، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ طَافَ فِي الْحِجْرِ وَرَجَعَ بَغْدَادَ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى بَقِيَّةِ إحْرَامِهِ ، فَإِنْ وَطِئَ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ ، عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ .
وَكَذَا السَّعْيُ ، وَعَنْهُ : يَجْبُرُهُ دَمٌ ، وَعَنْهُ : سُنَّةٌ ، وَهَلْ الْإِحْرَامُ .
لِلنِّيَّةِ ، رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 16 ) وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مَا ظَاهِرُهُ رِوَايَةٌ بِجَوَازِ تَرْكِهِ ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ : سُنَّةٌ ، وَقَالَ : الْإِهْلَالُ فَرِيضَةٌ ، وَعَنْهُ : سُنَّةٌ ، وَسَبَقَ كَلَامُهُمْ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ .
.

( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ الْإِحْرَامُ لِلنِّيَّةِ رُكْنٌ أَمْ شَرْطٌ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
( إحْدَاهُمَا ) رُكْنٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ : هَذَا أَصَحُّ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةِ ) هُوَ شَرْطٌ ، حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ عَنْهُ : إنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ هُنَا : وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى قَاسَ الْإِحْرَامَ عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ ، وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ شَرْطٌ ، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ يَجُوزُ فِعْلُهُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ : وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ ، انْتَهَى .
فَلَعَلَّ قَوْلَهُ هُنَا " وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّهُ شَرْطٌ " يَعْنِي عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، أَوْ لَعَلَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ حَالَ شَرْحِ هَذَا الْمَكَانِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ ، وَاسْتَحْضَرَهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ ، وَهَذَا أَوْلَى ، وَإِلَّا كَانَ كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا ، وَهُوَ قَدْ شَرَحَ بَابَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ هَذَا الْمَكَانِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَوَاجِبَاتُهُ : الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِ .
وَالْوُقُوفُ إلَى الْغُرُوبِ .
وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ غَلَبَهُ نَوْمٌ بِعَرَفَةَ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ .
.
وَفِي الْوَاضِحِ فِيهِ وَفِي مَبِيتِ مِنًى : وَلَا عُذْرَ إلَى بَعْدِ النِّصْفِ .
وَالرَّمْيُ ، وَكَذَا تَرْتِيبُهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَطَوَافُ الْوَدَاعِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَهُوَ الصَّدْرُ ، وَقِيلَ الصَّدْرُ : طَوَافُ الزِّيَارَةِ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ ، قَالَ الْآجُرِّيُّ : يَطُوفُهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى أَوْ مِنْ نَفْرٍ آخَرَ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِّ ، وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ بْنُ أَبِي حَرْبٍ : وَالْقُدُومُ .
وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى ، عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا .
وَفِي الدَّفْعِ مَعَ الْأَمَامِ رِوَايَتَانِ ( م 17 ) .
وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ سُنَّةٌ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْخِلَافِ وَالْفُصُولِ وَالْمَذْهَبِ وَالْكَافِي ؛ لِأَنَّهَا اسْتِرَاحَةٌ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : وَاجِبٌ ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَجِبُ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إذَا نَسِيَ الرَّمَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا نَسِيَ ، وَكَذَا قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 17 ) قَوْلُهُ : وَفِي الدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ " يَعْنِي مِنْ عَرَفَةَ .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَيَعْنِي هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ ؟ ( إحْدَاهُمَا ) هُوَ سُنَّةٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هُوَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ ( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ الدَّفْعَ مَعَهُ وَاجِبٌ ، وَقَدْ قَطَعَ الْخِرَقِيُّ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا بِتَرْكِهِ .
فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِتَصْحِيحِهَا ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ : الطَّوَافُ .
وَفِي إحْرَامِهَا ، وَإِحْرَامُهَا مِنْ مِيقَاتِهَا وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ الْخِلَافُ فِي الْحَجِّ ، وَفِي الْفُصُولِ : السَّعْيُ فِيهَا رُكْنٌ ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ النِّسْكَيْنِ ، فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِرُكْنَيْنِ ، كَالْحَجِّ .
وَلَا يُكْرَهُ الِاعْتِمَار فِي السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ [ م ] وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، قَالَ أَحْمَدُ : إنْ شَاءَ كُلَّ شَهْرٍ ، وَقَالَ : لَا بُدَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ ، وَفِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ ، وَاسْتَحَبَّهُ جَمَاعَةٌ .
وَمَنْ كَرِهَ أَطْلَقَ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا عُوِّضَ بِالطَّوَافِ ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهُ ، خِلَافًا لِشَيْخِنَا ، وَفِي الْفُصُولِ : لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مَا شَاءَ .
وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً ، لِلْخَبَرِ ، وَكَرِهَ شَيْخُنَا الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لِعُمْرَةِ تَطَوُّعٍ ، وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ وَلَا صَحَابِيٌّ عَلَى عَهْدِهِ إلَّا عَائِشَةُ ، لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ ، اتِّفَاقًا .
وَلَمْ يَأْمُرْ عَائِشَةَ ، بَلْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ لِتَطْيِيبِ قَلْبِهَا ، قَالَ : وَطَوَافُهُ ، وَلَا يَخْرُجُ أَفْضَلُ ، اتِّفَاقًا .
وَخُرُوجُهُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ ، كَذَا قَالَ .
وَذَكَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخْتَارُهَا عَلَى الطَّوَافِ ، وَيَحْتَجُّ بِاعْتِمَارِ عَائِشَةَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ .
الطَّوَافَ وَهِيَ أَفْضَلُ فِي رَمَضَانَ ، قَالَ أَحْمَدُ : هِيَ فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً ، قَالَ : وَهِيَ حَجٌّ أَصْغَرُ .
قَالَ شَيْخُنَا : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } يَدْخُلُ فِيهِ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ ؛ وَلِهَذَا أَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ : إنَّ حَجَّةَ التَّمَتُّعِ حَجَّةٌ مَكِّيَّةٌ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، وَهِيَ عِنْدَ أَحْمَدَ

بَعْضُ حَجَّةِ الْكَامِلِ ، بِدَلِيلِ صَوْمِهَا .
فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ النِّيَّةَ لَمْ يَصِحَّ نُسُكُهُ وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا وَلَوْ سَهْوًا جَبَرَهُ بِدَمٍ ، فَإِنْ عَدِمَهُ فَكَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَالْإِطْعَامُ عَنْهُ .
وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ : الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ لَا يَنُوبُ عَنْهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَهَدَرٌ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ : وَلَمْ يُشْرَعْ الدَّمُ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ جُبْرَانَ الصَّلَاةِ أَدْخَلُ ، فَيَتَعَدَّى إلَى صَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ غَيْرِهِ .
وَتُكْرَهُ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا ضَرُورَةً فِي الْإِسْلَامِ } : وَ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ جَاهِلِيٌّ .
وَأَنْ يُقَالَ : حَجَّةُ الْوَدَاعِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ ، قَالَ : وَأَنْ يُقَالَ : شَوْطٌ بَلْ طَوْفَةٌ وَطَوْفَتَانِ .
وَقَالَ فِي فُنُونِهِ : إنَّهُ لَمَّا حَجَّ صَلَّى بَيْنَ عَمُودَيْ الْبَيْتِ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ .
لِتَكُونَ الْمُوَافَقَةُ دَاخِلَةً .
وَسَلَّمَ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ كَآدَمَ وَغَيْرِهِ ، لِمَا رُوِيَ .
إنَّ بِمَكَّةَ أُلُوفًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَرْجُمْ قَبْرَ أَبِي لَهَبٍ ، لِمَا عَلِمَ مِنْ كَرَاهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَهْلِهِ ، وَنَزَلَ عَنْ الظَّهْرِ مُنْذُ لَاحَتْ مَكَّةُ ، احْتِرَامًا وَإِعْظَامًا لَهَا ، وَاخْتَفَى فِي الطَّوَافِ عَنْ النَّاسِ وَأَبْعَدَ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يَمْلَأْ عَيْنَيْهِ مِنْهَا ، وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِذَاتِهَا ، بَلْ بِاسْتِحْضَارِ الشَّرَفِ ، وَلَمَّا تَعَلَّقَ بِسُتُورِهَا تَعَلَّقَ بِالْعَتِيقِ ، لِطُولِ مُلَامَسَتِهِ لَهَا ، وَأَذَّنَ فِي الْحَرَمِ مَدَى صَوْتِهِ ، وَأَكْثَرَ الْمَشْيَ فِيهِ وَالصَّلَاةَ ، لِيُصَادِفَ بُقْعَةً فِيهَا أَثَرَ الصَّالِحِينَ ، وَلَمْ يَدْعُ بِسَعَةِ الرِّزْقِ بَلْ بِالصَّلَاحِ ، وَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاعْتَذَرَ لَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّهْضَةِ ، وَنَزَلَ فِي الرَّوْضَةِ وَصَلَّى فِي مَوْضِعِ الْمِحْرَابِ الْأَوَّلِ ، وَتَوَسَّلَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ ، وَأَشَارَ إلَى قَبْرِهِ حِينَئِذٍ ، وَلَمْ يَعِظْ فِي الْحَرَمِ ، لِاغْتِنَامِ الْأَوْقَاتِ .
وَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجَمَّالِينَ ، خِلَافًا لِلْأَعْمَشِ ، وَحَمَلَ ابْنُ حَزْمٍ قَوْلَهُ عَلَى الْفَسَقَةِ مِنْهُمْ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَمْشِيَ نَاوِيًا بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ إلَى الدَّابَّةِ وَصَاحِبِهَا ، وَأَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَمْشِي كَثِيرًا ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ : لِمَ تَمْشِي ؟ فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُخْبِرَهُ ، فَقَبَضَ عَلَى كُمِّهِ وَقَالَ : لَا أَدَعُك حَتَّى تُخْبِرَنِي ، قَالَ : فَدَعْنِي حَتَّى أُخْبِرَكَ .
فَقَالَ : أَلَيْسَ يُقَالُ فِي حُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قُلْت : بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ هَذَا مِنْ حُسْنِ الصُّحْبَةِ مَعَ الْجَمَّالِ ، أَلَيْسَ يُقَالُ : مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ ؟ قُلْت : بَلَى ، قَالَ : هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وَنَحْنُ نَمْشِي فِيهِ ، أَلَيْسَ يُقَالُ : : إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ ؟ قُلْت : بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ هَذَا الْجَمَّالَ كُلَّمَا مَشَيْنَا سَرَّهُ قُلْت : بَلَى .
قَالَ السَّائِلُ : هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ .
وَيُعْتَبَرُ فِي وِلَايَةِ تَسْيِيرِ الْحَجِيجِ كَوْنُهُ مُطَاعًا ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهِدَايَةٍ ، وَعَلَيْهِ جَمْعُهُمْ وَتَرْتِيبُهُمْ وَحِرَاسَتُهُمْ فِي الْمَسِيرِ وَالنُّزُولِ وَالرِّفْقُ بِهِمْ وَالنُّصْحُ ، وَيَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ ، وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ، وَلَا يَحْكُمُ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : يَلْزَمُهُ عِلْمُ خُطَبِ الْحَجِّ وَالْعَمَلُ بِهَا .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَنْ جَرَّدَ مَعَهُمْ وَجَمَعَ لَهُ مِنْ الْجُنْدِ الْمُقَطَّعِينَ مَا يُعِينُهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ ، وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ ، وَلَهُ أَجْرُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَهَذَا كَأَخْذِ بَعْضِ الْأَقْطَاعِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ ، وَيَلْزَمُ الْمُعْطِيَ بَذْلُ مَا أُمِرَ بِهِ .
وَشَهْرُ

السِّلَاحِ عِنْدَ قُدُومِ تَبُوكَ بِدْعَةٌ ، زَادَ شَيْخُنَا : مُحَرَّمَةٌ ، قَالَ : وَمَا يَذْكُرُهُ الْجُهَّالُ فِي حِصَارِ تَبُوكَ كَذِبٌ ، فَلَمْ يَكُنْ بِهَا حِصْنٌ وَلَا مُقَاتِلَةٌ ، وَإِنَّ مَغَازِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَمْ يُقَاتِلْ فِيهَا إلَّا فِي تِسْعٍ : بَدْرٍ ، وَأُحُدٍ ، وَالْخَنْدَقِ ، وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ ، وَالْغَابَةِ ، وَفَتْحِ خَيْبَرَ ، وَفَتْحِ مَكَّةَ ، وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ .
.

بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ لِعُذْرِ حَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَا انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، قَارِنًا وَغَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ لَا تَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمْرَةٍ إذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ ، وَعَنْهُ : لَا يَنْقَلِبُ وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، فَيَدْخُلُ إحْرَامُ الْحَجِّ عَلَى الْأَوِّلَةِ فَقَطْ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَدْخُلُ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ قَارِنًا ، احْتَجَّ الْقَاضِي بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إحْرَامُ الْحَجِّ وَإِلَّا لَصَحَّ وَصَارَ قَارِنًا ، وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَبِأَنَّهُ لَوْ جَازَ بَقَاؤُهَا لَجَازَ أَدَاءُ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، وَبِأَنَّ الْإِحْرَامَ إمَّا أَنْ يُؤَدَّى بِهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ ، فَأَمَّا عَمَلُ عُمْرَةٍ فَلَا ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ : يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَلَيْسَ عُمْرَةً ، وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ قَضَاءِ النَّفْلِ ( وَ ) كَالْإِفْسَادِ .
وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَلْزَمُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ نَفْلٍ فَفَسَخَهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْحَجِّ ، وَعَنْهُ : لَا ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا ، وَيَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلًا هَدْيٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْأَصَحِّ ، قِيلَ : مَعَ الْقَضَاءِ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ فِي عَامِهِ ( هـ ) دَمٌ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ إلَّا مَعَ الْقَضَاءِ إنْ وَجَبَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ ، وَإِلَّا فِي عَامِهِ ( م 1 ) وَسَوَاءٌ كَانَ سَاقَ .
هَدْيًا أَمْ لَا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُوجَزِ : وَهُوَ بَدَنَةٌ ، فَإِنْ عَدِمَهُ زَمَنَ الْوُجُوبِ صَامَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ : ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ : يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَتَهُ

يَوْمًا .
وَعَنْهُ : يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ وَيَقْضِيهِ .
وَإِنْ وَقَفَ النَّاسُ الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ خَطَأً أَجْزَأَ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَهَلْ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ اسْمٌ لِمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ ، أَوْ لِمَا يَرَاهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُونَهُ ، وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ، قَالَ : وَالثَّانِي الصَّوَابُ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ أَخْطَئُوا : الْغَلَطُ .
فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ لَمْ يُجْزِئْهُمْ ( ع ) فَلَوْ اُغْتُفِرَ الْخَطَأُ لِلْجَمِيعِ لَاغْتُفِرَ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهَا ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَا خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ ، وَهُوَ بِدْعَةٌ ، لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ ، وَمَنْ اعْتَبَرَ كَوْنَ الرَّائِي مِنْ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ بِمَكَانٍ لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَطَالِعُ فَقَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ فِي الْحَجِّ ، فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ ، بَلْ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ ، وَيَتَوَجَّهُ وُقُوفُ مَرَّتَيْنِ إنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا مَنْ رَآهُ ، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ : إنْ أَخْطَئُوا لِغَلَطٍ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الرُّؤْيَةِ أَوْ الِاجْتِهَادِ مَعَ الْإِغْمَاءِ أَجْزَأَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ : وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ وَفِي الِانْتِصَارِ عَدَدٌ يَسِيرٌ .
وَفِي التَّعْلِيقِ فِيمَا إذَا أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ قَالَ : الْعَدَدُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ .
وَفِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ : نَفَرٌ ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يُقَالُ : إنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ ، وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِذْ صَرَفْنَا إلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ } قِيلَ : سَبْعَةٌ ، وَقِيلَ : تِسْعَةٌ ، وَقِيلَ : اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ، قَالَ

ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ النَّفَرَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ فَاتَهُ ، وَقِيلَ : كَحَصْرِ عَدُوٍّ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
{ عَرَفَةُ الْيَوْمُ الَّذِي يُعْرَفُ النَّاسُ فِيهِ } فَإِذَا شَكَّ النَّاسُ فِي عَرَفَةَ ، فَقَالَ قَوْمٌ : يَوْمُ النَّحْرِ ، فَوَقَفَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ ، ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ ، أَجْزَأَهُمْ .
.

بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ عَلَى الْأَصَحِّ يَعْنِي مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مُطْلَقًا قِيلَ : مَعَ الْقَضَاءِ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ فِي عَامِهِ دَمٌ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ إلَّا مَعَ الْقَضَاءِ إنْ وَجَبَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ ، كَدَمِ التَّمَتُّعِ ، وَإِلَّا فِي عَامِهِ ، انْتَهَى .
هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِيهَا نَوْعُ خَفَاءٍ فِي إطْلَاقِ الْخِلَافِ وَحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ : إنْ قُلْنَا لَا يَقْضِي أَخْرَجَهُ مِنْ عَامِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا يَقْضِي أَخْرَجَهُ فِي عَامِ الْقَضَاءِ ، وَقَطَعُوا بِذَلِكَ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ الَّذِي يُخْرِجُهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ الْفَوَاتِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ لِأَجْلِ الْفَوَاتِ يُخْرِجُهُ فِي سَنَتِهِ إنْ قُلْنَا : لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ قُلْنَا : عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ، أَخْرَجَهُ فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ سَنَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، فَعَلَى هَذَا مَتَى يَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) وَجَبَ فِي سَنَتِهِ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهُ إلَى قَابِلٍ .
( وَالثَّانِي ) : أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَيُخْرِجُهُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ فَقَطْ إنْ سَقَطَ الْقَضَاءُ ، وَإِنْ وَجَبَ فَمَعَهُ لَا قَبْلَهُ ، سَوَاءٌ وَجَبَ الْهَدْيُ سَنَةَ الْفَوَاتِ ، فِي وَجْهٍ ، أَوْ سَنَةَ الْقَضَاءِ ، انْتَهَى .
وَتَابَعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَمَا قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ : وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ ، قِيلَ : لُزُومُهُ مَعَ الْقَضَاءِ ، أَوْ فِي عَامِ الْقَضَاءِ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي قَوْلِهِ

الْقَوْلُ الْآخَرُ " وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ فِي عَامِهِ دَمٌ " وَقَوْلُهُ " دَمٌ " هُنَا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَمَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الْهَدْيِ الَّذِي لَزِمَهُ لِأَجْلِ الْفَوَاتِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : " وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ ، عَلَى الْأَصَحِّ " وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقَوْلِ الثَّانِي " وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ إلَّا مَعَ الْقَضَاءِ " صَحِيحٌ ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " إنْ وَجَبَ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ " قِيلَ مَعَ الْقَضَاءِ " أَيْ قِيلَ : يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ مَعَ الْقَضَاءِ إنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِقَوْلِهِ " وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ إلَّا مَعَ الْقَضَاءِ إنْ وَجَبَ " وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ، وَقَوْلُهُ : " بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ " يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ " يَلْزَمُهُ " وَتَقْدِيرُهُ : وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ إلَّا مَعَ الْقَضَاءِ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ ، وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فِي عَامِهِ " أَيْ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَقْضِي لَزِمَهُ فِي عَامِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَدْ رَأَيْت عَلَى بَعْضِ النُّسَخِ فِي حَاشِيَتِهَا مَكْتُوبٌ " هُنَا بَيَاضٌ وَحَزَرَ بِذَلِكَ الْمَكْتُوبِ " وَأَكْثَرُ النُّسَخِ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
عُدْنَا إلَى تَصْحِيحِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، فَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ دَمِ الْفَوَاتِ هَلْ وَجَبَ فِي عَامِ الْفَوَاتِ وَيُؤَخِّرُ ذَبْحَهُ إلَى عَامِ الْقَضَاءِ ؟ أَوْ وَجَبَ فِي عَامِ الْقَضَاءِ وَيَذْبَحُ فِيهِ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ ؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي كَلَامِ الرِّعَايَةِ نَقْصًا أَيْضًا ، وَتَقْدِيرُهُ : أَوْ سَنَةَ الْقَضَاءِ فِي آخَرَ ، أَيْ فِي وَجْهٍ آخَرَ ، فَيَكُونُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ أَيْضًا ، أَحَدُهُمَا وُجُوبُهُ مِنْ حِينِ الْفَوَاتِ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ إلَى الْقَضَاءِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الْأَصْحَابِ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ فِي عَامِ الْقَضَاءِ بَعِيدٌ جِدًّا فِيمَا

يَظْهَرُ ، وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ سِوَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَنْ مَنَعَ الْبَيْتَ وَاحِدًا أَوْ الْكُلَّ بِالْبَلَدِ أَوْ الطَّرِيقِ ظُلْمًا وَفِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَالْفُصُولِ : فِي غَيْرِ عُمْرَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ وَلَوْ خَافَ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ ، وَفِيهِ فِي الْخِلَافِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : وَأَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ إلَى جِهَةٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : بَلْ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ ، وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آمِنَةً وَلَوْ بَعُدَتْ ، وَفَاتَ الْحَجُّ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِأَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهِ وُجُوبًا مَكَانَهُ ، كَالْحَلْقِ يَجُوزُ لَهُ فَقَطْ فِي الْحِلِّ ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ : يَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِي الْحِلِّ ، وَعَنْهُ : يَنْحَرُهُ فِي الْحَرَمِ ، وَعَنْهُ : مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَفِي الْكَافِي : وَكَذَا مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ ، وَيَحِلُّ .
وَالْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : إنْ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَهَدْيَانِ لِتَحَلُّلِهِ وَفَوَاتِهِ .
وَمَنْ حُصِرَ عَنْ وَاجِبٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ ، بَلْ عَلَيْهِ دَمٌ لَهُ ، وَقَالَ الْقَاضِي : يَتَوَجَّهُ فِيمَنْ حُصِرَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الثَّانِي يَتَحَلَّلُ وَأُومِئُ إلَيْهِ ، وَالتَّحَلُّلُ مُبَاحٌ لِحَاجَتِهِ فِي الدَّفْعِ إلَى قِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَالْعَدُوُّ مُسْلِمًا فَفِي وُجُوبِ الْبَذْلِ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَمَعَ كُفْرِ الْعَدُوِّ يُسْتَحَبُّ قِتَالُهُ إنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ ، .
وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى .
وَإِنْ عَدِمَ الْهَدْيَ صَامَ عَشْرَةً بِالنِّيَّةِ ، كَمُبْدَلِهِ ، ثُمَّ حَلَّ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَلَا إطْعَامَ فِيهِ ، وَعَنْهُ : بَلَى .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَوَّمَهُ طَعَامًا وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ ، وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ إنْ قَدَرَ ، فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ حَلَّ ثُمَّ صَامَ ، وَفِي وُجُوبِ حَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ رِوَايَتَانِ ، قِيلَ : مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ أَوْ لَا وَقِيلَ لَا يَجِبُ هُنَا ( م 3 ) لِعَدَمِ .
ذِكْرِهِ فِي

الْآيَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ بِنُسُكٍ خَارِجَ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْإِحْرَامِ كَرَمْيٍ وَطَوَافٍ ، وَلَوْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ هَدْيٍ وَصَوْمٍ لَمْ يَحِلَّ ، وَلَزِمَهُ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : لَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ نَفْلٍ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو طَالِبٍ : بَلَى ( و هـ ) وَمِثْلُهُ مِنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَخَرَّجَ مِنْهَا فِي الْوَاضِحِ مِثْلَهُ فِي مَنْذُورَةٍ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْهَدْيُ : لَا يَلْزَمُ الْمَحْصَرَ هَدْيٌ وَلَا قَضَاءٌ لِعَدَمِ أَمْرِ الشَّارِعِ بِهِمَا ، كَذَا قَالَ ، وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : وَلَا فَرْضَ بَعْدَ إحْرَامِهِ ( و م ر ) وَإِنْ مُنِعَ فِي حَجٍّ عَنْ عَرَفَةَ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ مَجَّانًا ، وَعَنْهُ : كَمَنْ مُنِعَ الْبَيْتَ ، وَعَنْهُ : كَحَصْرِ مَرَضٍ ، وَإِنْ حَصَرَهُ مَرَضٌ أَوْ ذَهَابُ نَفَقَةٍ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ ، فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَلَا يَنْحَرُ هَدْيًا مَعَهُ إلَّا بِالْحَرَمِ ، نَصَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ ، وَفِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَالْهَدْيِ الْخِلَافُ ، وَأَوْجَبَ الْآجُرِّيُّ الْقَضَاءَ هُنَا ، .
وَعَنْهُ : يَتَحَلَّلُ كَمُحْصَرٍ بَعْدُ .
وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَأَنَّ مِثْلَهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مُقَامُهَا وَحَرُمَ طَوَافُهَا ، أَوْ رَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ وَلَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ ، وَكَذَا مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَفِي التَّعْلِيقِ : لَا يَتَحَلَّلُ ، وَاحْتَجَّ شَيْخُنَا لِاخْتِيَارِهِ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْمُحْصِرِ أَنْ يَبْقَى مُحْرِمًا حَوْلًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، بِخِلَافِ بَعِيدٍ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ وَلَا يَصِلُ إلَّا فِي عَامٍ ، بِدَلِيلِ تَحَلُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا حُصِرُوا عَنْ إتْمَامِ الْعُمْرَةِ مَعَ إمْكَانِ رُجُوعِهِمْ مُحْرِمِينَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ ، وَاتَّفَقُوا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ

الْحَجُّ لَا يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ .
وَيَقْضِي عَبْدٌ كَحُرِّ ، وَفِيهِ فِي رِقِّهِ الْوَجْهَانِ ، وَصَغِيرٌ كَبَالِغٍ .
وَيَقْضِي مَنْ حَلَّ فِي حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ فِي سَنَتِهِ إنْ أَمْكَنَهُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهَا ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي : لَوْ جَازَ طَوَافُهُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ لَصَحَّ أَدَاءُ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ ، وَلَا يَجُوزُ ( ع ) ؛ لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطُوفُ وَيَسْعَى فِيهِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَمْضِي فِيهَا ، وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ فَلَا مَعْنًى لِمَنْعِهِ مِنْهُ ، فَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ لَبَّى بِحَجَّتَيْنِ لَا يَكُونُ إهْلَالًا بِشَيْئَيْنِ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ عَمَلٌ وَاجِبٌ بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ ، فَلَا يَجُوزُ مَعَ بَقَائِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْصَرِ هَذِهِ .
.

( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَالتَّحَلُّلُ مُبَاحٌ لِحَاجَتِهِ فِي الدَّفْعِ إلَى قِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَالْعَدُوُّ مُسْلِمًا فَفِي وُجُوبِ الْبَذْلِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَجِبُ بَذْلُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ بَذْلِهِ ، كَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : بَلْ هُنَا أَوْلَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَجِبُ بَذْلُ خَفَارَةٍ بِحَالٍ ، وَلَهُ التَّحَلُّلُ ، كَمَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آمِنًا مِنْ غَيْرِ خَفَارَةٍ ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَمَنْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ عَنْ الْبَيْتِ وَاحْتَاجَ فِي دَفْعِهِ إلَى قِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ وَقُلْنَا : لَا يَجِبُ لِدَفْعٍ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يَسِيرٍ وَقُلْنَا : لَا يَجِبُ دَفْعُهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الْبَيْتِ تَرَكَ قِتَالَهُ مَعَ جَوَازِهِ ، انْتَهَى .
فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَفْعُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَفِي وُجُوبِ حَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ رِوَايَتَانِ ، قِيلَ : مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ أَوْ لَا ، وَقِيلَ : لَا يَجِبُ هُنَا ، انْتَهَى .
اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ لِلْمُحْصَرِ ، فَقِيلَ : فِيهِ رِوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ ؟ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ جَزَمَ بِهَا فِي الْكَافِي ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْوُجُوبَ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ : وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ مَعَ ذَبْحِ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَلَعَلَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَلْقِ ، هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ ؟ انْتَهَى .
فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ ، عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نُسُكٌ ، فَكَذَا يَكُونُ هُنَا ،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32