كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي

مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ وَخَمْرٍ ذِمِّيٌّ فَفِي تَخْلِيَتِهِ وَتَبْقِيَتِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى : ( أَحَدُهُمَا ) يُخَلَّى ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ : إنْ صَدَقَهُ غَرِيمُهُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَبْقَى فِي الْحَبْسِ ، وَقِيلَ يَقِفُ لِيَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ ، وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ الْجَدِيدِ .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَلَهُ فِي الْأَصَحِّ النَّظَرُ فِي حَالِ مَنْ قَبْلَهُ .
وَقِيلَ : يَجِبُ .
وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمٍ إلَّا إذَا خَالَفَ نَصًّا ، كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ ، فَيَلْزَمُ نَقْضُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَقِيلَ : مُتَوَاتِرًا أَوْ إجْمَاعًا ، وَقِيلَ : وَلَوْ ظَنِّيًّا .
وَقِيلَ : وَقِيَاسًا جَلِيًّا ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَوِفَاقًا لِمَالِكٍ ، وَزَادَ : وَخِلَافُ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَلَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُنْقَضْ ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا : قَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ مَا قَضَى فَيَسْتَقْبِلُ حُكْمَ الْقُرْآنِ وَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ } مُرْسَلٌ ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ الْأَصَمِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الرَّأْيَ إنْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصِيبًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُرِيهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَّا الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ " ؛ مُنْقَطِعٌ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى .
{ إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ بَنِي الْأُبَيْرِقِ ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ وِفَاقًا وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا وَفِي الْإِرْشَادِ : وَهَلْ يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ قَوْلِ صَحَابِيٍّ ؛ يَتَوَجَّهُ نَقْضُهُ إنْ جُعِلَ حُجَّةً كَالنَّصِّ ، وَإِلَّا فَلَا ، نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْحَكَمِ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ وَآخَرُ بِقَوْلِ تَابِعِيٍّ فَهَذَا يُرَدُّ حُكْمُهُ ، لِأَنَّهُ حَكَمَ بِجَوْرٍ وَتَأَوَّلَ الْخَطَأَ ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي الْمَدْلُولِ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ :

فَأَمَّا إذَا أَخْطَأَ بِلَا تَأْوِيلٍ فَلْيَرُدَّهُ وَيَطْلُبْ صَاحِبَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ فَيَقْضِي بِحَقٍّ ، وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ فَيَنْزِلُ الْقَضَاءُ ، بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَتْرُكُ قَضَاءَهُ وَيَسْتَعْمِلُ حُكْمَ الْقُرْآنِ } وَمَنْ لَمْ يُصْلَحْ نُقِضَ حُكْمُهُ ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ ، وَقِيلَ : غَيْرُ الصَّوَابِ ، قَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ ، وَهَلْ يَثْبُتُ سَبَبُ نَقْضِهِ وَيَنْقُضُهُ غَيْرُ مَنْ حَكَمَ وُجُودَهُ ؟ تَقَدَّمَ فِي التَّفْلِيسِ .

وَحُكْمُهُ بِشَيْءٍ حُكْمٌ بِلَازِمِهِ ، وَذَكَرُوهُ فِي الْمَفْقُودِ ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي لِعَانِ عَبْدٍ : فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتَهُ لَا يُقْبَلُ ، لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ ، فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ ، بِخِلَافِ رَدِّ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ ، لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا ، وَفِيهِ فِي شَهَادَتِهِ فِي نِكَاحٍ لَوْ قُبِلَتْ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ ، فَإِنَّ سَبَبَ الْأَوَّلِ الْفِسْقُ ، وَزَالَ ظَاهِرًا ، لِقَبُولِ سَائِرِ شَهَادَاتِهِ .
وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْوَاقِعَةِ فَتَغَيَّرَ الْقَضَاءُ بِهَا لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ الْأَوَّلِ ، بَلْ رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ ، لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فِيهَا ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلِيِّهِ ، وَفِي الْمُغْنِي : رُدَّتْ بِاجْتِهَادٍ ، فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رَدِّ عَبْدٍ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى ، وَالْمُخَالَفَةُ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ .

وَإِنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةٍ خَارِجٌ ، وَجَهْلُ عِلْمِهِ بِبَيِّنَةٍ دَاخِلٌ ، لَمْ يَنْقُضْ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ جَرْيُهُ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالصِّحَّةِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي آخَرِ فُصُولِ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ .
وَثُبُوتُ شَيْءٍ عَنْهُ لَيْسَ حُكْمًا بِهِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي صِفَةِ السِّجِلِّ ، وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي ، وَكَلَامُ الْقَاضِي هُنَاكَ يُخَالِفُهُ .
وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى خَصْمٍ بِالْبَلَدِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ ، وَقِيلَ : إنْ حَرَّرَ دَعْوَاهُ ، وَمَتَى لَمْ يَحْضُرْ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ فِي تَخَلُّفِهِ وَإِلَّا أَعْلَمَ الْوَالِيَ بِهِ ، وَمَتَى حَضَرَ فَلَهُ تَأْدِيبُهُ بِمَا يَرَاهُ .
وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا فِي حَاكِمٍ مَعْزُولٍ ، وَيُرَاسِلُهُ قَبْلَ إحْضَارِهِ ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا .
وَإِنْ قَالَ حَكَمَ عَلَيَّ بِفَاسِقَيْنِ عَمْدًا قَبْلَ قَوْلِ الْحَاكِمِ ، وَقِيلَ : بِيَمِينِهِ .
وَعَنْهُ : مَتَى بَعُدَتْ الدَّعْوَى عُرْفًا .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : وَخَشَى بِإِحْضَارِهِ ابْتِذَالَهُ لَمْ يُحْضِرْهُ حَتَّى يُحَرَّرَ وَيُتَبَيَّنَ أَصْلُهَا ، وَعَنْهُ : مَتَى .
تَبَيَّنَ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَلَا .

وَلَا يُعْتَبَرُ لِامْرَأَةٍ بَرْزَةٌ تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا غَيْرَ مُخَدَّرَةٍ مُحَرَّمٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَغَيْرِهَا تُوَكِّلُ ، كَمَرِيضٍ ، وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ النَّصَّ فِي الْمَرْأَةِ ، وَاخْتَارَهُ إنْ تَعَذَّرَ الْحَقُّ بِدُونِ حُضُورِهَا ، وَإِلَّا لَمْ يُحْضِرْهَا ، وَأَطْلَقَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ إحْضَارَهَا ، لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنَاهُ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ ، وَلِأَنَّ مَعَهَا أَمِينَ الْحَاكِمِ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ خِيفَةُ الْفُجُورِ ، وَالْمُدَّةُ يَسِيرَةٌ ، كَسَفَرِهَا مِنْ مُحَلَّةٍ إلَى مُحَلَّةٍ ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تُنْشِئْ هِيَ ، إنَّمَا أُنْشِئَ بِهَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ خَرَجَتْ لِلْعَزَايَا أَوْ الزِّيَارَاتِ وَلَمْ تُكْثِرْ فَهِيَ مُخَدَّرَةٌ ، فَيُنْفِذُ مَنْ يُحَلِّفُهَا وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِمَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ بِهِ بَعَثَ إلَى مَنْ يُتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حَرَّرَ دَعْوَاهُ ثُمَّ يُحْضِرُهُ ، وَقِيلَ : لِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ ، وَعَنْهُ : لِدُونِ يَوْمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَزَادَ : بِلَا مُؤْنَةٍ وَمَشَقَّةٍ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا يُحْضِرْهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى تَتَحَرَّرَ دَعْوَاهُ ، وَفِيهِ : يَتَوَقَّفُ إحْضَارُهُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ ، قَالَ : وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا يُحْضِرْهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَهُ مَا ادَّعَاهُ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَمَنْ ادَّعَى قَبْلَهُ شَهَادَةً لَمْ تُسْمَعْ ، وَلَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَحْلِفْ ، خِلَافًا لِشَيْخِنَا فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ ، قَالَ : وَلَوْ قَالَ أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَا أُؤَدِّيهَا فَظَاهِرٌ ، وَلَوْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى بِهِ إنْ قِيلَ كِتْمَانُهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِ مَا تَلِفَ ، وَلَا يُبْعَدُ ، كَمَا يَضْمَنُ مَنْ تَرَكَ الْإِطْعَامَ الْوَاجِبَ ، وَكَوْنُهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِفِسْقِهِ بِكِتْمَانِهِ لَا يَنْفِي ضَمَانَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِالْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ حَقًّا عَلَى الشَّاهِدِ ، وَمَنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ أَوْ

حَاكِمٌ لِيَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لَزِمَهُ ، حَيْثُ يَلْزَمُ الْحَاكِمُ إحْضَارُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ .

إذَا جَاءَ إلَيْهِ خَصْمَانِ فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يُبْدَأَ ، وَالْأَشْهَرُ : أَنْ يَقُولَ أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي ، وَمَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى قُدِّمَ ، ثُمَّ مَنْ قُرِعَ ، وَقِيلَ : مَنْ شَاءَ حَاكَمَ ، فَإِذَا انْتَهَتْ حُكُومَتُهُ ادَّعَى الْآخَرُ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شَكِيَّةَ أَحَدٍ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ ، هَكَذَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا سَكَتَ تُرِكَ ، وَقِيلَ مَنْ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ ، وَعَكْسُهُ الْمُنْكِرُ فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ التَّعَاقُبَ فَلَا نِكَاحَ ، فَالْمُدَّعِي هِيَ ، وَعَلَى الثَّانِي هُوَ ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى مَقْلُوبَةٌ ، وَسَمِعَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتَنْبَطَهَا ، وَلَا يَصِحَّانِ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَتَصِحُّ عَلَى السَّفِيهِ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ [ إذْنٌ ] وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ ، وَيُحَلَّفُ إذَا أَنْكَرَ .
بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ( تَنْبِيهَانِ ) : ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : " وَعَكْسُهُ الْمُنْكِرُ " قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : وَعَكْسُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ غَيْرُهُ ، لِيَعُمَّ مَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا إذَا سَكَتَ ، فَإِنَّهُ إذَا سَكَتَ وَلَمْ يُنْكِرْ لَمْ يُتْرَكْ أَيْضًا وَلَيْسَ مُنْكِرًا ، انْتَهَى .
قُلْت : لَعَلَّ الْمُنْكِرَ مَنْ لَمْ يُقِرَّ فَيَشْمَلُ السَّاكِتَ .

وَلَا تَصِحُّ دَعْوَى إلَّا مُحَرَّرَةً مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِ مَعْلُومَةً إلَّا مَا يَصِحُّ مَجْهُولًا ، كَوَصِيَّةٍ وَإِقْرَارٍ وَعَبْدٍ مُطَلِّقٍ فِي مَهْرٍ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِمَجْهُولٍ لِئَلَّا يَسْقُطَ حَقُّ الْمَقَرِّ لَهُ ، وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ، فَإِذَا رُدَّتْ عَلَى عَدْلٍ إلَى مَعْلُومٍ وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَعْلُومِ لَا تَصِحُّ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ وَلَا مُوجِبِهِ ، فَكَيْفَ بِالْمَجْهُولِ ، وَفِيهِ : لَوْ ادَّعَى دِرْهَمًا وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ قُبِلَ ، وَلَا يَدَّعِي الْإِقْرَارَ لِمُوَافَقَةِ لَفْظِ الشُّهُودِ ، بَلْ لَوْ ادَّعَى لَمْ تُسْمَعْ ، وَفِيهِ : فِي اللُّقَطَةِ لَا تُسْمَعُ ، وَلَا يُعَدِّي حَاكِمٌ فِي مِثْلِ مَا لَا تَتْبَعهُ الْهِمَّةُ ، وَقِيلَ : تُسْمَعُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : الصَّحِيحُ تُسْمَعُ ، فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْحَقِّ لِلُّزُومِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، كَدَعْوَى تَدْبِيرٍ ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي قَتْلِ أَبِي أَحَدِ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ أَنَّهُ يُسْمَعُ ، لِلْحَاجَةِ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا ، وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ ، وَكَذَا دَعْوَى غَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَسَرِقَةٍ ، لَا إقْرَارٍ وَبَيْعٍ إذَا قَالَ نَسِيت ، لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ .
وَيُعْتَبَرُ انْفِكَاكُ الدَّعْوَى عَمَّا يُكَذِّبُهَا ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مُنْفَرِدًا ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ الْمُشَارَكَةَ فِيهِ لَمْ تُسْمَعْ الثَّانِيَةُ وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَقُولَ غَلِطْت أَوْ كَذَبْت فِي الْأُولَى ، فَالْأَظْهَرُ : يُقْبَلُ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، لِإِمْكَانِهِ ، وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : مَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَذَكَرَ تَلَقِّيه مِنْهُ سَمِعَ ، وَإِلَّا فَلَا .

وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ فَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيه مِنْهُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَيُعْتَبَرُ التَّصْرِيحُ بِهَا ، فَلَا يَكْفِي : لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا حَتَّى يَقُولَ وَأَنَا الْآنَ مُطَالَبٌ بِهِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : يَكْفِي الظَّاهِرُ ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْت ثَوْبِي فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي رَدُّهُ وَإِلَّا قِيمَتُهُ ، صَحَّ اصْطِلَاحًا ، وَقِيلَ : يَدَّعِيه ، فَإِنْ حَلَفَ ادَّعَى قِيمَتَهُ .
الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ فَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيه مِنْهُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ " ، انْتَهَى .
هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ ، وَقَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ بَيْعًا لَازِمًا أَوْ هِبَةً مَقْبُوضَةً فَوَجْهَانِ ، لِعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلتَّسْلِيمِ ، انْتَهَى .
هَذَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ فِي التَّرْغِيبِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ .

وَفِي التَّرْغِيبِ : لَوْ أَعْطَى دَلَّالًا ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ فَجَحَدَهُ ، فَقَالَ أَدَّعِي ثَوْبًا إنْ كَانَ بَاعَهُ فَلِي عِشْرُونَ ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي عَيْنُهُ ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلِي عَشْرَةٌ فَقَدْ اصْطَلَحَ الْقَضَاءُ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمُرَدَّدَةِ لِلْحَاجَةِ ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ الْآنَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ أَوْ فِي يَدِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، حَتَّى يُبَيِّنَ سَبَبَ يَدِ الثَّانِي نَحْوَ غَاصِبِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدْت أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْيَدِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ إنْ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا قُبِلَ ، كَعِلْمِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ يَلْبَسُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الشَّاهِدِ ، وَهُوَ بَاقٍ فِي مِلْكِهِ إلَى الْآنِ .

وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ فَادَّعَى رَجُلٌ بِمَثْبُوتٍ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخْلَفٌ عَنْ مَوْرُوثِهِ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ ، لِأَنَّ أَصْلَيْنِ تَعَارَضَا وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ ، وَلَوْ فُتِحَ هَذَا لَانْتُزِعَ كَثِيرٌ مِنْ عَقَارِ النَّاسِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِأَبِيهِ ، فَهَلْ يُسْمَعُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ أَوْ تَحْتَ حُكْمِهِ وَقَالَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ وَأَقَامَ وَارِثٌ بَيِّنَةً بِأَنَّ مَوْرُوثَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ ، لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ ، كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَآخَرُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ ، وَإِنْ قَالَ كَانَ بِيَدِك أَوْ لَك أَمْسِ لَزِمَهُ سَبَبُ زَوَالِ يَدِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : فِي الثَّانِيَةِ ، فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا : لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا هَلْ يُقْبَلُ ؟ وَيَكْفِي شُهْرَتُهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ حَاكِمٍ عَنْ تَجْدِيدِهِ ، لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ ، وَظَاهِرُهُ عَمَلُهُ بِعِلْمِهِ أَنَّ مَوْرُوثَهُ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ عَنْ دَعْوَى فِي وَرَقَةٍ ، ادَّعَى بِمَا فِيهَا .
وَتُسْمَعُ دَعْوَى اسْتِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ ، وَقِيلَ : إنْ جَعَلَ عِتْقًا بِصِفَةٍ .
وَفِي الْفُصُولِ دَعْوَاهُ سَبَبًا قَدْ تُوجِبُ مَالًا ، كَضَرْبِ عَبْدِهِ ظُلْمًا ، يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُسْمَعَ [ حَتَّى يَجِبَ الْمَالُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا تُسْمَعُ ] إلَّا دَعْوَى مُسْتَلْزِمَةٌ ، لَا كَبَيْعِ خِيَارٍ [ وَنَحْوِهِ ] وَأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ هِبَةً لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَقُولَ : وَيَلْزَمُك التَّسْلِيمُ إلَيَّ ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَبِلَ اللُّزُومَ ، وَلَوْ قَالَ

بَيْعًا لَازِمًا أَوْ هِبَةً مَقْبُوضَةً فَوَجْهَانِ ، لِعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلتَّسْلِيمِ ، وَاخْتَارَ ( شَيْخُنَا ) أَنَّ مَسْأَلَةَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَفُرُوعِهَا ضَعِيفَةٌ ، لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ ، وَأَنَّ الثُّبُوتَ الْمَحْضَ يَصِحُّ بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : إذَا قِيلَ لَا تُسْمَعُ إلَّا مُحَرَّرَةً فَالْوَاجِبُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مُجْمَلًا اسْتَفْصَلَهُ الْحَاكِمُ ، وَقَالَ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مُبْهَمًا ، كَدَعْوَى الْأَنْصَارِ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ ، وَدَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى بَنِي الْأُبَيْرِقِ ، ثُمَّ الْمَجْهُولُ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا وَقَدْ يَنْحَصِرُ فِي قَوْمٍ ، كَقَوْلِهَا نَكَحَنِي أَحَدُهُمَا ، وَقَوْلِهِ زَوْجَتِي إحْدَاهُمَا ، وَقَالَ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى خَصْمِهِ أَنَّ بِيَدِهِ عَقَارًا اسْتَغَلَّهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَعَيْنُهُ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فَأَنْكَرَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِاسْتِيلَائِهِ لَا بِاسْتِحْقَاقِهِ لَزِمَ الْحَاكِمَ إثْبَاتُهُ وَالْإِشْهَادُ بِهِ ، كَمَا يَلْزَمُ الْبَيِّنَةَ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ ، لِأَنَّهُ كَفَرْعٍ مَعَ أَصْلٍ ، وَمَا لَزِمَ أَصْلَا الشَّهَادَةِ بِهِ لَزِمَ فَرْعُهُ ، حَيْثُ يُقْبَلُ ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ إعَانَةُ مُدَّعٍ بِشَهَادَةٍ وَإِثْبَاتٍ وَنَحْوِهِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِ لَزِمَ الدُّورُ ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِإِعْطَائِهِ مَا ادَّعَاهُ ، ثُمَّ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَالٍ مَجْهُولٍ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا حَاضِرَةً لَكِنْ لَمْ تَحْضُرْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ اُعْتُبِرَ إحْضَارُهُ لِلتَّعْيِينِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي إنْ أَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ مِثْلَهُ ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ بِيَدِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولٍ حُبِسَ أَبَدًا حَتَّى يُحْضِرَهُ ، أَوْ يَدَّعِيَ تَلَفَهُ ، فَيُصَدَّقَ لِلضَّرُورَةِ ، وَتَكْفِي الْقِيمَةُ .
وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ صِفَةَ مُسْلِمِهِ ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهِ أَيْضًا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يَكْفِي ذِكْرُ قِيمَةٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ ، وَيَذْكُرُ قِيمَةَ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ ،

وَيَكْفِي ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ، وَقِيلَ : وَيَصِفُهُ ، وَيُقَوَّمُ مُحَلًّى بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ ، وَمُحَلًّى بِالنَّقْدَيْنِ بِأَيِّهَا شَاءَ لِلْحَاجَةِ ، وَمَنْ ادَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا لَمْ يُعْتَبَرْ ذِكْرُ سَبَبِهِ ، وَجْهًا وَاحِدًا ، لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُدَّعِي ، وَإِنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ ذَكَرَ مَوْتَ أَبِيهِ وَحَرَّرَ الدَّيْنَ وَالتَّرِكَةَ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، أَوْ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ .

وَإِنْ ادَّعَى عَقْدًا اُعْتُبِرَ ذِكْرُ شُرُوطِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : فِي النِّكَاحِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَقِيلَ وَمِلْكُ الْإِمَاءِ ، وَفِي اسْتِدَامَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَفِي التَّرْغِيبِ : يُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ ، وَالْبَيْعُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ انْتِفَاءُ الْمُفْسِدِ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَدَّةً وَلَا مُرْتَدَّةً .
مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَفِي اسْتِدَامَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَدَّعِ الْعَقْدَ وَإِنَّمَا ادَّعَتْ اسْتِدَامَتَهُ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ أَحَدُهُمَا ) تَصِحُّ دَعْوَاهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَصِحُّ حَتَّى تَذْكُرَ شُرُوطَ النِّكَاحِ .

وَدَعْوَى امْرَأَةٍ نِكَاحَ رَجُلٍ لِطَلَبِ مَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مَسْمُوعَةٌ ، وَإِنْ ادَّعَتْ النِّكَاحَ فَقَطْ فَوَجْهَانِ ( م 2 ) فَإِنْ سَمِعَتْ فَكَزَوْجٍ ، وَلَيْسَ جُحُودُ بَيِّنَةِ طَلَاقٍ طَلَاقًا ، خِلَافًا لِلْمُغْنِي ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ إقْرَارِهَا إذَا ادَّعَاهُ وَاحِدٌ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَدَعْوَى امْرَأَةٍ نِكَاحَ رَجُلٍ لِطَلَبِ مَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مَسْمُوعَةٌ ، وَإِنْ ادَّعَتْ النِّكَاحَ فَقَطْ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا تُسْمَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) تُسْمَعُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي .

وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْهَا ظَاهِرًا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَإِنْ ادَّعَى إرْثًا ذَكَرَ سَبَبَهُ ، وَإِنْ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ ذَكَرَ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ شَبَهَهُ أَوْ خَطَأً وَيَصِفُهُ وَأَنَّهُ انْفَرَدَ أَوْ لَا .
( مَسْأَلَةُ 3 ) قَوْلِهِ : " وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْهَا ظَاهِرًا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُمْكِنُ .
( قُلْت ) وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ ، وَكَيْفَ يُمَكَّنُ مِنْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ حَتَّى وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ مِائَةً وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِذَلِكَ ، لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا ، وَالْأَوْلَى لَهُ إطْلَاقُهَا ظَاهِرًا ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ هِيَ أَحَقُّ مِنْ الرَّضَاعَةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُمَكَّنُ مِنْهَا ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ حَكَمَ بِالزَّوْجِيَّةِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا .

وَلَوْ قَالَ : قَدَّهُ نِصْفَيْنِ وَكَانَ حَيًّا ، أَوْ ضَرَبَهُ وَهُوَ حَيٌّ ، صَحَّ ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيَاةَ فَوَجْهَانِ ( م 4 )
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَلَوْ قَالَ : قَدَّهُ نِصْفَيْنِ وَكَانَ حَيًّا ، أَوْ ضَرَبَهُ وَهُوَ حَيٌّ ، صَحَّ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيَاةَ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحَيَاةِ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، أَوْ هُوَ الظَّاهِرُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ .

فَصْلٌ فَإِذَا حَرَّرَ دَعْوَاهُ فَلِلْحَاكِمِ سُؤَالُ خَصْمِهِ عَنْهَا ، وَقِيلَ إنْ سَأَلَ سُؤَالَهُ .
وَفِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَجْهَانِ ، كَمَا لَا يَحْكُمُ لَهُ إلَّا بِسُؤَالِهِ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي وَالِي الْمَظَالِمِ يَرُدُّ الْغُصُوبَ السُّلْطَانِيَّةَ قَبْلَ تَظَلُّمِ أَرْبَابِهَا إلَيْهِ ، وَيَكْفِيه الْعَمَلُ بِمَا فِي الدِّيوَانِ ، فَإِنْ أَقَرَّ حَكَمَ ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ أَقَرَّ فَقَدْ ثَبَتَ ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَوْلِهِ قَضَيْتُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، بِخِلَافِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ ، لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْحَاكِمُ : يَسْتَحِقُّ عَلَيْك ، فَقَالَ : نَعَمْ ، لَزِمَهُ ، وَإِنْ أَنْكَرَ بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعِي قَرْضًا أَوْ ثَمَنًا : مَا أَقْرَضَنِي أَوْ بَاعَنِي ، أَوْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ وَنَحْوُهُ ، صَحَّ الْجَوَابُ .
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِسَبَبِ الْحَقِّ ،

فَلَوْ ادَّعَتْ مَنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْمَهْرَ فَقَالَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ ، وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ ، كَجَوَابِهِ فِي دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَالْمُرَادُ : أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ فِي الصِّحَّةِ .

وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي دِينَارًا : لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً ، فَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : لَيْسَ بِجَوَابٍ ، لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي دَفْعِ الدَّعْوَى إلَّا بِنَصٍّ لَا بِظَاهِرٍ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ وَاَللَّهِ إنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْته عَلَيْهِ أَوْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ [ إنَّهُ ] لَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيَّ ، لَمْ يُقْبَلْ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : يَعُمُّ الْحَبَّاتِ وَمَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ مِنْ بَابِ الْفَحْوَى ، إلَّا أَنْ يُقَالَ : يَعُمُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ( م 5 ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ وَجْهَانِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَلَوْ قَالَ لِمُدَّعِي دِينَارٍ : لَا يَسْتَحِقُّ حَبَّةً ، فَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : لَيْسَ بِجَوَابٍ وَعِنْدَ شَيْخِنَا يَعُمُّ الْحَبَّاتِ وَمَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ مِنْ بَابِ الْفَحْوَى ، إلَّا أَنْ يُقَالَ : يَعُمُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً " ، انْتَهَى ( قُلْت ) الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ .

وَلَوْ قَالَ : لِي عَلَيْك مِائَةٌ ، فَقَالَ : لَيْسَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ ، اُعْتُبِرَ فِي الْأَصَحِّ قَوْلُهُ ، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا كَالْيَمِينِ ، وَإِنْ نَكَلَ عَمَّا دُونَ الْمِائَةِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا ، وَإِنْ قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا دُونَ الْمِائَةِ إذَا لَمْ يُسْنِدْ الْمِائَةَ إلَى عَقْدٍ ، لِكَوْنِ الْيَمِينِ لَا تَقَعُ إلَّا مَعَ ذِكْرِ النِّسْبَةِ ، لِتَطَابُقِ الدَّعْوَى ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ .

وَإِنْ أَجَابَ مُشْتَرٍ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ بِمُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ .

وَإِنْ قَالَ هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ مِلْكُهُ فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ ( م 6 )
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ قَالَ هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ مِلْكُهُ فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إذَا بَانَ مُسْتَحَقًّا وَهُوَ الصَّوَابُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى مِلْكِهِ فِي الظَّاهِرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ بَعِيدٌ .

وَإِنْ انْتَزَعَ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ مُطْلَقٍ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، كَمَا يَرْجِعُ فِي بَيِّنَةِ مِلْكٍ سَابِقٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَرْجِعَ ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي الزَّوَالَ مِنْ وَقْتِهِ ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ غَيْرُ مَشْهُودٍ بِهِ

قَالَ الْأَزَجِيُّ : وَلَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ وَإِنَّمَا عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ ، لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ الشَّيْءِ

وَلَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَقَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك دِرْهَمٌ وَلَا دَانِقٌ ، وَإِنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفٌ ، قُبِلَ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ ، لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرَ .
قَالَ : وَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ صَحَّ

وَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً ، فَقِيلَ ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، لِتَخَبُّطِ اللَّفْظِ ، وَالصَّحِيحُ : يَلْزَمُهُ مَا أَثْبَتَهُ وَهِيَ الْخَمْسَةُ ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ لَكِنْ خَمْسَةٌ ، وَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ فَيَكُونُ إثْبَاتًا

وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي : أَلَك بَيِّنَةٌ فَأَحْضِرْهَا ، وَمَعْنَاهُ : إنْ شِئْت .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : إنْ جَهِلَ أَنَّهُ مَوْضِعُهَا .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي : لَا يَقُولُ : فَأَحْضِرْهَا ، فَإِذَا أَحْضَرَهَا لَمْ يُسْأَلْهَا ، وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ ، وَلَا يَقُولُ : اشْهَدَا ، وَلَا يُلَقِّنُهُمَا ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا يَنْبَغِي ، وَفِي الْمُوجَزِ : يُكْرَهُ كَتَعَنُّتِهَا وَانْتِهَارِهِمَا ، وَفِيهِمَا فِي ظَاهِرِ الْكَافِي .
يَحْرُمُ ، وَإِنْ شَهِدَا وَاتَّضَحَ الْحُكْمُ ، وَلَمْ يَجُزْ تَرْدِيدُهُمَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ ظَنَّ الصُّلْحَ أَخَّرَهُ ، وَفِي الْفُصُولِ : وَأَحْبَبْنَا لَهُ أَمْرَهُمَا بِالصُّلْحِ ، وَيُؤَخِّرُهُ فَإِنْ أَبَيَا حُكِمَ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَيَقُولُ قَدْ شَهِدَا عَلَيْك ، فَإِنْ كَانَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ عِنْدِي ، يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ، ذَكَرَهُ غَيْرُهُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ فِيمَا إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا ، فَدَلَّ أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ مَعَ الرِّيبَةِ .

وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِضِدِّ مَا يَعْلَمُهُ ، بَلْ يَتَوَقَّفُ وَمَعَ اللَّبْسِ يَأْمُرُ بِالصُّلْحِ ، فَإِنْ عَجَّلَ فَحَكَمَ قَبْلَ الْبَيَانِ حَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ ، وَلَهُ الْحُكْمُ بِهَا وَبِالْإِقْرَارِ فِي مَجْلِسِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا يُحْكَمُ بِإِقْرَارِ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ مَعَهُ عَدْلَانِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَالْمُذْهَبِ : لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، وَعَنْهُ : فِي غَيْرِ الْحَدِّ ، نَقُلْ حَنْبَلٌ : إذَا رَآهُ عَلَى حَدٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ إلَّا بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ مَعَهُ ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ : فَيَذْهَبَانِ إلَى حَاكِمٍ ، فَأَمَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَلَا .
وَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ وَفِي عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ : وَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةِ الشَّاهِدِ وَجُرْحِهِ لِلتَّسَلْسُلِ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَلِأَنَّهُ يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، فَلَا تُهْمَةَ ، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا : هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ ، لِأَنَّهُ يَعْدِلُ هُوَ وَيُجَرِّحُ غَيْرَهُ ، وَيُجَرَّحُ هُوَ وَيُعَدَّلُ غَيْرُهُ ، وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : إنَّمَا الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ لَا بِهِمَا ، وَقِيلَ : يَعْمَلُ فِي جُرْحِهِ ، وَعَنْهُ : لَا فِيهِمَا بِعِلْمِهِ ، كَشَاهِدٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْسَلِ ، وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ طَلَبَ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ ، بِالِاتِّفَاقِ وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ : حَكَمْت بِكَذَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنِدَهُ .
وَمَنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ فَاسِقَةٍ اسْتَشْهَدَهَا الْحَاكِمُ وَقَالَ لَهُ : زِدْنِي شُهُودًا

فَصْلٌ الْمَذْهَبُ : تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ .
وَفِي الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ : كَبَيِّنَةِ حَدٍّ وَقَوَدٍ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْحُجَّةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا : إنْ مَنَعُوا عَدَالَةَ الْعَبْدِ فَنَدُلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ } وَالْعَبْدُ مِنْ حُمَّالِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى ، فَهُمْ عُدُولٌ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ ، فَعَلَيْهَا إنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ .

وَفِي جَهْلِ حُرِّيَّتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ وَجْهَانِ ( م 7 ) وَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُجَرِّحَهُ الْخَصْمُ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : يُقْبَلُ مِنْ الْغَرِيبِ : أَنَا حُرٌّ عَدْلٌ ، لِلْحَاجَةِ ، كَمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ : لَيْسَتْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً ، وَيَكْفِي فِي تَزْكِيَتِهِ أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَانِ يُعْلَمُ خِبْرَتُهُمَا الْبَاطِنَةُ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَقِيلَ : أَوْ يَجْهَلُهَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : وَلَا يُتَّهَمُ بِعَصَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنَّهُ عَدْلٌ رَضِيٌّ أَوْ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ ، وَيَكْفِي : عَدْلٌ ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ .
مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَفِي جَهْلِ حُرِّيَّتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ وَجْهَانِ " .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَرْجِعُ فِي كَوْنِهِ حُرًّا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَالَ : جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَأَوْرَدَهُ فِي النَّظْمِ مَذْهَبًا ، " انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَرْجِعُ إلَيْهِ .

وَلَا تَجُوزُ التَّزْكِيَةُ إلَّا لِمَنْ لَهُ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَمَعْرِفَةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَهَلْ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّهِ وَتَصْدِيقُ الشُّهُودِ تَعْدِيلٌ وَتَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 8 - 10 ) قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُعْجِبنِي أَنْ يَعْدِلَ ، إنَّ النَّاسَ يَتَغَيَّرُونَ ، وَقَالَ : قِيلَ لِشُرَيْحٍ : قَدْ أَحْدَثْت فِي قَضَائِك ، قَالَ : إنَّهُمْ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْنَا ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : لَا يَلْزَمُ الْمُزَكَّى الْحُضُورُ لِلتَّزْكِيَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ .
وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ .
وَإِنْ سَأَلَ حُبِسَ خَصْمُهُ ، أَوْ كَفِيلًا بِهِ ، أَوْ تَعْدِيلَ عَيْنٍ مُدَّعَاةٍ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ ، أَوْ سَأَلَهُ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا بِمَالٍ وَقِيلَ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يُقِيمَ آخَرُ ، أُجِيبُ فِي الْأَصَحِّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَقِيلَ : حَتَّى يُعَدَّلَ أَوْ يُجَرَّحَ ، وَقِيلَ بِهِ وَبِحَبْسِهِ مَعَ كَمَالِهَا .

مَسْأَلَةٌ 8 - 10 ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّهِ وَتَصْدِيقُ الشُّهُودِ تَعْدِيلٌ ، وَتَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) هَلْ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا : ( أَحَدُهُمَا ) هُوَ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْعَدَالَةِ فَقَالَ هُمَا عَدْلَانِ فِيمَا شَهِدَا بِهِ عَلَيَّ أَوْ صَادِقَانِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِلَا تَزْكِيَةٍ ، وَقِيلَ : لَا ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : فَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْعَدَالَةِ حُكِمَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا يُحْكَمُ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9 ) هَلْ تَصْدِيقُ الشُّهُودِ تَعْدِيلٌ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ : وَهَلْ تَصْدِيقُ الشُّهُودِ تَعْدِيلٌ ؟ لَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ تَعْدِيلٌ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، أَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 10 ) هَلْ تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ : وَفِي صِحَّةِ التَّزْكِيَةِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ الْوَجْهَانِ ، وَقِيلَ : إنْ تَبَعَّضَتْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا تَزْكِيَةَ ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَصِحُّ .

وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ : يُحَالُ فِي قِنٍّ أَوْ امْرَأَةٍ ادَّعَى عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا بَيْنَهُمَا بِشَاهِدَيْنِ ، وَفِيهِ بِوَاحِدٍ فِي قِنٍّ وَجْهَانِ وَإِنْ جَرَحَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ كُلِّفَ بِهِ بَيِّنَةً ، وَيُنْظَرُ لَهُ وَلِجُرْحِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَيُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي ، فَإِنْ أَتَى بِهَا حُكِمَ بِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بِفَسَقَةٍ ، وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ فِيمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً : وَقَدْ احْتَجَّ بِخَبَرِ سَلْمَانَ فَضَعَّفَهُ خَصْمُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهُ ، وَقَالَ : يَجِبُ التَّوَقُّفُ حَتَّى يُبَيِّنَ سَبَبَهُ ، كَالْبَيِّنَةِ إذَا طَعَنَ فِيهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ التَّوَقُّفُ حَتَّى يُبَيِّنَ وَجْهَ الطَّعْنِ ، فَأَجَابَ : بِأَنَّ حُكْمَ الْخَبَرِ أَوْسَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ ، لِسَمَاعِهِ وَقَبُولِهِ مِمَّنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ بِخِلَافِهَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَوْ ادَّعَى جُرْحَ الْبَيِّنَةِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي ، فِي الْأَصَحِّ .
وَالْمَذْهَبُ : لَا يُسْمَعُ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهُ بِذِكْرِ قَادِحٍ فِيهِ عَنْ رُؤْيَةٍ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ ، وَفِيهَا وَجْهٌ : كَتَزْكِيَةٍ : وَفِيهَا وَجْهٌ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ : إنَّ الْمُسْلِمِينَ يَشْهَدُونَ فِي مِثْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ بِمَا لَا يَعْلَمُونَهُ إلَّا بِالِاسْتِفَاضَةِ ، وَقَالَ : إنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي الْجُرْحِ بِالِاسْتِفَاضَةِ نِزَاعًا بَيْنَ النَّاسِ ، قَالَ : وَهَذَا إذَا كَانَ فِسْقُهُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ التَّحْذِيرَ مِنْهُ اُكْتُفِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : اعْتَبَرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ .
وَبَلَغَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا يَجْتَمِعُ إلَيْهِ الْأَحْدَاثُ فَنَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ ، وَقَالَ : وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ بِدْعَةِ الْمُبْتَدِعِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَعَنْهُ : يَكْفِي الْمُطْلَقُ ، نَحْوُ هُوَ فَاسِقٌ أَوْ لَيْسَ بِعَدْلٍ كَتَعْدِيلٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَيَعْرِضُ

الْجَارِحُ بِالزِّنَا ، فَإِنَّ جَرَحَ وَلَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ أَرْبَعَةٍ حُدَّ ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا يَجُوزُ الْجُرْحُ بِالتَّسَامُعِ ، نَعَمْ لَوْ زَكَّى جَازَ التَّوَقُّفُ بِتَسَامُعِ الْفِسْقِ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ فِي قِنٍّ أَوْ امْرَأَةٍ ادَّعَى عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا بَيْنَهُمَا بِشَاهِدَيْنِ ، وَفِيهِ بِوَاحِدٍ فِي قِنٍّ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
مِنْ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لِهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ ذَلِكَ .

وَمَنْ رَتَّبَهُ حَاكِمٌ يُسْأَلُ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةِ أَوْ جُرْحٍ ، فَقِيلَ : تُعْتَبَرُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ ، وَقِيلَ فِي الْمَسْئُولِينَ ( م 11 ) وَفِي التَّرْغِيبِ : وَعَلَى قَوْلِنَا التَّزْكِيَةُ لَيْسَتْ شَهَادَةً لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدِ فِي الْجَمِيعِ ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاكِمٌ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ أَخْبَرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ ، وَإِنْ قَبِلَ جُرْحَ وَاحِدٍ فَتَزْكِيَةُ اثْنَيْنِ مُقَدَّمَةٌ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَيُقَدَّمُ جُرْحُ اثْنَيْنِ وَإِنْ ارْتَابَ حَاكِمٌ مِنْ بَيِّنَةٍ لَزِمَهُ الْبَحْثُ .
وَفِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ : يُسْتَحَبُّ تَفْرِيقُهُمْ ، وَيُسْأَلُ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ كَيْفِيَّةِ التَّحَمُّلِ ، هَلْ تَحَمَّلَ وَحْدَهُ ؟ وَأَيْنَ وَمَتَى ؟ فَإِنْ اتَّفَقُوا وَعَظَ وَخَوَّفَ فَإِنْ ثَبَتُوا حَكَمَ وَإِلَّا لَمْ يَقْبَلْهَا ، وَإِنْ حَاكَمَ مَنْ لَا يُعْرَفُ لِسَانُهُ تَرْجَمَ لَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ ، وَالْمَذْهَبُ : يُقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَتَزْكِيَةٍ وَجُرْحٍ وَتَعْرِيفٍ وَرِسَالَةٍ عَدْلَانِ بِشُرُوطِ الشَّهَادَةِ .
وَفِي مَالٍ رَجُلٍ وَامْرَأَتَانِ ، وَالْأَصَحُّ : فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ، وَعَنْهُ : وَاحِدٌ فِي الْكُلِّ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا أَوْ أَعْمَى لِمَنْ خَبَّرَهُ بَعْدَ عَمَاهُ ، وَيَكْتَفِي بِالرُّقْعَةِ مَعَ الرَّسُولِ وَعَلَى الْأَوَّلِ : تَجِبُ الْمُشَافَهَةُ .

مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ رَتَّبَهُ حَاكِمٌ لِيَسْأَلَ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جُرْحٍ فَقِيلَ : تُعْتَبَرُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ ، وَقِيلَ : فِي الْمَسْئُولِينَ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) تُعْتَبَرُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَقَالَا : وَيُقْبَلُ قَوْلُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ ، وَقِيلَ : لَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ الْمَسْئُولِينَ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : وَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا ، وَلَا يَسْأَلُونَ عَدُوًّا وَلَا صَدِيقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَسْئُولِينَ لَا فِيمَنْ رَتَّبَهُمْ الْحَاكِمُ .

وَمَنْ نُصِبَ لِلْحُكْمِ بِجُرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ قَنَعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ

فَصْلٌ وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي مَالِي بَيِّنَةٌ أَعْلَمَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ ، لَهُ تَحْلِيفُهُ مَعَ عِلْمِهِ قُدْرَتَهُ عَلَى حَقِّهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : إنْ عَلِمَ عِنْدَهُ مَالًا لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ حَقَّهُ أَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : يُكْرَهُ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَنَقَلَهُ مِنْ حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ تَحْلِيفِ الْبَرِيءِ دُونَ الظَّالِمِ .
وَفِي حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا { مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ أَخَاهُ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَأَجَلَّ اللَّهَ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { مَنْ قَدَّمَ غَرِيمًا إلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيُحَلِّفَهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ كَاذِبًا لَمْ يَرْضَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْزِلَهُ إلَّا مَعَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ } عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : بِصِفَةِ الدَّعْوَى ، وَعَنْهُ : يَكْفِي تَحْلِيفُهُ : لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ ، فَإِنْ سَأَلَهُ تَحْلِيفَهُ حَلَّفَهُ وَخَلَّاهُ ، فَيَحْرُمُ دَعْوَاهُ وَتَحْلِيفُهُ ثَانِيًا ، أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ لِحَدِيثِ ، الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ : لَهُ تَحْلِيفُهُ عِنْدَ مَنْ جَهِلَ حَلِفَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ ، لِبَقَاءِ الْحَقِّ ، بِدَلِيلِ أَخْذِهِ بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَنْ تَحْلِيفِهِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ بِدَعْوَاهُ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ أَبْرَأهُ مِنْ يَمِينِهِ فَلَهُ تَجْدِيدُ الدَّعْوَى وَطَلَبُهَا .
وَلَا يُعْتَدُّ بِيَمِينِهِ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي طَوْعًا ، وَعَنْهُ : يَبْرَأُ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِي ، وَعَنْهُ : وَيُحَلِّفُهُ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُحَلِّفْهُ ذَكَرَهُمَا شَيْخُنَا مِنْ رِوَايَةٍ مُهَنَّا أَنَّ رَجُلًا اتَّهَمَ رَجُلًا بِشَيْءٍ فَحَلَفَ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَا أَرْضَى إلَّا أَنْ تَحْلِفَ لِي عِنْدَ السُّلْطَانِ ، أَلَهُ

ذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا ، قَدْ ظَلَمَهُ وَتَعَنَّتَهُ ، وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ تَحْلِيفَهُ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مُهَنَّا ، وَلَمْ يَصِلْهُ بِاسْتِثْنَاءٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : أَوْ بِمَا لَا يُفْهَمُ ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُذَيِّلُ حُكْمَ الْيَمِينِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ هِيَ يَمِينٌ كَاذِبَةٌ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَاكِمُ الْمُحَلِّفُ لَهُ .

وَلَا يَجُوزُ التَّأْوِيلُ وَالتَّوْرِيَةُ فِي الْيَمِينِ إلَّا لِمَظْلُومٍ ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ كُلُّ مَا لَيْسَ بِجَازٍ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَالنِّيَّةُ عَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ الْمُحَلِّفِ وَاعْتِقَادِهِ ، فَالتَّأْوِيلُ عَلَى خِلَافِهِ لَا يَنْفَعُ ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الشُّفْعَةِ .

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ مُعْسِرٌ خَافَ حَبْسًا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ وَلَوْ تَوَى السَّاعَةَ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، وَلَا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُتَوَجَّهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَالَ : إنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِالنُّكُولِ .
وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا ، وَفِي الرِّعَايَةِ : يَقُولُهُ مَرَّةً ، وَقِيلَ : ثَلَاثًا ، الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إذَا نَكَلَ لَزِمَهُ الْحَقُّ ، قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ ، مَرِيضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَيَتَخَرَّجُ حَبْسُهُ لِيُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُعْجِبُنِي رَدُّ الْيَمِينِ ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ كَأَنِّي أَكْرَهُ هَذَا ، وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا : لَا يَجُوزُ رَدُّهَا ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ ، يُقَالُ لَهُ احْلِفْ وَخُذْ ، فَظَاهِرُهُ يَجُوزُ رَدُّهَا ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ فَقَالُوا : وَعَنْهُ : تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَلَعَلَّ ظَاهِرُهُ : يَجِبُ ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ : وَاخْتَارَ أَبُو الْخِطَابِ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ وَلَكِنْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ ، وَقَالَ : قَدْ صَوَّبَهُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ : مَا هُوَ بِبَعِيدٍ ، يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ الْمَذْكُورَةُ ، وَظَاهِرُهَا جَوَازُ الرَّدِّ ، وَاخْتَارَ فِي الْعُمْدَةِ رَدَّهَا ، وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ : بِإِذْنِ النَّاكِلِ فِيهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا مَعَ عِلْمِ مُدَّعٍ وَحْدَهُ بِالْمُدَّعَى بِهِ [ لَهُمْ رَدُّهَا ، وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَأْخُذْ ، كَالدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ حَقًّا عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِتِرْكَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْعَالِمُ بِالْمُدَّعَى بِهِ ] دُونَ الْمُدَّعِي ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِيُّ عَلَى

غَرِيمِ الْمَيِّتِ فَيُنْكِرَ ، فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ إلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ } قَالَ : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْعِلْمَ وَالْمُنْكِرَ يَدَّعِي الْعِلْمَ فَهُنَا يَتَوَجَّهُ الْقَوْلَانِ ، يَعْنِي الرِّوَايَتَيْنِ ، فَإِنْ حَلَفَ حَكَمَ لَهُ ، وَإِنْ نَكَلَ صَرَفَهُمَا ، ثُمَّ إنْ بَذَلَ أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ ، وَالْأَشْهَرُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ .

وَمَتَى تَعَذَّرَ رَدُّهَا فَهَلْ يُقْضَى بِنُكُولِهِ أَوْ يَحْلِفُ وَلِيٌّ أَوْ إنْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ أَوْ لَا يُحَلِّفُ حَاكِمٌ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ، وَقَطَعَ الشَّيْخُ : يَحْلِفُ إذَا عَقَلَ ( م 12 ) وَبَلَغَ وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ مَحْضَرًا بِنُكُولِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا يَحْلِفُ حَلَفَ لِنَفْيِهِ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ مِنْ مُوَلِّيه ، فَإِنْ أَبَى حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَهُ إنْ جَعَلَ النُّكُولَ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي كَبَيِّنَتِهِ لَا كَإِقْرَارِ خَصْمِهِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا خِلَافَ بَيْنَنَا أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا فِيهِ يَقْضِي بِنُكُولِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّعْوَى غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، كَالْفُقَرَاءِ ، أَوْ يَكُونَ الْإِمَامُ ، بِأَنْ يَدَّعِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ دَيْنًا وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَفِي الرِّعَايَةِ فِي صُورَةِ الْحَاكِمِ : يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ ، وَقِيلَ : يَحْكُمُ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يُحَلِّفُ الْحَاكِمُ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : نَزَّلَ أَصْحَابُنَا نُكُولَهُ مَنْزِلَةً بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ فَقَالُوا : لَا يُقْضَى بِهِ فِي قَوَدٍ وَحَدٍّ ، وَحَكَمُوا بِهِ فِي حَقِّ مَرِيضٍ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ مَأْذُونٍ لَهُمَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي الْقَسَامَةِ : مَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ بِالدِّيَةِ فَفِي مَالِهِ ، لِأَنَّهُ كَإِقْرَارِهِ ، وَفِيهَا : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ ابْتِدَاءً مَعَ اللَّوْثِ ، وَأَنَّ الدَّعْوَى فِي التُّهْمَةِ كَسَرِقَةٍ يُعَاقَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْفَاجِرُ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ .

مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَمَتَى تَعَذَّرَ رَدُّهَا فَهَلْ يَقْضِي بِنُكُولِهِ أَوْ يَحْلِفُ وَلِيٌّ أَوْ إنْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ أَوْ لَا يَحْلِفُ حَاكِمٌ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ، وَقَطَعَ الشَّيْخُ : يَحْلِفُ إذَا عَقَلَ ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ وَتَعَذُّرِ رَدِّهَا ، قَطَعَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ وَأَمِينَ الْحَاكِمِ لَا يَحْلِفُونَ ، وَتَقِفُ الْيَمِينُ ، وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ مَحْضَرًا بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ : وَكُلُّ مَالٍ لَا تُرَدُّ فِيهِ الْيَمِينُ يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ ، كَالْإِمَامِ إذَا ادَّعَى لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ وَكِيلِ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى قَالَ : وَكَذَا الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَأَمِينُ الْحَاكِمِ إذَا ادَّعَوْا حَقًّا لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ وَقَيِّمُ الْمَسْجِدِ .
وَقَالَ فِي الْكُبْرَى : قَضَى بِالنُّكُولِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَقِيلَ : بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَاهُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ قَدْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ حَلَفَ وَإِلَّا فَلَا ، قُلْت : لَا يَحْلِفُ إمَامٌ وَلَا حَاكِمٌ ، انْتَهَى .
وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا عَقَلَ أَوْ بَلَغَ ، وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ .

وَيُحْبَسُ الْمَسْتُورُ لِيَبِينَ أَمْرُهُ أَوْ ثَلَاثًا عَلَى وَجْهَيْنِ نَقَلَ حَنْبَلٌ : حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهُ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ وَمُحَقِّقُو أَصْحَابِهِ عَلَى حَبْسِهِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ { بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ } ، بِخِلَافِ دَعْوَى بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَنَحْوِهِ ، لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ كِتَابَتِهِ وَالْإِشْهَادِ ، وَأَنَّ تَحْلِيفَ كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَإِرْسَالَهُ مَجَّانًا لَيْسَ مَذْهَبًا لِإِمَامٍ ، وَاحْتَجَّ فِي مَكَان آخَرَ بِأَنَّ قَوْمًا اتَّهَمُوا أُنَاسًا بِسَرِقَةٍ فَرَفَعُوهُمْ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَحَبَسَهُمْ أَيَّامًا ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : خَلَّيْت سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا امْتِحَانٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : إنْ شِئْتُمْ ضَرَبْتهمْ ، فَإِنْ ظَهَرَ مَا لَكُمْ وَإِلَّا ضَرَبْتُكُمْ مِثْلَ مَا ضَرَبْتهمْ ، فَقَالُوا هَذَا حُكْمُك ؟ فَقَالَ : حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ .
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَتُرْجِمَ عَلَيْهِ : بَابٌ فِي الِامْتِحَانِ بِالضَّرْبِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ ، وَقَالَ بِهِ شَيْخُنَا وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : يَحْبِسُهُ وَالٍ قَالَ : فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : وَقَاضٍ ، وَأَنَّهُ لِيَشْهَدَ لَهُ { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ } الْآيَةَ حَمَلْنَا عَلَى الْحَبْسِ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ .
وَذَكَرَ شَيْخُنَا : الْأَوَّلُ قَوْلَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَاخْتَارَ تَعْزِيرَ مُدَّعٍ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَنْ تُعْلَمُ بَرَاءَتُهُ ، وَاخْتَارَ أَنَّ خَبَرَ مَنْ لَهُ رَائِي جِنِّيٌّ بِأَنَّ فُلَانًا سَرَقَ كَذَا كَخَبَرِ إنْسِيٍّ مَجْهُولٍ ، فَيُفِيدُ تُهْمَةً كَمَا تَقَدَّمَ ، وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ .
يَضْرِبُهُ الْوَالِي مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ تَعْزِيرًا ، فَإِنْ ضَرَبَ لِيُقِرَّ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ ضَرَبَ لِيُصَدَّقَ عَنْ حَالِهِ فَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ قَطَعَ ضَرْبَهُ وَأُعِيدَ إقْرَارُهُ لِيُؤْخَذَ بِهِ ، وَيُكْرَهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ ، كَذَا قَالَ ، قَالَ شَيْخُنَا : إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ الْمُنَاسِبِ لِلتُّهْمَةِ قَالَ طَائِفَةٌ

: يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي ، وَقَالَ طَائِفَةٌ : الْوَالِي دُونَ الْقَاصِي ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، وَفِي الصَّحِيحِ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الزُّبَيْرَ أَنْ يَمَسَّ بَعْضَ الْمُعَاهَدِينَ بِالْعَذَابِ لَمَّا كَتَمَ إخْبَارَهُ بِالْمَالِ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ ، وَقَالَ لَهُ : أَيْنَ كَنْزُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ ؟ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ ، فَقَالَ : الْمَالُ كَثِيرٌ ، وَالْعَهْدُ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا .
وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ : دُونَك هَذَا ، فَمَسَّهُ الزُّبَيْرُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَذَابِ ، فَدَلَّهُمْ عَلَى الْمَالِ } ، وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ مَا هُوَ نَفْسُ كَلَامِ شَيْخِنَا أَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلًا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقَرَائِنِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَفَسَادِهَا ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالْقَرِينَةِ عَلَى تَعَيُّنِ أُمِّ الطِّفْلِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الذِّئْبُ وَادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ أَنَّهُ ابْنُهَا ، وَاخْتَصَمَتَا إلَيْهِ فِي الْآخَرِ ، فَقَضَى بِهِ دَاوُد لِلْكُبْرَى ، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ فَقَالَ : بِمَ قَضَى بَيْنَكُمَا نَبِيُّ اللَّهِ ؟ فَأَخْبَرَتَاهُ ، فَقَالَ : ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا ، فَقَالَتْ الصُّغْرَى : لَا تَفْعَلْ ، رَحِمَك اللَّهُ ، هُوَ ابْنُهَا ، فَقَضَى بِهِ لَهَا ، فَلَوْ اتَّفَقَتْ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي شَرِيعَتِنَا عُمِلَ بِالْقَافَةِ وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَ وَلَدُ مُسْلِمَةٍ وَكَافِرَةٍ وَتَوَقَّفَ فِيهَا أَحْمَدُ ، فَقِيلَ لَهُ : تَرَى الْقَافَةَ ؟ فَقَالَ : مَا أُحْسِنُهُ ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ بِمِثْلِ حُكْمِ سُلَيْمَانَ كَانَ صَوَابًا ، وَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْقُرْعَةِ ، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ مَعَ عَدَمِ التَّرْجِيحِ ، فَلَوْ تَرَجَّحَ بِيَدٍ أَوْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ لَوْثٍ أَوْ نُكُولٍ

أَوْ مُوَافَقَةِ شَاهِدِ الْحَالِ لِصِدْقِهِ ، كَدَعْوَى حَاسِرِ الرَّأْسِ عَنْ الْعِمَامَةِ عِمَامَةَ مَنْ بِيَدِهِ عِمَامَةٌ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَدْوًا وَعَلَى رَأْسِهِ أُخْرَى ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ ، قُدِّمَ عَلَى الْقُرْعَةِ ، كَدَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ قُمَاشَ الْبَيْتِ وَآلَاتِهِ ، وَكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّانِعِينَ آلَاتِ صَنْعَتِهِ ، وَالْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ هُوَ مِنْ هَذَا ، وَلَمْ يَقُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّةَ سُلَيْمَانَ إلَّا لِيُعْتَبَرَ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا النَّسَائِيُّ : بَابٌ فِي الْحَاكِمِ يُوهِمُ خِلَافَ الْحَقِّ لِيَسْتَعْلِمَ بِهِ الْحَقَّ .
وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ أَنَّهُ قَالَ قَوْلَ عُمَرَ لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَجَعْته أَوْ ضَرَبْته أَوْ حَبَسْته ، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى هَذَا لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ ، وَلَا تَمْتَحِنُهُ بِقَوْلِ زَنَيْت سَرَقْت حَتَّى يَجِيءَ هُوَ يُقِرَّ ، أَمَّا مَنْ عُرِفَ بِالْخَيْرِ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ بِشَيْءٍ وَيَحْلِفُ وَيُتْرَكُ إجْمَاعًا .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَيُحْبَسُ الْمَسْتُورُ لِيُبَيِّنَ أَمْرَهُ وَلَوْ ثَلَاثًا عَلَى وَجْهَيْنِ " ، انْتَهَى .
هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ، وَلَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ .

وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَا لِي بَيِّنَةٌ ثُمَّ أَتَى بِهَا فَنَصُّهُ : لَا تُسْمَعُ ، وَقِيلَ : بَلَى وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، حَلَّفَهُ أَوْ لَا ، كَقَوْلِهِ : لَا أَعْلَمُهُ لِي ، وَجَزَمَ فِي التَّرْغِيب بِالْأَوَّلِ ، قَالَ : وَكَذَا قَوْلُهُ : كَذَبَ شُهُودِي ، وَأَوْلَى ، وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا تُرَدُّ بِذِكْرِ السَّبَبِ [ بَلْ بِذِكْرِ سَبَبٍ ذَكَرَ الْمُدَّعِي غَيْرَهُ ] .

[ وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَتْ بِهِ وَبِسَبَبِهِ وَقُلْنَا يُرَجَّحُ ذِكْرُ السَّبَبِ ] لَمْ يَفْدِهِ إلَّا أَنْ تُعَادَ بَعْدَ الدَّعْوَى ، وَلَوْ ادَّعَى شَيْئًا فَشَهِدُوا لَهُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهُمْ ، قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ تُقْبَلُ فَيَدَّعِيه ثُمَّ يُقِيمُهَا ، وَفِيهِ وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ قَالَ اسْتَحَقَّهُ وَمَا شَهِدُوا بِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا ادَّعَيْت بِأَحَدِهِمَا لِأَدَّعِيَ الْآخَرَ وَقْتًا ثُمَّ ادَّعَاهُ ثُمَّ شَهِدُوا بِهِ قُبِلَتْ ، وَلَوْ ادَّعَى شَيْئًا فَأَقَرَّ لَهُ بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمَقَرُّ لَهُ وَالدَّعْوَى بِحَالِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ سَأَلَ مُلَازَمَتَهُ حَتَّى يُقِيمَهَا أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا فِيهِ صَرَفَهُ ، وَقِيلَ يُنْظَرُ ثَلَاثَةً ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
وَيُجَابُ مَعَ قُرْبِهَا ، وَعَنْهُ : وَبَعْدَهَا ، كَكَفِيلٍ فِيمَا ذُكِرَ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ ، وَأَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلًا مَتَى مَضَى فَلَا كَفَالَةَ ، وَنَصُّهُ : لَا يُجَابُ إلَى كَفِيلٍ ، كَحَبْسِهِ .

وَفِي مُلَازَمَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ مَعَ غَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ وَبَعْدَهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ( م 13 ) قَالَ الْمَيْمُونِيُّ : لَمْ أَرَهُ يَذْهَبُ فِي الْمُلَازَمَةِ إلَى أَنْ يُعَطِّلَهُ عَنْ عَمَلِهِ ، وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ عَنَتِ خَصْمِهِ .
وَإِنْ سَأَلَ تَحْلِيفَهُ ثُمَّ يُقِيمُهَا مَلَكَهُمَا ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ : أَوْ قَرِيبُهُ مَلَكَ أَيَّهمَا شَاءَ .
وَقِيلَ : هُمَا .
وَقِيلَ : إقَامَتُهَا فَقَطْ فِي الْكُلِّ ، قَطَعُوا بِهِ فِي الْخِلَافِ .
مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : " وَفِي مُلَازَمَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ مَعَ غَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ وَبَعْدَهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ " انْتَهَى : ( أَحَدُهُمَا ) لَهُ مُلَازَمَتُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ ، لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .

وَإِنْ سَأَلَ تَحْلِيفَهُ وَلَا يُقِيمُهَا فَحَلَفَ فَفِي جَوَازِ إقَامَتِهَا وَجْهَانِ ( م 14 ) .
مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ سَأَلَ تَحْلِيفَهُ وَلَا يُقَيِّمُهَا فَحَلَفَ فَفِي جَوَازِ إقَامَتِهَا وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَالْوَجْهَانِ لِلْقَاضِي ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَهُ إقَامَتُهَا ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُنْتَخَبِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَعْرِفُ قَدْرَ حَقِّهِ ، بِخِلَافِ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمَانِهِ .
قَالَ الْحَاكِمُ : إنْ أَجَبْت وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا وَقَضَيْت عَلَيْك ، وَقِيلَ : يُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَصْحَابِنَا ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حُكِمَ بِهَا ، وَقَوْلُهُ لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ لَيْسَ جَوَابًا .

وَإِنْ قَالَ : لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ لَزِمَ إنْظَارُهُ فِي الْأَصَحِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَإِنْ قَالَ : إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا بَرْهَنَ كَذَا لِي بِيَدِك أَجَبْت ، وَإِنْ ادَّعَيْت هَذَا ثَمَنَ كَذَا بِعْتنِيهِ وَلَمْ تُقْبِضنِيهِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك عَلَيَّ ، فَجَوَابٌ ، وَإِنْ ادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً وَجَعَلَ مُقِرًّا أَوْ بَعْدَ بَيِّنَةٍ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي أُنْظِرَ لِلْبَيِّنَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ ، وَقِيلَ : لَا يُنْظَرُ ، لِقَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ دَعْوَاهُ ، فَإِنْ عَجَزَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى بَقَائِهِ وَأَخَذَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ حَكَمَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قِيلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ ، فَإِنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَالَهُ فِي بَيْعٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّعْوَى فَفِي التَّرْغِيبِ انْبَنَى عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ لَمْ تُسْمَعْ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ سَبَبَ الْحَقِّ ابْتِدَاءً لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً مُتَقَدِّمًا لِإِنْكَارِهِ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ، وَقِيلَ : بَلَى بِبَيِّنَةٍ .

فَصْلٌ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَقِيلَ وَيَوْم أَوْ مُسْتَتِرٍ بِالْبَلَدِ أَوْ مَيِّتٌ أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ وَحُكِمَ بِهَا ، وَلَيْسَ تَقَدُّمُ الْإِنْكَارِ هُنَا شَرْطًا وَلَوْ فَرَضَ إقْرَارَهُ ، فَهُوَ تَقْوِيَةٌ لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ لِخَصْمِهِ أَلَا جَعَلْت لِلْقَاضِي هُنَا أَنْ يَنْصِبَ عَنْ الْغَائِبِ مَنْ يُنْكِرُ عَنْهُ كَمَا فَعَلْت فِي إقَامَةِ الْمُدِيرِ لِتُثْبِتَ الْكُتُبَ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : لَا تَفْتَقِرُ الْبَيِّنَةُ إلَى جُحُودٍ ، إذْ الْغَيْبَةُ كَالسُّكُوتِ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى سَاكِتٍ ، وَكَذَا جُعِلَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا عَلَى الْخَصْمِ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : وَلَوْ قَالَ هُوَ مُعْتَرِفٌ وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا لَمْ تُسْمَعْ ، وَقَالَهُ الْآدَمِيُّ فِي كِتَابِهِ إنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِإِقْرَارِ غَرِيمِهِ لَغَتْ مُطْلَقًا .

قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ عِنْدَهُ دَابَّةٌ مَسْرُوقَةٌ فَادَّعَى أَنَّهَا عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ : مَنْ أَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً أَخَذَهَا حَتَّى يَجِيءَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَيُثْبِتَ .
وَقِيلَ : يُقِيمُ كَفِيلًا وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : يُحَلِّفُهُ وَلَا يَتَعَرَّضُ فِي يَمِينِهِ لِصِدْقِ الْبَيِّنَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لِكَمَالِهَا ، فَيَجِبُ تَعَرُّضُهُ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ وَلَا يَمِينَ مَعَ بَيِّنَةٍ كَمُقَرٍّ لَهُ [ إلَّا هُنَا ] وَعَنْهُ : بَلَى فَعَلَهُ عَلِيٌّ ، وَعَنْهُ : نَعَمْ مَعَ رِيبَةٍ ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَرَشَدَ فَعَلَى حُجَّتِهِ ، وَإِنْ قَدِمَ فَجَرَحَ الْبَيِّنَةَ بِأَمْرٍ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ ، لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ ، فَلَا يُقْدَحُ فِيهِ ، وَإِلَّا قُبِلَ ، وَعَنْهُ : لَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ كَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقْضِي فِي السَّرِقَةِ بِالْغُرْمِ فَقَطْ ، وَعَنْهُ : بَلَى تَبَعًا ، كَشَرِيكٍ حَاضِرٍ .

وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِ غَائِبٍ احْلِفْ أَنَّ لَك مُطَالَبَتِي أَوْ قَالَ قَدْ عَزَلَك فَاحْلِفْ أَنَّهُ مَا عَزَلَك لَمْ يُسْمَعْ ، وَيُسْمَعُ إنْ قَالَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عَزَلَك ، لِأَنَّهَا دَعْوَى عَلَيْهِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : هَلْ لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا عَزَلَهُ أَوْ مَاتَ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَزَلَهُ قُبِلَتْ وَلَوْ كَانَا ابْنَيْ الْمُوَكِّلِ فَإِنْ بَادَرَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بِعَزْلِهِ قَبْلَ تَقَدُّمِ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ تُسْمَعْ ،
تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَا ابْنًا لِلْمُوَكِّلِ " صَوَابُهُ ابْنَيْ الْمُوَكِّلِ .

وَإِنْ قَبَضَ الْوَكِيلُ ثُمَّ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَزَلَهُ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ ، لِإِثْبَاتِهِمَا حَقًّا لِأَبِيهِمَا ، وَالْغَيْبَةُ دُونَ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ لِسَمَاعِهِمَا حُضُورُهُ كَحَاضِرِ الْمَجْلِسِ ، وَقِيلَ : يُسْمَعَانِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ فَقَطْ ، فَإِنْ أَبَى الْحُضُورَ حُكِمَ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا ، فَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِمَا يَرَاهُ ، فَيُحَتِّمُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ أَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهِ بَيْتُهُ ، فَإِنْ أَصَرَّ حُكِمَ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَفَّاهُ مِنْهُ ، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُدَّعِي : إنْ عَرَفْت لَهُ مَالًا وَثَبَتَ عِنْدِي وَفَّيْتُك مِنْهُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : إنْ صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ أَمَرَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ وَإِخْرَاجِهِ ، وَنَصُّهُ : يُحْكَمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ : يَحْكُمُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ ، قَالَ : لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُرْمَةٍ ، كَمَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ .

وَالْحُكْمُ لِلْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : لِامْتِنَاعِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَهُ وَالْكِتَابَةُ لَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِيَحْكُمَ بِكِتَابِهِ ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ، وَيَأْتِي فِي الْقِسْمَةِ وَالدَّعْوَى ، وَيَصِحُّ تَبَعًا ، كَمَنْ ادَّعَى مَوْتَ أَبِيهِ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ غَائِبٍ أَوْ غَيْرِ رَشِيدٍ ، وَلَهُ عِنْدَ فُلَانٍ عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ فَثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَهُوَ لِلْمَيِّتِ ، وَيَأْخُذُ الْمُدَّعِي نَصِيبَهُ وَالْحَاكِمُ نَصِيبَ الْآخَرِ ، وَقِيلَ : يَتْرُكُ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ غَرِيمِهِ حَتَّى يَقْدَمَ وَيَرْشُدَ وَتُعَادُ الْبَيِّنَةُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَزَادَ : وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ وَبَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ غَيْرُ رَشِيدٍ اُنْتُزِعَ الْمَالُ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُمَا ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَالْآخَرُ : يُنْتَزَعُ .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ أَدَّى أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ الْوَكَالَة وَالْآخَرُ غَائِبٌ وَثَمَّ بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُمَا ، فَإِنْ حَضَرَ لَمْ تُعَدَّ الْبَيِّنَةُ ، كَالْحُكْمِ بِوَقْفٍ ثَبَتَ لِمَنْ لَمْ يَخْلُقْ تَبَعًا لِمُسْتَحِقِّهِ الْآنَ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ سُؤَالَ غَرِيمِ الْحَجْرِ كَالْكُلِّ ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُفِيدَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الْوَاحِدَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى عَدَدٍ أَوْ أَعْيَانٍ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمُشْرِكَةِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ لَهُ يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ ، ذَكَرَ شَيْخُنَا الْمَسْأَلَةَ ، وَأَخَذَهَا مِنْ دَعْوَى مَوْتِ مَوْرُوثِهِ ، وَحُكْمُهُ بِأَنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ هَذَا أَوْ الْآنَ مِنْ وَقْفٍ بِشَرْطٍ شَامِلٍ يَعُمُّ ،

وَهَلْ حُكْمُهُ لِطَبَقَةٍ حُكْمٌ لِلثَّانِيَةِ وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ ؟ رَدَّدَ النَّظَرَ عَلَى وَجْهَيْنِ ثُمَّ مَنْ أَبْدَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَوْ عَلِمَهُ فَلِثَانٍ الدَّفْعُ بِهِ ، وَهَلْ هُوَ نَقْضٌ لِلْأَوَّلِ كَحُكْمٍ مُغَيٍّ بِغَايَةٍ هَلْ هُوَ نَسْخٌ .
الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ حُكْمُهُ لِطَبَقَةٍ حُكْمٌ لِلثَّانِيَةِ وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ ؟ رَدَّدَ النَّظَرَ عَلَى وَجْهَيْنِ ثُمَّ مَنْ أَبْدَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلُ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَهُ فَلِثَانٍ الدَّفْعُ بِهِ وَهَلْ هُوَ نَقْضٌ لِلْأَوَّلِ كَحُكْمٍ مُغَيًّا بِغَايَةٍ هَلْ هُوَ فَسْخٌ " ، انْتَهَى .
هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ، وَالْمُصَنَّفُ قَدْ قَدَّمَ حُكْمًا ، وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ " وَيَصِحُّ تَبَعًا " وَقَدْ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ أَنَّ حُكْمَهُ لِطَبَقَةٍ لَيْسَ حُكْمًا لِطَبَقَةٍ أُخْرَى .

فَصْلٌ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فَشَهِدَ بِهِ اثْنَانِ قَبِلَهُمَا وَأَمْضَاهُ ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى إمْضَائِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ شَهَادَتَهُ فَشَهِدَا عِنْدَهُ بِهَا ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَقْبَلُهُمَا ، وَمُرَادُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُ لَمْ يَقْبَلْهُمَا ، لِأَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِيهِ بِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ، وَذَكَرُوا هُنَاكَ صَوَابَهُ لَوْ تَيَقَّنَ لَمْ يَقْبَلْهُمَا ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ الْأَصْلِ الْمُحْدَثِ لِلرَّاوِي عَنْهُ ، لَا أَدْرِي ، وَذَكَرُوا هُنَاكَ لَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِمَا وَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ ، وَدَلَّ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ هُنَا قِيَاسُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّلِيلَيْنِ ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَك بِكَذَا أَمْضَاهُ ، فَإِنْ وَجَدَ حُكْمَهُ أَوْ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ وَتَيَقَّنَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي الْمُذْهَبِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ هُوَ الْأَشْهَرُ ، كَخَطِّ أَبِيهِ بِحُكْمٍ أَوْ شَهَادَةٍ لَمْ يَشْهَدْ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهَا إجْمَاعًا وَلَمْ يُنَفِّذْهُ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ ، وَعَنْهُ : إنْ كَانَ فِي حِرْزِهِ كَقِمْطَرِهِ ، وَمَنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ أَوْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ يَتَجَوَّزُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ قَبُولُ شَهَادَتِهِ ، وَلَهُمَا حُكْمُ مُغَفَّلٍ أَوْ مُحْرَقٍ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصِّفَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : لَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ سُؤَالُهُمَا عَنْ ذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُهُمَا جَوَابُهُ .
وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ : إذَا عَلِمَ تَجَوَّزَهُمَا فَهُمَا كَمُغَفَّلٍ ، وَلَمْ يَجُزْ قَبُولُهُمَا ، وَإِنْ قَالَ وَهُوَ عَدْلٌ : حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَلَيْسَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ قُبِلَ

قَوْلُهُ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، سَوَاءٌ ذَكَرَ مُسْتَنَدَهُ أَوْ لَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : قَوْلُهُمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إخْبَارُهُ بِمَا ثَبَتَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ يُوجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ ، إذْ لَوْ قُبِلَ خَبَرُهُ لَقُبِلَ كِتَابُهُ ، وَأَوْلَى ، قَالَ : وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ : إنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي فَهُوَ كَقَوْلِهِ حَكَمْت فِي الْأَخْبَارِ وَالْكِتَابِ ، وَإِنْ قَالَ شَهِدَا أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي فُلَانٌ فَكَالشَّاهِدَيْنِ سَوَاءٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَهُ بَعْدَ عَزْلِهِ ، وَقِيلَ : لَا ، فَهُوَ كَشَاهِدٍ ، وَقِيلَ : لَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَنَظِيرُهُ أَمِيرُ الْجِهَادِ وَأَمِيرُ الصَّدَقَةِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ : كُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ أَمْرٍ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ وَإِنْ أَخْبَرَ حَاكِمٌ آخَرُ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتِ عَمَلٍ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُخْبَرِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : عَنْ الْمَجْلِسِ ، وَيُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا وَفِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُجْبَرَ فِي عَمَلِهِ حَاكِمًا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ إذَا بَلَغَ عَمَلُهُ ، وَجَازَ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ثُمَّ قَالَ : وَإِنْ كَانَا فِي وِلَايَةِ الْمُخْبِرِ فَوَجْهَانِ ، وَفِيهِ : إذَا قَالَ سَمِعْت الْبَيِّنَةَ فَأَحْكُمُ لَا فَائِدَةَ لَهُ مَعَ حَيَاةِ الْبَيِّنَةِ بَلْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا .

فَصْلٌ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا ، وَعَنْهُ : بَلَى فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ بِشُفْعَةِ جِوَارٍ فَوَجْهَانِ ( م 15 ) وَمَنْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ عَمِلَ بَاطِنًا بِالْحُكْمِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَقِيلَ بِاجْتِهَادِهِ .
مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ " وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا ، وَعَنْهُ : بَلَى فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ قُبِلَ الْحُكْمُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ بِشُفْعَةٍ جِوَارٌ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) الصَّوَابُ الْإِحَالَةُ فِي الْبَاطِنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِشُمُولِ الرِّوَايَةِ لَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ نَفَذَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ ، وَحَكَى عَنْهُ : نُحِيلُهُ فِي عَقْدٍ وَفَسْخٍ مُطْلَقًا ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْوَسِيلَةِ ، قَالَ أَحْمَدُ : الْأَهْلُ أَكْبَرُ مِنْ الْمَالِ .
وَفِي الْفُنُونِ أَنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا وَاعْتَبَرَهَا بِاللِّعَانِ ، وَأَنَّ حَنْبَلِيًّا أَجَابَ بِأَنَّ اللِّعَانَ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِسَتْرِ الزَّانِيَةِ وَصِيَانَةِ النَّسَبِ ، فَتَعَقَّبَ الْفَسْخُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ إلَّا بِهِ ، وَمَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِلْفَسْخِ بِهِ زَالَ الْمِلْكُ ، وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا سِوَى جَهْلِ الْحَاكِمِ بِبَاطِنِ الْأَمْرِ وَعِلْمُهُمَا وَعِلْمُ الشُّهُودِ أَكْثَرُ مِنْ النَّصِّ فِي الدَّلَالَةِ ، لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُومٌ وَهَذَا مَحْسُوسٌ ، لِأَنَّ التَّزْوِيرَ مِنْ فِعْلِهِمَا .
وَإِذَا فَسَخْنَا الْأَحْكَامَ بِالْمَنْصُوصَاتِ مِنْ الْأَدِلَّةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَلَأَنْ تَبْطُلَ الْأَحْكَامُ بِالْحِسِّ بَاطِنًا أَوْلَى ، فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ ، فَقِيلَ لَهُ : هَذَا كُلُّهُ لَا يَدْفَعُ أَشْكَالَ اللِّعَانِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَلْزَمُهُ فِي إنْفَاذِ الْأَحْكَامِ بَوَاطِنُ الْأَحْوَالِ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الظَّاهِرُ ، وَمَا ذَكَرْته فِي اللِّعَانِ فَهُوَ الْحُجَّةُ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ صِحَّةَ الْفَسْخِ عَلَى قَوْلٍ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْكَذِبُ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ فِيكُمَا مِنْ تَائِبٍ } وَانْبَنَى إبَاحَةُ الزَّوْجِ الثَّانِي عَلَى فَسْخٍ بُنِيَ عَلَى كَذِبٍ .
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ : حُكْمُهُ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ ، وَإِنَّمَا يَقُولُ أَمْضَيْت مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ أَوْ حَكَمْت بِمَا شَهِدُوا [ بِهِ ] وَأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ فَلَا يُمْكِنُ نُفُوذُهُ ، وَمَتَى عَلِمَهَا كَاذِبَةً لَمْ يُنَفِّذْ وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنٍ ثَبَتَ بِبَيِّنَةِ زُورٍ فَفِي نُفُوذِهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : هَلْ يُبَاحُ لَهُ بِالْحُكْمِ مَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ،

وَفِي حِلِّ مَا أَخَذَهُ وَغَيْرِهِ بِتَأْوِيلٍ أَوْ مَعَ جَهْلِهِ ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُتَأَوِّلُ فَاعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَ بُلُوغِ الْخِطَابِ قَالَ : أَصَحُّهُمَا حُكْمُهُ كَالْحَرْبِيِّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، وَأَوْلَى ، وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَضْعَ طَاهِرٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِي مَائِعٍ لِغَيْرِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ

وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ أَسْلَمَ بِدَارِ حَرْبٍ وَعَامَلَ بِرِبًا جَاهِلًا رَدَّهُ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : وَيُحَدُّ لِزِنًا .

وَمَنْ حُكِمَ لَهُ بِبَيِّنَةِ زُورٍ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ حَلَّتْ لَهُ حُكْمًا ، فَإِنْ وَطِئَ مَعَ الْعِلْمِ فَكَزِنًا وَقِيلَ : لَا حَدَّ ، وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرُهُ ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ .
وَإِنْ حَكَمَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِزُورٍ فَزَوْجَتُهُ بَاطِنًا وَيُكْرَهُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ ، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يُعْلَمُ الْحَالُ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ، وَنَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : إنْ انْفَسَخَ بَاطِنًا جَازَ ، وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ بِهَذَا الْحُكْمِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا .

وَإِنْ رَدَّ حَاكِمٌ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ ، كَمِلْكٍ مُطْلَقٍ ، وَأَوْلَى ، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ فَتْوَى ، فَلَا يُقَالُ حُكِمَ بِكَذِبِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ ، وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ لَهُ دَخْلًا فَهُوَ مَحْكُومٌ بِهِ فِي حَقِّهِ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ حُكْمٌ وَلَمْ يُوَرِّثْ شُبْهَةً ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُغَيِّرُ إذَا اعْتَقَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُكْمٌ وَهَذَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ كَمُنْكِرَةِ نِكَاحِ مُدَّعٍ يَتَيَقَّنُهُ فَشَهِدَ لَهُ فَاسِقَانِ فَرَدَّا ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ رَدَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ هُنَا ، لِتَوَقُّفِهِ فِي الْعَدَالَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَ حُكْمٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : أُمُورُ الدِّينِ وَالْعِبَادَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ إجْمَاعًا ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ ، فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ سَبَبِ الْحُكْمِ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالزَّوَالِ لَيْسَ بِحُكْمٍ ، فَمَنْ لَمْ يَرَهُ سَبَبًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَعَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَنَّهُ حَكَمَ ، وَفِي الْخِلَافِ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ الْوَاحِدُ بِرُؤْيَةٍ كَالْبَعْضِ ، لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا : لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لَزِمَ النَّاسَ الصَّوْمُ ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْحَاكِمِ مَرْدُودًا ، وَيَكُونُ خَطَؤُهُ مَقْطُوعًا بِهِ ، وَقَالَ لَهُمْ لَمَّا قَالُوا لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَالْحُدُودِ فَقَالَ : يُنْتَقَضُ بِالْغَزْوِ ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَدْخُلُهُ الِاجْتِهَادُ فِي وُجُوبِهِ وَوَقْتِ إقَامَتِهِ وَالْآلَةِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ، وَالْجُمُعَةُ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ فِي وُجُوبِهَا وَأَفْعَالِهَا ، فَهِيَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، فَقِيلَ لَهُ : فَالْجُمُعَةُ مُخْتَلَفٌ فِي مَوْضِعٍ إقَامَتِهَا وَفِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ ، فَقَالَ : إلَّا أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ،

وَالْحَدُّ يَفْتَقِرُ ، الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا ، كَذَا قَالَ :

وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنَفِّذَهُ لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ تَنْفِيذُهُ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ إنْ يَرَهُ .
وَكَذَا إنْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ ، كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ وَنُكُولِهِ وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَفِي الْمُحَرَّرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ قَبْلَهُ .

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنَفِّذَهُ لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ تَنْفِيذُهُ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ إنْ لَمْ يَرَهُ ، وَكَذَا إنْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ ، كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ وَنُكُولِهِ وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ " انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ : الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ وَبِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ هُوَ الْمَذْهَبُ ، فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُهُ تَنْفِيذُهُ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الدَّعْوَى عِنْدَهُ لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِهَا ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَدَمُ لُزُومِ التَّنْفِيذِ لِحُكْمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لَا يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ ، كَالْحُكْمِ بِعِلْمِهِ ، لِأَنَّ التَّنْفِيذَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ ، وَإِذَا كَانَ لَا يَرَى صِحَّتَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ ، انْتَهَى ، وَنَقَلَهُ فِي الرِّعَايَةِ بِالْفَلَسِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ بِالْحُكْمِ عَلَى الْغَائِب وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا الْبَعْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ ، فِي النَّفْسِ مِمَّا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَزِمَ الْعَمَلُ بِهِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الْمِثَالِ لِلْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْحَاكِمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا ، كَفِعْلِهِ فِي تَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ ، فَإِنَّ تَزْوِيجَهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا ؟ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ حُكْمٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ ، فَيَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ بِأَنَّهُ حُكْمٌ ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ أَمْ لَا ؟ فَإِذَا حَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ صَارَ لَازِمًا ، ثُمَّ رَدَّدَ الْقَوْلَ فِيمَا مِثْلُهُ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا ؟ وَقَالَ : هَذَا قَوِيٌّ جِدًّا فِي كُلِّ حُكْمٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ بَعْدَ

وُقُوعِهِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا ؟ لَكِنْ تَحْتَاجُ الْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا هَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا أَمْ لَا ؟ وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ بِبَيْعِ الصِّفَةِ وَإِجَازَةِ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ وَقَالَ : جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَقَالَ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِيمَا حَكَمَ بِهِ لَيُنَفِّذَهُ .

وَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ فَقَطْ وَأَقَرَّا بِأَنَّ نَافِذَ الْحُكْمِ حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ فَلَهُ إلْزَامُهُمَا بِذَلِكَ وَرَدُّهُ وَالْحُكْمُ بِمَذْهَبِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : قَدْ يُقَالُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَبَيِّنَةٍ إنْ عَيَّنَا الْحَاكِمَ ، وَمَنْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ كَحُكْمٍ وَقِيلَ : بَلَى كَمُجْتَهِدٍ نَكَحَ ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ : مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ ، وَلَا يَلْزَمُ إعْلَامُهُ بِتَغَيُّرِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ فِي إتْلَافٍ بِمُخَالَفَةِ قَاطِعٍ ضَمِنَ لَا مُسْتَفْتِيَهُ .

وَفِي تَضْمِينِ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا وَجْهَانِ ( م 16 )
( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : " وَفِي تَضْمِينِ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا وَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ أَيْضًا : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَضْمَنُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي ( قُلْت ) وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا لَا وَجْهَ لَهُ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) يَضْمَنُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّل : وَلَمْ أَعْرِفْ هَذَا الْقَوْلَ لِأَحَدٍ قَبْلَ ابْنِ حَمْدَان ثُمَّ قَالَ : قُلْت : خَطَأُ الْمُفْتِي كَخَطَإِ الْحَاكِمِ أَوْ الشَّاهِدِ .
انْتَهَى ، هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِخَطَإِ الْمُفْتِي الَّذِي هُوَ أَهْلٌ لِلْإِفْتَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ لَيْسَ أَهْلًا ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَالْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ الضَّمَانَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كُفْرُ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقُهُمْ لَزِمَهُ نَقْضُهُ ، وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ وَبَدَلِهِ وَبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ ضَمِنَهُ مُزَكُّونَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالْمُسْتَوْعِبُ : حَاكِمٌ كَعَدَمِ مُزَكٍّ وَفَسَّقَهُ ، وَقِيلَ : قَرَارُهُ عَلَى مُزَكٍّ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : يَضْمَنُهُ الشُّهُودُ .
وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بِفِسْقِهِمَا إلَّا بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ ، وَيَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ جَازَ فِي الثَّانِيَةِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ ( م 17 ) فَإِنْ وَافَقَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ رَدَّ مَا أَخَذَهُ وَنَقَضَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ دُونَ الْحَاكِمِ ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِيهِ غَرِمَ الْحَاكِمُ .
وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ : إذَا بَانَ لَهُ فِسْقُهُمَا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ نَقَضَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَنْفِيذُهُ ، وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ : لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ ، وَعَنْهُ : لَا يُنْقَضُ لِفِسْقِهِمْ ، ذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ ، فَلَا ضَمَانَ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَيَضْمَنُ الشُّهُودَ

مَسْأَلَةٌ 17 ) قَوْلُهُ : وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بِفِسْقِهِمَا إلَّا بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمٌ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ ، وَيَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ جَازَ فِي الثَّانِيَةِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ انْتَهَى .
أَمَّا حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَذَكَرَ الْمَذْهَبَ فِيهِمَا ، وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْحُكْمِ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ أَمْ لَا ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّوَابُ النَّقْضُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : وَإِنْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كُفْرُ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقُهُمْ لَزِمَهُ نَقْضُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يُنْقَضُ ، وَهُوَ بَعِيدٌ .
فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي شَيْءٌ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِنْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا أَوْ عَدُوًّا فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ نَقَضَهُ وَلَمْ يُنَفِّذْ ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ : مَنْ حَكَمَ بِقَوَدٍ أَوْ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا فَلَهُ نَقْضُهُ إذَا كَانَ لَا يَرَى قَوْلَهُمْ فِيهِ ، قَالَ : وَكَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَادَفَ مَا حَكَمَ فِيهِ وَجَهِلَهُ ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْإِرْشَادِ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِمَا لَا يَرَاهُ مَعَ عِلْمِهِ لَا يُنْقَضُ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ شَكَّ فِي رَأْيِ الْحَاكِمِ تَقَدَّمَ إذَا شَكَّ هَلْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِالْمُعَارِضِ ؟ كَمَنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةٍ خَارِجٍ وَجَهِلَ عِلْمَهُ بِبَيِّنَةٍ دَاخِلٍ لَمْ يُنْقَضْ .
وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِمَّا ذَكَرُوا فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ النَّقْضِ عِلْمُ الْحَاكِمِ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، خِلَافًا لِمَالِكٍ ، وَإِنْ قَالَ عَلِمْت وَقْتَ الْحُكْمِ أَنَّهُمَا فَسَقَةٌ أَوْ زُورٌ وَأَكْرَهَنِي السُّلْطَانُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِمَا ، فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ : إنْ أَضَافَ فِسْقَهُمَا إلَى عِلْمِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْضُهُ مَعَ إكْرَاهِهِ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ تَعْدِيلٍ مُبَيِّنَةٌ بِالتَّزْكِيَةِ لِعِلْمِهِ ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ عِلْمِهِ افْتَقَرَ إلَى بَيِّنَةٍ بِالْإِكْرَاهِ ، وَيُحْتَمَلُ : لَا .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ : إنْ قَالَ كُنْت عَالِمًا بِفِسْقِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، كَذَا وَجَدْته .

وَمَنْ لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ بِحَاكِمٍ ، وَعَنْهُ فِي الضَّيْفِ : أَوْ قَدَرَ ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَفِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالرَّهْنِ ، مَرْكُوبٍ وَمَجْلُوبٍ ، وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ مِنْ الْمُفْلِسِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا فِي الثَّابِتِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ الْمُحَاكَمَةِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ ، وَقَدَّرَ لَهُ عَلَى مَالٍ حَرُمَ أَخْذُهُ بَاطِنًا قَدْرَ حَقِّهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ : مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : أَدِّ إلَيْهِ مَالَهُ الَّذِي ائْتَمَنَك عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ : فِي غَيْرِهَا خِلَافًا ، وَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : خِصَالُ الْمُنَافِقِ مُحَرَّمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .

وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي امْرَأَةٍ لَهَا مَهْرٌ فَمَاتَ ابْنُهَا أَتَأْخُذُ مَهْرَهَا مِنْ مِيرَاثه مِنْ نَصِيبِ زَوْجِهَا مِنْ تَحْتَ يَدِهَا ؟ قَالَ : أَخَافُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهَا لَمْ تَحْبِسِي شَيْئًا ، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا : يُطْمِعُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا وَيَنْوِيَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ؟ قَالَ : لَا .
أَمَّا مِنْ غُصِبَ مَالًا جَهْرًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ جَهْرًا فَجَائِزٌ ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ .

وَفِي الْفُنُونِ : مَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَالٍ لَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَخَذَهُ ، وَقِيلَ : لَا ، كَقَوَدٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ فِيمَنْ يَجْحَدُ الْحَقَّ وَلَعَلَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَمِينِ فَيَحْلِفُ : أَذَهَبُ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ ؟ قَالَ : لَا .
وَمَنْ قَدَرَ عَلَى عَيْنِ مَالِهِ أَخَذَهُ قَهْرًا ، زَادَ فِي التَّرْغِيبِ : مَا لَمْ يُفْضِ إلَى فِتْنَةٍ ، قَالَ : وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ ، وَجْهًا وَاحِدًا ، لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَا

بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي يُقْبَلُ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ حَتَّى فِي قَوَدٍ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا ، وَعَنْهُ : لَا يُقْبَلُ فِيمَا لَا يَقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ ، كَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرُوا أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ ، وَذَكَرُوا فِيمَا إذْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أَنَّهُ أَصْلٌ ، وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِإِنْكَارِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ ، وَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ ، بَلْ يَمْنَعُ إنْكَارُهُ الْحُكْمَ كَمَا يَمْنَعُ رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ الْحُكْمَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ وَهُوَ أَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ، وَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ فَرْعًا لِأَصْلٍ ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي التَّعْلِيلِ إنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي شُهُودِ فَرْعِ الْفَرْعِ

وَيُقْبَلُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ وَإِنْ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيُقْبَلُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ ، وَعَنْهُ : فَوْقَ يَوْمٍ ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا وَقَالَ خَرَّجْته فِي الْمَذْهَبِ وَأَقَلُّ ، كَخَبَرٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي : وَيَكُونُ فِي كِتَابِهِ : شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا ، وَلَا يَكْتُبُ : ثَبَتَ عِنْدِي ، لِأَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ أَنَّهُ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، فَيَتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ ، فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ بَلْ قَالَ ثَبَتَ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ ، لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ ، ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ ، وَلُزُومُ الْحَنْبَلِيِّ تَنْفِيذَهُ يَنْبَنِي عَلَى لُزُومِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَطِّ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ ، وَلِهَذَا لَا يُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيَّةُ حَتَّى يُنَفِّذَهُ حَاكِمٌ ، وَلِلْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ ، وَمَعَ قُرْبِهَا الْخِلَافُ ، وَلَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُعَدِّلْهَا وَجَعَلَهُ إلَى الْآخَرِ جَازَ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَلَهُ الْكِتَابَةُ إلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبَ كَشُهُودِ الْأَصْلِ وَقَدْ يَجْبُرُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ

وَيُشْتَرَطُ لِقَبُولِهِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى عَدْلَيْنِ ، فَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، فَإِذَا وَصَلَا قَالَا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك كَتَبَهُ بِعِلْمِهِ ، وَاعْتَبَرَ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَوْلَهُمَا لَهُ : وَقُرِئَ عَلَيْنَا ، وَقَوْلُ الْكَاتِبِ : اشْهَدَا عَلَيَّ ، وَقَوْلُهُمَا : وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ ، وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ : كَتَبَهُ بِحَضْرَتِنَا ، وَقَالَ لَنَا اشْهَدَا عَلَى أَنِّي كَتَبْته فِي عَمَلِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدِي وَحَكَمْت بِهِ مِنْ كَذَا وَكَذَا ، فَيَشْهَدَانِ بِذَلِكَ ، وَلَا يُعْتَبَرُ خَتْمُهُ ، وَإِنْ كَتَبَهُ وَخَتْمَهُ وَأَشْهَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، فَيَقْبَلُهُ إنْ عَرَّفَهُ خَطَّ الْقَاضِي وَخَتَمَهُ بِمُجَرَّدِهِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : مَنْ عَرَفَ خَطَّهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْشَاءٌ أَوْ عَقْدٍ أَوْ شَهَادَةِ عَمَلٍ بِهِ كَمَيِّتٍ ، فَإِنْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ مَضْمُونَهُ فَكَاعْتِرَافِهِ بِالصَّوْتِ وَإِنْكَارِ مَضْمُونِهِ ، وَذَكَرَ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْكُمُ شَاهِدٌ مَيِّتٌ وَقَالَ : الْخَطُّ كَاللَّفْظِ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَأَنَّهُ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا خَطُّهُ كَمَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا صَوْتُهُ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الشَّخْصِ إذَا عَرَفَ صَوْتَهُ مَعَ إمْكَانِ الِاشْتِبَاهِ ، وَجَوَّزَ الْجُمْهُورُ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ الشَّهَادَةَ عَلَى الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ أَضْعَفُ لَكِنْ جَوَازُهُ قَوِيٌّ ، أَقْوَى مِنْ مَنْعِهِ .

قَالَ : وَكِتَابُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ كَتَبَ شَاهِدَانِ إلَى شَاهِدَيْنِ مِنْ بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ عَنْهُمَا لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى غَيْرِهِ إذَا سَمِعَ مِنْهُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ اشْهَدْ عَلَيَّ ، فَأَمَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ فَلَا ، لِأَنَّ الْخُطُوط يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْعِلَلُ ، فَإِنْ قَامَ بِخَطِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ شَاهِدَانِ سَاغَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ .

وَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ وَأَحْضَرَ الْخَصْمَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ فَقَالَ مَا أَنَا الْمَذْكُورُ قَبْلَ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ ، فَإِنْ نَكَلَ قَضَى بِالنُّكُولِ أَوْ بِرَدِّ الْيَمِينِ ، عَلَى الْخِلَافِ ، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ بِالْبَلَدِ آخَرَ كَذَلِكَ وَلَوْ مَيِّتًا يَقَعُ بِهِ إشْكَالٌ ، فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يُعْلِمَ الْخَصْمَ .

وَيَقْبَلُ كِتَابَهُ فِي حَيَوَانٍ ، فِي الْأَصَحِّ ، بِالصِّفَةِ ، اكْتِفَاءً بِهَا ، كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ لَا لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مُشَارَكَةٌ فِيهِ وَصِفَتِهِ أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ بِكَفِيلٍ [ مَضْمُونًا ] مَخْتُومًا عُنُقُهُ ، فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ ، وَيَقْضِيَ لَهُ بِهِ ، وَيَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ مَا ادَّعَاهُ فَكَمَغْصُوبٍ ، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا حَقٍّ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : بِلَا مَنْفَعَةٍ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِهَذَا فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ أَوْلَى ، وَقِيلَ : يَحْكُمُ بِهِ الْكَاتِبُ وَيُسَلِّمُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لِمُدَّعِيهِ .

وَفِي التَّرْغِيبِ عَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا صِفَتُهُ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ ، بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُدَّعَى بِهِ لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنه ، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا ، هَلْ يَحْضُرُ لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ ؟ وَيَأْتِي فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى .

قَالَ فِي الْمُغْنِي : إنْ كَتَبَ بِثُبُوتِ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بِدَيْنٍ جَازَ وَحَكَمَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَأَخَذَ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : وَكَذَا عَيْنًا كَعَقَارٍ مَحْدُودٍ أَوْ عَيْنًا مَشْهُورَةً لَا تَشْتَبِهُ ، وَإِلَّا فَالْوَجْهَانِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ بِلَا حَاجَةٍ ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ : فِيهِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْجَدِّ ، وَكَذَا ذَكَرُهُ غَيْرُهُ .

فَصْلٌ وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَضُرَّ ، كَبَيِّنَةِ أَصْلٍ ، وَقِيلَ : كَمَا لَوْ فَسَقَ ، فَيُقْدَحُ خَاصَّةً فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ ، تَغَيُّرُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ لَا ، اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ ضَاعَ أَوْ انْمَحَى ، وَكَمَا لَوْ شَهِدَ بِأَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ حَكَمَ بِكَذَا لَزِمَهُ إنْفَاذُهُ ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ : وَلَوْ شَهِدَا خِلَافَ مَا فِيهِ قُبِلَ ، اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ ، قَالَ فِي فَتَاوِيهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ :

وَإِنْ قَالَا هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك أَخْبَرَنَا مَنْ نَثِقُ بِهِ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِمَا ، وَإِنْ قَدِمَ غَائِبٌ فَلِلْكَاتِبِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا جَرَى لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ الْكَاتِبُ أَوْ سَأَلَهُ مَنْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ ، مِثْلَ أَنْ أَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ ، أَوْ مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عِنْدَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمَا جَرَى مِنْ بَرَاءَةٍ أَوْ ثُبُوتِ مُجَرَّدٍ أَوْ مُتَّصِلٍ بِحُكْمٍ أَوْ تَنْفِيذٍ أَوْ الْحُكْمُ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَجَابَهُ ، وَقِيلَ : إنْ ثَبَتَ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ، وَإِنْ سَأَلَهُ مَعَ الْإِشْهَادِ كِتَابَتَهُ وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا أَخَذَ السَّاعِي زَكَاتَهُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا : يَلْزَمُهُ إنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ ، وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةِ سِجِلٍّ ، وَغَيْرِهِ مَحْضَرٌ .
وَفِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ : الْمَحْضَرُ : شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ ، وَالْأَوْلَى جَعْلُ السِّجِلَّ نُسْخَتَيْنِ : نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَنُسْخَةً عِنْدَهُ .
وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، حَضَرَ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ ، قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ عَلَى كَذَا ، وَإِنْ كَانَ نَائِبًا كَتَبَ : خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلَانٍ قَاضِي عَبْدِ اللَّه الْإِمَامِ ، فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ ، بِمَوْضِعِ كَذَا ، مُدَّعٍ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَالْأَوْلَى ذِكْرُ حِلْيَتِهِمَا إنْ جَهِلَهُمَا فَادَّعَى عَلَيْهِ بِكَذَا فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ ، فَقَالَ لِلْمُدَّعِي : أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ نَعَمْ ، فَأَحْضَرَهَا وَسَأَلَهُ سَمَاعَهَا فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ ، وَلَا بَيِّنَةَ ، وَسَأَلَ تَحْلِيفَهُ فَحَلَّفَهُ ، وَإِنْ نَكَلَ ذَكَّرَهُ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِنُكُولِهِ ، وَسَأَلَهُ كِتَابَةَ مَحْضَرٍ ، فَأَجَابَهُ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا ، مِنْ

سَنَةِ كَذَا ، وَيَعْلَمُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِحْلَافِ : جَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ، وَفِي الْبَيِّنَةِ : شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ .
وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارٍ لَمْ يَحْتَجْ : فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ .

فَصْلٌ وَأَمَّا السِّجِلُّ فَلِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ ، وَصِفَتُهُ .
هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ كَمَا تَقَدَّمَ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ ، وَيَذْكُرُهُمَا إنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ ، وَإِلَّا قَالَ : مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ ، جَازَ حُضُورُهُمَا وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مُعَرِّفُهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِقْرَارَهُ طَوْعًا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ ، وَجَوَازِ أَمْرٍ بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ ، فِي كِتَابٍ نُسْخَتُهُ كَذَا ، وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ الْمُثْبَتَ أَوْ الْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ حَرْفًا حَرْفًا ، فَإِذَا فَرَغَهُ قَالَ : وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ الْخَصْمَ الْمُدَّعِي ، وَيَنْسُبُهُ ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ خَصْمُهُ بِحُجَّةٍ ، وَجَعَلَ كُلَّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَرَّخِ فِي أَعْلَاهُ ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ ، نُسْخَةً بِدِيوَانِ الْحُكْمِ وَنُسْخَةً يَأْخُذُهَا مَنْ كَتَبَهَا لَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ جَازَ ، لِجَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِهِمَا بَلْ إلَى دَعْوَاهُمَا ، لَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْبَاءُ بَاءَ السَّبَبِ لَا الظَّرْفِ ، كَالْأُولَى ، وَهَذَا يُبْنَى عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ هَلْ تَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ ؟ فَأَمَّا التَّزْكِيَةُ فَلَا .
وَقَالَ : ظَاهِرُهُ أَنْ لَا حُكْمَ فِيهِ بِإِقْرَارٍ وَلَا نُكُولٍ وَلَا رَدٍّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَيَضُمُّ مَا اُجْتُمِعَ مِنْ مَحْضَرٍ وَسِجِلٍّ وَيَكْتُبُ : مَحَاضِرُ وَسِجِلَّاتُ كَذَا مِنْ وَقْتِ كَذَا .

يَحْرُمُ قِسْمَةُ الْأَمْلَاكِ الَّتِي لَا تُقْسَمُ إلَّا بِضَرَرٍ أَوْ رَدِّ عِوَضٍ إلَّا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ ، كَحَمَّامٍ وَدُورٍ صِغَارٍ وَأَرْضٍ بِبَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ وَنَحْوُهُ لَا يَتَعَدَّلُ بِأَجْزَاءٍ وَلَا قِيمَةٍ ، وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ ، يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ خَاصَّةً لِمَالِكٍ وَوَلِيٍّ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا آخُذُ الْأَدْنَى وَيَبْقَى لِي فِي الْأَعْلَى تَتِمَّةُ حِصَّتِي فَلَا إجْبَارَ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مَوَاضِعُ مُخْتَلِفَةٌ إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا حَقَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ جُمِعَ لَهُ حَقُّهُ مِنْ مَكَان وَاحِدٍ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ سَهْمٌ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى شُرَكَائِهِ وَافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِمْ مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَالْمُبْهِجِ وَالْكَافِي : الْبَيْعُ مَا فِيهِ رَدٌّ فَقَطْ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا .

وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ إلَى الْبَيْعِ فِيهَا أُجْبِرَ ، فَإِنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِمَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَحَنْبَلٌ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَالْفُصُولِ وَالْإِفْصَاحِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهَا ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ وَالْمُحَرَّرِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَلَوْ فِي وَقْفٍ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِي الْإِجَارَةِ ، قَالَ أَبُو عَمْرُو بْنُ الصَّلَاحِ : وَدِدْت لَوْ مُحِيَ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ : وَقَدْ عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَمَالِيكِهِ بَاعَهُمْ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا صِرْنَا إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ شَرِيكٍ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ وَمِلْكٌ فَلِمَ لَا يَصِيرُ إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ شَرِيكٍ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا مِلْكَ ؟ قَالَ : وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْمُهَايَأَةِ ضَعِيفٌ ، وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِهَا .
وَعَنْهُ عَدَمُ النَّفْعِ بِهِ مَقْسُومًا مَنْفَعَتُهُ الَّتِي كَانَتْ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ ، وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالضَّرَرِ كَرَبِّ ثُلُثٍ مَعَ رَبِّ ثُلُثَيْنِ فَلَا إجْبَارَ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ إنْ طَلَبَهَا الْمُتَضَرِّرُ أُجْبِرَ الْآخَرُ ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ .
وَيُعْتَبَرُ الضَّرَرُ وَعَدَمُهُ فِي دُورٍ مُتَلَاصِقَةٍ وَنَحْوِهَا فِي كُلِّ عَيْنٍ وَحْدَهَا .
نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ حَقَّهُ إذَا كَانَ خَيْرًا لَهُ .

وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبِيدٌ أَوْ بَهَائِمُ أَوْ ثِيَابٌ وَنَحْوُهَا مِنْ جِنْسٍ وَفِي الْمُغْنِي : مِنْ نَوْعٍ فَطَلَبَهَا أَحَدُهُمَا أَعْيَانَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، إنْ تَسَاوَتْ الْقِيمَةُ ، وَقِيلَ : أَوْ لَا ، وَالْآجُرُّ وَاللَّبِنُ الْمُتَسَاوِي الْقَوَالِبِ مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ ، وَالْمُتَفَاوِتُ مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ .

وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَرْصَةُ حَائِطٍ أَوْ حَائِطٌ فَقِيلَ : لَا إجْبَارَ ، وَقِيلَ : إلَّا فِي قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ طُولًا فِي كَمَالِ عَرْضِهَا ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : يُجْبَرُ إنْ طَلَبَ قِسْمَةَ طُولِهِمَا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ أَوْ قِسْمَةَ الْعَرْصَةِ عَرْضًا وَهِيَ تَسَعُ حَائِطَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْعَرْصَةِ ( م 1 )
بَابُ الْقِسْمَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَرْصَةُ حَائِطٍ أَوْ حَائِطٌ فَقِيلَ : لَا إجْبَارَ ، وَقِيلَ : إلَّا فِي قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ طُولًا فِي كَمَالِ عَرْضِهَا ، وَعِنْدَ الْقَاضِي يُجْبَرُ ( 1 ) إنْ طَلَبَ قِسْمَةَ طُولِهِمَا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ أَوْ قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ عَرْضًا وَهِيَ تَسَعُ حَائِطَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْعَرْصَةِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) هُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) وَهُوَ الْإِجْبَارُ فِي قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ طُولًا فِي كَمَالِ عَرْضِهَا لِمَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ .
( الْقَوْلُ الثَّالِثُ ) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي نَسَبَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ إلَى الْأَصْحَابِ فَقَالَ : وَقَالَ أَصْحَابُنَا : إنْ طَلَبَ قِسْمَتَهُ طُولًا بِحَيْثُ يَكُونُ نِصْفُ الطُّولِ فِي كَمَالِ الْعَرْضِ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ ، وَإِنْ طَلَبَ قِسْمَتَهُ عَرْضًا وَكَانَتْ تَسَعُ حَائِطَيْنِ أُجْبِرَ وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى .
وَفِي نِسْبَتِهِ إلَى الْأَصْحَابِ نَظَرٌ ، وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزِ .
( وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فَقَالَ فِي الْحَائِطِ : لَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِهَا بِحَالٍ ، وَقَالَ فِي الْعَرْصَةِ كَقَوْلِ الْقَاضِي ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ .

وَمَعَ الْقِسْمَةِ فَقِيلَ : بِالْقُرْعَةِ ، وَقِيلَ : لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَلِيهِ ( م 2 ) وَلَا إجْبَارَ فِي دَارٍ لَهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ طَلَبَ أَحَدُهُمَا جَعْلَ السُّفْلِ لِوَاحِدٍ وَالْعُلُوِّ لِآخَرَ أَوْ قِسْمَةَ سُفْلٍ لَا عُلُوٍّ أَوْ عَكْسَهُ ، أَوْ قِسْمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ ، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُمَا مَعًا وَلَا ضَرَرَ وَجَبَ وَعَدَلَ بِالْقِيمَةِ ، لَا ذِرَاعَ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْ عُلُوٍّ ، وَلَا ذِرَاعَ بِذِرَاعٍ .
وَلَا إجْبَارَ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْقِسْمَةِ بِالْمَكَانِ وَلَا ضَرَرَ ، وَإِنْ اقْتَسَمَاهَا بِزَمَنٍ أَوْ مَكَان صَحَّ جَائِزًا ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ لَازِمًا إنْ تَعَاقَدَا مُدَّةً مَعْلُومَةً ، وَقِيلَ لَازِمًا بِالْمَكَانِ مُطْلَقًا .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَمَعَ الْقِسْمَةِ فَقِيلَ : بِالْقُرْعَةِ ، وَقِيلَ : لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَلِيهِ " ، انْتَهَى .
( الْقَوْل الْأَوَّلُ ) ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ .
( الْقَوْلُ الثَّانِي ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَا يُمَكِّنُ بِنَاءَ حَائِطٍ فِيهِ أُجْبِرَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِي مِلْك الْآخَرِ ، انْتَهَى .
قُلْت : وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ .

فَإِنْ انْتَقَلَتْ كَانْتِقَالِ وَقْفٍ فَهَلْ تَنْتَقِلُ مَقْسُومَةً أَوْ لَا ؛ فِيهِ نَظَرٌ ( م 3 ) فَإِنْ كَانَتْ إلَى مُدَّةٍ لَزِمَتْ الْوَرَثَةَ وَالْمُشْتَرِيَ ، قَالَ ذَلِكَ شَيْخُنَا .
وَقَالَ أَيْضًا : مَعْنَى الْقِسْمَةِ هُنَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْبَيْعِ ، فَقَدْ يُقَالُ يَجُوزُ التَّبْدِيلُ ، كَالْحَبِيسِ وَالْهَدْيِ .
وَقَالَ أَيْضًا : صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ إذَا كَانَ عَلَى جِهَتَيْنِ ، فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُقْسَمُ عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً ، اتِّفَاقًا ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، لَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ ، وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُنَاقَلَةِ بِالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ تَرْكِهَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ بِلَا مُنَاقَلَةٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ شَيْخُنَا عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
وَفِي الْمُبْهِجِ لُزُومُهَا إذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ ، قَالَ : وَكَذَا إنْ تَهَايَئُوا .
وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ فِيمَنْ وَقَفَ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ فَأَرَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَيْعَ نَصِيبِهِ كَيْفَ يَبِيعُ ؟ قَالَ : يُفْرِزُ الثُّلُثَ مِمَّا لِلْوَرَثَةِ ، فَإِنْ شَاءُوا بَاعُوا أَوْ تَرَكُوا .
وَنَفَقَةُ الْحَيَوَانِ مُدَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ .
وَإِنْ نَقَصَ الْحَادِثُ عَنْ الْعَادَةِ فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فِيهَا مَزْرُوعَةٌ قُسِّمَتْ دُونَ الزَّرْعِ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا ، وَاخْتَارَ فِي الْكَافِي : لَا ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ الزَّرْعِ وَحْدَهُ ، وَكَذَا قِسْمَتُهُمَا .
وَفِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي يُجْبَرُ فِي قَصِيلٍ وَمُشْتَدٍّ حَبُّهُ ، وَتَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا فِي قَصِيلٍ أَوْ قُطْنٍ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي : وَفِي مُشْتَدٍّ مَعَ الْأَرْضِ ، وَقِيلَ : وَبَذْرٍ ، لِأَنَّهُمَا تَبَعٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : مَأْخَذُهُمَا هَلْ هِيَ إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ ؟ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا [ أَرْضٌ ] فِي بَعْضِهَا نَخْلٌ وَبَعْضُهَا شَجَرٌ أَوْ يَشْرَبُ سَيْحًا وَبَعْضُهَا بَعْلًا قُدِّمَ مَنْ يَطْلُبُ قِسْمَةَ كُلِّ

عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ لَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ عَيْنٌ مَا فَالنَّفَقَةُ لِحَاجَةٍ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَالْمَاءُ عَلَى مَا شَرَطَا عِنْدَ الِاسْتِخْرَاجِ ، وَلَهُمَا قِسْمَتُهُ مُهَايَأَةً بِزَمَنٍ أَوْ بِنَصْبِ حَجَرٍ مُسْتَوٍ فِي مَصْدَمِ الْمَاءِ فِيهِ ثُقْبَانِ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا ، وَلِأَحَدِهِمَا فِي الْأَصَحِّ سَقْيُ أَرْضِ لَا شُرْبَ لَهَا مِنْهُ بِنَصِيبِهِ .
وَقِيلَ : إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْمَاءَ بِمِلْكِ أَرْضِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ انْتَقَلَتْ كَانْتِقَالِ وَقْفٍ فَهَلْ تَنْتَقِلُ مَقْسُومَةً أَوْ لَا ؟ فِيهِ نَظَرٌ .
قَالَ شَيْخُنَا " ، انْتَهَى .
قُلْت : ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ مَقْسُومَةً .

فَصْلٌ وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا رَدَّ عِوَضٍ كَقَرْيَةٍ وَبُسْتَانٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ وَأَرْضٍ وَاسِعَةٍ وَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ مِنْ جِنْسٍ ، كَدِبْسٍ وَخَلٍّ وَدُهْنٍ وَلَبَنٍ إذَا طَلَبَهَا شَرِيكُهُ أُجْبِرَ هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ ، وَمَعَ غَيْبَةِ وَلِيٍّ هَلْ يُقَسِّمُ حَاكِمٌ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ ( م 4 ) .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ " وَمَعَ غَيْبَةِ وَلِيٍّ هَلْ يُقَسِّمُ حَاكِمٌ عَلَيْهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ " ، انْتَهَى : ( أَحَدُهُمَا ) يُقَسِّمُهُ حَاكِمٌ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلِيِّ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَيُقَسِّمُ الْحَاكِمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ عَامٌّ ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَيُقَسِّمُ الْحَاكِمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ حَاضِرٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَالسَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا : وَوَلِيُّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ كَهُوَ ، انْتَهَى .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يُقَسِّمُ مَعَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ ، قُلْت : بَلْ أَوْلَى ، لِأَنَّ لَهُ نَوْعَ كَلَامٍ عَلَى الْمُولَى عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ : فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ مِثْلِيًّا فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَهَلْ يَجُوزُ لَلشَّرِيكُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ إذَا امْتَنَعَ الْآخَرُ وَغَابَ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى : ( أَحَدُهُمَا ) الْجَوَازُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ .
( وَالثَّانِي ) الْمَنْعُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يُخْتَلَفُ فِي كَوْنِهَا بَيْعًا وَإِذْنُ الْحَاكِمِ بِرَفْعِ النِّزَاعِ .

قَالَ جَمَاعَةٌ : إنْ ثَبَتَ مِلْكُهُمَا عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ( م 5 ) كَبَيْعٍ مَرْهُونٍ وَجَانٍ ، وَإِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ وَقَسْمِ ثَمَنِهِ عَامٌّ فِيمَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِلْكُهُمَا وَمَا لَمْ يَثْبُتْ ، كَجَمِيعِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُبَاعُ وَأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا خَلِيَّةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا ، هَلْ يُزَوِّجُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ ؟ وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِسَهْمٍ مِنْ ضَيْعَةٍ بِيَدِ قَوْمٍ فَهَرَبُوا مِنْهُ ، يَقْسِمُ عَلَيْهِمْ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ حَقَّهُ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْغَائِبِ فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ ، وَأَنَّهُ أَوْلَى ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي فِي الدَّعْوَى ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : يَقْسِمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ قِسْمَةَ إجْبَارٍ .
وَفِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ : بَلْ مَعَ وَكِيلِهِ فِيهَا الْحَاضِرُ ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي عَقَارٍ بِيَدِ غَائِبٍ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي قَرْيَةٍ مُشَاعَةٍ قَسَّمَهَا فَلَّاحُوهَا : هَلْ يَصِحُّ ؟ قَالَ : إذَا تَهَايُؤُهَا وَوَزَّعَ كُلٌّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ فَالزَّرْعُ لَهُ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ نَصِيبُهُ ، إلَّا أَنَّ مَنْ تَرَكَ مِنْ نَصِيبِ مَالِكِهِ فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْفَضْلَةِ أَوْ مُقَاسَمَتِهَا ، وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ ، فَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ بِلَا رَدٍّ .
وَقِسْمَةُ مَا بَعْضُهُ وَقْفٌ بِلَا رَدٍّ مِنْ رَبِّ الطَّلْقِ ، وَلَحْمٍ رَطْبٍ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ .
وَقَسْمُ ثَمَرٍ يَخْرَصُ خَرْصًا ، وَمَا يُكَالُ وَزْنًا ، وَعَكْسُهُ ، زَادَ فِيهِمَا فِي التَّرْغِيبِ : فِي الْأَصَحِّ ، وَتَفَرُّقُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِيهِمَا ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ، وَقِيلَ بَيْعٌ فَيَنْعَكِسُ الْكُلُّ ، فَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ مَا كُلُّهُ وَقْفٌ أَوْ بَعْضُهُ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ عَلَيْهِمَا : إنْ كَانَ الرَّدُّ مِنْ رَبِّ وَقْفٍ لِرَبِّ طَلْقٍ جَازَتْ قِسْمَتُهُ بِالرِّضَا فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي التَّرْغِيبِ :

عَلَيْهِمَا مَا كُلُّهُ وَقْفٌ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ ، فِي الْأَصَحُّ ، وَلَا شُفْعَةَ مُطْلَقًا ، لِجَهَالَةِ ثَمَنٍ ، وَيُفْسَخُ بِعَيْبٍ ، وَقِيلَ : تَبْطُلُ لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ ، وَإِنْ بَانَ غَبْنٌ فَاحِشٌ لَمْ تَصِحَّ ، وَعَلَى الثَّانِي كَبَيْعٍ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " قَالَ جَمَاعَةٌ : إنْ ثَبَتَ مِلْكُهُمَا عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا " ، انْتَهَى .
مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ ذَكَرُوا ثُبُوتَ مِلْكِهِمَا عِنْدَهُ بِبَيِّنَةِ الْخِرَقِيِّ ، وَأَقَرَّهُ فِي الْمُغْنِي عَلَيْهِ ، وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مُلْحَقًا بِخَطِّهِ ، وَمِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .

وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ : رَضِيت ، دُونَ لَفْظِ الْقِسْمَةِ ، وَفِيهِ عَلَى الثَّانِي .
فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ ( م 6 ) .
، مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : فِي فَوَائِدِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ " وَتَصِحُّ " ، يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا إفْرَازٌ " بِقَوْلِهِ رَضِيت بِدُونِ لَفْظِ الْقِسْمَةِ ، وَفِيهِ عَلَى الثَّانِي فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
قُلْت ) الصَّوَابُ الصِّحَّةُ ، قَالَ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ : وَكَأَنَّ مَأْخَذَهُمَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، انْتَهَى ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ فَيَصِحُّ بِذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَلِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَتَقَاسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ ، وَلَهُمْ نَصْبُ قَاسِمٍ وَسُؤَالُ حَاكِمٍ نَصَبَهُ وَشَرْطُ الْمَنْصُوبِ إسْلَامُهُ وَعَدَالَتُهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِهَا .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : فَيُعْرَفُ الْحِسَابُ ، لِأَنَّهُ كَالْخَطِّ لِلْكَاتِبِ ، وَفِي الْكَافِي وَالتَّرْغِيبِ : تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ قَاسِمِهِمْ لِلُّزُومِ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَكَذَا مَعْرِفَتُهُ ، وَيَكْفِي وَاحِدٌ ، وَقِيلَ : وَلَوْ مَعَ تَقْوِيمٍ ، وَتُبَاحُ أُجْرَتُهُ ، وَعَنْهُ .
هِيَ كَقِرْبَةٍ نَقَلَ صَالِحٌ : أَكْرَهُهُ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : أَتَوَقَّاهُ .
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : لَا تَأْخُذُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ أَجْرًا .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةَ قَالُوا : وَمَا الْقُسَامَةُ ؟ قَالَ : الشَّيْءُ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنْتَقَصُ مِنْهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَتَفَرَّدَ عَنْهُ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ ، وَمُوسَى وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ حِبَّانَ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : صَالِحٌ ، وَلَهُ مَشَايِخُ مَجْهُولُونَ وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ : ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْقُسَامَةُ بِضَمِّ الْقَافِ اسْمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْقَسَّامُ لِنَفْسِهِ فِي الْقِسْمَةِ ، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ وَكَانَ عَرِيفًا لَهُمْ أَوْ نَقِيبًا ، فَإِذْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ سِهَامَهُمْ أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ ، يَسْتَأْثِرُ بِهِ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا نَحْوُهُ ، قَالَ فِيهِ : { الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الْفِئَامِ مِنْ النَّاسِ فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا ، وَمِنْ حَظِّ هَذَا } .
الْفِئَامُ : الْجَمَاعَاتُ .
وَهِيَ بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، زَادَ فِي التَّرْغِيبِ : إذَا أَطْلَقَ الشُّرَكَاءُ الْعَقْدَ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ بِالِاسْتِئْجَارِ بِلَا إذْنٍ ، وَقِيلَ بِعَدَدِ الْمُلَّاكِ .
وَفِي الْكَافِي : عَلَى مَا شَرَطَا ، فَعَلَى النَّصِّ أُجْرَةُ شَاهِدٍ يَخْرُجُ لِقَسْمِ الْبِلَادِ وَوَكِيلٍ وَأَمِينٍ

لِلْحِفْظِ عَلَى مَالِكٍ وَفَلَّاحٍ كَأَمْلَاكٍ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ : فَإِذَا مَا نَهِمَ الْفَلَّاحُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّهُ الضَّيْفُ حَلَّ لَهُمْ ، قَالَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ إلَّا قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَالزِّيَادَةِ يَأْخُذُهَا الْمُقْطِعُ فَالْمُقْطِعُ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ الْفَلَّاحِينَ ، فَإِذَا أَعْطَى الْوَكِيلُ الْمُقْطِعَ مِنْ الضَّرِيبَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ إلَّا أُجْرَةَ عَمَلِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ .

وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي التَّاسِعِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أُجْرَةِ الْقَسَّامِ ، فَقَالَ قَوْمٌ : عَلَى الْمُزَارِعِ ، وَقَالَ قَوْمٌ : عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَقَالَ قَوْمٌ : عَلَيْهِمَا .
وَتُعَدَّلُ السِّهَامُ بِالْأَجْزَاءِ إنْ تَسَاوَتْ ، وَبِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ ، وَبِالرَّدِّ إنْ اقْتَضَتْهُ ، وَيَقْرَعُ كَيْفَ شَاءَ ، وَالْأَحْوَطُ كِتَابَةُ اسْمِ كُلِّ شَرِيكٍ فِي رُقْعَةٍ ، ثُمَّ تُدَرَّجٌ فِي بَنَادِقَ مِنْ طِينٍ مُتَسَاوِيَةٍ : وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ : أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ لَهُ ، ثُمَّ كَذَلِكَ الثَّانِي ، وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ ، إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَسِهَامُهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ .
وَإِنْ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ سَهْمٍ فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ قَالَ : أُخْرِجُ بُنْدُقَةً لِفُلَانٍ وَبُنْدُقَةً لِفُلَانٍ وَبُنْدُقَةً لِفُلَانٍ جَازَ ، وَقِيلَ : يُخَيَّرُ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ سِهَامُ الثَّلَاثَةِ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ جَزَّأَ الْمَقْسُومُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ ، بِحَسَبِ الْأَقَلِّ مِنْهَا ، وَلَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ عَلَى السِّهَامِ ، لِئَلَّا يَحْصُلَ تَفَرُّقٌ وَاخْتِلَافٌ ، فَيَكْتُبُ بِاسْمِ رَبِّ النِّصْفِ ثَلَاثَ رِقَاعٍ ، وَلِلثُّلُثِ ثِنْتَيْنِ وَلِلسُّدُسِ رُقْعَةً ، بِحَسَبِ التَّجْزِئَةِ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي : بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، ثُمَّ يُخْرِجُ بُنْدُقَةً عَلَى أَوَّلِ سَهْمٍ ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ رَبِّ النِّصْفِ أَخَذَهُ مَعَ ثَانٍ وَثَالِثٍ ، لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَفْرِقَتِهِ ، وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ رَبِّ الثُّلُثِ أَخَذَهُ مَعَ ثَانٍ ، ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ كَذَلِكَ ، وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : لَا قُرْعَةَ فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إلَّا لِلِابْتِدَاءِ ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِرَبِّ الْأَكْثَرِ أَخَذَ كُلٌّ حَقَّهُ ، فَإِنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ تَوَجَّهَ وَجْهَانِ

تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ تَوَجَّهَ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدَّمَ الْقُرْعَةَ ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ : وَهُنَا احْتِمَالَانِ : التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ ، وَالثَّانِي الْفَرْقُ مُطْلَقًا ، وَالثَّالِثُ إلْحَاقُ مَا كَانَ مِنْ الْقِسْمَةِ تَبَعًا لِلْبَيْعِ ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدَّمَ حُكْمًا غَيْرَ ذَلِكَ .
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ .

فَصْلٌ وَيَلْزَمُ نَصَّ عَلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ ، وَقِيلَ : بِالرِّضَا ، بَعْدَهَا ، وَقِيلَ : فِيمَا فِيهِ رَدٌّ ، وَقِيلَ : أَوْ ضَرَرٌ .
وَفِي الْمُغْنِي : بِالرِّضَا بَعْدَهَا إنْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا ، وَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَبِرِضَاهُمَا وَتَفَرُّقِهِمَا ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .

وَمَتَى طَلَبَا قِسْمَةً وَلَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُمَا فَلَهُ الْقِسْمَةُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا بِإِقْرَارِهِمَا لَا عَلَى غَيْرِهِمَا ، وَيَذْكُرُ فِي الْقَضِيَّةِ قِسْمَتَهُ بِدَعْوَاهُمَا لَا بِبَيِّنَةٍ .

وَمِنْ ادَّعَى غَلَطًا فِيمَا تَقَاسَمَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَأَشْهَدَا عَلَى رِضَاهُمَا لَمْ يُقْبَلْ ، وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ بِبَيِّنَةٍ ، كَقِسْمَةِ قَاسِمٍ حَاكِمٍ وَكَقَاسِمٍ نَصَبَاهُ فِيمَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ رِضًا بَعْدَ قُرْعَةٍ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : إنْ كَانَ مُسْتَرْسِلًا فَكَبَيْعٍ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْ الْحِصَّتَيْنِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ لَمْ تَبْطُلْ فِيمَا بَقِيَ ، وَقِيلَ : بَلَى ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي إحْدَاهُمَا ، وَإِنْ كَانَ شَائِعًا بِطَلَبٍ .
وَقِيلَ : فِي الْمُسْتَحَقِّ ، وَقِيلَ : بِالْإِشَاعَةِ فِي إحْدَاهُمَا .

وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهَا أَنَّ هَذَا مِنْ سَهْمِي تَحَالَفَا وَنُقِضَتْ الْقِسْمَةُ

وَمَنْ كَانَ بَنَى أَوْ غَرَسَ فَخَرَجَ مُسْتَحِقًّا فَقَلَعَ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ إنْ قُلْنَا بِيعَ كَقِسْمَةِ تَرَاضٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ رُجُوعَهُ .
وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، قَالَ شَيْخُنَا : إذَا لَمْ يَرْجِعْ حَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْعًا فَلَا يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ وَلَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي الْغُرُورِ إذَا اقْتَسَمَا الْجَوَارِيَ أَعْيَانًا ، وَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِهِ يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا فَوَّتَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ ، وَهُنَا احْتِمَالَاتٌ : ( أَحَدُهَا ) التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ .
( الثَّانِي ) الْفَرْقُ مُطْلَقًا .
( الثَّالِثُ ) إلْحَاقُ مَا كَانَ مِنْ الْقِسْمَةِ بَيْعًا بِالْبَيْعِ .
وَلَا يُمْنَعُ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ نَقَلَ تَرِكَتَهُ ، فَظُهُورُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يُبْطِلُهَا ، فَإِنْ قِيلَ هِيَ بَيْعٌ فَكَبَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَائِهِ ، يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ قَضَى ، فَالنَّمَاءُ لِوَارِثٍ ، كَنَمَاءِ جَانٍ ، لَا كَمَرْهُونٍ ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقِيلَ : تَرِكَةٌ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : مَنْ أَدَّى نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْنِ انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْهَا كَجَانٍ .
وَعَنْهُ يَمْنَعُ بِقَدْرِهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا يَرِثُونَ شَيْئًا حَتَّى يُؤَدُّوهُ ، وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ .
وَالرِّوَايَتَانِ فِي وَصِيَّةٍ بِمُعَيَّنٍ ، وَنَصَرَ فِي الِانْتِصَارِ الْمَنْعَ ، وَذَكَرَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ التَّرِكَةَ أَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَجْهُولٍ مُنِعَا ، ثُمَّ سَلَّمَ لِتَعَلُّقِ الْإِرْثِ بِكُلِّ التَّرِكَةِ ، بِخِلَافِهِمَا فَلَا مُزَاحَمَةَ ، وَذَكَرَ مَنْعًا وَتَسْلِيمًا ، هَلْ لِلْوَارِثِ وَالدَّيْنُ مُسْتَغْرِقٌ الْإِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهَا ؟ وَفِي الرَّوْضَةِ : الدَّيْنُ عَلَى مَيِّتٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّ لَهُمْ أَدَاءَهُ وَقِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ قَالَ : وَكَذَا حُكْمُ مَالِ الْمُفْلِسِ

وَإِنْ اقْتَسَمَا فَحَصَلَ الطَّرِيقُ فِي حِصَّةِ وَاحِدٍ وَلَا مَنْفَذَ لِلْآخَرِ بَطَلَتْ ، لِعَدَمِ التَّعْدِيلِ وَالنَّفْعِ ، قَالَ شَيْخُنَا : كَذَا طَرِيقُ مَاءٍ ، وَنَصُّهُ : هُوَ لَهُمَا مَا لَمْ يَشْتَرِطَا رَدَّهُ ، قَالَ الشَّيْخُ : قِيَاسُهُ جَعْلُ الطَّرِيقِ مِثْلَهُ يَبْقَى فِي نَصِيبِ الْآخَرِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ صَرْفَهَا عَنْهُ .
وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ : يُفْسَخُ بِعَيْبٍ ، وَسَدُّ الْمَنْفَذِ عَيْبٌ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي مَجْرَى الْمَاءِ : لَا يُغَيِّرُ مَجْرَى الْمَاءِ وَلَا يَضُرُّ بِهَذَا إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ لَهُ النَّفَقَةَ حَتَّى يُصْلِحَ مَسِيلَهُ ، وَمَنْ وَقَعَتْ ظُلَّةٌ فِي حَقِّهِ فَلَهُ .
[ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ]

إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا بِيَدِ أَحَدِهِمَا حَلَفَ وَهِيَ لَهُ ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِذَلِكَ كَثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ ، وَلَا تَضْمَنُ عَاقِلَةُ صَاحِبِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ ، وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ بِهِ الدَّعْوَى ، ثُمَّ فِي كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ النَّافِي لِلْحُكْمِ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ ، وَكَذَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَفِيهَا : إنَّمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى دَلِيلٍ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ .
وَفِي التَّمْهِيدِ : يَدُهُ بَيِّنَةٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فَدَلِيلُ الْعَقْلِ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بَيِّنَةٌ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ الْحَاكِمَ أَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ الْعَيْنِ لَهُ دُونَ الْمُدَّعِي ، وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، كَذَا قَالَ ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَحْكِيَ فِي الْحُكْمِ صُورَةَ الْحَالِ ، كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي قِسْمَةِ عَقَارٍ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْمِلْكُ .
وَعَلَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ : يُصَرِّحُ فِي الْقِسْمَةِ بِالْحُكْمِ ، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ فَلَا حُكْمَ ، وَإِنْ سَأَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى أَجَابَهُ ، وَيَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ الْحَاكِم بَقَّى الْعَيْنَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ مَا يَرْفَعُهَا وَيُزِيلُهَا .

وَإِنْ كَانَتْ بِيَدَيْهِمَا كَعِمَامَةٍ بِيَدِ وَاحِدٍ شَيْءٌ مِنْهَا وَبَقِيَّتُهَا بِيَدِ الْآخَرِ تَحَالَفَا وَهِيَ بَيْنَهُمَا ، فَيَمِينُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ ، وَعَنْهُ : يَقْرَعُ ، فَمَنْ قَرَعَ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا ، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهِمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ } .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : هَذَا فِيمَنْ تُسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، كَكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِ مُدَّعِيهِ وَيُرِيدُ يَحْلِفُ ، وَيَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَاحِدٌ نِصْفَهَا فَأَقَلَّ وَالْآخَرُ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ ، فَيُصَدَّقَ مُدَّعِي الْأَقَلِّ بِيَمِينِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْفَرَجِ : يَتَحَالَفَانِ ، فَإِنْ قَوِيَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا كَحَيَوَانِ وَاحِدٍ سَائِقُهُ أَوْ آخِذٌ بِزِمَامِهِ وَقِيلَ : غَيْرُ مُكَارٍ وَالْآخَرُ رَاكِبُهُ أَوْ عَلَيْهِ حِمْلُهُ ، أَوْ قَمِيصٌ وَاحِدٌ آخِذٌ بِكُمِّهِ وَالْآخَرُ لَابِسُهُ ، فَهُوَ لِلثَّانِي ، وَيُقَدَّمُ رَاكِبٌ إلَّا فِي رَجْلِ حَيَوَانِ

وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِمَا مُشَاهَدَةً أَوْ حُكْمًا ، أَوْ بِيَدِ وَاحِدٍ مُشَاهَدَةً وَالْآخَرِ حُكْمًا عُمِلَ بِالظَّاهِرِ ، فَلَوْ نَازَعَ رَبُّ الدَّارِ خَيَّاطًا ، فِيهَا فِي إبْرَةٍ أَوْ مِقَصٍّ أَوْ قَرَّابًا فِي قِرْبَةٍ فَهِيَ لِلثَّانِي ، وَعَكْسُهُ الثَّوْبُ وَالْحَبُّ .

وَإِنْ تَنَازَعَ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ أَوْ مِصْرَاعٍ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ فَلِرَبِّهَا ، وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا ، وَنَصُّهُ : لِرَبِّهَا مُطْلَقًا ، كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعٍ ، وَقِيلَ : بَيْنَهُمَا ، وَكَذَا مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ عَادَةً فَلِمُكْتَرٍ

وَإِنْ تَنَازَعَ زَوْجَانِ أَوْ وَرَثَتُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَرَثَةُ الْآخَرِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَمْلُوكٌ نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي قُمَاشِ الْبَيْتِ ، فَمَا صَلُحَ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لَهُ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : وَلَا عَادَةَ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ الْمُصْحَفَ لَهُمَا ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تُقْرَأُ وَلَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ فَلَهُ .
وَكَذَا صَانِعَانِ فِي آلَةِ دُكَّانِهِمَا ، فَآلَةُ كُلِّ صَنْعَةٍ لِصَانِعِهَا ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ : إنْ كَانَ بِيَدِهِمَا الْمُشَاهَدَةُ فَبَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا الْمُشَاهَدَةُ فَلَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَتَى كَانَ بِيَدَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بِدُكَّانٍ كَالزَّوْجَيْنِ .

فَصْلٌ .
وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ ثَالِثٍ فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَاهَا مِنْهُ وَبَدَّلَهَا وَاقْتَرَعَا عَلَيْهَا وَقِيلَ يَقْتَسِمَانِهِمَا كَنَاكِلٍ مُقِرٍّ لَهُمَا ، وَقِيلَ : مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا وَحَلَفَ فَلَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : قَدْ يُقَالُ تُجْزِئُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ ، وَيُقَالُ : إنَّمَا تَجِبُ الْعَيْنُ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهَا ، وَيُقَالُ : إذَا اقْتَرَعَا عَلَى الْعَيْنِ فَمِنْ قُرِعَ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِهَا ، وَيُقَالُ : إنَّ الْقَارِعَ هُنَا يَحْلِفُ ثُمَّ يَأْخُذُهَا ، لِأَنَّ النُّكُولَ غَايَتُهُ أَنَّهُ بَدَلٌ ، وَالْمَطْلُوبُ لَيْسَ لَهُ هُنَا بَدَلُ الْعَيْنِ فَيُجْعَلُ كَالْمُقِرِّ ، فَيَحْلِفُ الْمَقَرُّ لَهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ حَلَفَ وَهِيَ لَهُ ، وَالْأَصَحُّ : وَيَحْلِفُ الْمَقَرُّ لِلْآخَرِ ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا ، وَإِذَا أَخَذَهَا الْمَقَرُّ لَهُ فَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلِلْمَقَرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ ، وَإِنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلُهُ فَصَدَّقَاهُ لَمْ يَحْلِفْ ، وَإِلَّا حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً ، وَيَقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَهِيَ لَهُ ، نَصٌّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ إنْ بَيَّنَهُ قُبِلَ كَتَبْيِينِهِ ابْتِدَاءً ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : إنْ أَبَى الْيَمِينَ مَنْ قَرَعَ أَخَذَهَا أَيْضًا ، وَقِيلَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا : لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ثَبَتَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا لَصَحَّتْ الشَّهَادَةُ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ، فَقَالُوا : الشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ لِمَجْهُولٍ وَلَا بِهِ .
وَلَهُمَا الْقُرْعَةُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ الْوَاجِبَ وَقَبْلَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ قُدِّمَتْ ، وَيَحْلِف لِلْمَقْرُوعِ إنْ كَذَّبَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا ، وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا الثَّالِثُ وَلَمْ يُنَازِعْ فَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ : يَقْرَعُ ، كَإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ، وَفِي الْوَاضِحِ : وَحَكَى أَصْحَابُنَا لَا يَقْرَعُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا

حَقٌّ ، كَشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهِمَا لِغَيْرِهِمَا ، وَتُقِرُّ بِيَدِهِ حَتَّى يَظْهَرَ رَبُّهَا ، وَكَذَا فِي التَّعْلِيقِ مَنَعَا ، أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ ، ثُمَّ تَسْلِيمًا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ أَخَذَهَا مَنْ قَرَعَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْآخَرِ فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ .
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي الَّتِي بِيَدِ ثَالِثٍ غَيْرُ مُنَازَعٍ وَلَا بَيِّنَةٍ كَاَلَّتِي بِيَدَيْهِمَا ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ فَكَالَّتِي بِيَدَيْهِمَا ، إذْ الْيَدُ الْمُسْتَحَقَّةُ الْوَضْعِ كَمَوْضُوعَةٍ ، وَفِيهِ : لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا فَصَدَّقَ أَحَدَهُمَا وَكَذَّبَ الْآخَرَ وَلَمْ يُنَازِعْ فَقِيلَ : يُسَلِّمُ إلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَحْفَظُهُ حَاكِمٌ ، وَقِيلَ : يَبْقَى بِحَالِهِ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ فِي الَّتِي قَبِلَهَا : لِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفُهَا ، وَمَنْ قَرَعَ فِي النِّصْفِ حَلَفَ وَأَخَذَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَحَدٍ فَنَقَلَ صَالِحٌ وَحَنْبَلٌ : هِيَ لِأَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ كَاَلَّتِي بِيَدِ ثَالِثٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا ، كَاَلَّتِي بِيَدَيْهِمَا ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرٌ عُمِلَ بِهِ ، فَلَوْ تَنَازَعَا عَرْصَةً بِهَا شَجَرٌ أَوْ بِنَاءٌ لِأَحَدِهِمَا وَقِيلَ : بِبَيِّنَةٍ فَهِيَ لَهُ ، وَإِنْ تَنَازَعَا مُسْنَاةً بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ آخَرَ فَبَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : لِرَبِّ النَّهْرِ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَإِنْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَبَيْنَهُمَا وَيَتَحَالَفَانِ ، وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَيَجُوزُ : أَنَّ كُلَّهُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ عَادَةً ، وَقِيلَ : أَوْ أَمْكَنَ أَوْ لَهُ سُتْرَةٌ أَوْ أَزَجٌّ ، وَقِيلَ : أَوْ جُذُوعٌ ، فَهُوَ لَهُ بِيَمِينِهِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : لَا يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْجُذُوعِ ، وَيُحْكَمُ لِصَاحِبِ الْأَزَجِّ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ ، وَلِأَنَّا قُلْنَا : لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ ، فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ دَلَالَةٌ عَلَى الْيَدِ ، بِخِلَافِ الْأَزَجِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَمَلُهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ .

وَإِنْ تَنَازَعَ رَبُّ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ سَقْفًا بَيْنَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : لِرَبِّ الْعُلُوِّ ، وَإِنْ تَنَازَعَا سُلَّمًا مَنْصُوبًا أَوْ دَرَجَةً فَلِرَبِّ الْعُلُوِّ ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ أَوْ فِيهَا طَاقَةٌ وَنَحْوُهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ تَنَازَعَا الصَّحْنَ وَالدَّرَجَةَ فِي الصَّدْرِ فَبَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَسَطِ ، فَمَا إلَيْهَا بَيْنَهُمَا ، وَمَا وَرَاءَهُ لِرَبِّ السُّفْلِ ، وَقِيلَ : بَيْنَهُمَا ، وَالْوَجْهَانِ إنْ تَنَازَعَ رَبُّ بَابٍ بِصَدْرِ الدَّرْبِ وَرَبُّ بَابٍ بِوَسَطِهِ فِي صَدْرِ الدَّرْبِ .

فَصْلٌ وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ عَيْنٌ بِيَدِهِ فَأَقَرَّ بِهَا لِحَاضِرٍ مُكَلَّفٍ فَصَدَّقَهُ فَكَأَحَدِ مُدَّعِيَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ أَقَرَّ لَهُ الثَّالِثُ ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا : كَقَوْلِهِ هُنَاكَ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ بِهِ وَجَهِلَ لِمَنْ هِيَ أَوْ جَهِلَهُ رَبُّ الْيَدِ ابْتِدَاءً مُدَّعٍ وَاحِدٌ بِيَمِينِهِ ، بِنَاءً عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ ، وَقِيلَ : بِبَيِّنَةٍ ، فَيَأْخُذُهَا حَاكِمٌ ، وَقِيلَ : تُقَرُّ بِيَدِ رَبِّ الْيَدِ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُذْهَبِ ، وَضَعَّفَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَعَلَيْهِمَا : يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي ، وَإِنْ عَادَ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ الثَّالِثُ لَمْ يُقْبَلْ ، فِي ظَاهِرِ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ : يُقْبَلُ عَلَى الرَّابِعِ خَاصَّةً ( م 1 )
بَابُ الدَّعَاوَى ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ عَادَ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِثَالِثٍ لَمْ يُقْبَلْ فِي ظَاهِرِ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ : يُقْبَلُ عَلَى الرَّابِعِ خَاصَّةً " ، انْتَهَى .
قَطَعَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَتَابَعَ صَاحِبَ الْمُغْنِي الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ .

ثُمَّ إنْ عَادَ الْمَقَرُّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ ( م 2 ) .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) : قَوْلُهُ : " ثُمَّ إنْ عَادَ الْمَقَرُّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ لَمْ تُقْبَلْ ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَكَذَّبَهُ الْمَقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَا ادَّعَاهَا فَتَارَةً يَدَّعِيهَا قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَهَا الْمُقِرُّ ، وَتَارَةً يَدَّعِيهَا بَعْدَ أَنْ يَدَّعِيَهَا ، فَإِنْ ادَّعَاهَا بَعْدَ أَنْ ادَّعَاهَا الْمُقِرُّ لَمْ يُقْبَلْ ، وَإِنْ ادَّعَاهَا قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، ذَكَرُوهُ فِي الْإِقْرَارِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يُقْبَلُ ، وَبِهِ قَطَعَ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوِّرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَقْبَلُ .

وَإِنْ أَقَرَّتْ بِرِقِّهَا لِشَخْصٍ أَوْ كَانَ الْمَقَرُّ بِهِ عَبْدًا فَكَمَالِ غَيْرِهِ ، وَعَلَى الَّذِي قَبْلَهُ يُعْتِقَانِ ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ : يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُقِرِّ ، فَيَصِيرُ وَجْهًا خَامِسًا ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ قِيلَ : عَرِّفْهُ وَإِلَّا جَعَلَتْك نَاكِلًا ، فَإِنْ عَادَ ادَّعَاهَا فَقِيلَ تُسْمَعُ لِعَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِهِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا ( م 3 ) وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ أَصَرَّ حَكَمَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ لِي لَمْ يُقْبَلْ ، فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ : وَكَذَا يَخْرُجُ إذَا كَذَّبَهُ الْمَقَرُّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ ، وَقَالَ : غَلِطْت ، وَيَدُهُ بَاقِيَةٌ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ قِيلَ عَرِّفْهُ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا ، فَإِنْ عَادَ ادَّعَاهَا فَقِيلَ : يُسْمَعُ لِعَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِهِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) تُسْمَعُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَشْهَرِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تُسْمَعُ ، لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ فِي بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ .

وَإِنْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَهِيَ لَهُ ، زَادَ ابْنُ رَزِينٍ : وَيَحْلِفُ مَعَهَا ، عَلَى رَأْيٍ ، وَإِلَّا أَقَرَّتْ بِيَدِهِ ، وَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ دَفْعُهَا ، إلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ بَدَلَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي اثْنَيْنِ فَبَدَلَانِ ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّاهُ سَمِعْت لِفَائِدَةِ زَوَالِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ ، عَنْهُ : وَيَقْضِي بِالْمِلْكِ إنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ وَكَانَ لِلْمُودِعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الْمُحَاكَمَةُ ، وَقَدَّمَ الشَّيْخُ : لَا يَقْضِي ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدَعْهَا الْغَائِبُ وَلَا وَكِيلُهُ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى لَهُ لَا تَصِحُّ إلَّا تَبَعًا ، وَذَكَرُوا أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْضِي عَنْهُ ، وَيَبِيعُ مَالَهُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لِلْغَائِبِ ، وَأَعْلَى طَرِيقِهِ الْبَيِّنَةُ ، فَيَكُونُ مِنْ الدَّعْوَى لِلْغَائِبِ تَبَعًا أَوْ مُطْلَقًا ، لِلْحَاجَةِ إلَى إيفَاءِ الْحَاضِرِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَائِبِ .

فَصْلٌ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَلَا تُسْمَعُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حَقٍّ لِلَّهِ ، كَعِبَادَةٍ وَحَدٍّ وَصَدَقَةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ .
وَفِي التَّعْلِيقِ : شَهَادَةُ الشُّهُودِ دَعْوَى ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ عِتْقٍ وَلَوْ أَنْكَرَهُ الْعَبْدُ ، ذَكَرَهُ الْمَيْمُونِيُّ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : تَصِحُّ دَعْوَى حِسْبَةٍ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي بَيِّنَةِ الزِّنَا تَحْتَاجُ إلَى مُدَّعٍ ، فَذَكَرَ خَبَرَ أَبِي بَكْرَةَ وَقَالَ : لَمْ يَكُنْ مُدَّعٍ .
وَتَصِحُّ قَبْلَهَا الشَّهَادَةُ بِهِ وَبِحَقِّ آدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، كَوَقْفٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَهُ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَعُقُوبَةُ كَذَّابٍ مُفْتَرٍ عَلَى النَّاسِ وَالْمُتَكَلِّمِ فِيهِمْ وَتَقَدَّمَ فِي التَّعْزِيرِ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ ، قَالَ شَيْخُنَا فِي حِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثَّبَاتِ عَنْ خَصْمٍ مُقَدَّرٍ : تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ فِيهِ بِلَا خَصْمٍ ، وَهَذَا قَدْ يَدْخُلُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي ، وَفَائِدَتُهُ كَفَائِدَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَهُوَ مِثْلُ كِتَابِ الْقَاضِي ، إذْ كَانَ فِيهِ ثُبُوتٌ مَحْضٌ فَإِنَّهُ هُنَاكَ يَكُونُ مُدَّعٍ فَقَطْ بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ حَاضِرٍ ، لَكِنَّ هُنَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَخَوِّفٌ .
وَإِنَّمَا الْمُدَّعِي يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارَ ، كَمَا يَسْمَعُ ذَلِكَ شُهُودُ الْفَرْعِ ، فَيَقُولُ الْقَاضِي ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ ، وَلَمْ يَسْمَعْهَا طَوَائِفُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْحُكْمِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ .

وَمِنْ قَالَ بِالْخَصْمِ الْمُسَخَّرِ نَصَبَ الشَّرَّ ثُمَّ قَطَعَهُ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ احْتِيَالِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ وُجُود مُدَّعًى عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ الْمَقَرَّ لَهُ بِالْبَيْعِ قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ ، فَهُوَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ تَثْبِيتُ الْإِقْرَارِ أَوْ الْعَقْدِ ، وَالْمَقْصُودُ سَمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَحُكْمُهُ بِمُوجِبِهَا ، مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعًى عَلَيْهِ ، وَمِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ عَلَى أَحَدٍ لَكِنْ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ ، فَيَكُونُ هَذَا الثُّبُوتُ حُجَّةً بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِلَا هَذِهِ الدَّعْوَى وَإِلَّا امْتَنَعَ مِنْ سَمَاعِهَا مُطْلَقًا ، وَعَطَّلَ هَذَا الْمَقْصُودَ الَّذِي احْتَالُوا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ هُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الِاحْتِيَالِ ، وَأَظُنُّ الشَّافِعِيَّةَ مُوَافِقِيهِ فِي إنْكَارِ هَذَا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَاتٍ مِنْ الْقُضَاةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ دَخَلُوا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَسَمَّوْهُ الْخَصْمَ الْمُسَخَّرَ .
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا الصَّحِيحِ وَأَصْلِ مَالِكٍ ، فَإِمَّا أَنْ نَمْنَعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ مُنَازَعٍ فَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَاتِ عَلَى الشَّهَادَاتِ ، كَمَا ذَكَرَهُ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَإِمَّا أَنْ تُسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ بِلَا خَصْمٍ ، كَمَا ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِنَا فِي مَوَاضِعَ ، لِأَنَّا نَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُمْتَنِعِ ، وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي الْبَلَدِ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، فَمَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى ، وَإِنَّمَا قَالَ بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ جَازَ اسْتِمَاعُ وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَنْ اشْتَرَطَ حُضُورَ الْخَصْمِ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ ، ثُمَّ

احْتَالَ لِعَمَلِ ذَلِكَ صُورَةً بِلَا حَقِيقَةٍ ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ فِي غَيْرِ وَجْهِ خَصْمٍ لِيَكْتُبَ بِهِ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ ، قَالَ : وَقَالَ أَصْحَابُنَا : كِتَابُ الْحَاكِمِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ ، قَالُوا لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يَحْكُمُ بِمَا قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ ، لِأَنَّ إعْلَامَ الْقَاضِي لِلْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ إعْلَامِ الشَّاهِدَيْنِ ، فَجَعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابِ الْحَاكِمِ وَشُهُودِ الْفَرْعِ قَائِمًا مَقَامَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ شُهُودِ الْأَصْلِ ، وَجَعَلُوا كِتَابَ الْقَاضِي كَخِطَابِهِ ، وَإِنَّمَا خَصُّوهُ بِالْكِتَابِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تُبَاعِدُ الْحَاكِمَيْنِ ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَانَ مُخَاطَبَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَبْلَغَ مِنْ الْكِتَابِ ، وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ بِالشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ وَأَنَّهُ يُعْلِمُ بِهِ حَاكِمًا آخَرَ لِيَحْكُمَ بِهِ كَمَا يُعْلَمُ الْفُرُوعُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ ، وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ فِي غَيْرِ وَجْهِ خَصْمٍ ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ يُثْبِتُهُ الْقَاضِي بِكِتَابِهِ ، وَلِأَنَّ النَّاسَ بِهِمْ حَاجَةٌ إلَى إثْبَاتِ حُقُوقِهِمْ بِإِثْبَاتِ الْقُضَاةِ ، كَإِثْبَاتِهَا بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ ، وَإِثْبَاتُ الْقُضَاةِ أَنْفَعُ لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَةَ النَّظَرِ فِي الشُّهُودِ وَبِهِمْ حَاجَةٌ إلَى الْحُكْمِ فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ يُدْفَعُ وَإِنَّمَا يَخَافُونَ مِنْ خَصْمٍ حَادِثٍ .

وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : لِنَائِبِ الْإِمَامِ مُطَالَبَةُ رَبِّ مَالٍ بَاطِنٍ بِزَكَاةٍ إذَا ظَهَرَ لَهُ تَقْصِيرٌ وَفِيمَا أَوْجَبَهُ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَجْهَانِ ، وَفِي الْخِلَافِ فِيمَنْ تَرَكَ الزَّكَاةَ : هِيَ آكَدُ ، لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي حَجْرِهِ عَلَى مُفْلِسِ الزَّكَاةِ ، كَمَسْأَلَتِنَا إذَا ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لَا الْكَفَّارَةِ
تَنْبِيهَانِ ) : ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : " وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي لِنَائِبِ الْإِمَامِ مُطَالَبَةَ رَبِّ مَالٍ بَاطِنٍ بِزَكَاةٍ إذَا ظَهَرَ لَهُ تَقْصِيرٌ ، وَفِيمَا أَوْجَبَهُ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَجْهَانِ ، وَفِي الْخِلَافِ فِيمَنْ تَرَكَ الزَّكَاةَ هِيَ آكَدُ ، لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ ، وَفِي الِانْتِصَارِ فِي حَجْرِهِ عَلَى مُفْلِسٍ الزَّكَاةَ كَمَسْأَلَتِنَا إذَا ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لَا الْكَفَّارَةِ " ، انْتَهَى .
هَذِهِ الْأَقْوَالُ طُرُقٌ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْفَصْلِ ، وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ وَلَا تُسْمَعُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .

وَفِي التَّرْغِيبِ مَا شَمِلَهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآدَمِيِّ كَسَرِقَةٍ تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي الْمَالِ وَيَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَلَوْ عَادَ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ لَمْ تُسْمَعْ ، لِتَمَحُّضِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ : إنْ شَهِدْت بِسَرِقَةٍ قَبْلَ الدَّعْوَى فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لَا تُسْمَعُ ، وَتُسْمَعُ إنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ أَبَاعَهُ فُلَانًا .
وَفِي الْمُغْنِي كَسَرِقَتِهِ وَزِنَاهُ بِأَمَتِهِ لِمَهْرِهَا تُسْمَعُ ، وَيَقْضِي عَلَى نَاكِلٍ بِمَالٍ ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .

وَلَا تُقْبَلُ يَمِينٌ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ ، وَفِي الرِّعَايَةِ : وَالتَّزْكِيَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ وَتَزْكِيَتَهُ الْيَمِينُ .

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ قَبْلَ الدَّعْوَى ، وَقَبِلَهَا فِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ وَالْمُغْنِي إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ غَرِيبٌ ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ : تُسْمَعُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَلَوْ فِي الْبَلَدِ ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ، وَالْوَصِيَّةُ مِثْلُهَا ، قَالَ شَيْخُنَا : الْوَكَالَةُ إنَّمَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ حَقٍّ أَوْ إبْقَاءَهُ بِحَالِهِ ، وَهُوَ مِمَّا لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِيهِ ، فَإِنَّ دَفْعَهُ إلَى هَذَا الْوَكِيلِ وَإِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا رِضَاهُ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ فِيهَا حَقًّا ، وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْخُصُومَةُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ ، لَكِنْ طَرْدُ الْعِلَّةِ ثُبُوتُ الْحَوَالَةِ بِالْحَقِّ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، لِعَدَمِ اعْتِبَارِ رِضَاهُ ، وَالْوَفَاةُ وَعَدَدُ الْوَرَثَةِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ الْمَدِينِ وَالْمُودِعِ .

وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ دَارَ زَيْدٍ الْغَائِبِ فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مَنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عِنْدَهُ عَيْنٌ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُ فِي إقْبَاضِهَا أَوْ إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُهُ فِي ثُبُوتِهَا ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ تُثْبَتُ الْوَكَالَةُ بِعِلْمِ الْقَاضِي ، كَمَا تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ ، وَتَوَكُّلُ عَلِيٍّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ كَالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ أَعْلَمَ الْخُلَفَاءَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ ، وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَثْبَتَهَا فِي وَجْهِ خَصْمٍ ، إلَى أَنْ قَالَ : فَالتَّوْكِيلُ مِثْلُ الْوِلَايَةِ ، وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْمَوْلَى مَعَ حُضُورِهِ فِي الْبَلَدِ ، وَمِنْ هَذَا كِتَابُ الْحَاكِمِ إلَى الْحَاكِمِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِمَا : إذَا ادَّعَى أَنَّ الدَّارَ الَّتِي بِيَدِ نَفْسِهِ لَهُ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بِبَيِّنَةٍ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ ، وَوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ ، وَجَعَلُوهُ وِفَاقًا ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : وَالْخَارِجُ تُسْمَعُ بِبَيِّنَتِهِ ابْتِدَاءً لَا عَلَى خَصْمٍ ، وَقَبِلَهَا فِي الْكَافِي .

إنْ ادَّعَى شَيْئًا فَشَهِدَتْ بِأَكْثَرَ ، فَكَأَنَّهُ تَبَعٌ ، وَصَرَّحَ فِيهَا فِي الِانْتِصَارِ : تَصِحُّ بِمَا ادَّعَاهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : تُرَدُّ فِي الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ ، بِخِلَافِ ذِكْرِ السَّبَبِ ، وَفِي رَدِّهَا فِي الْبَقِيَّةِ فِيهِ احْتِمَالَانِ وَتَقَدَّمَ فِي التَّفْلِيسِ مَا ظَاهِرُهُ الشَّهَادَةُ بِلَا دَعْوَى لِمَدِينٍ مُنْكِرٍ .
الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَفِي التَّرْغِيبِ ، تُرَدُّ فِي الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ ، بِخِلَافِ ذِكْرِ السَّبَبِ وَفِي رَدِّهَا فِي الْبَقِيَّةِ فِيهِ احْتِمَالَانِ " ، انْتَهَى .
قَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ قَبْلَ الدَّعْوَى ، قَالَ : وَقَبِلَهَا فِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ وَالْمُغْنِي إنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَبِلَهَا فِي الْكَافِي إنْ ادَّعَى شَيْئًا فَشَهِدَتْ بِأَكْثَرَ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : فَكَأَنَّهُ تَبَعٌ ، وَصَرَّحَ فِيهَا بِالِانْتِصَارِ تَصِحُّ بِمَا ادَّعَاهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ ، فَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ طَرِيقَةٌ ، وَالْمُقَدَّمُ خِلَافُهُ .

وَيُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ ، فِي رِوَايَةٍ ، لِلْخَبَرِ ، وَلِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ ، وَاسْتَثْنَى الْخِرَقِيُّ الْقَوَدَ وَالنِّكَاحَ ، وَاسْتَثْنَى أَبُو بَكْرٍ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَقَالَ : الْغَالِبُ فِي قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِمَا وَلَا فِي حَدِّ قَذْفٍ ، وَاسْتَثْنَى أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ وَالرَّجْعَةَ وَالْوَلَاءَ وَالِاسْتِيلَادَ وَالنَّسَبَ وَالرِّقَّ وَالْقَذْفَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : فِي قَوَدٍ وَقَذْفٍ وَطَلَاقٍ رِوَايَتَانِ وَالْبَقِيَّةُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا .
وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ كَأَبِي الْخَطَّابِ وَزَادَ الْإِيلَاءَ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا لَا يَجُوزُ بَدَلُهُ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ ، وَفَسَّرَ الْقَاضِي الِاسْتِيلَادَ بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ ( م 4 ) وَعَنْهُ تُسْتَحْلَفُ فِيمَا يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ فَقَطْ ( م 5 ) .
وَيَقْضِي بِهِ فِي مَالٍ أَوْ مَا مَقْصُودُهُ مَالٌ ، هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَعَنْهُ : وَغَيْرُهُ إلَّا قَوَدَ نَفْسٍ ، وَعَنْهُ : وَطَرَفٌ ، وَقِيلَ : فِي كَفَالَةٍ وَجْهَانِ .

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَفَسَّرَ الْقَاضِي الِاسْتِيلَادَ بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرُهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ " ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِيلَادِ ، فَالْقَاضِي يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ السَّيِّدُ ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُ هِيَ الْمُدَّعِيَةِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَيُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيِّ فِي رِوَايَةٍ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ ، وَاسْتَثْنَى الْخِرَقِيُّ الْقَوَدَ وَالنِّكَاحَ ، وَاسْتَثْنَى أَبُو بَكْرٍ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ ، وَاسْتَثْنَى أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ وَالرَّجْعَةَ وَالْوَلَاءَ وَالِاسْتِيلَادَ وَالنَّسَبَ وَالرِّقَّ وَالْقَذْفَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : فِي قَوَدٍ وَطَلَاقٍ وَقَذْفٍ رِوَايَتَانِ ، وَالْبَقِيَّةُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ ، كَأَبِي الْخَطَّابِ وَزَادَ الْإِيلَاءَ وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا لَا يَجُوزُ بَدَلُهُ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ ، وَعَنْهُ : يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ فَقَطْ " ، انْتَهَى .
الرِّوَايَةُ الْأُولَى قَدَّمَهَا فِي الْمُقْنِعِ ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ، قَالَ فِي الْعُمْدَةِ : وَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ ، وَلَا تُشْرَعُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ ، انْتَهَى ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةِ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَدَّمَ مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ ، وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْعِتْقَ وَبَقَاءَ الرَّجْعَةِ ، وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوَّرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ : وَلَا تُشْرَعُ فِي مُتَعَذَّرٍ بَدَلِهِ ، كَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ وَبَقَاءِ

مُدَّتِهِ ، وَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَبَقَائِهَا ، وَنَسَبٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَذْفٍ وَأَصْلِ رِقٍّ وَوَلَاءٍ وَقَوَدٍ إلَّا فِي قَسَامَةٍ ، وَلَا فِي تَوْكِيلٍ وَإِيصَاءٍ إلَيْهِ وَعِتْقٍ مَعَ اعْتِبَارِ شَاهِدَيْنِ فِيهَا ، بَلْ فِيمَا يَكْفِيهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ سِوَى نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ ، انْتَهَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( تَنْبِيهٌ ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي الْيَمِينِ فِي الْقَوَدِ ، وَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا فَقَالَ " وَمَتَى فُقِدَ اللَّوْثُ حَلَفَ الْمُدَّعِي يَمِينًا ، وَعَنْهُ : لَا يَمِينَ فِي عَمْدٍ ، وَهِيَ أَشْهَرُ " ، فَقُدِّمَ أَنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا ، وَهَذَا اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْبَنَّا ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ ، وَهُوَ الْحَقُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالنِّهَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ أَصَحُّ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) : أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ ، قَالَ : وَهِيَ أَشْهَرُ ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ الْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا فِي الْحَلِفِ فِي الْقَوَدِ ، وَقَدَّمَ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْيَمِينِ حُكْمًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ الْقَوَدُ بِهِ فَفِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ كَقَسَامَةٍ ( م 6 و 7 )
مَسْأَلَةٌ 6 و 7 ) قَوْلُهُ : " وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ الْقَوَدُ بِهِ فَفِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ كَقَسَامَةٍ " انْتَهَى .
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : الْمَقِيسُ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6 ) إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَوَدُ بِالنُّكُولِ فَهَلْ تَثْبُت بِذَلِكَ الدِّيَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ غَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا فِي رِوَايَةٍ ، فَدَلَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ لَا يَلْزَمُهُ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) تَثْبُتُ بِهِ وَتَلْزَمُهُ ، وَهُوَ قِيَاسُ الْقَسَامَةِ ، وَقَدْ صَحَّحْنَا لُزُومَ الدِّيَةِ فِي الْقَسَامَةِ ، فَكَذَا هُنَا ، وَهَذَا الصَّحِيحُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7 ) قَوْلُهُ : " كَقَسَامَةٍ " يَعْنِي لَوْ طَلَبَ أَيْمَانَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ فَنَكَلُوا عَنْ الْأَيْمَانِ فَهَلْ تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ أَمْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي بَابِ الْقَسَامَةِ ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا هُنَاكَ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ لُزُومُ الدِّيَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَتَى لَمْ يَقْضِ بِهِ فَفِي تَخْلِيَتِهِ وَحَبْسِهِ لِيُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَجْهَانِ كَلِعَانٍ ( م 8 و 9 )
( مَسْأَلَةٌ 8 و 9 ) قَوْلُهُ : " وَمَتَى لَمْ يُقْضَ بِهِ فَفِي تَخْلِيَتِهِ وَحَبْسِهِ لِيُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَجْهَانِ ، كَلِعَانٍ " انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8 ) إذَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَهَلْ يُخَلَّى أَوْ يُحْبَسُ لِيُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( أَحَدُهُمَا ) يُخَلَّى سَبِيلُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالنَّاظِمُ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، قِيَاسًا عَلَى الْقَسَامَةِ إذَا نَكَلُوا عَنْهَا ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) بِحَبْسٍ حَتَّى يَقْرَأَ أَوْ يَحْلِفَ ، قُلْت : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قِيَاسًا عَلَى اللِّعَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدَّمَهُ هُنَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9 ) مَسْأَلَةُ اللِّعَانِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا وَصَحَّحْنَا أَنَّهُ إذَا لَاعَنَ وَنَكَلَتْ يُحْبَسُ حَتَّى تُقِرَّ أَوْ تُلَاعِنَ ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْقَسَامَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) كَانَ قِيَاسُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَسَامَة أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى اللِّعَانِ ، مَعَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الْقَسَامَةِ ، لِأَنَّهَا أَشْبَهُ بِهَا مِنْ اللِّعَانِ .
فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : لَا يَحْلِفُ شَاهِدٌ وَلَا حَاكِمٌ وَلَا وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوصِي وَمُنْكِرُ وَكَالَةِ وَكِيلٍ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَا يَحْلِفُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي أَنِّي لَمْ أُحَلِّفْهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَلَا مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينِ خَصْمِهِ فَقَالَ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي ، فِي الْأَصَحِّ

: وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّةً لِلْفُقَرَاءِ فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ حُبِسُوا ، وَقِيلَ : يَحْكُمُ بِذَلِكَ ، وَيَحْلِفُ فِي نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ عَلَى الْبَتِّ ، إلَّا لِنَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ ، وَفِي غَيْرِ الْمُنْتَخَبِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ أَوْ نَفْيِ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ ، فَيَكْفِيه نَفْيُ الْعِلْمِ ، وَعَنْهُ : يَمِينُ نَفْيٍ ، وَعَنْهُ : وَغَيْرُهَا عَلَى الْعِلْمِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ { وَلَا يَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ } .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : يَمِينُهُ بَتٌّ عَلَى فِعْلِهِ وَنَفْيٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ .
وَعَبْدُهُ كَأَجْنَبِيٍّ ، فَأَمَّا بَهِيمَتُهُ فَمَا يُنْسَبُ إلَى تَقْرِيطٍ وَتَقْصِيرٍ فَعَلَى الْبَتِّ ، وَإِلَّا فَعَلَى الْعِلْمِ .

وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَلِفٌ لِجَمَاعَةٍ حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا ، وَقِيلَ وَلَوْ رَضُوا بِوَاحِدَةٍ .

وَتُجْزِئُ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ ، وَلِلْحَاكِمِ تَغْلِيظُهَا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ كَجِنَايَةٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَنِصَابِ زَكَاةٍ ، وَقِيلَ : نِصَابُ سَرِقَةٍ بِزَمَنٍ أَوْ مَكَان أَوْ لَفْظٍ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةٌ : لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْحَلْوَانِيُّ ، وَنَصْرُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : لَا تَغْلُظُ لِأَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِهِمَا ، فَوَجَبَتْ مَوْضِعَ الدَّعْوَى كَالْبَيِّنَةِ .
وَعَنْهُ : يُسْتَحَبُّ ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَالزَّمَنُ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَيْنَ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ، وَالْمَكَانُ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، وَبِالْقُدْسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : عِنْدَ الْمِنْبَرِ ، كَبَقِيَّةِ الْبِلَادِ .
وَفِي الْوَاضِحِ : هَلْ يَرْقَى مُتَلَاعِنَانِ الْمِنْبَرَ ؟ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ ، وَقِيلَ : إنْ قَلَّ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ : يَرْقَيَانِهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : يُشْتَرَطُ وَقِيَامُهُ عَلَيْهِ ، فَالذِّمِّيُّ بِمَوْضِعٍ يُعَظِّمُهُ .
وَفِي الْوَاضِحِ فِي لِعَانٍ وَزَمَانٍ كَسَبْتٍ وَأَحَدٍ .
وَاللَّفْظُ : بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ .
وَالْيَهُودِيُّ : بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى .
وَالنَّصْرَانِيُّ : بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى .
وَالْمَجُوسِيُّ : بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَرَزَقَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

وَمَنْ أَبَى التَّغْلِيظَ لَمْ يَكُنْ نَاكِلًا ، وَلَا يَحْلِفُ بِطَلَاقٍ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وِفَاقًا ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا ، قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لِلْوَالِي إحْلَافُ الْمُتَهَوِّمِ اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي الْكَشْفِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ آدَمِيٍّ ، وَتَحْلِيفِهِ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهِ ، وَسَمَاعُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمِهَنِ إذَا كَثُرُوا ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَلَا إحْلَافُ أَحَدٍ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا عَلَى غَيْرِ حَقٍّ .

إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً حُكِمَ لَهُ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ : ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ، فَإِذَا جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا فِي التَّعْلِيقِ ، وَفِيهِ أَيْضًا وَقَالَهُ غَيْرُهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ مُدَّعٍ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : لَا تُسْمَعُ إلَّا بَيِّنَةُ مُدَّعٍ بِاتِّفَاقِنَا وَفِيهِ : وَقَدْ تَثْبُتُ فِي جَنَبَةِ مُنْكِرٍ ، وَهُوَ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا بِيَدِهِ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقِيمَهَا فِي الدَّيْنِ لِعَدَمِ إحَاطَتِهَا بِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ بِبَغْدَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِيهِ بِالْكُوفَةِ ، صَحَّ وَبَرِئَ مِنْهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ كَانَ لِمُنْكِرٍ وَحْدَهُ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا تُسْمَعُ مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةِ مُدَّعٍ لِلتَّسْجِيلِ وَلَا لِدَفْعِ الْيَمِينِ ، وَكَذَا إنْ أَقَامَهَا مُدَّعٍ وَلَمْ تَعْدِلْ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ .

قَالَ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فَرَفَعْنَا يَدَهُ فَجَاءَتْ بَيِّنَتُهُ ، فَإِنْ ادَّعَى ، مِلْكًا مُطْلَقًا فَبَيِّنَةُ خَارِجٍ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ مُسْتَنِدًا إلَى قَبْلِ رَفْعِ يَدِهِ فَبَيِّنَةُ دَاخِلٍ ، وَالْمُرَادُ : فَمَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ يُقَدِّمُهَا وَيَنْقُضُ الْحُكْمَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ، وَالْمُرَادُ إنْ كَانَ يَرَى تَقْدِيمَهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ بَيِّنَةِ دَاخِلٍ ، فَقَدْ تَبَيَّنَ اسْتِنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ ، وَهَذَا الْأَشْهَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَيَأْتِي قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا : أُقِيمَتْ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ بَعْدَ زَوَالِ يَدِهِ أَوْ لَا ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ يَرَى تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ ، كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَسَبَقَ نَظِيرُهَا فِي بَيْعِ الْوَلِيِّ مَالَ مُوَلِّيهِ .

وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَهِيَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ مُنْكِرٍ بَعْدَ زَوَالِ يَدِهِ أَوْ لَا ، فَالْمَذْهَبُ يَحْكُمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي ، قَالَ أَحْمَدُ : الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي ، لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ بَيِّنَةٌ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ : كَمَا لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ أَوَّلًا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَعَنْهُ : إنْ اخْتَصَّتْ بَيِّنَتُهُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ أَوْ سَبْقِهِ ، وَعَنْهُ : يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي إنْ اخْتَصَّتْ بَيِّنَتُهُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ أَوْ سَبَقَ وَعَلَيْهِمَا : يَكْفِي سَبَبٌ مُطْلَقٌ ، وَعَنْهُ : تُعْتَبَرُ إفَادَتُهُ لِلسَّبْقِ .

وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ تَعَارَضَتَا ، وَقَدَّمَ فِي الْإِرْشَادِ بَيِّنَةَ مُدَّعٍ .

وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْآخَرِ فَقِيلَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ خَارِجٍ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي عَكْسَهُ ، وَقِيلَ بِتَعَارُضِهِمَا ( م 1 ) وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ وَلَمْ تُرْفَعْ يَدُهُ ، كَقَوْلِهِ : أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّيْنِ .
أَمَّا لَوْ قَالَ : لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ ، طُولِبَ بِالتَّسْلِيمِ ، لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ يَطُولُ .
بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْآخَرِ فَقِيلَ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي عَكْسَهُ ، وَقِيلَ بِتَعَارُضِهِمَا " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ : ( أَحَدُهُمَا ) تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنُ مُنَجَّى ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَتَسْهِيلِ الْحَلْوَانِيِّ ، قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) : يَتَعَارَضَانِ .

وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَالْعَيْنُ بِيَدَيْهِمَا تَعَارَضَتَا وَكَانَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا ، كَمَا تَقَدَّمَ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَنَصَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَسْتَهِمَانِ عَلَى مَنْ يَحْلِفُ وَتَكُونُ الْعَيْنُ لَهُ ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ ، وَعَنْهُ : يَسْتَعْمِلَانِ فَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا ، وَذَكَرَهُمَا فِي الْوَسِيلَةِ فِي الْعَيْنِ يَبْدُ أَحَدُهُمَا [ وَعَنْهُ يَسْتَعْمِلَانِ ] فَيَقْرَعُ فَمَنْ قُرِعَ أَخَذَهَا ، فَعَلَيْهَا وَعَلَى الَّتِي قَبِلَهَا هَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 2 ) وَلَا يُرَجَّحُ أَكْثَرُهُمَا عَدَدًا ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ ، كَالرِّوَايَةِ ، وَلَا رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، أَوْ شَاهِدَانِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ ، وَلَا أَعْدَلُهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِيهِ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَقَالَ : يَتَخَرَّجُ مِنْهُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ .

مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : فِي حُكْمِ التَّعَارُضِ " فَعَلَيْهَا وَعَلَى الَّتِي قَبْلَهَا هَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ : أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ فَلَا يَظْهَر حَلِفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ، بَلْ الَّذِي يَحْلِفُ هُوَ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ ، فَلَعَلَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهْمًا ، انْتَهَى ، وَمَا قَالَ ظَاهِرٌ ، وَيَظْهَرُ أَنَّ هُنَا نَقْصًا ، وَتَقْدِيرُهُ فَعَلَيْهَا لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ ، وَعَلَى الَّتِي قَبْلَهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ ، فَالنَّقْصُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إذَا عُلِمَ هَذَا ، فَيَبْقَى مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى رِوَايَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ قَسْمِهَا بَيْنَهُمَا لَا غَيْرُ ، فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ : ( إحْدَاهُمَا ) : لَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَحْلِفُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ .

وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ وَبَيِّنَةٌ بِهِ وَبِسَبَبِهِ أَوْ بِالْمِلْكِ مُنْذُ سَنَةٍ وَبَيِّنَةٌ مُنْذُ شَهْرٍ وَلَمْ تَقُلْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَسَوَاءٌ ، وَعَنْهُ : يُقَدَّمُ بِسَبَبٍ وَسَبْقٍ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي السَّبْقِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَسِيلَةِ فِي الْعَيْنِ بِيَدِ ثَالِثٍ ، وَوَجْهٌ فِي الْمُغْنِي : تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ النَّتَاجِ وَنَحْوِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْعَيْنِ بِيَدِ ثَالِثٍ ، وَعَنْهُ : بِسَبَبٍ مُفِيدٍ لِلسَّبَقِ كَالنَّتَاجِ ، فَعَلَيْهِمَا الْمُؤَقَّتَةُ وَالْمُطْلَقَةُ سَوَاءٌ ، وَقِيلَ : تُقَدَّمُ الْمُطْلَقَةُ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ تُقَدَّمُ الْمُؤَقَّتَةُ ، وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ : تُقَدَّمُ ذَاتُ السَّبَبَيْنِ وَشُهُودُ الْعَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ

وَلَوْ كَانَتْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ وَبَيِّنَةٌ بِالْيَدِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ ، بِلَا خِلَافٍ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْيَدِ مِنْ سَنَةٍ وَبَيِّنَةٌ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَمَسْأَلَةِ الْخِلَافِ ، لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ .

وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِشِرَائِهِ مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ وَالْآخَرُ بَيِّنَةً بِشِرَائِهِ مِنْ عَمْرٍو وَهِيَ مِلْكُهُ وَلَمْ يُؤَرِّخَا تَعَارَضَتَا .

وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَالْعَيْنُ بِيَدِ ثَالِثٍ مُقِرٍّ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ أَوْ لَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدٍ فَرِوَايَاتُ التَّعَارُضِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ تَكَاذَبَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ فَلَا ، كَشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِقَتْلٍ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَأُخْرَى بِالْحَيَاةِ فِيهِ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْقُرْعَةَ هُنَا وَالْقِسْمَةَ فِيمَا بِيَدَيْهِمَا ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ .

وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ إنْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ سَقَطَتَا ، وَاسْتَهَمَا عَلَى مَنْ يَحْلِفُ وَتَكُونُ الْعَيْنُ لَهُ ، وَالثَّانِيَةُ يَقِفُ الْحُكْمُ حَتَّى يَأْتِيَا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ ، قَالَ : لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ ، فَسَقَطَتَا ، كَمَا لَوْ ادَّعَيَا زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ ، كَذَا هُنَا ، قَالَ غَيْرُهُ ، وَكَذَا الرِّوَايَاتُ إنْ أَنْكَرَهُمَا ، ثُمَّ إنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ قَبْلَ إقَامَتِهِمَا فَهُوَ كَدَاخِلٍ وَالْآخَرُ كَخَارِجٍ ، وَكَذَا بَعْدَ إقَامَتِهِمَا ، وَعَلَى رِوَايَتِي اسْتِعْمَالُهُمَا إقْرَارٌ بَاطِلٌ ، فَإِنْ ادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا فَلِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفٌ وَالْآخَرُ لِلثَّالِثِ بِيَمِينِهِ ، وَعَلَى اسْتِعْمَالِهِمَا يَقْتَسِمَانِهِ أَوْ يَقْتَرِعَانِ ، فَلَوْ كَانَتْ بِيَدَيْهِمَا فَهِيَ لِمُدَّعِي كُلِّهَا إنْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ خَارِجٍ وَإِلَّا بَيْنَهُمَا .

وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِشِرَائِهَا مِنْ زَيْدٍ بِكَذَا وَقِيلَ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَهِيَ مِلْكُهُ بَلْ تَحْتَ يَدِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا ، فَعَلَى الْقِسْمَةِ : يَتَحَالَفَانِ وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى زَيْدٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، وَلَهُ الْفَسْخُ ، فَإِنْ فَسَخَ فَبِكُلِّهِ ، وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ أَخْذُ كُلِّهَا .
وَفِي الْمُغْنِي ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَكَمَ لَهُ بِنِصْفِهَا وَنِصْفِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ أَقْرَعِنَا فَهِيَ لِمَنْ قَرَعَ ، وَإِنْ سَقَطَتَا فَكَمَا سَبَقَ ، وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ وَلِلثَّانِي الثَّمَنُ ، وَإِنْ أَطْلَقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا فِي الْمِلْكِ إذَنْ لَا فِي الشِّرَاءِ ، لِجَوَازِ تَعَدُّدِهِ ، وَإِنْ ادَّعَاهَا زَيْدٌ لِنَفْسِهِ إذَنْ قُبِلَ إنْ سَقَطَتَا ، فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَقِيلَ يَمِينَيْنِ ، وَإِلَّا عَمِلَ بِهِمَا بِقُرْعَةٍ أَوْ يَقْسِمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا وَنِصْفَ الثَّمَنِ .

وَإِنْ ادَّعَيَا ثَمَنَ عَيْنٍ بِيَدِ ثَالِثٍ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاعَهَا لَهُ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ فَمَنْ صَدَّقَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ وَإِلَّا حَلَفَ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا فَرِوَايَاتُ التَّعَارُضِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِمَا ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا .

وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا غَصَبَنِيهَا ، وَقَالَ الْآخَرُ مَلَّكَنِيهَا ، أَوْ أَقَرَّ لِي بِهَا ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ، فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَا يَغْرَمُ الثَّالِثُ لِلْآخَرِ شَيْئًا

وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَجَّرَهُ الْبَيْتَ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ : بَلْ كُلَّ الدَّارِ ، فَقِيلَ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُسْتَأْجِرٍ ، لِلزِّيَادَةِ ، وَقِيلَ : تَعَارَضَتَا وَلَا قِسْمَةَ هُنَا ( م 3 ) .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ آجَرَهُ الْبَيْتَ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ : كُلُّ الدَّارِ فَقِيلَ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُسْتَأْجِرٍ لِلزِّيَادَةِ ، وَقِيلَ : تَعَارَضَتَا وَلَا قِسْمَةَ هُنَا " ، انْتَهَى : ( أَحَدُهُمَا ) تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلزِّيَادَةِ ، قُلْت : وَهُوَ قَوِيٌّ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَتَعَارَضَانِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، عَلَى الْمُصْطَلَحِ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَقْوَى مِنْ هَذَا .

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ عَبْدَهُ وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَهُ ، أَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَعَلِمَ الْأَسْبَقُ ، صَحَّ ، وَإِلَّا فَرِوَايَاتُ التَّعَارُضِ ، وَعَنْهُ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ عِتْقِهِ ، لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ نَفْسِهِ أَوْ يَدِ أَحَدِهِمَا فَعَنْهُ كَذَلِكَ ، لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنَدِ الْيَدِ ، وَعَنْهُ : يَنْبَنِي عَلَى الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ ( م 4 ) وَإِنْ أَقَامَ وَاحِدٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ وَآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ بِيَدِ نَفْسِهِ أَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَعَنْهُ كَذَلِكَ ، لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنَدِ الْيَدِ وَعَنْهُ : يَنْبَنِي عَلَى الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ " ، انْتَهَى .
( الرِّوَايَةُ الْأُولَى ) هِيَ الصَّحِيحَةُ ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ اخْتَارَهَا .

وَمَنْ ادَّعَى دَارًا بِيَدِهِ فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو حِينَ كَانَتْ مِلْكَهُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَهِيَ لِزَيْدٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى وَقْفِهَا عَلَيْهِ مِنْ عَمْرٍو وَهِبَتِهَا لَهُ مِنْهُ .

وَإِنْ ادَّعَيَا رِقَّ بَالِغٍ وَلَا بَيِّنَةَ فَصَدَّقَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا ، وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لَهُ كَمُدَّعٍ وَاحِدٍ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَعَنْهُ : لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَإِنْ جَحَدَ قُبِلَ قَوْلُهُ ، وَحَكَى : لَا ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا .
ثُمَّ إنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ اسْتِعْمَالِهِمَا ، وَظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ : مُطْلَقًا ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حُرًّا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِالْعُبُودِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ وَأَقَامَ هُوَ بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ تَعَارَضَتَا ، وَقِيلَ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّيَّةِ ، وَقِيلَ : عَكْسُهُ .

وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ مَتَى قَتَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَاهُ الْعَبْدُ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَنَصُّهُ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ ، وَقِيلَ بِتَعَارُضِهِمَا ( م 5 )
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ مَتَى قَتَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَاهُ الْعَبْدُ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَنَصُّهُ : تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ ، وَقِيلَ بِتَعَارُضِهِمَا " ، انْتَهَى .
الْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوَّرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَتَعَارَضَانِ ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ .
وَوَجْهَانِ فِي غَيْرِهِمَا ، وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ .

وَإِنْ قَالَ : إنْ مِتُّ فِي الْمُحَرَّمِ فَسَالِمٌ حُرٌّ ، وَإِنْ مِتّ فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ ، وَجُهِلَ وَقْتُهُ ، رَقَّا ، وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فِي أَحَدِهِمَا أُقْرِعَ ، وَقِيلَ : يُعْمَلُ فِيهِمَا بِأَصْلِ الْحَيَاةِ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ ، وَإِنْ بَرِئْت فَغَانِمٌ ، وَجُهِلَ مِمَّ مَاتَ ، فَقِيلَ : يُحْكَمُ بِرِقِّهِمَا ، وَقِيلَ بِالْقُرْعَةِ ، وَقِيلَ : يُعْتَقُ سَالِمٌ ، وَقِيلَ غَانِمٌ ( م 6 ) وَلَوْ أَبْدَلَ [ قَوْلُهُ ] : مِنْ مَرَضِي ، بِقَوْلِهِ : فِي مَرَضِي ، أَقْرَعَ ، وَقِيلَ : يُعْتَقُ سَالِمٌ ، وَقِيلَ : غَانِمٌ ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِمُوجِبِهِ عَتَقَهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ ، لِلتَّعَارُضِ وَالتَّقْدِيمِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ فِي إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي رَقَّا وَجْهًا وَاحِدًا ، يَعْنِي لِتَكَاذُبِهِمَا عَلَى كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَى مَيِّتٍ بَيِّنَةٌ لَا تَرِثُهُ : بِعِتْقِ سَالِمٍ فِي مَرَضِهِ وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ ، وَبَيِّنَةٌ وَارِثِهِ بِعِتْقِ غَانِمٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَأُجِيزَ الثُّلُثُ ، فَكَأَجْنَبِيَّتَيْنِ ، يُعْتَقُ أَسْبِقُهُمَا ، عَلَى الْأَصَحِّ ، فَإِنْ سَبَقَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ فَكَذَّبَتْهَا الْوَارِثَةُ أَوْ سَبَقَتْهَا الْوَارِثَةُ وَهِيَ فَاسِقَةٌ عَتَقَا ، وَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا عَتَقَ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ ، وَقِيلَ : يُعْتَقُ نِصْفُهُمَا ، كَدَلَالَةِ كَلَامِهِ عَلَى تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا ، نَحْوُ : أُعْتِقُوا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا مَا عَتَقَ .
وَتَدْبِيرٌ مَعَ تَنْجِيزٍ كَآخَرِ تَنْجِيزَيْنِ مَعَ أَسْبَقِهِمَا ، وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ عَبْدٍ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِهِ وُرِّخَتْ أَوْ لَا فَكَمَا لَوْ جُهِلَ أَسْبَقُ تَنْجِيزَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً عَتَقَ سَالِمٌ ، وَيُعْتَقُ غَانِمٌ بِقُرْعَةٍ أَوْ نِصْفُهُ ، عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ، وَإِنْ كُذِّبَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ ، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً مُكَذَّبَةً أَوْ فَاسِقَةً وَشَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ عَتَقَا ، وَلَوْ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ وَلَا فِسْقَ وَلَا تَكْذِيبَ عَتَقَ غَانِمٌ فَقَطْ ، كَأَجْنَبِيَّةٍ ، فَلَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَانِمٌ سُدُسَ مَالِهِ عَتَقَا وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ، وَقَبِلَهَا أَبُو بَكْرٍ بِالْعِتْقِ لَا الرُّجُوعِ ، فَيُعْتَقُ نِصْفُ سَالِمٍ وَيَقْرَعُ بَيْنَ

بَقِيَّتِهِ وَالْآخَرِ ، وَخَبَرُ وَارِثَةٍ عَادِلَةٍ كَفَاسِقَةٍ .
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ قَالَ : إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ ، وَإِنْ بَرِئَتْ فَغَانِمٌ ، وَجُهِلَ مِمَّ مَاتَ فَقِيلَ [ يُحْكَمُ ] بِرِقِّهِمَا ، وَقِيلَ : بِالْقُرْعَةِ ، وَقِيلَ : بِعِتْقِ سَالِمٍ ، وَقِيلَ : غَانِمٍ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَرِقَّانِ ، لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فِي الْمَرَضِ بِحَادِثٍ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ .
وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) يَقْتَرِعَانِ ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْحَادِثِ ، ( قُلْت ) وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) يُعْتَقُ سَالِمٌ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الْمَرَضِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهَا فِي الْقَوَاعِدِ .
( وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ ) يُعْتَقُ غَانِمٌ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَضْعَفُهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ .

وَمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ، فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُهُ قُبِلَ قَوْلُ مُدَّعِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَمِيرَاثُهُ لِلْكَافِرِ إنْ اعْتَرَفَ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ ، وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا ، وَعَنْهُ : بَيْنَهُمَا ، اعْتَرَفَ أَوْ لَا ، وَقِيلَ : بِالْقُرْعَةِ ، وَلِلْمُسْلِمِ وَبِالْوَقْفِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ بِيَدَيْهِمَا تَحَالَفَا وَقُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ سَهْوٌ ، لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّهُ إرْثٌ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : إنْ عُرِفَ وَلَا بَيِّنَةَ فَقَوْلُ مُدَّعٍ ، وَقِيلَ : يُقْرَعُ أَوْ يُوقَفُ .
وَإِنْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ نَعْرِفُهُ مُسْلِمًا أَوْ مَاتَ مُسْلِمًا ، وَبَيِّنَةٌ عَكْسَهَا ، وَلَمْ يُؤَرِّخَا الْمَعْرِفَةَ ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ ، وَإِلَّا فَرِوَايَاتُ التَّعَارُضِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي وَلَوْ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ ، وَعَنْهُ : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِسْلَامِ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْخِرَقِيِّ وَالْكَافِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ، وَفِي الثَّانِيَةِ التَّعَارُضُ ، وَقِيلَ بِهِ مُطْلَقًا ، كَمَا لَوْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَبَيِّنَةٌ عَكْسَهَا ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لَهُ مَعَ الِاشْتِبَاهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَيُدْفَنُ مَعَنَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَحْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الِابْنِ الْكَافِرِ أَبَوَانِ كَافِرَانِ ، أَوْ بَدَلَ الْمُسْلِمِ أَخٌ وَزَوْجَةٌ مُسْلِمَانِ ، كَانَا كَهُوَ مَعَ الْآخَرِ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ : يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ ، كَمَعْرِفَةِ أَصْلِ دِينِهِ ، وَمَتَى نَصَّفْنَا الْمَالَ فَنِصْفُهُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَنِصْفُهُ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَخِ عَلَى أَرْبَعَةٍ .

وَمَنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ أَوْ قَسْمَ تَرِكَتِهِ وَقُلْنَا يَرِثُ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقِ وَارِثٍ .
وَإِنْ قَالَ : أَسْلَمْت فِي مُحَرَّمٍ ، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ ، وَقَالَ الْوَارِثُ : مَاتَ قَبْلَ مُحَرَّمٍ ، وَرِثَ .

وَإِنْ شَهِدَا عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلٍ فَشَهِدَا عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِهِ فَصَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ حَكَمَ بِهِمَا ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ .

وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَتَانِ أَنَّهُ أَتْلَفَ ثَوْبًا قَالَتْ بَيِّنَةٌ : قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ، وَبَيِّنَةٌ ، عِشْرُونَ ، ثَبَتَ عَشَرَةٌ ، وَعَنْهُ : يَسْقُطَانِ لِتَعَارُضِهِمَا ، وَقِيلَ : يَقْرَعُ ، وَقِيلَ : عِشْرُونَ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا فِي نَظِيرِهَا فِيمَنْ آجَرَ حِصَّةَ مُوَلِّيهِ قَالَتْ بَيِّنَةٌ : بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ، وَبَيِّنَةٌ : بِنِصْفِهَا ، وَإِنْ كَانَ بِكُلِّ قِيمَةٍ شَاهِدٌ ثَبَتَ عَشَرَةٌ فِيهِمَا ، عَلَى الْأَوِّلَةِ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ : يَحْلِفُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَا تَعَارُضَ ، وَإِنْ شَهِدَا بِفِعْلٍ مُتَّحِدٍ فِي نَفْسِهِ كَإِتْلَافِ ثَوْبٍ وَقَتْلِ زَيْدٍ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا كَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَاخْتَلَفَا فِي زَمَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ صِفَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ كَلَوْنِهِ وَآلَةِ قَتْلٍ فَالْمَذْهَبُ : لَا تُجْمَعُ شَهَادَتُهُمَا ، وَجَمَعَهَا أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ بِقَوَدٍ وَقَطْعٍ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي نَصًّا فِي الْقَتْلِ ، وَاخْتَارَهُ هُوَ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا فِي لَوْنِ سَرِقَةٍ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا : هَرَوِيًّا ، وَقَالَ الْآخَرُ مَرْوِيًّا ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَعَدُّدُهُ وَلَمْ يَشْهَدَا بِأَنَّهُ مُتَّحِدٌ فَبِكُلِّ شَيْءٍ شَاهِدٌ ، فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ ، وَلَا تَنَافِي ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الشَّاهِدِ بَيِّنَةً ثَبَتَا هُنَا إنْ ادَّعَاهُمَا [ وَإِلَّا ] ، مَا ادَّعَاهُ ، وَتَعَارَضَتَا فِي الْأُولَى عَلَى غَيْرِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ :

إنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا قَطَعَ يَدَهُ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَطَعَهُ ، لَهُ الدِّيَةُ مِنْهُمَا ؟ يَأْخُذُهَا مِنْهُمَا ، أَرَأَيْت إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَا ، الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي هَذَا سَوَاءٌ ، قَالَ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ ، لِأَنَّ أَمْرَهُمَا أَشْكَلُ فَالْقَوَدُ مُرْتَفِعٌ وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي السَّرِقَةِ تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا وَلَمْ يَثْبُتْ قَطْعٌ وَلَا مَالٌ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ سَرِقَةُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ، فَلِهَذَا تَعَارَضَتَا ، وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، فَلَمْ يَقَعْ التَّعَارُضُ ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ قَتْلًا .
وَقَالَ الشَّيْخُ : الصَّحِيحُ : لَا تَعَارُضَ ، لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمَا بِأَنْ يَسْرِقَهُ بُكْرَةً ثُمَّ يَعُودَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَسْرِقُهُ عَشِيًّا فَيُثْبِتُ لَهُ الْكِيسَ الْمَشْهُودَ بِهِ فَحَسْبُ ، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِعْلَيْنِ لَكِنَّهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، فَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ضَمَانِهِ ، وَكَذَا إنْ شَهِدَ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَسْوَدَ ، لَكِنْ يُثْبِتَانِ عَلَى قَوْل الشَّيْخِ إنْ ادَّعَاهُمَا ، وَإِلَّا ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ .

وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ أَوْ قَتْلِهِ عَمْدًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ أَوْ قَتْلِهِ وَسَكَتَ ، ثَبَتَ الْقَتْلُ ، وَصُدِّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي صِفَتِهِ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَوْلٍ إنْ كَانَ نِكَاحًا فَكَفِعْلٍ ، وَكَذَا الْقَذْفُ ، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ ، وَمَا عَدَاهُمَا كَشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّهُ بَاعَ زَيْدًا كَذَا أَمْسِ وَآخَرُ الْيَوْمَ ، أَوْ وَاحِدٌ أَنَّهُ بَاعَهُ وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ وَاخْتَلَفَا زَمَنًا أَوْ مَكَانًا ، جُمِعَتْ ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا .
وَفِي الْكَافِي احْتِمَالٌ : لَا تُجْمَعُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ : كُلُّ عَقْدٍ كَنِكَاحٍ ، وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْفِعْلِ وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ فَنَصُّهُ يُجْمَعُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ ، خِلَافًا لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَكْثَرِ ، وَإِنْ شَهِدَ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَتْلِ خَطَإٍ وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ لَمْ تُجْمَعْ ، وَلِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ ، وَمَتَى جُمِعَتَا مَعَ اخْتِلَافِ زَمَنٍ فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ فَالْعِدَّةُ وَالْإِرْثُ يَلِي آخَرَ الْمُدَّتَيْنِ

وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ صَبِيٍّ مِائَةً ، وَاثْنَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الصَّبِيّ مِائَةً ، فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى مِائَةٍ بِعَيْنِهَا أَخَذَهَا وَلِيُّهُ مِمَّنْ شَاءَ ، وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُمَا مِائَتَيْنِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِمِائَةٍ وَآخَرُ بِمِائَةٍ مِنْ قَرْضٍ جُمِعَتْ ، وَلَا تُجْمَعُ إنْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ قَرْضٍ وَآخَرُ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ .
وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِمِائَةٍ وَآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَوْ بِخَمْسِينَ أَضَافَا أَوْ وَاحِدٌ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا الْأَقَلُّ ، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِتَتِمَّةِ الْأَكْثَرِ مَعَ شَاهِدِهِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، أَوْ مَعَ أَحَدِ شُهُودِهِ ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُضِيفَا إلَى إقْرَارٍ حَلَفَ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ ، كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ، وَقِيلَ : وَفِي الْإِقْرَارِ أَيْضًا .
وَإِنْ شَهِدَا بِمِائَةٍ وَآخَرَانِ بِخَمْسِينَ دَخَلَتْ فِيهَا إلَّا مَعَ مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ فَيَلْزَمَانِهِ ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْأَزَجِيِّ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إذَا شَهِدَا عَلَى أَقَلَّ وَأَكْثَرَ أُخِذَ فِي الْمَهْرِ بِالْأَكْثَرِ ، لِأَنَّهُ خَرَجَ ، وَهُوَ أَجْوَدُ لَهُ ، وَفِي الدَّيْنِ وَالطَّلَاقِ بِالْأَقَلِّ .
وَنَقَلَ مُهَنَّا : إنْ شَهِدَ لَهُ أَنَّ سَيِّدَهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ وَآخَرُ لِلسَّيِّدِ بِأَلْفَيْنِ ، عَتَقَ وَلَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ ، وَيَحْلِفُ لِسَيِّدِهِ ، قَالَ الْأَزَجِيُّ : وَإِنَّمَا قُدِّمَ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ ، لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ ، فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ بِالْمَالِ ، وَإِنْ شَهِدَا لَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا : قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسِينَ ، فَنَصُّهُ : تَفْسُدُ شَهَادَتُهُ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : تَفْسُدُ فِي الْخَمْسِينَ ، كَرُجُوعِهِ ، وَيَتَخَرَّجُ صِحَّتُهَا بِالْمِائَةِ ، فَيَفْتَقِرُ قَضَاءُ الْخَمْسِينَ إلَى شَاهِدٍ أَوْ يَمِينٍ ، كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا

قَضَاهُ خَمْسِينَ ، نَصٌّ عَلَيْهِ ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا كَرِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ شُهُودَ قَرْضٍ بِقِيَامِ بَيِّنَةٍ بِقَضَاءٍ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ أَنَّهُ اقْتَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ أَوْ قَدْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ : لَوْ قَضَاهُ نِصْفَهُ ثُمَّ جَحَدَهُ بَقِيَّتَهُ أَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَقِيَّتَهُ فَقَطْ ؟ قَالَ : يَدَّعِيه كُلَّهُ وَتَقُومُ الْبَيِّنَةُ فَتَشْهَدُ عَلَى حَقِّهِ كُلِّهِ ثُمَّ يَقُولُ لِلْحَاكِمِ قَضَانِي نِصْفَهُ .

وَمَنْ عَلَّقَ طَلَاقًا إنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، بَلْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ فَحَكَمَ بِهِمَا ، وَمُرَادُهُمْ فِي صَادِقٍ ظَاهِرًا ، وَلِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ : مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا حَقَّ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ تَامَّةٌ بِحَقٍّ لِزَيْدٍ حَنِثَ حُكْمًا .

وَمَنْ قَالَ لِبَيِّنَةٍ بِمِائَةٍ اشْهَدَا لِي بِخَمْسِينَ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلِّ الْحُكْمَ فَوْقَهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ .

تَحَمُّلُهَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : فِي إثْمِهِ بِامْتِنَاعِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَجْهَانِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : فِي التَّرْغِيبِ هُوَ أَشْهُرُ ، وَكَذَا أَدَاؤُهَا ، وَنَصُّهُ : فَرْضُ عَيْنٍ إنْ دُعِيَ وَقَدَرَ بِلَا ضَرَرٍ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَلَا تُبْذَلُ فِي التَّزْكِيَةِ ، وَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ وَقَالَ احْلِفْ أَنْتَ بَدَلِي أَثِمَ ، اتِّفَاقًا ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ : لَا ، إنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ .
وَإِذَا وَجَبَ تَحَمُّلُهَا فَفِي وُجُوبِ كِتَابَتِهَا لِتُحْفَظَ وَجْهَانِ ( م 1 )
( كِتَابُ الشَّهَادَاتِ ) ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَإِذَا وَجَبَ تَحَمُّلُهَا فَفِي وُجُوبِ كِتَابَتِهَا لِتُحْفَظَ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى : ( أَحَدُهُمَا ) يَجِبُ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِلِاحْتِيَاطِ ، ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَدَّمَهُ فِي أَوَائِلِ بَقِيَّةِ الشَّهَادَاتِ ، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : يَكْتُبُهَا إذَا كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ ، فَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَجِبُ ، وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِكَثْرَةِ النِّسْيَانِ .

وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ إلَى شَهَادَةٍ فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَمُرَادُهُ : لِتَحَمُّلِهَا .
وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : أَنَّ التَّحَمُّلَ لَا تُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ ، فَظَاهِرُهُ : مُطْلَقًا ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَوْبَةً لِتَحَمُّلِهَا ، وَلَمْ يُعَلِّلُوا رَدَّ مَنْ أَعَادَهَا بَعْدَ أَنْ رَدَّ إلَّا بِالتُّهْمَةِ ، وَذَكَرُوا إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسِقٌ تُعْرَفُ حَالُهُ قَالَ لِلْمُدَّعِي : زِدْنِي شُهُودًا ، لِئَلَّا يَفْضَحَهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : إنَّ مَنْ شَهِدَ مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِ لَمْ يُعَزَّرْ ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقُهُ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَدَاءُ فَاسِقٍ وَإِلَّا لَعُزِّرَ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَشْهَرَ : لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ ، وَإِلَّا لَضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ بِشَهَادَتِهِ ، وَظَاهِرُهُ : لَا يَحْرُمُ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ فِسْقِهِ ، وَيُتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ مَنْ ضَمَّنَهُ ، وَيَكُونُ عِلَّةً لِتَضْمِينِهِ ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالتَّحْرِيمِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي شَهَادَتِهِ فِي نِكَاحٍ : لَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ ، لِشُهْرَةِ الْحَالِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ ، بِخِلَافِ الْفِسْقِ ، لِأَنَّهُ يُخْفِيه ، فَيَسْمَعُهَا لِيَبْحَثَ عَنْ عَدَالَتِهِمَا ، قَالَ : فَيَجِيءُ مِنْ هَذَا : لَا يَسْمَعُهَا مَعَ فِسْقٍ ظَاهِرٍ ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ بِالزِّنَا لَا يُضْرَبُونَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ ، وَيَجِبُ فِي مَسَافَةِ كِتَابِ الْقَاضِي عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يَخَافُ تَعَدِّيهِ نَقَلَهُ مَثْنَى أَوْ حَاكِمٌ عَدْلٌ ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا ، لَا تَشْهَدْ عِنْدَهُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ : أَخَاف أَنْ يَسْعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ ، عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ ، وَوُزَرَاءُ

فَسَقَةٌ ، وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا شُرْطِيًّا } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ : لَمْ يَرْوِهِ عَنْ قَتَادَةَ إلَّا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، وَلَا عَنْهُ إلَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، تَفَرَّدَ بِهِ دَاوُد بْنُ سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ شَيْخٌ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَقِيلَ : أَوَّلًا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ ، وَقِيلَ : لَا أَمِيرَ الْبَلَدِ وَوَزِيرَهُ ، وَلَا يُقِيمُهَا عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ ، وَكِتَابَةٍ كَشَهَادَةٍ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّيْخِ وَشَيْخِنَا ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : مَتَى يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ يُحْسِنُ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ وَيُحْسِنُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا .

وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ أَخْذُ أُجْرَةٍ وَجُعْلٍ ، وَقِيلَ : إنْ تَعَيَّنَتْ ، وَقِيلَ : وَلَا حَاجَةَ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا يَجُوزُ لِحَاجَةٍ تَعَيَّنَتْ أَوْ لَا ، وَاخْتَارَهُ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ مَعَ التَّحَمُّلِ ، وَقِيلَ : أُجْرَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ : مَنْ عَجَزَ أَوْ تَأَذَّى بِالْمَشْيِ فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ عَلَى رَبِّهَا ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَفِي الرِّعَايَةِ : وَكَذَا مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُتَرْجِمٍ وَمُفْتٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَحَافِظِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمُحْتَسِبٍ وَالْخَلِيفَةِ .

وَلِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدٍّ لِلَّهِ إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا .
وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْفَرَجِ وَالشَّيْخُ وَالتَّرْغِيبُ تَرْكُهُ ، لِلتَّرْغِيبِ فِي السِّتْرِ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي آخِرِ الرِّعَايَةِ مِنْ وُجُوبِ الْإِغْضَاءِ عَنْ مَنْ سَتَرَ الْمَعْصِيَةَ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَلَّالِ ، وَيُتَوَجَّهُ فِيمَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُقِرِّ بِالْحَدِّ ، وَسَبَقَ قَوْلُ شَيْخِنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ ، وَلِلْحَاكِمِ فِي الْأَصَحِّ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا ، كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ لِيَرْجِعَ .
وَفِيهِ فِي الِانْتِصَارِ تَلْقِينُهُ الرُّجُوعَ مَشْرُوعٌ ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ جَازَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ } الْآيَةُ ، وَقِيلَ : لَا ، كَغَيْرِهِ ، أَوْ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ ظَنَّ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ اسْتِسْرَارَ قَوْمٍ بِمَعْصِيَةٍ فِي انْتِهَاك حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا كَقَتْلٍ وَزِنًا فَلَهُمْ الْكَشْفُ وَالْإِنْكَارُ ، كَاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ الْمُغِيرَةِ وَشُهُودِهِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ هُجُومَهُمْ وَإِنْ حَدَّهُمْ لِقُصُورِ الشَّهَادَةِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَإِنْ قَالَ اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي لَزِمَهُمَا ، وَيُتَوَجَّهُ إنْ لَزِمَ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ .

وَلَا يُقِيمُ شَهَادَةً لِآدَمِيٍّ حَتَّى يَسْأَلَهُ ، وَلَا يَقْدَحْ فِيهِ ، كَشَهَادَةٍ حِسْبَةً ، وَيُقِيمُهَا بِطَلَبِهِ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ ، وَيَحْرُمُ كَتْمُهَا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَيَقْدَحُ فِيهِ وَقَالَ : إنْ كَانَ بِيَدِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَصِلُ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَانَةُ أَحَدِهِمَا ، وَيُعَيِّنُ مُتَأَوِّلًا مُجْتَهِدًا عَلَى غَيْرِهِ .
وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي خَبَرِ وَاحِدٍ : يَحْرُمُ كَتْمُهَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَمِلَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ أَوْ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ فِيمَا يُعْتَبَرُ الْبَحْثُ عَنْهُ .
وَيُسْتَحَبُّ إعْلَامُهُ قَبْلَ إقَامَتِهَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الطَّلَبُ الْعُرْفِيُّ أَوْ الْحَالِيُّ كَاللَّفْظِيِّ ، عَلِمَهَا الْآدَمِيُّ أَوْ لَا ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْخَبَرِ ، وَإِنَّ خَبَرَ : " يَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ " عَلَى الزُّورِ ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِأَحَدٍ ، و إلَّا لَتَعَيَّنَ إعْلَامُهُ ، وَلَمَا تَحَمَّلَهَا بِلَا إذْنِهِ ، وَقَالَ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ : إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ طَلَبِهِ قَامَ بِالْوَاجِبِ وَكَانَ أَفْضَلَ ، كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَأَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ الطَّلَبِ .

وَتَحْرُمُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ وَهُوَ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ غَالِبًا ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : مَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ يَجْحَدُهُ ، وَقَوْمٌ هُوَ عِنْدَهُمْ عَدْلٌ يَشْهَدُونَ بِهِ لَهُ ؟ قَالَ : هُوَ قَوْلٌ سُوءٌ ، قَوْلُ الرَّافِضَةِ .
فَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ الْفِعْلَ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَرِضَاعٍ ، وَالسَّمَاعُ ضَرْبَانِ : سَمَاعٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ ، كَعِتْقِ وَطَلَاقٍ وَعَقْدٍ وَإِقْرَارٍ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ ، فَتَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَ ، لَا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ مُسْتَخْفِيًا أَوْ لَا ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ ، فَيُخَيَّرُ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ إنْ قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ لَا تَشْهَدُوا بِمَا جَرَى بَيْنَنَا ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ فِي إقْرَارٍ وَحُكْمٍ ، وَعَنْهُ : وَغَيْرِهِمَا حَتَّى يَشْهَدَهُ وَعَنْهُ : إنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ سَابِقٍ ، نَحْوُ كَانَ لَهُ فَحَتَّى يَشْهَدَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدَ ، سَوَاءٌ وَقْتَ الْحُكْمِ أَوْ لَا ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي ، وَقِيلَ لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ : إذَا قَالَ الْقَاضِي لِلشَّاهِدَيْنِ أُعْلِمْكُمَا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا ، هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَا أَشْهَدَنَا عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا ؟ فَقَالَ : الشَّهَادَةُ عَلَى الْحُكْمِ تَكُونُ فِي وَقْتِ حُكْمِهِ ، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ لَهُمَا بِحُكْمِهِ ، فَيَقُولُ الشَّاهِدُ أَخْبَرَنِي أَوْ أَعْلَمَنِي أَنَّهُ حُكْمٌ بِكَذَا فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا .
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ : لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا أَشَهِدْنَا ، وَإِنَّمَا يُخْبَرَانِ بِقَوْلِهِ ، قَالَ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، أَوْ يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قُرِئَ عَلَيَّ أَوْ فَهِمْتُ جَمِيعَ مَا فِيهِ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ شَهِدُوا عَلَيْهِ ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : مَا عَلِمْت مَا فِيهِ ، فِي الظَّاهِرِ ، وَمَنْ جَهِلَ رَجُلًا حَاضِرًا شَهِدَ فِي حَضَرْته لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَعَرِفَهُ بِهِ مَنْ

يَسْكُنُ إلَيْهِ ، وَعَنْهُ : اثْنَانِ ، وَعَنْهُ : جَمَاعَةٌ ، شَهِدَ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ ، وَعَنْهُ : إنْ عَرَفَهَا كَنَفْسِهِ ، وَعَنْهُ : أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا شَهِدَ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : بِإِذْنِ زَوْجٍ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِعِصْمَتِهَا ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ ، لِلْخَبَرِ ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّظَرَ حَقُّهُ ، وَهُوَ سَهْوٌ ، وَإِلَّا فَلَا .

وَسَمَاعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ [ غَالِبًا ] بِدُونِهَا ، كَنَسَبٍ وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ وَعِتْقٍ وَوَلَاءٍ وَنِكَاحٍ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : دَوَامُهُ لَا عَقْدُهُ ، وَوَقْفٍ .
وَفِيهِ وَجْهٌ وَمَصْرِفُهُ وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَفِي الْعُمْدَةِ : لَا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ ، وَظَاهِرُهُ فَقَطْ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَسَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فَقَالَ : يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ ، مِثْلُ النَّسَبِ ، وَلَا تَجُوزُ فِي الْحَدِّ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِمَا : وَفِيهِمَا ، لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الشَّهَادَةَ بِهَا بِمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : تُسْمَعُ فِيمَا تَسْتَقِرُّ مَعْرِفَتُهُ بِالتَّسَامُعِ لَا فِي عَقْدٍ ، وَقَصَرَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ ، وَلَعَلَّهُ أَشْهُرُ ، وَأَسْقَطَ جَمَاعَةٌ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ ، وَبَعْضُهُمْ : وَالْوَلَاءَ .
وَفِي الرِّعَايَةِ خِلَافٌ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَمَصْرِفِ وَقْفٍ ، وَفِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ : تَعْلِيلُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ جِهَاتِ الْمِلْكِ تَخْتَلِفُ تَعْلِيلٌ يُوجَدُ فِي الدِّينِ ، فَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِالِاسْتِفَاضَةِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي نَسَبٍ وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ وَوَقْفٍ وَوَلَاءٍ وَنِكَاحٍ .
وَيَشْهَدُ بِاسْتِفَاضَةٍ عَنْ عَدَدٍ يَقَعُ بِهِمْ الْعِلْمُ ، وَقِيلَ : عَدْلَانِ ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ وَحَفِيدِهِ : أَوْ وَاحِدٍ يَسْكُنُ إلَيْهِ ، وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يَعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ ، وَمَنْ قَالَ شَهِدَتْ بِهَا فَفَرْعٌ .
وَفِي الْمُغْنِي : شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ لَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَيَكْتَفِي بِمَنْ يَشْهَدُ بِهَا كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَيْسَ فِيهَا فَرْعٌ .
وَفِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ : الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ ، وَأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : هِيَ نَظِيرُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ عَنْ الشُّهُودِ ، عَلَى

الْخِلَافِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ : إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ ، أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ ، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَةٌ ، فَهِيَ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ ، وَكَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ : يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَيَحْكُمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ .
وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ : إنْ صَرَّحَا بِالِاسْتِفَاضَةِ أَوْ اسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ قُبِلَتْ فِي الْوَفَاةِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا ، وَنَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ : لَا يَشْهَدُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَنَقَلَ مَعْنَاهُ جَعْفَرٌ ، وَهُوَ غَرِيبٌ .
وَإِذَا شَهِدَ بِالْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ فَعَمَلُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بِذَلِكَ أَحَقُّ ، ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ ، وَمَنْ رَأَى شَيْئًا بِيَدِ غَيْرِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْوَاضِحِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ ، وَقَالُوا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ : وَقَصِيرَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَالِكٍ مِنْ نَقْضٍ وَبِنَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ ، كَمُعَايَنَةِ السَّبَبِ ، كَبَيْعٍ وَإِرْثٍ .
وَفِي الْمُغْنِي : لَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ هُنَا فَجَازَتْ بِالظَّنِّ ، وَيُسَمَّى عِلْمًا ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يُعْتَبَرُ حُضُورُ الْمُدَّعِي وَقْتَ تَصَرُّفِهِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَرَابَتَهُ ، وَلَا يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ إنْ عَارَضَهُ ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ ، وَقِيلَ يَشْهَدُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ ، وَاخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ يَشْهَدُ بِمِلْكٍ بِتَصَرُّفِهِ ، وَعَنْهُ : مَعَ يَدِهِ .
وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ : إنْ رَأَى مُتَصَرِّفًا فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ مَالِكٍ شَهِدَ لَهُ بِمِلْكِهِ ، وَمَنْ شَهِدَ بِنِكَاحٍ اُعْتُبِرَ ذِكْرُ شُرُوطِهِ ، وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ صِحَّتَهُ ، وَهُوَ فَاسِدٌ ، فَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ إذَا اتَّحَدَ مَذْهَبُ الشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ لَا يَجِبُ التَّبْيِينُ ،

وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ فِيمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْمَيِّتَةَ امْرَأَتُهُ وَهَذَا ابْنَهُ مِنْهَا فَإِنْ أَقَامَهَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ [ وَيَصْلُحُ ابْنُهُ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ ] وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ يَلْحَقُهُ .
وَإِنْ ادَّعَتْ أَنْ هَذَا الْمَيِّتَ زَوْجُهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَصْلِ النِّكَاحِ وَتُعْطَى الْمِيرَاثَ ، وَالْبَيِّنَةُ أَنَّهُ زَوْجُهَا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ ، وَيَأْتِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ ، وَمُرَادُهُ هُنَا إمَّا لِأَنَّ الْمَهْرَ فَوْقَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، أَوْ رِوَايَةٍ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ ، أَوْ احْتِيَاطًا لِنَفْيِ الِاحْتِمَالِ .

وَفِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ خِلَافٌ كَدَعْوَاهُ فَإِنَّ مَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِهِ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَبِالْعَكْسِ ، نَقَلَ مُثَنَّى فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِأَخٍ لَهُ بِسَهْمَيْنِ مِنْ هَذَا الدَّارِ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَهْمًا وَلَمْ يَحُدَّهَا يَشْهَدُ كَمَا سَمِعَ أَوْ يَتَعَرَّفُ حَدَّهَا ؟ فَرَأَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حُدُودِهَا فَيَتَعَرَّفَهَا وَقَالَ شَيْخُنَا : الشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ ، وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَعْيِينِ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ قُبِلَ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِفُلَانٍ عِنْدِي كَذَا وَأَنَّ دَارِي الْفُلَانِيَّةَ أَوْ الْمَحْدُودَةَ بِكَذَا لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ هُوَ الْمُسَمَّى وَالْمَوْصُوفُ أَوْ الْمَحْدُودُ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، وَيُذْكَرُ لِرِضَاعٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَشُرْبٍ وَقَذْفٍ وَنَجَاسَةِ مَاءٍ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ : وَإِكْرَاهُ مَا يُعْتَبَرُ ، وَيَخْتَلِفُ بِهِ الْحُكْمُ ، وَكَذَا الزِّنَا ، وَقِيلَ : لَا زَمَانُهُ وَمَكَانُهُ ، وَالْمَزْنِيُّ بِهَا ، وَتُقْبَلُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ ، وَقِيلَ : لَا ، وَإِنْ قَالَ شَاهِدُ قَتْلٍ : جَرَحَهُ فَمَاتَ ، فَلَغْوٌ ، وَعَكْسُهُ : فَقَتَلَهُ أَوْ مَاتَ مِنْهُ وَنَحْوُهُ .
وَقَالَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ : يَتَفَرَّعُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْجُرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِنَجَاسَةِ مَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُبَيِّنَا السَّبَبَ ، لِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا يُنَجِّسُهُ ، كَذَا قَالَ : فَيُتَوَجَّهُ مِنْهُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، وَقَدْ يُتَوَجَّهُ أَيْضًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعُقُودِ ، احْتَجَّ فِي الْوَاضِحِ بِشَهَادَتِهِمَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّفْسِيرِ لِلْجُرْحِ ، وَمَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ غَيْرِهِ بِحَقٍّ فَقِيلَ : يُعْتَبَرُ ذِكْرُ سَبَبِهِ ، وَالْأَصَحُّ : لَا ، كَاسْتِحْقَاقِ مَالٍ ، وَإِنْ شَهِدَ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ أَوْ اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ ، ذَكَرَهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : وَمَنْ شَهِدَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو بِشَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنْ ادَّعَى إرْثًا لَا

يُحْوِجُ فِي دَعْوَاهُ إلَى بَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْإِرْثَ مُطْلَقًا ، لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ أَنْ يَرِثَهُ بِالرَّحِمِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِنَا ، فَإِذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدَتْ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِهِ وَارِثًا حَكَمَ لَهُ ، وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ ، أَوْ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ ، أَوْ الطَّيْرَ مِنْ بَيْضِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ ، حَكَمَ لَهُ ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمَانِ غَيْرَهُ حَكَمَ لَهُ ، وَقِيلَ : يَجِبُ الِاسْتِكْشَافُ مَعَ فَقْدِ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ فَيَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي بِمَوْتِهِ وَلْيَحْضُرْ وَارِثُهُ ، فَإِذَا ظَنَّ لَا وَارِثَ لَهُ سَلَّمَهُ ، وَقِيلَ : بِكَفِيلٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ يُكْمِلُ لِذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ ، وَعَلَى الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ يَأْخُذُ الْيَقِينَ ، وَهُوَ رُبُعُ ثُمُنٍ لِلزَّوْجَةِ عَائِلًا ، وَسُدُسٌ لِلْأُمِّ عَائِلًا ، مِنْ كُلِّ ذِي فَرْضٍ لَا حَجْبَ فِيهِ ، وَلَا يَقِينَ فِي غَيْرِهِ ، وَإِنْ قَالَا لَا نَعْلَمُ غَيْرَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَكَذَلِكَ ، ثُمَّ إنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ شَارَكَ الْأَوَّلَ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَأَبِي الْوَفَاءِ ، وَقِيلَ : لَا يُقْبَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَقِيلَ : إنْ كَانَ سَافَرَ كَشَفَ خَبَرَهُ وَمَكَانَ سَفَرِهِ ، وَفِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ : إنْ شَهِدَا بِإِرْثِهِ فَقَطْ أَخَذَهَا بِكَفِيلٍ ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي فِي كَفِيلٍ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَجْهَانِ ، وَاسْتِكْشَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَبَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، قَسَمَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا ، لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُغْنِي ، قَالَ الشَّيْخُ فِي فَتَاوِيهِ : إنَّمَا احْتَاجَ إلَى إثْبَاتٍ لَا وَارِثَ سِوَاهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ ظَاهِرًا ، فَإِنَّ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْلَمُهُ جَارُهُ وَمَنْ

يَعْرِفُ بَاطِنَ أَمْرِهِ ، بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ ، لِخَفَاءِ الدَّيْنِ ، وَلِأَنَّ جِهَاتِ الْإِرْثِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعَ عَلَى يَقِينِ انْتِفَائِهَا .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " وَفِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ خِلَافٌ كَدَعْوَاهُ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ ذِكْرُ شُرُوطٍ وَطَعَامٍ أَمْ لَا ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ : حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ : اعْتَبَرَ ذِكْرَ شُرُوطِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ ، فَكَذَا يَكُونُ الصَّحِيحُ هُنَا ذِكْرُ الشُّرُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ .
فَفِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ .

وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا ، بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْإِعْسَارُ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ تُثْبِتُ مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ قَبُولُهَا إذَا كَانَ النَّفْيُ مَحْصُورًا ، كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ، وَلِهَذَا قِيلَ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ : أَخْبَارُ ، الصَّلَاةِ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ مُثْبَتَةٌ وَفِيهَا زِيَادَةٌ ، وَأَخْبَارُكُمْ نَافِيَةٌ ، وَفِيهَا نُقْصَانٌ وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى ، فَقَالَ : الزِّيَادَةُ هَاهُنَا مَعَ النَّافِي ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَوْتَى الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَلِهَذَا نَقُولُ : إنَّ مَنْ قَالَ صَحِبْت فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ ، كَمَا لَا تُسْمَعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ يُنْكِرُهُ ، فَقِيلَ لَهُ : لَا سَبِيلَ لِلشَّاهِدِ إلَى مَعْرِفَتِهِ ، فَقَالَ : لَهُمَا سَبِيلٌ ، وَهُوَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى ثَمَنَ مَبِيعٍ فَأَنْكَرَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ لِلشَّاهِدِ سَبِيلًا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِأَنْ يُشَاهِدَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَ .
وَفِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ النَّافِي لِلْحُكْمِ : لَا سَبِيلَ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى النَّفْيِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَنْ يُلَازِمَهُ الشَّاهِدُ مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى ، فَيُعْلَمُ انْتِفَاءُ سَبَبِ اللُّزُومِ قَوْلًا وَفِعْلًا ، وَهُوَ مُحَالٌ .
وَفِي الْوَاضِحِ : الْعَدَالَةُ بِجَمْعِ كُلِّ فَرْضٍ وَتَرْكِ كُلِّ مَحْظُورٍ ، وَمَنْ يُحِيطُ بِهِ عِلْمًا ، وَالتَّرْكُ نَفْيٌ ، وَالشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ لَا تَصِحُّ .

وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا لَمْ تُقْبَلْ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي صُورَةِ الْوَصِيَّةِ .
وَفِيهَا فِي التَّرْغِيبِ : قَالَ أَصْحَابُنَا : يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا فَهِيَ الصَّحِيحَةُ ، وَهَلْ يَشْهَدُ عَقْدًا فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَيَشْهَدُ بِهِ ؟ يُتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِيمَنْ أَتَى فَرْعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ ، وَفِي التَّعْلِيقِ : يَشْهَدُ وَفِي الْمُغْنِي : لَوْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِحَقٍّ ثَانٍ كَانَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ ، فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ .
فَإِنْ اعْتَقَدَ إفْسَادَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ، وَإِنْ اعْتَقَدَا صِحَّتَهُ جَازَ أَنْ يَشْهَدَا بِكَيْفِيَّةِ الْحَالِ فَقَطْ ، وَمَنَعَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ إذَا عَلِمَهُ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ أَوْ تَفْضِيلِهِ ، وَذَكَرَهُ فِيهِ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : إنْ لَمْ يَشْهَدُوا لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ .
قِيلَ : فَإِنْ شَهِدُوا ؛ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ ؟ قَالَ : أَعْفِنِي ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَهُ أَنْ لَا يَشْهَدُ إذَا جَاءَ مِثْلُ هَذَا وَعَرَفَ ، قَالَ : وَفِي حَدِيثِ بَشِيرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ } ، وَهُوَ الْقَاضِي وَالْحُكْمُ إلَيْهِ .
وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا جَاءَهُ مِثْلُ هَذَا رَدَّهُ ، وَيُتَوَجَّهُ : يُكْرَهُ مَا ظَنَّ فَسَادَهُ ، وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ : يَحْرُمُ ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ قُبِلَ ، وَلَوْ أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ فَشَهِدَا عَلَى الْخَطِيبِ أَنَّهُ قَالَ أَوْ فَعَلَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا قُبِلَ مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ : إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مَعَ مُشَارَكَةِ خَلْقٍ رُدَّ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .

الْمَذْهَبُ أَنَّهَا سِتَّةٌ : الْعَقْلُ ، وَالْحِفْظُ ، وَالْعَدَالَةُ ، وَالْإِسْلَامُ ، وَالنُّطْقُ ، وَالْبُلُوغُ .
فَلَا شَهَادَةَ لِمَجْنُونِ وَمَعْتُوهٍ وَمُغَفَّلٍ وَمَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ غَلَطٍ وَسَهْوٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : وَنِسْيَانٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : الصَّحِيحُ إلَّا فِي أَمْرٍ جَلِيٍّ يَكْشِفُهُ الْحَاكِمُ وَيُرَاجِعُهُ فِيهِ حَتَّى يَعْلَمَ تَثَبُّتَهُ ، وَأَنَّهُ لَا سَهْوَ وَلَا غَلَطَ فِيهِ ، وَغَيْرُ عَدْلٍ وَلَوْ ضَرُورَةً فِي سَفَرٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، قَالَ حَفِيدُهُ : وَلَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِي شَهَادَةِ فَاسِقٍ بَلْ كَافِرٍ ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَلَا عَلَى ذِمِّيٍّ ، لِأَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ مَحْظُورَ دِينِهِ ، وَلِهَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ ، كَالْمُرْتَدِّ ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ .
وَتُقْبَلُ فِي إفَاقَةٍ مِمَّنْ يُخْنَقُ أَحْيَانَا ، نَصَّ عَلَيْهِ .

وَيُعْتَبَرُ لِلْعَدَالَةِ أَمْرَانِ : صَلَاحُ دِينِهِ بِأَدَاءِ الْفَرِيضَةِ ، زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ : بِسُنَنِهَا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالتَّبْصِرَةُ وَالتَّرْغِيبُ : وَالسُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِيمَنْ يُوَاظِبُ عَلَى تَرْكِ سُنَنِ الصَّلَاةِ رَجُلٌ سُوءٌ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : الْوَتْرُ سُنَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ فَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ ، وَأَثَّمَهُ الْقَاضِي ، وَمُرَادُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ تَرْكِ فَرْضٍ وَإِلَّا فَلَا يَأْثَمُ بِسَنَةٍ ، كَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ ، لَكِنْ ذَكَرَ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَنَّ مَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ أَثِمَ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ تَرَكَ الْوَتْرَ : رَجُلُ سَوْءٍ ، مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ سُنَّةٌ ، كَذَا قَالَ ، وَلَمْ يَحْتَجَّ لَهُ ، وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ { مَنْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا } مَعْنَاهُ مَنْ انْتَقَصَ مِنْ مَسْنُونَاتِهَا الرَّاتِبَةِ مَعَهَا لَمَّا كَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهَا وَتَبَعًا لَهَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ عَطْفًا عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةَ الْوَتْرِ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فِيمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا : رَجُلُ سَوْءٍ ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ ، فَإِنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ ، ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ وَاجِبٌ ، وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا فِيمَنْ تَرَكَهُ طُولَ عُمْرِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ فَإِنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا ، لِأَنَّهُ بِالْمُدَاوَمَةِ يَحْصُلُ رَاغِبًا عَنْ السُّنَّةِ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } وَلِأَنَّهُ بِالْمُدَاوَمَةِ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِكَوْنِهَا سَنَةً ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُشْرِكِينَ لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا } وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنَّهُ يُكَثِّرُ

جَمْعَهُمْ وَيَقْصِدُ نَصْرَهُمْ وَيَرْغَبُ فِي دِينِهِمْ ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ خَرَجَ عَلَى هَذَا ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ : الْإِدْمَانُ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْوَتْرِ ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ رَاغِبًا عَنْ السُّنَّةِ .
وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْوَتْرِ : وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَكَمَ بِفِسْقِهِ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : مَنْ تَرَكَ الْوَتْرَ لَيْسَ عَدْلًا ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ ، لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَاقِصَ الْإِيمَانِ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إذَا عَمِلْتَ الْخَيْرَ زَادَ وَإِذَا ضَيَّعْتَ نَقَصَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : مَنْ تَرَكَ النَّوَافِلَ الَّتِي لَيْسَتْ رَاتِبَةً مَعَ الْفَرَائِضِ لَا تَصِفُهُ بِنُقْصَانِ الْإِيمَانِ ، وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ قِيلَ : لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْتِ بِهَا إلَّا إذَا صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ ، وَبِدُونِهَا لَا تَكُونُ سُنَّةً ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِحَالٍ ، لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَالْوَاجِبَةِ ، كَذَا قَالُوا .

وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ ، بِأَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً ، قِيلَ : وَلَا يُدْمِنُ ، وَقِيلَ : وَلَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ صَغِيرَةٌ ، وَقِيلَ : ثَلَاثًا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : بِأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْهَا وَلَا يُصِرَّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا ( م 1 ) وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ { لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ } .
وَعَنْهُ : تُرَدُّ بِكَذَبَةٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَاسَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الصَّغَائِرِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، لِأَنَّ الْكَذِبَ مَعْصِيَةٌ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ ، وَهُوَ الْخَبَرُ ، أَخَذَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْهَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ كَشَهَادَتِهِ بِالزُّورِ ، أَوْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَيُعْرَفُ الْكَذَّابُ بِخُلْفِ الْمَوَاعِيدِ ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ .
وَيَجِبُ الْكَذِبُ إنْ تَخَلَّصَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ الْقَتْلِ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : أَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ وَاجِبًا .
وَيُبَاحُ لِإِصْلَاحٍ وَحَرْبٍ وَزَوْجَةٍ ، لِلْخَبَرِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَكُلُّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ ، وَهُوَ التَّوْرِيَةُ ، فِي ظَاهِرِ نَقْلِ حَنْبَلٍ وَظَاهِرِ نَقْلِ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْأَصْحَابِ مُطْلَقًا ( م 2 ) .
وَمَنْ جَاءَهُ طَعَامٌ فَقَالَ لَا آكُلُهُ ثُمَّ أَكَلَ ، فَكَذِبٌ ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ، نَقَلَهُ الْمَرْوَزِيُّ .
وَمَنْ كَتَبَ لِغَيْرِهِ كِتَابًا فَأَمْلَى عَلَيْهِ كَذِبًا لَمْ يَكْتُبْهُ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ .
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : وَقَدْ يَقَعُ الْفِسْقُ بِكُلِّ مَا فِيهِ ارْتِكَابٌ لِنَهْيٍ وَإِنْ خَلَا عَنْ حَدٍّ أَوْ وَعِيدٍ ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُفَسِّقْهُ بِشُرْبِ مُسْكِرٍ لِلْخِلَافِ وَلَا بِكَذِبَةٍ أَوْ تَدْلِيسٍ فِي بَيْعٍ وَغِشٍّ فِي تِجَارَةٍ .
وَظَاهِرُ الْكَافِي : الْعَدْلُ مَنْ رَجَحَ خَيْرُهُ وَلَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً ، لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تَقَعُ مُكَفِّرَةً أَوَّلًا فَأَوَّلًا فَلَا تَجْتَمِعُ .
قَالَ

ابْنُ عَقِيلٍ : لَوْلَا الْإِجْمَاعُ لَقُلْنَا بِهِ وَظَاهِرُ الْعُدَّةِ لِلْقَاضِي : وَلَوْ أَتَى كَبِيرَةً ، قَالَ شَيْخُنَا : خَرَجَ بِهِ فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ ، وَاحْتَجَّ فِي الْكَافِي وَالْعُدَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } الْآيَةُ .
وَعَنْهُ فِيمَنْ أَكَلَ الرِّبَا : إنْ أَكْثَرَ لَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ ، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ ، وَفِي الْمُغْنِي : إنْ أَخَذَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَتَكَرَّرَ رُدَّتْ .
وَعَنْهُ فِيمَنْ وَرِثَ مَا أَخَذَهُ مَوْرُوثُهُ مِنْ الطَّرِيقِ : هَذَا أَهْوَنُ ، لَيْسَ هُوَ أَخْرَجَهُ ، وَأَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَعَنْهُ أَيْضًا : لَا يَكُونُ عَدْلًا حَتَّى يَرُدَّ مَا أَخَذَ .
وَهِيَ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ وَعِيدٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَعِنْدَ شَيْخِنَا : أَوْ غَضَبٌ أَوْ لَعْنَةٌ أَوْ نَفْيُ الْإِيمَانِ قَالَ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ نَفْيُ الْإِيمَانِ لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ ، بَلْ لِكَمَالٍ وَاجِبٍ .
قَالَ : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ كَلَامَ أَحْمَدَ إلَّا عَلَى مَعْنًى يُبَيِّنُ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ ، لَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فِي كَلَامِهِ كُلُّ أَحَدٍ .
قَالَ : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } و { وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا } وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا : { لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْت : يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَامِدٍ : إنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ مُخْرِجٌ إلَى الْفِسْقِ ، قَالَ : وَمُرَادُهُ " فَلَيْسَ مِنَّا " أَيْ مَا أُمِرْنَا بِهِ ، أَوْ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِنَا ، أَوْ لَيْسَ مِنْ سُنَّتِنَا : وَذُكِرَ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ : مُرَادُهُ أَنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ لَفْظُ الْكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ لِلتَّغْلِيظِ ، وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ ، فَلَا نَقُولُ بِكُفْرٍ نَاقِلٍ عَنْ الْمِلَّةِ وَلَا غَيْرِهِ ، قَالَ : وَفِي مَعْنَى

ذَلِكَ أَخْبَارٌ بِلَفْظٍ آخَرَ كَقَوْلِ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ } وَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ قَوْلِهِ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } قَالَ : لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّشْدِيدِ ، وَلَا أُكَفِّرُ أَحَدًا إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ .
قَالَ شَيْخُنَا : مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارٍ كَذِبٍ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ أَوْ تَكَرَّرَ نَظَرُهُ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْقُعُودِ لَهُ بِلَا حَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِ ، قَالَ : وَلَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِيمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ .
وَفِي الْفُصُولِ وَالْغُنْيَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ : الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مِنْ الصَّغَائِرِ .
وَفِي مُعْتَمَدِ الْقَاضِي : مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ وَالصَّغِيرَةِ أَقَلُّ وَلَا يُعْلَمَانِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ تَكَرَّرَتْ الصَّغَائِرُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ : تَجْتَمِعُ وَتَكُونُ كَبِيرَةً .
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا تَجْتَمِعُ ، وَهُوَ يُشْبِهُ مَقَالَةَ الْمُعْتَزِلَةِ ، إذْ قَوْلُهُمْ لَا يَجْتَمِعُ مَا لَيْسَ بِكَبِيرٍ فَيَكُونُ كَبِيرًا ، كَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَيَكُونُ كُفْرًا ، وَعَنْهُ : الْعَدْلُ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ .

بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ " وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً ، قِيلَ : وَلَا يُدْمِنُ ، وَقِيلَ : وَلَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ صَغِيرَةٌ ، وَقِيلَ : ثَلَاثًا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : بِأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْهَا وَلَا يُصِرَّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا " ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ أَنْ لَا يُدْمِنَ عَلَى صَغِيرَةٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ مِنْهُ صَغِيرَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ مِنْهُ صَغِيرَةٌ ثَلَاثًا قَطَعَ بِهِ آدَابُ الْمُفْتِي ، وَالْمُقْنِعُ لِابْنِ حَمْدَانَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَهُوَ التَّوْرِيَةُ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ حَنْبَلٍ وَظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَالْأَصْحَابِ مُطْلَقًا ، انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا قُلْنَا يُبَاحُ الْكَذِبُ فِي مَوَاضِعِهِ فَهَلْ هُوَ التَّوْرِيَةُ أَوْ مُطْلَقًا أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَالصَّوَابُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ .
وَقَالَ فِي الْآدَابِ مَهْمَا أَمْكَنَ الْمَعَارِيضُ حَرُمَ الْكَذِبُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَصَرَّحَ بِهِ آخَرُونَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَنْ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ الْجَوَازُ وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَعَارِيضُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادٌ ، انْتَهَى " .
وَنَصَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَالْأَحَادِيثِ

وَمَنْ قَلَّدَ فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهِمَا فُسِّقَ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الذِّمَّةِ قَبُولُ شَهَادَتِهِ مَا لَمْ يَتَدَيَّنْ بِهَا لِمُوَافِقِهِ عَلَى مُخَالِفِهِ ، وَعَنْهُ : يَكْفُرُ ، كَمُجْتَهِدٍ ، وَعَنْهُ فِيهِ : لَا .
اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى صَاحِبِ التَّخْلِيصِ ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ لِلْمُعْتَصَمِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَنَقَلَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ فِيمَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ، كُنْت لَا أُكَفِّرُهُ حَتَّى قَرَأَتْ قَوْله تَعَالَى { أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } وَغَيْرَهَا ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ أَمْ لَا كَفَرَ .
وَفِي الْفُصُولِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي جَهْمِيَّةٍ وَوَاقِفِيَّةٍ وَحَرُورِيَّةٍ وَقَدَرِيَّةٍ وَرَافِضَةٍ : إنْ نَاظَرَ وَدَعَا كَفَرَ وَإِلَّا لَمْ يَفْسُقْ ، لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ : يُسْمَعُ حَدِيثُهُ وَيُصَلَّى خَلْفَهُ ، قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ عَامَّةَ الْمُبْتَدَعَةِ فَسَقَةٌ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كُفَّارٌ مَعَ جَهْلِهِمْ ، قَالَ : وَالصَّحِيحُ لَا كُفْرَ ، لِأَنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ .
وَفِي الْفُنُونِ أَنَّ أَحْمَدَ تَرَامَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ فِي الْأُصُولِ كَالْمِعْرَاجِ يَقَظَةً أَمْ مَنَامًا ، وَهَلْ الْأَعْمَالُ مِنْ الْإِيمَانِ ؟ وَالْأَخْبَارُ هَلْ تَتَأَوَّلُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَوْلَى إنْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَمْ يَسْلَمْ وَلَمْ يَعْدِلْ بِالثَّانِيَةِ .

وَلَا يُفَسَّقُ الْأَصْحَابُ ، وَلَيْسَ فِي الدِّينِ مُحَابَاةٌ ، وَإِنْ كَفَّرْتُمْ السَّلَفَ بِالِاخْتِلَافِ تَأَسَّيْنَا بِهِمْ ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ قَدَرِيَّةَ أَهْلِ الْأَثَرِ كَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَالْأَصَمِّ مُبْتَدِعَةٌ ، وَفِي شَهَادَتِهِمْ وَجْهَانِ ، وَأَنَّ الْأَوْلَى لَا تُقْبَلُ ، لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ الْفِسْقُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرُّ الْمَصُونُ : رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ أَقْدَمُوا عَلَى تَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِالْكُفْرِ عَلَى مَنْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ حَالُهُ تَأْوِيلًا ، وَأَقْبَحُ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُكَفِّرِينَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ كَفَّرُوا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَقِيدَةَ بِأَدِلَّتِهَا الْمُحَرَّرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ ، فَإِنَّهَا حَكَمَتْ بِإِسْلَامِ أَجْلَافِ الْعَرَبِ وَالْجُهَّالِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَجَزَمَ فِي الْفُنُونِ فِي مَكَان بِأَنَّ الْإِسْرَاءَ يَقَظَةً ، كَقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، لِأَنَّهُ لَا يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إلَّا عِنْدَ كَبِيرَةٍ ، وَالْعَبْدُ لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ ، وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ الْمَسَافَةِ فِي الْمَنَامِ ، وَلِأَنَّ الْمَنَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَمْعٍ وَبَصَرٍ ، وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمْ يُنْكِرُوهُ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي خَبَرِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ رِوَايَاتٍ : الثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ مُفَسِّقَةً قُبِلَ .
وَإِنْ كَانَتْ مُكَفِّرَةً رُدَّ ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبُغَاةِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا لَا يُفَسَّقُ أَحَدٌ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ فِي الْمُقَلِّدِ ، كَالْفُرُوعِ ، لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا تَصِحُّ ، وَإِنْ نَهَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ الْأَخْذِ عَنْهُمْ لِعِلَّةِ الْهَجْرِ ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْخَلَّالُ عَنْ قَوْمٍ ، لِنَهْيِ الْمَرُّوذِيِّ ، ثُمَّ رَوَى عَنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، قَالَ : وَجَعَلَ الْقَاضِي الدُّعَاءَ إلَى الْبِدْعَةِ

قِسْمًا غَيْرَ دَاخِلٍ فِي مُطْلَقِ الْعَدَالَةِ وَالْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ ، وَعَنْهُ : الدَّاعِيَةُ كَتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَوْ أَحَدِهِمْ ، أَوْ لَمْ يَرَ مَسْحَ الْخُفِّ أَوْ غَسْلَ الرِّجْلِ ، وَعَنْهُ : لَا يَفْسُقُ مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ وَفِيمَنْ رَأَى الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ التَّسْوِيَةُ ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُقَدِّمُ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : إنْ كَانَ جَاهِلًا لَا عِلْمَ لَهُ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يَفْسُقُ الْمُقَلِّدُ فِيهَا لِخِفَّتِهَا ، مِثْلُ مَنْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَيَقِفُ عَنْ تَكْفِيرِ مَنْ كَفَّرْنَاهُ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ هَانِئٍ الْمَذْكُورَةَ ، وَقَوْلَ الْمَرُّوذِيِّ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إنَّ قَوْمًا يُكَفِّرُونَ مَنْ لَا يُكَفِّرُ فَأَنْكَرَهُ ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : مَنْ يَجْتَرِئُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ كَافِرٌ ؟ يَعْنِي مَنْ لَا يَكْفُرُ وَهُوَ يَقُولُ : الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ فَإِنَّا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا ، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، أَوْ أَنَّ أَلْفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ تَدَيُّنًا ، أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ ، نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ ، قَالَ : وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ بِنَفْيِ خَلْقِ الْمَعَاصِي عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَلَهُ فِي الْخَوَارِجِ كَلَامٌ يَقْتَضِي فِي تَكْفِيرِهِمْ رِوَايَتَيْنِ ، نَقَلَ حَرْبٌ : لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ صَاحِبِ بِدْعَةٍ ،

وَلَا شَهَادَةُ قَاذِفِ حَدٍّ أَوْ لَا ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرَةَ : إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَاحْتَجُّوا بِهِ مَعَ اتِّفَاقٍ لِلنَّاسِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ لِعَدَمِ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْآيَةَ إنْ تَنَاوَلَتْهُ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ لِفِسْقِهِ ، وَإِلَّا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، كَرِوَايَتِهِ ، لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ ، وَيُتَوَجَّهُ تَخَرُّجُ رِوَايَةِ : بَقَاءِ عَدَالَتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ .
وَفِي الْعُدَّةِ لِلْقَاضِي : فَأَمَّا أَبُو بَكْرَةَ وَمَنْ جُلِدَ مَعَهُ فَلَا يُرَدُّ خَبَرُهُمْ ، لِأَنَّهُمْ جَاءُوا مَجِيءَ الشَّهَادَةِ ، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ ، وَيُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْعَدَدِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ ، وَتَوْبَتُهُ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِكَذِبِهِ حُكْمًا .
وَقَالَ الْقَاضِي وَالتَّرْغِيبُ : إنْ كَانَ شَهَادَةً قَالَ : الْقَذْفُ حَرَامٌ بَاطِلٌ وَلَنْ أَعُودَ إلَى مَا قُلْت ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي أَنَّ الصَّادِقَ يَقُولُ قَذْفِي لِفُلَانٍ بَاطِلٌ نَدِمْتُ عَلَيْهِ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ بِتَوْبَتِهِ لِحُصُولِ الْمَغْفِرَةِ بِهَا وَهِيَ النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ وَالْعَزْمُ أَنْ لَا يَعُودَ ، وَقِيلَ : مَعَ قَوْلِ إنِّي تَائِبٌ وَنَحْوِهِ ، وَعَنْهُ : مُجَانَبَةُ قَرِينَةٍ فِيهِ ، وَعَنْهُ : مَعَ صَلَاحِ الْعَمَلِ سَنَةً ، وَقِيلَ فِيمَنْ فِسْقُهُ بِفِعْلٍ ، وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً ، وَعَنْهُ فِي مُبْتَدِعٍ ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ ، لِتَأْجِيلِ عُمَرَ صَبِيغًا ، وَقِيلَ فِي فَاسِقٍ وَقَاذِفٍ مُدَّةً يُعْلَمُ حَالُهُمَا .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَامِدٍ : يَجِيءُ عَلَى مَقَالَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا : مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا وُجُودُ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ لِظَاهِرِ

الْآيَةِ { إلَّا مَنْ تَابَ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ } .
قَالَ : وَإِنْ عَلَّقَ تَوْبَتَهُ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ تَائِبٍ حَالًا وَلَا عِنْدَ وُجُودِهِ ، وَيُعْتَبَرُ رَدُّ الْمَظْلِمَةِ وَأَنْ يَسْتَحِلَّهُ أَوْ يَسْتَمْهِلَهُ مُعْسِرٌ ، وَمُبَادَرَتُهُ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَسَبَ إمْكَانِهِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : يُعْتَبَرُ رَدُّ الْمَظْلِمَةِ أَوْ بَدَلِهَا أَوْ نِيَّةُ الرَّدِّ مَتَى قَدَرَ ، وَعَنْهُ : لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ .

وَمَنْ أَتَى فَرْعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمُتَأَوِّلٍ ، وَفِيهِ فِي الْإِرْشَادِ : إلَّا أَنْ يُجِيزَ رِبَا الْفَضْلِ ، أَوْ يَرَى الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ ، لِتَحْرِيمِهَا الْآنَ ، وَذَكَرَهُمَا شَيْخُنَا مِمَّا خَالَفَ النَّصَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَنْقُضُ فِيهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ ، وَقَالَ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دُخُولِ الْفُقَهَاءِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ .
فَأَدْخَلَهُمْ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَأَخْرَجَهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَهُ مِنْ الزِّنَا ، أَوْ أُمَّ مَنْ زَنَى بِهَا احْتِمَالٌ : تُرَدُّ ، وَعَنْهُ : يَفْسُقُ مُتَأَوِّلٌ ، لَمْ يَسْكَرْ مِنْ نَبِيذٍ ، اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ ، كَحَدِّهِ ، لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَنَّهُ إلَى الْحَاكِمِ لَا إلَى فَاعِلِهِ ، كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ ، وَفِيهِ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ ، كَذِمِّيٍّ شَرِبَ خَمْرًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوجَزِ ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ شَيْخِنَا .
نَقَلَ مُهَنَّا : مَنْ أَرَادَ شُرْبَهُ يَتَّبِعُ فِيهِ مَنْ شَرِبَهُ فَلْيُشْرِبْهُ وَحَدَّهُ .
وَعَنْهُ : أُجِيزَ شَهَادَتُهُ وَلَا أَصْلِي خَلْفَهُ [ وَأَحَده ] وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : الْمُسْتَحِلُّ لِشُرْبِ الْخَمْرِ بِعَيْنِهَا مُقِيمًا عَلَى ذَلِكَ بِاسْتِحْلَالٍ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ لَهُ وَلَا نَازِعًا عَنْهُ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا فَالْقَتْلُ ، مِثْلُ الْخَمْرَةِ بِعَيْنِهَا وَمَا أَشْبَهَهَا ، وَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى جَهَالَةٍ بِلَا اسْتِحْلَالٍ وَلَا رَدٍّ لِكِتَابِ اللَّهِ حُدَّ ، فَلَوْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ فَيُتَوَجَّهُ فِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِهَذَا عَلَى حَدِّ مُعْتَقِدِ حِلِّهِ وَأَنَّ بِهَذَا فَارَقَ النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ وَهِيَ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : الْمُسْكِرُ خَمْرٌ وَلَيْسَ يَقُومُ مَقَامَ الْخَمْرَةِ بِعَيْنِهَا ،

فَإِنْ شَرِبَهَا مُسْتَحِلًّا قُتِلَ .
وَإِنْ لَمْ يُجَاهِرْ وَلَمْ يُعْلِنْ وَلَمْ يَسْتَحِلَّهَا حُدَّ وَيُضَعَّفُ عَلَيْهِ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْأَشْهَرِ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ وَبَقَاءِ الْعَدَالَةِ ، لِأَنَّهُ أَضْيَقَ ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ أَوْسَعُ ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْحَدِّ التَّحْرِيمُ فَيَفْسُقُ بِهِ ، أَوْ إنْ تَكَرَّرَ ، وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَعَدَمُ الْحَدِّ أَوْلَى .
وَعَنْهُ : مَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ قَادِرًا كَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ ، نَقَلَهُ صَالِحٌ وَالْمَرُّوذِيُّ ، وَقِيَاسُ الْأَوِّلَةِ مَنْ لَعِبَ بِشِطْرَنْجٍ وَيَسْمَعُ غِنَاءً بِلَا آلَةٍ ، قَالَهُ فِي الْوَسِيلَةِ ، لَا بِاعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى جَهَالَةٍ بِلَا اسْتِحْلَالٍ وَلَا رَدٍّ لِكِتَابِ اللَّهِ حُدَّ ، فَلَوْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ فَيُتَوَجَّهُ فِي حَدِّ رِوَايَتَا مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ " ، انْتَهَى .
قَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ ، فَكَذَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ .

وَمَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ فَنَصُّهُ : يَفْسُقُ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : كَرِهَهُ الْعُلَمَاءُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُقَلِّدٍ ، وَيُتَوَجَّهُ أَيْضًا تَخْرِيجُ مِمَّنْ تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُخْتَلَفًا فِيهِ لَا يُعِيدُ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَيُتَوَجَّهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَمْ يُنْقَضْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ ، وَقِيلَ : لَا يَفْسُقُ إلَّا الْعَالِمُ مَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ فَرَاوِيَتَانِ ( م 3 )
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ ، فَنَصَّهُ : يَفْسُقُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي : غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُقَلِّدٍ ، وَيُتَوَجَّهُ أَيْضًا تَخْرِيجٌ مِمَّنْ تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُخْتَلَفًا فِيهِ لَا يُعِيدُ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَيُتَوَجَّهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَمْ يَنْقُصْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ ، وَقِيلَ : لَا يَفْسُقُ إلَّا الْعَالِمُ مَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ فَرِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
الْمَنْصُوصُ وَهُوَ كَوْنُهُ يَفْسُقُ هُوَ الصَّحِيحُ ، مِنْ الْمُذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ .
( وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَفْسُقُ إلَّا الْعَالِمُ ، مَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ ، فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ، وَلِقُوَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ ، فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا يَفْسُقُ الْجَاهِلُ وَلَا الْعَالِمُ مَعَ قُوَّةِ الدَّلِيلِ ، وَمَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ فِي فِسْقِهِ رِوَايَتَانِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ : وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي فِسْقِ مَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ رِوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ قَوِيَ دَلِيلٌ أَوْ كَانَ عَامِّيًّا ، فَلَا ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : كَذَا قَالَ : فَرَدَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي أُصُولِهِ .

وَأَمَّا لُزُومُ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ ( م 4 ) وَفِي اللُّزُومِ طَاعَةُ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَقَالَ : جَوَازُهُ فِيهِ مَا فِيهِ ، قَالَ : وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ، وَإِنْ قَالَ يَنْبَغِي كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا ، قَالَ : وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمُ وَأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ ، بِلَا نِزَاعٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : فِي هَذِهِ الْحَالِ يَجُوزُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ أَيْضًا : بَلْ يَجِبُ ، وَأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ .

( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ " وَأَمَّا لُزُومُ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعِ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ .
وَعَدَمُهُ أَشْهُرُ " ، انْتَهَى .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يُوجِبُونَ ذَلِكَ ، نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى يَلْزَمُ كُلَّ مُقَلِّدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ : فِي الْأَشْهَرِ ، فَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَ أَهْلِهِ ، وَقِيلَ : بَلَى ، وَقِيلَ : ضَرُورَةٌ ، فَإِنْ الْتَزَمَ بِمَا يُفْتَى بِهِ أَوْ عَمِلَ أَوْ ظَنَّهُ حَقًّا أَوْ لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ لَزِمَهُ قَبُولُهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ : وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ : هَلْ يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ ، إلَى غَيْرِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقَالَ : عَدَمُ اللُّزُومِ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، فَيُخَيَّرُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَدَمُ اللُّزُومِ " ، انْتَهَى .
وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ مَنْعَ الِانْتِقَالِ فِيمَا عَمِلَ بِهِ ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ : يَجْتَهِدُ فِي أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ فَيَتَّبِعُهُ ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32