الكتاب : مجموع الفتاوى
المؤلف : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

فُلَانًا رَوَاهُ وَأَنَّ مَا يُرْوَى عَنْهُ لِاتِّصَالِ الرِّوَايَةِ فَالْقُرْبُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْبُعْدِ فَهَذَا فَائِدَةُ الْإِجَازَةِ . وَمَنَاطُ الْأَمْرِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ لِلصِّحَّةِ وَالرِّوَايَةِ الْمُحَصِّلَةِ لِلْعِلْمِ وَبَيْنَ الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ لِلرِّوَايَةِ وَالرِّوَايَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْإِسْنَادِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَسُئِلَ :
عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : حَدِيثٌ حَسَنٌ أَوْ مُرْسَلٌ أَوْ غَرِيبٌ وَجَمْعِ التِّرْمِذِيِّ بَيْنَ الْغَرِيبِ وَالصَّحِيحِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ؟ وَهَلْ فِي الْحَدِيثِ مُتَوَاتِرٌ لَفْظًا وَمَعْنًى ؟ وَهَلْ جُمْهُورُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تُفِيدُ الْيَقِينَ أَوْ الظَّنَّ ؟ وَمَا هُوَ شَرْطُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ؛ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَقَالُوا : عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ؟
فَأَجَابَ : أَمَّا الْمُرْسَلُ مِنْ الْحَدِيثِ : أَنْ يَرْوِيَهُ مِنْ دُونِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَذْكُرُ عَمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ . ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُسَمِّي مُرْسَلًا إلَّا مَا أَرْسَلَهُ التَّابِعِيَّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُدُّ مَا أَرْسَلَهُ غَيْرُ التَّابِعِيِّ مُرْسَلًا . وَكَذَلِكَ مَا يَسْقُطُ مِنْ إسْنَادِهِ رَجُلٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِاسْمِ الْمُنْقَطِعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْرِجُهُ فِي اسْمِ الْمُرْسَلِ كَمَا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مُرْسَلٍ مُنْقَطِعًا وَهَذَا كُلُّهُ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ .

وَأَمَّا الْغَرِيبُ : فَهُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا كَحَدِيثِ : { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } { و نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ } وَحَدِيثِ { أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ } فَهَذِهِ صِحَاحٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهِيَ غَرِيبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَالْأَوَّلُ إنَّمَا ثَبَتَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التيمي عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ الليثي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالثَّانِي إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالثَّالِثُ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْغَرَائِبِ ضَعِيفَةٌ .
وَأَمَّا الْحَسَنُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ : مَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ وَلَا هُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . فَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ الَّتِي شَرَطَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَسَنِ لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : قَدْ سُمِّيَ حَسَنًا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِثْلَ حَدِيثٍ يَقُولُ فِيهِ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَقَدْ سَمَّاهُ حَسَنًا وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا . لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْ تَابِعِيٍّ وَاحِدٍ لَكِنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَصَارَ حَسَنًا لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَهُوَ فِي أَصْلِهِ غَرِيبٌ . وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ الْحَسَنُ الْغَرِيبُ قَدْ يَكُونُ لِأَنَّهُ رُوِيَ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ غَرِيبٍ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الرَّاوِي الْأَصْلِيِّ بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ وَطَرِيقٍ آخَرَ

فَيَصِيرُ بِذَلِكَ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَلَيْسَ فِيهَا مُتَّهَمٌ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فَهَذَا صَحِيحٌ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ الطَّرِيقَيْنِ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ فَهَذَا حَسَنٌ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبَ الْإِسْنَادِ فَلَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَهُوَ حَسَنُ الْمَتْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ : وَفِي الْبَابِ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَيَكُونُ لِمَعْنَاهُ شَوَاهِدُ تُبَيِّنُ أَنَّ مَتْنَهُ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ غَرِيبًا . وَإِذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ : إنَّهُ صَحِيحٌ ؛ فَيَكُونُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ حَسَنٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الصِّحَّةُ وَالْحُسْنُ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ . وَإِنْ كَانَ هُوَ صَحِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَقَدْ يَكُونُ صَحِيحًا غَرِيبًا وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي اجْتِمَاعِ الْحَسَنِ وَالْغَرِيبِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا حَسَنًا ثُمَّ صَارَ حَسَنًا وَقَدْ يَكُونُ حَسَنًا غَرِيبًا كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ . وَأَمَّا الْمُتَوَاتِرُ فَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ : أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ بَلْ إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ عَنْ إخْبَارِ الْمُخْبِرِينَ كَانَ الْخَبَرُ مُتَوَاتِرًا وَكَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْعِلْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُخْبِرِينَ بِهِ . فَرُبَّ عَدَدٌ قَلِيلٌ أَفَادَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ بِمَا يُوجِبُ صِدْقَهُمْ وَأَضْعَافُهُمْ لَا يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ إذَا احْتَفَتْ بِهِ قَرَائِنُ تُفِيدُ الْعِلْمَ .

وَعَلَى هَذَا فَكَثِيرٌ مِنْ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مُتَوَاتِرُ اللَّفْظِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يَعْلَمُ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ عِلْمًا قَطْعِيًّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ تَارَةً لِتَوَاتُرِهِ عِنْدَهُمْ وَتَارَةً لِتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ . وَخَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ يُوجِبُ الْعِلْمَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ كالإسفراييني وَابْنِ فورك ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ ؛ لَكِنْ لَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى تَلَقِّيهِ بِالتَّصْدِيقِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْفِقْهِ عَلَى حُكْمٍ مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إلَى ظَاهِرٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ خَبَرِ وَاحِدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ يَصِيرُ قَطْعِيًّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِقَطْعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ فَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَجْمَعُونَ عَلَى تَحْلِيلِ حَرَامٍ وَلَا تَحْرِيمِ حَلَالٍ كَذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يُجْمِعُونَ عَلَى التَّصْدِيقِ بِكَذِبِ وَلَا التَّكْذِيبِ بِصِدْقِ . وَتَارَةً يَكُونُ عِلْمُ أَحَدِهِمْ لِقَرَائِنَ تَحْتَفِ بِالْأَخْبَارِ تُوجِبُ لَهُمْ الْعِلْمَ وَمَنْ عَلِمَ مَا عَلِمُوهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا حَصَلَ لَهُمْ .

فَصْلٌ :
وَأَمَّا " شَرْطُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " فَلِهَذَا رِجَالٌ يُرْوَى عَنْهُمْ يَخْتَصُّ بِهِمْ وَلِهَذَا رِجَالٌ يُرْوَى عَنْهُمْ يَخْتَصُّ بِهِمْ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي رِجَالٍ آخَرِينَ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّفَقَا عَلَيْهِمْ عَلَيْهِمْ مَدَارُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ . وَقَدْ يَرْوِي أَحَدُهُمْ عَنْ رَجُلٍ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ دُونَ الْأَصْلِ وَقَدْ يَرْوِي عَنْهُ مَا عَرَفَهُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ وَلَا يَرْوِي مَا انْفَرَدَ بِهِ وَقَدْ يَتْرُكُ مِنْ حَدِيثِ الثِّقَةِ مَا عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ عِلَلِ الْحَدِيثِ عِلْمٌ شَرِيفٌ يَعْرِفُهُ أَئِمَّةُ الْفَنِّ : كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ وَالدَّارَقُطْنِي وَغَيْرِهِمْ . وَهَذِهِ عُلُومٌ يَعْرِفُهَا أَصْحَابُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَسُئِلَ :
مَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ : هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحِ ؟ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ وَجْهَانِ فَهَلْ يُبَاحُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدَهُمَا ؟ أَمْ كَيْفَ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ ؟ .
فَأَجَابَ :
الْعَالِمُ قَدْ يَقُولُ : لَيْسَ بِصَحِيحِ أَيْ : هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ فِي الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ مِثْلُ الَّذِي رَوَاهُ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةِ : إمَّا لِسُوءِ حِفْظِهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ عَدَالَتِهِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ يَظْهَرُ لَهُ رُجْحَانُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا قَلَّدَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ فِي بَيَانِ أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ .

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
الْخَبَرُ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ أَوَّلًا :
الْأَوَّلُ : مَا عَلِمَ صِدْقُهُ وَهُوَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ بِانْضِمَامِ الْقَرَائِنِ إلَيْهِ : إمَّا رِوَايَةُ مَنْ لَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ تَعَمُّدَهُمْ وَتَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ احْتِفَافُ قَرَائِنَ بِهِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : ضَرُورِيٌّ لَيْسَ لِلنَّفْسِ فِي حُصُولِهِ كَسْبٌ وَ . . . (1) وَمِنْهُ مَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ أَوْ اسْتَنَدُوا إلَيْهِ فِي الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاطِلًا [ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ لِامْتِنَاعِ ] (2) اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْخَطَأِ وَهُوَ . . .(3) وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ بِنَفْسِهِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ كَالْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قِيَاسٍ وَاجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ و . . . (4) الْمُخْتَلَفُ هُوَ فِي نَفْسِهِ ظَنِّيٌّ فَكَيْفَ يَنْقَلِبُ قَطْعِيًّا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الظَّنَّ وَالْقَطْعَ مِنْ عَوَارِضِ اعْتِقَادِ النَّاظِرِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْخَبَرُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَكْتَسِبْ صِفَةً . الثَّانِي : مَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ أَوْ بِتَكْذِيبِ الْعَقْلِ الصَّرِيحِ أَوْ الْكِتَابِ أَوْ

السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ أَقْسَامِ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ وَهُوَ كَثِيرٌ أَوْ بِقَرَائِنَ وَالْقَرَائِنُ فِي الْبَابَيْنِ لَا تَحْصُلُ مُحَقَّقَةً إلَّا لِذِي دِرَايَةٍ بِهَذَا الشَّأْنِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُمْ جَهَلَةٌ بِهِ . الثَّالِثُ : الْمُحْتَمَلُ وَيَنْقَسِمُ إلَى مُسْتَفِيضٍ وَغَيْرِهِ وَلَهُ دَرَجَاتٌ فَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ الصِّدِّيقُ وَالْفَارُوقُ لَا يُسَاوِي مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمَا مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ وَقَلِيلِ الصُّحْبَةِ .
فَصْلٌ :
الْخَطَأُ فِي الْخَبَرِ يَقَعُ مِنْ الرَّاوِي إمَّا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا ؛ وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي الرَّاوِي الْعَدَالَةُ لِنَأْمَنَ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَالْحِفْظِ وَالتَّيَقُّظِ لِنَأْمَنَ مِنْ السَّهْوِ . وَالسُّهُولَةُ أَسْبَابٌ : أَحَدُهَا : الِاشْتِغَالُ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَنْضَبِطُ لَهُ كَكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ . وَثَانِيهَا : الْخُلُوُّ عَنْ مَعْرِفَةِ هَذَا الشَّأْنِ .

وَثَالِثُهَا : التَّحْدِيثُ مِنْ الْحِفْظِ ؛ فَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَضْبِطُ ذَلِكَ . وَرَابِعُهَا : أَنْ يُدْخِلَ فِي حَدِيثِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَيُزَوِّرَ عَلَيْهِ . وَخَامِسُهَا : أَنْ يَرْكَنَ إلَى الطَّلَبَةِ فَيُحَدِّثُ بِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِهِ . وَسَادِسُهَا : الْإِرْسَالُ وَرُبَّمَا كَانَ الرَّاوِي لَهُ غَيْرِ مَرْضِيٍّ . وَسَابِعُهَا : التَّحْدِيثُ مِنْ كِتَابٍ ؛ لِإِمْكَانِ اخْتِلَافِهِ . فَلِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَغَيْرِهَا اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي حَافِظًا ضَابِطًا مَعَهُ مِنْ الشَّرَائِطِ مَا يُؤْمَنُ مَعَهُ كَذِبُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ وَرُبَّمَا كَانَ لَا يَسْهُو ثُمَّ وَقَعَ لَهُ السَّهْوُ فِي الْآخَرِ مِنْ حَدِيثِهِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَزِلُّ وَلَا يَسْهُو وَذَلِكَ يَعْرِفُهُ أَرْبَابُ هَذَا الشَّأْنِ بِرِوَايَةِ النُّظَرَاءِ وَالْأَقْرَانِ وَرُبَّمَا كَانَ مُغَفَّلًا وَاقْتَرَنَ بِحَدِيثِهِ مَا يُصَحِّحُهُ كَقَرَائِنَ تُبَيِّنُ أَنَّهُ حَفِظَ مَا حَدَّثَ بِهِ وَإِنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ فِي الْجَمِيعِ . وَتَعَمُّدُ الْكَذِبِ لَهُ أَسْبَابٌ : أَحَدُهَا : الزَّنْدَقَةُ وَالْإِلْحَادُ فِي دِينِ اللَّهِ { وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } . وَثَانِيهَا : نُصْرَةُ الْمَذَاهِبِ وَالْأَهْوَاءِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعُ وَالْوَسَائِطِ .

وَثَالِثُهَا : التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ لِمَنْ يَظُنُّ جَوَازَ ذَلِكَ . وَرَابِعُهَا : الْأَغْرَاضُ الدُّنْيَوِيَّةُ لِجَمْعِ الْحُطَامِ . وَخَامِسُهَا : حُبُّ الرِّيَاسَةِ بِالْحَدِيثِ الْغَرِيبِ .
فَصْلٌ :
الرَّاوِي إمَّا أَنْ تُقْبَلَ رِوَايَتُهُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا فَأَمَّا الْمَقْبُولُ إطْلَاقًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَأْمُونَ الْكَذِبِ بِالْمَظِنَّةِ وَشَرْطُ ذَلِكَ الْعَدَالَةُ وَخُلُوُّهُ عَنْ الْأَغْرَاضِ وَالْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يُظَنُّ مَعَهَا جَوَازُ الْوَضْعِ وَأَنْ يَكُونَ مَأْمُونَ السَّهْوِ بِالْحِفْظِ وَالضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِنِ وَلِكُلِّ حَدِيثٍ ذَوْقٌ وَيَخْتَصُّ بِنَظَرِ لَيْسَ لِلْآخَرِ .
فَصْلٌ :
كَمْ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحِ الِاتِّصَالِ ثُمَّ يَقَعُ فِي أَثْنَائِهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فَرُبَّ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ تُحِيلُ الْمَعْنَى وَنَقْصِ أُخْرَى كَذَلِكَ وَمَنْ مَارَسَ هَذَا الْفَنَّ لَمْ يَكَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مَوَاقِعُ ذَلِكَ وَلِتَصْحِيحِ الْحَدِيثِ وَتَضْعِيفِهِ أَبْوَابَ تَدْخُلُ وَطُرُقٌ تُسْلَكُ وَمَسَالِكُ تُطْرَقُ .

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
فَصْلٌ :
وَأَمَّا عِدَّةُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَفْظُ الْمُتَوَاتِرِ : يُرَادُ بِهِ مَعَانٍ ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُسَمِّي مُتَوَاتِرًا إلَّا مَا رَوَاهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ يَكُونُ الْعِلْمُ حَاصِلًا بِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ فَقَطْ وَيَقُولُونَ : إنَّ كُلَّ عَدَدٍ أَفَادَ الْعِلْمَ فِي قَضِيَّةٍ أَفَادَ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْعِلْمَ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ . وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ : أَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ تَارَةً وَقَدْ يَحْصُلُ بِصِفَاتِهِمْ لِدِينِهِمْ وَضَبْطِهِمْ وَقَدْ يَحْصُلُ بِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِالْخَبَرِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِطَائِفَةِ دُونَ طَائِفَةٍ . وَأَيْضًا فَالْخَبَرُ الَّذِي تَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ عَمَلًا بِمُوجَبِهِ يُفِيدُ الْعِلْمَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ وَهَذَا فِي مَعْنَى الْمُتَوَاتِرِ ؛ لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّيه الْمَشْهُورَ وَالْمُسْتَفِيضَ وَيُقَسِّمُونَ الْخَبَرَ إلَى مُتَوَاتِرٍ

وَمَشْهُورٍ وَخَبَرٍ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَكْثَرُ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مَعْلُومَةٌ مُتْقَنَةٌ تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهَا وَإِجْمَاعُهُمْ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ كَمَا أَنَّ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْأَحْكَامِ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ وَلَوْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُكْمٍ كَانَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ أَحَدِهِمْ خَبَرَ وَاحِدٍ أَوْ قِيَاسًا أَوْ عُمُومًا فَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ خَبَرٍ أَفَادَ الْعِلْمَ وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ ؛ لَكِنَّ إجْمَاعَهُمْ مَعْصُومُ عَنْ الْخَطَأِ . ثُمَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهَا قَدْ تَتَوَاتَرُ وَتَسْتَفِيضُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِهَا لِبَعْضِهِمْ لِعِلْمِهِ بِصِفَاتِ الْمُخْبِرِينَ وَمَا اقْتَرَنَ بِالْخَبَرِ مِنْهُ الْقَرَائِنُ الَّتِي تُفِيدُ الْعِلْمَ كَمَنْ سَمِعَ خَبَرًا مِنْ الصِّدِّيقِ أَوْ الْفَارُوقِ يَرْوِيه بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَدْ كَانُوا شَهِدُوا مِنْهُ مَا شَهِدَ وَهُمْ مُصَدِّقُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهُمْ مُقِرُّونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } هُوَ مِمَّا تَلَقَّاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ وَلَيْسَ هُوَ فِي أَصْلِهِ مُتَوَاتِرًا ؛ بَلْ هُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ لَكِنْ لَمَّا تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ صَارَ مَقْطُوعًا بِصِحَّتِهِ . وَفِي السُّنَنِ أَحَادِيثُ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثِ } فَإِنَّ هَذَا مِمَّا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ وَهُوَ فِي السُّنَنِ لَيْسَ فِي الصَّحِيحِ .

وَأَمَّا عَدَدُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّوَاتُرُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ لَهُ عَدَدًا مَحْصُورًا ثُمَّ يُفَرِّقُ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ : أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَقِيلَ : اثْنَا عَشَرَ وَقِيلَ : أَرْبَعُونَ وَقِيلَ : سَبْعُونَ وَقِيلَ : ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ . وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بَاطِلَةٌ لِتَكَافُئِهَا فِي الدَّعْوَى . وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ : أَنَّ التَّوَاتُرَ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِخَبَرِ مِنْ الْأَخْبَارِ يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ ضَرُورَةً كَمَا يَحْصُلُ الشِّبَعُ عَقِيبَ الْأَكْلِ وَالرِّيِّ عِنْدَ الشُّرْبِ وَلَيْسَ لَمَّا يَشْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ وَيَرْوِيه قَدْرٌ مُعَيَّنٌ ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ الشِّبَعُ لِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَقَدْ يَكُونُ لِجَوْدَتِهِ كَاللَّحْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِاسْتِغْنَاءِ الْآكِلِ بِقَلِيلِهِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ لِاشْتِغَالِ نَفْسِهِ بِفَرَحِ أَوْ غَضَبٍ ؛ أَوْ حُزْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ . كَذَلِكَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَقِيبَ الْخَبَرِ تَارَةً يَكُونُ لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ وَإِذَا كَثُرُوا فَقَدْ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا . وَتَارَةً يَكُونُ لِدِينِهِمْ وَضَبْطِهِمْ . فَرُبَّ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَحْصُلُ مِنْ الْعِلْمِ بِخَبَرِهِمْ مَا لَا يَحْصُلُ بِعَشَرَةِ وَعِشْرِينَ لَا يُوثَقُ بِدِينِهِمْ وَضَبْطِهِمْ وَتَارَةً قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمُخْبِرِينَ أَخْبَرَ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْآخَرُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَاطَآ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ الِاتِّفَاقُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِثْلَ مَنْ يَرْوِي حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ فُصُولٌ وَيَرْوِيه آخَرُ لَمْ يَلْقَهُ . وَتَارَةً يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ لِمَنْ عِنْدُهُ الْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ وَالْعِلْمُ بِأَحْوَالِ الْمُخْبِرِينَ وَبِمَا أَخْبَرُوا بِهِ

مَا لَيْسَ لِمَنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ . وَتَارَةً يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ لِكَوْنِهِ رُوِيَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ شَارَكُوا الْمُخْبِرَ فِي الْعِلْمِ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ الْكَثِيرَةَ قَدْ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكِتْمَانِ كَمَا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ . وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْعِلْمَ بِأَخْبَارِ الْمُخْبِرِينَ لَهُ أَسْبَابٌ غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ قَيَّدَ الْعِلْمَ بِعَدَدِ مُعَيَّنٍ وَسَوَّى بَيْنَ جَمِيعِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا ؛ وَلِهَذَا كَانَ التَّوَاتُرُ يَنْقَسِمُ إلَى : عَامٍّ ؛ وَخَاصٍّ فَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ قَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ مِنْ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَحَمْلِ الْعَاقِلَةِ الْعَقْلَ وَرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ ؛ وَأَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ؛ وَالْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ ؛ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ قَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ لِقَوْمِ دُونَ قَوْمٍ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ وَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ الَّذِينَ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهِ كَمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمُوا الْأَحْكَامَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا إلَى مَنْ أَجْمَعَ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَصَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ إجْمَاعُهَا بِأَنْ يُسَلِّمَ غَيْرُ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ ؛ إذْ غَيْرُ الْعَالِمِ لَا يَكُونُ لَهُ قَوْلٌ وَإِنَّمَا الْقَوْلُ لِلْعَالِمِ فَكَمَا أَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فَمَنْ لَا يَعْرِفُ طُرُقَ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ بَلْ عَلَى كُلِّ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمِ أَنْ يَتْبَعَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ .

وَقَالَ أَيْضًا : (*)
فِي الرَّدِّ عَلَى بَعْضِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْكَلَامِ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَذَمُّوهُمْ بِقِلَّةِ الْفَهْمِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ الْحَدِيثِ وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِهِ مِنْ ضَعِيفِهِ وَيَفْتَخِرُونَ عَلَيْهِمْ بِحِذْقِهِمْ وَدِقَّةِ عُلُومِهِمْ فِيهَا فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - :
لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي بَعْضِهِمْ يَحْتَجُّونَ بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ وَآثَارٍ مُفْتَعَلَةٍ وَحِكَايَاتٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَيَذْكُرُونَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مَا لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ هَذَا عَجَائِبَ ؛ لَكِنَّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْمِلَلِ فَكُلُّ شَرٍّ فِي بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ فِي غَيْرِهِمْ أَكْثَرُ وَكُلُّ خَيْرٍ يَكُونُ فِي غَيْرِهِمْ فَهُوَ فِيهِمْ أَعْظَمُ وَهَكَذَا أَهْلُ الْحَدِيثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ وَبِإِزَاءِ تَكَلُّمِ أُولَئِكَ بِأَحَادِيثَ لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهَا تَكَلَّفَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَد : ضَعِيفُ الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ الرَّأْيِ وَقَدْ أَمَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو ابْنُ الصَّلَاحِ بِانْتِزَاعِ مَدْرَسَةٍ مَعْرُوفَةٍ

مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْآمِدِيَّ وَقَالَ : أَخْذُهَا مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ أَخْذِ عَكَّا . مَعَ أَنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ أَكْثَرَ تَبَحُّرًا فِي الْفُنُونِ الْكَلَامِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ مِنْهُ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ إسْلَامًا وَأَمْثَلِهِمْ اعْتِقَادًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأُمُورَ الدَّقِيقَةَ - سَوَاءٌ كَانَتْ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا ؛ إيمَانًا أَوْ كُفْرًا - لَا تُدْرَكُ إلَّا بِذَكَاءِ وَفِطْنَةٍ ؛ فَلِذَلِكَ يستجهلون مَنْ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي عِلْمِهِمْ وَإِنْ كَانَ إيمَانُهُ أَحْسَنَ مِنْ إيمَانِهِمْ ؛ إذَا كَانَ مِنْهُ قُصُورٌ فِي الذَّكَاءِ وَالْبَيَانِ وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } { وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } الْآيَاتِ . فَإِذَا تَقَلَّدُوا عَنْ طَوَاغِيتِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهَذِهِ الطُّرُقِ الْقِيَاسِيَّةِ لَيْسَ بِعِلْمِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لِكَثِيرِ مِنْهُمْ مِنْهَا مَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ فَيَكُونُ كَافِرًا زِنْدِيقًا ؛ مُنَافِقًا جَاهِلًا ؛ ضَالًّا مُضِلًّا ظَلُومًا كَفُورًا وَيَكُونُ مِنْ أَكَابِرِ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ وَمُنَافِقِي الْمِلَّةِ مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ } وَقَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ وَيَكُونُ مُرْتَدًّا : إمَّا عَنْ أَصْلِ الدِّينِ أَوْ بَعْضِ شَرَائِعِهِ إمَّا رِدَّةَ نِفَاقٍ وَإِمَّا رِدَّةَ كُفْرٍ وَهَذَا كَثِيرٌ غَالِبٌ ؛ لَا سِيَّمَا فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ الَّتِي تَغْلِبُ فِيهَا الْجَاهِلِيَّةُ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ فَهَؤُلَاءِ مِنْ عَجَائِبِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالضَّلَالِ مَا لَا يَتَّسِعُ لِذِكْرِهِ الْمَقَالُ .

وَإِذَا كَانَ فِي الْمَقَالَاتِ الْخَفِيَّةِ فَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ فِيهَا مُخْطِئٌ ضَالٌّ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ صَاحِبُهَا لَكِنْ ذَلِكَ يَقَعُ فِي طَوَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَعْلَمُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِهَا وَكَفَرَ مَنْ خَالَفَهَا مِثْلَ أَمْرِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَهْيِهِ عَنْ عِبَادَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ : مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمِثْلَ مُعَادَاةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَمِثْلَ تَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ وَالرِّبَا وَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . ثُمَّ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ رُءُوسِهِمْ وَقَعُوا فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَكَانُوا مُرْتَدِّينَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتُوبُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَعُودُونَ كَرُءُوسِ الْقَبَائِل مِثْلَ : الْأَقْرَعِ وعُيَيْنَة وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ فَفِيهِمْ مَنْ كَانَ يُتَّهَمُ بِالنِّفَاقِ وَمَرَضِ الْقَلْبِ وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَكَثِيرٌ مِنْ رُءُوسِ هَؤُلَاءِ هَكَذَا تَجِدُهُ تَارَةً يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ رِدَّةً صَرِيحَةً وَتَارَةً يَعُودُ إلَيْهَا وَلَكِنْ مَعَ مَرَضٍ فِي قَلْبِهِ وَنِفَاقٍ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ حَالٌ ثَالِثَةٌ يَغْلِبُ الْإِيمَانُ فِيهَا النِّفَاقَ لَكِنْ قَلَّ أَنْ يَسْلَمُوا مِنْ نَوْعِ نِفَاقٍ وَالْحِكَايَاتُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ مَشْهُورَةٌ . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ ذَلِكَ طَرَفًا فِي أَوَّلِ " مُخْتَلَفِ الْحَدِيثِ " وَقَدْ حَكَى أَهْلُ الْمَقَالَاتِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا كَمَا يَذْكُرُهُ

أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَانِي وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرَستَانِي وَغَيْرُهُمْ . وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُصَنِّفُ فِي دِينِ الْمُشْرِكِينَ وَالرِّدَّةِ عَنْ الْإِسْلَامِ كَمَا صَنَّفَ الرَّازِي كِتَابَهُ فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَأَقَامَ الْأَدِلَّةَ عَلَى حُسْنٍ ذَلِكَ وَمَنْفَعَتِهِ وَرَغَّبَ فِيهِ وَهَذِهِ رِدَّةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَجَمِيعُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ لَا يَكْفِي فِي النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ مُوَصِّلًا لِنَعِيمِ الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ } الْآيَتَيْنِ وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } إلَى آخِرِ السُّورَةِ فَأَخْبَرَ هُنَا بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْأَعْرَافِ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَ اللَّهِ وَحَّدُوا اللَّهَ وَتَرَكُوا الشِّرْكَ فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ . وَهُوَ كَافِرٌ بِالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ : أَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ : { قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ } الْآيَةُ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ } الْآيَتَيْنِ . وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ يُبَيِّنُ أَنَّ الرُّسُلَ أُمِرُوا بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنُهُوا عَنْ عِبَادَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ سِوَاهُ وَأَنَّ

أَهْل السَّعَادَةِ هُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ هَمّ أَهْلُ الشَّقَاوَةِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالرُّسُلِ مُشْرِكُونَ فَعُلِمَ أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ بِالرُّسُلِ مُتَلَازِمَانِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَالثَّلَاثَةُ مُتَلَازِمَةٌ ؛ وَلِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . وَأَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الرِّسَالَةَ عَمَّتْ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ ؛ فَهَذِهِ الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ : تَوْحِيدُ اللَّهِ وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ أُمُورٌ مُتَلَازِمَةٌ ؛ وَلِهَذَا قَالَ - سُبْحَانَهُ - : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ } إلَى قَوْلِهِ : { وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ لَهُمْ أَعْدَاءٌ وَهُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ الْمُزَخْرَفَ وَهُوَ : الْمُزَيَّنُ الْمُحَسَّنُ يُغْرُونَ بِهِ وَالْغُرُورُ : التَّلْبِيسُ وَالتَّمْوِيهُ وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ كَلَامٍ وَكُلِّ عَمَلٍ يُخَالِفُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ أَمْرِ الْمُتَكَلِّمَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين ثُمَّ قَالَ : { وَلِتَصْغَى إلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } فَعَلِمَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الرُّسُلِ وَتَرْكَ الْإِيمَانِ بِالْآخِرَةِ مُتَلَازِمَانِ فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْآخِرَةِ أَصْغَى إلَى زُخْرُفِ أَعْدَائِهِمْ فَخَالَفَ الرُّسُلَ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي أَصْنَافِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغَيْرِهَا ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ } إلَى قَوْلِهِ : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ

يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ } فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكُوا الْكِتَابَ وَهُوَ الرِّسَالَةُ يَقُولُونَ إذَا جَاءَ تَأْوِيلُهُ - وَهُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ - جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ . وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } . . الْآيَتَيْنِ أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكُوا اتِّبَاعَ آيَاتِهِ يُصِيبُهُمْ مَا ذَكَرَ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَصْلَ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ هُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ؛ وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ فِي حِكْمَتِهِمْ لَيْسَ فِيهَا الْأَمْرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالنَّهْيُ عَنْ عِبَادَةِ الْمَخْلُوقَاتِ بَلْ كُلُّ شِرْكٍ فِي الْعَالَمِ إنَّمَا حَدَثَ بِرَأْيِ جِنْسِهِمْ فَهُمْ الْآمِرُونَ بِالشِّرْكِ وَالْفَاعِلُونَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالشِّرْكِ مِنْهُمْ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ بَلْ يُقِرُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ رَجَّحَ الْمُوَحِّدِينَ تَرْجِيحًا مَا فَقَدْ يُرَجِّحُ غَيْرُهُ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ يُعْرِضُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا . فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ نَافِعٌ جِدًّا . وَقَدْ رَأَيْت مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْمَلَائِكَةِ وَعِبَادَةِ الْأَنْفُسِ الْمُفَارِقَةِ : أَنْفُسِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ مَا هُوَ أَصْلُ الشِّرْكِ وَهُمْ إذَا ادَّعَوْا التَّوْحِيدَ فَإِنَّمَا تَوْحِيدُهُمْ بِالْقَوْلِ لَا بِالْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ وَالتَّوْحِيدِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّوْحِيدِ بِإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُونَهُ .

وَالتَّوْحِيدُ الَّذِي يَدَّعُونَهُ إنَّمَا هُوَ تَعْطِيلُ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَفِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْإِشْرَاكِ ؛ فَلَوْ كَانُوا مُوَحِّدِينَ بِالْقَوْلِ وَالْكَلَامِ وَهُوَ : أَنْ يَصِفُوا اللَّهَ بِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ رُسُلُهُ لَكَانَ مَعَهُمْ التَّوْحِيدُ دُونَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَيَتَّخِذُوهُ إلَهًا دُونَ مَا سِوَاهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ : " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَكَيْفَ وَهُمْ فِي الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ مُعَطِّلُونَ جَاحِدُونَ لَا مُوَحِّدُونَ وَلَا مُخْلِصُونَ فَإِذَا كَانَ مَا تَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ وَالنَّجَاةُ مِنْ الشَّقَاوَةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَصْلًا كَانَ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالسِّيَاسَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا . وَالْقَوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ وَفِيهِمْ زُهْدٌ وَأَخْلَاقٌ فَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنَّمَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَالْإِرَادَةِ فَاَلَّذِي يُؤْتَى فَضَائِلَ عِلْمِيَّةٍ وَإِرَادِيَّةٍ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤْتَى قُوَّةً فِي جِسْمِهِ وَبَدَنِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ . وَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ قَدْ يُعَارِضُونَ الرُّسُلَ ،

وَقَدْ يُتَابِعُونَهُمْ ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَذَكَرَ فِرْعَوْنَ ؛ وَاَلَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ؛ وَالْمَلَأَ مِنْ قَوْمٍ نُوحٍ وَعَادٍ وَغَيْرَهُمْ وَذَكَرَ قَوْلَ عُلَمَائِهِمْ كَقَوْلِهِ : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } وَقَالَ : { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } إلَى قَوْلِهِ : { وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } إلَى قَوْلِهِ : { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ } الْآيَةَ . وَالسُّلْطَانُ : هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ : " حم غَافِرُ " مِنْ حَالِ مُخَالِفِي الرُّسُلِ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَمُجَادَلَتِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ مِثْلَ قَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } وَمِثْلَ قَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ } إلَى قَوْلِهِ : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } . وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَعَامَّةِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ ؛ فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ هَؤُلَاءِ وَضَرْبِ الْمَقَايِيسِ وَالْأَمْثَالِ لَهُمْ وَذِكْرِ قَصَصِهِمْ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ مَعَهُمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ - سُبْحَانَهُ - : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً } . . الْآيَةَ . فَأَخْبَرَ بِمَا مُكِّنُوا فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ

الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا حَيْثُ جَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَالرِّسَالَةِ ؛ وَلِهَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ الشَّيْخِ الْفَقِيه الْخُضَرِيّ (*) عَنْ وَالِدِهِ شَيْخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَنِهِ قَالَ : كَانَ فُقَهَاءُ بخارى يَقُولُونَ فِي ابْنِ سِينَا : { كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ وَالْقُوَّةُ تَعُمُّ قُوَّةَ الْإِدْرَاكِ النَّظَرِيَّةِ وَقُوَّةَ الْحَرَكَةِ الْعَمَلِيَّةِ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً } فَأَخْبَرَ بِفَضْلِهِمْ فِي الْكُمِّ وَالْكَيْفِ وَأَنَّهُمْ أَشَدَّ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي آثَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ . وَقَدْ قَالَ - سُبْحَانَهُ - عَنْ أَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ الْمُخَالِفِينَ لِلرُّسُلِ : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } إلَى قَوْلِهِ : { وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ } وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ يُذْكَرُ فِيهِ قَوْلُ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ وَأَفْعَالُهُمْ وَمَا أُوتُوهُ مِنْ قُوَى الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الَّتِي لَمْ تَنْفَعْهُمْ لَمَّا خَالَفُوا الرُّسُلَ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ وَالْمُلُوكِ مِنْ النِّفَاقِ وَالضَّلَالِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ } الْآيَةَ و ( يَصُدُّونَ ) يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا ؛ يُقَالُ : صَدَّ صُدُودًا

أَعْرَضَ كَقَوْلِهِ : { رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } وَيُقَالُ : صَدَّ غَيْرَهُ يَصُدُّهُ وَالْوَصْفَانِ يَجْتَمِعَانِ فِيهِمْ . وَمِثْلَ قَوْله تَعَالَى { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } الْآيَةَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ : رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا } فَبَيَّنَ أَنَّ فِي الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ مُؤْمِنِينَ وَمُنَافِقِينَ وَإِذَا كَانَ سَعَادَةُ الْأَوَّلِينَ والآخرين هِيَ اتِّبَاعُ الْمُرْسَلِينَ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِذَلِكَ أَعْلَمُهُمْ بِآثَارِ الْمُرْسَلِينَ وَأَتْبَعُهُمْ لِذَلِكَ فَالْعَالِمُونَ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ الْمُتَّبِعُونَ لَهَا هُمْ أَهْلُ السَّعَادَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَهُمْ الطَّائِفَةُ النَّاجِيَةُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالرُّسُلُ عَلَيْهِمْ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وَقَدْ بَلَّغُوا الْبَلَاغَ الْمُبِينَ . وَخَاتَمُ الرُّسُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَزَلَ إلَيْهِ [ الْلَّهُ ] (1) كِتَابًا مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْأَمِينُ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ وَقَدْ

بَلَّغَ أَبْيَنَ الْبَلَاغِ وَأَتَمَّهُ وَأَكْمَلَهُ وَكَانَ أَنْصَحَ الْخَلْقِ لِعِبَادِ اللَّهِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ فَأَسْعَدُ الْخَلْقِ وَأَعْظَمُهُمْ نَعِيمًا وَأَعْلَاهُمْ دَرَجَةً أَعْظَمُهُمْ اتِّبَاعًا لَهُ وَمُوَافَقَةً عِلْمًا وَعَمَلًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
فَصْلٌ :
فِي أَحَادِيثَ يَحْتَجُّ بِهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَشْيَاءَ وَهِيَ بَاطِلَةٌ :
مِنْهَا : قَوْلُهُمْ : إنَّهُ { نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُرْوَى فِي حِكَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ . وَمِنْهَا : قَوْلُهُمْ : { نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ } وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ . وَمِنْهَا : حَدِيثُ مُحَلِّلِ السِّبَاقِ إذَا أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ فَإِنَّ هَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ قَوْلِهِ : هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَغَلِطَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ فَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو دَاوُد السجستاني وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .

وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ هَذَا يَغْلَطُ فِيمَا يَرْوِيه عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَمُحَلِّلُ السِّبَاق لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِمُحَلِّلِ السِّبَاقِ وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَغَيْرِهِ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَابَقُونَ بِجُعْلِ وَلَا يُدْخِلُونَ بَيْنَهُمْ مُحَلِّلًا وَاَلَّذِينَ قَالُوا : هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ ظَنُّوا أَنَّهُ يَكُونُ قِمَارًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْمُحَلِّلِ يَخْرُجُ عَنْ شَبَهِ الْقِمَارِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوهُ بَلْ بِالْمُحَلِّلِ مِنْ . . . (1) الْمُخَاطَرَةِ وَفِي الْمُحَلِّلِ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ أَخَذَ ؛ وَإِذَا سَبَقَ لَمْ يُعْطَ وَغَيْرُهُ إذَا سَبَقَ أُعْطِيَ فَدُخُولُ الْمُحَلِّلِ ظُلْمٌ لَا تَأْتِي بِهِ الشَّرِيعَةُ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَاَللَّهِ أَعْلَمُ .

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
فَصْلٌ :
قَوْلُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ : إذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ شَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ؛ وَإِذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ؛ وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ : لَيْسَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُحْتَجُّ بِهِ ؛ فَإِنَّ الِاسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ يُحِبُّ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْإِيجَابَ أَوْ التَّحْرِيمَ ؛ وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي غَيْرِهِ بَلْ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ الْمَشْرُوعِ . وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ : أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِمَّا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ أَوْ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ؛ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ ؛ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ ؛ وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ ؛ وَكَرَاهَةِ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ

الْمُسْتَحَبَّةِ وَثَوَابِهَا وَكَرَاهَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَعِقَابِهَا : فَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَنْوَاعُهُ إذَا رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ جَازَتْ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى : أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ كَرَجُلِ يَعْلَمُ أَنَّ التِّجَارَةَ تَرْبَحُ لَكِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا تَرْبَحُ رِبْحًا كَثِيرًا فَهَذَا إنْ صَدَقَ نَفَعَهُ وَإِنْ كَذَبَ لَمْ يَضُرَّهُ ؛ وَمِثَالُ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بالإسرائيليات ؛ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ ؛ وَوَقَائِعِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ؛ لَا اسْتِحْبَابٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ؛ وَالتَّرْجِيَةِ وَالتَّخْوِيفِ . فَمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يُجَزْ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أُثْبِتَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ رُوِيَ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَلِعَدَمِ الْمَضَرَّةِ فِي كَذِبِهِ وَأَحْمَد إنَّمَا قَالَ : إذَا جَاءَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ . وَمَعْنَاهُ : أَنَّا نَرْوِي فِي ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثُوهَا مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِهِمْ . فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا الْعَمَلُ بِهَا الْعَمَلُ بِمَا فِيهَا مِنْ

الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِثْلَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالِاجْتِنَابِ لِمَا كُرِهَ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : { بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ } فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ وَمَعَ هَذَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّحْدِيثِ الْمُطْلَقِ عَنْهُمْ فَائِدَةٌ لِمَا رَخَّصَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ جَازَ تَصْدِيقُهُمْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَمَا نَهَى عَنْ تَصْدِيقِهِمْ ؛ فَالنُّفُوسُ تَنْتَفِعُ بِمَا تَظُنُّ صِدْقَهُ فِي مَوَاضِعَ . فَإِذَا تَضَمَّنَتْ أَحَادِيثُ الْفَضَائِلِ الضَّعِيفَةِ تَقْدِيرًا وَتَحْدِيدًا مِثْلَ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِقِرَاءَةِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ هَذَا الْوَصْفِ الْمُعَيَّنَ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُوِيَ فِيهِ مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ فِي السُّوقِ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بَيْنَ الْغَافِلِينَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ : { ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ بَيْنَ الشَّجَرِ الْيَابِسِ } .

فَأَمَّا تَقْدِيرُ الثَّوَابِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ ثُبُوتُهُ وَلَا عَدَمُ ثُبُوتِهِ وَفِي مِثْلِهِ جَاءَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ : { مَنْ بَلَغَهُ عَنْ اللَّهِ شَيْءٌ فِيهِ فَضْلٌ فَعَمِلَ بِهِ رَجَاءَ ذَلِكَ الْفَضْلِ أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ } . فَالْحَاصِلُ : أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ اعْتِقَادُ مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ .

وَسُئِلَ :
عَنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا عَلَى أُمُورٍ مُتَنَوِّعَةٍ فِي الْفَسَادِ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ بِالتَّوَاتُرِ ؛ إذْ التَّوَاتُرُ نَقْلُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَنْ الْجَمِّ الْغَفِيرِ ؟
فَأَجَابَ :
أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ تَوَاتُرَ حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيُقَالُ لَهُ : التَّوَاتُرُ نَوْعَانِ : تَوَاتُرٌ عَنْ الْعَامَّةِ ؛ وَتَوَاتُرٌ عَنْ الْخَاصَّةِ وَهُمْ أَهْلُ عِلْمِ الْحَدِيثِ . وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ : مَا تَوَاتَرَ لَفْظُهُ ؛ وَمَا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ . فَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالرُّؤْيَةِ وَفَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهِيَ مُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ لَفْظٌ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ مُعْجِزَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَارِجَةُ عَنْ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرَةٌ أَيْضًا وَكَذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ مُتَوَاتِرٌ أَيْضًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَعُلَمَاءُ الْحَدِيثِ يَتَوَاتَرُ عِنْدَهُمْ مَا لَا يَتَوَاتَرُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ ؛ لِكَوْنِهِمْ

سَمِعُوا مَا لَمْ يَسْمَعْ غَيْرُهُمْ وَعَلِمُوا مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ غَيْرُهُمْ وَالتَّوَاتُرُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ ؛ بَلْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَدَدًا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ كُلُّ مُخْبِرٍ وَنَفَوْا ذَلِكَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ وَتَوَقَّفُوا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَهَذَا غَلَطٌ فَالْعِلْمُ يَحْصُلُ تَارَةً بِالْكَثْرَةِ ؛ وَتَارَةً بِصِفَاتِ الْمُخْبِرِينَ ؛ وَتَارَةً بِقَرَائِنَ تَقْتَرِنُ بِأَخْبَارِهِمْ وَبِأُمُورِ أُخَرَ . وَأَيْضًا فَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَاحِدُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالِاثْنَانِ : إذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ أَفَادَ الْعَلَمَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي هَذَا : الْمُسْتَفِيضَ . وَالْعِلْمُ هُنَا حَصَلَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ ؛ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ عَلَى خَطَإِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الطَّوَائِفِ : مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ .

وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :
عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ كُتُبَ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ " كِتَابُ الْحِلْيَةِ " لَمْ يَسْمَعْهُ فَقِيلَ لَهُ : لِمَ لَا تَسْمَعُ أَخْبَارَ السَّلَفِ ؟ فَقَالَ : لَا أَسْمَعُ مِنْ كِتَابِ أَبِي نُعَيْمٍ شَيْئًا . فَقِيلَ : هُوَ إمَامٌ ثِقَةٌ شَيْخُ الْمُحَدِّثِينَ فِي وَقْتِهِ فَلِمَ لَا تَسْمَعُ وَلَا تَثِقُ بِنَقْلِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَك عَالِمُ الزَّمَانِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة فِي حَالِ أَبِي نُعَيْمٍ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَسْمَعُ مَا يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَأَرْجِعُ إلَيْهِ . فَأَرْسَلَ هَذَا السُّؤَالَ مِنْ دِمَشْقَ
فَأَجَابَ فِيهِ الشَّيْخُ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأصبهاني صَاحِبُ كِتَابِ " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " " وَتَارِيخِ أصبهان " " وَالْمُسْتَخْرَجِ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " و " كِتَابِ الطِّبِّ " " وَعَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " و " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " و " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " و " صِفَةِ الْجَنَّةِ " و " مَحَجَّةِ الْوَاثِقِينَ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ : مِنْ أَكْبَرِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَمِنْ أَكْثَرِهِمْ تَصْنِيفَاتٍ وَمِمَّنْ انْتَفَعَ النَّاسُ بِتَصَانِيفِهِ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ : ثِقَةٌ ؛ فَإِنَّ دَرَجَتَهُ فَوْقَ ذَلِكَ وَكِتَابَهُ " كِتَابُ الْحِلْيَةِ " مِنْ أَجْوَدِ

الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي أَخْبَارِ الزُّهَّادِ وَالْمَنْقُولُ فِيهِ أَصَحُّ مِنْ الْمَنْقُولِ فِي رِسَالَةِ القشيري وَمُصَنَّفَاتِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي شَيْخِهِ وَمَنَاقِبِ الْأَبْرَارِ لِابْنِ خَمِيسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَأَكْثَرُ حَدِيثًا وَأَثْبَتُ رِوَايَةً وَنَقْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَكِنْ كِتَابُ الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَد وَالزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَمْثَالِهِمَا أَصَحُّ نَقْلًا مِنْ الْحِلْيَةِ . وَهَذِهِ الْكُتُبُ وَغَيْرُهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ وَحِكَايَاتٍ ضَعِيفَةٍ بَلْ بَاطِلَةٍ وَفِي الْحِلْيَةِ مِنْ ذَلِكَ قَطْعٌ وَلَكِنَّ الَّذِي فِي غَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ أَكْثَرُ مِمَّا فِيهَا ؛ فَإِنَّ فِي مُصَنَّفَاتِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي ؛ وَرِسَالَةِ القشيري ؛ وَمَنَاقِبِ الْأَبْرَارِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَايَاتِ الْبَاطِلَةِ بَلْ وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الْبَاطِلَةِ : مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي مُصَنَّفَاتِ أَبِي نُعَيْمٍ وَلَكِنْ " صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ " لِأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ نَقَلَهَا مِنْ جِنْسِ نَقْلِ الْحِلْيَةِ وَالْغَالِبُ عَلَى الْكِتَابَيْنِ الصِّحَّةُ وَمَعَ هَذَا فَفِيهِمَا أَحَادِيثُ وَحِكَايَاتٌ بَاطِلَةٌ وَأَمَّا الزُّهْدُ لِلْإِمَامِ أَحْمَد وَنَحْوَهُ فَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْحِكَايَاتِ الْمَوْضُوعَةِ مِثْلُ مَا فِي هَذِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِي مُصَنَّفَاتِهِ عَمَّنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْوَضْعِ بَلْ قَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا هُوَ ضَعِيفٌ بِسُوءِ حِفْظِ نَاقِلِهِ وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ لَيْسَ فِيهَا مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ قُصِدَ الْكَذِبُ فِيهِ كَمَا لَيْسَ ذَلِكَ فِي مُسْنَدِهِ لَكِنْ فِيهِ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ غَلَطٌ غَلِطَ فِيهِ رُوَاتُهُ وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ فِي غَالِبِ كُتُبِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَسْلَمُ كِتَابٌ مِنْ الْغَلَطِ إلَّا الْقُرْآنُ .

وَأَجَلُّ مَا يُوجَدُ فِي الصِّحَّةِ " كِتَابُ الْبُخَارِيِّ " وَمَا فِيهِ مَتْنٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ غَلَطٌ عَلَى الصَّاحِبِ لَكِنْ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَا هُوَ غَلَطٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبُخَارِيُّ فِي نَفْسِ صَحِيحِهِ مَا بَيَّنَ غَلَطَ ذَلِكَ الرَّاوِي كَمَا بَيَّنَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي ثَمَنِ بَعِيرِ جَابِرٍ وَفِيهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَا يُقَالُ : إنَّهُ غَلَطٌ كَمَا فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا . وَفِيهِ عَنْ أُسَامَةَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْبَيْتِ } . وَفِيهِ عَنْ بِلَالٍ : أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ . وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَفِيهِ أَلْفَاظٌ عُرِفَ أَنَّهَا غَلَطٌ كَمَا فِيهِ : { خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ } وَقَدْ بَيَّنَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ وَأَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبٍ وَفِيهِ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْكُسُوفَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ } وَالصَّوَابُ : أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ سَأَلَهُ التَّزَوُّجَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ وَهَذَا غَلَطٌ . وَهَذَا مِنْ أَجَلِّ فُنُونِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يُسَمَّى : عِلْمَ " عِلَلِ الْحَدِيثِ " وَأَمَّا كِتَابُ حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ فَمِنْ أَجْوَدِ مُصَنَّفَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَخْبَارِ الزُّهَّادِ وَفِيهِ مِنْ الْحِكَايَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِي أَوَائِلِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ضَعِيفَةٌ بَلْ مَوْضُوعَةٌ .

وَسُئِلَ :
عَمَّنْ نَسَخَ بِيَدِهِ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْقُرْآنَ وَهُوَ نَاوٍ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا نَسَخَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْبَيْعِ هَلْ يُؤْجَرُ ؟ إلَخْ .
فَأَجَابَ : وَأَمَّا كُتُبُ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةُ : مِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ . فَلَيْسَ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ وَمَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا : مِثْلَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَمِيدِيِّ وَلِعَبْدِ الْحَقِّ الإشبيلي وَبَعْدَ ذَلِكَ كُتُبُ السُّنَنِ : كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد ؛ وَالنَّسَائِي ؛ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ ؛ وَالْمَسَانِدِ : كَمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ ؛ وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد . وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ فِيهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْكُتُبِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَصَحُّ مِنْ مُوَطَّأِ مَالِكٍ يَعْنِي بِذَلِكَ مَا صُنِّفَ عَلَى طَرِيقَتِهِ ؛ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانُوا يَجْمَعُونَ فِي الْبَابِ بَيْن الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَمْ تَكُنْ وَضِعَتْ كُتُبُ الرَّأْيِ الَّتِي تُسَمَّى " كُتُبَ

الْفِقْهِ " وَبَعْدَ هَذَا جُمِعَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ فِي جَمْعِ الصَّحِيحِ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْكُتُب الَّتِي تُحَبُّ وَيُؤْجَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى كِتَابَتِهَا سَوَاءٌ كَتَبَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ كَتَبَهَا لِيَبِيعَهَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّه يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الْجَنَّةَ ثَلَاثَةً : صَانِعَهُ ؛ وَالرَّامِيَ بِهِ ؛ وَالْمُمِدَّ بِهِ } فَالْكِتَابَةُ كَذَلِكَ ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهِ أَوْ لِيَنْفَعَ بِهِ غَيْرَهُ . كِلَاهُمَا يُثَابُ عَلَيْهِ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَبِّ أَعِنْ أَخْبَرَنَا الزَّيْنُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعِمَادِ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ زُرَيْقٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ إلَيَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَحْمَد ابْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ المقدسي سَمَاعًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ 24 صَفَرَ سَنَةَ 797 ( ح ) وَكَتَبَ إلَيَّ الْأَشْيَاخُ الثَّلَاثَةُ : أَبُو إسْحَاقَ الحرملي وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَقَرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الرسلاني قَالُوا : أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيُّ إذْنًا مُطْلَقًا قَالَا : أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْبَارِعُ الْأَوْحَدُ الْقُدْوَةُ الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة قَالَ الذَّهَبِيُّ : بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ 721 . قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيه وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ

شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضَلِّلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ :
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ بْنِ نِعْمَةَ ابْنِ أَحْمَد المقدسي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 667 أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ سَعْدِ بْنِ كُلَيْبٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَيَانٍ الرَّزَّازُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مخلد الْبَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ بْنِ يَزِيدَ العبدي حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السبيعي عَنْ الْبَرَاءِ ابْنِ عَازِبٍ قَالَ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ.

قَالَ : فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ : اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً قَالَ : فَقَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً ؟ . قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُنْظُرُوا الَّذِي آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا قَالَ : فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَغَضِبَ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا غَضْبَانَ فَرَأَتْ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ : مَنْ أَغْضَبَك أَغْضَبَهُ اللَّهُ قَالَ : وَمَالِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمِرٌ بِالْأَمْرِ وَلَا أُتْبَعُ } . رَوَاهُ النَّسَائِي وَابْنُ مَاجَه مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرِ ابْنِ عَيَّاشٍ مَوْلِدُهُ فِي صَفَرَ سَنَةَ 575 . وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ رَجَبٍ سَنَةَ 668 .
الْحَدِيثُ الثَّانِي :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْمُسْنَدُ كَمَالُ الدِّينِ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ ابْنِ الْخَضِرِ بْنِ شِبْلِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَادِسَ شَعْبَانَ سَنَةَ 669 بِجَامِعِ دِمَشْقَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ

قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي رَبِيعِ الْآخِرِ سَنَةَ 596 أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضَائِلِ نَاصِرُ بْنُ مَحْمُودِ ابْنِ عَلِيٍّ الْقُدْسِيِّ الصَّائِغُ وَأَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُقَاتِلٍ السوسي ؛ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَد بْنِ زُهَيْرٍ الْمَالِكِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الربعي الْمَالِكِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا خيثمة حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنِّي رَأَيْت عَمُودَ الْكِتَابِ اُنْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عَمَدَ بِهِ إلَى الشَّامِ أَلَا إنَّ الْإِيمَانَ - إذَا وَقَعَتْ الْفِتَنُ - بِالشَّامِ } . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 589 . وَتُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 672 .
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ :
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ التنوخي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ 669 أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الخشوعي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ

الْخَضِرِ السُّلَمِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ طَاهِرُ بْنُ أَحْمَد بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْمُودٍ الْمَحْمُودِيِّ الْعَانِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مَنْصُورُ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ بِنْتِ الكاغدي حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بكير بْنِ الْحَارِثِ الْقَيْسِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعُ ابْنُ الْجَرَّاحِ بْنِ مُلَيْحٍ الرواسي عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْت ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ فَيُقَالُ لِنُوحِ : مَنْ يَشْهَدُ لَك ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ } فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } . قَالَ : الْوَسَطُ الْعَدْلُ " . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 589 . تُوُفِّيَ فِي صَفَرَ سَنَةَ 672 .
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ :
أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَجْمِ ابْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا

أَسْمَعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَاشِرَ شَوَّالٍ سَنَةَ 669 وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْقَوَّاسِ وَالْمُؤَمِّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ البالسي وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ شيبان وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ الهروي وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى ابْنُ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ الصَّيْرَفِيِّ وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ وَالشَّمْسُ بْنُ الزَّيْنِ وَالْكَمَالُ عَبْدُ الرَّحِيمِ وَابْنُ الْعَسْقَلَانِيِّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَسِتُّ الْعَرَبِ . قَالَ الْأَوَّلُ وَابْنُ شيبان وَزَيْنَبُ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ طبرزذ . وَقَالَ الْبَاقُونَ وَابْنُ شيبان : أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ زَادَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فَقَالَ : وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَعَالِي بْنِ غُنَيْمَةَ بْنِ مَنِيّنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالُوا : أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَد الْبَرْمَكِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيّ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الكجي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي حميد عَنْ { أَنَسٍ : أَنَّ الربيع بِنْتَ النَّضِرِ عَمَّتَهُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ سِنَّهَا

فَعَرَضُوا عَلَيْهِمْ الْأَرْشَ فَأَبَوْا فَطَلَبُوا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ فَجَاءَ أَخُوهَا أَنَسُ بْنُ النَّضِرِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكَسَرَ سِنُّ الربيع ؟ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ سِنُّهَا - قَالَ : - يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَعَفَا الْقَوْمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّه مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّه لَأَبَرَّهُ . } . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 592 . وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ 672 .
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ :
أَخْبَرَنَا الْحَاجُّ الْمُسْنَدُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاسِعِ الهروي فِي رَابِعِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ 668 وَالْمَذْكُورُونَ بِسَنَدِهِمْ إلَى الْأَنْصَارِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي حميد عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّه أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ . ظَالِمًا ؟ قَالَ : تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَذَاكَ نَصْرُك إيَّاهُ } . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هشيم . وَأَخْرَجَهُ

التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ - كَمَا أَخْرَجْنَاهُ - وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَأَخْبَرَنَا بِهِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَبِي عُمَرَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ الْكِنْدِيُّ ( فَذَكَرَهُ . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 594 . وَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ 673 .
الْحَدِيثُ السَّادِسُ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْمُسْنَدُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُؤَمِّلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُؤَمِّلِ البالسي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 669 وَالْمَذْكُورُونَ بِسَنَدِهِمْ إلَى الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ التيمي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ . } . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صهيب عَنْ أَنَسٍ . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 602 وَقِيلَ ثَلَاثٍ . وَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ 677 .

الْحَدِيثُ السَّابِعُ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْعَدْلُ رَشِيدُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 669 وَالْمَذْكُورُونَ بِسَنَدِهِمْ إلَى الْأَنْصَارِيِّ حَدَّثَنِي التيمي حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : { عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَشَمَّتَ - أَوْ فَشَمَّتَ - أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ - أَوْ فَشَمَّتَهُ وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ - فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَطَسَ عِنْدَك رَجُلَانِ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ تُشَمِّتْ الْآخَرَ - أَوْ فَشَمَّتَهُ وَلَمْ تُشَمِّتْ الْآخَرَ - فَقَالَ : إنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ فَشَمَّتّه وَأَنَّ هَذَا لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ . } . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاث . كِلَاهُمَا عَنْ التيمي . تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ 682 .

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ :
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْعَالِمُ الزَّاهِدُ كَمَالُ الدِّينِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ رَافِعِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرَّانِي ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ 668 أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ يَحْيَى بْنِ بَرَكَةَ ابْنِ الديبقي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَزَّازُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي حَادِيَ عِشْرِينَ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 534 أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ ابْنِ الْمُسْلِمِ الْمُعَدِّلُ إمْلَاءً مِنْ لَفْظِهِ بِاسْتِمْلَاءِ شَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ فِي صَفَرَ سَنَةَ 463 أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْمُسْتَفَاضِ الفريابي حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ } .

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْبَارِعُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 668 أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَبَدٍ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَد بْنِ الْمُقْرِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد بْنِ النقور أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخْلِصُ سَنَةَ 390 حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لُبْسَتَيْنِ : أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ وَيَشْتَمِلَ بِهِ وَيَطْرَحَ أَحَدَ جَانِبَيْهِ عَلَى مَنْكِبِهِ وَيَحْتَبِي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ . وَأَنْ يَقُولَ : انْبِذْ إلَيَّ ثَوْبَك وَأَنْبِذُ إلَيْك ثَوْبِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَلِّبَا } . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 585 بِحَرَّانَ . وَتُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 670 بِدِمَشْقَ .

الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ :
أَخْبَرَنَا شَرَفُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غدير بْنِ الْقَوَّاسِ الطَّائِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 675 وَأَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْبُخَارِيِّ قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَضِرُ بْنُ كَامِلِ ابْنِ سَالِمٍ السروجي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ أَحْمَد الْمُقْرِي . وَقَالَ الْفَخْرُ الْبُخَارِيُّ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ الْكِنْدِيُّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَد بْنِ عُمَرَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النقور أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ ابْنِ أَخِي مِيمِيِّي الدَّقَّاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا دَاوُد حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مرجانة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ

مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ دَاوُد نَفْسِهِ . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ الْهَادِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مرجانة . وُلِدَ سَنَةَ 602 وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ 682 .
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ الصُّلَحَاءُ الْمُسْنِدُونَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَدْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعِيشَ الْجَزْرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ شيبان وَأَبُو الْفَضْلِ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَسْقَلَانِيُّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَد بْنِ كَامِلٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 675 بقاسيون قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ الْبَغْدَادِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ وَأَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقَزَّازُ وَأَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَيْضَاوِيُّ ؛ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ الْمُعَدِّلُ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخْلِصُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ البغوي حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ جَعْفَرٍ . قَالَ البغوي : وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ البغوي : وَحَدَّثَنِي جَدِّي حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ . كُلُّهُمْ عَنْ حميد . عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { دَخَلْت الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرِ مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْت : لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ فَقَالُوا : لِشَابِّ مِنْ قُرَيْشٍ فَظَنَنْت أَنِّي أَنَا هُوَ فَقُلْت : وَمَنْ هُوَ ؟ قَالُوا : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ } . وَاللَّفْظُ لِابْنِ مُطِيعٍ . تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 675 .
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَامِلُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَد بْنِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ أَبِي طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ عُرِفَ بِابْنِ السَّدِيدِ

الْأَنْصَارِيِّ الْحَنَفِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ 675 أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ قَالَتْ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصِ ابْنُ طبرزذ . قَالَا : أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَنْصَارِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى الْبَاقِلَانِي حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ القطيعي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عِمَارَةَ حَدَّثَنَا حميد الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ } . تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 677 وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُقْرِئُ الرَّئِيسُ الْفَاضِلُ كَمَالُ الدِّينِ أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَد بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ فَارِسً التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 674 أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ

الْكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَسَنُونَ النرسي سَنَةَ 455 أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخْلِصُ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ البغوي حَدَّثَنَا شريح بْنُ يُونُسَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْآدَمِيُّ وَابْنُ الْبَزَّارِ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالُوا : حَدَّثَنَا مَعْنٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ معدان عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجهني قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ وَالْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ } . أَخْبَرَنَاهُ عَالِيًا بِدَرَجَةِ وَيُوَافِقُهُ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ كُلَيْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ بَيَانٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مخلد أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ بَحِيرٍ ( فَذَكَرَهُ . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 596 . وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرَ سَنَةَ 676 .
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْمُسْنِدُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ أَبِي الْخَيْرِ سَلَامَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ الْحَدَّادِ الدِّمَشْقِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَأَنَا

أَسْمَعُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ 675 قُلْت لَهُ : أَخْبَرَك أَبُو سَعِيدٍ خَلِيلُ ابْنُ أَبِي الرَّجَاءِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الراراني إجَازَةً وَقُرِئَ عَلَى وَالِدِي وَأَنَا أَسْمَعُ بِحَرَّانَ سَنَةَ 666 أَخْبَرَك يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا الراراني أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَد بْنِ الْحَسَنِ الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَد بْنِ إسْحَاقَ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ يُوسُفَ بْنِ خلاد حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا حميد عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبْلًا مَمْدُودًا بَيْن سَارِيَتَيْنِ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ . قَالَ : مَا هَذَا الْحَبْلُ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فُلَانَةُ تُصَلِّي مَا عَقَلَتْ ؛ فَإِذَا غَلَبَتْ أَخَذَتْ بِهِ قَالَ : فَلْتُصَلِّ مَا عَقَلَتْ ؛ فَإِذَا غَلَبَتْ فَلْتَنَمْ } . مَوْلِدُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ 609 وَتُوُفِّيَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ سَنَةَ 678
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الْعَدْلُ الْمُسْنَدُ أَمِينُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ ابْنِ قَاسِمِ بْنِ غُنَيْمَةَ الإربلي وَأَبُو بَكْرِ ابْنُ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْمَزِيّ الْحَنَفِيُّ

وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيُّ ؛ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 677 . قَالَ الْأَوَّلُ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُؤَيَّدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ أَحْمَد الفراوي . وَقَالَ الْآخَرَانِ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الحرستاني قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الفراوي إجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ابْنِ عمرويه الجلودي أَخْبَرَنَا أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ القشيري حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزهراني وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ . قَالَ خَلَفٌ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ } وُلِدَ الإربلي فِي سَنَةِ 595 أَوْ قَبْلَهَا بإربل وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 680 وَوُلِدَ الْمَزِيّ سَنَةَ 593 وَتُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 680.

الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ حَسَنٍ الْحَنَفِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ 667 وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ علان وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ شيبان قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ الرصافي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْحُصَيْنِ الشيباني أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَذْهَبِ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ القطيعي حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشيباني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا - إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ قَنْصٍ - نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ } .

مَوْلِدُهُ سَنَةَ 595 . وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 673 .
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الزَّاهِدُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قدامة المقدسي الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 667 بقاسيون وَابْنُ شيبان وَابْنُ الْعَسْقَلَانِيِّ وَابْنُ الحموي قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنِ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ الْبَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْوَاسِطِيَّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التيمي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النهدي عَنْ { أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْقَوْمُ يَصْعَدُونَ عَقَبَةً أَوْ ثَنْيَةً فَإِذَا صَعِدَ الرَّجُلُ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ - قَالَ : أَحْسَبُهُ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ - وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ يَعْرِضُهَا فِي الْجَبَلِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا مُوسَى

إنَّكُمْ لَا تُنَادُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا . ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ - أَوْ يَا أَبَا مُوسَى - أَلَا أَدُلَّك عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ . قَالَ قُلْت : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : قُلْ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ } مَوْلِدُهُ سَنَةَ 597 . وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 682 .
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الْمُسْنَدُ الْأَصِيلُ الْعَدْلُ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 667 أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الدُّرِّ يَاقُوتُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيُّ التَّاجِرُ مَوْلَى ابْنِ الْبُخَارِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ . وَأَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ الْعَسْقَلَانِيِّ قَالَا : أَخْبَرَنَا ابْنُ طبرزذ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ الْأَشْقَرِ الدَّلَّالُ وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ قُرَيْشٍ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ دحروج . قَالُوا جَمِيعُهُمْ : أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

هزار مرد الصريفيني قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخْلِصُ إمْلَاءً فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 393 حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ البغوي حَدَّثَنَا شيبان بْنُ فَرُّوخٍ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ ابْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى جَانِبِ خَشَبَةٍ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَيْهَا . فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ : ابْنُوا لِي مِنْبَرًا لَهُ عَتَبَتَانِ فَلَمَّا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ حَنَّتْ الْخَشَبَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَنَسٌ : وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعْت الْخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الْوَالِهِ فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ إلَيْهَا فَاحْتَضَنَهَا فَسَكَتَتْ وَكَانَ الْحَسَنُ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى ثُمَّ قَالَ : يَا عِبَادَ اللَّهِ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ شَوْقًا إلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إلَى لِقَائِهِ } . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 587 . وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ 699 .
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الصَّدْرُ الرَّئِيسُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمُ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ علان الْقَيْسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ

680 ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيُّ إمْلَاءً أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ القطيعي حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فرحتان : فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ } . وُلِدَ سَنَةَ 594 . وَتُوُفِّيَ فِي سَادِسِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ 680 .
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا الرَّئِيسُ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الصُّعْرِ بْنِ السَّيِّدِ بْنِ الصَّانِعِ الْأَنْصَارِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ 676

وَأَبُو الْعِزِّ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُجَاوِرِ وَالْمُسْلِمُ بْنُ علان قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زُرَيْقٍ الْقَزَّازُ الشيباني قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ المحاملي حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَة عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ إلَى مَكَّةَ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا } . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِي وَالنَّسَائِي عَنْ أَبِي مُوسَى . تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 679 .
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُلْوِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الدرجي الْقُرَشِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ 680

أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ نَصْرِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الصَّيْدَلَانِيُّ إجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَد بْنِ الْحَسَنِ الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَد بْنِ إسْحَاقَ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بْنِ أَحْمَد بْنِ فَارِسٍ قَالَ سَمِعْت سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة يَقُولُ : حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ { زِرٍّ قَالَ : أَتَيْت صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ فَقَالَ لِي : مَا جَاءَ بِك ؟ قُلْت : جِئْت ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ . قَالَ : فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ . قُلْت : حَكَّ فِي نَفْسِي - أَوْ صَدْرِي - الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فَهَلْ سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ كَانَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا - أَوْ مُسَافِرِينَ - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ ؛ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ . قُلْت : هَلْ سَمِعْته يَذْكُرُ الْهُدَى ؟ قَالَ : نَعَمْ بينا نَحْنُ مَعَهُ فِي مَسِيرٍ إذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتِ لَهُ جَهْوَرِيٍّ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ فَأَجَابَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ كَلَامِهِ : هَاؤُمُ قَالَ : أَرَأَيْت رَجُلًا يُحِبُّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ . ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُحَدِّثُنَا أَنَّ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ بَابًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلتَّوْبَةِ مَسِيرَةَ عَرْضِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَلَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا } } . . الْآيَةَ . وُلِدَ سَنَةَ 599 . وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ 671 .

الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا نَجِيبُ الدِّينِ أَبُو الْمُرْهَفِ الْمِقْدَادُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ ابْنُ الْمِقْدَادِ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الْمُبَارَكِ بْنِ الْأَخْضَرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَاسِيّ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكجي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ التيمي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا هِجْرَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - أَوْ قَالَ ثَلَاثَ لَيَالٍ } - .
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الغسولي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي سَنَةِ 682 أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ دَاوُد بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُلَاعِبٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ

الأرموي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَأْمُونِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَد بْنِ مَهْدِيٍّ الدارقطني حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ البغوي حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ { عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْت فُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنَعْت فُلَانًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ . قَالَ : أَوْ مُسْلِمٌ } . تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ 684 وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ .
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ الْبُخَارِيِّ المقدسي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 681 وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ سَنَةَ 667 أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ أَحْمَد التنوخي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرُ بْنُ سَهْلِ بْنِ بِشْرٍ الإسفراييني أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الحنائي

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مُوسَى بْنِ رَاشِدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الكلابي مِنْ لَفْظِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَرِيمِ بْنِ مَرْوَانَ العقيلي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ نُصَيْرِ بْنِ مَيْسَرَةَ السُّلَمِي حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ } . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ القعنبي عَنْ مَالِكٍ . وُلِدَ فِي سَلْخٍ سَنَةَ 595 . وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ 690 .
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ شيبان بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حيدرة الشيباني قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 684 أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ الْبَغْدَادِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ أَحْمَد بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَنَّاءِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْهَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ

فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 452 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ القطيعي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحٍ الأسدي حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : قَالَ { عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ دُونَ عِبَادِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وميكائيل السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى فُلَانٍ . فَالْتَفَتَ إلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اللَّهُ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ . السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ } . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدُرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ كِلَاهُمَا عَنْ شَقِيقٍ . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 599 . وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ 685 .

الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَسْقَلَانِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي سَنَةِ 681 وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شيبان وَالْجَمَّالُ أَحْمَد بْنُ أَبِي بَكْرٍ الحموي وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ وَعَلِيُّ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ شِهَابٍ قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ الْبَغْدَادِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ الشيباني أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عبدويه الْجَرَّارُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ حَدَّثَنَا حميد عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ وَمَعَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي إلَيْك حَاجَةٌ فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلَانٍ ؛ اجْلِسِي فِي أَدْنَى نَوَاحِي السِّكَك حَتَّى أَجْلِسَ إلَيْك فَفَعَلَتْ ؛ فَجَلَسَ إلَيْهَا حَتَّى قَصَّتْ حَاجَتَهَا } . رَوَاهُ أَحْمَد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ .

سَمِعَ ابْنَ الْعَسْقَلَانِيِّ فِي الرَّابِعَةِ سَنَةَ 599 . وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 682 وَمَوْلِدُ ابْنِ شِهَابٍ فِي سَنَةِ 595 وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 680 .
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْجَلِيلُ الصَّالِحُ كَمَالُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ قدامة المقدسي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ 680 وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شيبان أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ الْبَغْدَادِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ وَأَبُو الْمَوَاهِبِ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُلُوكٍ الْوَرَّاقُ قَالَا : أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطبري أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ الْغِطْرِيفِ حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ وَشُعْبَةَ عَنْ قتادة عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وُلِدَ فِي حُدُودِ سَنَةِ 598 . وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 680 .

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الثِّقَةُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ الأنماطي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ 668 وَأَبُو حَامِدٍ ابْنُ الصَّابُونِيِّ وَالرَّشِيدُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَامِرِيُّ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الحرستاني أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرُ بْنُ سَهْلِ بْنِ بِشْرٍ الإسفراييني أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ الأزدي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْقٍ بِانْتِقَاءِ خَلَفٍ الْحَافِظِ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ رشدين الْمَهْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ . فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ } . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ كُلَّ حَيَّةٍ فَرَآهُ أَبُو لَبَابَةَ - أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ - وَهُوَ يُطَارِدُ حَيَّةً فَقَالَ لَهُ : قَدْ نُهِيَ عَنْ دَوَابِّ الْبُيُوتِ .

أَخْبَرَنَا بِهِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَد بْنُ شيبان قَالُوا : أَخْبَرَنَا ابْنُ مُلَاعِبٍ أَخْبَرَنَا الأرموي أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ البسري أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد الْفَرْضِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَطِيرِيَّ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مَطَرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فَذَكَرَهُ . وُلِدَ سَنَةَ 609 وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ 684 بِالْقَاهِرَةِ .
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ :
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ المقدسي سَنَةَ 681 وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شيبان وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ الْعَسْقَلَانِيِّ قَالَ الْأَوَّلَانِ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ وَقَالَ الْآخَرَانِ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ ابْن طبرزذ . قَالَا : أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 447 أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ 373 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ

بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يُقِيمُ إلَّا مَنْ أَذَّنَ } . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 606 . وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ 689 .
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَنَا الْأَصِيلُ الْمُسْنَدُ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْعِزِّ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُجَاوِرُ الشيباني قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 680 وَالْمُسْلِمُ بْنُ علان قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زُرَيْقٍ الْقَزَّازُ الشيباني أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُؤَدَّبُ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ بأستراباد حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بأرجان حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ . قَالَ الْخَطِيبُ . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ

عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ } . لَفْظُ حَدِيثِ الْجَوْهَرِيِّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ حَجَرٍ . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَه عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ . كُلُّهُمْ عَنْ إسْمَاعِيلَ . وَأَخْبَرَنَا عَالِيَا أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَيَانٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مخلد أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ ( فَذَكَرَهُ ) . مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ 601 . وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ 690
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ أَحْمَد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الصَّابُونِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 668 أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ

الحرستاني قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا جَمَالُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ السُّلَمِي سَنَةَ 526 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَدِيدِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الصَّعْبِ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الأوزاعي قَالَ : سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى بِابْنَةِ الْجَوْنِ فَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك قَالَ : الْحَقِي بِأَهْلِك تَطْلِيقَةٌ } . قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : لَمْ يَرْوِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ الأوزاعي . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 604 . وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ 680 .
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَنَا الْجَمَّالُ أَحْمَد بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَاعِظُ بْنِ الحموي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ 680 وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ 681 أَيْضًا

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ أَبِي غَالِبِ بْنِ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ مندويه قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ 610 أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَحَاسِنِ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النقور الْبَزَّارُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ حَبَّابَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ البغوي فِي سَنَةِ 315 حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ طَالُوتُ بْنُ عَبَّادٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ كِتَابِهِ حَدَّثَنَا فضال بْنُ جُبَيْرٍ سَمِعْت أَبَا أمامة الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { اُكْفُلُوا لِي بِسِتِّ أَكْفُلُ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ : إذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَكْذِبْ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ فَلَا يَخُنْ وَإِذَا وَعَدَ فَلَا يُخْلِفْ . غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ } . وُلِدَ فِي حُدُودِ سَنَةِ سِتِّمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ 687 .
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو غَالِبٍ الْمُظَفَّرُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ خَلِيلٍ الْأَنْصَارِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ 684 وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَد بْنِ عَبَّاسٍ الفاقوسي وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ

عَبْدُ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ ابْنِ الحرستاني أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرُ بْنُ سَهْلِ بْنِ بِشْرِ بْنِ أَحْمَد الإسفراييني أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأزدي الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ الْعَبَّاسِ الأخميمي بِانْتِقَاءِ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدًا المقبري حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِ اللَّهِ كَانَ شِبَعُهُ وَرِيُّهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ حَسَنَاتٍ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 688 وَعُمُرُهُ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً . وَتُوُفِّيَ الفاقوسي فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 682 وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً .
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عصرون التَّمِيمِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 682

وَأَبُو حَامِدٍ الصَّابُونِيُّ . قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الحرستاني أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرُ بْنُ سَهْلٍ الإسفراييني أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الأزدي أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْحَلَبِيُّ سَنَةَ 390 حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ
بْنُ سَعِيدٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ الكلاعي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الوحاظي حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ . فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّو } وَأَخْبَرْنَاهُ عَالِيَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ طبرزذ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَاقِلَانِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ إمْلَاءً حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيَّ حَدَّثَنَا سويد بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ( فَذَكَرَهُ ) .

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ . مَوْلِدُهُ سَنَةَ 599 . وَتُوُفِّيَ فِي ثَالِثِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ 682 .
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَنَا أَقْضَى الْقُضَاةِ نَفِيسُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَرِيرٍ الْحَارِثِيُّ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ 679 وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَد بْنُ شيبان . قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ دَاوُد بْنُ أَحْمَد بْنِ مُلَاعِبٍ الْبَغْدَادِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ الأرموي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 546 أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ البسري سَنَةَ 465 أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْفَرْضِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَد الْمَطِيرِيَّ سَنَةَ 333 أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد بِشْرُ بْنُ مَطَرٍ الْوَاسِطِيَّ بِسِرِّ مَنْ رَأَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُل آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فِي حَقِّهِ } . تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ 680 وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً .
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَشَمْسُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّيْنِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ المقدسيان ؛ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ 681 . قَالَا : أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرون الْبَكْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَسْعَدِ هِبَةُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ القشيري أَخْبَرَنَا جَدِّي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْخَفَّافُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

{ إنَّ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ } . وُلِدَ فِي سَنَةِ 607 . وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 688 .
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ أُمُّ الْخَيْرِ سِتُّ الْعَرَبِ بِنْتُ يَحْيَى بْنِ قايماز بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّاجِيَّةُ الْكِنْدِيَّةُ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 681 وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شيبان وَابْنُ الْعَسْقَلَانِيِّ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ . قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ أَحْمَد بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَنَّاءُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 524 أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ القطيعي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ فَيَأْخُذُ

حَفْنَةً لِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَأْخُذُ حَفْنَةً لِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ } . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِي عَنْ أَبِي مُوسَى الزَّمِنِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ . وُلِدَتْ فِي سَنَةِ 599 . وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ 684 .
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ الْجَلِيلَةُ الْأَصِيلَةُ أُمُّ الْعَرَبِ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي مُحَمَّدِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَسَاكِرَ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 681 وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شيبان وَسِتُّ الْعَرَبِ بِنْتُ يَحْيَى بْنُ قايماز . قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَد بْنِ الْحُصَيْنِ الشيباني قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي النَّيْسَابُورِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ 354 أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ

إسْحَاقَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ { أَنَسٍ قَالَ : مُطِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ فَقُلْت لَهُ : لِمَ صَنَعْت هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ } وُلِدَتْ سَنَةَ 598 . وَتُوُفِّيَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ 683 .
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ :
أَخْبَرَتْنَا الصَّالِحَةُ الْعَابِدَةُ الْمُجْتَهِدَةُ أُمُّ أَحْمَد زَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ كَامِلٍ الْحَرَّانِي وَأَحْمَد بْنُ شيبان وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ الْعَسْقَلَانِيِّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ عَسَاكِرَ ؛ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ . قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طبرزذ الْبَغْدَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ أَحْمَد بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَد بْنِ الْبَنَّاءُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ القطيعي قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعْت { الْبَرَاءَ قَالَ : لَمَّا مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مُرضِعٌ فِي الْجَنَّةِ } . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ حَرْبٍ . وُلِدَتْ فِي سَنَةِ 598 . وَتُوُفِّيَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ 688 .
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ :
أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ أُمُّ مُحَمَّدٍ زَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَد بْنِ عُمَرَ بْنِ كَامِلٍ المقدسية قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ سَنَةَ 684 وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شيبان وَابْنُ الْعَسْقَلَانِيِّ . قَالُوا أَخْبَرَنَا ابْنُ طبرزذ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبَيْضَاوِيِّ وَالْقَزَّازُ وَابْنُ يُوسُفَ قَالُوا أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُسْلِمَةِ أَخْبَرَنَا الْمُخَلِّصُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إسْرَائِيلَ النهرتيرى حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ

سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يُتِمُّ صَوْمَهُ } . وُلِدَتْ سَنَةَ 601 وَتُوُفِّيَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ 687 .

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :
عَمَّا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : { مَا وَسِعَنِي لَا سَمَائِي وَلَا أَرْضِي وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ }
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الإسرائيليات لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ (*) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ : وَسِعَ قَلْبُهُ مَحَبَّتِي وَمَعْرِفَتِي . وَمَا يُرْوَى : { الْقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ } هَذَا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْقَلْبَ بَيْتُ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ . وَمَا يَرْوُونَهُ { كُنْت كَنْزًا لَا أُعْرَفَ فَأَحْبَبْت أَنْ أُعْرَفَ فَخَلَقْت خَلْقًا فَعَرَّفْتهمْ بِي فَبِي عَرَفُونِي } هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ فَقَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ : وَعِزَّتِي

وَجَلَالِي مَا خَلَقْت خَلْقًا أَشْرَفَ مِنْك فَبِك آخُذُ وَبِك أُعْطِي } هذا الْحَدِيثُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ . وَمَا يَرْوُونَهُ { حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ } هَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البجلي وَأَمَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ . وَمَا يَرْوُونَهُ : { الدُّنْيَا خُطْوَةُ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ } هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَلَا أَئِمَّتِهَا . وَمَا يَرْوُونَهُ { مَنْ بُورِكَ لَهُ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْهُ وَمَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ شَيْئًا لَزِمَهُ } الْأَوَّلُ يُؤْثَرُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ فَإِنَّ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ شَيْئًا قَدْ يَلْزَمُهُ وَقَدْ لَا يَلْزَمُهُ بِحَسَبِ مَا يَأْمُرُ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَمَا يَرْوُوهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّخِذُوا مَعَ الْفُقَرَاءِ أَيَادِي فَإِنَّ لَهُمْ فِي غَد دَوْلَةً وَأَيُّ دَوْلَةٍ } { الْفَقْرُ فَخْرِي وَبِهِ افْتَخَرَ } كِلَاهُمَا كَذِبٌ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفَةِ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا } هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ

وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَفَعَ هَذَا وَهُوَ كَذِبٌ . وَمَا يَرْوُوهُ : { أَنَّهُ يَقْعُدُ الْفُقَرَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَقُولُ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا زَوَيْت الدُّنْيَا عَنْكُمْ لِهَوَانِكُمْ عَلَيَّ وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ أَرْفَعَ قَدْرَكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ انْطَلِقُوا إلَى الْمَوْقِفِ فَمَنْ أَحْسَنَ إلَيْكُمْ بِكِسْرَةٍ أَوْ سَقَاكُمْ شَرْبَةَ مَاءٍ أَوْ كَسَاكُمْ خِرْقَةً انْطَلِقُوا بِهِ إلَى الْجَنَّةِ } قَالَ الشَّيْخُ : الثَّانِي كَذِبٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ بَاطِلٌ خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا قَدِمَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجْنَ بَنَاتُ النَّجَّارِ بِالدُّفُوفِ وَهُنَّ يَقُلْنَ : طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّاتٍ الْوَدَاعِ إلَى آخِرِ الشِّعْرِ فَقَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُزُّوا غَرَابِيلَكُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ } حَدِيثُ النِّسْوَةِ وَضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْأَفْرَاحِ صَحِيحٌ ؛ فَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { هُزُّوا غَرَابِيلَكُمْ } هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْهُ .
وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { اللَّهُمَّ إنَّك أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي فِي أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيْك } هَذَا

حَدِيثٌ بَاطِلٌ كَذِبٌ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ إنَّهُ { قَالَ لِمَكَّةَ : إنَّك أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إلَيَّ } وَقَالَ { إنَّك لَأَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ } . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي إبْرَاهِيمَ فِي عَامٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ } هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا صَلَّى وَنَقَرَ صَلَاتَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ : لَا تَنْقُرُ صَلَاتَك فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ يَا عَلِيُّ لَوْ نَقَرَهَا أَبُوك مَا دَخَلَ النَّارَ . هَذَا كَذِبٌ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ هَذَا كَذِبٌ ؛ فَإِنَّ أَبَاهُ مَاتَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ } . { وَكُنْت وَآدَمُ لَا مَاءَ وَلَا طِينَ } هَذَا اللَّفْظُ كَذِبٌ بَاطِلٌ . وَمَا يَرْوُونَهُ : { الْعَازِبُ فِرَاشُهُ مِنْ نَارٍ مِسْكِينٌ رَجُلٌ بِلَا امْرَأَةٍ وَمِسْكِينَةٌ امْرَأَةٌ بِلَا رَجُلٍ } هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ { إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بَنَى الْبَيْتَ صَلَّى فِي كُلِّ رُكْنٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ : يَا إبْرَاهِيمُ مَا هَذَا سَدُّ جَوْعَةٍ أَوْ سَتْرُ عَوْرَةٍ } هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ . وَمَا يَرْوُونَهُ : { لَا تَكْرَهُوا الْفِتْنَةَ ؛ فَإِنَّ فِيهَا حَصَادَ الْمُنَافِقِينَ } هَذَا لَيْسَ مَعْرُوفًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَا يَرْوُونَهُ : { مَنْ عَلَّمَ أَخَاهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَلَكَ رِقَّهُ } هَذَا كَذِبٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اطَّلَعْت عَلَى ذُنُوبِ أُمَّتِي فَلَمْ أَجِدْ أَعْظَمَ ذَنْبًا مِمَّنْ تَعَلَّمَ آيَةً ثُمَّ نَسِيَهَا } . إذَا صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فَهَذَا عَنِيَ بِالنِّسْيَانِ التِّلَاوَةَ . وَلَفْظُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ : { يُوجَدُ مِنْ سَيِّئَاتِ أُمَّتِي الرَّجُلُ يُؤْتِيهِ اللَّهُ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَيَنَامُ عَنْهَا حَتَّى يَنْسَاهَا } وَالنِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُرْآنِ وَتَرْكِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَأَمَّا إهْمَالُ دَرْسِهِ حَتَّى يُنْسَى فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ .
وَمَا يَرْوُونَهُ : { أَنَّ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ خَيْرٌ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَلَا يُشَبَّهُ بِغَيْرِهِ } اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ مَأْثُورٍ .

وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ عَلِمَ عِلْمًا نَافِعًا وَأَخْفَاهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامِ مِنْ نَارٍ } هَذَا مَعْنَاهُ مَعْرُوفٌ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامِ مِنْ نَارٍ } وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا وَصَلْتُمْ إلَى مَا شَجَرَ بَيْنَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا وَإِذَا وَصَلْتُمْ إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَأَمْسِكُوا } هَذَا مَأْثُورٌ بِأَسَانِيدَ مُنْقَطِعَةٍ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ { النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - وَهُوَ يَأْكُلُ الْعِنَبَ - دَوٍ دَوٍ يَعْنِي : عِنَبَتَيْنِ عِنَبَتَيْنِ } هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَاطِلٌ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَلِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِابْنَتِهِ مِنْ الزِّنَا } هَذَا يَقُولُهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُهُمْ يَنْقُلُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ وَقَالَ : إنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَحْلِيلِ ذَلِكَ وَلَكِنْ صَرَّحَ بِحِلِّ ذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ إذَا رَضَعَ مِنْ لَبَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا . وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ كَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا مُتَّفِقُونَ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ .

وَمَا يَرْوُونَهُ : { أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أُجْرَةً كِتَابُ اللَّهِ } نَعَمْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : { أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أُجْرَةً كِتَابُ اللَّهِ } لَكِنَّهُ فِي حَدِيثِ الرُّقْيَةِ وَكَانَ الْجُعْلُ عَلَى عَافِيَةِ مَرِيضِ الْقَوْمِ لَا عَلَى التِّلَاوَةِ . وَهَلْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُ أَبْرَاجِ الْحَمَامِ إذَا طَارَتْ مِنْ الْأَبْرَاجِ تَحُطُّ عَلَى زِرَاعَاتِ النَّاسِ وَتَأْكُلُ الْحَبَّ . فَهَلْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُ أَبْرَاجِ الْحَمَامِ فِي الْقُرَى وَالْبُلْدَانِ لِهَذَا السَّبَبِ ؟ نَعَمْ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ مُنِعَ مِنْهُ . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ ظَلَمَ ذِمِّيًّا كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ كُنْت خَصْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } هَذَا ضَعِيفٌ لَكِنْ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } . وَمَا يَرْوُونَهُ عَنْهُ : { مَنْ أَسْرَجَ سِرَاجًا فِي مَسْجِدٍ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ ضَوْءُ ذَلِكَ السِّرَاجِ } هَذَا لَا أَعْرِفُ لَهُ إسْنَادًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :
عَنْ { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ } " مَا مَعْنَى تَرَدُّدِ اللَّهِ ؟
فَأَجَابَ : هَذَا حَدِيثٌ شَرِيفٌ قَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَشْرَفُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي صِفَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْكَلَامَ طَائِفَةٌ وَقَالُوا : إنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِالتَّرَدُّدِ وَإِنَّمَا يَتَرَدَّدُ مَنْ لَا يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْعَوَاقِبِ . وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ اللَّهَ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُتَرَدِّدِ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ كَلَامَ رَسُولِهِ حَقٌّ وَلَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِاَللَّهِ مِنْ رَسُولِهِ وَلَا أَنْصَحَ لِلْأُمَّةِ مِنْهُ وَلَا أَفْصَحَ وَلَا أَحْسَنَ بَيَانًا مِنْهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُتَحَذْلِقُ وَالْمُنْكِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَضَلِّ النَّاسِ ؛ وَأَجْهَلِهِمْ وَأَسْوَئِهِمْ أَدَبًا بَلْ يَجِبُ تَأْدِيبُهُ وَتَعْزِيرُهُ وَيَجِبُ أَنْ يُصَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنْ الظُّنُونِ الْبَاطِلَةِ ؛ وَالِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ وَلَكِنَّ الْمُتَرَدِّدَ مِنَّا وَإِنْ كَانَ تَرَدُّدُهُ فِي الْأَمْرِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ الْأُمُورِ لَا يَكُونُ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنَّا فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ ثُمَّ هَذَا بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا يَتَرَدَّدُ تَارَةً لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْعَوَاقِبِ وَتَارَةً لِمَا فِي الْفِعْلَيْنِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فَيُرِيدُ الْفِعْلَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَيَكْرَهُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ لَا لِجَهْلِهِ مِنْهُ بِالشَّيْءِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُحِبُّ مِنْ وَجْهٍ وَيَكْرَهُ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قِيلَ : الشَّيْبُ كُرْهٌ وَكُرْهٌ أَنْ أُفَارِقَهُ فَاعْجَبْ لِشَيْءِ عَلَى الْبَغْضَاءِ مَحْبُوبُ وَهَذَا مِثْلُ إرَادَةِ الْمَرِيضِ لِدَوَائِهِ الْكَرِيهِ بَلْ جَمِيعُ مَا يُرِيدُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَكْرَهُهَا النَّفْسُ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَفِي الصَّحِيحِ { حُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } الْآيَةَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ يَظْهَرُ مَعْنَى التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَالَ : { لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ } . فَإِنَّ الْعَبْدَ الَّذِي هَذَا حَالُهُ صَارَ مَحْبُوبًا لِلْحَقِّ مُحِبًّا لَهُ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ أَوَّلًا بِالْفَرَائِضِ وَهُوَ

يُحِبُّهَا ثُمَّ اجْتَهَدَ فِي النَّوَافِلِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيُحِبُّ فَاعِلَهَا فَأَتَى بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْبُوبِ الْحَقِّ ؛ فَأَحَبَّهُ الْحَقُّ لِفِعْلِ مَحْبُوبِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِقَصْدِ اتِّفَاقِ الْإِرَادَةِ بِحَيْثُ يُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ مَحْبُوبُهُ وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ مَحْبُوبُهُ وَالرَّبُّ يَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَ عَبْدَهُ وَمَحْبُوبَهُ فَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكْرَهَ الْمَوْتَ لِيَزْدَادَ مِنْ محاب مَحْبُوبِهِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ قَضَى بِالْمَوْتِ فَكُلُّ مَا قَضَى بِهِ فَهُوَ يُرِيدُهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَالرَّبُّ مُرِيدٌ لِمَوْتِهِ لِمَا سَبَقَ بِهِ قَضَاؤُهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَارِهٌ لِمُسَاءَةِ عَبْدِهِ ؛ وَهِيَ الْمُسَاءَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ بِالْمَوْتِ فَصَارَ الْمَوْتُ مُرَادًا لِلْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّرَدُّدِ وَهُوَ : أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُرَادًا مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهًا مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَرَجُّحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَرَجَّحَ إرَادَةُ الْمَوْتِ ؛ لَكِنْ مَعَ وُجُودِ كَرَاهَةِ مُسَاءَةِ عَبْدِهِ وَلَيْسَ إرَادَتُهُ لِمَوْتِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ كَإِرَادَتِهِ لِمَوْتِ الْكَافِرِ الَّذِي يُبْغِضُهُ وَيُرِيدُ مُسَاءَتَهُ . ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ سَبَقَ ذِكْرَهُ : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْغَضُ ذَلِكَ وَيَسْخَطُهُ وَيَكْرَهُهُ وَيَنْهَى عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَشَاءَهُ بِإِرَادَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ بِإِرَادَةِ دِينِيَّةٍ هَذَا هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِيمَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ : مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَلْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ .

فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ وَقَالَتْ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ : إنَّهُ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا يُرِيدُهُ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَوْعَانِ : إرَادَةٌ دِينِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ : فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } وقَوْله تَعَالَى { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } إلَى قَوْلِهِ : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } فَإِنَّ الْإِرَادَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَى وَهِيَ الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ . وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } . وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ الْقَدَرِيَّةُ فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } وَمِثْلُ قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ : مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ . فَجَمِيعُ الْكَائِنَاتِ دَاخِلَةٌ فِي هَذِهِ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا خَيْرٌ وَلَا شَرٌّ وَلَا عُرْفٌ وَلَا نُكْرٌ وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ تَتَنَاوَلُ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ فَهِيَ مُطَابِقَةٌ لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ لَا يَخْتَلِفَانِ وَهَذَا التَّقْسِيمُ الْوَارِدُ فِي اسْمِ الْإِرَادَةِ يُرَدُّ مِثْلُهُ فِي اسْمِ الْأَمْرِ وَالْكَلِمَاتِ ؛ وَالْحُكْمِ

وَالْقَضَاءِ وَالْكِتَابِ وَالْبَعْثِ وَالْإِرْسَالِ وَنَحْوِهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى كَوْنِيٍّ قَدَرِيٍّ وَإِلَى دِينِيٍّ شَرْعِيٍّ . وَالْكَلِمَاتُ الْكَوْنِيَّةُ هِيَ : الَّتِي لَا يَخْرُجُ عَنْهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَهِيَ الَّتِي اسْتَعَانَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : { أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَهِيَ : الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ } . وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ الدِّينِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } وَالْكَوْنِيَّةُ : { إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا } . وَالْبَعْثُ الدِّينِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ } وَالْبَعْثُ الْكَوْنِيُّ : { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا } وَالْإِرْسَالُ الدِّينِيُّ كَقَوْلِهِ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } . وَالْكَوْنِيُّ : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } .

وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . فَمَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ هِيَ مُرَادَةٌ لِلَّهِ إرَادَةً كَوْنِيَّةً دَاخِلَةً فِي كَلِمَاتِهِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُرِدْهَا إرَادَةً دِينِيَّةً وَلَا هِيَ مُوَافِقَةٌ لِكَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّةِ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ فَصَارَتْ لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهَةً . وَلَكِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْرَهُهُ ؛ وَالْكَرَاهَةُ مُسَاءَةُ الْمُؤْمِنِ وَهُوَ يُرِيدُهُ لِمَا سَبَقَ فِي قَضَائِهِ لَهُ بِالْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِرَادَتُهُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ لَهُ وَرَحْمَةٌ بِهِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : { أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْضِي لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ } . وَأَمَّا الْمُنْكَرَاتُ فَإِنَّهُ يُبْغِضُهَا وَيَكْرَهُهَا ؛ فَلَيْسَ لَهَا عَاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا مِنْهَا فَيُرْحَمُوا بِالتَّوْبَةِ وَإِنْ كَانَتْ التَّوْبَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَسْبُوقَةً بِمَعْصِيَةِ ؛ وَلِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَضَاءِ الْمَعَاصِي عَلَى الْمُؤْمِنِ بِجَوَابَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ الْمَصَائِبَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ إذَا تَابَ مِنْهَا كَانَ مَا تَعْقُبُهُ التَّوْبَةُ خَيْرًا فَإِنَّ التَّوْبَةَ حَسَنَةٌ وَهِيَ مِنْ أَحَبِّ الْحَسَنَاتِ إلَى اللَّهِ وَاَللَّهُ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إذَا تَابَ إلَيْهِ أَشَدُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْفَرَحِ وَأَمَّا الْمَعَاصِي الَّتِي لَا يُتَابَا مِنْهَا فَهِيَ شَرٌّ . عَلَى صَاحِبِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَضَاهُ ؛ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ

الْحِكْمَةِ كَمَا قَالَ : { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهِ حِكْمَةٌ . وَلَكِنَّ هَذَا بَحْرٌ وَاسِعٌ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ وَالْمَقْصُودُ هُنَا : التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ . الْمُعَيَّنَ يَكُونُ مَحْبُوبًا مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهًا مِنْ وَجْهٍ وَأَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ التَّرَدُّدِ وَكَمَا أَنَّ هَذَا فِي الْأَفْعَالِ فَهُوَ فِي الْأَشْخَاصِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :
عَنْ مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُرْوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : " { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَنْ هَدَيْته فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْته فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي : لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْت كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمَخِيطُ إذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ

إيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَن إلَّا نَفْسَهُ } .
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، أَمَّا قَوْله تَعَالَى " { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي } " فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ كَبِيرَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَاتُ شُعَبٍ وَفُرُوعٍ : ( إحْدَاهُمَا : فِي الظُّلْمِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } وَقَوْلِهِ : { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } وَقَوْلِهِ : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } وَقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } وَقَوْلِهِ : { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } . وَنَفَى إرَادَتَهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } وَقَوْلِهِ : { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } . وَنَفَى خَوْفَ الْعِبَادِ لَهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا } فَإِنَّ النَّاسَ تَنَازَعُوا فِي مَعْنَى هَذَا الظُّلْمِ تَنَازُعًا صَارُوا فِيهِ بَيْنَ طَرَفَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ وَوَسَطٍ بَيْنَهُمَا وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَذَلِكَ بِسَبَبِ الْبَحْثِ فِي الْقَدَرِ وَمُجَامَعَتِهِ لِلشَّرْعِ ؛ إذْ الْخَوْضُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ تَامٍّ أَوْجَبَ ضَلَالَ عَامَّةِ الْأُمَمِ وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَنْ التَّنَازُعِ فِيهِ .

فَذَهَبَ الْمُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ الْقَائِلُونَ : بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ إلَّا مَا أَمَرَ بِأَنْ يَكُونَ . وَغُلَاتُهُمْ الْمُكَذِّبُونَ بِتَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّ الظُّلْمَ مِنْهُ هُوَ نَظِيرُ الظُّلْمِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَشَبَّهُوهُ وَمَثَّلُوهُ فِي الْأَفْعَالِ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ حَتَّى كَانُوا هُمْ مُمَثِّلَةَ الْأَفْعَالِ وَضَرَبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ وَلَمْ يَجْعَلُوا لَهُ الْمَثَلَ الْأَعْلَى بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ وَحَرَّمُوا مَا رَأَوْا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعِبَادِ وَيَحْرُمُ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْعِبَادِ وَإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ بِالرَّأْيِ وَقَالُوا عَنْ هَذَا : إذَا أَمَرَ الْعَبْدَ وَلَمْ يَعْنِهِ بِجَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهِ الْإِعَانَةِ كَانَ ظَالِمًا لَهُ وَالْتَزَمُوا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ ضَالًّا كَمَا قَالُوا : إنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَضِلَّ مُهْتَدِيًا وَقَالُوا مِنْ هَذَا : إذَا أَمَرَ اثْنَيْنِ بِأَمْرِ وَاحِدٍ وَخَصَّ أَحَدَهُمَا بِإِعَانَتِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَانَ ظَالِمًا إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ جَعَلُوا تَرْكَهُ لَهَا ظُلْمًا . وَكَذَلِكَ ظَنُّوا أَنَّ التَّعْذِيبَ لِمَنْ كَانَ فِعْلُهُ مُقَدَّرًا ظُلْمٌ لَهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ التَّعْذِيبِ لِمَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَقُمْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ خَلَقَهُ لِحِكْمَةِ أُخْرَى عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ . وَهَذَا الْمَوْضِعُ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ وَضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ فَعَارَضَ هَؤُلَاءِ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ فَقَالُوا : لَيْسَ لِلظُّلْمِ مِنْهُ حَقِيقَةٌ

يُمْكِنُ وُجُودُهَا بَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُمْتَنِعَةِ لِذَاتِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا وَلَا أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ هُوَ تَارِكٌ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَجَعْلِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ وَقَلْبِ الْقَدِيمِ مُحْدَثًا وَالْمُحْدَثِ قَدِيمًا وَإِلَّا فَمَهْمَا قُدِّرَ فِي الذِّهْنِ وَكَانَ وُجُودُهُ مُمْكِنًا وَاَللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِظُلْمِ مِنْهُ ؛ سَوَاءٌ فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ . وَتَلَقَّى هَذَا الْقَوْلَ عَنْ هَؤُلَاءِ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَمِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِمْ وَفَسَّرُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِمَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَرُبَّمَا تَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ مِنْ أَقْوَالٍ مَأْثُورَةٍ كَمَا رَوَيْنَا عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ : مَا نَاظَرْت بِعَقْلِي كُلِّهِ أَحَدًا إلَّا الْقَدَرِيَّةُ قُلْت لَهُمْ : مَا الظُّلْمُ ؟ قَالُوا : أَنْ تَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَك أَوْ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ لَك . قُلْت : فَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ إيَاسٍ إلَّا لِيُبَيِّنَ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْوَاقِعَةَ هِيَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ ظُلْمًا بِمُوجِبِ حَدِّهِمْ وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ فِيهِ ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ مَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ اللَّهُ فَهُوَ عَدْلٌ . وَفِي حَدِيثِ الْكُرَبِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { مَا أَصَابَ عَبْدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حُزْنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك ابْنُ أُمَّتِك نَاصِيَتِي بِيَدِك

مَاضٍ فِيَّ حُكْمُك عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُك أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِك أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مِنْ خَلْقِك أَوْ اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي إلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَعَلَّمُهُنَّ ؟ قَالَ : بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ } " فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ قَضَائِهِ فِي عَبْدِهِ عَدْلٌ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ : كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ وَكُلُّ نِقْمَةِ مِنْهُ عَدْلٌ . وَيُقَالُ : أَطَعْتُك بِفَضْلِك وَالْمِنَّةُ لَك وَعَصَيْتُك بِعِلْمِك - أَوْ بِعَدْلِك - وَالْحُجَّةُ لَك فَأَسْأَلُك بِوُجُوبِ حُجَّتِك عَلَيَّ وَانْقِطَاعِ حُجَّتِي إلَّا مَا غَفَرْت لِي . وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ إيَاسٍ كَمَا قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِغَيْلَان حِينَ قَالَ لَهُ غَيْلَانُ : نَشَدْتُك اللَّهَ أَتَرَى اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُعْصَى ؟ فَقَالَ : نَشَدْتُك اللَّهَ أَتَرَى اللَّهَ يُعْصَى قَسْرًا ؟ يَعْنِي : قَهْرًا . فَكَأَنَّمَا أَلْقَمَهُ حَجَرًا ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : يُحِبُّ أَنْ يُعْصَى لَفْظٌ فِيهِ إجْمَالٌ وَقَدْ لَا يَتَأَتَّى فِي الْمُنَاظَرَةِ تَفْسِيرُ الْمُجْمَلَاتِ خَوْفًا مِنْ لَدَدِ الْخَصْمِ فَيُؤْتَى بِالْوَاضِحَاتِ فَقَالَ : أَفَتَرَاهُ يُعْصَى قَسْرًا ؟ فَإِنَّ هَذَا إلْزَامٌ لَهُ بِالْعَجْزِ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْقَدَرِيَّةِ وَلِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمْ مِنْ الدَّهْرِيَّةِ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَكَذَلِكَ إيَاسُ رَأَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ الْمُطَابِقَ لِحَدِّهِمْ خَاصِمٌ لَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي يَطُولُ .

وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا } قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ مِنْ السَّلَفِ : لَا يَخَافُ أَنْ يُظْلَمَ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ وَلَا يُهْضَمَ فَيُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظُّلْمُ هُوَ شَيْءٌ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يَخَافُ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ خَارِجٌ عَنْ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مُمْكِنًا حَتَّى يَقُولُوا : أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ وَلَوْ أَرَادَهُ كَخَلْقِ الْمِثْلِ لَهُ فَكَيْفَ يُعْقَلُ وُجُودُهُ ؟ فَضْلًا أَنْ يُتَصَوَّرَ خَوْفُهُ حَتَّى يَنْفِيَ خَوْفَهُ ثُمَّ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي نَفْيِ خَوْفِ هَذَا ؟ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْعَامِلَ الْمُحْسِنَ لَا يُجْزَى عَلَى إحْسَانِهِ بِالظُّلْمِ وَالْهَضْمِ . فَعُلِمَ أَنَّ الظُّلْمَ وَالْهَضْمَ الْمَنْفِيَّ يَتَعَلَّقُ بِالْجَزَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَجْزِيهِ إلَّا بِعَمَلِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ : أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا مَنْ أَذْنَبَ ؛ كَمَا قَالَ : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } فَلَوْ دَخَلَهَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ أَتْبَاعِهِ لَمْ تَمْتَلِئْ مِنْهُمْ ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ تَحَاجِّ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ : " { إنَّ النَّارَ لَا تَمْتَلِئُ مِمَّنْ كَانَ أُلْقِيَ فِيهَا حَتَّى يَنْزَوِيَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَتَقُولَ قَطْ قَطْ بَعْدَ قَوْلِهَا : { هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ عَمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ } " .

وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِيمَنْ لَمْ يُكَلَّفْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَنَحْوِهِمْ مَا صَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ : أَنَّ اللَّه أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ فَلَا نَحْكُمُ لِكُلِّ مِنْهُمْ بِالْجَنَّةِ وَلَا لِكُلِّ مِنْهُمْ بِالنَّارِ بَلْ هُمْ يَنْقَسِمُونَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِلْمِ إذَا كُلِّفُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَرَصَاتِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ مُحْسِنًا فَيُنْقِصُهُ مِنْ إحْسَانِهِ أَوْ يَجْعَلُهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَظْلِمُ مُسِيئًا فَيَجْعَلُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ بَلْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى } { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وِزْرِ غَيْرِهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا سَعَاهُ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ تَعْذِيبَ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ يُنَافِي الْأَوَّلَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ إذْ ذَلِكَ النَّائِحُ يُعَذَّبُ بِنَوْحِهِ لَا يُحَمَّلُ الْمَيِّتُ وِزْرَهُ وَلَكِنَّ الْمَيِّتَ يَنَالُهُ أَلَمٌ مِنْ فِعْلِ هَذَا كَمَا يَتَأَلَّمُ الْإِنْسَانُ مِنْ أُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْ كَسْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَزَاءَ الْكَسْبِ . وَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ } " .

وَكَذَلِكَ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ انْتِفَاعَ الْمَيِّتِ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ الْحَيِّ يُنَافِي قَوْلَهُ : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّ انْتِفَاعَ الْمَيِّتِ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ الْحَيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآيَةِ كَانْتِفَاعِهِ بِالْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْآيَةَ تُخَالِفُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَقَوْلُهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ بَلْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآيَةِ كَانْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالشَّفَاعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا يُبَيِّنُ انْتِفَاعَ الْإِنْسَانِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ ؛ إذْ الْآيَةُ إنَّمَا نَفَتْ اسْتِحْقَاقَ السَّعْيِ وَمِلْكَهُ ؛ وَلَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَمْلِكُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِ مَالِكُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْهُ فَهَذَا نَوْعٌ وَهَذَا نَوْعٌ وَكَذَلِكَ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ جِهَتِهِ مَنْفَعَةٌ ؛ فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ . وَهَذِهِ النُّصُوصُ النَّافِيَةُ لِلظُّلْمِ تُثْبِتُ الْعَدْلَ فِي الْجَزَاءِ ؛ وَأَنَّهُ لَا يُبْخَسُ عَامِلٌ عَمَلَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَنْ عَاقَبَهُمْ : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } وَقَوْلُهُ { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } بَيَّنَ أَنَّ عِقَابَ الْمُجْرِمِينَ عَدْلًا لِذُنُوبِهِمْ لَا لِأَنَّا ظَلَمْنَاهُمْ فَعَاقَبْنَاهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ . وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ : " { لَوْ عَذَّبَ اللَّهُ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ } " يُبَيِّنُ أَنَّ الْعَذَابَ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ ذَلِكَ ؛ لَا لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مِنْ

الظُّلْمِ الْمَنْفِيِّ عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ } { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْعِقَابَ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا ؛ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ ذَلِكَ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرِيدُ الظُّلْمَ ؛ وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَمْدَحَ الْمَمْدُوحَ بِعَدَمِ إرَادَتِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَدْحُ بِتَرْكِ الْأَفْعَالِ إذَا كَانَ الْمَمْدُوحُ قَادِرًا عَلَيْهَا فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى مَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ مِنْ الظُّلْمِ وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ وَبِذَلِكَ يَصِحُّ قَوْلُهُ : " { إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي } " وَأَنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ الْمَنْعُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ : حَرَّمْت عَلَى نَفْسِي أَوْ مَنَعْت نَفْسِي مِنْ خَلْقِ مِثْلِي ؛ أَوْ جَعْلِ الْمَخْلُوقَاتِ خَالِقَةً ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَالَاتِ . وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا يَكُونُ مَعْنَاهُ : إنِّي أَخْبَرْت عَنْ نَفْسِي بِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَا يَكُونُ مِنِّي . وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يَتَيَقَّنُ الْمُؤْمِنُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادَ الرَّبِّ ؛ وَأَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَنْ إرَادَة مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَلِيقُ الْخِطَابُ بِمِثْلِهِ إذْ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ شِبْهَ التَّكْرِيرِ وَإِيضَاحَ الْوَاضِحِ : لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا ثَنَاءٌ وَلَا مَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُسْتَمِعُ فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ أَمْرٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ ؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِهِ مُقَدَّسٌ عَنْهُ .

يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّاسُ فِي حُدُودِ الظُّلْمِ يَتَنَاوَلُ هَذَا دُونَ ذَلِكَ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ : الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَقَوْلِهِمْ : مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ . أَيْ : فَمَا وَضَعَ الشَّبَهَ غَيْرَ مَوْضِعِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَكَمٌ عَدْلٌ لَا يَضَعُ الْأَشْيَاءَ إلَّا مَوَاضِعَهَا وَوَضْعُهَا غَيْرَ مَوَاضِعِهَا لَيْسَ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ ؛ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ ؛ بَلْ يَكْرَهُهُ وَيُبْغِضُهُ ؛ إذْ قَدْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ : الظُّلْمُ إضْرَارٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا بِغَيْرِ حَقٍّ . وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ : هُوَ نَقْصُ الْحَقِّ ؛ وَذَكَرَ أَنَّ أَصْلَهُ النَّقْصُ كَقَوْلِهِ : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا } . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : هُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَهَذَا لَيْسَ بِمُطَّرِدِ وَلَا مُنْعَكِسٍ فَقَدْ يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِحَقِّ وَلَا يَكُونُ ظَالِمًا وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَكُونُ ظَالِمًا وَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ . وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ : فِعْلُ الْمَأْمُورِ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إنْ سَلِمَ صِحَّةُ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ فَهُوَ لَا يَفْعَلُ خِلَافَ مَا كَتَبَ وَلَا يَفْعَلُ مَا حَرَّمَ . وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا فِيهِ

وَإِنَّمَا نُشِيرُ إلَى النُّكَتِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ الْقَوْلُ الْمُتَوَسِّطُ وَهُوَ : أَنَّ الظُّلْمَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلَ : أَنْ يَتْرُكَ حَسَنَاتِ الْمُحْسِنِ فَلَا يَجْزِيهِ بِهَا ؛ وَيُعَاقِبَ الْبَرِيءَ عَلَى مَا لَمْ يَفْعَلْ مِنْ السَّيِّئَاتِ ؛ وَيُعَاقِبَ هَذَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ ؛ أَوْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ الْقِسْطِ ؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُنَزَّهُ الرَّبُّ عَنْهَا لِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ لِأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الظُّلْمَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ . وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ فَهُوَ أَيْضًا مُنَزَّهٌ عَنْ أَفْعَالِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ . وَعَلَى قَوْلِ الْفَرِيقِ الثَّانِي مَا ثَمَّ فَعَلَ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ أَصْلًا وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لَمَّا نَاظَرُوا مُتَكَلِّمَةَ النَّفْيِ أَلْزَمُوهُمْ لَوَازِمَ لَمْ يَنْفَصِلُوا عَنْهَا إلَّا بِمُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ وَهَذَا مِمَّا عَابَهُ الْأَئِمَّةُ وَذَمُّوهُ كَمَا عَابَ الأوزاعي وَالزُّبَيْدِيُّ وَالثَّوْرِيّ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ مُقَابَلَةَ الْقَدَرِيَّةِ بِالْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ وَأَمَرُوا بِالِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَمَا عَابُوا أَيْضًا عَلَى مَنْ قَابَلَ الْجَهْمِيَّة نفاة الصِّفَاتِ بِالْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ حَتَّى دَخَلَ فِي تَمْثِيلِ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا وَهَذَا وَذَكَرْنَا كَلَامَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى " مَسْأَلَةِ تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ " فَمَنْ قَالَ : الْعَقْلُ يُعْلَمُ بِهِ حُسْنُ الْأَفْعَالِ وَقُبْحُهَا فَإِنَّهُ يُنَزِّهُ الرَّبَّ عَنْ بَعْضِ

الْأَفْعَالِ وَمَنْ قَالَ : لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالسَّمْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ بِنَاءُ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ بِلَازِمِ وَبِتَقْدِيرِ لُزُومِهَا فَفِي تِلْكَ تَفْصِيلٌ وَتَحْقِيقٌ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَذَلِكَ أَنَّا فَرَضْنَا أَنَّا نَعْلَمُ بِالْعَقْلِ حُسْنَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَقُبْحَهَا ؛ لَكِنَّ الْعَقْلَ لَا يَقُولُ : إنَّ الْخَالِقَ كَالْمَخْلُوقِ ؛ حَتَّى يَكُونَ مَا جَعَلَهُ حَسَنًا لِهَذَا أَوْ قَبِيحًا لَهُ جَعَلَهُ حَسَنًا لِلْآخَرِ أَوْ قَبِيحًا لَهُ ؛ كَمَا يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ ؛ لِمَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ مِنْ الْفُرُوقِ الْكَثِيرَةِ . وَإِنْ فَرَضْنَا أَنَّ حُسْنَ الْأَفْعَالِ وَقُبْحَهَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالشَّرْعِ فَالشَّرْعُ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ أَفْعَالٍ وَأَحْكَامٍ - فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهَا - تَارَةً بِخَبَرِهِ مُثْنِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا ؛ وَتَارَةً بِخَبَرِهِ أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ . وَهَذَا يُبَيِّنُ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ . فَنَقُولُ : النَّاسُ لَهُمْ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَصْلُحُ مِنْهُ وَيَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : طَرَفَانِ وَوَسَطٌ . فَالطَّرَفُ الْوَاحِدُ : طَرَفُ الْقَدَرِيَّةِ وَهُمْ الَّذِينَ حَجَرُوا عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا مَا ظَنُّوا بِعَقْلِهِمْ أَنَّهُ الْجَائِزُ لَهُ حَتَّى وَضَعُوا لَهُ شَرِيعَةَ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيزِ فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ بِعَقْلِهِمْ أُمُورًا كَثِيرَةً وَحَرَّمُوا عَلَيْهِ بِعَقْلِهِمْ أُمُورًا كَثِيرَةً ؛ لَا بِمَعْنَى : أَنَّ الْعَقْلَ آمِرٌ لَهُ وَنَاهٍ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ بَلْ بِمَعْنَى : أَنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالَ مِمَّا

عُلِمَ بِالْعَقْلِ وُجُوبُهَا وَتَحْرِيمُهَا وَلَكِنْ أَدْخَلُوا فِي ذَلِكَ [ مِنْ ] (1) الْمُنْكَرَاتِ مَا بَنَوْهُ عَلَى بِدْعَتِهِمْ فِي التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ . وَالطَّرَفُ الثَّانِي : طَرَفُ الْغُلَاةِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : لَا يُنَزَّهُ الرَّبُّ عَنْ فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَا نَعْلَمُ وَجْهَ امْتِنَاعِ الْفِعْلِ مِنْهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ خَبَرِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ الْمُطَابِقِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ . وَهَؤُلَاءِ مَنَعُوا حَقِيقَةَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { إنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ كِتَابًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ : إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي } " وَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْخَبَرَ الْمُجَرَّدَ الْمُطَابِقَ لِلْعِلْمِ لَا يُبَيِّنُ وَجْهَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ ؛ إذْ الْعِلْمُ يُطَابِقُ الْمَعْلُومَ ؛ فَعِلْمُهُ بِأَنَّهُ يَفْعَلُ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِأَنَّهُ كَتَبَ هَذَا عَلَى نَفْسِهِ وَحَرَّمَ هَذَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ كَائِنٍ مَنْ كَانَ أَنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا وَلَا يَفْعَلُ كَذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا بَيَانٌ لِكَوْنِهِ مَحْمُودًا مَمْدُوحًا عَلَى فِعْلِ هَذَا وَتَرْكِ هَذَا ؛ وَلَا فِي ذَلِكَ مَا يُبَيِّنُ قِيَامَ الْمُقْتَضِي لِهَذَا وَالْمَانِعِ مِنْ هَذَا ؛ فَإِنَّ الْخَبَرَ الْمَحْضَ كَاشِفٌ عَنْ الْمُخْبِرِ عَنْهُ ؛ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا يَدْعُو إلَى الْفِعْلِ وَلَا إلَى التَّرْكِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : { كَتَبَ

عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } { وَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ } فَإِنَّ التَّحْرِيمَ مَانِعٌ مِنْ الْفِعْلِ وَكِتَابَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ دَاعِيَةٌ إلَى الْفِعْلِ ؛ وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مُجَرَّدَ كِتَابَتِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ وَهُوَ كِتَابَةُ التَّقْدِيرِ كَمَا قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : " { أَنَّهُ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } " ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } وَلَوْ أُرِيدَ كِتَابَةُ التَّقْدِيرِ لَكَانَ قَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَضَبَ كَمَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ؛ إذْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ الْخَبَرِ عَمَّا سَيَكُونُ وَلَكَانَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الْإِحْسَانِ كَمَا حَرَّمَ الظُّلْمَ . وَكَمَا أَنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ فِي حَقِّنَا بَيْنَ قَوْله [ تَعَالَى ] (1) : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وَبَيْنَ قَوْلِهِ : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ } وَقَوْلِهِ : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } وَقَوْلِهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] (2) : " { فَيُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ لَهُ : اُكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ } " . فَهَكَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا ثَابِتٌ فِي حَقِّ اللَّهِ . وَنَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْله تَعَالَى { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " { يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْت : اللَّهُ

وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا . أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قُلْت ؟ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ } " وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ : " كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَذَا " . فَهَذَا الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ هُوَ أَحَقَّهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ . وَنَظِيرُ تَحْرِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ قَسَمِهِ لَيَفْعَلَن وَكَلِمَتُهُ السَّابِقَةُ كَقَوْلِهِ : { وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ } وَقَوْلِهِ : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ } { لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } ؟ { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ } وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْقَسَمِ الْمُتَضَمِّنَةِ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقَسَمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْخَبَرِ الْمَحْضِ . وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : الْيَمِينُ إمَّا أَنْ تُوجِبَ حَقًّا ؛ أَوْ مَنْعًا ؛ أَوْ تَصْدِيقًا ؛ أَوْ تَكْذِيبًا . وَإِذَا كَانَ مَعْقُولًا فِي الْإِنْسَانِ أَنَّهُ يَكُونُ آمِرًا مَأْمُورًا كَقَوْلِهِ : { إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } وَقَوْلِهِ : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ آمِرٌ وَنَاهٍ فَوْقَهُ وَالرَّبُّ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ لَأَنْ يَتَصَوَّرَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآمِرَ الْكَاتِبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَالنَّاهِي الْمُحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ أَوْلَى

وَأَحْرَى وَكِتَابَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ تَسْتَلْزِمُ إرَادَتَهُ لِذَلِكَ وَمَحَبَّتَهُ لَهُ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ وَتَحْرِيمُهُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ يَسْتَلْزِمُ بُغْضَهُ لِذَلِكَ وَكَرَاهَتَهُ لَهُ وَإِرَادَتَهُ وَمَحَبَّتُهُ لِلْفِعْلِ تُوجِبُ وُقُوعَهُ مِنْهُ وَبُغْضَهُ لَهُ وَكَرَاهَتَهُ لِأَنْ يَفْعَلَهُ يَمْنَعُ وُقُوعَهُ مِنْهُ . فَأَمَّا مَا يُحِبُّهُ وَيُبْغِضُهُ مِنْ أَفْعَالِ عِبَادِهِ فَذَلِكَ نَوْعٌ آخَرُ فَفَرْقٌ بَيْنَ فِعْلِهِ هُوَ وَبَيْنَ مَا هُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ لَهُ وَلَيْسَ فِي مَخْلُوقِهِ مَا هُوَ ظُلْمٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَاعِلِهِ الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ هُوَ ظُلْمٌ كَمَا أَنَّ أَفْعَالَ الْإِنْسَانِ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَكُونُ سَرِقَةً وَزِنًا وَصَلَاةً وَصَوْمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى خَالِقُهَا بِمَشِيئَتِهِ وَلَيْسَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَذَلِكَ إذْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ هِيَ لِلْفَاعِلِ الَّذِي قَامَ بِهِ هَذَا الْفِعْلُ كَمَا أَنَّ الصِّفَاتِ هِيَ صِفَاتٌ لِلْمَوْصُوفِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ لَا لِلْخَالِقِ الَّذِي خَلَقَهَا وَجَعَلَهَا صِفَاتٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ مَوْصُوفٍ وَصِفَتَهُ . ثُمَّ صِفَاتُ الْمَخْلُوقَاتِ لَيْسَتْ صِفَاتٍ لَهُ : كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ لِعَدَمِ قِيَامِ ذَلِكَ بِهِ . وَكَذَلِكَ حَرَكَاتُ الْمَخْلُوقَاتِ لَيْسَتْ حَرَكَاتٍ لَهُ وَلَا أَفْعَالًا لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ؛ لِكَوْنِهَا مَفْعُولَاتٍ هُوَ خَلَقَهَا . وَبِهَذَا الْفَرْقُ تَزُولُ شُبَهٌ كَثِيرَةٌ وَالْأَمْرُ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ وَهُوَ مُقَدَّسٌ عَنْ تَرْكِ هَذَا الَّذِي لَوْ تُرِكَ لَكَانَ تَرْكُهُ نَقْصًا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ مُقَدَّسٌ عَنْ فِعْلِهِ الَّذِي لَوْ كَانَ لَأَوْجَبَ نَقْصًا .

وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عِنْدَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ وَهُوَ أَيْضًا مُسْتَقِرٌّ فِي قُلُوبِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْقَدَرِيَّةَ شَبَّهُوا عَلَى النَّاسِ بِشُبَهِهِمْ فَقَابَلَهُمْ مَنْ قَابَلَهُمْ بِنَوْعِ مِنْ الْبَاطِلِ كَالْكَلَامِ الَّذِي كَانَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَذُمُّونَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالُوا : قَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَالِمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالظَّالِمُ مَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ كَمَا أَنَّ الْعَادِلَ مَنْ فَعَلَ الْعَدْلَ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ سَمْعًا وَعَقْلًا قَالُوا : وَلَوْ كَانَ اللَّهُ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ الَّتِي هِيَ الظُّلْمُ لَكَانَ ظَالِمًا . فَعَارَضَهُمْ هَؤُلَاءِ بِأَنْ قَالُوا : لَيْسَ الظَّالِمُ مَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ بَلْ الظَّالِمُ مَنْ قَامَ بِهِ الظُّلْمُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الظَّالِمُ مَنْ اكْتَسَبَ الظُّلْمَ وَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الظَّالِمُ مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَوْ مَا نُهِيَ عَنْهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ لِنَفْسِهِ . وَهَؤُلَاءِ يَعْنُونَ : أَنْ يَكُونَ النَّاهِي لَهُ وَالْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ تَصَوُّرُ الظُّلْمِ مِنْهُ مُمْتَنِعًا عِنْدَهُمْ لِذَاتِهِ ؛ كَامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ آمِرٌ لَهُ وَنَاهٍ . وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ يَعُودَ إلَى الرَّبِّ مِنْ أَفْعَالِهِ حُكْمٌ لِنَفْسِهِ . وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُنَازِعُوا أُولَئِكَ فِي أَنَّ الْعَادِلَ مَنْ فَعَلَ الْعَدْلَ بَلْ سَلَّمُوا ذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ نَازَعَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ مُنَازَعَةً عنادية .

وَاَلَّذِي يَكْشِفُ تَلْبِيسَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : الظَّالِمُ وَالْعَادِلُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ فَاعِلًا لِلظُّلْمِ وَالْعَدْلِ فَذَلِكَ يَأْثَمُ بِهِ أَيْضًا وَلَا يَعْرِفُ النَّاسُ مَنْ يُسَمَّى ظَالِمًا وَلَمْ يَقُمْ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي بِهِ صَارَ ظَالِمًا بَلْ لَا يَعْرِفُونَ ظَالِمًا إلَّا مَنْ قَامَ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي فَعَلَهُ وَبِهِ صَارَ ظَالِمًا ؛ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ وَلَهُ مَفْعُولٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ . لَكِنْ لَا يَعْرِفُونَ الظَّالِمَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِهِ ذَلِكَ فَكَوْنُكُمْ أَخَذْتُمْ فِي حَدِّ الظَّالِمِ أَنَّهُ مَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ وَعَنَيْتُمْ بِذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ . فَهَذَا تَلْبِيسٌ وَإِفْسَادٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَاللُّغَةِ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي مُسَمَّى الْمُتَكَلِّمِ حَيْثُ قُلْتُمْ : هُوَ مِنْ فِعْلِ الْكَلَامِ وَلَوْ فِي غَيْرِهِ . وَجَعَلْتُمْ مَنْ أَحْدَثَ كَلَامًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ قَائِمًا بِغَيْرِهِ مُتَكَلِّمًا وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ هُوَ كَلَامٌ أَصْلًا . وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ وَالْقَرْمَطَةِ وَالسَّفْسَطَةِ . وَلِهَذَا أَلْزَمَهُمْ السَّلَفُ أَنْ يَكُونَ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْجَمَادَاتِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا خَلَقَهُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَلَا يُفَرِّقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ نَطَقَ وَأَنْطَقَ وَإِنَّمَا قَالَتْ الْجُلُودُ : { أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } وَلَمْ تَقُلْ نَطَقَ اللَّهُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ كَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِهِ مَا مَعْنَاهُ : أَنَّهُ عَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ الَّذِي خُلِقَ فِي فِرْعَوْنَ حَتَّى قَالَ : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } كَالْكَلَامِ الَّذِي خُلِقَ فِي الشَّجَرَةِ حَتَّى قَالَتْ : { إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا } فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ مُحِقًّا أَوْ

تَكُونُ الشَّجَرَةُ كَفِرْعَوْنَ . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِنَحْوِ الِاتِّحَادِيَّةِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَيُنْشِدُونَ : وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ وَهَذَا يَسْتَوْعِبُ أَنْوَاعَ الْكُفْرِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ الْأَمْرِ الْبَيِّنِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ : الْمُتَكَلِّمُ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ أَصْلًا . فَإِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَكَلِّمِ ؛ إذْ لَيْسَ الْمُتَكَلِّمُ إلَّا هَذَا وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلُوهُمْ يَقُولُونَ : لَيْسَ بِمُتَكَلِّمِ . ثُمَّ قَالُوا : هُوَ مُتَكَلِّمٌ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَذَلِكَ لِمَا اسْتَقَرَّ فِي الْفِطَرِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ كَلَامٌ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ فَاعِلًا لَهُ كَمَا يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ كَلَامُهُ وَهُوَ كَاسِبٌ لَهُ . أَمَّا أَنْ يَجْعَلَ مُجَرَّدَ إحْدَاثِ الْكَلَامِ فِي غَيْرِهِ كَلَامًا لَهُ : فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ . وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الظُّلْمِ فَهَبْ أَنَّ الظَّالِمَ مَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ فَلَيْسَ هُوَ مَنْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ فِعْلٌ أَصْلًا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِهِ فِعْلٌ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا إلَى غَيْرِهِ فَهَذَا جَوَابٌ . ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : الظُّلْمُ فِيهِ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ فَهُوَ ظُلْمٌ مِنْ الظَّالِمِ بِمَعْنَى : أَنَّهُ عُدْوَانٌ وَبَغْيٌ مِنْهُ وَهُوَ ظُلْمٌ لِلْمَظْلُومِ بِمَعْنَى أَنَّهُ بَغْيٌ وَاعْتِدَاءٌ عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدًّى عَلَيْهِ بِهِ وَلَا هُوَ مِنْهُ عُدْوَانٌ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ فِي حَقِّهِ لَيْسَ بِظُلْمِ لَا مِنْهُ وَلَا لَهُ .

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ إذَا خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ خَلْقِهِ لِصِفَاتِهِمْ فَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ إذَا جَعَلَ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ أَسْوَدَ وَبَعْضَهَا أَبْيَضَ أَوْ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا أَوْ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا أَوْ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ قَادِرًا أَوْ عَاجِزًا أَوْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا أَوْ سَعِيدًا أَوْ شَقِيًّا أَوْ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا : كَانَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَالطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَالْحَيُّ وَالْمَيِّتُ وَالظَّالِمُ وَالْمَظْلُومُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُوصَفُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا إحْدَاثُهُ لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ مِنْ شَخْصٍ وَظُلْمٌ لِآخَرَ بِمَنْزِلَةِ إحْدَاثِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ الَّذِي هُوَ أَكْلٌ مِنْ شَخْصٍ وَأَكْلٌ لِآخَرَ وَلَيْسَ هُوَ بِذَلِكَ آكِلًا وَلَا مَأْكُولًا . وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ . وَإِنْ كَانَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لَازِمِهَا وَمُتَعَدِّيهَا حِكَمٌ بَالِغَةٌ كَمَا لَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فِي خَلْقِ صِفَاتِهِمْ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ ؛ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِ ذَلِكَ . وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَدْلِيسُ الْقَدَرِيَّةِ . وَأَمَّا تِلْكَ الْحُدُودُ الَّتِي عُورِضُوا بِهَا فَهِيَ دَعَاوٍ وَمُخَالِفَةٌ أَيْضًا لِلْمَعْلُومِ مِنْ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَالْعَقْلِ أَوْ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْإِجْمَالِ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : الظَّالِمُ مَنْ قَامَ بِهِ الظُّلْمُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهُ آمِرًا لَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لَهُ

مَعَ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ كَانَ اقْتِصَارُهُ عَلَى تَفْسِيرِ الظَّالِمِ بِمَنْ قَامَ بِهِ الظُّلْمُ كَاقْتِصَارِ أُولَئِكَ عَلَى تَفْسِيرِ الظَّالِمِ فِي فِعْلِ الظُّلْمِ وَاَلَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ عَامُّهُمْ وَخَاصُّهُمْ أَنَّ الظَّالِمَ فَاعِلٌ لِلظُّلْمِ وَظُلْمُهُ فِعْلٌ قَائِمٌ بِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ جَحَدَ بَعْضَ الْحَقِّ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْإِطْلَاقُ صَحِيحٌ . لَكِنْ يُقَالُ : قَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْهِ نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَ الْمُطِيعِينَ وَأَنَّهُ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي حَرَّمَ بِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ كَمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَتَبَ بِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَوْ مُوجِبًا عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بِعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الظُّلْمُ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ ظُلْمٌ بِلَا رَيْبٍ وَهُوَ أَمْرٌ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَتْرُكُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ عَادِلٌ لَيْسَ بِظَالِمِ كَمَا يَتْرُكُ عُقُوبَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَكَمَا يَتْرُكُ أَنْ يَحْمِلَ الْبَرِيءُ ذُنُوبَ الْمُعْتَدِينَ .
فَصْلٌ :
قَوْلُهُ : " { وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا } " يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ شَرِيفُ الْقَدْرِ عَظِيمُ الْمَنْزِلَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد

يَقُولُ : هُوَ أَشْرَفُ حَدِيثٍ لِأَهْلِ الشَّامِ وَكَانَ أَبُو إدْرِيسَ الخولاني إذَا حَدَّثَ بِهِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ . وَرَاوِيهِ أَبُو ذَرٍّ الَّذِي مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْهُ وَهُوَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي رَوَاهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا وَقَدْ جَمَعَ فِي هَذَا الْبَابِ زَاهِرٌ الشحامي وَعَبْدُ الْغَنِيِّ المقدسي وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ المقدسي وَغَيْرُهُمْ . وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ تَضَمَّنَ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ الْعَظِيمَةِ فِي الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ : " { حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي } " يَتَضَمَّنُ جُلَّ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ إذَا أُعْطِيَتْ حَقَّهَا مِنْ التَّفْسِيرِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا فِيهَا مَا لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ مِنْ أَوَائِلِ النُّكَتِ الْجَامِعَةِ . وَأَمَّا هَذِهِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ : " { وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا } " فَإِنَّهَا تَجْمَعُ الدِّينَ كُلَّهُ ؛ فَإِنَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ رَاجِعٌ إلَى الظُّلْمِ وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْعَدْلِ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِأَجْلِ قِيَامِ النَّاسِ بِالْقِسْطِ . وَذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ الَّذِي بِهِ يَنْصُرُ هَذَا الْحَقَّ

فَالْكِتَابُ يَهْدِي وَالسَّيْفُ يَنْصُرُ وَكَفَى بِرَبِّك هَادِيًا وَنَصِيرًا . وَلِهَذَا كَانَ قِوَامُ النَّاسِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ الْحَدِيدِ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : صِنْفَانِ إذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ : الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ . وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } أَقْوَالًا تَجْمَعُ الْعُلَمَاءَ وَالْأُمَرَاءَ وَلِهَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى دُخُولِ الصِّنْفَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَكَانَ نُوَّابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ كَعَلِيِّ وَمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَتَّابِ بْنِ أسيد وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي العاص وَأَمْثَالِهِمْ يَجْمَعُونَ الصِّنْفَيْنِ . وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَنُوَّابِهِمْ . وَلِهَذَا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَاَلَّذِي يَقُومُ بِالْجِهَادِ صَاحِبُ الْحَدِيدِ . إلَى أَنْ تَفَرَّقَ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا تَفَرَّقَ صَارَ كُلُّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ الْحَرْبِ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَعُقُوبَاتِ الْفُجَّارِ يَجِبُ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَقَسْمِهَا يَجِبُ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ بِالْكِتَابِ بِتَبْلِيغِ أَخْبَارِهِ وَأَوَامِرِهِ وَبَيَانِهَا يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ وَيُطَاعَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الصِّدْقِ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ .

وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ أَنْ يَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَيَأْمُرُونَ بِأَشْيَاءَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَغَيْرِهِمَا يَذُمُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ مَا أَمَرَ بِهِ هُوَ وَمَا حَرَّمَهُ هُوَ فَقَالَ : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . وَهَذِهِ الْآيَةُ تَجْمَعُ أَنْوَاعَ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَتِلْكَ الْآيَةُ تَجْمَعُ أَنْوَاعَ الْوَاجِبَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ : { أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أَمَرَ مَعَ الْقِسْطِ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهَذَا أَصْلُ الدِّينِ وَضِدُّهُ هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ جَمِيعَ الرُّسُلِ وَأَرْسَلَهُمْ بِهِ إلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ مَنْ

أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَقَالَ تَعَالَى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } . وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } . وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ " بَابَ مَا جَاءَ فِي أَنَّ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدٌ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْإِسْلَامُ الْعَامُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّبِيِّينَ . قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ : { إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } { وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } . وَقَالَ فِي قِصَّة بلقيس : { رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَقَالَ : { إنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا } .

وَهَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ هُوَ أَعْظَمُ الْعَدْلِ وَضِدُّهُ وَهُوَ الشِّرْكُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ كَمَا أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فَقَالَ : أَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ : { إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } } " ؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك قُلْت : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارك فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } الْآيَةَ } . وَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا { الظُّلْمُ ثَلَاثَةُ دَوَاوِينَ : فَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا . فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ الشِّرْكُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ . وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ ظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ أَنْ يُنْصِفَ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ . وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ

رَبِّهِ } أَيْ : مَغْفِرَةُ هَذَا الضَّرْبِ مُمْكِنَةٌ بِدُونِ رِضَى الْخَلْقِ ؛ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَ هَذَا الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الشَّرِيفَةِ وَالْأُصُولِ الْجَامِعَةِ فِي الْقَوَاعِدِ وَبَيَّنَّا أَنْوَاعَ الظُّلْمِ وَبَيَّنَّا كَيْفَ كَانَ الشِّرْكُ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَمُسَمَّى الشِّرْكِ جَلِيلِهِ وَدَقِيقِهِ ؟ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " { الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ } " . وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الرِّيَاءِ { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } وَكَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ يَقُولُ : يَا بَقَايَا الْعَرَبِ يَا بَقَايَا الْعَرَبِ إنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ . قَالَ أَبُو دَاوُد السجستاني صَاحِبُ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ : الْخَفِيَّةُ حُبُّ الرِّيَاسَةِ . وَذَلِكَ أَنَّ حُبَّ الرِّيَاسَةِ هُوَ أَصْلُ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ كَمَا أَنَّ الرِّيَاءَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الشِّرْكِ أَوْ مَبْدَأُ الشِّرْكِ . وَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الْفَسَادِ كَمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ أَعْظَمُ الصَّلَاحِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } إلَى أَنْ خَتَمَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا } وَقَالَ : { وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } وَقَالَ :

{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } . فَأَصْلُ الصَّلَاحِ : التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ وَأَصْلُ الْفَسَادِ : الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ . كَمَا قَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } { أَلَا إنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ } وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاحَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ وَبِهِ الْمَقْصُودُ الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ : الْعَقْدُ الصَّحِيحُ مِمَّا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَحَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُ . وَالْفَاسِدُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ مَقْصُودٌ وَالصَّحِيحُ الْمُقَابِلُ لِلْفَاسِدِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ هُوَ الصَّالِحُ . وَكَانَ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ السَّلَفِ : هَذَا لَا يَصْلُحُ أَوْ يَصْلُحُ كَمَا كَثُرَ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَصِحُّ وَلَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا خَلَقَ الْإِنْسَانَ لِعِبَادَتِهِ وَبَدَنُهُ تَبَعٌ لِقَلْبِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " { أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ . وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ } " وَصَلَاحُ الْقَلْبِ : فِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُ وَبِهِ الْمَقْصُودُ الَّذِي خُلِقَ لَهُ مِنْ

مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَفَسَادِهِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ . فَلَا صَلَاحَ لِلْقُلُوبِ بِدُونِ ذَلِكَ قَطُّ . وَالْقَلْبُ لَهُ قُوَّتَانِ : الْعِلْمُ ؛ وَالْقَصْدُ كَمَا أَنَّ لِلْبَدَنِ الْحِسَّ ؛ وَالْحَرَكَةَ الْإِرَادِيَّةَ فَكَمَا أَنَّهُ مَتَى خَرَجَتْ قُوَى الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ عَنْ الْحَالِ الْفِطْرِيِّ الطَّبِيعِيِّ فَسَدَتْ . فَإِذَا خَرَجَ الْقَلْبُ عَنْ الْحَالِ الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي يُولَدُ عَلَيْهَا كُلُّ مَوْلُودٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا لِرَبِّهِ مُرِيدًا لَهُ فَيَكُونُ هُوَ مُنْتَهَى قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ . وَذَلِكَ هِيَ الْعِبَادَةُ ؛ إذْ الْعِبَادَةُ : كَمَالُ الْحُبِّ بِكَمَالِ الذُّلِّ فَمَتَى لَمْ تَكُنْ حَرَكَةُ الْقَلْبِ وَوَجْهُهُ وَإِرَادَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ فَاسِدًا ؛ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْ اللَّهِ وَعَنْ ذَكَرَهُ غَافِلًا عَنْ ذَلِكَ مَعَ تَكْذِيبٍ أَوْ بِدُونِ تَكْذِيبٍ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ ذِكْرٌ وَشُعُورٌ وَلَكِنْ قَصْدُهُ وَإِرَادَتُهُ غَيْرَهُ لِكَوْنِ الذِّكْرِ ضَعِيفًا لَمْ يَجْتَذِبْ الْقَلْبَ إلَى إرَادَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ . وَإِلَّا فَمَتَى قَوِيَ عِلْمُ الْقَلْبِ وَذِكْرُهُ أَوْجَبَ قَصْدَهُ وَعِلْمَهُ قَالَ تَعَالَى : { فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } فَأَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَنْ يُعْرِضَ عَمَّنْ كَانَ مُعْرِضًا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُرَادٌ إلَّا مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا . وَهَذِهِ حَالُ مَنْ فَسَدَ قَلْبُهُ ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ رَبَّهُ ؛ وَلَمْ يُنِبْ إلَيْهِ فَيُرِيدُ وَجْهَهُ وَيُخْلِصُ لَهُ الدِّينَ . ثُمَّ قَالَ : { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ

لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ عِلْمٌ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ؛ فَهِيَ أَكْبَرُ هَمِّهِمْ وَمَبْلَغُ عِلْمِهِمْ . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَكْبَرُ هَمِّهِ هُوَ اللَّهُ وَإِلَيْهِ انْتَهَى عِلْمُهُ وَذِكْرُهُ . وَهَذَا الْآنُ بَابٌ وَاسِعٌ عَظِيمٌ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ . وَإِذَا كَانَ التَّوْحِيدُ أَصْلَ صَلَاحِ النَّاسِ وَالْإِشْرَاكُ أَصْلَ فَسَادِهِمْ وَالْقِسْطُ مَقْرُونٌ بِالتَّوْحِيدِ ؛ إذْ التَّوْحِيدُ أَصْلُ الْعَدْلِ ؛ وَإِرَادَةُ الْعُلُوِّ مَقْرُونَةٌ بِالْفَسَادِ ؛ إذْ هُوَ أَصْلُ الظُّلْمِ فَهَذَا مَعَ هَذَا وَهَذَا مَعَ هَذَا كَالْمَلْزُوزِينَ فِي قَرْنٍ فَالتَّوْحِيدُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ هُوَ صَلَاحٌ وَعَدْلٌ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمَ بِالْوَاجِبَاتِ ؛ وَهُوَ الْبِرُّ ؛ وَهُوَ الْعَدْلُ . وَالذُّنُوبُ الَّتِي فِيهَا تَفْرِيطٌ أَوْ عُدْوَانٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ هِيَ فَسَادٌ وَظُلْمٌ ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مُفْسِدِينَ وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْعُلُوَّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ هُوَ ظَالِمٌ لَهُ بَاغٍ ؛ إذْ لَيْسَ كَوْنُك عَالِيًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ عَالِيًا عَلَيْك وَكِلَاكُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَالْقِسْطُ وَالْعَدْلُ أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً كَمَا وَصَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ . وَالتَّوْحِيدُ وَإِنْ كَانَ أَصْلَ الصَّلَاحِ فَهُوَ أَعْظَمُ الْعَدْلِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } وَلِهَذَا كَانَ تَخْصِيصُهُ

بِالذِّكْرِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْقِسْطِ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْإِيمَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } و { مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ } هَذَا إذَا قِيلَ : إنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُهُ . سَوَاءٌ قِيلَ : إنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ أَوْ قِيلَ : بَلْ عَطْفُهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ مُنْفَرِدًا كَمَا قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا تَتَنَوَّعُ دَلَالَتُهُ بِالْإِفْرَادِ وَالِاقْتِرَانِ . لَكِنَّ الْمَقْصُودَ : أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ وَكُلَّ شَرٍّ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الظُّلْمِ . وَلِهَذَا كَانَ الْعَدْلُ أَمْرًا وَاجِبًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَالظُّلْمُ مُحَرَّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ فَلَا يَحِلُّ ظُلْمُ أَحَدٍ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ كَانَ ظَالِمًا بَلْ الظُّلْمُ إنَّمَا يُبَاحُ أَوْ يَجِبُ فِيهِ الْعَدْلُ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ } أَيْ : لَا يَحْمِلَنكُمْ شَنَآنُ أَيْ : بُغْضُ قَوْمٍ - وَهُمْ الْكُفَّارُ - عَلَى عَدَمِ الْعَدْلِ ؛ { قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ

مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } . وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ : " { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا } " فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادِ أَنْ لَا يَظْلِمَ أَحَدٌ أَحَدًا وَأَمْرُ الْعَالِمِ فِي الشَّرِيعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا وَهُوَ الْعَدْلُ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ ؛ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَنْسَابِ ؛ وَالْأَعْرَاضِ . وَلِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ وَمُقَابَلَةِ الْعَادِي بِمِثْلِ فِعْلِهِ . لَكِنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ يَكُونُ عِلْمُهَا أَوْ عَمَلُهَا مُتَعَذِّرًا أَوْ مُتَعَسِّرًا ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ الْوَاجِبُ مَا يَكُونُ أَقْرَبَ إلَيْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَيُقَالُ : هَذَا أَمْثَلُ ؛ وَهَذَا أَشْبَهُ . وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى لِمَا كَانَ أَمْثَلَ بِمَا هُوَ الْعَدْلُ وَالْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ إذْ ذَاكَ مَعْجُوزٌ عَنْهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا حِينَ أَمَرَ بِتَوْفِيَةِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمَكِيلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ بِحَبَّةِ أَوْ حَبَّاتٍ وَكَذَلِكَ التَّفَاضُلُ فِي الْمِيزَانِ قَدْ يَحْصُلُ بِشَيْءِ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى : { لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } . وَلِهَذَا كَانَ الْقِصَاصُ مَشْرُوعًا إذَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ جَنَفٍ كَالِاقْتِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ . وَفِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَى مَفْصِلٍ فَإِذَا كَانَ الْجَنَفُ وَاقِعًا فِي الِاسْتِيفَاءِ عُدِلَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ

الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْعَدْلِ مِنْ إتْلَافِ زِيَادَةٍ فِي الْمُقْتَصِّ مِنْهُ وَهَذِهِ حُجَّةُ مَنْ رَأَى مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُقِ قَالَ : لِأَنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ السَّيْفِ وَفِي غَيْرِ الْعُنُقِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةَ بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّحْرِيقُ وَالتَّغْرِيقُ وَالتَّوْسِيطُ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَشَدَّ إيلَامًا ؛ لَكِنْ الَّذِينَ قَالُوا : يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ قَوْلُهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ ؛ فَإِنَّهُ مَعَ تَحَرِّي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ يَكُونُ الْعَبْدُ قَدْ فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدْلِ وَمَا حَصَلَ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَلَمِ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِ . وَأَمَّا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ وَسَطَهُ فَقُوبِلَ ذَلِكَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ بِالسَّيْفِ ؛ أَوْ رَضَّ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَضُرِبَ بِالسَّيْفِ فَهُنَا قَدْ تَيَقَّنَّا عَدَمَ الْمُعَادَلَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ . وَكُنَّا قَدْ فَعَلْنَا مَا تَيَقَّنَّا انْتِفَاءَ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ وُجُودُهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ تَقَعُ ؛ إذْ التَّفَاوُتُ فِيهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ . وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ فِي الضَّرْبَةِ وَاللَّطْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى التَّعْزِيرِ ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَد : مَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَالْمُمَاثَلَةِ . فَإِنَّا إذَا تَحَرَّيْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِهِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ وَنُقَرِّبَ

الْقَدْرَ مِنْ الْقَدْرِ كَانَ هَذَا أَمْثَلَ مِنْ أَنْ نَأْتِيَ بِجِنْسِ مِنْ الْعُقُوبَةِ تُخَالِفُ عُقُوبَتُهُ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً . وَهَذَا النَّظَرُ أَيْضًا فِي ضَمَانِ الْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ تَقْرِيبًا أَوْ بِالْقِيمَةِ كَمَا نَصَّ أَحْمَد عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِ ضَمَانِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ . وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ خَرَّبَ حَائِطَ غَيْرِهِ : أَنَّهُ يَبْنِيهِ كَمَا كَانَ . وَبِهَذَا قَضَى سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حُكُومَةِ الْحَرْثِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا هُوَ وَأَبُوهُ ؛ كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ . فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْمَقْصُودُ لِلشَّرِيعَةِ فِيهَا تَحَرِّي الْعَدْلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ أَفْهَمُهُمْ مَنْ قَالَ بِمَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْعَدْلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ وَضِدُّهُ الظُّلْمُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : " { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا } " . وَلَمَّا كَانَ الْعَدْلُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ عِلْمٌ - إذْ مَنْ لَا يَعْلَمُ لَا يَدْرِي مَا الْعَدْلُ ؟ وَالْإِنْسَانُ ظَالِمٌ جَاهِلٌ إلَّا مَنْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ عَالِمًا عَادِلًا - صَارَ النَّاسُ مِنْ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ : الْعَالِمُ الْجَائِرُ وَالْجَاهِلُ الظَّالِمُ ؛ فَهَذَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

" { الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ : رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ؛ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ ؛ وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ } " فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ كَمَا قَالَ : " { مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَخْطَأَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } " . وَكُلُّ مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَهُوَ قَاضٍ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ حَرْبٍ أَوْ مُتَوَلِّي دِيوَانٍ أَوْ مُنْتَصِبًا لِلِاحْتِسَابِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فِي الْخُطُوطِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ الْحُكَّامِ . وَلَمَّا كَانَ الْحُكَّامُ مَأْمُورِينَ بِالْعَدْلِ وَالْعِلْمِ وَكَانَ الْمَفْرُوضُ إنَّمَا هُوَ بِمَا يَبْلُغُهُ جُهْدُ الرَّجُلِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } " .
فَصْلٌ :
فَلَمَّا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْعَدْلِ وَحَرَّمَهُ مِنْ الظُّلْمِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عِبَادِهِ : ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ إحْسَانَهُ إلَى عِبَادِهِ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُمْ وَفَقْرِهِمْ إلَيْهِ وَأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى جَلْبِ مَنْفَعَةٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا دَفْعِ مَضَرَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُيَسِّرَ لِذَلِكَ . وَأَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يَسْأَلُوهُ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ

أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَفْعِهِ وَلَا ضَرِّهِ مَعَ عِظَمِ مَا يُوصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ النَّعْمَاءِ ؛ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مِنْ الْبَلَاءِ . وَجَلْبُ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعُ الْمَضَرَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الدِّينِ أَوْ فِي الدُّنْيَا ؛ فَصَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : الْهِدَايَةُ : وَالْمَغْفِرَةُ ؛ وَهُمَا : جَلْبُ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعُ الْمَضَرَّةِ فِي الدِّينِ وَالطَّعَامِ ؛ وَالْكُسْوَةِ وَهُمَا : جَلْبُ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعُ الْمَضَرَّةِ فِي الدُّنْيَا . وَإِنْ شِئْت قُلْت : الْهِدَايَةُ وَالْمَغْفِرَةُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَلِكُ الْبَدَنِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَعْمَالِ الْإِرَادِيَّةِ . وَالطَّعَامُ وَالْكُسْوَةُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْبَدَنِ : الطَّعَامُ لِجَلْبِ مَنْفَعَتِهِ وَاللِّبَاسُ لِدَفْعِ مَضَرَّتِهِ . وَفَتْحُ الْأَمْرِ بِالْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ الْهِدَايَةُ النَّافِعَةُ هِيَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالدِّينِ فَكُلُّ أَعْمَالِ النَّاسِ تَابِعَةٌ لِهُدَى اللَّهِ إيَّاهُمْ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } وَقَالَ مُوسَى : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } وَقَالَ تَعَالَى : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } وَقَالَ : { إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } . وَلِهَذَا قِيلَ : الْهُدَى أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : الْهِدَايَةُ إلَى مَصَالِحِ الدُّنْيَا ؛ فَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَالْأَعْجَمِ ؛ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ .

وَالثَّانِي الْهُدَى بِمَعْنَى دُعَاءِ الْخَلْقِ إلَى مَا يَنْفَعُهُمْ وَأَمْرِهِمْ بِذَلِكَ وَهُوَ نَصْبُ الْأَدِلَّةِ وَإِرْسَالُ الرُّسُلِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ فَهَذَا أَيْضًا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ سَوَاءٌ آمَنُوا أَوْ كَفَرُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ : { إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } يُبَيِّنُ أَنَّ الْهُدَى الَّذِي أَثْبَتَهُ هُوَ الْبَيَانُ وَالدُّعَاءُ ؛ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ؛ وَالتَّعْلِيمُ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْهُدَى الَّذِي نَفَاهُ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : الْهُدَى الَّذِي هُوَ جَعْلُ الْهُدَى فِي الْقُلُوبِ . وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ بِالْإِلْهَامِ وَالْإِرْشَادِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : هُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِيمَانِ ؛ كَالتَّوْفِيقِ عِنْدَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ جَعَلَ التَّوْفِيقَ وَالْهُدَى وَنَحْوَ ذَلِكَ خَلْقَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُمَا اسْتِطَاعَتَانِ : إحْدَاهُمَا : قَبْلَ الْفِعْلِ وَهِيَ الِاسْتِطَاعَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي التَّكْلِيفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا }

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ : " { صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ } " وَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةُ يَقْتَرِنُ بِهَا الْفِعْلُ تَارَةً وَالتَّرْكُ أُخْرَى وَهِيَ الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ الْقَدَرِيَّةُ غَيْرَهَا كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لَمْ يَعْرِفُوا إلَّا الْمُقَارَنَةَ . وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ فَإِثْبَاتُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ تُثْبِتُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا . وَالثَّانِيَةُ : الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْلِ ؛ وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لَهُ وَهِيَ الْمَنْفِيَّةُ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } وَفِي قَوْلِهِ : { لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا } وَهَذَا الْهُدَى الَّذِي يَكْثُرُ ذَكَرَهُ فِي الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وَقَوْلِهِ : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } وَفِي قَوْلِهِ : { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُنْكِرُ الْقَدَرِيَّةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْفَاعِلَ لَهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي يَهْدِي نَفْسَهُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ؛ حَيْثُ قَالَ : " { يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَنْ هَدَيْته فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ } فَأَمَرَ الْعِبَادَ بِأَنْ يَسْأَلُوهُ الْهِدَايَةَ كَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ فِي أُمِّ

الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وَعِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّرُ مِنْ الْهُدَى إلَّا عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ : إرْسَالِ الرُّسُلِ وَنَصْبِ الْأَدِلَّةِ وَإِزَاحَةِ الْعِلَّةِ وَلَا مِزْيَةَ عِنْدَهُمْ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ فِي هِدَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نِعْمَةَ لَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى الْكَافِرِ فِي بَابِ الْهُدَى . وَقَدْ بَيَّنَ الِاخْتِصَاصَ فِي هَذِهِ بَعْدَ عُمُومِ الدَّعْوَةِ فِي قَوْلِهِ : { وَاللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } فَقَدْ جَمَعَ الْحَدِيثَ : تَنْزِيهُهُ عَنْ الظُّلْمِ الَّذِي يُجَوِّزُهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُثْبِتَةِ وَبَيَانُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَهْدِي عِبَادَهُ رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ . فَأَخْبَرَ هُنَاكَ بِعَدْلِهِ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْمُثْبِتَةِ وَأَخْبَرَ هُنَا بِإِحْسَانِهِ وَقُدْرَتِهِ الَّذِي تُنْكِرُهُ الْقَدَرِيَّةُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَصَدَهُ تَعْظِيمًا لَا يَعْرِفُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : الْهُدَى فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } { وَهُدُوا إلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } فَقَوْلُهُ : { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } كَقَوْلِهِ :

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْآيَةِ . وَهَذَا الْهُدَى ثَوَابُ الِاهْتِدَاءِ فِي الدُّنْيَا كَمَا أَنَّ ضَلَالَ الْآخِرَةِ جَزَاءُ ضَلَالِ الدُّنْيَا ؛ وَكَمَا أَنَّ قَصْدَ الشَّرِّ فِي الدُّنْيَا جَزَاؤُهُ الْهُدَى إلَى طَرِيقِ النَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ } { مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } . وَقَالَ : { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا } وَقَالَ : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا } { قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } وَقَالَ : { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا } الْآيَةَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الضَّالِّينَ فِي الدُّنْيَا يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا فَإِنَّ الْجَزَاءَ أَبَدًا مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } " وَقَالَ : " { مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا

وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ } " . وَقَالَ : " { مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامِ مِنْ نَارٍ } " . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } وَقَالَ : { إنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَلِهَذَا أَيْضًا يَجْزِي الرَّجُلَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرِ الْهُدَى بِمَا يَفْتَحُ عَلَيْهِ مِنْ هُدًى آخَرَ وَلِهَذَا قِيلَ : مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } إلَى قَوْلِهِ : { مُسْتَقِيمًا } وَقَالَ : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } . وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } . وَقَالَ : { إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } فَسَّرُوهُ بِالنَّصْرِ وَالنَّجَاةِ كَقَوْلِهِ : { يَوْمَ الْفُرْقَانِ } . وَقَدْ قِيلَ : نُورٌ يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } وَعَدَ الْمُتَّقِينَ بِالْمَخَارِجِ مِنْ الضِّيقِ وَبِرِزْقِ الْمَنَافِعِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ

تَقْوَاهُمْ } وَقَوْلُهُ : { إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } . وَمِنْهُ قَوْلُهُ : { إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } { وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } . وَبِإِزَاءِ ذَلِكَ أَنَّ الضَّلَالَ وَالْمَعَاصِيَ تَكُونُ بِسَبَبِ الذُّنُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } وَقَالَ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } . وَقَالَ : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } إلَى قَوْلِهِ : { لَا يُؤْمِنُونَ } إلَى قَوْلِهِ : { يَعْمَهُونَ } . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ . وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : أَنَّ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا وَأَنَّ مِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا . وَقَدْ شَاعَ فِي لِسَانِ الْعَامَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ : { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ ؛ حَيْثُ يَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى سَبَبُ تَعْلِيمِ اللَّهِ وَأَكْثَرُ الْفُضَلَاءِ يَطْعَنُونَ فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْبُطْ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ رَبْطَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ فَلَمْ يَقُلْ ؛ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ وَلَا قَالَ فَيُعَلِّمُكُمْ . وَإِنَّمَا أَتَى بِوَاوِ الْعَطْفِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَطْفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبُ الثَّانِي وَقَدْ يُقَالُ الْعَطْفُ قَدْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاقْتِرَانِ وَالتَّلَازُمِ كَمَا يُقَالُ : زُرْنِي وَأَزُورُك ؛ وَسَلِّمْ عَلَيْنَا وَنُسَلِّمُ

عَلَيْك وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي اقْتِرَانَ الْفِعْلَيْنِ وَالتَّعَاوُضَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ لِسَيِّدِهِ : أَعْتِقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ ؛ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ ؛ أَوْ اخْلَعْنِي وَلَك أَلْفٌ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا بِأَلْفِ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ . وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ ؛ فَإِنَّهُ كَقَوْلِهِ : عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ بِأَلْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ شَاذٌّ وَيَقُولُ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ لِلْآخَرِ : أُعْطِيك هَذَا وَآخُذُ هَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَيَقُولُ الْآخَرُ : نَعَمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا هُوَ السَّبَبَ لِلْآخَرِ دُونَ الْعَكْسِ . فَقَوْلُهُ : { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَكُلٌّ مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ وَتَقْوَى الْعَبْدِ يُقَارِبُ الْآخَرَ وَيُلَازِمُهُ وَيَقْتَضِيهِ فَمَتَى عَلَّمَهُ اللَّهُ الْعِلْمَ النَّافِعَ اقْتَرَنَ بِهِ التَّقْوَى بِحَسَبِ ذَلِكَ وَمَتَى اتَّقَاهُ زَادَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَهَلُمَّ جَرَّا .
فَصْلٌ :
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " { يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ وَكُلّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْته فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ } " فَيَقْتَضِي أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : وُجُوبُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّنِ جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ كَالطَّعَامِ وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ كَاللِّبَاسِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ غَيْرُ اللَّهِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ قُدْرَةً مُطْلَقَةً . وَإِنَّمَا الْقُدْرَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لِبَعْضِ الْعِبَادِ تَكُونُ عَلَى بَعْضِ أَسْبَابِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ } فَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْمَقْدُورُ لِلْعِبَادِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } { يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ } { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } وَقَوْلُهُ : { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } وَقَوْلُهُ : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } وَقَالَ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } فَذَمَّ مَنْ يَتْرُكُ الْمَأْمُورَ بِهِ اكْتِفَاءً بِمَا يَجْرِي بِهِ الْقَدَرُ . وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ السَّبَبَ الْمَأْمُورَ بِهِ أَوْ الْمُبَاحَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي وُجُودِ السَّبَبِ ؛ بَلْ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ إلَى اللَّهِ ثَابِتَةٌ مَعَ فِعْلِ السَّبَبِ ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ وَحْدَهُ سَبَبٌ تَامٌّ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ تَقْتَرِنَ الْحَوَادِثُ بِمَا قَدْ يُجْعَلُ سَبَبًا إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ . فَمَنْ ظَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ بِالسَّبَبِ عَنْ التَّوَكُّلِ فَقَدْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ التَّوَكُّلِ ؛ وَأَخَلَّ بِوَاجِبِ التَّوْحِيدِ وَلِهَذَا يُخْذَلُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ

إذَا اعْتَمَدُوا عَلَى الْأَسْبَابِ . فَمَنْ رَجَا نَصْرًا أَوْ رِزْقًا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ خَذَلَهُ اللَّهُ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرْجُوَن عَبْدٌ إلَّا رَبَّهُ وَلَا يَخَافَن إلَّا ذَنْبَهُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وَقَالَ : { قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } .
وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ أَخَذَ يَدْخُلُ فِي التَّوَكُّلِ تَارِكًا لِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ فَهُوَ أَيْضًا جَاهِلٌ ظَالِمٌ ؛ عَاصٍ لِلَّهِ بِتَرْكِ مَا أَمَرَهُ ؛ فَإِنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وَقَالَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَالَ : { قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ } وَقَالَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } وَقَالَ : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } . وَقَالَ : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ

وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إلَّا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } فَلَيْسَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا أُمِرَ بِهِ وَتَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّوَكُّلِ بِأَعْظَمَ ذَنْبًا مِمَّنْ فَعَلَ تَوَكُّلًا أُمِرَ بِهِ وَتَرَكَ فِعْلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السَّبَبِ ؛ إذْ كِلَاهُمَا مُخِلٌّ بِبَعْضِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُمَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي جِنْسِ الذَّنْبِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا ألوم وَقَدْ يَكُونُ الْآخَرَ مَعَ أَنَّ التَّوَكُّلَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ . وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ . فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ : حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيْسِ فَإِنْ غَلَبَك أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } " . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ فَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ } " فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ } " أَمْرٌ بِالتَّسَبُّبِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى الْمَنَافِعِ . وَأَمَرَ مَعَ

ذَلِكَ بِالتَّوَكُّلِ وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ فَمَنْ اكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا فَقَدْ عَصَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَنَهَى عَنْ الْعَجْزِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكَيْسِ . كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : " { إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيْسِ } " وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّامِيِّ : " { الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ اتَّبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ } " فَالْعَاجِزُ فِي الْحَدِيثِ مُقَابِلُ الْكَيْسِ وَمَنْ قَالَ : الْعَاجِزُ هُوَ مُقَابِلُ الْبَرِّ فَقَدْ حَرَّفَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ . وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : " { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرِ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ } " . وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ يَقُولُونَ : نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا سَأَلُوا النَّاسَ ؛ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } فَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّزَوُّدِ فَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّه وَأَحْسَنَ مِنْهُ إلَى مَنْ يَكُونُ مُحْتَاجًا كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ مُلْتَفِتًا إلَى أَزْوَادِ الْحَجِيجِ كَلًّا عَلَى النَّاسِ ؛ وَإِنْ كَانَ مَعَ هَذَا قَلْبُهُ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى مُعَيَّنٍ فَهُوَ مُلْتَفِتٌ إلَى الْجُمْلَةِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُتَزَوِّدُ غَيْرَ قَائِمٍ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَمُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِ فَقَدْ يَكُونُ فِي تَرْكِهِ لِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ جِنْسِ هَذَا التَّارِكِ لِلتَّزَوُّدِ الْمَأْمُورِ بِهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131