كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي

كتاب الطهارة
باب الماء الطاهر
قال الله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء طهورا }

المطهر للحدث والخبث من المائعات الماء المطلق خاصة وهو العاري عن الإضافة اللازمة
وقيل الباقي على وصف خلقته
وأما المستعمل في رفع حدث فطاهر وليس بطهور على المذهب
وقيل طهور في القديم
والمستعمل في نقل الطهارة كتجديد الوضوء والأغسال المسنونة والغسلة الثانية والثالثة وماء المضمضة طهور على الأصح
وأما ما اغتسلت به كتابية عن حيض لتحل لمسلم فإن قلنا لا يجب إعادة الغسل إذا أسلمت فليس بطهور
وإن أوجبناها وهو الأصح فوجهان الأصح أنه ليس بطهور
وما تطهر به لصلاة النفل مستعمل وكذا ما تطهر به الصبي على الصحيح
والمستعمل الذي لا يرفع الحدث لا يزيل النجس على الصحيح
والمستعمل في النجس إذا قلنا إنه طاهر لا يرفع الحدث على الصحيح
ولو جمع المستعمل فبلغ قلتين عاد طهورا في الأصح كما لو انغمس جنب في قلتين فإنه طهور بلا خلاف
ولو انغمس جنب فيما دون قلتين حتى عم جميع بدنه ثم نوى ارتفعت جنابته بلا خلاف وصار الماء في الحال مستعملا بالنسبة إلى غيره على الصحيح
ومقتضى كلام

الاصحاب أنه لا يصير مستعملا بالنسبة إلى المنغمس حتى يخرج منه وهو مشكل
وينبغي أن يصير مستعملا لارتفاع الحدث
ولو انغمس فيه جنبان ونويا معا بعد تمام الانغماس ارتفعت جنابتهما بلا خلاف ولو نوى الجنب قبل تمام الانغماس إما في أول الملاقاة وإما بعد غمس بعض البدن ارتفعت جنابة الجزء الملاقي بلا خلاف ولا يصير الماء مستعملا بل له أن يتم الانغماس ويرفع الحدث على الصحيح المنصوص
وقال الخضري يصير مستعملا فلا ترتفع عن الباقي
قلت ولو انغمس جنبان ونوى أحدهما قبل صاحبه ارتفعت جنابة الناوي وصار مستعملا بالنسبة إلى الآخر على الصحيح
ولو نويا معا بعد غمس جزء منهما ارتفع عن جزءيهما وصار مستعملا بالنسبة إلى باقيهما على الصحيح
والله أعلم
وما دام الماء مترددا على العضو لا يثبت له حكم الاستعمال
قلت وإذا جرى الماء من عضو المتوضىء إلى عضو صار مستعملا حتى لو انتقل من إحدى اليدين إلى الأخرى صار مستعملا وفي هذه الصورة وجه شاذ محكي في باب التيمم
من البيان أنه لا يصير لأن اليدين كعضو

ولو انفصل من بعض أعضاء الجنب إلى بعضها فوجهان الاصح عند صاحبي الحاوي والبحر لا يصير
والراجح عند الخراساني يصير وبه قطع جماعة منهم
وقال إمام الحرمين إن نقله قصدا صار وإلا فلا
ولو غمس المتوضىء يده في الإناء قبل الفراغ من غسل الوجه لم يصر مستعملا
وإن غمسها بعد فراغه من الوجه بنية رفع الحدث صار مستعملا
وإن نوى الاغتراف لم يصر وإن لم ينو شيئا فالصحيح أنه يصير وقطع البغوي بأنه لا يصير
والجنب بعد النية كمحدث بعد غسل الوجه
وأما الماء الذي يتوضأ به الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب نية

الوضوء فالأصح أنه يصير
والثاني لا يصير
والثالث إن نوى صار وإلا فلا ولو غسل رأسه بدل مسحه فالأصح أنه مستعمل كما لو استعمل في طهارته أكثر من قدر حاجته والله أعلم

فصل فيما يطرأ على الماء وضابط الفصل
أن ما يسلب اسم الماء المطلق يمنع الطهارة به وما لا فلا
فمن ذلك المتغير تغيرا يسيرا بما يستغنى عنه كالزعفران فالأصح أنه طهور والمتغير كثيرا بما يجاوره ولا يختلط به كعود ودهن وشمع طهور على الأظهر
والكافور نوعان
أحدهما يذوب في الماء ويختلط به
والثاني لا يذوب
فالأول يمنع والثاني كالعود
وأما المتغير بما لا يمكن صون الماء عنه كالطين والطحلب والكبريت والنورة والزرنيخ في مقر الماء وممره والتراب الذي يثور وينبث في الماء والمتغير بطول المكث والمسخن فطهور
قلت ولا كراهة في استعمال شىء من هذه المتغيرات بما لا يصان عنه ولا في ماء البحر وماء زمزم ولا في المسخن ولو بالنجاسة
ويكره شديد الحرارة والبرودة
والله أعلم
والمشمس في الحياض والبرك غير مكروه بالاتفاق وفي الأواني مكروه

على الأصح بشرط أن يكون في البلاد الحارة والأواني المنطبعة كالنحاس إلا الذهب والفضة على الأصح
وعلى الباقي يكره مطلقا
قلت الراجح من حيث الدليل أنه لا يكره مطلقا وهو مذهب أكثر العلماء وليس للكراهة دليل يعتمد
وإذا قلنا بالكراهة فهي كراهة تنزيه لا تمنع صحة الطهارة وتختص باستعماله في البدن وتزول بتبريده على أصح الأوجه وفي الثالث يراجع الأطباء والله أعلم
وأما المتغير بما يستغنى عنه كالزعفران والجص تغيرا كثيرا بحيث يسلب اسم الماء المطلق فليس بطهور
ولو حلف لا يشرب ماء لم يحنث بشربه
ويكفي تغير الطعم أو اللون أو الرائحة على المشهور وعلى القول الغريب الضعيف يشترط اجتماعها وعلى قول ثالث اللون وحده يسلب وكذا الطعم مع الرائحة
وفي الجص والنورة وغيرهما من أجزاء الأرض وجه شاذ أنها لا تضر
وأما المتغير بالتراب المطروح قصدا فطهور على الصحيح وقيل على المشهور
والمتغير بالملح فيه أوجه أصحها يسلب الجبلي منه دون المائي
والثاني يسلبان
والثالث لا يسلبان
والمتغير بورق الأشجار المتناثرة بنفسها إن لم تتفتت في الماء فهي كالعود فيكون طهورا على الأظهر وإن تفتتت واختلطت فثلاثة أوجه
الأصح لا يضر
والثاني يضر
والثالث يضر الربيعي دون الخريفي
قاله الشيخ أبو زيد
وإن طرحت الأوراق قصدا ضر
وقيل على الأوجه

فرع إذا اختلط بالماء الكثير أو القليل مائع يوافقه في الصفات
الورد المنقطع الرائحة وماء الشجر والماء المستعمل فوجهان
أصحهما إن كان المائع قدرا لو خالف الماءفي طعم أو لون أو ريح لتغير التغير المؤثر يسلب الطهورية وإن كان لا يؤثر مع تقدير المخالفة لم يسلب
والثاني إن كان المائع أقل من الماء لم يسلب
وإن كان أكثر منه أو مثله سلب
وحيث لم يسلب فالصحيح أنه يستعمل الجميع
وقيل يجب أن يبقى قدر المائع
وقيل إن كان الماء وحده يكفي لواجب الطهارة فله استعمال الجميع وإلا بقي
فإن جوزنا الجميع ومعه من الماء ما لا يكفيه وحده ولو كمله بمائع يهلك فيه لكفاه لزمه ذلك إلا أن تزيد قيمة المائع على ثمن ماء الطهارة
ويجري الخلاف في استعمال الجميع فيما إذا استهلكت النجاسة المائعة في الماء الكثير
وفيما إذا استهلك الخليط الطاهر في الماء لقلته مع مخالفة أوصافه أوصاف الماء
قال الأصحاب فإن لم يتغير الماء الكثير لموافقة النجاسة له في الأوصاف فالاعتبار بتقدير المخالفة بلا خلاف لغلظ النجاسة واعتبروا في النجاسة بالمخالف أشده صفة وفي الطاهر اعتبروا الوسط المعتدل فلا يعتبر في الطعم حدة الخل ولا في الرائحة ذكاء المسك
قلت المتغير بالمني ليس بطهور على الأصح
ولو تطهر بالماء الذي ينعقد منه الملح قبل أن يجمد جاز على المذهب
ولا فرق في جميع مسائل الفصل بين القلتين وفوقهما ودونهما
ولو أغلي الماء فارتفع من غليانه بخار وتولد

منه رشح فوجهان
المختار منهما عند صاحب البحر أنه طهور
والثاني طاهر ليس بطهور
ولو رشح من مائع آخر فليس بطهور بلا خلاف كالعرق
والله أعلم

باب بيان النجاسات
والماء النجس الأعيان جماد وحيوان فالجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا ولا جزءا من حيوان ولا خرج من حيوان فكله طاهر إلا الخمر وكل نبيذ مسكر
وفي النبيذ وجه شاذ مذكور في البيان أنه طاهر لاختلاف العلماء في إباحته
وفي الخمر المحترمة وجه شاذ وكذا في باطن العنقود المستحيل خمرا وجه أنه طاهر
وأما الحيوانات فطاهرة إلا الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما
ولنا وجه شاذ أن الدود المتولد من الميتة نجس العين كولد الكلب وهذا الوجه غلط والصواب الجزم بطهارته
وأما الميتات فكلها نجسة إلا السمك والجراد فإنهما طاهران بالاجماع وإلا الآدمي فإنه طاهر على الأظهر وإلا الجنين الذي يوجد ميتا بعد ذكاة أمه والصيد الذي لا تدرك ذكاته فإنهما طاهران بلا خلاف

وأما الميتة التي لا نفس لها سائلة كالذباب وغيره
فهل تنجس الماء وغيره من المائعات إذا ماتت فيها فيه قولان
الأظهر لا تنجسه وهذا في حيوان أجنبي من المائع أما ما منشؤه فيه فلا ينجسه بلا خلاف
فلو أخرج منه وطرح في غيره أو رد إليه عاد القولان
فإن قلنا تنجس المائع فهي نجسة وإن قلنا لا تنجس فهي أيضا نجسة على قول الجمهور وهو المذهب
وقال القفال ليست بنجسة
ثم لا فرق في الحكم بنجاسة هذا الحيوان بين ما تولد من الطعام كدود الخل والتفاح وما يتولد منه كالذباب والخنفساء لكن يختلفان في تنجيس ما ماتا فيه وفي جواز أكله فإن غير المتولد لا يحل أكله وفي المتولد أوجه
الأصح يحل أكله مع ما تولد منه ولا يحل منفردا
والثاني يحل مطلقا
والثالث يحرم مطلقا
والأوجه جارية سواء قلنا بطهارة هذا الحيوان على قول القفال أو بنجاسته على قول الجمهور

قلت ولو كثرت الميتة التي لا نفس لها سائلة فغيرت الماء أو المائع وقلنا لا تنجسه من غير تغير فوجهان مشهوران
الأصح تنجسه لأنه متغير بالنجاسة
والثاني لا تنجسه ويكون الماء طاهرا غير مطهر كالمتغير بالزعفران
وقال إمام الحرمين هو كالمتغير بورق الشجر
والله أعلم
فرع في أجزاء الحيوان الأصل أن ما انفصل من حي فهو نجس

الشعر المجزوز من مأكول
اللحم في الحياة والصوف والوبر والريش فكلها طاهرة بالاجماع
والمتناثر والمنتوف طاهر على الصحيح ويستثنى أيضا شعر الآدمي والعضو المبان منه ومن السمك والجراد ومشيمة الآدمي فهذه كلها طاهرة على المذهب وهذا الذي ذكرناه في الشعور تفريع على المذهب في نجاسة الشعر بالموت

فرع في المنفصل عن باطن الحيوان هو قسمان

أحدهما ليس له اجتماع واستحالة في الباطن وإنما يرشح رشحا
والثاني يستحيل ويجتمع في الباطن ثم يخرج
فالأول كاللعاب والدمع والعرق والمخاط فله حكم الحيوان المترشح منه إن كان نجسا فنجس وإلا فطاهر
والثاني كالدم والبول والعذرة والروث والقيء
وهذه كلها نجسة من جميع الحيوانات مأكول اللحم وغيره
ولنا وجه أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهران
وهو ( أحد ) قولي أبي سعيد الأصطخري من أصحابنا واختاره الروياني وهو مذهب مالك وأحمد
والمعروف من المذهب النجاسة
وهل يحكم بنجاسة هذه الفضلات من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهان
قال الجمهور نعم
وفي بول السمك والجراد ودمهما وروثهما وروث ما ليس له نفس سائلة والدم المتحلب من الكبد والطحال وجهان
الأصح النجاسة
وأما اللبن فطاهر من مأكول بالإجماع ونجس من الحيوان النجس وطاهر من الآدمي على الصحيح وقيل نجس
ولكن يربى به الصبي للضرورة
وأما غير الآدمي مما لا يؤكل فلبنه نجس على الصحيح
وقال الأصطخري طاهر
وأما الإنفحة فإن أخذت من السخلة بعد موتها

أو بعد أكلها غير اللبن فنجسة بلا خلاف وإن أخذت من السخلة المذبوحة قبل أن يأكل غير اللبن فوجهان الصحيح الذي قطع به كثيرون طهارتها
وأما المني فمن الآدمي طاهر وقيل فيه قولان
وقيل القولان في مني المرأة خاصة والمذهب الأول
لكن إن قلنا رطوبة فرج المرأة نجسة نجس منيها بملاقاتها كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره بالماء فإن منيه ينجس بملاقاة المحل النجس
وأما مني غير الآدمي فمن الكلب والخنزير وفرع أحدهما نجس ومن غيرهما فيه أوجه أصحها نجس
والثاني طاهر
والثالث طاهر من مأكول اللحم نجس من غيره كاللبن
قلت الأصح عند المحققين والأكثرين الوجه الثاني والله أعلم
وأما البيض فطاهر من المأكول وفي غيره الوجهان في منيه ويجريان في بزر القز فإنه أصل الدود كالبيض
وأما دود القز فطاهر بلا خلاف كسائر الحيوان وأما المسك فطاهر وفي فأرته المنفصلة في حياة الظبية وجهان
الأصح الطهارة كالجنين
فإن انفصلت بعد موتها فنجسة على الصحيح كاللبن
وطاهرة في وجه كالبيض المتصلب وأما الزرع النابت على السرجين
فقال الأصحاب ليس هو نجس العين لكن ينجس بملاقاة النجاسة
فإذا غسل طهر وإذا سنبل فحباته الخارجة طاهرة

قلت القيح نجس وكذا ماء القروح إن كان متغيرا وإلا فلا على المذهب
ودخان النجاسة نجس في الأصح وهو مذكور في باب ما يكره لبسه
وليست رطوبة فرج المرأة والعلقة بنجس في الأصح ولا المضغة على الصحيح والمرة نجسة وكذا جرة البعير
وأما الماء الذي يسيل من النائم فقال المتولي إن كان متغيرا فنجس
وإلا فطاهر
وقال غيره إن كان من اللهوات فطاهر أو من المعدة فنجس
ويعرف كونه من اللهوات بأن ينقطع إذا طال نومه
وإذا شك فالأصل عدم النجاسة والاحتياط غسله
وإذا حكم بنجاسته وعمت بلوى شخص به لكثرته منه فالظاهر أنه يلتحق بدم البراغيث وسلس البول ونظائره
قال القاضي حسين والمتولي والبغوي وآخرون لو أكلت بهيمة حبا ثم ألقته صحيحا فإن كانت صلابته باقية بحيث لو زرع نبت فعينه طاهرة ويجب غسل ظاهره لأنه وإن صار غذاء لها فما تغير إلى فساد فصار كما لو ابتلع نواة
وإن زالت صلابته بحيث لا ينبت فنجس العين
قال المتولي والوسخ المنفصل من الآدمي في حمام وغيره له حكم ميتته وكذا الوسخ المنفصل عن سائر الحيوان له حكم ميتته
وفيما قاله نظر
وينبغي أن يكون طاهرا قطعا كالعرق
والله أعلم

فصل في الماء الراكد
اعلم أن الراكد قليل وكثير فالكثير قلتان والقليل دونه
والقلتان خمس قرب
وفي قدرها بالأرطال أوجه
الصحيح المنصوص خمسمائة رطل بالبغدادي
والثاني ستمائة
قاله أبو عبد الله الزبيري
واختاره القفال والغزالي
والثالث ألف رطل
قاله أبو زيد
والأصح أن هذا التقدير تقريب فلا يضر نقصان القدر الذي لا يظهر بنقصانه تفاوت في التغير بالقدر المعين من الأشياء المغيرة
والثاني أنه تحديد فيضر أي شىء نقص
قلت الأشهر تفريعا على التقريب أنه يعفى عن نقص رطلين وقيل ثلاثة ونحوها وقيل مائة رطل
وإذا وقعت في الماء القليل نجاسة وشك هل هو قلتان أم لا فالذي جزم به صاحب الحاوي وآخرون أنه نجس لتحقق النجاسة
ولإمام الحرمين فيه احتمالان والمختار بل الصواب الجزم بطهارته لأن الأصل طهارته وشككنا في نجاسة منجسة ولا يلزم من النجاسة التنجيس
وقدر القلتين بالمساحة ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا
والله أعلم

ثم الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة المؤثرة تغير أم لا
وأما غير المؤثرة كالميتة التي لا نفس لها سائلة ونجاسة لا يدركها طرف وولوغ هرة تنجس فمها ثم غابت واحتمل طهارته فلا ينجس على المذهب كما سبق في الصورة الأولى وسيأتي الأخريان إن شاء الله تعالى
واختار الروياني من أصحابنا أنه لا ينجس إلا بالتغير والصحيح المعروف الأول
وأما الكثير فينجس بالتغير بالنجاسة للإجماع سواء قل التغير أم كثر وسواء تغير الطعم أو اللون أو الرائحة وكل هذا متفق عليه ها هنا بخلاف ما تقدم في الطاهر
وسواء كانت النجاسة الملاقية مخالطة أم مجاورة وفي المجاورة وجه شاذ أنها لا تنجسه
وأما إذا تروح الماء بجيفة ملقاة على شط النهر فلا ينجس لعدم الملاقاة وإن لاقى الكثير النجاسة ولم يتغير لقلة النجاسة واستهلاكها لم ينجس ويستعمل جميعه على الصحيح
وعلى وجه يبقى قدر النجاسة
وإن لم يتغير لموافقتها الماء في الأوصاف قدر بما يخالف كما سبق في باب الطاهر
وأما إذا تغير بعضه فالأصح نجاسة جميع الماء وهو المذكور في المهذب وغيره
وفي وجه لا ينجس إلا المتغير
قلت الأصح ما قاله القفال وصاحب التتمة وآخرون أن المتغير كنجاسة جامدة
فإن كان الباقي دون قلتين فنجس وإلا فطاهر
والله أعلم
ثم إن زال تغير المتغير بالنجاسة بنفسه طهر على الصحيح
وقال الاصطخري لا يطهر
وهو شاذ
وإن لم يوجد رائحة النجاسة لطرح المسك

فيه أو طعمها لطرح الخل أو لونها لطرح الزعفران لم يطهر بالاتفاق
وإن ذهب التغير بطرح التراب فقولان أظهرهما لا يطهر للشك في زوال التغير
وإن ذهب بالجص والنورة وغيرهما مما لا يغلب وصف التغير فهو كالتراب على الصحيح وقيل كالمسك
ثم قال بعضهم الخلاف في مسألة التراب إذا كان التغير بالرائحة
وأما تغير اللون فلا يؤثر فيه التراب قطعا
والأصول المعتمدة ساكتة عن هذا التفصيل
قلت بل قد صرح المحاملي والفوراني وآخرون بجريان الخلاف في التغير بالصفات الثلاث وقد أوضحت ذلك في شرح المهذب
والله أعلم
فرع النجاسة التي لا يدركها الطرف كنقطة خمر وبول يسيرة لا تبصر

لقلتها وكذبابة تقع
على نجاسة ثم تطير عنها هل ينجس الماء والثوب كالنجاسة المدركة أم يعفى عنها فيه سبع طرق أحدها يعفى عنها فيهما
والثاني لا
والثالث فيهما قولان
والرابع تنجس الماء وفي الثوب قولان والخامس ينجس الثوب وفي الماء قولان والسادس ينجس الماء دون الثوب
والسابع عكسه
واختار الغزالي العفو فيهما وظاهر المذهب عند المعظم خلافه
قلت المختار عن جماعة من المحققين ما اختاره الغزالي وهو الأصح والله أعلم

فرع الماء القليل النجس إذا كوثر فبلغ قلتين نظر إن كوثر
لم يطهر بل لو كمل الطاهر الناقص عن قلتين بماء ورد بلغهما به وصار مستهلكا ثم وقع فيه نجاسة نجس وإن لم يتغير
وإنما لا تقبل النجاسة قلتان من الماء المحض
وإن كوثر بالماء المستعمل عاد مطهرا على الأصح
وعلى الثاني هو كماء الورد
وإن كوثر بماء غير مستعمل طاهر أو نجس عاد مطهرا بلا خلاف وهل يشترط أن لا يكون فيه نجاسة جامدة فيه خلاف التباعد هذا كله إذا بلغ قلتين ولا تغير فيه
أما إذا كوثر فلم يبلغهما فالأصح أنه باق على نجاسته
والثاني أنه طاهر غير طهور بشرط أن يكون المكاثر به مطهرا وأن يكون أكثر من المورود عليه وأن يورده على النجس وأن لا يكون فيه نجاسة جامدة فإن اختل أحد الشروط فنجس بلا خلاف
ولا يشترط شىء من هذه الشروط الأربعة إذا كوثر فبلغ قلتين
قلت هذا الذي صححه هو الأصح وعند الخراسانيين وهو الأصح
والأصح عند العراقيين الثاني
والله أعلم
والمعتبر في المكاثرة الضم والجمع دون الخلط حتى لو كان أحد البعضين صافيا والآخر كدرا وانضما زالت النجاسة من غير توقف على الاختلاط المانع من التمييز
ومتى حكمنا بالطهارة في هذه الصور ففرق لم يضر وهو باق على طهوريته

فرع إذا وقع في الماء الكثير الراكد نجاسة جامدة فقولان أظهرهما
وهو القديم أنه يجوز الاغتراف من أي موضع شاء ولا يجب التباعد لأنه طاهر كله
والثاني الجديد يجب أن يبعد عن النجاسة بقدر قلتين فعلى هذا لا يكفي في البحر التباعد بشبر نظرا إلى العمق بل يتباعد قدرا لو حسب مثله في العمق وسائر الجوانب لبلغ قلتين
فلو كان الماء منبسطا بلا عمق تباعد طولا وعرضا قدرا يبلغ قلتين في ذلك العمق
وقال محمد بن يحيى في هذه الصورة يجب أن يبعد إلى موضع يعلم أن النجاسة لم تنتشر إليه
أما إذا كان الماء قلتين فقط فعلى الجديد لا يجوز الاغتراف منه
وعلى القديم يجوز على الأصح
ثم في المسألة الأولى يحتمل أن يكون الخلاف في جواز استعمال الماء من غير تباعد مع القطع بطهارة الجميع ويحتمل أن يكون في الاستعمال مبنيا على خلاف في نجاسته وقد نقل عن الشيخ أبي محمد نقل الاتفاق على الاحتمال الأول

قلت هذا التوقف من الإمام الرافعي عجب فقد جزم وصرح بالاحتمال الأول جماعات من كبار أصحابنا منهم الشيخ أبو حامد الإسفراييني والقاضي أبو الطيب وصاحب الحاوي والمحاملي وصاحبا الشامل والبيان وآخرون من العراقيين والخراسانيين
وقطع جماعة من الخراسانيين على قول التباعد بأن يكون المجتنب نجسا كذا قاله القاضي حسين وإمام الحرمين والبغوي وغيرهم
حتى قال هؤلاء الثلاثة لو كان قلتين فقط كان نجسا على هذا القول
والصواب الأول
والله أعلم
إذا غمس كوز ممتلىء ماء نجسا في ماء كثير طاهر فإن كان واسع الرأس فالأصح أنه يعود طهورا وإن كان ضيقه فالأصح أنه لا يطهر
وإذا حكمنا بأنه طهور في الصورتين فهل يصلح ذلك على الفور أم لا بد من زمان يزول فيه التغير لو كان متغيرا فيه وجهان
الأصح الثاني
ويكون الزمان في الضيق أكثر منه في الواسع
فإن كان ماء الكوز متغيرا فلا بد من زوال تغيره ولو كان الكوز غير ممتلىء فما دام يدخل فيه الماء فلا اتصال وهو على نجاسته
قلت إلا أن يدخل فيه أكثر من الذي فيه فيكون حكمه ما سبق في المكاثرة

قال القاضي حسين وصاحب التتمة ولو كان ماء الكوز طاهرا فغمسه في نجس ينقص عن القلتين بقدر ماء الكوز فهل يحكم بطهارة النجس فيه الوجهان
والله أعلم
فرع ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها فإن كان قليلا وتنجس

بوقوع نجاسة فلا
ينبغي أن ينزح لينبع الماء الطهور بعده لأنه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا وقد تنجس جدران البئر أيضا بالنزح بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حد الكثرة
وإن كان نبعها قليلا لا تتوقع كثرته صب فيها ماء ليبلغ الكثرة ويزول التغير إن كان تغير
وطريق زواله على ما تقدم من الاتفاق والخلاف
وإن كان الماء كثيرا طاهرا وتفتت فيه شىء نجس كفأرة تمعط شعرها فقد يبقى على طهوريته لكثرته وعدم التغير لكن يتعذر استعماله لأنه لا ينزح دلوا إلا وفيه شىء من النجاسة فينبغي أن يستقى الماء كله ليخرج الشعر منه
فإن كانت العين فوارة وتعذر نزح الجميع نزح ما يغلب على الظن أن الشعر خرج كله معه فما بقي بعد ذلك في البئر وما يحدث طهور لأنه غير مستيقن النجاسة ولا مظنونها ولا يضر احتمال بقاء الشعر
فان تحقق شعرا بعد ذلك حكم به
فأما قبل النزح إلى الحد المذكور إذا غلب على ظنه أنه لا يخلو كل دلو عن شىء من النجاسة لكن لم يتيقنه ففي جواز استعماله القولان في تقابل الأصل والظاهر
وهذا الذي ذكرناه في الشعر تفريع على نجاسته بالموت
فان لم تنجسه فرضت المسألة في غيره من الأجزاء

فصل في الماء الجاري
هو ضربان ماء الأنهار المعتدلة وماء ( الأنهار ) العظيمة أما الأول فالنجاسة الواقعة فيه مائعة وجامدة والمائعة مغيرة وغيرها
فالمغيرة تنجس المتغير
وحكم غيره معه كحكمه مع النجاسة الجامدة
وغير المغيرة إن كان عدم التغير للموافقة في الأوصاف فحكمه ما سبق في الراكد
إن كان لقلة النجاسة وأمحاقها فيه فظاهر المذهب وقول الجمهور أنه كالراكد
وإن كان قليلا ينجس
وإن كان كثيرا فلا
وقال الغزالي هو طهور مطلقا وفي القديم لا ينجس الجاري إلا بالتغير
قلت واختار جماعة الطهارة منهم إمام الحرمين وصاحب التهذيب
والله أعلم
وأما النجاسة الجامدة كالميتة فإن غيرت الماء نجسته وإن لم تغيره فتارة تقف وتارة تجري مع الماء فان جرت جرية فما قبلها وما بعدها طاهران
وما على يمينها وشمالها وفوقها وتحتها إن كان قليلا فنجس وإن كان قلتين فقيل طاهر وقيل على قولي التباعد
وإن وقفت النجاسة وجرى الماء عليها فحكمه حكم الجارية ويزيد ها هنا أن الجاري على النجاسة وهو قليل ينجس بملاقاتها ولا يجوز استعماله

حيواناتإلا أن يجتمع في موضع قلتان منه وفيه وجه أنه إذا تباعد واغترف من موضع بينه وبين النجاسة قلتان جاز استعماله والصحيح الأول
وعليه يقال ماء هو ألف قلة نجس بلا تغير فهذه صورته
أما النهر العظيم فلا يجتنب فيه شىء ولا حريم النجاسة ولا يجيء فيه الخلاف في التباعد عما حوالي النجاسة
وفيه وجه شاذ أنه يجزىء ووجه أنه يجب اجتناب الحريم خاصة وبه قطع الغزالي وطرده في حريم الراكد أيضا
والمذهب القطع بأنه لا يجب اجتناب الحريم في الجاري ولا في الراكد
ثم العظيم ما أمكن التباعد فيه عن جوانب النجاسة كلها بقلتين
والمعتدل ما لا يمكن ذلك فيه
ومن المعتدل النهر الذي بين حافتيه قلتان فقط
وقال إمام الحرمين المعتدل ما يمكن تغيره بالنجاسات المعتادة
والعظيم ما لا يمكن تغيره بها
وأما الحريم فما ينسب إلى النجاسة بتحريكه إياها وانعطافه عليها والتفافه بها
قلت غير الماء من المائعات ينجس بملاقاة النجاسة وإن كثر
وإنما لا ينجس الماء لقوته
ولو توضأ من بئر ثم أخرج منها دجاجة منتفخة لم يلزمه أن يعيد من صلاته إلا ما تيقن أنه صلاها بالماء النجس
ذكره صاحب العدة
والله أعلم

باب إزالة النجاسة
النجس ضربان نجس العين وغيره فنجس العين لا يطهر بحال إلا الخمر فتطهر بالتخلل وجلد الميتة بالدباغ
والعلقة والمضغة والدم الذي هو حشو البيضة

إذا نجسنا الثلاثة فاستحالت حيوانات
وأما غير نجس العين فضربان نجاسة عينية وحكمية فالحكمية هي التي تيقن وجودها ولا تحس كالبول إذا جف على المحل ولم يوجد له رائحة ولا أثر فيكفي إجراء الماء على محلها مرة ويسن ثانية وثالثة
وأما العينية فلا بد من محاولة إزالة ما وجد منها من طعم ولون وريح فان فعل ذلك فبقي طعم لم يطهر وإن بقي اللون وحده وهو سهل الإزالة لم يطهر
وإن كان عسرها كدم الحيض يصيب الثوب وربما لايزول بعد المبالغة والاستعانة بالحت والقرص طهر
وفيه وجه شاذ أنه لا يطهر والحت والقرص ليسا بشرط بل مستحبان عند الجمهور وقيل هما شرط وإن بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة كرائحة الخمر فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما يطهر
وإن بقي اللون والرائحة معا لم يطهر على الصحيح ثم الصحيح الذي قاله الجمهور إن حكمنا بطهارته مع بقاء لون أو رائحة فهو طاهر حقيقة ويحتمل أنه نجس معفو عنه
وقد أشار إليه في التتمة ثم بعد زوال العين يسن غسله ثانية وثالثة ولا يشترط في حصول الطهارة عصر الثوب على الأصح بناء على طهارة الغسالة
وإن قلنا بالضعيف إن العصر شرط قام مقامه الجفاف على الأصح لأنه أبلغ في زوال الماء
فرع ما ذكرناه من طهارة المحل بالعصر أو دونه هو فيما إذا

على المحل أما
إذا ورد الماء المحل النجس كالثوب يغمس في إجانة فيها ماء ويغسل فيها ففيه وجهان الصحيح الذي قاله الأكثرون لا يطهر وقال ابن سريج يطهر ولو ألقته الريح فيه والماء دون قلتين نجس الماء أيضا بلا خلاف

فرع إذا أصاب الأرض بول فصب عليها ماء غمره واستهلك فيه
نضوب الماء وقبله وجهان
إن قلنا العصر لا يجب طهرت
وإن قلنا واجب لم يطهر
فعلى هذا لا يتوقف الحكم بالطهارة على الجفاف بل يكفي أن يغيض الماء كالثوب المعصور
ويكفي أن يكون الماء المصبوب غامرا للنجاسة على الصحيح وقيل يشترط أن يكون سبعة أضعاف البول وقيل يشترط أن يصب على بول الواحد ذنوب وعلى بول الاثنين ذنوبان وعلى هذا أبدا ثم الخمر وسائر النجاسات المائعة كالبول يطهر الأرض عنها بغمر الماء بلا تقدير على المذهب
فرع اللبن النجس ضربان
مختلط بنجاسة جامدة كالروث وعظام الميتة وغير مختلط
فالأول نجس لا طريق إلى تطهيره لعين النجاسة
فان طبخ فالمذهب وهو الجديد أنه على نجاسته
وفي القديم قول أن الأرض النجسة تطهر بزوال النجاسة بالشمس والريح ومرور الزمن
فخرج أبو زيد والخضري وآخرون منه قولا ان النار تؤثر فيطهر ظاهره بالطبخ
فعلى الجديد لو غسل لم يطهر على الصحيح المنصوص
وقال ابن المرزبان والقفال يطهر ظاهره

وأما غير المختلط كالمعجون بماء نجس أو بول فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ويطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتى يصل إلى جميع أجزائه كالعجين بمائع نجس
هذا إن لم يطبخ فإن طبخ طهر على تخريج أبي زيد ظاهره وكذا باطنه على الأظهر وأما على الجديد فهو على نجاسته ويطهر بالغسل ظاهره دون باطنه وإنما يطهر باطنه بأن يدق حتى يصير ترابا ثم يفاض الماء عليه فلو كان بعد الطبخ رخوا لا يمنع نفوذ الماء فهو كما قبل الطبخ
قلت إذا أصابت النجاسة شيئا صقيلا كسيف وسكين ومرآة لم يطهر بالمسح عندنا بل لابد من غسلها
ولو سقيت سكين ماء نجسا ثم غسلها طهر ظاهرها
وهل يطهر باطنها بمجرد الغسل أم لا يطهر حتى يسقيها مرة ثانية بماء طهور وجهان
ولو طبخ لحم بماء نجس صار ظاهره نجسا وفي كيفية طهارته وجهان
أحدهما يغسل ثم يعصر كالبساط
والثاني يشترط أن يغلى بماء طهور
وقطع القاضي حسين والمتولي في مسألتي السكين واللحم بأنه يجب سقيها مرة ثانية وإغلاؤه
واختار الشاشي الاكتفاء بالغسل وهو المنصوص
قال الشافعي رضي الله عنه في الأم في باب صلاة الخوف لو أحمى حديدة ثم صب عليها سما نجسا أو غمسها فيه فشربته ثم غسلت بالماء طهرت لأن الطهارات كلها إنما جعلت على ما يظهر ليس على الأجواف
هذا نصه بحروفه
قال المتولي وإذا شرطنا سقي السكين جاز أن يقطع بها الأشياء الرطبة قبل السقي كما يقطع اليابسة
ولو أصابت الزئبق نجاسة فإن لم يتقطع طهر

بصب الماء عليه وإن تقطع كالدهن لا يمكن تطهيره على الأصح ذكره المحاملي والبغوي
وإزالة النجاسة التي لم يعص بالتلطخ بها في بدنه ليست على الفور وإنما يجب عند إرادة الصلاة ونحوها
ويستحب المبادرة بها
قال المتولي وغيره للماء قوة عند الورود على النجاسة فلا ينجس بملاقاتها بل يبقى مطهرا فلو صبه على موضع النجاسة من ثوب فانتشرت الرطوبة في الثوب لا يحكم بنجاسة موضع الرطوبة ولو صب الماء في إناء نجس ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور
فإذا أداره على جوانبه طهرت الجوانب كلها
قال ولو غسل ثوب عن نجاسة فوقعت عليه نجاسة عقب عصره
هل يجب غسل جميع الثوب أم يكفي غسل موضع النجاسة وجهان الصحيح الثاني
والله أعلم
فرع الواجب في إزالة النجاسة الغسل إلا في بول صبي لم يطعم

يشرب سوى
اللبن فيكفي فيه الرش ولا بد فيه من إصابة الماء جميع موضع البول
ثم لإيراده ثلاث درجات الأولى النضج المجرد
الثانية النضح مع الغلبة والمكاثرة
الثالثة أن ينضم إلى ذلك السيلان فلا حاجة في الرش إلى الثالثة قطعا ويكفي الأولى على وجه ويحتاج إلى الثانية على الأصح
ولا يلحق ببول الصبي بول الصبية بل يتعين غسله على الصحيح
قلت وفي التتمة وجه شاذ أن الصبي كالصبية فيجب الغسل
قال البغوي وبول الخنثى كالأنثى من أي فرجيه خرج
والله أعلم

فصل طهارة ما ولغ فيه الكلب
أو تنجس بدمه أو بوله أو عرقه أو شعره أو غيرها من أجزائه وفضلاته أن يغسل سبع مرات إحداهن بتراب وفيما سوى الولوغ وجه شاذ أنه يكفي غسله مرة كسائر النجاسات
والخنزير كالكلب على الجديد وفي القديم يكفي مرة كغيره وقيل القديم كالجديد ولا يقوم الصابون والإشنان ونحوهما مقام التراب على الأظهر كالتيمم
ويقوم في الثاني كالدباغ والاستنجاء
والثالث إن وجد ترابا لم يقم
وإلا قام
وقيل يقوم فيما يفسده التراب كالثياب دون الأواني
أما إذا اقتصر على الماء وغسله ثماني مرات ففيه أوجه
الأصح لا يطهر
والثاني يطهر
والثالث يطهر عند عدم التراب دون وجوده
ولا يكفي غمس الإناء والثوب في الماء الكثير على الأصح
ولا يكفي التراب النجس على الأصح كالتيمم
ولو تنجست أرض ترابية بنجاسة الكلب كفى الماء وحده على الأصح إذ لا معنى لتعفير التراب ولا يكفي في استعمال التراب ذره على المحل بل لا بد من مائع يمزجه به ليصل التراب بواسطته إلى جميع أجزاء المحل
فإن كان المائع ماء حصل الغرض وإن كان غيره كالخل وماء الورد وغسله ستا بالماء لم يكف على الصحيح كما لو غسل السبع بالخل والتراب
قلت لو ولغ في الإناء كلاب أو كلب مرات فثلاثة أوجه
الصحيح يكفيه للجميع سبع
والثاني يجب لكل ولغة سبع
والثالث يكفي لولغات الكلب الواحد سبع ويجب لكل كلب سبع
ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه كفى سبع ولو كانت نجاسة الكلب عينية كدمه فلم تزل إلا بست غسلات مثلا فهل يحسب ذلك ستا أم واحدة أم لا يحسب شيئا فيه

ثلاثة أوجه
أصحها واحدة
ويستحب أن يكون التراب في غير السابعة
والأولى أولى
ولو ولغ في ماء لم ينقص بولوغه عن قلتين فهو باق على طهوريته ولا يجب غسل الإناء
ولو ولغ في شىء نجسه فأصاب ذلك الشىء آخر وجب غسله سبعا
ولو ولغ في طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله وبقي الباقي على طهارته وإذا لم يرد استعمال الإناء الذي ولغ فيه لا يجب إراقته على الصحيح التي قطع به الجمهور
وفي الحاوي وجه أنه يجب إراقته على الفور للحديث الصحيح بالأمر بإراقته
ولو ولغ في ماء كثير متغير بالنجاسة ثم أصاب ذلك الماء ثوبا قال الروياني قال القاضي حسين يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب لأن الماء المتغير بالنجاسة كخل تنجس
ولو ولغ حيوان تولد من كلب أو خنزير وغيره أو من كلب وخنزير فقد نقل فيه صاحب العدة الخلاف في الخنزير لأنه ليس كلبا
والله أعلم
فرع سؤر الهرة طاهر لطهارة عينها ولا يكره فلو تنجس فمها ثم في ماء قليل فثلاثة أوجه
الأصح أنها إن غابت واحتمل ولوغها في ماء يطهر فمها ثم ولغت لم تنجسه وإلا نجسته
والثاني تنجسه مطلقا
والثالث عكسه
قلت وغير الماء من المائعات كالماء
والله أعلم

فصل في غسالة النجاسة

إن تغير بعض أوصافها بالنجاسة فنجسة
وإلا فإن كان قلتين فطاهرة بلا خلاف
قلت ومطهرة على المذهب
والله أعلم
وإن كانت دونهما فثلاثة أقوال
وقيل أوجه
أظهرها وهو الجديد أن حكمها حكم المحل بعد الغسل إن كان نجسا بعد فنجسة
وإلا فطاهرة غير مطهرة
والثاني وهو القديم حكمها حكمها قبل الغسل فيكون مطهرة
والثالث وهو مخرج من رفع الحدث حكمها حكم المحل قبل الغسل فيكون نجسة
ويخرج على هذا الخلاف غسالة ولوغ الكلب فاذا وقع من الغسلة الأولى شىء على ثوب أو غيره لم يحتج إلى غسله على القديم
ويغسل لحصول المرة وطهورية الباقي ستا على الجديد وسبعا على المخرج
ولو وقع من السابعة لم يغسل على الأول والثاني
ويغسل على الثالث مرة
ومتى وجب الغسل عنها فان سبق التعفير لم يجب لطهوريته وإلا وجب
وفي وجه لكل غسلة سبع حكم المحل فيغسل منها مرة وهذا يتضمن التسوية بين غسلة التعفير وغيرها
فرع إذا لم تتغير الغسالة ولكن زاد وزنها فطريقان
أصحهما القطع بالنجاسة
والثاني على الأقوال واعلم أن الخلاف المذكور هو في المستعمل في واجب الطهارة

أما المستعمل في مندوبها كالغسلة الثانية فطهور على المذهب
وقيل على القولين الأولين دون الثالث

باب الاجتهاد
في الماء المشتبه إذا اشتبه إناءان طاهر ونجس فثلاثة أوجه
الصحيح أنه لا يجوز استعمال أحدهما إلا بالاجتهاد وظهور علامة تغلب على الظن طهارته ونجاسة المتروك
والثاني يكفي ظن الطهارة بلا علامة
والثالث يستعمل أحدهما بلا اجتهاد ولا ظن وسواء علم نجاسة أحدهما بمشاهدتها أو ظنها بإخبار من تقبل روايته من حر أو عبد أو امرأة
وفي الصبي المميز وجهان
قلت الأصح عند الجمهور لا يقبل قول المميز ويقبل الأعمى بلا خلاف
والله أعلم

ويشترط أن يعلم من حال المخبر أنه لا يخبر إلا عن حقيقة وسواء أخبره بنجاسة أحدهما على الإبهام أم بعينه ثم اشتبه فيجتهد في الجميع
ولو انصب أحدهما أو صبه فثلاثة أوجه
أصحها يجتهد في الباقي
والثاني لا يجوز الاجتهاد بل يتيمم
والثالث يستعمله بلا اجتهاد عملا بالأصل
قلت الأصح عند المحققين والأكثرين أو الكثيرين أنه لا يجوز الاجتهاد بل يتيمم ويصلي ولا يعيد وإن لم يرقه
والله أعلم

وللاجتهاد شروط
الأول أن يكون للعلامة مجال كالأواني والثياب
أما إذا اختلط بعض محارمه بأجنبية أو أجنبيات محصورات فلا يجوز نكاح واحدة منهن بالاجتهاد
الثاني أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الطهارة
فلو اشتبه ماء ببول أو بماء ورد أو ميتة بمذكاة أو لبن بقر بلبن أتان
لم يجتهد على الصحيح بل يتيمم في مسألة البول
وفي مسألة ماء الورد يتوضأ بكل واحدة مرة
وقيل يجتهد
ولا بد من ظهور علامة بلا خلاف ولا يجيء فيه الوجه الثاني في أول الباب
الثالث مختلف فيه وهو العجز عن اليقين فلو تمكن منه جاز الاجتهاد على الأصح فيجوز في المشتبهين وإن كان معه ثالث طاهر بيقين أو كان على شط نهر أو اشتبه ثوبان ومعه ثالث طاهر بيقين أو قلتان طاهرة ونجسة وأمكن خلطهما بلا تغير أو اشتبه ماء مطلق بمستعمل أو بماء ورد قلنا يجوز الاجتهاد فيه
على الأصح في الجميع
الرابع أن تظهر علامة وقد تقدم أن الصحيح اشتراط العلامة فلو لم تظهر تيمم بعد إراقة الماءين أو صب أحدهما في الآخر فلا إعادة عليه
فإن تيمم قبل ذلك وجبت إعادة الصلاة
وأما الأعمى فيجتهد على الأظهر
فإن لم يغلب على ظنه شىء قلد على الأصح
قلت فان قلنا لا يقلد أو لم يجد من يقلده فوجهان
الصحيح أنه يتيمم ويصلي وتجب الاعادة
والثاني يخمن ويتوضأ على أكثر ما يقدر عليه وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه واختاره القاضي أبو الطيب قال ويعيد
والله أعلم

فرع إذا غلب على ظنه طهارة إناء استحب أن يريق الآخر
وصلى بالأول الصبح فحضرت الظهر فإن لم يبق من الأول شىء لم يجب الاجتهاد للظهر
فلو اجتهد فظن طهارة الباقي فالصحيح المنصوص أنه يتيمم ولا يستعمله وخرج ابن سريج أنه يستعمله ولا يتيمم فيغسل جميع ما أصابه الماء الأول ثم يتوضأ وعلى هذا لا يعيد واحدة من الصلاتين
وعلى المنصوص لا يعيد الأولى ولا الثانية أيضا على الأصح
أما إذا بقي من الأول شىء فان كان يكفي طهارته فهو كما إذا لم يبق شىء إلا أنه يجب الاجتهاد للصلاة الثانية
وإذا صلاها بالتيمم وجب قضاؤها على الصحيح المنصوص
وإن كان الباقي لا يكفي فإن قلنا يجب استعماله كان كالكافي وإلا كان كما إذا لم يبق من الأول شىء
ولو صب الماء الباقي مع بقية الأول أو الباقي إذا كان وحده ثم صلى بالتيمم فلا إعادة عليه بلا خلاف
فرع الشىء الذي لا يتيقن نجاسته ولا طهارته والغالب في مثله النجاسة فيه قولان لتعارض الأصل
والظاهر أظهرهما الطهارة عملا بالأصل فمن ذلك ثياب مدمني الخمر وأوانيهم وثياب القصابين والصبيان الذين لا يتوقون النجاسة وطين الشوارع حيث لا يستيقن ومقبرة شك في نبشها وأواني الكفار المتدينين باستعمال النجاسة كالمجوس وثياب المنهمكين في الخمر والتلوث بالخنزير من اليهود

والنصارى
ولا يلحق بهؤلاء الذين لا يتدينون باستعمال النجاسة كاليهود والنصارى
فإن ألحقنا غلبة الظن باليقين واشتبه إناء طاهر بإناء الغالب في مثله النجاسة اجتهد فيهما
وإن رجحنا الأصل فهما طاهران وربما أطلق الأصحاب القولين فيما إذا غلب على الظن النجاسة لكن له شرط وهو أن تكون غلبة الظن مستندة إلى كون الغالب في مثله النجاسة
فان لم يكن كذلك لم يلزم طرد القولين حتى لو رأى ظبيه تبول في ماء كثير وهو بعيد منه فجاءه فوجده متغيرا وشك هل تغير بالبول أم بغيره فهو نجس نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب رحمهم الله
قلت الجمهور حكموا بالنجاسة مطلقا وبعضهم قال إن كان عهده عن قرب غير متغير فهو النجس
وإن لم يعهده أصلا أو طال عهده فهو طاهر لاحتمال التغير بطول المكث
واعلم أن الإمام الرافعي اختصر هذا الباب جدا وترك أكثر مسائله
وأنا إن شاء الله أشير إلى معظم ما تركه
قال أصحابنا يجوز الاجتهاد في المشتبهين من الطعامين والدهنين ونحوهما في الجنس والجنسين كلبن وخل تنجس أحدهما وثوب وتراب وطعام وماء ولنا وجه منكر أنه لا يجوز في الجنسين
حكاه الشيخ أبو حامد وغلطه ولو اشتبه لبنان ومعه ثالث متيقن الطهارة إن لم يكن مضطرا إلى شربه جاز الاجتهاد فيهما وإن اضطر فعلى الوجهين في الماءين ومعه ثالث
ولو أخبره بنجاسة أحد المشتبهين بعينه من يقبل خبره عمل به ولم يجز الاجتهاد فإن كان معه إناءان فقال عدل ولغ الكلب في هذا دون ذاك وقال آخر في ذاك دون هذا حكم بنجاستهما لاحتمال الولوغ في وقتين فإن عينا وقتا بعينه عمل بقول أوثقهما عنده على المختار الذي قطع به إمام الحرمين
فإن استويا فالمذهب أنه يسقط خبرهما وتجوز الطهارة بهما وفيه طرق للأصحاب

وتفريعات طويلة أوضحتها في شرحي المهذب والتنبيه ولو قال عدل ولغ في هذا الإناء هذا الكلب في وقت كذا فقال آخر كان هذا الكلب في ذلك الوقت ببلد آخر فالأصح طهارة الإناء للتعارض والثاني النجاسة لاشتباه الكلاب
ولو أدخل الكلب رأسه في الإناء وأخرجه ولم يعلم ولوغه فان كان فمه يابسا فالماء على طهارته وإن كان رطبا فالأصح الطهارة للأصل
والثاني النجاسة للظاهر
وإذا توضأ بالمظنون طهارته ثم تيقن أنه كان نجسا أو أخبره عدل لزمه إعادة الصلاة وغسل ما أصابه الماء من بدنه وثوبه
ويكفيه الغسلة الواحدة عن النجاسة والحدث جميعا إذا نوى الحدث على أصح الوجهين عند العراقيين وهو المختار خلاف ما جزم به الرافعي وجماعة من الخراسانيين أنه لا بد من غسلتين
ولنا قول شاذ في الوسيط وغيره أنه لا تجب إعادة هذه الصلاة كنظيره من القبلة
ولو توضأ بأحد المشتبهين من غير اجتهاد وصلى وقلنا بالصحيح أنه لا يجوز فبان أن الذي توضأ به هو الطاهر لم تصح صلاته قطعا ولا وضوؤه على الأصح لتلاعبه وكنظيره في القبلة والوقت
ولو اشتبه الإناءان على رجلين فظن كل واحد طهارة إناء باجتهاده لم يقتد أحدهما بالآخر
فلو كانت الآنية ثلاثة نجس وطاهران فاجتهد فيها ثلاثة رجال وتوضأ كل باناء وأمهما واحد في الصبح وآخر في الظهر وآخر في العصر فثلاثة أوجه

الصحيح الأشهر قول ابن الحداد يصح لكل واحد التي أم فيها
والاقتداء الأول ويتعين الثاني للبطلان
والثاني قول ابن القاص لا يصح له إلا التي أم فيها
والثالث قول أبي إسحق المروزي تصح التي أم فيها
والاقتداء الأول إن اقتصر عليه
فان اقتدى ثانيا بطلا جميعا
وإن زادت الآنية والمجتهدون أو سمع من الرجال صوت حدث فتناكروه فحكم كله خارج على ما ذكرته وقد أوضحت كل هذا بأمثلته وأدلته في شرحي المهذب والتنبيه
وقد ذكر الرافعي رحمه الله المسألة في باب صفة الأئمة وهذا الموضع أنسب
ولو وجد قطعة لحم ملقاة فان كان في البلد مجوس ومسلمون فنجسة فان تمحض المسلمون فان كانت في خرقة أو مكتل فطاهرة وإن كانت ملقاة مكشوفة فنجسة
ولو اشتبهت ميتة بمذكيات بلد أو إناء بول بأواني بلد فله أخذ بعضها بالاجتهاد بلا خلاف وإلى أي حد ينتهي فيه وجهان مذكوران في البحر أصحهما إلى أن يبقى واحد
والثاني إلى أن يبقى قدر لو كان الاختلاط به ابتداء منع الجواز
ولو كان له دنان فيهما مائع فاغترف منهما في إناء فرأى فيه فأرة لا يدرى من أيهما هي تحرى فان ظهر له أنها من أحدهما بعينه فإن كان اغترف بمغرفتين فالآخر طاهر وإن كان بمغرفة فان ظهر بالاجتهاد أن الفأرة في الثاني فالأول على طهارته وإلا فهما نجسان
وقد أكثرت الزيادة في هذا الباب لمسيس الحاجة إليها فبقيت منه بقايا حذفتها كراهة كثرة الإطالة
والله أعلم

باب الأواني
هي ثلاثة أقسام
الأول المتخذ من جلد والجلد يحكم بطهدرته في حالين
أحدهما إذا ذكي مأكول اللحم فجلده باق على طهارته كلحمه ولو ذكي غير مأكول فجلده نجس كلحمه
قلت ولو ذبح حمارا زمنا أو غيره مما لا يؤكل للتوصل إلى دبغ جلده لم يجز عندنا
والله أعلم
والثاني أن يدبغ جلد الميتة فيطهر بالدباغ من مأكول اللحم وغيره إلا جلد كلب أو خنزير وفرعهما فانه لا يطهر قطعا وإذا قلنا بالقديم إن الآدمي ينجس بالموت طهر جلده بالدباغ على الأصح ولنا وجه شاذ منكر في التتمة أن جلد الميتة لا ينجس وإنما أمر بالدبغ لإزالة الزهومة ثم قال الأصحاب يعتبر في الدباغ ثلاثة أشياء نزع الفضول وتطييب الجلد وصيرورته بحيث لو وقع في الماء لم يعد الفساد والنتن
ومن الأصحاب من يقتصر على نزع الفضول لاستلزامه الطيب والصيرورة
قالوا ويكون الدباغ بالأشياء الحريفة كالشب والقرظ وقشور الرمان والعفص
وفي وجه لا يحصل إلا بشب أو قرظ وهو غلط ويحصل بمتنجس وبنجس العين كذرق حمام على الأصح فيها ولا يكفي التجميد بالتراب أو

الشمس على الصحيح
ولا يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ على الأصح ويجب الغسل بعده إن دبغ بنجس قطعا وكذا إن دبغ بطاهر على الأصح فعلى هذا إذا لم يغسله يكون طاهر العين كثوب نجس بخلاف ما إذا أوجبنا الماء في أثناء الدباغ فلم يستعمله فانه يكون نجس العين وهل يطهر بمجرد نقعه في الماء أم لا بد من استعمال الادوية ثانيا وجهان
قلت أصحهما الثاني
وبه قطع الشيخ أبو محمد والآخر احتمال لإمام الحرمين والمراد نقعه في ماء كثير
والله أعلم
وإذا أوجبنا الغسل بعد الدباغ اشترط سلامته من التغير بأدوية الدباغ ولا يشترط ذلك إذا أوجبنا استعمال الماء في أثناء الدباغ
فرع يطهر بالدباغ ظاهر الجلد قطعا وباطنه على المشهور الجديد
فيجوز بيعه ويستعمل في المائعات ويصلى فيه
ومنع القديم طهارة الباطن والصلاة والبيع واستعماله في المائع
قلت أنكر جماهير العراقيين وكثيرون من الخراسانيين هذا القديم وقطعوا بطهارة الباطن وما يترتب عليه
وهذا هو الصواب
والله أعلم
ويجوز أكل المدبوغ على الجديد إن كان مأكول اللحم وإلا فلا على المذهب
قلت الأظهر عند الأكثرين تحريم أكل جلد المأكول وقد بقي من هذا القسم مسائل منها الدباغ بالملح

نص الشافعي رحمه الله أنه لا يحصل وبه قطع أبو علي الطبري وصاحب الشامل وقطع إمام الحرمين بالحصول ولا يفتقر الدباغ إلى فعل
فلو ألقت الريح الجلد في مدبغة فاندبغ طهر ويجوز استعمال جلد الميتة قبل الدباغ في اليابسات لكن يكره ويجوز هبته كما تجوز الوصية
وإذا قلنا لا يجوز بيعه بعد الدباغ ففي إجارته وجهان
الصحيح المنع
والله أعلم
القسم الثاني الشعر والعظم أما الشعر والصوف والوبر والريش فينجس بالموت على الأظهر وكذا العظم على المذهب وقيل كالشعر
فإن نجسنا الشعر ففي شعر الآدمي قولان
أو وجهان
بناء على نجاسته بالموت
والأصح أنه لا ينجس شعره بالموت ولا بالإبانة
فإن نجسنا عفي عن شعرة وشعرتين
فإن كثر لم يعف
قلت قال أصحابنا يعفى عن اليسير من الشعر النجس في الماء والثوب الذي يصلى فيه وضبط اليسير العرف
وقال إمام الحرمين لعل القليل ما يغلب انتتافه مع اعتدال الحال
واختلف أصحابنا في هذا العفو هل يختص بشعر الآدمي أم يعم الجميع والأصح التعميم
والله أعلم
وإذا نجسنا شعر الآدمي فالصحيح طهارة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإذا نجسنا شعر غير الآدمي فدبغ الجلد وعليه شعر لم يطهر الشعر على الأظهر وإذا لم تنجس الشعور ففي شعر الكلب والخنزير وفرعهما وجهان
الصحيح النجاسة
سواء انفصل في حياته أو بعد موته
وأما الإناء من العظم فإن كان طاهرا

جاز استعماله وإلا فلا
وطهارته لا تحصل إلا بالذكاة في مأكول اللحم إلا إذا قلنا بالضعيف إن عظام الميتة طاهرة
قلت قال أصحابنا ويجوز استعمال الإناء من العظم النجس في الأشياء اليابسة لكن يكره كما قلنا في جلد الميتة قبل الدباغ ويجوز إيقاد عظام الميتة
ولو رأى شعرا لم يعلم طهارته فان علم أنه من مأكول اللحم فطاهر أو من غيره فنجس
أو لم يعلم فوجهان
أصحهما الطهارة ولو باع جلد ميتة بعد دباغه وعليه شعر وقلنا يجوز بيع الجلد ولا يطهر الشعر بالدباغ فإن قال بعتك الجلد دون شعره صح ولو قال الجلد مع شعره ففي صحة بيع الجلد القولان في تفريق الصفقة
وإن قال بعتك هذا وأطلق صح
وقيل وجهان
والله أعلم
القسم الثالث إناء الذهب والفضة يكره استعماله كراهة تنزيه في القديم وكراهة تحريم في الجديد وهو المشهور وقطع به جماعة
وعليه التفريع ويستوي في التحريم الرجال والنساء وسواء استعماله في الأكل والشرب والوضوء والأكل بملعقة الفضة والتطيب بماء الورد من قارورة الفضة والتجمر بمجمرة الفضة إذا احتوى عليها
ولا حرج في إتيان الرائحة من بعد ويحرم إتخاذ الإناء من غير استعمال على الأصح فلا يستحق صانعه أجرة ولا أرش على كاسره
وعلى الثاني لا يحرم فتجب الأجرة والأرش ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس بها على الصحيح
ويحرم الإناء الصغير كالمكحلة وظرف الغالية من الفضة على الصحيح ولا يحرم الأواني من الجواهر النفيسة كالفيروزج والياقوت والزبرجد ونحوها على الأظهر
ولا خلاف أنه لا يحرم ما نفاسته لصنعته ولا يكره لو اتخذ إناء من حديد أو غيره وموهه بذهب أو فضة إن كان يحصل منه شىء بالعرض على النار حرم استعماله وإلا

فوجهان
ولو اتخذه من ذهب أو فضة وموهه بنحاس أو غيره فعلى الوجهين
ولو غشي ظاهره وباطنه بالنحاس فطريقان
قال إمام الحرمين لا يحرم
وقال غيره على الوجهين
قلت الأصح من الوجهين لا يحرم
والله أعلم
فرع المضبب بالفضة فيه أوجه
أحدها إن كانت الضبة صغيرة وعلى قدر الحاجة لا يحرم استعماله ولا يكره
وإن كانت كبيرة فوق الحاجة حرم
وإن كانت صغيرة فوق الحاجة أو كبيرة قدر الحاجة فوجهان
الأصح يكره
والثاني يحرم
والوجه الثاني إن كانت الضبة تلقى الشارب حرم وإلا فلا
والثالث يكره ولا يحرم بحال
والرابع يحرم في جميع الأحوال
قلت أصح الأوجه وأشهرها الأول وبه قطع أكثر العراقيين
والله أعلم
ومعنى الحاجة غرض إصلاح موضع الكسر ولا يعتبر العجز عن التضبيب بغير الفضة فان الاضطرار يبيح استعمال أصل إناء الذهب والفضة وفي ضبط الصغر والكبر أوجه
أحدها يرجع فيه إلى العرف
والثاني ما يلمع على بعد كبير وما لا فصغير
والثالث ما استوعب جزءا من الإناء كأسفله أو عروته أو شفته كبير وما لا فصغير
قلت الثالث أشهر
والأول أصح
والله أعلم

وأما المضبب بذهب فقطع الشيخ أبو إسحق بتحريمه بكل حال
وقال الجمهور هو كالفضة
قلت قد قطع بتحريم المضبب بالذهب بكل حال جماعات غير الشيخ أبي إسحق منهم صاحب الحاوي وأبو العباس الجرجاني والشيخ أبو الفتح نصر المقدسي والعبدري ونقله صاحب التهذيب عن العراقيين مطلقا
وهذا هو الصحيح
والله أعلم
وهل يسوى بين الذهب والفضة في الصغر والكبر قياس الباب نعم
وعن الشيخ أبي محمد لا فإن قليل الذهب ككثير الفضة فيقوم ضبة الفضة المباحة ويباح قدرها من الذهب ولو اتخذ للإناء حلقة فضة أو سلسلة أو رأسا
قال في التهذيب يجوز وفيه نظر واحتمال
قلت قد وافق صاحب التهذيب جماعة ولا نعلم فيه خلافا
قال أصحابنا لو شرب بكفيه وفي أصبعه خاتم أو في فمه دراهم أو في الإناء الذي شرب منه لم يكره
ولو أثبت الدراهم في الإناء بالمسامير فهو كالضبة
وقطع القاضي حسين بجوازه
ولو باع إناء الذهب أو الفضة صح بيعه
ولو توضأ منه صح وضوؤه وعصى بالفعل
ولو أكل أو شرب عصى بالفعل وكان الطعام والشراب حلالا
وطريقه في اجتناب المعصية أن يصب الطعام وغيره في إناء آخر ويستعمل المصبوب فيه
والله أعلم

باباب صفة الوضوء له فروض وسنن
فالفروض ستة
الأول النية وهي فرض في طهارات الأحداث ولا تجب في إزالة النجاسة على الصحيح
ولا يصح وضوء كافر أصلي ولا غسله على الصحيح ويصحان على وجه
ويصح الغسل دون الوضوء على وجه فيصلي به إذا أسلم
والكتابية المغتسلة من الحيض لحل وطئها لزوج مسلم كغيرها على الصحيح ولا يصح طهارة المرتد بلا خلاف
ولو توضأ مسلم أو تيمم ثم ارتد فثلاثة أوجه
الصحيح يبطل تيممه دون الوضوء
والثاني يبطلان
والثالث لا يبطلان
ولا يبطل الغسل بالردة وقيل هو كالوضوء وليس بشىء
أما وقت النية فلا يجوز أن يتأخر عن غسل أول جزء من الوجه
فإن قارنت الجزء المذكور ولم يتقدم ولم تبق بعده صح وضوؤه لكن لا يثاب على سنن الوضوء المتقدمة
قلت وفي الحاوي وجه أنه يثاب عليها
والله أعلم
وإن تقدمت النية من أول الوضوء واستصحبها إلى غسل جزء من الوجه صح وحصل ثواب السنن وإن اقترنت بسنة من سننه المتقدمة وهي التسمية والسواك وغسل الكف والمضمضة والاستنشاق ثم عزبت قبل الوجه فثلاثة أوجه
أصحها لا يصح وضوؤه
والثاني يصح
والثالث يصح إن اقترنت بالمضمضة أو الاستنشاق دون ما قبلهما
ولنا وجه ضعيف أن ما قبلهما ليس من سنن الوضوء بل مندوبة في أوله لا منه
والصواب أنها من سننه
قلت هذا هو المذكور في المضمضة والاستنشاق هو فيما إذا لم ينغسل معهما شىء من الوجه فان انغسل بنية الوجه أجزأه ولا يضر العزوب بعده

وإن لم ينو بالمغسول الوجه أجزأه أيضا على الصحيح وقول الجمهور فعلى هذا يحتاج إلى إعادة غسل ذلك الجزء مع الوجه على الأصح
والله أعلم
أما كيفية النية فالوضوء ضربان وضوء رفاهية ووضوء ضرورة
أما الأول فينوي أحد ثلاثة أمور
أحدها رفع الحدث أو الطهارة عن الحدث
ويجزئه ذلك
وفيه وجه أنه إن كان ماسح خف لم يجزئه نية رفع الحدث بل تتعين نية الاستباحة ولو نوى رفع بعض الأحداث فأوجه
أصحها يصح وضوؤه مطلقا
والثاني لا
والثالث إن لم ينف ما عداه صح وإلا فلا والرابع إن نوى رفع الأول صح وإلا فلا
والخامس إن نوى الأخير صح وإلا فلا
هذا إذا كان الحدث المنوي واقعا منه
فان لم يكن بأن بال ولم ينم فنوى حدث النوم فان كان غالطا صح وضوؤه قطعا
وإن تعمد لم يصح على الأصح
الأمر الثاني استباحة الصلاة أو غيرها مما لاتباح إلا بالطهارة كالطواف وسجود التلاوة والشكر
فاذا نوى أحدها ارتفع حدثه ولنا وجه أنه لا يصح الوضوء بنية الاستباحة وهو غلط
وإن نوى استباحة صلاة بعينها ولم ينف غيرها صح الوضوء لها ولغيرها
وإن نفى أيضا صح على الأصح
ولا يصح في الثاني ويصح في الثالث لما نوى فقط ولو نوى ما يستحب له الوضوء كقراءة القرآن والجلوس في المسجد وسماع الحديث وروايته لم يصح على الأصح
ولو نوى تجديد الوضوء
فعلى الوجهين
وقيل لا يصح قطعا
ولو شك في الحدث فتوضأ محتاطا فتيقن الحدث لم يعتد به على الأصح لأنه توضأ مترددا وقد زالت الضرورة بالتيقن
ولو تيقن الحدث وشك في الطهارة فتوضأ ثم بان محدثا أجزأه قطعا لأن الأصل بقاء الحدث فلا يضر التردد معه
ولو نوى ما لا يستحب له الوضوء كدخول السوق لم يصح
الأمر الثالث فرض الوضوء أو أداء الوضوء وذلك كاف قطعا وإن كان الناوي صبيا

فرع إذا نوى أحد الأمور الثلاثة وقصد ما يحصل معه بلا
رفع الحدث والتبرد أو رفع الجنابة والتبرد فالصحيح صحة طهارته
ولو اغتسل جنب يوم الجمعة بنية الجمعة والجنابة حصلا على الصحيح
ولو اقتصر على نية الجنابة حصلت الجمعة أيضا في الأظهر
قلت الأظهر عند الأكثرين لا تحصل
والله أعلم
ولو نوى بصلاته الفرض وتحية المسجد حصلا قطعا ولو نوى رفع الحدث ثم نوى في أثناء طهارته التبرد
فان كان ذاكر النية رفع الحدث فهو كمن نواهما ابتداء فيصح على الصحيح
وإن كان غافلا لم يصح ما أتى به بعد ذلك على الصحيح
أما وضوء الضرورة فهو وضوء المستحاضة وسلس البول ونحوهما ممن به حدث دائم والأفضل أن ينوي رفع الحدث واستباحة الصلاة
وفي الواجب أوجه
الصحيح أنه يجب نية الاستباحة دون رفع الحدث
والثاني يجب الجمع بينهما
والثالث يجوز الاقتصار على أيهما شاءت
ثم إن نوت فريضة واحدة صح قطعا لأنه مقتضى طهارتها
وإن نوت نافلة معينة ونفت غيرها فعلى الأوجه الثلاثة المتقدمة في غيرها
فرع لو كان يتوضأ ثلاثا فنسي لمعة في المرة الأولى فانغسلت في
أو الثالثة وهو يقصد
التنفل أو انغسلت في تجديد الوضوء فوجهان
الأصح في الصورة الأولى يجزئه وفي مسألة التجديد لا يجزئه

قلت ولو نسي اللمعة في وضوئه أو غسله ثم نسي أنه توضأ أو اغتسل فأعاد الوضوء أو الغسل بنية الحدث أجزأه وتكمل طهارته بلا خلاف
والله أعلم
ولو فرق النية على اعضائه فنوى عند الوجه رفع الحدث عنه وعند اليد والرأس والرجل كذلك صح وضوؤه على الأصح
والخلاف في مطلق التفريق على الصحيح المعروف
وقيل هو فيمن نوى رفع الحدث عن كل عضو ونفى غيره دون من اقتصر عليه وإذا قلنا في مسألة اللمعة لا يعتد بالمغسول في الثانية فهل يبطل ما مضى أم يبني عليه فيه وجها تفريق النية إن جوزنا التفريق جاز البناء وإلا فلا
ولا يشترط إضافة الوضوء إلى الله تعالى على الأصح
قلت قال أصحابنا يستحب أن ينوي بقلبه ويتلفظ بلسانه كما سيأتي في سنن الوضوء
فإن اقتصر على القلب أجزأه أو اللسان فلا
وإن جرى على لسانه حدث أو تبرد وفي قلبه خلافه فالاعتبار بالقلب ولو نوى الطهارة ولم يقل عن الحدث لم يجزئه على الصحيح المنصوص
ولو نوت المغتسلة عن الحيض تمكين زوج من وطئها فأوجه
الأصح تستبيح الوطء والصلاة وكل شىء يقف على الغسل
والثاني لا تستبيح شيئا
والثالث تستبيح الوطء وحده
ولو نوى أن يصلي بوضوئه صلاة وأن لا يصليها لم يصح لتلاعبه وتناقضه
ولو ألقي انسان في نهر مكرها فنوى فيه رفع الحدث صح وضوؤه
ولو غسل المتوضىء أعضاءه إلا رجليه ثم سقط في نهر فانغسلتا وهو ذاكر النية صح وإلا لم يحصل غسل رجليه على الأصح
ولو أحرم بالصلاة ونوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته
قاله في الشامل ولو نوى قطع الوضوء بعد الفراغ منه لم يبطل على الصحيح
وكذا في أثنائه على الأصح
ويستأنف النية لما بقي إن جوزنا تفريقها وإلا استأنف الوضوء
والله أعلم

الفرض الثاني غسل الوجه ويجب استيعابه بالغسل وحده من مبدأ تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا وتدخل الغايتان في حد الطول ولا تدخلان في العرض فليست النزعتان من الوجه وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبينين ولا موضع الصلع وهو ما انحسر عنه الشعر فوق ابتداء التسطيح
وأما الصدغان وهما في جانبي الأذن يتصلان بالعذارين من فوق فالأصح أنهما ليسا من الوجه
ولو نزل الشعر فعم الجبهة أو بعضها وجب غسل ما دخل في الحد المذكور وفي وجه ضعيف أنه لا يجب إلا إذا عمها
وموضع التحذيف من الرأس لا من الوجه على الأصح
وهو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة
وأما شعور الوجه فقسمان حاصلة في حد الوجه وخارجة عنه
والحاصلة نادرة الكثافة وغيرها
فالنادرة كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين وهما المحاذيان للأذنين بين الصدغ والعارض فيجب غسل ظاهر هذه الشعور وباطنها مع البشرة تحتها وإن كثفت
ولنا وجه شاذ أنه لا يجب غسل منبت كثيفها وغير النادرة شعر الذقن والعارضين وهما الشعران المنحطان عن محاذاة الأذنين
فان كان خفيفا وجب غسل ظاهره وباطنه مع البشرة وإن كان كثيفا وجب غسل ظاهر الشعر فقط وحكي قول قديم وقيل وجه إنه يجب غسل البشرة أيضا وليس بشىء
ولو خف بعضه وكثف بعضه فالأصح أن للخفيف حكم الخفيف المتمحض وللكثيف حكم الكثيف المتمحض
والثاني للجميع حكم الخفيف
وأما ضبط الخفيف والكثيف فالصحيح الذي عليه الأكثرون وهو ظاهر النص أن الخفيف ما تتراءى البشرة تحته في مجلس التخاطب
والكثيف ما يمنع الرؤية
والثاني أن الخفيف ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة
والكثيف

ما لا يصله إلا بمبالغة ويلحق بالنادر في حكمه المذكور لحية امرأة وخنثى مشكل وكذا عنفقة الرجل الكثيفة على الأصح
وعلى الثاني هي كشعر الذقن
القسم الثاني الخارجة عن حد الوجه من اللحية والعارض والعذار والسبال طولا وعرضا والأظهر وجوب إفاضة الماء عليها وهو غسل ظاهرها
والثاني لا يجب شىء
وقيل يجب غسل الوجه الباطن من الطبقة العليا وقيل يجب غسل السبال قطعا
والمذهب الأول
قلت قال أصحابنا يجب غسل جزء من رأسه ورقبته وما تحت ذقنه مع الوجه ليتحقق استيعابه
ولو قطع أنفه أو شفته لزمه غسل ما ظهر بالقطع في الوضوء والغسل على الأصح
ولو خرج من وجهه سلعة ونزلت عن حد الوجه لزمه غسل جميعها على المذهب
وقيل في النازل قولان
ويجب غسل ما ظهر من حمرة الشفتين ويستحب غسل النزعتين
ولو خلق له وجهان وجب غسلهما ويستحب أن يأخذ الماء بيديه جميعا
والله أعلم
الفرض الثالث غسل اليدين مع المرفقين فإن قطع من فوق المرفق فلا فرض عليه ويستحب غسل باقي العضد لئلا يخلو العضو من طهارة
وإن قطع من تحت المرفق وجب غسل باقي محل الفرض
وإن قطع من مفصل المرفق وجب غسل رأس العظم الباقي على المذهب وقيل فيه قولان
ولو كان له يدان من جانب فتارة تتميز الزائدة عن الأصلية وتارة لا
فإن تميزت وخرجت من محل الفرض إما من الساعد وإما من المرفق وجب غسلها مع الأصلية كالإصبع الزائدة والسلعة سواء جاوز طولها الأصلية أم لا
وإن خرجت من فوق محل الفرض ولم تحاذ محل الفرض لم يجب غسل شىء منها
وإن حاذته وجب غسل المحاذي وحده على الصحيح المنصوص
وإن لم تتميز وجب غسلهما معا

سواء خرجتا من المنكب أو الكوع أو الذراع
ومن أمارات الزائدة أن تكون فاحشة القصر والأخرى معتدلة
ومنها نقص الأصابع ومنها فقد البطش وضعفه
قلت ولو طالت أظفاره وخرجت عن رؤوس الأصابع وجب غسل الخارج على المذهب
وقيل قولان كالشعر النازل من اللحية
ولو نبت على ذراعه أو رجله شعر كثيف وجب غسل ظاهره وباطنه مع البشرة تحته لندوره
ولو توضأ ثم قطعت يده أو رجله أو حلق رأسه لم يلزمه تطهير ما انكشف
فإن توضأ لزمه غسل ما ظهر
وإن حصل في يده ثقب لزمه غسل باطنه لأنه صار ظاهرا
وإن لم يقدر الأقطع والمريض على الوضوء لزمه تحصيل من يوضئه إما متبرعا وإما بأجرة المثل إذا وجدها
فإن لم يجد من يوضئه أو وجده ولم يجد الأجرة أو وجدها فطلب أكثر من أجرة المثل لزمه أن يصلي بالتيمم ويعيد لندوره
فان لم يقدر على التيمم صلى على حاله وأعاد
والله أعلم
الفرض الرابع مسح الرأس والواجب منه ما ينطلق عليه الاسم ولو بعض شعره أو قدره من البشرة
وفي وجه شاذ يشترط ثلاث شعرات
وعلى هذا الشاذ لا يشترط قدرها من البشرة إذا اقتصر عليها
وقيل يشترط
وحيث اقتصر على البشرة يجوز وإن كانت مستورة بالشعر على الصحيح
وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس لو مد سبطا كان أو جعدا ولا يضر مجاوزته منبته على الصحيح
ولو غسل رأسه بدل مسحه أو ألقى عليه قطرة ولم تسل عليه أو وضع يده التي عليها الماء على رأسه ولم يمرها أجزأه على الصحيح
ولا يستحب غسل الرأس قطعا ولا يكره على الأصح بخلاف الخف فإن غسله تعييب

قلت ولا تتعين اليد للمسح بل يجوز بأصبع أو خشبة أو خرقة أو غيرها
ويجزئه مسح غيره له
والمرأة كالرجل في المسح
ولو كان له رأسان أجزأه مسح أحدهما
وقيل يجب مسح جزء من كل رأس
والله أعلم
الفرض الخامس غسل الرجلين مع الكعبين
وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم
وحكي وجه أنه الذي فوق مشط القدم
قلت هذا الوجه شاذ منكر بل غلط
والله أعلم
وحكم الرجل الزائدة ما سبق في اليد
ومراد الأصحاب بقولهم غسل الرجلين فرض إذا لم يمسح على الخف أو أن الأصل الغسل والمسح بدل
فرع من اجتمع عليه حدثان أصغر
وأكبر
فيه أوجه
الصحيح يكفيه غسل جميع البدن بنية الغسل وحده ولا ترتيب عليه
والثاني يجب نية الحدثين إن اقتصر على الغسل
والثالث يجب وضوء مرتب وغسل جميع البدن
فإن شاء قدم الوضوء وإن شاء أخره
والرابع يجب وضوء مرتب وغسل باقي البدن
هذا كله إذا وقع الحدثان معا أو سبق الأصغر وإما إذا سبق الأكبر فطريقان
أصحهما طرد الخلاف
والثاني القطع بالاكتفاء بالغسل
ولو غسل جميع بدنه إلا رجليه ثم أحدث فإن قلنا بالوجه الثالث وجب وضوء كامل للحدث وغسل الرجلين للجنابة يقدم أيهما شاء فتكون الرجل مغسولة مرتين
وإن قلنا بالرابع وجب غسل الرجلين بعد أعضاء

الوضوء ويكون غسلهما واقعا عن الحدث والجنابة جميعا
وإن قلنا بالصحيح الأول فعليه غسل الرجلين عن الجنابة وغسل سائر أعضاء الوضوء عن الحدث فان شاء قدم الرجلين وإن شاء أخرهما أو وسطهما
وعلى هذا يكون المأتي به وضوءا خاليا عن غسل الرجلين فإنهما يغسلان عن الجنابة خاصة ولا يختص هذا بالرجلين بل لو غسل الجنب من بدنه ما سوى الرأس والرجلين أو اليدين والرأس والرجلين كان حكمه ما ذكرنا
قلت الصحيح في الصورة المذكورة أنه يجب الترتيب في أعضاء الوضوء الثلاثة
وهو مخير في الرجلين كما ذكرنا
وقيل هو مخير في الجميع وقيل يجب الترتيب في الجميع فيجب غسل الرجلين بعد الأعضاء الثلاثة
والله أعلم
الفرض السادس الترتيب فلو تركه عمدا لم يصح وضوؤه لكن يعتد بالوجه وما غسله بعده على الترتيب
ولو تركه ناسيا فقولان المشهور الجديد لا يجزئه
ولو غسل أربعة أنفس أعضاءه دفعة باذنه لم يحصل إلا الوجه على الصحيح
وعلى الثاني يحصل الجميع
أما إذا غسل المحدث جميع بدنه فان أمكن حصول الترتيب بأن انغمس في الماء ومكث زمانا يتأتى فيه الترتيب أجزأه على الصحيح
وإن لم يتأت بأن انغمس ولم يمكث أو غسل أسافله قبل أعاليه لم يجزه على الأصح
ولا خلاف في الاعتداد بغسل الوجه في الصورتين إذا قارنته النية هذا كله إذا نوى رفع الحدث
فان نوى الجنابة فالأصح أنه كنية رفع الحدث
والثاني لا يجزئه بحال إلا الوجه
قلت الأصح عند المحققين في مسألة الانغماس بلا مكث الإجزاء
والله أعلم

فرع إذا خرج منه بلل يجوز أن يكون منيا ومذيا واشتبه

أحدها يجب الوضوء فقط فلو عدل إلى الغسل كان كمحدث يغتسل
والثاني يجب الوضوء وغسل سائر البدن وغسل ما أصابه البلل
والثالث وهو الأصح يتخير بين التزام حكم المني وحكم المذي
فإن اختار الوضوء وجب الترتيب فيه وغسل ما أصابه
وقيل لا يجبان وليس بشىء ويجري هذا الخلاف فيما إذا أولج خنثى مشكل في دبر رجل فهما بتقدير ذكورة الخنثى جنبان وإلا فمحدثان
وإذا توضآ وجب عليهما الترتيب وفيه الوجه المتقدم وليس بشىء
فصل وأما سنن الوضوء
فكثيرة إحداها السواك
وهو سنة مطلقا ولا يكره إلا بعد الزوال لصائم
وفي غير هذه الحالة مستحب في كل وقت
ويتأكد استحبابه في أحوال عند الصلاة وإن لم يكن متغير الفم وعند الوضوء وإن لم يصل وعند قراءة القرآن وعند اصفرار الأسنان وإن لم يتغير الفم وعند تغير الفم بنوم أو طول سكوت أو ترك أكل أو أكل ما له رائحة كريهة أو غير ذلك
ويحصل السواك بخرقة وكل خشن مزيل لكن العود أولى والأراك منه أولى والأفضل أن يكون بيابس ندي بالماء ولا يحصل بأصبع خشنة على أصح الأوجه
والثالث يحصل عند عدم العود ونحوه
ويستحب أن يستاك عرضا
قلت كره جماعة من أصحابنا الاستياك طولا
ولنا قول غريب أنه لا يكره

السواك لصائم بعد الزوال
ويستحب أن يبدأ بجانب فمه الأيمن وأن يعود الصبي السواك ليألفه
ولا بأس أن يستاك بسواك غيره بإذنه
ويستحب أن يمر السواك على سقف حلقه إمرارا لطيفا وعلى كراسي أضراسه
وينوي بالسواك السنة
ويسن السواك أيضا عند دخوله بيته واستيقاظه من نومه للحديث الصحيح فيهما
والله أعلم
والثانية أن يقول في ابتداء وضوئه بسم الله فلو نسيها في الابتداء أتى بها متى ذكرها قبل الفراغ كما في الطعام
فان تركها عمدا فهل يشرع التدارك فيه احتمال
قلت قول الإمام الرافعي فيه احتمال عجيب فقد صرح أصحابنا بأنه يتدارك في العمد وممن صرح به المحاملي في المجموع والجرجاني في التحرير وغيرهما وقد أوضحته في شرح المهذب قال أصحابنا ويستحب التسمية في ابتداء كل أمر ذي بال من العبادات وغيرها حتى عند الجماع
والله أعلم

الثالثة غسل الكفين قبل الوجه
سواء قام من النوم وشك في نجاسة اليد وأراد غمس يده في الإناء أم لم يكن شىء من ذلك لكن إن أراد غمس يديه في إناء قبل غسلهما كره إن لم يتيقن طهارتهما
فان تيقنها فوجهان
الأصح لا يكره الغمس
قلت ولا تزول الكراهة إلا بغسلهما ثلاثا قبل الغمس
نص عليه البويطي وصرح به الأصحاب للحديث الصحيح
وقال أصحابنا إذا كان الماء في إناء كبير أو صخرة مجوفة بحيث لا يمكن أن يصب منه على يده وليس معه ما يغترف به استعان بغيره أو أخذ الماء بفمه أو طرف ثوب نظيف ونحوه
والله أعلم
الرابعة المضمضة والاستنشاق ثم أصل هذه السنة يحصل بوصول الماء إلى الفم والأنف
سواء كان بغرفة أو أكثر
وفي الأفضل طريقان
الصحيح أن فيه قولين أظهرهما الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل
والثاني الجمع بينهما أفضل والطريق الثاني الفصل أفضل قطعا
وفي كيفيته وجهان
أصحهما يتمضمض من غرفة ثلاثا ويستنشق من أخرى ثلاثا
والثاني بست غرفات وتقديم المضمضة على الاستنشاق شرط على الأصح
وقيل مستحب

وفي كيفية الجمع وجهان الأصح بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ويستنشق
والثاني بغرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا وقيل بل يتمضمض منها ثم يستنشق مرة ثم كذلك ثانية وثالثة
قلت المذهب من هذا الخلاف أن الجمع بثلاث أفضل كذا قاله جماعة من المحققين والأحاديث الصحيحة مصرحة به وقد أوضحته في شرح المهذب
والله أعلم
لخامسة المبالغة في المضمضة والاستنشاق فيبلغ ماء المضمضة أقصى الحنك ووجهي الأسنان وتمر الأصبع عليها ويصعد ماء الاستنشاق بنفسه إلى الخيشوم مع إدخال الأصبع اليسرى وإزالة ما هناك من أذى
فإن كان صائما لم يبالغ فيهما
قلت ولو جعل الماء في فيه ولم يدره حصلت المضمضة على الصحيح
والله أعلم
السادسة التكرار ثلاثا في المغسول والممسوح المفروض والمسنون ولنا قول شاذ أنه لا يكرر مسح الرأس ووجه أشذ منه أنه لا يكرره ولا مسح الأذنين
ولو شك هل غسل أو مسح مرة أو مرتين أم ثلاثا أخذ بالأقل على الصحيح وقيل بالأكثر
قلت تكره الزيادة على ثلاث وقيل تحرم وقيل هي خلاف الأولى والصحيح الأول وإنما تجب الغسلة مرة وإذا استوعبت العضو
والله أعلم

السابعة تخليل ما لا يجب إيصال الماء إلى منابته من شعور الوجه بالأصابع
ولنا وجه شاذ أنه يجب التخليل
قلت مراد قائله وجوب إيصال الماء إلى المنبت وليس بشىء وقد نقلوا الإجماع على خلافه
والله أعلم
الثامنة تقديم اليمين على اليسار في يديه ورجليه
وأما الأذنان والخدان فيطهران دفعة
فان كان أقطع قدم اليمين
قلت والكفان كالأذنين وفي البحر وجه شاذ أنه يستحب تقديم الأذن اليمنى
ولو قدم مسح الأذن على مسح الرأس لم يحصل على الصحيح
والله أعلم
التاسعة تطويل الغرة والتحجيل
فالغرة غسل مقدمات الرأس وصفحة العنق مع الوجه
والتحجيل غسل بعض العضدين مع الذراعين وبعض الساقين مع الرجلين
وغايته استيعاب العضد والساق وقال كثيرون الغرة غسل بعض العضد والساق فقط
والصحيح الأول
العاشرة استيعاب الرأس بالمسح
والسنة في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه ويلصق سبابته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المبتدأ فالذهاب والرد مسحة واحدة
وهذا الاستحباب لمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ويصله البلل
أما من لا شعر له أو له شعر لا ينقلب لقصره أو طوله فيقتصر على الذهاب
فلو رد لم يحسب ثانية ولو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة أو غيرها مسح ما يجب من الرأس

ويسن تتميم المسح على العمامة والأفضل أن لا يقتصر على أقل من الناصية
ولا يكفي الاقتصار على العمامة قطعا
الحادية عشرة مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد
ولو أخذ بأصابعه ماء لرأسه ثم أمسك بعض أصابعه فلم يمسحه بها فمسح الأذن بمائها كفى لأنه جديد ويمسح الصماخين بماء جديد على المشهور
وفي قول شاذ يكفي مسحهما ببقية بلل الأذن
قلت ويمسح الصماخين ثلاثا ونقلوا أن ابن سريج رحمه الله كان يغسل أذنيه مع وجهه ويمسحهما مع رأسه ومنفردتين احتياطا في العمل بمذاهب العلماء فيهما وفعله هذا حسن
وقد غلط من غلطه فيه زاعما أن الجمع بينهما لم يقل به أحد
ودليل ابن سريج نص الشافعي والأصحاب على استحباب غسل النزعتين مع الوجه مع أنهما يمسحان في الرأس
والله أعلم
الثانية عشرة مسح الرقبة
وهل هو سنة أم أدب فيه وجهان
والسنة والأدب يشتركان في أصل الاستحباب لكن السنة يتأكد شأنها والأدب دون ذلك
ثم الأكثرون على أنه يمسح بباقي بلل الرأس أو الأذن وقيل بماء جديد
قلت وذهب كثيرون من أصحابنا إلى أنها لا تمسح لأنه لم يثبت فيها شىء أصلا ولهذا لم يذكره الشافعي ومتقدمو الأصحاب
وهذا هو الصواب
والله أعلم
الثالثة عشرة تخليل أصابع الرجلين بخنصر يده اليسرى من أسفل الرجل مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى خاتما بخنصر اليسرى
وقيل يخلل ما بين كل أصبعين من أصابع رجليه بأصبع من أصابع يده ولم يذكر الجمهور تخليل أصابع

اليدين واستحبه القاضي ابن كج من أصحابنا وورد فيه حديث
قال الترمذي إنه حسن
فعلى هذا تخليلها بالتشبيك بينها
ولو كانت أصابع رجليه ملتفة لا يصل الماء ما بينهما إلا بالتخليل وجب الإيصال
وإن كانت ملتحمة لم يجب فتقها ولا يستحب
قلت بل لا يجوز
والله أعلم
الرابعة عشرة الدعوات على أعضاء الوضوء فيقول عند الوجه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
وعند اليد اليمنى اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا
وعند اليسرى اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري
وعند الرأس اللهم حرم شعري وبشري على النار
وعند الأذنين اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وعند الرجلين اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام
قلت هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعي والجمهور
والله أعلم
الخامسة عشرة ترك الاستعانة وهل تكره الاستعانة وجهان
قلت الوجهان فيما إذا استعان بمن يصب عليه الماء وأصحهما لا يكره
أما إذا استعان بمن يغسل له الأعضاء فمكروه قطعا
وإن استعان به في إحضار الماء فلا بأس به ولا يقال إنه خلاف الأولى وحيث كان له عذر فلا بأس بالاستعانة مطلقا
والله أعلم

السادسة عشرة الأصح أنه يستحب ترك التنشيف
والثاني لا يستحب ولا يكره
والثالث يكره التنشيف ويستحب تركه
والرابع يكره في الصيف دون الشتاء
والخامس يستحب
السابعة عشرة أن لا ينفض يده
والنفض مكروه
قلت في النفض أوجه
الأرجح أنه مباح تركه وفعله سواء
والثاني مكروه
والثالث تركه أولى
والله أعلم
الثامنة عشرة في مندوبات أخر منها أن يقول بعد التسمية الحمد لله الذي جعل الماء طهورا وأن يستصحب النية في جميع الأفعال وأن يجمع في النية بين القلب واللسان وأن يتعهد الموقين بالسبابتين ويحرك الخاتم ويتعهد ما يحتاج إلى الاحتياط ويبدأ في الوجه بأعلاه وفي الرأس بمقدمه وفي اليد والرجل بأطراف الأصابع إن صبه على نفسه
وإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب
وأن لا ينقص ماء الوضوء عن مد وأن لا يسرف ولا يزيد على ثلاث مرات ولا يتكلم في أثناء الوضوء ولا يلطم وجهه بالماء ولا يتوضأ في موضع يرجع إليه رشاش الماء وأن يمر يده على الأعضاء وأن يقول بعد الفراغ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
واعلم أن معظم هذه السنن يجيء مثلها في الغسل وفي التسمية وجه أنها لا تستحب في الغسل

فرع التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بلا خلاف وكذا
على الجديد المشهور
والكثير هو أن يمضي زمن يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص
والقليل دون ذلك
وقيل تؤخذ القلة والكثرة من العرف
وقيل الكثير مضي زمن يمكن فيه إتمام الطهارة
ومدة التفريق تعتبر من آخر المأتي به من أفعال الوضوء
ولو فرق بعذر كنفاد الماء لم يضر على المذهب وقيل فيه القولان
والنسيان عذر على الأصح
وحيث جاز التفريق فبنى لا يحتاج إلى تجديد النية في الأصح
والموالاة في الغسل كهي في الوضوء على المذهب
وقيل لا يجب مطلقا بلا خلاف
قلت بقيت مسائل مهمة من صفة الوضوء
منها غسل العينين
فيه أوجه
أحدها سنة
والثاني مستحب
والثالث لا يفعل وهو الأصح عند الأصحاب
ولو لم يكن لرجله كعب أو ليده مرفق اعتبر قدره ولو تشققت رجله فجعل في شقوقها شمعا أو حناء وجب إزالة عينه فإن بقي لون الحناء لم يضر وإن كان على العضو دهن مائع فجرى الماء على العضو ولم يثبت صح وضوؤه ولو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء لم يصح وضوؤه على الأصح
ولو قدم المضمضة والاستنشاق على غسل الكف لم يحسب الكف على الأصح
ولو شك في غسل بعض أعضائه في أثناء الطهارة لم يحسب له وبعد الفراغ لا يضره الشك على الأصح
ويشترط في غسل الأعضاء جريان الماء على العضو بلا خلاف
ويرتفع الحدث عن كل عضو بمجرد غسله
وقال إمام الحرمين يتوقف على فراغ الأعضاء والصواب الأول
وبه قطع الأصحاب
ويستحب لمن يتوضأ أن يصلي عقبه ركعتين في أي وقت كان

باب الاستنجاء
الاستنجاء واجب ولقضاء الحاجة آداب
منها أن يستر عورته عن العيون بشجرة أو بقية جدار ونحوهما فإن كان في بناء يمكن تسقيفه كفى ولو جلس في وسط عرصة دار واسعة أو بستان فليستتر بقدر مؤخرة الرحل وليكن بينه وبينها ثلاثة أذرع فما دونها
ولو أناخ راحلته وتستر بها أو جلس في وهدة أو نهر أو أرخى ذيله حصل الغرض
ومنها أن لا يستقبل الشمس ولا القمر بفرجه لا في الصحراء ولا في البنيان
وهو نهي تنزيه
قال جماعة ويجتنب الاستدبار أيضا
والجمهور اقتصروا على النهي عن الاستقبال
ومنها إن كان في بناء أو بين يديه ساتر فالأدب أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها
فإن كان في صحراء ولم يستتر بشىء حرم استقبالها واستدبارها ولا يحرم ذلك في البناء
ومنها أن لا يتخلى في متحدث الناس وأن لا يبول في الماء الراكد الكثير والنهي عن القليل أشد وفي الليل أشد
وأن لا يبول في ثقب وأن لا يجلس تحت شجرة مثمرة لغائط ولا بول ولا يبول في مهب ريح
وأن يعتمد في جلوسه على رجله اليسرى وأن يعد أحجار الاستنجاء عنده قبل جلوسه وأن لا يستنجي بالماء موضع قضاء الحاجة بل ينتقل عنه
فإن كان يستنجي بالحجر لم ينتقل
قلت هذا في غير الأخلية المتخذة لذلك
أما الأخلية فلا ينتقل منها للمشقة ولأنه لا يناله رشاش
والله أعلم

وأن لا يستصحب ما فيه شىء من القرآن أو ذكر الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم كخاتم ودرهم ونحوهما ولا يختص هذا الأدب بالبنيان بل يعم الصحراء على الصحيح
فلو غفل عن نزع الخاتم حتى اشتغل بقضاء الحاجة ضم كفه عليه
وأن يقدم في الدخول رجله اليسرى وفي الخروج اليمنى وسواء في هذا الأدب الصحراء والبنيان على الصحيح فيقدم اليسرى إذا بلغ مقعده في الصحراء ويقدم اليمنى في انصرافه وقيل يختص بالبنيان
وأن يستبرىء بتنحنح ونتر ذكره عند انقطاع البول ويكره حشو الإحليل بقطن ونحوه
قلت يكره استقبال بيت المقدس واستدباره ببول أو غائط ولا يحرم ولا يكره الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها لا في بناء ولا في صحراء عندنا
واستصحاب ما عليه ذكر الله تعالى
على الخلاء مكروه لا حرام
والسنة أن يقول عند دخول الخلاء باسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث
ويقول إذا خرج غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني
وسواء في هذا البنيان والصحراء ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ويسبله عليه إذا قام قبل انتصابه
ويكره أن يذكر الله تعالى أو يتكلم بشىء قبل خروجه إلا لضرورة
فإن عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه وكذا يفعل في حال الجماع والسنة أن يبعد عن الناس وأن يبول في مكان لين لا يرتد عليه فيه بوله
ويكره في قارعة الطريق وعند القبور ويحرم البول على القبر
وفي المسجد فلو بال في إناء في المسجد فهو حرام على الأصح
ويستحب أن لا يدخل الخلاء حافيا ولا مكشوف الرأس وأن لا ينظر إلى ما يخرج منه ولا إلى فرجه ولا إلى السماء ولا يعبث بيده ولا يكره البول في الإناء ويكره قائما بلا عذر ويكره إطالة القعود على الخلاء

فصل فيما يستنجى منه
إذا خرج من البدن نجس لا ينقض الطهر لم يجزىء فيه الحجر
وأما الخارج الذي ينقض الطهر فإن كان ريحا لم يجب الاستنجاء
وإن كان غيره وخرج من منفتح غير السبيلين ففي إجزاء الحجر فيه خلاف يأتي في الباب الآتي إن شاء الله تعالى وإن كان خارجا من السبيلين يوجب الطهارة الكبرى كالمني والحيض وجب الغسل ولا يمكن الاقتصار على الحجر
قلت قد صرح صاحب الحاوي وغيره بجواز الاستنجاء بالحجر من دم الحيض
وفائدته فيمن انقطع حيضها واستنجت بالحجر ثم تيممت لسفر أو مرض صلت ولا إعادة
والله أعلم
وإن أوجب الصغرى فإن لم يكن ملوثا كدود وحصاة بلا رطوبة لم يجب الاستنجاء على الأظهر
قلت والبعرة اليابسة كالحصاة وصرح به صاحب الشامل وآخرون
والله أعلم
وإن كان ملوثا نادرا كالدم والقيح والمذي فثلاثة طرق
والطريق الصحيح قولان
أظهرهما يجزئه الحجر
والثاني يتعين الماء
والثاني يجزىء الحجر قطعا
والثالث إن خرج النادر مختلطا بالمعتاد كفى الحجر
وإن تمحض النادر تعين الماء
وإن كان الخارج ملوثا معتادا ولم يجاوز المخرج فله الاقتصار

على الحجر قطعا
وكذا إن جاوز المخرج ولم يجاوز المعتاد على المذهب وشذ بل غلط من قال فيه قول آخر أنه يتعين الماء
فإن جاوز المعتاد ولم يخرج الغائط عن الأليتين أجزأ الحجر أيضا على الأظهر
وقيل قطعا
وقيل يتعين الماء قطعا
والبول كالغائط والحشفة كالأليتين
وقال أبو إسحق المروزي إذا جاوز البول الثقب تعين الماء قطعا
والمذهب الأول
ولو جاوز الغائط الأليتين والبول الحشفة تعين الماء قطعا لندوره سواء المجاوز وغيره
وقيل في غير المجاوز الخلاف وليس بشىء
وحيث اقتصر على الحجر فشرطه أن لا تنتقل النجاسة عن الموضع الذي أصابته عند الخروج وأن لا يجف ما على المخرج
فإن فقد أحدهما تعين الماء قطعا
وقيل إن كان الجاف بحيث يقلعه الحجر أجزأ الحجر

فصل فيما يستنجى به غير الماء وله شروط

أحدها أن يكون طاهرا فلو استنجى بنجس تعين بعده الماء على الصحيح
وعلى الثاني يجزئه الحجر إن كان النجس جامدا
الشرط الثاني أن يكون منشفا قالعا للنجاسة فلا يجزىء زجاج وقصب وحديد أملس وفحم رخو وتراب متناثر ويجزىء فحم وتراب صلبان
وقيل في التراب والفحم قولان مطلقا وليس بشىء
وإن استنجى بما لا يقلع لم يجزئه وإن أنقى
فإن نقل النجاسة تعين الماء وإلا أجزأ الحجر
ولو استنجى برطب من حجر أو غيره لم يجزئه على الصحيح
الشرط الثالث أن لا يكون محترما فلا يجوز الاستنجاء بمطعوم كالخبز والعظم
ولا بما كتب عليه علم كحديث وفقه وفي جزء الحيوان

المتصل به كاليد والعقب وذنب حمار وجهان
الصحيح لا يجوز
وقيل يجوز بيد نفسه دون يد غيره
وقيل عكسه
ويجوز بقطعة ذهب وفضة وجوهر نفيس خشنة على الصحيح كما يجوز بالديباج قطعا
وإن استنجى بمحترم عصى ولا يجزئه على الصحيح لكن يجزئه الحجر بعده إلا أن ينقل النجاسة وأما الجلد الطاهر فالأظهر أنه إن كان مدبوغا جاز الاستنجاء به
وإلا فلا
والثاني يجوز مطلقا
والثالث لا يجوز مطلقا
ولو استنجى بحجر ثم غسله ويبس جاز الاستنجاء به وإن استنجى بحجر فلم يبق على المحل شىء فاستعمل الثاني والثالث ولم يتلوثا جاز استعمالهما من غير غسل على الصحيح

فصل في كيفية الاستنجاء إذا استنجى بجامد
وجب الإنقاء واستيفاء بثلاث مسحات بأحرف حجر أو ما في معناه أو بأحجار
ولو حصل الإنقاء بدون الثلاث وجب ثلاث
وفي وجه يكفي الإنقاء وهو شاذ أو غلط
وإذا لم يحصل الإنقاء بثلاث وجبت الزيادة
فإن حصل برابع استحب الإتيان بخامس ولا يجب
وفي كيفية الاستنجاء أوجه أصحها يمسح بكل حجر جميع المحل فيضعه على مقدم الصفحة اليمنى ويديره على الصفحتين إلى أن يصل موضع ابتدائه ويضع الثاني على مقدم الصفحة اليسرى ويفعل مثل ذلك ويمسح بالثالث الصفحتين والمسربة
والوجه الثاني يمسح بحجر الصفحة اليمنى وبالثاني اليسرى وبالثالث الوسط
والوجه الثالث أن يمسح بالأول من مقدم المسربة إلى آخرها

وبالثاني من آخرها إلى أولها ويحلق بالثالث وهذا الخلاف في الأفضل على الصحيح
فيجوز عند كل قائل العدول إلى الكيفية الأخرى وقيل لا يجوز
قلت وقيل يجوز العدول من الكيفية الثانية إلى الأولى دون عكسه
والله أعلم
وينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر بقرب النجاسة ثم يمره على المحل ويديره قليلا قليلا
فإن أمره ونقل النجاسة من موضع إلى موضع تعين الماء فإن أمر ولم يدره ولم ينقل فالصحيح أنه يجزئه
والثاني لا بد من الإدارة

فرع المستحب أن يستنجي باليسار

فإن استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى
وإن استنجت امرأة من بول أو غائط أو رجل من غائط بالحجر مسح بيساره ولم يستعن بيمينه في شىء
وإذا استنجى الرجل من البول بجدار أو صخرة عظيمة ونحو ذلك أمسك الذكر بيساره ومسحه على ثلاث مواضع
وإذا استنجى بحجر صغير أمسكه بين عقبيه أو إبهامي رجليه أو تحامل عليه إن أمكنه والذكر في يساره
فإن لم يتمكن واضطر إلى إمساك الحجر بيده أمسكه باليمنى وأخذ الذكر باليسرى وحرك اليسار وحدها
فإن حرك اليمنى أو حركهما جميعا كان مستنجيا باليمين
وقيل يأخذ الذكر باليمين والحجر باليسار ويحركها وليس بشىء

فرع الأفضل أن يجمع في الاستنجاء بين الماء والجامد ويقدم الجامد

فإن اقتصر فالماء أفضل
فرع الخنثى المشكل في الاستنجاء من الغائط كغيره وليس له الاقتصار على
انفتاح الأصلي ينتقض وضوؤه بالخارج منه ويجوز له الاقتصار على الحجر
أما الرجل فمخير في فرجيه بين الماء والحجر وكذا المرأة البكر وكذا الثيب
فإن مخرج بولها فوق مدخل الذكر
والغالب أنها إذا بالت نزل البول إلى مدخل الذكر
فإن تحققت ذلك تعين الماء وإلا جاز الحجر على الصحيح
والواجب على المرأة غسل ما يظهر إذا جلست على القدمين
وفي وجه ضعيف يجب على الثيب غسل باطن فرجها
قلت ينبغي أن يستنجي قبل الوضوء والتيمم فإن قدمهما على الاستنجاء صح الوضوء دون التيمم على أظهر الأقوال
والثاني يصحان
والثالث لا يصحان
ولو تيمم وعلى يديه نجاسة فهو كالتيمم قبل الاستنجاء وقيل يصح قطعا كما لو تيمم مكشوف العورة
وإذا أوجبناه في الدودة والحصاة والبعرة أجزأه الحجر على المذهب
وقيل فيه القولان في الدم وغيره من النادر وهذا أشهر وقول الجمهور ولكن الصواب الأول
ولو وقع الخارج من الانسان على الأرض ثم ترشش منه شىء فارتفع إلى المحل أو أصابته نجاسة أخرى تعين الماء لخروجه عما يعم به البلوى
ويستحب أن يبدأ المستنجي بالماء بقبله ويدلك يده بعد غسل الدبر وينضح فرجه أو سراويله

بعد الاستنجاء دفعا للوسواس
ويعتمد في غسل الدبر على أصبعه الوسطى ويستعمل من الماء ما يغلب على الظن زوال النجاسة به ولا يتعرض للباطن ولو غلب على ظنه زوال النجاسة ثم شم من يده ريحها فهل يدل على بقاء النجاسة في المحل كما هي في اليد أم لا فيه وجهان أصحهما لا
والله أعلم

باب الإحداث
الحدث يطلق على ما يوجب الوضوء وعلى ما يوجب الغسل
فيقال حدث أكبر وحدث أصغر وإذا أطلق كان المراد الأصغر غالبا وهو مرادنا هنا
ولا ينتقض الوضوء عندنا بخارج من غير السبيلين ولا بقهقهة المصلي ولا بأكل لحم الجزور ولا بأكل ما مسته النار وفي لحم الجزور قول قديم شاذ
قلت هذا القديم وإن كان شاذا في المذهب فهو قوي في الدليل فإن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شاف
وقد اختاره جماعة من محققي أصحابنا المحدثين وقد أوضحت كل ذلك مبسوطا في شرح المهذب وهذا القديم مما اعتقد رجحانه
والله أعلم
وإنما ينتقض بأحد أربعة أمور
الأول الخارج من أحد السبيلين عينا كان أو ريحا من قبل الرجل والمرأة أو دبرهما نادرا كان كالدم والحصى أو معتادا نجس العين أو طاهرها كالدود والحصى إلا المني فلا ينقض الوضوء بخروجه وإنما يوجب الغسل
ولنا وجه شاذ أنه يوجب الوضوء أيضا ودبر الخنثى المشكل كغيره

فإن خرج شىء من قبليه نقض
وإن خرج من أحدهما فله حكم المنفتح تحت المعدة

فرع إذا انسد السبيل المعتاد وانفتح ثقبه تحت المعدة وخرج منه المعتاد
وهو البول والغائط نقض قطعا وإن خرج نادر كدم ودود وريح نقض على الأظهر
وإن انفتح فوق المعدة مع انسداد المعتاد أو تحتها مع انفتاحه لم ينقض الخارج المعتاد منه على الأظهر فإن نقض ففي النادر القولان وان انفتح فوقها مع انفتاح الأصلي لم ينقض قطعا
قلت ذهب كثيرون من الأصحاب إلى أن فيه طريقين
الثاني على قولين
والمذهب أن الريح من الخارج المعتاد ومرادهم بتحت المعدة ما تحت السرة وبفوقها السرة ومحاذاتها وما فوقها
والله أعلم
وحيث نقضنا فهل يجوز الإقتصار في الخارج منه على الحجر فيه ثلاثة أقوال
وقيل أوجه الأظهر لا
والثالث يجوز في المعتاد دون النادر والأصح أنه لا يجب الوضوء بمسه ولا الغسل بالإيلاج فيه ولا يحرم النظر إليه إذا كان فوق السرة أو محاذيا لها ولا يثبت بالإيلاج فيه شىء من أحكام الوطء قطعا سوى الغسل على وجه
وقيل يثبت المهر وسائر أحكام الوطء
قلت لو أخرجت دودة رأسها من فرجه ثم رجعت انتقض على الأصح والخنثى الواضح إذا خرج من فرجه الزائد شىء فله حكم منفتح تحت المعدة
ولو خرج من أحد قبلي مشكل فكذلك على المذهب
وقيل ينتقض قطعا وقيل عكسه
ومن له ذكران ينتقض بكل منهما
والله أعلم

الناقض الثاني زوال العقل فإن كان بالجنون والاغماء والسكر نقض بكل حال
والسكر الناقض ما لا شعور معه دون أوائل النشوة
وحكي وجه أن السكر لا ينقض بحال وهو غلط
وأما النوم فحقيقته استرخاء البدن وزوال الاستشعار وخفاء كلام من عنده
وليس في معناه النعاس وحديث النفس فإنهما لا ينقضان بحال فإن نام ممكنا مقعده من مقره لم ينقض
وقيل إن استند إلى ما يسقط بسقوطه نقض وليس بشىء وإن نام غير ممكن مقعده نقض
وفي قول لا ينقض النوم على هيئة من هيئآت الصلاة وإن لم يكن في صلاة
وفي قول لا ينقض في الصلاة كيف كان
وفي قول لا ينقض النوم قائما
وفي قول ينقض وإن كان ممكنا مقعده
وهذه أقوال شاذة
قلت لا فرق عندنا بين قليل النوم وكثيره
ولو نام محتبيا فثلاثة أوجه
أصحها لا ينتقض
والثالث ينتقض وضوء نحيف الأليين دون غيره
ولو نام ممكنا فزالت إحدى أليتيه عن الأرض فإن كان قبل الإنتباه انتقض وإن كان بعده أو معه أو شك لم ينتقض
ولو شك هل نام أم نعس أو هل نام ممكنا أم لا لم ينتقض
ولو نام على قفاه ملصقا مقعده بالأرض انتقض ولو كان مستثفرا بشىء انتقض أيضا على المذهب
قال الشافعي والأصحاب يستحب الوضوء من النوم ممكنا للخروج من الخلاف
والله أعلم
الناقض الثالث لمس بشرة امرأة مشتهاة فإن لمس شعرا أو سنا أو ظفرا أو عضوا مبانا من امرأة أو بشرة صغيرة لم تبلغ حد الشهوة لم ينتقض وضوؤه على الأصح
وإن لمس محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة لم ينتقض على الأظهر
وإن لمس ميتة أو عجوزا لا تشتهى أو عضوا أشل أو زائدا أو لمس بغير شهوة أو عن غير قصد انتقض على الصحيح في جميع ذلك

وينتقض وضوء الملموس على الأظهر
والمرأة كالرجل في انتقاض طهرها بلمسها من الرجل ما ينقضه منها
ولنا وجه شاذ أنها لا تزال ملموسة فإذا لمست رجلا كان في انتقاضها القولان وليس بشىء
قلت ولو التقت بشرتا رجل وامرأة بحركة منهما انتقضتا قطعا وليس فيهما ملموس
ولو لمس الشيخ الفاقد للشهوة شابة أو لمست الفاقدة للشهوة شابا أو الشابة شيخا لا يشتهى انتقض على الأصح
والمراهق والخصي والعنين ينقضون وينتقضون
ولو لمس الرجل أمرد حسن الصورة بشهوة لم ينتقض على الصحيح
ولو شك هل هو لامس أوملموس فهو ملموس أو هل لمس محرما أو أجنبية فمحرم
ولو لمس محرما بشهوة فكلمسها بغير شهوة
ولمس اللسان ولحم الاسنان واللمس به ينتقض قطعا
والله أعلم
الناقض الرابع مس فرج الآدمي فينتقض الوضوء إذا مس ببطن كفه فرج آدمي من نفسه أو غيره ذكر أو أنثى صغير أو كبير حي أو ميت قبلا كان الممسوس أو دبرا
وفي فرج الصغير والميت وجه ضعيف وفي الدبر قول شاذ أنه لا ينتقض
والمراد بالدبر ملتقى المنفذ ومس محل الجب ينقض قطعا إن بقي شىء شاخص فإن لم يبق شىء نقض أيضا على الصحيح ومس الذكر المقطوع والأشل والمس باليد الشلاء وناسيا ناقض على الصحيح
ولو مس بباطن أصبع زائدة إن كانت على استواء الأصابع نقضت على الأصح وإلا فلا على الأصح
ولو كان له كفإن عاملتان نقض كل واحدة منهما
وإن كانت إحداهما عاملة نقضت دون الأخرى
وقيل في الزائدة خلاف مطلقا
ولا ينقض مس دبر البهيمة قطعا ولا قبلها على الجديد المشهور
قلت أطلق الأصحاب الخلاف في فرج البهيمة ولم يخصوا به القبل
فإن قلنا لا ينقض مسه فأدخل يده في فرجها لم ينقض على الأصح
والله أعلم

هذا كله في المس ببطن كفه فإن مس برؤوس الأصابع أو بما بينها أو بحرفها أو حرف الكف لم ينتقض على الأصح
ومن نقض برؤوس الأصابع قال باطن الكف ما بين الأظفار والزند طولا
ومن لم ينقض به يقول هو القدر المنطبق إذا وضعت إحدى اليدين على الأخرى مع تحامل يسير
وأما الممسوس فرجه فلا ينتقض قطعا
قلت وقيل فيه قولان كالملموس
والله أعلم

فرع إذا مس الخنثى المشكل فرج واضح فحكمه ما سبق وإن مس
انتقض أو أحدهما فلا
وإن مس أحدهما ثم صلى الصبح ثم توضأ ثم مس الآخر ثم صلى الظهر فالأصح أنه لا يجب قضاء واحدة منهما
والثاني يجب قضاؤهما ولو مس أحدهما وصلى الصبح ثم مس الآخر وصلى الظهر من غير وضوء أعاد الظهر قطعا فقط أما إذا مس الواضح خنثى فإن مس منه ما له مثله انتقض وإلا فلا ينتقض وضوء الرجل بمس ذكر الخنثى والمرأة بفرجه ولا عكس
هذا إذا لم يكن بين الماس والخنثى محرمية أو غيرها مما يمنع النقض وحيث نقضنا الواضح فالخنثى ممسوس لا ملموس ولو مس المشكل فرجي مشكل أو فرج نفسه وذكر مشكل انتقض
ولو مس أحد فرجي مشكل لم ينتقض
ولو مس أحد المشكلين فرج صاحبه ومس الآخر ذكر الأول انتقض أحدهما لا بعينه لكن لكل واحد منهما أن يصلي لأن الأصل الطهارة

من القواعد التي يبنى عليها كثير من الأحكام استصحاب حكم اليقين والاعراض عن الشك فلو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو عكسه عمل باليقين فيهما
ولو ظن الحدث بعد يقين الطهارة فكالشك فله الصلاة
ولنا وجه أنه إذا شك في الحدث خارج الصلاة وجب الوضوء وهذا شاذ بل غلط
ومن هذا الباب ما إذا مس الخنثى فرجه مرتين وشك هل الممسوس ثانيا الأول أم الآخر أو شك من نام قاعدا ثم تمايل وانتبه أيهما كان أسبق أو شك هل ما رآه رؤيا أم حديث نفس أو هل لمس البشرة أم الشعر فلا يلزمه الوضوء في جميع هذا
وكذا الشك في الحدث الأكبر
ولو تيقن بعد طلوع الشمس حدثا وطهارة ولم يعلم اسبقهما فثلاثة أوجه
أصحها وقول الأكثرين أنه إن كان قبل طلوع الشمس محدثا فهو الآن متطهرا وإن كان متطهر فالآن محدث إن كان ممن يعتاد تجديد الوضوء وإلا فمتطهر أيضا وإن لم يعلم ما كان قبل طلوع الشمس وجب الوضوء
والوجه الثاني أنه على ما كان قبل طلوع الشمس ولا نظر إلى ما بعده فإن لم يعلم ما كان قبله وجب الوضوء
والثالث لا نظر إلى ما قبل الطلوع بل يجب الوضوء بكل حال
قلت الوجه الثاني غلط صريح وكيف يؤمر بالعمل بما تيقن بطلانه والوجه الثالث هو الصحيح عند جماعات من محققي أصحابنا
وفيه وجه رابع يعمل بغلبة الظن وقد أوضحت دلائله في شرح المهذب
والله أعلم

فرع في بيان الخنثى المشكل لزوال إشكاله صور

منها خروج البول
فإن بال بفرج الرجال وحده فهو رجل أو بفرج النساء فامرأة
فإن بال بهما فوجهان
أحدهما لا دلالة فيه
وأصحهما يدل للسابق إن اتفق انقطاعهما وللمتأخر إن اتفق ابتداؤهما فإن سبق واحد وتأخر آخر فللسابق فإن اتفقا فيهما وزاد أحدهما أو زرق بهما أو رشش فلا دلالة على الأصح وعلى الثاني يعمل بالكثرة ويجعل بالتزريق رجلا وبالترشيش امرأة
فإن استوى قدرهما أو زرق بواحد ورشش بآخر فلا دلالة
ومنها خروج المني والحيض في وقتهما
فإن أمنى بفرج الرجال فرجل أو بفرج النساء أو حاض فامرأة بشرط تكرره
فإن أمنى منهما فوجهان
أحدهما لا دلالة
والأصح أنه إن أمنى منهما بصفة مني الرجال فرجل أو بصفة مني النساء فامرأة
فإن أمنى من أحدهما بصفة ومن الآخر بالصفة الأخرى فلا دلالة
وحكي وجه أنه لا دلالة في المني مطلقا وهو شاذ
ومنها خروج الولد وهو يفيد القطع بالأنوثة فيقدم على جميع العلامات
ولو تعارض البول بالحيض أو المني فالأصح لا دلالة
والثاني يقدم البول
ومنها نبات اللحية ونهود الثدي وتفاوت الأضلاع
والصحيح أنه لا دلالة فيها
والثاني اللحية تدل أو نقصان ضلع من الجانب الأيسر للذكورة والنهود وتساوي الأضلاع للأنوثة
ولا يدل عدم اللحية والنهود في وقتهما على الأنوثة والذكورة بلا خلاف
ومنها الميل
فإذا قال أميل إلى النساء فرجل أو إلى الرجال فامرأة بشرط العجز عن الأمارات السابقة فإنها مقدمة على الميل
ولا يرجع إليه إلا بعد بلوغه وعقله
وفي وجه يقبل قول المميز ثم يتعلق باختياره

فروع أحدها إذا بلغ ووجد من نفسه أحد الميلين لزمه أن يخبر به
فإن أخر عصى
الثاني يحرم عليه أن يخبر بالتشهي وإنما يخبر عما يجده
الثالث إذا قال أميل إليهما أو لا أميل إلى واحد منهما استمر الإشكال
الرابع إذا أخبر بميل لزمه ولا يقبل رجوعه إلا أن يخبر بالذكورة ثم يلد أو يظهر به حمل فيبطل قوله كما لو حكم بشىء من العلامات الظاهرة ثم ظهر الحمل فإن ذلك يبطل
الخامس لو حكمنا بقوله ثم ظهرت علامة غير الحمل فيحتمل أن يرجع إليها ويحتمل أن يبقى على قوله
قلت الاحتمال الثاني هو الصواب وظاهر كلام الأصحاب
قال أصحابنا وإذا أخبر بميله عملنا به فيما له وعليه ولا نرده لتهمة كما لو أخبر صبي ببلوغه للامكان
والله أعلم

فصل يحرم على المحدث جميع أنواع الصلاة والسجود والطواف ومس المصحف وحمله
ويحرم مس حاشية المصحف وما بين سطوره وحمله بالعلاقة قطعا ويحرم مس الجلد على الصحيح والغلاف والصندوق والخريطة إذا كان فيهن المصحف على الأصح
ولو قلب أوراقه بعود حرم على الأصح

قلت قطع العراقيون بالجواز وهو الراجح فإنه غير حامل ولا ماس
ولو لف كمه على يده وقلب به الورق حرم عند الجمهور وهو الصواب
وقيل وجهان
والله أعلم
ولا يحرم حمل المصحف في جملة متاع على الأصح
وكتابة القرآن على شىء بين يديه من غير مس ولا حمل جائزة على الأصح ويجوز مس التوراة والإنجيل وما نسخت تلاوته من القرآن وحملها على الصحيح
ولا يحرم مس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله ولكن الأولى التطهر له
وأما ما كتب عليه شىء من القرآن لا للدراسة كالدراهم الأحدية والثياب والعمامة والطعام والحيطان وكتب الفقه والأصول فلا يحرم مسه ولا حمله على الصحيح
وكذا لا يحرم كتب التفسير على الأصح
وقيل إن كان القرآن أكثر حرم قطعا
وقيل إن كان القرآن بخط متميز حرم الحمل قطعا
قلت مقتضى هذا الكلام أن الأصح أنه لا يحرم إذا كان القرآن أكثر وهذا منكر
بل الصواب القطع بالتحريم لأنه وإن لم يسم مصحفا ففي معناه
وقد صرح بهذا صاحب الحاوي وآخرون
ونقله صاحب البحر عن الأصحاب
والله أعلم
ويحرم على البالغ مس وحمل اللوح المكتوب فيه قرآن للدراسة على الصحيح ولا يجب على الولي والمعلم منع الصبي المميز من مس المصحف واللوح اللذين يتعلم منهما وحملهما على الأصح
ولا يحرم أكل الطعام وهدم الحائط المنقوش بالقرآن
قلت ويكره إحراق الخشبة المنقوشة به
ويكره كتابته على الحيطان سواء المسجد وغيره وعلى الثياب ويحرم كتابته بشىء نجس
ولو كان على بعض بدن المتطهر نجاسة حرم مس المصحف بموضعها ولا يحرم بغيره على المذهب

ومن لم يجد ماء ولا ترابا يصلي لحرمة الوقت ويحرم عليه مس المصحف وحمله
ولو خاف على المصحف من غرق أو حرق أو نجاسة أو كافر ولم يتمكن من الطهارة أخذه مع الحدث للضرورة

باب الغسل
موجباته أربعة الأول الموت
ويأتي في الجنائز إن شاء الله تعالى
والثاني الحيض
ثم وجوبه بخروج الدم أم بانقطاعه أم الخروج موجب عند الانقطاع فيه أوجه
أصحها الثالث
والنفاس كالحيض في الغسل ومعظم الأحكام
والثالث إذا ألقت الحامل ولدا أو علقة أو مضغة ولم تر دما ولا بللا لزمها الغسل على الأصح
والرابع الجنابة وهي بأمرين الجماع والإنزال
أما الجماع فتغييب قدر الحشفة في أي فرج كان سواء غيب في فرج امرأة أو بهيمة أو دبرهما أو دبر رجل أو خنثى صغير أو كبير حي أو ميت
ويجب على المرأة بأي ذكر دخل فرجها حتى ذكر البهيمة والميت والصبي
وعلى الرجل المولج في دبره
ولا يجب إعادة غسل الميت المولج فيه على الأصح
قلت ويصير الصبي والمجنون المولجان أو المولج فيهما جنبين بلا خلاف
فإن اغتسل الصبي وهو مميز صح غسله ولا يجب إعادته إذا بلغ
ومن كمل منهما قبل الاغتسال وجب عليه الغسل
وعلى الولي أن يأمر الصبي المميز بالغسل في الحال كما يأمره بالوضوء
والله أعلم

هذا كله إذا غيب قدر الحشفة فإن غيب دونها لم يتعلق به حكم على الصحيح
ولنا وجه أن تغييب قدر الحشفة من مقطوعها لا يوجب الغسل وإنما يوجبه تغييب جميع الباقي إن كان قدر الحشفة فصاعدا
قلت هذا الوجه مشهور وهو الراجح عند كثير من العراقيين ونقله صاحب الحاوي عن نص الشافعي رحمه الله ولكن الأول أصح
والله أعلم
ولو لف على ذكره خرقة فأولجه وجب الغسل على أصح الأوجه ولا يجب في الثاني
والثالث إن كانت الخرقة خشنة وهي التي تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر وتمنع وصول الحرارة من أحدهما إلى الآخر لم يجب وإلا وجب
قلت قال صاحب البحر وتجري هذه الأوجه في إفساد الحج به وينبغي أن تجري في جميع الأحكام
والله أعلم

فرع ولو أولج خنثى في فرج خنثى أو دبره أو أولج كل
فرج صاحبه أو دبره فلا غسل ولا وضوء على أحد إلا من نزع الذكر من دبره فعليه الوضوء لخروج خارج من دبره
قلت وكذا إذا نزع من قبله
وقلنا المنفتح تحت المعدة ينتقض الخارج منه مع انفتاح الأصلي
والله أعلم

ولو أولج الخنثى في بهيمة أو امرأة أو دبر رجل فلا غسل على أحد
وعلى المرأة الوضوء بالنزع منها
وكذلك الوضوء على الخنثى والرجل المولج فيه
ولو أولج رجل في فرج خنثى فلا غسل ولا وضوء عليهما لاحتمال أنه رجل
ولو أولج رجل في فرج خنثى والخنثى في فرج امرأة فالخنثى جنب والرجل والمرأة غير جنبين وعلى المرأة الوضوء بالنزع منها
قلت إذا أولج ذكرا أشل وجب عليهما الغسل على المذهب
ولو استدخلت ذكرا مقطوعا فوجهان كمسه
ولو كان لرجل ذكران يبول بهما فأولج أحدهما وجب الغسل ولو كان يبول بأحدهما وجب الغسل لو كان بإيلاجه ولا يتعلق بالآخر حكم في نقض الطهارة
والله أعلم
الأمر الثاني الجنابة بإنزال المني
وسواء خرج من المخرج المعتاد أو ثقبة في الصلب أو الخصية على المذهب
وقيل الخارج من غير المعتاد له حكم المنفتح المذكور في باب الأحداث فيعود فيه الخلاف والتفصيل
والصلب هنا كالمعدة هناك
ثم للمني خواص ثلاث
أحدها رائحة كرائحة العجين والطلع رطبا وكرائحة بياض البيض يابسا
الثانية التدفق بدفعات
الثالثة التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة
ولا يشترط اجتماع الخواص بل واحدة منهن تكفي في كونه منيا بلا خلاف
وله صفات أخر كالبياض والثخانة في مني الرجل والرقة والإصفرار في

مني المرأة في حال الاعتدال
وليست هذه الصفات من خواصه فعدمها لا ينفيه ووجودها لا يقتضيه
فلو زالت الثخانة والبياض لمرض أو خرج على لون الدم لكثرة الجماع وجب الغسل اعتمادا على بعض الخواص
وحكي وجه أنه لا يجب بها على لون الدم وهو شاذ
ولو تنبه من نومه فلم ير إلا الثخانة والبياض فلا غسل لأن الودي يشارك المني فيهما بل يتخير بين جعله منيا ومذيا على ظاهر المذهب وفيه الخلاف السابق في آخر صفة الوضوء
فإن قلنا بالمذهب فغلب على ظنه المني لكون المذي لا يليق بحاله أو لتذكر جماع قال إمام الحرمين يحتمل أن تستصحب الطهارة وأن يحمل على الظن
والاحتمال الأول مقتضى كلام معظم الأصحاب
ولو أنزل فاغتسل ثم خرجت بقية المني وجب الغسل ثانيا قطعا
سواء خرجت قبل البول أو بعده

فرع المرأة كالرجل في وجوب الغسل بخروج منيها

قال إمام الحرمين والغزالي لا تعرف منيها إلا بالتلذذ
وقال الأكثرون تصريحا وتعريضا يطرد في معرفة منيها الخواص الثلاث كالرجل
ولو اغتسلت من جماع ثم خرج منها مني الرجل لزمها الغسل على المذهب بشرطين
أحدهما أن تكون ذات شهوة دون الصغيرة
والثاني أن تقضي شهوتها بذلك الجماع كنائمة ومكرهة
فإن اختل شرط لم يجب الغسل قطعا

فرع إذا استدخلت منيا في قبلها أو دبرها لم يلزمها الغسل

فرع لا يجب الغسل من غسل الميت على الجديد المشهور ولا بجنون
على المذهب
قلت لو رأى المني في ثوبه أو فراش لا ينام فيه غيره ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل على الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور
قال أصحابنا ويجب إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوث المني بعدها
ويستحب إعادة كل صلاة يحتمل كونه فيها
ثم إن الشافعي والأصحاب أطلقوا المسألة
وقال الماوردي هذا إذا رأى المني في باطن الثوب فإن رآه في ظاهره فلا غسل لاحتمال إصابته من غيره
وإن كان ينام معه في الفراش من يجوز كون المني منه لم يلزمه الغسل ويستحب أن يغتسلا ولو أحس بانتقال المني ونزوله فأمسك ذكره فلم يخرج منه شىء في الحال ولا علم خروجه بعده فلا غسل عندنا والله أعلم
فصل يحرم على الجنب ما يحرم على المحدث
وشيئآن قراءة القرآن واللبث في المسجد
فأما القرآن فيحرم وإن كان بعض آية على قصد القرآن فلو لم يجد الجنب ماء ولا ترابا فهل يباح له قراءة الفاتحة في صلاته وجهان
الأصح يحرم كما يحرم ما زاد عليها قطعا ويأتي بالتسبيح الذي يأتي به من لا يحسن القراءة لأنه عاجز شرعا

قلت الأصح الذي قطع به جماهير العراقيين أنه يجب عليه قراءة الفاتحة لأنه مضطر إليها
والله أعلم
ولو قرأ شيئا منه ولم يقصد القرآن جاز كقوله بسم الله والحمد لله أو قال { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } على قصد سنة الركوب
ولو جرى هذا على لسانه ولم يقصد قرآنا ولا ذكرا جاز
ويحرم على الحائض والنفساء ما يحرم على الجنب من القراءة على المذهب وأثبت جماعة من المحققين قولا قديما أنها لا تحرم
قلت ولو كان غير الجنب والحائض نجسا ففي تحريم القراءة عليه وجهان الأصح يكره ولا يحرم
ولا تكره القراءة في الحمام
ويجوز للحائض والجنب قراءة ما يستحب تلاوته
والله أعلم
وأما اللبث في المسجد فحرام على الجنب ولا يحرم عليه العبور لكن يكره إلا لغرض بأن يكون المسجد طريقه إلى مقصده أو أقرب الطريقين إليه وفي وجه إنما يجوز العبور إذا لم يكن طريق سواه وليس بشىء
ويحرم التردد في جوانبه فإنه كالمكث
ويجوز المكث للضرورة بأن نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج لإغلاق الباب أو خوف العسس أو غيره على النفس أو المال
ويجب أن يتيمم إن وجد غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه
قلت يجوز لغير الجنب والحائض النوم في المسجد نص عليه الشافعي في الأم والأصحاب رحمهم الله
ولو احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب فالأولى أن يخرج منه فإن عدل إلى آخر لغرض لم يكره وإن لم يكن غرض لم يكره على الأصح
والله أعلم

فرع فضل ماء الجنب والحائض طهور لا كراهة في استعماله
ويجوز للجنب أن يجامع وأن ينام ويأكل ويشرب لكن يسن أن لا يفعل شيئا من ذلك إلا بعد غسل فرجه والوضوء
قلت قال أصحابنا لا يستحب هذا الوضوء و ( كذا ) غسل الفرض للحائض والنفساء لأنه لا يفيد فإذا انقطع دمها صارت كالجنب
والله أعلم
فصل في كيفية الغسل
أقله شيئان أحدهما النية وهي واجبة وتقدم ذكر فروعها في صفة الوضوء
ولا يجوز أن يتأخر عن أول الغسل المفروض فإن اقترنت به كفى ولا ثواب له في السنن المتقدمة
وإن تقدمت على المفروض وعزبت قبله فوجهان كما في الوضوء ثم إن نوى رفع الجنابة أو رفع الحدث عن جميع البدن أو نوت الحائض رفع حدث الحيض صح الغسل
وإن نوى رفع الحدث ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها صح غسله على الأصح ولو نوى رفع الحدث الأصغر متعمدا لم يصح غسله على الأصح وإن غلط فظن حدثه الأصغر لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء
وفي أعضاء الوضوء وجهان أحدهما لا يرتفع وأصحهما يرتفع عن الوجه واليدين والرجلين دون الرأس على الأصح ولو نوى استباحة ما يتوقف عن الغسل كالصلاة والطواف وقراءة القرآن أجزأه
ولو نوت الحائض استباحة الوطء صح على الأصح
وإن نوى ما لا يستحب له الغسل لم يصح
وإن نوى ما يستحب له كالعبور

في المسجد والأذان وغسل الجمعة والعيد لم يجزه على الأصح كما سبق في الوضوء
ولو نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل أجزأه قطعا
الثاني استيعاب جميع البدن بالغسل ومن ذلك ما ظهر من صماخي الأذنين والشقوق في البدن وكذا ما تحت القلفة من الأقلف وما ظهر من أنف المجدوع على الأصح فيهما وكذا ما يبدو من الثيب إذا قعدت لقضاء الحاجة على أصح الأوجه وعلى الثاني لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين وعلى الثالث يجب في غسل الحيض والنفاس خاصة لإزالة دمهما ولا يجب ما وراء ما ذكرناه قطعا ولا المضمضة والاستنشاق
ويجب إيصال الماء إلى جميع الشعور على البشرة وإلى منابتها وإن كثفت ولا يجب غسل شعر نبت في العين ويسامح ببطن العقد التي على الشعرات على الأصح وعلى وجه يجب قطعها
قلت هذا الذي صححه هو الذي صححه صاحب البحر والصحيح أنه لا يعفى عنه لأنه يمكن قطعها بلا خلاف وهو ظاهر نص الشافعي والجمهور وقد أوضحته في شرح المهذب
والله أعلم
ويجب نقض الظفائر إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض ولا يجب إن وصل
أما أكمل الغسل فيحصل بأمور
الأول أن يغسل ما على بدنه من أذى أولا كالمني ونحوه من القذر الطاهر وكذا النجس
وتقديم إزالة النجاسة شرط لصحة الغسل
فلو غسل غسلة واحدة بنية الحدث والنجس طهر عن النجس
ولا يطهر عن الحدث على المذهب
قلت الأصح أنه يطهر عن الحدث أيضا وقد تقدم
والله أعلم

وإذا قلنا الغسلة الواحدة تكفي عن الحدث والنجس كان تقديم إزالة النجاسة من الكمال
وإن قلنا لا يكفي لم تكن الإزالة من الكمال ولا من الأركان بل تكون شرطا خلافا لكثير من أصحابنا حيث قالوا واجبات الغسل ثلاثة غسل النجاسة إن كانت والنية والاستيعاب
الثاني أن يتوضأ كما يتوضأ للصلاة
وتحصل سنة الوضوء سواء أخر غسل القدمين إلى الفراغ أو فعله بعد مسح الرأس والأذن
وأيهما أفضل قولان
المشهور أنه لا يؤخر
ثم إن تجردت الجنابة عن الحدث فالوضوء مندوب
وإن اجتمعا فقد قدمنا في آخر باب صفة الوضوء الخلاف في اندراجه في الغسل فإن قلنا بالمذهب أنه يندرج فالوضوء مندوب ويعد من سنن الغسل
وإن أوجبنا الوضوء امتنع عده من سنن الغسل فإنه لا صائر إلى أنه يأتي بوضوءين بل يقتصر على وضوء
فإن شاء قدمه على الغسل وإن شاء أخره
وعلى هذا لا بد من إفراد الوضوء بالنية
وإذا قلنا بالاندراج لا يحتاج إلى إفراده بنية
قلت المختار أنه إن تجردت الجنابة نوى بوضوئه سنة الغسل وإن اجتمعا نوى به رفع الحدث الأصغر
والله أعلم
واعلم أنه يتصور تجرد الجنابة في صور
منها أن يولج في بهيمة أو دبر رجل
ومنها أن يلف على ذكره خرقة ويولجه وإذا قلنا إنه يجب الغسل
ومنها إذا أنزل المتوضىء المني بنظر أو فكر أو في النوم قاعدا
وأما جماع المرأة بلا حائل فيقع به الحدثان على الصحيح وقيل تقتضي الجنابة فقط ويكون اللمس مغمورا
الثالث أن تتعهد مواضع الانعطاف والالتواء كالأذنين وغضون البطن ومنابت الشعر
ويخلل أصول الشعر بالماء قبل إفاضته

الرابع يفيض الماء على رأسه ثم على شقه الأيمن ثم الأيسر ويكون لأغسل جميع البدن ثلاثا كالوضوء فإن اغتسل في نهر ونحوه انغمس ثلاث مرات ويدلك في كل مرة ما يصل يده
ولا يستحب تجديد الغسل على الصحيح
الخامس إذا اغتسلت عن حيض أو نفاس يسن لها أن تأخذ طيبا وتجعله في قطنة أو نحوها وتدخلها فرجها والمسك أولى من غيره
فإن لم تجده فطيبا آخر فإن لم تجد فطينا فإن لم تفعل فالماء كاف
السادس ماء الوضوء والغسل غير مقدر ويستحب أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد وماء الغسل عن صاع تقريبا
قلت الأصح المد هنا رطل وثلث بالبغدادي على المذهب
وقيل رطلان
والصاع أربعة أمداد
والله أعلم
السابع يستحب أن يستصحب النية إلى آخر الغسل وأن لا يغتسل في الماء الراكد وأن يقول بعد الفراغ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد تقدم في باب صفة الوضوء سنن كثيرة تدخل هنا
قلت لا يجوز الغسل بحضرة الناس إلا مستور العورة
ويجوز في الخلوة مكشوفها والستر أفضل
ولو ترك المغتسل المضمضة والاستنشاق أو الوضوء قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله فقد أساء ويستحب أن يتدارك ذلك ولا يجب ترتيب في أعضاء المغتسل لكن يستحب البداءة بأعضاء الوضوء ثم بالرأس وأعالي

البدن
ولو أحدث في أثناء غسله جاز أن يتمه ولا يمنع الحدث صحته لكن لا يصلي حتى يتوضأ
ويجوز الغسل من إنزال المني قبل البول والأفضل بعده لئلا يخرج بعده مني
ولا يجب غسل داخل العين وحكم استحبابه على ما سبق في الوضوء
ولو غسل بدنه إلا شعرة أو شعرات ثم نتفها قال الماوردي إن كان الماء وصل أصلها أجزأه وإلا لزمه إيصاله إليه
وفي فتاوى ابن الصباغ يجب غسل ما ظهر وهو الأصح
وفي البيان وجهان
أحدهما يجب
والثاني لا لفوات ما يجب غسله كمن توضأ وترك رجله فقطعت
والله أعلم

كتاب التيمم
وفيه ثلاثة أبواب
الأول فيما يبيحه
وإنما يباح بالعجز عن استعمال الماء بتعذره أو بعسره لخوف ضرر ظاهر
وأسباب العجز سبعة
أحدها فقد الماء
وللمسافر فيه أربعة أحوال
أحدها أن يتيقن عدم الماء حوله كبعض رمال البوادي فيتيمم ولا يحتاج إلى طلب الماء على الأصح
الثانية أن يجوز وجوده تجويزا بعيدا أو قريبا فيجب تقديم الطلب قطعا
ويشترط في الطلب أن يكون بعد دخول وقت الصلاة
وله أن يطلب بنفسه ويكفيه طلب من أذن له على الصحيح ولا يكفيه طلب من لم يأذن له قطعا
والطلب أن يفتش رحله فإذا لم يجد نظر يمينا وشمالا وقداما وخلفا إن استوى موضعه ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطير بمزيد احتياط
وإن لم يستو الموضع نظر إن خاف على نفسه أو ماله لو تردد لم يجب التردد وإن لم يخف وجب التردد إلى حد يلحقه غوث الرفاق مع ما هم عليه من التشاغل بشغلهم والتفاوض في أقوالهم
ويختلف ذلك باستواء الأرض واختلافها صعودا وهبوطا فإن كان معه رفقة وجب سؤالهم إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا

ما يسع تلك الصلاة في الأصح
وفي وجه إلى أن يبقى ما يسع ركعة
وفي وجه يستوعبهم وإن خرج الوقت
قلت قال أصحابنا ولا يجب أن يطلب من كل واحد من الرفقة بعينه بل ينادي فيهم من معه ماء من يجود بالماء ونحوه
حتى قال البغوي وغيره لو قلت الرفقة لم يطلب من كل واحد بعينه ولو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفاهم كلهم
والله أعلم
ومتى عرف معهم ماء وجب استيهابه على الأصح
هذا كله إذا لم يسبق منه تيمم وطلب
فإن سبق نظر إن جرى أمر يحتمل بسببه حصول ماء بأن انتقل من موضعه أو طلع ركب أو سحابة وجب الطلب أيضا
لكن كل موضع تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فيه ولم يحتمل حدوثه فيه لم يجب الطلب منه على المذهب
وإن لم يجر الأمر المذكور نظر فإن كان تيقن عدم الماء لم يجب على الأصح وإن كان ظنه وجب على الأصح لكنه أخف طلبا من الأول
وسواء في هذا كله تخلل بين التيممين زمن طويل أو قصير أو لم يتخلل
الحالة الثالثة أن يتيقن وجود الماء حواليه
وله ثلاث مراتب
الأولى أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي فيجب السعي إليه ولا يجوز التيمم
وهذا فوق حد الغوث الذي يقصده عند التوهم
قال محمد بن يحيى لعله يقرب من نصف فرسخ
المرتبة الثانية أن يكون بعيدا بحيث لو سعى إليه فاته فرض الوقت فيتيمم على المذهب بخلاف ما إذا كان واجدا للماء وخاف فوت الوقت لو توضأ فإنه لا يجوز التيمم على المذهب
وفي التهذيب وجه شاذ أنه يتيمم ويصلي في الوقت ثم يتوضأ ويعيد وليس بشىء
ثم الأشبه بكلام الأئمة أن الاعتبار

في هذه المسافة من أول وقت الصلاة الحاضرة لو كان نازلا في ذلك الموضع
ولا بأس باختلاف المواقيت في الطول والقصر ولا باختلاف المسافة في السهولة والصعوبة
فإن كان التيمم لفائتة أو نافلة اعتبر بوقت الفريضة الحاضرة وعلى هذا لو انتهى إلى المنزل في آخر الوقت والماء في حد القرب وجب قصده والوضوء وإن فات الوقت كما لو كان الماء في رحله فإنه يتوضأ وإن فات الوقت
قلت هذ الذي ذكره الإمام الرافعي ونقله عن مقتضى كلام الأصحاب من اعتبار أول الوقت ليس كما قاله بل الظاهر من عباراتهم أن الاعتبار بوقت الطلب
هذا هو المفهوم من كتبهم المشهورة والمهجورة وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله في الأم وغيره فإن عبارته وعبارتهم وإن دل على ماء ولم يخف فوت الوقت ولا ضررا لزمه طلبه
هذا نصه ونصهم وهو صريح أو كالصريح فيما قلته وقد تتبعت ذلك وأتقنته
والله أعلم
المرتبة الثالثة أن يكون بين المرتبتين فيزيد على ما ينتشر إليه النازلون ويقصر عن خروج الوقت
فهل يجب قصده أم يجوز التيمم نص الشافعي رحمه الله أنه إن كان على يمين المنزل أو يساره وجب
وإن كان صوب مقصده لم يجب فقيل بظاهر النصين وقيل فيهما قولان
والمذهب جواز التيمم وإن علم وصوله إلى الماء في آخر الوقت
وإذا جاز ذلك للسائر إلى جهة الماء فالنازل الذي عن يمينه أو يساره أولى
والسائر وهو على يمينه أو يساره أولى هذا في المسافر
أما المقيم فلا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد له من القضاء
ثم إذا قلنا في المسافر بالمذهب وهو جواز التيمم مطلقا فإن تيقن وجود الماء آخر الوقت فالأفضل تأخير الصلاة ليؤديها بالوضوء
وفي التتمة وجه شاذ أن تقديمها بالتيمم أفضل لفضيلة أول الوقت
وإن لم يتيقن الماء ولكن رجا فقولان
أظهرهما التقديم أفضل
وموضع القولين إذا اقتصر على صلاة واحدة
أما إذا صلى بالتيمم أول الوقت

وبالوضوء مرة أخرى آخره فهو النهاية في إحراز الفضيلة
وإن ظن عدم الماء أو تساوى احتمال وجوده وعدمه فالتقديم أفضل قطعا
وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود
ولا وثوق بهذا النقل
قلت قد صرح الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والمحاملي وآخرون بجريان القولين فيما إذا تساوى الاحتمال
والله أعلم
أما تعجيل المتوضىء وغيره الصلاة في أول الوقت منفردا وتأخيرها لانتظار الجماعة ففيه ثلاثة طرق
قيل التقديم أفضل وقيل التأخير وقيل وجهان
قلت قطع معظم العراقيين بأن التأخير للجماعة أفضل
ومعظم الخراسانيين بأن التقديم منفردا أفضل
وقال جماعة هو كالتيمم
فإن تيقن الجماعة آخر الوقت فالتأخير أفضل
وإن ظن عدمها فالتقديم أفضل
وإن رجاها فقولان
وينبغي أن يتوسط فيقال إن فحش التأخير فالتقديم أفضل
وإن خف فالتأخير أفضل
وموضع الخلاف إذا اقتصر على صلاة
فأما إذا صلى أول الوقت منفردا وآخره مع الجماعة فهو النهاية في الفضيلة وقد جاء به الحديث في صحيح مسلم وغيره
قال صاحب البيان قال أصحابنا والقولان في التيمم يجريان في مريض عجز عن القيام ورجاه آخر الوقت أو رجا العريان السترة آخره هل الأفضل تقديم الصلاة على حالهما أم التأخير قال ولا يترك الترخص بالقصر في السفر
وإن علم إقامته آخر الوقت بلا خلاف
قال قال صاحب الفروع إن خاف فوت الجماعة لو أكمل الوضوء فإدراكها أولى من الانحباس لإكماله
وفي هذا نظر
والله أعلم

الحالة الرابعة أن يكون الماء حاضرا بأن يزدحم مسافرون على بئر لا يمكن أن يستقي منها إلا واحد بعد واحد لضيق الموقف أو اتحاد الآلة فإن توقع حصول نوبته قبل خروج الوقت لم يجز التيمم
وإن علم أنها لا تحصل إلا بعد الوقت فنص الشافعي رحمه الله أنه يجب الصبر ليتوضأ
ونص في عراة معهم ثوب واحد يتناوبونه أنه يصبر ليستر عورته ويصلي بعد الوقت
ونص في جماعة في موضع ضيق لا يمكن أن يصلي فيه قائما إلا واحد أنه يصلي في الوقت قاعدا إذا علم أن نوبته لا تحصل إلا بعد الوقت
وهذا يخالف النصين في المسألتين السابقتين فالأصح ما قاله أبو زيد وغيره أن في الجميع قولين
أحدهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا لحرمة الوقت
والثاني يصبر للقدرة
والطريق الثاني تقرير النصين فيصبر للوضوء واللبس دون القيام لسهولة أمره
وقال كثيرون لا نص في مسألة البئر ونص في الأخريين على ما سبق وألحقوا الوضوء بالقيام لحصول بدلهما
فقالوا يتيمم في الوقت ويصلي
وأجرى إمام الحرمين والغزالي هذا الخلاف فيما إذا لاح للمسافر الماء ولا عائق دونه ولكن ضاق الوقت وعلم أنه لو اشتغل به فاته الوقت
وهذا يقتضي إثبات الخلاف في المرتبة الثانية من الحالة الثالثة وقد أشرنا إليه هناك
قلت الأصح من الطريقين إجراء القولين في الجميع
وأظهرهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا ولا إعادة على المذهب
وفي التهذيب في وجوب الإعادة قولان
والله أعلم
إذا وجد الجنب أو المحدث ما لا يكفيه لطهارته وجب استعماله على الأظهر ثم يجب التيمم بعده للباقي فيغسل المحدث وجهه ثم يديه على الترتيب ويغسل الجنب من جسده ما شاء
والأولى أعضاء الوضوء
فإن كان محدثا

جنبا ووجد ما يكفي الوضوء وحده فإن قلنا بالمذهب أنه يدخل الأصغر في الأكبر فهو كالجنب المحض
وإن قلنا لا يدخل توضأ به عن الأصغر وتيمم عن الجنابة يقدم أيهما شاء
هذا كله إذا صلح الموجود للغسل فإن لم يجد المحدث إلا ثلجا أو بردا لا يقدر على إذابته لم يجب استعماله على المذهب
وقيل فيه القولان
فإن أوجبنا تيمم عن الوجه واليدين ثم مسح به الرأس ثم تيمم للرجلين
هذا كله إذا وجد ترابا
فإن لم يجده وجب استعمال الناقص على المذهب
وقيل فيه القولان
قلت ولو لم يجد إلا ترابا لا يكفيه للوجه واليدين وجب استعماله على المذهب
وقيل فيه القولان
ولو لم يجد ماء ووجد ما يشتري به بعض ما يكفيه من الماء ففي وجوبه القولان
فإن لم يجد ماء ولا ترابا ففي وجوب شراء بعض ما يكفي من الماء الطريقان
ولو تيمم ثم رأى ما لا يكفيه فإنه احتمل عنده أنه يكفيه بطل تيممه وإن علم بمجرد رؤيته أنه لا يكفيه فعلى القولين في استعماله
إن أوجبناه بطل
وإلا فلا
ولو كان عليه نجاسات ووجد ما يغسل بعضها وجب على المذهب ولو كان جنبا أو محدثا أو حائضا وعلى بدنه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما تعين للنجاسة فيغسلها ثم يتيمم
فلو تيمم ثم غسلها جاز على الأصح وبقيت لهذه المسألة فروع استقصيتها في شرحي المهذب والتنبيه
والله أعلم

فصل إذا كان معه ماء يصلح لطهارته فأتلفه بإراقة أو شرب أو تنجيس تيمم قطعا
ثم إن كان الإتلاف قبل الوقت مطلقا أو بعده لغرض كشرب للحاجة أو غسل ثوب للنظافة أو تبرد أو اشتبه الإناآن واجتهد ولم

يظهر له شىء فأراقهما أو صب أحدهما في الآخر فلا إعادة عليه
وإن كان بعد الوقت لغير غرض فلا إعادة أيضا على الأصح لفقده
وقيل يجب لعصيانه قطعا
ولو اجتاز بماء في الوقت فلم يتوضأ فلما بعد منه صلى بالتيمم لم يعد على المذهب
وقيل فيه الوجهان
وهو شاذ
ولو وهب الماء في الوقت أو باعه من غير حاجة للمتهب والمشتري كعطش ونحوه ولا حاجة للبائع إلى ثمنه ففي صحة البيع والهبة وجهان
الأصح لا يصحان
فإن صح فحكمه في القضاء حكم الإراقة
وإن لم يصح لم يصح تيممه ما دام الماء في يد المبتاع والموهوب له وعليه الإسترداد
فإن لم يقدر وتيمم وجب القضاء
وإن أتلف في يده فهو كالإراقة
ثم في المقضي في الصور ثلاثة أوجه
الأصح تقضى الصلاة التي فوت الماء في وقتها
والثاني تقضى أغلب ما يؤديه بوضوء واحد
والثالث تقضى كل صلاة صلاها بالتيمم
قلت وإذا وجب القضاء لا يصح في الوقت بالتيمم بل يؤخره إلى وجود الماء أو حالة يسقط الفرض فيها بالتيمم
قال أصحابنا وإذا قلنا لا يصح هبة هذا الماء وتلف في يد الموهوب له فلا ضمان عليه على المذهب
والله أعلم
السبب الثاني الخوف على نفسه أو ماله فإذا كان بقربه ما يخاف من قصده على نفسه أو عضوه من سبع أو عدو
أو على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق
أو كان في سفينة وخاف لو استقى من البحر فله التيمم
ولو خاف من قصده الانقطاع عن رفقته تيمم إن كان عليه منه ضرر وكذا إن لم يكن ضرر على الأصح
ولو وهب الماء لعادمه

وجب قبوله على الصحيح
ولو أعير الدلو والرشاء وجب قبوله قطعا
وقيل إن زادت قيمة المستعار على ثمن الماء لم يجب قبوله
ولو أقرض الماء وجب قبوله على الصحيح
ولو وهب له أجنبي ثمن الماء أو آلة الاستقاء لم يجب قبوله
وكذا لو وهبه الأب أو الابن على الصحيح
ولو أقرض ثمن الماء وهو معسر لم يجب قبوله
وكذا إن كان موسرا بمال غائب على الأصح
ولو بيع الماء بنسيئة وهو معسر لم يجب قبوله
وإن كان موسرا وجب على الصحيح
قلت وصورة المسألة أن يكون الأجل ممتدا إلى أن يصل إلى بلد ماله
والله أعلم
ولو وجد ثمن الماء واحتاج إليه لدين مستغرق أو نفقة حيوان محترم معه أو لمؤنة من مؤن سفره في ذهابه وإيابه لم يجب شراؤه
وإن فضل عن هذا كله وجب الشراء إن بيع بثمن المثل ويصرف إليه أي نوع كان معه من المال
وإن بيع بزيادة لم يجب الشراء وإن قلت الزيادة
وقيل إن كانت مما يتغابن بمثلها وجب وهو ضعيف
وإن بيع نسيئة وزيد بسبب الأجل ما يليق به فهو ثمن مثله على الصحيح
وفي ضبط ثمن المثل أوجه
الأصح أنه ثمنه في ذلك الموضع وتلك الحالة
والثاني ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات
والثالث أنه قدر أجرة نقله إلى ذلك الموضع وهو ضعيف
ولم يتقدم الغزالي أحد باختياره إياه
ولو بيع آلة الاستقاء أو أجرها بثمن المثل وأجرته وجب القبول
فإن زاد لم يجب
كذا قاله الأصحاب
ولو قيل يجب التحصيل ما لم يجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان حسنا
ولو لم يجد إلا ثوبا وقدر على شده في الدلو ليستقي لزمه ذلك

فلو لم يكن دلو وأمكن إدلاؤه في البئر ليبتل ويعصر ما يوضئه لزمه فلو لم يصل الماء وأمكن شقه وشد بعضه ببعض لزمه
هذا كله إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على أكثر الأمرين ثمن الماء وأجرة الحبل
السبب الثالث الحاجة إلى الماء لعطش ونحوه
فيه مسائل
أحدها إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه أو عطش رفيقه أو حيوان محترم في الحال أو في المآل بعوض أو بغيره جاز التيمم
وذكر إمام الحرمين والغزالي ترددا في التزود لعطش رفيقه
والمذهب القطع بجوازه
وضبط الحاجة يقاس بما سيأتي في المرض المبيح إن شاء الله تعالى
وللعطشان أن يأخذه من صاحبه قهرا إذا لم يبذله
وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها
ولا يكلف أن يتوضأ بالماء ثم يجمعه ويشربه على المذهب
قال أبو علي الزجاجي بضم الزاي والماوردي وآخرون من كان معه ماءان طاهر ونجس وعطش توضأ بالطاهر وشرب النجس
قلت ذكر الشاشي كلام الماوردي هذا ثم أنكره واختار أنه يشرب الطاهر ويتيمم وهذا هو الصحيح وهذا الخلاف فيما بعد دخول الوقت أما قبله فيشرب الطاهر بلا خلاف
صرح به الماوردي وغيره
قال المتولي ولو كان يرجو وجود الماء في غده ولا يتحققه فهل له التزود وجهان
الأصح جوازه
والله أعلم
المسألة الثانية قال الشافعي رحمه الله إذا مات رجل له ماء ورفقته عطاش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه
وصورة المسألة أنهم رجعوا إلى البلد وأراد بالثمن القيمة موضع الإتلاف ووقته
وقيل أراد مثل القيمة

الثالثة إذا أوصى أو وكل بصرف ماء إلى أولى الناس به فحضر ميت وجنب وحائض ومن على بدنه نجاسة ومحدث فالميت وصاحب النجاسة أولاهم والميت أولاهما على الأصح
فلو كان على الميت أيضا نجاسة فهو أولى قطعا
ولا يشترط لاستحقاق الميت قبول وارث كما لو تطوع انسان بكفنه وفيه وجه شاذ أنه يشترط
ولو مات اثنان أحدهما قبل الآخر وكان قبل موتهما ماء يكفي أحدهما فالأول أولى
فإن ماتا معا أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى فإن استويا أقرع بينهما
أما إذا اجتمع الجنب والحائض فثلاثة أوجه
الأصح الحائض أولى
والثاني الجنب
والثالث سواء
فعلى هذا إن طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة فإن لم نوجب استعمال الناقص أقرع
وإن أوجبناه أقرع على الأصح
وعلى الثاني يقسم
وإن اتفقا على القسمة جاز إن أوجبنا استعمال الناقص وإلا فلا
ولو اجتمع جنب ومحدث فإن كان الماء يكفي للوضوء دون الغسل فالمحدث أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه فأوجه
الأصح المحدث أولى
والثاني الجنب
والثالث سواء
وإن لم يكف واحدا منهما فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله وإلا فهو كالمعدوم
وإن كفى وفضل عن الوضوء شىء دون الغسل فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه
فعلى الأوجه الثلاثة
أصحها الجنب أولى
وإن فضل عن كل واحد أو لم يفضل عن واحد أو كفى الجنب دون المحدث فالجنب أولى قطعا
ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح واستووا في إحرازه وإثبات اليد عليه ملكوه بالسوية ولا يجوز لأحد أن يبذل نصيبه لغيره وإن كان أحوج منه وإن كان ناقصا إلا إذا قلنا لا يجب استعمال الناقص
كذا قاله إمام الحرمين والغزالي
وقال أكثر الأصحاب إن المستحب تقديم الأحوج فالأحوج كالوصية ولا منافاة بين الكلامين
وأراد الأصحاب أن المستحب تقديم الأحوج وأنهم لو تنازعوا كان كما قاله إمام

الحرمين
ويمكن أن ينازعهم في الاستحباب ويقول لا يجوز العدول عن ماء يتمكن منه للطهارة
السبب الرابع العجز بسبب الجهل هذا قد جعله الغزالي سببا
ولقائل أن يقول ليس هو سببا فإن السبب هو ظن العدم وذلك موجود
وأما قضاء الصلاة فأمر آخر
واللائق ذكره في آخر سبب الفقد أو فيما يقضى من الصلوات
قلت بل له هنا وجه ظاهر فإن من جملة صوره إذا أضل راحلته أو ماءه فهذا من وجه كالواجد فيتوهم أنه لا يجوز له التيمم ومن وجه عادم فلهذا ذكره الغزالي في الأسباب المبيحة للاقدام على التيمم
والله أعلم
وفيه مسائل الأولى لو نسي الماء في رحله أو علم موضع نزوله بئرا فنسيها وصلى بالتيمم فطريقان
أحدهما تجب الإعادة قطعا
وأصحهما على القولين
الجديد المشهور وجوبها كنسيان عضو الطهارة وساتر العورة
ولو نسي ثمن الماء فكنسيان الماء
وقيل يحتمل غيره
الثانية لو أدرج في رحله ماء لم يعلم به فتيمم وصلى ثم علم أو تيمم ثم علم بقربه بئرا لم يكن علمها فطريقان
أحدهما لا إعادة
وأصحهما على قولين
أظهرهما لا إعادة
الثالثة لو أضل الماء في رحله وصلى بالتيمم إن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة
وإن أمعن حتى ظن العدم وجبت أيضا على الأظهر
وقيل الأصح
الرابعة أضل رحله في الرحال إن لم يمعن في الطلب أعاد وإن أمعن

فالمذهب أنه لا إعادة
وقيل قولان
وقيل وجهان
وقيل إن وجده قريبا أعاد وإلا فلا
السبب الخامس المرض وهو ثلاثة أقسام
الأول ما يخاف معه من الوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة عضو فبيح التيمم
ولو خاف مرضا مخوفا تيمم على المذهب
الثاني أن يخاف زيادة العلة وهو كثرة ألم وإن لم تزد المدة أو يخاف بطء البرء وهو طول مدة المرض
وإن لم يزد الألم أو يخاف شدة الضنا وهو المرض المدنف الذي يجعله زمنا أو يخاف حصول شين قبيح كالسواد على عضو ظاهر كالوجه وغيره مما يبدو في حال المهنة ففي الجميع ثلاث طرق
أصحها في المسألة قولان
أظهرهما جواز التيمم
والثاني لا يجوز قطعا
والثالث يجوز قطعا
الثالث أن يخاف شيئا يسيرا كأثر الجدري وسواد قليل
أو شينا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة أو يكون به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة
وإن كان يتألم في الحال بجراحة أو برد أو حر فلا يجوز التيمم لشىء من هذا بلا خلاف

فرع يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصا

على معرفة نفسه إن كان عارفا
ويجوز اعتماد طبيب حاذق بشرط الاسلام والبلوغ والعدالة ويعتمد العبد والمرأة
ولنا وجه شاذ أنه يعتمد الصبي المراهق أو الفاسق
ووجه شاذ أنه لا بد من طبيبين

فرع إذا عمت العلة أعضاء الطهارة اقتصر على التيمم

وإن كانت في البعض غسل الصحيح
وفي العليل كلام مذكور في الجريح
قلت وإذا لم يوجد طبيب بشرطه
قال أبو علي السبخي لا يتيمم
ولا فرق في هذا السبب بين الحاضر والمسافر والحدث الأصغر والأكبر ولا إعادة فيه
والله أعلم
السبب السادس إلقاء الجبيرة
وهي تكون لكسر أو انخلاع
وتارة يحتاج إلى الجبيرة على الكسر أو الانخلاع وتارة لا يحتاج ويعتبر في الحاجة ما تقدم في المرض
فالحالة الأولى إذا احتاج ووضع الجبيرة فإما أن يقدر على نزعها عند الطهارة من غير ضرر من الأمور المتقدمة في المرض وإما أن لا يقدر فإن لم يقدر لم يكلف النزع
ويراعي في طهارته أمورا
الأول غسل الصحيح
وهو واجب على المذهب
وقيل قولان
فعلى المذهب يجب غسل ما يمكن حتى ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح بأن يضع خرقة مبلولة عليها ويعصرها لتغسل تلك المواضع بالمتقاطر
الثاني مسح الجبيرة بالماء وهو واجب على الصحيح المشهور
وحكي قول ووجه أنه لا يجب بل يكفي الغسل مع التيمم
فعلى الصحيح إن كان جنبا مسح متى شاء وإن كان محدثا مسح إذا وصل إلى غسل العضو

الذي عليه الجبيرة
ويجب استيعاب الجبيرة بالمسح على الأصح كالوجه في التيمم
وعلى الثاني يكفي ما يقع عليه الاسم كمسح الرأس والخف ولا تتقدر مدة المسح على الصحيح
وعلى الثاني تتقدر ثلاثة أيام للمسافر وبيوم وليلة للحاضر
والخلاف فيما إذا تأتى النزع بعد المدة المقدرة بلا ضرر
فإن حصل ضرر لم يجب قطعا
وإن تأتى في كل طهارة وجب النزع قطعا
الثالث التيمم في الوجه واليدين
ففيه طريقان
أصحهما على قولين
أظهرهما يجب
والثاني لا
والطريق الثاني إن كان ما تحت الجبيرة عليلا بحيث لا يجب غسله لو ظهر لم يجب التيمم وإلا وجب
وإذا وجب فلو كانت الجبيرة على موضع التيمم لم يجب مسحها بالتراب على الأصح
ثم إن كان جنبا فالأصح أنه مخير إن شاء قدم غسل الصحيح على التيمم وإن شاء أخره
وعلى الثاني يتعين تقديم الغسل
وإن كان محدثا فثلاثة أوجه
هذان الوجهان في الجنب
والثالث وهو الأصح أنه لا ينتقل من عضو حتى يتم طهارته
فعلى هذا إن كانت الجبيرة على الوجه وجب تقديم التيمم على غسل اليدين
فإن شاء غسل صحيح الوجه ثم تيمم عن عليله وإن شاء عكس
وإن كانت على اليدين وجب تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه
ولو كان على عضوين أو ثلاثة جبائر تعدد التيمم
فإن كانت على الوجه جبيرة وعلى اليد جبيرة غسل صحيح الوجه وتيمم عن عليله
ثم اليد كذلك
وعلى الوجه الأول والثاني يكفي تيمم واحد وإن تعددت الجبائر
قلت ولو عمت الجراحات أعضاءه الأربعة
قال القاضي أبو الطيب والأصحاب يكفيه تيمم واحد عن الجميع لأنه سقط الترتيب لسقوط الغسل
قالوا ولو عمت الرأس ولم تعم الأعضاء الثلاثة وجب غسل صحيح الأعضاء وأربع تيممات على ما ذكرنا
قال صاحب البحر فإذا تيمم في هذه الصورة

أربع تيممات وصلى ثم حضرت فريضة أخرى أعاد التيممات الأربعة فلا يلزمه غسل صحيح الوجه ويعيد ما بعده
وهذا الذي ذكره في الغسل فيه خلاف سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى
قال صاحب البيان وإذا كانت الجراحة في يديه استحب أن تجعل كل يد كعضو فيغسل وجهه ثم صحيح اليمنى وتيمم عن جريحها ثم يطهر اليسرى غسلا وتيمما وكذا الرجلان
وهذا حسن لأن تقديم اليمنى سنة فاذا اقتصر على تيمم فقد طهرهما دفعة
والله أعلم
ثم ما ذكرناه الأمور الثلاثة إنما يكفي بشرطين
أحدهما أن لا يأخذ تحت الجبيرة من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك
والثاني أن يضعها على طهر
وفي وجه لا يشترط الوضع على طهر والصحيح اشتراطه
فيجب النزع واستئناف الوضع على طهر إن أمكن وإلا فيترك ويجب القضاء بعد البرء على المذهب بخلاف الوضع على طهر على الأظهر هذا كله إذا لم يقدر على نزع الجبيرة عند الطهر فإن قدر بلا ضرر وجب النزع وغسل الصحيح إن أمكن ومسحه بالتيمم إن كان في موضع التيمم ولم يمكن غسله
الحالة الثانية أن لا يحتاج إلى الجبيرة ويخاف من إيصال الماء فيغسل الصحيح بقدر الإمكان ويتلطف بوضع خرقة مبلولة ويتحامل عليها ليغسل بالمتقاطر باقي الصحيح
ويلزمه ذلك بنفسه أو بأجرة كالأقطع
وفي افتقاره إلى التيمم الخلاف السابق في الحالة الأولى
ولا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف منه
كذا قاله الأصحاب
و للشافعي رضي الله عنه نص سياقه يقتضي الوجوب
وإذا أوجبنا التيمم والعلة في محل التيمم أمر التراب عليه
وكذا لو كان للجراحة أفواه منفتحة وأمكن إمرار التراب عليها وجب
قلت هذا الذي ذكره الرافعي من ثبوت خلاف في وجوب التيمم غلط

ولم أره لأحد من أصحابنا فكأنه اشتبه عليه
فالصواب الجزم بوجوب التيمم في هذه الصورة لئلا يبقى موضع الكسر بلا طهارة
والله أعلم
السبب السابع الجراحة
اعلم أن الجراحة قد تحتاج إلى لصوق من خرقة وقطنة ونحوهما فيكون لها حكم الجبيرة في كل ما سبق
وقد لا تحتاج فيجب غسل الصحيح والتيمم عن الجريح
ولا يجب مسح الجريح بالماء ولا يجب وضع اللصوق أو الجبيرة عليه ليمسح عليها على الصحيح
وقول الجمهور وأوجبه الشيخ أبو محمد
ويقرب منه من هو متطهر وأرهقه حدث ومعه ماء يكفيه لما عدا رجليه ومعه خف فالصحيح الذي عليه الأصحاب أنه لا يلزمه لبس الخف
وفيه احتمال لإمام الحرمين

فرع إذا غسل الصحيح وتيمم لمرض أو كسر أو جرح مع المسح
أو دونه إذا لم يكن وصلى فريضة بطهارته فله أن يصلي بها ما شاء من النوافل ولا بد من إعادة التيمم للفريضة الأخرى
وهل يجب إعادة الوضوء إن كان محدثا أو الغسل إن كان جنبا فيه طريقان
أصحهما لا يجب
والثاني على قولين
فإن قلنا بالأصح فليس على الجنب غير التيمم إلى أن يحدث وفي المحدث وجهان
أحدهما كالجنب
وأصحهما يجب أن يعيد مع التيمم كل عضو يجب ترتيبه على العضو المجروح
قلت بل الأصح عند المحققين أنه كالجنب
قال البغوي وغيره وإذا كان جنبا والجراحة في غير أعضاء الوضوء فغسل الصحيح وتيمم للجريح ثم أحدث قبل أن يصلي فريضة لزمه الوضوء ولا يلزمه التيمم لأن تيممه

عن غير أعضاء الوضوء فلا يؤثر فيه الحدث
ولو صلى فريضة ثم أحدث توضأ للنافلة ولا يتيمم
وكذا حكم الفرائض كلها
والله أعلم
ولو تطهر العليل كما ذكرنا فبرأ وهو على طهارته غسل موضع العذر جنبا كان أو محدثا ويغسل المحدث ما بعد العليل بلا خلاف
وفي استئنافهما الوضوء والغسل القولان في نازع الخف
ولو تحقق البرء بعد الطهارة بطل تيممه ووجب غسل الموضع
وحكم الاستئناف ما ذكرنا
ولو توهم الاندمال فرفع اللصوق فرآه لم يندمل لم يبطل تيممه على الأصح بخلاف توهم وجود الماء فإنه يبطل التيمم لأن توهم الماء يوجب طلبه
وتوهم الاندمال لا يوجب البحث عنه
كذا قاله الأصحاب
وتوقف إمام الحرمين في قولهم لا يجب البحث

الباب الثاني في كيفية التيمم
له سبعة أركان
الركن الأول التراب
وشرطه أن يكون طاهرا خالصا غير مستعمل
فالتراب متعين ويدخل فيه جميع أنواعه من الأحمر والأسود والأصفر والأغبر وطين الدواة وطين الأرمني الذي يؤكل تداويا وسفها
والبطحاء وهو التراب الذي في مسيل الماء
والسبخ الذي لا ينبت دون الذي يعلوه ملح
ولو ضرب يده على ثوب أو جدار ونحوهما وارتفع غبار كفى
والتراب الذي أخرجته الأرضة من مدر يجوز التيمم به كالتراب المعجون بالخل إذا جف يجوز التيمم به ولا يصح التيمم بالنورة والجص والزرنيخ

وسائر المعادن والذريرة والأحجار المدقوقة والقوارير المسحوقة وشبهها
وقيل يجوز في وجه بجميع ذلك وهو غلط ولو أحرق التراب حتى صار رمادا أو سحق الخزف فصار ناعما لم يجز التيمم به
ولو شوى الطين وسحقه ففي التيمم به وجهان
وكذا لو أصاب التراب نار فاسود ولم يحترق فعلى الوجهين
قلت الأصح في الأولى الجواز
والصحيح في هذه الصورة القطع بالجواز
والله أعلم
وأما الرمل فالمذهب أنه إن كان خشنا لا يرتفع منه غبار لم يكف ضرب اليد عليه
وإن ارتفع كفى
وقيل قولان مطلقا
وأما كونه طاهرا فلا بد منه فلا يصح بنجس مطلقا
فإن كان على ظهر كلب تراب فإن علم التصاقه برطوبة عليه من ماء أو عرق أو غيره لم يجز التيمم به
وإن علم انتفاء ذلك جاز وإن لم يعلم واحد منهما فعلى القولين في اجتماع الأصل والظاهر
قلت كذا قاله جماعة من أصحابنا فيما إذا لم يعلم أنه على القولين وهو مشكل وينبغي أن يقطع بجواز التيمم عملا بالأصل وليس هنا ظاهر يعارضه
والله أعلم
وأما كونه خالصا فيخرج منه المشوب بزعفران ودقيق ونحوهما
وإن كثر المخالط لم يجز بلا خلاف
وكذا إن قل على الصحيح
قال إمام الحرمين الكثير ما يظهر في التراب
والقليل ما لا يظهر
ولم أر لغيره فيه ضبطا
ولو اعتبرت الأوصاف الثلاثة كما في الماء لكان مسلكا
وأما كونه غير مستعمل فلا بد منه على الصحيح
والمستعمل ما لصق بالعضو
وكذا ما تناثر عنه على الأصح

الركن الثاني قصد التراب
فلا بد منه
فلو وقف في مهب ريح فسفت عليه ترابا فأمر يده عليه بنية التيمم إن كان وقف بغير نية لم يجزئه
وإن قصد تحصيل التراب لم يجزئه أيضا على الأصح أو الأظهر
ولو يممه غيره
إن كان بغير إذنه فكالوقوف في مهب الريح
وإن كان بإذنه لعذر كقطع وغيره جاز
وإن كان بغير عذر جاز أيضا على الصحيح
الركن الثالث نقل التراب الممسوح به إلى العضو
فإن كان على الوجه تراب فردده عليه لم يجزئه
وإن نقله منه إلى اليد أو من اليد إليه أو أخذه من الوجه ثم رده إليه أو سفت الريح ترابا على كمه فمسح به وجهه أو أخذ التراب من الهواء بإثارة الريح جاز في كل ذلك على الأصح
وإن نقله من عضو غير أعضاء التيمم إليها جاز بلا خلاف
وإن تمعك في التراب لعذر جاز
وكذا لغير عذر على الأصح
الركن الرابع النية
فلا بد منها فإن نوى رفع الحدث أو نوى الجنب رفع الجنابة لم يصح تيممه على الصحيح
وإن نوى استباحة الصلاة فله أربعة أحوال
أحدها أن ينوي استباحة الفرض والنفل معا فيستبيحهما وله التنفل قبل الفريضة وبعدها في الوقت وبعده وفي وجه ضعيف لا يتنفل بعد الوقت إن كانت الفريضة معينة
ولا يشترط تعيين الفريضة على الأصح
فعلى هذا لو نوى الفرض مطلقا صلى أية فريضة شاء
ولو نوى معينة فله أن يصلي غيرها
الحال الثاني أن ينوي الفريضة سواء كانت إحدى الخمس أو منذورة ولا تخطر له النافلة فتباح الفريضة
وكذا النافلة قبلها على الأظهر وبعدها على

المذهب في الوقت وكذا بعده على الأصح
ولو تيمم لفائتتين أو منذورتين استباح إحداهما على الأصح
وعلى الثاني لا يستبيح شيئا
ولو تيمم لفائتة فلم يكن عليه شىء
أو لفائتة الظهر فكانت العصر لم تصح
قلت فلو ظن عليه فائتة ولم يجزم بها فتيمم لها ثم ذكرها قال المتولي والبغوي والروياني لا يصح
وصححه الشاشي وهو ضعيف
والله أعلم
الحال الثالث أن ينوي النفل فلا يستبيح به الفرض على المشهور
وقيل قطعا
فإن أبحناه فالنفل أولى وإلا استباح النفل على الصحيح
ولو نوى مس المصحف أو سجود التلاوة أو الشكر أو نوى الجنب الاعتكاف أو قراءة القرآن فهو كنية النفل فلا يستبيح الفرض على المذهب
ويستبيح ما نوى على الصحيح
وعلى الآخر يستبيح الجميع
ولو تيمم لصلاة الجنازة فهو كنية النفل على الأصح
ولو تيممت منقطعة الحيض لاستباحة الوطء صح على الأصح ويكون كالتيمم للنافلة
الحال الرابع أن ينوي الصلاة فحسب فله حكم التيمم للنفل على الأصح
وعلى الثاني هو كمن نوى النفل والفرض معا
أما إذا نوى فرض التيمم أو إقامة التيمم المفروض فلا يصح على الأصح
قلت ولو نوى التيمم وحده لم يصح قطعا
ذكره الماوردي
ولو تيمم بنية استباحة الصلاة ظانا أن حدثه أصغر فكان أكبر أو عكسه صح قطعا لأن موجبهما واحد
ولو تعمد ذلك لم يصح في الأصح
ذكره المتولي
ولو أجنب في سفره ونسي وكان يتيمم وقتا ويتوضأ وقتا أعاد صلوات الوضوء فقط لما ذكرنا
واعلم أنه لا يجوز أن تتأخر النية عن أول فعل مفروض في التيمم

وأول أفعاله المفروضة نقل التراب
ولو قارنته وعزبت قبل مسح شىء من الوجه لم يجزئه على الأصح
ولو تقدمت على أول فعل مفروض فهو كمثله في الوضوء
الركن الخامس مسح الوجه
ويجب استيعابه
ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور التي يجب إيصال الماء إليها في الوضوء على المذهب
ويجب إيصاله إلى ظاهر ما استرسل من اللحية على الأظهر كما في الوضوء
الركن السادس مسح اليدين
ويجب استيعابهما إلى المرفقين على المذهب
وقيل قولان
أظهرهما هذا والقديم يمسحهما إلى الكوعين
واعلم أنه تكرر لفظ الضربتين في الأخبار فجرت طائفة من الأصحاب على الظاهر فقالوا لا يجوز النقص من ضربتين ويجوز الزيادة
والأصح ما قاله آخرون أن الواجب إيصال التراب سواء حصل بضربة أو أكثر لكن يستحب أن لا يزيد على ضربتين ولا ينقص
وقيل يستحب ثلاث ضربات
ضربة للوجه وضربتان لليدين وهو ضعيف
قلت الأصح وجوب الضربتين
نص عليه
وقطع به العراقيون وجماعة من الخراسانيين
وصورة الاقتصار على ضربة بخرقة ونحوها
والله أعلم
وصورة الضرب ليست متعينة
فلو وضع اليد على تراب ناعم وعلق بها غبار كفى
ويستحب أن يبدأ بأعلى الوجه
وأما اليدان فيضع أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ويمرها على ظهر كفه اليمنى فإذا بلغت الكوع ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع
ويمرها إلى المرفق ثم يدير كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه وإبهامه مرفوعة فإذا بلغ الكوع مسح ببطن إبهام اليسرى ظهر إبهام اليمنى ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى فيمسحها كذلك
وهذه الكيفية ليست واجبة لكنها مستحبة على المذهب
وقيل غير مستحبة

وأما تفريق الأصابع فيفعله في الضربة الثانية
وأما الأولى فالأصح وظاهر المذهب والذي نص عليه الشافعي وقاله الأكثرون أنه يستحب التفريق فيها
وقال آخرون لا يستحب
ثم قال الأكثرون من هؤلاء هو جائز حتى لو لم يفرق في الثانية كفاه التفريق في الأولى بين الأصابع
وقال قليلون منهم القفال لا يجوز ولو فعله لم يصح تيممه
ثم إذا فرق في الضربتين وجوزناه أو في الثانية وحدها يستحب تخليل الأصابع بعد مسح اليدين على الهيئة المذكورة ولو لم يفرق فيهما وفرق في الأولى وحدها وجب التخليل ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى
وهو مستحب على الأصح وواجب على الآخر
والواجب إيصال التراب إلى الوجه واليدين كيف كان سواء حصل بيد أو خرقة أو خشبة
ولا يشترط إمرار اليد على العضو على الأصح
ولو كان يمسح بيده فرفعها في أثناء العضو ثم ردها جاز ولا يفتقر إلى أخذ تراب جديد في الأصح
الركن السابع الترتيب
فيجب تقديم الوجه على اليدين
فلو تركه ناسيا لم يصح على المذهب كما في الوضوء
ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب للعضوين على الأصح
فلو ضرب يديه على الأرض وأمكنه مسح الوجه بيمينه ويمينه بيساره جاز

فرع لو أحدث بعد أخذ التراب قبل مسح وجهه بطل أخذه وعليه
ثانية
ولو يممه غيره حيث يجوز فأحدث أحدهما بعد أخذ التراب قبل المسح قال القاضي حسين لا يضر
وينبغي أن يبطل الأخذ بحدث الآمر
ولو ضرب

يده على بشرة امرأة ينقض وعليها تراب فإن كان كثيرا يمنع التقاء البشرتين صح تيممه
وإن لم يمنع لم يصح
وقيل يصح أخذه للوجه
فإن ضرب بعده لليد بطل
والصواب الأول

فرع للتيمم سنن سبق بعضها في كيفية مسح الوجه واليدين وبقي منها
التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى وإمرار التراب على العضد على الأصح والموالاة على المذهب وتخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا وأن لا يكرر المسح على المذهب وأن لا يرفع اليد عن العضو الممسوح حتى يتم مسحه على الأصح
وعلى الثاني هو واجب
وقد سبق
وأن ينزع خاتمه في الضربة الأولى
قلت وأما الضربة الثانية فيجب نزعه فيها ولا يكفي تحريكه بخلاف الوضوء لأن التراب لا يدخل تحته
ذكره صاحب العدة وغيره
ومن مندوباته استقبال القبلة
وينبغي استحباب الشهادتين بعده كالوضوء والغسل
ولو كانت يده نجسة وضرب بها على تراب ومسح وجهه جاز في الأصح
ولا يجوز مسح النجسة قطعا كما لا يصح غسلها عن الوضوء مع بقاء النجاسة
ولو تيمم ثم وقع عليه نجاسة لم يبطل على المذهب وبه قطع الإمام
وقال المتولي هو كردة المتيمم
ولو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة ففي صحته وجهان حكاهما الروياني كما لو كان عليه نجاسة
والله أعلم

الباب الثالث
في أحكام التيمم هي ثلاثة
الحكم الأول أنه يبطل بما يبطل به الوضوء
ثم هو قسمان
أحدهما يجوز مع وجود الماء كتيمم المريض
والثاني لا يجوز إلا مع عدمه أو الخوف في تحصيله أو الحاجة إليه وما أشبه هذا
فالأول لا تؤثر فيه رؤية الماء
وأما الثاني فيبطل بتوهم القدرة على الماء قبل الدخول في الصلاة كما إذا رأى سرابا فتوهمه ماء أو أطبقت بقربه غمامة أو طلع عليه جماعة يجوز أن يكون معهم ماء هذا إذا لم يقارن التوهم مانع من القدرة فإن قارنه لم يبطل تيممه كما إذا رأى ما يحتاج إليه للعطش أو دونه حائل من سبع أو عدو أو قعر بئر يعلم حال رؤيته تعذر تحصيله أو سمع انسانا يقول أودعني فلان ماء وهو يعلم غيبة فلان وما أشبه هذا
أما إذا رأى الماء في الصلاة فإن لم تكن مغنية عن القضاء كصلاة الحاضر بالتيمم بطلت على الصحيح
وعلى الثاني يتمها ويعيد
وإن كانت مغنية كصلاة المسافر فالمذهب المنصوص أنه لا تبطل صلاته ولا تيممه
فلو نوى في أثناء الصلاة الإقامة بعد وجدان الماء أو نوى القصر ثم وجد الماء ثم نوى الإئتمام بطلت صلاته على الأصح فيهما
وحيث لم تبطل وكانت فريضة هل يجوز الخروج منها ليتوضأ فيه أوجه
أصحها الخروج أفضل
والثاني يجوز الخروج لكن الاستمرار أفضل
والثالث إن قلبها نفلا وسلم من ركعتين فهو أفضل
وإن أراد إبطالها مطلقا فالاستمرار أفضل
والرابع يحرم قطعها مطلقا

والخامس إن ضاق الوقت حرم الخروج وإلا لم يحرم
قاله إمام الحرمين وطرده في كل مصل سواء المتيمم وغيره
قلت هذا الذي حكاه إمام الحرمين اختيار له لم يتقدمه به أحد واعترف إمام الحرمين بهذا وهو خلاف المذهب وخلاف نص الشافعي
رحمه الله فقد نص في الأم ونقله صاحب التتمة والغزالي في البسيط عن الأصحاب أنه يحرم على من تلبس بالفريضة في أول وقتها قطعها بغير عذر وقد أوضحت نقله ودلائله في شرح المهذب
والله أعلم
وإذا أتم الفريضة بالتيمم وبقي الماء الذي رآه إلى أن سلم بطل تيممه فلا يستبيح به نافلة حتى حكى الروياني عن والده أنه لا يسلم التسليمة الثانية
قلت وفيما حكاه الروياني نظر وينبغي أن يسلم الثانية لأنها من جملة الصلاة
والله أعلم
وأما إذا فني الماء قبل سلامه ولم يعلم حتى يستبيح النافلة أيضا وإن علم بفنائه قبل سلامه ففي بطلان تيممه ومنعه النافلة وجهان
قلت الأصح منعه النافلة وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين
والله أعلم
أما إذا رأى الماء وهو في نافلة فأوجه
أصحها إن كان نوى عددا أتمه ولم يزد وإلا اقتصر على ركعتين
والثاني لا يزيد على ركعتين وإن نواه
والثالث له أن يزيد ما شاء وإن لم ينوه
والرابع تبطل صلاته
الحكم الثاني فيما يؤدى بالتيمم لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فريضة واحدة وسواء كانت الفريضتان متفقتين أو مختلفتين كصلاتين وطوافين أو صلاة وطواف
أو مقضيتين كظهرين أو مكتوبة ومنذورة أو منذورتين

فلا يجوز الجمع بينهما بتيمم
وفي قول أو وجه ضعيف يجوز في منذورتين وفي منذورة ومكتوبة وفي وجه شاذ يجوز في فوائت وفائتة ومؤداة
والصبي كالبالغ على المذهب
وقيل وجهان
الثاني يجمع بين مكتوبتين بتيمم
ويجوز أن يجمع بتيمم بين فريضة ونوافل
وأما ركعتا الطواف فإن قلنا بالأصح إنهما سنة فلهما حكم النوافل
وإن قلنا واجبتان لم يجز أن يجمع بينهما وبين الطواف الواجب على الأصح
وكذا لا يجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها على الأصح
إذا شرطنا الطهارة في الخطبة
وأما صلاة الجنازة ففيها ثلاثة طرق
أحدها في المسألة قولان
أحدهما لها حكم النافلة مطلقا فيجوز الجمع بين صلوات الجنائز وبين جنائز ومكتوبة بتيمم واحد
ويجوز صلاتها قاعدا مع القدرة على القيام ويجوز على الراحلة
والثاني لها حكم الفرائض
فلا يجوز شىء من هذا
والطريق الثاني إن تعينت فكالفرائض وإلا فكالنوافل
والثالث لها حكم النوافل مطلقا إلا أنه لا يجوز القعود فيها والمذهب أنه يجوز الجمع بتيمم بكل حال
ولو صلى على جنازتين صلاة واحدة فقيل يجوز قطعا وقيل على الخلاف

فرع إذا نسي صلاة من صلوات نظر إن كانت متفقة كظهر من
ظهر واحدة بتيمم
وإن نسي صلاة من الخمس لزمه الخمس وكفاه تيمم واحد للجميع على الصحيح
وعلى الثاني يجب خمسة تيممات
ثم قال الشيخ أبو علي الخلاف تفريع على أن تعيين الفريضة التي تيمم لها غير واجب فإن أوجبناه لزمه خمس تيممات قطعا
ويحتمل خلاف ما قال أبو علي
قلت هذا المحكي عن أبي علي قد حكاه الدارمي عن ابن المرزبان

واختار الدارمي طرد الخلاف وإن أوجبنا التعيين
وهذا أصح
والله أعلم
ولو نسي صلاتين مختلفتين من الخمس لزمه الخمس
فإن قلنا في الواحدة يلزمه خمس تيممات
فكذا ها هنا
وإن قلنا يكفيه تيمم واحد فقال ابن القاص يتيمم لكل واحدة ويقتصر على الخمس
وقال ابن الحداد يقتصر على تيممين ويزيد في الصلوات فيصلي بالأول الصبح والظهر والعصر والمغرب
وبالثاني الظهر والعصر والمغرب والعشاء
قال الأكثرون وهو مخير إن شاء عمل بقول ابن القاص وإن شاء ( عمل ) بقول ابن الحداد
فظاهر كلام ابن القاص في التلخيص أنه لا يجوز ما ذكره ابن الحداد
وحكي وجه أنه يتيمم تيممين ويصلي بكل واحد الخمس وهو شاذ
والمستحسن عند الأصحاب طريقة ابن الحداد
وعليها يفرعون ما زاد من المنسي
ولها ضابط وشرط
فضابطها أن تزيد على قدر المنسي فيه عددا لا ينقص عما تبقى من المنسي فيه بعد إسقاط المنسي وينقسم المجموع صحيحا على المنسي
مثاله مسألتنا المنسي صلاتان والمنسي فيه خمس تزيده ثلاثة لأنها لا تنقص عما يبقى من الخمس بعد إسقاط الاثنين بل تساويه
والمجموع وهو ثمانية ينقسم على الاثنين صحيحا
ولو صلى عشرا كما قاله الوجه الشاذ أجزأه وكان قد زاد خيرا لدخوله في الضابط
وأما شرطها فأن يبتدىء من المنسي فيه بأية صلاة شاء ويصلي بكل تيمم ما تقتضيه القسمة ويترك في كل مرة ما ابتدأ به في التي قبلها ويأتي في المرة الأخيرة بما بقي من الصلوات
ولو نسي ثلاث صلوات من يوم وليلة فعلى طريقة ابن القاص يصلي كل واحدة من الخمس بتيمم وعلى الوجه الشاذ يتيمم ثلاث مرات يصلي بكل واحد الخمس وعلى طريقة ابن الحداد يقتصر على ثلاث تيممات ويصلي بالأول الصبح والظهر والعصر
وبالثاني الظهر والعصر

والمغرب
وبالثالث العصر والمغرب والعشاء
وله مخالفة هذا الترتيب إذا وفى بالشرط
أما إذا نسي صلاتين متفقتين فعليه أن يصلي كل واحدة من الخمس مرتين فعلى الوجه الضعيف في أول المسألة يجب لكل صلاة تيمم فيتيمم عشر تيممات
وعلى الصحيح يكفيه تيممان يصلي بكل واحد الخمس ولا يكتفي بثمان صلوات لاحتمال كون المنسيين صبحين أو عشاءين وما صلاهما إلا مرة مرة
أما إذا لم يعلم هل الفائتتان مختلفتان أم متفقتان فيلزمه الأحوط وهو أنهما متفقتان
إما إذا ترك صلاة مفروضة أو طوافا مفروضا واشتبه عليه فيأتي بطواف وبالصلوات الخمس بتيمم واحد على الصحيح
وعلى الضعيف بست تيممات ولو صلى منفردا بتيمم ثم أراد إعادتها مع جماعة بذلك التيمم جاز إن قلنا الثانية سنة
وكذا إن قلنا إن الفرض إحداهما لا بعينها على الصحيح كالمنسية
ولو صلى الفرض بالتيمم على وجه يجب معه القضاء وأراد القضاء بذلك التيمم
فإن قلنا الفرض الأول جاز
وإن قلنا الثاني أو كلاهما فرض لم يجز وإن قلنا أحدهما لا بعينه جاز على الصحيح
قلت ينبغي إذا قلنا الثانية فرض أن يجوز لأنه جمع بين فرض ونافلة
والله أعلم

فصل لا يجوز التيمم لفريضة قبل وقتها فلو فعل لم يصح للفرض
ولا للنفل أيضا على المذهب ولو جمع بين الصلاتين بالتيمم جاز على الصحيح
ويكون وقت الأولى وقتا للثانية
ولو تيمم للظهر فصلاها ثم تيمم للعصر ليجمعها فدخل وقت العصر قبل فعلها بطل الجمع والتيمم
ووقت الفائتة

بتذكرها
ولو تيمم لمؤداة في أول وقتها وصلاها به في آخره جاز قطعا
نص عليه
قلت وفيه وجه مشهور في الحاوي وغيره أنه لا يجوز التأخير إلا بقدر الحاجة كالمستحاضة
والفرق ظاهر
والله أعلم
ولو تيمم لفائتة ضحوة فلم يصلها حتى دخلت الظهر فله أن يصلي به الظهر على الأصح ولو تيمم للظهر ثم تذكر فائتة قيل يستبيحها به قطعا
وقيل على الوجهين وهو الأصح
هذا كله تفريع على الأصح أن تعيين الفريضة ليس بشرط
فإن شرطناه لم يصح غير ما نواه
أما النوافل فمؤقتة وغيرها
أما المؤقتة فكالرواتب مع الفرائض وصلاة العيد والكسوف
وأوقاتها معروفة
ووقت الاستسقاء الاجتماع لها في الصحراء
ووقت الجنازة انقضاء الغسل على الأصح والموت على الثاني فإن تيمم لمؤقتة قبل وقتها لم يصح على المذهب
وقيل وجهان
وإن تيمم لها في وقتها استباحها وفي وقت استباحة الفرض القولان المتقدمان
فإن استباحه فله ذلك إن كان تيممه في وقت الفريضة وإن كان قبله على الوجهين في التيمم لفائتة ضحوة
وأما غير المؤقتة فيتيمم لها كل وقت إلا وقت الكراهة فلا يصح فيه على الأصح
هذا كله تفريع على المذهب في أن التيمم للنافلة وحدها صحيح
وفيه الوجه المتقدم في الركن الرابع من الباب الثاني
قلت ولو تيمم لنافلة لا سبب لها قبل وقت الكراهة لم تبطل بدخول وقت الكراهة بل يستبيحها بعده بلا خلاف
ولو أخذ التراب قبل وقت الفريضة ثم مسح الوجه في الوقت لم يصح لأن أخذ التراب من واجبات

التيمم فلا يصح قبل الوقت ولو تيمم شاكا في الوقت وصادفه لم يصح
وكذا لو طلب شاكا في دخول الوقت وصادفه لم يصح الطلب
والله أعلم
الحكم الثالث قضاء الصلاة لعذر ضربان عام ونادر
فالعام لا قضاء معه كصلاة مسافر محدث أو جنب بالتيمم لعدم ما يجب استعماله إذا لم يكن سفر معصية
وفي سفر المعصية أوجه
الأصح يجب التيمم والقضاء
والثاني يتيمم ولا يقضي
والثالث لا يجوز التيمم
وقصير السفر كطويله على المذهب
وقيل في وجوب القضاء معه قولان وكصلاة المريض بالتيمم أو قاعدا أو مضطجعا والصلاة بالإيماء في شدة الخوف
وأما النادر فقسمان
قسم يدوم غالبا وقسم لا يدوم
فما يدوم يمنع القضاء كالاستحاضة وسلس البول والمذي والجرح السائل واسترخاء المقعد ودوام خروج الحدث سواء كان له بدل أو لا
وما لا يدوم نوعان
نوع معه بدل ونوع لا بدل معه فما لا بدل معه يوجب القضاء وذلك صور
منها من لم يجد ماء ولا ترابا
وفيه أقوال
المشهور وجوب الصلاة بحسب حاله ووجوب القضاء
والثاني تحرم الصلاة
والثالث تستحب ويجب القضاء على هذين
والرابع تجب الصلاة بلا قضاء وإذا قلنا يصلي لا يجوز مس المصحف ولا قراءة القرآن للجنب والحائض ولا وطء الحائض وإذا قدر على ماء أو تراب في الصلاة بطلت
ومنها المربوط على خشبة ومن شد وثاقه بالأرض يصلي بالإيماء ويعيد
وقال الصيدلاني إن صلى مستقبل القبلة لم يعد وإلا عاد
قال وكذا الغريق يصلي على خشبة بالإيماء
وذكر البغوي نحوه
ومنها من على جرحه نجاسة يخاف التلف من غسلها أو حبس في

موضع وصلى فيه على النجاسة للضرورة فتجب الاعادة على المشهور
وفي القديم لا يجب إعادة صلاة وجبت في الوقت وإن كانت مختلة
وأما ما معه بدل فصور منها المقيم إذا تيمم لعدم الماء فيجب عليه الاعادة على المشهور لأن فقد الماء في الاقامة نادر وإنما لا يجب القضاء على المسافر لأن فقد الماء يعم
هذا هو الضابط عند الأصحاب وليس مخصوصا بالسفر أو الإقامة حتى لو أقام في مفازة أو موضع يعدم فيه الماء غالبا وطالت إقامته وصلاته بالتيمم فلا إعادة
ولو دخل المسافر في طريقه قرية وعدم الماء وصلى بالتيمم وجبت الاعادة على الأصح وإن كان حكم السفر باقيا
وأما قول الأصحاب المقيم يقضي والمسافر لا يقضي فمرادهم الغالب من حال المسافر والمقيم وحقيقته ما ذكرنا
ومنها التيمم لعذر في بعض الأعضاء فإن لم يكن على العضو ساتر من جبيرة أو لصوق فلا إعادة
وإن كان ساتر من جبيرة ونحوها فثلاثة أقوال
الأظهر أنه إن وضعها على طهر فلا إعادة وإلا وجبت
والثاني لا يعيد مطلقا
والثالث يعيد
وقال ابن الوكيل من أصحابنا الخلاف إذا لم يتيمم
أما إذا قلنا يجب التيمم فتيمم فلا إعادة قطعا
والمذهب طرد الخلاف مطلقا
هذا كله إذا لم تكن الجبيرة على محل التيمم فإن كانت عليه أعاد بلا خلاف
ومنها التيمم لشدة البرد والأظهر أنه يوجب الاعادة
والثاني لا
والثالث يجب على الحاضر دون المسافر
أما العاجز عن ستر العورة ففيه قولان ووجه
وقيل ثلاثة أوجه
أصحها يصلي قائما ويتم الركوع والسجود والثاني يصلي قاعدا
وهل يتم الركوع والسجود أم يومىء فيه قولان والثالث يتخير بين الأمرين
ويجري هذا الخلاف فيما لو حبس في موضع نجس لو سجد لسجد على نجاسة
وفيما لو

وجد ثوبا طاهرا لو فرشه على النجاسة لبقي عاريا
وفيما لو وجد العاري ثوبا نجسا هل يصلي فيه أم عاريا ثم إن قلنا العريان لا يتم الأركان أعاد على المذهب وفيه خلاف من لم يجد ماء ولا ترابا
وإن قلنا يتمها فلا إعادة على المذهب
سواء كان في السفر أو الحضر ممن يعتاد العري أو ممن لا يعتاد العري
وقيل يجب على من لا يعتاد العري
قلت ولو لم يجد المريض من يحوله للقبلة لزمه الصلاة بحسب حاله وتجب الاعادة على المذهب
قال الروياني وقيل قولان
وهو شاذ
قال إمام الحرمين وغيره ثم ما حكمنا من الأعذار بأنه دائم وأسقطنا به الفرض فزال بسرعة فهو كدائم وما حكمنا أنه لا يدوم فدام فله حكم ما لم يدم إلحاقا لشاذ الجنس بالجنس
ثم كل صلاة أوجبناها في الوقت وأوجبنا إعادتها فهل الفرض الأولى أم الثانية أم كلاهما أم إحداهما لا بعينها فيه أربعة أقوال
أظهرها عند الجمهور الثانية
وعند القفال والفوراني وابن الصباغ كلاهما وهو أفقه فإنه مكلف بهما وهذه مسائل منثورة لا يستحب ( فيها ) تجديد التيمم على المذهب وبه قطع الجمهور
وفي المستظهري وجهان
ويتصور في مريض وجريح ونحوهما ممن تيمم مع وجود الماء إذا تيمم وصلى فرضا ثم أراد نفلا ويتصور في متيمم لعدم الماء إذا صلى فرضا ولم يفارق موضعه ولم نوجب طلبا لتحققه العدم أو لم نوجبه ثانيا
وحكم اليد المقطوعة كهو في الوضوء حتى إذا لم يبق شىء من محل الفرض استحب مسح العضد
قال الدارمي وإذا لم يكن مرفق استطهر حتى يعلم
ولو وجد المسافر على الطريق خابية ماء مسبلة تيمم ولا يجوز الوضوء منها لأنها انما توضع للشرب
ذكره المتولي ونقله الروياني عن الأصحاب
ولو منع الوضوء إلا منكوسا فهل له الاقتصار على التيمم أم عليه غسل الوجه لتمكنه منه فيه القولان فيمن وجد بعض ما يكفيه حكاه الروياني عن والده

قال ولا يلزمه قضاء الصلاة اذا امتثل المأمور على القولين
وفي القضاء نظر لندوره لكن الراجح ما ذكره لأنه في معنى من غصب ماؤه ولا قضاء
قال صاحب الحاوي والبحر لو مات رجل معه ماء لنفسه لا يكفيه لبدنه فإن أوجبنا استعمال الناقص لزم رفقته غسله به وإلا يمموه
فإن غسلوه به ضمنوا قيمته لوارثه
ولو تيمم لمرض فبرأ في أثناء الصلاة فكرؤية الماء في صلاة المسافر
ولو تيمم عن جنابة أو حيض ثم أحدث حرم ما يحرم على محدث
ولا يحرم قراءة القرآن واللبث في المسجد
ولو تيمم جنب فرأى ماء حرمت القراءة وكل ما كان حراما حتى يغتسل
قال الجرجاني ليس أحد يصح إحرامه بصلاة فرض دون نفل إلا من عدم ماء وترابا أو سترة طاهرة أو كان على بدنه نجاسة عجز عن إزالتها
والله أعلم

باب مسح الخف
وهو جائز بشرطين أحدهما لبسه على طهارة كاملة
فلو غسل رجلا فلبس خفها ثم غسل الأخرى لم يجز المسح فلو نزع الأولى ثم لبسها كفاه وجاز المسح بعده على الصحيح
وعلى الثاني لا بد من نزعهما
ولو أدخل الرجلين ساقي الخفين بلا غسل ثم غسلهما ثم أدخلهما قرار الخف صح لبسه وجاز المسح
ولو لبس متطهرا ثم أحدث قبل وصول الرجل قدم الخف أو مسح بشرطه ثم أزال القدم من مقرها ولم يظهر من محل الفرض شىء ففي الصورتين ثلاثة أوجه
الصحيح جواز المسح في الثانية ومنعه في الأولى
والثاني يجوز

فيهما
والثالث لا يجوز فيهما
ولو لبست المستحاضة على وضوئها ثم أحدثت بغير الاستحاضة فوجهان
أحدهما لا يصح مسحها لضعف طهارة لبسها
والصحيح المنصوص جوازه
فعلى هذا لو انقطع دمها وشفيت قبل المسح لم يجز المسح على المذهب وقيل فيه الوجهان
وحيث جوزنا فإنما يستبيح بلبسها المسح لما شاءت من النوافل ولفريضة إن لم تكن صلت بوضوء اللبس فريضة بأن أحدثت بعد وضوئها ولبسها قبل أن تصلي تلك الفريضة ولا غيرها من الفرائض فإن أحدثت بعد فعل الفريضة مسحت واستباحت النوافل ولا تستبيح فريضة مقضية ولا مؤداة تحضر
فإن أرادت فريضة وجب نزع الخف واستئناف اللبس بطهارة
ولنا وجه شاذ أنها تستوفي مدة المسح يوما وليلة حضرا وثلاثة سفرا ولكن تعيد الوضوء والمسح لكل فريضة
وفي معنى طهارة المستحاضة طهارة سلس البول وكل من به حدث دائم وكذا الوضوء المضموم إليه التيمم لجراحة أو كسر فحكمهم حكمها بلا فرق
وأما من محض التيمم بلا وضوء فإن كان بسبب غير إعواز الماء فهو كالمستحاضة
وإن كان للاعواز فقال ابن سريج هو كهي
والصحيح أنه لا يستبيح المسح أصلا
الشرط الثاني أن يكون الملبوس صالحا للمسح وصلاحيته بأمور الأول أن يستر محل فرض غسل الرجلين فلو قصر عن محل الفرض لم يجز قطعا وفي المخروق قولان
القديم جواز المسح ما لم يتفاحش الخرق بأن لا يتماسك في الرجل ولا يتأتى المشي عليه وقيل التفاحش أن يبطل اسم الخف
والجديد الأظهر لا يجوز إذا ظهر شىء من محل الفرض وإن قل
ولو تخرقت البطانة أو الظهارة جاز المسح إن كان الباقي صفيقا وإلا فلا على الصحيح
ويقاس على هذا ما إذا تخرق من الظهارة موضع ومن البطانة موضع آخر لا يحاذيه
أما الخف المشقوق القدم إذا شد محل الشق بالشرج فإن ظهر شىء

مع الشد لم يجز المسح
وإلا جاز على الصحيح المنصوص
فلو فتح الشرج بطل المسح في الحال وإن لم يظهر شىء
الأمر الثاني أن يكون قويا بحيث يمكن متابعة المشي عليه بقدر ما يحتاج إليه المسافر في حوائجه عند الحط والترحال فلا يجوز المسح على اللفائف والجوارب المتخذة من صوف ولبد وكذا الجوارب المتخذة من الجلد الذي يلبس مع المكعب وهي جوارب الصوفية لا يجوز المسح عليها حتى يكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها ويمنع نفوذ الماء إن شرطناه إما لصفاقتها وإما لتجليد القدمين والنعل على الأسفل أو الإلصاق على المكعب
وقيل في اشتراط تجليد القدم مع صفاقتها قولان
ولو تعذر المشي فيه لسعته المفرطة أو ضيقه لم يجز المسح على الأصح
ولو تعذر لغلظه أو ثقله كالخشب والحديد أو لتحديد رأسه بحيث لا يستقر على الأرض لم يجز
ولو اتخذ لطيفا من خشب أو حديد يتأتى المشي فيه جاز قطعا
ولو لم يقع عليه اسم الخف بأن لف على رجله قطعة أدم وشدها لم يجز المسح
الأمر الثالث في أوصاف مختلف فيها فالخف المغصوب والمسروق وخف الذهب أو الفضة يصح المسح عليه على الأصح
والخف من جلد كلب أو ميتة قبل الدباغ لا يجوز المسح عليه قطعا لا لمس مصحف ولا لغيره
ولو وجدت في الخف شرائطه إلا أنه لا يمنع نفوذ الماء لم يجز المسح على الأصح
واختار إمام الحرمين والغزالي الجواز
قلت ولو لبس واسع الرأس يرى من رأسه القدم جاز المسح عليه على الصحيح
ويجوز على خف زجاج قطعا إذا أمكن متابعة المشي عليه
والله أعلم

فرع الجرموق هو الذي يلبس فوق الخف لشدة البرد غالبا
فإذا لبس خفا فوق خف فله أربعة أحوال
أحدها أن يكون الأعلى صالحا للمسح عليه دون الأسفل لضعفه أو لخرقه فالمسح على الأعلى خاصة
الثاني عكسه فالمسح على الأسفل خاصة
فلو مسح الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل فإن قصد مسح الأسفل أجزأه
وكذا إن قصدهما على الصحيح
وإن قصد الأعلى لم يجز
وإن لم يقصد واحدا بل قصد المسح في الجملة أجزأه على الأصح لقصده إسقاط فرض الرجل بالمسح
الثالث أن لا يصلح واحد منهما فيتعذر المسح
الرابع أن يصلحا كلاهما ففي المسح على الأعلى وحده قولان القديم جوازه والجديد منعه
قلت الأظهر عند الجمهور الجديد وصحح القاضي أبو الطيب في شرح الفروع القديم
والله أعلم
فإن جوزنا المسح على الجرموق فقد ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان
أظهرها أن الجرموق بدل عن الخف والخف بدل عن الرجل
والثاني الأسفل كلفافة والأعلى هو الخف
والثالث أنهما كخف واحد فالأعلى ظهارة والأسفل بطانة
وتتفرع على المعاني مسائل
منها لو لبسهما معا على طهارة فأراد الاقتصار على مسح الأسفل جاز على المعنى الأول دون الآخرين
ومنها لو لبس الأسفل على طهارة والأعلى على حدث ففي جواز المسح على الأعلى طريقان
أحدهما لا يجوز
وأصحهما فيه وجهان
إن قلنا بالمعنى الأول

والثاني لم يجز
وبالثالث يجوز
فلو لبس الأسفل بطهارة ثم أحدث ومسحه ثم لبس الجرموق فهل يجوز مسحه فيه طريقان
أحدهما يبنى على المعاني إن قلنا بالأول أو الثالث جاز
وبالثاني لا يجوز
وقيل يبنى الجواز على هذا الثاني على أن مسح الخف يرفع الحدث أم لا إن قلنا يرفع جاز وإلا فلا
الطريق الثاني القطع بالبناء على رفع الحدث
وإذا جوزنا مسح الأعلى في هذه المسألة قال الشيخ أبو علي ابتداء المدة من حين إحداث أول لبسه الأسفل وفي جواز الاقتصار على الأسفل الخلاف السابق
ومنها لو لبس الأسفل على حدث وغسل رجله فيه ثم لبس الأعلى على طهارة كاملة فلا يجوز مسح الأسفل قطعا ولا مسح الأعلى إن قلنا بالمعنى الأول أو الثالث
وبالثاني يجوز
ومنها لو تخرق الأعلى من الرجلين جميعا أو نزعه منهما بعد مسحه وبقي الأسفل بحاله فإن قلنا بالمعنى الأول لم يجب نزع الأسفل بل يجب مسحه وهل يكفيه مسحه أم يجب استئناف الوضوء فيه القولان في نازع الخفين
وإن قلنا بالمعنى الثالث فلا شىء عليه
وإن قلنا بالثاني وجب نزع الأسفل أيضا وغسل القدمين
وفي استئناف الوضوء القولان فحصل من الخلاف في المسألة خمسة أقوال
أحدها لا يجب شىء
والثاني يجب مسح الأسفل فقط
والثالث يجب المسح واستئناف الوضوء
والرابع يجب نزع الخفين وغسل الرجلين
والخامس يجب ذلك مع استئناف الوضوء
ومنها لو تخرق الأعلى من إحدى الرجلين أو نزعه
فإن قلنا بالمعنى الثالث فلا شىء عليه
وإن قلنا بالثاني وجب نزع الأسفل أيضا من هذه الرجل ووجب نزعهما من الرجل الأخرى وغسل القدمين
وفي استئناف الوضوء القولان
وإن قلنا بالمعنى الأول فهل يلزمه نزع الأعلى من الرجل الأخرى وجهان أصحهما نعم كمن نزع إحدى الخفين
فإذا نزعه عاد القولان في أنه ( هل ) يجب استئناف الوضوء أم يكفيه مسح الأسفل والثاني لا يلزمه نزع الثاني

وفي واجبه القولان
أحدهما مسح الأسفل الذي نزع أعلاه
والثاني استئناف الوضوء ومسح هذا الأسفل والأعلى من الرجل الأخرى
ومنها لو تخرق الأسفل منهما لم يضر على المعاني كلها
فإن تخرق من إحداهما فإن قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث فلا شىء عليه
وإن قلنا بالأول وجب نزع واحد من الرجل الأخرى لئلا يجمع بين البدل والمبدل قاله في التهذيب وغيره
ولك أن تقول هذا المعنى موجود فيما إذا تخرق الأعلى من إحدى الرجلين وقد حكوا وجهين في وجوب نزعه من الأخرى فليحكم بطردهما هنا
ثم إذا نزع ففي واجبه القولان
أحدهما مسح الخف الذي نزع الأعلى من فوقه
والثاني استئناف الوضوء والمسح عليه وعلى الأعلى الذي تخرق الأسفل تحته
ومنها لو تخرق الأسفل والأعلى من الرجلين أو من إحداهما لزمه نزع الجميع على المعاني كلها لكن إن قلنا بالمعنى الثالث وكان الخرقان في موضعين غير متحاذيين لم يضر كما تقدم بيانه
ومنها لو تخرق الأعلى من رجل والأسفل من الأخرى فإن قلنا بالثالث فلا شىء عليه
وإن قلنا بالأول نزع الأعلى المتخرق وأعاد مسح ما تحته
وهل يكفيه ذلك أم يحتاج إلى استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلى الأعلى من الرجل الأخرى فيه القولان
هذا كله تفريع على جواز مسح الجرموق
فإن منعناه فأدخل يده بينهما ومسح الخف الأسفل جاز على الأصح
ولو تخرق الأسفلان فإن كان عند التخرق على طهارة لبسه الأسفل مسح الأعلى لأنه صار أصلا لخروج الأسفل عن صلاحيته للمسح
وإن كان محدثا لم يجز مسح الأعلى كاللبس على حدث
وإن كان على طهارة مسح فوجهان كما ذكرنا في التفريع على القديم
أما اذا لبس جرموقا في رجل واقتصر على الخف في الأخرى فعلى الجديد لا يجوز مسح الجرموق
وعلى القديم يبنى على المعاني الثلاثة فعلى الأول لا يجوز كما لا يجوز المسح في خف وغسل الرجل الأخرى
وعلى الثالث يجوز وكذا على الثاني على الأصح

قلت واذا جوزنا المسح على الجرموق فكذا إذا لبس ثانيا وثالثا
ولو لبس الخف فوق الجبيرة لم يجز المسح عليه على الأصح
والله أعلم

فصل في كيفية المسح
أما أقله فما ينطبق عليه اسم المسح من محل فرض الغسل في الرجل إلا أسفلها فلا يجوز الاقتصار عليه على الأظهر وقيل يجوز قطعا وقيل لا يجوز
وإلا العقب فلا يجزىء على المذهب
وقيل هو أولى بالجواز من الأسفل وقيل أولى بالمنع
قلت وحرف الخف كأسفله
قاله في التهذيب
والله أعلم
وأما الأكمل فمسح أعلاه وأسفله ولكن ليس استيعاب جميعه سنة على الأصح
ويستحب مسح العقب على الأظهر وقيل الأصح وقيل قطعا
ولو كان عند المسح على أسفله نجاسة لم يجز المسح عليه
ويجزىء غسل الخف عن مسحه على الصحيح لكن يكره
ويكره أيضا تكرار المسح على الصحيح
وعلى الثاني يستحب تكراره ثلاثا كالرأس
قلت قال أصحابنا لا تتعين اليد للمسح بل يجوز بخرقة وخشبة وغيرهما
ولو وضع يده المبتلة ولم يمرها أو قطر الماء عليه أجزأه على الصحيح كما تقدم في الرأس
والله أعلم

فصل في حكم المسح
يباح المسح على الخف للصلاة وسائر ما يفتقر إلى الوضوء
وله المسح إلى إحدى غايات أربع الأولى مضي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر على المشهور الجديد
وفي القديم يجوز غير مؤقت
والتفريع على الجديد
وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس
وأكثر ما يمكن المقيم أن يصلي من الفرائض المؤداة ست صلوات إن لم يجمع
فإن جمع لمطر فسبع والمسافر ست عشرة وبالجمع سبع عشرة
وأما المقضيات فلا تنحصر
واعلم أن المسافر إنما يمسح ثلاثة أيام إذا كان سفره طويلا وغير معصية فإن قصر سفره مسح يوما وليلة وإن كان معصية مسح يوما وليلة على الأصح
وعلى الثاني لا يمسح شيئا
ويجزىء الوجهان في العاصي بالإقامة كالعبد المأمور بالسفر إذا أقام
فرع إذا لبس الخف في الحضر ثم سافر ومسح في السفر مسح
سواء كان أحدث في الحضر أم لا وسواء سافر بعد الحدث وخروج وقت الصلاة أم لا وقال المزني إن أحدث في الحضر مسح مسح مقيم
وقال أبو اسحاق المروزي إن خرج الوقت في الحضر ولم يصل ثم سافر مسح مسح مقيم
أما إذا مسح في الحضر ثم سافر فيتم مسح مقيم
والاعتبار في المسح بتمامه فلو مسح إحدى الخفين في الحضر ثم سافر ومسح الآخر في السفر فله مسح مسافر لأنه تم مسحه في السفر

قلت هذا الذي جزم به الامام الرافعي رحمه الله في مسألة المسح على أحد الخفين في الحضر هو الذي ذكره القاضي حسين وصاحب التهذيب
لكن الصحيح المختار ما جزم به صاحب التتمة واختاره الشاشي أنه يمسح مسح مقيم لتلبسه بالعبادة في الحضر
والله أعلم
أما إذا مسح في السفر ثم أقام فإن كان بعد مضي يوم وليلة فأكثر فقد انقضت مدته ويجزئه ما مضى
وإن كان قبل يوم وليلة تممها
وقال المزني يمسح ثلث ما بقي من ثلاثة أيام ولياليهن مطلقا
ولو شك الماسح في السفر أو الحضر في انقضاء مدته وجب الأخذ بانقضائها
ولو شك المسافر هل ابتدأ المسح في الحضر أم السفر أخذ بالحضر فيقتصر على يوم وليلة فلو مسح في اليوم الثاني شاكا وصلى به ثم علم في اليوم الثالث أنه كان ابتدأ في السفر لزمه إعادة ما صلى في اليوم الثاني
وله المسح في اليوم الثالث فإن كان مسح في اليوم الأول واستمر على الطهارة فلم يحدث في اليوم الثاني فله أن يصلي في الثالث بذلك المسح لأنه صحيح
فإن كان أحدث في الثاني ومسح شاكا وبقي على تلك الطهارة لم يصح مسحه فيجب إعادة المسح
وفي وجوب استئناف الوضوء القولان في الموالاة
وقال صاحب الشامل يجزئه المسح مع الشك
والصحيح الأول
الغاية الثانية نزع الخفين أو أحدهما فإن وجد ذلك وهو على طهارة مسح لزمه غسل الرجلين ولا يلزمه استئناف الوضوء على الأظهر
واختلف في أصل القولين فقيل أصل بنفسيهما وقيل مبنيان على تفريق الوضوء وضعفه الأصحاب
وقيل على أن بعض الطهارة هل يختص بالانتقاض أم يلزمه من انتقاض بعضها انتقاض جميعها وقيل مبنيان على أن مسح الخف يرفع الحدث عن الرجل أم لا فإن قلنا لا يرفع اقتصر على غسل الرجلين وإلا استأنف الوضوء
قلت الأصح عند الأصحاب أن مسح الخف يرفع الحدث عن الرجل كمسح

الرأس
ولو خرج الخف عن صلاحية المسح لضعفه أو تخرقه أو غير ذلك فهو كنزعه
ولو انقضت المدة أو ظهرت الرجل وهو في صلاة بطلت
فلو لم يبق من المدة إلا ما يسع ركعة فافتتح ركعتين فهل يصح الافتتاح وتبطل صلاته عند انقضاء المدة أم لا تنعقد وجهان في البحر أصحهما الانعقاد
وفائدتهما أنه لو اقتدى به إنسان عالم بحاله ثم فارقه عند انقضاء المدة هل تصح صلاته أم لا تنعقد فيه الوجهان وفيما لو أراد الاقتصار على ركعة
والله أعلم
الغاية الثالثة أن يلزم الماسح غسل جنابة أو حيض أو نفاس فيجب استئناف اللبس بعده
الغاية الرابعة إذا نجست رجله في الخف ولم يمكن غسلها فيه وجب النزع لغسلها
فإن أمكن غسلها فيه فغسلها لم يبطل المسح

فرع سليم الرجلين إذا لبس خفا في إحداهما لا يصح مسحه
فلو لم يكن له إلا رجل جاز المسح على خفها ولو بقيت من الرجل الأخرى بقية لم يجز المسح حتى يواريها بما يجوز المسح عليه
قلت لو كان إحدى رجليه عليلة بحيث لا يجب غسلها فلبس الخف في الصحيحة قطع الدارمي بصحة المسح عليه
وصاحب البيان بالمنع
وهو الأصح لأنه يجب التيمم عن الرجل العليلة فهي كالصحيحة
والله أعلم

كتاب الحيض
فيه خمسة أبواب
الأول في حكم الحيض والاستحاضة
أما سن الحيض فأقله استكمال تسع سنين على الصحيح وما رأته قبله دم فساد
والثاني بالطعن في أول التاسعة
والثالث مضي نصف التاسعة
والمراد السنون القمرية على الأوجه كلها
وهذا الضبط للتقريب على الأصح
فلو كان بين رؤية الدم واستكمال التسع على الصحيح ما لا يسع حيضا وطهرا كان ذلك الدم حيضا وإلا فلا
وسواء في سن الحيض البلاد الحارة وغيرها على الصحيح
وقال الشيخ أبو محمد في الباردة وجهان
قلت الوجه الذي حكاه أبو محمد هو أنه إذا وجد ذلك في البلاد الباردة التي لا يعهد ذلك في مثلها فليس بحيض
والله أعلم وأقل الحيض يوم وليلة على المذهب وعليه التفريع
وأكثره خمسة عشر يوما
وغالبه ست أو سبع
وأقل الطهر بين حيضتين خمسة عشر يوما وغالبه تمام الشهر بعد الحيض ولا حد لأكثره
ولو وجدنا امرأة تحيض على الاطراد أقل من يوم وليلة أو أكثر من خمسة عشر أو بطهر أقل من خمسة عشر فثلاثة أوجه
الأصح لا عبرة به
والثاني يتبعه
والثالث إن وافق ذلك مذهب بعض السلف أتبعناه
وإلا فلا
والأول هو المعتمد وعليه تفريع مسائل

الحيض ويدل عليه الاجماع على أنها لو رأت النقاء يوما والدم يوما على الاستمرار لا نجعل كل نقاء طهرا كاملا

فصل يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب
ولا يجب عليها قضاء الصلاة ولو أرادت العبور في المسجد فإن خافت تلويثه لعدم إحكامها الشد أو لغلبة الدم حرم العبور عليها ولا يختص هذا بها بل المستحاضة والسلس ومن به جراحة نضاخة يحرم عليهم العبور إذا خافوا التلويث
فإن أمنت الحائض التلويث جاز العبور على الصحيح كالجنب ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها
ويحرم عليها الصوم ويجب قضاؤه
وهل يقال إنه واجب حال الحيض وجهان
قلت الصحيح الذي عليه المحققون والجماهير أنه ليس واجبا بل يجب القضاء بأمر جديد
والله أعلم
وأما الاستمتاع بالحائض فضربان
أحدهما الجماع في الفرج فيحرم ويبقى تحريمه إلى أن ينقطع الحيض وتغتسل أو تتيمم عند عجزها عن الغسل
فلو لم تجد ماء ولا ترابا صلت الفريضة وحرم وطؤها على الصحيح
ومتى جامع في الحيض متعمدا عالما بالتحريم فقولان
المشهور الجديد لا غرم عليه بل يستغفر الله ويتوب لكن يستحب أن يتصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم أو بنصف دينار إن جامع في إدباره
والقديم يلزمه غرامة
وفيها قولان
المشهور منهما ما قدمنا استحبابه في الجديد
والثاني عتق رقبة بكل حال
ثم الدينار الواجب أو

المستحب مثقال الاسلام من الذهب الخالص يصرف إلى الفقراء والمساكين
ويجوز صرفه إلى واحد
وعلى قول الوجوب يجب على الزوج دون الزوجة
وفي المراد بإقبال الدم وإدباره وجهان
الصحيح المعروف أن إقباله أوله وشدته
وإدباره ضعفه وقربه من الانقطاع
والثاني قول الاستاذ أبي إسحق الإسفراييني إقباله ما لم ينقطع وإدباره إذا انقطع ولم تغتسل
أما إذا وطئها ناسيا أو جاهلا التحريم أو الحيض فلا شىء عليه قطعا
وقيل يجيء وجه على القديم أنه يجب الغرم
الضرب الثاني الاستمتاع بغير الجماع
وهو نوعان
أحدهما الاستمتاع بما بين السرة والركبة والأصح المنصوص أنه حرام
والثاني لا يحرم
والثالث إن أمن على نفسه التعدي إلى الفرج لورع أو لقلة شهوة لم يحرم وإلا حرم
وحكي القاضي قولا قديما
النوع الثاني ما فوق السرة وتحت الركبة وهو جائز أصابه دم الحيض أم لم يصبه
وفي وجه شاذ يحرم الاستمتاع بالموضع المتلطخ بالدم
ومن أحكام الحيض أنه يجب الغسل منه عند انقطاعه وأنه يمنع صحة الطهارة ما دام الدم مستمرا إلا الأغسال المشروعة لما لا يفتقر إلى طهارة كالاحرام والوقوف فإنها تستحب للحائض وإذا قلنا بالضعيف إن الحائض تقرأ القرآن فلها أن تغتسل إذا أجنبت لتقرأ
ومن أحكام الحيض أنه يوجب البلوغ وتتعلق به العدة والاستبراء ويكون الطلاق فيه بدعيا وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ وما بعده
قلت ومن أحكامه منع وجوب طواف الوداع ومنع قطع التتابع في صوم الكفارة وقول الرافعي وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ وما بعده يقتضي أن لا يكون الطلاق فيه بدعيا وليس كذلك بل هو بدعي لأن المعنى المقتضي بدعيته في الحيض موجود فيه وقد صرح الرافعي أيضا في كتاب الطلاق بكونه بدعيا
والله أعلم

وإذا انقطع الحيض ارتفع تحريم الصوم وإن لم تغتسل وكذا الطلاق وسقوط قضاء الصلاة بخلاف الاستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة
قلت ومما يزول بانقطاع الحيض تحريم العبور في المسجد إذا قلنا بتحريمه في زمن الحيض ولنا وجه شاذ في الحاوي والنهاية أنه لا يزول تحريمه وليس بشىء
والله أعلم

فصل في الاستحاضة
الاستحاضة قد تطلق على كل دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس
سواء اتصل بالحيض المجاوز أكثره أم لم يتصل كالذي تراه لسبع سنين مثلا
وقد تطلق على المتصل به خاصة ويسمى غيره دم فساد ولا تختلف الأحكام في جميع ذلك والخارج حدث دائم كسلس البول فلا يمنع الصلاة والصوم ويجوز وطؤها وإنما أثر الحدث الدائم الاحتياط في الطهارة وإزالة النجاسة فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم وتحشوه بقطنة أو خرقة دفعا للنجاسة وتقليلا
فإن اندفع به الدم وإلا شدت مع ذلك خرقة في وسطها وتلجمت بأخرى مشقوقة الطرفين فكل هذا واجب إلا أن تتأذى بالشد أو تكون صائمة فتترك الحشو وتقتصر على الشد
وسلس البول يدخل قطنة في إحليله فإن انقطع وإلا عصب مع ذلك رأس الذكر
ثم تتوضأ المستحاضة بعد الاحتياط الذي ذكرناه
ويلزمها تقديم هذا الاحتياط على الوضوء ويجب الوضوء لكل فريضة ولها ما شاءت من النوافل بعد الفريضة ويجب أن تكون طهارتها بعد الوقت على الصحيح
وفي وجه شاذ تجزئها الطهارة قبل الوقت إذا انطبق آخرها على أول الوقت
وينبغي لها أن تبادر بالصلاة عقب طهارتها
فإن تطهرت في أول الوقت وصلت في

آخره أو بعده
فإن كان تأخيرها لسبب الصلاة كالأذان والاجتهاد في القبلة وستر العورة وانتظار الجمعة والجماعة ونحوها لم يضر وإلا فثلاثة أوجه
الصحيح المنع
والثاني الجواز
والثالث الجواز ما لم يخرج الوقت
أما تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة فإن زالت العصابة عن موضعها زوالا له وقع أو ظهر الدم في جوانبها وجب التجديد
وإن لم تزل ولا ظهر الدم أو زالت زوالا يسيرا وجب التجديد على الأصح
وقيل الأظهر
كما يجب تجديد الوضوء ويجري الخلاف فيما لو أحدثت بريح ونحوه قبل أن تصلي فلو بالت وجب التجديد قطعا
ولو خرج منها الدم بعد الشد لغلبة الدم لم يبطل وضوؤها
وإن كان لتقصيرها في الشد بطل وكذا لو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد وزاد خروج الدم بسببه
فلو اتفق ذلك في صلاة بطلت وإن كان بعد فريضة حرم النفل بعدها

فرع طهارة المستحاضة تبطل بالشفاء وفي وجه شاذ لو اتصل الشفاء بآخر
الوضوء لم يبطل وليس بشىء
ولو شفيت في صلاة بطلت على المذهب
ومتى انقطع دمها وهي تعتاد الانقطاع والعود أو لا تعتاده لكن أخبرها به من يعتمد من أهل البصر نظر إن كانت مدة الانقطاع يسيرة لاتسع الطهارة والصلاة التي تطهرت لها فلها الشروع في الصلاة
فلو امتد الانقطاع بان بطلان الطهارة ووجب قضاء الصلاة
وإن كانت مدة الانقطاع تسع الطهارة والصلاة لزمها إعادة الوضوء بعد الانقطاع
فلو عاد الدم على خلاف العادة قبل الإمكان لم يجب إعادة الوضوء على الأصح
لكن لو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع ولم تعد الوضوء فعاد الدم قبل الفراغ وجب إعادة الصلاة على الأصح
أما إذا انقطع دمها وهي لا تعتاد الانقطاع والعود

ولم يخبرها أهل البصر بالعود فيجب إعادة الوضوء
فلو عاد الدم قبل إمكان الوضوء والصلاة فالأصح أن وضوءها السابق يبقى على صحته
والثاني يجب إعادته
ولو خالفت أمرنا وشرعت في الصلاة من غير إعادة الوضوء بعد الانقطاع فإن لم يعد الدم لم تصح صلاتها لظهور الشفاء
وكذا إن عاد بعد مضي إمكان الطهارة والصلاة لتمكنها من الصلاة بلا حدث وكذا إن عاد قبل الإمكان على الأصح لترددها عند الشروع
ولو توضأت عند انقطاع دمها وهي لا تدري أنه شفاء أم لا فسبيلها أن تنظر هل تعتاد الانقطاع وتجري على مقتضى الحالين كما بينا
قلت ولنا وجه شاذ أن المستحاضة لا تستبيح النفل بحال
وإنما استباحت الفريضة مع الحدث الدائم للضرورة
والصواب المعروف أنها تستبيح النوافل مستقلة وتبعا للفريضة ما دام الوقت باقيا وبعده أيضا على الأصح
والمذهب أن طهارتها تبيح الصلاة ولا ترفع الحدث
والثاني ترفعه
والثالث ترفع الماضي دون المقارن والمستقبل
وإذا كان دمها ينقطع في وقت ويسيل في وقت لم يجز أن تصلي وقت سيلانه بل عليها أن تتوضأ وتصلي في وقت انقطاعه إلا أن تخاف فوت الوقت فتتوضأ وتصلي في سيلانه
فإن كانت ترجو انقطاعه في آخر الوقت فهل الأفضل أن تعجل الصلاة في أول الوقت أم تؤخرها إلى آخره فيه وجهان مذكوران في التتمة بناء على القولين في مثله في التيمم
قال صاحب التهذيب لو كان سلس البول بحيث لو صلى قائما سال بوله ولو صلى قاعدا استمسك فهل يصلي قائما أم قاعدا وجهان
الأصح قاعدا حفظا للطهارة ولا إعادة عليه على الوجهين
والله أعلم

الباب الثاني
في المستحاضات هن أربع الأولى المبتدأة المميزة وهي التي ترى الدم على نوعين أو أنواع أحدها أقوى فترد إلى التمييز فتكون حائضا في أيام القوي مستحاضة في أيام الضعيف
وإنما يعمل بالتمييز بثلاثة شروط
أحدها أن لا يزيد القوي على خمسة عشرا يوما والثاني أن لا ينقص عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضا
والثالث أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما ليمكن جعله طهرا بين حيضتين والمراد بخمسة عشر الضعيف أن لا تكون متصلة فلو رأت يوما أسود ويومين أحمر وهكذا أبدا فجملة الضعيف في الشهر تزيد على خمسة عشر لكن لا يعد هذا تمييزا لعدم إتصاله
هذا الذي ذكرناه من أن الشروط ثلاثة هو الصحيح المعروف في المذهب
ولنا وجهان شاذان باشتراط شرط رابع
أحدهما قاله صاحبالتتمة أنه يشترط أننا يزيدالقوي والضعيف على ثلاثين يوما
فإن زاد سقط التمييز
والثاني مذكور في النهاية أن الدمين إن كانا تسعين يوما فما دونها عملنا بالتمييز فإن جاوز تسعين ابتدأت حيضة أخرى بعد التسعين
وجعل دورها تسعين أبدا
وفي المعتبر في القوة والضعف وجهان
أصحهما هو قول العراقيين وغيرهم أن القوة تحصل بإحدى ثلاث خصال اللون والرائحة والثخانة
فالأسود أقوى من الأشقر
والأشقر أقوى من الأصفر ومن الأكدر إذا جعلناهما حيضا
وما له رائحة أقوى مما لا رائحة له
والثخين أقوى من الرقيق
ولو كان دمها بعضه موصوفا بصفة من الثلاث وبعضه خاليا عن جميعها فالقوي

هو الموصوف بالصفة
ولو كان للبعض صفة وللبعض صفتان فالقوي ما له صفتان
وإن كان للبعض صفتان وللبعض ثلاث فالقوي ما له الثلاث
وإن وجد لبعضه صفة ولبعضه أخرى فالقوي السابق منهما
كذا ذكره في التتمة وهو موضع تأمل
والوجه الثاني أن المعتبر في القوة اللون وحده وادعى إمام الحرمين إتفاق الأصحاب على هذا الوجه واقتصر عليه أيضا الغزالي
والصحيح عند الأصحاب الوجه الأول

فرع إذا وجدت شروط التمييز فتارة يتقدم الدم القوي وتارة الضعيف
فإن تقدم القوي نظر
فإن استمر بعده ضعيف واحد بأن رأت خمسة سوادا ثم حمرة مستمرة فحيضها السواد
والحمرة طهر وإن طال زمانها وفيه الوجهان الشاذان المتقدمان عن التتمة والنهاية وإن وجد بعده ضعيفان وأمكن جعل أولهما مع القوي حيضا بأن رأت خمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم صفرة مطبقة فطريقان
أحدهما القطع بأن القوي مع الضعيف الأول حيض
والثاني وجهان أحدهما هذا
والثاني حيضها القوي وحده فإن لم يمكن جعلهما بأن رأت خمسة سوادا ثم أحد عشر حمرة ثم صفرة مطبقة فالمذهب أن حيضها السواد
وقيل فاقدة التمييز فكأنها رأت ستة عشر أسود
أما إذا تقدم بعد القوي أضعف الضعيفين فرأت سوادا ثم صفرة ثم حمرة فإنه يبنى على ما إذا توسطت الحمرة
فإن ألحقناها بما بعده وقلنا الحيض هو السواد وحده فهنا أولى
وإن ألحقناها بالسواد فحكمها كما إذا رأت سوادا ثم حمرة ثم عاد السواد
وذلك يعلم بما ذكرناه من شروط التمييز
أما إذا تقدم الضعيف أولا فإن أمكن الجمع بين القوي وما تقدمه بأن رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم حمرة مطبقة فثلاثة أوجه
الصحيح أن الحكم للون فحيضها السواد وأما ما قبله وبعده فطهر

والثاني يجمع بينهما فحيضها السواد وما قبله
والثالث أنها فاقدة للتمييز
وإن لم يمكن الجمع بأن رأت خمسة حمرة ثم أحد عشر سوادا فإن قلنا في حالة الإمكان حيضها السواد فهنا أولى
وإن قلنا بالآخرين ففاقدة للتمييز على الصحيح المعروف
وقيل حيضها الحمرة المتقدمة مراعاة للأولية
فلو صار السواد ستة عشر ففاقدة للتمييز بالاتفاق إلا على الشاذ فإنه يقدم الأولية
وإذا فرعنا على الصحيح وهو تقديم اللون فرأت المبتدأة خمسة عشر حمرة ثم خمسة عشر سوادا تركت الصوم والصلاة في جميع الشهر
فإن زاد السواد على خمسة عشر فقد فات التمييز فيرد إلى يوم وليلة في قول وإلى ست أو سبع في القول الآخر فتترك الصلاة والصوم أيضا بعد الشهر يوما وليلة أو ستا أو سبعا
ولا يتصور مستحاضة تؤمر بترك الصلاة أحدا وثلاثين يوما أو ستة أو سبعة وثلاثين إلا هذه

فرع وإذا بلغت المرأة سن الحيض فرأت دما لزمها ترك الصوم والصلاة
والوطء بمجرد رؤية الدم على الصحيح
وقيل لا يترك الصوم والصلاة حتى ترى الدم يوما وليلة
فعلى الصحيح لو انقطع لدون يوم وليلة بان أنه ليس حيضا فتقضي الصلاة
واعلم أن المبتدئة المميزة لا تشتغل بالصوم والصلاة عند انقلاب الدم من القوة إلى الضعف لاحتمال انقطاع الضعيف قبل مجاوزة خمسة عشر فيكون الجميع حيضا فتتربص إلى انقضاء الخمسة عشر
فإن انقضت والدم مستمر عرفنا أنها مستحاضة فتقضي صلوات ما زاد على الدم القوي
هذا حكم الشهر الأول
وأما الثاني وما بعده فبانقلاب الدم تغتسل وتصلي وتصوم ولا يخرج ذلك على

الخلاف في ثبوت العادة بمرة فلو اتفق الشفاء في بعض الأدوار فانقطع الدم قبل مجاوزة الخمسة عشر فالضعيف حيض مع القوي كالشهر الأول
وسواء في كون جميعه حيضا إذا لم يجاوز وتقدم الضعيف أو القوي على الصحيح المعروف
وعلى الشاذ إن تقدم القوي فالجميع حيض وإن تقدم الضعيف وبعده قوي وحده أو قوي ثم ضعيف آخر كمن رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم خمسة حمرة فحيضها في الصورة الأولى السواد
وفي الثانية السواد وما بعده

فرع مفهوم كلام الأصحاب وما صرح به إمام الحرمين أن المراد بانقلاب
الدم القوي ضعيفا أن تتمحض ضعيفا حتى لو بقيت خطوط من السواد وظهرت خطوط من الحمرة لا ينقطع حكم الحيض وإنما ينقطع إذا لم يبق شىء من السواد أصلا
المستحاضة الثانية مبتدأة لا تمييز لها بأن يكون جميع دمها بصفة واحدة أو يكون قويا وضعيفا وفقد شرط من شروط التمييز فينظر فيها فإن لم تعرف وقت ابتداء الدم فحكمها حكم المتحيرة ويأتي بيانه إن شاء الله تعالى وإن عرفته فقولان
أظهرهما تحيض يوما وليلة والثاني ستا أو سبعا وعلى هذا في الست أو السبع وجهان
أحدهما للتخيير فتحيض إن شاءت ستا وإن شاءت سبعا وأصحهما ليس للتخيير بل إن كانت عادة النساء ستا تحيضت ستا وإن كانت سبعا فسبعا
وفي النساء المعتبرات أوجه
أصحها نساء عشيرتها من الأبوين
فإن لم يكن عشيرة فنساء بلدها
والثاني نساء العصبات خاصة
والثالث نساء بلدها وناحيتها فإن كانت المعتبرات يحضن كلهن ستا أو سبعا أخذت به

وإن نقصت عادتهن كلهن عن ست أو زادت على سبع فوجهان
أصحهما ترد إلى ست في صورة النقص وسبع في الزيادة
والثاني ترد إلى عادتهن
ولو اختلفت عادتهن فحاض بعضهن ستا وبعضهن سبعا ردت إلى الأغلب
فإن استوى البعضان أو حاض بعضهن دون ست وبعضهن فوق سبع ردت إلى الست
هذا بيان مردها في الحيض
أما الطهر فإن قلنا ترد في الحيض إلى غالبه فكذا في الطهر فترد إلى ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين
وإن رددناها في الحيض إلى الأقل فالصحيح أن طهرها تسع وعشرون تتمة
والثاني أنه ثلاث وعشرون أو أربع وعشرون وقيل على هذا يتعين الأربع والعشرون
والصواب المعروف ترديده بين الأربع والعشرين والثلاث والعشرين كما ذكرنا
والثالث وهو نص غريب للشافعي رحمه الله أنه أقل الطهر
فعلى هذا دورها ستة عشر وهو شاذ ضعيف
واعلم أن ابتداء مردها في الحيض في حين رأت الدم سواء كان بصفة واحدة أم متميزا فقد منه شرط التمييز
ولنا وجه ضعيف عن ابن سريج رحمه الله أنه إذا ابتدأ الضعيف وجاوز القوي بعده أكثر الحيض فابتداء حيضها من أول القوي

فرع غير المميزة كالمميزة في ترك الصوم والصلاة في الشهر الأول إلى
إلى أقل الحيض قضت صلوات أربعة عشر يوما وإن رددناها إلى الست أو السبع قضت صلوات تسعة أيام أو ثمانية
وأما الشهر الثاني وما بعده فإن وجدت فيه تمييزا بشرطه قبل تمام المرد أو بعده فهي في ذلك الدور مبتدأة مميزة
وإن استمر فقد التمييز وجب عند مجاوزة المرد الغسل والصوم والصلاة
فإن شفيت في بعض الشهور قبل مجاوزة خمسة عشر بان أنها غير مستحاضة في ذلك

الشهر وجميع دمها فيه حيض فتقضي ما صامته في أيام الدم
وتبينا أن غسلها لم يصح ولا تأثم بالصوم والصلاة والوطء فيما وراء المرد وإن كان قد وقع في الحيض لجهلها
وإن لم تشف فهل يلزمها الاحتياط فيما وراء المرد إلى تمام خمسة عشر أم تكون طاهرا كسائر المستحاضات الطاهرات قولان
أظهرهما الثاني
فإن قلنا تحتاط لم تحل للزوج إلا بعد خمسة عشر ولا تقضي في هذه المدة فوائت الصوم والصلاة والطواف
ويلزمها أداء الصوم والصلاة والغسل لكل صلاة وتقضي الصوم كله ولا تقضي الصلاة
وإذا قلنا لا تحتاط صامت وصلت ولا تقضيهما ولا غسل عليها ولها قضاء الفوائت
ويباح وطؤها
المستحاضة الثالثة المعتادة غير المميزة فترد إلى عادتها
ولها حالان
أحدهما أن لا تختلف عادتها فإن تكررت عادت حيضها وطهرها مرارا ردت إليها في قدر الحيض والطهر ووقتها
والصحيح أنه لا فرق بين أن تكون عادتها أن تحيض أياما من كل شهر أو من كل سنة وأكثر
وقيل لا يجوز أن يزيد الدور على تسعين يوما وسنعيد المسألة في النفاس إن شاء الله تعالى
وإن لم تتكرر
فالأصح أن العادة تثبت بمرة
والثاني لا بد من مرتين
والثالث لا بد من ثلاث مرات
فلو كانت تحيض خمسا فحاضت في شهر ستا ثم استحيضت بعده فإن اثبتنا العادة بمرة ردت إلى الست وإلا فإلى الخمس
ثم المعتادة في الشهر الأول من شهور استحاضتها تتربص كالمبتدأة لجواز انقطاع دمها على خمسة عشر فإن جاوزها قضت صلوات ما وراء العادة
وأما الشهر الثاني وما بعده فتغتسل وتصلي وتصوم عند مضي العادة
ولا يجيء هنا قول الاحتياط المتقدم في المبتدأة لقوة العادة

الحال الثاني أن تختلف عادتها ولها صور
منها أن تستمر لها عادات مختلفة منتظمة بأن كانت تحيض في شهر ثلاثة ثم في شهر خمسة وفي شهر سبعة ثم في الرابع ثلاثة ثم في الخامس خمسة وفي السادس سبعة وهكذا أبدا فهل ترد بعد الاستحاضة إلى هذه العادة وجهان
أصحهما ترد ويجري الوجهان سواء كانت عادتها منتظمة على هذا الترتيب أم على ترتيب آخر بأن كانت ترى خمسة ثم ثلاثة ثم سبعا ثم تعود الخمسة
وسواء رأت كل قدر مرة كما ذكرنا أم مرتين بأن ترى في شهرين ثلاثة ثلاثة
وفي شهرين بعدهما خمسة خمسة وفي شهرين بعدهما سبعة سبعة
ثم محل الوجهين إذا تكررت العادة الدائرة
فأما إذا رأت الاقدار الثلاثة في ثلاثة أدوار ثم استحيضت في الرابع فلا خلاف أنها لا ترد إلى الأقدار لأنا إن أثبتنا العادة بمرة فالأخير ينسخ ما قبله وإن لم نثبتها بمرة فلأنه لم تتكرر الأقدار لتصير عادة ولهذا قال الأئمة أقل ما تستقيم فيه العادة في المثال المذكور ستة أشهر فإن رأت هذه الأقدار مرتين فأقله سنة
ثم إذا قلنا ترد إلى هذه العادة فاستحضيت عقب شهر الثلاثة ردت في أول شهور الإستحاضة إلى الخمسة
وفي الثاني إلى السبعة
وفي الثالث إلى الثلاثة
وإن استحيضت بعد شهر الخمسة ردت إلى السبعة ثم الثلاثة ثم الخمسة
وإن استحيضت بعد شهر السبعة ردت إلى الثلاثة ثم الخمسة ثم السبعة
وإن قلنا لا ترد إليها فقد ذكر الغزالي ثلاثة أوجه
أحدها ترد إلى ما قبل الاستحاضة أبدا
والثاني إلى القدر المشترك بين الحيضتين السابقتين للاستحاضة
فإن استحيضت بعد شهر الخمسة ردت إلى الثلاثة
والثالث أنها كالمبتدأة
ولم أر هذه الأوجه بعد البحث لغيره ولا لشيخه بل المذهب والذي عليه الأصحاب في كل الطرق أنها ترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة
وعلى هذا هل يجب عليها

الاحتياط فيما بين أقل العادات وأكثرها وجهان
أصحهما لا
كصاحبة العادة الواحدة فإنها لا تحتاط بعد المرد
والثاني يجب
فعلى هذا يجتنبها الزوج في المثال المذكور إلى انقضاء السبعة
ثم إن استحيضت بعد شهر الثلاثة تحيضت من كل شهر ثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي وتصوم
وتغتسل مرة أخرى في آخر الخمسة ومرة أخرى في آخر السبعة
وتقضي صوم السبعة دون صلاتها
وإن استحيضت بعد شهر الخمسة تحيضت من كل شهر خمسة
ثم تغتسل وتصلي وتصوم وتغتسل مرة أخرى في آخر السابع وتقضي صوم السبعة وتقضي صلوات اليوم الرابع والخامس لاحتمال عدم الحيض فيهما ولم تصل فيهما
وإن استحيضت بعد شهر السبعة تحيضت من كل شهر سبعة واغتسلت في آخر السابع وقضت صيام السبعة وصلوات الرابع والخامس والسادس والسابع
هذا كله إذا ذكرت العادة المتقدمة
فإن نسيتها تحيضت من كل شهر ثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي وتصوم ثم تغتسل في آخر الخامس وآخر السابع
وتتوضأ فيما بينهما لكل فريضة
سواء قلنا ترد إلى العادة الدائرة أم لا هذا مقتضى كلام الأصحاب
وقال امام الحرمين هذا مخصوص بقولنا ترد إلى الدائرة
فأما إن قلنا ترد إلى ما قبل الاستحاضة فقيل هنا ترد إلى أقل العادات
وقيل هي كمبتدأة
وقد تقدم قولان في أمرها بالاحتياط إلى آخر الخمسة عشر
الصورة الثانية
أن لا تكون تلك العادات منتظمة
بل تتقدم هذه مرة وهذه مرة
فقال إمام الحرمين والغزالي إن لم نردها في حال الانتظام إلى العادة الدائرة فهنا أولى وترد

إلى ما تقدم على الاستحاضة
وإن رددنا المنتظمة إلى الدائرة فغير المنتظمة كناسية النوبة المتقدمة فتحتاط كما سبق
وذكر غيرهما أوجها أصحها الرد إلى ما تقدم في الاستحاضة بناء على ثبوت العادة بمرة
والثاني ترد إلى المتقدم إن تكرر مرتين أو ثلاثة وإلا فإلى الأقل
والثالث أنها كالمبتدأة
فإن قلنا بالأصح أو الثاني احتاطت إلى آخر أكثر العادات
وإن قلنا كالمبتدأة ففي الاحتياط إلى آخر الخامس عشر الخلاف المذكور في المبتدأة
هذا إذا عرفت القدر المتقدم على الاستحاضة فإن نسيته فوجهان
قال الأكثرون ترد إلى أكثر العادات
وقيل كالمبتدأة فعلى الثاني في الاحتياط الخلاف المذكور في المبتدأة فعلى الأول يجب الاحتياط إلى آخر أكثر العادات
وقيل يستحب ولا يجب فحصل من المجموع خلاف في أنها هل تحتاط في الحال الثاني سواء عرفت القدر المتقدم أم نسيته وإذا احتاطت فإلى آخر الخمسة عشر أو آخر المقادير فيه
وفي حالة الانتظام سواء نسيت أو علمت الخلاف
لكن الصحيح عند العلم في حالة الانتظام أنها لا تحتاط
والصحيح عند النسيان
وفي حالة عدم الانتظام أنها تحتاط لكن إلى آخر الأقدار لا إلى تمام الخمسة عشر
هذا كله حكم العادة المختلفة الدائرة
ومن المختلفة أن يكون في المتقدم من عادتها اختلاف قدر أو وقت
وتسمى المتنقلة
فمن صورها لو كانت تحيض أول كل شهر خمسة وتطهر باقيه فحاضت في دور أربعة من الخمسة ثم استحيضت فإن أثبتنا العادة بمرة رددناها إلى ما قبل الاستحاضة وإلا فإلى العادة القديمة
ولو كانت المسألة بحالها فرأت في دور ستة وفي دور بعده سبعة ثم استحيضت فإن أثبتنا العادة بمرة رددناها إلى السبعة
وإن لم نثبتها إلا بثلاث مرات رددناها إلى الخمسة
وإن أثبتناها بمرتين فالأصح ترد إلى الستة
والثاني إلى الخمسة
ولو كانت بحالها فحاضت في دور الخمسة الثانية فقد تغير وقت حيضها وصار دورها المتقدم على هذه الخمسة خمسة وثلاثين خمسة حيض والباقي طهر
فإن تكرر هذا بأن حاضت في الدور الآخر الخمسة الثالثة هكذا مرارا ثم استحيضت ردت إليه فتحيض من أول الدم الدائم

الخمسة وتطهر ثلاثين وهكذا أبدا
وإن لم يتكرر بل استمر الدم في الدور الأول من الخمسة الثانية فوجهان
قال أبو إسحق لا تحيض في هذا الشهر فإذا جاء الشهر الثاني ابتدأت منه دورها القديم حيضا وطهرا
والصحيح قول الجمهور أنا نحيضها خمسة من ابتداء الدم المبتدىء من الخمسة الثانية ثم إن اثبتنا العادة بمرة حكمنا بالطهر ثلاثين وأقمنا عليه الدور أبدا
وإن لم نثبتها بمرة فوجهان
أصحهما أن خمسة وعشرين بعدها طهر لأنه المتكرر
والثاني أن طهرها باقي الشهر لا غير وتحيض الخمسة الأولى من الشهر الثاني وتراعي عادتها القديمة قدرا ووقتا
ولو رأت الخمسة الثانية دما وانقطع وطهرت بقية الشهر وعاد الدم في أول الشهر فقد صار دورها خمسة وعشرين فإن تكرر ذلك بأن رأت الخمسة الأولى من الشهر بعده دما وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت ردت إليه
وإن لم يتكرر بأن رأت الخمسة الأولى فاستمر فالخمسة الأولى حيض بلا خلاف
وأما الطهر فإن أثبتنا العادة بمرة فهو عشرون وإلا فخمسة وعشرون
ولو كانت بحالها فطهرت بعد خمستها المعهودة عشرين وعاد الدم في الخمسة الأخيرة فقد تغير وقت حيضها بالتقدم وصار دورها خمسة وعشرين فإن تكرر الدور بأن رأت الخمسة الأخيرة دما وانقطع وطهرت عشرين وهكذا مرارا ثم استحيضت ردت إليه
وإن لم يتكرر بل استمر الدم العائد فأربعة أوجه في هذا ونظائره
أصحها تحيض خمسة من أوله وتطهر عشرين وهكذا أبدا
والثاني تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين
والثالث تحيض عشرة منه وتطهر خمسة وعشرين ثم تحافظ على الدور القديم والرابع أن الخمسة الأخيرة استحاضة
وتحيض من أول الشهر خمسة وتطهر خمسة وعشرين على عادتها القديمة
ولو كانت بحالها وحاضت خمستها وطهرت أربعة عشر يوما ثم عاد الدم واستمر فأربعة أوجه
أصحها أن يوما من أول الدم العائد

استحاضة تكميلا للطهر
وخمسة بعده حيض وخمسة عشر طهر وصار دورها عشرين
والثاني أن اليوم الأول استحاضة والعشرة الباقية من الشهر مع خمسة من الشهر بعده حيض ثم تطهر خمسة وعشرين وتحافظ على دورها القديم
والثالث أن اليوم الأول استحاضة وبعده خمسة حيض وعشرون طهر وهكذا أبدا
والرابع جميع الدم العائد إلى آخر الشهر استحاضة
وتفتتح من أول الشهر دورها القديم
المستحاضة الرابعة المعتادة الذاكرة المميزة
إن اتفقت عادتها والتمييز بأن كانت تحيض خمسة من أول الشهر وتطهر باقيه فاستحيضت ورأت خمسها سوادا وباقي الشهر حمرة فحيضها تلك الخمسة
وإن لم تتوافق العادة والتمييز ولم يتخلل بينهما أقل الطهر بأن كانت تحيض خمسة فرأت في دور عشرة سوادا ثم حمرة مستمرة فثلاثة أوجه
أصحها تعمل بالتمييز فحيضها العشرة
والثاني بالعادة فحيضها خمسة من أوله
والثالث إن أمكن الجمع بينهما عمل بالدلالتين وإلا سقطتا وكانت كمبتدأة لا تمييز لها وفيها القولان
مثال إمكان الجمع ما ذكرنا من عشرة السواد
وعدم إمكانه بأن ترى خمستها حمرة وأحد عشر عقبها سوادا
أما إذا تخلل بينهما أقل الطهر بأن رأت عشرين فصاعدا دما ضعيفا ثم خمسة قويا ثم ضعيفا وعادتها القديمة خمسة فقدر العادة حيض للعادة والقوي حيض آخر لأن بينهما طهرا كاملا
هذا هو الصحيح
ومنهم من بنى هذه الصورة على السابقة فقال إن قدمنا التمييز فحيضها خمسة السواد وطهرها المتقدم عليه خمسة وأربعون وصار دورها خمسين
وإن قدمنا العادة فحيضها من أول الشهر خمسة
وبعدها عشرون طهرا
وإن جمعنا فحيضها الخمسة الأولى بالعادة وخمسة السواد بالتمييز

فرع العادة التي ترد إليها المعتادة ليس من شرطها أن تكون
حيض وطهر صحيحين بلا استحاضة بل قد تكون كذلك وقد تكون مستفادة من التمييز بأن ترى المبتدأة خمسة سوادا ثم خمسة وعشرين حمرة وهكذا مرارا ثم يستمر السواد والحمرة في بعض الشهور فقد عرفنا أن عادتها خمسة من أول كل شهر فترد إليه على الصحيح المعروف
وعلى الشاذ هي كمبتدأة غير مميزج
ولو كانت بحالها فرأت في بعض الأدوار عشرة سوادا وباقي الشهر حمرة ثم استمر السواد في الذي بعده فقال الأئمة فحيضها عشرة السواد ومردها بعد ذلك عشرة
ولو اعتادت خمسة سوادا ثم استمر الدم ثم رأت في بعض الأدوار عشرة ردت في ذلك الدور إلى العشرة
وفي هاتين الصورتين إشكالان
أحدهما أن الصورة الثانية ينبغي أن تخرج على الخلاف في اجتماع العادة والتمييز
والثاني أن ردها إلى العشرة في الصورة الأولى طاهر إذا أثبتنا العادة بمرة وإلا فينبغي ألا تكتفق بسبق العشرة مرة
قال الغزالي في الجواب عن هذا هذه عادة تمييزية فتنسخها مرة فلا يجري فيها الخلاف كغير المستحاضة إذا تغيرت عادتها القديمة مرة فإنا نحكم بالحالة الناجزة
وللمعترض أن يقول لم اختص الخلاف بغير التمييزية
قلت قد نقل الخلاف في هذه الصورة وتخريجها على الخلاف في ثبوت العادة بمرة جماعة كثيرة
منهم القاضي أبو الطيب والمحاملي والسرخسي والشيخ أبو الفتح المقدسي وصاحب البيان وغيرهم
وقد أوضحت ذلك في شرح

المهذب ونقلت فيه عباراتهم
وعجب من الإمام الرافعي كونه لم يذكر هذا الخلاف
والله أعلم

فصل في الصفرة والكدرة
الصفرة شىء كالصديد تعلوه صفرة
والكدرة شىء كدر
وليسا على لون الدماء وهما حيض في أيام العادة بلا خلاف
وفي غيرها أوجه
الصحيح أن لها حكم السواد
والثاني ليس لها حكمه
والثالث إن سبق دم قوي من سواد أو حمرة فالصفرة والكدرة بعده حيض وإلا فلا
والرابع إن سبقهما دم قوي وتعقبهما قوي فهما حيض وإلا فلا
وعلى الثالث والرابع يكفي في تقدم القوي وتأخره أي قدر مكان ولو لحظة على الأصح
وقيل لا بد من يوم وليلة
والمبتدأة في مردها على القولين الأقل والغالب إذا رأت الصفرة والكدرة كالمعتادة فيما وراء العادة على الصحيح الذي قطع به الجمهور
وقيل كأيام العادة
البالب الثالث في المستحاضة المعتادة الناسية الناسية ضربان مميزة وغيرها
فالمميزة ترد إلى التمييز على الصحيح
وعلى الثاني هي كغير مميزة أما غير المميزة فلها أحوال

الأول أن تنسى عادتها قدرا ووقتا لغفلة أو علة أو جنون ونحو ذلك وتسمى المتحيرة والمحيرة وفي حكمها طريقان
جحدهما أنها مأمورة بالاحتياط
والثاني على قولين
المشهور الاحتياط
والثاني أنها كالمبتدأة فيكون فيما ترد إليها القولان إلى يوم وليلة
والثاني ست أو سبع
وقيل ترد على هذا القول إلى يوم وليلة قطعا
وعلى هذا القول ابتداء حيضها أول الهلال حتى لو أفاقت المجنونة في أثناء الشهر الهلالي كان باقي الشهر استحاضة
هذا هو المعروف وقول الجمهور تفريعا على هذا القول
وقال القفال ابتداء حيضها من وقت الإفاقة
قال الأئمة قول القفال ضعيف لاحتمال الإفاقة في الحيض
وكذا قول الجمهور ضعيف لأن تعيين أول الهلال تحكم
وهذا مما ضعف به أصل هذا القول
وعلى هذا القول في أمرها بالاحتياط في انقضاء المرد إلى آخر الخمسة عشر القولان في المبتدأة
ومتى أطلقنا الشهر في مسائل المستحاضات أردنا به ثلاثين يوما
سواء كان ابتداؤه من أول الهلال أم لا
ولا نعني به الشهر الهلالي إلا في هذا الموضع
وأما قول الاحتياط وهو المعمول به وعليه التفريع فيجب الاحتياط في ستة أشياء
الأول يحرم وطؤها أبدا على الصحيح
وقيل يباح للضرورة
فعلى الصحيح لو وطىء فلا كفارة قطعا
والاستمتاع بغير الوطء لها فيه حكم الحائض
الثاني يحرم عليها مس المصحف والقراءة خارج الصلاة إذا حرمناها على الحائض
ولا تحرم في الصلاة الفاتحة ولا تحرم السورة أيضا على الأصح
وحكمها في دخول المسجد حكم الحائض
الثالث يجب عليها الصلوات الخمس أبدا ولا تحرم النوافل على الأصح وقيل تحرم
وقيل يحرم غير الراتبة
ويجري الخلاف في نفل الصوم والطواف
ويجب الغسل لكل فريضة ويشترط وقوعه في الوقت
وفي وجه شاذ يجوز غسلها قبل الوقت إذا انطبق أول الصلاة على أول الوقت وآخر الغسل ويلزمها المبادرة بالصلاة عقب الغسل على وجه
والأصح أنها لا تلزم
لكن إن أخرت

لزمها لتلك الصلاة وضوء آخر إذا لم نجوز للمستحاضة تأخير الصلاة عن الطهارة
الرابع يجب عليها صوم جميع شهر رمضان ويحسب لها منه خمسة عشر يوما على المنصوص وقول طائفة من الأصحاب
وأربعة عشر على قول أكثرهم
وتأولوا النص على ما إذا علمت أن دمها كان ينقطع في الليل فإن نقص الشهر حصل على الأول أربعة عشر وعلى الثاني ثلاثة عشر وقال صاحب المهذب تحصل أربعة عشر ووافقه صاحب البيان وهو غلط
قلت لم يغلط صاحب المهذب بل كلامه محمول على شهر تام
وقد أوضحته في شرح المهذب
والله أعلم
أما الصلوات الخمس إذا أدتها فوجهان
أحدهما لا يجب قضاؤها والصحيح عند الجمهور وجوب القضاء
وقطع به بعضهم فعلى هذا تغتسل في أول وقت الصبح وتصليها ثم بعد طلوع الشمس تغتسل وتعيدها
ولا يشترط البدار بالإعادة بعد خروج الوقت بل متى أعادتها قبل انقضاء خمسة عشر يوما من أول الصبح أجزأها ولا يشترط تأخير جميع الصلاة الثانية عن الوقت
بل لو وقع بعضها في آخر الوقت جاز بشرط أن يكون دون تكبيرة إذا قلنا تلزم الصلاة بإدراك تكبيرة
أو دون ركعة إذا قلنا لا تلزم إلا بإدراك ركعة لأنه إن فرض الانقطاع قبل الثانية فقد اغتسلت وصلتها والانقطاع لا يتكرر وإن فرض في أثنائها
ولا شىء عليها كذا قاله إمام الحرمين لك أن تقول أشكالا
المرة الثانية يتقدمها الغسل فإذا وقع بعضها في الوقت والغسل سابق جاز أن يقع الانقطاع في أثناء الغسل ويكون الباقي من وقت الصلاة من حينئذ قدر ركعة
أو تكبيرة فيجب أن ينظر إلى زمن الغسل سوى الجزء الأول منه
وإلى الجزء الواقع من الصلاة في الوقت
ويقال إن كان ذاك دون ما يلزم به الصلاة جاز وإلا فلا ولا يقتصر النظر على جزء الصلاة
ومعلوم أنه

لا يمكن أن يكون ذلك دون تكبيرة ويبعد أن يكون دون ركعة
هذا الكلام في الصبح
وأما العصر والعشاء فيصليهما مرتين كذلك
وأما الظهر فلا يكفي وقوعها المرة الثانية في أول وقت العصر ولا وقوع المغرب في أول وقت العشاء لاحتمال انقطاع الحيض في الوقت المفروض فيلزم الظهر مع العصر أو المغرب مع العشاء فيجب إعادة الظهر في الوقت الذي يجوز إعادة العصر فيه
وهو بعد ذهاب وقت العصر وتعيد المغرب بعد ذهاب وقت العشاء
ثم إذا أعادت الظهر والعصر بعد المغرب نظر إن قدمتهما على أداء المغرب فعليها أن تغتسل للظهر وتتوضأ للعصر وتغتسل للمغرب
وإنما كفى للظهر والعصر غسل لأن دمها إن انقطع قبل الغروب فقد اغتسلت بعده
وإن انقطع بعد الغروب فليس عليها ظهر ولا عصر
وإنما لزمها إعادة الغسل للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر أو العصر أو عقبيهما
وهكذا الحكم إذا قضت المغرب والعشاء قبل أداء الصبح بعد طلوع الفجر
وحينئذ تكون مصلية الصلوات الخمس مرتين بثمانية أغسال ووضوءين
وإن أخرت الظهر والعصر عن أداء المغرب اغتسلت للمغرب وكفاها ذلك للظهر والعصر لأنه إن انقطع حيضها قبل الغروب لم تعد إلى إتمام مدة الطهر
وإن انقطع بعده لم يكن عليها ظهر ولا عصر لكن تتوضأ لكل واحدة منهما كسائر المستحاضات
وكذا القول في المغرب والعشاء إذا أخرتهما عن الصبح
وحينئذ تكون مصلية الخمس مرتين
بالغسل ستا وبالوضوء أربعا
ثم بالطريق الثاني تخرج عن عهدة الصلوات الخمس
وأما بالطريق الأول فقد أخرت المغرب والصبح عن أول وقتهما لتقديمها القضاء عليهما فتخرج عن عهدة ما عداهما وأما هما فقد قال في النهاية إذا أخرت الصلوات عن أول الوقت حتى مضى ما يسع الغسل فتلك الصلاة لم يكف فعلها مرة أخرى في آخر الوقت أو بعده على التصوير السابق
لاحتمال طهرها في أول الوقت ثم حدوث الحيض فتجب الصلاة وتكون

المرتان واقعتين في الحيض
بل تحتاج إلى فعلها مرتين أخريين بغسلين
ويشترط أن تكون إحداهما بعد انقضاء وقت الرفاهية
والضرورة قبل تمام خمسة عشر يوما من افتتاح الصلاة المرة الأولى
وتكون الثانية في أول السادس عشر من آخر الصلاة المرة الأولى فتخرج عن العهدة بيقين
ومع هذا كله لو اقتصرت على أداء الصلوات في أوائل أوقاتها ولم تقض شيئا حتى مضت خمسة عشر يوما أو مضى شهر لم يجب عليها لكل خمسة عشر وإلا قضاء صلوات يوم وليلة
لأن القضاء لا يجب إلا لاحتمال الانقطاع ولا يتصور الانقطاع في الخمسة عشر إلا مرة
ويجوز أن يجب به قضاء صلاتي جمع وهما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء
فإذا أشكل الحال أوجبنا قضاء يوم وليلة كمن نسي صلاة أو صلاتين من خمس
ولو كانت تصلي في أوساط الأوقات لزمها أن تقضي للخمسة عشر صلوات يومين وليلتين لجواز أن يطرأ الحيض في وسط صلاة فيبطل وينقطع في وسط أخرى فيجب
ويجوز أن يكونا مثلين
ومن فاتته صلاتان متماثلتان لم تعرف عينهما لزمه صلوات يومين وليلتين بخلاف ما إذا كانت تصلي في أول الوقت فإنه لو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصلاة لم يجب لأنها لم تدرك من الوقت ما يسعها
الخامس إذا أرادت قضاء صوم يوم فأقل ما يحصل بصيام ثلاثة فتصوم يوما وتفطر يوما وتصوم الثالث ثم السابع عشر
ولا يتعين الثالث للصوم الثاني
ولا السابع عشر للصوم الثالث
بل لها أن تصوم بدل الثالث يوما بعده إلى آخر الخامس عشر
وبدل السابع عشر يوما بعده إلى آخر تسعة وعشرين يوما
ولكن الشرط أن يكون المخلف من أول السادس عشر مثل ما بين صومها الأول والثاني أو أقل منه
فلو صامت الأول

والثالث والثامن عشر لم يجز لأن المخلف من أول السادس عشر يومان
وليس بين الصومين الأولين إلا يوم
فلو صامت الأول والرابع والثامن عشر أو السابع عشر جاز
ولو صامت الأول والخامس عشر فقد تخلل بين الصومين ثلاثة عشر فلها أن تصوم التاسع والعشرين ولها أن تصوم يوما قبله غير السادس عشر
ولنا وجه شاذ أن يكفيها في صوم اليوم أن تصوم يومين بينهما أربعة عشر
وحكي هذا عن نص الشافعي رحمه الله وهو قول من قال يحسب لها من رمضان خمسة عشر
وقطع الجماهير بأنه لا يكفي اليومان لاحتمال ابتداء الحيض في اليوم الأول وانقطاعه في السادس عشر
وتأولوا النص على ما إذا علمت الابتداء والانقطاع في الليل
أما إذا أرادت قضاء أكثر من يوم فتضعف ما عليها وتزيد يومين فتصوم نصف الجموع متواليا متى شاءت وتصوم النصف الآخر من أول السادس عشر
فإذا أرادت يومين صامت ثلاثة متوالية متى شاءت
ثم أفطرت تمام خمسة عشر ثم صامت السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر
وإن أرادت ثلاثة صامت أربعة ثم أربعة أولها السادس عشر
وإن أرادت أربعة عشر صامت الشهر كله
ولو أنها صامت ما عليها على الولاء متى شاءت من غير زيادة وأعادته من أول السابع عشر وصامت بينهما يومين مجتمعين أو متفرقين إما متصلين بالصوم الأول أو الثاني وإما غير متصلين لخرجت من العهدة
هذا كله في قضاء الصوم الذي لا تتابع فيه وأما المتتابع بنذر أو غيره
فإن كان قدرا يقع في شهر صامت على الولاء ثم صامت مرة أخرى من السابع عشر
مثاله عليها يومان متتابعان
تصوم يومين وتصوم السابع عشر والثامن عشر وتصوم بينهما يومين متتابعين
فإن كان عليها شهران متتابعان صامت مائة وأربعين يوما متوالية
أما إذا أرادت تحصيل صلاة فائتة أو منذورة فإن كانت واحدة صلتها بغسل متى شاءت ثم أمهلت زمانا يسع الغسل وتلك الصلاة ثم تعيدها

بغسل آخر بحيث تقع في خمسة عشر من أول الصلاة الأولى
وتمهل من أول السادس عشر قدر الإمهال الأول ثم تعيدها بغسل آخر قبل تمام شهر من المرة الأولى
ويشترط أن لا يؤخر الثالثة عن أول السادس عشر أكثر من الزمان المتخلل بين آخر المرة الأولى وأول الثانية كما ذكرنا في الصوم
وإن أرادت صلوات
فلها طريقان
أحدهما أن تنزلها منزلة الصلاة الواحدة فتصليها متوالية ثلاث مرات كما ذكرنا في الواحدة
وتغتسل في كل مرة للصلاة الأولى وتتوضأ لكل واحدة بعدها
وسواء اتفقت الصلوات أو اختلفت
والطريق الثاني ينظر ما عليها إن لم تختلف ضعفته وزادت صلاتين وصلت نصف الجملة متواليا
ثم النصف الآخر من أول السادس عشر من أول الشروع في النصف الأول
مثاله عليها خمس صلوات صبح تضعفها وتزيد صلاتين فتصلي ستا متى شاءت وستا أول السادس عشر
وإن كان العدد مختلفا صلت ما عليها بأنواعه متواليا متى شاءت ثم صلت صلاتين من كل نوع مما عليها بشرط أن يقعا في خمسة عشر يوما من أول الشروع
وتمهل من أول السادس عشر زمانا يسع الصلاة المفتتح بها ثم تعيد ما عليها على ترتيب فعلها في المرة الأولى
مثاله عليها ظهران وثلاث أصباح تصلي الخمس متى شاءت ثم تصلي بعدها في الخمسة عشر صبحين وظهرين وتمهل من السادس عشر ما يسع صبحا ثم تعيد الخمس كما فعلت أولا
وفي هذا الطريق تفتقر لكل صلاة إلى غسل بخلاف الطريق الأول
وأما الطواف فكالصلاة واحدا كان أو عددا ويصلي مع كل طواف ركعتيه ويكفي غسل واحد للطواف وركعتيه إن لم نوجب الركعتين
فإن أوجبناهما فالأصح أنه يجب وضوء للركعتين بعد الطواف
والثاني يجب غسل آخر لهما
والثالث لا يجب شىء

السادس في عدة المتحيرة
الصواب الذي عليه الجماهير أن عدتها ثلاثة أشهر في الحال
وفي وجه شاذ تقعد إلى سن اليأس ثم تعتد بالأشهر

فرع اعلم أن إمام الحرمين مال إلى رد المتحيرة إلى مرد المبتدأة
في قدر الحيض وإن لم نجعل الهلال ابتداء دورها
ومما استشهد به مسألة عدتها فإنها تدل على تقريب أمرها من المبتدأة في عدد الحيض والطهر
وهذا توسط بين القول الضعيف والاحتياط التام
وفيه تخفيق أمرها في المحسوب من رمضان فإن غاية حيضها على هذا سبعة يفسد به ثمانية فيحصل لها من شهر رمضان الكامل اثنان وعشرون يوما
وكذا قضاء الصوم والصلاة فيكفيها على هذا إذا أرادت صوم يوم أن تصوم يومين بينهما سبعة
لكن الذي عليه الجمهور ما تقدم
قلت قد أتقن الامام الرافعي رحمه الله باب المتحيرة ولخص مقاصده في أوراق قليلة
وقد بسطت أنا في شرح المهذب جميع مسائله
وذكرت في عدتها طريقة أخرى اختارها الدارمي فيها إنكار على الأصحاب في المذكور هنا
وكذا في صومها المتتابع وكذا في غير المتتابع
ومن جملة ذلك أن من عليها صوم يومين يحصل لها ذلك بصيام خمسة أيام
فتصوم الأول والثالث والسابع عشر والتاسع عشر
وتخلي الرابع والسادس عشر يبقى بينهما أحد عشر يوما
تصوم منها يوما أيها شاءت
ثم بسط تفريع ذلك وتقسيمه
وعلى زوج المتحيرة نفقتها
ولا خيار له في فسخ نكاحها لأن جماعها متوقع
بخلاف الرتقاء
ولا تصح صلاة طاهرة خلف متحيرة ولا صلاة متحيرة خلف

متحيرة على الصحيح
ولا يلزمها الكفارة بالجماع في نهار شهر رمضان على الصحيح إن قلنا يجب على المرأة ولا فدية عليها إذا أفطرت لإرضاع على الصحيح إن أوجبناها على غيرها
ولا يصح جمعها بين الصلاتين بالسفر أو المطر في وقت الأولى
وإذا وجب عليها صوم يوم فشرعت في الصيام على التفصيل المتقدم فصامت يوما شكت بعد فراغها منه هل نوت صومه أم لا حكم بصحته على الصحيح لأنه شك بعد الفراغ
وعلى الثاني لا يصح
لأن هذا الصيام كيوم واحد
فصار كالشك في أثنائه
والله أعلم
الحال الثاني للناسية أن تحفظ زمن عادتها وضابطه أن كل زمن تيقن فيه الحيض ثبت فيه أحكام الحيض كلها
وكل زمن تيقن فيه الطهر ثبت في حكم الطهر
لكن بها حدث دائم وكل زمن يحتمل الحيض والطهر فهي في الاستمتاع كالحائض
وفي لزوم العبادات كالطاهر
ثم إن كان ذلك الزمن محتملا للانقطاع وجب الغسل لكل فريضة ووجب الاحتياط على ما يقتضيه الحال
فإذا عينت ثلاثين يوما وقالت كان حيضي يبتدىء لأولها وكذا كل ثلاثين بعدها فيوم وليلة من أول الثلاثين حيض بيقين
وبعده يحتمل الحيض والطهر
والانقطاع إلى آخر الخمسة عشر وبعده إلى آخر الشهر طهر بيقين
وكذا الحكم في كل ثلاثين والمراد بالشهر في هذه المسائل الأيام التي تعينها هي لا الشهر الهلالي
ولو عينت ثلاثين وقالت أعلم أن الدم كان ينقطع آخر كل شهر فالنصف الأول طهر بيقين
وبعده يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع
وليلة الثلاثين ويومها حيض بيقين
ولو قالت كنت أخلط شهرا بشهر أي كنت في آخر كل شهر وأول ما بعده حائضا فلحظة من أول كل شهر ولحظة من آخره حيض بيقين
ولحظة من آخر الخامس عشر ولحظة من أول ليلة السادس عشر طهر بيقين
وما بين اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر الخامس

عشر يحتمل الحيض والطهر والانقطاع
وما بين اللحظة من أول ليلة السادس عشر واللحظة من آخر الشهر يحتملهما دون الانقطاع
ولو قالت كنت أخلط شهرا بشهر طهرا فليس لها حيض بيقين ولها لحظتا طهر بيقين في أول كل شهر وآخره
ثم قدر أقل الحيض بعد اللحظتين لا يمكن فيه الانقطاع وبعده يحتمل
ولو قالت كنت أخلط شهرا بشهر حيضا أو كنت اليوم الخامس حائضا فلحظة من كل آخر شهر إلى آخر خمسة أيام من الذي بعده حيض بيقين ولحظة من آخر الخامس عشر إلى آخر العشرين طهر بيقين وما بينهما كما سبق
الحال الثالث أن تحفظ قدر عادتها
وإنما تخرج الحافظة عن التحير بحفظ قدر الدور وابتدائه وقدر الحيض
إذ لو قالت حيضي خمسة وأضللتها في دوري ولا أعرف سوى هذا فلا فائدة في حفظها لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع كل زمان
وكذا لو قالت حيضي خمسة ودوري ثلاثون لا أعرف ابتداءه
وكذا لو قالت حيضي خمسة وابتداؤه يوم كذا ولا أعرف قدره
فإن حفظتهما مع قدر الحيض فإضلالها بعد ذلك يكون لإضلال الحيض
والاضلال قد يكون في كل الدور وقد يكون في بعضه
فإن كان في كله فكله يحتمل الحيض والطهر
وقدر الحيض من أول الدور لا يحتمل الانقطاع وبعده يحتمله
مثاله قالت دوري ثلاثون أولها كذا وحيضي عشرة
فعشرة في أولها لا يحتمل الانقطاع والباقي يحتمله والجميع يحتمل الحيض والطهر
فلو قالت حيضي إحدى عشرات الشهر فهذه كالأولى إلا أن احتمال الانقطاع هنا لا يكون إلا في آخر كل عشرة
ومثال الإضلال في بعض الدور أن تقول أضللت عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشرة الأخيرة طهر بيقين والعشرون تحتمل الحيض والطهر

ولا يمكن الانقطاع في الأولى ويمكن في الثانية
ولو قالت أضللت خمسة عشر في عشرين من الأول فالعشرة الأخيرة طهر بيقين
والخمسة الثانية والثالثة حيض بيقين
فالأولى تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع
والرابعة تحتمل الجميع ولو قالت حيضي خمسة
وكنت اليوم الثالث عشر طاهرا فخمسة من أول الدور تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع
وما بعده تحتمل الجميع إلى آخر الثاني عشر
ثم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر طهر بيقين
ومن أول السادس عشر إلى آخر العشرين تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع
ومنه إلى آخر الشهر تحتمل الجميع
ومتى كان القدر الذي أضلته زائدا على نصف المضل فيه حصل حيض بيقين من وسطه وهو الزائد على النصف مع مثله
فهذا ضابطه وقد ذكرنا مثاله في قولها أضللت خمسة عشر في عشرين

الباب الرابع في التلفيق
إذا انقطع دمها فرأت يوما دما ويوما نقاء
أو يومين ويومين
فتارة يجاوز التقطع خمسة عشر وتارة لا يجاوزها
فإن لم يجاوزها فقولان
أظهرهما عند الأكثرين أن الجميع حيض
ويسمى قول السحب
والثاني حيضها الدماء خاصة
وأما النقاء فطهر
ويسمى قول التلفيق
وعلى هذا القول إنما نجعل النقاء طهرا في الصوم والصلاة والغسل ونحوها دون العدة
والطلاق فيه بدعي
ثم القولان إنما هما في النقاء الزائد على الفترة المعتادة
فأما الفترة المعتادة بين دفعتي الدم فحيض بلا خلاف

قال إمام الحرمين في الفرق بين الفترة والنقاء دم الحيض يجتمع في الرحم ثم الرحم يقطره شيئا فشيئا فالفترة ما بين ظهور دفعة وانتهاء أخرى من الرحم إلى المنفذ
فما زاد على ذلك فهو النقاء
قال الرافعي وربما تردد الناظر في أن مطلق الزائد هل يخرج عن الفترة لأن تلك مدة يسيرة قلت الصحيح المعتمد في الفرق أن الفترة هي الحالة التي ينقطع فيها جريان الدم ويبقى أثر بحيث لو أدخلت فرجها قطنة لخرج عليها أثر الدم من حمرة أو صفرة أو كدرة فهذه حالة حيض قطعا طالت أم قصرت
والنقاء أن يصير فرجها بحيث لو أدخلت القطنة لخرجت بيضاء فهذا الضبط هو الذي ضبطه الإمام الشافعي رحمه الله في الأم والشيوخ الثلاثة أبو حامد الإسفراييني وصاحبه القاضي أبو الطيب وصاحبه الشيخ أبو إسحق الشيرازي في تعاليقهم
فلا مزيد عليه ولا محيد عنه
والله أعلم
ولا فرق في جريان القولين بين أن يستوي قدر الدم والنقاء أو يزيد أحدهما لو رأت صفرة أو كدرة بين سوادين وقلنا إنها في غير أيام العادة ليست حيضا فهي كالنقاء
وإذا قلنا بالسحب فشرطه كون النقاء محتوشا بدمين في الخمسة عشر
فإن لم يقع بينهما فهو طهر بلا خلاف
مثاله رأت ( الدم ) يوما ويوما إلى الثالث عشر ولم يعد الدم في الخامس عشر فالرابع عشر والخامس عشر طهر قطعا لأن النقاء فيهما لم يتعقبه دم في الخمسة عشر

فرع الدماء المتفرقة إن بلغ مجموعها أقل الحيض نظر إن بلغ
والآخر كل منهما أقل الحيض فعلى القولين
وقيل النقاء هنا حيض قولا واحدا
وإنما القولان إذا لم يبلغ كل طرف الأقل
وإن لم يبلغ واحد منهما الأقل بأن رأت نصف يوم دما ونصفه نقاء إلى آخر الخمسة عشر فثلاثة طرق
أصحها طرد القولين
فعلى قول التلفيق حيضها أنصاف الدم سبعة ونصف
وعلى السحب حيضها أربعة عشر ونصف فإن النصف الأخير لم يحتوشه دمان
والثاني القطع بأن لا حيض أصلا وكله دم فساد
والثالث أن توسطهما قدر أقل الحيض متصلا فعلى القولين وإلا فالجميع دم فساد
وإن بلغ أحدهما الاقل دون الآخر فثلاثة طرق
أصحها طرد القولين
والثاني ما بلغه حيض وما سواه دم فساد
والثالث إن بلغ الأول أقل الحيض فالجميع حيض
وإن بلغ الآخر فهو حيض دون ما سواه
هذا كله إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض
فإن لم يبلغه فطريقان
أصحمما طرد القولين
فإن لفقنا فلا حيض وكذا إن سحبنا على الأصح
وعلى الضعيف الدم والنقاء كله حيض
والطريق الثاني القطع بأن لا حيض
فحصل في المعتبر من الدمين لنجعل ما بينهما حيضا على قول السحب أوجه
أصحهما يشترط بلوغ مجموع الدماء قدر أقل الحيض
والثاني يشترط أن يكون كل واحد من الدمين قدر أقل الحيض حتى لو رأت دما ناقصا عن الأقل ودمين آخرين غير ناقصين فالأول دم فساد والآخران وما بينهما من النقاء حيض
والثالث لا يشترط بل لو كان مجموع الدماء نصف يوم أو أقل فهي وما بينهما من النقاء حيض على قول التلفيق
قاله الأنماطي

والرابع يشترط بلوغ أولهما وحده أقل الحيض
والخامس يشترط أن يكون أحدهما أقل الحيض
والسادس يشترط الأقل في الأول أو الأخير أو الوسط

فرع إذا انقطع دم المبتدأة فعند انقطاعه وهو بالغ أقل الحيض يلزمها
على القولين الغسل والصلاة والصوم ولها الطواف والجماع
وفي وجه لا يحل الجماع إذا قلنا بالسحب
ثم إذا عاد الدم تركت الصوم والصلاة والجماع وغيرها
وبينا على قول السحب وقوع العبادات والجماع في الحيض
لكن لا تأثم وتقضي الصوم والطواف دون الصلاة
وعلى قول التلفيق ما مضى صحيح ولا قضاء
وهكذا حكم الانقطاع الثاني والثالث وما بعدهما في الخمسة عشر
وفيه وجه شاذ ضعيف أن ما سوى الانقطاع الأول يبنى على أن العادة بماذا ثبتت
فإذا ثبتت توقفنا في الغسل وسائر العبادات ارتقابا للعود
وأما الشهر الثاني وما بعده فعلى قول التلفيق لا يختلف الحكم
وعلى السحب في الدور الثاني طريقان
أصحهما يبنى على الخلاف في العادة إن أثبتناها بمرة فقد عرفنا التقطع بالشهر الأول فلا تغتسل ولا تصلي ولا تصوم حملا على عود الدم
فإن لم يعد بان أنها كانت طاهرة فتقضي الصوم والصلاة
وإن لم نثبتها بمرة فحكمها كما مضى في الشهر الأول وفي الشهر الثالث
وما بعده تثبت العادة بالمرتين السابقتين
فلا تغتسل عند الانقطاع ولا تصلي
وإذا قلنا لا تثبت العادة إلا بثلاث مرات لم يخف قياسه
والطريق الثاني أن التقطع وإن تكرر مرات كثيرة فحكم المرة الأخيرة حكم الأولى
قاله أبو زيد

قلت قطع بالطريق الثاني الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل وغيرهما
وهو ظاهر نصه في الأم وهو الأصح
والله أعلم
هذا كله إذا كان الانقطاع بعد بلوغ الدم أقل الحيض فإن رأت المبتدأة نصف يوم دما وانقطع وقلنا بطرد القولين فعلى قول السحب لا غسل عليها عند الانقطاع الأول وتتوضأ وتصلي
وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ مجموع ما سبق دما ونقاء أقل الحيض صار حكمها ما سبق في الحالة الأولى
وعلى قول التلفيق لا غسل في الانقطاع الأول أيضا على الأصح لشكنا في الحيض وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ ما سبق من الدم وحده أقل الحيض يلزمها الغسل وقضاء الصوم والصلاة
وحكم الدور الثاني والثالث على القولين جميعا
كما ذكرنا في الحالة الأولى

فصل إذا جاوز الدم بصفة التلفيق الخمسة عشر صارت مستحاضة

كغيرها إذا جاوز دمها ولا صائر إلى الالتقاط من جميع الشهر وإن لم يزد مبلغ الدم على أكثر الحيض
وإذا صارت مستحاضة فالفرق بين حيضها واستحاضتها بالرجوع إلى العادة أو التمييز كغير ذات التلفيق
وقال محمد بن بنت الشافعي رحمهم الله تعالى إن اتصل الدم المجاوز بدم الخمسة عشر فالحكم كذلك
وإن انفصل بتخلل نقاء فالمجاوز استحاضة
وجميع ما في الخمسة عشر من الدماء حيض
وفي نقائها القولان
مثال المتصل رأت ستة دما ثم ستة نقاء ثم ستة دما
ومثال غير المتصل رأت يوما ويوما فالسادس عشر نقاء هذا قول ابن بنت الشافعي
وبه قال أبو بكر المحمودي وغيره
والصحيح أنها مستحاضة في الجميع وعليه التفريع
فالمستحاضات خمس

الأولى المعتادة الحافظة عادتها
وهي ضربان ( الضرب الأول ) عادة لا ينقطع فيها
و ( الثاني ) عادة منقطعة
فالتي لا ينقطع لها كل عادة ترد إليها عند الإطباق
والمجاوزة ترد إليها عند التقطع والمجاوزة
ثم على قول السحب كل دم يقع في أيام العادة وكل نقاء يتخلل دمين فيها فهو حيض
والنقاء الذي لا يتخلل ليس بحيض
وأيام العادة كالخمسة عشر عند عدم المجاوزة فلا معدل عنه
وعلى قول التلفيق فيما يجعل حيضا وجهان
أصحهما قدر عادتها من الدماء الواقعة في الخمسة عشر
فإن لم تبلغ الدماء في خمسة عشر قدر عادتها جعل الموجود فيها حيضا
والثاني حيضها الدماء الواقعة في أيام العادة لا غير
مثاله كانت تحيض خمسة متوالية من أول الشهر فيقطع دمها يوما يوما فعلى السحب حيضها خمسة من أول الدور
وعلى التلفيق من الخمسة عشر حيضها الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع
وعلى التلفيق من العادة حيضها الأول والثالث والخامس
ولو كانت تحيض ستة فعلى السحب حيضها خمسة وسقط السادس لأنه ليس محتوشا بدمي حيض في أيام العادة
وعلى التلفيق من الخمسة عشر حيضها أيام الدماء آخرها الحادي عشر
وعلى التلفيق من العادة حيضها الأول والثالث والخامس
ولو انتقلت عادتها بتقدم أو تأخر ثم استحيضت عاد الخلاف كما ذكرنا في حالة الإطباق
وكذا الخلاف فيما تثبت به العادة
مثال التقدم كان عادتها خمسة من ثلاثين فرأت في بعض الأشهر يوم الثلاثين دما واليوم الذي بعده نقاء وهكذا إلى أن انقطع دمها وجاوز الخمسة عشر قال أبو إسحق حيضها أيامها القديمة وما قبلها استحاضة
فإن سحبنا فحيضها اليوم الثاني والثالث والرابع
وإن لفقنا فالثاني والرابع

قال الجمهور وهو المذهب تنتقل العادة بمرة
فإن سحبنا فحيضها خمسة متوالية
أولها الثلاثون
وإن لفقنا من العادة فحيضها الثلاثون
والثاني والرابع إن لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها السادس والثامن
ومثال التأخر أن ترى في بعض الأشهر اليوم الأول نقاء
والثاني دما واستمر التقطع
فعند أبي إسحق الحكم كما سبق في الصورة السابقة
وعلى المذهب إن سحبنا فحيضها خمسة متوالية أولها الثاني
وإن لفقنا من العادة فالثاني والرابع والسادس
وهو إن خرج من العادة القديمة فبالتأخر انتقلت عادتها وصار الثاني أولها
والسادس آخرها
وإن لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها الثامن والعاشر
وقد صار طهرها السابق على الاستحاضة في هذه الصورة ستة وعشرين
وفي صورة التقدم أربعة وعشرين
ولو لم يتقدم الدم في المثال المذكور ولا تأخر لكن تقطع هو والنقاء يومين يومين لم يعد خلاف أبي إسحق بل مبني على القولين
فإن سحبنا فحيضها خمسة متوالية
والسادس استحاضة كالدماء بعده
وإن لفقنا من العادة فحيضها الأول والثاني والخامس
وإن لفقنا من الخمس عشر ضممنا إليها السادس والتاسع
وحكي وجه شاذ أن الخامس لا يجعل حيضا إذا لفقنا من العادة ولا التاسع إذا لفقنا من الخمسة عشر لأنهما ضعفا باتصالهما بدم الاستحاضة
ويجرى هذا الوجه في كل نوبة دم يخرج بعضها عن أيام العادة إن اقتصرنا عليها أو عن الخمسة عشر إن اعتبرناها
هذا بيان حيضها
فأما قدر طهرها بعده إلى استئناف حيضة أخرى فينظر إن كان التقطع بحيث ينطبق الدم على أول الدور فهو ابتداء الحيضة الأخرى
وإن لم ينطبق فابتداؤها أقرب نوب الدماء إلى الدور تقدمت أو تأخرت فإن استويا في التقدم والتأخر فابتداء حيضها النوبة المتأخرة ثم قد يتفق التقدم والتأخر في بعض أدوار الاستحاضة دون بعض
وطرائق معرفة ذلك أن تأخذ

نوبة دم ونقاء وتطلب عددا صحيحا يحصل من مضروب مجموع النوبتين فيه مقدار دورها فإن وجدته فاعلم انطباق الدم على أول الدور وإلا فاضربه في عدد يكون الحاصل منه أقرب إلى دورها زائدا كان أو ناقصا
واجعل حيضها الثاني أقرب الدماء إلى أول الدور فإن استوى طرف الزيادة والنقص فالاعتبار بالزائد
مثاله عادتها خمسة من ثلاثين وتقطعا يوما يوما وجاوز فنوبة الدم يوم ونوبة النقاء مثله
وتجد عددا إذا ضربت الاثنين فيه بلغ ثلاثين وهو خمسة عشر فيعلم انطباق الدم على أول دورها أبدا ما دام التقطع بهذه الصفة
ولو كانت المسألة بحالها وانقطع يومين يومين فلا تجد عددا يحصل من ضرب أربعة فيه ثلاثون
فاطلب ما يقرب الحاصل فيه من الضرب فيه من ثلاثين وهنا عددان سبعة وثمانية
أحدهما يحصل منه ثمانية وعشرون
والآخر اثنان وثلاثون
فاستوى طرفا الزيادة والنقص فخذ بالزيادة واجعل أول الحيضة الأخرى الثالث والثلاثين
وحينئذ يعود خلاف أبي إسحق لتأخر الحيض فحيضها عنده في الدور الثاني هو اليوم الثالث والرابع فقط على القولين
وأما على المذهب فإن سحبنا فحيضها خمسة متوالية
أولها الثالث
وإن لفقنا من العادة فحيضها الثالث والرابع والسابع
وإن لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها الثامن والحادي عشر
ثم في الدور الثالث ينطبق الدم على أول الدور فلا يبقى خلاف أبي إسحق ويكون الحكم كما ذكرنا في الدور الأول
وفي الدور الرابع يتأخر الحيض ويعود الخلاف
وعلى هذا أبدا
ولو كانت المسألة بحالها ورأت ثلاثة أيام دما وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة
ولا تجد عددا إذا ضربت السبعة فيه بلغ ثلاثين فاضربه في أربعة لتبلغ ثمانية وعشرين
واجعل أول الحيضة الثانية التاسع والعشرين
وقد تقدم الحيض على أول الدور

فعلى قياس أبي إسحق ما قبل الدور استحاضة وحيضها اليوم الأول فقط على القولين
وقياس المذهب لا يخفى
ولو كانت عادتها ستة من ثلاثين ويقطع الدم في بعض الأدوار ستة ستة وجاوز ففي الدور الأول حيضها الستة الأولى بلا خلاف
وأما الدور الثاني فإنها ترى ستة من أوله نقاء وهي أيام العادة
فعند أبي إسحق لا حيض لها في هذا الدور أصلا وعلى المذهب وجهان
أصحهما تحيضها الستة الثانية على قولي السحب والتلفيق جميعا
والثاني حيضها الستة الأخيرة من الدور الأول
ويجيء هذا الوجه حيث خلا جميع أيام العادة عن الحيض
هذا كله إذا لم ينقص الدم الموجود في زمن العادة عن أقل الحيض
فإن نقص بأن كانت عادتها يوما وليلة فرأت في بعض الأدوار يوما دما وليلة نقاء
واستحيضت فثلاثة أوجه على قول السحب الأصح لا حيض لها في هذه الصورة
والثاني تعود إلى قول التلفيق
والثالث حيضها الأول والثاني والليلة بينهما
وأما على قول التلفيق فلا حيض لها إن لفقنا على العادة
فإن لفقنا من الخمسة عشر حيضها الأول والثاني وجعلنا الليلة بينهما طهرا
قلت قوله لا حيض لها إن لفقنا من العادة هو الأصح
وذكر الإمام وجها آخر عن المحمودي أنه تلفق من الخمسة عشر
وادعى في الوسيط أنه لا طريق غيره
والله أعلم
الضرب الثاني العادة المتقطعة
فإذا استمرت لها عادة متقطعة قبل الاستحاضة ثم استحيضت مع التقطع نظر إن كان التقطع بعد الاستحاضة كالتقطع قبلها فمردها قدر حيضها على اختلاف القولين
مثاله كانت ترى ثلاثة دما وأربعة نقاء وثلاثة دما وتطهر عشرين ثم استحيضت والتقطع على هذه الصفة فإن سحبنا كان حيضها قبل الاستحاضة

عشرة وكذا بعدها
وإن لفقنا كان حيضها ستة بتوسط بين نصفيها أربعة وكذا الآن
فإن اختلف التقطع بأن تقطع في المثال المذكور في بعض الأدوار يوما يوما ثم استحيضت فإن سحبنا فحيضها الآن تسعة أيام
وإن لفقنا من العادة فحيضها الأول والثالث والتاسع إذ ليس لها في أيام حيضها القديم على هذا القول دم إلا في هذه الثلاثة
وإن لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها الخامس والسابع والحادي عشر
المستحاضة الثانية المبتدأة قد تقدم أنها تصلي وتصوم عند الانقطاع الأول
وكذا في سائر الانقطاع الواقع في خمسة عشر
فإذا جاوز دمها الخمسة عشر المنقطعة علمت استحاضتها
فإن قلنا ترد المبتدأة إلى يوم وليلة وكان التقطع يوما يوما فحيضها يوم وليلة والباقي طهر
وإن قلنا ترد إلى ست أو سبع فإن سحبنا ورددناها إلى ست فحيضها خمسة متوالية لأن السادس نقاء لم يحتوشه دمان في المرد
وإن رددناها إلى سبع فحيضها سبع متوالية
وإن لفقناها من العادة ورددناها إلى ست فحيضها الأول والثالث والخامس
وإن رددناها إلى سبع ضممنا إليها السابع
وإن لفقنا من الخمسة عشر ورددناها إلى ست فحيضها ستة من أيام الدماء
وإن رددناها إلى سبع فحيضها سبعة من أيام الدماء
وكل هذا على ما تقدم في المعتادة
وابتداء الحيضة الثانية طريقه ما ذكرناه في المعتادة
ثم إن صامت وصلت في أيام النقاء حتى جاوز الدم الخمسة عشر وتركتها في أيام الدم كما أمرناها قضت صيام أيام الدم بعد المرد وصلواتها بلا خلاف
وأما صلوات أيام النقاء فلا تقضيها ولا تقضي صيامها أيضا إن لفقنا
وكذا إن سحبنا على الأظهر
ويجري القولان في الأدوار كلها
خرج من هذا أنا إن حكمنا بالتلفيق لم تقض من الخمسة عشر إلا صلوات سبعة أيام وصيامها
وإن رددنا المبتدأة إلى يوم وليلة وهي أيام الدم سوى الأولى
وإن رددناها إلى

ست أو سبع فإن لفقنا من العادة وكان الرد إلى ست قضت صيام خمسة أيام وصلواتها
وإن ردت إلى سبع قضت الصوم والصلاة عن أربعة أيام
وإن لفقنا من الخمسة عشر وردت إلى ست قضتهما عن يومين
وإن ردت إلى سبع فعن يوم واحد
وأما إذا سحبنا فإن رددناها إلى يوم قضت صلوات سبعة أيام وهي أيام الدماء سوى الأول
وفي الصوم قولان
الأظهر تقضي ثمانية فقط
وهي أيام الدماء
والثاني تقضي الخمسة عشر
وإن رددناها إلى ست أو سبع
فإن ردت إلى ست قضت صلوات خمسة أيام
وهي أيام الدماء التي لم تصل فيها بعد المرد
فإن ردت إلى سبع قضت صلوات أربعة أيام
وأما الصوم فعلى أحد القولين تقضي الخمسة عشر
وعلى أظهرهما إن ردت إلى ست قضت صيام عشرة أيام ثمانية منها أيام الدماء في الخمسة عشر ويومان نقاء وقعا في المراد لتبين الحيض فيهما
وإن ردت إلى سبع قضت صيام أحد عشر يوما
المستحاضة الثالثة المبتدأة المميزة
تمييزها تارة يكون مع وجود شروط التمييز كلها وتارة بفقد بعضها
فإن فقد بأن رأت يوما دما أسود ويوما أحمر وهكذا إلى آخر الشهر فقد فات أحد الشروط
وهو عدم مجاوزة القوي خمسة عشر فلها حكم المبتدأة غير مميزة وقد تقدم
وإن وجدت شروط التمييز كلها فإن سحبنا فحيضها الدماء القوية في الخمسة عشر مع النقاء المتخلل أو الضعيف المتخلل
وإن لفقنا فحيضها القوي دون ما تخلله
مثاله رأت يوما سوادا ويوما حمرة إلى آخر الخمسة عشر ثم استمرت الحمرة وحدها متصلة أو منقطعة فإن سحبنا فحيضها جميع الخمسة عشر
وإن لفقنا فأيام السواد الثمانية

المستحاضة الرابعة المميزة المعتادة
وقد تقدم الخلاف في المميزة المعتادة التي لا تقطع في دمها بل يرجح التمييز أو العادة
وحكم هذه حكم تلك بلا فرق فأي الأمرين قلنا به صارت كالمنفردة به
المستحاضة الخامسة الناسية
قد تنسى عادتها من كل وجه وهي المتحيرة وقد تنساها من وجه دون وجه كما في حالة الأطباق فالمتحيرة يعود فيها القولان في حالة الاطباق وإن قلنا هي كالمبتدأة فحكمها ما تقدم في المبتدأة
وإن قلنا بالمشهور إنها تحتاط بنينا أمرها على قولي التلفيق
فإن سحبنا احتاطت في أزمنة الدم من الوجوه المذكورة في حالة الاطباق بلا فرق
وتحتاط في زمن النقاء أيضا لأن كل زمن منه يحتمل الحيض
لكن لا تؤمر بالغسل زمن النقاء ولا تؤمر أيضا فيه بتجديد الوضوء بل يكفيها لكل نقاء الغسل في أوله
وإن لفقنا فعليها أن تحتاط في أيام الدم وعند كل انقطاع
وأما أزمنة النقاء فهي طاهر فيها في الجماع وسائر الأحكام
وأما الناسية من وجه دون وجه فتحتاط على قول التلفيق مع رعاية ما تذكره
مثاله قالت أضللت خمسة في العشرة الأولى من الشهر وتقطع الدم والنقاء يوما يوما واستحيضت فإن سحبنا فالعاشر طهر لأنه نقاء لم يحتوشه دما حيض
ولا غسل في الخمسة الأولى لتعذر الانقطاع
فاذا انقضت اغتسلت
ولا تغتسل بعدها في أيام النقاء
وتغتسل في آخر السابع والتاسع
ولا تغتسل في أثنائهما على الصحيح وقول الجمهور
وإن لفقنا من العادة فالحكم ما ذكرنا على قول السحب
إلا أنها طاهر في أيام النقاء في كل حكم
وإنها تغتسل عقب كل نوبة من نوب الدم في جميع المدة
وإن لفقنا من الخمسة

عشر فحيضها خمسة أيام
وهي الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع على تقدير انطباق الحيض على الخمسة الأولى
وعلى تقدير تأخره إلى الخمسة الثانية فليس لها في الخمسة الثانية إلا يوما دم
وهما السابع والتاسع فتضم إليها الحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر
فهي إذا حائض في السابع والتاسع لتيقن دخولهما في كل تقدير

الباب الخامس في النفاس
أكثره ستون يوما على المشهور
وحكى أبو عيسى الترمذي عن الشافعي أنه أربعون
وغالبه أربعون
ولا حد لأقله بل يثبت حكم النفاس لما وجدته وإن قل
وقال المزني أقله أربعة أيام
وسواء في حكم النفاس كان الولد كامل الخلقة أو ناقصها أو حيا أو ميتا ولو ألقت مضغة أو علقة
وقال القوابل إنه مبتدأ خلق آدمي فالدم الموجود بعده نفاس
فصل ما تراه الحامل من الدم على ترتيب أدوارها
فيه قولان القديم أنه دم فساد
والجديد الأظهر أنه حيض
وسواء ما تراه قبل حركة الحمل وبعدها على المذهب
وقيل القولان فيما بعد الحركة فأما قبلها فحيض قطعا
ثم على

القديم هو حدث دائم كسلس البول
وعلى الجديد يحرم فيه الصوم والصلاة
وتثبت جميع أحكام الحيض إلا أنه لا تنقضي به العدة
ولا يحرم فيه الطلاق
قلت عدم انقضاء العدة به متفق عليه إذا كان عليها عدة واحدة لصاحب الحمل
فإن كان ( لها ) عدتان ففي انقضاء إحداهما بالحيض على الحمل خلاف
وتفصيله يأتي في كتاب العدة إن شاء الله تعالى
وقد نبهت عليه هنا في شرحي المهذب و التنبيه
والله أعلم
وعلى الجديد إذا رأت الدم ثم ولدت بعد خمسة عشر يوما فهو حيض قطعا
وكذا إن ولدت قبل الخمسة عشر أو متصلا بآخر الدم على الأصح فيهما
وعلى الثاني يكون دم فساد وليس بنفاس بلا خلاف لأن النفاس لا يسبق الولادة بل هو عند الفقهاء الدم الخارج عقب الولادة
وقطع معظم الأصحاب بأن ما يبدو عند الطلق ليس بنفاس
وقالوا ابتداء النفاس يحسب من وقت انفصال الولد وليس هو حيضا أيضا على الصحيح
وفي وجه شاذ أنه نفاس
وفي وجه حيض
وأما الدم الخارج مع الولد ففيه أوجه
أصحها أنه كالخارج قبل الولادة
والثاني أنه نفاس
والثالث أنه كالخارج بين التوأمين
فإن قلنا إنه نفاس وجب به الغسل وبطل به الصوم وإن لم تر بعده دما أصلا
وإذا قلنا ليس بنفاس لم يجب به الغسل ولم يبطل الصوم
فحصل من الخلاف المذكور في هذه المسائل أن في ابتداء مدة النفاس أوجها
أحدها من وقت الدم الباديء عند الطلق
والثاني من الخارج مع ظهور الولد
والثالث وهو الأصح من انفصال الولد
وحكى إمام الحرمين وجها أنها لو ولدت ولم تر الدم أياما ثم ظهر الدم فابتداء

مدة النفاس تحسب من وقت خروج الدم لا من وقت الولادة
فهذا وجه رابع
وموضعه إذا كانت الأيام المتخللة دون أقل الطهر

فصل في الدم الذي تراه بين التوأمين
وجهان
أصحهما ليس بنفاس
والثاني نفاس
فإن قلنا ليس بنفاس فقال الأكثرون يبنى على دم الحامل
فإن جعلناه حيضا فهذا أولى وإلا فقولان
وفي كلام بعض الأصحاب ما يقتضي كونه دم فساد مع قولنا الحامل تحيض
وإذا قلنا هو نفاس فما بعد الولد الثاني معه نفاس واحد أم نفاسان وجهان
الأصح نفاسان
ولا تبالي مجاوزة الدم ستين من الولادة الأولى
الثاني نفاس واحد
فعلى هذا إذا زاد الدم على ستين من الولد الأول فهي مستحاضة
قال الصيدلاني موضع الوجهين إذا كانت المدة المتخللة بين الدمين دون الستين فإن بلغت ستين فالثاني نفاس آخر قطعا
وقال الشيخ أبو محمد لا فرق
قلت الأصح قول الصيدلاني
ولم يحكه الإمام الرافعي على وجهه
قال إمام الحرمين قال الصيدلاني اتفق أئمتنا في هذه الصورة أنها تستأنف بعد الولد الثاني نفاسا
إذا كان بينهما ستون
واختار إمام الحرمين هذا
وضعف قول والده أبي محمد
والله أعلم
وإذا ولدت الثاني بعد الستين وقلنا باتخاذ النفاس فما بعده استحاضة
ولو سقط عضو من الولد وباقيه مجتن ورأت بينهما دما ففي كونه نفاسا الوجهان في الدم بين التوأمين

فصل إذا جاوز دم النفساء ستين
فقد اختلط نفاسها باستحاضتها
وطريق التمييز بينهما ما تقدم في الحيض
هذا هو الصحيح المعروف
وفي وجه نفاسها ستون
وما بعدها استحاضة إلى تمام طهرها المعتاد أو المردود إليه إن كانت مبتدأة وما بعده حيض
في وجه ثالث نفاسها ستون
وما بعدها حيض متصل به
واتفق الجمهور على تضعيف هذين الوجهين والتفريع على الصحيح
والمستحاضات خمس
الأولى المعتادة
فإن كانت معتادة أربعين مثلا كان نفاسها الآن أربعين
ولها في الحيض حالان
أحدهما أن تكون معتادة فيه فطهرها بعد الأربعين قدر عادتها في الطهر ثم تحيض قدر عادتها في الحيض
الحال الثاني أن تكون مبتدأة فيه فتجعل القدر الذي ترد إليه المبتدأة في الطهر طهرا لها بعد الأربعين
والذي ترد إليه في الحيض حيضا لها بعده
ثم الخلاف فيما تثبت به العادة وفيما تقدم من العادة والتمييز إذا اجتمعا يجري هنا كما في الحيض
ولو ولدت مرارا ولم تر دما ثم ولدت واستحيضت لم يكن عدم النفاس عادة بل هي مبتدأة فيه كالتي لم تلد أصلا
المستحاضة الثانية والثالثة المبتدأة المميزة وغير المميزة
أما غير المميزة فترد إلى لحظة على الأظهر
وإلى أربعين على الثاني
هذا هو المذهب
وفي قول غريب ترد إلى ستين
وفي وجه إلى اللحظة جزما
ثم إن كانت هذه النفساء معتادة في الحيض حسب لها بعد مرد النفاس طهرها ثم حيضها المعتادان
وإن كانت مبتدأة فيه أقمنا طهرها ثم حيضها على ما تقتضيه حال المبتدأة
وأما المميزة

فترد إلى التمييز بشرطه
كالحائض وشرط تمييز النفساء أن لا يزيد القوي على ستين يوما
ولا ضبط في أقله ولا أقل الضعيف
المستحاضة الرابعة المعتادة المميزة
تقدم حكمها هنا في المعتادة
المستحاضة الخامسة الناسية لعادة نفاسها فيها القولان كناسية الحيض
فعلى قول ترد إلى مرد المبتدأة
ورجحه إمام الحرمين هنا
وعلى قول تؤمر بالاحتياط
وعلى هذا إن كانت مبتدأة في الحيض أيضا وجب الاحتياط أبدا
وكذا إن كانت معتادة في الحيض ناسية عادتها
وإن كانت ذاكرة لعادة الحيض فهي كناسية وقت الحيض العارفة بقدره
وقد سبق بيانها

فرع إذا انقطع دم النفساء فله حالان

أحدهما أن لا يجاوز ستين فينظر إن لم تبلغ مدة النقاء بين الدمين أقل الطهر بأن رأت يوما دما ويوما نقاء فأزمنة الدم نفاس قطعا
وفي النقاء القولان كالحيض
وإن بلغته بأن رأت عقب الولادة دما أياما ثم رأت النقاء خمسة عشر فصاعدا ثم عاد الدم فالأصح أن العائد دم حيض
والثاني أنه نفاس
ولو ولدت ولم تر الدم خمسة عشر يوما فصاعدا ثم رأته فعلى هذين الوجهين
فإن جعلناه حيضا فلا نفاس لها أصلا
وفي هذه الصورة الأخيرة لو نقص العائد في الصورتين عن أقل الحيض فالأصح أنه دم فساد
والثاني أنه نفاس لتعذر جعله حيضا
ولو زاد العائد على أكثر الحيض فهي مستحاضة
فينظر أهي معتادة أم مبتدأة ويحكم بما تقتضيه الحال
وإن جعلنا العائد نفاسا فمدة النقاء على القولين

في التلفيق
إن سحبنا فنفاس
وإن لفقنا فطهر
هذا هو المذهب
وقيل هو طهر على القولين
الحال الثاني أن تجاوز ستين
فإن بلغ زمن النقاء في الستين أقل الطهر ثم جاوز العائد فالعائد حيض قطعا ولا يجيء فيه الخلاف المذكور في الحال الأول
وإن لم تبلغه فإن كانت مبتدأة مميزة ردت إلى التمييز
وإن لم تكن مميزة فعلى القولين في المبتدأة
وإن كانت معتادة ردت إلى العادة
وفي الأحوال يراعى قولا التلفيق
فإن سحبنا فالدماء في أيام المرد مع النقاء نفاس
وإن لفقنا فتلفق من أيام المرد أم من أيام الستين فيه الخلاف المذكور في الحيض
قلت والصفرة والكدرة في النفاس كهي في الحيض وفاقا وخلافا هذا هو المذهب
وبه صرح الفوراني والبغوي وصاحب العدة وغيرهم
وقطع الماوردي بأنها نفاس قطعا لأن الولادة شاهد للنفاس بخلاف الحيض
وإذا انقطع دم النفساء واغتسلت أو تيممت حيث يجوز فللزوج وطؤها في الحال بلا كراهة
حتى قال صاحب الشامل و البحر لو رأت الدم بعد الولادة ساعة وانقطع لزمه الغسل وحل الوطء
فإن خافت عود الدم استحب له التوقف احتياطا
والله أعلم

كتاب الصلاة
فيه سبعة أبواب
الباب الأول في المواقيت
أما وقت الظهر فيدخل بالزوال
وهو زيادة في الظل بعد استواء الشمس أو حدوثه إن لم يكن عند الاستواء ظل
وذلك يتصور في بعض البلاد كمكة وصنعاء اليمن في أطول أيام السنة
ويخرج وقتها إذا صار ظل الشخص مثله سوى الظل الذي كان عند الزوال إن كان ظل وما بين الطرفين وقت اختيار
وأما العصر فيدخل وقتها بخروج وقت الظهر بلا خلاف ويمتد إلى غروب الشمس
وفي وجه ضعيف قاله الاصطخري يخرج وقتها إذا صار ظل الشىء مثليه
وعلى الصحيح لها أربعة أوقات وقت فضيلة وهو الأول
ووقت اختيار إلى أن يصير ظله مثليه
وبعده جواز بلا كراهة إلى اصفرار الشمس
ومن الاصفرار إلى الغروب وقت كراهة يكره تأخيرها إليه
وأما المغرب فيدخل وقتها بغروب الشمس بلا خلاف
والاعتبار بسقوط قرصها وهوظاهر في الصحاري
وأما في العمران وخلل الجبال فالاعتبار بأن لا يرى شىء من شعاعها على الجدران ويقبل الظلام من المشرق
وفي آخر

وقتها قولان
القديم أنه يمتد إلى مغيب الشفق
والجديد أنه إذا مضى قدر وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات انقضى الوقت
وما لا بد منه من شرائط الصلاة لا يجب تقديمه على الوقت فيجوز التأخير بعد الغروب بقدر اشتغاله بها
والاعتبار في جميع ذلك بالوسط المعتدل
ويحتمل أيضا أكل لقم يكسر بها حدة الجوع
وفي وجه ما يمكن تقديمه على الوقت كالطهارة والسترة يسقط من الاعتبار
وفي وجه يعتبر ثلاث ركعات لا خمس
وهما شاذان والصواب الأول
ثم على الجديد لو شرع في المغرب في الوقت المضبوط فهل له استدامتها إلى انقضاء الوقت إن قلنا الصلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها بعده أداء وأنه يجوز تأخيرها إلى أن يخرج عن الوقت بعضها فله ذلك قطعا
وإن لم نجوز ذلك في سائر الصلوات ففي المغرب وجهان
أصحهما يجوز مدها إلى مغيب الشفق
والثاني منعه كغيرها
ثم الأظهر من القولين الجديد
واختار طائفة من الأصحاب القديم ورجحوه وعندهم المسألة مما يفتى فيه على القديم
قلت الأحاديث الصحيحة مصرحة بما قاله في القديم وتأويل بعضها متعذر فهو الصواب
وممن اختاره من أصحابنا ابن خزيمة والخطابي والبيهقي والغزالي في الإحياء والبغوي في التهذيب وغيرهم
والله أعل
وأما العشاء فيدخل وقتها بمغيب الشفق
وهو الحمرة
وقال المزني البياض
وقال إمام الحرمين يدخل وقتها بزوال الحمرة والصفرة
قال والشمس إذا غربت تعقبها حمرة ثم ترق حتى تنقلب صفرة ثم يبقى البياض
قال وبين غروب الشمس إلى زوال الصفرة كما بين الصبح الصادق وطلوع قرن الشمس
وبين زوال الصفرة إلى انمحاق البياض قريب مما بين الصبح الصادق والكاذب
هذا قول إمام الحرمين
والذي عليه المعظم ويدل

عليه نص الشافعي رضي الله عنه أنه الحمرة
ثم غروب الشفق ظاهر في معظم النواحي
أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم ولا يغيب عنهم الشفق فيصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم
وأما وقت الاختيار للعشاء فيمتد إلى ثلث الليل على الأظهر
وإلى نصفه على الثاني
ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني على الصحيح
وقال الاصطخري يخرج الوقت بذهاب وقت الاختيار
وأما وقت الصبح فيدخل بطلوع الفجر الصادق
ويتمادى وقت الاختيار إلى أن يسفر
والجواز إلى طلوع الشمس على الصحيح
وعند الاصطخري يخرج وقت الجواز بالإسفار
فعلى الصحيح للصبح أربعة أوقات فضيلة أوله ثم اختيار إلى الإسفار ثم جواز بلا كراهة إلى طلوع الحمرة ثم كراهة وقت طلوع الحمرة إذا لم يكن عذر
قلت مذهبنا ومذهب جماهير العلماء أن صلاة الصبح من صلوات النهار
ويكره أن يقال للمغرب عشاء وأن يقال للعشاء عتمة
والاختيار
أن يقال للصبح الفجر أو الصبح
وهما أولى من الغداة
ولا تقول الغداة مكروه
ويكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها لغير عذر إلا في خير
واختلف العلماء في الصلاة الوسطى
فنص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب أنها الصبح
وقال صاحب الحاوي نص الشافعي أنها الصبح
وصحت الأحاديث أنها العصر
ومذهبه إتباع الحديث فصار مذهبه أنها العصر
قال ولا يكون في المسألة قولان
كما وهم بعض أصحابنا
والله أعلم

فصل تجب الصلاة بأول الوقت
وجوبا موسعا بمعنى أنه لا يأثم بتأخيرها إلى آخره
فلو أخرها من غير عذر فمات في أثناء الوقت لم يأثم بتأخيرها على الأصح بخلاف الحج
ولو وقع بعض الصلاة في الوقت وبعضها خارج الوقت نظر إن كان الواقع في الوقت ركعة فصاعدا فالأصح أن جميع الصلاة أداء
والثاني جميعها قضاء
والثالث ما في الوقت أداء وما بعده قضاء
وإن كان الواقع في الوقت أقل من ركعة فالمذهب الجزم بأن الجميع قضاء
وقيل هو كالركعة
وحيث قلنا الجميع قضاء أو الخارج لم يجز للمسافر قصر تلك الصلاة على قولنا لا يجوز قصر المقضية
ولو أراد تأخير الصلاة إلى حد يخرج بعضها عن الوقت إن قلنا كلها قضاء أو البعض لم يجز قطعا
وإن قلنا الجميع أداء لم يجز أيضا على المذهب
وفيه ترديد جواب للشيخ أبي محمد
ولو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسع جميعها فمدها بتطويل القراءة حتى خرج الوقت لم يأثم قطعا
ولا يكره على الأصح
قلت وفي تعليق القاضي حسين وجه أنه يأثم
والله أعلم
فصل تعجيل الصلاة في أول الوقت أفضل
وفيما يحصل به فضيلة أوله أوجه
أصحها يحصل بأن يشتغل أول دخول الوقت بأسباب الصلاة كالطهارة والأذان وغيرهما ثم يصلي
ولا يشترط على هذا تقديم ستر العورة على الأصح

وشرطه أبو محمد
ولا يضر الشغل الخفيف كأكل لقم وكلام قصير
ولا يكلف العجلة على خلاف العادة
والوجه الثاني يبقى وقت الفضيلة إلى نصف الوقت
كذا أطلقه جماعة
وقال آخرون إلى نصف وقت الاختيار
والثالث لا يحصل إلا إذا قدم قبل الوقت ما يمكنه تقديمه من الأسباب لتنطبق الصلاة على أول الوقت
وعلى هذا قيل لا ينال المتيمم فضيلة الأولية
قلت هذا الوجه الثالث غلط صريح
مخالف للسنة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والصواب الأول
والله أعلم
وهذا المذكور من فضيلة التعجيل هو في الصبح والعصر والمغرب على الإطلاق
وأما العشاء فتعجيلها أيضا أفضل على الأظهر
وعلى الثاني تأخيرها أفضل مالم يجاوز وقت الاختيار وأما الظهر فيستحب فيها التعجيل في غير شدة الحر بلا خلاف
وفي شدة الحر يستحب الإبراد على الصحيح المعروف
وفيه وجه شاذ أن الإبراد رخصة
وأنه لو تحمل المشقة وصلى في أول الوقت كان أفضل
والصواب أن الإبراد سنة
وهو أن يؤخر إقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد الذي يأتيه الناس من بعد بقدر ما يقطع للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة
ولا يؤخر عن النصف الأول من الوقت
فلو قربت منازلهم من المسجد أو حضر جماعة في موضع لا يأتيهم غيرهم لا يبردون على الأظهر
وكذا لو أمكنه المشي إلى المسجد في ظل أو صلى في بيته منفردا فلا إبراد على الأصح
ويختص باستحباب الإبراد بالبلاد الحارة على الأصح المنصوص ولا تلحق الجمعة بالظهر في الإبراد على الأصح

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28