كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

لدفع شرهم فلا يعطى القسمان من الزكاة قطعا ولا من غيرها على الأظهر
وفي قول يعطون من خمس الخمس
وأشار بعضهم إلى أنهم لا يعطون إلا إن نزل بالمسلمين نازلة
وأما مؤلفة المسلمين فأصناف صنف دخلوا في الاسلام ونيتهم ضعيفة فيتألفون ليثبتوا وآخرون لهم شرف في قومهم يطلب بتألفهم إسلام نظرائهم وفي هذين الصنفين ثلاثة أقوال
أحدها لا يعطون والثاني يعطون من سهم المصالح والثالث من الزكاة
وصنف يراد بتألفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار أو من مانعي الزكاة ويقبضوا زكاتهم فهؤلاء لا يعطون قطعا ومن أين يعطون فيه أقوال
أحدها من خمس الخمس والثاني من سهم المؤلفة والثالث من سهم الغزاة
والرابع قال الشافعي رضي الله عنه يعطون من سهم المؤلفة وسهم الغزاة فقال طائفة من الأصحاب على هذا الرابع يجمع بين السهمين للشخص الواحد وقال بعضهم المراد إن كان التألف لقتال الكفار فمن سهم الغزاة وإن كان لقتال مانعي الزكاة فمن سهم المؤلفة وقال آخرون معناه يتخير الإمام إن شاء من ذا السهم وإن شاء من ذلك وربما قيل إن شاء جمع السهمين وحكي وجه أن المتألف لقتال مانعي الزكاة وجمعها يعطى من سهم العاملين
وأما الأظهر من هذا الخلاف في الأصناف لم يتعرض له الأكثرون بل أرسلوا الخلاف وقال الشيخ أبو حامد في طائفة الأظهر من القولين في الصنفين الأولين أنهم لا يعطون وقياس هذا أن لا يعطى الصنفان الآخران من الزكاة لأن الأولين أحق باسم المؤلفة من الآخرين لأن في الآخرين معنى الغزاة والعاملين وعلى هذا فيسقط سهم المؤلفة بالكلية وقد صار إليه من المتأخرين الروياني وجماعة لكن الموافق لظاهر الآية ثم لسياق الشافعي رضي الله عنه والأصحاب إثبات سهم المؤلفة وأن يستحقه الصنفان وأنه يجوز صرفه إلى الآخرين أيضا وبه أفتى أقضى القضاة الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية


الصنف الخامس الرقاب وهم المكاتبون فيدفع إليهم ما يعينهم على العتق بشرط أن لا يكون معه ما يفي بنجومه وليس له صرف زكاته إلى مكاتب نفسه على الصحيح لعود الفائدة إليه
وجوزه ابن خيران ويشترط كون الكتابة صحيحة ويجوز الصرف قبل حلول النجم على الأصح ويجوز الصرف إلى المكاتب بغير إذن السيد والأحوط الصرف إلى السيد بإذن المكاتب
ولا يجزىء بغير إذن المكاتب لأنه المستحق لكن يسقط عن المكاتب بقدر المصروف لأن من أدى دين غيره بغير إذنه برئت ذمته
قلت هذا الذي ذكره من كون الدفع إلى السيد أحوط وأفضل هو الذي أطلقه جماهير الأصحاب
وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد من أصحابنا إن كان هذا الحاصل آخر النجوم ويحصل العتق بالدفع إلى السيد بإذن المكاتب فهو أفضل وإن حصل دون ما عليه لم يستحب دفعه إلى السيد لأنه إذا دفعه إلى المكاتب أتجر فيه ونماه فهو أقرب إلى العتق
والله أعلم

فرع إذا استغنى المكاتب عما أعطيناه أو عتق بتبرع السيد باعتاقه أو
الزكاة في يده فوجهان
وقيل قولان
أحدهما لا يسترد منه كالفقير يستغني وأصحهما يسترد لعدم حصول المقصود بالمدفوع
ويجري الوجهان في الغارم إذا استغنى عن المأخوذ بإبراء ونحوه وإن كان قد تلف المال في يده بعد العتق غرمه وإن تلف قبله فلا على الصحيح
وقال في الوسيط وكذا لو تلفه
وإذا عجز المكاتب فان كان المال في يده استرد
وإن كان تالفا لزمه غرمه على الأصح
وهل يتعلق بذمته أم برقبته فيه وجهان


قلت أصحهما بذمته
والله أعلم
ولو دفعه إلى السيد وعجز عن بقية النجوم ففي الاسترداد من السيد الخلاف السابق في الاسترداد من المكاتب فان تلف عنده ففي الغرم الخلاف السابق أيضا ولو ملكه السيد شخصا لم يسترد منه بل يغرم السيد إن قلنا بتغريمه
قلت وإذا لم يعجز نفسه واستمر في الكتابة فتلف ما أخذ وقع الموقع
والله أعلم

فرع للمكاتب أن يتجر بما أخذه طلبا للزيادة وحصول الأداء والغارم

فرع نقل بعض الأصحاب للامام أن للمكاتب أن ينفق ما أخذ ويؤدي
من كسبه
ويجب أن يكون الغارم كالمكاتب
قلت قد قطع صاحب الشامل بأن المكاتب يمنع من إنفاق ما أخذ
ونقله أيضا صاحب البيان عنه
ولم يذكره غيره وهذا أقيس من قول الإمام
والله أعلم
فرع قال البغوي في الفتاوى لو اقترض ما أدى به النجوم فعتق

إليه من سهم الرقاب ولكن يصرف إليه من سهم الغارمين كما لو قال لعبده أنت حر على ألف فقبل عتق ويعطى الألف من سهم الغارمين
الصنف السادس الغارمون والديون ثلاثة أضرب
الأول دين لزمه لمصلحة نفسه فيعطى من الزكاة ما يقضي به بشروط
أحدها أن يكون به حاجة إلى قضائه منها فلو وجد ما يقضيه من نقد أو عرض فقولان
القديم يعطى للآية وكالغارم لذات البين
والأظهر المنع كالمكاتب وابن السبيل
فعلى هذا لو وجد ما يقضي به بعض الدين أعطي البقية فقط فلو لم يملك شيئا ولكن يقدر على قضائه بالاكتساب فوجهان
أحدهما لا يعطى كالفقير وأصحهما يعطى لأنه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن
والفقير يحصل حاجته في الحال ويجري الوجهان في المكاتب إذا لم يملك شيئا لكنه كسوب
وأما معنى الحججة المذكورة فعبارة الأكثرين تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا وربما صرحوا به
وفي بعض شروح المفتاح أنه لا يعتبر المسكن والملبس والفراش والآنية
وكذا الخادم والمركوب إن اقتضاهما حاله بل يقضى دينه وإن ملكها
وقال بعض المتأخرين لا يعتبر الفقر والمسكنة هنا بل لو ملك قدر كفايته وكان لو قضى دينه لنقص ماله عن كفايته ترك معه ما يكفيه وأعطي ما يقضي به الباقي وهذا أقرب
الشرط الثاني أن يكون دينه لنفقة في طاعة أو مباح فإن كان في معصية كالخمر والإسراف في النفقة لم يعط قبل التوبة على الصحيح فإن تاب ففي إعطائه وجهان
أصحهما في الشامل و التهذيب لا يعطى وبه قال ابن أبي هريرة
وأصحهما عند أبي خلف السلمي والروياني يعطى وقطع به في الإفصاح وهو قول أبي إسحق
قلت جزم الإمام الرافعي في المحرر بالوجه الأول
والله أعلم


الأصح الثاني
وممن صححه غير المذكورين المحاملي في المقنع وصاحب التنبيه وقطع به الجرجاني في التحرير ولم يتعرض الأصحاب هنا لاستبراء حاله ومضي مدة بعد توبته يظهر فيها صلاح الحال إلا أن الروياني قال يعطى على أحد الوجهين إذا غلب على الظن صدقه في توبته فيمكن أن يحمل عليه
الشرط الثالث أن يكون حالا فإن كان مؤجلا ففي إعطائه أوجه
ثالثها إن كان الأجل تلك السنة أعطي وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة
قلت الأصح لا يعطى وبه قطع في البيان
والله أعلم
الضرب الثاني ما استدانه لإصلاح ذات البين مثل أن يخاف فتنة بين قبيلتين أو شخصين فيستدين طلبا للاصلاح وإسكان الثائرة فينظر إن كان ذلك في دم تنازع فيه قبيلتان ولم يظهر القاتل فتحمل الدية قضي دينه من سهم الغارمين إن كان فقيرا أو غنيا بعقار قطعا
وكذا إن كان غنيا بنقد على الصحيح
والغنى بالعروض كالغني بالعقار على المذهب
وقيل كالنقد ولو تحمل قيمة مال متلف أعطي مع الغنى على الأصح
الضرب الثالث ما التزمه بضمان فله أربعة أحوال
أحدها أن يكون الضامن والمضمون عنه معسرين فيعطى الضامن ما يقضي به الدين
قال المتولي ويجوز صرفه إلى المضمون عنه وهو أولى لأن الضامن فرعه ولأن الضامن إذا أخذ وقضى الدين بالمأخوذ ثم رجع على المضمون عنه احتاج الإمام أن يعطيه ثانيا وهذا الذي قاله ممنوع بل إذا أعطيناه لا يرجع إنما يرجع الضامن إذا غرم من عنده
الحال الثاني أن يكونا موسرين فلا يعطى لأنه إذا غرم رجع على الأصيل وإن ضمن بغير إذنه فوجهان


الحال الثالث إذا كان المضمون عنه موسرا والضامن معسرا فإن ضمن بإذنه لم يعط لأنه يرجع وإلا أعطي في الأصح
الحال الرابع أن يكون المضمون عنه معسرا والضامن موسرا فيجوز أن يعطي المضمون عنه وفي الضامن وجهان
أصحهما لا يعطى

فرع إنما يعطى الغارم عند بقاء الدين فأما إذا أداه من ماله
يعطى لأنه لم يبق غارما
وكذا لو بذل ماله ابتداء فيه لم يعط فيه لأنه ليس غارما
فرع قال أبو الفرج السرخسي ما استدانه لعمارة المسجد وقرى الضيف حكمه حكم ما استدانه لمصلحة نفسه

وحكى الروياني عن بعض الأصحاب أنه يعطى هذا مع الغنى بالعقار ولا يعطى مع الغنى بالنقد
قال الروياني هذا هو الاختيار
فرع يجوز الدفع إلى الغريم بغير إذن صاحب الدين ولا يجوز إلى
الدين بغير إذن المديون لكن يسقط من الدين بقيمة قدر المصروف كما سبق في المكاتب
ويجوز الدفع إليه بإذن المديون وهو أولى إلا إذا لم يكن وافيا وأراد المديون أن يتجر فيه


فرع لو أقام بينة أنه غرم وأخذ الزكاة ثم بان كذب الشهود
الفرض القولان فيمن دفعها إلى من ظنه فقيرا فبان غنيا قاله إمام الحرمين
ولو دفع إليه وشرط أن يقضيه ذلك عن دينه لم يجزئه قطعا ولا يصح قضاء الدين بها
قلت ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز
والله أعلم
قال في التهذيب ولو قال المديون ادفع إلي زكاتك حتى أقضيك دينك ففعل أجزأه عن الزكاة ولا يلزم المديون دفعه إليه عن دينه
ولو قال صاحب الدين اقض ما عليك لأرده عليك من زكاتي ففعل صح القضاء ولا يلزمه رده
قال القفال ولو كان له عند الفقير حنطة وديعة فقال كل لنفسك كذا ونواه زكاة ففي إجزائه عن الزكاة وجهان
ووجه المنع أن المالك لم يكله
فلو كان وكله بشراء ذلك القدر فاشتراه فقبضه وقال الموكل خذه لنفسك ونواه زكاة أجزأه لأنه لا يحتاج إلى كيله
قلت ذكر صاحب البيان أنه لو مات رجل عليه دين ولا وفاء له ففي قضائه من سهم الغارمين وجهان ولم يبين الأصح
والأصح الأشهر لا يقضى منه ولو كان له عليه دين فقال جعلته عن زكاتي لا يجزئه على الأصح حتى يقبضه ثم يرده إليه إن شاء وعلى الثاني يجزئه كما لو كان وديعة حكاه في البيان ولو ضمن دية مقتول عن قاتل لا يعرف أعطي مع الفقر والغنى

كما سبق
وإن ضمن عن قاتل معروف لم يعط مع الغني كذا حكاه في البيان عن الصيمري وفي هذا التفصيل نظر
والله أعلم
الصنف السابع في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا رزق لهم في الفيىء ولا يصرف شىء من الصدقات إلى الغزاة المرتزقة كما لا يصرف شىء من الفيىء إلى المطوعة
فإن لم يكن مع الإمام شىء للمرتزقة واحتاج المسلمين إلى من يكفيهم شر الكفار فهل يعطى المرتزقة من الزكاة من سهم سبيل الله فيه قولان
أظهرهما لا بل تجب إعانتهم على أغنياء المسلمين ويعطى الغازي غنيا كان أو فقيرا
الصنف الثامن ابن السبيل وهو شخصان
أحدهما من أنشأ سفرا من بلده أو من بلد كان مقيما به والثاني الغريب المجتاز بالبلد
فالأول يعطى قطعا وكذا الثاني على المذهب
وقيل إن جوزنا نقل الصدقة جاز الصرف إليه وإلا فلا
ويشترط أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره فيعطى من لا مال له أصلا وكذا من له مال في غير البلد المنتقل إليه منه
ويشترط أن لا يكون سفره معصية فيعطى في سفر الطاعة قطعا وكذا في المباح كالتجارة وطلب الآبق على الصحيح
وعلى الثاني لا يعطى فعلى هذا يشترط كون السفر طاعة فإذا قلنا يعطى في المباح ففي سفر النزهة وجهان لأنه ضرب من الفضول
والأصح أنه يعطى


فصل في الصفات المشترطة في جميع الأصناف
فمنها أن لا يكون المدفوع إليه كافرا ولا غازيا مرتزقا كما سبق وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا قطعا ولا مولى لهم على الأصح
فلو استعمل هاشمي أم مطلبي لم يحل لهم سهم العامل على الأصح
ويجري الخلاف فيما إذا جعل بعض المرتزقة عاملا
ولو انقطع خمس الخمس عن بني هاشم وبني المطلب لخلو بيت المال عن الفيىء والغنيمة أو لاستيلاء الظلمة عليهما لم يعطوا الزكاة على الأصح الذي عليه الأكثرون وجوزه الأصطخري واختاره القاضي أبو سعد الهروي ومحمد بن يحيى رحمهم الله
فصل في كيفية الصرف إلى المستحقين وما يتعلق به فيه مسائل
إحداها فيما يعول عليه في صفات المستحقين
قال الأصحاب من طلب الزكاة وعلم الإمام أنه ليس مستحقا لم يجز الصرف إليه
وإن علم استحقاقه جاز ولم يخرجوه على القضاء بعلمه
وإن لم يعرف حاله فالصفات قسمان
خفية وجلية فالخفي الفقر والمسكنة فلا يطالب مدعيهما ببينة لعسرهما
لكن إن عرف له مال فادعى هلاكه طولب بالبينة لسهولتها ولم يفرقوا بين دعواه الهلاك بسبب خفي كالسرقة أو ظاهر كالحريق
وإن قال لي عيال لا يفي كسبي بكفايتهم طولب ببينة على العيال على الأصح
ولو قال لا كسب لي

وحاله تشهد بصدقه بأن كان شيخا كبيرا أو زمنا أعطي بلا بينة ولا يمين
وإن كان قويا جلدا أو قال لا مال لي واتهمه الإمام فهل يحلف فيه وجهان
أصحهما لا فإن حلفناه فهل هو واجب أم مستحب وجهان
فإن نكل وقلنا اليمين واجبة لم يعط
وإن قلنا مستحبة أعطي
وأما الصفة الجلية فضربان
أحدهما يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في المستقبل وهو الغازي وابن السبيل فيعطيان بقولهما بلا بينة ولا يمين
ثم إن لم يحققا الموعود ويخرجا في السفر استرد نهما
ولم يتعرض الجمهور لبيان القدر الذي يحتمل تأخير الخروج فيه وقدره السرخسي في أماليه بثلاثة أيام فإن انقضت ولم يخرج استرد منه
ويشبه أن يكون هذا على التقريب وأن يعتبر ترصده للخروج وكون التأخير لانتظار الرفقة وتحصيل أهبة وغيرهما
الضرب الثاني يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال وتدخل فيه بقية الأصناف
فإذا ادعى العامل العمل طولب بالبينة لسهولتها ويطالب بها المكاتب والغارم
ولو صدقهما المولى وصاحب الدين كفى على الأصح ولو كذبه المقر له لغا الإقرار
وأما المؤلف قلبه فإن قال نيتي في الاسلام ضعيفة قبل قوله لأن كلامه يصدقه وإن قال أنا شريف مطاع في قومي طولب بالبينة كذا فصله جمهور الأصحاب ومنهم من أطلق أنه لا يطالب بالبينة ويقوم مقام البينة الاستفاضة باشتهار الحال بين الناس لحصول العلم أو غلبة الظن ويشهد لما ذكرناه من اعتبار غلبة الظن ثلاثة أمور
أحدها قال بعض الأصحاب لو أخبر عن الحال واحد يعتمد قوله كفى
الثاني قال الإمام رأيت للأصحاب رمزا إلى تردد في أنه لو حصل الوثوق بقول من يدعي الغرم وغلب على الظن صدقه هل يجوز اعتماده الثالث

حكى بعض المتأخرين ما لا بد من معرفته وهو أنه لا يعتبر في هذه المواضع سماع القاضي والدعوى والإنكار والإشهاد بل المراد إخبار عدلين
واعلم أن كلامه في الوسيط يوهم أن إلحاق الاستفاضة بالبينة مختص بالمكاتب والغارم ولكن الوجه تعميم ذلك في كل مطالب بالبينة من الأصناف
المسألة الثانية في قدر المعطى فالمكاتب والغارم يعطيان قدر دينهما فإن قدرا على بعضه أعطيا الباقي
والفقير والمسكين يعطيان ما تزول به حاجتهما وتحصل كفايتهما
ويختلف ذلك باختلاف الناس والنواحي فالمحترف الذي لا يجد آلة حرفته يعطى ما يشتريها به قلت قيمتها أو كثرت
والتاجر يعطى رأس مال ليشتري ما يحسن التجارة فيه ويكون قدر ما يفي ربحه بكفايته غالبا وأوضحوه بالمثال فقالوا البقلي يكتفي بخمسة دراهم والباقلاني بعشرة والفاكهي بعشرين والخباز بخمسين والبقال بمائة والعطار بألف والبزاز بألفي درهم والصيرفي بخمسة آلاف والجوهري بعشرة آلاف

فرع من لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة قال العراقيون وآخرون يعطى
كفاية العمر الغالب
وقال آخرون منهم الغزالي والبغوي يعطى كفاية سنة لأن الزكاة تتكرر كل سنة
قلت وممن قطع بالمسألة صاحب التلخيص والرافعي في المحرر ولكن الأصح ما قاله العراقيون وهو نص الشافعي رضي الله عنه ونقله الشيخ نصر المقدسي عن جمهور أصحابنا قال وهو المذهب
والله أعلم


وإذا قلنا يعطى كفاية العمر فكيف طريقه قال في التتمة وغيره يعطى ما يشتري به عقارا يستغل منه كفايته
ومنهم من يشعر كلامه بأنه يعطى ما ينفق عينه في حاجاته والأول أصح

فرع وأما ابن السبيل فيعطى ما يبلغه مقصده أو موضع ماله إن
له في طريقه مال فيعطى النفقة والكسوة إن احتاج إليهما بحسب الحال شتاء وصيفا ويهيأ له المركوب إن كان السفر طويلا والرجل ضعيفا لا يستطيع المشي
وإن كان السفر قصيرا أو الرجل قويا لم يعط ويعطى ما ينقل زاده ومتاعه إلا أن يكون قدرا يعتاد مثله أن يحمله بنفسه ثم قال السرخسي في الأمالي إن كان ضاق المال أعطي كراء المركوب
وإن اتسع اشتري له مركوب
فإذا تم سفره استرد منه المركوب على الصحيح الذي قاله الجمهور
ثم كما يعطى لذهابه يعطى لإيابه إن أراد الرجوع ولا مال له في مقصده
هذا هو الصحيح
وفي وجه لا يعطى للرجوع في ابتداء السفر لأنه سفر آخر وإنما يعطى إذا أراد الرجوع ووجه ثالث أنه إن كان على عزم أنه يصل الرجوع بالذهاب أعطي للرجوع أيضا
وإن كان على أن يقيم هناك مدة لم يعط ولا يعطى لمدة الإقامة إلا مدة إقامة المسافرين بخلاف الغازي حيث يعطى للمقام في الثغر وإن طال لأنه قد يحتاج إليه لتوقع فتح الحصن وإنه لا يزول عنه الاسم لطول المقام هذا هو الصحيح
وعن صاحب التقريب أنه إن أقام لحاجة يتوقع زوالها أعطي وإن زادت إقامته على إقامة المسافرين


فرع هل يدفع إلى ابن السبيل جميع كفايته أو ما زاد بسبب السفر

وجهان أصحهما الأول
فرع وأما الغازي فيعطى النفقة والكسوة مدة الذهاب والرجوع ومدة

وهل يعطى جميع المؤنة أم ما زاد بسبب السفر فيه الوجهان كابن السبيل ويعطى ما يشتري به الفرس إن كان يقاتل فارسا وما يشتري به السلاح وآلات القتال ويصير ذلك ملكا له
ويجوز أن يستأجر له الفرس والسلاح
ويختلف الحال بحسب كثرة المال وقلته
وإن كان يقاتل راجلا فلا يعطى لشراء الفرس
وأما ما يحمل عليه الزاد ويركبه في الطريق فكابن السبيل
فرع إنما يعطى الغازي إذا حضر وقت الخروج ليهيء به أسباب سفره

فإن أخذ ولم يخرج فقد سبق أنه يسترد
فإن مات في الطريق أو امتنع من الغزو استرد ما بقي وإن غزا فرجع ومعه بقية فإن لم يقتر على نفسه وكان الباقي شيئا صالحا رده
وإن قتر على نفسه أو لم يقتر إلا أن الباقي شىء يسير لم يسترد قطعا
وفي مثله في ابن السبيل يسترد على الصحيح لأنا دفعنا إلى الغازي لحاجتنا وهي أن يغزو وقد فعل وفي ابن السبيل يدفع لحاجته وقد زالت


فرع في بعض شروح المفتاح أنه يعطى الغازي نفقته ونفقة عياله ذهابا
ومقاما ورجوعا
وسكت الجمهور عن نفقة العيال لكن أخذها ليس ببعيد
فرع للامام الخيار إن شاء دفع الفرس والسلاح إلى الغازي تمليكا وإن
في سبيل الله تعالى فيعيرهم إياها وقت الحاجة فإذا انقضت استرد
وفيه وجه أنه لا يجوز أن يشتري لهم الفرس والسلاح قبل وصول المال إليهم
فرع وأما المؤلف فيعطى ما يراه الإمام

قال المسعودي يجعله على قدر كلفتهم وكفايتهم
فرع وأما العامل فاستحقاقه بالعمل حتى لو حمل صاحب الأموال زكاتهم إلى
المثل لعمله
فإن شاء الإمام بعثه بلا شرط ثم أعطاه أجرة مثل عمله وإن شاء سمى له قدر

أجرته إجارة أو جعالة ويؤديه من الزكاة
ولا يستحق أكثر من أجرة المثل
فإن زاد فهل تفسد التسمية أم يكون قدر الأجرة من الزكاة والزائد في خالص مال الإمام فيه وجهان
قلت أصحهما الأول
والله أعلم
فإن زاد سهم العاملين على أجرته رد الفاضل على سائر الأصناف
وإن نقص فالمذهب أنه يكمل من مال الزكاة ثم يقسم
وفي قول من خمس الخمس وقيل يتخير الامام بينهما بحسب المصلحة وقيل إن بدأ بالعامل كمله من الزكاة وإلا فمن الخمس لعسر الاسترداد من الأصناف
وقيل إن فضل عن حاجة الأصناف فمن الزكاة وإلا فمن بيت المال
والخلاف في جواز التكميل من الزكاة واتفقوا على جواز التكميل من سهم المصالح مطلقا بل لو رأى الإمام أن يجعل أجرة العامل كلها في بيت المال جاز ويقسم الزكاة على سائر الأصناف

فرع إذا اجتمع في شخص صفتان فهل يعطى بهما أم بأحدهما فقط

أصحها على قولين
أظهرهما بإحداهما فيأخذ بأيتهما شاء
والطريق الثاني القطع بهذا
والثالث إن اتحد جنس الصفتين أعطي بإحداهما وإن اختلف فيهما فيعطى بهما
فالاتحاد كالفقر مع الغرم لمصلحة نفسه لأنهما يأخذان لحاجتهما إلينا
وكالغرم للاصلاح مع الغزو فإنهما لحاجتنا إليهما
والاختلاف كالفقر والغزو
فإن قلنا بالمنع فكان العامل فقيرا فوجهان
بناء على أن ما يأخذه العامل أجرة لأنه إنما يستحق بالعمل أم صدقة لكونه معدودا في الأصناف وفيه وجهان
وإذا جوزنا الإعطاء بمعنيين جاز بمعان وفيه احتمال للحناطي


قلت قال الشيخ نصر إذا قلنا لا يعطى إلا بسبب فأخذ بالفقر كان لغريمه أن يطالبه بدينه فيأخذ ما حصل له
وكذا إن أخذه بكونه غارما فإذا بقي بعد أخذه منه فقيرا فلا بد من إعطائه من سهم الفقراء لأنه الآن محتاج
والله أعلم
المسألة الثالثة يجب استيعاب الأصناف الثمانية عند القدرة عليهم فإن فرق بنفسه أو فرق الإمام وليس هناك عامل فرق على السبعة
وحكي قول أنه إذا فرق بنفسه سقط أيضا نصيب المؤلفة
والمشهور ما سبق
ومتى فقد صنف فأكثر قسم المال على الباقين
فان لم يوجد أحد من الأصناف حفظت الزكاة حتى يوجدوا أو يوجد بعضهم
وإذا قسم الإمام لزمه استيعاب آحاد كل صنف ولا يجوز الاقتصار على بعضهم لأن الاستيعاب لا يتعذر عليه وليس المراد أنه يستوعبهم بزكاة كل شخص بل يستوعبهم من الزكاة المختلطة في يده وله أن يخص بعضهم بنوع من المال وآخرين بنوع
وإن قسم المالك فإن أمكنه الاستيعاب بأن كان المستحقون في البلد محصورين يفي بهم المال فقد أطلق في التتمة أنه يجب الاستيعاب وفي التهذيب أنه يجب إن جوزنا نقل الصدقة وإن لم نجوزه لم يجب لكن يستحب وإن لم يمكن سقط الوجوب والاستحباب ولكن لا ينقص الذين ذكرهم الله تعالى بلفظ الجمع من الفقراء وغيرهم عن ثلاثة إلا العامل فيجوز أن يكون واحدا وهل يكتفى في ابن السبيل بواحد فيه وجهان
أصحهما المنع كالفقراء
قال بعضهم ولا يبعد طرد الوجهين في الغزاة لقوله تعالى { وفي سبيل الله } بغير لفظ الجمع
فلو صرف ما عليه إلى اثنين مع القدرة على الثالث غرم للثالث
وفي قدره قولان
المنصوص في الزكاة أنه يغرم ثلث نصيب ذلك الصنف
والقياس أنه يغرم قدرا لو أعطاه في الابتداء أجزأه لأنه الذي فرط فيه

ولو صرفه إلى واحد فعلى الأول يلزمه الثلثان وعلى الثاني أقل ما يجوز صرفه إليهما
قلت هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى إن الأقيس هو الثاني ثم الجمهور أطلقوا القولين هكذا
قال صاحب العدة إذا قلنا يضمن الثلث ففيه وجهان
أحدهما أن المراد إذا كانوا سووا في الحاجة حتى لو كان حاجة هذا الثالث حين استحق التفرقة مثل حاجة الآخرين جميعا
ضمن له نصف السهم ليكون معه مثلهما لأنه يستحب التفرقة على قدر حوائجهم
والثاني أنه لا فرق
والله أعلم
ولو لم يوجد إلا دون الثلاثة من صنف يجب إعطاء ثلاثة منهم وهذا هو الصحيح ومراده إذا كان الثلاثة متعينين أعطى من وجد
وهل يصرف باقي السهم إليه إذا كان مستحقا أم ينقل إلى بلد آخر قال المتولي هو كما لو لم يوجد بعض الأصناف في البلد
وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
قلت الأصح أن يصرف إليه
وممن صححه الشيخ نصر المقدسي ونقله هو وصاحب العدة وغيرهما عن نص الشافعي رحمة الله عليه ودليله ظاهر
والله أعلم

فرع التسوية بين الأصناف واجبة

وإن كانت حاجة بعضهم أشد إلا أن العامل لا يزاد على أجرة عمله كما سبق
وأما التسوية بين آحاد الصنف سواء استوعبوا أو اقتصر على بعضهم فلا يجب لكن يستحب عند تساوي الحاجات
هذا إذا قسم المالك
قال في التتمة فأما إن قسم الإمام فلا يجوز تفضيل

بعضهم عند تساوي الحاجات لأن عليه التعميم فتلزمه التسوية والمالك لا تعميم عليه فلا تسوية
قلت هذا التفصيل الذي في التتمة وإن كان قويا في الدليل فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية
وحيث لا يجب الاستيعاب قال أصحابنا يجوز الدفع إلى المستحقين من المقيمين بالبلد والغرباء ولكن المستوطنون أفضل لأنهم جيرانه
والله أعلم

فرع إذا عدم في بلد جميع الأصناف وجب نقل الزكاة إلى أقرب
إليه
فان نقل إلى أبعد فهو على الخلاف في نقل الزكاة
وإن عدم بعضهم فان كان العامل سقط سهمه
وإن عدم غيره فان جوزنا نقل الزكاة نقل نصيب الباقي وإلا فوجهان أحدهما ينقل
وأصحهما يرد على الباقين
فان قلنا ينقل نقل إلى أقرب البلاد
فان نقل إلى غيره أو لم ينقل ورده على الباقي ضمن وإن قلنا لا ينقل فنقل ضمن
ولو وجد الأصناف فقسم فنقص سهم بعضهم عن الكفاية وزاد سهم بعضهم عليها فهل يصرف ما زاد إلى من نقص نصيبه أم ينقل إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد فيه هذا الخلاف
وإذا قلنا يرد على من نقص سهمهم رد عليهم بالسوية
فان استغنى بعضهم ببعض المردود قسم الباقي بين الآخرين بالسوية
ولو زاد نصيب جميع الأصناف على الكفاية أو نصيب بعضهم ولم ينقص نصيب الآخرين نقل ما زاد إلى ذلك الصنف
المسألة الرابعة في جواز نقل الصدقة إلى بلد آخر مع وجود المستحقين في بلده خلاف
وتفصيل المذهب فيه عند الأصحاب أنه يحرم النقل ولا تسقط

به الزكاة وسواء كان النقل إلى مسافة القصر أو دونها فهذا مختصر ما يفتى به
وتفصيله أن في النقل قولين
أظهرهما المنع
وفي المراد بهما طرق
أصحها أن القولين في سقوط الفرض ولا خلاف في تحريمه والثاني أنهما في التحريم والسقوط معا والثالث أنهما في التحريم ولا خلاف أنه يسقط
ثم قيل هما في النقل إلى مسافة القصر فما فوقها فإن نقل إلى دونها جاز والأصح طرد القولين
قلت وإذا منعنا النقل ولم نعتبر مسافة القصر فسواء نقل إلى قرية بقرب البلد أم بعيدة
صرح به صاحب العدة وهو ظاهر
والله أعلم

فرع إذا أوصى للفقراء والمساكين وسائر الأصناف أو وجب عليه كفارة أو
امتدادها للزكاة
فرع صدقة الفطر كسائر الزكوات في جواز النقل ومنعه وفي وجوب استيعاب
الأصناف فإن شقت القسمة جمع جماعة فطرتهم ثم قسموها
وقال الأصطخري يجوز صرفها إلى ثلاثة من الفقراء ويروى من الفقراء والمساكين
ويروى من أي صنف اتفق
واختار أبو إسحق الشيرازي جواز الصرف إلى واحد
قلت اتفق أصحابنا المتأخرون أو جماهيرهم على أن مذهب الأصطخري جواز الصرف إلى ثلاثة من المساكين و الفقراء
قال أكثرهم وكذلك يجوز

عنده الصرف إلى ثلاثة من أي صنف كان
وصرح المحاملي والمتولي بأنه لا يجوز عنده الصرف إلى غير المساكين والفقراء
قال المتولي ولا يسقط الفرش واختار الروياني في الحلية صرفها إلى ثلاثة
وحكي اختياره عن جماعة من أصحابنا
والله أعلم

فرع حيث جاز النقل أو وجب فمؤنته على رب المال ويمكن تخريجه
الخلاف السابق في أجرة الكيال
فرع الخلاف في جواز النقل وتفريعه ظاهر فيما إذا فرق رب المال

أما إذا فرق الإمام فربما اقتضى كلام الأصحاب طرد الخلاف فيه وربما دل على جواز النقل له والتفرقة كيف شاء وهذا أشبه
قلت قد قال صاحب التهذيب والأصحاب يجب على الساعي نقل الصدقة إلى الإمام إذا لم يأذن له في تفريقها وهذا نقل
والله أعلم
فرع لو كان المال ببلد والمالك ببلد فالاعتبار ببلد المال لأنه سبب
الأرض حتى حصل

منها المعشر وزكاة النقدين والمواشي والتجارة إلى فقراء البلد الذي تم فيه حولها فإن كان المال عند تمام الحول في بادية صرف إلى فقراء أقرب البلاد إليه
قلت ولو كان تاجرا مسافرا صرفها حيث حال الحول
والله أعلم
ولو كان ماله في مواضع متفرقة قسم زكاة كل طائفة من مال ببلدها ما لم يقع تشقيص فان وقع بأن ملك أربعين من الغنم عشرين ببلد وعشرين بآخر فأدى شاة في أحد البلدين
قال الشافعي رحمه الله كرهته وأجزأه
وهذا هو المذهب وقطع به جمهور الأصحاب
سواء جوزنا نقل الصدقة أم لا
وقال أبو حفص ابن الوكيل هذا جائز إن جوزنا نقل الصدقة وإلا فيؤدي في كل بلد نصف شاة
والصواب الأول
وعللوه بعلتين
إحداهما أن له في كل بلد مالا فيخرج فيها شاة منها والثانية أن الواجب شاة فلا تشقيص
ويتفرع عليهما ما لو ملك مائة ببلد ومائة ببلد آخر فعلى الأول له إخراج الشاتين في أيهما شاء وعلى الثاني لا يجزئه ذلك وهو الأصح
وأما زكاة الفطر إذا كان ماله ببلد وهو بآخر فأيهما يعتبر وجهان
أصحهما ببلد المالك
قلت ولو كان له من تلزمه فطرته وهو ببلد فالظاهر أن الاعتبار ببلد المؤدى عنه
وقال في البيان الذي يقتضي المذهب أنه يبنى على الوجهين في أنها تجب على المؤدي ابتداء أم على المؤدى عنه فتصرف في بلد من تجب عليه ابتداء
والله أعلم


فرع أرباب الأموال صنفان

أحدهما المقيمون في بلد أو قرية أو موضع من البادية فلا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا فعليهم صرف زكاتهم إلى من في موضعهم من الأصناف سواء فيه المقيمون والغرباء
الثاني أهل الخيام المنتقلون من بقعة إلى بقعة فينظر إن لم يكن لهم قرار بل يطوفون البلاد أبدا صرفوها إلى من معهم من الأصناف
فإن لم يكن معهم مستحق نقلوه إلى أقرب البلاد إليهم عند تمام الحول
وإن كان لهم موضع يسكنونه وربما انتقلوا عنه منتجعين ثم عادوا إليه فإن لم يتميز بعضهم عن بعض في الماء والمرعى صرفوها إلى من هو دون مسافة القصر من موضع المال
والصرف إلى الذين يقيمون من هؤلاء بإقامتهم ويظعنون بظعنهم أفضل لشدة جوارهم
وإن تميزت الحلة عن الحلة وانفرد بالماء والمرعى فوجهان
أحدهما أنه كغير المتميزة
وأصحهما أن كل حلة كقرية فلا يجوز النقل عنها
فصل يشترط في الساعي كونه مسلما مكلفا عدلا حرا فقيها بأبواب الزكاة

هذا إذا كان التفويض عاما فإن عين الإمام شيئا يأخذه لم يعتبر الفقه
قال الماوردي وكذا لا يعتبر الاسلام والحرية
قلت عدم اشتراط الاسلام فيه نظر
والله أعلم


وفي جواز كون العامل هاشميا أو من المرتزقة خلاف سبق
وفي الأحكام السلطانية للماوردي أنه يجوز أن يفوض إلى من تحرم عليه الزكاة من ذوي القربى ولكن يكون رزقه من المصالح
وإذا قلد الأخذ وحده أو القسمة وحدها لم يتول إلا ما قلد وإن أطلق التقليد تولى الأمرين
وإنه إذا كان العامل جائزا في أخذ الصدقة عادلا في قسمتها جاز كتمها عنه وجاز دفعها إليه وإن كان عادلا في الأخذ جائزا في القسمة وجب كتمها عنه
فإن أخذها طوعا أو كرها لم تجزىء وعلى أرباب الأموال إخراجها بأنفسهم
وهذا خلاف ما في التهذيب أنه إذا دفع إلى الإمام الجائر سقط عنه الفرض وإن لم يوصله المستحقين إلا أن يفرق بين الدفع إلى الإمام وإلى العامل
قلت لا فرق والأصح الإجزاء فيهما
والله أعلم

فصل وسم النعم جائز في الجملة
ووسم نعم الزكاة والفيىء لتتميز وليردها من وجدها ضالة وليعرف المتصدق ولا يمتلكها لأنه يكره أن يتصدق بشي ثم يشتريه هكذا قاله الشافعي رحمه الله
وليكن الوسم على موضع صلب ظاهر لا يكثر الشعر عليه
والأولى في الغنم الآذان
وفي الإبل والبقر الأفخاذ
ويكره الوسم على الوجه
قلت هكذا قال صاحب العدة وغيره أنه مكروه
وقال صاحب التهذيب لا يجوز وهو الأقوى
وقد صح في صحيح مسلم لعن فاعله وهو دال على التحريم
والله أعلم


ويكون ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر وميسم البقر ألطف من ميسم الإبل
وتميز نعم الزكاة من نعم الفيء فيكتب على الجزية جزية أو صغار
وعلى الزكاة زكاة أو صدقة أو لله تعالى
ونص الشافعي رحمه الله على سمة لله تعالى

فرع ويجوز خصاء ما يؤكل لحمه في صغره لطيب لحمه ولا يجوز
ولإخصاء ما لا يؤكل
فصل في مسائل متفرقة
أحدها ينبغي للامام والساعي وكل من يفوض إليه أمر تفريق الصدقات أن يعتني بضبط المستحقين ومعرفة أعدادهم وأقدار حاجاتهم بحيث يقع الفراغ من جميع الصدقات بعد معرفتهم أو معها ليتعجل حقوقهم وليأمن هلاك المال عنده
الثانية ينبغي أن يبدأ في القسمة بالعالمين لأن استحقاقهم أقوى لكونهم يأخذون معاوضة
قلت هذا التقديم مستحب
والله أعلم
الثالثة لا يجوز للامام ولا للساعي أن يبيع شيئا من الزكاة بل يوصلها بحالها إلى المستحقين إلا إذا وقعت ضرورة بأنأشرفت بعض الماشية على الهلاك

أو كان في الطريق خطر أو احتاج إلى رد جيران أو إلى مؤنة نقل فحينئذ يبيع
ولو وجبت ناقة أو بقرة أو شاة فليس للمالك أن يبيعها ويقسم الثمن بل يجمعهم ويدفعها إليهم وكذا حكم الإمام عند الجمهور وخالفهم في التهذيب فقال إن رأى الإمام ذلك فعله وإن رأى أن يبيع باع وفرق الثمن عليهم
قلت وإذا باع في الموضع الذي لا يجوز فالبيع باطل ويسترد المبيع فإن تلف ضمنه
والله أعلم
الرابعة إذا دفع الزكاة إلى من ظنه مستحقا فبان غير مستحق ككافر وعبد وغني وذي قربى فالفرض يسقط عن المالك بالدفع إلى الإمام لأنه نائب المستحقين
ولا يجب الضمان على الإمام إذا بان غنيا لأنه لا تقصير ويسترد سواء أعلمه أنها زكاة أم لا فإن كان قد تلف غرمه وصرف الغرم إلى المستحقين
وفي باقي الصور المذكورة قولان
أظهرهما لا يضمن وقيل لا يضمن قطعا
وقيل يضمن قطعا لتفريطه فإنها لا تخفى غالبا بخلاف الغني ولأنها أشد منافاة فإنها تنافي الزكاة بكل حال بخلافه
ولو دفع المالك بنفسه فبان المدفوع إليه غنيا لم يجزه على الأظهر بخلاف الامام لأنه نائب الفقراء
وإن بان كافرا أو عبدا أو ذا قربى لم يجزه على الأصح
قلت ولو دفع سهم المؤلفة أو الغازي إليه فبان المدفوع إليه امرأة فهو كما لو بان عبدا
والله أعلم
وإذا لم يسقط الفرض فإن بين أن المدفوع زكاة استرد إن كان باقيا وغرم المدفوع إليه إن كان تالفا
ويتعلق بذمه العبد إذا دفع إليه
وإن لم يذكر أنه زكاة لم يسترد ولا غرم بخلاف الإمام يسترد مطلقا لأن ما يفرقه الإمام على الأصناف هو الزكاة غالبا وغيره قد يتطوع
والحكم في الكفارة متى بان المدفوع إليه غير مستحق كحكم الزكاة


الخامسة في وقت استحقاق الأصناف الزكاة
قال الشافعي رحمه الله يستحقون يوم القسمة إلا العامل فإنه يستحق بالعمل
وقال في موضع آخر يستحقون يوم الوجوب
قال الأصحاب ليس في المسألة خلاف
بل النص الثاني محمول على ما إذا لم يكن في البلد إلا ثلاثة أو أقل ومنعنا نقل الصدقة فيستحقون يوم الوجوب حتى لو مات واحد منهم دفع نصيبه إلى ورثته وإن غاب أو أيسر فحقه بحاله وإن قدم غريب لم يشاركهم والنص الأول فيما إذا لم يكونوا محصورين في ثلاثة أو كانوا وجوزنا نقل الزكاة فيستحقون بالقسمة حتى لا حق لمن مات أو غاب أو أيسر بعد الوجوب وقبل القسمة وإن قدم غريب شاركهم
السادسة في فتاوى القفال أن الإمام لو لم يفرق ما اجتمع عنده من مال الزكاة من غير عذر فتلف ضمن
والوكيل بالتفريق لو أخر فتلف لم يضمن لأن خلوكيل لا يجب عليه التفريق بخلاف الإمام
قلت قال أصحابنا لو جمع الساعي الزكاة فتلفت في يده قبل أن تصل إلى الإمام استحق أجرته من بيت المال
والله أعلم
السابعة قال صاحب البحر لو دفع الزكاة إلى فقير وهو غير عارف بالمدفوع بأن كان مشدودا في خرقة ونحوها لا يعرف جنسه وقدره وتلف في يد المسكين ففي سقوط الزكاة احتمالان
لأن معرفة القابض لا تشترط فكذا معرفة الدافع
قلت الأرجح السقوط
وبقيت من الباب مسائل تقدمت في باب أداء الزكاة وغيره
وبقيت مسائل لم يذكرها الإمام الرافعي هنا


منها قال الصيمري كان الشافعي رحمه الله في القديم يسمي ما يؤخذ من الماشية صدقة ومن النقدين زكاة ومن المعشرات عشرا فقط
ثم رجع عنه وقال يسمى الجميع زكاة وصدقة
ومنها الاختلاف
قال أصحابنا اختلاف رب المال والساعي على ضربين
أحدهما أن يكون دعوى رب المال لا تخالف الظاهر والثاني تخالفه
وفي الضربين إذا اتهمه الساعي حلفه واليمين في الضرب الأول مستحبة بلا خلاف
فان امتنع عن اليمين ترك ولا شىء
وأما الضرب الثاني فاليمين فيه مستحبة أيضا على الأصح وعلى الثاني واجبة فإن قلنا مستحبة فامتنع فلا شىء عليه وإلا أخذت منه لا بالنكول بل بالسبب السابق
فمن الصور التي لا يكون قوله فيها مخالفا للظاهر أن يقول لم يحل الحول بعد
ومنها أن يقول الساعي كانت ماشيتك نصابا ثم توالدت فيضم الأولاد إلى الأمات ويقول رب المال لم تكن نصابا وإنما تمت نصابا بالأولاد فابتدأ الحول من حين التولد
ومنها أن يقول الساعي هذه السخال توالدت من نفس النصاب قبل الحول فقال بل بعد الحول أو من غير النصاب
ومن الصور التي تخالف فيها الظاهر أن يقول الساعي مضى عليك حول فقال المالك كنت بعته في أثناء الحول ثم اشتريته أو قال أخرجت زكاته وقلنا يجوز أن يفرق بنفسه
وقد سبق هذه المسألة في باب أداء الزكاة ولو قال هذا المال وديعة فقال الساعي بل ملكك فوجهان
أصحهما أنه مخالف للظاهر وبه قطع الأكثرون والثاني لا
ومنها الأفضل في الزكاة إظهار إخراجها ليراه غيره فيعمل عمله ولئلا يساء الظن به


ومنها قال الغزالي في الإحياء يسأل الآخذ دافع الزكاة عن قدرها فيأخذ بعض الثمن بحيث يبقى من الثمن ما يدفعه إلى اثنين من صنفه
فإن دفع إليه الثمن بكماله لم يحل له الأخذ
قال وهذا السؤال واجب في أكثر الناس فإنهم لا يراعون هذا إما لجهل وإما لتساهل وإنما يجوز ترك السؤال عن مثل هذا إذا لم يغلب الظن احتمال التحريم
والله أعلم

باب صدقة التطوع
هي مستحبة وفي شهر رمضان آكد
قلت وكذا عند الأمور المهمة وعند الكسوف والمرض والسفر وبمكة والمدينة وفي الغزو والحج والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد ففي كل هذا الموضع آكد من غيرها
قال في الحاوي ويستحب أن يوسع في رمضان على عياله ويحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر
والله أعلم
فصل وكانت محرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأظهر
له وهي حلال لذوي القربى على المشهور
وتح للأغنياء والكفار وصرفها سرا أفضل وإلى الأقارب والجيران أفضل
وكذا الزكاة والكفارة وصرفهما إليهم أفضل إذا كانوا بصفة استحقاقهما
والأولى أن يبدأ بذي الرحم المحرم كالإخوة والأخوات والأعمام والأخوال

ويقدم الأقرب فالأقرب
وقد ألحق الزوج والزوجة بهؤلاء ثم بذي الرحم غير المحرم كأولاد العم والخال ثم المحرم بالرضاع ثم بالمصاهرة ثم المولى من أعلى وأسفل ثم الجار
فإذا كان القريب بعيد الدار في البلد قدم على الجار الأجنبي
فإن كان الأقارب خارجين عن البلد فإن منعنا نقل الزكاة قدم الأجنبي وإلا فالقريب
وكذا أهل البادية فحيث كان القريب والأجنبي الجار بحيث يجوز الصرف إليهما قدم القريب

فصل يكره التصدق بالرديء وبما فيه شبهة

فصل ومن فضل عن حاجته وحاجة عياله وعن دينه مال هل يستحب بجميع الفاضل
فيه أوجه
أحدهما نعم والثاني لا وأصحهما إن صبر على الإضافة فنعم وإلا فلا
وأما من يحتاج إليه لعياله الذين تلزمه نفقتهم وقضاء دينه فلا يستحب له التصدق وربما قيل يكره
قلت هذه العبارة موافقة لعبارة الماوردي والغزالي والمتولي وآخرين
وقال القاضي أبو الطيب وأصحاب الشامل و المهذب و التهذيب و البيان والدارمي والروياني في الحلية وآخرون لا يجوز أن يتصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة عياله وهذا أصح في نفقة عياله والأول أصح في نفقة نفسه وأما الدين فالمختار أنه إن غلب على ظنه حصول وفائه من جهة

أخرى فلا بأس بالتصدق وإلا فلا يحل
واعلم أنه بقي من الباب مسائل كثيرة
منها قال أبو علي الطبري يقصد بصدقته من أقاربه أشدهم له عداوة ليتألف قلبه ولما فيه من سقوط الرياء وكسر النفس
ويستحب للغني التنزه عنها ويكره له التعرض لأخذها
قال في البيان ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة
وهذا الذي قاله حسن وعليه حمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات من أهل الصفة فوجدوا له دينارين فقال كيتان من نار
فأما إذا سأل الصدقة فقال صاحب الحاوي وغيره إن كان محتاجا لم يحرم السؤال وإن كان غنيا بمال أو صنعة فسؤاله حرام وما يأخذه حرام عليه
هذا لفظ صاحب الحاوي
ولنا وجه ضعيف ذكره صاحب الكتاب وغيره في كتاب النفقات أنه لا يحرم
قال أصحابنا وغيرهم ينبغي أن لا يمتنع من الصدقة بالقليل احتقارا له
قال الله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } وفي الحديث الصحيح اتقوا النار ولو بشق تمرة ويستحب أن يخص بصدقته أهل الخير والمحتاجين
وجاءت أحاديث كثيرة بالحث على الصدقة بالماء
ومن دفع إلى غلامه أو ولده ونحوهما شيئا ليعطيه لسائل لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه السائل فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك السائل استحب له أن لا يعود فيه بل يتصدق به ومن تصدق بشىء كره له أن يتملكه من جهة من دفعه إليه بمعاوضة أو هبة
ولا بأس به بملكه منه بالإرث ولا بتملكه من غيره
وينبغي أن يدفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة وجه ويحرم المن بها وإذا من بطل ثوابها
ويستحب أن يتصدق مما يحبه
قال صاحب المعاياة لو نذر

صوما أو صلاة في وقت بعينه لم يجز فعله قبله ولو نذر التصدق في وقت بعينه جاز التصحق قبله كما لو عجل الزكاة
ومما يحتاج إليه مسائل ذكرها الغزالي في الإحياء
منها اختلف السلف في أن المحتاج هل الأفضل له أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع فكان الجنيد والخواص وجماعة يقولون الاخذ من الصدقة أفضل لئلا يضيق على الأصناف ولئلا يخل بشرط من شروط الأخذ
وأما الصدقة فأمرها هين
وقال آخرون الزكاة أفضل لأنه إعانة على واجب ولو ترك أهل الزكاة كلهم أخذها أثموا ولأن الزكاة لا منة فيها
قال الغزالي والصواب
أنه يختلف بالأشخاص
فإن عرض له شبهة في استحقاقه لم يأخذ الزكاة وإن قطع باستحقاقه نظر إن كان المتصدق إن لم يأخذ هذا لا يتصدق فليأخذ الصدقة فإن إخراج الزكاة لا بد منه وإن كان لا بد من إخراج تلك الصدقة ولم يضيق بالزكاة تخير
وأخذ الزكاة أشد في كسر النفس
وذكر أيضا اختلاف الناس في إخفاء أخذ الصدقة وإظهاره أيهما أفضل وفي كل واحد فضيلة ومفسدة
ثم قال وعلى الجملة الأخذ في الملاء وترك الأخذ في الخلاء أحسن
والله أعلم


كتاب الصيام
يجب صوم رمضان باستكمال شعبان ثلاثين أو رؤية هلاله فمن رأى الهلال بنفسه لزمه الصوم
ومن لم يره وشهد بالرؤية عدلان لزمه
وكذا إن شهد عدل على الأظهر المنصوص في أكثر كتبه
وقيل يلزم بقول الواحد قطعا
والثاني لا بد من اثنين
فإن قلنا لا بد من اثنين فلا مدخل لشهادة النساء والعبيد فيه
ولا بد من لفظ الشهادة ويختص بمجلس القضاء ولكنها شهادة حسية لا ارتباط لها بالدعوى وإن قبلنا الواحد فهل هو بطريق الرواية أم الشهادة وجهان
أصحهما شهادة فلا يقبل قول العبد والمرأة
نص عليه في الأم وإذا قلنا رواية قبلا
وهل يشترط لفظ الشهادة قال الجمهور هو على الوجهين في كونه رواية أو شهادة
وقيل يشترط قطعا
وإذا قلنا رواية ففي الصبي المميز الموثوق به طريقان
أحدهما أنه على الوجهين في قبول رواية الصبي والثاني وهو المذهب الذي قطع به الأكثرون

القطع بأنه لا تقبل
وقال الامام وابن الصباغ تفريعا على أنه رواية إذا أخبره موثوق به بالرؤية لزم قبوله وإن لم يذكره عند القاضي وقالت طائفة يجب الصوم بذلك إذا اعتقد صدقه
ولم يفرعوه على شىء
ومن هؤلاء ابن عبدان والغزالي في الإحياء وصاحب التهذيب
واتفقوا على أنه لا يقبل قول الفاسق على القولين جميعا
ولكن إن اعتبرنا العدد اشترطنا العدالة الباطنة وإلا فوجهان جاريان في رواية المستور
ولا فرق على القولين بين أن تكون السماء مصحية أو مغيمة

فرع إذا صمنا بقول واحد تفريعا على الأظهر ولم نر الهلال بعد
فهل نفطر فيه وجهان
أصحهما عند الجمهور نفطر وهو نصه في الأم
ثم الوجهان جاريان سواء كانت السماء مصحية أو مغيمة
هذا مقتضى كلام الجمهور
وقال صاحب العدة وحكاه صاحب التهذيب الوجهان إذا كانت السماء مصحية فإن كانت مغيمة أفطرنا قطعا
ولو صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال بعد ثلاثيل فإن كانت مغيمة أفطرنا قطعا وإن كانت مصحية أفطرنا أيضا على المذهب الذي قطع به الجماهير ونص عليه في الأم وحرملة
وقال ابن الحداد لا نفطر ونقل عن ابن سريج أيضا
وفرع بعضهم على قول ابن الحداد فقال لو شهد اثنان على هلال شوال ولم نر الهلال والسماء مصحية بعد ثلاثين قضينا أول يوم أفطرناه لأنه بان كونه من رمضان لكن لا كفارة على من جامع فيه لأن الكفارة تسقط بالشبهة وعلى المذهب لا قضاء


فرع هل يثبت هلال رمضان بالشهادة على الشهادة فيه طريقان

أحدهما على قولين كالحدود لأنه من حقوق الله تعالى وأصحهما القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف حصر المسجد وإنما القولان في الحدود المبنية على الاسقاط
فعلى هذا عدد الفروع مبني على الأصول فإن اعتبرنا العدد في الأصول فحكم الفروع حكمهم في سائر الشهادات ولا مدخل فيه للنساء والعبيد وإن لم نعتبر العدد فإن قلنا طريقه الرواية فوجهان
أحدهما يكفي واحد كرواية الأخبار والثاني لا بد من اثنين
قال في التهذيب وهو الأصح لأنه ليس بخبر من كل وجه بدليل أنه لا يكفي أن يقول أخبرني فلان عن فلان أنه رأى الهلال فعلى هذا هل يشترط إخبار حرين ذكرين أم يكفي امرأتان أو عبدان وجهان
أصحهما الأول ونازع الإمام في أنه لا يكفي قوله أخبرني فلان عن فلان على قولنا رواية
وإذا قلنا طريقه الشهادة فهل يكفي واحد أم يشترط اثنان وجهان
وقطع في التهذيب باشتراط اثنين
فرع لا يجب مما يقتضيه حساب المنجم الصوم عليه ولا على غيره

قال الروياني وكذا من عرف منازل القمر لا يلزمه الصوم به على الأصح
وأما الجواز فقال في التهذيب لا يجوز تقليد المنجم في حسابه لا في الصوم ولا في الفطر وهل يجوز له أن يعمل بحساب نفسه وجها
وجعل الروياني الوجهين فيما إذا عرف منازل القمر وعلم به وجود الهلال
وذكر أن الجواز اختيار ابن سريج والقفال

والقاضي الطبري
قال فلو عرف بالنجوم لم يجز الصوم به قطعا
ورأيت في بعض المسودات تعدية الخلاف في جواز العمل به إلى غير المنجم

فرع إذا قبلنا قول الواحد في الصوم قال في التهذيب لا نوقع
والعتق المعلقين بهلال رمضان ولا نحكم بحلول الدين المؤجل إليه
فرع لا يثبت هلال شوال إلا بعدلين وقال أبو ثور يقبل فيه

قال صاحب التقريب ولو قلت به لم أكن مبعدا
فرع إذا رئي هلال رمضان في بلد ولم ير في الآخر فان
فحكمها حكم البلد الواحد وإن تباعدا فوجهان
أصحهما لا يجب الصوم على أهل البلد الآخر
وفي ضبط البعد ثلاثة أوجه
أحدها وبه قطع العراقيون والصيدلاني وغيرهم أن التباعد أن تختلف المطالع كالحجاز والعراق وخراسان
والتقارب أن لا تختلف كبغداد والكوفة والري وقزوين
والثاني اعتباره باتحاد الاقليم واختلافه
والثالث التباعد مسافة القصر
وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي وصاحب التهذيب وادعى الامام الاتفاق عليه


قلت الأصح هو الأول فإن شك في اتفاق المطالع لم يجب الصوم على الذين لم يروا لأن الأصل عدم الوجوب
والله أعلم
ولو شرع في الصوم في بلد ثم سافر إلى بلد بعيد لم ير فيه الهلال في يومه الأول واستكمل ثلاثين فان قلنا لكل بلد حكم نفسه لزمه أن يصوم معهم على الأصح لأنه صار من جملتهم والثاني يفطر لأنه التزم حكم الأول
وإن قلنا يعم الحكم جميع البلاد لزم أهل البلد المنتقل إليه موافقته إن ثبت عندهم حال البلد الأول بقوله أو بطريق آخر وعليهم قضاء اليوم الأول
ولو سافر من الجلد الذي لم ير فيه الهلال إلى بلد رئي فيه فعيدوا اليوم التاسع والعشرين من صومه فإن عممنا الحكم أو قلنا له حكم البلد المنتقل إليه عيد معهم وقضى يوما
وإن لم نعم الحكم وقلنا له حكم المنتقل منه فليس له الفطر
ولو رأى الهلال في بلد فأصبح معيدا فسارت به السفينة إلى بلد في حد البعد فصادف أهلها صائمين فقال الشيخ أبو محمد يلزم إمساك بقية النهار إذا قلنا لكل بلد حكمه
واستبعد الإمام والغزالي إيجابه
وتتصور هذه المسألة في صورتين إحداهما أن يكون ذلك اليوم يوم الثلاثين من صوم أهل البلدين لكن المنتقل إليهم لم يروه
والثانية أن يكون التاسع والعشرين للمنتقل إليهم لتأخر صومهم بيوم
وإمساك بقية اليوم في الصورتين إن لم نعمم الحكم كما ذكرنا
وجواب الشيخ أبي محمد كما أنه مبني على أن لكل بلد حكمه فهو مبني أيضا على أن للمنتقل حكم المنتقل إليه
وإن عممنا الحكم فأهل البلد المنتقل إليه إذا عرفوا في أثناء اليوم أنه العيد فهو شبيه بما إذا شهد الشهود على رؤية الهلال يوم الثلاثين
وقد سبق بيانه في صلاة العيد
وإن اتفق هذا السفر لعدلين وقد رأيا الهلال بأنفسهما وشهدا في المنتقل إليه فهذا عين الشهادة برؤية الهلال في اليوم الثلاثين في الصورة الأولى
وأما الثانية فإن عممنا الحكم جميع

البلاد لم يبعد أن يكون الإصغاء إلى كلامهما على ذلك التفصيل فإن قبلوا قضوا يوما
وإن لم نعمم الحكم لم يلتفت إلى قولهما
ولو كان الأمر بالعكس فأصبح صائما فسارت به السفينة إلى قوم عيدوا فإن عممنا الحكم وقلنا له حكم المنتقل إليه أفطر وإلا لم يفطر
وإذا أفطر قضى يوما إذ لم يصم إلا ثمانية وعشرين يوما

فرع إذا رأى الهلال بالنهار يوم الثلاثين فهو لليلة المستقبلة سواء

فصل لا يصح الصوم إلا بالنية ومحلها القلب

ولا يشترط النطق بلا خلاف
وتجب النية لكل يوم
فلو نوى صوم الشهر كله فهل يصح صوم اليوم الأول بهذه النية المذهب أنه يصح وبه قطع ابن عبدان وتردد فيه الشيخ أبو محمد
ويجب تعيين النية في صوم الفرض سواء فيه صوم رمضان والنذر والكفارة وغيرها
ولنا وجه حكاه صاحب التتمة عن الحليمي أنه يصح صوم رمضان بنية مطلقة وهو شاذ
وكمال النية في رمضان أن ينوي صمم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى
فأما الصوم وكونه عن رمضان فلا بد منهما بلا خلاف إلا وجه الحليمي
وأما الأداء والفرضية والاضافة إلى الله تعالى ففيها الخلاف المذكور في الصلاة
وأما رمضان هذه السنة فالمذهب أنه لا يشترط
وحكى الإمام في اشتراطه وجها وزيفه وحكى صاحب التهذيب وجهين في

أنه يجب أن ينوي من فرض هذا الشهر أم يكفي فرض رمضان والصواب ما تقدم
فإنه لو وقع التعرض لليوم لم يضر الخطأ في أوصافه
فلو نوى ليلة الثلاثاء صوم الغد وهو يعتقد أنه يوم الاثنين أو نوى رمضان السنة التي هو فيها وهو يعتقدها سنة ثلاث وكانت سنة أربع صح صومه بخلاف ما لو نوى صوم يوم الثلاثاء ليلة الاثنين أو رمضان سنة ثلاث في سنة أربع فإنه لا يصح لأنه لا يعين الوقت
ثم إن لفظ الغد أشهر في كلام الأصحاب في تفسير التعيين وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبييت
ولا يخفى مما ذكرناه قياس التعيين في القضاء والكفارة
وأما صوم التطوع فيصح بنية مطلق الصوم كما في الصلاة

فرع قال القاضي أبو المكارم في العدة لو قال أتسحر لأقوى على
لم يكف هذا في النية
ونقل بعضهم عن نوادر الأحكام لأبي العباس الروياني أنه لو قال أتسحر للصوم أو شرب لدفع العطش نهارا أو امتنع من الأكل والشرب والجماع مخافة الفجر
كان ذلك نية للصوم
وهذا هو الحق إن خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها لأنه إذا تسحر ليصوم صوم كذا فقد قصده
فرع تبييت النية شرط في صوم الفرض فلو نوى قبل غروب الشمس
لم يصح
ولو نوى مع طلوع الفجر لم يصح على الأصح
ولا تختص النية بالنصف

الأخير من الليل على الصحيح ولا تبطل بالأكل والجماع بعدها على المذهب
وحكي عن أبي إسحق بطلانها ووجوب تجديدها
وأنكر ابن الصباغ نسبة هذا إلى أبي إسحق وقال الإمام رجع أبو إسحق عن هذا عام حج وأشهد على نفسه
فإن ثبت أحد هذين فلا خلاف في المسألة ولو نوى ونام وانتبه والليل باق لم يجب تجديد النية على الصحيح
قال الإمام وفي كلام العراقيين تردد في كون الغفلة كالنوم وكل ذلك مطرح

فرع يصح صوم النفل بنية قبل الزوال

وقال المزني وأبو يحيى البلخي لا يصح إلا من الليل وهل يصح بعد الزوال قولان
أظهرهما وهو المنصوص في معظم كتبه لا يصح
وفي حرملة أنه يصح
قلت وعلى نصه في حرملة يصح في جميع ساعات النهار
والله أعلم
ثم إذا نوى قبل الزوال أو بعده وصححناه فهل هو صائم من أول النهار حتى ينال ثواب جميعه أم من وقت النية وجهان
أصحهما عند الأكثرين أنه صائم من أول النهار
كما إذا أدرك الإمام في الركوع يكون مدركا لثواب جميع الركعة
فإذا قلنا بهذا اشترط جميع شروط الصوم من أول النهار وإذا قلنا يثاب من حين النية ففي اشتراط خلو الأول عن الأكل والجماع وجهان
الصحيح الاشتراط والثاني لا وينسب إلى ابن سريج وأبي زيد ومحمد بن جرير الطبري
وهل يشترط خلو أوله عن الكفر والحيض والجنون أم يصح صوم من أسلم أو أفاق أو طهرت من الحيض ضحوة وجهان
أصحهما الاشتراط


فرع ينبغي أن تكون النية جازمة فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان
أن يصوم غدا إن كان من رمضان فله حالان
الأول أن لا يعتقده من رمضان فينظر إن ردد نيته فقال أصوم غدا عن رمضان إن كان منه وإلا فأنا مفطر أو فأنا متطوع لم يقع صومه عن رمضان إذا بان منه لجنه صام شاكا
وقال المزني يقع عن رمضان
ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان وإلا فهو مفطر أجزأه لأن الأصل بقاء رمضان
ولو قال أصوم غدا من رمضان أو تطوعا أو أصوم أو أفطر لم يصح صومه لا في الأول ولا في الآخر
أما إذا لم يردد نيته بل جزم بالصوم عن رمضان فلا يصح صومه لأنه ذا لم يعتقده من رمضان لم يتأت منه الجزم بصوم رمضان حقيقة وإنما يحصل حديث نفس لا اعتبار به
وعن صاحب التقريب حكاية وجه أنه يصح
الحال الثاني أن يعتقد كونه من رمضان فإن لم يستند اعتقاده إلى ما يثير ظنا فلا اعتبار به وإن استند إليه بأن اعتمد قول من يثق به من حر أو عبد أو امرأة أو صبيين ذوي رشد ونوى صومه عن رمضان أجزأه إذا بان من رمضان
فإن قال في نيته والحالة هذه أصوم عن رمضان فإن لم يكن من رمضان فهو تطوع فظاهر النص أنه لا يصح صومه إذا بان من رمضان للتردد
وفيه وجه أنه يصح لاستناده إلى أصل
ورأى الإمام طرد هذا الخلاف فيما إذا جزم
ويدخل في قسم استناد الاعتقاد إلى ما يثير ظنا بناء الأمر على الحساب حيث جوزناه على التفصيل السابق


ومنها إذا حكم الحاكم بشهادة عدلين أو واحد إذا جوزناه وجب الصوم ولا يضر ما قد تبقى من الارتياب
ومنها المحبوس إذا اشتبه عليه رمضان فاجتهد صام شهرا بالاجتهاد
ولا يكفيه صوم شهر بلا اجتهاد وإن وافق رمضان
ثم إذا اجتهد فصام شهرا فإن وافق رمضان فذاك وإن تأخر عنه أجزأه قطعا ويكون قضاء على الأصح وعلى الثاني أداء
ويتفرع على الوجهين ما إذا كان ذلك الشهر ناقصا ورمضان تاما
إن قلنا قضاء لزمه يوم آخر وإن قلنا أداء فلا كما لو كان رمضان ناقصا
وإن كان الأمر بالعكس فإن قلنا قضاء فله إفطار اليوم الآخر
وإن قلنا أداء فلا وإن وافق صومه شوالا حصل منه تسعة وعشرون إن كمل أو ثمانية وعشرون إن نقص فإن جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شىء عليه على التقدير الأول ويقضي يوما على التقدير الثاني
وإن كان رمضان كاملا قضى يوما على التقدير الأول ويومين على التقدير الثاني
وإن جعلناه أداء فعليه قضاء يوم بكل حال
وإن وافق ذا الحجة حصل منه ستة وعشرون يوما إن كمل وخمسة وعشرون إن نقص
فإن جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا قضى ثلاثة أيام على التقدير الأول وأربعة على التقدير الثاني
وإن كان كاملا قضى أربعة على التقدير الأول وخمسة على التقدير الثاني
وإن جعلناه أداء قضى أربعة بكل حال
وهذا مبني على أن صوم أيام التشريق لا يصح بحال فإن صححنا صومها لغير المتمتع فذو الحجة كشوال
أما إذا اجتهد فوافق صيامه ما قبل رمضان فينظر إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف
وإن لم يبن الحال إلا بعد مضي رمضان فطريقان
أشهرهما على قولين
الجديد الأظهر وجوب القضاء والقديم لا قضاء والطريق الثاني القطع بوجوب القضاء
فإن بان الحال في بعض رمضان فطريقان
أحدهما القطع بوجوب قضاء ما مضى
وأصحهما أن في إجزائه الخلاف فيما إذا بان بعد مضي جميع رمضان


فرع إذا نوت الحائض صوم الغد قبل انقطاع دمها ثم انقطع في
فإن كانت مبتدأة يتم لها بالليل أكثر الحيض أو معتادة عادتها أكثر الحيض وهو يتم بالليل صح صومها
وإن كانت عادتها دون أكثره ويتم بالليل فوجهان
أصحهما يصح لأن الظاهر استمرار عادتها
وإن لم يكن لها عادة ولا يتم أكثر الحيض في الليل أو كان لها عادات مختلفة لم يصح
فرع إذا نوى الانتقال من صوم إلى صوم لم ينتقل إليه وهل
أم يبقى نفلا وجهان
وكذا لو رفض نية الفرض عن الصوم الذي هو فيه
قلت الأصح بقاؤه على ما كان
واعلم أن انقلابه نفلا على أحد الوجهين إنما يصح في غير رمضان وإلا فرمضان لا يقبل النفل عندنا ممن هو من أهل الفرض بحال
والله أعلم
فرع لو قال إذا جاء فلان خرجت من صومي فهل يخرج عند

فإن قلنا يخرج فهل يخرج في الحال وجهان
والمذهب لا يبطل في الحالين كما سبق بيانه في صفة الصلاة


فصل لا بد للصائم من الامساك عن المفطرات
وهي أنواع
منها الجماع وهو مفطر بالإجماع
ومنها الاستمناء وهو مفطر
ومنها الاستقاءة فمن تقيأ عمدا أفطر
ومن ذرعه القيء لم يفطر
ثم اختلفوا في سبب الفطر إذا تقيأ عمدا فالأصح أن نفس الاستقاءة مفطرة كالإنزال والثاني أن المفطر رجوع شىء مما خرج وإن قل
فلو تقيأ منكوسا أو تحفظ فاستيقن أنه لم يرجع شىء إلى جوفه ففي فطره الوجهان
قال الإمام فلو استقاء عمدا أو تحفظ جهده فغلبه القيىء ورجع شىء فإن قلنا الاستقاءة مفطرة بنفسها فهنا أولى وإلا فهو كالمبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلى جوفه
فرع من المفطرات دخول شىء في جوفه وقد ضبطوا الداخل المفطر بالعين
الواصلة الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم
وفيه قيود منها الباطن الواصل إليه
وفيما يعتبر به وجهان
أحدهما أنه ما يقع عليه اسم الجوف والثاني يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من غذاء أو دواء
والأول هو الموافق لكلام الأكثرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى
ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم بوصول الواصل إليه
وقال الإمام إذا جاوز الشىء الحلقوم أفطر
وعلى الوجهين جميعا باطن الدماغ والأمعاء والمثانة مما يفطر الوصول إليه حتى لو كان على بطنه جائفة أو برأسه

مأمومة فوضع عليها دواء فوصل جوفه أو خريطة دماغه أفطر وإن لم يصل باطن الأمعاء أو باطن الخريطة وسواء كان الدواء رطبا أو يابسا
ولنا وجه أن الوصول إلى المثانة لا يفطر وهو شاذ
والحقنة تفطر على الصحيح
وقال القاضي حسين لا تفطر وهو غذيب
والسعوط إن وصل الدماغ فطر
وما جاوز الخيشوم في الأسعاط فقد حصل في حد الباطن وداخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة
والخيشوم له حكم الظاهر من بعض الوجوه حتى لو خرج إليه القيىء وابتلع منه نخامة أفطر ولو أمسك فيه شيئا لم يفطر ولو نجس وجب غسله وله حكم الباطن من حيث أنه لو ابتلع منه الريق لا يفطر ولا يجب غسله على الجنب

فرع لا بأس بالإكتحال للصائم سواء وجد في حلقه منه طعما أم
العين ليست بجوف ولا منفذ منها إلى الحلق
ولو قطر في أذنه شيئا فوصل إلى الباطن أفطر على الأصح عن الأكثرين كالسعوط والثاني لا يفطر كالاكتحال قاله الشيخ أبو علي والقاضي حسين والفوراني
ولو قطر في إحليله شيئا لم يصل إلى المثانة فأوجه
أصحها يفطر والثاني لا والثالث إن جاوز الحشفة أفطر وإلا فلا
ولا يفطر الفصد والحجامة لكن يكرهان للصائم
وقال ابن المنذر وابن خزيمة من أصحابنا يفطر بالحجامة


فرع لو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق أو غرز فيه السكين
مخه لم يفطر لأنه لم يعد عضوا مجوفا
ولو طلى رأسه أو بطنه بالدهن فوصل جوفه بشرب المسام لم يفطر لأنه لم يصل من منفذ مفتوح كما لا يفطر بالاغتسال والانغماس في الماء وإن وجد له أثرا في باطنه
ولو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه فوصل السكين جوفه أفطر سواء كان بعض السكين خارجا أو لم يكن
وكذا لو ابتلع طرف خيط وطرفها لآخر بارز أفطر بوصول الطرف الواصل ولا يعتبر الانفصال من الظاهر
وحكى الحناطي وجها فيمن أدخل طرف خيط في دبره أو جوفه وبعضه خارج أنه لا يفطر
فرع لو ابتلع طرف خيط بالليل وطرفه الآخر خارج فأصبح كذلك فإن
لم تصح صلاته وإن نزعه أو ابتلعه لم يصح صومه
فينبغي أن يبادر غيره إلى نزعه وهو غافل فإن لم يتفق ذلك فالأصح أن يحافظ على الصلاة فينزعه أو يبتلعه والثاني يتركه محافظة على الصوم ويصلي على حاله
قلت ويجب إعادة الصلاة على الصحيح
والله أعلم


فرع من قيود المفطر وصوله بقصد فلو طارت ذبابة إلى حلقه أو
غبار الطريق أو غربلة الدقيق إلى جوفه لم يفطر
فلو فتح فاه عمدا حتى دخل الغبار جوفه قال في التهذيب لم يفطر على الأصح
ولو ربطت المرأة ووطئت أو طعن أو أوجر بغير اختياره لم يفطر
ونقل الحناطي وجهين فيما إذا أوجر بغير اختياره وهذا غريب
فلو كان مغمى عليه فأوجر معالجة وإصلاحا له وقلنا لا يبطل الصوم بمجرد الاغماء ففي بطلانه بهذا الايجار وجهان
أصحهما لا يفطر
ونظير الخلاف إذا عولج المحرم المغمى عليه بدواء فيه طيب هل تجب الفدية
فرع ابتلاع الريق لا يفطر بشروط

أحدها أن يتمحض الريق فلو اختلط بغيره وتغير به أفطر بابتلاعه سواء كان الغير طاهرا كمن فتل خيطا مصبوغا تغير به ريقه أو نجسا كمن دميت لثته وتغير ريقه فلو ذهب الدم وابيض الريق ولم يبق تغير هل يفطر بابتلاعه وجهان
أصحهما عند الأكثرين يفطر لأنه نجس لا يجوز ابتلاعه
وعلى هذا لو تناول بالليل شيئا نجسا ولم يغسل فمه حتى أصبح فابتلع الريق أفطر
الشرط الثاني أن يبتلعه من معدته فلو خرج عن فيه ثم رده بلسانه أو بغيره وابتلعه أفطر
ولو أخرج لسانه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه لم يفطر على

الأصح
ولو بل الخياط الخيط بالريق ثم رده إلى فيه على ما يعتاد عند الفتل فإن لم يكن عليه رطوبه تنفصل فلا بأس وإن كانت وابتلعها فوجهان
قال الشيخ أبو محمد لا يفطر كما لا يفطر بالباقي من ماء المضمضة
وقال الجمهور يفطر لأنه لا ضرورة إليه وقد ابتلعه بعد مفارقته معدته
وخص صاحب التتمة الوجهين بما إذا كان جاهلا تحريم ذلك قال فإن كان عالما أفطر بلا خلاف
الشرط الثالث أن يبتلعه على هيئته المعتادة فان جمعه ثم ابتلعه فوجهان
أصحهما لا يفطر

فرع النخامة إن لم تحصل في حد الظاهر من الفم فلا تضر
فيه بانصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم نظر إن لم يقدر على صرفها ومجها حتى نزلت إلى الجوف
لم تضر وإن ردها إلى فضاء الفم أو ارتدت إليه ثم ابتلعها أفطر
وإن قدر على قطعها من مجراها فتركها حتى جرت بنفسها فوجهان حكاهما الإمام أوفقهما لكلام الأئمة أنه يفطر لتقصيره
فرع إذا تمضمض فسبق الماء إلى جوفه أو استنشق فسبق إلى دماغه
أنه إن بالغ فيهما أفطر وإلا فلا
وقيل يفطر مطلقا وقيل عكسه
هذا إذا كان ذاكرا للصوم فإن كان ناسيا لم يفطر بحال
وسبق الماء عند غسل الفم لنجاسة كسبقه في المضمضة والمبالغة هنا للحاجة ينبغي أن تكون

كالمضمضة بلا مبالغة
ولو سبق الماء عند غسل تبرد أو من المضمضة في المرة الرابعة قال في التهذيب إن بالغ أفطر وإلا فهو مرتب على المضمضة وأولى بالإفطار لأنه غير مأمور به
قلت المختار في المرة الرابعة الجزم بالافطار كالمبالغة لأنها منهي عنها
ولو جعل الماء في فمه لا لغرض فسبق فقيل يفطر
وقيل بالقولين
ولو أصبح ولم ينو صوما فتمضمض ولم يبالغ فسبق الماء إلى جوفه ثم نوى صوم تطوع صح على الأصح
قال القاضي حسين في فتاويه إن قلنا هذا السبق لا يفطر صح وإلا فلا
قال والأصح الصحة في الموضعين
والله أعلم

فرع إذا بقي طعام في خلل أسنانه فابتلعه عمدا أفطر

وإن جرى به الريق بغير قصد فنقل المزني أنه لا يفطر
والربيع أنه يفطر
وقيل قولان
والأصح حملها على حالتين فحيث قال لا يفطر أراد به ما إذا لم يقدر على تمييزه ومجه
وحيث قال يفطر أراد به ما إذا قدر فلم يفعل وابتلعه
وقال إمام الحرمين والغزالي إن نقى اسنانه بالخلال على العادة ( فهو ) كغبار الطريق وإلا أفطر لتقصيره كالمبالغة في المضمضة
ولقائل أن ينازعهما في إلحاقه بالمبالغة التي ورد النص بكراهتها ولأن ماء المبالغة أقرب إلى الجوف
فرع المني إذا خرج بالاستمناء أفطر وإن خرج بمجرد فكر ونظر بشهوة
لم يفطر وإن خرج بمباشرة فيما دون الفرج أو لمس أو قبلة أفطر
هذا هو

المذهب وبه قال الجمهور
وحكى إمام الحرمين عن شيخه أنه حكى وجهين فيما إذا ضم امرأة إلى نفسه وبينهما حائل فأنزل
قال وهو عندي كسبق ماء المضمضة فإن ضاجعها متجردا فكالمبالغة في المضمضة

فرع تكره القبلة لمن حركت شهوته ولا يأمن على نفسه وهي كراهة
على الأصح والثاني كراهة تنزيه ولا تكره لغيره ولكن الأولى تركها
فرع لو اقتلع نخامة من باطنه ولفظها لم يفطر على المذهب الذي
به الحناطي وكثيرون
وحكى الشيخ أبو محمد فيه وجهين
ثم إن الغزالي جعل مخرج الحاء المهملة من الباطن والخاء المعجمة من الظاهر
ووجهه لائح فإن المهملة تخرج من الحلق والحلق باطن والمعجمة تخرج مما قبل الغلصمة لكن يشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج المهملة من الظاهر أيضا
قلت المختار أن المهملة أيضا من الظاهر وعجب كونه ضبطه بالمهملة التي هي من وسط الحلق ولم يضبطه بالهاء أو الهمزة فإنهما من أقصى الحلق
وأما المعجمة فمن أدنى الحلق وهذا معروف مشهور لأهل العربية
والله أعلم


فرع قدمنا أنه لا يفطر بالايجار مكرها على المذهب فلو أكره على
الأكل لم يفطر على الأظهر
ويجري الوجهان فيما لو أكرهت على الوطء أو أكره الرجل وقلنا يتصور إكراهه ولكن لا كفارة وإن حكمنا بالفطر للشبه
وإن قلنا لا يتصور الإكراه أفطر ولزمته الكفارة
وإن أكل ناسيا فإن كان قليلا لم يفطر قطعا وإن كثر فوجهان كالوجهين في الكلام الكثير في الصلاة ناسيا
قلت الأصح هنا أنه لا يفطر
والله أعلم
وإن أكل جاهلا بكونه مفطرا فإن كان قريب عهد بالاسلام أو نشأ ببادية وكان يجهل مثل ذلك لم يفطر وإلا أفطر
ولو جامع ناسيا لم يفطر على المذهب
وقيل قولان كجماع المحرم ناسيا
ولو أكل ظانا غروب الشمس فبانت طالعة أو ظن أن الفجر لم يطلع فبان طالعا أفطر على الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور
وقيل لا يفطر فيهما قاله المزني وابن خزيمة من أصحابنا
وقيل يفطر في الأولى دون الثانية لتقصيره في الأولى
فرع الأحوط للصائم أن لا يأكل حتى يتيقن غروب الشمس فلو غلب
ظنه الغروب باجتهاد بورد أو غيره جاز له الأكل على الصحيح
وقال الاستاذ أبو إسحق الاسفراييني لا يجوز لقدرته على اليقين بالصبر
وأما في آخر الليل فيجوز الأكل بالاجتهاد دون الظن
فلو هجم في الطرفين فأكل بلا ظن فإن

تبين الخطأ فحكمه ما سبق في الفرع قبله وإن تبين الصواب
استمرت صحة الصوم وإن لم يبن الخطأ ولا الصواب فإن كان ذلك في آخر النهار وجب القضاء وإن كان في أوله فلا قضاء استصحابا للأصل فيهما
ولو أكل في آخر النهار بالاجتهاد وقلنا لا يجوز الأكل كان كمن أكل بالاجتهاد
قلت والأكل هجوما بلا ظن حرام في آخر النهار قطعا وجائز في أوله
وقال الغزالي في الوسيط لا يجوز ومثله في التتمة وهو محمول على أنه ليس مباحا مستوي الطرفين بل الأولى تركه
وقد صرح به الماوردي والدارمي وخلائق بأنه لا يحرم على الشاك الأكل وغيره ولا خلاف في هذا القول لقول الله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض }
وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما كل ما شككت حتى يتبين لك
والله أعلم

فرع إذا طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه ويصح صومه فإن ابتلعه

فلو لفظ في الحال فسبق شىء إلى جوفه بغير اختياره فوجهان مخرجان من سبق الماء في المضمضة
قلت الصحيح لا يفطر
والله أعلم
ولو طلع وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه نص عليه في المختصر ولهذه المسألة ثلاثة صور
أحدها أن يحس بالفجر وهو مجامع فنزع بحيث يوافق آخر نزعه الطلوع


والثانية يطلع الفجر وهو مجامع ويعلم بالطلوع في أوله فينزع في الحال
والثالثة أن يمضي زمن بعد الطلوع ثم يعلم بن
أما هذه الثالثة فليست مرادة بالنص بل يبطل فيها الصوم على المذهب ويجيء فيها الخلاف السابق فيمن أكل ظانا أن الصبح لم يطلع فبان خلافه فعلى المذهب لو مكث في هذه الصورة فلا كفارة عليه لأن مكثه مسبوق ببطلان الصوم
وأما الصورتان الأوليان فمرادتان بالنص فلا يبطلان الصوم فيهما
وفي الثانية منهما وجه شاذ أنه يبطل
وأما إذا طلع الفجر وعلم بمجرد الطلوع فمكث فيبطل صومه قطعا ويلزمه الكفارة على المذهب
وقيل فيهما قولان
ولو جامع ناسيا ثم تذكر فاستدام فهو كالماكث بعد الطلوع
فإن قيل كيف يعلم الفجر بمجرد طلوعه وطلوعه الحقيقي يتقدم على علمنا به فأجاب الشيخ أبو محمد بجوابين
أحدهما أنها مسألة علمية على التقدير ولا يلزم وقوعها
والثاني أنا تعبدنا بما نطلع عليه ولا معنى للصبح إلا ظهور الضوء للناظر وما قبله لا حكم له
فإذا كان الشخص عارفا بالأوقات ومنازل القمر فترصده بحيث لا حائل فهو أول الصبح المعتبر
قلت هذا الثاني هو الصحيح بل إنكار تصوره غلط
والله أعلم

فصل في شروط الصوم
وهي أربعة
الأول النقاء من الحيض والنفاس فلا يصح صوم الحائض ولا النفساء
الثاني الاسلام فلا يصح صوم كافر أصليا كان أو مرتدا ويعتبر الشرطان في جميع النهار
فلو طرأ الحيض أو ردة بطل صومه


والثالث العقل فلا يصح صوم المجنون
فلو جن في أثناء النهار بطل صومه على المذهب
وقيل هو كالإغماء
ولو نام جميع النهار صح صومه على الصحيح المعروف
وقال أبو الطيب بن سلمة والأصطخري لا يصح صومه
ولو نوى من الليل ثم أغمي عليه فالمذهب أنه إن كان مفيقا في جزء من النهار صح صومه وإلا فلا وهذا هو المنصوص في المختصر في باب الصيام
وفيه قول أنه تشترط الافاقة من أول النهار
وفي قول يبطل بالاغماء ولو لحظة في النهار كالحيض ومنهم من أنكر هذا القول
وفي قول مخرج أنه لا يبطل بالاغماء وإن استغرق كالنوم
وفي قول خرجه ابن سريج تشترط الافاقة في طرف النهار ومنهم من قطع بالمذهب ومنهم من قطع بالقول الثاني
ولو نوى بالليل ثم شرب دواء فزال عقله نهارا فقال في التهذيب إن قلنا لا يصح الصوم في الاغماء فهنا أولى وإلا فوجهان
والأصح أنه لا يصح لأنه بفعله
قال في التتمة ولو شرب المسكر ليلا وبقي سكره جميع النهار لزمه القضاء وإن صحا في بعضه فهو كالاغماء في بعض النهار
وأما الغفلة فلا أثر لها في الصوم بالاتفاق
الشرط الرابع الوقت قابل للصوم
وأيام السنة كلها غير يومي العيدين وأيام الشريق ويوم الشك قابلة للصوم مطلقا
فأما يوما العيدين فلا يقبلانه
وأما أيام التشريق فلا تقبل على الجديد
وقال في القديم يجوز للمتمتع وللعادم للهدي صومها عن الثلاثة الواجبة في الحج
فعلى هذا هل يجوز لغير المتمتع صومها وجهان
الصحيح وبه قال الأكثرون لا يجوز
قلت وإذا جوزنا لغير المتمتع فهو مختص بصوم له سبب من واجب أو نفل
فأما ما لا سبب له فلا يجوز عند الجمهور ممن ذكر هذا الوجه وقال إمام الحرمين هو كيوم الشك وهذا القديم هو الراجح دليلا وإن كان مرجوحا عند الأصحاب
والله أعلم


وأما يوم الشك فلا يصح صومه عن رمضان ويجوز صومه عن قضاء أو نذر أو كفارة
ويجوز إذا وافق وردا صومه تطوعا بلا كراهة
وقال القاضي أبو الطيب يكره صومه عما عليه ( من ) فرض
قال ابن الصباغ هذا خلاف القياس لأنه إذا لم يكره فيه ماله سبب من التطوع فالفرض أولى
ويحرم أن يصوم فيه تطوعا لا سبب له فإن صامه لم يصح على الأصح
وإن نذر صومه ففي صحة نذره هذان الوجهان
فإن صححنا فليصم يوما غيره فإن صامه خرج عن نذره
ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا وقع في الألسن أنه رئي ولم يقل عدل أنا رأيته أو قاله ولم يقبل الواحد أو قاله عدد من النساء أو العبيد أو الفساق وظن صدقهم
وأما إذا لم يتحدث برؤيته أحد فليس بيوم شك سواء كانت السماء مصحية أو طبق الغيم هذا هو الصحيح المعروف
وفي وجه لأبي محمد البافي بالباء الموحدة وبالفاء إن كانت السماء مصحية ولم ير الهلال فهو شك
وفي وجه لأبي طاهر يوم الشك ما تردد بين الجائزين من غير ترجيح فإن شهد عبد أو صبي أو امرأة فقد ترجح أحد الجانبين فليس بشك
ولو كان في السماء قطع سحاب يمكن أن يرى الهلال من خللها وأن يخفى تحتها ولم يتحدث برؤيته
فقال الشيخ أبو محمد هو يوم شك
وقال غيره ليس بشك
وقال إمام الحرمين إن كان في بلد يستقل أهله بطلب الهلال فليس بشك وإن كانوا في سفر ولم تبعد رؤية أهل القرى فيحتمل أن يجعل يوم الشك
قلت الأصح ليس بشك
والله أعلم


فصل في سنن الصوم
من سنن الصوم تعجيل الفطر إذا تحقق غروب وأن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء وقال الروياني يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى حلاوة أخرى فإن لم يجد فعلى الماء
وقال القاضي حسين الأولى في زماننا أن يفطر على ما يأخذه بكفه من النهر ليكون أبعد عن الشبهة
ويسن السحور وأن يؤخره ما لم يقع في مظنة الشك
والوصال مكروه كراهة تحريم على الصحيح وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله والثاني كراهة تنزيه
وحقيقة الوصال أن يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول شيئا بالليل
والجود والإفضال مستحب في جميع الأوقات وفي رمضان آكد
والسنة كثرة تلاوة القرآن فيه والمدارسة به وهو أن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه
ويسن الاعتكاف فيه لا سيما في العشر الأواخر لطلب ليلة القدر
ويصون الصائم لسانه عن الكذب والغيبة والمشاتمة ونحوها ويكف نفسه عن الشهوات فهو سر الصوم والمقصود الأعظم منه
وأن يترك السواك بعد الزوال وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس بشرط أن يحترز عن ابتلاع شىء منه أو من رطوبته
ولنا وجه أنه لا يكره السواك بعد الزوال في النفل ليكون أبعد من الرياء قاله القاضي حسين وهو شاذ
ويستحب تقديم غسل الجنابة عن الجماع والاحتلام على الصبح
ولو طهرت الحائض ليلا ونوت الصوم ثم اغتسلت في النهار صح صومها
والسنة أن يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وأن يفطر الصائمين معه فإن عجز عن عشائهم أعطاهم ما يفطرون به من شربة أو تمرة أو غيرهما
ويستحب

أن يحترز عن الحجامة والعلك والقبلة والمعانقة إذا لم نحرمهما
وذوق الشىء ومضغ الطعام للطفل وكل ذلك لا يبطل الصوم

فصل في مبيحات الفطر في رمضان وأحكامه
فالمرض والسفر مبيحان بالنص والاجماع كان مقيما صحيح البدن
ثم شرط كون المرض مبيحا أن يجهده الصوم معه فيلحقه ضرر يشق احتماله على ما ذكرنا من وجوه المضار في التيمم
ثم المرض إن كان مطبقا فله ترك النية بالليل وإن كان يحم وينقطع نظر إن كان محموما وقت الشروع فله ترك النية وإلا فعليه أن ينوي من الليل ثم إن عاد واحتاج إلى الافطار أفطر
وشرط كون السفر مبيحا كونه طويلا ومباحا
ولو أصبح صائما ثم مرض في أثناء النهار فله الفطر
ولو أصبح مقيما صائما ثم سافر لم يجز له فطر ذلك اليوم
وقال المزني يجوز وبه قال غيره من أصحابنا
فعلى الصحيح لو أفطر بالجماع لزمته الكفارة
ولو نوى المقيم بالليل ثم سافر ليلا فإن فارق العمران قبل الفجر فله الفطر وإلا فلا
ولو أصبح المسافر صائما ثم أقام في أثناء النهار لم يجز له الفطر على الصحيح
ونقل صاحب الحاوي عن حرملة أن له الفطر
ولو أصبح المريض صائما ثم برأ في النهار فقطع كثيرون بتحريم الفطر عليه
وطرد صاحب المهذب فيه الوجهين ولعله الأولى
ولو أصبح صائما في السفر ثم أراد الفطر جاز
وفيه احتمال لإمام الحرمين وصاحب المهذب أنه لا يجوز
وإذا قلنا بالمذهب ففي كراهة الفطر وجهان


قلت هذا الاحتمال الذي ذكراه نص عليه الشافعي رضي الله عنه في البويطي لكن قال لا يجوز الفطر إن لم يصح الحديث بالفطر
وقد صح الحديث
والله أعلم
واعلم أن للمسافر الصوم والفطر
ثم إن كان لا يتضرر بالصوم فهو أفضل وإلا فالفطر أفضل
وذكر في التتمة أنه لو لم يتضرر في الحال لكن يخاف الضعف لو صام أو كان سفر حج أو غزو فالفطر أولى
وقد تقدم أصل هذه المسألة في صلاة المسافر

فرع في أحكام الفطر كل من ترك النية الواجبة عمدا أو سهوا
القضاء
وكذا كل من أفطر لكن لو كان إفطاره يوجب الكفارة ففيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى
وما فات بسبب الكفر الأصلي لا قضاء فيه ويجب القضاء على المرتد
والمسافر والمريض إذا أفطرا قضيا
وما فات بالاغماء يجب قضاؤه سواء استغرق جميع الشهر أم لا لأنه نوع مرض بخلاف الجنون
ولهذا يجوز الاغماء على الانبياء عليهم السلام ولا يجوز عليهم الجنون
وعن ابن سريج أن الاغماء إذا استغرق فلا قضاء
وم فات بالحيض والنفاس وجب قضاؤه ولا يجب على الصبي والمجنون صوم ولا قضاء سواء استغرق الجنون النهار أو الشهر أم لا
وحكي قول شاذ أن الجنون كالاغماء فيجب القضاء
وقول أنه إذا أفاق في

أثناء الشهر لزمه قضاء ما مضى من الشهر
هذا في الجنون المطلق أما إذا ارتد ثم جن أو سكر ثم جن ففي وجوب القضاء وجهان
ولعل الظاهر الفرق بين اتصاله بالردة وبين اتصاله بالسكر كما سبق في الصلاة

فرع لا يجب التتابع في قضاء رمضان لكن يستحب

فصل في الإمساك تشبها بالصائمين
وهو من خواص رمضان كالكفارة فلا إمساك على متعد بالفطر
ثم من أمسك تشبها ليس في صوم بخلاف المحرم إذا أفسد إحرامه ويظهر أثره في أن المحرم لو ارتكب محظورا لزمه الفدية ولو ارتكب الممسك محظورا لا شىء عليه سوى الاثم
ثم الامساك يجب على كل متعد بالفطر في رمضان سواء أكل أو ارتد أو نوى الخروج من الصوم وقلنا يخرج
ويجب على من نسي النية من الليل
فرع لو أقام المسافر أو برأ المريض اللذان يباح لهما الفطر في
النهار فلهما ثلاثة أحوال
أحدها أن يصبحا صائمين وداما عليه إلى زوال العذر فقد تقدم في الفصل السابق أن المذهب لزوم اتمام الصوم


الثاني أن يزول بعدما أفطرا فلا يجب الامساك لكن يستحب
فان أكلا أخفياه لئلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان ولهما الجماع بعد زوال العذر إذا لم تكن المرأة صائمة بأن كانت صغيرة أو طهرت من الحيض ذلك اليوم
وحكى صاحب الحاوي وجهين في أن المريض إذا أفطر ثم برأ هل يلزمه الامساك قال أوجبه البغداديون دون البصريين
والمذهب ما قدمنا
الثالث أن يصبحا غير ناويين ويزول العذر قبل أن يأكلا فان قلنا في الحال الأول يجوز الأكل فهنا أولى وإلا ففي لزوم الامساك وجهان
الأصح لايلزم

فرع إذا أصبح يوم الشك مفطرا ثم ثبت أنه من رمضان فقضاؤه
إمساكه على الأظهر
قال في التتمة القولان فيما إذا بان أنه من رمضان قبل الأكل فإن بان بعده فإن قلنا هناك لا يجب الإمساك فهنا أولى وإلا فوجهان
أصحهما الوجوب
فرع إذا بلغ صبي أو أفاق مجنون أو أسلم كافر في أثناء
فهل يلزمهم إمساك بقية النهار فيه أوجه
أصحها لا والثاني نعم والثالث يلزم الكافر دونهما لتقصيره والرابع يلزم الكافر والصبي لتقصيرهما دون المجنون
وهل يلزمهم قضاء اليوم الذي زال العذر في أثنائه
أما الصبي فينظر إن بلغ صائما فالصحيح أنه يلزمه إتمامه ولا قضاء


فلو جامع بعد البلوغ فيه لزمته الكفارة
وفيه وجه حكي عن ابن سريج أنه يستحب إتمامه ويجب القضاء لأنه لم ينو الفرض
وإن أصبح مفطرا فوجهان
وقيل قولان
أصحهما لا قضاء لعدم تمكنه والثاني يلزمه القضاء كمن أدرك جزءا من وقت الصلاة
وأما المجنون إذا أفاق والكافر إذا أسلم فالمذهب أنهما كالصبي المفطر فلا قضاء على الأصح
وقيل يقضي الكافر دون المجنون وصححه صاحب التهذيب
قال الأصحاب الخلاف في القضاء في هؤلاء الثلاثة متعلق بالخلاف في إمساكهم تشبها
ثم اختلفوا في كيفية تعلقه فقال الصيدلاني من أوجب التشبه لم يوجب القضاء ومن يوجب القضاء لا يوجب التشبه
وقال غيره من أوجب القضاء أوجب الإمساك ومن لا فلا
وقال آخرون من أوجب الامساك أوجب القضاء ومن لا فلا

فرع الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار المذهب أنه لا يلزمهما
الامساك
ونقل الامام الاتفاق عليه
وحكى صاحب المعتمد طرد الخلاف فيهما
فصل أيام رمضان متعينة لصومه
فللمريض والمسافر الترخص بالفطر ولهما الصيام
وهكذا قطع به الأصحاب وحكى إمام الحرمين خلافا فيمن أصبح في يوم من رمضان غير

ناو فنوى التطوع قبل الزوال قال قال الجماهير لا يصح
وقال أبو إسحق يصح
قال فعلى قياسه يجوز للمسافر التطوع به

فصل تجب الكفارة على من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام
لأجل الصوم وفي الضابط قيود
منها الافساد فمن جامع ناسيا لا يفطر على المذهب فلا كفارة
وإن قلنا يفطر ففي لزوم الكفارة وجهان
أصحهما لا تلزم لعدم الاثم
ومنها كونه من رمضان فلا كفارة بافساد التطوع والنذر والقضاء والكفارة
وأما المرأة الموطوءة فإن كانت مفطرة بحيض أو غيره أو صائمة ولم يبطل صومها لكونها نائمة مثلا فلا كفارة عليها وإن مكنت طائعة صائمة فقولان
أحدهما يلزمها كفارة كما يلزم الزوج لأنها عقوبة فاشتركا فيها كحد الزنا
وأظهرهما لا يلزمها بل تجب على الزوج
فعلى الأول لو لم تجب الففارة على الزوج لكونه مفطرا أو لم يبطل صومه لكونه ناسيا أو استدخلت ذكره نائما لزمتها الكفارة ويعتبر في كل واحد منهما حاله في اليسار والإعسار
وإذا قلنا بالأظهر فهل الكفارة التي يخرجها عنه خاصة ولا يلاقيها الوجوب أو هي عنه وعنها ويتحملها عنها فيه قولان مستنبطان من كلام الشافعي رضي الله عنه وربما قيل وجهان
أصحهما الأول
ويتفرع عليهما صور
إحداها إذا أفطرت بزنا أو وطء شبهة فإن قلنا بالأول فلا شىء عليها وإلا فعليها الكفارة لأن التحمل بالزوجية
وقيل تلزمها قطعا


الثانية إذا كان الزوج مجنونا فعلى الأول لا شىء عليها وعلى الثاني وجهان
أصحهما تلزمها لأنه ليس أهلا للتحمل كما لا يكفر عن نفسه والثاني يجب في ماله الكفارة عنها لأن ماله صالح للتحمل
وإن كان مراهقا فكالمجنون
وقيل هو كالبالغ تخريجا من قولنا عمده عمد وإن كان ناسيا أو نائما فاستدخلت ذكره فكالمجنون
الثالثة إذا كان مسافرا والزوجة حاضرة فإن أفطر بالجماع بنية الترخص فلا كفارة عليه
وكذا إن لم يقصد الترخص على الأصح
وكذا حكم المريض الذي يباح له الفطر إذا أصبح صائما ثم جامع
وكذا الصحيح إذا مرض في أثناء النهار ثم جامع فحيث قلنا بوجوب الكفارة فهو كغيره
وحكم التحمل كما سبق
وحيث قلنا لا كفارة فهو كالمجنون
وذكر أصحابنا العراقيون فيما لو قدم المسافر مفطرا فأخبرته بفطرها وكانت صائمة أن الكفارة عليها إذا قلنا الوجوب يلاقيها لأنها غرته وهو معذور ويشبه أن يكون هذا تفريعا على قولنا لا يتحمل المجنون وإلا فليس العذر هنا أوضح منه في المجنون
قلت قال صاحب المعاياة فيمن وطىء زوجته ثلاثة أقوال
أحدها تلزمه الكفارة دونها والثاني تلزمه كفارة عنهما والثالث تلزم كل واحد كفارة ويتحمل الزوج ما دخله التحمل من العتق والاطعام
فإذا وطىء أربع زوجات في يوم لزمه على القول الأول كفارة فقط عن الوطء الأول ولا يلزمه شىء بسبب باقي الوطآت ويلزمه على الثاني أربع كفارات كفارة عن وطئه الأول عنه وعنها وثلاث عنهن لا تتبعض إلا في موضع يوجد تحمل الباقي ويلزمه على الثالث خمس كفارات كفارتان عنه وعنها بالوطء الأول وثلاث عنهن
قال ولو كان له زوجتان مسلمة وذمية فوطئهما في يوم فعلى الأول عليه كفارة واحدة بكل حال
وعلى الثاني إن قدم وطء المسلمة

فعليه كفارة وإلا فكفارتان وعلى الثالث كفارتان بكل حال لأنه إن قدم المسلمة لزمه كفارتان عنه وعنها ولا يلزمه للذمية شىء
وإن قدم الذمية لزمه لنفسه كفارة ثم للمسلمة أخرى
هذا كلامه وفيه نظر
والله أعلم
الرابعة إذا قلنا الوجوب يلاقيها اعتبرنا حالهما جميعا وقد تتفق وقد تختلف
فإن اتفق نظر إن كانا من أهل الاعتاق أو الاطعام أجزأ المخرج عنها وإن كان من أهل الصيام لكونهما معسرين أو مملوكين لزم كل واحد صوم شهرين لأن العبادة البدنية لاتتحمل
وإن اختلف حالهما فإن كان أعلى حالا منها نظر إن كان من أهل العتق وهي من أهل الصيام أو الإطعام فوجهان
الصحيح وبه قطع العراقيون أنه يجزىء الاعتاق عنهما لأن من فرضه الصوم أو الإطعام يجزئه العتق إلا أن تكون أمة فعليها الصوم لأن العتق لا يجزىء عنها
قال في المهذب إلا إذا قلنا العبد يملك بالتمليك فإن الأمة كالحرة المعسرة
قلت هذا الذي قاله في المهذب غريب والمعروف أنه لا يجزىء العتق عن الأمة
وقد قال في المهذب في باب العبد المأذون لا يصح اعتاق العبد سواء قلنا يملك أم لا لأنه يتضمن الولاء وليس هو من أهله
والله أعلم
والوجه الثاني لا يجزىء عنها لاختلاف الجنس
فظلى هذا يلزمها الصوم إن كانت من أهله
وفيمن يلزمه الاطعام إن كانت من أهله وجهان
أصحهما على الزوج
فإن عجز ثبت في ذمته إلى أن يقدر لأن الكفارة على هذا القول معدودة من مؤن الزوجة الواجبة على الزوج والثاني يلزمها وإن كان من أهل الصيام وهي من أهل الاطعام
قال الأصحاب يصوم عن نفسه ويطعم عنها
ومقتضى قول من قال في الصورة السابقة يجزىء العتق عن الصيام أن يجزىء هنا الصيام عن الاطعام
أما إذا كانت أعلى حالا منه

فينظر إن كانت من أهل الاعتاق وهو من أهل الصيام صام عن نفسه وأعتق عنها إذا قدر وإن كانت من أهل الصيام وهو من أهل الاطعام صامت عن نفسها وأطعم عن نفسه
واعلم أن جماع المرأة إذا قلنا لا شىء عليها والوجوب لا يلاقيها مستثنى عن الضابط

فرع تجب الكفارة بالزنا وجماع أمته واللواط وإتيان البهيمة وسواء أنزل

ولو أفسد صومه بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضية إلى الانزال فلا كفارة لأن النص ورد في الجماع وما عداه ليس في معناه هذا هو المذهب الصحيح المعروف
وفي وجه قاله أبو خلف الطبري وهو من تلامذة القفال تجب الكفارة بكل ما يأثم بالافطار به
وفي وجه حكاه في الحاوي عن ابن أبي هريرة أنه يجب بالأكل والشرب كفارة فوق كفارة الحامل والمرضع ودون كفارة المجامع
وهذان الوجهان غلط
وذكر الحناطي أن ابن عبد الحكم روي عنه وجوب الكفارة فيما إذا جامع فيما دون الفرج وأنزل وهذا شاذ
فرع إذا ظن أن الصبح لم يطلع فجامع ثم بان خلافه فحكم
ولا كفارة لعدم الإثم
قال الإمام ومن أوجب الكفارة على الناسي بالجماع يقول مثله هنا لتقصيره في البحث
ولو ظن غروب الشمس فجامع فبان خلافه

ففي التهذيب وغيره أنه لاكفارة لأنها تسقط بالشبهة
وهذا ينبغي أن يكون مفرعا على تجويز الافطار والحالة هذه وإلا فتجب الكفارة وفاء بالضابط المذكور لوجوب الكفارة
ولو أكل الصائم ناسيا فظن بطلان صومه فجامع فهل يفطر وجهان
أحدهما لا كما لو سلم من الظهر ناسيا وتكلم عامدا لا تبطل صلاته
وأصحهما وبه قطع الجمهور يفطر كما لو جامع وهو يظن أن الفجر لم يطلع فبان خلافه
وعلى هذا لا كفارة لأنه وطىء وهو يعتقد أنه غير صائم وعن القاضي أبي الطيب أنه يحتمل وجوبها لأنه ظن لا يبيح الوطء
ولو أفطر المسافر بالزنا مترخصا فلا كفارة لأنه وإن أثم بهذا الوطء لكنه لم يأثم به بسبب الصوم فان الافطار جائز له
ولو زنا المقيم ناسيا للصوم وقلنا الصوم يفسد بالجماع ناسيا فلا كفارة على الأصح لأنه لم يأثم بسبب الصوم لأنه ناس له

فرع من رأى هلال رمضان وحده لزمه صومه

فان صامه فأفطر بالجماع فعليه الكفارة
ولو رأى هلال شوال وحده لزمه الفطر ويخفيه لئلا يتهم وإذا رؤي رجل يأكل يوم الثلاثين من رمضان بلا عذر عزر
فلو شهد أنه رأى الهلال لم يقبل لأنه متهم في إسقاط التعزير بخلاف ما لو شهد أولا فردت شهادته ثم أكل لم يعزر
فرع لو أفطر بجماع ثم جامع ثانيا في ذلك اليوم فلا كفارة
الثاني لأنه لم يفسد صوما
فلو جامع في يومين أو أيام فعليه لكل يوم كفارة سواء كفر عن الأول أم لا


فرع لو أفسد صومه بجماع ثم أنشأ سفرا طويلا في يومه لم
على المذهب
وقيل كما لو طرأ المرض
ولو جامع ثم مرض فقولان
أظهرهما لا تسقط الكفارة
وقيل لا تسقط قطعا
ولو طرأ بعد الجماع جنون أو موت أو حيض فقولان
أظهرهما السقوط
والمسألة في الحيض مفرعة على أن المرأة إذا أفطرت بالجماع لزمتها الكفارة
فرع كمال صفة الكفارة مستقصى في كتاب الكفارات

والقول الجملي أن هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار فيجب عتق رقبة
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
وهل يلزمه مع الكفارة قضاء صوم اليوم الذي أفسده بالجماع فيه ثلاثة أوجه
وقيل قولان ووجه
أصحهما يلزم
والثاني لا والثالث إن كفر بالصيام لم يلزم وإلا لزم
قال الإمام ولا خلاف أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم تلزمها كفارة
وهل تكون شدة الغلمة عذرا في العدول عن الصيام إلى الاطعام وجهان
أصحهما أنها عذر وبه قطع صاحب التهذيب وهو مقتضى كلام الأكثرين ورجح الغزالي المنع


فرع لو كان من لزمته هذه الكفارة فقيرا فهل له صرفها إلى
وجهان
أحدهما يجوز لحديث الأعرابي المشهور
وأصحهما لا يجوز كالزكاة وسائر الكفارات
وأما قصة الأعرابي فلم يدفع إلى أهله عن الكفارة
فرع إذا عجز عن جميع خصال الكفارة فهل تستقر في ذمته قال
الحقوق المالية الواجبة لله تعالى ثلاثة أضرب
ضرب يجب لا بسبب مباشرة من العبد كزكاة الفطر
فإذا عجز وقت الوجوب لم تثبت في ذمته
وضرب يجب بسبب على جهة البدل كجزاء الصيد فإذا عجز وقت وجوبه ثبت في ذمته تغليبا لمعنى الغرامة
وضرب يجب بسبب لا على جهة البدل ككفارة الجماع واليمين والقتل والظهار ففيها قولان
أظهرهما يثبت في الذمة عند العجز فمتى قدر على إحدى الخصال لزمته
والثاني لا يثبت
فصل في الفدية وهي مد من الطعام لكل يوم من أيام رمضان

وجنسه جنس زكاة الفطر
فيعتبر غالب قوت البلد على الأصح
ولا يجزىء الدقيق والسويق كما سبق
ومصرفها الفقراء أو المساكين
وكل مد منها ككفارة تامة
فيجوز

صرف عدد منها إلى مسكين واحد بخلاف أمداد الكفارة فإنه يجب صرف كل مد منها إلى مسكين وتجب الفدية بثلاثة طرق
الأول فوات نفس الصوم فمن فاته صوم يوم من رمضان ومات قبل قضائه فله حالان
أحدهما أن يموت بعد تمكنه من القضاء سواء ترك الاداء بعذر أم بغيره فلا بد من تداركه بعد موته
وفي صفة التدارك قولان
الجديد أنه يطعم من تركته عن كل يوم مد
والقديم أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه ولا يلزمه
فعلى القديم لو أمر الولي أجنبيا فصام عنه بأجرة أو بغيرها جاز كالحج
ولو استقل به الأجنبي لم يجزه على الأصح
وهل المعتبر على القديم الولاية أم مطلق القرابة أم تشترط العصوبة أم الإرث توقف فيه الامام وقال لا نقل فيه عندي
قال الرافعي وإذا فحصت عن نظائره وجدت الأشبه اعتبار الإرث
قلت المختار أن المراد مطلق القرابة
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة تصوم عن أمها وهذا يبطل احتمال العصوبة
والله أعلم
ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف لم يقض عنه وليه ولا يسقط عنه بالفدية
ونقل البويطي أن الشافعي رحمه الله قال في الاعتكاف يعتكف عنه وليه
وفي رواية يطعم عنه
قال صاحب التهذيب ولا يبعد تخريج هذا في الصلاة فيطعم عن كل صلاة مد
وإذا قلنا بالاطعام في الاعتكاف فالقدر المقابل بالمد اعتكاف يوم بليلته
هكذا ذكره الإمام عن رواية شيخه قال وهو مشكل فإن اعتكاف لحظة عبادة تامة
قلت لم يصحح الإمام الرافعي واحدا من الجديد والقديم في صوم الولي وكأنه

تركه لاضطراب الأصحاب فيه فإن المشهور في المذهب تصحيح الجديد
وذهب جماعة من محققي أصحابنا إلى تصحيح القديم
وهذا هو الصواب
بل ينبغي أن يجزم بالقديم فإن الأحاديث الصحيحة ثبتت فيه
وليس للجديد حجة من السنة
والحديث الوارد بالاطعام ضعيف فيتعين القول بالقديم
ثم من جوز الصيام جوز الاطعام
والله أعلم
وحكم صوم الكفارة والنذر حكم صوم رمضان
الحال الثاني أن يكون موته قبل التمكن من القضاء بأن لا يزال مريضا أو مسافرا من أول شوال حتى يموت فلا شىء في تركته ولا على ورثته
قلت قال أصحابنا ولا يصح الصيام من أحد في حياته بلا خلاف سواء كان عاجزا أو غيره
والله أعلم

فرع الشيخ الهرم الذي لا يطيق الصوم أو تلحقه به مشقة شديدة
صوم عليه
وفي وجوب الفدية عليه قولان
أظهرهما الوجوب
ويجري القولان في المريض الذي لا يرجى برؤه
ولو نذر في خلال العجز صوما ففي انعقاده وجهان
قلت أصحهما لا ينعقد
والله أعلم
وإذا أوجبنا الفدية على الشيخ فكان معسرا هل تلزمه إذا قدر قولان كالكفارة
ولو كان رقيقا فعتق ففيه خلاف مرتب على المعسر والأولى بأن لا تجب لأنه لم يكن أهلا
ولو قدر الشيخ على الصوم بعدما أفطر فهل يلزمه الصوم قضاء نقل صاحب التهذيب أنه لا يلزمه لأنه لم يكن

مخاطبا بالصوم بل كان مخاطبا بالفدية بخلاف المعضوب إذا حج عنه غيره ثم قدر يلزمه الحج في قول لأنه كان مخاطبا به
ثم قال صاحب التهذيب من عند نفسه إذا قدر قبل أن يفدي فعليه أن يصوم وإن قدر بعد الفدية فيحتمل أن يكون كالحج لأنه كان مخاطبا بالفدية على توهم أن عذره غير زائل وقد بان خلافه
واعلم أن صاحب التتمة في آخرين نقلوا خلافا في أن الشيخ يتوجه عليه الخطاب بالصوم ثم ينتقل إلى الفدية بالعجز أم يخاطب بالفدية ابتداء وبنوا عليه الوجهين في انعقاد نذره
الطريق الثاني لوجوب الفدية ما يجب لفضيلة الوقت وذلك في صور
فالحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا ولا فدية كالمريض
وإن لم تخافا من الصوم إلا على الولد فلهما الفطر وعليهما القضاء
وفي الفدية أقوال
أظهرها تجب والثاني تستحب والثالث تجب على المرضع دون الحامل
فعلى الأظهر لا تتعدد الفدية بتعدد الأولاد على الأصح وبه قطع في التهذيب
وهل يفرق بين المرضع ولدها أو غيره بإجارة أو غيرها قال في التتمة لا فرق فتفطر المستأجرة وتفدي
كما أن السفر لما أفاد الفطر يستوي فيه المسافر لغرض نفسه وغيره
وقال الغزالي في الفتاوى المستأجرة لا تفطر ولا خيار لأهل الصبي
قلت الصحيح قول صاحب التتمة وقطع به القاضي حسين في فتاويه فقال يحل لها الافطار بل يجب إن أضر الصوم بالرضيع
وفدية الفطر على من تجب قال يحتمل وجهين بناء على ما لو استأجر للتمتع فعلى من يجب دمه فيه وجهان
قال ولو كان هناك مراضع فأرادت أن ترضع صبيا تقربا إلى الله تعالى جاز الفطر لها
والله أعلم


ولو كانت الحامل أو المرضع مسافرة أو مريضة فأفطرت بنية الترخص بالمرض أو السفر فلا فدية عليها
وإن لم تقصد الترخص ففي وجوب الفدية وجهان كالوجهين في فطر المسافر بالجماع

فرع إذا أفطر بغير الجماع عمدا في نهار رمضان هل تلزمه الفدية
القضاء وجهان
أصحهما لا
فرع لو رأى مشرفا على الهلاك بغرق أو غيره وافتقر في تخليصه
الفطر فله ذلك ويلزمه القضاء وتلزمه الفدية على الأصح أيضا كالمرضع
قلت قوله فله ذلك فيه تساهل
ومراده أنه يجب عليه ذلك وقد صرح به أصحابنا
والله أعلم
الطريق الثالث ما يجب لتأخير القضاء فمن عليه قضاء رمضان وأخره حتى دخل رمضان السنة القابلة نظر إن كان مسافرا أو مريضا فلا شىء عليه فإن تأخير الأداء بهذا العذر جائز فتأخير القضاء أولى
وإن لم يكن فعليه مع القضاء لكل يوم مد
وقال المزني لا تجب الفدية
ولو أخر حتى مضى رمضانان فصاعدا فهل تكرر الفدية وجهان
قال في النهاية الأصح التكرر
ولو أفطر عدوانا وألزمناه الفدية فأخر القضاء فعليه لكل يوم فديتان واحدة للافطار وأخرى للتأخير
هذا هو المذهب
وقال إبرهيم المروذي إن عددنا الفدية بتعدد رمضان فهنا أولى وإلا فوجهان
وإذا أخر القضاء مع الإمكان

فمات قبل أن يقضي وقلنا الميت يطعم عنه فوجهان
أصحهما يخرج لكل يوم من تركته مدان
والثاني قاله ابن سريج يكفي مد واحد
وأما إذا قلنا يصام عنه فصام الولي فيحصل تدارك أصل الصوم ويفدي للتأخير
وإذا قلنا بالأصح وهو التكرر فكان عليه عشرة أيام فمات ولم يبق من شعبان إلا خمسة أيام أخرج من تركته خمسة عشر مدا عشرة لأصل الصوم وخمسة للتأخير لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة
ولو أفطر بلا عذر وأوجبنا به الفدية فأخر حتى دخل رمضان آخر ومات قبل القضاء فالمذهب وجوب ثلاثة أمداد
فإن تكررت السنون زادت الأمداد
وإذا لم يبق بينه وبين رمضان السنة الثانية ما يتأتى فيه قضاء جميع الفائت فهل يلزمه في الحال الفدية عما لا يسعه الوقت أم لا يلزمه إلا بعد دخول رمضان فيه وجهان كالوجهين فيمن حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فتلف قبل الغد هل يحنث في الحال أم بعد مجيء الغد ولو أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجيء رمضان الثاني ليؤخر القضاء مع الإمكان ففي جوازه وجهان كالوجهين في تعجيل الكفارة عن الحنث المحرم
قلت إذا أخر الشيخ الهرم المد عن السنة الأولى فالمذهب أنه لا شىء عليه
وقال الغزالي في الوسيط في تكرر مد آخر للتأخير وجهان
وهذا شاذ ضعيف
وإذا أراد الشيخ الهرم إخراج الفدية قبل دخول رمضان لم يجز وإن أخرجها بعد طلوع الفجر من يوم من رمضان أجزأه عن ذلك اليوم
وإن أداها قبل الفجر ففيه احتمالان حكاهما في البحر عن والده وقطع الدارمي بالجواز وهو الصواب
قال الإمام الزيادي ويجوز للحامل تقديم الفدية على الفطر ولا يقدم إلا فدية يوم واحد
وقد تقدم بعض هذه المسائل في باب تعجيل الزكاة
والله أعلم


باب صوم التطوع
من شرع في صوم تطوع أو صلاة تطوع لم يلزمه الاتمام لكن يستحب
فلو خرج منهما فلا يجب القضاء لكن يستحب ثم إن خرج لعذر لم يكره وإلا كره على الأصح
ومن العذر أن يعز على من ضيفه امتناعه من الأكل
ولو شرع في صوم القضاء الواجب فإن كان على الفور لم يجز الخروج منه وإلا فوجهان
أحدهما يجوز قاله القفال وقطع به الغزالي وصاحب التهذيب وطائفة
وأصحهما لا يجوز وهو المنصوص في الأم وبه قطع الروياني في الحلية وهو مقتضى كلام الأكثرين لأنه صار متلبسا بالفرض ولا عذر فلزمه إتمامه كما لو شرع في الصلاة أول الوقت
وأما صوم الكفارة فما لزم منه بسبب محرم فهو كالقضاء الذي على الفور
وما لزم بسبب غير محرم كقتل الخطأ فهو كالقضاء الذي على التراخي
وكذا النذر المطلق
وهذا كله مبني على المذهب وهو انقسام القضاء إلى واجب على الفور وعلى التراخي
فالأول ما تعدى فيه بالافطار فيحرم تأخير قضائه
قال في التهذيب حتى يحرم عليه التأخير بعذر السفر
وأما الثاني فما لم يتعد به كالفطر بالحيض والسفر والمرض فقضاؤه على التراخي ما لم يحضر رمضان السنة المقبلة
وقال بعض أصحابنا العراقيين القضاء على التراخي في المتعدي وغيره


فصل صوم التطوع
منه ما يتكرر بتكرر السنين ومنه ما يتكرر بتكرر الشهور ومنه ما يتكرر بتكرر الاسبوع
فمن الأول يوم عرفة فيستحب صومه لغير الحجيج وينبغي للحجيج فطره
وأطلق كثيرون كراهة صومه لهم
فإن كان شخص لا يضعف بالصوم عن الدعاء وأعمال الحج ففي التتمة أن الأولى له الصوم
وقال غيره الأولى أن لا يصوم بحال
قلت قال البغوي وغيره يوم عرفة أفضل أيام السنة
وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الطلاق التصريح بذلك مع غيره في تعليق الطلاق على أفضل الأيام
والله أعلم
ومنه يوم عاشوراء وهو عاشر المحرم ويستحب أن يصوم معه تاسوعاء وهو التاسع
وفيه معنيان
أحدهما الاحتياط حذرا من الغلط في العاشر
والثاني مخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر فقط
فعلى هذا لو لم يصم التاسع معه استحب أن يصوم الحادي عشر
ومنه ستة أيام من شوال والأفضل أن يصومها متتابعة متصلة بالعيد
ومن الثاني أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر
قلت هذا هو المعروف فيها
ولنا وجه غريب حكاه الصيمري والماوردي والبغوي وصاحب البيان أن الثاني عشر بدل الخامس عشر فالاحتياط صومهما
والله أعلم
ومن الثالث يوم الاثنين والخميس
ويكره إفراد الجمعة بالصوم وإفراد السبت


فرع أطلق صاحب التهذيب في آخرين أن صوم الدهر مكروه

وقال الغزالي هو مسنون وقال الأكثرون إن خاف منه ضررا أو فوت به حقا كره
وإلا فلا
والمراد إذا أفطر أيام العيد والتشريق
ولو نذر صوم الدهر لزم وكانت الأعياد و ( أيام ) التشريق وشهر رمضان وقضاؤه مستثناة
فإن فرض فوات بعذر أو بغيره فهل تجب الفدية لما أخل به من النذر بسبب القضاء قال أبو القاسم الكرخي فيه وجهان وقطع به في التهذيب بأنه لا فدية
ولو نذر صوما آخر بعد هذا النذر لم ينعقد
ولو لزمه صوم كفارة صام عنها وفدى عن النذر
ولو أفطر يوما من الدهر لم يمكن قضاؤه ولا فدية إن كان بعذر وإلا فتجب الفدية
ولو نذرت المرأة صوم الدهر فللزوج منعها ولا قضاء ولا فدية وإن أذن لها أو مات فلم تصم لزمها الفدية
قلت ومن المسنون صوم عشر ذي الحجة غير العيد والصوم من آخر كل شهر
وأفضل الأشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب
وأفضلها المحرم ويلي المحرم في الفضيلة شعبان
وقال صاحب البحر رجب أفضل من المحرم وليس كما قال
قال أصحابنا لا يجوز للمرأة صوم تطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه
وممن صرح به صاحبا المهذب و التهذيب
والله أعلم


كتاب الاعتكاف
الاعتكاف سنة مؤكدة ويستحب في جميع الأوقات وفي العشر الأواخر من رمضان آكد اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبا لليلة القدر
ومن أراد هذه السنة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين حتى لا يفوته شىء ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد
ولو مكث ليلة العيد إلى أن يصلي أو يخرج منه إلى العيد كان أفضل
فرع ليلة القدر أفضل ليالي السنة خص الله تعالى بها هذه الأمة
باقية إلى يوم القيامة
ومذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنها في العشر الأواخر من رمضان وفي أوتارها أرجى
وميل الشافعي إلى أنها ليلة الحادي والعشرين
وقال في موضع إلى ثلاث وعشرين
وقال ابن خزيمة من أصحابنا هي ليلة منتقلة في ليالي العشر تنتقل كل سنة إلى ليلة جمعا بين الأخبار
قلت وهذا منقول عن المزني أيضا وهو قوي
ومذهب الشافعي أنها تلزم ليلة بعينها
والله أعلم


وعلامة هذه الليلة أنها طلقة لا حارة ولا باردة وأن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء ليس لها كثير شعاع
ويستحب أن يكثر فيها من قول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني
قلت قال صاحب البحر قال الشافعي رحمه الله في القديم أستحب أن يكون اجتهاده في يومها كاجتهاده في ليلتها
وقال في القديم من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها
والله أعلم
ولو قال لزوجته أنت طالق ليلة القدر
قال أصحابنا إن قاله قبل رمضان أو فيه قبل مضي أول ليالي العشر طلقت بانقضاء ليالي العشر وإن قاله بعد مضي بعض لياليها لم تطلق إلى مضي سنة
هكذا نقل الشيخ أبو إسحق في المهذب وإمام الحرمين وغيرهما
وأما قول الغزالي لو قال لزوجته في منتصف رمضان أنت طالق ليلة القدر لم تطلق حتى تمضي سنة لأن الطلاق لا يقع بالشك
ونقل في الوسيط هذا عن نص الشافعي
فاعلم أنه لا يعرف اعتبار مضي سنة في هذه المسألة إلا في كتب الغزالي
وقوله الطلاق لا يقع بالشك مسلم لكن يقع بالظن الغالب
قال إمام الحرمين الشافعي رحمه الله متردد في ليالي العشر ويميل إلى بعضها ميلا لطيفا وانحصارها في العشر ثابت عنده بالظن القوي وإن لم يكن مقطوعا به والطلاق يناط وقوعه بالمذاهب المظنونة
واعلم أن الغزالي قال وقيل إن ليلة القدر في جميع شهر رمضان
وهذا لا تكاد تجده في شىء من كتب المذهب
قلت قد قال المحاملي وصاحب التنبيه تطلب ليلة القدر في جميع رمضان
وقول الإمام الرافعي في أول المسألة طلقت بانقضاء ليالي العشر فيه تجوز

تابع فيه صاحب المهذب وغيره
وحقيقته طلقت في أول الليلة الأخيرة من العشر
وكذا قوله إن قاله بعد مضي بعض لياليها لم تطلق إلى مضي سنة فيه تجوز وذلك أنه قد يقول لها في آخر اليوم الحادي والعشرين فلا يقف وقوع الطلاق على سنة كاملة بل يقع في أول الليلة الحادي والعشرين
والله أعلم

فصل أركان الاعتكاف
أربعة اللبث في المسجد والنية والمعتكف والمعتكف فيه الأول اللبث وفي اعتباره وجهان حكاهما في النهاية
أصحهما لا بد منه والثاني يكفي مجرد الحضور كما يكفي مجرد الؤضور بعرفة
ثم فرع على الوجهين فقال إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور
حتى لو دخل من باب وخرج من باب ونوى فقد اعتكف
وإن اعتبرنا اللبث لم يكف ما يكفي في الطمأنينة في الصلاة بل لا بد من زيادة عليه بما يسمى عكوفا وإقامة
ولا يعتبر السكون بل يصح اعتكافه قائما أو قاعدا أو مترددا في أطراف المسجد
ولا يقدر اللبث بزمان حتى لو نذر اعتكاف ساعة انعقد نذره
ولو نذر اعتكافا مطلقا خرج من عهدة النذر بأن يعتكف لحظة
واستحب الشافعي رحمه الله أن يعتكف يوما للخروج من الخلاف فإن مالكا وأبا حنيفة رحمهما الله لا يجوزان اعتكاف أقل من يوم
ونقل الصيدلاني وجها أنه لا يصح الاعتكاف إلا يوما أو ما يدنو من يوم
قلت ولو كان يدخل ساعة ويخرج ساعة وكلما دخل نوى الاعتكاف صح على المذهب
وحكى الروياني في خلافا ضعيفا
والله أعلم


فصل يحرم على المعتكف الجماع وجميع المباشرات بالشهوة
فإن جامع ذاكرا للاعتكاف أو جامع عند خروجه لقضاء الحاجة
فأما إذا جامع ناسيا للاعتكاف أو جاهلا بتحريمه فهو كنظيره في الصوم
وروى المزني عن نصه في بعض المواضع أنه لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلا ما يوجب الحد
قال الإمام مقتضى هذا أن لا يفسد بإتيان البهيمة والإتيان في غير المأتي إذا لم نوجب فيهما الحد
والمذهب الأول
قلت نصه محمول على أنه لا يفسد بالوطء فيما دون الفرج
والله أعلم
أما إذا لمس أو قبل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج معتمدا ففيه نصوص وطرق مختلفة مختصرها ثلاثة أقوال أو أوجه
أصحها عند الجمهور إن أنزل بطل اعتكافه وإلا فلا
والثاني يبطل مطلقا
والثالث لا يبطل مطلقا
وإن استمنى بيده فإن قلنا إذا لمس فأنزل لا يبطل فهنا أولى وإلا فوجهان لأن كمال اللذة باصطكاك البشرتين
ولا بأس على المعتكف بأن يقبل على سبيل الشفقة والإكرام
ولا بأن يلمس بغير شهوة
فرع للمعتكف أن يرجل رأسة ويتطيب ويتزوج ويزوج ويتزين بلبس الثياب ويأمر
أشبه ذلك ولا يكره شىء من هذه الأعمال إذا لم تكثر
فإن أكثر أو قعد يحترف بالخياطة ونحوها كره ولم يبطل اعتكافه
ونقل عن القديم أنه إذا

اشتغل بحرفة بطل اعتكافه وقيل بطل اعتكافه المنذور
والمذهب ما قدمناه
قلت الأظهر كراهة البيع والشراء في المسجد وإن قل للمعتكف وغيره إلا بحاجة
وهو نصه في البويطي وفيه حديث صحيح في النهي
والله أعلم
وإن اشتغل بقراءة القرآن ودراسة العلم فزياده خير

فرع يجوز أن يأكل في المسجد والأولى أن يبسط سفرة أو نحوها

وله غسل يده فيه والأولى غسلها في طست ونحوها لئلا يبتل المسجد فيمتنع غيره من الصلاة والجلوس فيه ولأنه قد يتقذر
ولهذا قال في التهذيب يجوز نضح المسجد بالماء المطلق ولا يجوز بالمستعمل وإن كان طاهرا لأن النفس قد تعافه
ويجوز الفصد والحجامة في المسجد في إناء بشرط أن يأمن التلويث والأولى تركه
وفي البول في الطست احتمالان لصاحب الشامل والأصح المنع وبه قطع صاحب التتمة لأنه أقبح من الفصد
ولهذا لا يمنع من الفصد مستقبل القبلة بخلاف البول
فصل يصح الاعتكاف بغير صوم ويصح في الليل وحده وفي يوم العيد
التشريق هذا هو المذهب والمشهور
وحكى الشيخ أبو محمد وغيره قولا قديما أن الصوم شرط فلا يصح الاعتكاف في العيد و ( أيام ) التشريق والليل المجرد


فرع إذد نذر أن يعتكف يوما هو فيه صائم أو أياما هو
الاعتكاف في أيام الصوم وليس له إفراد أحدهما عن الآخر بلا خلاف
ولو اعتكف في رمضان أجزأه لأنه لم يلتزم بهذا النذر صوما وإنما نذر الاعتكاف بصفة وقد وجدت
ولو نذر أن يعتكف صائما أو يعتكف بصوم لزمه الاعتكاف والصوم
وهل يلزمه الجمع بينهما وجهان
أحدهما لا لأنهما عبادتان مختلفتان فأشبه إذا نذر أن يصلي صائما
وأصحهما يلزمه وهو نصه في الأم كالمسألة السابقة
فعلى هذا لو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر لزمه استئناف الصوم والاعتكاف
وعلى الأول يكفيه استئناف الصوم
ولو نذر اعتكاف أيام وليال متتابعة صائما فجامع ليلا ففيه هذان الوجهان
ولو اعتكف في رمضان أجزأه عن الاعتكاف في الوجه الأول وعليه الصوم وعلى الثاني لا يجزئه الاعتكاف أيضا
ولو نذر أن يصوم معتكفا فطريقان
أصحهما طرد الوجهين أصحهما عند الأكثرين لزوم الجمع
والثاني القطع بأنه لا يجب الجمع
والفرق أن الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم بخلاف عكسه فإن الصوم من مندوبات الاعتكاف
ولو نذر أن يعتكف مصليا أو يصلي معتكفا لزمه الاعتكاف والصلاة
وفي لزوم الجمع طريقان
المذهب لا يجب
وقيل بطرد الوجهين
والفرق أن الصوم والاعتكاف متقاربان لاشتراكهما في الكف والصلاة أفعال مباشرة لا تناسب الاعتكاف
فلو نذر أن يعتكف محرما بالصلاة فإن لم نوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة فالذي يلزمه من الصلاة هو الذي لو أفرد الصلاة بالنذر وإلا لزمه ذلك القدر في يوم اعتكافه ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة
وإن نذر اعتكاف أيام مصليا لزمه ذلك القدر في كل يوم هكذا ذكره صاحب التهذيب

وغيره
ولك أن تقول ظاهر اللفظ يقتضي الاستيعاب فإن تركنا الظاهر فلم يعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة كل يوم وهلا اكتفي به مرة في جميع المدة ولو نذر أن يصلي صلاة يقرأ فيها سورة كذا ففي وجوب الجمع الخلاف الذي في الجمع بين الصوم والاعتكاف قاله القفال وهو ظاهر
الركن الثاني النية فلا بد منها في ابتداء الاعتكاف ويجب التعرض في المنذور منه للفرضية
ثم إذا نوى الاعتكاف وأطلق كفاه ذلك وإن طال مكثه
فإن خرج من المسجد ثم عاد احتاج إلى استئناف النية سواء خرج لقضاء الحاجة أم لغيره فإن ما مضى عبادة تامة والثاني اعتكاف جديد قال في التتمة فلو عزم عند خروجه أن يقضي حاجته ويعود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية وفيه نظر فإن اقتران النية بأول العبادة شرط
فكيف يكتفي بعزيمة سابقة أما إذا عين زمانا بأن نوى اعتكاف شهر أو يوم فهل يشترط تجديد النية إذا خرج وعاد فيه أوجه
أصحهما إن خرج لقضاء الحاجة لم يجب التجديد لأنه لا بد منه وإن خرج لغرض آخر فلا بد من التجديد وسواء طال الزمان أم قصر
والثاني إن طالت مدة الخروج وجب التجديد وإلا فلا وسواء خرج لقضاء الحاجة أم لغيره
والثالث لا حاجة إلى التجديد مطلقا
والرابع هو ما ذكره صاحب التهذيب إن خرج لأمر يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع وجب التجديد
وإن خرج لأمر لا يقطعه ولم يكن منه بد كقضاء الحاجة والغسل للاحتلام لم يجب التجديد
وإن كان منه بد أو طال الزمان ففي التجديد على هذا وجهان
وهذا الخلاف مطرد فيما إذا نوى مدة لاعتكاف تطوع وفيما إذا نذر أياما ولم يشرط فيها التتابع ثم دخل المسجد بقصد الوفاء بالنذر
أما إذا شرط التتابع أو كانت المنذورة متواصلة فسيأتي حكم التجديد فيها إن شاء الله تعالى


فرع لو نوى الخروج من الاعتكاف لم يبطل على الأصح كالصوم
الركن الثالث المعتكف شرطه الاسلام والعقل والنقاء عن الحيض والجنابة
فيصح اعتكاف الصبي والرقيق والزوجة كصيامهم
ولا يجوز للعبد أن يعتكف بغير إذن سيده ولا للمرأة بغير إذن زوجها فإن اعتكفا بغير إذن جاز للزوج والسيد إخراجهما
وكذا لو اعتكفا بإذنهما تطوعا فإنه لا يلزم بالشروع
ولو نذرا اعتكافا نظر إن نذرا بغير إذن فلهما المنع من الشروع فيه فإن أذنا في الشروع وكان الزمان متعينا أو غير متعين ولكن شرطا التتابع لم يكن لهما الرجوع
وإن لم يشرطا فلهما الرجوع على الأصح وإن نذرا بالإذن نظر إن تعلق بزمان معين فلهما الشروع فيه بغيرإذن وإلا لم يشرعا بغير إذن وإن شرعا بالإذن لم يكن لهما المنع من الإتمام هكذا ذكره أصحابنا العراقيون وهو مبني على أن النذر المطلق إذا شرع فيه لزمه إتمامه
وفيه خلاف سبق في آخر كتاب الصوم
ويستوي في جميع ما ذكرناه القن والمدبر وأم الولد
وأما المكاتب فله أن يعتكف بغير إذن السيد على الأصح
ومن بعضه رقيق كالقن إن لم يكن مهايأة فإن كانت فهو في نوبته كالحر وفي نوبة السيد كالقن
فرع لا يصح اعتكاف الكافر والمجنون والمغمى عليه والسكران إذ لا

ولو ارتد في أثناء اعتكافه فالنص في الأم أنه لا يبطل اعتكافه


فإذا أسلم بنى
ونص أنه لو سكر في اعتكافه ثم أفاق يستأنف
واختلف الأصحاب فيهما على طرق
المذهب بطلان اعتكافهما فإن ذلك أشد من الخروج من المسجد ونصه في المرتد محمول على أنه اعتكاف غير متتابع
فإذا أسلم بنى لأن الردة لا تحبط ما سبق عندنا إلا إذا مات مرتدا
ونصه في السكران في اعتكاف متتابع
والطريق الثاني تقرير النصين
والفرق بأن السكران يمنع المسجد بكل حال بخلاف المرتد
واختار أصحاب الشيخ أبي حامد هذا الطريق وذكروا أنه المذهب
والثالث فيهما قولان
والرابع لا يبطل فيهما
والخامس يبطل السكر لامتداد زمنه وكذا الردة إن طال زمنها وإن قصر بنى
والسادس يبطل بالردة دون السكر لأنه كالنوم والردة تنافي العبادة
وهذا الطريق حكاه الإمام الغزالي ولم يذكره غيرهما
وهذا الخلاف أنه هل يبقى ما تقدم على الردة والسكر معتدا به فيبنى عليه أم يبطل فيحتاج إلى الاستئناف إن كان الاعتكاف متتابعا فأما زمن الردة والسكر فغير معتد به قطعا
وفي وجه شاذ يعتد بزمن السكر
وأشار إمام الحرمين والغزالي إلى أن الخلاف في الاعتداد بزمن الردة والسكر
والمذهب ما سبق
ولو أغمي عليه أو جن في زمن الاعتكاف فإن لم يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه لأنه معذور
وإن أخرج نظر إن لم يمكن حفظه في المسجد لم يبطل لأنه لم يحصل الخروج باختياره فأشبه ما لو حمل العاقل مكرها
وإن أمكن ولكن شق ففيه الخلاف الآتي في المريض إذا أخرج
قال في التتمة ولا يحسب زمن الجنون من الاعتكاف ويحسب زمن الاغماء على المذهب


فرع لا يصح اعتكاف الحائض ولا الجنب

ومتى طرأ الحيض على المعتكفة لزمها الخروج
فإن مكثت لم يحسب عن الاعتكاف
وهل يبطل ما سبق أم يبنى عليه فيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى
وإن طرأت الجنابة بما يبطل الاعتكاف لم يخف الحكم
وإن طرأت بما لا يبطله كالاحتلام والجماع ناسيا والإنزال بالمباشرة دون الفرج إذا قلنا لا يبطله لزمه أن يبادر بالغسل كيلا يبطل تتابعه وله الخروج للغسل سواء أمكنه الغسل في المسجد أم لا لأنه أصون لمروءته وللمسجد
ولا يحسب زمن الجنابة من الاعتكاف على الصحيح
الركن الرابع المعتكف فيه وهو المسجد فيختص بالمساجد ويجوز في جميعها والجامع أولى
وأومأ في القديم إلى اشتراط الجامع والمذهب المشهور ما سبق
ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها وهو المعتزل المهيأ للصلاة لم يصح على الجديد ويصح على القديم
فإن صححناه ففي جواز اعتكاف الرجل فيه وجهان
وهو أولى بالمنع
وعلى الجديد كل امرأة يكره لها الخروج للجماعة يكره لها الخروج للاعتكاف ومن لا فلا
قلت قد أنكر القاضي أبو الطيب وجماعة هذا القديم
وقالوا لا يجوز في مسجد بيتها قولا واحدا وغلطوا من قال قولان
والله أعلم
فرع إذا نذر الاعتكاف في مسجد بعينه فإن عين المسجد الحرام تعين
على

المذهب الذي قطع به الجماهير
وقيل في تعيينه قولان
وإن عين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد الأقصى تعين على الأظهر
وإن عين غير هذه الثلاثة لم يتعين على الأصح
وقيل الأظهر يتعين كما لو عينه للصلاة
وقيل لا يتعين قطعا
وإذا حكمنا بالتعيين فإن عين المسجد الحرام لم يقم غيره مقامه
وإن عين مسجد المدينة لم يقم مقامه إلا المسجد الحرام
وإن عين الأقصى لم يقم مقامه إلا المسجد الحرام ومسجد المدينة
وإذا حكمنا بعدم التعيين فليس له الخروج بعد الشروع لينتقل إلى مسجد آخر لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر على مثل تلك المسافة جاز على الأصح
أما إذا عين زمن الاعتكاف في نذره ففي تعيينه وجهان
الصحيح أنه يتعين فلا يجوز التقديم عليه ولو تأخر كان قضاء
والثاني لا يتعين كما لا يتعين في الصلاة والصدقة
ويجري الوجهان في تعيين زمن الصوم

فصل من نذر اعتكاف مدة وأطلق
نظر إن شرط التتابع لزمه كما التتابع في الصوم وإن لم يشرط بل قال علي شهر أو عشرة أيام فلا يلزمه التتابع على المذهب لكن يستحب
وخرج ابن سريج قولا أنه يلزمه وهو شاذ
فعلى المذهب لو نوى التتابع بقلبه ففي لزومه وجهان
أصحهما لا يلزم
ولو شرط تفريقه فهل يجزئه المتتابع وجهان
أصحهما يجزئه لأنه أفضل
ولو نذر اعتكاف يوم فهل يجوز تلفيق ساعاته من أيام وجهان
أصحهما وبه قال الأكثرون لا لأن المفهوم من اليوم المتصل
وقد حكي عن الخليل أن اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس
ولو دخل المسجد في أثناء

النهار وخرج بعد الغروب ثم عاد قبل الفجر ومكث إلى مثل لك الوقت فهو على هذين الوجهين
فلو لم يخرج بالليل فقال الأكثرون يجزئه سواء جوزنا التفريق أو منعناه لحصول التواصل
قال أبو إسحق تفريعا على الأصح لا يجزئه لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم وهذا هو الوجه
ولو قال في أثناء النهار لله علي أن أعتكف يوما من هذا الوقت فقد اتفق الأصحاب على أنه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ولا يجوز الخروج بالليل ليتحقق التتابع
وفيه نظر فإن الملتزم يوم وليست الليلة منه فلا يمنع التتابع
والقياس أن يجعل فائدة التقييد في هذه الصورة القطع بجواز التفريق لا غير
ثم حكى الإمام عن الأصحاب تفريعا على جواز تفريق الساعات أنه يكفيه ساعات أقصر الأيام لأنه لو اعتكف أقصر الأيام جاز
ثم قال إن فرق على ساعات أقصر الأيام في سنين فالأمر كذلك
وإن اعتكف في أيام متباينة في الطول والقصر فينبغي أن ينسب اعتكافه في كل يوم بالجزئية إليه إن كان ثلثا فقد خرج عن ثلث ما عليه
وعلى هذا القياس نظرا إلى اليوم الذي يقع فيه الاعتكاف
ولهذا لو اعتكف من يوم طويل بقدر ساعات أقصر الأيام لم يكفه وهذا استدراك حسن وقد أجاب عنه بما لا يشفي
أما إذا عين المدة المنذورة بأن نذر اعتكاف عشرة أيام من الآن أو هذه العشرة أو شهر رمضان أو هذا الشهر فعليه الوفاء
فلو أفسد آخره بخروج أو غيره لم يجب الاستئناف
ولو فاته الجميع لم يجب التتابع في القضاء كقضاء رمضان
هذا إذا لم يتعرض للتتابع فلو صرح به فقال أعتكف هذه العشرة متتابعة فهل يجب الاستئناف لفساد آخره أو التتابع في قضائه وجهان
أصحهما يجبان لتصريحه والثاني لا لأن التتابع يقع ضرورة فلا أثر لتصريحه


فصل في استتباع الليالي الأيام وعكسه
فإذا نذر اعتكاف شهر لزمه الليالي
وكذا لو قال ليالي هذا الشهر لا تلزمه الأيام
ولو لم يلفظ بالتقييد لكن نواه بقلبه فالأصح أنه لا أثر لنيته
ثم إذا أطلق الشهر فدخل المسجد قبل الهلال كفاه ذلك الشهر تم أو نقص
فإن دخل في أثناء الشهر استكمل بالعدد
ولو نذر اعتكاف يوم لم يلزمه ضم الليلة إليه إلا أن ينويها فتلزمه
وحكي قول أن الليلة تدخل إلا أن ينوي يوما بلا ليلة
ولو نذر اعتكاف يومين ففي لزوم الليلة التي بينهما ثلاثة أوجه
أحدها لا تلزم إلا إذا نواها والثاني تلزم إلا أن يريد بياض النهار فقط والثالث إن نوى التتابع أو صرح به لزمت ليحصل التواصل وإلا فلا
وهذا الثالث أرجح عند الأكثرين
ورجح صاحب المهذب وآخرون الأول
والوجه التوسط
فإن كان المراد بالتتابع توالي اليومين فالحق ما قاله صاحب المهذب وإن كان المراد تواصل الاعتكاف فالحق ما ذكره الأكثرون
ولو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار المتخلل بينهما هذا الخلاف
ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين ففي لزوم الليالي المتخللة هذا الخلاف
والخلاف إنما هو في الليالي المتخللة وهي تنقص عن عدد الأيام بواحد أبدا ولا خلاف أنه لا يلزمه ليالي بعدد الأيام
ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من شهر دخل فيه الأيام والليالي وتكون الليالي هنا بعدد الأيام كما في الشهر فيدخل قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين ويخرج إذا استهل الهلال تم الشهر أو نقص لأنه مقتضاه


ولو نذر عشرة أيام من آخر الشهر ودخل قبيل الحادي والعشرين فنقص الشهر لزمه يوم من الشهر الآخر وفي دخول الليالي هنا الخلاف

فرع نذر اعتكاف اليوم الذي يقدم فيه زيد فقدم ليلا لم يلزمه
وإن قدم نهارا لزمه بقية النهار ولا يلزمه قضاء ما مضى على الأظهر وعلى الثاني يلزمه فيقضي بقدر ما مضى من يوم آخر
قال المزني الأولى أن يستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه متصلا
ولو كان الناذر وقت القدوم مريضا أو محبوسا قضى عند زوال العذر
إما ما بقي وإما يوما كاملا على اختلاف القولين
وفي وجه أنه لا شىء عليه لعجزه وقت الوجوب كما لو نذرت صوم يوم بعينه فحاضت فيه
فصل إذا نذر اعتكافا متتابعا وشرط الخروج إن عرض عارض صح شرطه
المذهب وبه قطع الجمهور
وحكى صاحب التقريب والحناطي بالحاء المهملة والنون قولا أنه لا يصح لأنه شرط مخالف لمقتضاه فبطل كما لو شرط الخروج للجماع فإذا قلنا بالمذهب نظر إن عين نوعا فقال لا أخرج إلا لعيادة المرضى أو لعيادة زيد أو تشييع جنازته خرج لما عينه دون غيره وإن كان غيره أهم منه
وإن أطلق وقال لا أخرج إلا لشغل أو عارض جاز الخروج لكل شغل ديني أو دنيوي
فالأول كالجمعة والجماعة والعيادة والثاني كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ولا يبطل التتابع بشىء من هذا


ويشترط في الشغل الدنيوي كونه مباحا
وفي وجه شاذ لا يشترط
وليست النظارة والنزهة من الشغل
ولو قال إن عرض عارض قطعت الاعتكاف فالحكم كما لو شرط الخروج إلا أن في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء تلك الحاجة
وفيما إذا شرط القطع لا يلزمه ذلك
وكذا لو قال علي أن أعتكف رمضان إلا أن أمرض أو أسافر فإذا مرض أو سافر فلا شىء عليه
ولو نذر صلاة وشرط الخروج منها إن عرض عارض أو نذر صوما وشرط الخروج منه إن جاع أو أضيف فوجهان
أصحهما وبه قطع الأكثرون يصح الشرط والثاني لا ينعقد النذر بخلاف الاعتكاف فإن ما يتقدم على الخروج منه عبادة وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة بخلاف الصوم والصلاة
ولو فرض ذلك في الحج انعقد النذر كما ينعقد الاحرام المشروط
لكن في جواز الخروج قولان معروفان في كتاب الحج
والصوم والصلاة أولى بجواز الخروج عند أصحابنا العراقيين
وقال الشيخ أبو محمد الحج أولى
ولو نذر التصدق بعشرة دراهم أو بهذه الدراهم إلا أن يعرض حاجة ونحوها فعلى الوجهين والأصح صحة المشروط أيضا
فإذا احتاج فلا شىء عليه
ولو قال في هذه القربات كلها إلا أن يبدو لي فوجهان
أحدهما يصح الشرط ولا شىء عليه إذا بدا له كسائر العوارض
وأصحهما لا يصح لأنه علقه بمجرد الخيرة
وذلك يناقض الالتزام
وإذا لم يصح الشرط في هذه الصور فهل يقال الالتزام باطل أم صحيح ويلغو الشرط قال صاحب التهذيب لا ينعقد النذر على قولنا لا يصح شرط الخروج من الصوم والصلاة
ونقل الإمام وجهين في صورة تقارب هذا وهي إذا نذر اعتكافا متتابعا وشرط الخروج مهما أراد ففي وجه يبطل التزام التتابع
وفي وجه يلزم التتابع ويبطل الاستثناء


فرع إذا شرط الخروج لغرض وصححناه فخرج له فهل يجب تدارك الزمن
إليه ينظر إن نذر مدة غير معينة كشهر مطلق وجب التدارك لتتم المدة الملتزمة وتكون فائدة الشرط تنزيل ذلك لغرض منزلة قضاء الحاجة في أن التتابع لا ينقطع به
وإن نذر مدة معينة كشهر رمضان أو هذه العشرة لم يجب التدارك
فرع فيما يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع ويخرج إلى الاستئناف

أحدهما فقد بعض شروط الاعتكاف وهي الأمور التي لا بد منها كالكف عن الجماع ومقدماته في قول
ويستثنى عن هذا عروض الحيض والاحتلام فإنهما لا يقطعانه
الأمر الثاني الخروج بكل البدن عن كل المسجد بلا عذر فهذه ثلاثة قيود احترزنا بالأول عما إذا أخرج رأسه أو يده أو إحدى رجليه أو كلتيهما وهو قاعد مادهما فلا يبطل اعتكافه
فإن اعتمد عليهما فهو خارج
واحترزنا بالثاني عمن صعد المنارة للأذان ولها حالان
أحدهما أن يكون بابها في المسجد أو رحبته المتصلة به فلا يضر صعودها للأذان أو غيره كسطح المسجد وسواء كانت في نفس المسجد والرحبة أو خارجة عن سمت البناء وتربيعه
وأبدى الامام احتمالا في الخارجة عن سمته

قال لأنها حينئذ لا بعد من المسجد ولا يصح الاعتكاف فيها
وكلام الأصحاب ينازعه فيما وجه به
الحال الثاني أن لا يكون بابها في المسجد ولا في رحبته المتصلة به فلا يجوز الخروج إليها لغير الأذان
وفي المؤذن أوجه
أصحها لا يبطل الاعتكاف في المؤذن الراتب ويبطل في غيره
والثاني لا يبطل فيهما
والثالث يبطل فيهما
ثم إن الغزالي فرض الخلاف فيما إذا كان بابها خارج المسجد وهي ملتصقة بحريمه
ولم يشرط الجمهور في صورة الخلاف سوى كون بابها خارج المسجد
وزاد أبو القاسم الكرخي فنقل الخلاف فيما إذا كانت في رحبة منفصلة عن المسجد بينها وبينه طريق
قلت لكن شرطوا كونها مبنية للمسجد احترازا من البعيدة
والله أعلم
وأما العذر فمراتب
منها الخروج لقضاء الحاجة وغسل الاحتلام فلا يضر قطعا
ويجوز الخروج للأكل على الصحيح المنصوص
وإن عطش فلم يجد الماء في المسجد فله الخروج
وإن وجده لم يجز الخروج على الأصح لأنه لا يستحيى منه ولا يعد ترك مروءة
ثم أوقات الخروج لقضاء الحاجة لا يجب تداركها لعلتين
إحداهما أن الاعتكاف مستمر فيها ولهذا لو جامع في ذلك بطل اعتكافه على الأصح والثانية أن زمن الخروج لقضاء الحاجة مستثنى لأنه لا بد منه
ثم إذا فرغ وعاد لم يجب تجديد النية
وقيل إن طال الزمان ففي وجوب التجديد وجهان والمذهب الأول
ولو كان للمسجد سقاية لم نكلفه قضاء الحاجة فيها
وكذا لو كان بجنبه دار صديق له وأمكنه دخولها لم نكلفه بل له الخروج إلى داره وإن بعدت إلا إذا تفاحش البعد فإنه لا يجوز على الأصح إلا أن لا يجد في طريقه موضعا أو كان لا يليق بحاله أن يدخل لقضاء الحاجة غير داره


ولو كانت له داران وكل واحدة بحيث لو انفردت جاز الخروج إليها وإحداهما أقرب ففي جواز الخروج إلى الأخرى وجهان
أصحهما لا يجوز
ولا يشترط لجواز الخروج شدة الحاجة وإذا خرج لا يكلف الاسراع بل يمشي على سجيته المعهودة
قلت فلو تأنى أكثر من عادته بطل اعتكافه على المذهب ذكره في البحر
والله أعلم
ولو كثر خروجه للحاجة لعارض يقتضيه فوجها حكاهما إمام الحرمين
أصحهما وهو مقتضى إطلاق كلام المعظم أنه لا يضر نظرا إلى جنسه والثاني يضر لندوره

فرع لا يجوز الخروج لعيادة المريض ولا لصلاة الجنازة

ولو خرج لقضاء الحاجة فعاد في طريقه مريضا نظر إن لم يقف ولا عدل عن الطريق بل اقتصر على السؤال والسلام فلا بأس
وإن وقف وأطال بطل اعتكافه
وإن لم يطل لم يبطل علق الصحيح
وادعى إمام الحرمين إجماع الأصحاب عليه
ولو ازور عن الطريق قليلا فعاده بطل على الأصح
ولو كان المريض في بيت من الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة فالعدول لعيادته قليل وإن كان في دار أخرى فكثير
ولو خرج لقضاء الحاجة فصلى في الطريق على جنازة ولم ينتظرها ولا ازور لم يضر على المذهب
وقيل فيه الوجهان فيما لو وقف قليلا للعيادة
وقيل إن تعينت لم يضر وإلا فوجهان
وجعل الإمام والغزالي قدر صلاة الجنازة حدا للوقفة اليسيرة واحتمالها لجميع الأغراض


ومنها أن يأكل لقما إذا لم نجوز الخروج للأكل
ولو جامع في مروره بأن كان في هودج أو جامع في وقفة يسيرة بطل اعتكافه على الأصح لأنه أشد إعراضا عن العبادة ممن أطال الوقوف لعيادة المريض
وعلى الثاني لا يبطل لأنه غير معتكف في تلك الحال ولم يصرف إليه زمنا

فرع إذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى فله أن يتوضأ خارج المسجد
ذلك يقع تابعا بخلاف ما لو احتاج إلى الوضوء من غير قضاء حاجة فإنه لا يجوز له الخروج على الأصح إذا أمكن الوضوء في المسجد
فرع إذا حاضت المرأة المعتكفة لزمها الخروج وهل ينقطع تتابعها إن كانت
طهرت كالحيض في صوم الشهرين المتتابعين
وإن كانت تنفك فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما ينقطع
فرع المرض العارض للمعتكف أقسام

أحدها خفيف لا يشق معه المقام في المسجد كالصداع الخفيف والحمى الخفيفة فلا يجوز الخروج من المسجد بسببه
فإن خرج بطل التتابع


والثاني يشق معه المقام لحاجته إلى الفراش والخادم وتردد الطبيب فيباح الخروج ولا ينقطع به التتابع على الأظهر
الثالث مرض يخاف منه تلويث المسجد كالإسهال وإدرار البول فيخرج
والمذهب الذي قطع به الجمهور أنه لا ينقطع التتابع
وقيل على القولين

فرع لو خرج ناسيا أو مكرها لم ينقطع تتابعه على المذهب
وقيل قولان
فإن قلنا بالمذهب فلم يتذكر الناسي إلا بعد طول الزمان فوجهان كما لو أكل الصائم كثيرا ناسيا
ومن أخرجه السلطان ظلما لمصادرة أو غيرها أو خاف من ظالم فخرج واستتر فكالمكره
وإن أخرجه لحق وجب عليه وهو يماطل بطل لتقصيره
وإن حمل وأخرج لم يبطل
وقيل كالمكره لوجود المفارقة بنادر
فرع إذا دعي لأداء شهادة فخرج لها فإن لم يتعين عليه أداؤها
تتابعه سواء كان التحمل معينا أم لا لأنه ليس له الخروج لحصول الاستغناء عنه وإن تعين أداؤها نظر إن لم يتعين عند التحمل بطل على المذهب
وقيل قولان وإن تعين فإن قلنا إذا لم يتعين لا ينقطع فهنا أولى وإلا فوجهان
قلت أصحهما لا يبطل
والله أعلم


ولو خرجت المعتكفة للعدة لم ينقطع على المذهب
وقيل قولان وإن خرج لإقامة حد عليه فإن ثبت بإقراره انقطع
وإن ثبت بالبينة لم يبطل على المذهب
نص عليه وقطع به كثير من العراقيين
ولو لزمها عدة طلاق أو وفاة لزمها الخروج لتعتد في مسكنها
فإذا خرجت فهل يبطل اعتكافها أم تبني بعد انقضاء القضاء فيه الطريقان كما في الشهادة
لكن المذهب هنا البناء
فإن كان اعتكافها بإذن الزوج وقد عين مدة فهل يلزمها العود إلى المسكن عند الطلاق أو الوفاة قبل استكمال المدة قولان مذكوران في كتاب العدة
فإن قلنا لا فخرجت بطل اعتكافها بلا خلاف

فرع يجب الخروج لصلاة الجمعة ويبطل به الاعتكاف على الأظهر لإمكان

وعلى هذا لو كان اعتكافه المنذور أقل من اسبوع ابتدأ به من أول الأسبوع حيث شاء من المساجد
وإن كان في الجامع فمتى شاء
وإن كان أكثر من أسبوع وجب أن يبتدأ في الجامع
فإن عين غير الجامع وقلنا بالتعيين لم يخرج عن نذره إلا بأن يمرض فتسقط عنه الجمعة أو بأن يتركها عاصيا ويدوم على اعتكافه
ولو أحرم المعتكف فإن أمكنه إتمام الاعتكاف ثم الخروج ويدرك لزمه ذلك
وإن خاف فوت الحج خرج إليه وبطل اعتكافه فإذا فرغ استأنف
فرع كل ما قطع التتابع يحوج إلى الاستئناف بنية جديدة

وكل عذر لم يجعله قاطعا فعند الفراغ منه يجب العود
فلو أخر انقطع التتابع وتعذر البناء

ولا بد من قضاء الأوقات المصروفة إلى ما عدا قضاء الحاجة
وهل يجب تجديد النية عند العود أما الخروج لقضاء الحاجة فقد سبق بيانه قريبا
وفي معناه ما لا بد منه كالاغتسال
وكذا الأذان إذا جوزنا الخروج له
أما ما له منه بد فوجهان
أحدهما يجب تجديدها
وأصحهما لا يجب لشمول النية جميع المدة
وطرد الشيخ أبو علي الخلاف فيما إذا خرج لغرض استثناه ثم عاد
ولو عين مدة ولم يتعرض للتتابع ثم جامع أو خرج بلا عذر ففسد اعتكافه ثم عاد ليتم الباقي ففيه الخلاف في وجوب التجديد
قال الإمام لكن المذهب هنا وجوب التجديد
قلت لو قال لله علي اعتكاف شهر نهارا صح فيعتكف بالنهار دون الليل
نص عليه في الأم
ولو قال لله علي اعتكاف شهر بعينه فبان أنه أنقص فلا شىء عليه
قال الروياني قال أصحابنا لو نذر اعتكافا وقال إن اخترت جامعت أو إن اتفق لي جماع جامعت لم ينعقد نذره
والله أعلم

كتاب الحج
لا يجب الحج بأصل الشرع إلا مرة واحدة
وقد يجب زيادة لعارض كالنذر أو القضاء أو لدخول مكة على قول
ومن حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه الحج لأن الردة إنما تحبط العمل إذا اتصل بها الموت
فصل ينقسم الناس في الحج إلى من يصح له الحج ومن يصح
ومن يقع له عن حجة الإسلام ومن يجب عليه
فأما الصحة المطلقة فشرطها الإسلام فقط
فلا يصح حج كافر ولا يشترط التكليف
فيجوز للولي أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز وعن المجنون
وأما صحة المباشرة فشرطها الإسلام والتمييز
فلا تصح مباشرة المجنون والصبي الذي لا يميز وتصح من الصبي المميز والعبد
وسيأتي هذا كله في باب حج الصبي إن شاء الله تعالى
وأما وقوعه عن حجة الإسلام فله شرطان زائدان البلوغ والحرية
ولو تكلف الفقير الحج وقع عن الفرض
وأما وجوب حجة الإسلام فشروطه خمسة الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة

فرع الاستطاعة نوعان استطاعة مباشرة بنفسه واستطاعة تحصيله بغيره

فالأولى تتعلق بخمسة أمور الراحلة والزاد والطريق والبدن وإمكان السير
فالأول الراحلة
والناس فيها قسمان
أحدهما من بينه وبين مكة مسافة القصر فلا يلزمه الحج إلا إذا وجد راحلة سواء قدر على المشي أم لا لكن يستحب للقادر الحج
وهل الحج راكبا أفضل أم ماشيا فيه قولان سنوضحهما في كتاب النذر إن شاء الله تعالى
قلت المذهب أن الركوب أفضل
اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون له على المحافظة على مهمات العبادة
والله أعلم
ثم إن كان يستمسك على الراحلة من غير محمل ولا يلحقه مشقة شديدة لم يعتبر في حقه إلاوجدان الراحلة وإلا فيعتبر معها وجدان المحمل
قال في الشامل ولو لحقه مشقة عظيمة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة
وذكر المحاملي وغيره من العراقيين أن المرأة يعتبر في حقها المحمل وأطلقوا لأنه أستر لها
ثم العادة جارية بركوب اثنين في المحمل فإذا وجد مؤنة محمل أو شق محمل ووجد شريكا يركب في الشق الآخر لزمه الحج
وإن لم يجد الشريك فلا يلزمه سواء وجد مؤنة المحمل أو الشق كذا قاله في الوسيط وكان لا يبعد تخريجه على الخلاف في لزوم أجرة البذرقة
وفي كلام الإمام إشارة إليه

القسم الثاني من ليس بينه وبين مكة مسافة القصر
فإن كان قويا على المشي لزمه الحج ولا تعتبر الراحلة وإن كان ضعيفا لا يقوى للمشي أو يناله به ضرر ظاهر اشترطت الراحلة والمحمل أيضا إن لم يمكنه الركوب بدونه
ولنا وجه أن القريب كالبعيد منه مطلقا وهو شاذ منكر ولا يؤمر بالزحف بحال وإن أمكنه
قلت وحكى الدارمي وجها ضعيفا عن حكاية ابن القطان أنه يلزمه الحبو
والله أعلم
وحيث اعتبرنا وجود الراحلة والمحمل فالمراد أن يملكهما أو يتمكن من تملكهما أو استئجارهما بثمن المثل أو أجرة المثل ويشترط أن يكون ما يصرفه فيهما من المال فاضلا عما يشترط كون الزاد فاضلا عنه وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
الأمر الثاني الزاد
فيشترط لوجوب الحج أن يجد الزاد وأوعيته وما يحتاج إليه في السفر
فإن كان له أهل أو عشيرة اشترط ذلك لذهابه ورجوعه وإن لم يكونوا فكذلك على الأصح
وعلى الثاني لا يشترط للرجوع
ويجري الوجهان في اشتراط الراحلة للرجوع وهل يخص الوجهان بما إذا لم يملك ببلده مسكنا أم لا فيه احتمالان للإمام
أصحهما عنده التخصيص
وحكى الحناطي وجها أنه لا يشترط للرجوع في حق من له عشيرة وأهل
وهذا شاذ منكر وليس المعارف والأصدقاء كالعشيرة لأن الاستبدال بهم

متيسر

فرع يشترط كون الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة من لزمه نفقتهم وكسوتهم
مدة ذهابه ورجوعه
وفي دشتراط كونهما فاضلين عن مسكن وخادم يحتاج إلى خدمته لزمانته أو منصبه وجهان
أصحهما عند الأكثرين يشترط كما يشترط في الكفارة وكدست ثوب يليق بمنصبه وعلى هذا لو كان معه نقد جاز صرفه إليهما
وهذا فيما إذا كانت الدار مستغرقة بحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله
فأما إذا أمكن بيع بعض الدار ووفى ثمنه بمؤنة الحج أو كانا نفيسين لا يليقان بمثله ولو أبدلهما لوفى التفاوت بمؤنة الحج فإنه يلزمه ذلك
هكذا أطلقوه هنا
لكن في بيع الدار والعبد النفيسين المألوفين في الكفارة وجهان
ولا بد من جريانهما هنا
قلت ليس جريانهما بلازم والفرق ظاهر فإن للكفارة بدلا
ولهذا اتفقوا على ترك الخادم والمسكن في الكفارة واختلفوا فيهما هنا
والله أعلم
فرع لو كان له رأس مال يتجر فيه وينفق من ربحه ولو
أو كانت له مستغلات يحصل منها نفقته فهل يكلف بيعها وجهان أصحهما يكلف كما يكلف بيعها في الدين ويخالف المسكن والخادم فإنه محتاج إليهما في الحال وما نحن فيه يتخذه ذخيرة

فرع لو ملك فاضلا عن الوجوه المذكورة واحتاج إلى النكاح لخوفه
فصرف المال إلى النكاح أهم من صرفه إلى الحج
هذه عبارة الجمهور
وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة والحج على التراخي
والسابق إلى الفهم منه أنه لا يجب الحج والحالة هذه ويصرف ما معه في النكاح
وقد صرح الإمام بهذا ولكن كثير من العراقيين وغيرهم قالوا يجب الحج على من أراد التزوج لكن له أن يؤخره لوجوبه على التراخي
ثم إن لم يخف العنت فتقديم الحج أفضل وإلا فالنكاح أفضل
قلت هذا الذي نقله عن كثير من العراقيين وغيرهم هو الصحيح في المذهب وبه قطع الأكثرون
وقد بينت ذلك واضحا في شرح المهذب
والله أعلم
فرع لو لم يجد ما يصرفه إلى الزاد لكنه كسوب يكسب ما
نفقة أهله فهل يلزمه الحج تعويلا على الكسب حكى الإمام عن أصحابنا العراقيين أنه إن كان السفر طويلا أو قصيرا ولا يكسب في كل يوم إلا كفاية يومه لم يلزمه لأنه ينقطع عن الكسب في أيام الحج
وإن كان السفر قصيرا ويكسب في يوم كفاية أيام لزمه الخروج
قال الإمام وفيه احتمال فإن القدرة على الكسب في يوم الفطر لا تجعل كملك الصاع

فرع ويعتبر أن يكون ماله مع ما ذكرنا فاضلا عن قضاء
كان أم حالا
وفيه وجه أنه إذا كان الأجل بحيث ينقضي بعد رجوعه من الحج لزمه وهو شاذ ضعيف
ولو كان ماله دينا يتيسر تحصيله في الحال بأن كان حالا على مليء مقر أو عليه بينة فهو كالحاصل في يده
وإن لم يتيسر بأن كان مؤجلا أو على معسر أو جاحد لا بينة عليه فكالمعدوم
الأمر الثالث الطريق
فيشترط فيه الأمن في ثلاثة أشياء النفس والبضع والمال
قال الإمام وليس الأمن المطلوب قطعيا ولا يشترط الأمن الغالب في الحضر بل الأمن في كل مكان بحسب ما يليق به
فأحد الأشياء الثلاثة النفس
فمن خاف على نفسه من سبع أو عدو لم يلزمه الحج إن لم يجد طريقا آخر آمنا
فإن وجده لزمه سواء كان مثل مسافة طريقه أو أبعد إذا وجد ما يقطعه به
وفيه وجه شاذ أنه لا يلزمه سلوك الأبعد
ولو كان في الطريق بحر فإن كان في البر طريق أيضا لزمه الحج قطعا وإلا فالمذهب أنه إن كان الغالب منه الهلاك إما لخصوص ذلك البحر وإما لهيجان الأمواج لم يجب
وإن غلبت السلامة وجب
وإن استويا فوجهان
قلت أصحهما لا يجب
والله أعلم
وقيل يجب مطلقا
وقيل لا يجب
وقيل قولان
وقيل إن كانت عادته ركوبه وجب وإلا فلا
وإذا قلنا لا يجب استحب على الأصح

إن غلبت السلامة
وإن غلب الهلاك حرم
وإن استويا ففي التحريم وجهان
قلت أصحهما التحريم وبه قطع الشيخ أبو محمد
والله أعلم
ولو توسط البحر وقلنا لا يجب ركوبه فهل يلزمه التمادي أم يجوز له الرجوع نظر إن كان ما بين يديه أكثر فله الرجوع قطعا وإن كان أقل لزمه التمادي قطعا
وإن استويا فوجهان
وقيل قولان
أصحهما يلزمه التمادي
والوجهان فيما إذا كان له في الرجوع طريق غير البحر
فإن لم يكن فله الرجوع قطعا لئلا يتحمل زيادة الأخطار
هذا كله في الرجل
فأما المرأة ففيها خلاف مرتب
وأولى بعدم الوجوب لضعفها عن احتمال الأهوال ولكونها عورة معرضة للانكشاف وغيره لضيق المكان
فإن لم نوجب عليها لم يستحب لها

وقيل بطرد الخلاف
وليست الأنهار العظيمة كجيحون في حكم البحر لأن المقام فيها لا يطول والخطر فيها لا يعظم
وفي وجه شاذ أنها كالبحر
وأما البضع فلا يجب على المرأة الحج حتى تأمن على نفسها بزوج أو محرم بنسب أو بغير نسب أو نسوة ثقات
وهل يشترط أن يكون مع إحداهن محرم وجهان
أصحهما لا لأن الأطماع تنقطع بجماعتهن
فإن لم يكن أحد هذه الثلاثة لم يلزمها الحج على المذهب
وفي قول يلزمها إذا وجدت امرأة واحدة
وفي قول اختاره جماعة ونقله الكرابيسي أنه يلزمها أن تخرج وحدها إذا كان الطريق مسلوكا كما يلزمها الخروج إذا أسلمت في دار الحرب إلى دار الإسلام وحدها
وجواب المذهب عن هذا أن الخوف في دار الحرب أكثر من الطريق
هذا في حج الفرض وهل لها الخروج إلى سائر الأسفار مع النساء الخلص فيه وجهان
الأصح لا يجوز
أما المال فلو خاف على ماله في الطريق من عدو أو رصدي لم يجب الحج وإن كان الرصدي يرضى بشىء يسير إذا تعين ذلك الطريق وسواء

كان الذي يخافه مسلمين أو كفارا
لكن إذا كانوا كفارا وأطاقوا مقاومتهم يستحب لهم الخروج للحج ويقاتلونهم لينالوا الحج والجهاد جميعا وإن كانوا مسلمين لم يستحب الخروج والقتال
ويكره بذل المال للرصديين لأنهم يحرصون على التعرض للناس بسبب ذلك
ولو بعثوا بأمان الحجيج وكان أمانهم موثوقا أو ضمن لهم ما يطلبونه وأمن الحجيج لزمهم الحج
ولو وجدوا من يخفرهم بأجرة ويغلب على الظن أمنهم به ففي لزوم استئجاره وجهان
قال الإمام أصحهما لزومه لأنه من أهب الطريق كالراحلة
ولو امتنع محرم المرأة من الخروج معها إلا بأجرة قال الإمام فهو مرتب على أجرة الخفير واللزوم في المحرم أظهر لأن الداعي إلى الأجرة معني في المرأة فأشبه مؤنة المحمل في حق المحتاج إليه

فرع يشترط لوجوب الحج وجود الزاد والماء في المواضع التي جرت العادة
بحمل الزاد والماء منها
فإن كانت سنة جدت وخلا بعض تلك المنازل من أهلها أو انقطعت المياه لم يجب الحج
وكذا لو كان يجد فيها الزاد والماء لكن بأكثر من ثمن المثل وهو القدر اللائق في ذلك الزمان والمكان
وإن وجدهما بثمن المثل لزم التحصيل سواء كانت الأسعار رخيصة أو غالية إذا وفى ماله به
ويجب حملها بقدر ما جرت العادة به في طريق مكة زادها الله تعالى شرفا كحمل الزاد من الكوفة إلى مكة وحمل الماء من مرحلتين أو ثلاثا إذا قدر عليه ووجد آلات الحمل
أما علف الدابة فيشترط وجوده في كل مرحلة لأن المؤنة تعظم بحمله لكثرته
ذكره صاحبا التهذيب و التتمة وغيرهما
قلت إذا ظن كون الطريق فيه مانع من عدو أو عدم ماء أو علف أو غير ذلك فترك الحج ثم بان أن لا مانع فقد لزمه الحج صرح به الدارمي
ولو لم يعلم وجود المانع ولا عدمه قال الدارمي إن كان هناك أصل عمل عليه وإلا وجب الحج
والله أعلم
فرع قال صاحب التهذيب وغيره يشترط أن يجد رفقة يخرج معهم في
الذي جرت عادة أهل بلده بالخروج فيه
فإن خرجوا قبله لم يلزمه الخروج معهم
وإن أخروا الخروج بحيث لا يبلغون إلا بأن يقطعوا في كل يوم أكثر من مرحلة لم يلزمه أيضا
فإن كانت الطريق بحيث لا يخاف الواحد فيها لزمه ولا حاجة إلى الرفقة
الأمر الرابع البدن
ويشترط فيه لاستطاعة المباشرة قوة يستمسك بها على الراحلة
والمراد أن يثبت على الراحلة بلا مشقة شديدة فإن وجد مشقة شديدة لمرض أو غيره فليس مستطيعا
والأعمى إذا وجد مع الزاد والراحلة قائدا لزمه الحج بنفسه
والقائد له كالمحرم للمرأة
والمحجور عليه لسفه كغيره في وجوب الحج عليه لكن لا يدفع المال إليه بل يصحبه الولي لينفق عليه في الطريق بالمعروف أو ينصب قيما ينفق عليه من مال السفيه
قال في التهذيب وإذا شرع السفيه في حج الفرض أو حج نذره قبل الحجر بغير إذن الولي لم يكن للولي تحليله بل يلزمه الإنفاق عليه لن مال السفيه إلى فراغه
ولو شرع في حج تطوع ثم حجر عليه فكذلك
ولو شرع فيه بعد الحجر فللولي تحليله إن كان ما يحتاج إليه للحج يزيد على نفقته المعهودة ولم يكن له كسب
فإن لم يزد أو كان له كسب يفي مع قدر النفقة المعهودة وجب إتمامه ولم يكن للولي تحليلة

الأمر الخامس إمكان السير
وهو أن يبقى من الزمان عند وجود الزاد والراحلة ما يمكن السير فيه إلى الحج السير المعهود
فإن احتاج إلى أن يقطع في كل يوم أو في بعض الأيام أكثر من مرحلة لم يلزمه الحج
وهذا الأمر شرطه الأئمة في وجوب الحج وقد أهمله الغزالي
قلت أنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على الإمام الرافعي رحمهما الله اعتراضه على الغزالي وجعله إمكان السير ركنا لوجوب الحج وقال إنما هو شرط استقرار الحج في ذمته ليجب قضاؤه من تركته لو مات قبل الحج وليس شرطا لأصل وجوب الحج
بل متى وجدت الاستطاعة من مسلم مكلف حر لزمه الحج في الحال كالصلاة تجب بأول الوقت قبل مضي زمن يسعها
ثم استقرارها في الذمة يتوقف على مضي الزمان والتمكن من فعلهما
والصواب ما قاله الرافعي وقد نص عليه الأصحاب كما نقل لأن الله تعالى قال { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } وهذا غير مستطيع فلا حج عليه
وكيف يكون مستطيعا وهو عاجز حسا وأما الصلاة فإنما تجب في أول الوقت لإمكان تتميمها
والله أعلم
النوع الثاني الاستطاعة بغيره
يجوز أن يحج عن الشخص غيره إذا عجز عن الحج بموت أو كسر أو زمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أصلا أو لا يثبت إلا بمشقة شديدة
فمقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقة شديدة لا يجوز له الاستنابة ولا يجوز أيضا لمن لا يثبت على الراحلة لمرض يرجى زواله
وكذا من وجب عليه الحج ثم جن ليس للولي أن يستنيب عنه لأنه قد يفيق فيحج

بنفسه
فلو استناب عنه فمات قبل الإفاقة ففي إجزائه القولان في استنابة المريض الذي يرجى برؤه إذا مات
هذا كله في حجة الإسلام والقضاء والنذر
أما حج التطوع فلا يجوز الاستنابة فيه عن القادر قطعا
وفي استنابة المعضوب عن نفسه والوارث عن الميت قولان
أظهرهما الجواز وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد
ولو لم يكن الميت حج ولا وجب عليه لعدم الاستطاعة ففي جواز الإحجاج عنه طريقان
أحدهما طرد القولين لأنه لا ضرورة إليه
والثاني القطع بالجواز
لوقوعه عن حجة الإسلام فإن استأجر للتطوع وجوزناه فللأجير الأجرة المسماة
ويجوز أن يكون الأجير عبدا أو صبيا بخلاف حجة الإسلام فإنه لا يجوز استئجارهما فيها لأنهما ليسا من أهلها
وفي المنذورة الخلاف المشهور في أنه يسلك بالنذر مسلك الواجبات أم لا وإن لم نجوز الاسيئجار للتطوع وقع الحج عن الأجير ولم يستحق المسمى
وهل يستحق أجرة المثل قولان أظهرهما يستحق
قلت قال المتولي هذا الخلاف إذا جهل الأجير فساد الإجارة
فإن علم لم يستحق شيئا بلا خلاف
قال والمسألة مفروضة في المعضوب فإن أوضى الميت بحجة تطوع وقلنا لا تدخله النيابة فحج الأجير وقع عن نفسه ولا أجرة له بلا خلاف لا على الوصي ولا على الوارث ولا في التركة
والله أعلم

فرع من به علة يرجى زوالها ليس له أن يستنيب من يحج

فإن استناب فحج النائب فشفي لم يجزئه قطعا
وإن مات فقولان
أظهرهما لا يجزئه ولو كان غير مرجو الزوال فأحج عنه ثم شفي فطريقان
أصحهما طرد

القولين
والثاني القطع بعدم الإجزاء
فإن قلنا في الصورتين يجزئه استحق الأجير الأجرة المسماة وإلا فهل يقع عن تطوع المستأجر ويكون هذا عذرا في جواز وقوع التطوع قبل الفرض كالرق والصبا أم لا يقع عنه أصلا وجهان
أصحهما عند الجمهور الثاني وصحح الغزالي الأول
فإن قلنا لا يقع عنه أصلا فهل يستحق الأجير أجرة قولان
أظهرهما لا لأن المستأجر لم ينتفع بها
والثاني نعم لأنه عمل له في اعتقاده فعلى هذا هل يستحق المسمى أم أجرة المثل وجهان
وإذا قلنا يقع عن تطوعه استحق الأجير الأجرة
وهل هي أجرة المثل أم المسماة قال الشيخ أبو محمد لا يبعد تخريجه على الوجهين
قلت الأصح هنا المسمى
والله أعلم

فرع لا يجزىء الحج عن المعضوب بغير إذنه بخلاف قضاء الدين عن
لأن الحج يفتقر إلى النية وهو أهل للأذن
وفيه وجه أنه يجوز بغير إذنه وهو شاذ ضعيف
ويجوز الحج عن الميت ويجب عند استقراره عليه سواء أوصى به أم لا
ويستوي فيه الوارث والأجنبي كالدين
وسيأتي تفصيله في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى
وأما المعضوب فتلزمه الاستنابة في الجملة سواء طرأ العضب بعد الوجوب أو بلغ معضوبا واجدا للمال
ثم لوجوب الاستنابة عليه طريقان
أحدهما أن يجد مالا يستأجر به من يحج عنه
وشرطه أن يكون فاضلا عن الحاجات

المذكورة فيمن يحج بنفسه إلا أنا اعتبرنا هناك أن يكون المصروف إلى الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلى الرجوع
وهنا يعتبر كونه فاضلا عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ولا يعتبر بعد فراغ الأجير من الحج
وهل تعتبر مدة الذهاب وجهان
أصحهما لا كما في الفطرة والكفارة بخلاف ما لو حج بنفسه فإنه إذا لم يفارق أهله أمكنه تحصيل نفقتهم
ثم إن وفى ما يجده بأجرة راكب فذاك
وإن لم يف إلا بأجرة ماش ففي وجوب الاستئجار وجهان
أصحهما يجب إذ لا مشقة عليه في مشي الأجير بخلاف ما إذا حج بنفسه
ولو طلب الأجير أكثر من أجرة المثل لم يجب الاستئجار ولو رضي بأقل منها وجب
ولو امتنع من الاستئجار فهل يستأجر عنه الحاكم وجهان
أصحهما لا
الطريق الثاني أن لا يجد المال لكن يجد من يحصل له الحج وفيه صور
إحداها أن يبذل له أجنبي مالا ليستأجر له ففي لزوم قبوله وجهان
الصحيح لا يلزم
الثانية أن يبذل واحد من بنيه أو بناته أو أولادهم الطاعة في الحج فيلزمه القبول والحج قطعا بشرط أن يكون المطيع قد حج عن نفسه وموثوقا به وأن لا يكون معضوبا
قلت وحكى السرخسي في الأمالي وجها واهيا أنه لا يلزمه
والله أعلم
ولو توسم أثر الطاعة فيه فهل يلزمه الأمر وجهان
الأصح المنصوص يلزمه لحصول الاستطاعة
ولو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع فهل ينوب الحاكم عنه وجهان
أصحهما لا لأن مبنى الحج على التراخي

وإذا اجتمعت الشرائط فمات المطيع قبل أن يأذن له فإن مضى وقت إمكان الحج استقر الوجوب في ذمته وإلا فلا
ولو كان له من يطيع ولم يعلم بطاعته فهو كما لو كان لن مال موروث ولم يعلم به
وشبهه صاحب الشامل بمن نسي الماء في رحله وتيمم لا يسقط الفرض على المذهب
وشبهه صاحب المعتمد بالمال الضال في الزكاة
والمذهب وجوبها فيه
ولك أن تقول لا يجب الحج بحال فإنه متعلق بالاستطاعة ولا استطاعة مع عدم العلم بالمال والطاعة
ولو بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع فإن كان بعد إحرامه لم يجز وإلا جاز على الأصح
قلت وإذا كان رجوعه الجائز قبل أن يحج أهل بلده تبينا أنه لم يجب على الأب وقد ذكر الإمام الرافعي في كتاب الرهن هذه المسألة في مسائل بيع العدل الرهن
والله أعلم
الثالثة أن يبذل الأجنبي الطاعة فيلزم قبولها على الأصح
والأخ كالأجنبي قطعا لأن استخدامه يثقل
وكذا الأب على المذهب الذي قطع به الجمهور
وحكي في بعض الحعاليق وجه أنه كالابن لاستوائهما في النفقة
الرابعة أن يبذل الولد المال فلا يلزم قبوله على الأصح لعظم المنة فيه
وبذل الأب المال كبذل الابن أو كبذل الأجنبي فيه احتمالان ذكرهما الإمام أصحهما الأول

فرع جميع المذكور في بذل الطاعة هو فيما إذا كان الباذل راكبا

فلو بذل الابن الطاعة ليحج ماشيا ففي لزوم القبول وجهان
قال الشيخ أبو محمد هما مرتبان على الوجهين في لزوم استئجار الماشي وهنا أولى بالمنع لأنه يشق عليه

مشي ولده
وفي معناه الوالد إذا أطاع وأوجبنا قبوله
ولا يجيء الترتيب إذا كان المطيع الأجنبي
قلت الأصح أنه لا يجب القبول إذا كان الولد أو الوالد ماشيا
والله أعلم
وإذا أوجبنا القبول والمطيع ماش فهو فيما إذا ملك الزاد
فإن عول على الكسب في الطريق ففي وجوب القبول وجهان
لأن الكسب قد ينقطع
فإن لم يكن مكتسبا وعول على السؤال فأولى بالمنع
فإن كان يركب مفازة ليس بها كسب ولا سؤال لم يجب القبول بلا خلاف لأنه يحرم التغرير بالنفس
قلت إذا أفسد الباذل حجه انقلب إليه كما سيأتي في الأجير إن شاء الله تعالى
قال الدارمي ولو بذل لأبويه فقبلا لزمه ويبدأ بأيهما شاء قال وإذا قبل الأب البذل لم يجز له الرجوع
وإذا كان على المعضوب حجة نذر فهي كحجة الإسلام
والله أعلم

فصل في العمرة
في العمرة قولان
الأظهر الجديد أنها فرض كالحج
والقديم سنة
وإذ أوجبناها فهي في شرط مطلق الصحة
وصحة المباشرة والوجوب والإجزاء عن عمرة الإسلام على ما ذكرنا في الحج والاستطاعة الواحدة كافية لهما جميعا

فصل في الاستئجار للحج
يجوز الاستئجار عليه لدخول النيابة فيه كالزكاة
ويجوز بالرزق كما يجوز بالإجارة
وذلك بأن يقول حج عني وأعطيك نفقتك
ولو استأجر بالنفقة لم تصح لجهالتها
فرع الاستئجار في جميع الأعمال ضربان

استئجار عين الشخص وإلزام ذمته العمل
مثال الأول من الحج أن يقول المعضوب استأجرتك لتحج عني أو يقول الوارث لتحج عن ميتي
ولو قال لتحج بنفسك كان تأكيدا
ومثال الثاني ألزمت ذمتك تحصيل الحج
ويفترق الضربان في أمور ستراها إن شاء الله تعالى
ثم لصحة الاستئجار شروط
وله آثار وأحكام موضعها كتاب الإجارة
والذي نذكر هنا ما يتعلق بخصوص الحج
فكل واحد من ضربي الإجارة قد يعين فيه زمن العمل وقد لا يعين
وإذا عين فقد يعين السنة الأولى
وقد يعين غيرها
فأما في إجارة العين فإن عينا السنة الأولى جاز بشرط أن يكون الخروج والحج فيما بقي منها مقدورا للأجير
فلو كان مريضا لا يمكنه الخروج أو كان الطريق مخوفا أو كانت المسافة بحيث لا تنقطع في بقية السنة لم يصح العقد للعجز عن المنفعة
وإن عينا غير السنة الأولى

لم يصح العقد كاستئجار الدار للشهر المسقبل لكن لو كانت المسافة بعيدة لا يمكن قطعها في سنة لم يضر التأخير
والمعتبر السنة الأولى من سني الإمكان من ذلك البلد
وإن أطلقا ولم يعينا زمنا حمل على السنة الأولى
فيعتبر فيها ما سبق
وأما الإجارة الواردة على الذمة فيجوز فيها تعيين السنة الأولى وغيرها
فإن أطلق حمل على الأولى ولا يقدح فيها مرض الأجير لإمكان الاستنابة ولا خوف الطريق ولا ضيق الوقت إن عين غير السنة الأولى
وليس للأجير أن يستنيب في إجارة العين بحال
وأما إجارة الذمة ففي التهذيب وغيره أنه إن قال ألزمت ذمتك تحصيل حجة لي جاز أن يستنيب وإن قال لتحج بنفسك لم يجز لأن الغرض يختلف باختلاف أعيان الأجراء
وهذا قد حكاه الإمام عن الصيدلاني وخطأه فيه وقال ببطلان الإجارة في الصورة الثانية لأن الدينية مع الربط بمعين تتناقضان
كمن أسلم في ثمرة بستان معين بعينه
وهذا إشكال قوي

فرع أعمال الحج معروفة فإن علمها المتعاقدان عند العقد فذاك

وإن جهلها أحدهما لم يصح العقد
وهل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير فيه طرق
أصحها على قولين
أظهرهما لا يشترط ويحمل على ميقات تلك البلدة في العادة الغالبة
والثاني يشترط
الطريق الثاني إن كان للبلد طريقان مختلفا الميقات أو طريق يفضي إلى ميقاتين كالعقيق وذات عرق اشترط
وإن لم يكن له إلا ميقات واحد لم يشترط
والطريق الثالث إن كان الاستئجار

عن حي اشترط وإلا فلا
فإن شرطنا التعيين فسدت الإجارة بإهماله
لكن يقع الحج عن المستأجر لوجود الإذن ويلزمه أجرة المثل
وإن كانت الإجارة للحج والعمرة فلا بد من بيان أنه يفرد أو يقرن أو يتمتع لاختلاف الغرض بها

فرع نقل المزني عن نصه في المنثور أنه لو قال المعضوب من
فله مائة درهم فحج عنه إنسان استحق المائة
وللأصحاب فيه وجهان
أصحهما وإليه ميل الأكثرين أن هذا النص على ظاهره
وتصح الجعالة على كل عمل يضح الاستئجار عليه لأن الجعالة تجوز على العمل المجهول فعلى المعلوم أولى
والثاني أن النص مخالف أو مؤول ولا تجوز الجعالة على ما تجوز الإجارة عليه إذ لا ضرورة إليها لإمكان الإجارة
فعلى هذا لو حج عنه إنسان وقع الحج عن المعضوب للإذن وللعامل أجرة المثل لفساد العقد
وفيه وجه أنه يفسد الإذن لأنه غير متوجه إلى إنسان بعينه
فهو كما لو قال وكلت من أراد بيع داري فلا يصح التوكيل وهذا شاذ ضعيف
قلت لو قال من حج عني أو أول من يحج عني فله ألف درهم فسمعه رجلان فأحرما عنه أحدهما بعد الآخر وقع الأول عن القائل وله الألف ووقع حج الثاني عن نفسه ولا شيء له
وإن وقعا معا وشك في وقوعهما معا وقع حجهما عنهما ولا شىء لهما على القائل لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر صرح به القاضي حسين والأصحاب
والله أعلم

فرع مقتضى كلام إمام الحرمين والغزالي تجويز تقديم الإجارة على خروج

والذي ذكره جمهور الأصحاب على اختلاف طبقاتهم ينازع فيه
ويقتضي اشتراط وقوع العقد في زمن خروج الناس من ذلك البلد
حتى قال صاحب التهذيب لا تصح إجارة العين إلا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أن بأسبابه من شراء الزاد ونحوه
فإن كان قبله لم يصح
وبنوا على ذلك أنه لو كان الاستئجار بمكة لم يجز إلا في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد
وعلى ما قاله الإمام والغزالي لو جرى العقد في وقت تراكم الأنداء والثلوج فوجهان
أحدهما يجوز وب قطع الغزالي في الوجيز وصححه في الوسيط لأن توقع زوالها مضبوط
والثاني لا لتعذر الاشتغال بالعمل في الحال بخلاف انتظار خروج الرفقة فإن خروجها في الحال غير متعذر وهذا كله في إجارة العين
أما إجارة الذمة فيجوز تقديمها على الخروج بلا شك
قلت أنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على الإمام الرافعي هذا النقل عن جمهور الأصحاب قال وما ذكره عن صاحب التهذيب يمكن التوفيق بينه وبين كلام الإمام أو هو شذوذ من صاحب التهذيب لا ينبغي أن يضاف إلى جمهور الأصحاب فإن الذي رأيناه في التتمة و الشامل و البحر وغيرها مقتضاه أنه يصح العقد في وقت يمكن فيه الخروج والسير على العادة أو الاشتغال بأسباب الخروج
قال صاحب البحر أما عقدها في أشهر الحج فيجوز في كل موضع لإمكان الإحرام في الحال هذا كلام الشيخ أبي عمرو
والله أعلم

فرع إذا لم يشرع الأجير في الحج في السنة الأولى لعذر
فإن كانت الإجارة على العين انفسخت
وإن كانت على الذمة نظر إن لم يعينا سنة فقد سبق أنه كتعيين السنة الأولى
وذكر في التهذيب أنه يجوز التأخير عن السنة الأولى والحالة هذه لكن يثبت للمستأجر الخيار
وإن عينا الأولى أو غيرها فأخر عنها فطريقان
أصحهما على قولين كما لو انقطع المسلم فيه في محله
أظهرهما لا تنفسخ
والثاني تنفسخ
والطريق الثاني القطع بأنه لا تنفسخ
فإذا قلنا لا تنفسخ فإن كان المستأجر هو المعضب فله الخيار إن شاء فسخ وإن شاء أخر ليحج في السنة الأخرى
وإن كان الاستئجار عن ميت من ماله قال أصحابنا العراقيون لا خيار للمستأجر
وتوقف الإمام في هذا
وذكر صاحب التهذيب وغيره أن على الولي أن يراعي النظر للميت فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف إفلاس الأجير أو هربه فلم يفعل ضمن وهذا هو الأصح
ويجوز أن يحمل المنسوب إلى العراقيين على أحد أمرين رأيتهما للأئمة
أحدهما صور بعضهم المنع فيما إذا كان الميت أوصى بأن يحج عنه إنسان بمائة مثلا ووجهه بأن الوصية مستحقة الصرف إليه
الثاني قال أبو إسحق في الشرح للمستأجر لميت أن يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخ العقد إن كانت المصلحة تقتضيه وإن كان لا يستقل به فإذا نزل ما ذكروه على المعنى الأول ارتفع الخلاف
وإن نزل على الثاني هان أمره
ولو استأجر المعضوب لنفسه فمات وأخر الأجير الحج عن السنة فلم نر هذه المسألة

مسطورة
وظاهر كلام الغزالي أنه ليس للوارث فسخ الإجارة
والقياس ثبوت الخيار للوارث كالرد بالعيب ونحوه
قلت الظاهر المختار أنه ليس له الفسخ إذ لا ميراث في هذه الأجرة بخلاف الرد بالعيب
والله أعلم

فرع لو استأجر إنسان عن الميت من مال نفسه تبرعا فهو كاستئجار
لنفسه فله الخيار
فرع لو قدم الأجير الحج على السنة المعنية جاز وقد زاد خيرا

فرع إذا انتهى الأجير إلى الميقات المتعين إما بشرطهما إن اعتبرناه وإما
فرغ منها أحرم عن المستأجر بالحج فله حالان
أحدهما أن لا يعود إلى الميقات فيصح الحج عن المستأجر للأذن
ويحط شيء من الأجرة المسماة لإخلاله بالإحرام من الميقات الملتزم
وفي قدر المحطوط خلاف يتعلق بأصل وهو أنه إذا سار الأجير من بلد الإجارة وحج فالأجرة تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها أم تتوزع على اليسير والأعمال وسيأتي بيانه

إن شاء الله تعالى
فإن خصصناها بالأعمال وزعت الأجرة المسماة على حجة من الميقات وحجة من مكة لأن المقابل بالأجرة على هذا هو الحج من الميقات فإذا كانت أجرة الحجة المنشأة من مكة دينارين والمنشأة من الميقات خمسة فالتفاوت ثلاثة أخماس فتحط ثلاثة أخماس المسمى
فإن وزعنا الأجرة على السير والأعمال وهو المذهب فقولان
أحدهما لا تحسب له المسافة هنا لأنه صرفها إلى غرض نفسه لإحرامه بالعمرة من الميقات
فعلى هذا يوزع المسمى على حجة تنشأ من بلد الإجارة ويقع الإحرام بها من الميقات وعلى حجة تنشأ من مكة فيحط من المسمى بنسبته
فإذا كانت أجرة المنشأة من البلد مائة والمنشأة من مكة عشرة حط تسعة أعشار المسمى
وأظهرهما يحتسب قطع المسافة إلى الميقات لجواز أن يكون قصد الحج منه إلا أنه عرض له العمرة
فعلى هذا يوزع المسمى على منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات وعلى منشأة من البلد إحرامها من مكة فإذا كانت أجرة الأولى مائة والثانية تسعين حط عشر المسمى فحصل في الجملة ثلاثة أقوال
المذهب منها
هذا الأخير
ثم الأجير في مسألتنا يلزمه دم لإحرامه بالحج بعد تجاوزه الميقات وسنذكر إن شاء الله تعالى خلافا في غير صورة الاعتمار أن إساءة المجاوزة هل تنجبر بإخراج الدم حتى لا يحط شيء من الأجرة أم لا وذلك الخلاف يجيء هنا صرح به ابن عبدان وغيره فإذا الخلاف في قدر المحظوظ

فرع للقول بإثبات أصل الحط ويجوز أن يفرق بين الصورتين ويقطع بعدم
الانجبار هنا لأنه ارتفق بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه

الحال الثاني أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة فيحرم بالحج منه فهل يحط شيء من الأجرة يبني على الخلاف المتقدم
إن قلنا الأجرة موزعة على العمل والسير ولم يحسب السير لانصرافه إلى عمرته وزعت الأجرة المسماة على حجة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات وعلى منشأة من الميقات بغير قطع مسافة ويحط بالنسبة من المسمى
وإن قلنا الأجرة في مقابلة العمل فقط أو وزعناها عليه وعلى السير واحتسبنا المسافة فلا حط فتجب الأجرة كلها وهذا هو المذهب ولم يذكر كثيرون غيره

فرع إذا جاوز الميقات المتعين بالشرط أو الشرع غير محرم ثم أحرم
بالحج عن المستأجر نظر إن عاد إليه وأحرم منه فلا دم عليه ولا يحط من الأجرة شيء وإن أحرم من جوف مكة أو بين الميقات ومكة ولم يعد لزم دم الإساءة بالمجاوزة وهل ينجبر به الخلل حتى لا يحط شيء من الأجرة فيه طريقان
أصحهما على قولين
أحدهما ينجبر ويصير كأن لا مخالفة فتجب جميع الأجرة
وأظهرهما وهو نصه في المختصر يحط
والطريق الثاني القطع بالحط
فإن قلنا بالانجبار فهل نعتبر قيمة الدم ونقابلها بالتفاوت وجهان
أحدهما نعم فلا ينجبر ما زاد على قيمة الدم
وأصحهما لا لأن المعول في هذا القول على جبر الخلل والشرع قد حكم به من غير نظر إلى القيمة
وإذا قلنا بالمذهب وهو الحط ففي قدره الوجهان بناء على الأصل السابق وهو أن الأجرة في مقابلة ماذا فإن قلنا في مقابلة العمل فقط وزعنا المسمى على حجة من الميقات وحجة من حيث أحرم
وإن وزعنا على العمل

والسير وهو المذهب وزعنا المسمى على حجة من بلدة إحرامها من الميقات وعلى حجة من بلدة إحرامها من حيث أحرم
وعلى هذا يقل المحطوط
ثم حكى الشيخ أبو محمد وجهين في أن النظر إلى الفراسخ وحدها أم يعتبر مع ذلك السهولة والخشونة والأصح الثاني
ولو عدل الأجير عن طريق الميقات المعتبر إلى طريق آخر ميقاته مثل المعتبر فالمذهب أنه لا شيء عليه هذا كله في الميقات الشرعي
أما إذا عينا موضعا آخر فإن كان أقرب إلى مكة من الشرعي فالشرط فاسد مفسد الإجارة إذا لا يجوز لمريد النسك مجاوزة الميقات غير محرم
وإن كان أبعد بأن عينا الكوفة فهل يلزم الأجير الدم لمجاوزتها غير محرم وجهان
الأصح المنصوص نعم
فإن قلنا لا يلزم السلام حط قسط الأجرة قطعا وإلا ففي حصول الانجبار به الطريقان
وكذلك لو لزمه الدم لترك مأمور كالرمي والمبيت
فإن لزمه بفعل مخطور كاللبس والقلم لم يحط شيء من الأجرة لأنه لم ينقص العمل
ولو شرط الإحرام في أول شوال فأخره لزمه الدم وفي الانجبار الخلاف
وكذا لو شرط أن يحج ماشيا فحج راكبا لأنه ترك مقصودا
هكذا نقلت المسألتان عن القاضي حسين ويشبه أن تكونا مفرعتين على أن الميقات المشروط كالشرعي وإلا فلا يلزم الدم كما في مسألة تعيين الكوفة

فرع إذا استأجره للقرآن فتارة يمتثل وتارة يعدل إلى جهة أخرى فإن
امتثل فقرن وجب دم القرآن
وعلى من يجب وجهان
وقيل قولان
أصحهما على المستأجر
والثاني على الأجير
فعلى الأول لو شرط أن يكون

على الأجير فسدت الإجارة لأنه جمع بين إجارة وبيع مجهول فإن الدم مجهول الصفة فلو كان المستأجر معسرا فالصوم على الأجير لأن بعض الصوم ينبغي أن يكون في الحج
والذي منهما في الحج هو الأجير
كذا ذكره في التهذيب
وقال في التتمة هو كالعاجز عن الهدي والصوم جميعا
وعلى الوجهين يستحق الأجرة بكمالها
فأما إذ عدل فينظر إن عدل إلى الأفراد فحج ثم اعتمر فإن كانت الإجارة على العين لزمه أن يرد من الأجرة حصة العمرة نص عليه في المناسك الكبير لأنه لا يجوز تأخير العمل في هذه الإجارة عن الوقت المعين
وإن كانت في الذمة نظر إن عاد إلى الميقات للعمرة فلا شيء عليه لأنه زاد خيرا ولا شيء ( عليه ) ولا على المستأجر أيضا لأنه لم يقرن
وإن لم يعد فعلى الأجير دم لمجاوزته الميقات للعمرة
وهل يحط شيء من الأجرة أم تنجبر الإساءة بالدم فيه الخلاف السابق
وإن عدل إلى التمتع فقد أشار صاحب التتمة إلى أنه إن كانت إجارة عين لم يقع الحج عن المستأجر لوقوعه في غير الوقت المعين وهذا هو قياس ما تقدم
وإن كانت على الذمة نظر إن عاد إلى الميقات للحج فلا دم عليه ولا على المستأجر وإلا فوجهان
أحدهما لا يجعل مخالفا لتقارب الجهتين فيكون حكمه كما لو امتثل
وفي كون الدم على الأجير أو المستأجر الوجهان
وأصحهما
يجعل مخالفا فيجب الدم على الأجير لإساءته
وفي حط شيء من الأجرة الخلاف
وذكر أصحاب الشيخ أبي حامد أنه يجب على الأجير دم لتركه الإحرام من الميقات وعلى المستأجر دم آخر لأن القران الذي أمر به يتضمنه
واستبعده ابن الصباغ وغيره

فرع إذا استأجره للتمتع فامتثل فهو كما لو أمره بالقران فامتثل

وإن أفرد نظر إن قدم العمرة وعاد للحج إلى الميقات فقد زاد خيرا
وإن أخر العمرة فإن كانت إجارة عين انفسخت في العمرة لفوات وقتها المعين فيرد حصتها من المسمى
وإن كانت على الذمة وعاد إلى الميقات للعمرة لم يلزمه شيء وإلا فعليه دم لتركه الإحرام بالعمرة من الميقات وفي حط شيء من الأجرة الخلاف وإن قرن فقد زاد خيرا نص عليه لأنه قد أحرم بالنسكين من الميقات وكان مأمورا بأن يحرم بالحج من مكة
ثم إن عدد الأفعال للنسكين فلا شيء عليه وإلا فهل يحط شيء من الأجرة لاختصاره في الأفعال وجهان
وكذا الوجهان في أن الدم على المستأجر أم الأجير
فرع لو استأجره للأفراد فامتثل فذاك

فلو قرن نظر إن كانت الإجارة على العين فالعمرة واقعة في غير وقتها فهو كما لو استأجره للحج وحده فقرن وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الفصل الثاني من الفصلين الآتيين وإن كانت في الذمة وقعا عن المستأجر وعلى الأجير الدم وهل يحط شيء من الأجرة للخلل أم يتخير بالدم فيه الخلاف
وإن تمتع فإن كانت الإجارة على العين وقد أمره بتأخير العمرة وفقد وقعت في غير وقتها فيرد ما يخصها من الأجرة
وإن أمره بتقديمها أو كانت على الذمة وقعا عن المستأجر ولزم الأجير دم إن لم يعد الحج إلى الميقات وفي حط شيء من الأجرة الخلاف

فرع إذا جامع الأجير فسد حجه وانقلب له فيلزمه الكفارة والمضي
فاسده والقضاء
هذا هو المشهور والذي قطع به الأصحاب
وحكي قول أنه لا ينقلب ولا قضاء لأن العبادة للمستأجر فلا يفسد بفعل غيره
وحكي هذا عن المزني أيضا
فعلى المشهور إن كان إجارة عين انفسخت والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه
وإن كانت على الذمة لم تنفسخ
وعمن يقع القضاء وجهان
وقيل قولان
أحدهما عن المتسأجر لأنه قضاء الأول
وأصحهما عن الأجير لأن الأداء وقع عنه فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجة أخرى للمستأجر فيقضي عنه نفسه ثم يحج عن المستأجر في سنة أخرى أو يستنيب من يحج عنه في تلك السنة
وإذا لم تنفسخ الإجارة فللمستأجر خيار الفسخ لتأخير المقصود
وفرق أصحابنا العراقيون بين أن يستأجر المعضوب أو تكون الإجارة لميت في ثبوت الخيار
وقد سبق نظيره
فرع إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الإحرام إلى نفسه ظنا
أنه ينصرف وأتم الحج على هذا الظن فالحج للمستأجر
وفي استحقاق الأجير الأجرة قولان أحدهما لا لإعراضه عنها
وأظهرهما يستحق لحصول الغرض فيستحق المسمى على الأصح
وقيل أجرة المثل

فرع إذا مات الحاج عن نفسه في أثنائه فهل يجوز البناء

الأظهر الجديد لا يجوز كالصوم والصلاة
والقديم يجوز
فعلى الجديد يبطل المأتي به إلا في الثواب ويجب الإحجاج عنه من تركته إن كان استقر في ذمته
وعلى القديم تارة يموت وقد بقي وقت الإحرام وتارة لا يبقى فإن بقي أحرم النائب بالحج ويقف بعرفة إن لم يقف الميت ولا يقف إن كان وقف ويأتي بباقي الأعمال ولا بأس بوقوع إحرام النائب داخل الميقات فإنه يبني على إحرام أشىء منه
وإن لم يبق وقت الإحرام ففيما يحرم به النائب وجهان
أحدهما بعمرة ثم يطوف ويسعى فيجزئانه عن طواف الحج وسعيه
ولا يبيت ولا يرمي فإنهما ليسا من أعمال العمرة ولكن يجبران بالدم
وأصحهما يحرم بالحج ويأتي ببقية الأعمال وإنما يمتنع إنشاء الإحرام بعد أشهر الحج إذا ابتدأه وهذا يبنى على ما سبق
وعلى هذا لو مات بين التحللين أحرم النائب إحراما لا يحرم اللبس والقلم وإنما يحرم النساء كما لو بقي الميت
هذا كله إذا مات قبل التحللين فإن مات بعدهما فلا خلاف أنه لا يجوز البناء لأنه يمكن جبر ما بقي بالدم
وأوهم بعضهم إجراء الخلاف فيه

فرع إذا مات الأجير في أثناء الحج فله أحوال

أحدها أن يكون بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ منها فهل يستحق شيئا من الأجرة قولان
أظهرهما يستحق وسواء مات بعد الوقوف بعرفة أو قبله
هذا هو المذهب
وقيل يستحق بعده قطعا وهو شاذ
فإذا قلنا يستحق فهل يقسط الأجرة على الأعمال فقط أم عليها مع السير قولان
أظهرهما الثاني
وقال ابن سريج رحمه الله إن قال استأجرتك لتحج عني قسط على العمل فقط
وإن قال لتحج من بلد كذا قسط عليهما وحمل القولين على الحالين
ثم هل يبنى على ما فعله الأجير ينظر إن كانت الإجارة على العين انفسخت ولا بناء لورثة الأجير كما لم يكن له أن ينتسب وهل للمستأجر أن يستأجر من يبني فيه القولان في جواز البناء
وإن كانت على الذمة فإن قلنا لا يجوز البناء فلورثة الأجير أن يستأجروا من يستأنف الحج عن المستأجر له
فإن أمكنهم في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك وإن تأخر إلى السنة الثانية ثبت الخيار كما سبق
وإن جوزنا البناء فلورثة الأجير أن يبنوا
ثم القول فيما يحرم به النائب وفي حكم إحرامه بين التحللين على ما سبق
الحال الثاني أن يموت بعد الأخذ في السير وقبل الإحرام فالصحيح المنصوص في كتب الشافعي رضي الله عنه والذي قطع به الجماهير لا يستحق شيئا من الأجرة
وقال الاصطخري والصيرفي يستحق بقسطه
وقال ابن عبدان إن قال استأجرتك لتحج عني لم يستحق
وإن قال لتحج من بلد كذا استحق بقسطه

الحال الثالث أن يموت بعد فراغ الأركان وقبل فراغ باقي الأعمال فينظر إن فات وقتها أو لم يفت ولكن لم نجوز البناء جبر بالدم من مال الأجير وهل يرد شيئا من الأجرة فيه الخلاف السابق
وإن جوزنا البناء فإن كانت الإجارة على العين انفسخت في الأعمال الباقية ووجب رد قسطها من الأجرة ويستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ولا دم على الأجير
وإن كانت على الذمة استأجر وارث الأجير من يرمي ويبيت ولا حاجة إلى الإحرام لأنهما عملان يؤتى بهما بعد التحللين ولا يلزم الدم ولا رد شىء من الأجرة ذكره في التتمة

فرع إذا أحصر الأجير فله التحلل

فإن تحلل فعمن يقع ما أتى به وجهان
أصحهما عن المستأجر كما لو مات إذ لا تقصير
والثاني عن الأجير كما لو أفسده
فعلى هذا دم الإحصار على الأجير وعلى الأول هو على المستأجر
وفي استحقاقه شيئا من الأجرة الخلاف المذكور في الموت
وإن لم يتحلل وأقام على الإحرام حتى فاته الحج انقلب إليه كما في الإفساد ثم يتحلل بعمل عمرة وعليه دم الفوات
ولو حصل الفوات بنوم أو تأخر عن القافلة أو غيرهما من غير إحصار انقلب المأتي به إلى الأجير أيضا كما في الإفساد ولا شىء للأجير على المذهب
وقيل فيه الخلاف المذكور في الموت

فصل إذا اجتمعت شرائط وجوب الحج وجب على التراخي
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني على الفور
ثم عندنا يجوز لمن وجب عليه الحج بنفسه أو بغيره أن يؤخره بعد سنة الإمكان
فلو خشي العضب وقد وجب عليه الحج بنفسه لم يجز التأخير على الأصح
وإذا تأخر بعد الوجوب فمات قبل حج الناس تبين عدم الوجوب لتبين عدم الإمكان وإن مات بعد حج الناس استقر الوجوب ولزم الإحجاج من تركته
قال في التهذيب ورجوع القافلة ليس بشرط حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضي إمكان السير إلى منى والرمي بها وإلى مكة والطواف بها استقر الفرض عليه وإن مات أو جن قبل ذلك لم يستقر عليه
وإن هلك ماله بعد رجوع الناس أو مضي إمكان الرجوع استقر الحج وإن هلك بعد حجهم وقبل الرجوع وإمكانه فوجهان
أصحهما لا يستقر
هذا حيث نشرط أن يملك نفقة الرجوع
فإن لم نشرطها استقر قطعا
ولو أحصر الذين أمكنه الخروج معهم فتحللوا لم يستقر الحج عليه
فلو سلكوا طريقا آخر فحجوا استقر وكذا لو حجوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقي ماله
وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الإمكان فلم يحج حتى مات فهل يموت عاصيا فيه أوجه
أصحهما نعم
والثاني لا والثالث يعصي الشيخ دون الشاب والخلاف جار فيما لو كان صحيح البدن فلم يحج حتى صار زمنا
والأصح العصيان أيضا
فإذا زمن وقلنا بالعصيان فهل تجب عليه الاستنابة على الفور لخروجه بالتقصير عن استحقاق البر فيه أم له تأخير الاستنابة كما لو بلغ معضوبا فإن استنابته على التراخي فيه وجهان
أصحهما الأول
وعلى هذا لو امتنع وأخر فهل يجبزه القاضي على الاستنابة أو يستأجر

عليه وجهان
أحدهما نعم كزكاة الممتنع
وأصحهما لا
وإذا قلنا يموت عاصيا فمن أي وقت يعصي فيه أوجه
أصحها من السنة الآخرة من سني الإمكان لجواز التأخير إليها
والثاني من السنة الأولى لاستقرار الفرض فيها
والثالث يموت عاصيا ولا يسند العصيان إلى سنة بعينها
ومن فوائد موته عاصيا أنه لو شهد شهادة ولم يحكم بها حتى مات لم يحكم لبيان فسقه
ولو قضي بشهادته بين السنة الأولى والأخيرة من سني الإمكان فإن عصيناه من الأخيرة لم ينقض ذلك الحكم بحال
وإن عصيناه من الأول ففي نقضه القولان فيما إذا بان فسق الشهود

فصل حجة الإسلام في حق من يتأهل لها تقدم على حجة القضاء

وصورة اجتماعهما أن يفسد العبد حجه ثم يعتق فعليه القضاء ولا تجزئه عن حجة الإسلام
وتقدم أيضا حجة الإسلام على النذر
فلو اجتمعت حجة الإسلام والقضاء والنذر قدمت حجة الإسلام ثم القضاء ثم النذر
وأشار الإمام إلى تردد في تقديم القضاء على النذر
والمذهب ما قدمناه
ومن عليه حجة الإسلام أو قضاء أو نذر لا يجوز أن يحج عن غيره
فلو قدم ما يجب تأخيره لغت نيته ووقع على الترتيب المذكور
والعمرة إذا أوجبناها كالحج في جميع ذلك
ولو استأجر المعضوب من يحج عن نذره وعليه حجة الإسلام فنوى الأجير النذر وقع عن حجة الإسلام
ولو استأجر أجيرا لم يحج عن نفسه فنوى الحج عن المستأجر لغت نيته ووقع الحج عن الأجير
ولو نذر من لم يحج أن يحج في هذه السنة ففعل وقع عن حجة الإسلام وخرج عن نذره وليس في نذره إلا تعجيل ما كان له

تأخيره
ولو استؤجر من لم يحج للحج في الذمة جاز وطريقه أن يحج عن نفسه ثم عن المستأجر
وإجارة العين باطلة لأنها تتعين للسنة الأولى
فإذا بطلت نظر إن ظنه حج فبان أنه لم يحج لم يستحق أجره لتغريره وإن علم أنه لم يحج وقال يجوز في اعتقادي أن يحج عن غيره من لم يحج فحج الأجير وقع عن نفسه
وفي استحقاقه أجرة المثل قولان أو وجهان تقدمت نظائرهما
أما إذا استأجر للحج من حج ولم يعتمر أو للعمرة من اعتمر ولم يحج فقرن الأجير وأحرم بالنسكين عن المستأجر أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر عن نفسه فقولان
الجديد أنهما يقعان عن الأجير لأن نسكي القران لا يفترقان لاتحاد الإحرام ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه
والثاني أن ما استؤجر له يقع عن المستأجر والآخر عن الأجير
ولو استأجر رجلان شخصا أحدهما ليحج عنه والآخر ليعتمر عنه فقرن عنهما فعلى الجديد يقعان عن الأجير
وعلى الثاني يقع عن كل واحد ما استأجر له
ولو استأجر المعضوب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة أحدهما حجة الإسلام والآخر حجة قضاء أو نذر فوجهان
أصحهما يجوز وهو المنصوص في الأم لأن غير حجة الإسلام لم تتقدم عليها
والثاني لا يجوز
فعلى الثاني إن أحرم الأجيران معا انصرف إحرامهما إلى أنفسهما
وإن سبق إحرام أحدهما وقع ذلك عن حجة الإسلام عن المستأجر وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه

فرع لو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجا نظر إن
لم ينصرف حجه إليه بل يقع عن المستأجر
وإن نذر قبله فوجهان
أصحهما انصرافه إلى الأجير
ولو أحرم الرجل بحج تطوع ثم نذر حجا بعد الوقوف لم ينصرف إليه
وقبل الوقوف على الوجهين
فرع لو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة فأحرم الأجير عن
تطوعا فوجهان
قال الشيخ أبو محمد ينصرف إلى المستأجر
وقال سائر الأصحاب يقع تطوعا للأجير
قلت لو حج بمال مغضوب أو نحوه أجزأه الحج وإن كان عاصيا بالغصب
ولو كان يجن ويفيق فإن كانت مدة إفاقته يتمكن فيها من الحج ووجدت الشرائط الباقية وجب عليه الحج وإلا فلا
وإذا كان عليه دين حال لا يفضل عنه ما يحج به فقال صاحب الدين أمهلتك به إلى ما بعد الحج لم يلزمه الحج
والله أعلم

باب مواقيت الحج
ميقات الحج والعمرة زماني ومكاني
أما الزماني فوقت الإحرام بالحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة آخرها آخر ليلة النحر وفي وجه لا يجوز الإحرام في ليلة النحر وهو شاذ مردود
وحكى المحاملي قولا عن الإملاء أنه يصح الإحرام به في جميع ذي الحجة وهذا أشذ وأبعد
وأما العمرة فجميع السنة وقت للإحرام بها ولا تكره في وقت منها ويستحب الإكثار منها في العمر وفي السنة الواحدة
وقد يمتنع الإحرام بالعمرة لا بسبب الوقت بل لعارض كالمحرم بالحج لا يصح إحرامه بالعمرة على الأظهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه
وإذا تحلل عن الحج التحللين وعكف بمنى للمبيت والرمي لم ينعقد إحرامه بالعمرة لعجزه عن التشاغل بعملها نص عليه
فإن نفر النفر الأول فله الإحرام بها لسقوط بقية الرمي والمبيت عنه
فرع لو أحرم بالحج في غير أشهره لم ينعقد حجا

وهل ينعقد عمرة فيه طرق
المذهب أنه ينعقد ويجزئه عن عمرة الإسلام
وعلى قول يتحلل بعمل عمرة ولا تحسب عمرة
ومنهم من قطع بهذا القول
وقيل ينعقد إحرامه مبهما فإن صرفه إلى عمرة كان عمرة صحيحة وإلا تحلل بعمل عمرة
ولو أحرم قبل أشهر

الحج إحراما مطلقا فالمذهب والذي قطع به الجمهور أنه لا ينعقد إحرامه بعمرة
وقيل فيه وجهان أحدهما هذا
والثاني وهو محكي عن الخضري ينعقد مبهما
فإذا دخلت أشهر الحج صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قران

فصل في الميقات المكاني
أما المقيم بمكة مكيا كان أو غيره ففي للحج وجهان
وقيل قولان
أصحهما نفس مكة
والثاني مكة وسائر الحرم
فعلى الأول لو فارق بنيان مكة وأحرم في الحرم فهو مسيء يلزمه الدم وإن لم يعد كمجاوزة سائر المواقيت
وعلى الثاني حيث أحرم في الحرم فلا إساءة
أما إذا أحرم خارج الحرم فمسيء قطعا فيلزمه الدم إلا أن يعود قبل الوقوف بعرفة إلى مكة على الأصح أو الحرم على الثاني
ثم من أي موضع أحرم من مكة جاز
وفي الأفضل قولان
أحدهما أن يتهيأ للإحرام ويحرم من المسجد قريبا من البيت
وأظهرهما الأفضل أن يحرم من باب داره ويأتي المسجد محرما
وأما غير المقيم بمكة فتارة يكون مسكنه فوق الميقات الشرعي ويسمى هذا الأفقي وتارة يكون بينه وبين مكة
والمواقيت الشرعية خمسة
أحدها ذو الحليفة وهو ميقات من توجه من المدينة وهو على نحو عشر مراحل من مكة
الثاني الجحفة ميقات المتوجهين من الشام ومصر والمغرب
الثالث يلملم وقيل ألملم ميقات المتوجهين من اليمن
الرابع قرن وهو ميقات المتوجهين من نجد اليمن ونجد الحجاز

والخامس ذات عرق ميقات المتوجهين من العراق وخراسان
والمراد بقولنا يلملم ميقات اليمن أي ميقات تهامته فإن اليمن يشمل نجدا وتهامة
والأربعة الأولى نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف
وفي ذات عرق وجهان
أحدهما وإليه مال الأكثرون أنه منصوص كالأربعة
والثاني أنه باجتهاد عمر رضي الله عنه
والأفضل في حق أهل العراق أن يحرموا من العقيق وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق

فرع إذا انتهى الأفقي إلى الميقات وهو يريد الحج و العمرة أو
حرم عليه مجاوزته غير محرم
فإن جاوزه فهو مسيء ويأتي حكمه إن شاء الله تعالى وسواء كان من أهل تلك الناحية أم من غيرها كالشامي يمر بميقات أهل المدينة
فرع إذا مر الأفقي بالميقات غير مريد نسكا فإن لم يكن على
إلى مكة ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزة الميقات فميقاته حيث عن له
وإن كان على قصد التوجه إلى مكة لحاجة فعن له النسك بعد المجاوزة فإن قلنا من أراد دخول الحرم لحاجة يلزمه الإحرام فهذا يأثم بمجاوزته غير محرم وهو كمن جاوزه غير محرم على قصد النسك
وإن قلنا لا يلزمه فهذا كمن جاوز غير قاصد دخول مكة

فرع من مسكنه بين الميقات ومكة فميقاته القرية التي يسكنها أو
التي ينزلها البدوي
فرع يستحب لمن يحرم من ميقات شرعي أو من قريته أو حلته
من طرفه الأبعد من مكة
فلو أحرم من الطرف الآخر جاز لوقوع الاسم عليه
والاعتبار بالمواقيت الشرعية بتلك المواضع لا بالقرى والأبنية فلا يتغير الحكم لو خرب بعضها ونقلت العمارة إلى موضع قريب منه وسمي بذلك الاسم
فرع لو سلك البحر أو طريقا في البر لا ينتهي إلى شىء
المعينة فميقاته محاذاة المعين
فإن اشتبه تحرى
وطريق الاحتياط لا يخفى
ولو حاذى ميقاتين طريقه بينهما فإن تساويا في المسافة إلى مكة فميقاته ما يحاذيهما
وإن تفاوتا فيها وتساويا في المسافة إلى طريقه فوجهان
أحدهما يتخير إن شاء أحرم من المحاذي لأبعد الميقاتين وإن شاء لأقربهما
وأصحهما يتعين محاذاة أبعدهما
وقد يتصور في هذا القسم محاذاة ميقاتين دفعة واحدة وذلك بانحراف أحد الطريقين والتوائه أو لو عورة وغيرها فيحرم من المحاذاة
وهل هو منسوب

إلى أبعد الميقاتين أم إلى أقربهما وجهان حكاهما الإمام قال وفائدتهما أنه لو جاوز موضع المحاذاة بغير إحرام وانتهى إلى موضع يفضي إليه طريقا الميقاتين وأراد العود لرفع الإساءة ولم يعرف موضع المحاذاة هل يرجع إلى هذا الميقات أم إلى ذاك ولو تفاوت الميقاتان في المسافة إلى مكة وإلى طريقه فالاعتبار بالقرب إليه أم إلى مكة وجهان
أصحهما الأول

فرع لو جاء من ناحية لا يحاذي في طريقها ميقاتا لزمه أن
لم يبق بينه وبين مكة إلا مرحلتان
فصل إذا جاوز موضعا وجب الإحرام منه غير محرم أثم وعليه العود
والإحرام منه إن لم يكن له عذر
فإن كان له عذر كخوف الطريق أو الانقطاع عن الرفقة أو ضيق الوقت أحرم ومضى وعليه دم إذا لم يعد
فإن عاد فله حالان
أحدهما يعود قبل الإحرام فيحرم منه
فالمذهب والذي قطع به الجمهور أنه لا دم عليه سواء كان دخل مكة أم لا
وقال إمام الحرمين والغزالي إن عاد قبل أن يبعد عن الميقات بمسافة القصر سقط الدم
وإن عاد بعد دخول مكة وجب الدم
وإن عاد بعد مسافة القصر فوجهان
أصحهما يسقط وهذا التفصيل شاذ
الحال الثاني أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرما
فمنهم من أطلق في

سقوط الدم وجهين
وقيل قولان
والمذهب والذي قاله الجمهور أنه يفصل
فإن عاد فبل التلبس بنسك سقط الدم وإلا فلا سواء كان النسك ركنا كالوقوف أو سنة كطواف القدوم
وقيل لا أثر للتلبس بالسنة
ولا فرق في لزوم الدم في كل هذا بين المجاوز عامدا عالما والجاهل والناسي
لكن يفترقون في الإثم فلا إثم على الناس والجاهل

فصل هل الإحرام من الميقات أفضل أم من فوقه
نص في البويطي الكبير للمزني أنه من الميقات أفضل وقال في الإملاء الأفضل من دويرة أهله
وللأصحاب طرق
أصحهما على قولين
أظهرهما الأفضل من دويرة أهله
والثاني من الميقات
بل أطلق جماعة الكراهة على تقديم الإحرام على الميقات
والطريق الثاني القطع بدويرة أهله
والثالث إن أمن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام فدويرة أهله وإلا فالميقات
قلت الأظهر عند أكثر أصحابنا وبه قطع كثيرون من محققيهم أنه من الميقات أفضل وهو المختار أو الصواب للأحاديث الصحيحة فيه ولم يثبت لها معارض
والله أعلم

فصل في ميقات العمرة
إن كان المعتمر خارج الحرم فميقات عمرته ميقات حجه بلا فرق
وإن كان في الحرم مكيا كان أو مقيما بمكة فله ميقا واجب وأفضل
أما الواجب فأن يخرج إلى أدنى الحل ولو خطوة من أي جانب شاء فيحرم بها
فإن خالف وأحرم بها في الحرم انعقد إحرامه
ثم له حالان
أحدهما أن لا يخرج إلى الحل بل يطوف ويسعى ويحلق بها فهل يجزئه ذلك عن عمرته
قولان نص عليهما في الأم أظهرهما يجزئه ويلزمه دم لتركه الإحرام من الميقات
والثاني لا يجزئه ما أتى به بل يشترط أن يجمع في عمرته بين الحل والحرم كما في الحج
فعلى الأول لو وطىء بعد الحلق فلا شىء عليه لوقوعه بعد التحلل
وعلى الثاني الوطء واقع قبل التحلل لكنه يعتقد أنه تحلل فهو كوطء الناسي
وفي كونه مفسدا قولان
فإن جعلناه مفسدا فعليه المضي في فاسده بأن يخرج إلى الحل ويعود فيطوف ويسعى ويحلق ويلزمه القضاء وكفارة الإفساد ودم الحلق لوقوعه قبل التحلل
الحال الثاني أن يخرج إلى الحل ثم يعود فيطوف ويسعى ويحلق فيعتد بما أتى به قطعا
وهل يسقط عنه دم الإساءة فيه طريقان
المذهب وبه قطع الجماهير سقوطه
والثاني على طريقين
أصحهما القطع بسقوطه والثاني تخريجه على الخلاف في عود من جاوز الميقات غير محرم
فإذا قلنا بالمذهب فالواجب خروجه إلى الحل قبل الأعمال إما في ابتداء الإحرام وإما بعده
وإن قلنا لا يسقط الدم فالواجب هو الخروج في ابتداء الإحرام

فرع أفضل البقاع من أطراف الحل لإحرام العمرة الجعرانة ثم التنعيم
ثم الحديبية
قلت هذا هو الصواب
وأما قول صاحب التنبيه والأفضل أن يحرم بها من التنعيم فغلط
والله أعلم
باب بيان وجوه الإحرام
وما يتعلق بها اتفقوا على جواز إفراد الحج عن العمرة والتمتع والقران
وأفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران هذا هو المذهب والمنصوص في عامة كتبه
وفي قول التمتع أفضل ثم الإفراد
وحكي قول أن الأفضل الإفراد ثم القران ثم التمتع
وقال المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي أفضلها القران
فأما الإفراد فمن صوره أن يحرم بالحج وحده ويفرغ منه ثم يحرم بالعمرة
وسيأتي باقي صوره إن شاء الله تعالى في شروط التمتع
ثم تفضيل الإفراد على التمتع والقران شرطه أن يعتمر تلك السنة
فلو أخر العمرة عن سنته فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه
وأما القران فصورته الأصلية أن يحرم بالحج والعمرة معا
فتندرج أفعال العمرة في أعمال الحج ويتحد الميقات والفعل
ولو أحرم بالعمرة ثم أدخل

عليها الحج نظر إن أدخله في غير أشهر الحج لغا إدخاله ولم يتغير إحرامه بالعمرة
وإن أدخله في أشهره نظر إن كان أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ففي صحة إدخاله وجهان
أحدهما وهو اختيار الشيخ أبي علي وحكاه عن عامة الأصحاب لا يصح الإدخال لأنه يؤدي إلى صحة الإحرام بالحج قبل أشهره
والثاني يصح وهو اختيار القفال وبه قطع صاحب الشامل وغيره لأنه إنما يصير محرما بالحج وقت إدخاله وهو وقت صالح للحج
قلت هذا الثاني أصح
والله أعلم
وإن أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم أدخله عليها في أشهره فإن لم يكن شرع في طوافها صح وصار قارنا وإلا لم يصح إدخاله
وفي علة عدم الصحة أربعة معان
أحدها لأنه اشتغل بعمل من أعمال العمرة
والثاني لأنه أتى بفرض من فروضها
والثالث لأنه أتى بمعظم أفعالها
والرابع لأنه أخذ في التحلل وهذا هو الذي ذكره أبو بكر الفارسي في عيون المسائل
وحيث جوزنا الإدخال عليها فذاك إذا كانت عمرة صحيحة
فإن أفسدها ثم أدخل عليها الحج ففيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى
أما لو أحرم بالحج في وقته ثم أدخل عليه لعمرة فقولان
القديم أنه يصح ويصير قارنا
والجديد لا يصح
فإذا قلنا بالقديم فإلى متى يجوز الإدخال فيه أربعة أوجه مفرعة على المعاني السابقة
أحدها يجوز ما لم يشرع في طواف القدوم
وقال في التهذيب هذا أصحها
والثاني يجوز بعد طواف القدوم ما لم يشرع في السعي أو غيره من فروض الحج قاله الخضري
والثالث يجوز وإن اشتغل بفرض ما لم يقف بعرفة
فعلى هذا لو كان سعى فعليه إعادة السعي ليقع عن النسكين جميعا كذا قاله الشيخ أبو علي
والرابع يجوز وإن وقف ما لم يشتغل

بشىء من أسباب التحلل من الرمي وغيره
وعلى هذا لو كان سعى فعلى قياس ما ذكره الشيخ أبو علي وجوب إعادته
وحكى الإمام فيه وجهين وقال المذهب أنه لا يجب

فرع يجب على القارن دم كدم التمتع وحكى الحناطي قولا قديما أنه
يجب بدنة
فصل أما المتمتع فهو الذي يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويدخل مكة
ويفرغ من أفعال العمرة ثم ينشىء الحج من مكة سمي متمتعا لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بينهما فإنه يحل له جميع المحظورات إذا تحلل من العمرة سواء ساق هديا أم لا ويجب عليه دم
ولوجوب الدم شروط
أحدها أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام وهم من مسكنه دون مسافة القصر من الحرم
وقيل من نفس مكة
فإن كان مسافة القصر فليس بحاضره
فإن كان له مسكنان أحدهما في حد القرب والآخر بعيد فإن كان مقامه بأحدهما أكثر فالحكم له
فإن استوى مقامه بهما وكان أهله وماله في أحدهما دائما أو أكثر فالحكم له
فإن استويا في ذلك وكان عزمه الرجوع إلى أحدهما فالحكم له
فإن لم يكن له عزم فالحكم للذي خرج منه
ولو استوطن غريب مكة فهو حاضر
وإن استوطن مكي العراق فغير حاضر
ولو قصد الغريب مكة فدخلها متمتعا ناويا الإقامة بها بعد الفراغ من النسكين أو من العمرة أو نوى الإقامة بها بعد ما اعتمر فليس بحاضر فلا يسقط عنه الدم

فرع ذكر الغزالي رحمه الله مسألة وهي من مواضع التوقف ولم
لغيره بعد البحث
قال والأفقي إذا جاوز الميقات غير مريد النسك فاعتمر عقب دخوله مكة ثم حج لم يكن متمتعا إذ صار من الحاضرين إذ ليس يشترط فيه قصد الإقامة وهذه المسألة تتعلق بالخلاف في أن من قصد مكة هل يلزمه الإحرام بحج أو عمرة أم لا ثم ما ذكره من اعتبار اشتراط الإقامة ينازعه فيه كلام الأصحاب ونقلهم عن نصه في الإملاء والقديم فإنه ظاهر في اعتبار الإقامة بل في اعتبار الاستيطان
وفي النهاية و الوسيط حكاية وجهين في صورة تداني هذه
وهي أنه لو جاوز الغريب الميقات وهو لا يريد نسكا ولا دخول الحرم ثم بدا له بقرب مكة أن يعتمر فاعتمر منه وحج بعدها على صورة التقتع هل يلزمه الدم أحد الوجهين لا يلزمه لأنه حين بدا له كان على مسافة الحاضر
وأصحهما يلزمه لأنه وجدت صورة التمتع وهو غير معدود من الحاضرين
قلت المختار في الصورة التي ذكرها الغزالي أولا أنه متمتع ليس بحاضر بل يلزمه الدم
والله أعلم
فرع لا يجب على حاضر المسجد الحرام دم القران كما لا يجب
التمتع
هذا هو المذهب
وحكى الحناطي وجها أنه يلزمه
ويشبه أن يكون هذا الخلاف مبنيا على وجهين نقلهما صاحب العدة في أن دم القران دم جبر أم دم نسك المذهب المعروف أنه دم جبر

فرع هل يجب على المكي إذا قرن إنشاء الإحرام من أدنى
أفرد العمرة أم يجوز أن يحرم من جوف مكة إدرجا للعمرة تحت الحج وجهان
أصحهما الثاني
ويجريان في الأفقي إذا كان بمكة وأراد القران
الشرط الثاني أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج
فلو أحرم وفرغ منها قبل أشهره ثم حج لم يلزمه الدم
فلو أحرم بها قبل أشهره وأتى بجميع أفعالها في أشهره ثم حج فقولان
أظهرهما نصه في الأم لا دم
والثاني نصه في القديم و الإملاء يجب الدم
وقال ابن سريج ليست على قولين بل على حالين
إن أقام بالميقات محرما بالعمرة حتى دخلت أشهر الحج أو عاد إليه في الأشهر محرما بها وجب الدم
وإن جاوزه قبل الأشهر ولم يعد إليه فلا دم
لو سبق الإحرام بها وبعض أعمالها في أشهره فالخلاف مرتب إن لم نوجب إذا لم يتقدم إلا الإحرام فهنا أولى وإلا فوجهان
الأصح لا يجب
وإذا لم نوجب دم المتمتع في هذه الصورة ففي وجوب دم الإساءة وجهان
أحدهما يجب لأنه أحرم بالحج من مكة
وأصحهما لا لأن المسيء من ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ويجاوزه غير محرم وهذا جاوز محرما
الشرط الثالث أن تقع العمرة والحج في سنة واحدة
فلو اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد
الشرط الرابع أن لا يعود إلى الميقات بأن أحرم بالحج من نفس مكة واستمر
فلو عاد إلى الميقات الذي أحرم بالعمرة منه أو إلى مسافة مثله

وأحرم بالحج فلا دم
ولو أحرم به من مكة ثم ذهب إلى الميقات محرما ففي سقوطه الخلاف السابق فيمن جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه محرما
ولو عاد إلى ميقات أقرب منه إلى مكة من ميقات عمرته وأحرم منه بأن كان ميقات عمرته الجحفة فعاد إلى ذات عرق فهل هو كالعود إلى ميقات عمرته وجهان
أحدهما لا وعليه دم
وأصحهما نعم لأنه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام وهذا اختيار القفال والمعتبرين

فرع لو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات
أنه لا دم نص عليه في الإملاء وصححه الحناطي
وقال الإمام إن قلنا المتمتع إذا أحرم بالحج ثم عاد إليه لا يسقط عنه الدم فهنا أولى وإلا فوجهان والفرق أن اسم القران لا يزول بالعود بخلاف التمتع
الشرط الخامس مختلف فيه وهو أنه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد وجهان
قال الخضري يشترط
وقال الجمهور لا يشترط
ويتصور فوات هذا الشرط في صور
إحداها أن يستأجره شخص لحج وآخر لعمرة
الثانية أن يكون أجيرا لعمرة فيفرغ ثم يحج لنفسه
الثالثة أن يكون أجيرا لحج فيعتمر عن نفسه ثم يحج للمستأجر
فإن قلنا بقول الجمهور فقد ذكروا أن نصف دم التمتع على من يقع له الحج ونصفه على من تقع له العمرة
وليس هذا الإطلاق على ظاهره بل هو محمول على تفصيل ذكره صاحب التهذيب

أما في الصورة الأولى فقال إن أذنا في التمتع فالدم عليهما نصفان وإلا فعلى الأجير
وعلى قياسه إن أذن أحدهما فقط فالنصف على الآذن والنصف على الأجير
وأما في الصورتين الآخرتين فقال إن أذن له المستأجر في التمتع فالدم عليهما نصفان وإلا فالجميع على الأجير
واعلم بعد هذا أمورا
أحدها أن إيجاب الدم على المستأجرين أو أحدهما مفرع على الأصح وهو أن دم التمتع والقران على المستأجر وإلا فهو على الأجير بكل حال
الثاني إذا لم يأذن المستأجران أو أحدهما في الصورة الأولى أو المستأجر في الثالثة وكان ميقات البلد معينا في الإجارة أو نزلنا المطلق عليه لزمه مع دم التمتع دم الإساءة لمجاوزة ميقات نسكه
الثالث إذا أوجبنا الدم على المستأجرين فكانا معسرين لزم كل واحد منهما خمسة أيام لكن صوم التمتع بعضه في الحج وبعضه في الرجوع وهما لم يباشرا حجا
وقد قدمنا في فروع الإجارة فيمن استأجره ليقرن فقرن أو ليتمتع فتمتع وكان المستأجر معسرا وقلنا الدم عليه خلافا بين صاحبي التهذيب و التتمة
فعلى قياس قول صاحب التهذيب الصوم على الأجير
وعلى قياس صاحب التتمة هو كما لو عجز المتمتع عن الهدي والصوم جميعا
ويجوز أن يكون الحكم كما سيأتي في المتمتع إذا لم يصم في الحج كيف يقضي فإذا أوجبنا التفريق فتفريق الخمسة بنسبة الثلاثة والسبعة يبعض القسمين فيكملان ويصوم كل واحد منهما ستة أيام وقس على هذا
أما إذا أوجبنا الدم في الصورتين الآخرتين على الأجير والمستأجر وإذا فرعنا على قول

الخضري فإذا اعتمر عن المستأجر ثم حج عن نفسه ففي كونه مسيئا الخلاف السابق فيمن اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من مكة لكن الأصح هنا أنه مسيء لإمكان الإحرام بالحج حين حضر الميقات
قال الإمام فإن لم يلزمه الدم ففوات هذا الشرط لا يؤثر إلا في فوات فضيلة التمتع على قولنا إنه أفضل من الإفراد
وإن ألزمناه الدم فله أثران
أحدهما هذا
والثاني أن المتمتع لا يلزمه العود إلى الميقات
وإن عاد وأحرم منه سقط عنه الدم بلا خلاف
والمسيء يلزمه العود
وإذا عاد ففي سقوط الدم عنه خلاف
وأيضا فالدمان يختلف بدلهما
الشرط السادس مختلف فيه وهو نية التمتع
والأصح أنها لا تشترط كما لا تشترط نية القران
فإن شرطناها ففي وقتها أوجه
أحدها حالة الإحرام بالعمرة
والثاني ما لم يفرغ من العمرة
والثالث ما لم يشرع في الحج
الشرط السابع أن يحرم بالعمرة من الميقات
فلو جاوزه مريدا للنسك ثم أحرم بها فالمنصوص أنه ليس عليه دم التمتع لكن يلزمه دم الإساءة فأخذ بإطلاق هذا النص آخرون

وقال الأكثرون هذا إذا كان الباقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر
فإن بقيت مسافة القصر فعليه الدمان جميعا
الشرط الثامن مختلف فيه
حكي عن ابن خيران اشتراط وقوع النسكين في شهر واحد وخالفه عامة الأصحاب

فرع الشروط المذكورة معتبرة لوجوب الدم وفاقا وخلافا وهل يعتبر في نفس التمتع فيها وجهان

أحدهما نعم فلو فات شرط كان مفردا وأشهرهما لا تعتبر ولهذا قال الأصحاب يصح التمتع والقران من المكي خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
فرع إذا اعتمر ولم يرد العود إلى الميقات لزمه أن يحرم بالحج
مكة وهي في حقه كهي في حق المكي
والكلام في الموضع الذي هو أفضل لإحرامه وفيما لو خالف فأحرم خارج مكة في الحرم أو خارجه ولم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته على ما ذكرنا في المكي
وإذا اقتضى الحال وجوب دم الإساءة وجب أيضا مع دم التمتع
فصل المتمتع يلزمه دم شاة بصفة الأضحية

ويقوم مقامها سبع بدنة أو سبع بقرة
ووقت وجوبه الإحرام بالحج
وإذا وجب جاز إراقته ولم يتوقت بوقت كسائر دماء الجبرانات لكن الأفضل إراقته يوم النحر
وهل يجوز إراقته بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج قولان
وقيل وجهان
أظهرهما

الجواز
فعلى هذا هل يجوز قبل التحلل من العمرة وجهان
أصحهما لا وقيل لا يجوز قطعا ولا يجوز قبل الشروع في العمرة بلا خلاف

فرع إذا عدم المتمتع الدم في موضعه لزمه صوم عشرة أيام سواء
له مال غائب في بلده أو غيره أم لم يكن بخلاف الكفارة فإنه يعتبر في الانتقال إلى الصوم فيها العدم مطلقا
والفرق أن بدل الدم موقت بكونه في الحج ولا توقيت في الكفارة
ثم إن الصوم يقسم ثلاثة أيام وسبعة
فالثلاثة يصومها في الحج ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج ولا يجوز صوم شىء منها في يوم النحر
وفي أيام التشريق قولان تقدما في كتاب الصيام
ويستحب أن يصوم جميع الثلاثة قبل يوم عرفة لأنه يستحب للحاج فطر يوم عرفة وإنما يمكنه هذا إذا تقدم إحرامه بالحج على اليوم السادس من ذي الحجة
قال الأصحاب المستحب للمتمتع الذي هو من أهل الصوم أن يحرم بالحج قبل السادس
وحكى الحناطي وجها أنه إذا لم يتوقع هديا وجب تقديم الإحرام بالحج على السابع ليمكنه صوم الثلاثة قبل يوم النحر
وأما واجد الهدي فيستحب أن يحرم بالحج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة ويتوجه بعد الزوال إلى منى
وإذا فات صوم الثلاثة في الحج لزمه قضاؤها ولا دم عليه
وعن ابن سريج وأبي إسحق تخريج قول أنه يسقط الصوم ويستقر الهدي

في ذمته
واعلم أن فواتها يحصل بفوات يوم عرفة إن قلنا إن أيام التشريق لا يجوز صومها وإلا حصل الفوات بخروج أيام التشريق
ولا خلاف أنها تفوت بفوات أيام التشريق
حتى لو تأخر طواف الزيارة عن أيام التشريق كان بعد في الحج وكان صوم الثلاثة بعد التشريق قضاء وإن بقي الطواف لأن تأخره بعيد في العادة فلا يقع مرادا من قول الله تعالى { ثلاثة أيام في الحج } هكذا حكاه الإمام وغيره
وفي التهذيب حكاية وجه ضعيف ينازع فيه

فرع وأما السبعة فوقتها إذا رجع

وفي المراد بالرجوع قولان
أظهرهما الرجوع إلى الأهل والوطن نص عليه في المختصر وحرملة
والثاني أنه الفراغ من الحج
فإن قلنا بالأول فإن توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها
وإن لم يتوطنها لم يجز صومه بها
وهل يجوز في الطريق إذا توجه إلى وطنه فيه طريقان
المذهب لا يجوز وبه قطع العراقيون
والثاني وجهان
أصحهما لا يجوز
وإذا قلنا إنه الفراغ فلو أخره حتى يرجع إلى وطنه جاز
وهل هو أفضل أم التقديم قولان
أظهرهما التأخير أفضل للخروج من الخلاف
والثاني التقديم مبادرة إلى الواجب
ولا يصح صوم شىء من السبعة في أيام التشريق بلا خلاف وإن قلنا إنها قابلة للصوم سواء قلنا المراد بالرجوع الفراغ أو الوطن لأنه بعد في الحج وإن حصل التحلل
وحكي قول إن المراد بالرجوع الرجوع إلى مكة من منى
وجعل إمام الحرمين والغزالي هذا قولا سوى قول الفراغ من الحج ومقتضى كلام كثير من الأئمة أنهما شىء واحد وهو الأشبه
وعلى تقدير كونه قولا آخر يتفرع عليه أنه لو رجع من منى إلى مكة صح صومه وإن تأخر طواف الوداع

فرع إذا لم يصم الثلاثة في الحج ورجع لزمه صوم العشرة

وفي الثلاثة القول المخرج الذي سبق
فعلى المذهب هل يجب التفريق في القضاء بين الثلاثة والسبعة قولان
وقيل وجهان
أصحهما عند الجمهور يجب
والأصح عند الإمام لا يجب
فعلى الأول هل يجب التفريق بقدر ما يقع تفريق الأداء قولان
أحدهما لا بل يكفي التفريق بيوم نص عليه في الاملاء
وأظهرهما يجب
وفي قدره أربعة أقول تتولد من أصلين سبقا وهما صوم المتمتع أيام التشريق وأن الرجوع ماذا فإن قلنا ليس للمتمتع صوم التشريق وأن الرجوع إلى الوطن فالتفريق بأربعة أيام
ومدة إمكان السير إلى أهله على العادة الغالبة
وإن قلنا ليس له صومها وأن الرجوع الفراغ فالتفريق بأربعة فقط
وإن قلنا له صومها وأن الرجوع إلى الوطن فالتفريق بمدة إمكان السير
وإن قلنا له صومها والرجوع الفراغ فوجهان
أصحهما يجب التفريق
والثاني لا بد من التفريق بيوم
فإن أردت حصر الأقوال التي تجيء فيمن لم يصم الثلاثة في الحج مختصرا حصلت ستة
أحدها لا صوم بل ينتقل إلى الهدي
والثاني عليه صوم عشرة متفرقة أو متتابعة
والثالث عشرة ويفرقبيوم فصاعدا
والرابع يفرق بأربعة ومدة إمكان السير إلى الوطن
والخامس يفرق بأربعة فقط
والسادس بمدة إمكان السير فقط
قلت المذهب منها هو الرابع
والله أعلم
ولو صام عشرة متوالية وقلنا بالمذهب وهو وجوب قضاء الثلاثة أجزأه إن لم نشترط التفريق
فإن شرطناه واكتفينا بيوم لم يعتد باليوم الرابع ويحسب

ما بعده فيصوم يوما آخر
هذا هو الصحيح المعروف
وفي وجه لا يعتد بشىء سوى الثلاثة
وفي وجه للأصطخري لا يعتد بالثلاثة أيضا إذا نوى التتابع وهما شاذان
وإن شرطنا التفريق بأكثر من يوم لم يعتد بذلك القدر

فرع كل واحد من صوم الثلاثة والسبعة لا يجب فيه التتابع لكن

وحكي في وجوب التتابع قول مخرج من كفارة اليمين وهو شاذ ضعيف
فرع إذا شرع في صوم الثلاثة أو السبعة ثم وجد الهدي لم
لكن يستحب
وقال المزني يلزمه
ولو أحرم بالحج ولا هدي ثم وجده قبل الشروع في الصوم بني على أن المعتبر في الكفارة حال الوجوب أم الأداء أم أغلظهما إن اعتبرنا حال الوجوب أجزأه الصوم وإلا لزم الهدي وهو نصه في هذه المسألة
فرع المتمتع الواجد للهدي إذا مات قبل فراغ الحج هل يسقط عنه
قولان
أظهرهما لا يسقط بل يخرج من تركته لوجود سبب الوجوب
ولو مات بعد فراغ الحج أخرج من تركته بلا خلاف
فأما الصوم فإن مات قبل التمكن منه فقولان
أظهرهما يسقط لعدم التمكن كصوم رمضان
والثاني

يهدى عنه وهذا القول يتصور فيما إذا لم يجد الهدي في موضعه وله ببلده مال أو وجده بثمن غال
وإن تمكن من الصوم فلم يصم حتى مات فهل هو كصوم رمضان فيه طريقان
أصحهما نعم فيصوم عنه وليه على القديم
وفي الجديد يطعم عنه من تركته لكل يوم مد
فإن كان تمكن من الأيام العشرة فعشرة أمداد وإلا فبالقسط
وهل يتعين صرفه إلى فقراء الحرم أم يجوز إلى غيرهم أيضا قولان
أظهرهما الثاني
والطريق الثاني لا يكون كصوم رمضان
فعلى هذا قولان
أظهرهما الرجوع على الدم لأنه أقرب إلى هذا الصوم من الأمداد فيجب في ثلاثة أيام إلى العشرة شاة وفي يوم ثلث شاة وفي يومين ثلثاها
وعن أبي إسحق إشارة إلى أن اليوم واليومين كإتلاف الشعرة والشعرتين من المحرم
وفي الشعرة ثلاثة أقوال
أحدها مد
والثاني درهم
والثالث ثلث شاة
والقول الثاني لا يجب شىء أصلا
وأما التمكن المذكور فصوم الثلاثة يتمكن منه بأن يحرم بالحج لزمن يسع صومها قبل الفراغ ولا يكون عارض من مرض وغيره
وذكر الإمام أنه لا يجب شىء في تركته ما لم ينته إلى الوطن لأن دوام السفر كدوام المرض فلا يزيد تأكد الثلاثة على صوم رمضان
وهذا الذي قاله غير واضح لأن صوم الثلاثة يتعين إيقاعه في الحج بالنص
وإن كان مسافرا فلا يكون السفر عذرا فيه بخلاف رمضان
وأما السبعة فإن قلنا الرجوع إلى الوطن فلا تمكن قبله
وإن قلنا الفراغ من الحج فلا تمكن قبله
ثم دوام السفر عذر على ما قاله الإمام
وقال القاضي حسين إذا استحببنا التأخير إلى أن يصل الوطن تفريعا على قول الفراغ فهل يفدى عنه إذا مات وجهان

باب الإحرام
ينبغي لمريد الإحرام أن ينوي ويلبي
فإن لبى ولم ينو فنص في رواية الربيع أنه يلزمه ما لبى به
وقال في المختصر وإن لم يرد حجا ولا عمرة فليس بشىء
واختلف الأصحاب على طريقين
المذهب القطع بأنه لا ينعقد إحرامه
وتأويل نقل الربيع على ما إذا أحرم مطلقا ثم تلفظ بنسك معين ولم ينوه فيجعل لفظه تعيينا للإحرام المطلق
والطريق الثاني على قولين
أظهرهما لا ينعقد إحرامه لأن الأعمال بالنيات
والثاني يلزمه ما سمى لأنه التزمه بقوله
وعلى هذا لو أطلق التلبية انعقد الإحرام مطلقا يصرفه إلى ما شاء من كلا النسكين أو أحدهما
قلت هذا القول ضعيف جدا والتأويل المذكور أضعف منه لأنا سنذكر قريبا إن شاء الله تعالى أن الإحرام المطلق لا يصح صرفه إلا بنية القلب
والله أعلم
واعلم أن نصه في المختصر يحتاج إلى قيد آخر يعني لم يرد حجا ولا عمرة ولا أصل الإحرام هذا كله إذا لبى ولم ينو
فلو نوى ولم يلب انعقد إحرامه على الصحيح الذي قاله الجمهور
وقال أبو علي بن خيران وابن أبي هريرة وأبو عبد الله الزبيري لا ينعقد إلا بالتلبية
وحكى الشيخ

أبو محمد وغيره قولا للشافعي رحمة الله عليه أنه لا ينعقد إلا بالتلبية لكن يقوم مقامها سوق الهدي وتقليده والتوجه معه
وحكى الحناطي هذا القول في الوجوب دون الاشتراط وذكر تفريعا عليه أنه لو ترك التلبية لزمه دم
قلت صفة النية أن ينوي الدخول في الحج أو العمرة أو فيهما والتلبس به
والواجب أن ينوي هذا بقلبه
فإن ضم إلى نية القلب التلفظ كان أفضل
والله أعلم

فرع إذا قلنا بالمذهب إن المتعبر هو النية فلو لبى بالعمرة ونوى
الحج فهو حاج وبالعكس معتمر
ولو تلفظ بأحدهما ونوى القران فقارن
ولو تلفظ بالقران وونوى أحدهما فهو لما نوى
فرع الإحرام حالان
أحدهما ينعقد معينا بأن ينوي أحد النسكين بعينه أو كليهما
فلو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقدة واحدة فقط ولم يلزمه الأخرى
الثاني ينعقد مطلقا بأن ينوي نفس الإحرام ولا يقصد القران ولا أحد النسكين وهذا جائز بلا خلاف
ثم ينظر إن أحرم في أشهر الحج فله صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قران ويكون التعيين بالنية لا باللفظ ولا يجزئه العمل قبل النية
وإن أحرم قبل الأشهر فإن صرفه إلى العمرة صح وإن صرفه إلى الحج بعد دخول الأشهر فوجهان
الصحيح لا يجوز بل انعقد إحرامه
والثاني ينعقد مبهما وله صرفه بعد دخول الأشهر إلى

حج أو قران
فإن صرفه إلى الحج قبل الأشهر كان كمن أحرم بالحج قبل الأشهر وقد سبق بيانه

فرع هل الأفضل إطلاق الإحرام أم تعيينه قولان

قال في الاملاء الإطلاق أفضل
وفي الأم التعيين أفضل وهو الأظهر
فعلى هذا هل يستحب التلفظ في تلبيته بما عينه وجهان
الصحيح المنصوص لا بل يقتصر على النية
والثاني يستحب لأنه أبعد عن النسيان
فصل إذا أحرم عمرو بما أحرم به زيد جاز

ثم لزيد أحوال
أحدها أن يكون محرما ويمكن معرفة ما أحرم به فينعقد لعمرو مثل إحرامه إن كان حجا فحج
وإن كان عمرة فعمرة
وإن كان قرانا فقران
قلت وإن كان زيد أحرم بعمرة بنية التمتع كان عمرو محرما بعمرة ولا يلزمه التمتع
والله أعلم
وإن كان مطلقا انعقد إحرام عمرو مطلقا أيضا ويتخير كما يتخير زيد ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرف إليه زيد
وحكي وجه أنه يلزمه وهو شاذ ضعيف
قال في التهذيب إلا إذا أراد إحراما كإحرام زيد بعد تعيينه
وإن كان إحرام زيد فاسدا فهل ينعقد إحرام عمرو مطلقا أم لا ينعقد أصلا وجهان

قلت الأصح انعقاده
قال القاضي أبو الطيب وهذان الوجهان كالوجهين فيمن نذر صلاة فاسدة هل ينعقد نذره بصلاة صحيحة أم لا
ينعقد والأصح لا ينعقد
والله أعلم
وإن كان زيد أحرم مطلقا ثم عينه قبل إحرام عمرو فوجهان
أصحهما ينعقد إحرام عمرو مطلقا
والثاني معينا ويجري الوجهان فيما لو أحرم زيد بعمرة ثم أدخل عليها الحج فعلى الأول يكون عمرو معتمرا وعلى الثاني قارنا والوجهان فيما إذا لم يخطر له التشبيه بإحرام زيد في الحال ولا في أوله فإن خطر التشبيه بأوله أو بالحال فالاعتبار بما خطر بلا خلاف
ولو أخبره زيد بما أحرم به ووقع في نفسه خلافه فهل يعمل بخبره أو بما وقع في نفسه وجهان
قلت أصحهما بخبره
والله أعلم
ولو قال له أحرمت بالعمرة فعمل بقوله فبان أنه كان محرما بالحج فقد بان أن إحرام عمرو كان منعقدا بحج
فإن فات الوقت تحلل وأراق دما
وهل الدم في ماله أو مال زيد للتغرير وجهان
قلت أصحهما في ماله
والله أعلم
الحال الثاني أن لا يكون زيد محرما أصلا فينظر إن كان عمرو جاهلا به انعقد إحرامه مطلقا لأنه جزم بالإحرام
وإن كان عالما بأنه غير محرم بأن علم موته فطريقان
المذهب الذي قطع به الجمهور أنه ينعقد إحرام عمرو مطلقا
والثاني على الوجهين
أصحهما هذا
والثاني لا ينعقد أصلا كما لو قال إن كان زيد محرما فقد أجرمت فلم يكن محرما
والصواب الأول
ويخالف قوله إن كان زيد محرما فإنه تعليق لأصل الإحرام
فلهذا يقول إن كان زيد محرما فهذا المعلق محرم وإلا فلا

وأما هنا فأصل الإحرام محزوم به
واحتجوا للمذهب بصورتين نص عليهما في الأم
أحدهما لو استأجره رجلان ليحج عنهما فأحرم عنهما لم ينعقد عن واحد منهما وانعقد عن الأجير لأن الجمع بينهما متعذر فلغت الإضافة وسواء كانت الإجارة في الذمة أم على العين لأنه وإن كانت إحدى إجارتي العين فاسدة إلا أن الإحرام عن غيره لا يتوقف على صحة الإجارة
الصورة الثانية لو استأجره رجل ليحج عنه فأحرم عن نفسه وعن المستأجر لغت الإضافتان وبقي الإحرام للأجير
فلما لغت الإضافة في الصورتين وبقي أصل الإحرام جاز أن يلغو هنا التشبيه ويبقى أصل الإحرام
الحال الثالث أن يكون زيد محرما وتتعذر مراجعته لجنون أو غيبة أو موت
ولهذه المسألة مقدمة وهي لو أحرم بأحد النسكين ثم نسيه قال في القديم أحب أن يقرن
وإن تحرى رجوت أن يجزئه
وقال في الجديد هو قارن
وللأصحاب فيه طريقان
أحدهما القطع بجواز التحري
وتأويل الجديد على ما إذا شك هل أحرم بأحد النسكين أم قرن وأصحهما وبه قطع الجمهور أن المسألة على قولين
القديم جواز التحري ويعمل بظنه
والجديد لا يتحرى
فإن قلنا بالقديم فتحرى مضى فيما ظنه من النسكين وأجزأه على الصحيح
وقيل لا يجزئه الشك
وفائدة التحري الخلاص من الإحرام وهذا شاذ ضعيف
وإن قلنا بالجديد فللشك صورتان
إحداهما أن يعرض قبل الإتيان بشىء من الأعمال فلفظ النص أنه قارن
وقال الأصحاب معناه أن ينوي القران ويجعل نفسه قارنا
وحكي قول أنه يصير قارنا بلا نية وهو شاذ ضعيف
ثم إذا نوى القران وأتى بالأعمال

تحلل وبرئت ذمته عن الحج بيقين وأجزأه عن حجة الإسلام لأنه إن كان محرما بالحج لم يضر تجديد العمرة بعده سواء قلنا يصح إدخالها عليه أم لا
وإن كان محرما بالعمرة فإدخال الحج عليها قبل الشروع في أعمالها جائز
وأما العمرة فإن جوزنا إدخالها على الحج أجزأته عن عمرة الإسلام وإلا فوجهان
أصحهما لا تجزئه لاحتمال تأخر العمرة
والثاني تجزئه قاله أبو إسحق
ويكون الاشتباه عذرا في جواز تأخيرها
فإن قلنا تجزىء لزمه دم القران فإن لم يجد صام عشرة أيام جلاثة في الحج وسبعة إذا رجع
وإن قلنا لا تجزئه العمرة لم يجب الدم على الأصح
وقولنا يجعل نفسه قارنا ليس على سبيل الإلزام
قال الإمام لم يذكر الشافعي رحمة الله عليه القران على معنى أنه لا بد منه بل ذكره على أنه ليستفيد منه الشاك التحلل مع براءة الذمة من النسكين
فلو اقتصر بعد النسيان على الإحرام بالحج وأتى بأعماله حصل التحلل قطعا وتبرأ ذمته عن الحج ولا تبرأ عن العمرة لاحتمال أنه أحرم ابتداء بعمرة بالحج
وعلى هذا القياس لو اقتصر على الإحرام بالعمرة وأتى بأعمال القران حصل التحلل وبرئت ذمته من العمرة إن جوزنا إدخالها على الحج ولا تبرأ عن الحج لاحتمال أنه أحرم ابتداء ولم يغيرها
ولو لم يجدد إحراما بعد النسيان واقتصر على الإتيان بعمل الحج حصل التحلل ولا تبرأ ذمته عن واحد من النسكين لشكه فيما أتى به
ولو اقتصر على عمل العمرة لم يحصل التحلل لاحتمال أنه أحرم بالحج ولم يتم أعماله
الصورة الثانية أن يعرض الشك بعد الإتيان بشىء من الأعمال وله أحوال
أحدها أن يعرض بعد الوقوف بعرفة وقبل الطواف فإذا نوى القران فيجزئه الحج لأنه إن كان محرما به فذاك
وإن كان بالعمرة فقد أدخله عليها قبل الطواف

وذلك جائز
ولا تجزئه العمرة إذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز إدخالها على الحج بعد الوقوف وقبل الشروع في التحلل
وهذا الحال مفروض فيما إذا كان وقت الوقوف باقيا عند مصيره قارنا ثم وقف ثانيا وإلا فيحتمل أنه كان محرما بالعمرة فلا يجزئه ذلك الوقوف عن الحج
الحال الثاني أن يعرض بعد الطواف وقبل الوقوف فإذا نوى القران وأتى بأفعال القارن لم يجزئه الحج لاحتمال أنه كان محرما بالعمرة فيمتنع إدخال الحج عليها بعد الطواف
وأما العمرة فإن قلنا بجواز إدخالها على الحج بعد الطواف أجزأته وإلا فلا وهو المذهب
وذكر ابن الحداد في هذه الحال أنه يتم أعمال العمرة بأن يصلي ركعتي الطواف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم يحرم بالحج ويأتي بأعماله
فإذا فعل هذا صح حجه لأنه إن كان محرما بالحج لم يضر تجديد إحرامه
وإن كان بالعمرة فقد تمتع ولا تصح عمرته لاحتمال أنه كان محرما بالحج ولا تدخل العمرة عليه إذا لم ينو القران
قال الشيخ أبو زيد وصاحب التقريب والأكثرون إن فعل هذا فالجواب ما ذكره
لكن لو استفتانا لم نفته به لاحتمال أنه كان محرما بالحج وإن كان هذا الحلق يقع في غير أوانه
وهذا كما لو ابتلعت دجاجة إنسان جوهرة لغيره لا يفتى صاحب الجوهرة بذبحها وأخذ الجوهرة
فلو ذبح لم يلزمه إلا قدر التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة وكذا لو تقابلت دابتان لشخصين على شاهق وتعذر مرورهما لا يفتى أحدهما بإهلاك دابة الآخر لكن لو فعل خلص دابته ولزمه قيمة دابة صاحبه واختار الغزالي قول ابن الحداد
ووجهه الشيخ أبو علي بأن الحلق في غير وقته يباح بالعذر كمن به أذى من رأسه فضرر الاشتباه لو لم يحلق أكثر فإنه يفوت الحج وسواء أفتيناه بما قاله

ابن الحداد أم لم نفته ففعل لزمه دم لأنه إن كان محرما بحج فقد حلق في غير وقته وإن كان بعمرة فقد تمتع فيريق دما عن الواجب عليه ولا يعين الجهة كما في الكفارة
فإن كان معسرا لا يجد دما ولا طعاما صام عشرة أيام كصوم المتمتع
فإن كان الواجب دم المتمتع فذاك وإن كان دم الحلق أجزأه ثلاثة أيام الباقي تطوع
ولا يعنى الجهة في صوم الثلاثة ويجوز تعيين التمتع في صوم السبعة
ولو اقتصر على صوم ثلاثة هل تبرأ ذمته مقتضى كلام الشيخ أبي علي أنه لا تبرأ
قال الإمام ويحتمل أن تبرأ وعبر الغزالي في الوسيط عن هذين بوجهين
ويجزئه الصوم مع وجود الطعام لأنه لا مدخل للطعام في التمتع
وفدية الحلق على التخيير
ولو أطعم هل تبرأ ذمته فيه كلاما الشيخ والإمام
هذا كله إذا استجمع الرجل شروط وجوب دم التمتع فإن لم يستجمعها كالمكي لم يجب الدم لأن دم التمتع مفقود والأصل عدم الحلق
وإذا جوز أن يكون إحرامه أولا بالقران فهل يلزمه دم آخر مع الدم الذي وصفناه فيه الوجهان السابقان
الحال الثالث أن يعرض الشك بعد الطواف والوقوف
فإن أتى ببقية أعمال الحج لم يحصل له حج ولا عمرة
أما الحج فلجواز أنه كان محرما بعمرة فلا ينفعه الوقوف
وأما العمرة فلجواز أنه كان محرما بحج ولم يدخل عليه العمرة
فإن نوى القران ولبى وأتى بأعمال القران فإجزاء العمرة يبنى على أنها هل تدخل على الحج بعد الوقوف ثم قياس المذكور في الحال السابق
ثم لو أتم أعمال العمرة وأحرم بالحج وأتى بأعماله مع الوقوف أجزأه الحج وعليه دم كما سبق
ولو أتم أعمال الحج ثم أحرم بعمرة وأتى بأعمالها أجزأته العمرة

فرع لو تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف للحج طواف الإفاضة ثم
أنه كان محدثا في طواف العمرة لم يصح طوافه ذلك ولا سعيه بعده وبان أن حلقه وقع في غير وقته ويصير بإحرامه بالحج مدخلا الحج على العمرة قبل الطواف فيصير قارنا ويجزئه طوافه وسعيه في الحج عن الحج وعليه دمان دم القران ودم الحلق
وإن بان أنه كان محدثا في طواف الحج توضأ وأعاد الطواف والسعي وليس عليه إلا دم التمتع إذا استجمعت شروطه
فلو شك في أي الطوافين كان حدثه فعليه إعادة الطواف والسعي
فإذا أعادهما صح حجه وعمرته وعليه دم لأنه قارن أو متمتع وينوي بإراقته الواجب عليه ولا تعين الجهة
وكذا لو لم يجد الدم فصام
والاحتياط أن يريق دما آخر لاحتمال أنه حالق قبل الوقت
فلو لم يحلق في العمرة وقلنا الحلق استباحة محظور فلا حاجة إليه
وكذا لا يلزمه عند تبين الحدث في طواف العمرة إلا دم واحد
ولو كانت المسألة بحالها لكن جامع بعد العمرة ثم أحرم بالحج فهذه المسألة تفرع على أصلين
أحدهما جماع الناسي هل يفسد النسك ويجب الفدية كالعمد فيه قولان
الثاني إذا أفسد العمرة بجماع ثم أدخل الحج عليها هل يدخل ويصير محرما بالحج وجهان
أصحهما عند الأكثرين يصير محرما بالحج وبه قال ابن سريج والشيخ أبو زيد
فعلى هذا هل يكون الحج صحيحا مجزءا وجهان
أحدهما نعم لأن المفسد متقدم
وأصحهما لا
فعلى هذا هل ينعقد فاسدا أو صحيحا ثم يفسد وجهان
أحدهما ينعقد صحيحا ثم يفسد

كما لو أحرم مجامعا
وأصحهما ينعقد فاسدا
ولو انعقد صحيحا لم يفسد إذ لم يوجد بعد انعقاده مفسد
فإن قلنا ينعقد فاسدا أو صحيحا ثم يفسد مضى في النسكين وقضاهما
وإن قلنا ينعقد صحيحا ولا يفسد قضى العمرة دون الحج
وعلى الأوجه الثلاثة يلزمه دم القران ولا يجب للإفساد إلا بدنة واحدة كذا قاله الشيخ أبو علي
وحكى الإمام وجهين آخرين إذا حكمنا بانعقاد حجه فاسدا
أحدهما يلزمه بدنة أخرى لفساد الحج
والثاني يلزمه البدنة للعمرة وشاة للحج كما لو جامع ثم جامع
إذا عرفت هذين الأصلين فانظر إن كان الحدث في طواف العمرة فالطواف والسعي فاسدان والجماع واقع قبل التحلل لكن لا يعلم كونه قبل التحلل فهل يكون كالناسي فيه طريقان
أحدهما نعم وبه قطع الشيخ أبو علي
والثاني لا
فإن لم تفسد العمرة به صار قارنا وعليه دم للقران ودم للحلق قبل وقته إن كان حلق كما سبق
وإن أفسدنا العمرة فعليه للإفساد بدنة وللحلق شاة
وإذا أحرم بالحج فقد أدخله على عمرة فاسدة فإن لم يدخل فهو في عمرته كما كان فيتحلل منها ويقضيها
وإن دخل وقلنا بفساد الحج فعليه بدنة للإفساد ودم للحلق قبل وقته ودم للقران ويمضي في فاسدهما ثم يقضيهما
وإن قال كان الحدث قبل طواف الحج فعليه إعادة الطواف والسعي وقد صح نسكاه وليس عليه إلا دم التمتع
وإن قال لا أدري في أي الطوافين كان أخذ في كل حكم باليقين فلا يتحلل ما لم يعد الطواف والسعي لاحتمال أن حدثه كان في طواف الحج ولا يخرج عن عهدة الحج والعمرة إن كانا واجبين عليه لاحتمال كونه محدثا

في طواف العمرة وتأثير الجماع في إفساد النسكين على المذهب فلا تبرأ ذمته بالشك
وإن كان متطوعا فلا قضاء لاحتمال أن لا فساد وعليه دم إما للتمتع إن كان الحدث في طواف الحج
وإما للحلق إن كان في طواف العمرة
ولا تلزمه البدنة لاحتمال أنه لم يفسد العمرة لكن الاحتياط ذبح بدنة وشاة إذا جوزنا إدخال الحج على العمرة الفاسدة لاحتمال أنه صار قارنا بذلك
هذا آخر المقدمة
فإذا تعذرت معرفة إحرام زيد فطريقان
أحدهما يكون عمرو كمن نسي ما أحرم به
وفيه القولان القديم والجديد
والطريق الثاني وهو المذهب وبه قال الأكثرون لا يتحرى بحال بل ينو القران
وحكوه عن نصه في القديم
والفرق أن الشك في مسألة النسيان وقع في فعله فله سبيل إلى التحري بخلاف إحرام زيد

فرع هذا الذي ذكرناه من الأحوال الثلاثة لزيد هو فيما إذا أحرم
عمرو في الحال بإحرام كإحرام زيد
أما لو علق إحرامه فقال إذا أحرم زيد فأنا محرم فلا يصح إحرامه كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فأنا محرم
هكذا نقله صاحب التهذيب وغيره
ونقل في المعتمد في صحة الإحرام المعلق بطلوع الشمس ونحوه وجهين
وقياس تجويز تعليق أصل الإحرام بإحرام الغير تجويز هذا لأن التعليق موجود في الحالين إلا أن هذا تعليق بمستقبل وذلك تعليق بحاضر وما يقبل التعليق من العقود يقبلهما جميعا

قلت قال الروياني لو قال أحرمت كإحرام زيد وعمرو فإن كانا محرمين بنسك متفق كان كأحدهما
وإن كان أحدهما بعمرة والآخر بحج كان هذا المعلق قارنا وكذا إن كان أحدهما قارنا
قال ولو قال كإحرام زيد الكافر وكان الكافر قد أتى بصورة إحرام فهل ينعقد له ما أحر به الكافر أم ينعقد مطلقا وجهان وهذا ضعيف أو غلط بل الصواب انعقاده مطلقا
قال الروياني قال أصحابنا لو قال أحرمت يوما أو يومين انعقد مطلقا كالطلاق
ولو قال أحرمت بنصف نسك انعقد بنسك كالطلاق
وفيما نقله نظر
والله أعلم

فصل في سنن الإحرام
من سننه الغسل إذا أراده
يستوي في استحبابه الرجل والصبي والحائض والنفساء
ولو أمكن الحائض المقام بالميقات حتى تطهر فالأفضل أن تؤخر الإحرام حتى تطهر فتغتسل ليقع إحرامها في أكمل أحوالها
وحكي قول أن الحائض والنفساء لا يسن لهما الغسل وهو شاذ ضعيف
وإذا اغتسلتا نوتا
ولإمام الحرمين في نيتهما احتمال
فإن عجز المحرم عن الماء تيمم نص عليه في الأم
وذكرنا في غسل الجمعة احتمالا للإمام أنه لا تيمم وذاك عائد هنا
وإذا وجد ماء لا يكفيه للغسل توضأ قاله في التهذيب
قلت هذا الذي قاله في التهذيب قاله أيضا المحاملي
فإن أراد أنه يتوضأ ثم يتيمم فحسن
وإن أراد الاقتصار على الوضوء فليس بجيد لأن المطلوب هو الغسل فالتيمم يقوم مقامه دون الوضوء
والله أعلم

ويسن الغسل للحاج في مواطن
أحدها عند الإحرام
والثاني لدخول مكة
والثالث للوقوف بعرفة
والرابع للوقوف بمزدلفة بعد الصبح يوم النحر
والخامس والسادس والسابع ثلاثة أغسال لرمي جمار أيام التشريق
وهذه الأغسال نص عليها الشافعي رحمة الله عليه قديما وجديدا
ويستوي في استحبابها الرجل والمرأة
وحكم الحائض ومن لم يجد ماء كما سبق في غسل الإحرام
وزاد في القديم ثلاثة أغسال لطواف الإفاضة والوداع وللحلق ولم يستحبه لرمي جمرة العقبة اكتفاء بغسل العيد ولأن وقته متسع بخلاف رمي أيام التشريق
قلت قال الشافعي رحمه الله في الأم أكره ترك الغسل للإحرام
وهذا الذي ذكره في الغسل الرابع أنه للوقوف بمزدلفة هو الذي ذكره الجمهور وكذا نص عليه في الأم
وجعل المحاملي في كتبه وسليم الرازي والشيخ نصر المقدسي الغسل الرابع للمبيت بالمزدلفة ولم يذكروا غسل الوقوف بها
والله أعلم

فرع يستحب أن يتأهب للإحرام بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وقلم الأظفار وغسل الرأس

فرع يستحب أن يتطيب للإحرام

وسواء الطيب الذي يبقى له أثر وجرم بعد الإحرام والذي لا يبقى وسواء الرجل والمرأة هذا هو المذهب
وحكي

وجه أن التطيب مباح ليس بمستحب
وقول أنه لا يستحب للنساء بحال
ووجه أنه يحرم عليهن التطيب بما تبقي عينه
ثم إذا تطيب فله إستدامته بعد الإحرام بخلاف المرأة إذا تطيبت ثم لزمتها عدة تلزمها إزالة الطيب في وجه لأن العدة حق آدمي فالمضايقة فيه أكثر
ولو أخذ الطيب من موضعه بعد الإحرام ورده إليه أو إلى موضع آخر لزمه الفدية على المذهب
وقيل قولان
ولو انتقل من موضع إلى موضع آخر بالعرق فالأصح أنه لا شىء عليه
والثاني عليه الفدية إن تركه
هذا كله في تطييب البدن
وفي تطييب إزار الإحرام وردائه وجهان
وقيل قولان
أصحهما الجواز كالبدن
والثاني التحريم لأنه يلبس مرة بعد أخرى
ووجه ثالث إن بقي عينه بعد الإحرام لم يجز وإلا جاز
وهذا الخلاف فيمن قصد تطييب الثوب
أما من طيب بدنه فتعطر ثوبه تبعا فلا بأس بلا خلاف
فإن جوزنا تطييب الثوب للإحرام فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإحرام كالبدن
فلو نزعه ثم لبسه لزمه الفدية على الأصح كما لو أخذ الطيب من بدنه ثم رده إليه أو ابتدأ لبس ثوب مطيب

فرع يستحب للمرأة أن تخضب يديها إلى الكوعين بالحناء قبل الإحرام وتمسح
ولا فرق في استحباب الخضاب للمحرمة بين المزوجة وغيرها
وأما في غير الإحرام فيستحب للمزوجة الخضاب ويكره لغيرها
وحيث استحببناه فإنما يستحب تعميم اليد دون النقش والتسويد والتطريف وهو خضب أطراف الأصابع
ويكره لها الخضاب بعد الإحرام

قلت سواء في استحباب الخضاب العجوز والشابة
ولا تختضب الخنثى كما لا يختضب الرجل
والله أعلم

فرع فإذا أراد الإحرام نزع المخيط ولبس إزارا ورداء ونعلين

ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين جديدين وإلا فمغسولين ويكره المصبوغ
فرع يستحب أن يصلي قبل الإحرام ركعتين

فإن أحرم في وقت فريضة فصلاها أغنته عن ركعتي الإحرام
وإن كان في وقت الكراهة لم يصلهما على الأصح
قلت والمستحب أن يقرأ فيهما { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد }
قال أصحابنا فإن كان في الميقات مسجد استحب أن يصليهما فيه
والله أعلم
فرع فإذا صلى نوى ولبى

وفي الأفضل قولان
أظهرهما أن ينوي ويلبي حين تنبعث به دابته إلى صوب مكة إن كان راكبا أو حين يجوجه إلى الطريق إن كان ماشيا
والثاني أن ينوي ويلبي ذقب الصلاة وهو قاعد ثم يسير

قلت وعلى القولين يستحب أن يستقبل القبلة عند الإحرام
والله أعلم

فرع السنة أن يكثر من التلبية في دوام الإحرام

وتستحب قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وجنبا وحائضا
ويتأكد استحبابها في كل صعود وهبوط وحدوث أمر من ركوب أو نزول أو اجتماع رفاق أو فراغ من صلاة وعند إقبال الليل والنهار ووقت السحر
وتستحب التلبية في المسجد الحرام ومسجد الخيف بمنى ومسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعرفة فإنها مواضع نسك
وفي سائر المساجد قولان
الجديد يلبي
والقديم لا يلبي لئلا يشوش على المصلين والمتعبدين
ثم قال الجمهور القولان في أصل التلبية فإن استجبناهما استحببنا رفع الصوت بها وإلا فلا
وجعلهما إمام الحرمين في استحباب رفع الصوت ثم قال إن لم تستحب رفعه في سائر المساجد ففي الرفع في المساجد الثلاثة وجهان
وهل تستحب التلبية في طواف القدوم والسعي بعده قولان
الجديد لا لأن لهما أذكارا
والقديم يستحب
ولا يجهر بها ولا يلبي في طوافي الإفاضة والوداع بلا خلاف لخروج وقت التلبية
ويستحب للرجل رفع صوته بالتلبية بحيث لا يضر بنفسه ولا تجهر بها المرأة بل تقتصر على إسماع نفسها
قال الروياني فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على الصحيح
قلت لكن يكره نص عليه الدارمي
ويستحب أن يكون صوت الرجل في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التلبية دون صوته بها
والله أعلم
ويستحب للملبي أن لا يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكررها

وهي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك
ويجوز كسر همزة إن وفتحها
قلت الكسر أصح وأشهر
والله أعلم
فإن زاد على هذه التلبية لم يكره
ويستحب إذا رأى شيئا يعجبه أن يقل لبيك إن العيش عيش الآخرة
ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار ثم يدعو بما أحب ولا يتكلم في أثناء تلبيته بأمر أو نهي أو غيرهما لكن لو سلم عليه رد نص عليه
قلت ويكره التسليم عليه في حال التلبية
والله أعلم
ومن لا يحسن التلبية بالعربية يلبي بلسانه

باب دخول مكة
زادها الله شرفا وما يتعلق به السنة أن يدخل المحرم بالحج مكة قبل الوقوف بعرفة
ولدخوله سنن
منها الغسل بذي طوى وأن يدخل من ثنية كداء بفتح الكاف والمد وهي بأعلى مكة
وإذا خرج خرج من ثنية كدى بضم الكاف بأسفل

مكة
والذي يشعر به كلام الأكثرين أنها بالمد أيضا
ويدل عليه أنهم كتبوها بالألف ومنهم من قالها بالياء
قلت الصواب الذي أطبق عليه المحققون من أهل الضبط أن الثنية السفلى بالقصر وتنوين الدال ولا اعتداد بشياع خلافه عند غيرهم
وأما كتابته بالألف فليست ملازمة للمد
والثنية الطريق الضيق بين جبلين وهذه الثنية عند جبل قعيقعان
والله أعلم
قال الأصحاب وهذه السنة في حق من جاء من طريق المدينة والشام
فأما الآتي من غيرها فلا يؤمر أن يدور حول مكة ليدخل من ثنية كداء وكذا الغسل بذي طوى
قالوا وإنما دخل النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الثنية اتفاقا لا قصدا
ومقتضى هذا أن لا يتعلق نسك بالدخول منها للآتي من جهة المدينة
وكذا قاله الصيدلاني وقال الشيخ أبو محمد ليست الثنية على طريق المدينة بل عدل إليها النبي صلى الله عليه وسلم
قال فيستحب الدخول منها لكل آت
ووافق إمام الحرمين الجمهور وسلم للشيخ بأن موضع الثنية على ما ذكره
قلت الصحيح أن يستحب الدخول من الثنية لكل آت من أي جهة
والله أعلم

فرع هل الأفضل دخول مكة ماشيا أم راكبا وجهان

فإن دخل ماشيا فقيل الأولى أن يكون حافيا
قلت الأصح ماشيا أفضل وله دخول مكة ليلا ونهارا بلا كراهة فقد ثبتت السنة فيهما
والأصح أن النهار أفضل وبه قال أبو إسحق واختاره

صاحب التهذيب وغيره
وقال القاضي أبو الطيب وغيره هما سواء في الفضيلة
والله أعلم

فرع يستحب إذا وقع بصره على البيت أن يرفع يديه ويقول اللهم
هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا
ويضيف إليه اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام
ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا وأهمها سؤال المغفرة
واعلم أن بناء البيت رفيع يرى قبل دخول المسجد في موضع يقال له رأس الردم إذا دخل من أعلى مكة
وحينئذ يقف ويدعو بما ذكرنا
فإذا فرغ من الدعاء قصد المسجد ودخله من باب بني شيبة وهذا مستحب لكل قادم بلا خلاف
ويبتدىء عند دخوله بطواف القدوم ويؤخر اكتراء منزله وتغيير ثيابه إلى أن يفرع طوافه
فلو دخل والناس في مكتوبة صلاها معهم أولا
وكذا لو أقيمت الجماعة وهو في أثناء الطواف قدم الصلاة وكذا لو خاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة
ولو قدمت المرأة نهارا وهي جميلة أو شريفة لا تبرز للرجال أخرت الطواف إلى الليل وليس في حق من دخل مكة بعد الوقوف طواف قدوم إنما هو لمن دخلها أولا
ويسمى طواف القدوم أيضا طواف الورود وطواف التحية لأنه التحية البقعة
ويأتي به كل من دخلها سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما
ولو كان معتمرا فطاف للعمرة أجزأه عن طواف القدوم كما تجزىء الفريضة عن تحية المسجد

فصل من قصد مكة لا لنسك
له حالان
أحدهما أن لا يكون ممن يتكرر دخوله بأن دخلها لزيارة أو تجارة أو رسالة وكالمكي إذا دخلها عائدا من سفره هل يلزمه أن يحرم بالحج أو العمرة فيه طريقان
أصحهما على قولين
أحدهما يلزمه وهو الأظهر عند المسعودي وصاحب التهذيب وغيرهما في آخرين واختاره صاحب التلخيص
والثاني يستحب وهو الأظهر عند الشيخ أبي حامد ومتابعيه والشيخ أبي محمد والغزالي
والطريق الثاني القطع بالاستحباب
قلت الأصح في الجملة استحبابه وقد صححه الرافعي في المحرر
والله أعلم
الحال الثاني أن يكون ممن يتكرر دخوله كالحطابين والصيادين ونحوهم فإن قلنا في الحال الأول لا يلزمه فهنا أولى وإلا فالمذهب أنه لا يلزمه أيضا
وقيل قولان
وفي وجه ضعيف يلزمهم الإحرام كل سنة مرة
وحيث قلنا بالوجوب فله شروط
أحدها أن يجيء الداخل من خارج الحرم فأما أهل الحرم فلا إحرام عليهم بلا خلاف
الثاني أن لا يدخلها لقتال ولا خائفا
فإن دخلها لقتال باغ أو قاطع طريق أو غيرهما أو خائفا من ظالم أو غريم يحبسه وهو معسر لا يمكنه الظهور لأداء النسك لم يلزمه الإحرام بلا خلاف
الثالث أن يكون حرا
فالعبد لا إحرام عليه
وقيل إن أذن سيده

في الدخول محرما فهو كحر والمذهب الأول
وإذا اجتمعت شرائط الوجوب فدخل غير محرم فطريقان
أصحهما وبه قطع الأكثرون لا قضاء عليه
والثاني على وجهين
وقيل قولين
أحدهما هذا
والثاني يلزمه القضاء تداركا للواجب
وسبيله على هذا أن يخرج ثم يعود محرما
وعللوا عدم القضاء بعلتين
إحداهما أنه لا يمكن القضاء لأن الدخول الثاني يقتضي إحراما آخر فصار كمن نذر صوم الدهر فأفطر يوما
وفرع صاحب التلخيص على هذه العلة أنه لو لم يكن ممن يتكرر دخوله كالحطابين ثم صار منهم قضى لتمكنه
وربما نقل عنه أنه يوجب عليه أن يجعل نفسه منهم
والعلة الثانية وهي الصحيحة وبها قال العراقيون والقفال أنه تحية للبقعة فلا تقضى كتحية المسجد
وأبطلوا العلة الأولى
قال ابن كج تفريعا على قول الوجوب إنه إذا انتهى إلى الميقات على قصد دخول مكة لزمه أن يحرم من الميقات
فلو أحرم بعد مجاوزته فعليه دم بخلاف ما لو ترك الإحرام من أصله
وهل ينزل دخول الحرم منزلة دخول مكة فيما ذكرناه قال بعض الشارحين نعم والمراد بمكة في هذا الحرم
ولا يبعد تخريجه على خلاف سبق في نظائره
قلت الصواب القطع بأن الحرم كمكة في هذا
وقد اتفق الأصحاب عليه وصرح به خلائق منهم صاحب الحاوي والمحاملي في المقنع وغيره والجرجاني في التحرير والشاشي في المستظهري والروياني في الحلية وغيرهم
وعجب قول الرافعي قال بعض الشارحين مع شهرة هذه الكتب
والله أعلم

فصل في أحكام الطواف
للطواف بأنواعه وظائف واجبة وأخرى مسنونة
فالواجب ثمانية مختلف في بعضها
الأول الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة كما في الصلاة
فلو طاف محدثا أو عاريا أو على بدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسة
ولم أر للأئمة تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل ماشيا أو راكبا وهو تشبيه لا بأس به
ولو أحدث في أثناء طوافه عمدا لزمه الوضوء
وهل يبني على ما مضى من طوافه أم يستأنف قولان
وقيل وجهان
أظهرهما له البناء
والثاني يجب الاستئناف
فلو سبقه الحدث فإن قلنا يبني العامد فهذا أولى وإلا فقولان أو وجهان
الأصح البناء
هذا كله إذا لم يطل الفصل
فإن طال فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وحيث لا نوجب الاستئناف نستحبه
الواجب الثاني الترتيب وهو أن يبتدىء من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه ويمر تلقاء وجهه والبيت على يساره
فلو جعل البيت على يمينه ومر من الحجر الأسود إلى الركن اليماني لم يصح طوافه
فلو لم يجعله على يمينه ولا على يساره بل استقبله بوجهه معترضا أو جعل البيت على يمينه ومشى قهقرى نحو الباب فوجهان
أصحهما لا يصح وهو الموافق لعبارة الأكثرين
والقياس جريان هذا الخلاف فيما لو مر معترضا مستدبرا

قلت الصواب القطع بأنه لا يصح الطواف في هذا الصورة فإنه منابذ لما ورد الشرع به
والله أعلم
ولو ابتدأ من غير الحجر الأسود لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود فيكون منه ابتداء الطواف
وينبغي أن يمر في الابتداء بجميع بدنه على جميع الحجر الأسود فلا يقدم جزءا من بدنه على جزء من الحجر الأسود
فلو حاذاه ببعض بدنه وكان بعضه مجاوزا إلى جانب الباب فقولان
الجديد أنه لا يعتد بتلك الطوفة
والقديم يعتد بها
وجعل إمام الحرمين والغزالي هذا الخلاف وجهين وليس كما قالا بل هما قولان منصوصان حكاهما الأصحاب
ولو حاذى بجميع البدن بعض الحجر دون بعضه أجزأه ذكره أصحابنا العراقيون
كما يجزئه أن يستقبل في الصلاة بجميع بدنه بعض الكعبة
الواجب الثالث أن يكون خارجا بجميع بدنه عن جميع البيت
فلو مشى على الشاذروان لم يصح طوافه فإنه جزء من البيت
وينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر وهو المحوط بين الركنين الشاميين بجدار قصير بينه وبين كل واحد من الركنين فتحة
وكلام كثير من الأصحاب يقتضي كون جميعه من البيت وهو ظاهر نصه في المختصر
لكن الصحيح أنه ليس كذلك بل الذي هو من البيت قدر ست أذرع تتصل بالبيت
وقيل ست أذرع أو سبع
ولفظ المختصر محمول على هذا
فلو دخل إحدى الفتحتين وخرج من الأخرى لم يحسب له ذلك ولا ما بعده حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها بلا خلاف
ولو لم يدخل الفتحة وخلف القدر الذي من البيت ثم اقتحم الجدار وقطع الحجر على السمت صح طوافه
قلت الأصح أنه لا يصح الطواف في شىء من الحجر وهو ظاهر المنصوص

وبه قطع معظم الأصحاب تصريحا وتلويحا
ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر
والله أعلم
ولو كان يطوف ويمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو غيره من أجزاء البيت ففي صحة طوافه وجهان
الصحيح باتفاق فرق الأصحاب أنه لا يصح لأن بعض بدنه في البيت فهو كما لو كان يضع إحدى رجليه أحيانا على الشاذروان ويقفز بالأخرى
الواجب الرابع أن يقع الطواف في المسجد الحرام ولا بأس بالحائل فيه بين الطائف والبيت كالسقاية والسواري
ويجوز في أخريات المسجد وأروقته وعند باب المسجد من داخله ويجوز على سطوحه إذا كان البيت أرفع بناء كما هو اليوم
فإن جعل سقف المسجد أعلى فقد ذكر في العدة أنه لا يجوز الطواف على سطحه
ولو صح قوله لزم أن يقال لو انهدمت الكعبة والعياذ بالله لم يصح الطواف حول عرصتها وهو بعيد

فرع لو وسع المسجد اتسع المطاف وقد جعلته العباسية أوسع مما كان
في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت أول من وسع المسجد الحرام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترى دورا وزادها فيه واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة
وكان عمر أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام ثم وسعه عثمان بن عفإن رضي الله عنه كذلك واتخذ له الأروقة وكان أول من اتخذها ثم وسعه

عبد الله بن الزبير في خلافته ثم وسعه الوليد بن عبد الملك ثم المنصور ثم المهدي
وعليه استقر بناؤه إلى وقتنا هذا
والله أعلم
الواجب الخامس العدد
وهو أن يطوف سبعا
الواجب السادس مختلف فيه
وهو أنه إذا فرغ من الطواف صلى ركعتين
وهل هما واجبتان أم سنة قولان
أظهرهما سنة هذا إذا كان الطواف فرضا
فإن كان سنة فطريقان
أحدهما طرد القولين
والثاني القطع بأن الصلاة سنة
وقيل تجب الصلاة في الطواف المفروض قطعا
ويستحب أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة { قل يا أيها الكافرون } وفي الثانية { قل هو الله أحد } وأن يصليها خلف المقام
فإن لم يفعل ففي الحجر وإلا ففي المسجد وإلا ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره
ويجهر فيهما بالقراءة ليلا ويسر نهارا
وإذا قلنا هما سنة فصلى فريضة بعد الطواف أجزأه عنها كتحية المسجد نص عليه في القديم وحكاه الإمام عن الصيدلاني لكنه استبعده
وتمتاز هذه الصلاة عن غيرها بجريان النيابة فيها إذ الأجير يؤديها عن المستأجر
قلت اختلف أصحابنا في صلاة الأجير هذه فقيل تقع عنه
وقيل تقع عن المستأجر وهو الأشهر
والله أعلم

فرع ركعتا الطواف وإن أوجبناهما فليستا بشرط في صحته ولا ركنا منه
بل يصح بدونهما
وفي تعليل جماعة من الأصحاب ما يقتضي اشتراطهما

قلت الصواب أنهما ليستا شرطا ولا ركنا
والله أعلم
ولا تفوت هذه الصلاة ما دام حيا ولا يجبر تأخيرها ولا تركها بدم لكن حكى صاحب التتمة عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه إذا أخر تستحب له إراقة دم
وقال الإمام لو مات قبل الصلاة لم يمتنع جبرها بالدم
قلت وإذا أراد أن يطوف طوافين أو أكثر استحب أن يصلي عقيب كل طواف ركعتيه
فلو طاف طوافين أو أكثر بلا صلاة ثم صلى لكل طواف ركعتيه جاز
والله أعلم
الواجب السابع مختلف فيه وهو النية
وفي وجوبها في الطواف وجهان
أصحهما لا تجب لأن نية الحج تشمله
وهل يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه وجهان
أصحهما نعم
ولو نام في الطواف أو بعضه على هيأة لا ينتقض الوضوء
قال الإمام هذا يقرب من صرف الطواف إلى طلب الغريم
ثم قال ويجوز أن يقطع بوقوعه موقعه
قلت الأصح صحة طوافه
والله أعلم

فرع لو حمل رجل محرما من صبي أو مريض أو غيرهما وطاف
الحامل حلالا أو قد طاف عن نفسه حسب الطواف للمحمول بشرطه وإلا فإن قصد الطواف عن المحمول فثلاثة أوجه
أصحها يقع للمحمول فقط تخريجا على قولنا يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر
والثاني يقع

عن الحامل فقط تخريجا على قولنا لا يشترط ذلك فإن الطواف حينئذ يكون محسوبا له فلا ينصرف عنه بخلاف ما إذا حمل محرمين وطاف بهما وهو حلال أو محرم قد طاف فإنه يجزئهما جميعا لأن الطواف غير محسوب للحامل فيكون المحمولان كراكبي دابة
والثالث يقع عنهما جميعا
ولو قصد الطواف عن نفسه وقع عنه ولا يحسب عن المحمول قاله الإمام وحكى اتفاق الأصحاب عليه
قال وكذا لو قصد الطواف لنفسه وللمحمول
وحكى صاحب التهذيب وجهين في حصوله للمحمول مع الحامل
ولو لم يقصد شيئا من الأقسام الثلاثة فهو كما لو قصد نفسه أو كليهما
وسواء في الصبي المحمول حمله وليه الذي أحرم عنه أو غيره
قلت لو طاف المحرم بالحج معتقدا أنه محرم بعمرة أجزأه عن الحج كما لو طاف عن غيره وعليه طواف ذكره الروياني
والله أعلم
الواجب الثامن مختلف فيه وهو الموالاة بين الطوفات السبع وفيها قولان
أظهرهما أنها سنة فلا تبطل بالتفريق الكثير
والثاني واجبة فتبطل بالتفريق الكثير بلا عذر
فإن فرق يسيرا أو كثيرا بعذر فهو كما قلنا في الوضوء
قال الإمام والكثير ما يغلب على الطن تركه الطواف
ولو أقيمت المكتوبة وهو في أثناء الطواف فالتفريق بها تفريق بعذر
وقطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة أو الرواتب مكروه إذ لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية
أما سنن الطواف فخمس
الأولى أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه أو كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتي
ولو طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهة كذا قاله الأصحاب
قال الإمام وفي القلب من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شىء
فإن أمكن الاستيثاق فذاك وإلا فإدخالها مكروه

الثانية أن يستلم الحجر الأسود بيده في ابتداء الطواف ويقبله ويضع جبهته عليه
فإن منعته الزحمة من التقبيل اقتصر على الاستلام
فإن لم يمكن اقتصر على الإشارة باليد ولا يشترط بالفم إلا التقبيل
ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما
ويستلم الركن اليماني ولا يقبله
ويستحب أن يقبل اليد بعد استلام اليماني وبعد استلام الحجر الأسود إذا اقتصر على استلامه للزحمة
وذكر إمام الحرمين أنه مخير بين أن يستلم ثم يقبل اليد وبين أن يقبل اليد ثم يستلم
والمذهب القطع بتقديم الاستلام ثم تقبيلها وبهذا قطع الجمهور
ولو لم يستلم بيده فوضع عليه خشبة ثم قبل طرفها جاز
قلت الاستلام بالخشبة ونحوها مستحب إذا لم يتمكن من الاستلام باليد
والله أعلم
ويستحب تقبيل الحجر واستلامه واستلام اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة وهو في الأوتار آكد لأنها أفضل
قلت ولا يستحب للنساء استلام ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف في الليل أو غيره
والله أعلم
الثالثة الدعاء فيستحب أن يقول في ابتداء الطواف بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
ويقول بين الركنين اليمانيين اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
ويدعو في جميع طوافه بما شاء
وقراءة القرآن في الطواف أفضل من الدعاء غير المأثور
وأما المأثور فهو أفضل منها على الصحيح
وعلى الثاني أنها أفضل منه

الرابعة الرمل بفتح الميم والراء وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو
ويقال له الخبب
وغلط الأئمة من ظن أنه دون الخبب
ويسن الرمل في الطوفات الثلاث الأول
ويسن المشي على الهينة في الأربعة الأخيرة
ثم هل يستوعب البيت بالرمل قولان
المشهور يستوعب
والثاني لا يرمل بين الركنين اليمانيين
ولا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف بل فيما يسن فيه قولان
أظهرهما عند الأكثرين إنما يسن في طواف يستعقب السعي
والثاني يسن في طواف القدوم
فعلى القولين لا رمل في طواف الوداع
ويرمل من قدم مكة معتمرا لوقوع طوافه مجزئا عن القدوم واستعقابه السعي
ويرمل أيضا الحاج الأفقي إن لم يدخل مكة إلا بعد الوقوف وإن دخلها قبل الوقوف فهل يرمل في طواف القدوم ينظر إن كان لا يسعى عقبه فعلى القول الثاني يرمل
وعلى الأول لا يرمل وإنما يرمل في طواف الإفاضة
وإن كان يسعى عقبه يرمل فيه على القولين
وإذا رمل فيه وسعى بعده فلا يرمل في طواف الإفاضة إن لم يرد السعي عقبه وكذا إن أراده على الأظهر
وإذا طاف للقدوم وسعى بعده ولم يرمل فهل يقضيه في طواف الإفاضة وجهان
ويقال قولان
أصحهما لا
ولو طاف ورمل ولم يسع قال الأكثرون يرمل في طواف الإفاضة هنا لبقاء السعي والظاهر أنهم فرعوا على القول الأول وإلا فالقول الثاني لا يعتبر السعي
وهل يرمل المكي المنشىء حجه من مكة إن قلنا بالقول الثاني فلا إذ لا قدوم في حقه وإلا فنعم لاستعقابه السعي

فرع لو ترك الرمل في الطوفات الثلاث لم يقضه في الأربع
لأن هيأتها السكينة فلا يغير
فرع القرب من البيت مستحب للطائف ولا ينظر إلى كثرة الخطى لو

فلو تعذر الرمل مع القرب للزحمة فإن كان يرجو فرجة وقف ليرمل فيها وإلا فالمحافظة على الرمل مع البعد عن البيت أفضل لأن القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة والمتعلق بنفس العبادة أولى بالمحافظة
ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت أفضل من الانفراد في المسجد
ولو كان في حاشية المطاف نساء ولم يأمن ملامستهن لو تباعد فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل حذرا من انتقاض الطهارة وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف الملامسة فترك الرمل في هذه الحالة أولى
ومتى تعذر الرمل استحب أن يتحرك في مشيه ويرى من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل
وإن طاف راكبا أو محمولا قولان
أظهرهما يرمل به الحامل ويحرك الدابة
وقيل القولان في المحمول البالغ
ويرمل حامل الصبي قطعا
فرع ليكن من دعائه في الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا
وسعيا مشكورا

الخامسة الاضطباع
وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر ويبقي منكبه الأيمن مكشوفا
وكل طواف سن فيه الرمل سن فيه الاضطباع وما لا فلا
لكن الرمل مخصوص بالطوفات الثلاث الأول والاضطباع يعم جميعها
ويسن أيضا في السعي بين الصفا والمروة على المذهب الذي قطع به الجمهور
وحكي وجه أنه لا يسن فيه
ولا يسن في ركعتي الطواف على الأصح لكراهة الاضطباع في الصلاة
فعلى هذا إذا فرغ من الطواف أزال الاضطباع ثم صلى الركعتين ثم أعاد الاضطباع وخرج للسعي

فرع لا ترمل المرأة و لا تضطبع

وأما الصبي فيضطبع على الصحيح
قلت ومتى كان عليه طواف الإفاضة فنوى غيره عن غيره أو عن نفسه تطوعا أو قدوما أو وداعا وقع عن طواف الإفاضة كما في واجب الحج والعمرة
ولو نذر أن يطوف فطاف عن غيره قال الروياني إن كان زمن النذر معينا لم يجز أن يطوف فيه عن غيره
وإن طاف في غيره أو كان زمانه غير معين فهل يصح أن يطوف عن غيره والنذر في ذمته وجهان
أصحهما لا يجوز كالإفاضة
والله أعلم
فصل في السعي
إذا فرغ من ركعتي الطواف استحب أن يعود إلى الأسود ويستلمه

9 ثم يخرج من باب الصفا ليسعى بين الصفا والمروة فيبدأ بالصفا ويرقى على الصفا بقدر قامة رجل حتى يتراءى البيت ويقع بصره عليه فإذا رقي عليه استقبل البيت وهلل وكبر وقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شىء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
ثم يدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا ثم يعيد هذا الذكر والدعاء ثانيا ثم يعيد الذكر ثالثا ولا يدعو
قلت ولنا وجه أنه يدعو بعد الثالثة وبه قطع الروياني وصاحب التنبيه والماوردي وغيرهم وهو الصحيح
وقد صح ذلك في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم
ثم ينزل من الصفا ويمشي إلى المروة ويرقى عليها بقدر قامة رجل ويأتي بالذكر والدعاء كما فعل على الصفا
ثم المستحب في قطع هذه المسافة أن يمشي من الصفا على عادته حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره قدر ست أذرع ثم يسعى سعيا شديدا حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين
أحدهما في ركن المسجد
والآخر متصل بدار العباس رضي الله عنه
ثم يمشي على عادته حتى يصعد المروة
وإذا عاد من المروة إلى الصفا مشى في موضع مشيه وسعى في موضع رعيه أولا
ويستحب أن يقول في سعيه رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم

فرع الرقي على الصفا والمروة سنة والواجب هو السعي بينهما ويحصل
رقي بأن يلصق العقب بأصل ما يذهب منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه من الصفا والمروة
وفيه وجه ضعيف أنه يجب الرفي عليهما بقدر قامة رجل
وأما الذكر والدعاء والإسراع في السعي وعدم الإسراع فسنة
والموالاة في مرات السعي سنة وكذا الموالاة بين الطواف والسعي سنة فلو تخلل بينهما فصل طويل لم يضر بشرط أن لا يتخلل ركن
فلو طاف للقدوم ثم وقف بعرفة لم يصح سعيه بعد الوقوف بل عليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة
وذكر في التتمة أنه إذا طال الفصل بين مرات السعي أو بين الطواف والسعي ففي صحة السعي قولان وإن لم يتخلل ركن والمذهب ما سبق
فرع في واجبات السعي وشروطه فيشترط وقوعه بعد طواف صحيح سواء طواف
القدوم والإفاضة
ولا يتصور وقوعه بعد طواف الوداع لأن طواف الوداع هو المأتي به بعد الفراغ وإذا بقي السعي لم يكن المأتي به طواف وداع
ولو سعى عقيب طواف القدوم لم تستحب إعادته بعد طواف الإفاضة بل قال الشيخ أبو محمد تكره إعادته
ويشترط الترتيب وهو أن يبدأ بالصفا
فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا

قلت ويشترط في المرة الثانية أن يبدأ بالمروة
فلو أنه لما وصل المروة ترك العود في طريقه وعدل إلى المسجد وابتدأ المرة الثانية من الصفا أيضا لم يصح أيضا على الصحيح
وفيه وجه شاذ في البحر وغيره
والله أعلم
ويجب أن يسعى بينهما سبعا ويحسب الذهاب بمرة والعود بأخرى
فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة
وقال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وابن الوكيل وأبو بكر الصيرفي يحسب الذهاب والعود مرة واحدة والصحيح ما قدمناه وعليه العمل ولا يشترط فيه الطهارة ولا ستر العورة ولا سائر شروط الصلاة
ويجوز السعي راكبا والأفضل ماشيا

فرع لو طاف أو سعى وشك في العدد أخذ بالأقل

ولو كان عنده أنه أتمهما فأخبره ثقة عن بقاء شىء لم يلزمه الإتيان به لكن يستحب
والسعي ركن لا يحبر بدم ولا يتحلل بدونه
قلت الأفضل أن يتحرى لسعيه زمن خلو المسعى
وإذا عجز عن السعي الشديد للزحمة فليتشبه بالساعي كما قلنا في الرمل
والله أعلم
والمرأة تمشي ولا تسعى
قلت وقيل إن سعت في الخلوة بالليل سعت كالرجل
والله أعلم

فصل في الوقوف
وما يتعلق به له مقدمة
فيستحب للإمام إذا لم يحصر بنفسه الحج أن ينصب أميرا على الحجيج فيطيعونه فيما ينوبهم
ويستحب للحجيج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف
فمن كان منهم مفردا أو قارنا أقام بعد طواف القدوم على إحرامه إلى أن يخرج إلى عرفة
ومن كان متمتعا طاف وسعى وحلق فيحل من عمرته ثم يهل بالحج من مكة على ما سبق في صورة التمتع وكذا يفعل المقيم بمكة
ويستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب بمكة في اليوم السابع من ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة واحدة يأمر الناس بالغدو فيها إلى منى ويخبرهم بما بين أيديهم من المناسك ويأمر المتمتعين أن يطوفوا للوداع قبل الخروج
ولو كان السابع يوم جمعة خطب لها وصلاها ثم خطب هذه الخطبة لأن السنة فيها التأخير عن الصلاة
ثم يخرج بهم في اليوم الثامن وهو يوم التروية إلى منى ويكون خروجهم بعد صلاة الصبح بحيث يصلون الظهر بمنى هذا هو المشهور
وفي قول يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون فإن كان يوم التروية يوم جمعة استحب أن يخرجوا قبل طلوع الفجر لأن السفر يوم الجمعة إلى حيث لا تصلى الجمعة حرام أو مكروه كما سبق وهم لا يصلون الجمعة بمنى
وكذا لو كان يوم عرفة يوم جمعة لا يصلونها لأن الجمعة شرطها دار الإقامة
قال الشافعي رضي الله عنه فإن بني بها قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس معهم
فإذا خرجوا إلى منى صلوا بها الصلوات مع الإمام وباتوا بها
وهذا المبيت سنة وليس بنسك مجبور بالدم
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة على ثبير ساروا إلى

عرفات
فإذا وصلوا نمرة ضربت بها قبة الإمام فإذا زالت الشمس ذهب الإمام والناس إلى مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيخطب فيه الإمام خطبتين يبين لهم في الأولى ما بين أيديهم من المناسك ويحرهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ويخفف هذه الخطبة لكن لا يبلغ تخفيفها تخفيف الثانية
وإذا فرغ منها جلس بقدر سورة ( الإخلاص ) ثم يقوم إلى الخطبة الثانية ويأخذ المؤذن في الأذان ويخفف الخطبة يحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الإقامة
وقيل مع فراغه من الأذان
قلت الأصح مع فراغه من الأذان وبه قطع الجمهور
والله أعلم
ثم ينزل فيصلي بالناس الظهر ثم يقيم المؤذن فيصلي بهم العصر جمعا
فإن كان الإمام مسافرا فالسنة له القصر ولا يقصر المكيون والمقيمون حولها
فإذا سلم الإمام قال أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر
وهل يختص الجمع بالمسافرين من الحجيج أم يجوز لغيرهم فيه كلام تقدم في صلاة المسافر
وأشار جماعة إلى أنه يخطب ويصلي بنمرة
وصرح الجمهور بأنه يخطب ويصلي بمسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم كما سبق

فرع في الحج أربع خطب مسنونة إحداها بمكة في اليوم السابع
والثانية يوم عرفة وقد ذكرناهما
والثالثة يوم النحر بمنى
والرابعة يوم النفر الأول بمنى
ويخبرهم في كل خطبة بما بين أيديهم من المناسك وأحكامها إلى الخطبة الأخرى وكلهن أفراد و بعد صلاة الظهر إلا يوم عرفة فإنها خطبتان وقبل الصلاة
فرع

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28