كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

الباب الرابع في الإقرار بالنسب
يشترط في المقر بالنسب أن يكون بالصفات المعتبرة في سائر المقرين كما سبق
ثم لا يخلو إما أن يلحق النسب بنفسه وإما بغيره
القسم الأول أن يلحقه بنفسه فيشترط فيه أمور
الأول أن لا يكذبه الحس فيكون ما يدعيه ممكنا
فلو كان في سن لا يمكن أن يكون ولدا للمستلحق فلا اعتبار بإقراره
فلو قدمت امرأة من بلاد الكفر ومعها صبي وادعاه مسلم لحقه إن احتمل أنه خرج إليها أو أنها قدمت إليه قبل ذلك وإلا لم يلحقه
الثاني أن لا يكون المقر به مشهور النسب من غيره سواء صدقه المقر به أم كذبه
الثالث أن يصدقه المقر به إن كان معتبر التصديق
فإن استلحق بالغا فلم يصدقه لم يثبت النسب إلا ببينة فإن لم تكن بينة حلف المدعي فإن حلف سقطت دعواه وإن نكل حلف المدعي وثبت نسبه
وكذا لو قال رجل لرجل أنت أبي فالقول قول المنكر بيمينه
أما إذا استلحق صغيرا فيثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ويرث هو الصغير إن مات
وإن استلحق صغيرا فلما بلغ كذبه فوجهان
أحدهما يندفع النسب
وأصحهما لا يندفع لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته كالثابت بالبينة
فعلى هذا لو أراد المقر له تحليفه قال ابن الصباغ ينبغي أن لا يمكن لأنه لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه
ولو استلحق مجنونا فأفاق وأنكر فعلى الوجهين

ولو استلحق صبيا بعد موته لحقه سواء كان له مال أم لا ولا ينظر إلى التهمة بطلب المال بل يرثه لأن أمر النسب مبني على التغليب ولهذا يثبت بمجرد الامكان حتى لو قتله ثم استلحقه بعد موته قبل منه وحكم بسقوط القصاص
وإن كان الميت بالغا فوجهان لأن شرط لحوق البالغ تصديقه ولا تصديق بعد الموت ولأن تأخيره ربما كان خوفا من إنكاره
والأكثرون على أنه يلحقه كالصغير
ومنعوا كون التصديق شرطا على الاطلاق بل هو شرط إذا كان المقر به أهلا للتصديق ولا اعتبار بالتهمة كما سبق
ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنونا طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلا

فرع إذا ازدحم جماعة على الاستلحاق نظر إن كان المقر به بالغا
نسبه ممن صدقه فإن كان صبيا لم يلحق بواحد منهما بل حكمه ما نذكره في باب اللقيط إن شاء الله تعالى
فإذا عدم زحمة الغير شرط رابع في الصغير
هذا كله إذا كان المقر به ذكرا حرا
فأما استلحاق المرأة والعبد فسيأتيان في باب اللقيط إن شاء الله تعالى
فرع إذا استلحق عبد الغير أو معتقه لم يلحق إن كان صغيرا
على حق الولاء للسيد بل يحتاج إلى البينة
وإن كان بالغا وصدقه فوجهان
ولو استلحق عبدا في يده فإن لم يوجد الامكان بأن كان أكبر سنا منه لغا قوله
وإن وجد فإن كان مجهول النسب لحقه إن كان صغيرا وحكم بعتقه
وكذا

إن كان بالغا وصدقه
وإن كذبه لم يثبت ( النسب )
وفي العتق وجهان
وكذا إن كان المقر به معروف النسب من غيره

فرع استلحق بالغا عاقلا فوافقه ثم رجعا قال ابن أبي هريرة يسقط
النسب كما لو أقر بمال ورجع وصدقه المقر له
وقال الشيخ أبو حامد لا يسقط لأن النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كالثابت بالفراش
فصل له جارية ذات ولد فقال هذا ولدي من هذه الجارية ثبت
الامكان
وفي كون الجارية أم ولد قولان
ويقال وجهان
أظهرهما عند الشيخ أبي حامد وجماعة نعم
وأشبههما بالقاعدة وأقربهما إلى القياس لا لاحتمال أنه أولدها بنكاح ثم ملكها
ولو قال ولدي استولدتها به في ملكي أو علقت به في ملكي انقطع الاحتمال وكانت أم ولد قطعا
وكذا لو قال هذا ولدي منها وهي في ملكي من عشر سنين وكان الولد ابن سنة
وهذا كله إذا لم تكن الأمة مزوجة ولا فراشا له أما إذا كانت مزوجة فلا ينسب الولد إلى السيد ولا أثر لاستلحاقه للحوقه بالزوج
وإن كانت فراشا له فإن أقر بوطئها لحقه الولد بالفراش لا بالإقرار فلا يعتبر فيه إلا الامكان
ولا فرق في الاستلحاق بالاستيلاد بين أن يكون في الصحة أو في المرض لأن إنشاءه نافذ في الحالين

فرع له أمتان لكل واحدة ولد فقال أحدهما ولدي فللأمتين أحوال

أحدها أن لا تكون واحدة منهما مزوجة ولا فراشا للسيد فيؤمر بالتعيين كما لو أقر بطلاق إحدى المرأتين فإذا عين أحدهما ثبت نسبه وكان حرا وورثه
وهل تصير أمه أم ولد ينظر إن لم يزد على استلحاقه فقولان كما قدمناه وإن صرح بأنه استولدها به في ملك اليمين صارت أم ولد له وإن صرح بأنه استولدها في النكاح لم تصر وإن أضافه إلى وطء شبهة فقولان
وإن قال استولدتها بالزنا مفصولا على الاستلحاق لم يقبل وكانت أمية الولد على القولين فيما إذا أطلق الاستلحاق وإن وصله باللفظ قال البغوي لا يثبت النسب ولا أمية الولد وينبغي أن يخرج على قولي تبعيض الإقرار
ولو ادعت الأمة الأخرى أن ولدها هو الذي استلحقه وأنها المستولدة فالقول قول السيد مع يمينه
وكذا لو بلغ الولد وادعى فإن نكل السيد حلف المدعي وقضي بمقتضى يمينه
ولو مات السيد قبل التعيين قام وارثه مقامه في التعيين وحكم تعيينهم حكم تعيينه في النسب والحرية والارث وتكون أم المعين مستولدة إن ذكر السيد ما يقتضي ثبوت الاستيلاد وإلا سئلوا وحكم بيانهم حكم بيان المورث
فإن قالوا لا نعلم كيف استولد فعلى الخلاف فيما إذا أطلق الاستلحاق
وإذا لم يكن وارث فهو كما لو أطلق الاستلحاق
ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان رآه أو يرى قبل الدفن أو يرى عصبته فيجد الشبه
فإن عجز عن الاستفادة بالقائف لعدمه أو لإلحاقه الولدين به أو نفيهما أو أشكل الأمر عليه أقرعنا بينهما ليعرف الحر منهما ولا ينتظر بلوغهما لينتسبا بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولد ولا قائف لأن الاشتباه هنا في أن الولد أيهما فلو اعتبرنا الانتساب ربما

انتسبا جميعا إليه فدام الاشكال ولا يحكم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث لأن القرعة لا تعمل فيهما
وهل يوقف نصيب ابن بين من خرجت قرعته وبين الآخر وجهان يأتي قريبا بيانهما
وأما الاستيلاد فهو على التفصيل السابق فإن لم يوجد من السيد ما يقتضيه لم يثبت وإن وجد فهل تحصل أمية الولد في أم ذلك الولد بخروج القرعة وجهان
أصحهما عند الإمام لا تحصل
والثاني تحصل وبه قطع الأكثرون

فرع حيث ثبت الاستيلاد فالولد حر الأصل

لا ولاء عليه وحيث لا يثبت فعليه الولاء إلا إذا وطء نسبه إلى شبهة وقلنا لا تصير أم ولو إذا ملكها
وإذا لم يثبت الاستيلاد ومات السيد ورث الولد أمه وعتقت عليه
هذا إذا تعين لا بالقرعة
وإن كان معه وارث آخر عتق نصيبه ولم يشتر
الحال الثاني إذا كانت الأمتان مزوجتين لم يقبل قول السيد وولد كل أمة ملحق بزوجها
وإن كانتا فراشا للسيد بأن كان أقر بوطئها لحقه الولدان بالفراش
الحال الثالث كانت إحداهما مزوجة لم يتعين إقراره في الأخرى بل يطالب بالتعيين
فإن عين في ولد الأخرى قبل وثبت نسبه وإن كانت إحداهما فراشا له لم يتعين اقراره في ولدها بل يؤمر بالتعيين فإن عين في ولد الأخرى لحقه بالإقرار والولد الآخر يلحق به بالفراش
فرع له أمة لها ثلاثة أولاد

قال أحد هؤلاء ولدي ولم تكن مزوجة ولا فراشا

للسيد قبل ولادتهم طولب بالتعيين فمن عينه منهم فهو نسيب حر وارث والقول في الاستيلاد على التفصيل الذي مر
ثم إن كان المعين الأوسط فالأكبر رقيق وأمر الأصغر مبني على استيلاد الأمة فإن لم نجعلها مستولدة فهو رقيق
وإن جعلناها نظر إن لم يدع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشا له بالأوسط فيلحقه الأصغر ويرثه على الصحيح
وقيل لا يلحقه بل له حكم الأم يعتق بموت السيد
وإن ادعى الاستبراء بني على أن نسب ملك اليمين هل ينتفي به إن قلنا ينتفي لم يلحقه الأصغر وفي حكمه وجهان
أصحهما أنه كالأم يعتق بموت السيد لأنه ولد أم ولد
والثاني يكون قنا لأن ولد أم الولد قد تكون كذلك كما لو أحبل الراهن المرهونة وقلنا لا تصير أم ولد فبيعت في الحق وولدت أولادا ثم ملكها وأولادها فإنها تحكم بأنها أم ولد له على الصحيح والأولاد أرقاء لا يأخذون حكمها على الصحيح
وقيل يأخذون
ولو مات السيد قبل التعيين عين وارثه فإن لم يكن وارث أو قال لا أعرف عرضوا على القافة ليعين والحكم على التقديرين كما لو عين السيد
فإن تعذرت معرفة القائف فالنص أنه يقرع بينهم ليعرف الحرية
وثبوت الاستيلاد على التفصيل السابق
واعترض المزني بأن الأصغر حر بكل حال عند موت السيد لأنه المقر به أو ولد أم ولد
وولد أم الولد يعتق بموت السيد إذا كان حرا بكل حال لم يدخل في القرعة لأنها ربما خرجت على غيره فيلزم ارقاقه
واختلف الأصحاب في الجواب فسلم بعضهم حريته وقالوا دخوله في القرعة إنما هو لرق غيره ويعتق هو إن خرجت قرعته ومنعها آخرون بناء على أن ولد أم الولد يجوز أن يكون رقيقا والأول أصح
وحكي وجه أن الصغير يخرج عن

القرعة وهو شاذ ضعيف
فإذا أقرعنا فخرجت القرعة لواحد فهو حر والمذهب أن النسب والميراث لا يثبتان كما ذكرنا في المسألة الأولى
وقال المزني الأصغر نسيب بكل حال وأبطل الأصحاب قوله لكن الحق المطابق لما سبق أن يفرق بين ما إذا كان السيد قد ادعى الاستبراء قبل ولادة الأصغر وبين ما إذا لم يدع
ويوافق المزني في الحالة الثانية
وإذا ثبت النسب ثبتت الحرية قطعا
وحيث لا يثبت النسب فهل يوقف الميراث وجهان
أصحهما عند الجمهور لا لأنه إشكال وقع اليأس من زواله فأشبه غرق المتوارثين
والثاني بلى كما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان
القسم الثاني أن يلحق النسب بغيره كقوله هذا أخي ابن أبي وابن أمي أو يقر بعمومة غيره فيكون ملحقا للنسب بالجد ويثبت النسب بهذا الالحاق بالشروط المتقدمة فيما إذا ألحق بنفسه وبشروط أخر
إحداها أن يكون الملحق به ميتا فما دام حيا ليس لغيره الالحاق به وإن كان مجنونا
الثانية أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به فإن كان نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته فوجهان
أصحهما وبه قطع معظم العراقيين يلحقه كما لو استلحقه المورث بعدما نفاه بلعان وغيره
والثاني المنع
والثالث صدور الاقرار من الورثة الحائزين للتركة

فرع إقرار الأجنبي لا يثبت به النسب كما ذكرنا فلو مات مسلم
ابن كافر أو قاتل أو رقيق لم يقبل إقراره عليه بالنسب كما لا يقبل إقراره عليه بمال

ولو كان له ابنان
كافر ومسلم لم تعتبر موافقة الكافر ولو كان الميت كافرا كفى استلحاق الكافر
ولا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون المقر به مسلما أو كافرا

فرع مات وخلف ابنا فأقر بابن آخر ثبت نسبه

ولو مات وخلف بنين أو بنين وبنات فلا بد من اتفاقهم جميعا
وتعتبر موافقة الزوج والزوجة على الصحيح
وفي وجه لا تعتبر لانقطاع الزوجية بالموت ويجري الوجهان في المعتق
ولو خلف بنتا واحدة فإن كانت حائزة بأن كانت معتقة ثبت النسب بإقرارها وإن لم تكن حائزة ووافقها الإمام فوجهان يجريان فيما إذا مات من لا وارث له فألحق الإمام به مجهولا أصحهما وبه قطع العراقيون الثبوت بموافقة الإمام
هذا إذا ذكره الإمام لا على وجه الحكم أما إذا ذكره على وجه الحكم فإن قلنا يقضي بعلم نفسه ثبت النسب وإلا فلا
ولا فرق بين أن تكون حيازة الملحق تركة الملحق به بغير واسطة أم بواسطة كمن أقر بعمومة مجهول وهو حائز لتركة أبيه الحائز تركة جده الملحق به فإن كان قد مات أبوه قبل جده والوارث ابن الابن فلا واسطة
فرع وارثان بالغ وصغير فالصحيح أن البالغ لا ينفرد بالإقرار

وفي وجه ينفرد ويحكم بثبوت النسب في الحال
وعلى الصحيح ينتظر بلوغ الصغير
فإن بلغ ووافق البالغ ثبت النسب حينئذ
فإن مات قبل البلوغ نظر إن لم يخلف

سوى المقر ثبت النسب حينئذ
فإن لم يجدد إقرارا وإن خلف ورثة سواهم اعتبر موافقتهم ولو كان أحدهما مجنونا فكالصبي
ولو خلف بالغين عاقلين فأقر أحدهما وأنكر الآخر ثم مات ولم يخلف إلا أخاه المقر فوجهان
أصحهما يثبت النسب لأن جميع الميراث صار له
والثاني المنع لأن إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل
ويجري الخلاف فيما إذا خلف المنكر وارثا فأقر ذلك الوارث
ولو أقر أحدهما وسكت الآخر ثم مات الساكت وابنه مقر ثبت النسب قطعا لأنه غير مسبوق بتكذيب الأصل

فرع أقر الابن المستغرق بأخ مجهول فأنكر المجهول نسب المعروف لم يتأثر
بينة على نسبه وهو ضعيف ويثبت نسب المجهول على الأصح
ولو أقر بأخ مجهول ثم أقرا بثالث فأنكر الثالث نسب الثاني ففي سقوط نسب الثاني وجهان أصحهما السقوط لأنه يثبت نسب الثالث فاعتبرت موافقته في ثبوت نسب الثاني
ولو أقر بأخوين مجهولين فصدق كل واحد منهما الآخر ثبت نسبهما وإن كذب كل واحد منهما الآخر ثبت النسبان على الأصح لوجود الإقرار من حائز التركة
وإن صدق أحدهما الآخر وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق فقط هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين فإن كانا فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخر فإذا أقر الوارث بنسب احدهما ثبت نسبهما

فرع أقر بنسب من يحجب المقر بأن مات عن أخ فأقر
نسبه على الأصح
فرع في الميراث المقر به حالان

الأولى أن لا يحجب المقرين فيشتركون على قدر حصصهم
ولو أقر أحد الابنين المعترفين بأخ فأنكره الأخ الآخر فالصحيح المنصوص أنه لا يرث لأن الارث فرع النسب ولم يثبت كما سبق
وفي وجه يرث ويشارك المقر فيما في يده كما لو قال أحدهما فلانة بنت أبينا فأنكر الآخر حرم على المقر نكاحها وكما لو قال لعبد في التركة إنه ابن أبينا هل يحكم بعتقه وجهان
وكما لو قال أحد الشريكين في العقار لثالث بعتك نصيبي فأنكر لا يثبت الشراء
وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف
وكما لو قال لزيد على عمرو كذا وأنا ضامنه فأنكر عمرو ففي مطالبة المقر بالضمان وجهان
أصحهما المطالبة كما لو اعترف الزوج بالخلع وأنكرت المرأة ثبتت البينونة وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل وإذا قلنا بالصحيح قبل في ظاهر الحكم وأما في الباطن فهل على المقر إذا كان صادقا أن يشركه فيما يرثه وجهان
أصحهما نعم لعلمه باستحقاقه
وعلى هذا هل يشركه بنصف ما في يده أم بثلثه وجهان
أصحهما الثاني

الحال الثاني أن يحجبهم أو بعضهم بأن كان الوارث صغيرا في الظاهر أخا أو معتقا فأقر بابن للميت فإن لم يثبت نسبه فذاك
وإن أثبتناه لم يرث على الأصح للدور والثاني يرث ويحجب المقر قاله ابن سريج واختاره صاحب التقريب وابن الصباغ وجماعة وقالوا المعتبر كونه وارثا لولا إقراره
ولو خلف بنتا معتقة فأقرت بأخ لها فهل يرث ويكون الميراث بينهما أثلاثا لكون توريثه لا يحجبها أم لا لأنه يمنعها عصوبة الولاء وجهان

فرع ادعى مجهول على أخي الميت أنه ابن الميت فأنكر الأخ ونكل
اليمين فحلف المدعي اليمين المردودة ثبت نسبهم ثم إن قلنا النكول مع يمين الرد كالبينة ورث وحجب الأخ
وإن قلنا كالإقرار ففيه الخلاف السابق في إقرار الأخ
ولو مات عن ابن وأخت فأقرا بابن للميت فعلى الأصح تسلم الاخت نصيبها لأنه لو ورثها الابن يحجبها وعلى الثاني يأخذ جميع ما في يدها
وكذا الحكم فيما لو خلف زوجة وأخا فأقرا بابن للميت يكون للزوجة الربع على الأصح وهذا الابن لا ينقص حقها كما لا يسقط الأخ
فرع إقرار الورثة بزوج أو زوجة للميت مقبول على المذهب

وحكي عن القديم قول أنه لا يقبل
فإن قبلنا فأقر أحد الابنين المستغرقين وأنكر الآخر فالتوريث على ما ذكرنا فيما إذا أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر

فرع قال زيد أخي ثم فسر بأخوة الرضاع حكى الروياني عن
بالمذهب أنه لا يقبل لأنه خلاف الظاهر ولهذا لو فسر بأخوة الاسلام لم يقبل
فرع في فتاوى القفال أنه لو أقر على أبيه بالولاء فقال هو
فلان ثبت الولاء عليه إن كان المقر مستغرقا كما في النسب
قلت لو خلف ثلاثة بنين فأقر ابنان برابع وأنكره الثالث لم يثبت نسبه بإقرارهما لكن إذا شهدا به عند الحاكم بشروط الشهادة ثبت نسبه
لأن شهادتهما أولى بالقبول من شهادة الأجنبيين لأن عليهما فيه ضررا قاله القاضي أبو الطيب
والله أعلم

كتاب العارية
هي بتشديد الياء
قال الخطابي في الغريب وقد تخفف وفيه بابان
الأول في أركانها وهي أربعة
الأول المعير ويعتبر فيه أن يملك للمنفعة وأن لا يكون محجورا عليه في التبرعات فيجوز للمستأجر أن يعير لأنه يملك المنفعة وللموصى له بخدمة عبد أو سكن دار ونحوهما أن يعيرهما وليس للمستعير أن يعير على الصحيح ولكن له أن يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله
قلت قال صاحب العدة ليس للأب أن يعير ولده الصغير لمن يخدمه لأن ذلك هبة لمنافعه فأشبه إعارة ماله
وهذا الذي قاله ينبغي أن يحمل على خدمة تقابل بأجرة أما ما كان محقرا بحيث لا يقابل بأجرة فالظاهر الذي تقتضيه أفعال السلف أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي وقد سبق في كتاب الحجر نحو هذا
والله أعلم
الركن الثاني المستعير ويشترط فيه كونه أهلا للتبرع ( عليه ) بعقد يشتمل على إيجاب وقبول بقول أو فعل فلا تصح الاعارة للصبي كما لا يوهب له
الركن الثالث المستعار وله شرطان
أحدهما كونه منتفعا به مع بقاء عينه كالعبد والثوب والدابة والدار فلا يجوز إعارة الطعام قطعا ولا الدراهم والدنانير على الأصح
قال الإمام ويجري الوجهان في إعارة الحنطة والشعير ونحوهما
ثم السابق إلى الفهم من كلام

الأصحاب أن الخلاف فيما إذا أطلق إعارة الدراهم فأما إذا صرح بالاعارة للتزيين فينبغي أن يقطع بالصحة وبه قطع المتولي لأنه اتخذ هذه المنفعة مقصودا وإن ضعفت وإذا لم نصححها فجرت فهي مضمونة على الصحيح لأن العارية الصحيحة مضمونة وللفاسد حكم الصحيح في الضمان وقيل لا ضمان لأن ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة ولا فاسدة
ومن قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعته كان أمانة
الشرط الثاني كون المنفعة مباحة فيحرم استعارة الجارية للاستمتاع
وأما للخدمة فيجوز إن أعارها لمحرم أو امرأة وإلا فلا يجوز لخوف الفتنة إلا إذا كانت صغيرة لا تشتهى أو قبيحة فوجهان
قلت أصحهما الجواز وبه قطع جماعة منهم صاحب التهذيب
والله أعلم
قال الغزالي وإذا أعارها صحت الاعارة وإن كانت محرمة
ويشبه أن يقال بالفساد كالاجارة للمنفعة المحرمة ويشعر به إطلاق الجمهور نفي الجواز

فرع قلت يكره استعارة أحد الأبوين للخدمة لأن استخدامهما مكروه ولفظ
قال الجرجاني ويكره أيضا استئجارهما
وقد يجوز إعارة ما لا يجوز إجارته وهو الفحل للضراب والكلب للصيد فإن إعارتهما صحيحة وإجارتهما باطلة على الأصح
والله أعلم

وتكره إعارة العبد المسلم لكافر كراهة تنزيه
قلت صرح الجرجاني وآخرون بأنها حرام وصرح صاحب المهذب وآخرون بأنها لا تجوز وظاهره التحريم ولكن الأصح الجواز وقد سبق في أول البيوع
والله أعلم

فرع يحرم على الحلال إعارة الصيد من المحرم فإن فعل فتلف في
ضمن الجزاء لحق الله تعالى والقيمة للحلال
ولو أعار المحرم حلالا فإن قلنا المحرم يزول ملكه عن الصيد فلا قيمة له على الحلال لأنه غير مالك وعلى المحرم الجزاء لحق الله تعالى إن تلف في يد الحلال لأنه متعد بالاعارة فإنه يلزمه إرساله
وإن قلنا لا يزول صحت الاعارة وعلى الحلال القيمة إن تلف عنده
فرع دفع شاة إلى رجل وقال ملكتك درها ونسلها فهي هبة فاسدة
حصل في يده من الدر والنسل كالمقبوض بالهبة الفاسدة والشاة مضمونة بالعارية الفاسدة
ولو قال أبحت لك درها ونسلها فوجهان
أحدهما أنه كقوله ملكتك
والثاني أنها إباحة صحيحة والشاة عارية صحيحة وبه قطع المتولي
قلت هذا أصح واختاره أيضا القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وحكم

هذان والمتولي بالصحة فيما إذا أعاره الشاة ليأخذ لبنها أو أعاره شجرة ليأخذ ثمرها
والله أعلم
فعلى هذا قد تكون العارية لإستفادة عين وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة بخلاف الاجارة
ولو قال ملكتك درها أو أبحتكه على أن تعلفها قال البغوي العلف أجرة الشاة وثمن الدر والنسل فالشاة غير مضمونة لأنها مقبوضة بإجارة فاسدة والدر والنسل مضمونان في الشراء الفاسد
وكذا لو دفع قراضة إلى سقاء وأخذ الكوز ليشرب فسقط الكوز من يده وانكسر ضمن الماء لأنه مأخوذ بالشراء الفاسد ولم يضمن الكوز لأنه في يده بإجارة فاسدة وإن أخذه مجانا فالكوز عارية والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة

فرع قال المتولي تعيين المستعار عند الإعارة ليس بشرط

حتى لو قال أعرني دابة فقال ادخل الإصطبل فخذ ما أردت صحت العارية بخلاف الإجارة فإنها تصان عن مثل هذا لأن الغرر لا يحتمل في المعاوضات
الركن الرابع الصيغة واللفظ المعتد به في الباب ما يدل على الإذن في الانتفاع كقوله أعرتك أو خذه لتنتفع به وما أشبههما
واختلفوا في الواجب من اللفظ فالأصح الأشهر ما قطع به البغوي وغيره أن المعتبر اللفظ من أحد الطرفين والفعل من الآخر
حتى لو قال المستعير أعرني فسلمه المالك إليه صحت الاعارة كما لو قال خذه لتنتفع به فأخذه قياسا على إباحة الطعام
وقال الغزالي يعتبر اللفظ من جهة المعير ولا يعتبر من جهة المستعير وإنما يعتبر منه القبول

إما بالفعل وإما بالقول
وقال المتولي لا يعتبر اللفظ في واحد منهما حتى لو رآه عاريا فأعطاه قميصا فلبسه تمت العارية
وكذا لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى أو ألقى له وسادة فجلس عليها كان ذلك إعارة بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة لأنه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه ولا بد في العارية من تعيين المستعير وهذا الذي قاله المتولي فيه تمام التشبيه باباحة الطعام ويوافقه ما حكي عن الشيخ أبي عاصم أنه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعماله كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها كان عارية لأنه انتفاع بملك الغير بإذنه
قلت هذا المحكي عن أبي عاصم هو فيما إذا كانت الهدية لا تقابل
فأما إن كانت عوضا فالظرف أمانة في يده كالاجارة الفاسدة كذا حكاه المتولي عن أبي عاصم
والله أعلم

فرع قال أعرتك حماري لتعيرني فرسك فهي إجارة فاسدة وعلى كل واحد
أجرة مثل دابة صاحبه وكذا الحكم لو أعاره شيئا بعوض مجهول كما لو أعاره دابة ليعلفها أو داره ليطين سطحها وكذا لو كان العوض معلوما ولكن مدة الإعارة مجهولة كقوله أعرتك داري بعشرة دراهم أو لتعيرني ثوبك شهرا
وفي وجه ضعيف أنها عارية فاسدة نظرا إلى اللفظ فعلى هذا تكون مضمونة عليه وعلى الأول لا ضمان ولو بين مدة الاعارة وذكر عوضا معلوما فقال أعرتك هذه الدار شهرا من اليوم بعشرة دراهم أو لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم فهل هي إجارة صحيحة أو إعارة فاسدة وجهان بناء على
أن الاعتبار باللفظ أو المعنى

فرع دفع دراهم إلى رجل وقال اجلس في هذا الحانوت واتجر فيها لنفسك أو دفع إليه بذرا وقال ازرعه في هذه الارض فهو معير للحانوت والأرض وأما الدراهم والبذر فهل يكون هبة أم قرضا وجهان
الباب الثاني في أحكامها
وهي ثلاثة
الأول الضمان
فإذا تلفت العين في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أم بفعله بتقصير أم بلا تقصير هذا هو المشهور
وحكي قول أنها لا تضمن إلا بالتعدي فيها وهو ضعيف
ولو أعار بشرط أن يكون أمانة لغا الشرط وكانت مضمونة وإذا ضمن ففي القيمة المعتبرة أوجه
أصحها قيمته يوم التلف
والثاني يوم القبض
والثالث أقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف
ويبنى على هذا الخلاف أن العارية إذا ولدت في يد المستعير هل يكون الولد مضمونا في يده إن قلنا بالثالث كان مضمونا وإلا فلا
وليس له استعماله بلا خلاف
قلت ولو استعار دابة وساقها فتبعها ولدها ولم يتكلم المالك فيه بإذن ولا نهي فالولد أمانة قاله القاضي حسين في الفتاوى
والله أعلم
والمقبوض على جهة السوم إذا تلف في المعتبر من قيمته هذه الأوجه لكن قال الإمام الأصح فيه قيمته يوم القبض
وقال غيره الأصح يوم التلف

هذا إذا تلفت العارية لا بالاستعمال أما إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه بأن انمحق الثوب باللبس فلا يجب ضمانه على الأصح كالاجزاء
وقيل يضمن فعلى هذا وجهان
أحدهما يضمن العين بجميع أجزائها وبه قطع الإمام
وأصحهما يضمنه في آخر حالات التقويم وبه قطع البغوي
وأما الاجزاء فما تلف منها بسبب استعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللبس لا يجب ضمانه على الصحيح وما تلف منها بغير الاستعمال ففيه وجهان
أحدهما لا يضمن كالتالف بالاستعمال
وأصحهما الضمان كتلف العين كلها
وأما إذا تلفت الدابة بسبب الركوب والحمل المعتاد فهو كانمحاق الثوب وتعييبها به كالانمحاق
وعن القفال لو قرح ظهرها بالحمل وتلفت منه يضمن سواء تعدى بما حمل أم لا لأنه إنما أذن في الحمل لا في الجراحة وردها إلى المالك لا يخرجه عن الضمان لأن السراية تولدت من مضمون وهذا في الحمل الذي هو غير متعد به تفريع على وجوب الضمان في صورة الانمحاق كذا ذكره الإمام

فرع مؤنة الرد على المستعير هذا كله إذا استعار من المالك
فلو استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة فتلفت العين فوجهان
أحدهما يضمن كما لو استعار من الملك
وأصحهما لا يضمن لأن المستأجر لا يضمن وهذا نائبه ومؤنة الرد في هذه الاستعارة على المستعير إن رد على المستأجر وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر
فرع إذا استعار العين المغصوبة من الغاصب وتلفت في يده غرم المالك
من شاء

منهما قيمته يوم التلف وقرار الضمان على المستعير
فإن كانت قيمته قبل يوم التلف أكثر نظر إن كانت الزيادة في يد المعير الغاصب لم يطالب بها غيره
وإن كانت في يد المستعير فإن قلنا العارية تضمن بأقصى القيم فهي كقيمته يوم التلف وإلا فالزيادة كبدل المنافع
وحكم بدل المنافع أن ما تلف منها تحت يده فقرار الضمان على المعير لأن يد المستعير في المنافع ليست يد الضمان
والتي استوفاها بنفسه فيها قولان
أظهرهما على المستعير لمباشرته الاتلاف والمستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم المستعير من الغاصب إن ضمنا المستعير من المستأجر وإلا فيرجع بالقيمة التي غرمها على المستأجر ويرجع المستأجر على الغاصب

فرع إذا أركب وكيله الذي استعمله في شغله دابة الموكل وسيره إلى
موضع فتلفت الدابة في يده بلا تفريط فلا ضمان لأنه لم يأخذها لغرض نفسه وكذا لو سلمها إلى رائض ليروضها أو كان له عليها متاع نفيس فأركب إنسانا فوقه إحرازا للمال فلا ضمان
فرع لو وجد ( من ) أعيا في الطريق فأركبه فتلفت الدابة فالمذهب أنه
يضمن سواء التمس الراكب أو ابتدأه المركب ومال الإمام إلى أنه لا يضمن وجعل الغزالي هذا وجها وزعم أنه الأصح والمعروف الأول وهو الصواب
ولو أركبه مع نفسه فعلى الرديف نصف الضمان ورأى الامام أنه لا شىء عليه تشبيها بالضيف
وعلى المذهب لو وضع متاعه على دابة رجل وقال الواضع سيرها

ففعل كان صاحب المتاع مستعيرا من الدابة بقسط متاعه مما عليها حتى لو كان عليها مثل متاعه فتلفت ضمن نصف الدابة
ولو لم يقل الواضع سيرها لكن سيرها المالك لم يكن الواضع مستعيرا بل يدخل المتاع في ضمان صاحب الدابة لأنه كان حقه أن يطرحه
ولو كان لأحد الرفيقين في السفر دابة وللآخر متاع فقال صاحب المتاع للآخر احمل متاعي على دابتك فأجابه فصاحب المتاع مستعير ولو قال صاحب الدابة أعطني متاعك لأضعه على الدابة فهو مستودع متاعه ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع ذكره البغوي

فرع استعار دابة ليركبها إلى موضع فجاوزه فهو متعد من حين
وعليه أجرة المثل ذهابا من ذلك الموضع ورجوعا إليه
وفي لزوم أجرة المثل من ذلك الموضع إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه وجهان
فإن أوجبناها فليس له الركوب من ذلك الموضع بل يسلمه إلى قاضي الموضع الذي استعار إليه
قلت الأصح
فرع أودعه ثوبا وقال إن شئت أن تلبسه فالبسه فهو بعد اللبس
وقبله وديعة على الصحيح وقيل عارية لأنه مقبوض لتوقع نفع كالمقبوض بالسوم
قال صاحب التقريب ولو قيل لا ضمان في السوم تخريجا من هذا لم يبعد
فرع استعار صندوقا فوجد فيه دراهم فهي أمانة عنده كما لو طيرت
ثوبا في داره
الحكم الثاني تسلط المستعير على الانتفاع بحسب إذن المعير وفيه مسائل
الأولى إذا أعاره أرضا للزراعة فإن بين ما يزرعه كقوله أعرتك لزراعة الحنطة نظر إن لم ينهه عن غيرها فله أن يزرع الحنطة وما ضرره كضررها أو دونه كالشعير وليس ( له ) أن يزرع ما فوقها كالذرة والقطن
وإن نهاه عن غيرها لم يكن له زرع غيرها
وحيث زرع ما ليس له فللمعير قلعه مجانا
وإن أطلق ذكر الزراعة ولم يبين الزروع صحت الاعارة على الأصح ويزرع ما شاء لاطلاق اللفظ
والثاني لا يصح لتفاوت الضرر
ولو قيل يصح ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررا لكان مذهبا
الثانية إذا أعار للزراعة لم يكن له البناء ولا الغراس
وإن أعار لأحدهما فله الزراعة وليس له الآخر على الأصح
قلت حكى صاحب المهذب وغيره وجها أنه لا يجوز الزرع إذا استعار للبناء لأن الزرع يرخي الأرض بخلاف البناء
والصحيح الجواز
والله أعلم
الثالثة إذا كان المستعار لا ينتفع به إلا بجهة واحدة كالبساط الذي لا يصلح إلا لأن يفرش فلا حاجة في إعارته إلى بيان الانتفاع وإن كان ينتفع به بجهتين فصاعدا كالأرض تصلح للزراعة والبناء والغراس وكالدابة للركوب والحمل فهل

تصح الاعارة مطلقا أم يشترط بيان جهة الانتفاع وجهان
أصحهما عند الإمام والغزالي الثاني وقطع الروياني والبغوي بالأول
قلت صحح الرافعي في المحرر الثاني
والله أعلم
فعلى الأول له أن ينتفع كيف شاء
وقال الروياني ينتفع بما هو العادة فيه وهذا أحسن
وعلى الثاني لو قال أعرتك لتنتفع به كيف شئت أو لتفعل به ما بدا لك فوجهان
الحكم الثالث الجواز
فللمعير الرجوع متى شاء وللمستعير الرد متى شاء سواء العارية المطلقة والمؤقتة إلا في صورتين
الأولى إذا أعار أرضا لدفن ميت فدفن لم يكن له الرجوع ونبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون وله سقي الاشجار التي فيها إن لم يفض إلى ظهور شىء من بدن الميت وله الرجوع ما لم يوضع فيه الميت قال المتولي وكذا بعد الوضع ما لم يواره التراب
قال ومؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن على ولي الميت ولا يلزمه طمها
قلت كذا هو في نسخ كتاب الإمام الرافعي رحمه الله وهو غلط في النقل عن المتولي فإن المتولي قال إذا رجع في العارية بعد الحفر وقبل الدفن غرم لولي الميت مؤنة الحفر لأنه بإذنه في الحفر أوقعه في التزام ما التزام وفوت عليه مقصوده لمصلحة نفسه فهذا لفظ المتولي بحروفه وهو الصواب
والله أعلم
وإطلاق الإعارة لا يسلط على الدفن قطعا وإن كان يسلط على ما شاء من المنافع على الوجهين كما سبق والفرق ظاهر

قلت في البيان وغيره أنه لو أعار أرضا ليحفر فيها بئرا صحت العارية
فإذا نبع الماء جاز للمستعير أخذه لأن الماء يستباح بالاباحة
والله أعلم
الصورة الثانية إذا أعاره جدارا لوضع الجذوع ففي جواز الرجوع وجهان
فإن جوزناه فهل فائدته طلب الاجرة للمستقبل أم التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقص وجهان
وقد سبق بيان هذا كله واضحا مع بيان الأصح في كتاب الصلح
قلت ومن أحكامها أنه لو مات المعير أو جن أو أغمي عليه أو حجر عليه لسفه انفسخت الإعارة كسائر العقود الجائزة
وإن مات المستعير انفسخت أيضا لأن الاذن بالانتفاع إنما كان للمستعير دون وارثه وإذا انفسخت وجب على المستعير ردها ذكر هذه الجملة المتولي
والله أعلم

فصل إعارة الأرض للبناء أو الغراس ضربان مطلقة لم يبين لها مدة
ومقيدة بمدة
الأول المطلقة وللمستعير فيها أن يبني ويغرس ما لم يرجع المعير فإذا رجع لم يكن له البناء والغراس
ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب
وإن كان جاهلا فوجهان كالوجهين فيما إذا حمل السيل نواة إلى أرضه فنبتت
وأما ما بني وغرس قبل الرجوع فإن أمكن رفعه من غير نقص يدخله رفع وإلا فينظر إن شرط عليه القلع مجانا عند رجوعه وتسوية الحفر لزمه فإن امتنع قلعه المعير مجانا وإن شرط القلع دون التسوية

لم تلزمه التسوية لأن شرط القلع رضى بالحفر
وإن لم يشرط القلع نظر إن أراده المستعير مكن منه لأنه ملكه ويلزمه تسوية الحفر على الأصح
قلت كذا صححه الجمهور أنه يلزمه تسوية الحفر هنا منهم القاضي أبو الطيب في المجرد وصاحب الانتصار وغيرهما وبه قطع المحاملي في المقنع والروياني في الحلية وهو الأصح
ولا يغتر بتصحيح الرافعي في المحرر أنه لا يلزمه فإنه ضعيف نبهت عليه في مختصر المحرر
والله أعلم
وإن لم يرده لم يكن للمعير قلعه مجانا لأنه محترم ولكن يتخير المعير
وفيما يتخير فيه أوجه
أحدها وبه قطع الإمام وأبو الحسن العبادي والغزالي يتخير بين ثلاث خصال
إحداها أن يبقيه بأجرة يأخذها
والثانية أن يقلع ويضمن أرش النقص وهو قدر التفاوت بين قيمته نابتا ومقلوعا
والثالثة أن يتملكه بقيمته فإن اختار خصلة أجبر عليها المستعير
والثاني وبه قطع البغوي لا بد في الخصلة الأولى والثالثة من رضى المستعير لأن الأولى إجارة والثالثة بيع
والثالث يتخير بين خصلتين القلع وضمان الارش والتملك بالقيمة وبهذا قطع أبو علي الزجاجي وأكثر العراقيين وغيرهم وهذا أصح في المذهب
فعلى هذا لو امتنع من الخصلتين وبذل المستعير الاجرة لم يكن للمعير القلع مجانا
وإن لم يبذلها فكذلك على الأصح وبه قطع المخيرون بين الخصال الثلاث إذا امتنع منها جميعا
وما الذي يفعل فيه وجهان
أحدهما وبه قال أبو علي الزجاجي يبيع الحاكم الأرض مع البناء أو الغراس لفصل الخصومة
وقال الأكثرون منهم المزني يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئا ويجوز للمعير دخول الأرض والانتفاع بها والاستظلال بالبناء والشجر لأنه جالس في ملكه وليس للمستعير دخولها للتفرج بغير إذن المعير ويجوز لسقي الاشجار وإصلاح الجدار على الأصح صيانة لملكه عن

الضياع
ووجه المنع أنه يشغل ملك غيره إلى أن يصل إلى ملكه
وعلى الأول لو تعطلت المنفعة على صاحب الأرض بدخوله قال المتولي لا يمكن إلا بالاجرة ولكل واحد من المعير والمستعير بيع ملكه للآخر وللمعير بيع ملكه لثالث ثم يتخير المشتري تخير المعير وهل للمستعير بيع البناء والغراس لثالث وجهان
أصحهما الجواز
فعلى هذا يتنزل المشتري منزلة المستعير وللمعير الخيار كما سبق وللمشتري فسخ البيع إن جهل الحال
ولو اتفق المعير والمستعير على بيع الأرض بما فيها بثمن واحد فقد قيل هو كما لو كان لهذا عبد ولهذا عبد فباعاهما بثمن واحد والمذهب القطع بالجواز للحاجة
ثم كيف يوزع الثمن هنا وفيما إذا باعهما الحاكم على أحد الوجهين قال المتولي هو على الوجهين فيما إذا غرس الراهن الأرض المرهونة
وقال البغوي يوزع على الأرض مشغولة بالغراس أو البناء وعلى ما فيها وحده فحصة الأرض للمعير وحصة ما فيها للمستعير وحكم الدخول والانتفاع والبيع على ما ذكرنا في ابتداء الرجوع إلى الاختيار وفيما إذا امتنعا من الاختيار وأعرض القاضي عنهما سواء
الضرب الثاني المقيدة بمدة
وللمستعير البناء والغراس في المدة إلا أن يرجع المعير وله أن يجدد كل يوم غرسا وبعد انقضاء المدة ليس له إحداث البناء والغراس
وإذا رجع المعير قبل المدة أو بعده فالحكم كما لو رجع في الضرب الأول لكن هنا وجه أنه لا يتمكن من الرجوع قبل المدة وقول أنه إذا رجع بعد المدة فله القلع مجانا نقله الساجي واختاره الروياني
والمذهب الأول

فرع قال المتولي إذا بنى أحد الشريكين أو غرس في الأرض
بإذن صاحبه ثم رجع صاحبه لم يكن له القلع بأرش النقص لأنه يتضمن قلع بناء المالك في ملكه وليس له أن يتملك بالقيمة لأن للباني في الأرض مثل حقه لكن له الابقاء بأجرة
فإن لم يبذلها الباني فهل يباع أو يعرض عنهما فيه ما سبق
قلت كذا قال المتولي فإن لم يبذلها الباني وكان ينبغي أن يقول فإن لم يرض بها الشريك فإن بذل الباني ليس بشرط على المختار كما تقدم ولو بنى أو غرس بغير إذن شريكه قلعه مجانا وسيأتي بيانه في بناء المشتري في المشفوع
والله أعلم
فصل أعار للزرع فزرعها فرجع قبل إدراك الزرع فإن كان مما يعتاد
قطعه كلف قطعه وإلا فأوجه أحدها للمعير أن يقلع ويغرم أرش النقص
والثاني له تملكه بالقيمة قاله القاضي أبو الطيب
والثالث وهو الصحيح لا تثبت واحدة من هاتين الخصلتين لأن للزرع أمدا بخلاف البناء والغراس فعلى هذا يلزم المعير إبقاؤه إلى أوان حصاده وهل له الأجرة وجهان
أحدهما لا وهو منقول عن المزني واختاره الروياني لأن منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة
وأصحهما نعم لأنه إنما أباح له المنفعة إلى وقت الرجوع فأشبه من أعار دابة إلى بلد ثم رجع في الطريق فإن عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل
ولو أعار

لزرع مدة فانقضت والزرع غير مدرك فإن كان ذلك لتقصيره في الزراعة بالتأخير قلع مجانا وإلا فهو كما لو أعار مطلقا

فرع لو أعار للفسيل قال الشيخ أبو محمد إن كان ذلك مما
فهو كالزرع وإلا فكالبناء
فرع قال البغوي إذا أعار للزرع مطلقا لم يزرع إلا زرعا واحدا
لو أعار للغراس فغرس وقلعه لا يغرس بعده إلا بإذن جديد
وهذا بين أن قولنا المستعير للبناء والغراس مطلقا يبني ويغرس ما لم يرجع المعير معناه البناء المأذون فيه وهو مرة واحدة إلا إذا كان قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى
فصل إذا حمل السيل حبات أو نوى لغيره إلى أرضه لزمه ردها
إن عرفه وإلا فيدفعها إلى القاضي ولو نبتت في أرضه فوجهان
أحدهما لا يجبر مالكها على قلعها لأنه غير متعد
فعلى هذا هو مستعير فينظر في النابت أهو شجر أم زرع ويكون الحكم على ما سبق
وأصحهما يجبر لأن المالك لم يأذن فهو كما لو انتشرت أغصان شجرة في هواء دار غيره فله قطعها
ولو حمل ما لا قيمة له كنواة واحدة أو حبة فهل هي لمالك الأرض لأن التقوم حصل

في ملكه أم لمالك الحبة لأنها كانت محرمة الأخذ وجهان
فعلى الثاني في قلع النابت الوجهان
قلت الأصح كونها لمالك الحبة وهذا في حبة ونواة لم يعرض عنها مالكها أما إذا أعرض عنها أو ألقاها فينبغي القطع بكونها لصاحب الأرض
والله أعلم
ولو قلع صاحب الشجرة شجرته لزمه تسوية الأرض لأنه لتخليص ملكه

فصل في الاختلاف وفيه مسائل

الأولى قال راكب الدابة لمالكها أعرتنيها
فقال بل أجرتكها مدة كذا بكذا فتارة يختلفان والدابة باقية وتارة ( يختلفان ) وهي تالفة
الحال الأول الباقية وهو ضربان
أحدهما يختلفان بعد مضي مدة لمثلها أجرة
والثاني قبلها
فالأول نص فيه أن القول قول الراكب بيمينه
ونص فيما إذا زرع أرض غيره واختلفا هكذا أن القول قول صاحب الأرض
والله أعلم
وللأصحاب طريقان
أحدهما تقرير النصين واختاره القفال لأن الدواب تكثر فيها الاعارة بخلاف الأرض وأصحهما عند الجمهور وبه قال المزني والربيع وابن سريج فيهما قولان
أظهرهما القول قول المالك فعلى هذا كيف يحلف وجهان
قال الشيخ أبو محمد وطائفة يحلف على نفي الاعارة ولا يتعرض لاثبات الاجرة

لأنه مدع فيها
وقال العراقيون والقاضي والأكثرون يتعرض لاثبات الاجرة مع نفي الاعارة
فعلى الأول إذا حلف استحق أقل الامرين من أجرة المثل والمسمى
وعلى الثاني أوجه
أحدها يستحق المسمى
والثاني أقل الأمرين
وأصحها وهو نصه في الام أجرة المثل
فلو نكل المالك عن اليمين لم يحلف الراكب والزارع لأنهما لا يدعيان حقا على المالك وإنما يدعيان الاعارة وليست لازمة
وعن القاضي حسين رمز إلى أنهما يحلفان للتخلص من الغرم أما إذا قلنا القول قول الراكب والزارع فإن حلف على نفي الاجارة كفاه وبرىء وإن نكل ردت اليمين على المالك واستحق بيمينه المسمى على الصحيح وعلى الشاذ أجرة المثل
الضرب الثاني أن يقع الاختلاف قبل مضي مدة لها أجرة فالقول قول الراكب بيمينه
فإذا حلف على الإجارة سقطت دعوى الأجرة وردت العين إلى المالك
وإن نكل حلف المالك يمين الرد واستحق الأجرة
وإنما لم يجر القولان لأن الراكب لا يدعي لنفسه حقا ولم تتلف المنافع على المالك
الحال الثاني أن تكون الدابة تالفة فإن تلفت قبل مضي مدة لها أجرة فالراكب مقر بالقيمة والمالك ينكرها ويدعي الاجرة فيخرج على الخلاف السابق في كتاب الاقرار أن اختلاف الجهة هل يمنع الأخذ إن قلنا نعم سقطت القيمة برده
وفيمن القول قوله في الأجرة الطريقان في الحال الأول
وإن قلنا لا فإن كانت الاجرة مثل القيمة أو أقل أخذها بلا يمين
وإن كانت أكثر أخذ قدر القيمة
وفي المصدق في الزائد الخلاف السابق
المسألة الثانية قال المتصرف أعرتني هذه الدابة أو الأرض فقال المالك بل غصبتنيها فإن لم تمض مدة لها أجرة فلا معنى للمنازعة فيرد المال إلى مالكه
وإن مضت مدة لها أجرة فنقل المزني أن القول قول المستعير
وللأصحاب

طرق
أصحها أنها على الطريقين في المسألة الأولى ففي طريق يفرق بين الأرض والدابة
وفي طريق هما على قولين
والطريق الثاني القطع بأن القول قول المتصرف لأن الظاهر أنه تصرف بحق
والثالث القطع بأن القول قول مالكه لأن الأصل عدم إذنه
ومن قال بهذا خطأ المزني في النقل
قال الشيخ أبو حامد لكنه ضعيف لأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على ما نقله المزني هذا إذا كانت العين باقية
فلو تلفت نظر إن تلفت بعد مدة لها أجرة فالمالك يدعي أجرة المثل والقيمة بالغصب والمتصرف ينكر الاجرة ويقر بالقيمة بجهة العارية فالحكم في الاجرة على ما ذكرنا عند بقاء العين
وأما القيمة فقال البغوي إن قلنا اختلاف الجهة يمنع الأخذ لم يأخذها إلا باليمين وإلا فإن قلنا العارية تضمن ضمان الغصب أو لم نقل به وكانت القيمة يوم التلف أكثر أخذها بلا يمين وإن كانت يوم التلف أقل أخذها بلا يمين وفي الزيادة يحتاج إلى اليمين
وإن هلكت قبل مدة لها أجرة لزمه القيمة
ثم قياس ما ذكره البغوي أنا إن جعلنا اختلاف الجهة مانعا من الأخذ حلف وإلا فيأخذ بلا يمين ومقتضى كلام الامام أن لا يخرج على ذلك الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مدة لها أجرة قال لأن العين متحدة ولا أثر للاختلاف في الجهة مع اتحاد العين
والأول أصح
الثالثة قال المالك غصبتنيها وقال المتصرف بل أجرتني فالمذهب أنه إن كانت العين باقية ولم تمض مدة لها أجرة فالمصدق المالك
فإذا حلف استرد المال
وإن مضت مدة لها أجرة فالمالك يدعي أجرة المثل والمتصرف يقر بالمسمى
فإن استويا أو كانت أجرة المثل أقل أخذ بلا يمين
وإن كانت أجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمى بلا يمين والزيادة باليمين
قال البغوي ولا يجيء هنا خلاف اختلاف الجهة كما لو ادعى المالك فساد الاجارة والمتصرف صحتها

يحلف المالك ويأخذ أجرة المثل
وإن كان الاختلاف بعد بقاء العين في يد المتصرف مدة وتلفها فالمالك يدعي أجرة المثل والقيمة والمتصرف يقر بالمسمى وينكر القيمة فللمالك أخذ ما يقر به بلا يمين
وأخذ ما ينكره باليمين
الرابعة قال المالك غصبتني وقال ( صاحب اليد ) بل أودعتني حلف المالك على الأصح وأخذ القيمة إن تلف المال وأجرة المثل إن مضت مدة لها أجرة
الخامسة قال الراكب أكريتنيها وقال المالك بل أعرتكها والدابة باقية فالقول قول المالك في نفي الاجارة
فإذا حلف استردها
فإن نكل حلف الراكب واستحق الامساك
ثم إن مضت مدة لها أجرة فالراكب يقر بالاجرة والمالك ينكرها ولا يخفى حكمه
وإن كان هذا الاختلاف بعد هلاك الدابة فإن هلكت عقب القبض فالمذهب أن المالك يحلف ويأخذ القيمة لأن الراكب أتلفها ويدعي مسقطا
وخرج قول في المسألة الأولى أن القول قول الراكب لأن الأصل براءته وإن تلفت بعد مدة لها أجرة فالمالك يدعي القيمة وينكر الاجرة والراكب يقر بالأجرة وينكر القيمة
فإن قلنا اختلاف الجهة يمنع الأخذ حلف وأخذ القيمة ولا عبرة باقرار الراكب
وإن قلنا لا يمنع وهو الأصح فإن كانت القيمة والأجرة سواء أو كانت القيمة أقل أخذها بلا يمين
وإن كانت القيمة أكثر أخذ الزيادة باليمين

فرع استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير وهو جاهل بالرجوع

فرع مات المستعير يلزم ورثته الرد وإن لم يطالب المعير
قلت قال أصحابنا الرد الواجب والمبرىء هو أن يسلم العين إلى المالك أو وكيله في ذلك
فلو رد الدابة إلى الاصطبل أو الثوب ونحوه إلى البيت الذي أخذه منه لم يبرأ من الضمان وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الغصب بيان هذا واضحا
ولو رد الدابة إلى دار المعير فلم يجده فسلمها إلى زوجته أو ولده فإن سلمها المتسلم إلى المدعي فضاعت فالمعير بالخيار إن شاء ضمن المستعير وإن شاء غرم الزوجة أو الولد
فإن غرم المستعير رجع عليهما وإن غرمهما
لم يرجعا على المستعير والله أعلم

كتاب الغصب
للأصحاب رحمهم الله عبارات في معنى الغصب
إحداها أنه أخذ مال الغير على جهة التعدي وربما قيل الاستيلاء على مال الغير
الثانية وهي أعم من الأولى أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق
واختار الامام هذه العبارة وقال لا حاجة إلى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكم من غير عدوان كما لو أودع ثوبا عند رجل ثم جاء المالك فأخذ ثوبا للمودع وهو يظنه ثوبه أو لبسه المودع على ظن أنه ثوبه
الثالثة وهي أعم من الأوليين أن كل مضمون على ممسكه فهو مغصوب كالمقبوض بالبيع الفاسد والوديعة إذا تعدى فيها المودع الرهن إذا تعدى فيه المرتهن
وأشبه العبارات وأشهرها هي الأولى
وفي الصورة المذكورة الثابت حكم الغصب لا حقيقته
قلت كل هذه العبارات ناقصة فإن الكلب وجلد الميتة وغيرهما مما ليس بمال لا يدخل فيها مع أنه يغصب وكذلك الاختصاصات بالحقوق فالاختيار أنه الاستيلاء على حق الغير بغير حق
والله أعلم
وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تحريم الغصب وفيه بابان
الأول في الضمان وفيه أربعة أطراف

الأول في الموجب للضمان والغصب وإن كان موجبا للضمان فلا ينحصر الموجب فيه بل الاتلاف أيضا مضمن وكذلك الاستعارة والاستيام وغيرهما والاتلاف يكون بالمباشرة أو بالتسبب وماله مدخل في الهلاك فقد يضاف إليه الهلاك حقيقة وقد لا
وما لا يقصد فقد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك حقيقة وقد لا لأن الذي يضاف إليه الهلاك يسمى علة والاتيان به مباشرة وما لا يضاف إليه الهلاك ويقصد بتحصيله ما يضاف إليه يسمى سببا والاتيان به تسببا
وهذا القصد والتوقع قد يكون لتأثيره بمجرده فيه وهو علة العلة وقد يكون بإنضمام أمور إليه وهي غير بعيدة الحصول
فمن المباشرة القتل والأكل والاحراق
ومن التسبب الاكراه على أتلاف مال الغير
ومنه ما إذا حفر بئرا في محل عدوان فتردت فيها بهيمة أو عبد أو حر فإن رداه غيره فالضمان على المباشرة المردي لأن المباشر مقدمة على السبب وسيأتي تمام هذا وبيان محل العدوان في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى
فرع لو فتح رأس زق فضاع ما فيه نظر إن كان ( مطروحا ) ما فيه بالفتح ضمن
وإن كان منتصبا لا يضيع ما فيه لو بقي كذلك لكنه سقط نظر إن سقط بفعله بأن كان يحرك الوكاء ويجذبه حتى أفضى إلى السقوط ضمن وكذا لو سقط بما يقصد تحصيله بفعله بأن فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتى ابتل أسفله وسقط ضمن
وإن سقط بعارض كزلزلة أو هبوب ريح أو وقوع طائر فلا ضمان ولو فتح رأسه فأخذ ما فيه في الخروج ثم جاء آخر ونكسه مستعجلا فضمان الخارج بعد النكس هل هو

عليهما كالجارحين أم على الثاني فقط كالحاز مع الجارح فيه وجهان
أصحهما الثاني
هذا إذا كان ما في الزق مائعا
فإن كان جامدا فطلعت الشمس فأذابته وضاع أو ذاب بمرور الزمان وتأثير حرارة الريح فيجب الضمان على الأصح
ويجري الوجهان فيما لو أزال أوراق العنب وجرد عناقيده للشمس فأفسدتها وفيما لو ربح شاة رجل فهلكت سخلتها أو حمامة فهلك فرخها لفقد ما يصلح لهما
ولو جاء آخر وقرب نارا من الجامد فذاب وضاع فوجهان
أحدهما لا ضمان على واحد منهما وأصحهما يضمن الثاني
ويجري الوجهان فيما لو قرب الفاتح ايضا النار وفيما لو كان رأس الزق مفتوحا فجاء رجل وقرب منه النار

فرع لو حل رباط سفينة فغرقت بالحل ضمن ولو غرقت بحادث كهبوب
أو غيره لم يضمن
وإن لم يظهر حادث فوجهان
وليكن الأمر كذلك في مسألة الزق إذا لم يظهر حادث لسقوطه
فرع فتح قفصا عن طائر وهيجه حتى طار ضمنه

فإن لم يزد على الفتح فثلاثة أقوال
أظهرها إن طار في الحال ضمن وإلا فلا
والثاني يضمن مطلقا
والثالث لا يضمن مطلقا
وفي ما جمع في فتاوى القفال تفريعا على وجوب الضمان إذا طار في الحال أنه لو وثبت هرة بمجرد فتح القفص ودخلته وقتلت الطائر لزمه الضمان لأنه في معنى إغراء الهرة وأنه لو كان القفص مغلقا فاضطرب بخروج الطائر وسقط فانكسر لزم الفاتح ضمانه
وأنه لو كسر الطائر في خروجه

قارورة رجل لزمه ضمانها لأن فعل الطائر منسوب إليه وأنه لو كان شعير في جراب مشدود الرأس بجنبه حمار ففتح رأسه فأكله الحمار في الحال لزم الفاتح ضمانه ولو حل رباط بهيمة أو فتح باب الاصطبل فخرجت وضاعت فالحكم على ما ذكرنا في القفص
ولو خرجت في الحال وأتلفت زرع رجل قال القفال إن كان نهارا لم يضمن الفاتح وإن كان ليلا ضمن كدابة نفسه
وقال العراقيون لا يضمن إذ ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن الزروع
قلت قطع ابن كج بما قاله القفالوالله أعلم ولو حل قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فذهب فهو كما لو حل رباط البهيمة
وإن كان العبد عاقلا نظر إن لم يكن آبقا فلا ضمان لأن له إختيارا صحيحا فذهابه محال عليه وإن كان آبقا فلا ضان أيضا على الأصح وقيل هو كحل رباط البهيمة ففيه التفصيل

فرع لو وقع طائر على جداره فنفره لم يضمن لأنه كان ممتنعا
ولو رماه في الهواء فقتله ضمنه سواء هواء داره وغيره إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه
فرع لو فتح باب الحرز فسرق غيره أو دل سارقا فسرق أو
فغصب أو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا وضاع فلا ضمان عليه ولو حبس المالك عن ماشيته جتى تلفت فلا ضمان لأنه لم يتصرف في المال كذا قالوه

ولعل صورته فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية وإنما قصد حبسه فأفضى الأمر إلى هلاكها لأن المتولي قال لو كان له زرع ونخيل وأراد سوق الماء إليها فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت ففي الضمان الوجهان فيما لو فتح الزق عن جامد فذاب بالشمس وضاع
قلت الأصح في صورتي الحبس عن الماشية والسقي أنه لا ضمان بخلاف فتح الزق لما ذكرنا أنه لم يتصرف في المال
والله أعلم ولو غصب هادي القطيع فتبعه القطيع أو غصب البقرة فتبعها العجل لم يضمن القطيع والعجل على الأصح

فرع لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه فلا ضمان
الهلاك على اختيار الحيوان ومباشرته
ولو نقله إلى مسبعة فأفترسه سبع فلا ضمان أيضا هذا هو المذهب والمعروف في كتب لأصحاب وذكر الغزالي فيه وجهين وليس بمعروف
فصل إثبات اليد العادية سبب للضمان وينقسم إلى مباشرة بأن يغصب الشىء
لأن إثبات اليد على الأصول سبب لاثباتها على الفروع فيكون ولد المغصوب وزوائده مغصوبة

ثم إثبات اليد العادية يكون في المنقول والعقار
أما المنقول فالأصل فيه النقل لكن لو ركب دابة غيره أو جلس على فراش غيره ولم ينقله ففي كونه غاصبا ضامنا وجهان
أصحهما نعم سواء قصد الاستيلاء أم لا
قال المتولي وهذا إذا كان المالك غائبا أما إذا كان حاضرا فإن أزعجه وجلس على الفراش أو لم يزعجه وكان بحيث يمنعه من رفعه والتصرف فيه فيضلنه قطعا وقياس ما يأتي إن شاء الله تعالى في نظيره من العقار أن لا يكون غاصبا إلا لنصفه
وأما العقار فإن كان مالكه فيه فأزعجه ظالم ودخل الدار بأهله على هيئة من يقصد السكن فهو غاصب سواء قصد الإستيلاء أم لا لأن وجود الاستيلاء يغني عن قصده ولو سكن بيتا من الدار ومنع المالك منه دون باقي الدار فهو غاصب لذلك البيت دون باقي الدار
وإن أزعج المالك ولم يدخل الدار فالمذهب والذي يدل عليه كلام جماهير الأصحاب أنه غاصب فلم يعتبروا في الغصب إلا الاستيلاء ومنع المالك عنه وقال الغزالي لا يكون غصبا واعتبر دخول الدار في غصبها أما إذا لم يزعج المالك ولكن دخل واستولى معه فهو غاصب لنصف الدار لاجتماع يدهما واستيلائهما فإن كان الداخل ضعيفا والمالك قوي لا يعد مثله مستوليا عليه لم يكن غاصبا لشىء من الدار ولا اعتبار بقصد ما لا يتمكن من تحقيقه
أما إذا لم يكن هناك مالك فدخل على قصد الاستيلاء فهو غاصب وإن كان ضعيفا وصاحب الدار قويا لأن الاستيلاء حاصل في الحال وأثر قوة المالك إنما هو سهولة إزالته والانتزاع من يده فصار كما لو سلب قلنسوة ملك فإنه غاصب وإن سهل على المالك انتزاعها
وفي وجه لا يكون غصبا لأن مثله في العرف يعد هزءا ولا يعد استيلاء وهو شاذ ضعيف وإن دخل لا على قصد الاستيلاء بل لينظر هل يصلح له أو غير ذلك لم يكن غاصبا
قال المتولي لكن لو انهدمت في تلك الحال هل يضمنها وجهان
أحدهما نعم كما لو أخذ منقولا من

بين يدي مالكه لينظر هل يصلح له ليشتريه فتلف في تلك الحال فأنه يضمنه
وأصحهما لا لأن اليد على المنقول حقيقة
ولو اقتطع قطعة أرض ملاصقة لأرضه وبنى عليها حائطا وأضافها إلى ملكه ضمنها لوجود الاستيلاء

فصل فيما إذا انبنت على يد الغاصب يد أخرى قد سبق معظم
كتاب الرهن وحاصله أن كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضمنان فيتخير المالك عند التلف بين مطالبة الغاصب ومن ترتبت يده على يده سواء علم المغصوب أم لا لأنه أثبت يده على مال غيره بغير إذنه فالجهل ليس مسقطا للضمان
ثم الثاني أن علم الغصب فهو غاصب من الغاصب فيطالب بكل ما يطالب به الغاصب وإن تلف المغصوب في يده فقرار الضمان عليه
فاذا غرم لا يرجع على الأول وإذا غرم الأول رجع عليه هذا إذا لم تختلف قيمته في يدهما أو كانت في يد الثاني أكثر فلو كانت في يد الأول أكثر لم يطالب بالزيادة إلا الأول وتستقر عليه
أما إذا جهل الثاني الغصب فإن كانت اليد في وضعها يد ضمان كالعارية استقر الضمان على الثاني
وإن كانت يد أمانة كالوديعة استقر على الغاصب على المذهب
وفي وجه تستقر على المودع وفي وجه لا يطالب المودع أصلا وقد سبق بيان هذا الفصل في أواخر الباب الثالث من كتاب الرهن بزيادة على هذا والقرض معدود من أيدي الضمان
ولو وهب المغصوب فهل القرار على الغاصب لأنها ليس يد ضمان أم على المتهب لأنه أخذه للتملك قولان
أظهرهما الثاني

ولو زوج المغصوبة فتلفت عند الزوج فالمذهب أنه لا يطالب الزوج بقيمتها قطعا
وقيل كالمودع

فرع إذا أتلف القابض من الغاصب نظر إن استقل بالاتلاف فقرار الضمان
عليه
وإن حمله الغاصب عليه بأن غصب طعاما فقدمه إليه ضيافة فأكله فالقرار على الاكل أن كان على عالما وكذا إن كان جاهلا على الأظهر المشهور في الجديد
فعلى هذا إن ضمنه لم يرجع على الغاصب وإن ضمن الغاصب رجع عليه
وعلى القول الاخر بالعكس هذا إذا قدمه إليه وسكت
فإن قال هو ملكي فإن ضمن الاكل ففي رجوعه على الغاصب القولان
وإن ضمن الغاصب فالمذهب أنه لا يرجع قطعا لأنه معترف بأنه مظلوم فلا يرجع على غير ظالمه
وقال المزني يرجع عليه وغلطه الأصحاب
ولو وهب المغصوب فأتلفه المتهب فالقولان وأولى بالاستقرار على المتهب
فرع لو قدم الطعام المغصوب إلى عبد إنسان فأكله فإن جعلنا القرار
على الحر الاكل فهذه جناية من العبد يباع فيها وإلا فلا يباع وإنما يطالب الغاصب كما لو قدم شعيرا مغصوبا إلى بهيمة بغير إذن مالكها
فرع غصب شاة وأمر قصابا بذبحها جاهلا بالحال فقرار ضمان النقص على
الغاصب

ولا يخرج على القولين في آكل الطعام لأنه ذبح الغاصب وهناك انتفع بأكله

فرع لو أمر الغاصب رجلا باتلاف المغصوب بالقتل والاحراق ونحوهما ففعله جاهلا
بخلاف الاكل ولا أثر للتغرير مع التحريم وقيل على القولين
فرع قدم المغصوب إلى مالكه فأكله جاهلا بالحال فإن قلنا في التقديم
إلى الاجنبي القرار على الغاصب لم يبرأ من الضمان
وإلا فيبرأ وربما نصر العراقيون الاول
ونقل الإمام عن الاصحاب إن البراءة هنا أولى من الاستقرار على الاكل
ولو أودعه للمالك أو رهنه عنده أو أجره إياه جاهلا بالحال فتلف عنده لم يبرأ من الضمان على المذهب وقيل بالقولين
ولو باعه للمالك أو أقرضه أو أعاره فتلفت عنده برىء الغاصب
ولو دخل المالك دار الغاصب فأكل طعاما يظنه للغاصب فكان هو المغصوب برىء الغاصب ولو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله المالك للدفع لم يبرأ الغاصب سواء علم أنه عبده أم لا لأن الاتلاف بهذه الجهة كاتلاف العبد نفسه ولهذا لو كان العبد لغيره لم يضمنه
وفي وجه يبرأ عند العلم لاتلافه مال نفسه لمصلحته وهو ضعيف
فرع زوج المغصوبة بمالكها جاهلا فتلفت عنده فهو كما لو أودعها عنده
فتلفت

فلو استولدها نفذ الاستيلاد وبرء الغاصب على المذهب
ولو قال الغاصب للمالك أعتق هذا فأعتقه جاهلا نفذ العتق على الأصح لأنه لا يبطل بالجهل فعلى هذا يبرأ الغاصب على الأصح لعود مصلحة العتق إليه
وعلى الثاني لا يبرأ فيطالبه بقيمته
ولو قال أعتقه عني ففعل جاهلا ففي نفوذ العتق وجهان إن نفذ ففي وقوعه عن الغاصب وجهان
الصحيح المنع
ولو قال المالك للغاصب أعتقه عني أو مطلقا فأعتقه عتق وبرىء الغاصب
الطرف الثاني في المضمون قال الأصحاب رحمهم الله المضمون هو المعصوم وهو قسمان
أحدهما ما ليس بمال وهو الاحرار فيضمنون بالجناية على النفس والطرف بالمباشرة تارة وبالتسبب أخرى وتفصيله في كتاب الديات
الثاني ما هو مال وهو نوعان أعيان ومنافع
والأعيان ضربان حيوان وغيره
والحيوان صنفان آدمي وغيره
أما الادمي فيضمن النفس والطرف من الرقيق بالجناية كما يضمن الحر ويضمن أيضا باليد العادية
وبدل نفسه قيمته بالغة ما بلغت سواء قتل أو تلف تحت اليد العادية
وأما الأطراف والجراحات فما كان منها لا يتقدر واجبه في الحر فواجبه في الرقيق ما نقص من قيمته سواء حصل بالجناية أو فات تحت اليد العادية وما كان مقدرا في الحر ينظر إن حصل بجناية فقولان
الجديد الأظهر أنه يتقدر من الرقيق أيضا والقيمة في حقه كالدية في حق الحر فيجب في يد العبد نصف قيمته كما يجب في يد الحر نصف ديته وعلى هذا القياس
والقديم الواجب ما نقص من قيمته كسائر الاموال
وأما ما يتلف تحت اليد العادية كمن غصب عبدا فسقطت يده بآفة سماوية فالواجب فيه ما ينقص على الصحيح
وفي وجه إن كان النقص أقل من المقدر وجب مايجب على الجاني فعلى

الجديد لو قطع الغاصب المغصوب لزمه اكثر الامرين من نصف القيمة والارش
لو قطع يديه فعليه كمال القيمة
وكذا لو قطع أنثييه فزادت قيمته
ولو كان الناقص بقطع الغاصب ثلثي قيمته وجب ثلثا قيمته على القولين
أما على القديم فلأنه قدر النقص
وأما على الجديد فالنصف بالجناية والسدس باليد العادية
ولو كان النقص بسقوط اليد بآفة ثلث القيمة فهو الواجب على القديم وكذا على الجديد تفريعا على الصحيح وعلى الوجه الاخر الواجب نصف قيمته
والمكاتب والمستولدة والمدبر حكمهم في الضمان حكم القن
الصنف الثاني غير الادمي من الحيوان فيجب فيه باليد والجناية قيمته وفي ما تلف من أجزائه ما نقص من قيمته ويستوي فيه الخيل والابل والحمير وغيرها
الضرب الثاني غير الحيوان وهو منقسم إلى مثلي ومتقوم وسيأتي ضبطهما وحكمهما في الطرف الثالث إن شاء الله تعالى
النوع الثاني المنافع وهي أصناف
منها منافع الأموال من العبيد والثياب والارض وغيرها وهي مضمونة بالتفويت
والفوات تحت اليد العادية فكل عين لها منفعة تستأجر لها يضمن منفتها إذا بقيت في يده مدة لها أجرة حتى لو غصب كتابا وأمسكه مدة وطالعه أو مسكا فشمه أو لم يشمه لزمه أجرته
ولو كان العبد المغصوب يعرف صنائع لزمه أجرة أعلاها أجرة ولا يلزمه أجر الجميع
ولو استأجر عينا لمنفعة فاستعملها في غيرها ضمنها
قلت ذكر القاضي أبو الطيب في تعليقه أنه لو غصب أرضا ولم يزرعها وهي مما تنقص بترك الزرع كأرض البصرة وشبهها فإنها إذا لم تزرع نبت فيها

الدغل والحشيش كان عليه رد الحشيش وأجرة الارض ولم يذكر القاضي أرش النقص
والظاهر أنه يجب
والله أعلم ومنها منفعة البضع فلا تضمن بالفوات تحت اليد لان اليد لا تثبت عليها ولهذا يزوج السيد المغصوبة ولا يؤجرها كما لا يبيعها وكذا لو تداعى رجلان نكاح امرأة ادعيا عليها ولا يدعي كل واحد منهما على الاخر وإن كانت عنده
وإذا أقرت لأحدهما حكم بأنها زوجه وذلك يدل على أن اليد لها ولأن منفعة البضع تستحق إستحقاق ارتفاق للحاجة وسائر المنافع تستحق استحقاق ملك تام
ولهذا من ملك منفعة بالاستئجار ملك نقلها إلى غيره بعوض أو بغيره والزوج لا يملك نقل منفعة البضع
فأما إذا فوت منفعة البضع بالوطء فيضمن مهر المثل وسيأتي تفريعه في الفصل الثالث من الباب الثاني إن شاء الله تعالى
ومنها منفعة بدن الحر وهي مضمونة بالتفويت
فإذا قهر حرا وسخره في عمل ضمن أجرته
وإن حبسه وعطل منافعه لم يضمنها على الأصح لأن الحر لا يدخل تحت اليد فمنافعه تفوت تحت يده بخلاف المال وقال ابن أبي هريرة يضمنها ويقرب من الوجهين الخلاف في صورتين
إحداهما لو إستأجر حرا وأراد أن يؤجره هل له ذلك والثانية إذ أسلم الحر المستأجر نفسه ولم يستعمله المستأجر إلى انقضاء المدة التي استأجره فيها هل تتقرر أجرته قال الأكثرون له أن يؤجره وتتقرر أجرته
وقال القفال لا يؤجره ولا تتقرر أجرته لأن الحر لا يدخل تحت اليد ولا تحصل منافعه في يد المستأجر ويدخل ضمانه إلا عند وجودها هكذا ذكر الأصحاب ( توجيه ) الخلاف في المسائل الثلاث ولم يجعلوا دخول الحر تحت اليد مختلفا فيه بل اتفقوا على عدمه ولكن من جوز إجارة

المستأجر وقرر الأجرة بنى الأمر على الحاجة والمصلحة وجعل الغزالي الخلاف في المسائل مبنيا على التردد في دخوله تحت اليد ولم نر ذلك لغيره

فرع في دخول ثياب الحر في ضمان من استولى عليه تفصيل مذكور
السرقة
فرع قال المتولي لو نقل حرا صغيرا أو كبيرا بالقهر إلى موضع
لم يكن له غرض في الرجوع إلى الموضوع الأول فلا شيء عليه
وإن كان واحتاج إلى مؤنة فهي على الناقل لتعديه
ومنها منفعة الكلب فمن غصب كلب صيد أو حراسة لزمه رده مع مؤنة الرد إن كان له مؤنة وهل تلزمه أجرة منفعته وجهان بناء على جواز إجارته
وفيما اصطاده الغاصب بالكلب المغصوب وجهان
أحدهما للمالك كصيد العبد وكسبه
وأصحهما للغاصب كما لو غصب شبكة أو قوسا واصطاد بهما فإنه للغاصب
ويجري الوجهان فيما لو اصطاد بالبازي والفهد المغصوبين وحيث كان الصيد للغاصب لزمه أجرة مثل المغصوب وحيث كان للمالك كصيد العبد ففي وجوب الاجرة لزمن الاصطياد وجهان
أصحهما الوجوب لانه ربما كان يستعمله في شغل آخر
قلت والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الصيد عن الاجرة فإن نقصت وجب الناقص قطعا
وألله أعلم

فرع المغصوب إذا دخله نقص هل يجب أرشه مع
إن كان النقص بسبب غير الاستعمال بأن غصب ثوبا أو عبدا فنقصت قيمته بآفة سماوية كسقوط عضو العبد بمرض وجب الأرش مع الأجرة ثم الأجر الواجبة لما قبل حدوث النقص أجرة مثله سليما ولما بعده أجرة مثله معيبا
وإن كان النقص بسبب الاستعمال بأن لبس الثوب فأبلاه فوجهان
أصحهما يجبان والثاني لا يجب إلا أكثر الأمرين من أجرة المثل وأرش النقص
فرع سيأتي إن شاء الله تعالى أن العبد المغصوب إذا تعذر رده
غرم الغاصب قيمته للحيلولة وتلزمه مع ذلك أجرة المثل للمدة الماضية قبل بذل القيمة وفيما بعدها وجهان
أصحهما الوجوب لبقاء حكم الغصب
ويجري الوجهان في أن الزوائد الحاصلة بعد خفع القيمة هل تكون مضمونة على الغاصب وفي أنه هل يلزمه مؤنة ردها وفي أن جناية الابق في إباقه هل يتعلق ضمانها بالغاصب ولو غيب الغاصب المغصوب إلى مكان بعيد وعسر رده وغرم القيمة قال الإمام وطرد شيخي في هذه الصورة الخلاف في الأحكام المذكورة ومنهم من قطع بوجوب الاجرة وثبوت سائر الأحكام
والفرق أنه إذا غيبه بإختياره فهو باق في يده وتصرفه فلا ينقطع عنه الضمان

فرع الخمر والخنزير لا يضمنان ( لا ) لمسلم ولا لذمي تجوز الاراقة أم حيث لا تجوز ثم خمور أهل الذمة لا تراق إلا إذا تظاهروا بشربها أو بيعها ولو غصب منهم والعين باقية وجب ردها وإن غصبت من مسلم وجب ردها إن كانت محترمة وإن لم تكن محترمة لم يجب بل تراق

فرع آلات الملاهي كالبربط والطنبور وغيرهما وكذا الصنم والصليب لا

وفي الحد المشروع في إبطالها وجهان
أحدهما تكسر وترضى حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة منها لا الاولى ولا غيرها
وأصحهما لا تكسر الكسر الفاحش لكن تفصل
وفي حد التفصيل وجهان
أحدهما قدر لا يصلح معه للاستعمال المحرم حتى إذا رفع وجه البربط وبقي على صورة قصعة كفى والثاني أن يفصل إلى حد حتى لو فرض اتخاذ آلة محرمة من مفصلها لنال الصانع التعب الذي يناله في ابتداء الاتخاذ وهذا بأن يبطل تأليف الأجزاء كلها حتى تعود كما كانت قبل التأليف وهذا أقرب إلى كلام الشافعي رضي الله عنه وجماهير الأصحاب
ثم ما ذكرناه من الاقتصار على تفصيل الأجزاء هو فيما إذا تمكن المحتسب منه أما

إذا منعه من في يده ودافعه عن المنكر فله إبطاله بالكسر قطعا
وحكى الإمام اتفاق الأصحاب على أن قطع الأوتار لا يكفي لانها مجاورة لها منفصلة
ومن اقتصر في إبطالها على الحد المشروع فلا شيء عليه
ومن جاوزه فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد المشروع وبين قيمتها منتهية إلى الحد الذي أنى به
وإن أحرقها فعليه قيمتها مكسورة الحد المشروع
قلت قال الغزالي في البسيط أجمعوا على أنه لا يجوز إحراقها لأن رضاضها متمول
ومما يتعلق بهذا الفصل أن الرجل والمرأة والعبد والفاسق والصبي المميز يشتركون في جواز الاقدام على إزالة هذا المنكر وسائر المنكرات ويثاب الصبي عليها كما يثاب البالغ ولكن إنما تجب إزالته على المكلف القادر
قال الغزالي في الأحياء وليس لأحد منع الصبي من كسر الملاهي وإراقة الخمور وغيرهما من المنكرات كما ليس له منع البالغ فإن الصبي وإن لم يكن مكلفا فهو من أهل القرب وليس هذا من الولايات ولهذا يجوز للعبد والمرأة وآحاد الرعية وسيأتي ذلك مبسوطا مع ما يتعلق به في كتاب السير إن شاء الله تعالى
والله أعلم الطرف الثالث وفي قدر الواجب فما كان مثليا ضمن بمثله
وما كان متقوما فبالقيمة
وفي ضبط المثلي أوجه أحدها كل مقدر بكيل أو وزن فهو مثلي وينسب هذا الى نص الشافعي رضي الله عنه لقوله في المختصر وما له كيل أو وزن فعليه مثل كيله أو وزنه
والثاني يزاد مع هذا جواز السلم فيه
والثالث زاد القفال وآخرون اشتراك جواز بيع بعضه ببعض
والرابع ما يقسم بين الشريكين من غير تقويم
والخامس قاله العراقيون المثلي ما لا تختلف أجزاء النوع منه في القيمة وربما قيل في الجرم والقيمة
ويقرب منه قول من

قال المثلي المتشاكل في القيمة ومعظم المنافع
وما اختاره الإمام هو تساوي الأجزاء في المنفعة والقيمة فزاد المنفعة واختاره الغزالي وزاد من حيث الذات لا من حيث الصنعة
والوجه الأول منقوض بالمعجونات
والثالث بعيد عن اختيار أكثر الأصحاب لأنهم اعرضوا عن هذا الشرط وقالوا امتناع بيع بعضه ( ببعض ) لرعاية الكمال في حال التماثل بمعزل عما نحن فيه
والرابع لا حاصل له فأنه منقض بالأرض المتساوية فأنها تنقسم كذلك وليست مثلية والخامس ضعيف أيضا منتقض بأشياء فالأصح الوجه الثاني لكن الأحسن أن يقال المثلي ما يحصره كيل أو وزن ويجوز السلم فيه ولا يقال مكيل أو موزون لأن المفهوم منه ما يعتاد كيله ووزنه فيخرج منه الماء وهو مثلي وكذا التراب وهو مثلي على الأصح
ويحصل من الخلاف اختلاف من الصفر والنحاس والحديد لأن أجزاءها مختلفة الجواهر وكذا في التبر والسبيكة والمسك والعنبر والكافور والثلج والجمد والقطن لمثل ذلك
وفي العنب والرطب وسائر الفواكه الرطبة لامتناع بيع بعضها ببعض وكذا الدقيق
والأصح أنها كلها مثلية
وفي السكر والفانيذ والعسل المصفى بالنار واللحم الطري للخلاف في جواز بيع كل منها بجنسه وفي الخبز لامتناع بيع بعضه ببعض وأيضا الخلاف في جواز السلم فيه
وأما

الحبوب والأدهان والألبان والسمن والمخيض والخل الذي ليس فيه ماء والزبيب والتمر ونحوها فمثلية بالاتفاق
والدراهم والدنانير الخالصة مثلية
ومقتضى العبارة الثانية جريان خلاف فيها لأن في السلم فيها خلافا سبق
قلت الصواب المعروف الذي قطع به الأصحاب أنها مثلية
والله أعلم وفي المكسرة الخلاف في تبر والسبيكة وأما الدراهم والدنانير المغشوشة فقال المتولي إن جوزنا المعاملة بها فمثلية وإلا فمتقومة

فصل إذا غصب مثليا وتلف في يده والمثل موجود فلم يسلمه حتى
أخذت منه القيمة
والمراد بالفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد وحواليه على ما سبق في انقطاع المسلم فيه وفي القيمة المعتبرة أحد عشر وجها
أصحها يجب أقصى القيم من يوم الغصب إلى الاعواز
والثاني أقصاها من الغصب إلى التلف
والثالث أقصاها من التلف إلى الاعواز وربما بني هذان الوجهان على أن الواجب عند إعواز المثل هل هو قيمة المغصوب لأنه الذي أتلف على المالك أم قيمة المثل لأنه الواجب عند التلف وفيه وجهان لأبي الطيب ابن سلمة
والرابع أقصاها من الغصب إلى تغريم القيمة والمطالبة بها
والخامس أقصاها من الاعواز إلى المطالبة
والسادس أقصاها من تلف المغصوب إلى المطالبة
والسابع قيمته يوم التلف
والثامن يوم الاعواز اختاره أبو علي الزجاجي بضم الزاي والحناطي بالحاء المهملة والماوردي وأبو خلف السلمي
والتاسع يوم المطالبة
والعاشر إن كان منقطعا في جميع البلاد فقيمة يوم الاعواز
وإن فقد هناك فقط فقيمة يوم الحكم بالقيمة
والحادي عشر حكي عن الشيخ أبي حامد إن ثبت عنه قيمة يوم

أخذ القيمة لا يوم المطالبة ولو غصب مثليا فتلف والمثل مفقود فالقياس أنه يجب على الوجه الاول
والثاني أقصى القيم من الغصب إلى التلف
وعلى الثالث والسابع والثامن ( قيمة ) يوم التلف وأن يعود
والرابع والسادس والتاسع بحالها
وعلى الخامس أقصى القيم من التلف إلى يوم التقويم
والعاشر بحاله
قلت والحادي عشر بحاله
والله أعلم ولو أتلف لرجل مثليا بلا غصب وكان المثل موجودا فلم يسلمه حتى فقد فعلى الوجه الثاني قيمة يوم الاتلاف
وعلى الأول والثالث أقصى القيم من الاتلاف إلى الاعواز
وعلى الرابع من الاتلاف إلى التقويم
والقياس عود الأجه الباقية
ولو أتلفه والمثل مفقود فالقياس أن يقال على الأوجه الثلاثة الأوائل والسابع والثامن تجب قيمة يوم الاتلاف
وعلى الرابع والخامس والسادس أقصى القيم من الاتلاف إلى التقويم
وعلى التاسع قيمة يوم التقويم
وعلى العاشر إن كان مفقودا في جميع البلاد فيوم الاتلاف وإلا فيوم التغريم

فرع متى غرم الغاصب أو المتلف القيمة لاعواز المثل ثم وجد المثل
هل للمالك رد القيمة وطلب المثل وجهان
أصحهما لا
قلت ويجريان في أن الغاصب والمتلف هل لهما رد المثل وطلب القيمة
والله أعلم

فرع في أن المثلي هل يؤخذ مثله مع اختلاف
أما المكان فاذا غصب مثليا ونقله إلى بلد آخر كان للمالك أن يكلفه رده وله أن يطالبه بالقيمة في الحال للحيلولة
ثم إذا رده الغاصب رد القيمة واسترده
فلو تلف في البلد المنقول إليه طالبه بمثله حيث ظفر به من البلدين لتوجه الطلب عليه برد العين في الموضعين
فإن فقد المثل غرمه ( قيمة ) أكثر البلدين قيمة
ولو اتلف مثليا أو غصبه وتلف عنده في بلد ثم ظفر به في آخر هل له مطالبته بالمثل فيه ثلاثة أوجه
الصحيح الذي قطع به الأكثرون إن كان مما لا مؤنة لنقله كالدراهم والدنانير فله المطالبة بالمثل وإلا لم يكن له طلب المثل و للغارم تكليفه قبوله لما فيه من الضرر وللمالك أن يغرمه قيمة بلد التلف فإن تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل
والوجه الثاني بطالبه بالمثل
وإن لزمت مؤنة وزادت القيمة كما لو أتلف مثليا في وقت الرخص له طلب المثل في الغلاء
والثالث إن كانت قيمة ذلك البلد لا تزيد على قيمة بلد التلف طالبه بالمثل وإلا فلا
وإذا قلنا بالمنع فأخذ القيمة ثم اجتمعا في بلد التلف هل للمالك رد القيمة وطلب المثل وهل لصاحبه استرداد القيمة وبذل المثل فيه الوجهان فيما لو غرم القيمة لاعواز المثل
ولو نقل المغصوب المثلي إلى بلد وتلف هناك أو أتلفه ثم ظفر به المالك في بلد ثالث وقلنا إنه لا يطالب بالمثل في غير موضع التلف فله أخذ قيمة أكثر البلدين قيمة
وأما إذا اختلف الزمان فله المطالبة بالمثل وإن زادت القيمة وليس له إلا ذلك وإن نقصت القيمة
هذا كله إذا لم يخرج المثل باختلاف الزمان والمكان عن أن يكون له قيمة ومالية
فأما إن خرج بأن أتلف ماءه في مفازة ثم أجتمعا علي شط نهر أو في بلد أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعنا في الشتاء فليس للمتلف بذل المثل بل عليه قيمة المثل في مثل تلك المفازة ( وفي الصيف وإذا غرم القيمة ثم اجتمعا في مثل تلك المفازة ) أو في الصيف

فهل يثبت التراد فيه وجهان
وأما المسلم إليه والمقترض إذا ظفرا به المالك في بلد آخر ففي مطالبته كلام سبق في كتاب السلم
قلت ولو قال المستحق لا آخذ القيمة بل أنتظر وجود المثل فله ذلك نقله في البيان ويحتمل أن يجيء فيه الخلاف في أن صاحب الحق إذا امتنع من قبضه هل يجبر ويمكن الفرق
ولو لم يأخذ القيمة حتى وجد المثل تعين قطعا
والله أعلم فصل الذهب والفضة إن كانا مضروبين فقد سبق أنهما مثليان وإلا فإن كان فيهما صنعة بأن أتلف حليا وزنه عشرة وقيمته عشرون فأربعة أوجه
أحدها يضمن العين بوزنها من جنسها والصنعة بقيمتها من غير جنسها سواء كان ذلك نقد البلد أم لا لأنا لو ضمناه الجميع بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك ربا
والثاني يضمن العين بوزنها من جنسها والصنعة بنقد البلد كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر يضمن بنقد البلد سواء كان من جنس المكسور أم لا
والثالث يضمن الكل بغير جنسه تحرزا عن الفاضل وعن اختلاف الجنس في أحد الطرفين
والرابع وهو أصحها يضمن الجميع بنقد البلد وإن كان من جنسه ولا يلزم من ذلك الربا فإنه إنما يجري في العقود لا في هذه الغرامات هكذا نقل الجمهور وأحسن منه ترتيب البغوي وهو أن صنعة الحلي متقومة وفي ذاته الوجهان السابقان في التبر
فإن قلنا متقوم ضمن الكل بنقد البلد كيف كان وإن قلنا مثلي فوجهان
أحدهما يضمن الجميع بغير جنسه
وأصحهما يضمن الوزن بالمثل والصنعة بنقد البلد سواء كان من جنسه أم من غيره
ولو أتلف

إناء من ذهب أو فضة فإن جوزنا اتخاذه فهو كما لو أتلف حليا وإن منعناه فهو كاتلاف ما لا صنعة له
ولو أتلف ما لا صنعة فيه كالتبر والسبيكة
فإن قلنا هو مثلي ضمن مثله وإلا فوجهان
أحدهما يضمن قيمته ينقد البلد سواء كان من جنسه أم لا كسائر المتقومات
والثاني أن الجواب كذلك إلا إذا كان نقد البلد من جنسه وكانت القيمة تزيد على الوزن فحينئذ يقوم بغير الجنس ويضمن به وهذا اختيار العراقيين

فصل إذا تغير المغصوب فقد يكون متقوما ثم يصير مثليا وعكسه ومثليا
فيهما ومتقوما فيهما
الحال الأول كمن غصب رطبا وقلنا إنه متقوم فصار تمرا ثم تلف عنده فوجهان
أحدهما وبه قطع العراقيون يضمن مثل التمر لأنه أقرب إلى الحق وأشبههما وبه قطع البغوي إن كان الرطب أكثر قيمة لزمه قيمته لئلا تضيع الزيادة وإن كان التمر أكثر أو استويا لزمه المثل واختار الغزالي أنه يتخير بين مثل التمر وقيمة الرطب
الحال الثاني كمن غصب حنطة فطحنها وتلف الدقيق عنده أو جعله خبزا وأتلفه وقلنا لا مثل للدقيق والخبز أو تمرا واتخذ منه خلا بالماء فعلى قول العراقيين يضمن المثل وهو الحنطة والتمر وعلى ما قطع به البغوي إن كان المتقوم أكثر قيمة غرمها وإلا فالمثل وعن القاضي حسين يغرم أكثر القيم وليس للمالك مطالبته بالمثل
فعلى هذا إذا قيل من غصب حنطة في الغلاء فتلف المغصوب عنده ثم طالبه المالك في الرخص فهل يغرمه المثل أو القيمة لم يصح

إطلاق الجواب بواحد منهما بل الصواب أن يقال إن تلفت وهي حنطة غرم المثل
وإن صار إلى حالة التقويم ثم تلف فالقيمة
الحال الثالث كمن غصب سمسما فاتخذ منه شيرجا ثم تلف عنده قال العراقيون والغزالي يغرمه المالك ما شاء منهما
وقال البغوي إن كان قيمة أحدهما أكثر غرم مثله وإلا فيتخير المالك ما شاء منهما
الحال الرابع يجب فيه أقصى القيم

فرع إذا لزمه المثل لزمه تحصيله إن وجده بثمن المثل

فإن لم يجده إلا بزيادة فوجهان
أصحهما عند البغوي والروياني يلزمه المثل لأن المثل كالعين ويجب رد العين وإن لزم في مؤنته أضعاف قيمته
وأصحهما عند آخرين منهم الغزالي لا يلزمه تحصيله لأن الموجود بأكثر من ثمنه كالمعدوم كالرقبة وماء الطهارة ويخالف العين فانه تعدى فيها دون المثل
قلت هذا الثاني أصح وقد صححه أيضا الشاشي
والله أعلم فصل غصب متقوما فتلف عنده لزمه أقصى قيمته من يوم غصبه إلى تلفه وتجب قيمته من نقد البلد الذي تلف فيه فلو كانت مائة فصارت مائتين ثم عادت بالرخص إلى خمسين ثم تلف لزمه مائتان
ولو تكرر ارتفاع السعر وانخفاضه لم يضمن كل زيادة وإنما يضمن الأكثر ولا أثر لارتفاع السعر بعد التلف

قطعا
ولو أتلف متقوما بلا غصب لزمه قيمته يوم الاتلاف
فإن حصل التلف بتدرج وسراية واختلفت قيمته في تلك المدة بأن جنى على بهيمة قيمتها مائة يومئذ ثم هلكت وقيمة مثلها خمسون فقال القفال يلزمه المائة لأنا إذا أعتبرنا الأقصى في اليد العادية ففي نفس الاتلاف أولى

فرع لو لم يهلك المغصوب لكن أبق أو غيبه الغاصب أو ضلت
ضاع الثوب فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال للحيلولة
والاعتبار بأقصى القيم من الغصب إلى المطالبة وليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة لأن قيمة الحيلولة ليست حقا ثابتا في الذمة حتى يجبر على قبوله أو الابراء منه بل لو أبرأه المالك عنها لم ينفذ
وفي وجه هي كالحقوق المستقرة وهو شاذ
ثم القيمة المأخوذة يملكها المالك كما يملك عند التلف وينفذ تصرفه فيها ولا يملك الغاصب المغصوب فاذا ظفر بالمغصوب فللمالك استرداده ورد القيمة وللغاصب رده واسترداد القيمة
وهل له حبس المغصوب إلى أن يستردها حكى القاضي حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه أن له ذلك كما حكى ثبوت الحبس للمشتري في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن لكن سبق في البيع ذكر الخلاف في ثبوت الحبس للمشتري وذكرنا أن الأصح المنع ويشبه أن يكون حبس الغاصب في معناه والمنع هو اختيار الإمام في الموضعين
وإذا كانت الدراهم المبذولة بعينها باقيه في يد المالك فللشيخ أبي محمد تردد في أنه هل يجوز للمالك إمسأكها وغرامة مثلها أم لا
قلت الأقوى أنه لا يجوز
والله أعلم ولو اتفقا على ترك التراد فلا بد من بيع ليصير المغصوب للغاصب ثم التضمين

للحيلولة لايختص بالمتقومات بل يثبت في كل مغصوب خرج من اليد وتعذر رده
قلت قد حكى صاحب البيان عن القفال أن المالك لا يملك القيمة المأخوذة للحيلولة بل ينتفع به على ملك الغاصب لئلا يجتمع في ملكه البدل والمبدل وهذا شاذ ضعيف نبهت عليه لئلا يغتر به قال في البيان ولو ظهر على المالك دين مستغرق فالغاصب أحق بالقيمة التي دفعها لأنها عين ماله
وإن تلفت في يد المالك رجع الغاصب بمثلها
وإن كانت باقية زائدة رجع في زيادتها المتصلة دون المنفصلة
قال القاضي أبو الطيب والجرجاني هذا إذا تصور كون القيمة مما يزيد
والله أعلم فرع سبق أن منافع المغصوب مضمونة
فلو كانت الأجرة في مدة الغصب متفاوتة فثلاثة أوجه حكاها القاضي أبو سعد بن أبي يوسف
أصحها يضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها فيه
والثاني كذلك إن كانت الأجرة في أول المدة أقل فإن كانت في الأولى أكثر ضمنها بالأكثر في جميع المدة لأنه لو كانت العين في يده فربما يكريها بها في جميع المدة
والثالث بالأكثر في جميع المدة مطلقا وهو ضعيف

فصل زوائد المغصوب منفصلة كانت كالولد والثمرة والبيض أو متصلة كالسمن وتعلم
بالرد أم لا

الطرف الرابع في الاختلاف وفيه مسائل
الأولى ادعى الغاصب تلف المغصوب وأنكر المالك
فالصحيح أن القول قول الغاصب مع يمينه وقيل قول المالك بيمينه فعلى الصحيح إذا حلف الغاصب هل للمالك تغريمه المثل أو القيمة وجهان
أشحهما نعم
الثانية اتفقا على الهلاك واختلفا في قيمته صدق الغاصب لأن الأصل براءته وعلى المالك البينة وينبغي أن يشهد الشهود أن قيمته كذا أما إذا أراد إقامة البينة على صفات العبد ليقومه المقومون بتلك الصفات ففي قول يقبل ويقوم بالأوصاف وينزل على أقل الدرجات كالسلم والمشهور المنع للتفاوت
قال الإمام لكن يستفيد المالك بالبينة على الأوصاف إبطال دعوى الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات ويصير كما لو أقر الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة ثم قومه بحقير لا يليق بها لا يلتفت إليه بل يؤمر بالزيادة إلى أن يبلغ حدا يجوز أن يكون قيمة لمثل ذلك الموصوف
ولو قال المالك قيمته ألف وقال الغاصب بل خمسمائة وجاء المالك ببينة أنها أكثر من خمسمائة من غير تقدير فقيل لا تسمع هكذا والأكثرون سمعوها قالوا وفائدة السماع أن يكلف الغاصب زيادة على خمسمائة إلى حد لا يقطع البينة بزيادة عليه ولو قال المالك لا أدري كم قيمته لم تسمع دعواه حتى يبين
وكذا لو قال الغاصب أعلم انه دون ما ذكره ولا أعرف قدره لم تسمع حتى يبين فاذا بين حلف عليه
الثالثة قال المالك كان العبد كاتبا أو محترفا فأنكر الغاصب فالصحيح أن القول قول الغاصب وقيل قول المالك لأنه أعرف بملكه
ولو ادعى الغاصب به عيبا وأنكر المالك نظر إن ادعى عيبا حادثا فقال كان أقطع أو سارقا ففي المصدق قولان أظهرهما المالك
وإن ادعى عيبا خلقيا فقال كان أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد فالمصدق الغاصب على الصحيح لأن

الأصل العدم ويمكن المالك البينة
والثاني يصدق المالك نظرا إلى غلبة السلامة
والثالث يفرق بين ما يندر من العيوب وغيره
الرابعة رد المغصوب وبه عيب وقال غصبته هكذا وقال المالك حدث العيب عندك صدق الغاصب قاله المتولي
قلت وقاله ابن الصباغ أيضا ونقله في البيان
والله أعلم الخامسة تنازعا في الثياب التي على العبد صدق الغاصب لثبوت يده
السادسة قال غصبت داري بالكوفة فقال غصبتها بالمدينة فالقول قول المدعى عليه أنه لم يغصب بالكوفة
وأما دار المدينة فإن وافقه المدعي عليها ثبتت وإلا فيبطل إقراره بها لتكذيبه
قلت ومثله لو قال غصبت مني عبدا فقال بل جارية ونحو ذلك
والله أعلم السابعة غصب خمرا محترمة فهلكت عنده فقال المغصوب منه هلكت بعد التخلل فقال الغاصب قبله صدق الغاصب
الثامنة قال طعامي الذي غصبته كان جديدا فقال الغاصب بل عتيقا صدق الغاصب بيمينه
فإن نكل حلف المالك ثم له أخذ العتيق لأنه دون حقه
التاسعة باع عبدا فجاء زيد وأدعى أنه ملكه وأن البائع كان غصبه منه فلا شك أن له دعوى عين العبد على المشتري
وفي دعواه القيمة على البائع ما ذكرناه في الاقرار
فإن ادعى العين على المشتري فصدقه أخذ العبد منه ولا رجوع له بالثمن على البائع
وإن كذبه المشتري فأقام زيد بينة أخذه ورجع المشتري بالثمن على البائع
وإن لم يقم بينة ونكل المشتري حلف زيد وأخذه ولا رجوع للمشتري بالثمن لتقصيره بالنكول
وإن صدقه البائع دون المشتري لم يقبل

إقرار البائع على المشتري ويبقى البيع بحاله إلا أن يكون إقراره بالغصب في زمن الخيار فيجعل ذلك فسخا للبيع
ثم لو عاد العبد إلى البائع بارث أو رد بعيب لزمه تسليمه إلى زيد
وإن صدقه البائع والمشتري جميعا سلم العبد إلى زيد وعلى البائع رد الثمن أو بدله إن كان تالفا
ولو جاء المدعي بعدما أعتق المشتري العبد وصدقه البائع والمشتري لم يبطل العتق سواء وافقهما العبد أو خالفهما لأن في عتقه حقا لله تعالى بخلاف ما لو كاتبه المشتري ثم توافقوا على تصديق المدعي لأن الكتابة قابلة للفسخ
وللمدعي في مسألة الاعتاق قيمة العبد على البائع جن اختص بتصديقه وإذا أوجبنا الغرم للحيلولة فيما إذا أقر به لزيد ثم لعمرو وعلى المشتري إن اختص بتصديقه وعلى من شاء منهما إن صدقاه جميعا
وقرار الضمان على المشتري إلا أن تكون القيمة في يد البائع أكثر فلا يطالب المشتري بالزيادة
ولو مات المعتق وقد كسب مالا فهو للمدعي لأن المال خالص حق آدمي وقد توافقوا أنه مستحقه بخلاف العتق كذا أطلقوه
قال الإمام وهو محمول على يستقل به العبد فأما كسب يحتاج إلى إذن السيد فلا يستحقه المدعي لاعترافه بخلوه عن الاذن
قلت ولو ادعى الغاصب رد المغصوب حيا وأقام به بينة فقال المالك بل مات عندك وأقام به بينة تعارضت البينتان وسقطتا وضمن الغاصت لأن الأصل بقاء الغصب
ولو قال غصبنا من زيد ألفا ثم قال كنا عشرة أنفس وخالفه زيد قال في البيان قال بعض أصحابنا القول قول الغاصب بيمينه لأن الأصل براءته مما زاد
والله أعلم

الباب الثاني في الطوارىء على المغصوب
فيه ثلاثة أطراف
الأول في النقص وهو ثلاثة أقسام
الأول نقص القيمة فقط كمن غصب ما يساوي عشرة فرده بحاله وهو يساوي درهما فلا شىء عليه وقال أبو ثور يلزمه نقص القيمة ووافقه بعض أصحابنا وهذا شاذ
القسم الثاني نقص القيمة والأجزاء فالجزء الفائت مضمون بقسطه من قصى القيم من الغصب إلى التلف والنقص الحاصل بتفاوت السعر في الباقي المردود غير مضمون
مثاله غصب ثوبا قيمته عشرة فعادت بالرخص إلى درهم ثم لبسه فأبلاه حتى عادت إلى نصف درهم يرده مع خمسة دراهم لأن بالاستعمال انسحقت أجزاء من الثوب وتلك الأجزاء في هذه الصورة نصف الثوب فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصى القيم كما يغرم الكل عند تلفه بالاقصى
ولو كانت القيمة عشرين وعادت بانخفاض السعر إلى عشرة ثم لبسه وأبلاه فعادت إلى خمسة لزمه مع رده عشرة
ولو كانت عشرة فعادت بالانخفاض إلى خمسة ثم لبسه فأبلاه حتى عادت إلى درهم لزمه مع رده ستة لأنه تلف بالاستعمال ثلاثة أخماس الثوب فيغرمها بثلاثة أخماس أقصى القيم
قال الشيخ أبو علي وأخطأ بعضهم فقال يلزمه ثلاثة لأنها الناقصة بالاستعمال وقياس قول هذا أن يلزم في الصورة الأولى نصف درهم وفي الثانية خمسة
ولو غصبه وقيمته عشرة فعاد بالاستعمال إلى خمسة ثم انخفض السعر فعادت إلى درهمين فرده لزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالاستعمال

ولا يضمن النقصان الحاصل في البالي المردود
ولو غصب ثوبا قيمته عشرة فلبسه وأبلاه حتى عادت إلى خمسة ثم ارتفع السعر فصارت قيمته وهو بال عشرة قال ابن الحداد وبعض الأصحاب يغرم مع رد الثوب عشرة لأن الباقي من الثوب نصفه وهو يساوي عشرة
وقال الجمهور لا يغرم مع رده إلا الخمسة الناقصة بالاستعمال ولا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف
قال الامام والصفات كالأجزاء في هذا كله حتى لو غصب عبدا صانعا قيمته مائة فنسي الصنعة وعادت قيمته إلى خمسين ثم ارتفع السعر فبلغت قيمته ناسيا مائة وقيمة مثله يحسن الصنعة مائتين لا يغرم مع رده إلا خمسين
ثم الجواب في صور إبلاء الثوب ( كلها ) مبني على أن أجرة مثل المغصوب لازمة مع أرش النقص الحاصل بالاستعمال وهو الأصح
وسبق وجه أنه لا يجمع بينهما
فعلى ذلك الوجه الواجب أكثر الأمرين من المقادير المذكورة وأجرة المثل
ولو اختلف المالك والغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه فقال المالك زاد تقبل الابلاء فأغرم التالف بقسطه ( منها ) وقال الغاصب ( بل ) زادت بعده قال ابن سريج المصدق الغاصب
القسم الثالث نقص الأجزاء والصفات وحدها وسنذكر حكمه في الصور الاتية إن شاء الله تعالى

فصل النقص الحادث في المغصوب ضربان

أحدهما ما لا سراية له فعلى الغاصب أرشه ورد الباقي ولا فرق بين أن يكون الأرش قدر القيمة كقطع يدي العبد أو دونها ولا بين أن تفوت معظم منافعه أو لا تفوت ولا بين أن يبطل بالجناية عليه الاسم الأول كذبح الشاة

وطحن الحنطة وتمزيق الثوب أو لا يبطل
فلو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب وتغريمه بدله لم يكن له ذلك لانه عين ملكه
وفي وجه إذا طحن الطعام فله تركه وطلب المثل لانه أقرب إلى حقه من الدقيق
الضرب الثاني ما له سراية لا يزال يسري إلى الهلاك الكلي كما لو بل الحنطة وتمكن فيها العفن الساري أو اتخذ منها هريسة أو غصب سمنا وتمرا ودقيقا وعمله عصيدة وفيه نصوص وطرق مختلفة تجمعها أربعة أقوال منصوصة
أظهرها عند العراقيين يجعل كالهالك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل أو قيمة
والثاني يرده مع أرش النقص وليس للمالك إلا ذلك واختاره الإمام والبغوي
والثالث يتخير المالك بين موجب القولين واختاره الشيخ أبو محمد والمسعودي
والرابع يتخير الغاصب بين أن يمسكه ويغرمه وبين أن يرده مع أرش النقص
قلت رجح الرافعي في المحرر الأول أيضا
والله أعلم فعلى الأول لمن تكون الحنطة المبلولة وجهان نقلهما المتولي
أحدهما تبقى للمالك كما لو نجس زيته وقلنا لا يطهر بالغسل فإن المالك أولى به
والثاني يصير للغاصب
وإذا حكمنا بالأرش مع الرد غرم أرش عيب سار
قال المتولي فإن رأى الحاكم أن يسلم الجميع إليه فعل وإن رأى يسلم أرش النقص المتحقق إليه في الحال ووقف الزيادة إلى أن تتيقن نهايته
وفي هذا نظر لأن المفهوم من أرش العيب السراي أرش عيب شأنه السراية وهو حاصل

في الحال
أما المتولد منه فيجب قطع النظر عنه إذ الكلام في نقص لا تقف سرايته إلى الهلاك
فلو نظرنا إلى المتولد منه لانجر إلى تمام القيمة وهو عود إلى القول الأول وقد بين ما قلناه أبو خلف السلمي في شرح المفتاح فقال في قول التخيير إن شاء المالك غرمه ما نقص إلى الان ثم لا شىء له في زيادة فساد حصل بعد ذلك وإن شاء تركه له وطالبه بجميع البدل

فرع من صور هذا الضرب ما إذا صب الماء في الزيت وتعذر
فأشرف على الفساد
وعن الشيخ أبي محمد تردد في مرض العبد المغصوب إذا كان ساريا عسر العلاج كالسل والاستسقاء ولم يرضه الامام لأن المريض المأيوس منه قد يبرأ والعفن المفروض في الحنطة يفضي إلى الفساد قطعا
قلت ولو عفن الطعام في يده لطول المكث فطريقان
قال الشيخ أبو حامد هو كبل الحنطة
وقال القاضي أبو الطيب يتعين أخذه مع الأرش قطعا واختاره ابن الصباغ وهو الأصح
والله أعلم فصل في جناية العبد المغصوب والجناية عليه أما جنايته فينظر إن جنى جناية توجب القصاص واقتص منه في يد الغاصب غرم الغاصب أقصى قيمه من الغصب إلى القصاص
وإن جنى بما يوجب قصاصا في الطرف واقتص منه في يده غرم بدله كما لو سقط بآفة سماوية
ولو اقتص منه

بعد الوفاء إلى السيد يلزم الغاصب أيضا وكذا الحكم لو ارتد أو سرق في يد الغاصب ثم قتل أو قطع بعد الرد إلى المالك
ولو غصب مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد الغاصب فهل يضمنه الغاصب وجهان كمن اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يده فمن ضمان من يكون القتل أو القطع أما إذا جنى المغصوب على نفس أو مال جناية توجب المال متعلقا برقبته فعلى الغاصب تخليصه بالفداء
وبماذا يفديه فيه طريقان
المذهب أنه يفديه بأقل الأمرين من الأرش وقيمة العبد
وقال الإمام فيه قولان
أحدهما هذا
والثاني بالأرش وإن زاد كالقولين فيما إذا أراد السيد فداء الجاني
وإذا ثبت أن الجاني والجناية مضمونان على الغاصب لم يخل إما أن يتلف الجاني في يد الغاصب وإما أن يرده
فإن تلف في يده فللمالك تغريمه أقصى القيم
فاذا أخذها فللمجني عليه أن يغرم الغاصب إن لم يكن غرمه وله أن يتعلق بالقيمة التي أخذها المالك لأن حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها كما إذا تلف المرهون كانت قيمته رهنا
وفي وجه لا مطالبة للمجني عليه بما أخذه المالك
والصحيح الأول
فاذا أخذ المجني عليه حقه في تلك القيمة رجع المالك بما أخذه على الغاصب
ولو كان العبد يساوي ألفا فرجع بانخفاض السعر إلى خمسمائة ثم جنى ومات عند الغاصب فغرمه المالك الألف لم يكن للمجني عليه إلا خمسمائة وإن كان أرش الجناية ألفا فأكثر لأنه ليس له إلا قدر قيمته يوم الجناية وإن رد العبد إلى المالك نظر إن رده بعدما غرم للمجني عليه فذاك وإن رد قبله فبيع في الجناية رجع المالك على الغاصب بما أخذ منه لأن الجناية حصلت حين كان مضمونا عليه بخلاف ما إذا جنى في يد المالك ثم غصبه رجل ورده ثم بيع في تلك الجناية فإنه لا يرجع المالك بشىء لأن الجناية حصلت وهو غير مضمون عليه

وفرع ابن الحداد وغيره على ذلك فقالوا إذا جنى في يد المالك جناية تستغرق قيمته ثم غصب وجنى في يد الغاصب جناية مستغرقة
ثم رده المالك ثم بيع في الجنايتين وقسم الثمن بينهما نصفين يرجع المالك على الغاصب بنصف قيمة العبد
ولو كان الفرع بحاله وتلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب فله طلب القيمة من الغاصب وللمجني عليهما أخذها فاذا أخذاها فللمالك الرجوع بنصفها على الغاصب لأنه أخذ منه نصفها بجناية في يد الغاصب فاذا رجع به فللمجني عليه الأول أخذه لأنه بدل ما تعلق به حقه قبل الجناية الثانية
وإذا أخذه لم يكن له الرجوع على الغاصب مرة أخرى لأنه مأخوذ بجناية غير مضمونة على الغاصب
هذا هو الصحيح في الصورتين
وقيل إذا رد العبد وبيع في الجناية فالنصف الأول يرجع به المالك ويسلم له ولا يؤخذ منه وإنما يطالب المجني عليه الأول الغاصب بنصف القيمة
وإذا تلف في يد الغاصب بعد الجنايتين لا يأخذ المالك شيئا ولكن المجني عليه الأول يطالب الغاصب بتمام القيمة والمجني عليه الثاني يطالبه بنصف القيمة
ولو جنى المغصوب في يد الغاصب أولا ثم رده إلى المالك فجنى في يده أخرى وكل واحد منهما تستغرق القيمة فبيع فيهما وقسم الثمن بينهما فللمالك الرجوع على الغاصب بنصف القيمة للجناية التي هي مضمونة عليه
قال الشيخ أبو علي سمعت القفال مرة يقول ليس لواحد من المجني عليهما أخذ هذا النصف من المال
أما الثاني فلأن الجناية عليه مسبوقة بجناية مستغرقة وحقه لم يثبت إلا في نصف القيمة وقد أخذه
وأما الأول فلأن حق السيد يثبت في القيمة بنفس الغصب وهو متقدم على حق المجني عليه فما لم يصر حقه إليه لا يرجع إلى غيره شىء
قال أبو علي ليس هذا بشىء بل للمجني عليه الأول أخذه كما في الجناية السابقة ولا عبرة بثبوت حق السيد في القيمة فإن حقه وإن تقدم فحق المجني عليه مقدم كما في الرقبة
قال وناظرت القفال فيه فرجع إلى قولي
وعلى هذا إذا

أخذه المجني عليه الأول رجع به المالك على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ ثانيا لأن الأول أخذ تمام القيمة والثاني لم يتعلق حقه إلا بالنصف وقد أخذه
ولو جنى في يد الغاصب ثم في يد المالك كما صورناه ثم قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده أخذت القيمة منه وقسمت بين المجني عليهما ثم للمالك أن يأخذ منه نصف القيمة لأنه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه
فإذا أخذه كان للمجني عليه الأول أن يأخذه منه ثم له أن يرجع به على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ في هذه المرة وقد غرم الغاصب والحالة هذه القيمة مرتين مرة بجناية العبد في يده ومرة بالقتل
أما الجناية عليه فإن قتل نظر إن وجب القصاص بأن كان القاتل عبدا والقتل عمدا فللمالك القصاص
فاذا اقتص برىء الغاصب لأنه أخذ بدل حقه ولا نظر مع القصاص إلى تفاوت القيمة كما لا نظر في الاحرار إلى تفاوت الدية
وإن لم يجب القصاص
فإن كان الجاني حرا لزمه للجناية قيمته يوم القتل سواء قتله الغاصب أو أجنبي والمالك بالخيار بين أن يطالب بها الغاصب أو الجاني لكن القرار على الجاني
ثم إن كانت قيمته قبل يوم القتل أكثر ونقصت في يد الغاصب لزمه ما نقص بحكم اليد
وإن كان الجاني عبدا فإن سلمه سيده مبيع في الجناية نظر إن كان الثمن مثل قيمة المغصوب أخذه ولا شىء له على الغاصب إلا إذا كانت قيمته قد نقصت عنده قبل القتل
وإن كان الثمن أقل أخذ الباقي من الغاصب
وإن اختار سيده فداه فإن قلنا يفديه بالأرش أخذه ولا شىء له على الغاصب إلا على التقدير المذكور
وإن قلنا يفدي بالأقل من الأرش والقيمة فإن كانت قيمة المغصوب أكثر من قيمة الجاني فالباقي على الغاصب وإن كانت أقل أو مثلها أخذها المالك ولا شىء له على الغاصب إلا على التقدير المذكور
ولو اختار المالك تغريم الغاصب ابتداء فله ذلك ويأخذ منه جميع قيمة الغصوب ثم يرجع الغاصب على سيد الجاني بما غرم إلا ما لا يطالب به إلا الغاصب
هذا إذا كانت الجناية قتلا

فأما الجراحات فاما أن يكون لها أرش مقدر في الحر وإما لا والواجب في الحالين ما ذكرناه من قبل
وإذا كان الواجب ما نقص من قيمته بالجناية كان المعتبر حال الاندمال فإن لم يكن حينئذ نقص لم يطالب بشىء
وإذا كان الواجب مقدرا من القيمة كالمقدر من الدية فهل يؤخذ في الحال أم يؤخذ في الاندمال قولان كما لو كانت الجناية على حر وسيأتي ( ذلك ) في موضعه إن شاء الله تعالى
وإذا كان الجاني غير الغاصب وغرمناه المقدر من القيمة وكان الناقص أكثر من ذلك القدر فعى الغاصب ما زاد
وإن كان المقدر أكثر مما نقص من القيمة فهل يطالب الغاصب بالزيادة على ما نقص ذكرنا فيما إذا سقطت يده بآفة أن الأصح أنه لا يطالب
وهنا الأصح أنه يطالب والقرار على الجاني
واختلفوا فيما لو قطعت يده قصاصا أو حدا لأنه يشبه السقوط بآفة من حيث أنه تلف لا بدل له ويشبه الجناية من حيث حصوله بالاختيار

فرع لو اجتمعت جناية المغصوب والجناية عليه بأن قتل إنسانا ثم قتله
في يد الغاصب عبد رجل فللمغصوب منه أن يقتص ويسقط به الضمان عن الغاصب ويسقط حق ورثة من قتله المغصوب لأن العبد الجاني إذا هلك ( و ) لم يحصل له عوض يضيع حق المجني عليه لكن لو كان المغصوب قد نقص عند الغاصب بحدوث عيب بعدما جنى لم يبرأ الغاصب من أرش ذلك النقص ولولي من قتله التمسك به وإن حدث العيب قبل جنايته فاز المغصوب منه بالأرش
فلو لم يقتص المغصوب منه بل عفا على مال أو كانت الجانية موجبة للمال فحكم تغريمه وأخذه المال على ما سبق

في الجناية عليه من غير جناية منه
ثم إذا أخذ المال كان لورثة من جنى عليه هذا العبد التعلق به لأنه بدل الجاني على مورثهم
فاذا أخذوه رجع به المغصوب منه على الغاصب مرة أخرى لأنه أخذ ( منه ) بسبب جناية مضمونة عليه ويسلم المأخوذ ثانيا كما سبق نظيره
قلت ومما يتعلق بالفصل لو وثب العبد المغصوب فقتل الغاصب وهرب إلى سيده فإن كانت الجناية عمدا قال الصيمري إن عفا ورثة الغاصب عن القصاص والدية سقط الضمان عن الغاصب في المال
وإن قتلوه لزمهم قيمة العبد في التركة وكأنهم لم يسلموه وكذا لو طلبوا الدية من رقبته
وإن قتل المغصوب سيده وهو في يد الغاصب فالصحيح الذي قطع به الشيخ أبو حامد أن لورثة المالك أن يقتصوا منه وإذا قتلوه استحقوا قيمته من الغاصب
وحكى في البيان وجها أن جنايته تكون هدرا
ولو صال العبد المغصوب أو الجمل المغصوب على رجل فقتله المصول عليه للدفع فلا ضمان عليه ويجب ضمانه على الغاصب ولا يرجع على المصول عليه
والله أعلم فصل نقل التراب من الأرض المغصوبة تارة يكون من غير إحداث حفر ككشط وجهها وتارة باحداثها كحفر بئر أو نهر
ففي الحالة الأولى للمالك إجباره على رده إن كان باقيا
فإن تلف وانمحق بهبوب الريح أو السيول أجبره على رد مثله إليه وعليه إعادة وضعه وهيئته كما كان من انبساط أو ارتفاع
وإن لم يطالبه المالك بالرد نظر إن كان له غرض بأن دخل الأرض نقص يرتفع بالرد ويندفع عنه الأرش أو نقله إلى ملكه وأراد تفريغه أو إلى ملك غيره أو شارع

يخاف من التعثر به الضمان فله الاستقلال بالرح
وإن لم يكن شىء من ذلك بأن نقله إلى موات أو من أحد طرفي الأرض المغصوبة إلى الطرف الاخر فإن منعه المالك من الرد لم يرد وإن لم يمنعه فهل يفتقر الرد إلى إذنه وجهان بناء على الوجهين في أنه لو منعه فخالف ورد هل للمالك تكليفه النقل ثانيا إن قلنا لا فله الرد بغير إذنه وإلا فلا وهو الأصح
وإذا كان له غرض في الرد فرده فمنعه المالك من بسطه لم يبسطه وإن كان في الأصل مبسوطا
الحالة الثانية إذا حفر بئرا فأمره المالك بطمها لزمه وإلا فله أن يستقل به ليدفع عن نفسه خطر الضمان بالسقوط فيها
وقال المزني لا يطم إلا بإذن المالك
فإن منعه وقال رضيت باستدامة البئر فإن كان للغاصب غرض ( في الطم ) سوى دفع ضمان السقوط فله الطم وإلا فلا في الأصح ويندفع عنه الضمان لخروجه عن أن يكون جناية وتعديا
فلو لم يقل رضيت باستدامتها واقتصر على المنع من الطم قال المتولي هو كما لو صرح بالرضي لتضمنه إياه
وقال الإمام لا يتضمنه
ولو طوى الغاصب البئر بآلة نفسه فله نقلها وللمالك إجباره عليه
فإن تركها ووهبها له لم يلزمه القبول على الأصح
وحيث قلنا في الحالتين يرد التراب إلى موضعه لوقوعه في ملكه أو شارع فذلك إذا لم يتيسر نقله إلى موات ونحوه في طريق الرد
فإن تيسر لم يرد إلا باذن قاله الإمام وذكر أنه إنما يستقل بالطم إذا بقي التراب الأول بعينه
أما إذا تلف ففي الطم بغيره بغير إذن المالك وجهان
وينبغي أن يجيء هذا الخلاف في الحالة الأولى وفيما إذا طلب المالك الرد والطم عند تلف ذلك ( التراب ) والأصح فيهما جميعا لأنه لا فرق بين ذلك التراب وغيره ثم إذا أعاد هيئة الأرض في الحالين كما كانت إما بطلب

المالك وإما دونه نظر إن لم يبق في الارض نقص فلا شىء عليه ولكن عليه اجرة المثل لمدة الحفر والرد وإن بقي لزمه أرشه مع الأجرة
هذا الذي ذكرناه من أول الفصل إلى هنا هو المذهب والذي يفتى به ووراءه تصرف للأصحاب قالوا نص هنا أنه يجب أرش النقص الحاصل بالحفر ولم يوجب التسوية لأنه نص على ذلك فيما إذا غرس الأرض المغصوبة ثم قلع بطلب المالك
ونص فيما إذا باع أرضا فيها أحجار مدفونة فنقلها أنه يلزمه التسوية
فقيل قولان فيهما وقيل بتقرير النصين والفرق ضعيف
وكلام الغزالي يوهم ظاهره خلاف ما ذكرناه فليتأول على ما بيناه

فصل إذا خصي العبد المغصوب فهو على قولين السابقين في جراح العبد

وهل يتقدر إن قلنا بالجديد أنه يتقدر لزمه كمال القيمة وإلا فالواجب ما نقص من القيمة فان لم ينقص شيء عليه
ولو سقط ذلك العضو بآفة سماوية ولم تنقص قيمته ورده فلا شيء عليه على القولين لكن قياس الذي قدمناه في أنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن الجناية أنههلزمه كمال القيمة
فرع لو كان في الجارية المغصوبة سمن مفرط فزال ورجعت إلى الاعتدال
ولم تنقص قيمتها لم يلزمه شيء لأن السمن ليس له مقدر بخلاف الأثنيين

فصل إذا غصب زيتا أو دهنا
فأغلاه فان نقصت عينه فقط كمن غصب صاعين قيمتهما درهمان فصار بالاغلاء صاعا قيوته درهمان فوجهان
أصحهما يرده ويغرم مثل الصاع الذاهب
والثاني يرده ولا شيء عليه
وإن نقصت قيمته فقط رده مع الأرش
وإن نقصا معا وجب رد الباقي ومثل ما ذهب إلا إذا كان ما نقص من القيمة أكثر مما نقص من العين فيجب مع مثل الذاهب أرش نقص الباقي
وإن لم ينقص واحد منهما رده ولا شيء عليه
ولو غصب عصيرا فأغلاه فطريقتان
أحدهما أنه كالزيت فيضمن مثل مثل الذاهب وإن لم تنقص قيمته على الأصح
وأصحها لا فلا يضمن مثل العصير الذاهب إذا لم تنقص قيمته لأن الذاهب مائيته والذاهب من الزيت زيت
ويجري الخلاف في العصير إذا صار خلا ونقصت عينه دون قيمته وفي الرطب إذا صار تمرا
فصل نقص الغصوب هل ينجبر بالكمال بعده ينظر إن كان الكمال من
الذي نقص به كما لو هزلت الجارية ثم سمنت وعادت القيمة كما كانت لم ينجبر على الأصح وقيل لا ينجبر قطعا ولو كان المغصوب يحسن صنعه فنسيها ثم ذكرها أو تعلمها انجبر على الأصح
وقيل ينجبر قطعا لان تذكر الصنعة لا يعد شيأ متجددا بخلاف السمن
والثاني ويجري الخلاف فما لوز كسر والاناء ثم أعاد تلك الصنعة

قلت الأصح هنا إلحاق بالسمن لا بتذكر الصنعة لأن هذه صنعة أخرى وهو تبرع بعلمه
والله أعلم وحيث قلنا بالانجبار فلو لم يبلغ بالعائد القيمة الأولى ضمن ما بقي من النقص وانجبر الباقي
أما إذا كان الكمال بوجه آخر بأن نسي صنعة وتعلم أخرى أو أبطل صنعة الحلي وأحدث أخرى فلا انجبار بحال
وعلى هذا لو تكرر النقص وكان الناقص في كل مرة مغايرا للناقص في المرة الاخرى ضمن الجميع
حتى لو غضب جارية قيمتها مائة فسمنت وبلغت ألفا وتعلمت صنعة وبلغت ألفين ثم هزلت ونسيت الصنعة وعادت قيمتها مائة يردها ويغرم ألفا وتسع مائة وكذا لو علمه الغاصب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها ثم علمه أخرى فنسيها أيضا ضمنها
وإن لم يكن مغايرا بأن علمه سورة واحدة أو حرفة مرارا وينسى قي كل مرة فان قلنا لا يحصل الانجبار بالعادة ضمن نقصان جميع المرات وإلا ضمن أكثر المرات نقصا

فرع لو زادت فيه الجارية بتعلم الغناء ثم نسيته نقل الروياني عن
النص أنه لا يضمن النقص لأنه محرم وإنما يضمن المباح
وعن بعض الأصحاب أنه يضمنه
ولهذا لو قتل عبدا مغنيا يغرم تمام قيمته
قال وهو الاختيار
قلت الأصح المختار هو النص
وقد تقدم في فصل كسر الملاهي أنه لا ضمان في صنعتها لأنها محرمة وهذا لا خلاف فيه
وقد نص القاضي حسين

وغيره على أنه لو أتلف كبشا نطاحا أو ديكا هراشا لزمه قيمته بلا نطاح ولا هراش لأنها محرمة
والله أعلم

فرع مرض العبد المغصوب ثم برأ وزال أثر المرض ورده فلا شىء
على الصحيح
وقيل يضمن نقص المرض ولا يسقط بالبرء وكذا الحكم لو رده مريضا فبرأ وزال الأثر
فرع غصب شجرة فتحات ورقها ثم أورقت أو شاة فجز صوفها ثم
الأول قطعا ولا ينجبر بالثاني بخلاف ما لو سقط من الجارية المغصوبة ثم نبت أو تمعط شعرها ثم نبت فإنه ينجبر
قال البغوي لأن الورق والصوف متقومان فغرمهما وسن الجارية وشعرها غير متقومين وإنما يغرم أرش النقص بفقدهما وقد زال
فصل غصب عصيرا فتخمر عنده كان للمغصوب منه تضمينه مثل العصير لفوات
المالية
قالوا وعلى الغاصب إراقة الخمر
ولو جعلت محترمة كما لو تخمرت في يد المالك بلا قصد الخمرية لكان جائزا
فلو تخللت في يد الغاصب فوجهان
أصحهما

أن الخل للمغصوب منه وعلى الغاصب أرش النقص إن نقصت قيمة الخل عن العصير
والثاني يغرم مثل العصير
وعلى هذا في الخل وجهان
أحدهما للغاصب وأصحهما للمغصوب منه لأنه فرع ملكه
ويجري هذا الخلاف فيما لو غصب بيضة ففرخت عنده أو بذرا فزرعه ونبت أو بزر قز فصار قزا فعلى الأصح الحاصل للمالك ولا غرم على الغاصب إلا أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما غصبه لأن المغصوب عاد زائدا إليه
وعلى الثاني يغرم المغصوب لهلاكه ويكون الحاصل للمالك على الأصح وللغاصب على الآخر

فرع غصب خمرا فتخللت في يده أو جلد ميتة فدبغه فأربعة أوجه

أصحها أن الخل والجلد للمغصوب منه
فعلى هذا إن تلف في يد الغاصب ضمنه
والثاني للغاصب
والثالث الخل للمغصوب منه والجلد للغاصب لأنه صار مالا بفعله
والرابع عكسه لأن الجلد كان يجوز للمغصوب منه إمساكه والخمر المحترمة كالجلد
وإذا قلنا هما للمغصوب منه فذلك إذا لم يكن المالك معرضا عن الخمر والجلد فإن أراق الخمر أو ألقى الشاة الميتة فأخذها رجل فهل للمعرض استرداد الحاصل وجهان
قلت الأصح ليس له وبه قطع الشيخ أبو حامد وغيره في الجلد
والله أعلم
الطرف الثاني في الزيادة وهي آثار محضة وأعيان
أما الأثر فالقول الجملي فيه أن الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة شيئا لتعديه ثم ينظر إن لم يمكن رده إلى الحالة الأولى رده بحاله وأرش النقص إن نقصت قيمته وإلا

فإن رضي به المالك لم يكن للغاصب رده إلى ما كان وعليه أرش النقص إلا أن يكون له عرض في الرد إلى الحالة الأولى فله الرد وإن ألزمه المالك الرد إلى الحالة الأولى لزمه ذلك وأرش النقص إن نقص عما كان قبل تلك الزيادة
فإذا تقرر ذلك فمن صوره طحن الحنطة وقصارة الثوب وخياطته وضرب الطين لبيا وذبح الشاة وشيها
ولا يملك الغاصب المغصوب بشىء من هذه التصرفات بل يردها مع أرش النقص إن نقصت القيمة
وإنما تكون الخياطة من هذا القسم إذا خاط بخيط المالك
فإن خاط بخيط الغاصب فستأتي نظائره إن شاء الله تعالى
ثم في الطحن والقصارة والذبح والشي لا يمكن الرد إلى ما كان
وكذا في شق الثوب وكسر الإناء ولا يجبر على رفء الثوب وإصلاح الإناء لأنه لا يعود إلى ما كان ولو غزل القطن رد الغزل وأرش النقص إن نقص
ولو نسج الغزل فالكرباس للمالك مع الأرش إن نقص وليس للمالك إجباره على نقضه إن لم يمكن رده إلى الحالة الأولى ونسجه ثانيا فإن أمكن كالخز فله إجباره
فإن نقضه ونقصت قيمته عن قيمة الغزل في الأصل غرمه ولا يغرم ما زاد بالنسج لأن المالك أمره بنقضه
فإذا نقضه بغير إذن المالك ضمنه أيضا
ولو غصب نقرة وضربها دراهم أو صاغها حليا أو غصب نحاسا أو زجاجا فجعله إناء فإن رضي المالك به رده كذلك ولم يكن له رده إلى الحالة الأولى إلا أن يضرب الدراهم بغير إذن السلطان أو على غير عياره لأنه حينئذ يخاف التغيير وحيث منع من الرد إلى ما كان فخالف فهو كاتلاف الزوائد الحاصلة عند الغصب
ولو أجبره المالك على رده إلى ما كان لزمه
فإذا امتثل لم يغرم النقصان الحاصل بزوال الصنعة لكن لو نقص عما كان بما طرأ وزال ضمنه
وأما الأعيان فمن صورها صبغ الثوب
وتقدم عليه صورتين
إحداهما إذا غصب أرضا وبنى فيها أو غرس أو زرع كان لصاحب

الأرض أن يكلفه القلع مجانا
ولو أراد الغاصب القلع لم يكن للمالك منعه فإنه عين ماله
وإذا قلع لزمه الأجرة
وفي وجوب التسوية والأرش ما سبق في نقل التراب
وإن نقصت الأرض لطول مدة الغراس فهل يجمع بين أجرة المثل وأرش النقص أو لا يجب إلا أكثرهما فيه الخلاف السابق فيما إذا أبلى الثوب بالاستعمال
ولو أراد المالك أن يتملك البناء والغراس بالقيمة أو يبقيهما أو الزرع بالأجرة فهل على الغاصب إجابته وجهان
أحدهما نعم كالمستعير وأولى لتعديه
وأصحهما لا لتمكنه من القلع بلا غرامة
ولو غصب من رجل أرضا وبذرا فزرعها به فللمالك أن يكلفه إخراج البذر من الأرض ويغرمه أرش النقص وليس للغاصب إخراجه إذا رضي به المالك
الصورة الثانية إذا زوق الأرض المغصوبة نظر إن كان بحيث لو نزع لحصل منه شىء فللمالك إجباره على النزع
فإن تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع فهل يجبر المالك على قبوله وجهان ولو أراد الغاصب نزعه فله ذلك وسواء كان للمنزوع قيمة أم لا فإن نزع فنقصت عما كانت قبل التزويق لزمه الأرش
أما إذا كان التزويق تمويها لا يحصل منه عين بالنزع فليس للغاصب النزع إن رضي المالك
وهل للمالك إجباره عليه وجهان
أحدهما نعم لأنه قد يريد تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته
وأصحهما لا كالثوب إذا قصره
إذا ثبت هذا عدنا إلى الصبغ فنقول للصبغ الذي يصبغ به المغصوب ثلاثة أحوال
الأول أن يكون للغاصب فينظر إن كان الحاصل تمويها محضا فحكمه ما ذكرناه في التزويق
وإن حصل فيه عين مال بالانصباغ فهو ضربان
الأول إذا لم يمكن فصله فقولان
القديم أنه يفوز به صاحب الثوب

تشبيها له بالسمن
والمشهور أنهما شريكان فينظر إن كانت قيمة الثوب مصبوغا مثل قيمته وقيمة الصبغ قبل الصبغ جميعا بأن كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وصار يساوي مصبوغا عشرين فهو بينهما بالسوية
فلو رغب فيه راغب بثلاثين كانت بينهما نصفين
وإن نقصت قيمته مصبوغا عنهما بأن صارت قيمته في الصورة المذكورة خمسة عشر فقد أطلق الأكثرون أن النقص محسوب من الصبغ لأن الثوب هو الأصل والصبغ وإن كان عينا فهو تابع فيكون الثوب المصبوغ بينهما أثلاثا الثلثان للمغصوب منه
وفي الشامل و التتمة أنه إن كان النقص لانخفاض سعر الثياب فالنقص محسوب من الثوب
وإن كان لانخفاض سعر الاصباغ فمن الصبغ وكذا لو كان النقص بسبب العمل
ويمن أن يكون هذا التفصيل مراد من أطلق
وإن كانت قيمته بعد الصبغ عشرة انمحق الصبغ ولا حق فيه للغاصب
وإن نقصت قيمته مصبوغا عن قيمة الثوب فصار يساوي ثمانية فقد ضاع الصبغ ونقص من الثوب درهمان فيرده مع درهمين
وإن زادت قيمته مصبوغا عليهما بأن صار ثلاثين فمن أطلق الجواب في طرف النقص أطلق هنا أن الزيادة بينهما على نسبة ماليهما
ومن فصل قال إن كان ذلك لارتفاع سعر الثياب فالزيادة لصاحب الثوب وإن كان لارتفاع سعر الاصباغ فهي للغاصب وإن كان للعمل والصنعة فهي بينهما لأن الزيادة بفعل الغاصب تحسب للمغصوب منه
الضرب الثاني إذا أمكن فصله عن الثوب فقد حكي قول عن القديم أنه إن كان المفصول لا قيمة له فهو كالسمن والمشهور أنه ليس كالسمن فلا يفوز به المغصوب منه
وهل يملك إجبار الغاصب على فصله وجهان
أصحهما عند العراقيين لا
وأصحهما عند البغوي وطائفة نعم واختاره الإمام ونقل القطع

به عن المراوزة
وإنما الخلاف فيما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا بينا وذلك قد يكون لضياع المنفصل بالكلية وقد يكون لحقارته بالإضافة إلى قيمة الصبغ
ومن جملة الضياع أن يحدث في الثوب نقص بسبب الفصل لا تفي بأرشه قيمة المفصول
ولو رضي المغصوب ( منه ) بابقاء الصبغ وأراد الغاصب فصله فله ذلك إن لم ينقص الثوب وكذا إن نقص على الأصح
وإن تراضيا على ترك الصبغ بحاله فهما شريكان
وكيفية الشركة كما سبق في الضرب الأول

فرع لو ترك الغاصب الصبغ للمالك فهل يجبر كالنعل في الدابة المردودة
بالعيب لأنه تابع أم لا كالبناء والغراس إذا تركه الغاصب وجهان
قال الروياني أصحهما الأول
قال الرافعي بل الثاني أقيس وأشبه
قلت الثاني أصح
وممن صححه صاحب التنبيه قال الجرجاني ويجري الوجهان فيما لو غصب بابا وسمره بمساميز للغاصب وتركها للمالك
والله أعلم
ثم قيل الوجهان فيما إذا أمكن فصل الصبغ وفيما إذا لم يمكن
والأصح تخصيصهما بما إذا أمكن وقلنا إن الغاصب يجبر على الفصل وإلا فهما شريكان لا يجبر واحد منهما على قبول هبة الآخر
وعلى هذا فطريقان
أحدهما أن الوجهين فيما إذا كان يتضرر بالفصل إما لما يناله من التعب وإما لأن المفصول يضيع كله أو أكثره فإن لم يكن كذلك لم يجب القبول بحال
والثاني أن الوجهين فيما إذا

كان الثوب ينقص بالفصل نقصا لا تفي بأرشه قيمة الصبغ المفصول فإن وقت لم يجب القبول بحال وإن تعب أو ضاع معظم المفصول
قال الإمام وإذا قلنا يجب القبول على المغصوب منه لم يشترط تلفظه بالقبول
وأما الغاصب فلا بد من لفظ من جهته يشعر بقطع الحق كقوله أعرضت عنه أو تركته أو أبرأته عن حقي أو أسقطته قال ويجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك

فرع لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ وأراد أن يتملكه على الغاصب
فهل يجاب إليه فيه أوجه سواء كان الصبغ يمكن فصله أم لا أحدهما نعم كالغراس في العارية
وأصحهما لا لأن المعير لا يتمكن من القلع مجانا فكان محتاجا إلى التملك بالقيمة وهنا بخلافه
والثالث إن كان الصبغ بحيث لو فصل لم يحصل منه شىء ينتفع به فنعم وإلا فلا
فرع متى اشتركا في الثوب المصبوغ فهل لأحدهما الانفراد ببيع ملكه ( منه ) وجهان كبيع دار لا
والأصح المنع
ولو أراد مالك الثوب البيع ففي المهذب و التهذيب أنه يجبر الغاصب على موافقته ويباع وإن أراد الغاصب البيع لم يجبر صاحب الثوب على الأصح لئلا يستحق بتعديه إزالة ملك غيره
وفي النهاية القطع بأن واحدا منهما لا يجبر كسائر الشركاء
الحال الثاني أن يكون الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب فإن لم يحدث بفعله نقص فلا غرم عليه وهما شريكان في الثوب المصبوغ كما سبق في المالك

والغاصب
وإن حدث نظر إن كانت قيمته مصبوغا عشرة والتصوير كما سبق فهو لصاحب الثوب ويغرم الغاصب الصبغ للآخر
وإن كانت خمسة عشر فوجهان
أحدهما ( يكون ) الثوب بينهما نصفين ويرجعان على الغاصب بخمسة
وأصحهما أثلاثا على ما سبق في الحال الأول
فإن كان مما يمكن فصله فلهما تكليف الغاصب الفصل
فإن حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما عما كان قبل أن يصبغ غرمه الغاصب ولصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا المالك يجبر الغاصب عليه في الحال الأول
هذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب
فإن لم يحصل إلا تمويه فالحكم كما سبق في التزويق

فرع يقاس بما ذكرناه في الحالتين ثبوت الشركة فيما إذا طير الريح
ثوب إنسان في أجانة صباغ فانصبغ لكن ليس لأحدهما أن يكلف الاخر الفصل ولا التغريم إن حصل نقص في أحدهما إذ لا تعدي
ولو أراد صاحب الثوب تملك الصبغ بالقيمة فعلى ما سبق
الحال الثالث أن يكون الصبغ مغصوبا من مالك الثوب أيضا
فإن لم يحدث بفعله نقص فهو للمالك ولا غرم على الغاصب ولا شىء له إن زادت القيمة لأن الموجود منه أثر محض
وإن حدث بفعله نقص ضمن الأرش وإذا أمكن الفصل فللمالك إجباره عليه
وليس للغاصب الفصل إذا رضي المالك
فرع إذا كان الصبغ للغاصب وقيمته عشرة وقيمة الثوب عشرة فبلغت قيمة
الثوب مصبوغا

ثلاثين ففصل الغاصب الصبغ ونقصت قيمة الثوب عن عشرة لزمه ما نقص وكذا ما نقص عن خمسة عشر إن فصل بغير إذن المالك وطلبه وإن فصل بإذنه لم يلزمه إلا نقص العشرة
ولو عادت قيمته مصبوغا إلى عشرة لانخفاض السعر وكان النقص في الثياب والاصباغ على نسبة واحدة فالثوب بينهما بالسوية كما كان والنقص داخل عليهما جميعا وليس على الغاصب غرامة ما نقص مع رد العين لكن لو فصل الصبغ بعد رجوع القيمة إلى عشرة فصار الثوب يساوي أربعة غرم ما نقص وهو خمس الثوب بأقصى القيم
والمعتبر في الأقصى خمسة عشر إن فصل بنفسه وعشرة إن فصل بطلب المالك

فصل إذا خلط المغصوب بغيره فقد يتعذر التمييز بينهما وقد لا
وإذا تعذر فقد يكون ذلك الغير من جنسه وقد لا
فإن كان كالزيت بالزيت
والحنطة بالحنطة نظر فإن خلطه بأجود من المغصوب أو مثله أو أردأ منه فالمذهب النص أنه كالهالك حتى يتمكن الغاصب من أن يعطيه قدر حقه من غير المخلوط
وقيل قولان
أحدهما هذا
والثاني يشتركان في المخلوط ويرجع في قدر حقه من نفس المخلوط
وقيل إن خلط بالمثل اشتركا وإلا فكالهالك
فإن قلنا كالهالك فللغاصب دفع المثل من غير المخلوط وله دفعه منه اذا خلطه بالأجود أو بالمثل وليس له دفع قدر حقه من المخلوط بالأردإ إلا أن يرضى المالك
واذا رضي فلا أرش له كما إذا أخذ الرديء من موضع آخر
وإن قلنا بالشركة فإن خلط بالمثل فقدر زيته من المخلوط له
وإن خلط بالأجود بأن خلط صاعا قيمته درهم بصاع قيمته درهمان نظر إن أعطاه صاعا من المخلوط أجبر المالك على قبوله وإلا

فيباع المخلوط ويقسم الثمن بينهما أثلاثا فإن أراد قسمة عين الزيت على نسبة القيمة فالمشهور أنه لا يجوز وفي قول رواه البويطي يجوز وفي وجه يكلف الغاصب تسليم صاع من المخلوط لأن اكتساب المغصوب صفة الجودة بالخلط كزيادة متصلة
وإن خلط بالأردإ بأن خلط صاعا قيمته درهمان بصاع قيمته درهم أخذ المغصوب منه صاعا من المخلوط مع أرش النقص لأن الغاصب متعد بالخلط بخلاف المفلس إذا خلط بالأردإ فإن البائع اذا رجع بصاع من المخلوط لا أرش له لعدم التعدي فإن اتفقا على بيع المخلوط وقسمة الثمن أثلاثا جاز وإن أراد قسمة الزيت على نسبة القيمتين فقيل هو على الخلاف في طرق الأجود وقيل بالمنع قطعا

فرع خلط الخل بالخل واللبن باللبن كخلط الزيت بالزيت

وإن خلط الدقيق بالدقيق فإن قلنا هو مثلي فكالزيت بالزيت
وإن قلنا متقوم فإن قلنا المختلط هالك فالواجب على الغاصب القيمة
وإن قلنا بالشركة بيع وقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين
فإن أراد قسمة عين الدقيق على نسبة القيمتين وكان الخلط بالأجود أو الأردإ فعلى ما ذكرنا في خلط الزيت بالزيت
وإن كان الخلط بالمثل جازت القسمة إن جعلناها إفرازا
وإن جعلناها بيعا لم يجز لأن بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز
فرع خلط المغصوب بغير الجنس كزيت بشيرج أو دهن جوز أو دقيق
بدقيق شعير فالمغصوب هالك لبطلان فائدة خاصيته بخلاف الجيد بالرديء
وقيل هو على الخلاف

السابق واختار المتولي الشركة هناك وهنا وقال إن تراضيا على بيع المخلوط وقسمة الثمن جاز وإن أراد قسمته جاز وكأن المغصوب منه باع ما يصير في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج
قال الإمام وألحق الأصحاب بخلط الزيت بالشيرج لت السويق بالزيت وهو بعيد وانما هو كصبغ الثوب

فرع إذا لم يتعذر التمييز لزم الغاصب التمييز وفصله بالالتقاط وإن شق

فرع اذا خلط الزيت بالماء وأمكن التمييز لزمه التمييز وأرش النقص ان
قطعا
فإن حصل فيه مميزا كان أو غيره
نقص سار فقد سبق حكمه
فصل إذا غصب خشبة وأدخلها في بناء أو بنى عليها أو على
لم يملكها بل عليه إخراجها وردها الى المالك ما لم تعفن
فإن عفنت بحيث لو أخرجت لم يكن لها قيمة فهي هالكة
فاذا أخرجها قبل العفن وردها لزمه أرش النقص وإن نقصت
وفي الأجرة ما ذكرناه في إبلاء الثوب بالاستعمال
ولو أدخل لوحا مغصوبا في سفينة نظر إن لم يخف من النزع هلاك نفس ولا مال بأن كانت

على الارض أو مرساة على الشط أو أدخله في أعلاها ولم يخف من نزعه غرقا أو لم يكن فيها نفس ولا مال ولا خيف هلاك السفينة نفسها لزمه نزعه ورده فإن كان في لجة ( البحر ) وخيف من النزع هلاك حيوان محترم سواء كان آدميا الغاصب أو غيره أو غير آدمي لم ينزع حتى تصل الشط
وإن خيف من النزع هلاك مال إما في السفينة وإما في غيرها فهو إما للغاصب أو لمن وضع ماله فيها وهو يعلم أن فيها لوحا مغصوبا فإن كان لهما ففي نزعه وجهان
أصحهما عند الإمام النزع كما يهدم البناء لرد الخشبة
وأصحهما عند ابن الصباغ وغيره لا ينزع لأن السفينة لا تدوم في البحر فيسهل الصبر إلى الشط
وإن كان لغيرهما لم ينزع قطعا
قلت الأصح عند الأكثرين ما صححه ابن الصباغ
والله أعلم
وحيث لا ينزع إلى الشط فتؤخذ القيمة للحيلولة إلى أن يتيسر النزع فحينئذ يرد اللوح مع أرش النقص ويسترد القيمة
وإن قلنا لا يبالي في النزع بهلاك مال الغاصب فاختلطت التي فيها اللوح بسفن للغاصب ولا يوقف على اللوح إلا بنزع الجميع فهل ينزع الجميع وجهان
قلت كذا أطلقوا الوجهين بلا ترجيح وينبغي أن يكون أرجحهما عدم النزع
والله أعلم فرع الخيط المغصوب إن خيط به ثوب ونحوه فالحكم كما في البناء على الخشبة
وإن خيط به جرح حيوان فهو قسمان
محترم وغيره
والمحترم نوعان
آدمي وغيره

أما الادمي فإن خيف من نزعه هلاكه لم ينزع وعلى الغاصب قيمته
ثم إن خيط جرح نفسه فالضمان مستقر عليه
وإن خاط جرح غيره باذنه وهو عالم بالغصب فقرار الضمان على المجروح
وإن كان جاهلا فعلى الخلاف فيما إذا أطعم المغصوب رجلا
وفي معنى خوف الهلاك خوف كل محذور يجوز العدول إلى التيمم من الوضوء وفاقا وخلافا
وأما غير الادمي فضربان
مأكول وغيره فغيره له حكم الادمي إلا أنه لا اعتبار ببقاء الشين ( فيه )
وأما المأكول فإن كان لغير الغاصب لم ينزع وإن كان للغاصب فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما لا يذبح كغير المأكول
وإذا مات الحيوان وفيه الخيط
فإن كان غير آدمي نزع وكذا إن كان آدميا على الأصح
وأما غير المحترم فلا يبالي بهلاكه فينزع منه الخيط
ومن هذا القسم الخنزير والكلب العقور وكذا الكلب الذي لا منفعة فيه قاله الامام
وكذا المرتد على المذهب وبه قطع الأكثرون
وذكر الامام فيه وجهين وادعى أن الأوجه منع النزع لأن المثلة بالمرتد محرمة بخلاف المثلة بالميت لأنا نتوقع عودالمرتد إلى الإسلام
ومن هذا القسم الحربي
وأما الزاني المحصن والمحارب فقال المتولي هما على الوجهين فيما إذا مات وفيه الخيط لأن تفويت روحه مستحق وحيث قلنا لا ينزع يجوز غصب الخيط ابتداء ليخاط به الجرح إذا لم يوجد خيط حلال
وحيد قلنا ينزع لا يجوز
قلتوحيث بلي الخيط فلا نزع مطلقا بل تجب القيمة
والله أعلم

فرع حصل فصيل رجل في بيت رجل ولم يمكن
البناء فإن كان بتفريط صاحب البيت بأن غصبه وأدخله نقض ولم يغرم صاحب الفصيل شيئا
وإن كان بتفريط صاحب الفصيل نقض البناء ولزمه أرش النقص
وإن دخل بنفسه نقض أيضا ولزم صاحب الفصيل أرش النقص على المذهب وبه قطع العراقيون
وقيل وجهان
ثانيهما لا أرش عليه
فرع وقع دينار في محبرة ولا يخرج إلا بكسرها فإن وقع بفعل
المحبرة عمدا أو سهوا كسرت ولا غرم على صاحب الدينار وإن وقع بفعل صاحبه أو بلا تفريط من أحد كسرت وعلى صاحبه الأرش
وقال ابن الصباغ إذا لم يفرط أحد والتزم صاحب المحبرة ضمان الدينار ينبغي أن لا تكسر لزوال الضرر بذلك وهذا الاحتمال عائد في صورة البيت والفصيل
فرع أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولم يخرج إلا بكسرها فإن كان
صاحبها فهو مفرط بترك الحفظ
فإن كانت غير مأكولة كسرت القدر وعليه أرش النقص
وإن كانت مأكولة ففي ذبحها وجهان كمسألة الخيط
وإن لم يكن معها أحد فإن فرط صاحب القدر بأن وضع القدر في موضع لا حق له فيه كسرت ولا أرش له
وإن لم يفرط كسرت وغرم صاحب البهيمة الأرش ولم

يذكروا هذا التفصيل بين المأكول وغيره في مسألة الفصيل والوجه التسوية

فرع سيأتي إن شاء الله تعالى القول في أن ما تتلفه البهيمة
يضمنه مالكها في بابه
فاذا ابتلعت شيئا واقتضى الحال الضمان نظر إن كان مما يفسد بالابتلاع ضمنه
وإن كان مما لا يفسد كاللؤلؤ فإن كانت غير مأكولة لم تذبح وغرم قيمة المبتلع للحيلولة
وإن كانت مأكولة ففي ذبحها الوجهان
فرع لو باع بهيمة بثمن معين فابتلعته فإن لم يكن الثمن مقبوضا
البيع وهذه بهيمة لبائعها ابتلعت مال المشتري إلا أن يقتضي الحال وجوب الضمان على صاحب البهيمة فيستقر العقد ويكون ما جرى قبضا للثمن بناء على أن إتلاف المشتري قبض منه
وإن كان الثمن مقبوضا لم ينفسخ البيع وهذه بهيمة للمشتري ابتلعت مال البائع
فصل غصب زوجي خف قيمتهما عشرة فرد أحدهما وقيمته ثلاثة وتلف الاخر
سبعة قطعا لأن بعض المغصوب تلف وبعضه نقص
ولو أتلف أحدهما أو غصبه وحده وتلف وعادت قيمة الباقي إلى ثلاثة ففيه أوجه
أصحها عند الشيخ أبي حامد ومن تابعه يلزمه سبعة
وأصحها عند الإمام والبغوي خمسة كما

لو أتلف رجل أحدهما وآخر الاخر فإن كلا منهما يضمن خمسة
والثالث يلزمه ثلاثة لأنها قيمة ما أتلفه
ولو أخذ أحدهما بالسرقة وقيمته مع نقص الباقي نصاب لم يقطع بلا خلاف
قلت الأقوى ما صححه الإمام وإن كان الأكثرون على ترجيح الأول وعليه العمل
ويخالف المقيس عليه فإنه لا ضرر على المالك هناك
وصورته أنهما أتلفاهما دفعة واحدة
فإن تعاقبا لزم الثاني ثلاثة
وفي الأول الخلاف
وفي الصورة الأولى إذا غصبهما معا وجه في التنبيه و التتمة أنه يلزمه ثلاثة وهو غريب
والله أعلم الطرف الثالث فيما يترتب على تصرفات الغاصب
وفيه مسائل
إحداها إذا أتجر الغاصب في المال المغصوب فقولان
الجديد أنه إن باعه أو اشترى بعينه فالتصرف باطل
وإن جاع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فيه فالعقد صحيح والتسليم فاسد فلا تبرأ ذمته مما التزم ويملك الغاصب ما أخذ وأرباحه له
والقديم أن بيعه والشراء بعينه ينعقد موقوفا على إجازة المالك
فإن أجاز فالربح له
وكذا إذا التزم في الذمة وسلم المغصوب تكون الأرباح للمالك وهذه المسألة سبق ذكرها في البيع ويتم شرحها في القراض إن شاء الله تعالى
والغرض هنا أن ما ذكرناه بعدها مفرع على الجديد وهو الأظهر
الثانية وطىء الغاصب المغصوبة فإن كانا جاهلين بتحريم الوطء فلا حد عليهما وعليه المهر للسيد وكذا أرش البكارة إن كانت بكرا
ثم هل يفرد الأرش فنقول عليه مهر ثيب والأرش أم لا يفرد فنقول مهر بكر وجهان
أصحهما الأول
والوجه أن يقال إن اختلف المقدار بالاعتبارين وجب الزائد وقد أشار الإمام إليه وإلا ففيه الوجهان
وإن كانا عالمين بالتحريم

نظر إن كانت الجارية مكرهة فعلى الغاصب الحد والمهر ويجب أرش البكارة إن كانت بكرا
وإن كانت طائعة فعليهما الحد ولا يجب المهر على الصحيح المنصوص
وقيل على المشهور
ويجب أرش البكارة إن كانت بكرا إذا قلنا يفرد عن المهر وإلا ففي وجوب الزائد على مهر وإلا ففي وجوب الزائد على وهي ثيب وجهان
أحدهما لا يجب كما لو زنت الحرة وهي طائعة وهي بكر
والثاني يجب كما لو أذنت في قطع طرف منها
وإن كان الغاصب عالما دونها فعليه الحد وأرش البكارة إن كانت بكرا والمهر
وإن كانت عالمة دونه فعليها الحد دونه إن طاوعته ويجب المهر إن كانت مكرهة وإلا فعلى الخلاف
ثم الجهل بتحريم الوطء قد يكون للجهل بتحريم الزنا مطلقا وقد يكون لتوهم حلها خاصة لدخولها بالغصب في ضمانه ولا تقبل دعواهما إلا من قريب العهد بالاسلام أو ممن نشأ في موضع بعيد عن المسلمين وقد يكون لاشتباههما عليه وظنه أنها جاريته فلا يشترط لقبول دعواه ما ذكرناه
الثالثة إذا وطء المشتري من الغاصب فالقول في وطئه في حالتي العلم والجهل ما ذكرنا في الغاصب إلا أن جهل المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضا فلا يشترط في دعواه الشرط السابق واذا غرم المشتري المهر فسيأتي القول في رجوعه ( به ) على الغاصب
وهل للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء وجهان
أصحهما نعم وهو مقتضى كلام الجمهور
وأشار الامام إلى جريان الوجهين سواء قلنا يرجع المشتري بالمهر على الغاصب أم لا
وقال إذا قلنا لا رجوع فظاهر القياس أنه لا يطالب
وإذا قلنا بالرجوع فالظاهر المطالبة لاستقرار الضمان عليه وطرد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت بالشبهة

فرع إذا تكرر وطء الغاصب أو المشترى منه فإن كان في
يجب إلا مهر لأن الجهل شبهة واحدة مطردة فأشبه الوطء في نكاح فاسد مرارا
وإن كان عالما وجب المهر لكونها مكرهة
أو قلنا بالوجوب مع طاعتها فوجهان أحدهما الاكتفاء بمهر
وأصحهما يجب لكل مرة مهر
وإن وطئها مرة عالما ومرة جاهلا وجب مهران
فرع هذا الذي ذكرنا فيما إذا لم يكن الوطء محبلا

أما إذا أحبل الغاصب أو المشترى منه نظر إن كان عالما بالتحريم فالولد رقيق للمالك غير نسيب لكونه زانيا
فإن انفصل حيا فهو مضمون على الغاصب أو ميتا بجناية فبدله لسيده أو بلا جناية ففي وجوب ضمانه على الغاصب وجهان
أحدهما وهو ظاهر النص الوجوب لثبوت اليد عليه تبعا للأم وبه قال الانماطي وابن سلمة واختاره القفال
وبالمنع قال أبو إسحاق واختاره أبو محمد والإمام والبغوي لأن جنايته غير متيقنة وسبب الضمان هلاك رقيق تحت يده
ويجري الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتا فإن أوجبنا الضمان فهو قيمته يوم الانفصال لو كان حيا في ولد الجارية والبهيمة جميعا وخرج الإمام وجها في ولد الجارية أنه يضمن بعشر قيمة الأم تنزيلا للغاصب منزلة الجاني
أما إذا كان الواطىء جاهلا بالتحريم فالولد نسيب حر للشبهة وعليه قيمته لمالك الجارية يوم الانفصال إن انفصل حيا

فإن انفصل ميتا بنفسه فالصحيح أنه لا قيمة عليه وإن كان بجناية فعلى الجاني ضمانه وللمالك تضمين الغاصب لأن له بدله فقوم عليه ثم الواجب على الجاني الغرة وللمالك عشر قيمة الأم
فإن استويا ضمن الغاصب للمالك عشر قيمة الأم
وإن كانت قيمة الغرة أكثر فكذلك والزيادة تستقر له بحق الارث
وإن نقصت الغرة عن العشر فوجهان
أصحهما أنه يضمن للمالك تمام العشر
والثاني لا يضمن إلا قدر الغرة
ولو انفصل ميتا بجناية الغاصب لزمه الضمان
ولو أحبل الغاصب ومات وترك أباه ثم انفصل الجنين ميتا بجناية فالغرة لجد الطفل
ثم عن القاضي حسين أنه يضمن للمالك ما كان يضمنه الغاصب
وعنه أنه لو كان مع الغاصب أم أم الجنين فورثت سدس الغرة قطع النظر عنه ونظر إلى عشر قيمة الأم وخمسة أسداس الغرة وكأنها كل الغرة والجوابان مختلفان فرأى الامام إثبات احتمالين في الصورتين ينظر في أحدهما إلى أن من يملك الغرة ينبغي أن يضمن للمالك ويستبعد في الاخر تضمين من لم يغصب
قال المتولي الغرة تجب مؤجلة وإنما يغرم الغاصب عشر قيمة الأم إذا أخذ الغرة
وتوقف الامام فيه
هذا هو الصحيح المعروف في الولد المحكوم بحريته
وفي وجه لا ينظر إلى عشر قيمة الأم بل تعتبر قيمته لو انفصل حيا
وفي وجه يغرم الغاصب للمالك أكثر الأمرين من قيمة الولد والغرة
ودعوى الجهل في هذا كدعواه اذا لم تحبل على ما سبق
وحكى المسعودي خلافا في قبولها لحرية الولد وإن قبلت لدفع الحد
ويجب في حالتي العلم والجهل أرش نقص الجارية إن نقصت بالولادة فإن تلفت عنده وجب أقصى القيم ودخل فيه نقص الولادة وأرش البكارة
ولو ردها وهي حبلى فماتت في يد المالك بالولادة قال أبو عبد الله القطان في المطارحات لا شيء عليه في صورة العلم لأن الولد ليس منه حتى يقال ماتت بولادة ولده
ونقل في صورة الجهل قولين وأطلق المتولي القولين بوجوب الضمان

قلت الأصح قول المتولي والله أعلم فرع لو وطىء الغاصب بإذن المالك فحيث قلنا لا مهر إذا لم يأذن فهنا أولى وإلا فقولان محافظة على حرمة البضع
وفي قيمة الولد طريقان
قيل كالمهر وقيل تجب قطعا لأنه لم يصرح بالاذن في الاحبال

فصل فيما يرجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه المالك وفيه فروع

الأول إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم قبضها إلى التلف ولا يضمن زيادة كانت في يد الغاصب ولا يرجع بما ضمنه عالما كان أو جاهلا
وعن صاحب التقريب أنه يرجع من المغروم بما زاد على قدر الثمن سواء اشتراه رخيصا أم زادت قيمته وهو شاذ
الثاني إذا تعيب المغصوب عند المشتري بمعى أو شلل أو نحوهما فإن كان بفعل المشتري استقر ضمانه عليه وكذا لو أتلف الجميع
وإن كان بآفة سماوية فقولان
أظهرهما لا يرجع على الغاصب وبه قطع العراقيون والأكثرون
الثالث منافع المغصوب يضمنها المشتري للمالك بأجرة مثلها سواء استوفاها بالسكون والركوب واللبس ونحوها أم فاتت تحت يده ولا يرجع بما استوفاه

ولا بالمهر وأرش البكارة على الجديد الأظهر ويرجع بما تلف تحت يده على الأصح
الرابع لا يرجع بقيمة الولد المنعقد حرا على المذهب
وقيل قولان
ويرجع بأرش نقص الولادة على المذهب وبه قطع العراقيون
وقيل وجهان
ولو وهب الجارية المغصوبة فاستولدها المتهب جاهلا بالحال وغرم قيمة الولد ففي رجوعه بها وجهان
الخامس إذا بنى المشتري أو غرس في المغصوبة فجاء المالك ونقض رجع بأرش النقصان على الغاصب على الأصح وبه قطع العراقيون
قال البغوي والقياس أن لا يرجع على الغاصب بما انفق على العبد وما أدى من خراج الأرض لأنه شرع في الشراء على أنه يضمنهما
السادس لو زوج الغاصب المغصوبة فوطئها الزوج جاهلا غرم مهر المثل للمالك ولا يرجع به على الغاصب لأنه شرع فيه على أن يضمن المهر
فلو استخدمها الزوج وغرم الاجرة لم يرجع لانه لم يسلطه بالتزويج على الاستخدام بخلاف الوطء ويرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده لانه لم يستوفها ولم يشرع على أن يضمن
والقول في قيمتها لو تلفت في يده سبق فإن غرمها رجع بها
قال الاصحاب وضابط هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من أثبت يده على ( يد ) الغاصب جاهلا
فإن دخل على أن يضمنه لم يرجع وأن شرع على أن لا يضمنه فإن لم يستوف ما يقابله رجع به
وإن استوفاه فقولان
فلو غصب شاة فولدت في يد المشتري أو شجرة فأثمرت فأكل فائدتهما وعرفها للمالك ففي رجوعه بما غرم على الغاصب قولان كالمهر
وإن هلكت تحت يده فهي كالمنافع التي لم

يستوفها وكذا القول في الأكساب
ولو انفصل الولد ميتا فالمذهب أنه لا ضمان وكذا إذا انفصل ميتا في يد الغاصب
ولو استرضع المشتري الجارية في ولده أو ولد غيره وغرم أجرة مثلها ففي رجوعه بها قولان كالمهر ويغرم المشتري اللبن وإن انصرف إلى سخلتها وعاد نفعه إلى المالك كما لو غصب علفا وعلف به بهيمة مالكه قال البغوي وينبغي أن يرجع لأنه لم يدخل فيه على أن يضمنه ولا عاد نفعه إليه
ولو أجر العين المغصوبة غرم المستأجر أجرة المثل للمالك ولم يرجع بها على الغاصب ويسترد المسمى
ولو أعارها رجع المستعير بما غرم للمنافع الفائتة تحت يده
وفي الرجوع بما غرمه للمنافع المستوفاة القولان
وكذا ما غرم للأجزاء التالفة بالإستعمال

فرع كل ما لو غرمه المشتري رجع به على الغاصب

فاذا طولب به الغاصب وغرمه لم يرجع به على المشتري وكل ما ( لو ) غرمه المشتري لم يرجع به على الغاصب فاذا غرمه الغاصب رجع به على المشتري وكذا الحكم في غير المشتري ممن أثبتت يده على يد الغاصب
فرع لو نقصت الجارية بالولادة والولد رقيق تفي قيمته بنقصها لم ينجبر به النقص بل يأخذ

فصل في مسائل منثورة
تتعلق بالكتاب إحداها حمال تعب بخشبة فأسندها إلى جدار رجل فإن لم يأذن مالكه ضمن الجدار إن وقع باسناده وضمن ما تلف بوقوعه عليه
وإن وقعت الخشبة وأتلفت شيئا ضمن إن وقعت في الحال
وإن وقعت بعد ساعة لم يضمن
وإن كان الجدار له أو لغيره وقد أذن في إسنادها إليه فكذلك يفرق بين أن تقع الخشبة في الحال أو بعد ساعة كفتح رأس الزق
الثانية غصب دارا فنقضها وأتلف النقض ضمن النقض وما نقص من قيمة العرصة
وهل يغرم أجرة مثلها دارا إلى وقت النقض أم إلى وقت الرد وجهان
الثالثة غصب شاة وأنزى عليها فحلا فالولد للمغصوب منه
ولو غصب فحلا وأنزاه على شاته فالولد للغاصب ولا شيء عليه للانزاء
فإن نقصت قيمته غرم الأرش وينبغي أن يخرج وجوب شيء للانزاء على الخلاف في صحة الاستئجار له
قلت هذا التفريع لا بد منه وإنما فرعوه على الأصح
والله أعلم الرابعة غصب جارية ناهدا فتدلى ثديها أو عبدا شابا فشاخ أو أمرد فالتحى ضمن النقصان
الخامس غصب خشبة فاتخذ منها أبوابا وسمرها بمساميره نزع المسامير
فإن

قلتنقصت الأبواب به ضمن الأرش
ولو بدلها ففي إجبار المغصوب منه على قبولها وجهان سبق نظائرهما
السادسة غصب ثوبا ونجسه أو تنجس عنده لا يجوز له تطهيره ولا للمالك أن يكلفه تطهيره
فإن غسله فنقص ضمن النقص
ولو رده نجسا فمؤنة التطهير على الغاصب
وكذا أرش النقص اللازم منه وتنجيس المائع الذي لا يمكن تطهيره إهلاك
وتنجيس الدهن مبني على إمكان تطهيره
إن جوزناه فهو كالثوب
السابعة غصب من الغاصب فأبرأ المالك الأول عن ضمان الغصب صح الابراء لأنه مطالب بقيمته فهو كدين عليه
وإن ملكه العين المغصوبة برىء وانقلب الضمان على الثاني حقا له
وإن باعه لغاصب الغاصب أو وهبه له وأذن في القبض بريء الأول
وإن أودعه عند الثاني وقلنا يصير أمانة في يده برىء الأول أيضا
وإن رهنه عند الثاني لم يبرأ واحد منهما
الثامنة إذا رد المغصوب إلى المالك أو وكيله أو وليه برىء
ولو رد الدابة إلى اصطبله قال المتولي برىء أيضا إذا علم المالك به أو أخبره من يعتمد خبره ولا يبرأ قبل العلم والاخبار
ولو امتنع المالك من الاسترداد رفع الامر إلى الحاكم
التاسعة لو أبرأ المالك غاصب الغاصب عن الضمان برىء الأول لأن القرار على الثاني والاول كالضامن كذا قاله القفال وغيره وهذا إن كان بعد تلف المال فبين وإن كان قبله فيخرج على صحة إبراء الغاصب مع بقاء المال في يده وفيه خلاف سبق في كتاب الرهن وبالله التوفيق

قلت لو غصب مسكا أو عنبرا أو غيرهما مما يقصد شمه ومكث عنده لزمه أجرته كالثوب والعبد ونحوهما
ولو طرح في المسجد غلة أو غيرها وأغلقه لزمه أجرة جميعه
وإن لم يغلقه لكن شغل زاوية منه لزمه أجرة ما شغله وممن صرح بالمسألة الغزالي في الفتاوى قال وكما يضمن أجزاء المسجد بالاتلاف يضمن منفعته باتلافها
والله أعلم

كتاب الشفعة
فيه ثلاثة أبواب
الأول فيما تثبت به الشفعة
وله ثلاثة أركان
الأول المأخوذ وله ثلاثة شروط
الأول أن يكون عقارا قال الأصحاب الأعيان ثلاثة أضرب
أحدها المنقولات فلا شفعة فيها سواء بيعت وحدها أو مع الأرض
الثاني الأرض ثبتت الشفعة فيها سواء بيع الشقص منها وحده أم مع شىء من المنقولات
الثالث ما كان منقولا ثم أثبت في الأرض للدوام كالأبنية والأشجار فإن بيعت منفردة فلا شفعة فيها على الصحيح وإن بيعت الأرض وحدها ثبتت الشفعة فيها وصار الشفيع معه كالمشتري
وإن بيعت الأبنية والأشجار مع الأرض إما صريحا وإما على قولنا تستتبعها
ثبتت الشفعة فيها تبعا للأرض
فلو كان على الشجرة ثمرة مؤبرة وأدخلت في البيع بالشرط لم تثبت فيها الشفعة لأنها لا تدوم في الأرض فيأخذ الشفيع الأرض والنخيل بحصتها
وإن كانت غير مؤبرة دخلت في البيع شرعا وهل للشفيع أخذها وجهان أو قولان
أصحهما نعم
فعلى هذا لو لم يتفق الأخذ حتى تأبرت أخذها أيضا على الأصح
والثاني لا لا يأخذها
فعلى هذا فيما يأخذ به الأرض والنخل وجهان
أصحهما بحصتها من الثمن كالمؤبرة
والثاني بجميع الثمن تنزيلا له منزلة عيب يحدث
وإن كانت النخل حائلة عند البيع ثم حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع فإن كانت مؤبرة لم يأخذها وإلا أخذها على الأظهر وإذا بقيت الثمار للمشتري لزم الشفيع إبقاؤها إلى الادراك
وهذا إذا بيعت الأشجار مع البياض المتخلل لها

أو بيع البستان كله
أما إذا بيعت الأشجار ومغارسها فقط أو بيع الجدار مع الأس فلا شفعة على الأصح لأن الأرض تابعة هنا والمتبوع منقول

فرع إذا باع شقصا فيه زرع لا يجز مرارا وأدخله في البيع
أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن ولا يأخذ الزرع
وإن كان مما يجز مرارا فالجزة الظاهرة لا تدخل في البيع المطلق كالثمرة المؤبرة والاصول كالاشجار
فرع ما دخل في مطلق بيع الدار من الابواب والرفوف والمسامير تؤخذ
بالشفعة تبعا كالأبنية وكذا الدولاب الثابت في الارض سواء أداره الماء أم غيره بخلاف الدلو والمنقولات
ولو باع شقصا من طاحونة وقلنا يدخل الحجر الأسفل والأعلى في البيع أخذ الاسفل بالشفعة وفي الأعلى وجهان كالثمار التي لم تؤبر
الشرط الثاني كون العقار ثابتا
فلو باع شقصا من غرفة مبنية على سقف لأحدهما أو لغيرهما فلا شفعة إذ لا قرار لها
فلو كان السقف المبني عليه مشتركا أيضا فلا شفعة على الأصح لما ذكرناه
ولو كان السفل مشتركا والعلو لاحدهما فباع صاحب العلو نصيبه من السفل فوجهان
أحدهما أن الشريك يأخذ السفل ونصف العلو بالشفعة لأن الأرض مشتركة وعلوها تابعها
وأصحهما لا يأخذ إلا السفل
ولو كان بينهما أرض مشتركة فيها شجر لأحدهما فباع صاحب الشجر الشجر ونصيبه من الارض فعلى الوجهين
الشرط الثالث كونه منقسما فالعقار الذي لا يقبل القسمة لا شفعة فيه

على المذهب وهو قوله الجديد
وقيل تثبت
ومنهم من حكاه قولا قديما
والمراد بالمنقسم ما يجبر الشريك على قسمته إذا طلب شريكه القسمة
وفي ضبطه أوجه
أحدها أنه الذي لا تنقص القسمة قيمته نقصا فاحشا حتى لو كانت قيمة الدار مائة ولو قسمت عادت قيمة كل نصف ثلاثين لم تقسم
والثاني أنه الذي ينتفع بعد القسمة بوجه ما
أما ما لا يبقى فيه نفع بحال فلا يقسم
وأصحهما الثالث أنه الذي إذا قسم أمكن أن ينتفع به الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ولا عبرة بامكان نفع آخر
إذا عرف هذا فلو كان بينهما طاحونة أو حمام أو بئر أو نهر فباع أحدهما نصيبه نظر إن كان المبيع كبيرا بحيث يمكن جعل الطاحونة ثنتين لكل واحدة حجران والحمام حمامين أو كل بيت منه بيتين والبئر وارعة يمكن أن يبنى فيها فيجعل بئرين لكل واحدة بياض بقف فيه المستقي ويلقى فيه ما يخرج منها ثبتت الشفعة فيها
وإن لم يمكن ذلك وهو الغالب من هذه الأنواع فلا شفعة على الأصح
وعلى الوجهين الآخرين لا يخفى الحكم
ولو اشترك اثنان في دار صغيرة لأحدهما عشرها وللآخر باقيها فإن أثبتنا الشفعة فيما لا ينقسم فأيهما باع فلصاحبه الشفعة وإن منعناها فباع صاحب العشر فلا شفعة لصاحبه
وإن باع صاحب الكبير فلصاحبه الشفعة على الأصح تفريعا على الأصح أن صاحب الأكثر يجاب إلى القسمة
ولو كان حول البئر بياض وأمكنت القسمة بجعل البئر لواحد والبياض لآخر ليزرعه أو يسكن فيه أو كان موضع الحجر في الرحى واحدا ولكن فيها بيت يصلح لغرض وأمكنت القسمة بجعل موضع الرحى لواحد وذلك البيت لآخر فقال جماعة تثبت الشفعة وأن هذه البئر من المنقسمات وهذا تفريع على الاجبار في هذا النوع من القسمة
وعلى أنه لا يشترط فيما يصير لكل واحد إمكان الانتفاع به من الوجه الذي كان

فرع شريكان في مزارع وبئر يستقى منها باع أحدهما نصيبه منهما
للآخر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر أو أثبتنا الشفعة فيما لا ينقسم وإلا فتثبت في المزرعة قطعا ولا تثبت في البئر على الأصح
الركن الثاني الآخذ وهو كل شريك في رقبة العقار سواء فيه المسلم والذمي والحر والمكاتب
حتى لو كان السيد والمكاتب شريكين في دار فلكل منهما الشفعة على الآخر ولا شفعة للجار ملاصقا كان أو مقابلا
وفي وجه للملاصق الشفعة وكذا للمقابل إذا لم ينفذ بينهما طريق وهو شاذ والصحيح المعروف الأول
وإذا قضى الحنفي لشافعي بشفعة الجوار لم يعترض عليه في الظاهر وفي الحل باطنا خلاف موضعه كتاب الأقضية
قلت ولا يقتضي قضاء الحنفى بشفعة الجوار على الأصح
والله أعلم فرع الدار إن كان بابها مفتوحا إلى درب نافذ ولا شركة لأحد فيها فلا شفعة فيها ولا في ممرها لأن هذا الدرب غير مملوك
وإن كان بابها إلى درب غير نافذ فالدرب مشترك بين سكانه
فان باع نصيبه من الممر فقط فللشركاء الشفعة فيه إن كان منقسما كما سبق وإلا ففيه الخلاف السابق
وإن باع الدار بممرها فلا شفعة لشركاء الممر في الدار على الصحيح
فان أرادوا أخذ الممر بالشفعة نظر إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع فلهم ذلك على الصحيح إن كان منقسما وإلا
فعلى الخلاف في غير

المنقسم
وقال الشيخ أبو محمد إن كان في اتخاذ الممر الآخر عسر أو مؤنة لها وقع وكانت الشفعة على الخلاف والمذهب الأول
وإن لم يكن طريق آخر ولا أمكن اتخاذه ففيه أوجه
أصحها لا شفعة لهم لما فيه من الاضرار بالمشتري
والثاني لهم الأخذ والمشتري هو المضر بنفسه بشرائه هذه الدار
والثالث إن مكنوا المشتري من المرور فلهم الشفعة وإلا فلا جمعا بين الحقين
وشركة مالكي سور الخان في صحنه كشركة مالكي الدور في الدرب الذي لا ينفذ وكذا الشركة في مسيل الماء إلى الأرض دون الارض وفي بئر المزرعة دون المزرعة كالشركة في الممر

فرع تثبت الشفعة للذمي على المسلم وعلى الذمي كثبوتها للمسلم فلو باع
لم نرده
ولو ترافعوا قبله لم نحكم بالشفعة
ولو بيع الشقص فارتد الشريك فهو على شفعته إن قلنا الردة لا تزيل المالك
وإن قلنا تزيله فلا شفعة
فإن عاد إلى الاسلام وعاد ملكه لم تعد الشفعة على الأصح
وإن قلنا بالوقف فمات أو قتل على الردة أخذه لبيت المال
كما لو اشترى معيبا أو بشرط الخيار وأرتد ومات فللإمام رده
ولو ارتد المشتري فالشفيع على شفعته
فرع دار نصفها لرجل ونصفها لمسجد اشتراه قيم المسجد له أو وهب
ليصرف في عمارته فباع الرجل نصيبه كان للقيم أخذه بالشفعة إن رأى فيه

مصلحة كما لو كان لبيت المال شركة في دار فباع الشريك نصيبه فللإمام الاخذ بالشفعة
وإن كان نصف الدار وقفا ونصفها طلقا فباع المالك نصيبه فلا شفعة لمستحق الوقف على المذهب ولا شفعة لمالك المنفعة فقط بوصية أو غيرها

فرع المأذون له بالتجارة إذا اشترى شقصا ثم باع الشريك نصيبه فله
الأخذ بالشفعة إلا أن يمنعه السيد أو يسقط الشفعة
وله الإسقاط وإن أحاطت به الديون وكان في الأخذ غبطة كما له منعه من الاعتياض في المستقبل
ولو أراد السيد أخذه بنفسه فله ذلك
فرع لا يخفى أن الشركة لا تعتبر في مباشرة الأخذ وإنما هي
فيمن يقع الأخذ له بدليل الوكيل والولي والعبد المأذون فإن لهم الأخذ
الركن الثالث المأخوذ منه وهو المشتري ومن في معناه
وفي ضبطه قيود
الأول كون ملكه طارئا على ملك الآخذ
فاذا اشترى رجلان دارا معا أو شقصا من دار فلا شفعة لواحد منهما على الآخر لاستوائهما في وقت حصول الملك
الثاني كونه لازما
فان باع بشرط الخيار لهما أو للبائع فلا شفعة ما دام الخيار باقيا
وإن شرط الخيار للمشتري فقط فإن قلنا الملك له أخذه الشفيع في الحال على اأظهر عند الجمهور
وإن قلنا الملك للبائع أو موقوف لم يأخذ في الحال على الاصح
فإن قلنا يأخذ تبينا أن المشتري ملكه قبل أخذه وانقطع الخيار

فرع باع أحد الشريكين نصيبه بشرط الخيار ثم باع الثئني نصيبه
زمن الخيار بيع بتات فلا شفعة في المبيع أولا للبائع الثاني إذ زال ملكه ولآ للمشترى منه وإن تقدم ملكه على ملك المشتري الأول إذا قلنا لا يملك في زمن الخيار لأن سبب الشفعة البيع وهو سابق على ملكه
وأما الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة إن توقفنا في الملك وللبائع الأول إن أبقينا الملك له وللمشترى منه إن أثبتنا الملك له
وعلى هذا قال المتولي إن فسخ البيع قبل العلم بالشفعة بطلت شفعته إن قلنا الفسخ بخيار الشرط يرفع العقد من أصله
وإن قلنا يرفعه من حينه فهو كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة
وإن أخذه بالشفعة ثم فسخ البيع فالحكم في الشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار
فصل إذا وجد المشتري بالشقص عيبا قديما وأراد رده وجاء الشفيع يريد
أخذه ويرضى بكونه معيبا فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما عند الجمهور وقطع به بعضهم أن الشفيع أولى بالاجابة لأن حقه سابق فإنه ثبت بالبيع ولأن غرض المشتري استدراك الظلامة وتحصيل الثمن وذلك حاصل بأخذ الشفيع
ولأنا لو قدمنا المشتري بطل حق الشفيع بالكلية
وإذا قدمنا الشفيع حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته
والثاني المشتري أولى لأن الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد
ولو رده بالعيب قبل مطالبة الشفيع ثم طلب الشفيع فإن قلنا المشتري أولى عند اجتماعهما فلا يجاب وإلا فيجاب على الأصح ويفسخ

الرد
أو نقول تبينا أن الرد كان باطلا والخلاف في أن المشتري أولى أو الشفيع جار فيما لو اشترى شقصا بعبد ثم وجد البائع بالعبد عيبا فأراد رده واسترداد الشقص وأراد الشفيع أخذه بالشفعة
وحكى البغوي جريانه فيما لو اشترى شقصا بعبد وقبض الشقص قبل تسليم العبد فتلف العبد في يده ففي وجه تبطل شفعة الشفيع
وفي وجه يتمكن من الأخذ
وقطع ابن الصباغ وغيره بانه إذا كان الثمن عينا فتلف قبل القبض بطل البيع والشفعة

فصل أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول أو ارتد وجاء الشفيع يريد
أخذه بالشفعة فله أخذ نصفه وأما النصف الآخر فهل الزوج أولى به أم الشفيع وجهان
وكذا إذا اشترى شقصا وأفلس بالثمن فأراد البائع الفسخ والشفيع الأخذ بالشفعة فيه الوجهان
أصحهما فيهما الشفيع أولى لأن حقه أسبق فإنه ثبت بالعقد
وفي وجه ثالث الشفيع في الأولى أولى والبائع في الثانية أولى
فاذا قدمنا الشفيع في صورة الإفلاس ففيه أوجه
أصحها أن الثمن المأخوذ من الشفيع مقسوم بين الغرماء كلهم لان حق البائع إذا انتقل إلى الذمة صار كسائر الغرماء وبهذا قال ابن الحداد والثاني يقدم البائع بالثمن رعاية للجانبين
والثالث إن كان البائع سلم الشقص ثم أفلس المشتري لم يكن أولى بالثمن لرضاه بذمته
وإن لم يسلمه فهو أولى بالثن
والخلاف في نصف الصداق جار فيما إذا أعاد كله إلى الزوج بردتها أو فسخ قبل الدخول
هذا إذا اجتمع الشفيع والزوج أو البائع أما إذا أخذ الشفيع الشقص من يد الزوجة ثم طلق الزوج أو من يد المشتري ثم أفلس فلا رجوع للزوج والبائع إلى الشقص بحال

لكن ينتقل حق البائع إلى الثمن وحق الزوج إلى القيمة في مالها كما لو زال الملك ببيع أو غيره
ولو طلقها قبل علم الشفيع وأخذ النصف ثم جاء الشفيع ففي استرداده ما أخذه الزوج وجهان كما لو جاء بعد الرد بالعيب
وقيل لا يسترد قطعا لان المهر يتشطر بالطلاق من غير اختيار فيبعد نقضه
فإن قلنا يسترده أخذه وما بقي في يدها وإلا فيأخذ ما في يدها ويدفع إليها نصف مهر المثل
ولو كان للشقص الممهور شفيعان فطلبا وأخذ أحدهما نصفه ثم طلقها قبل أن يأخذ الآخر فلا يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع
وأما النصف الآخر فهل هو أولى أم الشفيع فيه الخلاف السابق ويجري فيما إذا أخذ أحد الشفيعين من يد المشتري ثم أفلس
فان قلنا الشفيع أولى ضارب البائع مع الغرماء بالثمن
وإن قلنا البائع أولى فإن شاء أخذ النصف الباقي وضارب مع الغرماء بنصف الثمن وإلا فيتركه ويضارب بكل الثمن
القيد الثالث أن يملكه بمعاوضة
فإن ملك بارث أو هبة أو وصية فلا شفعة
فإن وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا تقتضي الثواب تثبت الشفعة على الأصح للمعاوضة
وقيل لا لإنها ليست مقصودة
فعلى الأصح هل يأخذ قبل قبض الموهوب لانه صار بيعا أم لا لان الهبة لا تتم إلا بالقبض وجهان
أصحهما الأول

فرع اشترى شقصا ثم تقايلا فان عفا الشفيع وقلنا الاقالة بيع تجددت
الشفعة وأخذه من البائع
وإن قلنا فسخ لم تتجدد كما لا تتجدد بالرد بالعيب
وإن قاله قبل علم الشفيع بالشفعة
فإن قلنا الاقالة بيع فالشفيع بالخيار بين أن

يأخذ بها وبين أن ينقضها حتى يعود الشقص إلى المشتري فيأخذ منه
وإن قلنا فسخ فهو كطلب الشفعة بعد الرد بالعيب
فرع إذا جعل الشقص أجرة أو جعلا أو رأس مال ( في ) سلم أو عوض خلع أو صلح عن دم أو مال أو جعله المكاتب عوضا عن النجوم ثبتت الشفعة في كل ذلك
ولو أقرضه شقصا قال المتولي القرض صحيح وللشفيع أخذه إذا ملكه المستقرض
وإنما ثبتت الشفعة في الجعل بعد العمل
وحكي وجه أنه إذا كان ما يقابل الشقص مما لا يثبت في الذمة بالسلم ولا بالقرض فلا شفعة وهو شاذ ضعيف

فرع بذل شقصا عن بعض النجوم ثم عجز ورق فهل تبقى الشفعة
عوضا أم تبطل لخروجه عن العوض وجهان
أصحهما الثاني
فرع قال المولى لمستولدته إن خدمت أولادي شهرا فلك هذا الشقص فخدمتهم
استحقته
وهل تثبت فيه الشفعة كالأجرة أم لا لإه وصية معتبرة من الثلث وجهان
أصحهما الثاني

فصل إذا باع الوصي أو القيم شقص الصبي
وهو شريكه فلا شفعة له على الأصح
وبه قال ابن الحداد لأنه لو تمكن منه لم يؤمن أن يسامح في الثمن ولهذا لا يبيعه مال نفسه
ولو اشترى شقصا للطفل وهو شريك في العقار فله الشفعة على الصحيح إذ لا تهمة
وقيل لا لأن في الشراء والأخذ تعليق عهدة الصبي من غير نفع له وللأب والجد الأخذ بالشفعة إذا كانا شريكين سواء باعا أو اشتريا لقوة ولايتهما وشفقتهما كما له بيع ماله لنفسه
ولو كان في حجر الوصي يتيمان بينهما دار فباع نصيب أحدهما لرجل فله أخذه بالشفعة للآخر
فرع وكل أحد الشريكين صاحبه في بيع نصيبه فباعه فللوكيل أخذه بالشفعة
على الأصح وقول الأكثرين لان الموكل ناظر لنفسه يعترض على الوكيل إن قصر بخلاف الصبي
ولو وكل رجل أحد الشريكين في شراء الشقص فللوكيل الأخذ بالشفعة بلا خلاف
ولو وكل الشريك الشريك في بيع نصف نصيبه وأذن له في بيع نصيبه أو بعض نصيبه مع نصيب الموكل إن شاء فباع نصف نصيب الموكل مع نصيبه صفقة واحدة فللموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة
وهل للوكيل أخذ نصيب الموكل فيه الوجهان
فرع إذا كان للمشتري في الدار شركة قديمة بأن كانت بين ثلاثة
فباع أحدهم نصيبه لأحد صاحبيه فالأصح أن المشتري والشريك الآخر يشتركان في أخذ الشقص لاستوائهما في الشركة
وقيل الشريك الثالث يختص بالشفعة فعلى هذا

إن شاء أخذ جميع الشقص وإن شاء تركه
وعلى الأصح إن شاء أخذ نصف الشقص أو تركه
فإن قال المشتري خذ الكل أو اترك الكل وقد تركت أنا حقي لم تلزمه الاجابة ولم يصح إسقاط المشتري حقه من الشفعة لأن ملكه استقر على النصف بالشراء فصار كما لو كان للشقص شفيعان حاضر وغائب فأخذ الحاضر الجميع فحضر الغائب له أن يأخذ نصفه وليس للحاضر أن يقول اترك الجميع أو خذ الجميع فقد تركت حقي ولا نظر إلى تبعيض الصفقة عليه فإنه لزم من دخوله في هذا العقد
وحكي وجه أنه إذا ترك المشتري حقه لزم الآخر أخذ الكل أو تركه كما لو عفا أحد الشفيعين الأجنبيين
ولو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه لثالث ثم باع النصف الثاني لذلك الثالث فعلى الأصح حكمه كما لو باع النصف الثاني لاجنبي وسيأتي بيانه في الباب الثاني إن شاء تعالى
وعلى الوجه الآخر لا شفعة للمشتري وللشفيع الخيار بين أن يدخذ الكل أو يأخذ أحد النصفين فقط

فصل إذا باع في مرض موته شقصا وحابى فقد يكون الشفيع والمشتري
أو وارثين وقد يكون المشتري وارثا فقط أو عكسه فهذه أربعة أضرب
الاول إذا كانا أجنبيين فان احتمل الثلث المحاباة صح البيع وأخذ الشقص بالشفعة
وإن لم يحتمله بأن باع شقصا يساوي ألفين بألف ولا مال له غيره نظر إن رده الوارث بطل البيع في قدر المحاباة
وفي صحته في الباقي طريقان
أحدهما فيه قولا تفريق الصفقة
والثاني القطع بالصحة
وإذا قلنا بالصحة ففيما يصح فيه البيع قولان
أحدهما يصح في قدر الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن
والثاني لا يسقط شىء من المبيع إلا ويسقط ما يقابله من

الثمن
وقد سبق بيان الأظهر من القولين في باب تفريق الصفقة
فان قلنا بالقول الأول صح البيع في الصورة المذكورة في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن
وإن قلنا بالثاني دارت المسألة
وحسابها أن يقال يصح البيع في شىء من الشقص بنصف شىء يبقى مع الورثة ألفان إلا نصف شىء وذلك يعدل مثلي المحاباة وهي نصف شىء فمثلاها شىء فنجبر ونقابل فيكون ألفان معادلين لشىء ونصف والشىء من شىء ونصف ثلثاه فعلمنا أن البيع صح في ثلثي الشقص وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث بثلثي الثمن وهو نصف هذا المبلغ فتكون المحاباة ستمائة وستة وستين وثلثين يبقى للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن وهما ألف وثلاثمائة وثلاثون وثلث وذلك ضعف وثلاثة المحاباة
وعلى القولين جميعا للمشتري الخيار لأن جميع المبيع لم يسلم له
فان أجاز أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على القول الأول وثلثيه بثلث الثمن على الثاني
وإن أراد أن يفسخ وطلب الشفيع فأيهما يجاب فيه الخلاف السابق في الرد بالعيب وكذا لو فسخ قبل طلب الشفيع هل تبطل الشفعة أم للشفيع رد الفسخ فيه ما سبق من الخلاف
وإن أجاز الورثة صح البيع في الكل
ثم إن قلنا إن إجازتهم تنفيذ لما فعل الميت أخذ الشفيع الكل بكل الثمن
وإن قلنا إنها ابتداء عطية منهم لم يأخذ القدر المنفذ بإجازتهم ويأخذ المستغني عن إجازتهم وفيه القولان المذكوران عند الرد
الضرب الثاني والثالث أن يكونا وارثين أو المشتري وارثا فيكون هذا البيع محاباة مع الوارث وهي مردودة
فان لم نفرق الصفقة بطل البيع في الكل وإن فرقناها فإن قلنا في الضرب الأول والتصوير كما سبق إن البيع يصح في خمسة أسداس

الشقص بجميع الثمن فهنا في مثل تلك الصورة يصح البيع في نصفه بجميع الثمن وإن قلنا هناك يصح في ثلثيه بثلثي الثمن فهنا يبطل البيع في الكل كذا ذكره القفال وغيره وفيه نظر
وينبغي أن يفرق بين الاجازة والرد كالضرب الأول
الضرب الرابع أن يكون الشفيع وارثا دون المشتري
فان احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل وصححنا البيع في بعض المحاباة في الضرب الأول ومكنا الشفيع من أخذه فهنا أوجه
أصحها عند الجمهور يصح البيع ويأخذه الوارث بالشفعة لأن المحاباة مع المشتري لا مع الوارث
والثاني يصح ولا يأخذه الوارث بالشفعة
والثالث لا يصح البيع أصلا لتناقض الأحكام
والرابع يصح في الجميع ويأخذ الشفيع ما يقابل الثمن ويبقى الباقي للمشتري مجانا
والخامس لا يصح البيع إلا في القدر المقابل للثمن

فصل وقد سبق أن تقدم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه شرط

فلو كان في يد رجلين دار اشترياها بعقدين وادعى كل أن شراءه سبق وأنه يستحق على صاحبه الشفعة نظر إن ابتدأ أحدهما بالدعوى أو جاءا معا وتنازعا في البداءة فقدم أحدهما بالقرعة فادعى فعلى الآخر الجواب ولا يكفيه قوله شرائي قبل لأنه ابتداء دعوى بل إما أن يبقي سبق شراء المدعي وإما أن يقول المدعي وإما أن يقول شرائي قبل لأنه ابتداء دعوى بل إما أن ينفي سبق شراء المدعي وإما أن يقول لا يلزمني تسليم شىء إليك وحينئذ يحلف فان حلف استقر ملكه ثم تسمع دعواه على الأرل فان حلف استقر ملكه أيضا
وإن نكل المدعى عليه أولا وردت اليمين على المدعي فإن حلف أخذ ما يد المدعي عليه وليس للمدعى عليه

الناكل بعد ذلك أن يدعي عليه لأنه لم يبق له ملك يأخذ به
وإن نكل المدعي عن اليمين المردود سقطت دعواه وللمدعى عليه أن يدعي عليه
هذا إذا لم يكن بينة
أما إذا أقام أحدهما بينة بالسبق فيقضى له
وإن أقام كل منهما بينة على سبق شرائه مطلقا أو على أنه اشترى يوم السبت وصاحبه يوم الأحد فمتعارضتان وفي تعارضهما قولان
أظهرهما سقوطهما فكأنه لا بينة
والثاني تستعملان
وفي كيفيته أقوال
أحدها بالقرعة
فمن قرع أخذ نصيب الآخر بالشفعة
والثاني بالقسمة ولا فائدة فيها هنا إلا أن تكون الشركة بينهما على التفاوت فيكون التصنيف مقيدا
والثالث الوقف
وعلى هذا يوقف حق التملك إلى أن يظهر الحال
وقيل لا معنى للوقف هنا
ولو عينت البينتان وقتا واحدا فلا منافاة لاحتمال وقوع العقدين معا ولا شفعة لواحد منهما لوقوع العقدين معا
وفي وجه تسقطان والله أعلم

الباب الثاني في كيفية الأخذ بالشفعة
فيه أطراف
الأول فيما يحصل به الملك لا يشترط في التملك بالشفعة حكم الحاكم ولا إحضار الثمن ولا حضور المشتري ولا رضاه
وقال الصعلوكي حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط وهو شاذ ضعيف ولا بد من جهة الشفيع من لفظ كقوله تملكت أو اخترت الأخذ بالشفعة أو أخذته بالشفعة وما أشبهه
وإلا فهو من باب المعاطاة
ولو قال أنا مطالب بالشفعة لم يحصل به التملك

على الأصح وبه قطع المتولي
ولذلك قالوا يعتبر في التملك بها أن يكون الثمن معلوما للشفيع ولم يشترطوا ذلك في الطلب
وينبغي أن يكون في صحة التملك مع جهالة الثمن ما ذكرناه في بيع المرابحة
وفي التتمة إشارة إلى نحوه ثم لا يملك الشفيع بمجرد اللفظ بل يعتبر معه أحد أمور
الأول أن يسلم العوض إلى المشتري فيملك به قبل أن يسلمه وإلا فيخلي بينه وبينه أو يرفع الأمر إلى القاضي حتى يلزمه التسليم
قلت أو يقبض عنه القاضي
والله أعلم الثاني أن يسلم المشتري الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمته إلا أن يبيع شقصا من دار عليها صفائح ذهب بالفضة أو عكسه فيجب التقابض في المجلس
ولو رضي بكون الثمن في ذمته ولم يسلم الشقص فوجهان
أحدهما لا يحصل الملك لأن قول المشتري وعد
وأصحهما الحصول لأنه معاوضة والملك في المعاوضات لا يقف على القبض
الثالث أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقه بالشفعة ويختار التملك فيقضي القاضي له بالشفعة فوجهان
أحدهما لا يحصل الملك حتى يقبض عوضه أو يرضى بتأخره
وأصحهما الحصول
الرابع أن يشهد عدلين على الطلب واختيار الشفعة
فان لم نثبت الملك بحكم القاضي فهنا أولى وإلا فوجهان لقوة قضاء القاضي
وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن وأن يسلمه المشتري قبل أداء الثمن ولا يلزمه أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه
وإذا لم

يكن الثمن حاضرا وقت التملك أمهل ثلاثة أيام فان انقضت ولم يحضره فسخ الحاكم تملكه هكذا قاله ابن سريج والجمهور
وقيل إذا قصر في الأداء بطل حقه
وإن لم يوجد رفع الأمر إلى الحاكم وفسخ منه

فرع يثبت خيار المجلس للشفيع على الأصح المنصوص وعلى هذا فيمتد

وهل ينقطع بأن يفارقه المشتري وجهان
قلت الذي صححه الأكثرون أنه لا خيار للشفيع ممن صححه صاحب التنبيه والفارقي والرافعي في المحرر وقطع به البغوي في كتابيه التهذيب وشرح مختصر المزني وهو الراجح أيضا في الدليل
والله أعلم فرع إذا ملك الشفيع امتنع تصرف المشتري فلو طلبه ولم يثبت الملك بعد لم يمتنع وفيه احتمال للإمام لتأكد حقه بالطلب
وفي نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن وجهان
أصحهما المنع كالمشتري
والثاني الجواز لأنه قهري كالأرث
ولو ملك بالاشهاد أو بقضاء القاضي لم ينفذ تصرفه قطعا وكذا لو ملك برضى المشتري بكون الثمن عنده
فرع في تملك الشفيع الشقص الذي لم يره طريقان

أصحهما أنه على قولي بيع الغائب إن منعناه لم يتملكه قبل الرؤية وليس للمشتري منعه من الرؤية وإن صححناه فله التملك
ثم قيل خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس
وقيل يثبت قطعا لأن خيار المجلس يبعد ثبوته لأحد الجانبين بخلاف خيار الرؤية
قلت هذا الثاني أصح وصححه الإمام
والله أعلم والطريق الثاني القطع بالمنع وإن صححنا بيع الغائب لأن البيع جرى بالتراضي فأثبتنا الخيار فيه وها هنا الشفيع أخذ من غير رضى المشتري فلا يمكن إثبات الخيار فيه
فلو رضي المشتري أن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار فعلى قول الغائب
وإذا جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن وإقباض المبيع حتى يراه ليكون على ثقة منه

فرع للشفيع الرد بالعيب

ولو أفلس وكان المشتري سلم إليه الشقص راضيا بذمته فله الاسترداد
الطرف الثاني فيما يأخذ به الشفيع المأخوذ أنواع
أحدها المبيع
فان بيع بمثلي أخذه يمثله
ثم إن قدر بميعاد الشرع أخذه به وإن قدر بغيره بأن باع بمائة رطل حنطة فهل يأخذه بمثله وزنا أو كيلا فيه خلاف سبق في القرض
فلو كان المثل منقطعا وقت الأخذ عدل

الى القيمة كالغصب
وإن بيع بمتقوم من عبد وثوب ونحوهما أخذه بقيمة ذلك المتقوم
والاعتبار بقيمة يوم البيع لأنه يوم إثبات العوض
وقال ابن سريج والبغوي وجماعة يعتبر يوم استقرجر العقد وانقطاع الخيار
النوع الثاني أن يكون الشقص رأس مال سلم أخذه بمثل المسلم فيه إن كان مثليا أو بقيمته إن كان متقوما
الثالث إذا صالح من دين على شقص أخذه بمثل ذلك الدين إن كان مثليا أو بقيمته إن كان متقوما
وسواء دين المعاملة ودين الاتلاف
الرابع الشقص الممهور يؤخذ بمهر مثل المرأة
وكذا إذا خالعها على شقص
والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح ويوم الخلع
هذا هو الصحيح المعروف
وفي التتمة وجه أنه يأخذه بقيمة الشقص
ولو متع المطلقة بشقص أخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر
الخامس إذا أخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم أخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها
السادس الشقص الذي جعل أجرة يؤخذ بأجرة مثل الدار
السابع إذا صالح عليه عن الدم أخذه الشفيع بقيمة الدية يوم الجناية ويعود فيه قول ابن سريج والبغوي
الثامن قال المتولي إذا اقترض شقصا أخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا المقترض يرد المثلي

فصل إذا كان الثمن حالا بذله الشفيع في الحال

فان كان بألف إلى سنة مثلا

ففيه أقوال
أظهرها يتخير إن شاء عجل الثمن وأخذ الشقص في الحال وإن شاء صبر إلى أن يحل الأجل فحينئذ يبذل الألف ويأخذ الشقص وليس له أن يأخذ بألف مؤجل
والثاني له الأخذ بألف مؤجل
والثالث يأخذ بعرض يساوي الألف إلى سنة فعلى الأول لا يبطل حقه بالتأخير لانه بعذر
وهل يجب إعلام المشتري بالطلب وجهان
أصحهما نعم
ولو مات المشتري وحل عليه لم يتعجل الأخذ على الشفيع بل هو على خيرته إن شاء عجل وإن شاء أخر إلى انقضاء السنة
وإن مات الشفيع فالخيرة لوارثه
ولو باع المشتري الشقص في المدة صح والشفيع بالخيار بين أن يأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه في الحال أو عند حلول الاجل ويأخذه بالثمن الأول
هذا إذا قلنا بالمذهب إن الشفيع ينقض تصرف المشتري وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى
وإن قلنا بالقول الثاني ففي موضعه وجهان
أحدهما أنه إنما يأخذ بثمن مؤجل إذا كان مليئا موثوقا به وأعطى كفيلا مليئا وإلا فلا يأخذ
والثاني له الأخذ مطلقا
وإذا أخذه ثم مات حل عليه الاجل
وإن قلنا بالثالث فتعيين العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة إلى من يعرفها
قال الإمام فلو لم يتفق طلب الشفعة حتى حل الاجل وجب أن لا يطالب على هذا القول إلا بالعرض المعدل لان الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ثم على القول الثاني والثالث إذا أخر الشفيع بطل حقه

فصل إذا اشترى مع الشقص منقولا كسيف وثوب صفقة واحدة وزع الثمن
عليهما على اعتبار قيمتهما وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن وتعتبر قيمتهما يوم البيع ولا خيار للمشتري وإن تفرقت صفقته لدخوله فيها عالما بالحال

فرع إذا اشترى شقصا من دار نقضت فلها أحوال

إحداها أن تتعيب من غير تلف شىء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن ينشق جدار أو مالت اسطوانة أو انكسر جذع أو اضطرب سقف فالشفيع بالخيار بين الاخذ بكل الثمن وبين الترك كتعيبها في يد البائع
الثانية أن يتلف بعضها فينظر إن تلف شيء من العرصة بأن غشيها سيل فغرقها أخذ الباقي بحصته من الثمن
وإن بقيت العرصة وتلفت السقوف والجدران باحتراق وغيره فيبنى على الخلاف السابق في كتاب البيع أن سقف الدار المبيعة وجدارها كأحد العبدين المبيعين أم كطرف من أطراف العبد وصفة من صفاته فإن قلنا بالأصح إنه كأحد العبدين أخذ العرصة بحصتها من الثمن
وإن قلنا كطرف العبد أخذها بكل الثمن
وقيل إن تلف بآفة سماوية أخذ بكل الثمن
وإن تلف باتلاف متلف أخذ بالحصة لأن المشتري وحصل له بدل التالف فلا يتضرر
الثالثة أن لا يتلف شىء منها لكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام فهل يأخذ الشفيع النقض
فيه قولان ويقال وجهان
أظهرهما نعم
فعلى هذا يأخذه مع العرصة بكل الثمن أو يتدكهما
وإن قلنا لا يأخذه بني على أن السقف والجدار كأحد العبدين أو كطرف العبد
إن قلنا بالأول أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصتها من الثمن وإلا فوجهان
أحدهما يأخذ بالحصة
والثاني وهو قياس الأصل المبني عليه يأخذ بتمام الثمن كالحالة الأولى
وعلى هذا يشبه النقض بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل أخذ الشفيع

فصل إذا اشترى الشقص ثم اتفق المتبايعان
على حط من الثمن أو زيادة فيه فذلك قد يكون بعد لزوم العقد وقبله وفي زمن الخيار ومكانه
وسبق بيان ذلك كله في كتاب البيع
وحاصله أنه لا يلحق الحط ولا الزيادة بالعقد بعد لزومه لا حط الكل ولا حط البعض
وفيما قبل لزومه وجهان
أصحهما اللحوق
فإن قلنا به وحط الثمن فهو كما لو باع بلا ثمن فلا شفقة للشريك لأنه يصير حبة على رأي ويبطل على رأي
فصل إذا اشترى الشقص بعبد مثلا وتقابضا ثم وجد البائع بالعبد عيبا
وأراد رده واسترداد الشقص وطلب الشفيع الشقص ففي المقدم منهما خلاف سبق قريبا
وحكى الإمام طريقا حازما بتقديم البائع
ولو علم عيب العبد بعد أخذ الشفيع الشقص لم ينقض بملك الشفيع كما لو باع ثم اطلع على عيب
وفي قول يسترد المشتري الشقص من الشفيع ويرد عليه ما أخذه ويسلم الشقص إلى البائع لأن الشفيع نازل منزلة المشتري فرد البائع يتضمن نقض ملكه كما يتضمن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه والمشهور هو الأول
فإذا قلنا به أخذ البائع قيمة الشقص من المشتري
فان كانت مثل قيمة العبد فذاك وإلا ففي رجوع من بذل الزيادة على صاحبه وجهان
أصحهما لا رجوع لأن الشفيع ملكه بالمبذول فلا يتغير حكمه
ولو عاد الشقص إلى ملك المشتري بابتياع أو غيره لم يتمكن البائع من إجباره على رد الشقص ولا المشتري من إجبار البائع على القبول ورد القيمة بخلاف ما إذا

غرم قيمة المغصوب لاباقه فرجع لأن ملك المغصوب منه لم يزل وملك المشتري قد زال
وحكى المتولي فيه وجهين بناء على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أم كالذي لم يعد والمذهب الأول
ولو وجد البائع العيب بالعبد وقد حدث عنده عيب فأخذ الأرش لامتناع الرد نظر إن أخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد سليما فلا رجوع عليه
وإن أخذه بقيمته معيبا ففي رجوع المشتري على الشفيع الوجهان السابقان في التراجع
لكن الأصح هنا الرجوع ومال ابن الصباغ إلى القطع به لأن الشقص استقر عليه بالعبد والأرش ووجوب الأرش من مقتضى العقد لاقتضائه السلامة
ولو رضي البائع ولم يرده ففيما يجب على الشفيع وجهان
أحدهما قيمة العبد سليما
والثاني قيمته معيبا
حتى لو بذل قيمة السليم استرد قسط السلامة من المشتري وبالأول قطع البغوي وغلط الإمام قائله

فرع للمشتري رد الشقص بالعيب على البائع وللشفيع رده على المشتري بالعيوب
السابقة على البيع وعلى الأخذ
ثم لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع فلا رد في الحال ولا أرش له على المذهب
ويجيء فيه الخلاف السابق فيما إذا باعه
فلو رد عليه الشفيع بالعيب رده حينئذ على البائع
ولو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع ومنعه عيب حادث من الرد فأخذ أرش العيب القديم حط ذلك عن الشفيع
وإن قدر على الرد لكن توافقا على الأرش ففي صحة هذه المصالحة وجهان سبقا
فإن صححناها ففي حطه عن الشفيع وجهان
أصحهما الحط
والثاني لا لأنه تبرع من البائع

فصل اشترى بكف من الدراهم
لا يعلم وزنها أو صبرة حنطة لا يعلم كيلها فيوزن ويكال ليأخذ الشفيع بذلك القدر
فإن كان ذلك غائبا فتبرع البائع باحضاره أو أخبر عنه واعتمد قوله فذاك وإلا فليس للشفيع أن يكلفه الإحضار ولا الأخبار عنه
وإن هلك الثمن وتعذر الوقوف عليه تعذر الأخذ بالشفعة
فإن أنكر الشفيع كون الشراء بما لا يعلم قدره نظر إن عين قدرا وقال اشتريت بكذا وقال المشتري لم يكن قدره معلوما فالأصح المنصوص الذي عليه جمهور الأصحاب أنه يقنع منه بذلك ويحلف عليه
وقال ابن سريج لا يقنع منه ولا يحلف بل إن أصر على ذلك جعل ناكلا وردت اليمين على الشفيع
وعلى هذا الخلاف لو قال نسيت فهو كالنكول
وإن لم يعين قدرا لكن ادعى على المشتري أنه يعلمه وطالبه بالبيان فوجهان
أصحهما لا تسمع دعواه حتى يعين قدرا فيحلف المشتري حينئذ أنه لا يعرف
والثاني تسمع ويحلف المشتري على ما يقوله
فإن نكل حلف الشفيع على علم المشتري وحبس المشتري حتى يبين قدره
فعلى الأول طريق الشفيع أن يعين قدرا فإن وافقه المشتري فذاك وإلا حلفه على نفيه فان نكل استدل الشفيع بنكوله وحلف على ما عينه وإن حلف المشتري زاد وادعى ثانيا
وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشتري فيستدل الشفيع بنكوله ويحلف
وهذا أن اليمين قد تستند إلى التخمين ولهذا له أن يحلف على خط أبيه إذا سكنت نفسه إليه

فصل إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشقص
المشفوع فان ظهر في ثمن المبيع نظر إن كان معينا بأن بطلان البيع وبطلت الشفعة وعلى الشفيع رد الشقص إن كان قبضه
وإن خرج بعضه مستحقا بطل البيع في ذلك القدر وفي الباقي قولا ( تفريق ) الصفقة
فان فرقناها واختار المشتري الاجازة فللشفيع الأخذ
وإن اختار الفسخ وأراد الشفيع أخذه ففيه الخلاف فيما إذا أصدقها شقصا ثم طلقهج قبل الدخول
وإن كان الثمن في الذمة وخرج المدفوع مستحقا لزمه إبداله والبيع والشفعة بحالهما وللبائع استرداد الشقص ليحبسه إلى أن يقبض الثمن وإن ظهر الاستحقاق في ثمن الشفيع فان كان جاهلا لم يبطل حقه وعليه الابدال
وإن كان عالما لم يبطل على الأصح واختاره كثير من الأصحاب وقطع البغوي بالبطلان
ثم قال الشيخ أبو حامد وآخرون الوجهان فيما إذا كان الثمن معينا بأن قال تملكت الشقص بهذه الدراهم
أما إذا كان غير معين كقوله تملكته بعشرة دنانير ثم نقد المستحقة فلا تبطل شفعته قطعا وقيل الوجهان في الحالين
قلت الصحيح الفرق بين في الحالتين
والله أعلم ثم في حالة الجهل والعلم إذا قلنا لا يبطل حقه هل نتبين أنه لم يملك بأداء المستحق ويفتقر إلى تملك جديد أم نقول قد ملكه والثمن دين عليه فيه وجهان
قال الغزالي أصحهما الثاني وهو خلاف المفهو من كلام الجمهور لا سيما في حالة العلم
وخروج الدنانير نحاسا كخروجها مستحقة
ولو خرج ثمن

المبيع رديئا فللبائع الخيار بين الرضى به والاستبدال
فإن رضي لم يلزم المشتري الرضى بمثله بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد ذكره البغوي
قلت وفي هذا احتمال ظاهر
والله أعلم ولو خرج ما دفعه الشفيع رديئا لم تبطل شفعته عالما كان أو جاهلا
وقيل هو كخروجه مستحقا والمذهب الأول

فصل إذا بنى المشتري أو غرس أو زرع في المشفوع ثم علم
الأخذ وقلع بنائه وغراسة وزرعه مجانا لا بحق الشفعة بل لأنه شريك
وأحد الشريكين إذا انفرد بهذه التصرفات في الأرض المشتركة كان للآخر أن يقلع مجانا
وإن بنى أو غرس المشتري في نصيبه بعد القسمة والتمييز ثم علم الشفيع لم يكن له قلعه مجانا كذا نص عليه الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم
وفي المسألة إشكالان
أحدهما قال المزني المقاسمة تتضمن الرضى من الشفيع وإذا رضي بتملك المشتري بطلت شفعته فكيف يتصور ثبوت الشفعة بعد القسمة الثاني أن القسمة تقطع الشركة فيصيران جارين ولا شفعة للجار
وأجاب الأصحاب عن الاول فصوروا صحة القسمة مع بقاء الشفعة في صور
منها أن يقال للشفيع جرى الشراء بألف فيعفو ويقاسم أو أن الشقص ملكه بالهبة فيقاسم ثم بأن الشراء كان بدون ألف وأن الملك حصل بالبيع فتصح القسمة وتثبت الشفعة
ومنها أن يقاسم الشفيع المشتري على ظن أنه وكيل للبائع باخباره أو بسبب آخر

ومنها أن يكون للشفيع وكيل بالقسمة مع شركائه ومع المشترين منهم فيقاسم الوكيل المشتري بغير علم الشفيع
ومنها أن يكون له وكيل في القسمة وفي أخذ الأشقاص بالشفعة فرأى في شقص الحظ في تركه فيتركه ويقاسم ثم يقدم الشفيع ويظهر له أن له الحظ في الأخذ وكذلك ولي اليتيم
ومنها أن يكون الشفيع غائبا فيطالب المشتري الحاكم بالقسمة فيجيبه وإن علم بثبوت الشفعة كذا قاله الأصحاب وتوقف الإمام في إجابته إذا علم ثبوت الشفعة
وأمآ الثاني فأجابوا عنه بأن الجواز إنما لا يكفي في الابتداء
فاذا تقرر ما ذكرناه فإن اختار المشتري قلع البناء والغراس فله ذلك ولا يكلف تسوية الأرض لأنه كان متصرفا في ملكه
فان حدث في الأرض نقص فيأخذه الشفيع على صفته أو يترك
وإن لم يختر المشتري القلع فللشفيع الخيار بين إبقاء ملكه في الأرض بأجرة وبين تملكه بقيمته يوم الأخذ وبين أن ينقضه ويغرم أرش النقص على الصفة المذكورة في المعير إذا رجع وقد بنى المستعير أو غرس بلا فرق
وإن كان قد زرع بقي زرعه إلى أن يدرك فيحصد
وقياس الباب أن يجيء الخلاف المذكور هناك في زرع الأرض المستعارة
والمذهب في الموضعين تبقية الزرع
ثم قال صاحب التقريب في مطالبة الشفيع للمشتري بالاجرة الخلاف في المعير
وقال الجمهور لا مطالبة هنا قطعا وهو المذهب لأنه زرع ملك نفسه بخلاف المستعير فأشبه من باع أرضا مزروعة لا مطالبة للمشتري بأجرة مدة بقاء الزرع على المذهب وقد سبق بيانه في كتاب البيع

فرع إذا زرع المشتري فللشفيع تأخير الشفعة إلى الادراك والحصاد
قال الإمام ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخرت المنفعة كما لو بيعت الأرض في غير وقت الانتفاع لا يؤخر الأخذ إلى وقته
ولو كان في الشقص شجر عليه ثمر لا يستحق بالشفعة ففي جواز تأخيره إلى القطاف وجهان لان الثمر لا يمنع الانتفاع بالمأخوذ
فصل تصرفات المشتري في الشقص من البيع والوقف وغيرهما صحيحة لانها

وقيل باطلة وهو شاذ
فعلى الصحيح ينظر إن كان التصرف مما لا تثبت فيه الشفعة كالوقف والهبة والاجارة فللشفيع نقضه وأخذ الشقص بالشفعة
وإن كان مما تثبت فيه الشفعة كالبيع والاصداق فهو كالخيار بين أن ينقضه ويأخذ الشقص بالعقد الأول وبين أن لا ينقض ويأخذ بالعقد الثاني
هذا هو المذهب
وفي وجه لا ينقض تصرفه
وفي وجه لا ينقض ما تثبت فيه الشفعة لكن يتجدد حق الشفعة بذلك
وقيل لا يتجدد أيضا لانه تصرف يبطل الشفعة فلا يثبتها
وفي وجه لا ينقض الوقف وينقض ما سواه
فصل في الاختلاف وفيه مسائل

الأولى قال المشتري عفوت عن شفعتك أو قصرت فسقطت فالقول قول الشفيع

الثانية قال اشتريت بألف فقال الشفيع بل بخمسمائة صدق المشتري لأنه أعلم بعقده
وكذا لو كان الثمن عرضا وتلف واختلفا في قيمته فإن نكل المشتري حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه
فإن كان لأحدهما بينة قضي بها
ولا تقبل شهادة البائع للمشتري على الصحيح لأنه يشهد بحق نفسه
وقيل تقبل لأنه لا يجر لنفسه نفعا والثمن ثابت له باقرار المشتري
ولو شهد للشفيع فهل يقبل قوله فيه أوجه
أحدها لا وبه قطع العراقيون لأنه يشهد على فعله
والثاني نعم وصححه البغوي لأنه ينقض حقه
والثالث إن شهد قبل قبضه الثمن قبلت لأنه ينقض حقه إذ لا يأخذ أكثر مما شهد به وإن شهد بعده فلا لأنه يجر إلى نفسه نفعا فإنه إذا قل الثمن قل ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق
وإن أقام كل واحد منهما بينة فوجهان أحدهما تقدم بينة المشتري كما أن بينة الداخل أولى من بينة الخارج
وأصحهما أنهما تتعارضان لأن النزاع هنا فيما وقع العقد به ولا دلالة لليد عليه
فعلى هذا إن قلنا تسقطان فهو كما لو لم يكن بينة
وإن قلنا تستعملان فالاستعمال هنا بالقرعة أو الوقف
الثالثة اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن فإن ثبت قول المشتري فذاك وإن ثبت قول البائع بالبينة أو اليمين المردودة لزم المشتري ( ما ادعاه البائع وأخذ الشفيع بما ادعاه المشتري )
وتقبل شهادة الشفيع للبائع ولا تقبل للمشتري لأنه متهم في تقليل الثمن
وإن لم تكن بينة وتحالفا وفسخ عقدهما أو انفسخ فإن جرى ذلك بعدما أخذ الشفيع الشقص أقر في يده وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع
وإن جرى قبل الأخذ ففي سقوط حقه الخلاف السابق في

خروجه معيبا
فإن قلنا لا يسقط أخذه بما حلف عليه البائع لأن البائع اعترف باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن فيأخذه منه وتكون عهدته على البائع
الرابعة أنكر المشتري كون الطالب شريكا فالقول قول المشتري بيمينه فيحلف على نفي العلم بشركته لا على نفي شركته فإن نكل حلف الطالب على البت وأخذ بالشفعة وكذا الحكم لو أنكر تقدم ملك الطالب على ملكه
الخامسة إذا كانا شريكين في عقار فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالث فادعى الحاضر عليه أنه اشتراه وأنه يستحقه بالشفعة فإن كان للمدعي بينة قضي بها وأخذه بالشفعة
ثم إن اعترف المدعى عليه سلم الثمن إليه وإلا فهل يترك الثمن في يد المدعى إلى أن يقر المدعى عليه أم يأخذه القاضي وحفظه أم يجبر على قبوله أو الابراء منه فيه ثلاثة أوجه مذكورة في باب الاقرار وغيره
ولو أقام المدعي بينة وجاء المدعى عليه ببينة أنه ورثه أو اتهبه تعارضتا
وإن جاء ببينة أن الغائب أودعه إياه أو أعاره فإن لم يكن للبينتين تاريخ أو سبق تاريخ الايداع فلا منافاة فيقضى بالشفعة لأنه ربما أودعه ثم باعه وإن سبق تاريخ البيع فلا منافاة أيضا لاحتمال أن البائع غصبه بعد البيع ثم رده إليه بلفظ الايداع فاعتمده الشهود
فإن انقطع الاحتمال بأن كان تاريخ الايداع متأخرا وقال الشهود أودعه وهي ملكه فهاهنا يراجع الشريك القديم
فإن قال وديعة سقط حكم الشراء
وإن قال لا حق لي فيه قضي بالشفعة
أما إذا لم يكن للمدعي بينة فللمدعى عليه في الجواب أحوال
أحدها أن يقر بأنه كان لذلك الغائب فاشتراه منه فهل للمدعي أخذه وجهان
أحدهما لا إذ لا يقبل قوله على الغائب فيوقف الأمر حتى يكاتب هل هو مقر بالبيع وأصحهما نعم لتصادقهما على البيع ويكتب القاضي في

السجل أنه أثبت الشفعة بتصادقهما فاذا قدم الغائب فهو على حقه
الثاني أن ينكر أصل الشراء فيصدق بيمينه
ثم إن اقتصر في الجواب إنه لا يستحق اخذه بالشفعة أو أنه لا يلزمه التسلم إليه حلف ذلك ولم يلزمه التعرض لنفي الشراء
وإن قال في الجواب لم اشتره بل ورثته أو اتهبته فيحلف لذلك أم يكفي الحلف على أنه لا يستحق الشفعة وجهان سبقا في دعوى عيب المبيع
وإن نكل المدعى عليل حلف الطالب واستحق الشقص
وفي الثمن الأوجه السابقة
هذا إذا أنكر الشراء والشريك القديم غير معترف بالبيع فإن كان معترفا والشقص في يده نظر إن لم يعترف بقبض الثمن ثبتت الشفعة على الاصح
وإلى من يسلم الثمن وجهان
أصحهما إلى البائع وعهدته عليه لانه يتلقى الملك منه
والثاني ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن منه للمشتري ويدفعه إلى البائع ويقبض الشقص من يد البائع للمشتري ويدفعه إلى الشفيع
وإذا أخذ البائع ثمن الشقص فهل له مخاصمة المشتري ومطالبته بالثمن وجهان لأنه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة والرجوع عليه بالدرك أسهل
فإن قلنا نعم وحلف المشتري فلا شىء عليه
وإن نكل حلف البائع وأخذ الثمن من المشتري وكانت عهدته عليه
وأما ما أخذه من الشفيع فهل يؤخذ منه ويوقف أم يترك في يده وجهان
كذا قال البغوي وفي الشامل أن الوجهين في أنه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض أخذ الثمن من الشفيع فإن رضي فليقنع به وهذا أصح
فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن فإن قلنا لا شفعة إذا لم يعترف بالقبض فهنا أولى وإلا فوجهان
وأصحهما ثبوتها
ثم هل يترك الثمن في يد الشفيع أم يأخذه القاضي ويحفظه أم يجبر المشتري على قبوله والابراء منه فيه الأوجه السابقة
الحال الثالث أن يقول اشتريته لفلان ولا خصومة لك معي فينظر في

المضاف إليه أحاضر أم غائب أم صبي وحكمه ما يأتي في سائر الدعاوى إن شاء الله تعالى
الطرف الثالث في تزاحم الشفعاء وهو ثلاثة أضرب
أحدها أن يتفق الشركاء على الطلب
ونقدم عليه أن تعدد المستحقين قد يكون ابتداء بأن كانت الدار بين جماعة فباع أحدهم نصيبه وثبتت الشفعة للباقين وقد يكون دواما بأن يموت المستحق ويترك ورثة فلهم الشفعة
فإن تساوت حصص المستحقين تساووا في الشقص
وإن تفاوتت كنصف وثلث وسدس فباع صاحب النصف فقولان أظهرهما أن الشفعة على قدر الحصص فيقسم النصف بينهما أثلاثا
والثاني على عدد الرؤوس فيقسم نصفين
فرع مات مالك الدار عن ابنين ( ثم مات أحدهما عن ابنين ) ثم الابنين نصيبه فهل يشترك الأخ والعم في الشفعة أم يختص بها الأخ قولان
أظهرهما الأول
فعلى هذا هل يوزع بينهما بالسوية أم بالحصص فيه القولان
وقال الإمام مقتضى المذهب القطع بالحصص
وإذا قلنا يختص الأخ فعفا ففي ثبوتها للعم وجهان
أحدهما لا لأنه لو كان مستحقا لما تقدم عليه غيره
والثاني نعم لأنه شريك وإنما تقدم الأخ لزيادة قربه كما أن المرتهن يقدم في المرهون على الغرماء
فلو سقط حقه تمسك به الباقون
قلت ينبغي أن يكون هذا الثاني أصح
والله أعلم ويجري القولان في مسألة الأخ والعم في كل صورة ملك شريكان بسبب واحد

وغيرهما من الشركاء بسبب آخر فباع أحد المالكين بالسبب الواحد ففي قول الشفعة لصاحبه خاصة وعلى الأظهر للجميع
مثاله بينهماا دار فباع أحدهما نصيبه لرجلين أو وهبه ثم باع أحدهما نصيبه
ولو مات من له دار عن بنتين وأختين فباعت إحدى البنتين نصيبها فطريقان
أحدهما على القولين
ففي قول تختص بالشفعة البنت الأخرى وعلى الأظهر يشتركن كلهن
والطريق الثاني وهو المذهب القطع بالاشتراك

فرع مات الشفيع عن ابن وزوجة ورثا حق الشفعة ففي كيفية إرثهما

أصحها يأخذان على قدر الميراث قطعا
والثاني القطع بالتسوية بينهما
والثالث على القولين
فرع دار بين اثنين نصفين باع أحدهما نصف نصيبه لزيد ثم باع
الآخر لعمرو فالشفعة في النصف الأول تختص بالشريك الأول
ثم قد يعفو عنه وقد يأخذه
وفي النصف الثاني أوجه
أحدها يختص به الأول
والثاني يشترك فيه الأول والمشتري الأول
أصحهما إن عفا الشريك الاول عن النصف الاول اشتركا وإلا فيختص به الشريك الاول
الضرب الثاني أن يطلب بعض الشركاء ويعفو بعضهم
ونقدم عليه ما إذا كانت الشفعة لواحد فعفا عن بعضها وفيه أوجه
أصحها يسقط جميعها كالقصاص
والثاني لا يسقط شىء كعفوه عن بعض حد القذف
والثالث يسقط ما عفا عنه

ويبقى الباقي قال الصيدلاني وموضع هذا الوجه ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة فإن أبى وقال خذ الكل أو دعه فله ذلك
قال الإمام وهذه الأوجه إذا لم نحكم بأن الشفعة على الفور
فإن حكمنا به فطريقان
منهم من قطع بأن العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي ومنهم من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي وطرد الاوجه
ويؤيد الأول أن صاحب الشامل قال استحق شقصا فجاء وقال آخذ نصفه سقطت شفعته في الكل لانه ترك طلب النصف
إذا تقرر هذا فاستحق اثنان شفعة فعفا أحدهما عن حقه فأوجه
أصحها يسقط حق العافي ويثبت الجميع للآخر
فان شاء أخذ الجميع وإن شاء تركه وليس له الاقتصار على قدر حصته لئلا تتبعض الصفقة على المشتري
والثاني يسقط حقهما جميعا قاله ابن سريج كالقصاص
والثالث لا يسقط حق واحد منهما تغليبا للثبوت كما سبق في الصورة الاولى
والرابع يسقط حق العافي وليس لصاحبه أن يأخذ إلا قسطه وليس للمشتري أن يلزمه أخذ الجميع
هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء
فلو ثبتت لواحد فمات عن ابنين فعفا أحدهما فهل هو كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها أم كثبوتها لابنين عفا أحدهما وجهان
أصحهما الثاني
ولو كان للشقص شفيعان فمات كل عن ابنين فعفا أحدهما عن حقه فحاصل المنقول تفريعا على ما تقدم أوجه
أحدها يسقط الكل
والثاني يبقى الكل للأربعة
والثالث يسقط حق العافي وأخيه ويأخذ الآخران
والرابع ينتقل حق العافي إلى الثلاثة فيأخذون الشقص أثلاثا
والخامس يستقر حق العافي للمشتري ويأخذ ثلاثة أرباع الشقص
والسادس ينتقل حق العافي إلى أخيه فقط
قلت أصحها الرابع
والله أعلم

فرع مات الشفيع عن ابنين فادعى المشتري عفوهما فالقول
قولهما مع يمينهما على البت
فلو ادعى عفو أبيهما حلفا على نفي العلم
فإن حلفا أخذا
وإن نكلا حلف المشتري وبطل حقهما
وإن حلف أحدهما فقط فإن قلنا بالأصح إنه إذا عفا أحدهما أخذ الآخر الجميع فلا يحلف المشتري إذ لا فائدة فيه وبه قال ابن الحداد
وإن قلنا حق العافي يستقر للمشتري حلف المشتري ليستقر له نصيب الناكل
ثم الوارث الحالف لا يستحق الجميع بنكول أخيه ولكن إن صدق أخاه على أنه لم يعف فالشفعة بينهما
وإن ادعى عليه العفو وأنكر الناكل عرضت عليه اليمين لدعوى أخيه ولا يمنعه من الحلف نكوله في جواب المشتري
فان حلف فالشفعة بينهما
وإن نكل أيضا حلف المدعي أنه عفا وحينئذ يأخذ الجميع
الضرب الثالث أن يحضر بعض الشركاء دون بعض
فاذا كانت الدار لأربعة بالسوية فباع أحدهم نصيبه وثبتت الشفعة للباقين فلم يحضر إلا واحد فليس له أخذ حصته فقط ولا يكلف الصبر إلى حضورهما بل إن شاء أخذ الجميع أو تركه
وهل له تأخير الأخذ إلى حضورهما إذا قلنا الشفعة على الفور وجهان
أصحهما نعم للعذر وإذا أخذ الجميع ثم حضر أحد الغائبين أخذ منه النصف بنصف الثمن كما لو لم يكن إلا شفيعان
فاذا حضر الثالث فله أن يأخذ من كل واحد ثلث ما في يده ثم يترتب على ما ذكرنا فروع
أحدها خرج الشقص مستحقا بعد الترتيب المذكور ففي العهدة وجهان
أحدهما عهدة الثلاثة على المشتري لاستحقاقهم الشفعة عليه
والثاني أن رجوع الأول على المشتري فيسترد منه كل الثمن ورجوع الثاني على الأول فيسترد

منه النصف ورجوع الثالث على الاول والثاني يسترد من كل ما دفع إليه وهذا أصح ورجح العراقيون الاول
وقال المتولي هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة ونقص قيمة الشقص
فأما الثمن فكل فيسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف
الثاني أخذ الحاضر جميع الشقص فوجده معيبا فرده فحضر الثاني وهو في يد المشتري فله أخذ الجميع
الثالث ما يستوفيه الاول من المنافع ويحصل له من الاجرة والثمرة يسلم له فلا يزاحمه فيه الثاني والثالث على الأصح وكذا الثالث لا يزاحم الثاني فيما يحصل له بعد المناصفة كما أن الشفيع لا يزاحم المشتري فيها
الرابع أخذ الاول كل الشقص وأفرزه بأن أتى الحاكم فنصب قيما في مال الغائبين فاقتسما وبنى فيه أو غرس ثم رجع الغائبان هل لهما القلع وجهان
أصحهما لا كما أن الشفيع لا يقلع بناء المشتري وغراسه مجانا
والثاني نعم لانهما يستحقان كاستحقاق الاول فليس له التصرف حتى يظهر حالهما بخلاف الشفيع مع المشتري
الخامس إذا حضر اثنان فأخذا الشقص واقتسما مع القيم في مال الغائب ثم قدم ( الغائب ) فله الأخذ وإبطال القسمة فان عفا استمرت القسمة
السادس أخذ اثنان فحضر الثالث وأراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما ولا يأخذ من الثاني شيئا فله ذلك كما للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الآخر
السابع أخذ الأول الجميع فحضر الثاني وأراد أخذ الثلث فقط فله ذلك على الأصح لأنه لا يفرق الحق على الأول
فان أخذ الثلث على هذا الوجه أو بالتراضي ثم حضر الثالث نظر إن أخذ من الأول نصف ما في يده ولم يتعرض

للثاني فلا كلام وإن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده فله ذلك لأن حقه ثابت في كل جزء ثم له أن يقول للأول ضم ما معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين لأنا متساويان
وإنما تصح قسمة الشقص في هذه الحالة من ثمانية عشر لأنا نحتاج إلى عدد لثلثه ثلث وهو تسعة مع الثاني منها ثلاثة ومع الأول ستة فينتزع الثالث من الثاني واحدا يضمه الى الستة التي مع الأول فلا ينقسم بينهما فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر للثاني منها اثنان في اثنين بأربعة تبقى أربعة عشر للأول والثالث نصفين وهذا المنقسم من ثمانية عشر ربع الدار فتقسم جملتها من اثنين وسبعين
هذا ما ذكره الأكثرون ونقلوه عن ابن سريج
وقال القاضي حسين لما ترك الثاني سدسا للأول صار عافيا عن بعض حقه فيبطل جميع حقه على الأصح كما سبق فينبغي أن يسقط حق الثاني كله ويكون الشقص بين الأول والثالث
قلت الأصح قول الأكثرين ولا يسلم أنه أسقط بعض حقه
والله أعلم الثامن قال ابن الصباغ لو حضر اثنان وأخذ الشقص ثم حضر الثالث وأحدهما غائب فان قضى له القاضي على الغائب أخذ من كل ثلث ما في يده وإلا فهل يأخذ ثلث ما في يد الحاضر أم نصفه وجهان
ثم إن حضر الغائب وغاب الحاضر فإن كان الثالث أخذ من الحاضر ثلث ما معه أخذ من القادم ثلث ما في يده أيضا
وإن كان أخذ نصفه أخذ من القادم سدس ما في يده ويتم بذلك نصيبه وينقسم هذا الشقص من اثني عشر وجملة الدار من ثمانية وأربعين
التاسع ثبتت الشفعة لحاضر وغائب فعفا الحاضر ثم مات الغائب فورثه الحاضر فله أخذ الشقص كله بالشفعة تفريعا على الأصح أنه إذا عفا أحد الشريكين أخذ الآخر الجميع
وإن قلنا عفو أحدهما يسقط حق الآخر

لم يأخذ شيئا
وإن قلنا يستقر نصيب العافي للمشتري لم يأخذ الحاضر بحق الإرث إلا النصف

فصل ليس للشفيع تفريق الصفقة على المشتري

ولو اشترى اثنان شقصا من رجل فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما فقط إذ لا تفريق عليه
ولو باع اثنان من ملاك الدار شقصا لواحد جاز أن يأخذ حصة أحد البائعين على الأصح
ولو باع اثنان نصيبهما لاثنين يعقد واحد فهو كأربعة عقود تفريعا على الأظهر أن تعدد البائع كتعدد المشتري فللشفيع الخيار فان شاء أخذ الجميع أو ثلاثة أرباعه وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخر أو يأخذ نصف الجملة بأخذ نصيب أحدهما أو نصف نصيب كل واحد أو يأخذ ربع الجملة وهو نصف نصيب أحدهما
ولو وكلا وكيلا في بيع شقص أو شرائه أو وكل وكيلين في بيع شقص أو شرائه فالاعتبار بالعاقد أم بمن له العقد فيه خلاف سبق في تفريق الصفقة
فلو كانت الدار لثلاثة فوكل أحدهم ببيع نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك فليس للثالث إذا قلنا الاعتبار بالعاقد إلا أخذ الجميع أو ترك الجميع
وإن قلنا الاعتبار بالمعقود له فله أن يأخذ حصة أحدهما فقط
ولو كانت الدار لرجلين فوكل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك وأراد الموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحق النصف الباقي له فله ذلك لأن الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكل فيه وهو ملكه وعلى ما فيه شفعة وهو ملك الوكيل فأشبه من باع شقصا وثوبا بمائة
وفي وجه ضعيف أنها كالصورة السابقة
ولو باع شقصين

من دارين صفقة واحدة فان كان الشفيع في أحدهما غير الشفيع فى الأخرى فلكل أن يأخذ ما هو شريك فيه وافقه الآخر في الأخذ أم لا
وإن كان شفيعهما واحدا جاز أيضا على الاصح

الباب الثالث فيما يسقط به حق الشفيع
الأظهر المنصوص في الكتب الجديدة أن الشفعة على الفور
والثاني تمتد ثلاثة أيام
والثالث تمتد مدة تتسع لتأمل المصلحة في الأخذ
والرابع تمتد إلى التصريح باسقاطها
والخامس إلى التصريح أو ما يدل عليه كقوله بع لمن شئت أو هبه وكذا قوله بعنيه أو هبه لي أو قاسمين
وقيل لا تبطل بهذا وللمشتري إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعفو أن يرفعه إلى الحاكم ليلزمه الأخذ أو العفو
وفي قول ليس له ذلك تنزيلا للشفيع منزلة مستحق القصاص والتفريع على قول الفور
( وإنما نحكم بالفور ) بعد علم الشفيع بالبيع
فلو لم يعلم حتى مضى سنون فهو على شفعته ثم إذا علم لا يكلف المبادرة على خلاف العادة بالعدو ونحوه بل يرجع فيه إلى العرف فما عد تقصيرا وتوانيا في الطلب يسقط الشفعة وما لا يعد تقصيرا لعذر لا يسقطها
والعذر ضربان
أحدهما ما لا ينتظر زواله عن قرب كالمرض فينبغي للمريض أن يوكل إن قدر
فان لم يفعل بطلت شفعته على الأصح لتقصيره
والثاني لا
والثالث إن لم يلحقه في التوكيل منة ولا مؤنة ثقيلة بطلت وإلا فلا
فان لم يمكنه فليشهد على الطلب
فإن لم يشهد بطلت على الأظهر أو الأصح
والخوف من العدو كالمرض

وكذا الحبس إذا كان ظلما أو بدين هو معسر به عاجز عن بينة الاعسار
وإن حبس بحق بأن كان مليئا فغير معذور ومثله الغيبة
فإذا كان الشفيع في بلد آخر فعليه أن يخرج طالبا عند بلوغ الخبر أو يبعث وكيلا إلا أن يكون الطريق مخوفا فيجوز التأخير إلى أن يجد رفقة معتمدين يصحبهم هو أو وكيله ويزول الحر والبرد المفرطان
وإذا أخر لذلك أو لم يمكنه السير بنفسه ولا وجد وكيلا فليشهد على الطلب
فإن لم يشهد ففي بطلان حقه الخلاف السابق وأجري ذلك في وجوب الاشهاد إذا سار طالبا في الحال
والأظهر هنا أنه لا يجب ولا تبطل شفعته بتركه كما لو أرسل وكيلا ولم يشهد فإنه يكفي
وليطرد فيما إذا كان حاضرا في البلد فخرج إليه أو إلى مجلس الحكم كما سبق في الرد بالعيب
الضرب الثاني ما ينتظر زواله عن قرب بأن كان مشغولا بصلاة أو طعام أو قضاء الحاجة أو في حمام فله الاتمام ولا يكلف قطعها على خلاف العادة على الصحيح
وقيل يكلف قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة
وعلى الصحيح لو دخل وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة جاز له أن يقدمها فإذا فرغ طلب الشفعة ولا يلزمه تخفيف الصلاة والاقتصار على ما يجزىء

فرع لو رفع الشفيع الأمر إلى القاضي وترك مطالبة المشتري مع حضوره
جاز وقد ذكرناه في الرد بالعيب
ولو أشهد على الطلب ولم يراجع المشتري ولا القاضي لم يكف
وإن كان المشتري غائبا فالقياس أن يرفع الأمر إلى القاضي ويأخذ كما ذكرنا هناك
وإذا ألزمناه الاشهاد فلم يقدر عليه فهل يؤمر أن يقول

تملكت الشقص وجهان سبق نظيرهما هناك
ولو تلاقيا في غير بلد الشقص فأخر الشفيع الأخذ إلى العود إليه بطل حقه لاستغناء الآخذ عن الحضور عند الشقص

فصل إذا أخر الطلب ثم قال أخرت لأني لم أصدق المخبر فان
أو عدل وامرأتان بطل حقه وإن أخبره من لا يقبل خبره ككافر وفاسق وصبي لم يبطل
وإن أخبره ثقة حر أو عبد بطل حقه على الأصح
والمرأة كالعبد على المذهب
وقيل كالفاسق
وعلى هذا في النسوة وجهان بناء على أن المدعي هل يقضي له بيمينه مع امرأتين إن قلنا لا فهو كالمرأة وإلا فكالعدل الواحد هذا كله إذا لم يبلغ عدد المخبرين حدا لا يمكن التواطؤ على الكذب
فان بلغه بطل حقه ( و ) إن كانوا فساقا
فرع لو كذبه المخبر فزاد في قدر الثمن بأن قال باع الشريك
بألف فعفا أو توانى ثم بان بخمسمائة لم يبطل حقه
ولو كذب بالنقص فقال باع بألف فعفا فبان بألفين بطل حقه
ولو كذب في تعيين المشتري فقال باع زيدا فعفا فبان عمرا أو قال المشتري اشتريت لنفسي فبان وكيلا أو كذب في جنس الثمن فقال باع بدراهم فبان دنانير وفي نوعه فقال باع بنيسابورية فبان ب هروية أو في قدر المبيع فقال باع كل نصيبه فبان بعضه أو بالعكس

أو باع حالا فبان مؤجلا أو إلى شهر فبان إلى شهرين أو باع رجلين فبان رجلا أو عكسه لم يبطل حقه لاختلاف الغرض بذلك
وشذ الإمام عن الأصحاب فقال إذا أخبر بالدراهم أو الدنانير فعفا فبان عكسه ولم يتفاوت القدر عند التقويم بطل حقه
ولو قيل باع بكذا مؤجلا فعفا فباع حالا أو باع كله بألف ( فبان بعضه بألف ) بطل حقه قطعا

فرع لقي المشتري فقال السلام عليكم أو سلام عليك أو سلام عليكم
لم تبطل شفعته لأنه سنة
قال الإمام ومن غلا في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة لا يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام
ولو قال عند لقائه بكم اشتريت فوجهان قطع العراقيون بالبطلان وقالوا حقه أن يظهر الطلب ثم يبحث
والأصح المنع لافتقاره إلى تحقيق ما يأخذه به
ولو قال بارك الله لك في صفقتك لم تبطل على الأصح وبه قطع الجمهور
ولو قال اشتريت رخيصا وما أشبهه بطلت شفعته لأنه فضول
فرع أخر الطلب ثم اعتذر بمرض أو حبس أو غيبة وأنكر المشتري
قول الشفيع إن علم به العارض الذي ادعاه وإلا فالمصدق المشتري
ولو قال لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو كونها على الفور فهو كما سبق في الرد بالعيب

فصل إذا باع الشفيع نصيبه
أو وهبه عالما بثبوت شفعته بطلت سواء قلنا الشفعة على الفور أو التراخي لزوال ضرر المشاركة
ولو باع بعضه بطلت على الأظهر
وإن باع نصيبه جاهلا بالشفعة بطلت على الأصح لزوال الضرر
ولو باع بعضه جاهلا أطلق البغوي أنها لا تبطل
والوجه أن يكون على القولين إن قلنا إن بيع الجميع جاهلا يبطلها
قلت الأصح هنا على الجملة أنها لا تبطل لعذره مع بقاء الحاجة للمشاركة
والله أعلم فصل إذا صالح من حق الشفعة على مال فهو على ما ذكرناه في الصلح عن الرد بالعيب
واختار أبو إسحاق المروزي صحته
ولو تصالحا على أخذ بعض الشقص فهل يصح لرضى المشتري بالتبعيض أم تبطل شفعته أم يبطل الصلح ويبقى خياره بين أخذ الجميع وتركه فيه ثلاثة أقوال
فصل في مسائل منثورة إحداها للمفلس العفو عن الشفعة والأخذ ولا اعتراض
في الذمة
ثم الكلام في أنه من أين يؤدي الثمن ذكرناه في التفليس

الثانية وهب شقصا لعبده وقلنا يملك فباع شريكه ثبت للعبد الشفعة قاله أبو محمد
وفي افتقاره إلى إذن السيد وجهان
الثالثة لعامل القراض الأخذ بالشفعة فإن لم يأخذ فللمالك الأخذ ولو اشترى مال القاضي شقصا من شريك رب المال فلا شفعة له على الاصح
وإن كان العامل شريكا فيه فله الاخذ إن لم يكن في المال ربح أو كان وقلنا لا يملك بالظهور
فإن قلنا يملك به فعلى الوجهين في المالك
الرابعة إذا كان الشقص في يد البائع فقال الشفيع لا أقبضه إلا من المشتري فوجهان
أحدهما له ذلك ويكلف الحاكم المشتري أن يتسلمه ويسلم إلى الشفيع
فإن كان غائبا نصب الحاكم من ينوب عنه في الطرفين
والثاني لا يكلف ذلك بل يأخذه الشفيع من البائع
وسواء أخذه من المشتري أو البائع فعهدة الشفيع على المشتري لأن الملك انتقل إليه منه
قلت الاول أصح وبه قطع صاحب التنبيه وآخرون هكذا ذكر الوجهين صاحب الشامل وآخرون وذكر القاضي أبو الطيب وصاحب المهذب وآخرون في جواز أخذ الشفيع من البائع وجهين وقطع صاحب التنبيه بالمنع
وصحح المتولي الجواز ذكره في باب حكم البيع قبل القبض
والله أعلم الخامسة اشترى شقصا بشرط البراءة من العيوب فإن أبطلنا البيع فذاك وإن صححناه وأبطلنا الشرط فكالشراء مطلقا
وإن صححنا الشرط فللشفيع رده بالعيب على المشتري وليس للمشتري الرد
السادسة لو علم الشفيع العيب ولم يعلمه المشتري فلا رد للشفيع وليس

للمشتري طلب الأرش لأنه استدرك الظلامة أو لأنه لم ييأس من الرد
فلو رجع إليه ببيع وغيره لم يرد على العلة الأولى ويرد على الثانية
السابعة قال أحد الشريكين للآخر بع نصيبك فقد عفوت عن الشفعة فباع ثبتت الشفعة ولغا العفو
قلت وكذا لو قال للمشتري اشتر فلا أطالبك بشفعة لغا عفوه
والله أعلم الثامنة باع شقصا فضمن الشفيع العهدة للمشتري لم تسقط شفعته
وكذا إذا شرطنا الخيار للشفيع وصححنا شرطه للأجنبي
التاسعة أربعة بينهم دار فباع أحدهم نصيبه واستحق الشركاء الشفعة فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو قبلت شهادتهما إن شهدا بعد عفوهما وإن شهدا قبله لم تقبل
فلو عفوا ثم أعادا تلك الشهادة لم تقبل أيضا للتهمة
وإن شهدا بعد عفوهما قبلت شهادة العافي دون الآخر فيحلف المشتري مع العافي ويثبت العفو
ولو شهد البائع على عفو الشفيع قبل قبض الثمن لم تقبل لأنه قد يقصد الرجوع بتقدير الافلاس
وإن كان بعد القبض فوجهان لأنه ربما توقع العود بسبب ما
العاشرة أقام المشتري بينة بعفو الشفيع وأقام الشفيع بينة بأخذه بالشفعة والشقص في يده فهل بينة الشفيع أولى لقوتها باليد أم بينة المشتري لزيادة علمها بالعفو وجهان
أصحهما الثاني
الحادية عشرة شهد السيد بشراء شقص فيه شفعة لمكاتبه قال الشيخ أبو محمد

تقبل شهادته
قال الإمام كأنه أراد أن يشهد للمشتري إذا ادعى الشراء ثم ثبتت الشفعة تبعا
فأما شهادته للمكاتب فلا تقبل بحال
الثانية عشرة الشفيع صبي فعلى وليه الأخذ إن كان فيه مصلحة وإلا فيحرم الأخذ
وإذا ترك بالمصلحة ثم بلغ فهل له الأخذ فيه خلاف سبق في الحجر
الثالثة عشرة بينهما دار فمات أحدهما عن حمل فباع الآخر نصبيه فلا شفعة للحمل لأنه لا يتيقن وجوده
فإن كان له وارث غير الحمل فله الشفعة
وإذا انفصل حيا فليس لوليه أن يأخذ شيئا من الوارث
ولو ورث الحمل شفعة عن مورثه فهل لأبيه أو لجده الأخذ قبل انفصاله وجهان وبالمنع قال ابن سريج لأنه لا يتيقن
الرابعة عشرة إذا أخذ الشفيع الشقص وبنى فيه أو غرس فخرج مستحقا وقلع المستحق بناءه وغراسه فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشتري من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه
الخامسة عشرة مات وله شقص من دار وعليه دين مستغرق فباع الشريك حصته قبل بيع الشقص في الدين قال ابن الحداد للورثة أخذه بالشفعة وهذا تفريع على الصحيح أن الدين لا يمنع انتقال الملك في التركة إلى الورثة
وإن قلنا يمنع فلا شفعة لهم
ولو خلف دارا كاملة وعليه دين لا يستغرقها فبيع بعضها في الدين قال ابن الحداد لا شفعة للورثة فيما بيع بما بقي لهم من الملك وهذا مستمر على الصحيح فإنهم إذا ملكوا الدار كان المبيع جزءا من ملكهم
ومن يبع من ملكه جزءا بحق لم يكن له استرجاعه بالباقي
وإن قلنا يمنع فهل يمنع في قدر الدين أم في الجميع فيه خلاف مذكور في موضعه
وإن

قلنا بالثاني فلا شفعة لهم أيضا وإلا فلهم
ولو كانت الدار مشتركة بين الميت وورثته فبيع نصيبه أو بعضه في دينه ووصيته فقال الجمهور لا شفعة
وقال ابن الحداد لهم الشفعة لأن ما بيع في دينه كما لو باعه في حياته وهو خلاف مقتضى الأصل المذكور فإنهم إذا ملكوا التركة صار جميع الدار لهم فيكون المبيع جزءا من ملكهم

فصل في الحيل الدافعة للشفعة منها أن يبيع الشقص بأضعاف ثمنه دراهم
ويأخذ عرضا قيمته مثل الثمن الذي تراضيا عليه عوضا عن الدراهم أو يحط عن المشتري ما يزيد عليه بعد انقضاء الخيار
ومنها ما قاله ابن سريج يشتري أولا بائع الشقص عرضا يساوي ثمن الشقص بأضعاف ذلك الثمن ثم يجعل الشقص عوضا عما لزمه
ومنها أن يبيع جزءا من الشقص بثمن كله ويهب له الباقي وهذه الطرق فيها غرر فقد لا يفي صاحبه
ومنها أن يجعل الثمن حاضرا مجهول القدر ويقبضه البائع ولا يزنه بل ينفقه أو يخلطه فتندفع الشفعة على الصحيح
وفيها خلاف ابن سريج السابق
ومنها إذا وقف الشقص أو وهبه بطلت الشفعة على رأي أبي إسحاق
ومنها لو باع بعض الشقص ثم باع الباقي لم يكن للشفيع أن يأخذ جميع المبيع ثانيا على أحد الوجهين فيندفع أخذ جميع المبيع
ومنها لو وكل البائع شريكه بالبيع فباع لم تكن له الشفعة على أحد الوجهين
وقد سبق ذكر هذه المسائل

قلت ومنها أن يهب له الشقص بلا ثواب ثم يهب له صاحبة قدر قيمته قال الشيخ أبو حامد هذا لا غرر فيه لأنه يمكنه أن يحترز من أن لا يفي صاحبه بأن يهبه ويجعله في يد أمين ليقبضه إياه ويهبه صاحبه قدر قيمته ويجعله في يد أمين ليقبضه إياه ثم يتقابضا في حالة واحدة
والله أعلم فرع عند أبي يوسف لا يكره دفع الشفعة بالحيلة إذ ليس فيها دفع حق على الغير فإنه إنما يثبت بعد البيع
وعند محمد بن الحسن يكره دفع الشفعة بالحيلة لما فيها من إبقاء الضرر وهذا أشبه بمذهبنا في الحيلة في منع وجوب الزكاة
قلت عجب من الإمام الرافعي رحمه الله كيف قال ما قال مع أن المسألة مسطورة وفيها وجهان
أصحهما وبه قال ابن سريج والشيخ أبو حامد تكره هذه الحيلة
والثاني لا قاله أبو حاتم القزويني في كتاب الحيل
أما الحيل في دفع شفعة الجار فلا كراهة فيها قطعا وفيها من الحيل غير ما سبق ( ما ) ذكره المتولي أنه يشتري عشر الدار مثلا بتسعة أعشار الثمن فلا يرغب الشفيع لكثرة الثمن ثم يشتري تسعة أعشاره بعشر الثمن فلا يتمكن الجار من الشفعة لأن المشتري حالة الشراء شريك في الدار والشريك مقدم على الجار أو يخط البائع على طرف ملكه خطا مما يلي دار جاره ويبيع ما وراء الخط فتمتنع شفعة الجار لأن بين ملكه وبين المبيع فاصلا ثم يهبه الفاصل
والله أعلم

كتاب القراض
القراض والمقارضة والمضاربة بمعنى وهو أن يدفع مالا إلى شخص ليتجر فيه والربح بينهما
ودليل صحته إجماع الصحابة رضي الله عنهم وفيه ثلاثة أبواب
الأول في أركان صحته وهي خمسة
( الركن ) الأول رأس المال وله أربعة شروط
الأول أن يكون نقدا وهو الدراهم والدنانير المضروبة ودليله الاجماع
ولا يجوز على الدراهم المغشوشة على الصحيح ولا على الفلوس على المذهب
قلت قد ذكر الفوراني في جواز القراض على ذوات المثل وجهين وهذا شاذ منكر والصواب المقطوع به المنع
والله أعلم الشرط الثاني أن يكون معلوما
فلو دفع إليه ثوبا وقال بعه وقد قارضتك على ثمنه لم يجز
الشرط الثالث أن يكون معينا
فلو قارض على دراهم غير معينة ثم أحضر في المجلس وعينها قطع القاضي والإمام بجوازه كالصرف والسلم وقطع البغوي بالمنع
ولو كان له دين على رجل فقال لغيره قارضتك على ديني على فلان فاقبضه واتجر فيه أو قارضتك عليه لتقبض وتتصرف أو أقبضه فإذا قبضته فقد قارضتك عليه لم يصح وإذا قبض العامل وتصرف فيه لم يستحق الربح المشروط بل الجميع لرب المال وللعامل أجرة مثل التصرف إن كان قال إذا قبضت فقد

قارضتك
وإن قال قارضتك عليه لتقبض وتتصرف استحق أجرة مثل التقاضي والقبض أيضا
ولو قال للمديون قارضتك على الدين الذي لي عليك لم يصح القراض بل لو قال اعزل قدر حقي من مالك فعزله ثم قال قارضتك عليه لم يصح لأنه لم يملكه
فإذا تصرف المأمور فيما عزله نظر إن اشترى بعينه للقراض فهو كالفضولي يشتري لغيره بعين ماله
وإن اشترى في الذمة فوجهان
أصحهما عند البغوي أنه للمالك لأنه اشترى له باذنه
وأصحهما عند الشيخ أبي حامد للعامل لأن المالك لم يملك اليمين
وحيث كان المعزول للمالك فالربح ورأس المال له لفساد القراض وعليه الأجرة للعامل
ولو دفع كيسين في كل ألف وقال قارضتك على أحدهما فوجهان
أحدهما يصح لتساويهما
وأصحهما المنع لعدم التعيين
قلت فعلى الأول يتصرف العامل في أيهما شاء فيتعين للقراض
والله أعلم ولو كانت دراهمه في يد غيره وديعة فقارضه عليها صح ولو كانت غصبا صح على الأصح كما لو رهنه عند الغاصب
وعلى هذا لا يبرأ من ضمان الغصب كما في الرهن
قلت معناه لا يبرأ بمجرد القراض
أما إذا تصرف العامل فباع واشترى فيبرأ من ضمان الغصب لأنه سلمه باذن المالك وزالت عنه يده وما يقبضه من الأعواض يكون أمانة في يده لأنه لم يوجد منه فيها مضمن
والله أعلم الشرط الرابع أن يكون رأس المال مسلما إلى العامل ويستقل باليد عليه والتصرف فيه
فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده ويوفي منه الثمن إذا اشترى العامل شيئا أو شرط أنه يراجعه في التصرفات أو مشرفا نصبه

فسد القراض
ولو شرط أن يعمل معه المالك بنفسه فسد على الصحيح
وقال أبو يحيى البلخي يجوز على سبيل المعاونة والتبعية
ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فوجهان
ويقال قولان
الصحيح الذي عليه الأكثرون صحته لأن العبد مال ولمالكه إعارته وإجارته فيكون في معنى إذن المالك في استخدامه
هذا إذا لم يصرح بحجة على العامل فأما إذا قال على أن يعمل معك غلامي ولا تتصرف دونه أو يكون بعض المال في يده فيفسد قطعا
ولو شرط أن يعطيه بهيمة يحمل عليها جاز على المذهب
ولو لم يشرط عمل الغلام معه ولكن شرط ثلث الربح له والثلث لغلامه والثلث للعامل جاز
وحاصله اشتراط ثلثي الربح لنفسه نص عليه في المختصر

فرع قال المتولي لو كان بينه وبين غيره دراهم مشتركة فقال لشريكه
قارضتك على نصيبي منها صح إذ ليس له إلا الاشاعة وهي لا تمنع صحة التصرف
قال ولو خلط ألفين بألف لغيره ثم قال صاحب الألفين للآخر قارضتك على أحدهما وشاركتك في الآخر فقبل جاز وانفرد العامل بالتصرف في ألف القراض ويشتركان في التصرف في باقي المال ولا يخرج على الخلاف في الصفقة الواحدة تجمع عقدين مختلفين لأنهما جميعا يرجعان إلى التوكيل بالتصرف
فرع لا يجوز جعل رأس المال سكنى دار لأنه إذا لم يجعل
مال فالمنفعة أولى

الركن الثاني العمل وله شروط
الأول أن يكون تجارة ويتعلق بهذا الشرط مسائل
الأولى لو قارضه على أن يشتري الحنطة فيطحنها ويخبزها والطعام ليطبخه ويبيعه والغزال لينسجه والثوب أو ليقصده والدبغ بينهما فهو فاسد
ولو اشترى العامل الحنطة وطحنها ليقصره من غير شرط فوجهان
أحدهما وهو قول القاضي حسين وآخرين يخرج الدقيق عن كونه رأس مال قراض
فإن لم يكن في يده غيره انفسخ القراض لأن الربح حينئذ لا يحال على البيع والشراء فقط
وعلى هذا لو أمر المالك العامل بطحن حنطة القراض كان فسخا للقراض
وأصحهما أن القراض بحاله كما لو زاد عبد القراض بكبر أو سمن أو تعلم صنعة فإنه لا يخرج عن كونه مال قراض لكن إن استقل االعامل بالطحن صار ضامنا ولزمه الغرم إن نقض الدقيق
فإن باعه لم يكن الثمن مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه ولا يستحق العامل بهذه الصناعات أجرة ولو استأجر عليها والأجرة عليه والربح بينه وبين المالك كما شرطا
الثانية قارضه على دراهم على أن يشتري نخيلا أو دواب أو مستغلات ويمسك رقابها لثمارها ونتاجها وغلاتها وتكون الفوائد بينهما فهو فاسد لأنه ليس ربحا بالتجارة بل من عين المال
الثالثة شرط أن يشتري شبكة ويصطاد بها والصيد بينهما فهو فاسد ويكون الصيد للصائد وعليه أجرة الشبكة
الشرط الثاني أن لا يكون مضيقا عليه بالتعيين
فلو عين نوعا يندر كالياقوت الأحمر والخز الأدكن والخيل العتق والصيد حيث يندر فسد القراض لأنه تضييق يخل بالمقصود
وإن لم يندر ودام شتاء وصيفا كالحبوب والحيوان والخز

والبز صح القراض
وإن لم يدم كالثمار الرطبة فوجهان
أصحهما الجواز والثاني المنع إلا إذا قال تصرف فيه فإذا انقطع فتصرف في كذا فيجوز
ولو قال لا تشتر إلا هذه السلعة أو إلا هذا العبد فسد بخلاف ما لو قال لا تشتر هذه السلعة لأنه يمكن شراء غيرها
ولو قال لا تبع إلا لزيد أو لا تشتر إلا منه لم يجز وقال الماسرجسي إن كان المعين بياعا لا ينقطع عنده المتاع الذي يتجر في نوعه غالبا جاز تعيينه والمعروف الأول
ولو قال لا تبع لزيد ولا تشتر منه جاز على الصحيح
لا يشترط تعيين نوع يتصرف فيه على الصحيح بخلاف الوكالة

فرع إذا جرى تعيين صحيح لم يكن للعامل مجاوزته كما في سائر
المستفادة بالاذن
ثم الاذن في البز يتناول ما يلبس من المنسوج من الابريسم والقطن والكتان والصوف دون البسط والفرش
وفي الأكسية وجهان لأنها ملبوسة لكن لا يسمى بائعها بزازا
قلت أصحهما المنع
والله أعلم الشرط الثالث أن لا يضيق بالتوقيت ولا يعتبر في القراض بيان المدة بخلاف المساقاة لأن مقصودها وهو الثمرة ينضبط بالمدة
فلو وقت فقال قارضتك

سنة فإن منعه من التصرف بعدها مطلقا أو من البيع فسد لأنه يخل بالمقصود
وإن قال على أن لا تشتري بعد السنة ولك البيع صح على الأصح لأن المالك يتمكن من منعه من الشراء متى شاء بخلاف البيع
ولو اقتصر على قوله قارضتك سنة فسد على الأصح
وعلى الثاني يجوز ويحمل على المنع من الشراء استدامة للعقد
ولو قال قارضتك سنة على أن لا أملك الفسخ قبل انقضائها فسد

فرع لا يجوز أن يعلق القراض فيقول إذا جاء رأس الشهر فقد
كما لا يعلق البيع ونحوه
ولو قال قارضتك الآن ولا تتصرف حتى ينقضي الشهر فقيل يجوز كالوكالة
والأصح لا يجوز كقوله بعتك ولا تملك إلا بعد شهر
الركن الثالث الربح وله أربعة شروط
الأول أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين
فلو شرط بعضه لثالث فقال على أن يكون ثلثه لك وثلثه لي وثلثه لزوجتي أو لإبني أو لإجنبي لم يصح إلا أن يشرط عليه العمل معه فيكون قراضا مع رجلين
ولو كان المشروط له عبدا لمالك أو عبدا لعامل كان ذلك مضموما إلى ما ( شرط ) للمالك أو للعامل
ولو قال نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي صح القراض وهذا وعد هبة لزوجته
ولو قال للعامل لك كذا على أن تعطي ابنك أو امرأتك نصفه قال القاضي أبو حامد إن ذكره شرطا فسد القراض وإلا فلا
الشرط الثاني أن يكون مشتركا بينهما
فلو قال قارضتك على أن يكون جميع الربح لك فوجهان
أصحهما أنه قراض فاسد رعاية للفظ
والثاني أنه قراض صحيح رعاية للمعنى
ولو قال قارضتك على أن الربح كله لي فهل هو

قراض فاسد أم إبضاع فيه الوجهان
ولو قال أبضعتك على أن نصف الربح لك فهو إبضاع أم قراض فيه الوجهان
ولو قال خذ هذه الدراهم وتصرف فيها والربح كله لك فهو قرض صحيح عند ابن سريج والأكثرين بخلاف ما لو قال قارضتك والربح كله لك لأن اللفظ صريح في عقد آخر
قال الشيخ أبو محمد لا فرق بين الصورتين
وقال القاضي حسين الربح والخسران للمالك وللعامل أجرة المثل ولا يكون قرضا لأنه لم يملكه
ولو قال تصرف فيها والربح كله لي فهو إبضاع
الشرط الثالث أن يكون معلوما
فلو قال قارضتك على أن لك في الربح شركا أو شركة أو نصيبا فسد
وإن قال لك مثل ما شرطه فلان لفلان فإن كانا عالمين به صح
وإن جهله أحدهما فسد
ولو قال الربح بيننا ولم يبين فوجهان
أحدهما الفساد
وأصحهما الصحة وينزل على النصف كقوله هذه الدار بيني وبين زيد يكون مقرا بالنصف
ولو قال على أن ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك صح
وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل هذا إذا علما عند العقد أن المشروط للعامل بهذا اللفظ كم هو فإن جهلاه أو أحدهما صح أيضا على الاصح وبه قطع في الشامل لسهولة معرفته
ويجري الخلاف فيما إذا قال ( لك ) من الربح سدس ربع العشر وهما لا يعلمان قدره عند العقد أو أحدهما
الشرط الرابع أن يكون العلم به من حيث الجزئية لا من حيث التقدير
فلو قال لك من الربح أو لي منه درهم أو مائة والباقي بيننا نصفين فسد القراض
وكذا لو قال نصف الربح إلا درهما وكذا إذا اشترط أن يوليه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال لأنه ربما لا يربح إلا فيها أو أن يلبس الثوب

المشترى أو يركب الدابة أو اختصاص أحدهما بربح صنف من المال أو قال ربح أحد الألفين لي وربح الآخر لك وشرط تمييز الألفين
فلو دفعهما إليه ولا تمييز وقال ربح أحدهما لي وربح الآخر لك فسد أيضا على الأصح
وقيل يصح ويكون كقوله نصف ربح الألفين لك
الركن الرابع الصيغة
القراض والمضاربة والمعاملة ألفاظ مستعملة في هذا العقد
فإذا قال قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن الربح بيننا نصفين كان إيجابا صحيحا
ويشترط القبول متصلا الاتصال المعتبر في سائر العقود
ولو قال خذ هذا الألف واتجر فيه على أن الربح بيننا نصفين فقطع القاضي حسين والبغوي بأنه قراض ولا يفتقر إلى القبول
وقال الإمام قطع شيخي والطبقة العظمى من نقلة المذهب أنه لا بد من القبول بخلاف الجعالة والوكالة لأن القراض عقد معاوضة يختص بمعين
ولو قال قارضتك على أن نصف الربح لي وسكت عن جانب العامل لم يصح على الأصح وقيل يصح ويكون بينهما نصفين
ولو قال على أن نصف الربح لك وسكت عن جانب نفسه أو على أن لك النصف ولي السدس وسكت عن الباقي صح على الصحيح وكان بينهما نصفين
الركن الخامس العاقدان
فالقراض توكيل وتوكل فيعتبر فيهما ما يعتبر في الوكيل والموكل ويجوز لولي الطفل والمجنون أن يقارض بمالهما سواء فيه الأب والجد والوصي والحاكم وأمينه

فصل إذا قارض في مرض موته صح ويسلم للعامل الربح المشروط وإن

على أجرة المثل ولا يحسب من الثلث ولو ساقاه في مرض الموت وزاد على مثله حسبت الزيادة من الثلث على الأصح والفرق أن النماء في المساقاة من عين المال

فصل يجوز أن يقارض الواحد اثنين وعكسه

فإذا قارض اثنين وشرط لهما نصف الربح بالسوية جاز ولو شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه فإن أبهم لم يجز
وإن عين صاحب الثلث وصاحب الربع جاز
قال الإمام وإنما يجوز أن يقارض اثنين إذا أثبت لكل واحد الاستقلال
فإن شرط كل واحد مراجعة الآخر لم يجز
هذا كلام الإمام وما أظن الأصحاب يساعدونه عليه
وإذا قارض اثنان واحدا فليبينا نصيب العامل من الربح ويكون الباقي بينهما على قدر ماليهما
ولو قالا لك من نصيب أحدنا من الربح الثلث ومن نصيب الآخر الربع فإن أيهما لم يجز
وإن عينا وهو عالم بقدر مال كل واحد جاز إلا أن يشترطا كون الباقي بين المالكين على غير ما تقتضيه نسبة المالين
فصل إذا فسد القراض بتخلف بعض الشروط فله ثلاثة أحكام

أحدها تنفذ تصرفاته كنفوذها في القراض الصحيح لوجود الاذن كالوكالة الفاسدة
الثاني سلامة الربح بكماله للمالك
الثالث استحقاق العامل أجرة مثل عمله سواء كان في المال ربح أم لا وهذه الأحكام مطردة في صور الفساد لكن لو قال قارضتك على أن جميع الربح لي وقلنا هو قراض فاسد لا إبضاع ففي استحقاق العامل أجرة المثل وجهان
أصحهما المنع لأنه عمل مجانا

فرع قال في المختصر لو دفع إليه ألفا وقال اشتر بها
بالنصف فهو فاسد
واختلفوا في سبب فساده فالأصح وفي سياق الكلام ما يقتضيه أنه تعرض للشراء دون البيع وهذا تقريع على الأصح أن التعرض للشراء لا يغني عن التعرض للبيع بل لا بد من لفظ المضاربة ونحوها لتناول البيع والشراء أو ( من ) لفظ البيع والشراء جميعا
وإذا اقتصر على الشراء فللمدفوع إليه الشراء دون البيع والربح كله للمالك والخسران عليه
وقيل يكفي التعرض للشراء ويتضمن الاذن في البيع بعده وقيل إذا اتى بلفظ المضاربة أو القراض كان كقوله اشتر من غير تعرض للبيع
والصحيح الصحة
وقيل سببه أنه لم يبين لمن النصف
واعترض ابن سريج على هذا بأن الشرط ينصرف إلى العامل لأن المالك يستحق بالمال لا بالشرط
وقال ابن أبي هريرة سبب الفساد أنه لم يعين أحد النوعين ولا أطلق التصرف في أنواع الأمتعة
واعترض القاضي حسين عليه بأنه لو عين أحدهما حكمنا بالصحة فإذا ذكرهما على الترديد زاد العامل بسطة وتخييرا فهو أولى بالصحة
قلت هذا الاعتراض ليس بمقبول لأن حاصله أنه حمل لفظة أو على التخيير وابن أبي هريرة ينكر ذلك ويقول إنما أذن له في أحدهما وشك في المراد
والله أعلم وقيل سببه أن القراض إنما يصح إذا أطلق التصرف في الأمتعة أو عين جنسا يعم وجوده والهروي والمروي ليسا كذلك وكأن هذا القائل يقرضه

في بلد لا يعمان فيه
وقال الإمام يجوز أن يكون سببه أنه أرسل ذكر النصف ولم يقل نصف الربح

الباب الثاني في أحكام القراض الصحيح
هي ثلاثة أبواب
الاول تقيد تصرف العامل بالمصلحة كتصرف الوكيل ثم قد تقتضي المصلحة التسوية بينهما وقد تقتضي الفرق فبيع العامل وشراؤه بالغبن كالوكيل ولا يبيع أيضا نسيئة ولا يشتري بها
فإن أذن المالك في البيع نسيئة ففعل وجب الاشهاد فإن تركه ضمن ولا حاجة إليه في البيع حالا لأنه يحبس المبيع إلى استيفاء الثمن ولو سلمه قبل استيفائه ضمن كالوكيل
فإن كان مأذونا له في التسليم قبل قبض الثمن سلمه ولم يلزمه الاشهاد لأن العادة ترك الاشهاد في البيع الحال
ويجوز للعامل البيع بالعرض بخلاف الوكيل لانه من مصالح القراض وكذا له شراء المعيب إذا رأى فيه ربحا فإن اشتراه بقدر قيمته قال المتولي في صحته وجهان لأن الرغبات تقل في المعيب
قلت الاصح الجواز إذا رأى المصلحة
والله أعلم وإن اشترى شيئا على ظن السلامة فبان معيبا فله أن ينفرد برده إن كانت فيه غبطة ولا يمنعه ( منه ) رضى المالك بخلاف الوكيل لان العامل صاحب حق في المال
وإن كانت الغبطة في إمساكه لم يكن له رده على الاصح لإخلاله بالمقصود
وحيث ثبت الرد للعامل فللمالك أولى
قال الإمام ثم العامل

يرد على البائع وينقض البيع
وأما المالك فإن كان الشراء بعين مال القراض فكمثل وإن كان في الذمة فيصرفه المالك عن مال القراض
وفي انصرافه إلى العامل ما سبق في انصراف العقد إلى الوكيل إذا لم يقع للموكل
ولو تنازع المالك والعامل في الرد وتركه عمل بالمصلحة

فرع لا يجوز للمالك معاملة العامل بأن يشتري من مال القراض شيئا
لأنه ملكه كالسيد مع المأذون له
فرع لا يجوز أن يشتري للقراض بأكثر من رأس المال

فلو فعل لم يقع ما زاد عن جهة القراض
فلو دفع إليه مائة قراضا فاشترى عبدا بمائة ثم آخر بمائة للقراض أيضا لم يقع الثاني للقراض بل ينظر إن كان اشتراه بعين المائة فالشراء باطل سواء اشترى الأول بعين المائة أو في الذمة
وإن اشتراه في الذمة انصرف إلى العامل حيث ينصرف شراء الوكيل المخالف إليه
وإذا انصرف إليه فصرف مائة القراض في ثمنه فقد تعدى ودخلت المائة في ضمانه لكن العبد الأول يبقى أمانة في يده لأنه لم يتعد فيه
فإن تلفت المائة والشراء الاول بعينها انفسخ وإن كان في الذمة لم ينفسخ وثبت للمالك على العامل مائة والعبد الاول للمالك وعليه لبائعه مائة فإن أداها العامل باذن المالك وشرط الرجوع ثبت له مائة على المالك ووقع الكلام في التقاص
وإن أداها بغير إذنه برىء المالك عن حق صاحب العبد ويبقى حقه على العامل

فصل اشترى العامل من يعتق على المالك
فأما أن يشتريه باذنه وإما بغيره
الحال الأول باذنه فيصح
ثم إن لم يكن في المال ربح عتق على المالك وارتفع القراض إن اشتراه بجميع مال القراض وإلا فيصير الباقي رأس مال
وإن كان في المال ربح بني على أن العامل متى يملك نصيبه من الربح إن قلنا بالقسمة عتق أيضا وغرم المالك نصيبه من الربح وكأنه استرد طائفة من المال بعد ظهور الربح وإن قلنا يملك بالظهور عتق منه حصة رأس المال ونصيب المالك من الربح وسرى إلى الباقي إن كان موسرا ويغرمه وإن كان معسرا بقي رقيقا
وفي وجه إذا كان في المال ربح وقد اشتراه ببعض المال نظر إن اشتراه بقدر رأس المال عتق وكأن المالك استرد المال والباقي ربح يتقاسمانه وإن اشتراه بأقل حسب من رأس المال أو بأكثر حسب قدر رأس المال من رأس المال والزيادة من حصة المالك ما أمكن
والصحيح الأول
ولو أعتق المالك عبدا من مال القراض فهو كشراء العامل من يعتق عليه باذنه
الحال الثاني يشتريه بغير إذنه فلا يقع ( الشراء ) عن المالك بحال إذ لا مصلحة فيه للقراض ثم إن اشتراه بعين مال القراض بطل من أصله
وإن كان في الذمة وقع عن العامل ولزمه الثمن من ماله
فإن أداه من مال القراض ضمن
فرع اشترى زوجة المالك أو زوجها بلا إذن قيل يصح

والأصح المنصوص

المنع كمن يعتق عليه لأنه لو صح لانفسخ النكاح وتضرر وإنما قصد بالاذن ما فيه حظ
فعلى هذا هو كما لو اشترى من يعتق عليه بلا إذن

فرع لو وكل بشراء عبد فاشترى الوكيل من يعتق على الموكل صح
عن الموكل على المذهب وبه قطع الجمهور لأن اللفظ شامل بخلاف القراض فإن مقصوده الربح فقط ونقل الإمام وجها أنه لا يقع للموكل بل يبطل الشراء إن اشترى بعين المال ويقع عن الوكيل إن كان في الذمة
فرع العبد المأذون له ( في التجارة ) إذا اشترى من يعتق على سيده باذنه صح وعتق عليه إن لم تركبه ديون وإلا فقولان لأن ما في يده كالمرهون بالديون
وإن اشترى بغير إذنه لم يصح على الأظهر
والثاني يصح ويعتق عليه
ورأى الإمام القطع بالبطلان إن كان ( أذن ) في التجارة وجعل الخلاف فيما إذا قال تصرف في هذا المال واشتر عبدا
والجمهور على جريان القولين في الأذن في التجارة وهو نصه في المختصر
ثم هذا الخلاف إذا لم يركبه دين فإن ركبه ترتب على الخلاف فيما إذا لم يركبه وأولى بالبطلان
فإن صح ففي نفوذ العتق القولان
فرع اشترى العامل من يعتق عليه فإن لم يكن في المال ربح
يعتق

كالوكيل يشتري أباه لموكله ثم إن ارتفعت الاسعار وظهر ربح بني على القولين في أن العامل متى يملك الربح إن قلنا بالقسمة لم يعتق منه شىء
وإن قلنا بالظهور عتق عليه بقدر حصته على الأصح
وقيل لا يعتق لعدم استقرار ملكه
فإن قلنا بالأصح ففي السراية وتقويم الباقي عليه إن كان موسرا وجهان
أصحهما وبه قال الأكثرون تثبت كما لو اشتراه وفيه ربح وقلنا يملك بالظهور
وإن كان في المال ربح سواء كان حاصلا قبل إلشراء أو حصل بنفس الشراء بأن كان رأس المال مائة فاشترى بها أباه وهو يساوي مائتين فإن قلنا يملك الربح بالقسمة صح الشراء ولم يعتق وإلا ففي صحة الشراء في قدر حصته من الربح وجهان
أصحهما الصحة لأنه مطلق التصرف في ملكه
والثاني لا لأنه يخالف غرض الاسترباح
فإن منعنا ففي الصحة في نصيب المالك قولا الصفقة وإن صححنا ففي عتقه عنه الوجهان السابقان
فإن قلنا يعتق فإن كان موسرا سرى العتق إلى الباقي ولزمه الغرم لأنه مختار في الشراء وإلا فيبقى الباقي رقيقا
هذا كله إذا اشترى بعين مال القراض فأما إن اشترى في الذمة للقراض فحيث صححنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه هنا عن القراض وحيث لم نصحح هناك أوقفناه هنا عن العامل وعتق عليه
وحكي قول أنه إذا أطلق الشراء ولم يصرفه إلى القراض لفظا ثم قال كنت نويته وقلنا إنه إذا وقع عن القراض لا يعتق منه شىء لم يقبل قوله لأن الذي جرى عقد عتاقه فلا يقبل رفعه

فرع ليس للعامل أن يكاتب عبد القراض بغير إذن المالك

فإن كاتباه معا جاز

وعتق بالأداء ثم إن لم يكن في المال ربح فولاؤه للمالك ولا ينفسخ القراض بما جرى من الكتابة على الأصح بل ينسحب على النجوم وإن كان فيه ربح فالولاء بينهما على حسب الشرط وما يزيد من النجوم على القيمة ربح
الحكم الثاني منع مقارضة العامل غيره
فلو قارض باذن المالك وخرج من الدين وصار وكيلا في مقارضة الثاني صح ولا يجوز أن يشرط العامل الاول لنفسه شيئا من الربح
ولو فعل فسد القراض الثاني ولعامله أجرة المثل على المالك لما سبق أن شرط الربح لغير العامل والمالك ممتنع
وإن أذن ( له ) في أن يعامل غيره ليكون ذلك الغير شريكا له في العمل والربح المشروط له على ما يراه فقيل يجوز كمقارضة شخصين ابتداء والأصح المنع
وإن قارض بغير إذن المالك فهو فاسد ويجيء فيه قول وقف عقد الفضولي على الاجازة
فإذا قلنا بالمشهور فتصرف الثاني في المال وربح فهو كالغاصب إذا اتجر في المغصوب
فإن تصرف في عينه فتصرف فضولي وإن باع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فيما التزمه وربح فالربح للغاصب في الجديد وللمالك في القديم
وفي هذا القديم أبحاث
أحدها هل الربح للمالك جزما أم موقوف على إجازته قيل بالوقف كبيع الفضولي على القديم
فعلى هذا إن رده ارتد سواء اشترى في الذمة أم بعين المغصوب وقال الأكثرون بالجزم وبنوه على المصلحة وكيف يصح وقف شراء الغاصب لنفسه على إجازة غيره وإنما قول الوقف إذا تصرف في عين مال الغير أو له الثاني أن هذا القول جار فيما إذا كان في المال ربح وكثرت التصرفات

وعسر تتبعها فإن سهل وقلت ولا ربح فلا مجال له
فإن سهل وهناك ربح أو عسر ولا ربح فوجهان وسواء في الربح القليل والكثير
الثالث لو اشترى في ذمته ولم يخطر له أن يؤدي الثمن من الدراهم المغصوبة ثم خطر له قال الإمام ينبغي أن لا يجري القديم إن صدقه المالك
وهذه المسألة تلقب بمسألة البضاعة وقد ذكرناها مختصرة في أول البيع وفي الغصب
وإذا قلنا بالجديد فاشترى بعين مال القراض فباطل وإن اشترى في الذمة فهل جميع الربح للعامل الثاني لأنه المتصرف كالغاصب أم للأول لأن الثاني تصرف باذنه كالوكيل وجهان
أصحهما الأول وعليه للثاني أجرة عمله
وإذا قلنا بالقديم ففيما يستحقه المالك من الربح وجهان
أحدهما جمعيه كالغصب
فعلى هذا للعامل الثاني أجرة عمله
قيل يأخذها من العامل الأول لأنه استعمله وقيل من المالك لأن نفع عمله عاد إليه
و ( الوجه ) الثاني وهو الصحيح له نصف الربح لأنه رضي بخلاف به بخلاف صورة الغصب
فعلى هذا في النصف الثاني أوجه
قيل كله للعامل الأول وللثاني عليه أجرة عمله لأنه غرة وقيل للثاني
وقيل كله للعامل الأول وللثاني عليه أجرة عمله لأنه غرة
وقيل للثاني
وقيل بينهما بالسوية وهو الأصح
وعلى هذا في رجوع الثاني بنصف أجرة المثل وجهان
أصحهما لا لأنه أخذ نصف ما حصل لهما والوجهان فيما إذا كان الأول قال على أن ربح هذا المال بيننا أو على أن لكل نصفه
فإن كان قال ما رزقنا الله تعالى من الربح فهو بيننا فلا رجوع على المذهب وبه قطع الأكثرون لان النصف هو الذي رزفاه
وعن الشيخ أبي محمد طرد الوجهين لأن المفهوم بشطر جميع الربح
وجميع ما ذكرناه إذا كان القراضان على المناصفة فإن كانا هما أو أحدهما على نسبة أخرى فعلى ما تشارطا
هذا كله إذا تصرف الثاني وربح
أما لو هلك المال في يده فإن كان عالما بالحال فغاصب
وإن ظن العامل

مالكا فهو كالمستودع من الغاصب لأن يده أمانة
وقيل كالمتهب من الغاصب لعود النفع إليه وقد سبق بيانهما ضمانا وقرارا
الحكم الثالث منعه السفر بمال القراض فليس له السفر به بغير إذن المالك وفي قول له ذلك عند أمن الطريق نقله البويطي
فعلى المشهور لو سافر ضمن المال ثم إن كان المتاع بالبلدة التي سافر إليها أكثر قيمة أو تساوت القيمتان صح البيع واستحق الربح بسبب الاذن
وإن كان أقل قيمة لم يصح البيع إلا أن يكون النقص قدرا يتغابن به
وإذا صححنا البيع فالثمن الذي يقبضه مضمون عليه بخلاف الوكيل في البيع إذا تعدى ثم باع لا يضمن الثمن الذي يقبضه لأنه لم يتعد فيه وهنا العدوان بالسفر وهو شامل ولا تعود الأمانة بالعود من السفر
أما إذا سافر بالاذن فلا عدوان ولا ضمان
قال المتولي ويبيع بما كان يبيعه في البلد الذي سافر منه فإن لم يساو إلا ما دونه فإن ظهر فيه غرض بأن كانت مؤنة الرد أكثر من قدر النقص أو أمكن صرف الثمن إلى متاع يتوقع فيه ربحا فله البيع وإلا فلا يجوز لأنه تخسير محض
قلت وإذا سافر بالإذن لم يجز سفره في البحر إلا بنص عليه
والله أعلم فصل على العامل أن يتولى ما جرت العادة به من نشر الثياب وطيها وذرعها وإدراجها في السفط وإخراجها ووزن ما يخف كالذهب والمسك والعود وقبض الثمن وحمله وحفظ المتاع على باب الحانوت وفي السفر بالنوم عليه ونحوه وليس عليه وزن الأمتعة الثقيلة وحملها ولا نقل المتاع من الخان إلى الحانوت والنداء عليه ثم

ما عليه أن يتولاه لو استأجر عليه فالاجرة في ماله وما ليس عليه أن يتولاه له أن يستأجر عليه من مال القراض
ولو تولاه بنفسه فلا أجرة له

فصل أجرة الكيال والوزان والحمال في مال القراض وكذا أجرة النقل إذا سافر بالاذن وكذا أجرة

فرع لا يجوز للعامل أن يتصدق من مال القراض بشىء أصلا ولا
منه على نفسه في الحضر قطعا
وفي السفر قولان
أظهرهما لا نفقة له كالحضر
والثاني له
وقيل بالمنع قطعا
وقيل بالاثبات قطعا
فإن أثبتنا فالأصح أنه يختص بما يزيد بسبب السفر كالخف والاداوة وشبههما
وقيل يطرد في كل ما يحتاج إليه من طعام وكسوة وإدام وغيرها
قلت وإذا قلنا بالاختصاص استحق أيضا ما يتجدد بسبب السفر من زيادة النفقة واللباس والكراء ونحوها
والله أعلم ويتفرع على الاثبات مسائل
منها لو استصحب مال نفسه مع مال القراض وزعت النفقة على قدر المالين
قال الإمام ويجوز أن ينظر إلى قدر العمل على المالين ويوزع على أجرة مثلهما
وقال أبو الفرج السرخسي إنما يوزع إذا كان ماله قدرا يقصد السفر له

قلت قد قال بمثل قول السرخسي أبو علي في الافصاح وصاحب البيان
والله أعلم ومنها لو رجع العامل ومعه فضل زاد أو آلات أعدها للسفر كالمطهرة ونحوها لزمه ردها إلى مال القراض على الصحيح
ومنها لو استرد المالك منه المال في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه لم يستحق نفقة الرجوع على الأصح كما لو خالع زوجته في السفر
ومنها أنه يشترط أن لا يسرف بل يأخذ بالمعروف وما يأخذه يحسب من الربح فإن لم يكن ربح فهو خسران لحق المال ومهما أقام في طريقه فوق مدة المسافرين في بلد لم يأخذ لتلك المدة
ومنها لو شرط نفقة السفر في ابتداء القراض فهو تأكيد إذا أثبتناها وإلا فسد القراض على الأصح كما لو شرط نفقة الحضر
والثاني لا لأنه من مصالح العقد
وعلى هذا في اشتراط تقديرها وجهان
وعن رواية المزني في الجامع أنه لا بد من شرط النفقة في العقد مقدرة لكن لم يثبتها الأصحاب

فصل هل يملك العامل حصته من الربح بالظهور كالمساقاة أم لا يملك
إلا بالقسمة قولان
أظهرهما عند الأكثرين الثاني
فإن قلنا بالظهور فليس ملكا مستقرا فلا يتسلط العامل على التصرف فيه لأن الربح وقاية لرأس المال
فلو اتفق خسران كان من الربح دون رأس المال ما أمكن
ولذلك نقول إذا طلب أحدهما قسمة الربح قبل فسخ القراض لا يجبر الآخر
فإذا أرتفع القراض

والمال ناض واقتسماه حصل الاستقرار وهو نهاية الأمر
وكذلك لو كان قدر رأس المال ناضا فأخذه المالك واقتسما الباقي
وفي حصول الاستقرار بارتفاع العقد ونضوض المال من غير قسمة وجهان
أصحهما نعم للوثوق بحصول رأس المال والثاني لا لأن القسمة الباقية من تتمة عمل العامل
وإن كان المال عرضا بني على خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في أن العامل هل يجبر على البيع والتنضيض إن قلنا نعم فالمذهب أنه لا استقرار إذ لم يتم العمل وإلا فوجهان كما لو كان ناضا
ولو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد لم يحصل الاستقرار بل لو حصل خسران بعده كان على العامل جبره بما أخذ
وإذا قلنا لا يملك إلا بالقسمة فله فيه حق مؤكد حتى يورث عنه لأنه وإن لم يملكه فقد ثبت له حق التملك ويقدم على الغرماء لتعلق حقه بالعين وله أن يمتنع من العمل بعد ظهور الربح ويسعى في التنضيض ليأخذ منه حقه
ولو أتلف المالك المال غرم حصة العامل وكان الاتلاف كالاسترداد

فرع لو كان في المال جارية لم يكن للمالك وطؤها كان في
أو لم يكن
واستبعد الإمام تحريم إذا لم يكن ربح
وإذا حرمنا فوطىء لم يكن فسخا للقراض على الأصح ولا حد عليه
وأما المهر فسنذكره إن شاء الله تعالى
ولو وطئها العامل فعليه الحد إن لم يكن ربح وكان عالما وإلا فلا حد ويؤخذ منه جميع المهر ويجعل في مال القراض
ولو استولد لم تصر

أم ولد إن قلنا لا يملك بالظهور وإلا ثبت الاستيلاد في نصيبه ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا

فرع لا يجوز للمالك تزويج جارية القراض لأنه ينقصها فيضر بالعامل
فصل فيما يقع في مال القراض من زيادة أو نقص أما الزيادة
الشجرة المشتراة للقراض ونتاج الدابة وكسب الرقيق وولد الجارية ومهرها إذا وطئت بشبهة وبدل منافع الدواب والأرض وسواء وجب باستعمالها عدوانا أو باجارة صدرت من العامل فإن له الاجارة
فإذا رأى فيها المصلحة أطلق الإمام والغزالي أن هذه كلها مال قراض لأنها من فوائده وقال المتولي إن كان في المال ربح وملكنا العامل حصته بالظهور فالجواب كذلك
فإن لم يكن ربح أو لم نملكه فمن الأصحاب من قال مال قراض
وقال جمهورهم يفوز بها المالك لأنها ليست من فوائد التجارة
ويشبه أن يكون هذا أولى
فإن جعلناها مال قراض فالأصح أنها من الربح
وقيل هي شائبة في الربح ورأس المال
ولو وطئها المالك قال الغزالي وغيره يكون مستردا مقدار المهر فيستقر نصيب العامل منه
وقال البغوي إن كان في المال ربح وملكناه بالظهور وجب نصيب العامل من الربح وإلا فلا شيء له
واستيلاد المالك جارية القراض كاعتاقها
وإذا أوجبنا المهر بوطئه الخالي عن الاحبال فالأصح الجمع بينه وبين القيمة
وأما النقص فما حصل برخص فهو خسران مجبور

بالربح
وكذا النقص بالتعيب والمرض الحادثين
وأما النقص العيني وهو تلف البعض فإن حصل بعد التصرف في المال بيعا وشراء فقطع الجمهور بأن الاحتراق وغيره من الآفات السماوية خسران يجبر بالربح
وفي التلف بالسرقة والغصب وجهان
والفرق أن في الضمان الواجب ما يجبره فلا حاجة إلى الجبر بمال القراض وطرد جماعة الوجهين في الآفة السماوية والأصح في الجميع الجبر
أما إذا نقص قبل التصرف بيعا وشراء بأن دفع إليه ألفين قراضا فتلف أحدهما قبل التصرف فوجهان
أحدهما أنه خسران فيجبر بالربح الحاصل بعد ويكون رأس المال ألفين
وأصحهما يتلف من رأس المال ويكون رأس المال ألفا
ولو اشترى بالألفين عبدين فتلف أحدهما تلف من الربح على المذهب
وقيل من رأس المال لأنه لم يتصرف بعد بالبيع
هذا إذا تلف بعض المال
أما إذا تلف كله بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده فيرتفع القراض وكذا لو أتلفه المالك كما سبق
فلو أتلف أجنبي جميعه أو بعضه أخذ منه بدله واستمر فيه القراض
وما ذكرناه من الخلاف في الجبر من الربح في صورة السرقة والغصب هو فيما إذا تعذر أخذ البدل من المتلف
ولو أتلف العامل المال قال الإمام يرتفع القراض لأنه وإن وجب عليه بدله فلا يدخل في ملك المالك إلا بقبضه منه وحينئذ يحتاج إلى استئناف القراض
ولك أن تقول ذكروا وجهين في أن مال القراض إذا غصب أو أتلف فمن الخصم فيه أصحهما أنه المالك فقط إن لم يكن في المال ربح وهما جميعا إن كان ربح
والثاني أن للعامل المخاصمة مطلقا حفظا للمال فيشبه أن يكون الجواب المذكور في إتلاف الأجنبي مفرعا على أن العامل خصم ويتقدر أن يقال ليس بخصم بل إذا خاصم المالك وأخذه عاد العامل إلى التصرف فيه بحكم القراض ولزم مثله فيما إذا كان العامل هو المتلف

فرع لو قتل رجل عبد القراض وفي المال ربح لم ينفرد
بل الحق لهما فإن تراضيا على العفو على مال أو على القصاص جاز
وإن عفا أحدهما سقط القصاص ووجبت القيمة هكذا ذكروه وهو ظاهر على قولنا يملك العامل الربح بالظهور وغير ظاهر على القول الآخر
وإن لم يكن في المال ربح فللمالك القصاص والعفو على غير مال
وكذا لو كانت الجناية موجبة للمال فله العفو عنه ويرتفع القراض
فإن أخذ المال أو صالح عن القصاص على مال بقي القراض فيه
فرع مال القراض ألف اشترى بعينه ثوبا

فتلف الألف قبل التسليم بطل الشراء وارتفع القراض
وإن اشترى في الذمة قال في البويطي يرتفع القراض ويكون الشراء للعامل فقال بعض الأصحاب هذا إذا كان التلف قبل الشراء فإن القراض والحالة هذه غير باق عند الشراء فينصرف الشراء إلى العامل
أما لو تلف بعد الشراء فالمشتري للمالك
فإذا تلف الالف المعد للثمن لزمه ألف آخر
وقال ابن سريج يقع الشراء عن العامل سواء تلف الألف قبل الشراء أو بعده وعليه الثمن ويرتفع القراض لأن إذنه ينصرف إلى التصرف في ذلك الألف فإن قلنا بالاول فرأس المال ألف أم ألفان وجهان
فإن قلنا ألف فهو الالف الاول أم الثاني وجهان فائدتهما عند اختلاف الالفين في صفة الصحة وغيرها

الباب الثالث في فسخ القراض
والاختلاف فيه فيه طرفان
الأول في فسخه
والقراض جائز فإنه في أوله وكالة وبعد ذلك شركة
إذا حصل ربح فلكل منهما فسخه متى شاء ولا يحتاج إلى حضور صاحبه ورضاه
وإذا مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه انفسخ
فاذا فسخا جميعا أو أحدهما لم يكن للعامل أن يشتري بعده ثم ينظر إن كان المال دينا لزم العامل التقاضي والاستيفاء سواء كان ربح أم لا
فإن لم يكن دينا نظر إن كان نقدا من جنس رأس المال ولا ربح أخذه المالك
وإن كان ربح اقتسماه بحسب الشرط فإن كان الحاصل مكسرة ورأس المال صحاح نظر فإن وجد من يبدلها بالصحاح وزنا يوزن أبدلها وإلا باعها بغير جنسها من التقديم اشترى به الصحاح يجوز أيضا أن يبيعها بعرض ويشتري به الصحاح على الأصح
وإن كان نقدا من غير جنس المال أو عرضا فله حالان
أحدهما أن يكون فيه ربح فيلزم العامل بيعه إن طلبه المالك وله بيعه وإن أباه المالك وليس للعامل تأخير البيع إلى موسم رواج المجاع لأن حق المالك معجل
ولو قال المالك تركت حقي لك فلا تكلفني البيع لم يلزمه الاجابة على الأصح لأن في التنضيض مشقة ومؤنة فلا يسقط عن العامل
ولو قال المالك لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عدلين أو قال أعطيك قدر نصيبك ناضا ففي تمكن العامل من البيع وجهان
وقطع الشيخ أبو حامد وغيره بالمنع لأنه إذا جاز للمعير أن يتملك غراس المستعير بقيمته لدفع الضرر فالمالك هنا أولى
وحيث لزم البيع قال الإمام الذي قطع به المحققون أن ما يلزمه بيعه وتنضيضه

قدر رأس المال
أما الزائد فحكمه حكم عرض يشترك فيه رجلان فلا يكلف واحد منهما بيعه
ثم ما يبيعه بطلب المالك أو دونه يبيعه بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال
فإن كان من غير جنسه باعه يرى المصلحة فيه من نقد البلد ورأس المال فإن باعه بنقد البلد حصل به رأس المال
الحال الثاني إذا لم يكن في المال ربح فهل للمالك تكليفه البيع وجهان أصحهما نعم ليرد كما أخذ لئلا يلزم المالك مشقة ومؤنة
وهل للعامل البيع إذا رضي المالك بامساكه وجهان حكاهما الإمام
أحدهما لا إذ لا فائدة والصحيح وبه قطع الجمهور له البيع إذا توقع ربحا بأن ظفر بسوق أو راغب
وإذا قلنا ليس للعامل البيع إذا أراد المالك إمساك العرض أو أنفقنا على أخذ المالك العرض ثم ظهر ربح بارتفاع السوق فهل للعامل فيه نصيب لحصوله بكسبه أم لا لظهوره بعد الفسخ وجهان
أصحهما الثاني

فرع كما يرتفع القراض بقول المالك فسخته يرتفع بقوله للعامل لا تتصرف بعد هذا أو باسترجاع

فلو باع المالك ما اشتراه العامل للقراض فهل ينعزل كما لو باع الموكل ما وكل في بيعه أم لا ويكون ذلك إعانة له وجهان
أصحهما الثاني
ولو حبس العامل ومنعه التصرف أو قال لا قراض بيننا ففي انعزاله وجهان
قلت ينبغي أن يكون الأصح في صورة الحبس عدم الانعزال وفي قوله لا قراض بيننا الانعزال
والله أعلم

فرع إذا مات المالك والمال ناض لا ربح فيه

فإن كان ربح اقتسماه
وإن كان عرضا فالمطالبة بالبيع والتنضيض كحالة حصول الفسخ في حياتهما وللعامل البيع هنا حيث كان له البيع هناك ولا يحتاج إلى إذن الوارث اكتفاء بإذن المؤرث بخلاف ما لو مات العامل فإنه لا يملك وارثه البيع دون إذن المالك لأنه لم يرض بتصرفه
وفي وجه لا يبيع العامل بغير إذن وارث المالك
والصحيح الجواز
ويجري الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث
ولو أراد الاستمرار على العقد فإن كان المال ناضا فلهما ذلك بأن يستأنفا عقدا بشرطه ولا بأس بوقوعه قبل القسمة لجواز القراض على المشاع ولذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد ويكون للعامل ربح نصيبه ويتضاربان في ربح نصيب الآخر
وهل ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو القائم بأمره تركتك أو قررتك على ما كنت عليه وجهان
أصحهما نعم لفهم المعنى وليكن الوجهان تفريعا على أن القراض ونحوه لا ينعقد بالكناية
فأما إذا قلنا ينعقد ( به ) فينبغي القطع بالانعقاد هنا وإن كان المال عرضا ففي جواز تقريره على القراض وجهان
أصحهما المنع لأن القراض الأول انقطع بالموت ولا يجوز ابتداء القراض على عرض
والأشبه أن يختص الوجهان بلفظ الترك والتقرير ولا يسامح باستعمال الألفاظ التي تستعمل في الابتداء
وحكى الإمام فيما إذا فسخ القراض في الحياة طريقة طاردة للوجهين وطريقة قاطعة بالمنع وهي الأشهر
فأما إذا مات العامل واحتيج إلى البيع والتنضيض فإن أذن المالك لوارث العامل فيه فذاك وإلا تولاه أمين من جهة الحاكم ولا يجوز

تقرير وارثه على القراض إن كان المال عرضا قطعا فإن كان ناضا فلهما ذلك بعقد مستأنف
وفي لفظ التقرير الوجهان السابقان ويجريان أيضا فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثم أرادا إعادته فقال البائع قررتك على موجب البيع الأول وقبل صاحبه وفي النكاح لا يصح مثله

فرع كان رأس مال الميت مائة والربح مائتين وجدد الوارث العقد مع
العامل مناصفة كما كان بلا قسمة فرأس مال الوارث مائتان من ثلاث المائة والمائة الباقية للعامل فعند المقاسمة يأخذها وقسطها من الربح ويأخذ الوارث رأس ماله مائتين ويقتسمان ما بقي
قلت إذا جنا أو أغمي عليهما أو أحدهما ثم أفاقا وأرادا عقد القراض ثانيا قال في البيان الذي يقتضيه المذهب أنه كما لو انفسخ بالموت وهو كما قال
والله أعلم فصل إذا استرد المالك طائفة من المال فإن كان قبل ظهور الربح والخسران رجع رأس المال إلى القدر الباقي
وإن ظهر ربح فالمسترد شائع ربحا وخسرانا على النسبة الحاصلة من جملتي الربح ورأس المال ويستقر ملك العامل على ما يخصه بحسب الشرط مما هو ربح منه فلا يسقط بالخسران الواقع بعده
وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران كان موزعا على المسترد الباقي فلا يلزم جبر

حصة المسترد من الخسران ويصير المال هو الباقي بعد المسترد وحصته من الخسران
مثال الاسترداد بعد الربح كان رأس المال مائة وربح عشرين واسترد عشرين فالربح سدس المال فيكون المسترد سدسه ربحا وهو ثلاثة دراهم وثلث ويستقر ملك العامل على نصفه إذا كان الشرط مناصفة وهو درهم وثلثا درهم
فلو عاد ما في يده إلى ثمانين لم يسقط نصيب العامل بل يأخذ منها درهما وثلثي درهم
ومثال الاسترداد بعد الخسران كان رأس المال مائة وخسر عشرين واسترد عشرين فالخسران موزع على المسترد والباقي فتكون حصة المسترد خمسة لا يلزم جبرها بل يكون رأس المال خمسة وسبعين فما زاد بعد ذلك عليها قسم بينهما
الطرف الثاني في الاختلاف وفيه مسائل
إحداها ادعى العامل تلف المال صدق بيمينه فلو ذكر سبب التلف فسيأتي بيانه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى
الثانية لو ادعى الرد صدق بيمينه على الأصح
الثالثة قال ما ربحت أو ما ربحت إلا ألفا فقال المالك ألفين صدق العامل بيمينه
فلو قال ربحت كذا ثم قال غلطت في الحساب إنما الربح كذا أو تبينت أن لا ربح أو قال كذجت فيما قلت خوفا من انتزاع المال من يدي لم يقبل قوله
ولو قال خسرت بعد الربح الذي أخبرت عنه قبل منه
قال المتولي وذلك عند الاحتمال بأن حدث كساد فإن لم يحتمل لم يقبل
ولو ادعى الخسارة عند الاحتمال أو التلف بعد قوله كنت كاذبا فيما قلت قبل أيضا ولا تبطل أمانته بذلك القول السابق هكذا نص عليه وقاله الأصحاب

الرابعة قال اشتريت هذا للقراض فقال المالك بل لنفسك فالقول قول العامل على المشهور وفي قول قول المالك لأن الأصل عدم وقوعه عن القراض
ولو قال اشتريته لنفسي فقال بل للقراض صدق العامل بيمينه قطعا
فلو أقام المالك بينة أنه اشتراه بمال القراض ففي الحكم بها وجهان
وجه المنع أنه قد يشتري لنفسه بمال القراض عدوانا فيبطل العقد
الخامسة قال المالك كنت نهيتك عن شراء هذا فقال لم تنهني صدق العامل
السادسة قال شرطت لي نصف الربح فقال بل ثلثه تحالفا كالمتبايعين فإذا حلفا فسخ العقد واختص الربح والخسران بالمالك وللعامل أجرة مثل عمله
وفي وجه أنها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلا قدر النصف لأنه لا يدعي أكثر
قلت وإذا تحالفا فهل ينفسخ بنفس التحالف أم بالفسخ حكمه حكم البيع كما مضى قاله في البيان
والله أعلم السابعة اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل إن لم يكن في المال ربح ( وكذا إن لم كان على الأصح
وقيل يحالفان
ولو قارض رجلين على أن نصف الربح له ) والباقي بينهما سواء فربحا ثم قال المالك دفعت إليكما ألفين وصدقه أحدهما وقال الآخر بل ألفا لزم المقر ما أقر به وحلف الآخر وقضي له بموجب قوله
ولو كان الحاصل ألفين أخذ المنكر ربع الألف الزائد على ما أقر به والباقي يأخذه المالك
ولو كان الحاصل ثلاثة آلاف فالمنكر يزعم أن الربح ألفان له منهما خمسمائة فتسلم له ويأخذ المالك من الباقي ألفين عن رأس المال يبقى خمسمائة يتقاسماها المالك والمقر أثلاثا لاتفاقهم على أن ما يأخذه

المالك مثلا ما يأخذه كل عامل وما أخذه النكر كالتالف
ولو قال المالك رأس المال دنانير فقال العامل بل دراهم صدق العامل
الثامنة اختلفا في أصل القراض فقال المالك دفعت إليك لتشتري لي بالوكالة وقال القابض بل قارضتني فالمصدق المالك
فاذا حلف أخذ المال وربحه ولا شىء عليه للآخر
قلت لو دفع إليه ألفا فتلف في يده فقال دفعته قرضا فقال العامل بل قراضا قال في العدة و البيان بينة العامل أولى في أحد الوجهين
والله أعلم فصل في مسائل منثورة إحداها ليس لعامل القراض التصرف في الخمر بيعا ولا شراء وإن كان ذميا فإن خالف واشترى خمرا أو خنزيرا أو أم ولد ودفع المال في ثمنه ضمن عالما كان أو جاهلا لأن الضمان لا يختلف بهما
هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور
وقيل لا ضمان في العلم والجهل وهو شاذ ضعيف
وقيل يضمن في العلم دون الجهل
وقيل يضمن في الخمر مطلقا ولا يضمن في أم الولد مع الجهل
قلت الوجه المذكور في شراء الخمر عالما أنه لا يضمنه هو في الذمي دون المسلم لأنه يعتقده مالا قاله في البيان
والله أعلم الثانية قارضه على أن ينقل المال إلى موضع كذا ويشتري من أمتعته ثم

يبيعها هناك أو يردها إلى موضع القراض قال الإمام قال الأكثرون بفساد القراض لأن نقل المتاع من بلد إلى بلد عمل زائد على التجارة فأشبه شرط الطحن والخبز ويخالف ما إذا أذن له في السفر فإن الغرض منه نفي الحرج
وقال الاستاذ أبو إسحاق وطائفة من المحققين لا يضر شرط المسافرة فإنها الركن الأعظم في الأموال النفيسة
الثالثة قال خذ هذه الدراهم قراضا وصارف بها مع الصيارفة ففي صحة مصارفته مع غيرهم وجهان
وجه الصحة أن مقصوده التصرف مصارفة
الرابعة خلط العامل مال القراض بماله صار ضامنا وكذا لو قارضه رجلان فخلط مال أحدهما بالآخر وكذا لو قارضه واحد على مالين بعقدين فخلطهما ضمن
فلو دفع إليه ألفا قراضا ثم ألفا وقال ضمه إلى الأول فإن لم يكن تصرف بعد في الأول جاز وكأنه دفعهما إليه معا وإن كان تصرف في الأول لم يجز القراض في الثاني ولا الخلط لأن الأول استقر حكمه بالتصرف ربحا وخسرانا وربح كل مال وخسرانه يختص به ولو دفع إليه ألفا قراضا وقال ضم إليه ألفا من عندك على أن يكون ثلث ربحهما لك وثلثاه لي أو بالعكس فسد القراض لما فيه من شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال ولا نظر إلى العمل بعد الشركة في المال
ولو دفع إليه زيد ألفا قراضا وعمرو كذلك فاشترى لكل واحد عبدا بألف ثم اشتبها عليه فقولان
أحدهما ينقلب شراء العبدين له ويغرم لهما لتفريطه
ثم المغررم عند الأكثرين الألفان
وقيل يغرم قيمة العبدين وإن زادت
والقول الثاني يباع العبدان ويقسم الثمن بينهما
فإن حصل ربح فهو بينهم على حسب الشرط
وإن حصل خسران قال الأصحاب يلزمه ضمانه لتقصيره
واستدرك المتأخرون فقالوا إن كان لانخفاض السوق لا يضمن لأن غايته أن يجعل كالغاصب والغاصب لا يضمن انخفاض السوق

قال الإمام والقياس مذهب ثالث غير القولين وهو أن يبقى العبدان لهما على الاشكال إن لم يصطلحا
قلت قال الجرجاني في المعاياة ( و ) لا يتصور خسران على العامل في غير هذه المسألة
وبقي من الباب مسائل
منها لو دفع إليه مالا وقال إذا مت فتصرف فيه بالبيع والشراء ولك نصف الربح فمات لم يكن له التصرف بخلاف ما لو أوصى له بمنفعة عين لأنه تعليق ولأن القراض يبطل بالموت لو صح
ولو قارضه على نقد فتصرف العامل ثم أبطل السلطان النقد ثم انفسخ القراض قال صاحب العدة والبيان رد مثل النقد المعقود عليه على الصحيح
ولم وقيل من الحادث ولو مات العامل يعرف مال القراض من غيره فهو كمن مات وعنده وديعة ولم يعرف عينها وسيأتي بيانه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى
ولو جنى عبد القراض قال في العدة للعامل أن يفديه من مال القراض على أحد الوجهين كالنفقة عليه والله أعلم

كتاب المساقاة
هي أن يعامل إنسان إنسانا على شجرة ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى من الثمرة يكون بينهما وفيه بابان
( الباب ) الأول في أركانها وهي خمسة
( الركن ) الأول العاقدان وسبق بيانهما في القراض
و ( الركن ) الثاني متعلق العمل وهو الشجر وله ثلاثة شروط
( الشرط ) الأول أن يكون نخلا أو عنبا فأما غيرهما من النبات فقسمان
( القسم الأول ) ماله ساق ومالا
والأول ضربان
( الضرب ) الأول ماله ثمرة كالتين والجوز والمشمش والتفاح ونحوها وفيها قولان
القديم جواز المساقاة عليها
والجديد المنع
وعلى الجديد في شجر المقل وجهان جوزها ابن سريج ومنها غيره
قلت الاصح المنع
والله أعلم الضرب الثاني ما لا ثمرة له كالدلب والخلاف ويره فلا تجوز المساقاة عليه
وقيل في الخلاف وجهان لاغصانه
القسم الثاني ما لا ساق له كالبطيخ والقثاء وقصب السكر والباذنجان والبقول التي لا تثبت في الارض ولا تجز إلا مرة واحدة فلا تجوز المساقاة عليها كما لا تجوز على الزرع
فإن كانت تثبت في الارض وتجز مرة بعد مرة فالمذهب المنع
وقيل وجهان
أصحهما المنع

الشرط الثاني أن تكون الاشجار مرئية وإلا فباطل على المذهب
وقيل قولان كبيع الغائب
الشرط الثالث أن تكون معينة
فلو ساقاة على أحد الحائطين لم يصح
الركن الثالث الثمار
فيشترط اختصاصها بالعاقدين مشتركة بينهما معلومة وأن يكون العلم بها من حيث الجزئية دون التقدير
فلو شرطا بعض الثمار لثالث أو كلها لأحدهما فسدت المساقاة
وفي استحقاق الاجرة عند شرط الكل للمالك وجهان كالقراض
أصحهما المنع لانه عمل مجانا
ولو قال ساقيتك على أن لك جزءا من الثمرة فسدت
ولو قال على أنها بيننا أو على أن نصفها لي أو نصفها لك وسكت عن الباقي أو على أن ثمرة هذه النخلة أو النخلات لي أو لك والباقي بيننا أو على أن صاعا من الثمرة لي أو لك والباقي بيننا فحكمه كله كما سبق في القراض
وفي التتمة وجه شاذ أنه تصح المساقاة إذا شرط كل الثمرة للعامل لغرض القيام بمصلحة الشجر

فصل إذا ساقاه على ودي ليغرسه ويكون الشجر بينهما أو ليغرسه ويتعهده
مدة كذا والثمرة بينهما فهو فاسد على الصحيح
وقيل يصح فيهما للحاجة
وقيل يصح في الثاني
فعلى الصحيح إذا عمل في هذا الفاسد استحق أجرة المثل إن كانت الثمرة متوقعة في هذه المدة وإلا فعلى الوجهين في شرط الكل للمالك
ولو ساقاه على ودي مغروس فإن قدرا العقد بمدة لا يثمر فيها لم تصح المساقاة لخلوها عن الغرض
وفي استحقاقه أجرة المثل الخلاف السابق
قال الإمام هذا إذا كان عالما بأنها لا تثمر فيها فإن جهل ذلك استحق الاجرة قطعا
وإن قدر

بمدة يثمر فيها غالبا صح ولا يضركون أكثر المدة لا ثمر فيها فإن اتفق أنها لم تثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو قارضه فلم يربح أو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر وإن قدر بمدة تحتمل الاثمار وعدمه لم يصح على الأصح كما لو أسلم في معدوم الى وقت يحتمل وجوده وعدمه
والثاني يصح
فإن أثمرت استحق وإلا فلا شىء له
وعلى الأول يستحق الأجرة إن لم تثمر لأنه عمل طامعا
هذه طريقة جمهور الأصحاب وجعلوا توقع الثمرة ثلاثة أقسام كما ذكرنا
وقيل إن غلب وجودها في تلك المدة صح وإلا فوجهان
وقيل إن غلب عدمها لم يصح وإلا فوجهان

فرع دفع إليه وديا ليغرسه في أرض نفسه على أن يكون الغراس
والثمر بينهما فهو فاسد وللعامل عليه أجرة مثل عمله وأرضه
ولو دفع إليه أرضه ليغرمها بودي نفسه على أن تكون الثمرة بينهما ففاسد أيضا ولصاحب الأرض أجرتها على العامل
فصل في جواز المساقاة بعد خروج الثمار قولان

أظهرهما الجواز
وفي موضع القولين طرق
أصحها أنهما فيما بدو الصلاح فأما بعده فلا يجوز قطعا
والثاني القولان فيما لم ينتاه نضجه
فإن تناهى لم يجز قطعا
والثالث طردهما في كل الأحوال
ولو كان بين النخيل بياض بحيث تجوز المزارعة عليه تبعا للمساقاة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28