كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

فعن ابن سلمة أن التقدير بيومين قول آخر ولم يجعله سائر الأصحاب قولا آخر بل قالوا المراد أو ثلاثا فإن قلنا بالفور فأخر بلا عذر لحقه وسقط حقه من النفي وإن كان معذورا بأن لم يجد القاضي لغيبة أو تعذر الوصول إليه أو بلغه الخبر في الليل فأخر حتى يصبح أو حضرته الصلاة فقدمها أو كان جائعا أو عاريا فأكل أو لبس أولا أو كان محبوسا أو مريضا أو ممرضا لم يبطل حقه لكن إن أمكنه الإشهاد فلم يشهد أنه على النفي بطل حقه وذكر ابن الصباغ وغيره أن المريض إذا قدر أن يبعث إلى الحاكم ليرسل إليه نائبا يلاعن عنده فلم يفعل بطل حقه وإن لم يقدر فيشهد حينئذ وليطرد هذا في المحبوس ومن يطول عذره
قال الشيخ أبو حامد وجماعة المريض والممرض ومن يلازمه غريمه لخوف ضياع ماله يبعث إلى الحاكم ويعلمه أنه على النفي فإن لم يقدر أشهد ويمكن أن يجمع بينهما فيقال يبعث إلى القاضي ويطلعه على ما هو عليه ليبعث إليه نائبا أو ليكون عالما بالحال إن أخر بعث النائب وأما الغائب فإن كان في موضعه قاض ونفى الولد عنده فكذلك وإن أراد تأخيره حتى يرجع ففي أمالي السرخسي المنع منه
وفي التهذيب و التتمة جوازه
فعلى هذا إن لم يمكنه السير في الحال لخوف الطريق أو غيره فليشهد
وإن أمكنه فليسر وليشهد فإن أخر السير بطل حقه أشهد أم لا وإن أخذ في السير ولم يشهد بطل حقه أيضا على الأصح
وإن لم يكن هناك قاض فالحكم كما لو كان وأراد التأخير إلى بلده وجوزناه

فرع إذا قلنا النفي على الفور فله تأخير نفي الحمل إلى الوضع
كونه ريحا فإن أخر ووضعت وقال أخرت لأتحقق الحمل فله النفي وإن قال علمته ولدا ولكن رجوت أن يموت فأكفى اللعان بطل حقه على الأصح المنصوص في المختصر لتفريطه مع علمه

فرع أخر النفي وقال لم أعلم الولادة فإن كان غائبا صدق

قال في الشامل إلا أن يستفيض وينتشر وإن كان حاضرا صدق في المدة التي يحتمل جهله به ولا يقبل في التي يحتمل ويختلف ذلك بكونهما في محلة أو محلتين أو دار أو دارين أو بيت أو بيتين
ولو قال أخبرت بالولادة ولم أصدق المخبر نظر إن أخبره صبي أو فاسق صدق بيمينه وإن أخبره عدلان فلا
وكذا إن أخبره عدل أو إمرأة أو رقيق على الأصح لأن روايته مقبولة ولو قال علمت الولادة ولم أعلم أن لي النفي فإن كان فقيها لم يقبل قوله وإن كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة قبل وإن كان من العوام الناشئين في بلاد الإسلام فوجهان كنظيره في خيار المعتقة
فرع إذا هنىء بالولد فقيل له متعك الله بولدك أو جعله له
ونحوه فأجاب بما يتضمن الإقرار والإستلحاق كقوله آمين أو نعم أو استجاب الله منك فليس له النفي بعده وإن أجاب بما لا يتضمن الإقرار كقوله جزاك الله خيرا أو بارك الله عليك أو أسمعك خيرا أو زودك مثله لم يبطل حقه من النفي
فصل في مسائل منثورة من اللعان إحداها قال الزوج قذفتك بعد النكاح
فلي اللعان فقالت قبله فلا لعان فهو المصدق بيمينه ولو اختلفا بعد حصول الفرقة فقال قذفتك في زمن

النكاح وقالت بعده فهو المصدق أيضا ولو قال قذفتك وأنت زوجتي فقالت ما تزوجتك ( قط ) فهي المصدقة بيمينها
الثانية قال لزوجته أو أجنبية قذفتك وأنت أمة أو مشركة أو مجنونة فقالت بل وأنا حرة مسلمة عاقلة
فإن علم لها حال رق أو كفر أو جنون صدق بيمينه وليس عليه إلا التعزير
وإن لم يعلم ذلك فأيهما يصدق قولان
أظهرهما المرأة
ولو قال وأنت صغيرة فهو المصدق بيمينه
ولو قال لمن قذفه من زوجته أو أجنبي قذفتك وأنا مجنون فهل يصدق القاذف بيمينه أم المقذوف أم يفرق فإن عهد له جنون صدق القاذف وإلا فالمقذوف فيه ثلاثة أقوال
أظهرها الفرق
ولو قال قذفتك وأنا صبي فهو كالمجنون المعهود ولو قال جرى القذف على لساني وأنا نائم لم يقبل لبعده
ولو أقام القاذف بينة أن القذف كان في الصغر أو الجنون وأقام المقذوف بينة أنه كان في حال الكمال فإن كانت البينتان مطلقتين أو مختلفي التاريخ أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة فهما قذفان وعليه الحد لما وقع في حالة الكمال
وإن اتحد تاريخهما تعارضتا
وفي التعارض أقوال معروفة
قال الإمام ولا يجيء هنا القسمة ولا الوقف وحكي عن القاضي حسين قول القرعة واستبعده وقال الوجه القطع بالتهاتر فيكون كما لو تكن بينة وبهذا قطع البغوي
وحيث صدقنا القاذف بيمينه فلو نكل وحلف المقذوف وجب الحد على القاذف ويجوز اللعان في الزوجة
الثالثة إذا صدقته في القذف واعترفت بالزنا بعد لعان الزوج تأكد لعانه فإن كانت لاعنت فعليها حد الزنا لاعترافها إلا أن يرجع عن الإقرار وإن صدقته قبل لعانه أو في أثنائه سقط عنه الحد ووجب عليها حد الزنا

والصحيح أنه لا يلاعن بعد ذلك ولا تتم اللعان إن صدقته في أثنائه إلا أن يكون ولد فينفيه
الرابعة إذا مات أحد الزوجين قبل أن يتم لعان الزوج ورثه الآخر ثم إن كان الميت الزوج استقر نسب الولد وليس للوارث نفيه وإن ماتت هي جاز له إتمام اللعان إن كان هناك ولد فإن لم يكن نظر إن لم يكن لها وارث غير الزوج بأن كان ابن عمها أو معتقها ورث الحد وسقط وكذا لو لم يرثها إلا الزوج وأولاده منها لأن الولد لا يجوز أن يستوفي حد القذف من أبيه وإذا سقط الحد ولم يكن هناك ولد فقد سبق أنه لا يجوز اللعان لسائر الأغراض فلو كان يرثها غير الزوج وأولاده فما ورثه الزوج وأولاده يسقط ويجيء الخلاف فيما إذا سقط بعض الحد بعفو بعض الورثة إن قلنا يسقط الجميع فكذلك يسقط الكل هنا ويمتنع اللعان
وإن قلنا للباقين المطالبة بجميع الحد أو بقسطهم وطلبوا فله اللعان للدفع وفي جواز اللعان قبل المطالبة الخلاف السابق
الخامسة عبد قذف زوجته ثم عتق وطالبته فله اللعان
فإن نكل حد حد العبيد لأنه وجب في الرق وكذا لو زنا في الرق ثم عتق حد حد العبيد
ولو قذف الذمي أو زنا ثم نقض العهد فسبي واسترق حد حد الأحرار ولو كانت الزوجة أمة فنكل عن اللعان فعليه التعزير
وإن لاعن حدت حد الإماء وإن عتقت بعد القذف
وإن قذف مسلم زوجته الذمية أو الصغيرة أو المجنونة ثم طلبت الذمية أو طلبتا بعد البلوغ والإفاقة فإن نكل فعليه التعزير وإن لاعن ونكلت الذمية فعليها حد الزنا وإن نكل الأخريان فلا شىء عليهما
السادسة في التتمة أن الملاعن لو قبل من نفاه وقلنا يلزمه القصاص فاستلحقه حكم بثبوت النسب وسقوط القصاص

وأن الذمي لو نفى ولدا ثم أسلم لم يتبعه المنفي في الإسلام
ولو مات وقسم ميراثه بين أقاربه الكفار ثم استلحقه الذمي الذي أسلم ثبت نسبه وإسلامه واسترد المال وصرف إليه وأن المنفي باللعان إذا كان قد ولد على فراش صحيح لو استلحقه غيره لم يصح كما لو استلحقه قبل أن ينفيه صاحب الفراش لأنه وإن نفاه فحق الإستلحاق باق له فلا يجوز تفويته ولو كان يلحقه نسبه بشبهة أو نكاح فاسد فنفاه فاستلحقه غيره لحقه لأنه لو نازعه فيه قبل النفي سمعت دعواه
السابعة فيما جمع من فتاوى القفال وغيره أن سقوط حد القذف عن القاذف وعدم حد الزنا على المقذوف لا يجتمعان إلا في مسألتين
إحداهما إذا أقام القاذف بينة على زنا المقذوفة وأقامت بينة على أنها عذراء
الثانية إذا أقام شاهدين على إقرار المقذوف بالزنا وقلنا الإقرار بالزنا لا يثبت بشاهدين فإنه يسقط حد القذف على الأصح
ومراده ما سوى صورة التلاعن فإن الزوجين إذا تلاعنا اندفع الحدان
وهنا صورة رابعة يسقط فيها الحدان وهي إذا أقام القاذف بينة بإقرار المقذوف بالزنا ثم رجع المقذوف عن الإقرار سقط عنه حد الزنا ولا يقبل رجوعه في حق القاذف فلا يلزمه حد القذف
قلت مراد القفال لا يسقط حد القذف مع أنه لا يحكم بوجوب حد الزنا ( ولا يقبل رجوعه ) إلا في المسألتين الأوليين فلا يرد عليه الأخريان لأنه وجب فيهما حد الزنا ثم سقط بلعانها أو بالرجوع
ولهذا قال وعدم حد الزنا عن المقذوف ولم يقل وسقوط حد الزنا كما قال سقوط حد القذف
فالحاصل أنه لا يسقط حد القذف ويمتنع وجوب حد الزنا إلا في المسألتين الأوليين ولا يسقط حد القذف وحد الزنا إلا في أربع مسائل
والمراد السقوط بحكم الشرع لا بعفو ونحوه
والله أعلم

كتاب العدد
فيه أبواب
الأول في عدة الطلاق وسائر أنواع الفرقة الواقعة في الحياة
والثاني في تداخل العدتين وعدمه
والثالث في عدة الوفاة
والرابع في السكنى
والخامس في الإستبراء
الأول في عدة الطلاق وما في معناه من اللعان وسائر الفسوخ ووطء الشبهة وإنما تجب هذه العدة إذا فارقها بعد الدخول فإن فارق قبله فلا عدة
واستدخال المرأة مني الرجل يقام مقام الوطء في وجوب العدة وثبوت النسب وكذا استدخال ماء من تظنه زوجها يقوم مقام وطء الشبهة ولا اعتبار بقول الأطباء أن المني إذ ضربه الهواء لم ينعقد منه الولد لأنه قول بالظن لا ينافي الإمكان
وفي التتمة وجه أن استدخال المني لا يوجب عدة لعدم صورة الوطء وهو شاذ ضعيف ولا تقام الخلوة مقام الوطء على الجديد كما سبق في كتاب الصداق ولو وطىء الخصي زوجته ثم طلق وجبت العدة والخصي من قطعت أنثياه وبقي ذكره
وأما من قطع ذكره وبقي أنثياه فلا عدة على زوجته بالطلاق إن كانت حائلا فإن ظهر بهما حمل فقد ذكرنا في اللعان أنه يلحقه الولد فعليها العدة بوضع الحمل
وأما الممسوح الذي لم يبق

له شىء أصلا فلا يتصور منه دخول
ولو ولدت زوجته لم يلحقه على المذهب ولا تجب عدة الطلاق ووطء الصبي وإن كان في سن لا يولد له يوجب عدة الطلاق لأن الوطء شاغل في الجملة
ولذلك لو علق الطلاق على براءة الرحم يقينا وحصلت الصفة طلقت ووجبت العدة إذا كانت مدخولا بها

فصل عدة الطلاق ونحوه ثلاثة أنواع الإقراء والأشهر والحمل ولا مدخل للأقراء في عدة الوفاة ويدخل

النوع الأول الأقراء وواحدها قرء بفتح القاف ويقال بضمها وزعم بعضهم أنه بالفتح الطهر وبالضم الحيض
والصحيح أنهما يقعان على الحيض والطهر لغة ثم فيه وجهان للأصحاب
أحدهما أنه حقيقة في الطهر مجاز في الحيض
وأصحهما أنه حقيقة فيهما هذا أصله في اللغة والمراد بالأقراء في العدة الأطهار
وفي المراد بالطهر هنا قولان
أحدهما الإنتقال إلى الحيض دون عكسه
وأظهرهما أنه الطهر المحتوش بدمين لا مجرد الإنتقال إلى الحيض ممن نص على ترجيح هذا القول البغوي والروياني وغيرهما وفيه مخالفة لما سبق في الطلاق أن الأكثرين أوقعوا الطلاق في الحال وإذا قال للتي لم تحض أنت طالق في كل قرء ويجوز أن يجعل ترجيحهم لوقوع الطلاق لمعنى يختص بتلك الصورة لا لرجحان القول بأن الطهر الإنتقال ثم إذا طلقها وقد بقي من الطهر بقية حسبت تلك البقية قرءا سواء كان جامعها في تلك البقية أم لا فإذا طلقها وهي طاهر فحاضت ثم طهرت ثم حاضت ثم طهرت ثم شرعت في الحيض انقضت عدتها وإن طلقها في الحيض فإذا شرعت في الحيضة الرابعة انقضت عدتها
وهل تنقضي العدة برؤية الدم للحيضة الثالثة أو

الرابعة أم يعتبر مضي يوم وليلة بعد رؤية الدم ليعلم أنه حيض فيه قولان
أظهرهما الأول لأن الظاهر أنه دم حيض ولئلا تزيد العدة على ثلاثة أقراء
وقيل إن رأت الدم لعادتها انقضت برؤيته وإن رأته على خلافها اعتبر يوم وليلة
وإذا حكمنا بانقضائها بالرؤية فانقطع الدم لدون يوم وليلة ولم يعد حتى مضت خمسة عشر يوما تبينا أن العدة لم تنقض ثم لحظة رؤية الدم أو اليوم والليلة إذا اعتبرناهما هل هما من نفس العدة أم يتبين بهما انقضاؤها وليسا منها وجهان
أصحهما الثاني
قلت قال أصحابنا إن جعلناه من العدة صحت فيه الرجعة ولا يصح نكاحها لأجنبي فيه وإلا فينعكس
وقد سبق هذا ولكن لا يليق إخلاء هذا الموضع منه
والله أعلم

فرع قال أنت طالق في آخر طهرك أو في آخر جزء من

فإن قلنا القرء الإنتقال اعتد بذلك الجزء وإلا فلا
ولو طلق من لم تحض أصلا إن قلنا الطهر الإنتقال حسب طهرها قرءا وإلا فلا
واعلم أن قولهم القرء هو الطهر المحتوش أو الإنتقال ليس مرادهم الطهر بتمامه لأنه لا خلاف أن بقية الطهر تحسب قرءا وإنما مرادهم أنه هل يعتبر من الطهر المحتوش شىء أم يكفي الإنتقال والمكتفون بالإنتقال قالوا الإنتقال وحده قرء فإن وجد قبله شىء من الطهر أدخلوه في إسم القرء
ولهذا قالوا لو قال للتي لم تحض أنت طالق في كل قرء طلقة طلقت في الحال تفريعا على هذا القول ولم يؤخروا الوقوع إلى الحيض للإنتقال

فصل الحرة التي تحيض
عدة طلاقها ثلاثة أقراء والأمة قرآن والمكاتبة والمدبرة وأم الولد ومن بعضها رقيق كالقنة في العدة
ولو وطئت أمة بنكاح فاسد أو بشبهة نكاح اعتدت بقرءين كتطليقها وإن وطئت بشبهة ملك اليمين استبرأت بقرء واحد
فرع لو عتقت الأمة المطلقة في العدة فهل يتم عدة حرة أم
يفرق فإن كانت بائنة فعدة الأمة وإلا فعدة حرة فيه أقوال
أظهرها الثالث وهو الجديد
ولو طلق العبد الأمة رجعيا فعتقت في العدة ثم فسخت في الحال فهل تبني أم تستأنف العدة فيه خلاف كما لو طلق الرجعية طلقة أخرى وعن أبي إسحق وغيره القطع بالبناء
ولو أخرت الفسخ حتى راجعها ثم فسخت قبل الوطء ففيه الطريقان
والمذهب الإستئناف لأنها فسخت وهي زوجة والفسخ يوجب العدة
وحيث قلنا تستأنف فتستأنف عدة حرة
وحيث قلنا تبني فهل تبني على عدة حرة أم أمة فيه الخلاف فيما إذا عتقت المعتدة بلا فسخ
فرع وطىء أمة أجنبي يظنها أمته لم يلزمها إلا قرء

ولو ظنها زوجته المملوكة فهل يلزمها قرء أم قرآن اعتبارا باعتقاده وجهان
أصحهما قرآن وإن ظنها زوجته الحرة فهل يلزمها قرء أم قرآن أم ثلاثة فيه أوجه
أصحها الثالث
ولو وطىء حرة يظنها أمته فقطع جماعة بثلاثة أقراء لأن الظن يؤثر في الإحتياط دون المساهلة وأجرى المتولي الوجهين إن اعتبرنا حالها فثلاثة أقراء أو ظنه فقرء
ولو ظنها زوجته المملوكة

فطرد فيه الوجهين هل يجب قرآن لظنه أم ثلاثة والأشبه النظر إلى ظنه لأن العدة لحقه
فصل المعتدات أصناف
الأول من لها حيض وطهر صحيحان فتعتد بالأقراء وإن تباعد حيضها وطال طهرها
الصنف الثاني المستحاضة فإن كان لها مرد اعتدت بالأقراء المردود إليها من تمييز أو عادة أو الأقل أو الغالب إن كانت مبتدأة كما سبق في الحيض والأظهر رد المبتدأة إلى الأقل
وعلى القولين إذا مضت ثلاثة أشهر انقضت عدتها لاشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبا وشهرها ثلاثون يوما والحساب من أول رؤية الدم هكذا أطلق ويمكن أن يعتبر بالأهلة كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الناسية وقد أشار إليه مشيرون فإن لم يكن لها مرد وهي المتحيرة فقد سبق في كتاب الحيض أنها على قول ترد إلى مرد المبتدأة وأن المذهب أن عليها الإحتياط
فإن قلنا كالمبتدأة انقضت عدتها بثلاثة أشهر وإن قلنا بالإحتياط فالأصح أنها كالمبتدأة أيضا لعظم المشقة في الإنتظار
والثاني يلزمها الإحتياط كمن تباعد حيضها فتؤمر بالتربص إلى سن اليأس أو أربع سنين أو تسعة أشهر على الخلاف الآتي ولا نقول تمتد الرجعة وحق السكنى جميع هذه المدة لأن الزوج يتضرر به بل لا يزيد ذلك على ثلاثة أشهر ويختص الإحتياط بما يتعلق بها وهو تحريم النكاح
وإذا قلنا تنقضي عدتها بثلاثة أشهر في الحال فالإعتبار بالأهلة فإن انطبق الطلاق على أول الهلال فذاك وإن وقع في أثناء الشهر الهلالي فإن كان الباقي أكثر من خمسة عشر يوما حسب قرءا وتعتد بعده بهلالين
وإن كان خمسة عشر فما دونها فهل يحسب قرءا وجهان
أصحهما لا
وعلى هذا فقد ذكر أكثرهم أن ذلك الباقي لا اعتبار به وأنها تدخل

في العدة لاستقبال الهلال
والمفهوم مما قالوا تصريحا وتلويحا أن الأشهر ليست متأصلة في حق الناسية ولكن يحسب كل شهر قرءا لاشتماله على حيض وطهر غالبا
وأشار بعضهم إلى أن الأشهر أصل في حقها كما في حق الصغيرة والمجنونة ومقتضى هذا أن تدخل في العدة من وقت الطلاق ويكون كما لو طلق ذات الأشهر في أثناء الشهر كما سنذكره إن شاء الله تعالى
ولو كانت المتحيرة المنقطعة الدم ترى يوما دما ويوما نقاء لم تنقض عدتها إلا بثلاثة أشهر سواء قلنا بالتلفيق أم بالسحب
والأطهار الناقصة المتخللة لا تنقضي بها العدة بحال
الصنف الثالث من لم تر دما ليأس وصغر أو بلغت سن الحيض أو جاوزته ولم تحض فعدتها ثلاثة أشهر بنص القرآن ولو ولدت ولم تر حيضا قط ولا نفاسا فهل تعتد بالأشهر أم هي كمن انقطع حيضها بلا سبب وجهان
وبالأول قال الشيخ أبو حامد
قلت الصحيح الإعتداد بالأشهر لدخولها في قول الله تعالى { واللائي لم يحضن } وذكر الرافعي في آخر العدد عن فتاوى البغوي أن التي لم تحض قط إذا ولدت ونفست تعتد بثلاثة أشهر ولا يجعلها النفاس من ذوات الأقراء فجزم البغوي بهذا ولم يذكر الرافعي هناك خلافا
والله أعلم
ثم إن الأشهر معتبرة بالهلال وعليه المواقيت الشرعية وإن انطبق الطلاق على أول الهلال فذاك وإن انكسر اعتبر شهران بالهلال ويكمل المنكسر ثلاثين من الشهر الرابع
فقال ابن بنت الشافعي إذا انكسر شهر انكسر الجميع والصحيح الأول
وإذا وقع الطلاق في أثناء الليل أو النهار ابتدىء حساب الشهر من حينئذ
وإذا اعتدت صغيرة بالأشهر ثم حاضت بعد فراغها فقد انقضت العدة ولا يلزمها الأقراء ولو حاضت في أثناء الأشهر انتقلت

إلى الأقراء وهل يحسب ما مضى قرءا وجهان
أقربهما إلى ظاهر النص المنع
فإن كانت الآيسة والتي لم تحض أمة فهل عدتها ثلاثة أشهر أم شهران أم شهر ونصف فيه أقوال
قال المحاملي أظهرها الأول واختاره الروياني قال ولكن القياس وظاهر المذهب شهر ونصف وعليه جمهور أصحابنا الخراسانيين
الصنف الرابع من انقطع دمها ينظر إن انقطع لعارض يعرف لرضاع أو نفاس أو مرض أو داء باطن صبرت حتى تحيض فتعتد بالأقراء أو تبلغ سن اليأس فتعتد بالأشهر ولا تبالي بطول مدة الإنتظار وإن انقطع لا لعلة تعرف فالقول الجديد أنه كالإنقطاع لعارض والقديم أنها تتربص تسعة أشهر
وفي قول أربع سنين وفي قول مخرج ستة أشهر ثم بعد التربص تعتد بثلاثة أشهر
فإذا قلنا بالقديم فحاضت بعد التربص والعدة وبعدما تزوجت استمر النكاح للثاني على الصحيح وقيل يتبين بطلانه لتبيننا أنها ليست من ذوات الأشهر وإن حاضت قبل تمام التربص بطل التربص وانتقلت إلى الأقراء ويحسب ما مضى قرءا بلا خلاف فإن لم يعاودها الدم ولم تتم الأقراء استأنفت التربص لتعتد بعده بالأشهر لأن التربص الأول بطل بظهور الدم
قال المتولي لا نأمرها باستئناف التربص لأنا على هذا القول لا نعتبر اليأس وإنما نعتبر ظهور براءة الرحم وقد ظهرت البراءة ورؤية الدم تؤكد البراءة
والصحيح المعروف هو الأول وإن حاضت بعد التربص وفي مدة العدة انتقلت إلى الأقراء فإن لم يعاودها الدم عاد الصحيح وقول المتولي
وإذا تربصت فتبني الأشهر على ما مضى من الأشهر الثلاثة أم تستأنف الأشهر وجهان
أحدهما تستأنف كما تستأنف التربص وأصحهما تبني لأن ما مضى من الأشهر كان من صلب العدة فلا معنى لإبطاله بخلاف التربص فعلى هذا في كيفية البناء وجهان
أحدهما تعد ما مضى قرءا ويبقى عليها قرآن فتعتد بدلهما بشهرين
وعلى هذا لو حاضت مرتين بقي عليها قرء فتعتد

بدله بشهر
وأصحهما يحسب ما مضى من الأيام وتتمة ثلاثة أشهر ولا تضم بعض الأشهر إلى بعض الأقراء لئلا يجمع بين البدل والمبدل هكذا أطلقوا ذكر عدم المعاودة في الصورتين ولم يقولوا إذا لم تعد إلى مدة كذا
ويشبه أن يضبط بعادتها القديمة أو بغالب عادات النساء
وإن حاضت بعد التربص والأشهر وقبل النكاح فأوجه
أصحها وينسب إلى النص تنتقل إلى الأقراء
والثاني لا بل انقضت العدة
والثالث عن أبي هريرة إن اعتدت بالأشهر بحكم قاض لم ينقض حكمه ولم تنتقل إلى الأقراء وإن اعتدت بها بمجرد فتوى انتقلت وسواء في هذه الصور والأحكام جعلنا التربص ستة أشهر أو تسعة أو أربع سنين هذا كله تفريع القديم
أما إذا قلنا بالجديد وهو انتظار سن اليأس ففي النسوة المعتبرات قولان
أظهرهما وإليه ميل الأكثرين يعتبر أقصى يأس نساء العالم
قال الإمام ولا يمكن طوف العالم وإنما المراد ما يبلغ خبره ويعرف
وعلى هذا فالأشهر أن سن اليأس اثنان وستون سنة وقيل ستون وقيل خمسون حكاهما أبو الحسن بن خيران في كتابه اللطيف وحكاهما غيره
وقال السرخسي تسعون سنة
وحكي أن إمرأة حاضت لتسعين سنة وعن أبي علي الطبري تخريج وجه أنه يعتبر سن اليأس غالبا ولا يعتبر الأقصى
والقول الثاني أنه يعتبر يأس عشيرتها من الأبوين نص عليه في الأم
وقيل يعتبر نساء العصبات وقيل نساء البلد
فإذا رأت الدم بعد سن اليأس نظر إن رأته في أثناء الأشهر انتقلت إلى الأقراء وحسب ما مضى قرءا بلا خلاف فتضم إليه قرءين
واعلم أنا إذا اعتبرنا أقصى اليأس في العالم فبلغته ثم رأت الدم صار

أقصى اليأس ما رأته ويعتبر بعد ذلك غيرها بها ثم إن لم يعاودها الدم رجعت إلى الأشهر
وهل تؤمر بالتربص قبلها تسعة أشهر أو أربع سنين وجهان
أحدهما نعم استظهارا وأصحهما لا لأنها بلغت اليأس
ثم في التتمة أنها تعتد بشهرين بدلا عن قرءين والذي صححه الأئمة وحكوه عن القفال وغيره أنها تعتد بثلاثة أشهر تستأنفها
ولا يجيء في البناء الخلاف السابق في تفريع القديم لأنه في القديم تكفي غلبة الظن وهنا يطلب اليقين أو القرب منه
فإذا رأت الدم بطل ما ظنناه يأسا وبطل ما ترتب عليه من العدة فوجب الإستئناف
وأما إذا رأت الدم بعد تمام الأشهر فثلاثة أقوال
أحدها لا يلزمها العود إلى الأقراء بل انقضت عدتها كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر
والثاني يلزمها لأنه بان أنها ليست آيسة بخلاف الصغيرة فإنها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الإعتداد من اللائي لم يحضن وهذا أصح عند البغوي
والثالث وهو الأظهر فيما يدل عليه كلام الأكثرين إن كانت نكحت بعد الأشهر فقد تمت العدة والنكاح صحيح وإلا لزمها الأقراء وقطع صاحبا التتمة و الشامل بصحة النكاح
النوع الثالث الحمل
قد سبق أن عدة الطلاق ثلاثة أنواع الأقراء والأشهر وقد مضيا والتف أحدهما بالآخر والثالث هو الحمل ويشترط في انقضاء العدة به شرطان أحدهما كونه منسوبا إلى من العدة منه
إما ظاهرا وإما احتمالا كالمنفي باللعان
فإذا لاعن حاملا ونفى الحمل انقضت عدتها بوضعه لإمكان كونها منه والقول قولها في العدة إذا تحقق الإمكان

أما إذا لم يمكن أن يكون منه بأن مات صبي لا ينزل وامرأته حامل فلا تنقضي عدتها بوضع الحمل بل تعتد بالأشهر
ولو مات من قطع ذكره وأنثياه وامرأته حامل لم تنقض عدتها بوضعه على المذهب بناء على أنه لا يلحقه الولد
وعن الإصطخري والصيرفي والقفال أنه يلحقه
وحكي هذا قول للشافعي وقد سبق في اللعان
فعلى هذا تنقضي عدتها بوضعه
ومن سل خصياه وبقي ذكره كالفحل في لحوق الولد على المذهب فتنقضي العدة منه بوضعه سواء فيه عدة الوفاة والطلاق
وفي وجه لا يلحقه فلا تنقضي به العدة وحكى القاضي أبو الطيب وجها أنه إن كان مسلول الخصية اليمنى لم يلحقه وإن بقيت اليسرى لأنه يقال إن الماء من الخصية اليمنى والشعر من اليسرى
ونقل الروياني في جمع الجوامع أن أبا بكر بن الحداد كان فقيد الخصية اليمنى فكان لا ينزل وكانت لحيته طويلة وهذا شىء يعتمده الجمهور
وأما مجبوب الذكر باقي الأنثيين فيلحقه الولد فتعتد إمرأته عن الوفاة بوضع الحمل ولا يلزمها عدة الطلاق لعدم الدخول

فرع من مات عن زوجته أو طلقها وهي حامل بولد لا يمكن
بأن وضعته لدون ستة أشهر من حين العقد أو لأكثر ولكن كان بين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة لم تنقض به عدته هذا هو المذهب وبه قطع الأصحاب
وحكى الغزالي في الوجيز وجهين آخرين
أحدهما تنقضي لاحتمال أنه وطئها بشبهة قبل النكاح ويكفي الإحتمال كالولد المنفي باللعان
والثاني إن ادعت وطء شبهة حكم بانقضاء العدة لأن القول في العدة قولها مع الإمكان ولم يذكر هذه الأوجه في الوسيط و البسيط في هذه

الصورة بل ذكرها فيمن قال إن ولدت فأنت طالق فولدت وشرعت في العدة ثم ولدت بعد ستة أشهر ولدا آخر
والثالث الفرق بين أن تدعي وطءا محترما من الزوج بعد الولادة الأولى فتنقضي العدة أو لا فلا
فإذا قلنا بالمذهب فإن كان المولود لاحقا بغيره بوطء شبهة أو في عقد فاسد انقضت عدة الوطء بوضعه ثم تعتد عن الزوج بعده وإن كان من زنا اعتدت عدة الوفاة من يوم الموت أو عدة الطلاق من يوم الطلاق وتنقضي العدة مع الحمل في عدة الوفاة
وفي عدة الطلاق إذا كانت من ذوات الأشهر أو كانت من ذوات الأقراء ولم تر دما أو رأته وقلنا إن الحامل لا تحيض وإن رأته وقلنا إنه حيض ففي انقضاء العدة بأطهارها وهي حامل وجهان
أصحهما الإنقضاء لأن حمل الزنا كالمعدوم
فعلى هذا لو زنت في عدة الوفاة أو الطلاق وحبلت من الزنا لم يمنع ذلك انقضاء العدة ولو كان الحمل مجهول الحال حمل على أنه من زنا قاله الروياني في جمع الجوامع

فرع لو نكح حاملا من الزنا صح نكاحه بلا خلاف

وهل له وطؤها قبل الوضع وجهان
أصحهما نعم إذ لا حرمة له ومنعه ابن الحداد
الشرط الثاني أن تضع الحمل بتمامه فلو كانت حاملا بتوأمين لم تنقض العدة حتى تضعهما حتى لو كانت رجعية ووضعت أحدهما فله الرجعة قبل أن تضع الثاني وإنما يكونان توأمين إذا وضعتهما معا أو كان بينهما دون ستة أشهر فإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فالثاني حمل آخر
فرع لا تنقضي العدة بخروج بعض الولد ولو خرج بعضه منفصلا أو
منفصل ولم يخرج الباقي بقيت الرجعة
ولو طلقها وقع الطلاق
ولو مات أحدهما

ورثه الآخر وكذا تبقى سائر أحكام الجنين في الذي خرج بعضه دون بعض كمنع توريثه وكسراية عتق الأم إليه وعدم إجزائه عن الكفارة ووجوب الغرة عند الجناية على الأم وتبعية الأم في البيع والهبة وغيرهما
وفي وجه ضعيف إذا خرج كان حكمه حكم المنفصل كله في جميع ما ذكرنا إلا في العدة فإنها لا تنقضي إلا بفراغ الرحم وينسب إلى القفال وهو منقاس ولكنه يعيد في المذهب

فرع تنقضي العدة بانفصال الولد حيا أو ميتا ولا تنقضي بإسقاط العلقة
والدم
ولو أسقطت مضغة فلها أحوال
أحدها أن يظهر فيها شىء من صورة الآدمي كيد أو أصبع أو ظفر وغيرها فتنقضي بها العدة
والثاني أن لا يظهر شىء من صورة الآدمي لكل أحد لكن قال أهل الخبرة من النساء فيه صورة خفية وهي بينة لنا وإن خفيت على غيرها فتقبل شهادتهن ويحكم بانقضاء العدة وسائر الأحكام
الثالث أن لا يكون صورة ظاهرة ولا خفية يعرفها القوابل لكنهن قلن إنه أصل آدمي ولو بقي لتصور ولتخلق فالنص أن العدة تنقضي به
ونص أنه لا يجب فيه الغرة وأشعر نصه أنه لا يثبت به الإستيلاد فقيل في الجميع قولان
وقيل بتقرير النصوص لأن المراد بالعدة براءة الرحم وقد حصلت
والأصل براءة الذمة في الغرة
وأمومة الولد إنما تثبت تبعا للولد
وقيل تثبت هذه الأحكام قطعا وحمل نص المنع على ما إذا يعلمن أنه

مبتدأ خلق
وقيل لا تثبت قطعا وحمل نص العدة على ما إذا كانت صورة خفية والمذهب على الجملة انقضاء العدة ومنع الآخرين
ولو شك القوابل في أنه لحم آدمي أم لا لم يثبت شىء من هذه الأحكام بلا خلاف
ولو اختلف الزوجان فقالت كان السقط الذي وضعته مما تنقضي به العدة وأنكر الزوج وضاع السقط فالقول قولها بيمينها لأنها مأمونة في العدة

فصل إذا كانت تعتد بالأقراء أو بالأشهر فظهر بها حمل من الزوج
بوضعه ولا اعتبار بما مضى من الأقراء والأشهر فإن لم يظهر الحمل بأمارة ولكنها ارتابت لثقل وحركة تجدها نظر إن ارتابت قبل تمام الأشهر أو الأقراء فليس لها أن تتزوج بعد تمامها حتى تزول الريبة
فإن تزوجت فالنكاح باطل
وإن ارتابت بعد أن انقضت الأقراء أو الأشهر وتزوجت لم يحكم ببطلان النكاح لكن لو تحققنا كونها حاملا وقت النكاح بأن ولدت لدون ستة أشهر من وقت النكاح تبينا بطلان النكاح وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا فالولد للثاني ونكاحه مستمر على صحته
وإن ارتابت بعد الأقراء والأشهر وقبل أن تتزوج فالأولى أن تصبر إلى زوال الريبة فإن لم تفعل وتزوجت فالمذهب القطع بأن النكاح لا يبطل في الحال بل هو كما لو تزوجت وهو نصه في المختصر و الأم وبه قال ابن خيران وأبو إسحق والإصطخري لأنا حكمنا بانقضاء العدة فلا نبطله بالشك وقيل يحكم ببطلانه حكي عن ابن سريج
وقيل قولان
فصل أكثر مدة الحمل أربع سنين فلو أبانها بخلع أو بالثلاث أو

أو لعان ولم ينف الحمل فولدت لأربع سنين فأقل من وقت الفراق لحق الولد بالزوج هكذا أطلقوه
وقال أبو منصور التميمي ينبغي أن يقال لأربع سنين من وقت إمكان العلوق وقبيل الطلاق وهذا قويم وفي إطلاقهم تساهل وسواء أقرت بانقضاء عدتها ثم ولدت أم لم تقر لأن النسب حق الولد فلا ينقطع بإقرارها
وقال ابن سريج إذا أقرت بانقضائها ثم ولدت لم يلحقه إلا أن تأتي به لدون ستة أشهر من الأقراء كما إذا صارت الأمة فراشا لسيدها بالوطء ثم استبرأها فأتت بولد بعد الإستبراء لستة أشهر فصاعدا لا يلحقه نص عليه
فمن الأصحاب من جعل المسألتين على قولين وقطع الجمهور بتقرير النصين وفرقوا بأن فراش النكاح أقوى وأسرع ثبوتا فإنه يثبت بمجرد الإمكان
أما إذا ولدت لأكثر من أربع سنين فالولد منفي عنه بلا لعان
ولو طلقها رجعيا ثم ولدت فالحكم على التفصيل المذكور إلا أن السنين الأربع هل تحسب من وقت الطلاق أم من وقت انصرام العدة قولان
أظهرهما الأول لأنها كالبائن في تحريم الوطء فلا يؤثر كونها زوجة في معظم الأحكام
فإن قلنا من وقت الإنصرام فقد أطلق الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما حكاية وجهين
أحدهما أنه يلحقه متى أتت به من غير تقدير لأن الفراش على هذا القول إنما يزول بانقضاء العدة
والثاني أنه إذا مضت العدة بالأقراء أو الأشهر ثم ولدت لأكثر من أربع سنين من انقضائها لم يلحقه لأنا تحققنا أنه لم يكن موجودا في الأقراء والأشهر فتبين بانقضائها وتصير كما لو بانت بالطلاق ثم ولدت لأكثر من أربع سنين
وهذا الثاني هو الأصح عند الأكثرين وحكوه عن نص الشافعي رحمه الله
ولك أن تقول هذا وإن استمر في الأقراء لا يستمر في الأشهر فإن التي لا تحمل لا تعتد بالأشهر فإذا حبلت بان أن عدتها لم تنقض بالأشهر وسيأتي نظير هذا إن شاء الله تعالى ثم هذا الخلاف على ما ذكره الروياني وغيره فيما إذا أقرت بانقضاء العدة فإن لم تقر فالولد الذي تأتي به يلحقه وإن طال الزمان لأن العدة قد تمتد لطول الطهر

وحكى القفال فيما إذا لم تقر وجها ضعيفا أنه إذا مضت ثلاثة أشهر ثم ولدت لأكثر من أربع سنين لم يلحقه لأن الغالب انقضاء العدة في ثلاثة أشهر ومتى حكمنا بثبوت النسب كانت المرأة معتدة إلى الوضع فيثبت للزوج الرجعة إن كانت رجعية ولها السكنى والنفقة

فرع ولدت لأكثر من أربع سنين وادعت في الطلاق الرجعي أن الزوج
أو أنه جدد نكاحها أو وطئها بشبهة وأنها ولدته على الفراش المجدد نظر إن صدقها الزوج لزمه مقتضى إقراره فعليه المهر في صورة التجديد والنفقة والسكنى في الرجعة والتجديد جميعا ويلحقه الولد للفراش وإن أنكر إحداث فراش فهو المصدق بيمينه وعليها البينة فإن نكل حلفت وثبت النسب إلا أن ينفيه باللعان
وحكى أبو الفرج الزاز قولا أنه إذا نكل لا ترد اليمين عليها لأنها إذا حلفت ثبت نسب الولد ويبعد أن يحلف الشخص لفائدة غيره والمشهور الأول فإن لم يحلفها أو نكلت ففي حلف الولد إذا بلغ خلاف سبق في نظائره
وإن اعترف بفراش جديد وأنكر ولادتها وادعى أنها التقطته واستعارته صدق بيمينه وعليها البينة على الولادة
فإن نكل حلفت وثبتت الولادة والنسب بالفراش إلا أن ينفيه باللعان ويعود في تحليفها الخلاف السابق
ثم قال الأئمة العدة تنقضي بوضعه وإن حلف الرجل على النفي ولم يثبت ما ادعته لأنها تزعم أنه منه فكان كما لو نفي حملها باللعان فإنه وإن انتفى الولد تنقضي العدة بوضعه لزعمها أنه منه
ولو ادعت على الوارث بعد موت الزوج أن الزوج كان راجعها أو جدد نكاحها فإن كان الوارث ممن لا يحجب نظر إن كان إبنا واحدا فالحكم كما لو ادعت على الزوج إلا أن الوارث يحلف على نفي العلم وإلا أنه إذا ثبت النسب لا يمكنه نفيه باللعان
وإن كان له ابنان وادعت عليهما

فكذباها وحلفا أو نكلا أو صدقها أحدهما وكذب الآخر وحلفت ثبت المهر والنفقة بحصة المصدق ولا يثبت النسب لأن جميع الورثة لم يتفقوا
وفي ثبوت ميراث الزوجة في حصة المصدق خلاف مذكور في موضعه
وإن كان الوارث ممن يحجب كالأخ فإن صدقها فذاك ولا يرث الولد وإن ثبت نسبه وإن كذبها فعلى ما ذكرنا

فرع علق طلاقها بالولادة فولدت ولدين فإن كان بينهما دون ستة أشهر
لحقاه وطلقت بالأول وانقضت عدتها بالثاني وإن كان بينهما ستة أشهر فأكثر طلقت بولادة الأول ثم إن كان الطلاق بائنا لم يلحقه الثاني لأن العلوق به لم يكن في نكاح وإن كان رجعيا بني على أن السنين الأربع تعتبر من وقت الطلاق أم من انصرام العدة إن قلنا بالأول لم يلحقه
وإن قلنا بالثاني لحقه إذا أتت به لدون أربع سنين من ولادة الأول وتنقضي العدة بوضعه سواء لحقه أم لا لاحتمال وطء الشبهة بعد البينونة كذا قاله ابن الصباغ
ولو ولدت ثلاثة أولاد فإن كانوا حملا واحدا بأن كان بين الأول والثالث دون ستة أشهر طلقت بالأول وانقضت عدتها بالثالث ولحقه الجميع
وإن كان بين الأولين أقل من ستة أشهر وبين الثاني والثالث أكثر منها لحقه الأولان وانقضت عدتها بالثاني ولا يلحقه الثالث
وإن كان بين الأول والثاني أكثر من ستة أشهر وبين الثاني والثالث دون الستة طلقت بالأول ولم يلحقه الآخران إن كان الطلاق بائنا وإن كان رجعيا ففيه الخلاف
وإن زاد ما بين الأولين على ستة أشهر وكذا ما بين الثاني والثالث فالثالث غير لاحق به وكذا الثاني إن كان الطلاق بائنا
وإن كان رجعيا فعلى الخلاف ولو كان ما بين الأولين دون الستة وكذا ما بين الثاني والثالث وكان بين الثالث والأول أكثر من الستة فالأولان لاحقان دون الثالث

فرع هذا الكلام السابق إذا لم تصر بعد الطلاق فراشا لغيره
فلو صارت بأن نكحت بعد العدة ثم ولدت نظر أن ولدت لدون ستة أشهر من النكاح الثاني فكأنها لم تنكح والحكم على ما سبق وإن أتت به لستة أشهر فأكثر فالولد للثاني وإن أمكن كونه من الأول لأن الفراش للثاني ناجز فهو أقوى ولأن النكاح الثاني قد صح ظاهرا
فلو ألحقنا الولد بالأول لبطل النكاح لوقوعه في العدة ولا سبيل إلى إبطال ما صح بالإحتمال ولو نكحت نكاحا فاسدا بأن نكحت في العدة لم يقطع العقد العدة لكن تسقط نفقتها وسكناها لنشوزها
ثم إن وطئها الزوج عالما بالتحريم فهو زان لا يؤثر وطؤه في العدة وإن جهل التحريم لظنه انقضاء العدة أو أن المعتدة لا يحرم نكاحها انقطعت به العدة لمصيرها فراشا للثاني
قال الروياني ودعوى الجهل بتحريم المعتدة لا يقبل إلا من قريب عهد بالإسلام ودعوى الجهل بكونها معتدة يقبل من كل أحد ثم إذا فرق بينهما تكمل عدة الأول ثم تعتد للثاني فلو ولدت لزمان الإمكان من الأول دون الثاني لحق بالأول وانقضت عدته بوضعه ثم تعتد للثاني وإن أتت به لزمان الإمكان من الثاني دون الأول بأن أتت به لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول فإن كان الطلاق بائنا فهو ملحق بالثاني وإن كان رجعيا فهل يلحق بالثاني أم يقال فراش الأول باق فيعرض الولد على القائف فيه قولان وإن ولدته لزمن الإمكان منهما عرض على القائف فإن ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو أشكل عليه أو لم يكن قائف انتظر بلوغه وانتسابه بنفسه وإذا وضعته ومضت ثلاثة أقراء حلت للزواج وإن ولدته لزمان لا يمكن أن يكون من واحد منهما بأن كان لدون ستة أشهر من نكاح الثاني ولأكثر من أربع سنين

من طلاق الأول لم يلحق واحد منهما إن كان الطلاق بائنا فإن كان رجعيا عاد الخلاف في أنها هل هي فراش
وإذا نفيناه عنهما فعن الشيخ أبي حامد أنه لا تنقضي العدة بوضعه عن واحد منهما بل بعد الوضع تكمل العدة عن الأول ثم تعتد عن الثاني
قال ابن الصباغ وقياس ما ذكرنا فيما إذا علق طلاقها بالولادة فولدت ولدين بينهما ستة أشهر أن الثاني لا يلحقه وتنقضي العدة بوضعه أن نقول هنا تنقضي العدة عن أحدهما
ثم مدة الإمكان من الزوج الثاني هل تحسب من وقت النكاح الفاسد أم من وقت الوطء وجهان
أصحهما الثاني وبالأول قال القفال الشاشي
ويقرب من هذا الخلاف الخلاف في أن العدة في نكاح الفاسد هل تحسب من آخر وطء فيه أم من وقت التفريق والأصح من التفريق لأن الفراش حينئذ يزول والتفريق بأن يفرق القاضي بينهما
وفي معناه ما إذا اتفق الزوجان على المفارقة وما إذا مات الزوج عنها أو طلقها وهو يظن الصحة ولو غاب عنها على عزم أن يعود إليها لم تحسب مدة الغيبة من العدة ولو عزم أن لا يعود حسبت
وخرج على الخلاف المذكور أن لحوق الولد في النكاح الفاسد هل يتوقف على إقراره بالوطء كما في ملك اليمين أم يكفي فيه مجرد العقد كالنكاح الصحيح وأما إذا أحوجناه إلى الإقرار بالوطء فهل ينتفي الولد بدعوى الإستبراء كملك اليمين أم لا ينتفي باللعان والأصح الثاني
ولو وطئت بالشبهة في العدة فولدت للإمكان من الزواج والواطىء عرض الولد على القائف كما ذكرنا في النكاح الفاسد
ولو وطئت بعد انقضاء العدة فهل هو كالنكاح الثاني في قطع فراش الأول وجهان
أحدهما لا بل يعرض الولد على القائف وأصحهما

( نعم ) لانقطاع النكاح الأول والعدة عنه في الظاهر فعلى هذا لو ولدت للإمكان منهما لحق بالواطىء كما يلحق بالزوج الثاني

فرع ولدت وطلقها ثم اختلفا فقال طلقتك بعد الولادة فلي الرجعة وقالت
بل قبلها وانقضت عدتي بالوضع فإن اتفقا على وقت الولادة كيوم الجمعة وقال طلقتك يوم السبت وقالت يوم الخميس فهو المصدق بيمينه لأن الطلاق بيده فصدق فيه كأصله
وإن اتفقا على ( وقت ) الطلاق كيوم الجمعة وقال ولدت يوم الخميس وقالت يوم السبت صدقت بيمينها
وإن لم يتفقا على وقت وادعى تقدم الولادة وهي تقدم الطلاق فهو المصدق
ولو ادعت تقدم الطلاق فقال لا أدري لم يقنع منه بل إما أن يحلف يمينا جازمة أن الطلاق لم يتقدم وإما أن ينكل فتحلف هي ويجعل بقوله لا أدري منكرا فتعرض اليمين عليه فإن أعاد كلامه الأول جعل ناكلا فتحلف هي ولا عدة عليها ولا رجعة له وإن نكلت فعليها العدة
قال الأصحاب وليس هذا قضاء بالنكول بل الأصل بقاء النكاح وآثاره فيعمل بهذا الأصل ما لم يظهر دافع
ولو جزم الزوج بتقدم الولادة وقالت هي لا أدري فله الرجعة والورع أن لا يراجع وكذا الحكم لو قال لا ندري السابق منهما وليس لها النكاح حتى تمضي ثلاثة أقراء

الباب الثاني في اجتماع عدتين
قد يجتمعان عليها لشخص وقد يكونان لشخصين
القسم الأول إذا كانتا لشخص فينظر إن كانتا من جنس بأن طلقها وشرعت في العدة بالاقراء أو الأشهر ثم وطئها في العدة جاهلا إن كان الطلاق بائنا وجاهلا أو عالما إن كان رجعيا تداخلت العدتان ومعنى التداخل أنها تعتد بثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر من وقت الوطء ويندرج فيها بقية عدة الطلاق
وقدر تلك البقية يكون مشتركا واقعا عن الجهتين وله الرجعة في قدر البقية إن كان الطلاق رجعيا ولا رجعة بعدها ويجوز تجديد النكاح في تلك البقية وبعدها إذا لم يكن عدد الطلاق مستوفى هذا هو الصحيح
وحكى أبو الحسن العبادي عن الحليمي أن عدة الطلاق تنقطع بالوطء ويسقط باقيها وتتمحض العدة الواجبة عن الوطء
قال وقياسه أن لا تثبت الرجعة في البقية ولكن منعنا منه بالإجماع
وقد ينقطع أثر النكاح في حكم دون حكم
وفي وجه ثالث أن ما بقي من عدة الطلاق يقع متمحضا عن الطلاق ولا يوجب الوطء إلا ما وراء ذلك إلى تمام ثلاثة أقراء وهذا ضعيف
وإن كانت العدتان من جنسين بأن كانت إحداهما بالحمل والأخرى بالاقراء سواء طلقها حاملا ثم وطئها أو حائلا ثم أحبلها ففي دخول الأخرى في الحمل وجهان أصحهما الدخول كالجنس
فعلى هذا تنقضيان بالوضع وله الرجعة في الطلاق الرجعي إلى أن تضع إن كانت عدة الطلاق بالحمل وكذا إن كانت بالأقراء على الأصح
وقيل لا رجعة بناء على أن عدة الطلاق سقطت وهي الآن معتدة للوطء
وإن قلنا لا يتداخلان فإن كان الحمل لعدة الطلاق اعتدت بعد وضعه بثلاثة أقراء ولا رجعة إلا في مدة الحمل وإن كان الحمل

لعدة الوطء أتمت بعد وضعه بقية عدة الطلاق وله الرجعة في تلك البقية وله الرجعة قبل الوضع أيضا على الأصح وله تجديد نكاحها قبل الوضع وبعده إذا لم يكن الطلاق رجعيا
فإن لم يعلم هذا الحمل من عدة الطلاق أم حدث بالوطء قال المتولي يلزمها الإعتداد بثلاثة أقراء كاملة بعد الوضع لجواز أن تكون عدة الطلاق بالوضع
وحيث أثبتنا الرجعة فلو مات أحدهما ورثه الآخر ولو طلقها لحقها الطلاق ويصح الظهار والإيلاء منها
ولو مات الزوج انتقلت إلى عدة الوفاة
وحيث قلنا لا تثبت الرجعة لا يثبت شىء من هذه الأحكام

فرع جميع ما ذكرناه فيما إذا كانت لا ترى الدم على الحمل
وقلنا ليس هو بحيض
فأما إن جعلناه حيضا فهل تنقضي مع الحمل العدة الأخرى بالأقراء وجهان أصحهما نعم وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضي حسين
فعلى هذا لو كان الحمل حادثا من الوطء فمضت الأقراء قبل الوضع فقد انقضت عدة الطلاق وليس للزوج الرجعة بعد ذلك وإن وضعت الحمل قبل تمام الأقراء فقد انقضت عدة الوطء وعليها بقية عدة الطلاق وللزوج الرجعة قبل الوضع وبعده إلى تمام الأقراء بلا خلاف ( 232 )
وإن كان الحمل لعدة الطلاق فله الرجعة إلى الوضع
فإذا وضعت أكملت لعدة الوطء ما بقي من الأقراء
القسم الثاني إذا كانت العدتان لشخصين بأن كانت معتدة لزيد عن طلاق أو وفاة أو شبهة أو نكحها جاهلا ووطئها أو كانت المنكوحة معتدة عن وطء شبهة فطلقها زوجها فلا تداخل بل تعتد عن كل واحد عدة كاملة ثم قد لا يكون هناك حمل وقد يكون
الحال الأول أن لا يكون فإن سبق الطلاق وطء الشبهة أتمت عدة

الطلاق لتقدمها وقوتها
فإذا أتمتها استأنفت عدة الشبهة ثم إن لم يكن من الثاني إلا وطء شبهة ابتدأت عدته عقب عدة الطلاق فإن نكح الثاني ووطىء فزمن كونها فراشا له لا يحسب عن واحدة من العدتين
وبماذا تنقطع عدة الطلاق فيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى
ومتى تعود إليها وجهان أحدهما من آخر وطء وقع في النكاح الثاني حكي عن القفال الشاشي
والثاني وهو الصحيح من حين التفريق بينهما وللزوج الرجعة في عدته فإذا راجعها شرعت في عدة وطء الشبهة وليس للزوج الإستمتاع بها إلى أن تنقضي
وهل له تجديد نكاحها إن كان الطلاق بائنا وجهان أصحهما عند الأكثرين نعم
ولو وطئت منكوحة بشبهة ثم طلقت وهي في عدة الشبهة فوجهان
أحدهما تتم عدة الشبهة ثم تبتدىء عدة الطلاق مراعاة للسابق وأصحهما عند الأكثرين تقدم عدة الطلاق لقوتها
فإن قدمنا عدة الشبهة فله الرجعة إذا اشتغلت بعد الطلاق
وهل له الرجعة قبل ذلك وجهان ولا يجوز تجديد نكاحها في عدة الشبهة إذا كان الطلاق بائنا لأنها في عدة الغير
وإذا قلنا تقدم عدة الطلاق شرعت فيها بنفس الطلاق فإذا تمت عادت إلى بقية عدة الشبهة وللزوج الرجعة إن كان الطلاق رجعيا
وهل له تجديد النكاح إن كان بائنا فيه الوجهان السابقان
ولو طرأ وطء شبهة في عدة وطء شبهة أتمت عدة الواطىء الأول بلا خلاف
ولو نكح إمرأة نكاحا فاسدا ووطئها غيره بشبهة ثم فرق بينهما لظهور فساد النكاح قال البغوي تقدم عدة الواطىء بشبهة بلا خلاف لأن عدته من وقت الوطء وعدة الناكح من التفريق ومعناه أن عدة الواطىء سبق وجوبها وليس للفاسد قوة الصحيح ليترجح بها وقد تكون إحدى العدتين بالأقراء والأخرى بالأشهر بأن طلقها فمضى قرآن ثم نكحت فاسدا ودام فراشه حتى أيست ثم فرق

بينهما فتكمل عدة الأول بشهر بدلا عن القرء الباقي ثم تعتد للفاسد بثلاثة أشهر
الحال الثاني أن يكون هناك حمل فيقدم عدة من الحمل منه سابقا كان أو متأخرا فإن كان الحمل للمطلق ثم وطئت بشبهة فإذا وضعت انقضت عدة الطلاق ثم تعتد بالأقراء للشبهة بعد طهرها من النفاس وللزوج رجعتها قبل الوضع
قال الروياني لكن لا يراجعها في مدة اجتماع الواطىء بها لأنها حينئذ خارجة عن عدة الأول وفراش لغيره فلا تصح الرجعة في تلك الحالة
وهل له تجديد نكاحها قبل الوضع إن كان الطلاق بائنا فيه الوجهان السابقان ويجريان فيما لو وطىء إمرأة بشبهة وأحبلها ثم وطئها آخر هل للأول أن ينكحها قبل الوضع وليس له أن ينكحها في عدة الثاني بحال وللثاني أن ينكحها في عدة نفسه
وإن كان الحمل من وطء الشبهة فإذا وضعت انقضت عدة الوطء وعادت إلى بقية عدة الطلاق وللزوج الرجعة في تلك البقية إن كان طلاقه رجعيا سواء في ذلك مدة النفاس وغيرها لأنها من جملة العدة كالحيض الذي يقع فيه الطلاق
وقيل لا رجعة في مدة النفاس والصحيح الأول
وإذا ثبتت الرجعة فلو طلق لحقها الطلاق ولو مات أحدهما ورثه الآخر وانتقلت إلى عدة الوفاة بوفاة الزوج وهل له الرجعة قبل الوضع إن كان الطلاق رجعيا أو تجديد النكاح إن كان بائنا وجهان
أصحهما عند الشيخ أبي حامد نعم لأنه لم تنقض عدته وكما في العدتين المختلفتين من شخص
وأصحهما عند الماوردي والبغوي لا لأنها في عدة غيره
ثم قال البغوي لو طلقها قبل الوضع لحقها الطلاق ولو مات أحدهما ورثه الآخر فإن مات الزوج انتقلت إلى عدة الوفاة حتى إذا وضعت تعتد عن الزوج عدة الوفاة وإن كان لا تصح رجعته لأنا نجعل زمان الرجعة كزمان صلب النكاح

هذا لفظه وإذا راجعها وهي حامل من الأجنبي وجوزناه فليس له الوطء حتى تضع كما إذا وطئت منكوحة بشبهة فاشتغلت بالعدة وإن كانت حاملا منه وفي ذمتها عدة الشبهة فراجعها انقضت عدته في الحال وبقيت عدة الشبهة مؤخرة حتى تضع وتعود إلى أقرائها
وهل له وطؤها في الحال فيه وجهان
أحدهما نعم لأنها زوجة ليست في عدة
والثاني لا لأنها متعرضة للعدة ومال المتولي إلى ترجيح هذا ورجح بعضهم الأول
قلت الراجح الجواز
والله أعلم
ويجري الوجهان فيما لو وطئت المنكوحة في صلب النكاح بشبهة وهي حامل من الزوج
ولو كانت ترى الدم على الحمل وجعلناه حيضا فعن القاضي حسين أن العدة الأخرى تنقضي بالأقراء كالعدتين من شخص وهذا ضعيف وضعفه الإمام والغزالي لأن فيه مصيرا إلى تداخل عدتي شخصين
وجميع ما ذكرنا فيما إذا علم أن الولد من هذا أو ذاك لانحصار الإمكان فيه فلو لم يمكن كونه من واحد منهما بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول وهو بائن أو رجعي على قول ولدون ستة أشهر من وطء الثاني فالولد منفي عنهما ولا تنقضي بوضعه عدة واحد منهما على الأصح بل إذا وضعته تممت عدة الأول ثم استأنفت عدة الثاني
وقيل تعتد بوضعه من أحدهما لا بعينه لإمكان كونه من أحدهما بوطء شبهة ثم تعتد عن الآخر بثلاثة أقراء

فرع ويتفرع على الوجهين فرعان

أحدهما لو كانت ترى الدم والحالة هذه وجعلناه حيضا قال الروياني إن قلنا تنقضي عدة أحدهما بالوضع لم تعتد بأقرائها لئلا تتداخل عدة شخصين وإلا ففي الإحتساب بأقرائها وجهان أصحهما الإحتساب لأنها إذا لم تعتد بالحمل كانت كالحائل وبهذا قطع صاحب الشامل

الثاني إن قلنا تنقضي بالوضع عدة أحدهما لم تصح رجعة الزوج في مدة الحمل ولا في الأقراء بعد الوضع للشك في أن عدته هذه أم هذه فلو راجع مرة في الحمل ومرة في الأقراء ففي صحة الرجعة وجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى
وإن قلنا لا تنقضي أتمت بعد الوضع عدة الأول وهو الزوج وله الرجعة فيه
وهل له الرجعة قبله في مدة الحمل فيه الوجهان السابقان

فرع إذا احتمل كون الولد من الزوج ومن الواطىء بالشبهة عرض بعد
الوضع على القائف فإن ألحقه بالزوج أو بالواطىء فحكمه ما ذكرنا فيما إذا اختص الإحتمال به فإن لم يكن قائف أو أشكل عليه أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو مات الولد وتعذر عرضه انقضت عدة أحدهما بوضعه لأنه من أحدهما ثم تعتد بعد الوضع للآخر بثلاثة أقراء
قال الروياني وقول الشافعي رحمه الله تعالى فإن لم يكن قائف ليس المراد به إن لا يوجد في الدنيا بل المراد أن لا يوجد في موضع الولد وما يقرب منه وهو المسافة التي تقطع في أقل من يوم وليلة
وسواء في وجوب العرض على القائف ادعياه جميعا أو ادعاه أحدهما فقط
وقيل إذا ادعاه أحدهما فقط اختص به كالأموال والصحيح الأول لحق الولد وحق الشرع في النسب
قال المتولي إن كان الطلاق بائنا عرض على القائف كما ذكرنا
وإن كان رجعيا بني على أن الرجعة هل هي فراش أم لا إن قلنا لا عرض أيضا وإن قلنا فراش وأن السنين الأربع في حقها تعتبر من انقضاء العدة فالولد ملحق ( بالزوج ) ولا يعرض على القائف
ثم في هذا الفرع مسألتان
إحداهما إذا رجع الزوج في مدة الحمل بني على ما إذا تأخرت عدة الزوج

لإحبال الواطىء هل له الرجعة في مدة الحمل إن قلنا نعم صحت رجعته وهو الأصح وإلا فلا
فلو بان بعد الوضع أن الحمل منه بإلحاق القائف فهل يحكم الآن بأن الرجعة وقعت صحيحة وجهان
أصحهما نعم
ولو راجع بعد الوضع لم يحكم بصحة الرجعة أيضا لاحتمال كون الحمل منه وأن عدته انقضت بوضعه
فلو بان بإلحاق القائف أن الحمل من وطء الشبهة ففي الحكم الآن بصحة الرجعة الوجهان هذا إذا راجع في القدر المتيقن بعد الوضع أنه من الأقراء دون ما أوجبناه احتياطا
بيانه وطئها الأجنبي بعد مضي قرء من وقت الطلاق فالقدر الذي يتيقن لزومه بعد الوضع قرآن وإنما نوجب القرء الثالث احتياطا لاحتمال كون الحمل من الزوج
ولو راجع مرتين مرة قبل الوضع ومرة بعده في القرءين ففي صحة رجعته وجهان
أصحهما الصحة وبه قال القفال لوجود رجعة في عدته يقينا والثاني المنع للتردد
ولو جدد النكاح إذا كان الطلاق بائنا نظر إن نكحها مرة واحدة قبل الوضع أو بعده لم يحكم بصحته لاحتمال كونه في عدة الشبهة
فإن بان بعد ذلك كون العدة كانت منه بإلحاق القائف قال المتولي فهو على الخلاف في الرجعة
قال وليس هو من وقف العقود وإنما هو وقف على ظهور أمر كان عند العقد
وإن نكحها مرتين قبل الوضع وبعده ففي صحته وجهان كالرجعة
قال الإمام الأصح هنا المنع لأن الرجعة تحتمل ما لا يحتمله النكاح ولهذا تصح في الإحرام والوجهان مفرعان على صحة تجديد الزوج في عدته مع أن في ذمتها عدة شبهة وإلا فلا يصح قطعا لاحتمال تأخر عدة الشبهة فلا تصح المرة الأولى للعدة التي في ذمتها ولا الثانية لكونها في عدة شبهة
فلو نكحها الواطىء بشبهة قبل الوضع أوبعده في القرءين لم يصح لاحتمال كونها في عدة الزوج
ولو نكحها بعد الوضع في القرءين ثم بان بالقائف أن الحمل من الزوج

ففي تبين الصحة الخلاف السابق
ولو نكحها في القرء الثالث صح قطعا لأنها في عدته إن كان الحمل من الزوج وإلا فغير معتدة
المسألة الثانية سنذكر إن شاء الله تعالى أن الرجعية تستحق النفقة في العدة وأن البائن لا تستحقها إلا إذا كانت حاملا ونذكر قولين في أن تلك النفقة للحمل أم للحامل وقولين في أن تلك النفقة تصرف إليها يوما بيوم أم يصرف الجميع إليها عند الوضع وأن المعتدة عن وطء شبهة لا نفقة لها على الواطىء إذا قلنا النفقة للحامل
إذا عرفت هذه الجمل فإن قلنا النفقة للحامل وهو الأظهر لم تطالب المرأة الزوج ولا الواطىء بالنفقة مدة الحمل المحتمل
فإذا وضعت نظر إن ألحقه القائف بالزوج طالبته بنفقة مدة الحمل الماضية وهذا إذا لم تصر فراشا للثاني بأن لم يوجد إلا وطء شبهة وينبغي أن يستثنى زمن اجتماعها بالثاني فإن صارت فراشا له بأن نكحها جاهلا وبقيت في فراشه حتى وضعت فلا نفقة لها على الزوج لكونها ناشزة بالنكاح فإن فرق الحاكم بينهما قبل الوضع طالبته بالنفقة من يوم التفريق إلى الوضع ثم لا نفقة لها على الواطىء في عدتها عنه بالأقراء
وإن ألحقه القائف بالواطىء لم يلزم واحدا منهما نفقة مدة الحمل ويلزم الزوج نفقة مدة القرءين بعد الوضع إذا كان الطلاق رجعيا ويلزمه أيضا نفقة مدة النفاس على الأصح كما أن له الرجعة فيها ولا يمنع ذلك كونه لا يحسب من العدة كمدة الحيض وإن لم نلحقه بواحد منهما أو لم يكن قائف فلا نفقة على الواطىء ولا على الزوج وإن كان الطلاق بائنا لأنا لا نعلم حال الحمل ولا نفقة إذا لم يكن حمل
وإن كان رجعيا فلا نفقة لمدة كونها فراشا ولها عليه الأقل من نفقتها من يوم التفريق إلى الوضع ونفقتها في القدر الذي تكمل به عدة الطلاق بعد الوضع وهو قرآن في المثال السابق
هذا إذا قلنا النفقة للحامل فإن قلنا إنها للحمل فعلى أحدهما نفقة مدة الحمل بيقين

فإذا أشكل الحال أنفقا عليه بالسوية فإن قلنا نصرف الجميع إليها بعد الوضع أخذت من كل واحد منهما نصف نفقتهما هكذا رتب ابن الصباغ والروياني في جمع الجوامع وهو المذهب
ومنهم من أطلق أنها لا تطالب واحدا منهما في مدة الحمل ولم يفرق هؤلاء بين قولنا النفقة للحمل أو للحامل فعلى هذا إذا وضعت فألحقه القائف بالواطىء قال الإمام والغزالي لا تطالب بالنفقة الماضية بناء على أن نفقة القريب تسقط بمضي الزمان والذي ذكره البغوي وجماعة أنه يطالب بتلك النفقة وقالوا هذه النفقة تصير دينا في الذمة وليست كنفقة الأقارب
قال الإمام ولم يقل أحد من الأصحاب أنه إذا ألحقه القائف بالزوج لا يطالب بالنفقة الماضية تفريعا على أنها للحمل وأنها تسقط بمضي الزمان قال والقياس يقتضي المصير إليه
أما نفقة الولد بعد الوضع وحضانته فعلى ما ألحقه القائف به منهما فإن لم يكن قائف أو أشكل عليه فهي عليهما مناصفة إلى أن يوجد القائف أو يبلغ الصبي فينتسب إلى أحدهما
وقيل لا يطالبان بالنفقة في مدة الإشكال وهو ضعيف
ثم إذا أنفقا ( عليه ) ثم لحق الولد بأحدهما بإلحاق القائف أو بانتسابه رجع الآخر عليه بما أنفق بشرطين أحدهما أن يكون الإنفاق بإذن الحاكم وإلا فهو متبرع
والثاني أن لا يكون مدعيا للولد فإن كان يدعيه فلا رجوع لأنه أنفق على ولده بزعمه
ولو مات الولد في زمن الإشكال فكفنه عليهما وللأم ثلث ماله ويوقف الباقي بين الزوج والواطىء حتى يصطلحا
فإن كان لها ولدان آخران أو كان لكل واحد من الزوج والواطىء ولدان فلها السدس
فإن كان لأحدهما ولدان دون الآخر فهل لها الثلث للشك في كونهما أخوين للميت أم السدس لأنه اليقين وجهان

قلت الأصح أو الصحيح أنه السدس
والله أعلم
ولو أوصى إنسان لهذا الحمل بشىء فانفصل حيا ثم مات فإن مات بعد قبول الزوج والواطىء الوصية فالوصية مستقرة لأن أحدهما أبوه والمال لورثته كما ذكرنا وإن مات قبل أن يقبلا فحق القبول للورثة
ولو سمى الموصي أحدهما فقال أوصيت لحمل فلان هذا فإن ألحقه القائف بغير المسمى بطلت الوصية وإن ألحقه به صحت وإن نفاه باللعان ففي بطلانها وجهان

فرع ما ذكرناه من كون العدتين من شخصين لا يتداخلان إذا كان
شخصين محترمين
فأما إذا طلق حربي زوجته فوطئها في عدته حربي آخر بشبهة أو نكحها ووطئها ثم أسلمت مع الثاني أو دخلا بأمان وترافعا إلينا فحكي عن النص أنه لا يجمع عليها عدتان بل يكفيها واحدة من يوم وطئها الثاني )
وللأصحاب طرق
أحدها الإكتفاء بعده عملا بهذا النص لأن حقوقهم ضعيفة وماؤهم غير محترم فيراعى أصل العدة ويجعل جميعهم كشخص
والثاني القطع بأنه لا بد من عدتين كالمسلمين ورد هذا النص
والثالث على قولين
ونقل السرخسي والروياني أن بعضهم خرج من هذا النص فيما إذا كانت العدتان لمسلمين وجعل الصورتين على قولين نقلا وتخريجا وهذا غريب ضعيف جدا
فإذا قلنا في الكافرين يكفي عدة فهل نقول هي للوطء الثاني فقط وتسقط بقية عدة الأول لضعف حقوق الحربي وبطلانها بالإستيلاء عليه أو على زوجته أم نقول تدخل بقية العدة الأولى في الثانية وجهان
قلت أرجحهما الأول
والله أعلم

قال المتولي ولو أسلمت المرأة ولم يسلم الثاني وجب أن تكمل العدة الأولى ثم تعتد عن الثاني قطعا لأن العدة الثانية ليست هنا أقوى حتى تسقط بقية الأولى أو تدخل فيها
قال ولو كان الأول طلقها رجعية وأسلمت مع الثاني ثم أسلم الأول فله الرجعة في بقية عدته إن قلنا بدخولها في العدة الثانية
وإن قلنا بسقوطها فلا
قال ولو أراد الثاني أن ينكحها فله ذلك إن قلنا بسقوط بقية العدة الأولى لأنها في عدته فقط وإن قلنا بدخولها في الثانية فلا حتى تنقضي تلك البقية قال ولو كانت حاملا من الأول لم تكفها عدة واحدة بل تستأنف بعد الوضع عدة الثاني
وإن أحبلها الثاني فإن قلنا تسقط بقية الأولى فكذا هنا ويكفيها وضع الحمل
وإن قلنا بالتداخل عادت بعد الوضع إلى بقية العدة الأولى لأن الحمل ليس من الأول فلا تنقضي به عدته
ولو طلق حربي زوجته فوطئها في العدة حربي بنكاح وطلقها حربي فيها الخلاف وفيه صور الإمام المسألة

فصل طلق زوجته وهجرها أو غاب عنها انقضت عدتها بمضي الأقراء أو
الأشهر
فلو لم يهجرها بل كان يطؤها فإن كان الطلاق بائنا لم يمنع ذلك انقضاء العدة لأنه وطء زنا لا حرمة له وإن كان رجعيا قال المتولي لا تشرع في العدة ما دام يطؤها لأن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة
وإن كان لا يطؤها ولكن يخالطها ويعاشرها معاشرة الأزواج فثلاثة أوجه
أحدها لا تحسب تلك المدة من العدة لأنها شبيهة بالزوجات دون المطلقات المهجورات
والثاني تحسب لأن هذه المخالطة لا توجب عدة فلا تمنعها حكاه الغزالي عن المحققين
والثالث وهو الأصح وبه أخذ الأئمة منهم القفال

والقاضي حسين والبغوي في التهذيب و الفتاوى والروياني في الحلية إن كان الطلاق بائنا حسبت مدة المعاشرة من العدة
وإن كان رجعيا فلا لأن مخالطة البائن محرمة بلا شبهة فأشبهت الزنا بها
وفي الرجعية الشبهة قائمة وهو بالمخالطة مستفرش لها فلا يحسب زمن الإستفراش من العدة كما لو نكحت في العدة زوجا جاهلا بالحال لا يحسب زمن استفراشه
ثم يتعلق بالمسألة فرعان
أحدهما قال البغوي في الفتاوى الذي عندي أنه لا رجعة للزوج بعد انقضاء الأقراء وإن لم تنقض العدة عملا بالإحتياط في الجانبين
وفي فتاوى القفال ما يوافق هذا وأما لحوق الطلقة الثانية والثالثة فيستمر إلى انقضاء العدة عملا بالإحتياط أيضا وقد صرح به الروياني في الحلية
الثاني قال في البسيط يكفي في الحكم بالمعاشرة الخلوة ولا يكفي دخول دار هي فيها ولا يشترط تواصل الخلوة بل يكفي أن يخلو بها الليالي ويفارقها الأيام كما هو المعتاد بين الزوجين
فلو طالبت المفارقة ثم جرت خلوة ففي البناء على ما مضى احتمالان
أشبههما البناء وأجرى الخلاف المذكور في الأصل فيما لو طلق زوجته الأمة فعاشرها السيد هل تمنع من الإحتساب بالعدة قال البغوي في الفتاوى ولو طلق زوجته ثلاثا ونكحها في العدة على ظن أن عدتها انقضت وحلت فينبغي أن يقال زمن استفراشها لا يحسب من العدة كالرجعية وأما إذا خالط المعتدة أجنبي عالما فلا يؤثر كما لا يؤثر وطؤه
وإن خالط بشبهة فيجوز أن يمنع من الإحتساب كما سبق أنها في زمن الوطء بالشبهة خارجة عن العدة
وجميع ما ذكرناه فيما إذا كانت حائلا فأما المعتدة بالحمل فلا شك أن معاشرتها لا تمنع انقضاء العدة بالوضع

فرع سبق أنه إذا نكح معتدة على ظن الصحة ووطئها لم يحسب
إياها عن عدة الطلاق
ومن أي وقت يحكم بانقضاء العدة فيه أربعة أوجه

أصحها من وقت الوطء لأن النكاح الفاسد لا حرمة له
والثاني من حين يخلو بها ويعاشرها وإن لم يطأ
والثالث من وقت العقد إن اتصل به زفاف وإلا فلا
والرابع من وقت العقد وإن لم يتصل به زفاف وبه قال القفال الشاشي لأنها بالعقد معرضة عن العدة

فرع من نكح معتدة من غيره جاهلا ووطئها لم تحرم عليه على
هذا هو المذهب ونصه في الجديد
وعن القديم أنها تحرم أبدا ومنهم من أنكر القديم
وذكر الذين أثبتوه وجهين في أن التحريم المؤبد يشترط فيه تفريط الحاكم كاللعان أم لا كالإرضاع ونقل الروياني إجراء القديم في كل وطء يفسد النسب كوطء زوجة الغير أو أمته بالشبهة
فصل طلق رجعيا ثم راجعها انقضت العدة فإن طلقها بعده فلها حالان

أحدهما أن تكون حائلا فإن وطئها بعد الرجعة لزمها استئناف العدة وإلا لزمها الإستئناف أيضا على الجديد الأظهر
وفي القديم تبني على العدة السابقة
فعلى هذا لو راجعها في خلال الطهر فهل يحسب ما مضى من الطهر قرءا وجهان
أحدهما نعم لأن بعض القرء كالقرء
فعلى هذا إذا كانت الرجعة في خلال الطهر الثالث ثم طلقها فلا شىء عليها على قول البناء لتمام الأقراء بما مضى وأصحهما لا بل عليها في هذه الصورة قرء ثالث وإنما يجعل بعض الطهر من آخره قرءا لاتصاله بالحيض ودلالته على البراءة بخلاف بعض الأول
الحال الثاني أن تكون حاملا فإن طلقها ثانية قبل الولادة انقضت عدتها بالولادة وطئها أم لا
وإن ولدت ثم طلقها فإن وطئها قبل الولادة أو بعدها لزمها استئناف العدة بالأقراء وإن لم يطأ استأنفت أيضا على المذهب

وقيل وجهان أصحهما هذا والثاني لا عدة عليها وتنقضي عدتها بالوضع هذا كله إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها
فلو طلقها ولم يراجعها ثم طلقها أخرى فالمذهب أنها تبني على العدة الأولى لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة فصار كما لو طلقها طلقتين معا
وقال ابن خيران والإصطخري والقفال في وجوب الإستئناف قولان كما في الحال الأول
ولو راجعها ثم خالعها فإن جعلنا الخلع طلاقا فهو كما لو طلقها بعد الرجعة وإن جعلناه فسخا فطريقان
أحدهما أن وجوب الإستئناف على القولين
والثاني القطع بالإستئناف لأن الفسخ ليس من جنس الطلاق فلا تبنى عدة أحدهما على الآخر وهذا الطريق أظهر عند الروياني ويجري الطريقان في سائر الفسوخ مثل أن ينكح عبد أمة ثم يطلقها رجعيا ثم تعتق هي ويفسخ النكاح

فرع إذا طلق المدخول بها على عوض أو خالعها فله أن ينكحها
ونقل في المهذب عن المزني أنه لا يجوز كما لا يجوز لغيره وهذا غريب
فإذا نكحها فعن ابن سريج أنه لا تنقطع عدتها مالم يطأها كما لو تزوجها أجنبي في العدة جاهلا والصحيح أنها تنقطع بنفس النكاح لأن نكاحه صحيح وزوجته المباحة لا يجوز أن تكون معتدة منه فعلى هذا لو طلقها بعد التجديد نظر إن كانت حاملا انقضت عدتها بوضع الحمل وإن كانت حائلا ولم يدخل بها بنت على العدة السابقة ولم يلزمه إلا نصف المهر لأن هذا النكاح جديد طلقها فيه قبل المسيس فلا يتعلق به العدة ولا كمال المهر بخلاف ما سبق في الرجعية فإنها تعود بالرجعة إلى ذلك النكاحوإن دخل بها لزمها استئناف العدة وتدخل في العدة المستأنفة بقية العدة السابقة ولو مات عنها بعد التجديد فالمذهب وبه قطع البغوي وغيره أنه يكفيها

عدة الوفاة وتسقط بقية العدة السابقة كما لو مات عن رجعية
وذكر الغزالي في اندراج تلك البقية في عدة الوفاة وجهين لاختلاف الجنس

فصل في مسائل تتعلق بالباب إحداها نكح معتدة عن وفاة ووطئها جاهلا
فأتت بولد يمكن كونه من كل منهما ولا قائف انقضت بوضعه عدة أحدهما وعليها بعده أكثر الأمرين من بقية عدة الوفاة بالأشهر وثلاثة أقراء
الثانية وطىء الشريكان المشتركة لزمها استبراءان على الصحيح كما لا تتداخل العدتان وقيل يكفي استبراء
الثالثة أحبل إمرأة بشبهة ثم نكحها ومات قبل ولادتها فهل تنقضي عدتها بوضع الحمل أم بأكثر الأجلين من وضع الحمل ومدة عدة الوفاة وجهان
ولو طلقها بعد الدخول ففي انقضاء العدتين بالوضع الوجهان وبالله التوفيق
الباب الثالث في عدة الوفاة
والمفقود إذا مات زوجها لزمها عدة الوفاة بالنصوص والإجماع فإن كانت حائلا فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها ويستوي فيها الصغيرة والكبيرة وذات الأقراء وغيرها والمدخول بها وغيرها وزوجة الصبي والممسوح وغيرهما وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن
فإن مات في خلال شهر وكان الباقي منه أكثر من عشرة أيام عدت ما بقي وحسبت بعدة ثلاثة أشهر بالأهلة وتكمل ما بقي من شهر الوفاة ثلاثين من الشهر الواقع بعد الثلاثة وتضم إليه عشرة

أيام وإن كان الباقي من شهر الوفاة أقل من عشرة أيام حسبت بعد أربعة أشهر بالأهلة ثم تكمل بقية العشرة من الشهر السادس
وإن كان الباقي عشرة أيام بلا زيادة ولا نقص اعتدت بها وبأربعة أهلة بعدها
ولنا وجه شاذ أنه إن انكسر شهر انكسر الجميع واعتبرت كلها بالعدد والصواب الأول
وإن انطبق الموت على أول الهلال حسبت أربعة أشهر بالأهلة وضمت إليها عشرة أيام من الشهر الخامس
ولو كانت محبوسة لا تعرف الإستهلال اعتدت بمائة وثلاثين يوما والأمة تعتد بنصف عدة الحرة وهو شهران وخمسة أيام
وسواء رأت في المدة دم حيض أم لم تره ولو مات الزوج والمرأة في عدة طلاقه فإن كانت رجعية سقطت عنها عدة الطلاق وانتقلت إلى عدة الوفاة حتى يلزمها الإحداد ولا تستحق النفقة وإن كانت بائنا أكملت عدة الطلاق ولها النفقة إذا كانت حاملا ولا تنتقل إلى عدة الوفاة حاملا كانت أو حائلا
أما إذا كانت المتوفى عنها حاملا فعدتها بوضع الحمل بشرطه السابق في عدة الطلاق وسواء تعجل الوضع أو تأخر

فرع عدة الوفاة تختص بالنكاح الصحيح فلو نكح فاسدا ومات قبل الدخول
فلا عدة وإن دخل ثم مات أو فرق بينهما اعتدت للدخول كما تعتد عن الشبهة
فرع طلق إحدى امرأتيه ومات قبل أن تبين التي أرادها أو تعين
إن أبهم نظر إن لم تكونا ممسوستين أو كانتا من ذوات الأشهر فعلى كل منهما عدة الوفاة وإن كانتا حاملتين فعدتهما بالحمل وإن كانتا من ذوات الأقراء

نظر إن أراد واحدة معينة لزم كل واحدة الإعتداد بأقصى الأجلين من عدة الوفاة وثلاثة أقراء وتحسب عدة الوفاة من حين الموت وتحسب الأقراء من وقت الطلاق على الصحيح وقيل من حين الموت هذا في الطلاق البائن فإن كان رجعيا فالرجعة تنتقل إلى عدة الوفاة فعلى كل واحدة عدة الوفاة
وإن أبهم الطلاق بني على أنه لو عين هل يقع الطلاق من حين اللفظ أم من وقت التعيين
إن قلنا من اللفظ فهو كما لو أراد معينة وإن قلنا من التعيين فوجهان
أصحهما أن عليهما الإعتداد بأقصى الأجلين أيضا لكن الأقراء هنا تحسب من يوم الموت
والثاني أن كل واحدة تعتد بعدة الوفاة لأنه كمن لم يطلق ولو اختلف حال المرأتين فكانت إحداهما ممسوسة أو حاملا أو ذات أقراء والأخرى بخلافها عملت كل واحدة بمقتضى الإحتياط في حقها كما سبق

فصل الغائب عن زوجته إن لم ينقطع خبره فنكاحه مستمر وينفق عليها
الحاكم من ماله إن كان في بلد الزوجة مال فإن لم يكن كتب إلى حاكم بلده ليطالبه بحقها وإن انقطع خبره ولم يوقف على حاله حتى يتوهم موته فقولان
الجديد الأظهر أنه لا يجوز لها أن تنكح غيره حتى يتحقق موته أو طلاقه ثم تعتد
والقديم أنها تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة ثم تنكح ومما احتجوا به للجديد أن أم ولده لا تعتق ولا يقسم ماله والأصل الحياة والنكاح وأنكر بعضهم القديم
وسواء فيما ذكرناه المفقود في جوف البلد أو في السفر وفي القتال ومن انكسرت سفينته ولم يعلم حاله
وإن أمكن حمل انقطاع الخبر على شدة البعد والإيغال في الأسفار فقد حكى الإمام في إجراء القول القديم تردد والأصح إجراؤه
ويتفرع على القولين صور

إحداها إذا قلنا بالقديم تربصت أربع سنين ثم يحكم الحاكم بالوفاة وحصول الفرقة فتعتد عدة الوفاة ثم تنكح وهل تفتقر مدة التربص إلى ضرب القاضي أم لا ويحسب من وقت انقطاع الخبر فيه وجهان ويقال قولان اصحهما عند كثير من الأئمة يفتقر ولا تحسب ما مضى قبله فإذا ضرب القاضي المدة فمضت فهل يكون حكما بوفاته أم لا بد من استئناف حكم وجهان
أصحهما الثاني
وإذا حكم الحاكم بالفرقة فهل ينفذ ظاهرا وباطنا أم ظاهرا فقط وجهان أو قولان
قلت أصحهما الثاني
والله أعلم
الثانية إذا حكم القاضي بمقتضى القديم فهل ينقض حكمه تفريعا على الجديد وجهان
أصحهما نعم
الثالثة إذا نكحت على مقتضى القديم ثم بان الزوج ميتا وقت الحكم بالفرقة ففي صحة النكاح على الجديد وجهان بناء على بيع مال أبيه مع ظن الحياة إذا بان ميتا
الرابعة طلقها المفقود أو آلى منها أو ظاهر أو قذفها فإن كان قبل الحكم بالفرقة فلهذه التصرفات أحكامها من الزوج قطعا وإن كان بعده فقال الأصحاب على الجديد تلزم أحكامها وليكن هذا تفريعا على أنه ينقض على الجديد حكم من حكم بالقديم
وأما إذا قلنا بالقديم فإن قلنا ينفذ الحكم ظاهرا فقط ثبت أحكام هذه التصرفات وإن قلنا ينفذ ظاهرا وباطنا فهو كالأجنبي يباشرها
الخامسة نفقتها واجبة على المفقود لأنها مسلمة نفسها فإن رفعت الأمر

إلى القاضي وطلبت الفرقة فنفقة مدة التربص عليه لأنها محبوسة عليه بعد فإن انقضت وحكم القاضي بالفرقة والإعتداد
فإن قلنا بالقديم فلا نفقة لها في مدة العدة لأنها عدة الوفاة
وفي السكنى قولان وإن قلنا بالجديد فالنفقة على المفقود لأنها زوجته ويستمر ذلك حتى تنكح
فحينئذ تسقط لأنها ناشزة بالنكاح وإن كان فاسدا
وعن القاضي أبي الطيب القطع بالنفقة في مدة العدة على القولين كمدة التربص والمذهب الأول وإذا فرق بينهما وقد عاد المفقود وسلمت إليه عادت نفقتها عليه فإن كان الثاني دخل بها لم يلزم المفقود نفقة زمان العدة وإن لم يعد المفقود وعادت هي بعد التفريق إلى بيته ففي عود النفقة قولان
وقيل إن نكحت بنفسها بغير حكم حاكم عادت النفقة وإلا فلا
قال الروياني الأظهر أنها لا تعود وينبغي أن يقطع به إذا لم يعلم الزوج عودها إلى الطاعة
قال وهو الذي ذكره القفال وأما النفقة على الزوج الثاني فلا يخفى حكمها على القديم وأما على الجديد فلا نفقة لزمن الإستفراش إذ لا زوجية فإن أنفق لم يرجع عليها لأنه متطوع إلا أن يلزمه الحاكم فيرجع عليها على الصحيح وقيل على الزوج الأول
وإذا شرعت في عدة الثاني فلا نفقة إلا أن تكون حاملا فقولان بناء على أن النفقة للحمل أم للحامل
السادسة إذا ظهر المفقود فإن قلنا بالجديد فهي زوجته بكل حال فإن نكحت لم يطأها المفقود حتى تنقضي عدة الناكح وإن قلنا بالقديم ففيه طرق
أحدها عن أبوي علي ابن أبي هريرة والطبري أن الحكم كذلك لأنا تيقنا الخطأ في الحكم بموته فصار كمن حكم بالإجتهاد ثم وجد النص بخلافه وهذا أصحهما عند الروياني
الثاني إن قلنا ينفذ الحكم بالفرقة ظاهرا فقط

فالحكم كما ذكرنا
وإن قلنا ينفذ ظاهرا وباطنا فقد ارتفع نكاح الأول كالفسخ بالإعسار
فإن نكحت فهي زوجة الثاني
قاله أبو إسحق
والثالث عن إبي إسحق أيضا إن ظهر وقد نكحت لم ترد إلى المفقود وإن لم تنكح ردت إليه وإن حكم الحاكم بالفرقة
والرابع لا ترد إلى الأول قطعا
والخامس عن الكرابيسي عن الشافعي رحمهما الله تعالى أن المفقود بالخيار بين أن ينزعها من الثاني وبين أن يتركها ويأخذ منه مهر المثل
ومستنده أن عمر رضي الله عنه قضى به
وعن القاضي حسين زيادة فيه وهي أنه إن فسخ غرم الثاني مهر مثلها
والسادس أن نكاح الأول كان ارتفع بلا خلاف لكن إذا ظهر المفقود هل يحكم ببطلان نكاح الثاني وجهان
أصحهما لا لكن للمفقود الخيار كما ذكرنا
وإذا قلنا نكاح الثاني باطل فهل نقول وقع صحيحا ثم إذا ظهر المفقود بطل أم نقول نتبين بظهور المفقود أنه وقع باطلا وجهان
فعلى الثاني يجب مهر المثل إن جرى دخول وإلا فلا شىء وعلى الأول الواجب المسمى أو نصفه ولو ظهر المفقود وقد نكحت وماتت فهل يرثها الأول أم الثاني يخرج على هذه الطرق
السابعة إذا نكحت على مقتضى القديم وأتت بولد يمكن كونه من الثاني وجاء المفقود ولم يدع الولد فهو للثاني لأن بمضي أربع سنين يتحقق براءة الرحم من المفقود وإن ادعاه فوجهان
أصحهما يسأل عن جهة ادعائه فإن قال هو ولدي ولدته زوجتي على فراشي قلنا له هذه دعوى باطلة لأن الولد لا يبقى في الرحم هذه المدة وإن قال قدمت عليها في أثناء هذه المدة فوطئتها وكان قوله محتملا عرض الولد على القائف والوجه الثاني يعرض على القائف من غير بحت واستقصاء
وذكر الروياني أن الوجهين أخذا من وجهين نقلا في أن هذه المرأة لو أتت بولد من غير أن تتزوج هل يلحق المفقود إن

قلنا نعم فلا حاجة إلى السؤال وإن قلنا لا وهو الأصح فلا بد منه وحيث قلنا الولد للثاني وحكمنا ببقاء النكاح الأول فله منعها من إرضاع الولد إلا اللبأ الذي لا يعيش إلا به وكذا إذا لم يوجد مرضعة غيرها ثم إن لم تخرج من بيت الزوج وأرضعته فيه ولم يقع خلل في التمكين فعلى الزوج نفقتها سواء وجب الإرضاع أم لا وإن خرجت للإرضاع بغير إذنه سقطت نفقتها وإن خرجت له بإذنه فوجهان بناء على ما لو سافرت بإذنه لحاجتها وإن كان الإرضاع واجبا فعليه أن يأذن
الثامنة نكحت على مقتضى القديم ووطئها الثاني ثم علم أن الأول كان حيا وقت نكاحه وأنه مات بعد ذلك فإن قلنا تقع الفرقة ظاهرا وباطنا فهي زوجة الثاني ولا يلزمها بموت الأول عدة وإن قلنا لا فرقة باطنا فعليها عدة الوفاة عن الأول لكن لا تشرع فيها حتى يموت الثاني أو يفرق بينها وبينه وحينئذ تعتد للأول عدة الوفاة ثم للثاني بثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر
وإن مات الثاني أولا أو فرق بينهما شرعت في الأقراء
فإن تمت الأقراء ثم مات الأول اعتدت عن الأول عدة الوفاة وإن مات الأول قبل تمام الأقراء فوجهان
أصحهما تنقطع الأقراء فتعتد عن الأول للوفاة ثم تعود إلى بقية الأقراء
والثاني تقدم ما شرعت فيه وإن ماتا معا أو لم يعلم السابق منهما اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام وبعدها بثلاثة أقراء لتبرأ من العدتين بيقين
ولو لم يعلم موتهما حتى مضت أربعة أشهر وعشرة أيام وثلاثة أقراء بعدها فقد انقضت العدتان ولو كانت حاملا من الثاني اعتدت منه بالوضع ثم تعتد عن الأول عدة الوفاة والأصح أنه يحسب منها زمن النفاس لأنه ليس من عدة الثاني وقيل لا يحسب لتعلقه بالحمل

فرع زوجة الغائب إذا أخبرها عدل بوفاة زوجها جاز لها فيما
وبين الله تعالى أن تتزوج لأن ذلك خبر لا شهادة ذكره القفال
فصل يجب على المعتدة الإحداد في عدة الوفاة ولا يجب في عدة
لكن روى أبو ثور عن الشافعي رحمهما الله تعالى أنه يستحب لها الإحداد ومن الأصحاب من قال الأولى أن تتزين بما يدعو الزوج إلى رجعتها
وفي عدة البائن بخلع أو استيفاء الطلقات قولان القديم وجوب الإحداد والجديد الأظهر لا يجب بل يستحب
والمفسوخ نكاحها لعيب ونحوه على القولين
وقيل لا يجب قطعا والمعتدة عن وطء شبهة أو نكاح فاسد وأم الولد لا إحداد عليهن قطعا لعدم الزوجية
وقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قد يحتج به على تحريم الإحداد على أم الولد والمعتدة عن شبهة
فرع الذمية والصبية والمجنونة والرقيقة كغيرهن في الإحداد وولي الصبية والمجنونة يمنعهما مما

فرع في كيفية الاحداد وهو ترك التزين بالثياب والحلي والطيب

النوع الأول الثياب ولا يحرم جنس القطن والصوف والوبر والشعر

والكتان والقصب والدبيقي بل يجوز لبس المنسوج منها على أنواع اختلاف ألوانها الخلقية وإن كانت نفيسة ناعمة لأن نفاستها من أصل الخلقة لا من زينة دخلت عليها
وأما الابريسم فقال الجمهور هو كالكتان فلا يحرم مالم تحدث فيه زينة
وقال القفال يحرم واختاره الإمام والغزالي والمتولي فعلى هذا لا تلبس العتابي الذي غلب فيه الابريسم ولها لبس الخز قطعا
ولو صبغ ما لا يحرم في جنسه نظر في صبغه إن كان مما يقصد منه الزينة غالبا كالأحمر والأصفر حرم لبسه إن كان لينا وكذا إن كان خشنا على المشهور وهو نصه في الأم ويدخل في هذا القسم الديباج المنقش والحرير الملون فيحرمان
والمصبوغ غزله قبل النسج كالبرود حرام على الأصح كالمصبوغ بعد النسج وإن كان الصبغ مما لا يقصد به الزينة بل يعمل للمصيبة واحتمال الوسخ كالأسود والكحلي فلها لبسه وهو أبلغ في الحداد بل في الحاوي وجه أنه يلزمها السواد في الحداد
وإن كان الصبغ مترددا بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق فإن كان براقا صافي اللون فحرام وإن كان كدرا أو مشبعا أو أكهب وهو الذي يضرب إلى الغبرة جاز وأما الطراز على الثوب فإن كان كبيرا فحرام وإلا فثلاثة أوجه ثالثها إن نسج مع الثوب جاز وإن ركب عليه حرم لأنه محض زينة
النوع الثاني الحلي فيحرم عليها لبسه سواء فيه الخلخال والسوار والخاتم وغيرها والذهب والفضة وقال الإمام يجوز لها التختم بخاتم الفضة كالرجل وبالأول قطع الجمهور
وفي اللآلي تردد للإمام وبالتحريم قطع الغزالي وهو الأصح
قال الروياني قال بعض الأصحاب لو كانت تلبس الحلي ليلا وتنزعه نهارا جاز لكنه يكره لغير حاجة فلو فعلته لإحراز المال لم يكره
قال ولو تحلت بنحاس أو رصاص فإن كان مموها بذهب أو فضة أو مشابها

لهما بحيث لا يعرف إلا بتأمل أو لم يكن كذلك ولكنها من قوم يتزينون بذلك فحرام وإلا فحلال
النوع الثالث الطيب فيحرم عليها الطيب في بدنها وثيابها وتفصيل الطيب سبق في كتاب الحج ويحرم دهن رأسها بكل دهن
ولو كان لها لحية حرم دهنها وإن لم يكن في الدهن طيب لأنه زينة ويجوز لها دهن البدن بما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن ولا بما فيه طيب كدهن البان والبنفسج ويحرم عليها أكل طعام فيه طيب ويحرم أن تكتحل بما فيه طيب
وأما ما لا طيب فيه فإن كان أسود وهو الإثمد فحرام على البيضاء قطعا وكذا على السوداء على المشهور والصحيح لإطلاق الأحاديث فيه فإن احتاجت إلى الإكتحال به لرمد وغيره اكتحلت به ليلا ومسحته نهارا فإن دعت ضرورة إلى الإستعمال نهارا أيضا جاز ويجوز استعماله في غير العين إلا الحاجب فإنه تتزين به فيه
وأما الكحل الأصفر وهو الصبر فحرام على السوداء وكذا على البيضاء على الأصح لأنه يحسن العين
ويحرم أيضا أن تطلي به وجهها لأنه يصفر الوجه فهو كالخضاب
وأما الكحل الأبيض كالتوتياء ونحوه فلا يحرم إذ لا زينة فيه
وقيل يحرم على البيضاء حيث تتزين به والصحيح الأول ويحرم الدمام وهو ما يطلى به الوجه للتحسين
وقيل هو الكلكون الذي يحمر الوجه ويحرم الإسفيداج ويحرم أن تخضب بحناء ونحوه فيما ظهر من البدن كالوجه واليدين والرجلين ولا يحرم فيما تحت الثياب ذكره الروياني
والغالية وإن ذهبت ريحها كالخضاب
قال الإمام وتجعيد الأصداغ وتصفيف الطرة لا نقل فيه ولا يمنع أن يكون كالحلي

فرع يجوز للمحدة التزيين في الفرش والبسط والستور وأثاث البيت لأن الحداد
في

البدن لا الفرش ويجوز التنظيف بغسل الرأس والامتشاط ودخول الحمام وقلم الأظفار والإستحداد وإزالة الأوساخ فإنها ليست من الزينة

فرع إذا لم نوجب الإحداد على المبتوتة ففي تحريم التطيب وجهان لأنه
يحرك الشهوة
فرع يجوز لها الإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام فما دونها صرح
المتولي والغزالي في البسيط للحديث الصحيح الذي ذكرناه
فرع لو تركت الإحداد الواجب عليها في كل المدة أو بعضها عصت
عدتها
وكذا لو تركت ملازمة المسكن وخرجت من غير حاجة عصت وانقضت عدتها بمضي المدة كما لو بلغها وفاة الزوج بعد مضي أربعة أشهر وعشر كانت العدة منقضية وبالله التوفيق
الباب الرابع في السكنى
المعتدة عن طلاق رجعي أو بائن بخلع أو باستيفاء الطلقات تستحق السكنى حاملا كانت أو حائلا وكذا المعتدة عن وفاة على الأظهر
وأما المعتدة عن النكاح بفرقة غير الطلاق في الحياة كالفسخ بردة أو إسلام أو رضاع أو عيب ونحوه ففيها خمسة طرق
أحدها على قولين كالمعتدة عن وفاة

والثاني إن كان لها مدخل في ارتفاع النكاح بأن فسخت بخيار العتق أو بعيب الزوج أو فسخ بعيبها فلا سكنى قطعا وإن لم يكن بأن انفسخ بإسلامه أو ردته أو إرضاع أجنبي ففي استحقاقها السكنى القولان
والثالث إن كان لها مدخل فلا سكنى وإلا فلها السكنى قطعا
والرابع ذكره البغوي إن كانت الفرقة بعيب أو غرور فلا سكنى وإن كانت برضاع أو مصاهرة أو خيار عتق فلها السكنى على الأصح لأن السبب لم يكن موجودا يوم العقد ولا استند إليه
قال والملاعنة تستحق قطعا كالمطلقة ثلاثا
والخامس القطع بأنها تستحق السكنى لأنها معتدة عن نكاح بفرقة في الحياة كالمطلقة
قال المتولي هذا هو المذهب
وأما المعتدة عن وطء شبهة أو نكاح فاسد وأم الولد إذا أعتقها سيدها فلا سكنى لهن هذا بيان السكنى وأما النفقة والكسوة فمؤخرتان إلى كتاب النفقات

فرع الصغيرة التي لا تحتمل الجماع هل تستحق النفقة فيه خلاف يأتي
في النفقات إن شاء الله تعالى
فإن قلنا تستحقها استحقت السكنى في العدة وإلا فلا والأمة المزوجة ذكرنا أنه ليس على السيد أن يسلمها ليلا ونهارا بل له استخدامها نهارا وكذا الحكم في زمن العدة فإن سلمها ليلا ونهارا أو رفع اليد عنها استحقت السكنى
وإن كان يستخدمها نهارا فقد ذكرنا خلافا في استحقاقها النفقة في صلب النكاح
فإن استحقتها استحقت السكنى في العدة وإلا فلا لكن للزوج أن يسكنها حالة فراغها من خدمة السيد لتحصينها
فرع إذا طلقها وهي ناشزة فلا سكنى لها في العدة لأنها لا
النفقة والسكنى

في صلب النكاح فبعد البينونة أولى كذا قاله القاضي حسين والمتولي وزاد المتولي فقال وكذا لو نشزت في العدة سقطت سكناها
فلو عادت إلى الطاعة عاد حق السكنى
قال الإمام إذا طلقت في مسكن النكاح فعليها ملازمته لحق الشرع فإن أطاعت استحقت السكنى وعبر بعضهم عن كلام الإمام بأنها إن نشزت على الزوج في بيته فلها السكنى في العدة وإن خرجت من بيته واستعصت عليه فلا سكنى

فصل من استحقت السكنى من المعتدات تسكن في المسكن الذي كانت فيه
عند الفراق إلا أن يمنع منه مانع كما سيأتي إن شاء الله تعالى فليس للزوج ولا لأهله إخراجها منه ولا يجوز لها الخروج
فلو اتفق الزوجان على أن تنتقل إلى مسكن آخر من غير حاجة لم يجز وكان على الحاكم المنع منه
ولو انتقلت في صلب النكاح من مسكن إلى آخر بغير إذن الزوج ثم طلقها أو مات لزمها أن ( تعود إلى الأول وتعتد فيه ولو أذن لها بعد الإنتقال أن ) تقيم فيه كان كما لو انتقلت بإذنه
وإذا انتقلت بالإذن ثم طلق أو مات اعتدت في المنتقل إليه لأنه المسكن عند الفراق وإن خرجت فطلقها قبل وصولها إلى الثاني المأذون فيه فهل تعتد في الثاني أم في الأول أم في أقربهما إليها أم تتخير فيهما فيه أوجه أصحها أولها وهو نصه في الأم لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول والإعتبار بالإنتقال ببدنها لا بالأمتعة والخدم والزوج ولو أذن في الإنتقال إلى الثاني فانتقلت ثم عادت إلى الأول لنقل متاع وغيره فطلقها فالمسكن هو الثاني فتعتد فيه كما لو خرجت لحاجة فطلقها وهي خارجة
ولو أذن لها في الإنتقال إلى بلد آخر ثم طلقها أو مات فحكمه كما ذكرنا فيما لو أذن في الإنتقال من مسكن إلى مسكن فإن وجد سبب الفراق بعد الإنتقال

إلى البلد الثاني اعتدت فيه وإن وجد قبل مفارقة عمران الأول لم تخرج بل تعود إلى المسكن وتعتد فيه وإن كان في الطريق فعلى الأوجه
وإن أذن في السفر لغير النقلة نظر إن تعلق بغرض مهم كتجارة وحج وعمرة واستحلال عن مظلمة ونحوها ثم حدث سبب الفرقة نظر إن كان حدث قبل خروجها من المسكن لم تخرج بلا خلاف
وإن خرجت منه على قصد السفر ولم تفارق عمران البلد فالأصح عند الجمهور أنه يلزمها العود إلى المسكن لأنها لم تشرع في السفر
والثاني تتخير بين العود والمضي في السفر لأن عليها ضررا في إبطال سفرها وفوات غرضها
والثالث إن كان سفر حج تخيرت وإلا فيلزم العود وإن حدث سبب الفرقة في الطريق تخيرت بين العود والمضي
وقيل إن حدث بعد مسيرة يوم وليلة تخيرت وإن حدث قبله تعين العود وليس بشيء وإذا خيرناها فاختارت العود إلى المسكن والإعتداد فذاك وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه الأفضل وإن اختارت المضي إلى المقصد فلها أن تقيم فيه إلى انقضاء حاجتها فلو انقضت قبل تمام مدة إقامة المسافرين فالمذكور في التهذيب و الوسيط وغيرهما أن لها أن تقيم تمام مدة المسافرين وحكى الروياني هذا عن بعضهم ثم غلط قائله وقال نهاية سفرها قضاء الحاجة لا غير
قلت الأصح أنه لا يجوز أن تقيم بعد قضاء الحاجة وبه قطع صاحب المهذب والجرجاني والرافعي في المحرر وآخرون
والله أعلم
وإن كان أذن لها في سفر نزهة فبلغت المقصد ثم حدث ما يوجب العدة فإن لم يقدر الزوج مدة لم تقم أكثر من مدة المسافرين وإن قدر فهل الحكم كذلك أم لها استيفاء المدة المقدرة قولان
أظهرهما الثاني ويجريان فيما لو قدر في الحاجة مدة تزيد على قدر الحاجة لأن الزائد كالنزهة
ففي قول يجب الإنصراف إذا انقضت الحاجة
وفي قول تقيم المأذون فيه ويجريان فيما

لو أذن في الإنتقال إلى مسكن آخر في البلد مدة قدرها ثم طلقها أو مات كذا حكاه الروياني عن نصه في الأم وفي الوسيط أن الطلاق يبطل تلك المدة ويجريان فيما لو أذن لها في الإعتكاف مدة ولزمتها العدة قبل مضي المدة هل لها إدامة الإعتكاف إلى تمام المدة أم يلزمها الخروج لتعتد في المسكن فإن لم يلزمها الخروج فخرجت بطل اعتكافها ولم يكن لها البناء عليه إذا كان منذورا وإن ألزمناها فهل يبطل بالخروج أم يجوز البناء وجهان
أصحهما الثاني
وإن حدث سبب العدة في سفر النزهة قبل بلوغها المقصد فحيث قلنا في سفر الحاجة يجب الإنصراف فهنا أولى
وحيث قلنا لا يجب فهنا وجهان
وقطع صاحب الشامل بأنه كسفر الحاجة
وأما سفر الزيارة فكسفر النزهة على ظاهر النص وقيل كسفر الحاجة ثم إذا انتهت مدة جواز الإقامة في هذه الأحوال فعليها الإنصراف في الحال إن لم تكن انقضت مدة العدة بتمامها لتعتد بقية العدة في المسكن
فإن كان الطريق مخوفا أو لم تجد رفقة عذرت في التأخير
فلو علمت أن البقية تنقضي في الطريق ففي لزوم العود وجهان
أصحهما يلزمها وهو نصه في الأم ليكون أقرب إلى موضع العدة ولأن تلك الإقامة غير مأذون فيها والعود مأذون فيه هذا كله إذا أذن لها في السفر
فأما إذا خرجت مع الزوج ثم طلقها أو مات فعليها الإنصراف ولا تقيم أكثر من مدة المسافرين إلا إذا كان الطريق مخوفا أو لم تجد رفقة
وهذا إذا كان سفره لغرضه واستصحبها ليستمتع بها
فأما إذا كان السفر لغرضها وخرج بها فليكن الحكم كما لو أذن لها فخرجت
وفي لفظ المختصر ما يشعر بهذا

فرع أذن لها في الإحرام بحج وعمرة ثم طلقها قبل الإحرام فلا
ولا تنشىء السفر بعد لزوم العدة فلو أحرمت فهو كما لو أحرمت بعد الطلاق

بغير إذن وحكمه أن لا يجوز لها الخروج في الحال وإن كان الحج فرضا ( بل ) يلزمها أن تقيم وتعتد لأن لزوم العدة سبق الإحرام فإذا انقضت العدة أتمت عمرتها إن كانت معتمرة وكذا الحج إن بقي وقته فإن فات تحللت بأفعال العمرة ولزمها القضاء ودم الفوات
ولو أحرمت أولا بإذن الزوج أو بغير إذنه ثم طلقها فإن كانت تخشى فوات الحج لضيق الوقت خرجت إلى الحج معتدة لأن الإحرام سبق العدة مع أنه في خروجها يحصل الحج والعدة وإن كانت لا تخشى فوات الحج أو أقامت للعدة أو كان الإحرام بعمرة فوجهان
أحدهما وهو مذكور في المهذب يلزمها أن تقيم للعدة ثم تخرج جمعا بين الحقين
وأصحهما وبه قطع الشيخ أبو حامد والأكثرون تتخير بين أن تقيم وبين أن تخرج في الحال لأن مصابرة الإحرام مشقة

فرع منزل البدوية وبيتها من صوف ووبر وشعر كمنزل الحضرية من طين
وحجر فإذا لزمتها العدة فيه لزمها ملازمته فإن كان أهلها نازلين على ما لا ينتقلون عنه ولا يظعنون إلا لحاجة فهي كالحضرية من كل وجه
وإن كانوا ينتقلون شتاء أو صيفا فإن ارتحلوا جميعا ارتحلت معهم للضرورة وإن ارتحل بعضهم نظر إن كان أهلها ممن لم يرتحل وفي المقيمين قوة وعدد فليس لها الإرتحال
وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة وعدد فوجهان أحدهما ليس لها الإرتحال بل تعتد هناك لتيسره وأصحهما تتخير بين أن تقيم وبين أن ترتحل لأن مفارقة الأهل عسرة موحشة
ولو هرب أهلها خوفا من عدو ولم ينتقلوا ولم تخف هي لم يجز لها الإرتحال لأن المرتحلين يعودون إذا أمنوا ولو ارتحلت حيث يجوز الإرتحال ثم أرادت الإقامة في قرية في الطريق والإعتداد فيها جاز لأنه أليق بحال المعتدة من السير

فرع طلقها أو ماتت وهي في سفينة فإن ركبتها مسافرة فحكم
سبق وإن كان الزوج ملاحا ولا منزل له سوى السفينة فإن كانت سفينة كبيرة فيها بيوت متميزة المرافق اعتدت في بيت منها معتزلة عن الزوج وسكن الزوج بيتا آخر وإن كانت صغيرة نظر إن كان معها محرم لها يمكن أن يعالج السفينة خرج الزوج واعتدت هي فيها وإلا فتخرج هي وتعتد في أقرب المواضع إلى الشط وإذا تعذر خروجه وخروجها فعليها أن تستتر وتبعد منه بقدر الإمكان هكذا ذكره صاحب الشامل و التهذيب وغيرهما وفيه إشعار بأنه لا يجوز لها الخروج من السفينة إذا أمكن الإعتداد فيها وقد صرح به آخرون ونقل الروياني في كتبه أنها تتخير بين أن تعتد في السفينة وبين أن تخرج فتعتد خارجها
فإن اختارت السفينة نظرنا حينئذ هل هي صغيرة أم كبيرة وراعينا التفصيل المذكور وذكر فيما إذا اختارت الخروج وجهين أصحهما وبه قال الماسرجسي تعتد في أقرب القرى إلى الشط
والثاني وبه قال أبو إسحق تعتد حيث شاءت
فرع إذا خرجت الزوجة إلى غير الدار المألوفة أو غير البلد المألوف
ثم طلقها واختلفا فقالت أذنت لي في الإنتقال فاعتد في المنزل الثاني وقال إنما أذنت لك في النزهة أو في غرض كذا فعودي إلى المنزل الأول فاعتدي فيه في من يصدق منهما اختلاف نص وطرق منتشرة انتشارا كثيرا وحاصلها أن المذهب تصديق الزوج وإذا اختلف الزوجان وتصديقها إذا اختلفت هي ووارث الزوج
وقيل قولان
أحدهما تصديق الزوج والوارث
والثاني تصديقها

لأن الظاهر معها
وقيل إن اتفقا على إذن في الخروج مطلقا وقال الزوج أردت النزهة أو قال ذلك وارثه وقالت بل أردت النقلة فالقول قولها وإن قال قلت اخرجي للنزهة أو قال ذلك وارثه
وقالت بل قلت اخرجي للنقلة فالقول قول الزوج ووارثه
وقيل إن تحول الزوج معها إلى المنزل الثاني فهي المصدقة عليه وعلى وارثه
وإن انفردت بالتحول صدقا عليها
أما إذا اتفقا على جريان لفظ الإنتقال أو الإقامة بأن قال انتقلي إلى موضع كذا أو اخرجي إليه وأقيمي به قال الزوج ضممت إليه للنزهة أو شهرا أو نحوهما وأنكرت الزوجة هذه الضميمة أو قال ذلك وارثه فالقول قولها لأن الأصل عدم هذه الضميمة

فصل يجب على المعتدة ملازمة مسكن العدة فلا تخرج إلا لضرورة أو
عذر فإن خرجت أثمت وللزوج منعها وكذا لوارثه عند موته وتعذر في الخروج في مواضع
منها إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق فلها الخروج سواء فيه عدة الوفاة والطلاق وكذا لو لم تكن الدار حصينة وخافت لصوصا أو كانت بين فسقة تخاف على نفسها أو تتأذى من الجيران أو الأحماء تأذيا شديدا أو تبذو أو تستطيل بلسانها عليهم يجوز إخراجها من المسكن ثم في التهذيب أنها إذا بذت على أحمائها سقطت سكناها وعليها أن تعتد في بيت أهلها والذي ذكره العراقيون والروياني والجمهور أنه ينقلها الزوج إلى مسكن آخر ويتحرى القرب من مسكن العدة
ثم موضع النقل بالبذاء ما إذا كانت الأحماء معها في دار تسع جميعهم وإن كانت ضيقة لا تسع جميعهم نقل الزوج الأحماء وترك الدار لها وإن كان الأحماء في دار أخرى لم ينقل المعتدة بالبذاء عن دارها ونقل المتولي أنها تنقل لإيذاء الجيران كما تنقل

لإيذاء الأحماء
فعلى هذا إذا كانت في دار والأحماء في القرى فإنها لا تنتقل بالبذاء إذا لم تكن الداران متجاورتين ولو كان البذاء من الأحماء دونها نقلوا دونها ولو كانت في دار أبويها لكون الزوج كان يسكن دارهما فبذت على الأبوين أو بذا الأبوان عليها لم ينقل واحد منهم لأن الشر والوحشة لا تطول بينهم فلو كان أحماؤها في دار أبويها أيضا وبذت عليهم نقلوا دونها لأنها أحق بدار أبويها
ومنها إذا احتاجت إلى شراء طعام أو قطن أو بيع غزل ونحو ذلك نظر إن كانت رجعية فهي زوجته فعليه القيام بكفايتها فلا تخرج إلا بإذنه
قال المتولي وكذا الحكم في الجارية المشتراة والمسيبة في مدة الإستبراء
وأما سائر المعتدات فيجوز المعتدة عن وفاة الخروج لهذه الحاجات نهارا وكذا لها أن تخرج بالليل إلى دار بعض الجيران للغزل والحديث لكن لا تبيت عندهم بل تعود إلى مسكنها للنوم
وحكم العدة عن شبهة أو نكاح فاسد حكم عدة الوفاة
قال المتولي إلا أن تكون حاملا
وقلنا إنها تستحق النفقة فلا يباح لها الخروج
وفي البائن بطلاق أو فسخ قولان
القديم ليس لها الخروج والجديد جوازه كالمتوفى عنها قال المتولي هذا في الحائل أما الحامل إذا قلنا تعجل نفقتها فهي مكفية فلا تخرج إلا لضرورة
ومنها لو لزمها عدة وهي في دار الحرب لزمها أن تهاجر إلى دار الإسلام
قال المتولي إلا أن تكون في موضع لا تخاف على نفسها ولا على دينها فلا تخرج حتى تعتد

ومنها إذا لزمها حق واحتيج إلى استيفائه فإن أمكن استيفاؤه في مسكنها كالدين والوديعة فعل وإن لم يمكن واحتيج فيه إلى الحاكم بأن توجه عليها حد أو يمين في دعوى فإن كانت برزة خرجت وحدت أو حلفت ثم تعود إلى المسكن وإن كانت مخدرة بعث الحاكم إليها نائبا أو أحضرها بنفسه
ومنها إذا كان المسكن مستعارا أو مستأجرا فرجع المعير أو مضت المدة أو طلبه المالك فلا بد من الخروج
ومنها البدوية تفارق المنزل وترتحل مع القوم إذا ارتحلوا

فرع لا تعذر في الخروج لأغراض تعد من الزيادات دون المهمات كالزيارة
والعمارة واستنماء المال بالتجارة وتعجيل حجة الإسلام وأشباهها
فرع زنت المعتدة عن وفاة في عدتها وهي بكر فعلى السلطان تغريبها
ولا يؤخره إلى انقضاء عدتها وقيل لا تغريب والصحيح الأول
فصل على الزوج أن يسكن مستحقة السكنى من المعتدات مسكنا يصلح لمثلها
فإن كان مسكن النكاح كذلك فلا معدل عنه
وحيث قلنا تجب ملازمة مسكن النكاح فهذا مرادنا به فإن أسكنها في النكاح دارا فوق سكنى مثلها فطلقها وهي فيها فله أن لا يرضى الآن وينقلها إلى دار بصفة استحقاقها ولو رضيت بدار خسيسة فطلقها وهي فيها فلها أن تطلب النقل إلى ما يليق بها ويلزمه الإبدال
وفي الصورتين احتمال ذكره في البسيط والمعروف للأصحاب ما سبق

وينبغي أن ينقلها إلى مسكن قريب من موضعها الأول ولا تنقل إلى الأبعد مع وجود الأقرب
وظاهر كلام الأصحاب أن رعاية هذا القريب واجبة واستبعد الغزالي الوجوب وتردد في الإستحباب

فصل يحرم على الزوج مساكنة المعتدة في الدار التي تعتد فيها ومداخلتها
لأنه يؤدي إلى الخلوة بها وخلوته بها كخلوته بالأجنبية ويستثنى من ذلك موضعان
أحدهما أن يكون في الدار محرم لها من الرجال أو محرم له من النساء أو من في معنى المحرم كزوجة أخرى وجارية ولا بد في المحرم ومن في معناه من التمييز فلا عبرة بالمجنون والصغير الذي لا يميز واشترط الشافعي رضي الله عنه البلوغ قال القاضي أبو الطيب لأن من لم يبلغ لا تكليف عليه فلا ينكر الفاحشة
وقال الشيخ أبو حامد يكفي عندي حضور المراهق والنسوة الثقات كالمحرم على الصحيح ويكفي حضور المرأة الواحدة الثقة على الأصح وبه قطع صاحب الشامل وغيره والحكاية عن الأصحاب أنه لا يجوز أن يخلو رجلان بامرأة واحدة ويجوز أن يخلو الرجل بامرأتين ثقتين لأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل ثم لا يخفى أن مساكنة الزوج والمحرم ومن في معناه إنما يفرض فيما إذا كان في الدار زيادة على سكنى مثلها فإن لم يكن كذلك فعلى الزوج تخليتها للمعتدة والإنتقال عنها ثم المساكنة وإن جازت بسبب المحرم فالكراهة باقية لأنه لا يؤمن النظر
الموضع الثاني إذا كان في الدار حجرة فأراد أن يسكن أحدهما ويسكنها الأخرى فإن كانت مرافق الحجرة كالمطبخ والمستراح والبئر والمصعد إلى السطح في الدار لم يجز إلا بشرط المحرم وإن كانت المرافق في

الحجرة جاز كالحجرتين والدارين المتجاورتين وحكم السفلي والعلوي حكم الدار والحجرة ثم ذكر البغوي والمتولي وغيرهما أنه يشترط أن لا يكون ممر إحداهما على الأخرى ويغلق الباب بينهما أو يسد وهذا حسن
ويؤيده ما ذكره الأئمة أنه لو كانت الدار واسعة ولم يكن فيها إلا بيت والباقي صفف لم يجز أن يساكنها وإن كان معها محرم لأنها لا تتميز من المسكن بموضع فإن قال أنا أبني بيني وبينها حائلا وكان الذي يبقى لها سكنى مثلها فله ذلك ثم إن جعل باب ما يسكنه خارجا عن مسكنها فلا حاجة إلى محرم وإن جعله في مسكنها لم يجز أن يسكنه إلا بشرط المحرم أو من في معناه وقيل لا يشترط اختلاف الممر بل يكفي أن يغلق على الحجرة باب
ولو كانا في بيتين من دار كبيرة وانفرد كل بباب يغلق جاز على الأصح كبيتين من خان

فصل إذا كانت معتدة بالأقراء أو الحمل لم يصح بيع المسكن الذي
فيه السكنى سواء كان لها عادة مستقيمة في الأقراء والحمل أم لا
وإن كانت تعتد بالأشهر ففي صحة بيعه قولان كالدار المستأجرة وقيل لا يصح قطعا ويجري الطريقان سواء كانت تتوقع مجيء الحيض في أثناء الشهر بأن كانت بنت تسع سنين فصاعدا ولم تحض أو لا تتوقعه كالآيسة وبنت سبع سنين
وقيل لا يصح البيع في الصورة الأولى قطعا فإن جوزنا البيع فحاضت وانتقلت إلى الأقراء خرج ذلك على اختلاط الثمار المبيعة بالحادثة بعد البيع فيما لا يغلب فيه التلاحق وفيه قولان سبقا
أظهرهما لا ينفسخ البيع بل يثبت الخيار للمشتري

فرع لو كان المنزل مستعارا لازمته ما لم يرجع المعير وليس
نقلها وقيل له نقلها في البلد الذي لا يعتاد فيه إعادة المنزل كيلا يلحقه منة والصحيح الأول
وإذا رجع قال المتولي وغيره على الزوج أن يطلبه منه بأجرة فإن امتنع أو طلب أكثر من أجرة المثل نقلها وإن نقلها ثم بذل المنزل الأول مالكه قال الروياني إن بذله بإعارة لم يلزم ردها إليه وإن بذل بأجرة فإن كان المنقول إليه مستعارا وجب ردها إلى الأول وإن كان بأجرة فوجهان
فرع كان المنزل الذي تعتد فيه مستأجرا فانقضت مدة الإجارة ولم يجدد
المالك إجارة فلا بد من نقلها وإذا وجب النقل في هذه الصور فالقول في تحري أقرب المواضع على ما سبق
فرع إذا كانت تسكن منزل نفسها ففي المهذب و التهذيب أنه يلزمها
أن تعتد فيه ولها طلب الأجرة والأصح ما ذكره صاحب الشامل وغيره أنها إن رضيت بالإقامة فيه بإعارة أو إجارة جاز وهو الأولى وإن طلبت نقلها فلها ذلك إذ ليس عليها بذل منزلها بإعارة ولا إجارة
فرع لو طلقها وهي في منزل مملوك للزوج ثم أفلس وحجر عليه
حق السكنى وتقدم به على الغرماء وكذا لو مات وعليه ديون تقدم به على حق الغرماء والورثة وهل للحاكم بيع رقبة المسكن فيه الطريقان السابقان

ولو أفلس وحجر عليه ثم طلقها ضاربت الغرماء بالسكنى وليس ذلك كدين حادث لأن حقها مستند إلى سبب متقدم على الحجر وهو النكاح والوطء فيه ولو طلقها وليست في منزل له ضاربتهم بالأجرة سواء تقدم الطلاق أو تأخر لأن حقها هنا مرسل غير متعلق بعين
ومتى ضاربت فإن كانت عدتها بالأشهر ضاربت بأجرة المثل للأشهر وإن كانت بالأقراء أو الحمل نظر إن لم تكن لها عادة فيهما فوجهان
أصحهما تضارب بأقل مدة يمكن انقضاء الأقراء فيها والحامل بأجرة ما بقي من أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر من حين العلوق لأن استحقاق الزيادة مشكوك فيه
والثاني تؤخذ بالعادة الغالبة فتضارب ذات الأقراء بأجرة ثلاثة أشهر والحامل بما بقي من تسعة أشهر وهذا اختيار صاحب الحاوي
وإن كانت لها عادة مستقيمة فيهما ضاربت بأجرة مدة العادة على الصحيح وقيل بالأقل وإن كان لها عادات مختلفة وراعينا العادة فالمعتبر أقل عاداتها
وإذا ضاربت بأجرة مدة وانقضت العدة على وفق تلك المضاربة فهل ترجع على المفلس بالباقي من الأجرة عند يساره حكى الشيخ أبو علي فيه طريقين أحدهما على وجهين بناء على أن الزوجة إذا لم تطالب بالسكنى في النكاح أو في العدة مدة هل تصير سكنى المدة الماضية دينا لها عليه وتطالبه بها وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى
وأصحهما القطع بالرجوع كما في الباقي من ديون الغرماء بخلاف مسألة الوجهين لأنها هنا طلبت الجميع ولكن زحمة الغرماء منعتها ولو انقضت العدة قبل تمام المدة التي ضاربت لها ردت الفضل على الغرماء وفي رجوعها على المفلس بما تقتضيه المحاصة للمدة المنقضية الطريقان

ولو امتدت العدة وزادت على مدة المضاربة ففي رجوعها بحصة المدة الزائدة على الغرماء ثلاثة أوجه
أصحها الرجوع لأنا تبينا استحقاقها كما لو ظهر غريم ولها أن ترجع على المفلس إذا أيسر والثاني لا ترجع على الغرماء لئلا تغير ما حكمنا به وينسب هذا إلى النص وصححه الروياني في التجربة والثالث ترجع الحامل لأنه حسي دون ذات الأقراء فإنها متهمة بتأخيرها وإذا قلنا لا ترجع على الغرماء رجعت على الزوج على الأصح إذا أيسر قال الإمام والخلاف في رجوعها على الغرماء إذا لم يصدقوها فإن صدقوها رجعت عليهم بلا خلاف قال وفي غير صورة الإفلاس إذا مضى زمن العادة فادعت مزيدا وتغيرا في العادة فالذي يدل عليه كلام الأصحاب أنها تصدق بلا خلاف وعلى الزوج الإسكان قال وفيه احتمال لأنا إذا صدقناها ربما تمادت في دعواها إلى سن اليأس

فرع إذا ضاربت في صورة الإفلاس بالأجرة استؤجر بحصتها المنزل الذي وجبت فيه العدة

قال ابن الصباغ فإذا جاوزت مدة ما أخذت أجرته سكنت حيث شاءت
فرع لو كانت المطلقة رجعية أو حاملا استحقت مع السكنى النفقة وتضارب
الغرماء عند إفلاس الزوج بالنفقة والسكنى والقول في كيفية المضاربة والرجوع كما سبق ولكن إذا قلنا إن نفقة الحامل لا تعجل لم يدفع إليها حصة النفقة في الحال

فصل إذا طلقها وهو غائب
وهي في دار له بملك أو إجارة اعتدت فيها وإن لم يكن له مسكن وله مال اكترى الحاكم من ماله مسكنا تعتد فيه إن لم يجد متطوعا به فإن لم يكن له مال اقترض عليه واكترى فإذا رجع قضاه فإن أذن لها أن تعترض عليه أو تكتري المسكن من مالها ففعلت جاز وترجع ولو اكترت من مالها أو اقترضت بقصد الرجوع ولم تستأذن الحاكم نظر إن قدرت على الإستئذان أو لم تقدر ولم تشهد لم ترجع وإن لم تقدر أو أشهدت رجعت على الأصح وكل هذا على ما سبق في مسألة هروب الجمال ونظائرها
فرع إذا مضت مدة العدة أو بعضها ولم تطلب حق السكنى سقط
دينا في الذمة نص عليه ونص أن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان بل تصير دينا في الذمة فقيل قولان فيهما لترددهما بين الديون ونفقة القريب والمذهب تقرير النصين والفرق بأن النفقة بالتمكين وقد وجد والسكنى لصيانة مائهعلى موجب نظره ولم يتحقق وحكم السكنى في صلب النكاح كما ذكرنا في العدة
فصل إذا مات الزوج في خلال العدة لم يسقط ما استحقته المبتوتة
السكنى وإذا استحقت السكنى أو مات عنها وهي زوجة وقلنا تستحق السكنى فإن كانت في مسكن مملوك للزوج لم يقسمه الورثة حتى تنقضي العدة ولو أرادوا التمييز بخطوط ترسم من غير نقض وبناء جاز إن قلنا القسمة إفراز وإن قلنا بيع فحكم بيع مسكن العدة كما سبق وقيل إن قلنا إفراز

فلهم القسمة كيف شاؤوا والصحيح الأول
وإن كان في مسكن مستأجرا أو مستعارا واحتيج إلى نقلها فعلى الوارث أن يستأجر لها من التركة فإن لم يكن تركة فليس على الوارث إسكانها
فلو تبرع به لزمها الإجابة وإذا لم يتبرع ففي التهذيب أنه يستحب للسلطان أن يسكنها من بيت المال لا سيما إن كانت تتهم بريبة ولفظ الروياني في البحر أن السلطان لا يلزمه أن يكتري لها إلا عند الريبة فيلزمه
وإذا قلنا لا تجب السكنى في عدة الوفاة فالمذهب أن للورثة إسكانها حيث أرادوا وبهذا قطع الأصحاب
وحكى الغزالي وجهين أصحهما هذا والثاني أنه إنما تلزمها الإجابة وإذا توقع شغل الرحم بالماء فإن لم يتبرع الوارث بإسكانها فللسلطان أن يحصنها بالإسكان
وفي الوسيط و البسيط أنه ليس للسلطان تعيين المسكن بخلاف الوارث والأول هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجماهير وإذا لم يسكنها الوارث والسلطان سكنت حيث شاءت فلو أسكنها أجنبي متبرع قال الروياني إن لم يكن المتبرع ذا ريبة فهو كالوارث فعليها أن تسكن حيث يسكنها
قلت وفي هذا نظر
والله أعلم

فرع للواطىء بشبهة أو في نكاح فاسد إسكان المعتدة

فصل في مسائل تتعلق بالعدد إحداها إذا طلق الغائب أو مات فالعدة
من حين الطلاق أو الموت لا من بلوغ الخبر

الثانية لو نكحت المعتدة بعد مضي قرء ووطئها الزوج الثاني ثم جاء الأول ووطئها بشبهة ثم فرق بينهما وبين الثاني فتشتغل بالباقي من عدة الطلاق وهو قرءان ويدخل فيه قرءان من عدة وطء الشبهة ثم تعتد عن الثاني بثلاثة أقراء ثم تعتد عن الأول بقرء لما بقي من عدة الشبهة ذكره القفال في الفتاوى
الثالثة مات زوج المعتدة فقالت انقضت عدتي قبل موته لا يقبل قولها في ترك العدة ولا ترث لإقرارها
الرابعة في فتاوى القفال أن المعتدة لو أسقطت مؤنة السكنى عن الزوج لم يصح الإسقاط لأن السكنى تجب يوما فيوما ولا يصح إسقاط ما لم يجب
الخامسة في فتاوى القفال أن المنكوحة لو وطئت بشبهة وصارت في العدة فوطئها الزوج لم يقطع وطؤه عدة الشبهة لأن وطء الزوج لا يوجب عدة فلا يقطعها كما لو زنت المعتدة

الباب الخامس في الإستبراء
فيه ثلاثة أطراف
الأول فيما يتعلق بنفس الإستبراء فإن كانت المستبرأة من ذوات الأقراء استبرأت بقرء وهو حيض على الجديد الأظهر وفي قول هو طهر
وفي وجه أن استبراء أم الولد لموت السيد أو إعتاقه بطهر والأمة التي يحدث ملكها بحيض فإن قلنا القرء هو الطهر فصادف وجوب الإستبراء آخر الحيض كان الطهر الكامل بعده استبراء
وهل يكفي ظهور الدم بعده أم يعتبر يوم وليلة فيه الخلاف السابق في العدة
وفي وجه لا بد من مضي حيضة كاملة بعد ذلك الطهر وهو ضعيف عند الغزالي وغيره وصححه الروياني وإن وجد سبب الإستبراء وهي طاهر فهل يكفي بقية الطهر وجهان
أحدهما

يكفي كما في العدة وهذا هو الراجح في البسيط وحكاه الماوردي عن البغداديين
والثاني لا يكفي ولا ينقضي الإستبراء حتى تحيض بعده ثم تطهر وبه قطع البغوي وحكاه الماوردي عن البصريين
وإذا قلنا القرء الحيض لم يكف بقية الحيض بل يعتبر حيضة كاملة
فلو كانت حائضا عند وجوب الإستبراء لم ينقض الإستبراء حتى تطهر ثم تحيض حيضة ثم تطهر وإذا تباعد حيض ذات الأقراء فحكمها في التربص إلى سن اليأس حكم المعتدة
فإن كانت المستبرأة من ذوات الأشهر فهل تستبرىء بشهر أم بثلاثة قولان
أظهرهما عند الجمهور بشهر لأنه بدل قرء ورجح صاحب المهذب وجماعة الثلاثة وإن كانت حاملا نظر إن زال فراشه عن مستولدته أو أمته الحامل فاستبراؤها بوضع الحمل
فإن ملك أمة فقد أطلق المتولي أن الحكم كذلك إن كان الحمل ثابت النسب من زوج أو وطء بشبهة والأصح التفصيل
فإن ملكها بسبي حصل الإستبراء بالوضع وإن ملك بالشراء فإن كانت حاملا من زوج وهي في نكاحه أو عدته أو من وطء شبهة وهي معتدة من ذلك الوطء فسيأتي إن شاء الله تعالى أنه لا استبراء في الحال على المذهب
وفي وجوبه بعد العدة خلاف وإذا كان كذلك فليس الإستبراء بالوضع لأنه إما غير واجب وإما مؤخر عن الوضع
وذكر البغوي في حصول الإستبراء في الوضع قولين
ولو كان الحمل من زنا ففي حصول الإستبراء بوضعه حيث يحصل في ثابت النسب وجهان
أصحهما الحصول لإطلاق الحديث ولحصول البراءة بخلاف العدة فإنها مخصوصة بالتأكيد ولهذا اشترط فيها التكرار
فإن قلنا لا يحصل ورأت دما على الحمل وقلنا هو حيض حصل الإستبراء بحيضة على الحمل على الأصح
وإن قلنا ليس بحيض أو لم تر دما فاستبراؤها بحيضة بعد الوضع
ولو ارتابت المستبرأة بالحمل في مدة الإستبراء أو بعدها فعلى ما ذكرناه في العدة
الطرف الثاني في سبب الإستبراء وهو سببان

السبب الأول حصول الملك فمن ملك جارية بإرث أو هبة أو شراء أو وصية أو سبي أو عاد ملكه فيها بالرد بالعيب أو التحالف أو الإقالة أو خيار الرؤية أو الرجوع في الهبة لزمه استبراؤها سواء في الإقالة ونحوها ما قبل القبض وبعده وسواء كان الإنتقال إليه ممن يتصور اشتغال الرحم بمائه أو ممن لا يتصور كإمرأة وصبي ونحوهما وسواء كانت الأمة صغيرة أو آيسة أو غيرهما بكرا أو ثيبا وسواء استبرأها البائع قبل البيع أم لا
وعن ابن سريج تخريج في البكر أنه لا يجب
وعن المزني أنه إنما يجب استبراء الحامل والموطوءة
قال الروياني وأنا أميل إلى هذا واحتج الشافعي رحمه الله بإطلاق الأحاديث في سبايا أوطاس مع العلم بأن فيهن الصغار والأبكار والآيسات
ولا يجب على بائع الأمة استبراؤها قبل البيع سواء وطئها أم لا لكنه يستحب إن كان وطئها ليكون على بصيرة منها
ولو أقرض جارية لمن لا تحل له ثم استردها قبل تصرف المقترض فيها لزم المقرض استبراؤها إن قلنا إن القرض يملك بالقبض وإن قلنا بالتصرف لم يلزمه

فرع كاتب جاريته ثم فسخت الكتابة أو عجزها السيد لزمها الإستبراء
فرع لو حرمت على السيد بصلاة أو صوم أو اعتكاف أو رهن
نفاس ثم زالت هذه الأشياء حلت بغير استبراء
فرع ارتدت أمته ثم أسلمت لزمه استبراؤها على الأصح لأنه زال ملك
الإستمتاع ثم عاد
قال البغوي الوجهان مبنيان على الوجهين فيما لو اشترى مرتدة ثم أسلمت هل يحسب حيضها في زمن الردة من الإستبراء فإن قلنا يحسب

لم يجب الإستبراء وإلا وجب
ولو ارتد السيد ثم أسلم فإن قلنا يزول ملكه بالردة لزمه الإستبراء قطعا وإلا فعلى الأصح كردة الأمة

فرع أحرمت ثم تحللت فالمذهب وبه قطع الجمهور أنه لا استبراء كما
لو صامت ثم أفطرت
وقيل وجهان كالردة
فرع زوج أمته فطلقت قبل الدخول فهل على السيد استبراؤها قولان يأتي
بيانهما إن شاء الله تعالى
فرع باعها بشرط الخيار فعادت إليه بالفسخ في مدة الخيار ففي وجوب
الإستبراء خلاف المذهب منه أنه يجب إن قلنا يزول ملك البائع بنفس العقد وإلا فلا
فرع اشترى زوجته فوجهان

الأصح المنصوص أنه يدوم حل وطئها ولا يجب الإستبراء لكن يستحب أما أنه لا يجب فلأنه لم يتجدد حل ولأنه لا يؤدي إلى اختلاط ماء وأما استحبابه فلتمييز ولد النكاح عن ولد ملك اليمين فإنه في النكاح ينعقد مملوكا ثم يعتق ولا تصير به أم ولد
وفي ملك اليمين ينعقد حرا وتصير أم ولد
والثاني يجب الإستبراء لتجدد الملك
ولو اشتراها بشرط الخيار فهل له وطؤها في مدة الخيار لأنها منكوحة أو مملوكة أم لا للتردد في حالها وجهان قال البغوي المنصوص أنه لا يحل
ولو طلقها

ثم اشتراها في العدة وجب الإستبراء قطعا لأنه ملكها وهي محرمة عليه
ولو اشترى زوجته ثم أراد تزويجها لغيره لم يجز إن كان دخل بها قبل الشراء إلا بعد قرءين لأنه إذا انفسخ النكاح وجب أن تعتد منه فلا تنكح غيره حتى تنقضي عدتها بقرءين
فلو مات عقب الشراء لم يلزمها عدة الوفاة بل تكمل عدة الإنفساخ كذا ذكره ابن الحداد وحكى عن نصه في الإملاء

فرع اشترى مزوجة أو معتدة عن زوج أو وطء شبهة والمشتري عالم
أو جاهل وأجاز البيع فلا استبراء في الحال لأنها مشغولة بحق غيره
فإن طلقت قبل الدخول أو بعده وانقضت عدة الشبهة فهل يلزم للمشتري الإستبراء قولان
أظهرهما نعم
وقد يقال يجب الإستبراء ويرد الخلاف إلى أنه هل تدخل في العدة واستنبط القاضي حسين من القولين عبارتين يتخرج عليهما مسائل
إحداهما أن الموجب للإستبراء حدوث ملك الرقبة مع فراغ محل الإستمتاع
والثانية أن الموجب حدوث حل الإستمتاع في المملوكة بملك اليمين فعلى العبارة الأولى لا يجب الإستبراء عند انقضاء العدة لأنه لم يحدث حينئذ ملك وعند حدوثه لم يكن محل الإستمتاع فارغا وعلى الثانية يجب
وخرج بعضهم عليهما الخلاف فيما لو اشترى مجوسية فحاضت ثم أسلمت هل يلزم الإستبراء بعد الإسلام أم يكفي ما سبق وكذا الخلاف فيما لو زوج وطلقت قبل الدخول هل على السيد استبراء فعلى الأولى لا
وعلى الثانية نعم
ويجري الخلاف فيما لو زوجها وطلقت بعد الدخول وانقضت عدتها أو وطئت بشبهة وانقضت عدتها

وإذا قلنا فيما إذا اشترى مزوجة وطلقت لا يجب الإستبراء فلمن يريد تعجيل الإستمتاع أن يتخذ ذلك حيلة في اندفاع الإستبراء فيسأل البائع أن يزوجها ثم يشتريها ثم يسأل الزوج أن يطلقها فتحل في الحال لكن لا يجوز تزويج الموطوءة إلا بعد الإستبراء فإنما يحصل الغرض إذا لم تكن موطوءة أو كان البائع قد استبرأها
وإذا كانت الجارية كذلك فلو أعتقها المشتري في الحال وأراد أن يزوجها البائع أو غيره أو يتزوجها بنفسه جاز على الأصح ذكره البغوي وغيره
فعلى هذا من يريد تعجيل الإستمتاع يمكنه أن يعتقها في الحال ويتزوجها ولا يحتاج إلى سؤال البائع أن يزوجها أولا إذا كان يسمح بفوات ماليتها

فرع إذا تم ملكه على جميع جارية كانت مشتركة بينه وبين غيره
الإستبراء ولو أسلم في جارية وقبضها فوجدها بغير الصفة المشروطة فردها لزم المسلم إليه الإستبراء
فرع إذا كانت الجارية المشتراة محرما للمشتري أو اشترتها إمرأة أو رجلان

فرع ظهر بالمشتراة حمل فقال البائع هو مني نظر إن صدقه المشتري
فالبيع باطل باتفاقهما والجارية مستولدة للبائع
وإن كذبه نظر إن لم يقر البائع بوطئها عند البيع ولا قبله لم يقبل قوله كما لو قال بعد البيع كنت أعتقته لكن يحلف المشتري أنه لا يعلم كون الحمل منه
وفي ثبوت نسبه من البائع

خلاف لأنه يقطع إرث المشتري بالولاء وإن كان أقر بوطئها نظر إن كان استبرأها ثم باعها ثم ولدت لدون ستة أشهر من وقت استبراء المشتري فالولد لاحق بالبائع والجارية مستولدة له والبيع باطل وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يقبل قوله ولم يلحقه الولد لأنه لو كان ملكه لم يلحقه ثم ينظر إن لم يطأها المشتري أو وطئها وولدت لدون ستة أشهر من وقت وطئه فالولد مملوكه
وإن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه فالولد لاحق بالمشتري والجارية مستولدة له
وإن لم يستبرئها البائع قبل البيع نظر إن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت استبراء المشتري أو لأكثر ولم يطأها المشتري فالولد للبائع والبيع باطل
وإن وطئها المشتري وأمكن أن يكون من هذا وأن يكون من ذاك عرض على القائف

فرع لا يجب في شراء الأمة التي كان البائع يطؤها إلا استبراء
لحصول البراءة فلو اشتراها من شريكين وطئاها في طهر واحد فهل يكفي استبراء لحصول البراءة أم يجب استبرءان كالعدتين من شخصين وجهان
ويجريان فيما لو وطئاها وأرادا تزويجها فهل يكفي استبراء أم يجب استبراءان
ولو وطىء أجنبيان أمة كل يظنها أمته قال المتولي وطء كل واحد يقتضي استبراء بقرء
وفي تداخلهما وجهان
أصحهما المنع
فصل من ملك أمة لم يجز له وطؤها حتى ينقضي الإستبراء
وأما الإستمتاع بالقبلة واللمس والنظر بشهوة ونحوها فحرام إن ملكها بغير السبي وإن ملكها بالسبي فحلال على الأصح
وإذا طهرت من الحيض وتم الإستبراء بقي تحريم الوطء حتى تغتسل ويحل الإستمتاع قبل الغسل على الصحيح
فصل وجب الإستبراء لا يمنع المالك من إثبات اليد على الجارية بل
هو مؤتمن فيه

شرعا لأن سبايا أوطاس لم ينزعن من أيدي أصحابهن وسواء كانت حسناء أم قبيحة

فصل لو مضى زمن الإستبراء بعد الملك وقبل القبض هل يعتد به
إن ملك بالإرث اعتد به وإن ملك بالهبة فلا
وإن ملك بالشراء اعتد به على الأصح وفي الوصية لا يعتد بما قبل القبول ويعتد بما بعده على المذهب
ولو وقع الحمل أو الحيض في زمن خيار الشرط في الشراء فإن قلنا الملك للبائع لم يحصل الإستبراء
وإن قلنا للمشتري لم يحصل أيضا على الأصح لضعف الملك
وقيل يحصل وقيل يحصل في صورة الحمل دون الحيض لقوة الحمل
فرع لو اشترى مجوسية أو مرتدة فمضت عليها حيضة أو ولدت ثم
فهل تعتد بالإستبراء في الكفر لوجود الملك أم يجب بعد الإسلام ليستعقب حل الإستمتاع وجهان أصحهما الثاني
فرع إذا اشترى العبد المأذون له جارية فللسيد وطؤها إن لم يكن
العبد دين فإن كان لم يجز لئلا يحبلها
فإن انفكت عن الديون بقضاء أو إبراء وقد جرى قبل الإنفكاك ما يحصل به الإستبراء فهل يعتد به أم يشترط وقوع الإستبراء بعد الإنفكاك وجهان كالمجوسية أصحهما الثاني وبه قطع العراقيون
ولو رهنها قبل الإستبراء ثم انفك الرهن قال في الشامل يجب استبراؤها ولا يعتد بما جرى وهي مرهونة وغلطه الروياني

فرع لو وطئها قبل الإستبراء أو استمتع بها وقلنا بتحريمه أثم
ينقطع الإستبراء لأن الملك لا يمنع الإحتساب فكذا المعاشرة بخلاف العدة
فلو أحبلها بالوطء في الحيض فإن انقطع الدم حلت له لتمام الحيضة وإن كانت طاهرا عند الإحبال لم ينقض الإستبراء حتى تضع الحمل هذا لفظه في الوسيط وبالله التوفيق
السبب الثاني زوال الفراش عن موطوءة بملك يمين فإذا أعتق أمته التي وطئها أو مستولدته أو مات عنها وليست في زوجية ولا عدة نكاح لزمها الإستبراء لأنه زال عنها الفراش فأشبهت الحرة ويكون استبراؤها بقرء كالممتلكة
ولو مضت مدة الإستبراء على أم الولد ثم أعتقها سيدها أو مات عنها فهل يكفي ذلك أم يلزمها الإستبراء بعد العتق وجهان وقيل قولان
أصحهما الثاني كما لا تعتد المنكوحة بما تقدم من الأقراء على ارتفاع النكاح والخلاف مبني على أن أم الولد هل تخرج عن كونها فراشا بالإستبراء أو الولادة وهل تعود فراشا للسيد إذا مات زوجها أو طلقها وانقضت عدتها أم لا تعود ولا تحل له إلا بالإستبراء ولو استبرأ الأمة الموطوءة ثم أعتقها قال الأصحاب لا استبراء عليها ولها أن تتزوج في الحال ولم يطردوا فيها الخلاف الذي في المستولدة لأن المستولدة يشبه فراشها فراش النكاح ولو لم تكن الأمة موطوءة لم تكن فراشا ولم يجب الإستبراء بإعتاقها
فرع لا يجوز تزويج الأمة الموطوءة قبل الإستبراء بخلاف بيعها لأن مقصود النكاح الوطء فينبغي أن

وفي جواز تزويج أم الولد خلاف

مذكور في باب أمهات الأولاد الأصح الصحة
فعلى هذا لا تزوج حتى تستبرأ
ولو استبرأها ثم أعتقها فهل يجوز تزويجها في الحال أم تحتاج إلى استبراء جديد وجهان
قلت أصحهما
والله أعلم
ولو اشترى أمة وأراد تزويجها قبل الإستبراء فإن كان البائع وطئها لم يجز إلا أن يزوجها به
وإن لم يكن وطئها البائع أو وطئها واستبرأها قبل البيع أو كان الإنتقال من إمرأة أو صبي جاز تزويجها في الحال على الأصح كما كان للبائع تزويجها بعد الإستبراء

فرع إذا أعتق مستولدته أو مات عنها وهي في نكاح أو عدة
استبراء عليها لأنها ليست فراشا للسيد
وخرج ابن سريج قولا أنه يلزمها الإستبراء بعد فراغ عدة الزوج
وحكى السرخسي هذا قولا قديما وحكي أيضا عن الإصطخري والمذهب الأول وهو المنصوص وبه قطع الجمهور
وقال الشيخ أبو علي فعلى المذهب متى انقضت عدة الزوج وكان السيد حيا عادت فراشا له وعلى التخريج لا تعود فراشا حتى يستبرئها
ولو أعتقها أو مات عقب انقضاء عدة الزوج فقيل لا استبراء عليها والصحيح المنصوص وجوبه
لكن هل يشترط لوجوبه أن يقع إعتاق السيد أو موته بعد انقضاء العدة بلحظة لتعود فيها فراشا للسيد أم لا لكون مصيرها فراشا أمرا حكميا لا يحتاج إلى زمن حسي وجهان
أرجحهما الثاني

ولو انقضت عدتها ولم يمت السيد ولم يعتقها فالمذهب والمنصوص في الجديد أنها تعود فراشا للسيد وتحل له بلا استبراء
وحكي قول قديم أنها لا تحل له بلا استبراء فعلى المذهب لو مات السيد بعد ذلك لزمها الإستبراء وعلى القديم لا استبراء
والخلاف في حل أم الولد إذا زال حق الزوج كالخلاف فيما إذا زال حق الزوج عن الأمة المزوجة هل يحتاج السيد إلى استبرائها لكن الراجح في الأمة الإحتياج
ونقله البندنيجي عن النص لأن فراش أم الولد أشبه بالنكاح ولهذا ولد أم الولد يلحقه إذا ولدته بعد ستة أشهر من حين استبرائها وولد الأمة لا يلحقه كذا قاله الروياني
ولو أعتق مستولدته أو مات عنها وهي في عدة وطء شبهة فهل يلزمها الإستبراء تفريعا على المنصوص فيما إذا كانت في عدة زوج وجهان
أصحهما الوجوب

فرع أعتق مستولدته وأراد أن يتزوجها قبل تمام الإستبراء جاز على الأصح كما يتزوج

فرع المستولدة المزوجة إذا مات عنها سيدها وزوجها جميعا فلها أحوال
أحدها أن يموت السيد أولا فقد مات وهي مزوجة وقد ذكرنا أنه لا استبراء عليها على المذهب فإذا مات الزوج بعده اعتدت عدة حرة وكذا لو طلقها
الحال الثاني أن يموت الزوج أولا فتعتد عدة أمة شهرين وخمسة أيام فإن مات السيد وهي في عدة الزوج فقد عتقت في أثناء العدة وقد سبق

في أول كتاب العدد الخلاف في أنها هل تكمل عدة حرة أم عدة أمة والمذهب أنه لا استبراء عليها كما ذكرناه قريبا
وإن أوجبناه فإن كانت ذوات الأشهر استبرأت بشهر بعد العدة وإن كانت من ذوات الأقراء استبرأت بحيضة بعد العدة إن لم تحض في العدة فإن حاضت في العدة بعد ما عتقت كفاها ذلك
وإن مات السيد بعد خروجها من العدة لزمه الإستبراء على الأصح تفريعا على عودها فراشا
الحال الثالث أن يموت السيد والزوج معا فلا استبراء لأنها لم تعد إلى فراشه
ويجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا عتقت وهي معتدة وهل تعتد عدة أمة أم عدة حرة وجهان
أصحهما عند الغزالي عدة أمة وقطع البغوي بعدة حرة احتياطا
الحال الرابع أن يتقدم أحدهما ويشكل السابق فله صور
إحداها أن يعلم أنه لم يتخلل بين موتهما شهران وخمسة أيام فعليها أربعة أشهر وعشر من موت آخرهما موتا لاحتمال أن السيد مات أولا ثم مات الزوج وهي حرة ولا استبراء عليها على الصحيح لأنها عند موت السيد زوجة أو معتدة
وإن أوجبنا الإستبراء فحكمه كما نذكره إن شاء الله تعالى في الصورة الثانية
ولو تخلل شهران وخمسة أيام بلا مزيد فهل هو كما لو كان المتخلل أقل من هذه المدة أم كما لو كان أكثر منها فيه الوجهان السابقان
الصورة الثانية أن يعلم أنه تخلل بين الموتين أكثر من شهرين وخمسة أيام فعليها الإعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام من موت آخرهما موتا ثم إن لم تحض

في هذه المدة فعليها أن تتربص بعدها بحيضة لاحتمال أن الزوج مات أولا وانقضت عدتها وعادت فراشا للسيد وإن حاضت في هذه المدة فلا شىء عليها وسواء كان الحيض في أول المدة أو آخرها
وقيل يشترط كونه بعد شهرين وخمسة أيام من هذه المدة لئلا يقع الإستبراء وعدة الوفاة في وقت واحد
قال الأصحاب هذا غلط لأن الإستبراء إنما يجب على تقدير تأخر موت السيد وحينئذ تكون عدة الوفاة منقضية بالمدة المتخللة ولا يتصور الإجتماع سواء كان الحيض في أول هذه المدة أو آخرها
ولو كانت المستولدة ممن لا تحيض كفاها أربعة أشهر وعشرة أيام
الصورة الثالثة أن لا يعلم كم المدة المتخللة فعليها التربص كما ذكرناه في الصورة الثانية أخذا بالأحوط ولا نورثها من الزوج إذا شككنا في أسبقهما موتا فإن ادعت علم الورثة أنها كانت حرة يوم موت الزوج فعليهم الحلف على نفي العلم

فصل متى قالت المستبرأة حضت صدقت بلا يمين

ولو امتنعت على السيد فقال قد أخبرتني بانقضاء الإستبراء صدق السيد على الأصح لأن الإستبراء مفوض إلى أمانة السيد ولهذا لا يحال بينه وبينها بخلاف المعتدة من وطء بشبهة فإنه يحال بين الزوج وبينها
وهل لها تحليف السيد وجهان
حقيقتهما أنه هل للأمة المخاصمة ويقرب منه ما إذا ورث جارية فادعت أن مورثها وطئها وأنها حرمت عليه بوطئه فلا يلزمه تصديقها
وطريق الورع لا يخفى
وهل لها تحليفه فيه هذان الوجهان
قلت الأصح أن لها التحليف في الصورتين وعليها الإمتناع من التمكين إذا تحققت بقاء شىء من زمن الإستبراء وإن أبحناها له في الظاهر
والله أعلم

فصل وطىء السيد أمته في عدتها
عن وفاة زوج ثم مات السيد فعليها إكمال عدة الوفاة ثم تتربص بحيضة لموت السيد
فلو مرت بها حيضة في بقية عدة الوفاة لم يعتد بها لأنهما واجبان لشخصين فلا يتداخلان
ولو لم يمت السيد لكن أراد تزويجها فكذلك تكمل عدة الوفاة ثم تتربص بحيضة ثم يتزوجها ولو أراد أن يطأها بعد عدة الوفاة فالصحيح جوازه ولا حاجة إلى الإستبراء ولو كانت في عدة طلاق فوطئها السيد ثم مات أكملت عدة الطلاق ثم تربصت بحيضة لموت السيد ولا تحسب المدة من وقت وطء السيد إلى موته إن كان يستفرشها كما لو نكحت في العدة وكان الزوج الثاني يستفرشها جاهلا هذا كله إذا وطئها ولم يظهر بها حمل
أما إذا وطئها السيد في عدة الوفاة ومات فظهر بها حمل وولدت لزمن يمكن أن يكون من الزوج وأن يكون من السيد عرض على القائف فإن ألحقه بالزوج انقضت عدتها بالوضع وعليها حيضة بعد طهرها من النفاس وإن ألحقه بالسيد حصل الإستبراء بوضعه وعليها بعد إتمام عدة الوفاة
فإن لم يكن قائف فعليها إتمام بقية العدة بعد الوضع على تقدير كون الولد من السيد وعلى تقدير كونه من الزوج فعليها التربص بحيضة بعد الوضع فيلزمها أطول المدتين فإن وقعت الحيضة في بقية عدة الوفاة كفاها ذلك
ولو ظهر بها حمل والصورة في عدة الطلاق فولدت لزمان يحتملها فإن ألحق بالزوج فعليها بعد الوضع حيضة وإن ألحق بالسيد فعليها بعده بقية العدة وإن أشكل فعليها بقية العدة أو حيضة فتأخذ بأكثرهما
فرع اشترى مزوجة فوطئها قبل العلم بأنها مزوجة وظهر بها حمل ومات
الزوج فإن ولدت لزمن يحتمل كونه منهما بأن ولدت لستة أشهر فصاعدا

من وطء السيد ولا ربع سنين فأقل من وطء الزوج عرض على القائف
فإن ألحقه بالزوج انقضت العدة بالوضع وإن ألحقه بالسيد لم تنقض بالوضع وكذا لو لم يكن قائف أو أشكل عليه لم تنقض العدة بالوضع لاحتمال كونه من السيد وعليها إتمام عدة الوفاة شهرين وخمسة أيام ولا تحسب مدة افتراش السيد من العدة
وإن احتمل أن يكون الولد من السيد دون الزوج فكذا الحكم وإن احتمل كونه من الزوج دون السيد انقضت العدة بوضعه وهل على السيد الإستبراء بعد العدة فيه الخلاف السابق ولو لم يظهر بها حمل والتصوير كما ذكرنا فإما أن يموت الزوج عقب الوطء وإما بعده بمدة فإن مات عقبه اعتدت عدة الوفاة
وهل تحل بعدها للسيد أم تحتاج إلى استبراء فيه الخلاف
ولا يجوز تزويجها إلا بعد الإستبراء بلا خلاف
وإن عاش بعد الوطء مدة لزمه اعتزالها إذا علم الحال حتى تنقضي مدة الإستبراء كالمنكوحة توطأ بالشبهة
وإذا مات بعد انقضائها فليس عليها إلا عدة الوفاة وتحل للسيد بعدها وله تزويجها بلا استبراء جديد
ولو استفرشها الزوج بعد وطء السيد جاهلا ثم مات فإذا قضت عدته فهل تحل للسيد بغير استبراء فيه الخلاف السابق
ولا يجوز تزويجها إلا بعد الإستبراء

فرع رجل له زوجة وأمة مزوجة حنث في طلاق الزوجة أو عتق
قبل البيان ثم مات زوج الأمة لزمها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام من يوم مات الزوج لاحتمال أن السيد حنث في عتقها ويلزم إمرأته الأكثر من أربعة أشهر وعشر وثلاثة أقراء
فلو كان لزوج الأمة أمة أيضا وحنث أيضا هو في عتقها أو طلاق زوجته الأمة وماتا قبل البيان فعلى كل واحدة الأكثر من أربعة أشهر وعشر وثلاثة أقراء

الطرف الثالث فيما تصير به الأمة فراشا فيه مسائل
الأولى لا تصير الأمة فراشا بمجرد الملك فلو كانت تحل له وخلا بها فولدت ولدا يمكن كونه منه لم يلحقه بخلاف الزوجة لأن مقصود النكاح الإستمتاع والولد وإنما تصير الأمة فراشا إذا وطئها فإذا أتت بعد الوطء بولد لزمان يمكن أن يكون منه لحقه ويعرف الوطء بإقراره أو بالبينة
فلو نفى الولد مع الإعتراف بالوطء فإن ادعى الإستبراء بحيضة بعد الوطء نظر إن ولدته لدون ستة أشهر من وقت الإستبراء فالإستبراء لغو فيلحقه الولد
فلو أراد نفيه باللعان فقد سبق في كتاب اللعان أن الصحيح جواز اللعان في هذه الصورة وإن ولدته لستة أشهر إلى أربع سنين فالمذهب والمنصوص أنه لا يلحقه وقد سبق فيه خلاف وتخريج
فلو أنكرت الإستبراء فهل يحلف السيد أم يصدق بغير يمين وجهان
الصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحلف
فعلى هذا هل يكفي الحلف على الإستبراء أم يضم إليه أن الولد ليس منه أم يكفي الحلف أن الولد ليس منه من غير تعرض للإستبراء كما في نفي ولد الزوجة فيه أوجه
أصحها الثالث ويفهم منه أنه لو علم أن الولد من غيره ولم يستبرئها جاز له نفيه والحلف عليه لا على سبيل اللعان
وإذا حلف على الإستبراء فهل يقول استبرأتها قبل ستة أشهر من ولادتها هذا الولد أم يقول ولدته بعد ستة أشهر بعد استبرائي فيه وجهان
ولو نكل فوجهان
أحدهما يلحقه بنكوله
والثاني تحلف الأمة فإن نكلت توقفنا إلى بلوغ الصبي فإن حلف بعد البلوغ لحق به
المسألة الثانية ادعت الوطء وأمية الولد وأنكر السيد أصل الوطء فالصحيح أنه لا يحلف وإنما حلف في الصورة السابقة لأنه سبق منه الاقرار بما يقتضي ثبوت النسب وقيل يحلف لأنه لو اعترف به ثبت النسب
وإذا لم يكن ولد لم يحلف بلا خلاف
الثالثة أقر بالوطء فأتت بولد لأكثر من أربع سنين من وقت الوطء لم يلحقه على الصحيح وقيل يلحقه كولد الزوجة وهذا تفريع على أنه يلحقه بعد الإستبراء ويقرب منه الخلاف فيما لو أتت بولد يلحق السيد ثم ولدت آخر لستة أشهر فصاعدا هل يلحقه الثاني لأنها صارت فراشه فيلحقه أولادها كالزوجة

أم لا يلحقه إلا أن يقر بوطء جديد لأن هذا الفراش يبطل بالإستبراء فبالولادة أولى
أما لو أتت بالولد الثاني لدون ستة أشهر فهما حمل واحد فإذا لحقه الأول لحقه الثاني بلا خلاف
وأصل الخلاف أن أم الولد هل تعود فراشا للسيد إذا انقطعت علقة الزوج عنها نكاحا وعدة وفيه قولان
أحدهما تعود حتى لو مات السيد أو أعتقها بعد ذلك لزمها الإستبراء
ولو أتت بولد لستة أشهر فصاعدا من انقطاع علقة الزوج لحق السيد
والثاني لا تعود فراشا ما لم يطأها فلو ولدت لدون أربع سنين من الطلاق لحق بالزوج
لكن الأظهر أن أم الولد تعود فراشا والأصح أنه لا يلحقه الولد الثاني إلا أن يقر بوطء جديد لأن الولادة أقوى من الإستبراء
الرابعة قال كنت أطأ وأعزل لحقه الولد على الأصح لأن الماء قد يسبق ولأن أحكام الوطء لا يشترط فيها الإنزال
وقيل ينتفي عنه كدعوى الإستبراء ولو قال كنت أطأ في الدبر لم يلحقه الولد على الصحيح ولو قال كنت أصيبها فيما دون الفرج لم يلحقه على الأصح

فصل لو اشترى زوجته فولدت بعد الشراء فقد سبق في كتاب اللعان
أنه متى يلحقه هذا الولد بالنكاح ومتى يلحقه بملك اليمين ومتى لا يلحقه ولا يحكم بكونها أم ولد إذا احتمل كونه من النكاح فلم يقر بالوطء بعد الشراء
وقيل يلحق إذا أمكن كونه من وطء ملك اليمين وهو ضعيف ولو أقر بالوطء بعد الشراء ولحق الولد بملك اليمين ولكن احتمل كونه من النكاح ثبتت أمومة الولد على الأصح وأجري الوجهان فيما لو زوج أمته وطلقت قبل الدخول وأقر السيد بوطئها فولدت لزمن يحتمل كونه منهما وبالله التوفيق 9

كتاب الرضاع

الرضاع يؤثر في تحريم النكاح وثبوت المحرمية المفيدة لجواز النظر والخلوة دون سائر أحكام النسب كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القصاص ورد الشهادة وغيرها وهذا كله متفق عليه
ثم في كتاب الرضاع أربعة أبواب الأول في أركانه وشروطه أما الأركان فثلاثة الأول المرضع وله ثلاثة شروط الأول كونه إمرأة فلبن البهيمة لا يتعلق به تحريم فلو شربه صغيران لم يثبت بينهما أخوة ولا يحرم لبن الرجل أيضا على الصحيح وقال الكرابيسي يحرم ولبن الخنثى لا يقتضي أنوثته على المذهب فلو ارتضعه صغير توقف في التحريم فإن بان أنثى حرم وإلا فلا
الشرط الثاني كونها حية فلو ارتضع ميتة أوحلب لبنها وهي ميتة لم يتعلق به تحريم كما لا تثبت حرمة المصاهرة بوطء الميتة
ولو حلب لبن حية وأوجر الصبي بعد موتها حرم على الصحيح المنصوص
الشرط الثالث كونها محتملة للولادة فلو ظهر لصغيرة دون تسع سنين لبن لم يحرم وإن كانت بنت تسع وإن لم يحكم ببلوغها لأن احتمال البلوغ قائم والرضاع كالنسب فكفى فيه الإحتمال


فرع سواء كانت المرضعة مزوجة أم بكرا أم بخلافهما وقيل لا يحرم
لبن البكر والصحيح الأول ونص عليه في البويطي
فرع نص في البويطي أنه إذا نزل لرجل لبن فارتضعته صبية كره

الركن الثاني اللبن ولا يشترط لثبوت التحريم بقاء اللبن على هيئته حالة انفصاله عن الثدي فلو تغير بحموضة أو انعقاد أو إغلاء أو صار جبنا أو أقطا أو زبدا أو مخيضا وأطعم الصبي حرم لوصول اللبن إلى الجوف وحصول التغذية
ولو ثرد فيه طعام ثبت التحريم
ولو عجن به دقيق وخبز تعلقت به الحرمة على الصحيح
ولو خلط بمائع إما دواء وإما غيره حلال كالماء ولبن الشاة أو حرام كالخمر نظر إن كان اللبن غالبا تعلقت الحرمة بالمخلوط فلو شرب الصبي منه خمس مرات ثبت التحريم وإن كان اللبن مغلوبا فقولان أحدهما لا يتعلق به تحريم كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير لا أثر لها وكالخمر المستهلكة في غيرها لا يتعلق بها حد وكالمحرم يأكل طعاما استهلك فيه طيب لا فدية عليه
وأظهرهما يتعلق به التحريم لوصول عين اللبن في الجوف وذلك هو المعتبر ولهذا يؤثر كثير اللبن وقليله وليس كالنجاسة فإنها تجنيب للإستقذار وهو مندفع بالكثرة ولا كالخمر فإن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل ولا كالمحرم فإنه ممنوع من التطيب وليس

هذا بتطيب فعلى هذا إن شرب جميع المخلوط تعلق به التحريم وإن شرب بعضه فوجهان أحدهما يثبت التحريم أيضا إن شربه خمس دفعات أو شرب منه دفعة بعد أن شرب اللبن الصرف أربعا وهذا اختيار الصيمري والقاضي أبي الطيب وأصحهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحق والماوردي لا يتعلق به تحريم لأنا لم نتحقق وصول اللبن وهذا الخلاف فيما إذا لم يتحقق وصول اللبن مثل أن وقعت قطرة في جب ماء وشرب بعضه فإن تحققنا انتشاره في الخليط وحصول بعضه في المشروب أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن ثبت التحريم قطعا ذكره الإمام وغيره
وهل يشترط أن يكون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط وجهان حكاهما السرخسي وقال أصحهما الإشتراط هذا هو المذهب في بيان حكم اختلاط اللبن بالمائعات وسواء فيه اختلاط اللبن بالماء وبغيره وحكى الإمام طريقا آخر أنه إن كان الخليط غير الماء فعلى ما ذكرناه وإن كان ماء واللبن مغلوب فإن امتزج بما دون القلتين وشرب الصبي كله ففي ثبوت التحريم قولان وإن شرب بعضه فقولان مرتبان وأولى بأن لا يثبت
وإن امتزج بقلتين فصاعدا فإن لم يثبت التحريم بدون القلتين فهنا أولى وإن أثبتنا وتناول بعضه لم يؤثر وإن شربه كله فقولان مرتبان وأولى بأن لا يؤثر
وهذه الطريقة ضعيفة وفي المراد بمصير اللبن مغلوبا وجهان أحدهما خروجه عن كونه مغذيا والصحيح الذي قطع به الأكثرون أن الإعتبار بصفات اللبن الطعم واللون والرائحة فإن ظهر منها شىء في المخلوط فاللبن غالب وإلا فمغلوب
ونقل أبو الحسن العبادي في الرقم تفريعا على هذا عن الحليمي ما يفهم منه أنه لو زايلته الأوصاف الثلاثة اعتبر قدر اللبن بما له لون قوي يستولي على

الخليط فإن كان ذلك القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم وإلا فلا قال الحليمي وهذا شىء استنبطته أنا وكان في قلبي منه شىء فعرضته على القفال الشاشي وابنه القسم فارتضياه فسكنت ثم وجدته لإبن سريج فسكن قلبي إليه كل السكون وقد سبق نظير هذا في اختلاط المائع بالماء

فرع لو وقعت قطرة في فمه واختلطت بريقه ثم وصل جوفه فطريقان
يعتبر كونه غالبا أو مغلوبا على ما ذكرناه
والثاني القطع بالتحريم
إذا اختلط لبن إمرأة بلبن أخرى وغلب أحدهما فإن علقنا التحريم بالمغلوب ثبتت الحرمة منهما وإلا فيختص بغالبة اللبن
الركن الثالث المحل وهو معدة الصبي الحي أو ما في معنى المعدة فهذه ثلاثة قيود الأول المعدة فالوصول إليها يثبت التحريم سواء ارتضع الصبي أو حلب اللبن وأوجر في حلقه حتى وصلها ولو حقن باللبن أو قطر في إحليله فوصل مثانته أو كان على بطنه جراحة فصب اللبن فيها حتى وصل الجوف لم يثبت التحريم على الأظهر
ولو صب في أنفه فوصل دماغه ثبت التحريم على المذهب وقيل فيه القولان قال البغوي ولو صب في جراحة في بطنه فوصل المعدة لخرق الأمعاء أو وصل الدماغ بالصب في مأمومة ثبت التحريم بلا

خلاف
ولو صب في أذنه ففي البحر أنه يثبت التحريم وفي التهذيب لا يثبت إذ لا منفذ منها إلى الدماغ ويشبه أن يكون كالحقنة
وأما الصب في العين فلا يؤثر بحال ولو ارتضع وتقيأ في الحال حصل التحريم على الصحيح
وقيل لا يحصل
وقيل إن تقيأ وقد تغير اللبن ثبت التحريم وإلا فلا
القيد الثاني الصبي والمراد به من لم يبلغ حولين فمن بلغ سنتين فلا أثر لارتضاعه ويعتبر الحولان بالأهلة فإن انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة وعشرون شهرا بعده بالأهلة ويكمل المنكسر ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين ويحسب ابتداء الحولين من وقت انفصال الولد بتمامه وقال الروياني لو خرج نصف الولد ثم بعد مدة خرج باقيه فابتداء الحولين في الرضاع عند ابتداء خروجه
وحكى ابن كج فيه وجهين وحكى وجهين فيما لو ارتضع قبل انفصال جميعه هل يتعلق به تحريم القيد الثالث الحي فلا أثر للوصول إلى معدة الميت

فصل في شرط الرضاع لا تثبت حرمته إلا بخمس رضعات هذا هو
المنصوص
وقيل تثبت برضعة واحدة وقيل بثلاث رضعات وبه قال ابن المنذر واختاره جماعة
فعلى المنصوص لو حكم حاكم بالتحريم برضعة لم ينقض حكمه على الصحيح وقال الإصطخري ينقض
والرجوع في الرضعة والرضعات إلى العرف وما تنزل عليه الأيمان في ذلك ومتى تخلل فصل طويل تعدد
ولو ارتضع ثم قطع إعراضا واشتغل بشىء آخر ثم عاد وارتضع فهما رضعتان ولو قطعت المرضعة ثم عادت إلى الإرضاع فهما

رضعتان على الأصح كما لو قطع الصبي ولا يحصل التعدد بأن يلفظ الثدي ثم يعود إلى التقامه في الحال ولا بأن يتحول من ثدي إلى ثدي أو تحوله لنفاذ ما في الأول ولا بأن يلهو عن الإمتصاص والثدي في فمه ولا بأن يقطع التنفس ولا بأن يتخلل النومة الخفيفة ولا بأن تقوم وتشتغل بشغل خفيف ثم تعود إلى الإرضاع فكل ذلك رضعة واحدة
قلت قال ابراهيم المروذي إن نام الصبي في حجرها وهو يرتضع نومة خفيفة ثم انتبه ورضع ثانيا فالجميع رضعة وإن نام طويلا ثم انتبه وامتص فإن كان الثدي في فمه فهي رضعة وإلا فرضعتان
والله أعلم
قال الأصحاب يعتبر ما نحن فيه بمرات الأكل فإذا حلف لا يأكل في اليوم إلا مرة واحدة فأكل لقمة ثم أعرض واشتغل بشغل طويل ثم عاد وأكل حنث ولو أطال الأكل على المائدة وكان ينتقل من لون إلى لون ويتحدث في خلال الأكل ويقوم ويأتي بالخبز عند نفاذه لم يحنث لأن ذلك كله يعد في العرف أكلة واحدة ولو ارتضع من ثدي إمرأة ثم انتقل في الحال إلى ثدي آخر ففيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل الذي يليه

فرع لا يشترط وصول اللبن في المرات على صفة واحدة بل لو
بعضها وأوجر في بعضها وأسعط في بعضها حتى تم العدد ثبت التحريم وكذا الصب في الجراحة والحقنة إذا جعلناهما مؤثرين


فرع لو حلب لبن إمرأة دفعة وأوجره الصبي في خمس دفعات فهل
رضعة أم خمسا قولان أظهرهما رضعة وقيل رضعة قطعا
ولو حلب خمس دفعات وأوجره دفعة فالمذهب أنه رضعة وقيل على الطريقين
ولو حلب خمس دفعات وأوجر في خمس دفعات من غير خلط فهو خمس رضعات قطعا
وإن حلب خمس دفعات وخلط ثم فرق وأوجر في خمس دفعات فالمذهب أنه خمس رضعات وبه قطع الجمهور وقيل على قولين لأنه بالخلط صار كالمحلوب دفعة
ولو حلب خمس نسوة في إناء وأوجره الصبي دفعة واحدة حسب من كل واحدة رضعة وإن أوجره في خمس دفعات حسب من كل واحدة رضعة وإن أوجره في خمس دفعات حسب من كل واحدة رضعة على الأصح وقيل خمس رضعات
فرع لو شك هل أرضعته خمس رضعات أم أقل أو هل وصل
لا فلا تحريم ولا يخفى الورع
ولو شك هل أرضعته الخمس في الحولين أم بعضها أو كلها بعد الحولين فلا تحريم على الأظهر أو الأصح والتحريم محكي عن الصيمري لأن الأصل بقاء المدة
فصل إذا كان لبن المرأة لرجل فسيأتي إن شاء الله تعالى أن
يصير إبنا للرجل كما يصير إبنا للمرأة واختار ابن بنت الشافعي أنه

لا يصير والصواب الأول
فإذا كان للرجل خمس مستولدات أو أربع زوجات ومستولدة فأرضعت كل واحدة طفلا رضعة لم يصرن أمهاته وهل يصير الرجل أباه وجهان قال الأنماطي وابن سريج وابن الحداد لا وأصحهما وبه قال أبو إسحق وابن القاص نعم لأنه لبنه وهن كالظروف له فعلى هذا تحرم المرضعات على الطفل لا بالرضاع بل لأنهن موطوءات أبيه ولو كان تحته صغيرة وله خمس مستولدات فأرضعتها كل واحدة رضعة بلبنه لم ينفسخ نكاح الصغيرة على الوجه الأول وينفسخ على الثاني وهو الأصح ولا غرم عليهن لأنه لا يثبت له دين على مملوكه ولو أرضع نسوته الثلاث ومستولدتاه زوجته الصغيرة فانفساخ نكاح الصغيرة على الوجهين وأما غرامة مهرها فإن أرضعن مرتبا فالإنفساخ يتعلق بإرضاع الأخيرة فإن كانت مستولدة فلا شىء عليها وإن كانت زوجة فعليها الغرم وإن أرضعته معا بأن أخذت كل واحدة لبنها في مسعط وأوجرته معا فلا شىء على المستولدتين وعلى النسوة ثلاثة أخماس الغرم ولا ينفسخ نكاح النسوة لأنهن لم يصرن أمهات الصغيرة
ولو كان له أربع فأرضعت إحداهن طفلا رضعتين وأرضعته الباقيات رضعة رضعة أو كان له ثلاث مستولدات فأرضعت إحداهن الطفل بلبنه ثلاث رضعات والباقيتان رضعة رضعة جرى الخلاف في مصيره أبا ولا يصرن أمهات وعلى هذا قياس سائر نظائرها
ولو كان لرجل أو إمرأة خمس بنات أو أخوات فأرضعت كل واحدة طفلا رضعة لم يصرن أمهاته ولا أزواجهن آباءه وكذا لا تثبت الحرمة بين الرضيع والرجل على المذهب وقيل بطرد الوجهين فإن أثبتنا الحرمة قال البغوي تحرم المرضعات على الرضيع لا لكونهن

أمهات بل لكون البنات أخواته وكون الأخوات عماته ولك أن تقول إنما يصح كون البنات أخواته والأخوات عماته لو كان الرجل أبا والحرمة هنا إذا ثبتت إنما هي لكونه جدا لأم أو خالا وفيه وضع بعضهم الخلاف فقال في مصيره جدا لأم أو خالا وجهان فينبغي أن يقال يحرمن لكونهن كالخالات وذلك لأن بنت الجد للأم إذا لم تكن أما كانت خالة وكذلك أخت الخال
ولو كان لرجل أم وبنت وأخت وبنت أخ لأب وبنت أخت لأب فارتضع طفل من كل واحدة رضعة فإن قلنا لا يثبت التحريم في الصورة الثانية فهنا أولى وإلا فالأصح أيضا أن لا تحريم لأن هناك يمكن نسبة الرضيع إليه بكونه ابن ابن ونسبته إلى الرضيع بكونه جدا وهنا لا يمكن لاختلاف الجهات ولا يجوز أن يكون بعضه أخا وبعضه ولد بنت وعن ابن القاص إثبات الحرمة فعلى هذا تحرم المرضعات على الرضيع لا بالأمومة بل بجهات فأم الرجل كأنها زوجة أبيه لأن لبنها من أبي الرجل والرضيع كولده وبنت الرجل بنت ابن أبيه فتكون بنت أخيه وأخت الرجل بنت أبيه فتكون أخته وبنت أخي الرجل بنت ابن أبيه فتكون بنت أخيه وبنت أخت الرجل بنت أخته أيضا
ولو كان بدل إحدى هؤلاء المرضعات زوجة أو جدة كان الحكم كما ذكرنا
ولو أرضعت كل واحدة من هؤلاء زوجة الرجل رضعة فانفساخ نكاحه على الوجهين فإن قلنا ينفسخ فإن أرضعن مرتبا غرمت الأخيرة للزوج وإن أرضعن معا اشتركن فيه فإن اختلف عدد الرضعات بأن كن ثلاثا فأرضعت واحدة رضعتين وأخرى كذلك والثالثة رضعة فهل يغرمن أثلاثا على عدد الرؤوس أم أخماسا على عدد الرضعات وجهان وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا أرضعت النسوة الخمس في أوقات متفاصلة فإن أرضعن متواليا وحكمنا بالحرمة

في المتفاصل فهنا وجهان قال ابن القاص لا يثبت لأنهن كالمرأة الواحدة بالنسبة إلى الرجل وإرضاع المرأة إنما يحرم إذا تفرقت أوقاته وأصحهما التحريم لتعدد المرضعات فعلى الأول لو أرضعن متواليا ثم أرضعته إحداهن أربع رضعات صارت أما له على الأصح لأنه ارتضع منها خمسا متفاصلة وقيل لا لأن تلك الرضعة لم تكن تامة ويجري هذا الخلاف في انتقال الرضيع من ثدي إمرأة إلى ثدي أخرى فعلى وجه لا يحسب لواحدة منهما رضعة وعلى الأصح يحسب لكل واحدة رضعة لأن الإشتغال بالإرتضاع من الأخرى قطع الإرتضاع من الأولى فصار كالإشتغال بشىء آخر ويقرب منه خلاف فيما لو ارتضع في الحولين أربع رضعات وتم الحولان في خلال الرضعة الخامسة ففي وجه لا يثبت التحريم لأنها لم تتم في الحولين والأصح ثبوته لأن ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر وذكر ابن كج أنه لو كان يرتضع الرضعة الخامسة فمات أو ماتت المرضعة قبل أن يتمها وجهين في ثبوت التحريم كالوجهين فيما لو قطعت المرضعة

فرع لزيد ابن وابن ابن وأب وجد وأخ ارتضعت صغيرة من زوجة
منهم رضعة فلا تحرم على زيد على الأصح وحرمها ابن القاص على زيد فعلى هذا تحرم على أبيه دون الإبن وابن الإبن لأنها بارتضاع لبن أخي زيد تكون بنت عم لإبن وبنت العم لا تحرم ومتى كان في الخمسة من لا يقتضي لبنه تحريما فلا تحريم
خمسة إخوة ارتضعت صغيرة من لبن زوجة كل واحد رضعة

ففي تحريم الصغيرة على الإخوة الوجهان الأصح المنع
إمرأة لها بنت ابن وبنت ابن ابن وبنت ابن ابن ابن أرضعت العليا طفلا ثلاث رضعات والأخريان رضعة رضعة ففي مصير المرأة جدة للرضيع الوجهان فإن قلنا نعم ففي تحريم المرضعات على الطفل وجهان أحدهما لا لعدم العدد والثاني أن الرضعات من الجهات تجمع إن كانت كل واحدة منها بحيث لو تم العدد منها ثبت التحريم فعلى هذا ينظر إن كانت الوسطى بنت أخي العليا والسفلى بنت أخي الوسطى حرمت العليا عليه لأن إرضاعها لو تم لكان الطفل إبنها وإرضاع الوسطى لو تم لكان الرضيع ابن بنت أخي العليا وإرضاع السفلى لو تم لكان للعليا ابن بنت ابن أخ
وهذه الجهات محرمة فتجمع ما فيها من عدد الرضعات
وإن كانت الوسطى بنت ابن عم العليا والسفلى بنت ابن ابن عمها لم تحرم العليا لأن إرضاع الوسطى لو تم لكان الرضيع للعليا ابن بنت ابن عم وإرضاع السفلى لو تم لكان لها ابن بنت ابن ابن العم وذلك لا يقتضي التحريم وأما الوسطى والسفلى فلا تحرمان عليه بحال لأن إرضاع العليا لو تم لكان للوسطى ابن العمة وللسفلى ابن عمة الأب
ولو أرضعته إحداهن خمس رضعات حرمت هي عليه وحرمت التي فوقها إذا كانت المرضعة بنت أخي التي فوقها لأنها تكون عمة أمه

فرع له زوجتان حلبت كل واحدة من لبنها دفعة ثم خلطا وشربه
ثبت لكل واحدة رضعة ولو شربه مرتين فهل يحسب لكل واحدة رضعتان اعتبارا بوصول اللبن أم رضعة اعتبارا بالحلب وجهان وهو كما سبق فيما لو حلب لبن نسوة وخلط وشربه الطفل دفعة أو دفعات
وأما بين الرضيع والزوج فإن لم نجمع في

حق الزوج رضعات زوجاته ثبت له رضعة واحدة وإن جمعنا ونظرنا إلى الحلب ثبت له رضعتان وإن نظرنا إلى وصول اللبن ثبت أربع رضعات

فرع كان له أربع نسوة وأمة موطوءات أرضعت كل واحدة طفلة بلبن
رضعة قال ابن القاص تفريعا على ثبوت الأبوة لو أرضعته بلبنه تحرم الطفلة عليه لأنها ربيبته وإن كان فيهن من لم يدخل بها لم تحرم عليه لما سبق أنه متى كان فيهن من لو انفردت بالرضعات الخمس لم تثبت الحرمة لا يثبت التحريم


& الباب الثاني فيمن يحرم بالرضاع تحريم الرضاع يتعلق بالمرضعة والفحل الذي له اللبن والطفل الرضيع فهم الأصول في الباب ثم تنتشر الحرمة منهم إلى غيرهم
أما المرضعة فتنتشر الحرمة منها إلى آبائها من النسب والرضاع فهم أجداد الرضيع فإن كان الرضيع أنثى حرم عليهم نكاحها
وإلى أمهاتها من النسب والرضاع فهن جدات للرضيع فيحرم عليه نكاحهن إن كان ذكرا وإلى أولادها من النسب والرضاع فهم إخوته وأخواته وإلى إخوتها وأخواتها من النسب والرضاع فهم أخواله وخالاته ويكون أولاد أولادها أولاد إخوة وأولاد أخوات للرضيع ولا تثبت الحرمة بين الرضيع وأولاد إخوة المرضعة وأولاد أخواتها لأنهم أولاد أخواله وخالاته
وأما الفحل فكذلك تنتشر الحرمة منه إلى آبائه وأمهاته فهم أجداد الرضيع وجداته وإلى أولاده فهم إخوة الرضيع وأخواته وإلى إخوته وأخواته فهم أعمام الرضيع وعماته
وأما المرتضع فتنتشر الحرمة منه إلى أولاده من الرضاع أو النسب فهم أحفاد المرضعة أو الفحل ولا تنتشر إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته فيجوز لأبيه وأخيه أن ينكحا المرضعة وبناتها وقد سبق في النكاح أن أربع نسوة يحرمن من النسب ومثلهن قد لا يحرمن من الرضاع وجعلت تلك الصور مستثناة من قولنا يحرم

من الرضاع ما يحرم من النسب وقد يقال الحرمة في تلك الصور من جهة المصاهرة لا من جهة النسب

فرع إنما تثبت الحرمة بين الرضيع والفحل إذا كان منسوبا إلى الفحل
بأن ينتسب إليه الولد الذي نزل عليه اللبن أما اللبن النازل على ولد الزنا فلا حرمة له فلا يحرم على الزاني أن ينكح الصغيرة المرتضعة من ذلك اللبن لكنه يكره وقد حكينا في النكاح وجها أنه لا يجوز له نكاح بنت زناه التي تعلم أنها من مائه فيشبه أن يجيء ذلك الوجه هنا ولو نفى الزوج ولدا باللعان وارتضعت صغيرة بلبنه لم تثبت الحرمة
ولو أرضعت به ثم لاعن انتفى الرضيع عنه كما ينتفي الولد
فلو استلحق الولد بعد ذلك لحق الرضيع ولم يذكروا هنا الوجهين المذكورين في نكاحه التي نفاها باللعان ولا يبعد أن يسوى بينهما
ولو كان الولد من وطء شبهة فاللبن النازل عليه ينسب إلى الواطىء كما ينسب إليه الولد هذا هو المشهور وفي قول لا تثبت الحرمة من جهة الفحل بلبن وطء الشبهة لأنه لا ضرورة إلى إثبات حرمة الرضاع بخلاف النسب
فرع إذا وطئت منكوحة بشبهة أو وطىء رجلان إمرأة بشبهة أو نكح
إمرأة في العدة جاهلا وأتت بولد وأرضعت باللبن النازل عليه طفلا فهو تبع للولد فإن لحق الولد أحدهما لانحصار الإمكان فيه فالرضيع ولده من الرضاع وإن لم يلحق واحدا منهما لامتناع الإمكان فالرضيع مقطوع عنهما وإن تحقق الإمكان فيهما

عرض الولد على القائف فبأيهما ألحقه تبعه الرضيع فإن لم يكن قائف أو نفاه عنهما أو أشكل توقفنا حتى يبلغ المولود فينتسب إلى أحدهما فإن بلغ مجنونا صبرنا حتى يفيق فإذا انتسب تبعه الرضيع فإن مات قبل الإنتساب وكان له ولد قام مقامه في الإنتساب فإن كان له أولاد فانتسب بعضهم إلى هذا وبعضهم إلى هذا استمر الإشكال فإن لم يكن له ولد وبقي الإشتباه ففي الرضيع قولان أحدهما أنه ابنهما جميعا ويجوز أن يكون لواحد آباء من الرضاع بخلاف النسب وأظهرهما لا يكون ابنهما لأنه تابع للولد فعلى الأول هل يكفي خمس رضعات أم يحتاج إلى عشر وجهان خرجهما الداركي وذكر في البسيط أن معنى هذا القول على ضعفه إثبات أبوتهما ظاهرا دون الباطن وهذا خلاف ما قاله الأصحاب وإن كان القول ضعيفا بالإتفاق
وإذا قلنا بالأظهر فهل للرضيع أن ينتسب بنفسه قولان نص عليهما في الأم أحدهما لا كما لا يعرض على القائف وأظهرهما نعم كما للمولود
والرضاع يؤثر في الأخلاق بخلاف العرض على القائف فإن معظم اعتماده على الأشباه الظاهرة دون الأخلاق مع أن ابن كج نقل عن ابن القطان والقاضي أبي حامد وجهين في العرض على القائف وهو غريب فإن قلنا له الإنتساب فهل يجبر عليه كما يجبر المولود وجهان وقيل قولان أصحهما لا والفرق أن النسب تتعلق به حقوق له وعليه كالميراث والعتق والشهادة وغيرها فلا بد من رفع الإشكال والذي يتعلق بالرضاع حرمة النكاح والإمتناع منه سهل
وإذا انتسب إلى أحدهما كان ابنه وانقطع عن الآخر فله نكاح بنته ولا يخفى الورع وإن لم ينتسب أو قلنا ليس له الإنتساب فليس له أن ينكح بنتيهما جميعا لأن إحداهما أخته وفي الحاوي وجه أنه يجوز ويحكم بانقطاع

الأبوة عنهما وهذا غلط
وهل له أن ينكح بنت أحدهما وجهان أصحهما لا لأن إحداهما أخته فأشبه ما إذا اختلطت أخته بأجنبية
والثاني يجوز وهو ظاهر ما نقله المزني لأن الأصل الحل في كل واحدة فصار كما لو اشتبه ماء طاهر بنجس بخلاف الأخت والأجنبية فإن الأصل في الأخت التحريم فصار كاشتباه الماء بالبول فإنه يعرض عنهما فإن جوزنا نكاح إحداهما فالصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لا يحتاج إلى اجتهاد بخلاف الأواني المشتبهة فإن فيها علامات ظاهرة وذكر الفوراني أنه يجتهد في الرجلين أيهما الأب ثم ينكح بنت من لا يراه أبا وإذا نكح واحدة ثم فارقها فهل له نكاح الأخرى وجهان قال أبو إسحق نعم لأن التحريم غير متعين فصار كمن صلى بالإجتهاد إلى جهة يجوز أن يصلي إلى جهة أخرى باجتهاد آخر
وقال ابن أبي هريرة لا يجوز واختاره القاضي أبو الطيب كالأواني

فصل طلق زوجته أو مات عنها ولها لبن منه فأرضعت به طفلا
تنكح فالرضيع ابن المطلق والميت ولا تنقطع نسبة اللبن بموته وطلاقه سواء ارتضع في العدة أو بعدها وسواء قصرت المدة أم طالت كعشر سنين وأكثر وسواء انقطع اللبن ثم عاد أم لم ينقطع لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه فهو على استمراره منسوب إليه وقيل إن انقطع وعاد بعد مضي أربع سنين من وقت الطلاق لم يكن منسوبا إليه كما لو أتت بولد بعد هذه المدة لا يلحقه هكذا خصص البغوي هذا الوجه بما إذا انقطع وعاد ومنهم من يشعر كلامه بطرده في صورة استمرار اللبن وكيف كان فالصحيح ما سبق
فلو نكحت بعد

العدة زوجا وولدت منه فاللبن بعد الولادة للثاني سواء انقطع وعاد أم لم ينقطع لأن اللبن تبع للولد والولد للثاني
وأما قبل الولادة من الزوج الثاني فإن لم يصبها أو أصابها ولم تحبل أو حبلت ولم يدخل وقت حدوث اللبن لهذا الحمل فاللبن للأول سواء زاد على ما كان أم لا وسواء انقطع ثم عاد أم لا ويقال أقل مدة يحدث فيها اللبن للحمل أربعون يوما
وإن دخل وقت حدوث اللبن للحمل فإما أن ينقطع اللبن مدة طويلة وإما أن لا يكون كذلك بأن لم ينقطع أو انقطع مدة يسيرة ففي الحالة الأولى ثلاثة أقوال أظهرها أنه لبن الأول والثاني أنه للثاني والثالث لهما
وفي الحالة الثانية ثلاثة أقوال أيضا المشهور أنه للأول والثاني لهما والثالث إن زاد اللبن فلهما وإلا فللأول
ولو نزل للبكر لبن فنكحت ولها لبن ثم حبلت من الزوج فحيث قلنا فيما سبق إن اللبن للثاني أو لهما فهنا يكون للزوج وحيث قلنا هو للأول فهو هنا للمرأة وحدها ولا أب للرضيع
ولو حبلت إمرأة من الزنا وهي ذات لبن من زوج فحيث قلنا هناك اللبن للأول أولهما فهو للزوج
وحيث قلنا هو للثاني فلا أب للرضيع
ولو نكحت إمرأة لا لبن لها فحبلت ونزل لها لبن قال المتولي في ثبوت الحرمة بين الرضيع والزوج وجهان بناء على الخلاف إن جعلنا اللبن للأول لم يجعل الحمل مؤثرا ولا تثبت الحرمة حتى ينفصل الولد وإن جعلناه للثاني أولهما ثبتت


الباب الثالث في الرضاع القاطع للنكاح
وحكم الغرم فيه طرفان الأول في الغرم عند انقطاع النكاح
الرضاع الطارىء قد يقطع النكاح وإن لم يقتض حرمة مؤبدة وستأتي أمثلته إن شاء الله تعالى وقد يقطعه لاقتضائه حرمة مؤبدة فكل إمرأة يحرم عليه أن ينكح بنتها إذا أرضعت تلك المرأة زوجته الصغيرة خمس رضعات ثبتت الحرمة المؤبدة وانقطع النكاح
فإذا كان تحته صغيرة فأرضعتها أمه من النسب أو الرضاع أو جدته أو بنته أو حافدته منهما أو زوجة أبيه أو ابنه أو أخيه بلبانهم خمس رضعات انفسخ النكاح
فإن كان اللبن من غير الأب والإبن والأخ لم يؤثر لأن غايته أن تصير ربيبة أبيه أو ابنه أو أخيه وليست بحرام
ولو أرضعتها زوجة أخرى له بلبنه انفسخ النكاح وثبتت الحرمة المؤبدة لأنها بنته وإن كان اللبن لغيره فسنذكره إن شاء الله تعالى ثم الصغيرة التي ينفسخ نكاحها بالرضاع تستحق نصف المسمى إن كان صحيحا أو نصف مهر المثل إن كان فاسدا إلا أن يكون الإنفساخ من جهتها بأن دبت فرضعت من نائمة فإنه لا شىء لها على المذهب كما سنذكره إن شاء الله تعالى ويجب على المرضعة الغرم للزوج سواء قصدت بالإرضاع فسخ النكاح أم لا وسواء وجب عليها الإرضاع بأن لا يكون هناك مرضعة غيرها أم لا لأن غرامة الإتلاف لا تختلف بهذه الأسباب

وفيما إذا لزمها الإرضاع احتمال للشيخ أبي حامد ثم نص هنا أن على المرضعة نصف مهر المثل ونص أن شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا يلزمهم جميع مهر المثل فقيل فيهما قولان نقلا وتخريجا وقيل بتقرير النصين لأن فرقة الرضاع حقيقية فلا توجب إلا النصف
وفي الشهادة النكاح باق في الحقيقة بزعم الزوج والشهود لكنهما حالا بينه وبين البضع فغرما قيمته كالغاصب الحائل بين المالك والمغصوب
فإن قلنا بالقولين فهل هما في كل المسمى ونصفه أم في مهر المثل ونصفه قولان فحصل في الرضاع أربعة أقوال أظهرها عند الجمهور نصف مهر المثل
والثاني جميعه والثالث نصف المسمى والرابع جميعه

فرع نكح العبد صغيرة فأرضعتها إسحق وانفسخ النكاح فللصغيرة نصف المسمى
فكان للسيد كعوض الخلع
فرع صغيرة مفوضة أرضعتها أم الزوج فلها على الزوج المتعة قال ابن
الحداد ويرجع الزوج على المرضعة بالمتعة والأظهر أنه يرجع بنصف مهر المثل هناك وكذا هنا والصورة إذا كانت الصغيرة أمة فزوجها السيد بلا مهر لأن الصغيرة الحرة لا يتصور في حقها التفويض
فرع حلب أجنبي لبن أم الزوج أو كان محلوبا فأخذه وأوجره الصغيرة
فالغرم على الأجنبي وفي قدره الأقوال الأربعة
ولو أوجرها

خمسة أنفس فعلى كل واحد خمس الغرم ولو أوجرها واحد مرة وآخران مرتين مرتين فهل يوزع عليهم أثلاثا أم على عدد الرضعات وجهان أصحهما الثاني

فرع أكرهت على الإرضاع فهل الغرم عليها أم على المكره وجهان أصحهما
عليها قاله الروياني
فرع تحته صغيرة وكبيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاح الصغيرة

ولو أرضعتها جدة الكبيرة أو أختها أو بنت أختها فكذلك
ويجوز في الصور أن ينكح واحدة منهما بعد ذلك ولا يجمعهما
ولو أرضعتها بنت الكبيرة فحكم الإنفساخ كما ذكرنا وتحرم الكبيرة على التأبيد وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة مدخولا بها لكونها ربيبته وحكم مهر الصغيرة على الزوج والغرم على المرضعة كما سبق وكذا القول في الكبيرة إذا قلنا بانفساخ نكاحها ولم تكن ممسوسة فإن كانت فعلى الزوج مهرها المسمى وهل تغرم المرضعة له قولان أحدهما لا لأن البضع بعد الدخول لا يتقوم للزوج ولهذا لو انفسخ النكاح بردتها بعد المسيس لا غرم عليها وأظهرهما تغرم له مهر المثل كما لو شهدوا بالطلاق بعد الدخول ثم رجعوا يغرمون مهر المثل
وكما لو ادعى الزوج أنه راجعها قبل انقضاء العدة فأنكرت وصدقناها بيمينها فنكحت ثم أقرت بالرجعة للأول لا يقبل إقرارها على الثاني وتغرم للأول مهر مثلها لأنها أتلفت بضعها عليه


فرع إنما يجب الغرم في الصور السابقة على أم الزوج ومن في
إذا أرضعت أو مكنت الصغيرة من الإرتضاع ولا يؤثر مع إرضاعها ارتضاع الصغيرة فلا يحال الإنفساخ عليه فلو كانت ذات اللبن نائمة فدبت إليها الصغيرة فارتضعت وانفسخ النكاح أحلنا الإنفساخ على فعل الصغيرة فلا غرم على صاحبة اللبن لأنها لا فعل لها
وقال الداركي عليها الغرم والصحيح الأول ولا مهر للصغيرة على الأصح وقيل لها نصف المسمى ولا أثر لفعلها فعلى الأصح يرجع الزوج في مالها حيث ينفسخ نكاح الكبيرة بنسبة ما يغرم لها من مهر مثلها لأنها أتلفت عليه بضع الكبيرة ولا فرق في غرامة المتلفات بين الكبيرة والصغيرة
ولو وصلت قطرة بتطيير الريح إلى جوف الصغيرة فلها نصف المهر ولا غرم على صاحبة اللبن ويجيء فيه وجه الداركي ولو ارتضعت منها وهي مستيقظة ساكتة فهل يحال الرضاع على الكبيرة لرضاها به أم لا لعدم فعلها كالنائمة وجهان حكاهما ابن كج
قلت الأصح الثاني
والله أعلم
ولو ارتضعت الصغيرة من أم الزوج رضعتين وهي نائمة ثم أرضعتها الأم ثلاث رضعات ففيه الوجهان السابقان في أن الغرم يوزع على المرضعات أو على الرضعات إن قلنا بالأول سقط من نصف المسمى نصفه ويجب على الزوج نصفه وهو الربع وإن قلنا بالثاني سقط من نصف المسمى خمساه ويلزم الزوج ثلاثة أخماسه هكذا قاله صاحبا المهذب و التهذيب وهذا تفريع على الأظهر من

الأقوال السابقة في أن الرجوع بنصف مهر المثل ولو أرضعتها الأم أربع رضعات ثم ارتضعت الصغيرة منها وهي نائمة المرة الخامسة قال المتولي في نظيره لأصحابنا وجهان وهو إذا طلقها ثلاثا متعاقبات هل يتعلق التحريم بالثالثة وحدها أم بالثلاث إن علقنا بالثالثة يحال التحريم على الرضعة الأخيرة وتكون كما لو ارتضعت الخمس وصاحبة اللبن نائمة ولا غرم على الكبيرة ويسقط مهر الصغيرة
وإن علقنا بالثلاث تعلق التحريم هنا بالرضعات وعلى هذا فقياس التوزيع على الرضعات أن يسقط من نصف المهر خمسه ويجب على الزوج أربعة أخماسه ويرجع على المرضعة بأربعة أخماس مهر المثل تفريعا على الأظهر
الطرف الثاني في المصاهرة المتعلقة بالرضاع فمن نكح صغيرة أو كبيرة حرمت عليه مرضعتها لأنها أم زوجته من الرضاع
ولو نكح صغيرة ثم طلقها فأرضعتها إمرأة حرمت المرضعة على المطلق لأنها صارت أم من كانت زوجته ولا نظر إلى التاريخ في ذلك
ولو كانت تحته كبيرة فطلقها فنكحت صغيرا وأرضعته بلبن المطلق حرمت على المطلق أبدا كما تحرم على الصغير لأنها زوجة أبيه
ولو نكحت صغيرا ففسخت نكاحه بغيبة ثم نكحت آخر فأرضعت الأول بلبن الثاني انفسخ نكاحها وحرمت عليهما أبدا لأن الأول صار ابنا للثاني فهي زوجة ابن الثاني وزوجة أبي الأول
ولو جاءت زوجة أخرى للثاني وأرضعت الأول بلبن الثاني انفسخ نكاح التي كانت زوجة الصغير
ولو زوج مستولدته بعبده الصغير فأرضعته بلبن السيد حرمت على السيد والصغير معا أبدا وحكى ابن الحداد أن المزني نقل عن الشافعي أنها لا تحرم على السيد وأن المزني أنكره على الشافعي وعلى ذلك جرى ابن الحداد والأصحاب

فجعلوا نقل المزني غلطا قال الشيخ أبو علي لكن يمكن تخريج ما نقل على قول في العبد الصغير أنه لا يجوز إجباره على النكاح أو على قول في أن أم الولد لا يجوز تزويجها بحال أو على وجه ذكر أنه لا يجوز للسيد تزويج أمته بعبده بحال فإنا إذا لم نصحح النكاح على أحد هذه الآراء لم تكن زوجة الإبن فلا تحرم على السيد
ولو أرضعته بلبن غير السيد انفسخ نكاحه لأنها أمة ولا تحرم على السيد لأنه لم يصر ابنا له وكذا لو أرضعت المطلقة الصغير الذي نكحته بغير لبن الزوج انفسخ النكاح ولا تحرم هي على المطلق
ولو كان تحته صغيرة فأرضعتها أمة له قد وطئها بلبن غيره بطل نكاح الصغيرة وحرمتا أبدا
ولو كان تحت زيد كبيرة وتحت عمرو صغيرة فطلق كل واحد زوجته ونكح زوجة الآخر ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة واللبن لغيرهما حرمت الكبيرة عليهما أبدا لأنها أم زوجتهما فإن كانا دخلا بالكبيرة حرمت الصغيرة عليهما أبدا وإلا فلا تحرم عليهما ولا ينفسخ نكاحها وكذا لو لم يدخل زيد بها حين كانت في نكاحه لا تحرم عليه الصغيرة ولا ينفسخ نكاحها وإذا انفسخ نكاحها فعلى زوجها نصف المسمى ويرجع بالغرم على الكبيرة ولا يجب للكبيرة شىء على زوجها إن لم يدخل بها لأن الإنفساخ منها
ولو كان تحت زيد كبيرة وصغيرة فطلقهما فنكحهما عمرو ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة فحكم تحريمهما عليهما على ما فصلنا وينفسخ نكاحهما وإن لم يدخل عمرو بالكبيرة لاجتماع الأم والبنت في نكاحه


فصل تحته صغيرة وكبيرة أرضعتها الكبيرة انفسخ نكاحهما وحرمت الكبيرة مؤبدا
بها وإلا فلا لأنها ربيبة لم يدخل بأمها وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى وفيما يرجع به على الكبيرة الأقوال الأربعة ولا مهر للكبيرة إن لم يكن مدخولا بها فإن كانت فلها المهر قال الأصحاب ولا نقول يرجع عليها بمهرها لكونها أتلفت عليه بضعها لأنه يؤدي إلى إخلاء نكاحها عن المهر
فلو كانت الكبيرة نائمة فارتضعت منها الصغيرة فلا مهر للصغيرة وللكبيرة نصف المسمى إن لم يدخل بها وجميعه إن دخل ويرجع بالغرم في مال الصغيرة كما سبق
ولو أرضعتها الكبيرة أربع رضعات ثم ارتضعت الصغيرة منها الخامسة وهي نائمة قال المتولي إن قلنا التحريم يتعلق بالرضعات ولم نحله على الرضعة الخامسة سقط خمس مهر الصغيرة بفعلها ونصفه بالفرقة قبل الدخول ويجب على الزوج خمس ونصف ويرجع على الكبيرة بثلاثة أعشار مهر المثل على الأظهر وفي قول بأربعة أخماسه وأما الكبيرة فيسقط أربعة أخماس مهرها بفعلها والباقي بالفرقة قبل الدخول لأن مقتضاها سقوط النصف والباقي دون النصف فيسقط وقياس ما قدمناه عن المهذب و التهذيب أن يقال يسقط الخمس من نصف مهر الصغيرة ويجب أربعة أخماسه وهما خمسا الجملة ويسقط أربعة أخماس نصف مهر الكبيرة ويجب خمسه
ولو كانت الكبيرة أمة نكحها تعلق الغرم برقبتها وإن أرضعت الصغيرة أمته أو أم ولده فلا غرم عليها للزوج لأن السيد لا يستحق على مملوكه مالا
ولو كانت

أمته أو أم ولده فأرضعت الصغيرة فعليها الغرم له فإن عجزها سقطت المطالبة بالغرم
ولو كانت مستولداته الخمس فأرضعن زوجته الصغيرة رضعة رضعة صارت بنتا له على الأصح فينفسخ النكاح ويرجع عليهن بالغرم إن أرضعن وإلا فجميع الغرم على الخامسة ويمكن أن يجيء فيه خلاف في حوالة التحريم على الرضعات فتكون كما لو أرضعن معا

فرع تحته كبيرة وثلاث صغائر فأرضعتهن بلبنه أو بغيره وهي مدخول بها
للكبيرة ونصف المسمى لكل صغيرة وعلى الكبيرة الغرم
فإن لم يكن مدخولا بها وليس اللبن له نظر إن أرضعتهن معا الرضعة الخامسة من لبنها المحلوب أو ألقمت ثنتين ثديها وأوجرت الثالثة من لبنها المحلوب انفسخ نكاح جميعهن وحرمت الكبيرة مؤبدا ولا تحرم الصغائر مؤبدا بل له تجديد نكاح إحداهن ولا يجمع ثنتين لأنهن أخوات
وإن أرضعتهن مرتبا حرمت الكبيرة مؤبدا ولا تحرم الصغائر مؤبدا ثم للترتيب أحوال أحدها أن ترضع ثنتين معا ثم الثالثة فينفسخ نكاح الأوليين ولا ينفسخ نكاح الثالثة لانفرادها ووقوع إرضاعها بعد اندفاع نكاح أمها وأختها
الحال الثاني أن ترضع واحدة أولا ثم ثنتين فينفسخ نكاح الأربع أما الأولى والكبيرة فلاجتماع الأم والبنت وأما الأخريان فلأنهما صارتا أختين
الثالث أن ترضعهن متعاقبا فينفسخ نكاح الأولى مع الكبيرة لما ذكرنا ولا تنفسخ الثانية بمجرد ارتضاعها لأنها ليست محرمة

ولم تجتمع هي وأم ولا أخت فإذا ارتضعت الثالثة انفسخ نكاحها لأنها صارت أختا للثانية التي هي في نكاحه وهل ينفسخ معها نكاح الثانية أم يختص الإنفساخ بالثالثة قولان وينسب الثاني إلى الجديد ورجحه الشيخ أبو حامد والأول إلى القديم وهو الأظهر عند أكثر الأصحاب وبه قال أبو حنيفة وأحمد واختاره المزني فعلى هذا المسألة من المسائل التي رجح فيها القديم
ولو كان تحته كبيرة وصغيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة فقيل ينفسخ نكاحهما قطعا والأصح انفساخ الصغيرة وأن الكبيرة على القولين وبه قال القاضي أبو الطيب
ولو كانت تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية نظر إن أرضعتهما معا انفسخ نكاحهما لأنهما صارتا أختين معا وحرمت الأجنبية مؤبدا لأنها أم زوجتيه وله نكاح إحدى الصغيرتين
وإن أرضعتهما متعاقبا لم تنفسخ الأولى بإرضاعها فإذا أرضعت الثانية انفسخت قطعا وفي انفساخ الأولى القولان الأظهر الإنفساخ

فرع تحته صغيرة وثلاث كبائر أرضعتها كل كبيرة خمسا انفسخ نكاح الجميع
لأن الكبائر أمهات زوجته والصغيرة بنت زوجاته وحرمت الكبائر مؤبدا وكذا الصغيرة إن كان دخل بكبيرة وإلا فله نكاحها
فرع تحته أربع صغائر أرضعتهن أجنبية واحدة بعد واحدة فلا أثر لرضاع
الأولى في نكاح واحدة منهن فإذا ارتضعت الثانية أختا للأولى فينفسخ نكاح الثانية وفي الأولى القولان فإن فسخناها

فإذا أرضعت الثالثة لم ينفسخ نكاحها فإذا أرضعت الرابعة انفسخ نكاحهما وإن قلنا لا ينفسخ نكاح الأولى فإذا أرضعت الثالثة انفسخ نكاحها لأنها صارت أختا للأولى وكذا الرابعة
ولو أرضعتهن معا أو أرضعت ثنتين معا ثم ثنتين معا انفسخ الجميع

فرع تحته صغيرتان وكبيرتان أرضعت كل واحدة من الكبيرتين واحدة من الصغيرتين
الكبيرتان مؤبدا وانفسخ نكاح الصغيرتين في الحال وله تجديد نكاحهما والجمع بينهما لعدم الأخوة
ولو أرضعتهما إحدى الكبيرتين مرتبا انفسخ نكاح الأولى والمرضعة لاجتماع الأم والبنت ولم تنفسخ الصغيرة الثانية فإذا أرضعتهما الكبيرة الثانية بعد إرضاع الأولى على ترتيب الثانية الأولى انفسخ نكاحها بإرضاع الصغيرة الأولى ولم ينفسخ نكاح الصغيرة الثانية لأنه لم يحصل في حقها اجتماع أم وبنت في النكاح
وإن أرضعتهما على عكس ترتيب المرضعة الأولى انفسخ نكاح الجميع وله تجديد نكاح كل صغيرة إن لم يدخل بالكبيرتين ولا يجوز الجمع بينهما
فرع تحته كبيرتان وصغيرة فأرضعتاها دفعة بأن أوجرتاها لبنهما المحلوب المخلوط انفسخ نكاح
إن دخل بكبيرة وإلا فلا تحرم مؤبدا وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى ويرجع على الكبيرتين بالغرم
وأما الكبيرتان

فإن كان دخل بهما فعليه لكل واحدة منهما جميع المسمى ويرجع على كل واحدة منهما بنصف مهر مثل صاحبتها تفريعا على الأظهر وهو إثبات الرجوع في غرم مهر الكبيرة الممسوسة وذلك لأن انفساخ نكاح كل واحدة حصل بفعلها وفعل صاحبتها فسقط النصف لفعلها ووجب النصف على صاحبتها
وإن لم يدخل بواحدة منهما فلكل واحدة منهما ربع المسمى لأن الإنفساخ حصل بفعلهما فسقط بفعل كل واحدة نصف الشطر الواجب قبل الدخول ووجب النصف الآخر ويرجع الزوج على كل واحدة منهما بربع مهر مثل الأخرى تفريعا على الأظهر وهو أن التغريم في حق غير الممسوسة يكون بنصف مهر المثل
وإن كانت إحداهما مدخولا بها دون الأخرى فللمدخول بها تمام المسمى وللأخرى ربع مسماها ويرجع الزوج على التي لم يدخل بها بنصف مهر مثل المدخول بها وعلى المدخول بها بربع مهر مثل التي لم يدخل بها
ولو كانت المسألة بحالها لكن أوجرتها اللبن المخلوط في المرة الخامسة إحدى الكبيرتين وحدها فحكم التحريم كما سبق ويرجع الزوج بمهر الصغيرة على المرضعة في الخامسة وحدها وفيما يرجع به الأقوال
وأما الكبيرتان فالتي لم توجر إن كانت مدخولا بها فلها على الزوج تمام المسمى ويرجع الزوج بمهر مثلها على الموجرة على الأظهر وإن لم يكن مدخولا بها فلها على الزوج نصف المسمى ويرجع بالغرم على الموجرة كما في الصغيرة وأما الموجرة فإن كانت مدخولا بها فلها جميع المهر وإلا فلا شىء لها لأنها سبب الفرقة هذا كله إذا كان من غير الزوج فإن كان لبنه والتصوير كما سبق صارت الصغيرة بنته وحرمت مؤبدا ولو تم التحريم في حق الزوج دون الكبيرتين بأن أرضعت هذه بعض الخمس وهذه بعضها حصل التحريم في حقه على الأصح كما سبق وحرمت الصغيرة مؤبدا لأنها

بنته ولا ينفسخ نكاح الكبيرتين لأنه لم تصر واحدة منهن أما ثم إن حصلت الرضعات متفرقات بأن أرضعت هذه ثلاثا وتلك مرتين فالغرم على التي أرضعت الخامسة كذا ذكره الشيخ أبو علي وقد سبق ما يقتضي خلافا فيه
وإن اشتركتا في الخامسة بأن أرضعت كل واحدة رضعتين ثم أوجرتاها لبنهما المخلوط دفعة فالغرم عليهما بالسوية
ولو حلبت إحداهما لبنها ثلاث دفعات في ثلاثة أوعية والأخرى دفعتين في إنائين ثم جمع الجميع وأوجرته الصغيرة فإن أوجرتها إحداهما فالغرم عليها وإن أوجرتاها فهل تغرمان بالسوية أم أخماسا وجهان أصحهما بالسوية
ولو حلبت إحداهما أربعا في أربعة أوعية والأخرى ثلاثا في ثلاثة ثم خلط وأوجرتاها معا فتغرمان بالسوية أم أسباعا فيه الوجهان

فرع تحته ثلاثة صغائر فجاءت ثلاث خالات للزوج من الأبوين وأرضعت كل
الخالات
فلو جاءت أم أم الزوج بعد ذلك وأرضعت زوجة صغيرة رابعة للزوج حرمت الرابعة مؤبدا لأنها صارت خالته وخالة الصغائر الثلاث واجتمعت هي وهن في النكاح وفي انفساخ نكاح الثلاث القولان السابقان
وكذا الحكم لو أرضعت الرابعة إمرأة أبي أم الزوج بلبنه
ولو كانت الخالات متفرقات وأرضعن الثلاث ثم أرضعت الرابعة أم أم الزوج انفسخ نكاحها ولا ينفسخ نكاح الصغيرة التي أرضعتها الخالة للأب وفي الأخريين القولان
ولو كن متفرقات وأرضعت الرابعة إمرأة أبي الزوج انفسخ نكاح الرابعة ولا ينفسخ نكاح التي أرضعتها الخالة للأم وفي الأخريين القولان


ولو أرضعت الصغائر ثلاث عمات للزوج من الأبوين أو من الأب ثم أرضعت الرابعة أم أبيه أو إمرأة أبي أبيه بلبنه فالحكم كما ذكرنا في الخالات

فرع تحته كبيرة وثلاث صغائر وللكبيرة ثلاث بنات فأرضعت كل واحد منهن
معا أو مرتبا وعلى الزوج مهر الكبيرة بتمامه ويرجع بغرمه على الأظهر عليهن إن أرضعن معا وعلى الأولى إن أرضعن مرتبا ولكل صغيرة على الزوج نصف المسمى ويرجع بالغرم لكل صغيرة على مرضعتها
وإن لم تكن الكبيرة مدخولا بها فإن أرضعن معا المرة الخامسة انفسخ نكاحهن لاجتماع الجدة والحفدة وتحرم الكبيرة مؤبدا دون الصغائر وعلى الزوج نصف المسمى للكبيرة ولكل صغيرة ويرجع بغرم كل صغيرة على مرضعتها وبنصف مهر مثل الكبيرة وعلى الثلاث على كل واحدة سدس وإن أرضعن مرتبا فبإرضاع الأولى تنفسخ الكبيرة وتلك الصغيرة ولكل واحدة منهما نصف المسمى على الزوج ويرجع بالغرم ولا ينفسخ نكاح الأخريين سواء أرضعتا معا أو مرتبا لأنهما لم تصيرا أختين ولا اجتمعت الجدة وهما
ولو أرضعت اثنتان صغيرتين معا ثم أرضعت الثالثة لم ينفسخ نكاح الثالثة وانفسخ نكاح الكبيرة والصغيرتين الأوليين وعلى الزوج نصف المسمى لكل واحدة منهن ويرجع بغرم كل صغيرة على مرضعتها وبغرم الكبيرة على المرضعتين جميعا
فرع نكح صغير صغيرة هي بنت عمه فأرضعت جدتهما أم أبي كل
أحدهما ثبتت الحرمة بينهما وانفسخ النكاح وكذا

الحكم لو كانت أم أبي الصغير غير أم أبي الصغيرة بأن كان أبواهما أخوين لأب فأرضعت إحدى الجدتين أحد الصغيرين بلبن جدهما انفسخ النكاح
ولو نكح صغير بنت عمته الصغيرة فجاءت الجدة التي هي أم أبي الصغير وأم أم الصغيرة فأرضعت أحدهما انفسخ النكاح وكذا لو كانت أم أبي الصغير غير أم أم الصغيرة وأرضعت جدتهما أم أم كل واحد منهما أحدهما انفسخ
ولو نكح صغير بنت خاله فأرضعت جدتهما أم أم الصغير وأم أبي الصغيرة أحدهما انفسخ وتنزيلاتها ظاهرة وبالله التوفيق


الباب الرابع في الإختلاف
فيه ثلاثة أطراف الأول في دعوى الرضاع وحكمها فإذا قال فلانة أختي أو بنتي من الرضاع أو قال فلان أخي أو إبني من الرضاع واتفقا على ذلك لم يحل النكاح بينهما بشرط الإمكان فإن لم يمكن بأن قال فلانة بنتي وهي أكبر سنا منه فهو لغو
وإذا صح الإقرار ثم رجعا أو رجع المقر لم يقبل رجوعه ولا يصح النكاح
ولو اتفق الزوجان على أن بينهما رضاعا محرما فرق بينهما وسقط المسمى ويجب مهر المثل إن دخل بها وإلا فلا شىء
وإن اختلف الزوجان في الرضاع ولا بينة فإن ادعاه الزوج وأنكرته قبل في حقه فقط فيحكم ببطلان النكاح ويفرق بينهما ويجب لها نصف المسمى إن كان قبل الدخول وجميعه إن كان بعده وله تحليفها قبل الدخول وكذا بعده إن كان مهر المثل أقل من المسمى فإن نكلت حلف الزوج ولا شىء لها قبل الدخول ولا يجب أكثر من مهر المثل بعد الدخول
وإن ادعت الرضاع وأنكر فقد سبق في كتاب النكاح أنه إن جرى التزويج برضاها لم يقبل قولها بل يصدق الزوج بيمينه
وإن جرى بغير رضاها فأيهما المصدق بيمينه وجهان ظاهر كلام الشافعي وبه أجاب العراقيون وصححه الغزالي أنه المصدق وذكرنا هناك أن الأصح عند الشيخ أبي علي وجماعة أنها المصدقة وبه

أجاب المتولي والبغوي ونقله القفال عن النص
وإذا مكنت الزوج وقد زوجت بغير رضاها فتمكينها كرضاها والورع للزوج إذا ادعت الرضاع أن يدع نكاحها بتطليقة لتحل لغيره إن كانت كاذبة نص عليه الشافعي رضي الله عنه وليس لها المطالبة بالمسمى إذا ادعت الرضاع لأنها لا تستحقه بزعمها ولها المطالبة بمهر المثل إن جرى دخول فإن كان ذلك بعد دفع الزوج الصداق لم يتمكن من الإسترداد لزعمه ويشبه أن يكون فيما يفعل بذلك المال الخلاف المذكور فيما إذا أقر لغيره بمال فأنكره المقر له

فرع أقرت أمة بأخوة الرضاع لغير سيدها يقبل فإذا اشتراها ذلك الغير
لم يحل له وطؤها وإن أقرت لسيدها لم يقبل بعد التمكين وقبله وجهان
الطرف الثاني في كيفية الحلف في الرضاع
من الأصول الممهدة أن الحالف على فعل غيره يحلف على البت إن كان إثباتا وعلى نفي العلم إن كان نفيا والغرض هنا أن منكر الرضاع يحلف على نفي العلم ومدعيه يحلف على البت يستوي فيه الرجل والمرأة فلو نكلت عن اليمين ورددناها على الزوج أو نقل الزوج ورددناها عليها فاليمين المردودة تكون على البت لأنها مثبتة وقال القفال على نفي العلم وقيل إن غير المنكر منهما على البت وقيل يمينه إذا أنكر على البت ويمينها على نفي العلم والمذهب الأول
ولو ادعت الرضاع فشك الزوج فلم يقع في نفسه صدقها ولا كذبها فإن قلنا الحلف على نفي العلم فله أن يحلف وإن قلنا على البت فلا


الطرف الثالث في الشهادة على الرضاع فيه مسائل إحداها يثبت الرضاع بشهادة رجلين وبرجل وإمرأتين وبأربع نسوة كالولادة ولا يثبت بدون أربع نسوة ولا يثبت الإقرار بالرضاع إلا برجلين وفي التتمة أنه لو كان النزاع في شرب اللبن من ظرف لم تقبل فيه شهادة النسوة المتمحضات لأنه لا يختص باطلاع النساء وإنما تقبل شهادتهن إذا كان النزاع في الإرتضاع من الثدي وأنه تقبل شهادتهن على أن اللبن الحاصل في الظرف لبن فلانة لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا
الثانية لو كان فيمن يشهد بالرضاع أم المرأة أو بنتها على حرمة الرضاع بينها وبين الزوج فإن كان الزوج مدعيا والمرأة منكرة قبلت شهادتها وإن انعكس فلا قال الأصحاب ولا يتصور أن تشهد على أمها أنها ارتضعت من أم الزوج لأن الشهادة على الرضاع تعتبر فيها المشاهدة لكن يتصور أن تشهد أنها أرضعت الزوج أو أرضعته أمها أو أختها ولو شهدت الأم أو البنت من غير تقدم دعوى على سبيل الحسبة قبلت وإن احتمل كون الزوجة مدعية لأن الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة وهذا كما لو شهد أبو الزوجة وابنها أو ابناها ابتداء أن زوجها طلقها قبلت
ولو ادعت الطلاق فشهدا لم تقبل
الثالثة لا تقبل شهادة المرضعة وحدها وهل تقبل شهادتها فيمن يشهد إن ادعت أجرة الرضاع لم تقبل وفي وجه حكاه الماوردي عن أبي إسحق تقبل في ثبوت الحرمة دون الأجرة والصحيح المنع فيهما وإن لم تدع أجرة نظر إن لم تتعرض لفعلها بأن شهدت بأخوة الرضاع بينهما أو على أنهما ارتضعا منها قبلت شهادتها ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية وجواز الخلوة والمسافرة فإن الشهادة لا ترد بمثل

هذه الأغراض
ولهذا لو شهد رجلان أن زيدا طلق زوجته أو أعتق أمته قبل بلا خلاف وإن استفادا حل مناكحتها
وإن شهدت على فعل نفسها فقالت أرضعتهما فوجهان أحدهما لا تقبل كما لا تقبل شهادتها على ولادتها ولا شهادة الحاكم على حكم نفسه بعد العزل ولا القسام على القسمة
وأصحهما تقبل وبه قطع الأكثرون لأنها لا تجر بها نفعا ولا تدفع ضررا بخلاف الولادة فإنه يتعلق بها حق النفقة والإرث وسقوط القصاص وغيرها وتخالف شهادة الحاكم والقسام فإن فعلهما مقصود وفعل المرضعة غير مقصود وإنما المعتبر وصول اللبن إلى الجوف ولأن الشهادة بالحكم والقسمة تتضمن تزكية النفس

فرع إذا لم يتم نصاب الشهادة بأن شهدت المرضعة وحدها أو إمرأة
أو إمرأتان أو ثلاث فالورع أن يترك نكاحها وأن يطلقها إن كان ذلك بعد النكاح
فرع لو شهد اثنان بالرضاع وقالا تعمدنا النظر إلى الثدي لا لتحمل
الشهادة لم تقبل شهادتهما لأنهما فاسقان بقولهما وفي النظر إلى الثدي لتحمل الشهادة خلاف سبق في أول النكاح الأصح الجواز
قلت مجرد النظر معصية صغيرة لا ترد به الشهادة ما لم يصر عليه فاعله ويشترط أيضا أن لا تكون ظهرت توبته بعد ذلك
والله أعلم
بينهما رضاعا محرما أو حرمة الرضاع أو أخوته أو بنوته مقبولة
المسألة الرابعة أطلق جماعة منهم الإمام أن الشهادة المطلقة أن بينهما رضاعا محرما أو حرمة الرضاع أو أخوته أو بنوته مقبولة

وقال الأكثرون لا تقبل مطلقة بل يشترط التفصيل والتعريض للشرائط وهو ظاهر النص قال البغوي وهو الصحيح لاختلاف المذاهب في شروط الرضاع فاشترط التفصيل ليعمل القاضي باجتهاده ويحسن أن يتوسط فيقال إن أطلق فقيه يوثق بمعرفته قبل وإلا فلا وينزل الكلامان عليه أو يخص الخلاف بغير الفقيه وقد سبق مثله في الإخبار بنجاسة الماء
والمانعون من قبول المطلقة ذكروا وجهين في قبول الشهادة المطلقة على الإقرار بالرضاع
ولو قال هي أختي من الرضاع ففي البحر وغيره أنه لا يفتقر إلى ذكر الشروط إن كان فقيها وإلا فوجهان وفرقوا بين الشهادة والإقرار بأن المقر يحتاط لنفسه فلا يقر إلا عن تحقيق
الخامسة إذا شهد الشاهد على فعل الرضاع والإرتضاع لم يكف وكذلك في الإقرار بل لا بد من التعرض للوقت والعدد بأن يشهد أنها أرضعته أو ارتضع منها في الحولين خمس رضعات متفرقات وفي اشتراط ذكر وصول اللبن إلى الجوف وجهان أصحهما نعم وبه قطع المتولي وغيره كما يشترط ذكر الإيلاج في شهادة الزنى
والثاني لا لأنه لا يشاهد قال في البسيط ولا شك أن للقاضي أن يستفصله ولو مات الشاهد قبل الإستفصال هل للقاضي التوقف وجهان

فرع الشاهد قد يستيقن وصول اللبن إلى الجوف بأن يعاين الحلب وإيجار
الصغير المحلوب وازدراده وحينئذ يشهد به ولا إشكال
وقد يشاهد القرائن الدالة عليه وهي التقام الثدي وامتصاصه وحركة

الحلق بالتجرع والإزدراد بعد العلم بأنها ذات لبن وهذا يسلطه على الشهادة ولا يجوز أن يشهد على الرضاع بأن يراها أخذت الطفل تحت ثيابها وأدته منها كهيئة المرضعة لأنها قد توجره لبن غيرها في شىء كهيئة الثدي ولا بأن يسمع صوت الإمتصاص فقد يمتص أصبعه أو أصبعها
ولو شاهد التقام الثدي والإمتصاص وهيئة الإزدراد ولم يعلم كونها ذات لبن فهل له الشهادة لظاهر الحال أم لا لأن الأصل عدم اللبن وجهان أصحهما الثاني ولا يكفي في أداء الشهادة حكاية القرائن بأن يشهد برؤية الإلتقام والإمتصاص والتجرع من غير تعرض لوصول اللبن إلى الجوف ولا للرضاع المحرم وإن كان مستند علمه تلك القرائن لأن معاينتها تطلع على ما لا تطلع عليه الحكاية فإن اطلعته على وصول اللبن فليجزم به على قاعدة الشهادات وبالله التوفيق


كتاب النفقات
لوجوب النفقة ثلاثة أسباب ملك النكاح وملك اليمين وقرابة البعضية فالأولان يوجبان النفقة للمملوك على المالك ولا عكس والثالث يوجبها لكل واحد من القريبين على الآخر لشمول البعضية والشفقة ويشتمل الكتاب على ستة أبواب أما نفقة الزوجة فواجبة بالنصوص والإجماع وفيها ثلاثة أبواب الأول في قدر الواجب وكيفيته وفيه طرفان الأول فيما يجب وهو ستة أنواع الأول الطعام أما قدره فيختلف باختلاف حال الزوج باليسار والإعسار ولا تعتبر فيه الكفاية ولا ينظر إلى حال المرأة في الزهادة والرغبة ولا إلى منصبها وشرفها وتستوي فيه المسلمة والذمية الحرة والأمة فعلى الموسر مدان والمعسر مد والمتوسط مد ونصف والإعتبار بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهو مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم
قلت هذا تفريع منه على أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما والمختار أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم كما ذكرته في باب زكاة النبات
والله أعلم
وحكى الشيخ أبو محمد قولا أن نفقة الزوجة يعتبر فيها الكفاية كنفقة القريب وحكى صاحب التقريب قولا أن المعتبر ما يفرضه القاضي وعليه أن يجتهد ويقدر وهذان القولان شاذان
وحكى ابن كج عن ابن خيران وغيره أن المعتبر عرف الناس في البلد
والمذهب التقدير كما سبق


وفيما يضبط به اليسار والإعسار والتوسط أوجه أحدها العادة وتختلف باختلاف الأحوال والبلاد وبه قطع المتولي وغيره
والثاني أن الموسر من يزيد دخله على خرجه والمعسر عكسه والمتوسط من تساوى خرجه ودخله وبه قال القاضي حسين وحكاه البغوي
والثالث عن الماوردي أن الإعتبار بالكسب فمن قدر على نفقة الموسرين في حق نفسه ومن في نفقته من كسبه لا من أصل ماله فهو موسر ومن لا يقدر على أن ينفق من كسبه فمعسر ومن قدر أن ينفق من كسبه نفقة المتوسطين فمتوسط
والرابع وهو أحسنها وهو الذي ذكره الإمام والغزالي أن من لا يملك شيئا يخرجه عن استحقاق سهم المساكين فهو معسر ومن يملكه ولا يتأثر بتكليف المدين موسر ومن يملكه ويتأثر بتكليف المدين ويرجع إلى حد المسكنة متوسط ولا بد في ذلك من النظر الرخص والغلاء

فرع القدرة على الكسب الواسع لا تخرجه عن الإعسار في النفقة وإن
كانت تخرجه عن استحقاق سهم المساكين
فرع يعتبر في اليسار والإعسار طلوع الفجر فإن كان موسرا حينئذ فعليه
نفقة الموسرين وإن أعسر في أثناء النهار وإن كان معسرا لم تلزمه إلا نفقة المعسرين وإن أيسر في أثناء النهار
فرع ليس على العبد إلا نفقة المعسر وكذا المكاتب وإن أكثر ماله
لضعف ملكه وفيمن بعضه حر وجهان الأصح معسر وإن كثر ماله

لنقص حاله
والثاني أن عليه ببعضه الحر نفقة الموسر إذا كثر ماله فعلى هذا إن كان نصفه حرا ونصفه رقيقا فعليه مد ونصف

فصل وأما جنس الطعام فغالب قوت البلد من الحنطة أو الشعير أو
أو التمر أو غيرها حتى يجب الأقط في حق أهل البادية الذين يقتاتونه
وعن ابن سريج أن المعتبر ما يليق بحال الزوج إلحاقا للجنس بالقدر والصحيح الأول فإن اختلف قوت البلد ولم يكن غالبا وجب ما يليق بحال الزوج
الواجب الثاني الأدم وجنسه غالب أدم البلد من الزيت والشيرج والسمن والتمر والخل والجبن وغيرها ويختلف باختلاف الفصول وقد تغلب الفواكه في أوقاتها فتجب ويعود الوجه السابق في الطعام أن الإعتبار بما يليق بالزوج وأما قدره فقال الأصحاب لا يتقدر بل هو إلى اجتهاد القاضي فينظر في جنس الأدم ويقدر باجتهاده ما يحتاج إليه المد فيفرضه على المعسر وعلى الموسر مثليه والمتوسط بينهما ويجب عليه أن يطعمها اللحم وفي كلام الشافعي رحمه الله أنه يطعمها في كل أسبوع رطل لحم وهو محمول على المعسر وعلى الموسر رطلان والمتوسط رطل ونصف واستحب أن يكون يوم الإعطاء يوم الجمعة فإنه أولى بالتوسيع فيه
ثم قال الأكثرون إنما قال الشافعي رحمه الله هذا على عادة أهل مصر لعزة اللحم عندهم يومئذ وأما حيث يكثر اللحم فيزاد بحسب عادة البلد وقال البغوي يجب في وقت الرخص على الموسر في كل يوم رطل وعلى المتوسط في كل يومين أو ثلاثة وعلى المعسر في كل أسبوع وفي وقت الغلاء يجب في أيام مرة على

ما يراه الحاكم
وقال آخرون منهم القفال لا مزيد على ما ذكره الشافعي في جميع البلاد لأن فيه كفاية لمن قنع ويشبه أن يقال لا يجب الأدم في اليوم الذي يعطيها اللحم ولم يتعرضوا له ويحتمل أن يقال إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم يلزمه الأدم أيضا ليكون أحدهما غداء والآخر عشاء على العادة

فرع لو تبرمت بالجنس الواحد من الأدم فوجهان أحدهما يلزم الزوج إبداله

فرع في أمالي السرخسي أنها لو صرفت شيئا من الأدم إلى القوت
بالعكس أو أبدلت الجنس الذي قبضته من الأدم بجنس آخر جاز ولا اعتراض للزوج وقيل له المنع من إبدال الأشرف بالأخس
فرع لو كانت تقنع بالخبز ولا تأكل الأدم لم يسقط حقها منه
يسقط حقها من الطعام بأن لا تأكل بعضه وعلى الوجه المجوز للزوج منعها من إبدال الأشرف له منعها من ترك التأدم
فرع لها على الزوج آلات الطبخ والأكل والشرب كالكوز والجرة والقدر والمغرفة
والقصعة ونحوها ويكفي كونها من خشب أو حجر

أو خزف قال الإمام وغيره يحتمل أن لا يزاد في الجنس على ذلك ويقال الزيادة من رعونات الأنفس ويجب أن يجب للشريفة الظروف النحاسية للعادة
الواجب الثالث الخادم
النساء صنفان صنف لا يخدمهن أنفسهن في عادة البلد بل لهن من يخدمن فمن كانت منهن فعلى الزوج إخدامها على المذهب وبه قطع الجمهور
وقيل في وجوب الخادم قولان وسواء في وجوب الإخدام كان الزوج معسرا أو موسرا أو مكاتبا أو عبدا والإعتبار بالمرأة في بيت أبيها
فلو ارتفعت بالإنتقال إلى الزوج الخادم لم يجب صرح به في تعليق الشيخ أبي حامد
والواجب خادم واحد وإن ارتفعت مرتبتها ولا يلزمه تمليكها جارية بل الواجب إخدامها بحرة أو أمة مستأجرة أو مملوكة أو بالإتفاق على من صحبتها من حرة أو أمة ويشترط كون الخادم إمرأة أو صبيا أو محرما لها وفي مملوكها والشيخ الهم اختلاف وفي الذمية وجهان لأن النفس تعاف استخدامها ثم إن أخدمها بمستأجرة فليس عليه إلا الأجرة وإن أخدمها مملوكته فعليه نفقتها بالملك وإن أخدمها بكفاية من صحبتها من حرة أو أمة فهذا موضع نفقة الخادم
والقول في جنس طعامها كهو في جنس طعام المخدومة وأما قدره فقيل لا يختلف باختلاف حال الزوج بل يجب مد مطلقا
والصحيح أنه يختلف فعلى المعسر مد والموسر مد وثلث والمتوسط مد على الصحيح وقيل مد وثلث وقيل مد وسدس
وفي استحقاق الخادم الأدم وجهان أحدهما لا ويكتفى بفضل المخدومة
والصحيح نعم
فعلى هذا جنسه جنس أدم المخدومة وفي نوعه وجهان أحدهما كالمخدومة وأصحهما وهو نصه دون نوع أدم المخدومة وطرد الوجهان في نوع

الطعام وفي استحقاق الخادم اللحم وجهان ثم قدر أدمها بحسب الطعام

فرع قالت أنا أخدم نفسي وطلبت الأجرة أو نفقة الخادم لا يلزمه
الغزالي إلى خلاف فيه فعلى المذهب لو اتفقا على ذلك قال المتولي هو على الخلاف في الإعتياض عن النفقة ولو قال الزوج أنا أخدمها لتسقط مؤنة الخادم فليس له ذلك على الأصح لأنها تستحي منه وتعير به وقيل له ذلك وبه قال أبو إسحق واختاره الشيخ أبو حامد وقال القفال وغيره له ذلك فيما لا يستحى منه كغسل الثوب واستقاء الماء وكنس البيت والطبخ دون ما يرجع إلى خدمة نفسها كصب الماء على يدها وحمله إلى المستحم ونحوهما وفي هذا تصريح بأن هذين النوعين من وظيفة الخادم
وعلى هذا إذا تولى بنفسه ما لا يستحى منه فقد تولى عمل الخادم فهل تستحق تمام النفقة أم شطرها أم توزع على الأفعال فيه أوجه وهذا فيه كلامان أحدهما ذكر أبو الفرج الزاز أن الذي يجب على الزوج كفايته في حق المخدومة الشريفة الطبخ والغسل ونحوهما دون حمل الماء إليها للشرب وحمله إلى المستحم لأن الترفع عن ذلك رعونة لا عبرة بها
الثاني قال البغوي يعني بالخدمة ما هو حاجتها كحمل الماء إلى المستحم وصبه على يدها وغسل خرق الحيض ونحوها فأما الطبخ والكنس والغسل فلا يجب شىء منها على المرأة ولا على خادمها بل هو على الزوج إن شاء فعله بنفسه وإن شاء بغيره فالكلامان متفقان على أنه لا يتوظف النوعان على خادم المرأة والإعتماد من الكلام على ما ذكره البغوي
قلت الذي أثبته الزاز من الطبخ والغسل ونحوهما هو فيما يختص بالمخدومة والذي نفاه البغوي منهما هو فيما يختص بالزوج

كغسل ثيابه والطبخ لأكله ونحوه والطرفان متفق عليهما فلا خلاف بين الجميع في ذلك
والله أعلم

فرع تنازعا في تعيين الخادم التي تخدمها من جواريه أو من يستأجرها
فهل المتبع اختيار المخدومة لأن الخدمة لها وقد تكون التي عينتها أرفق بها وأسرع موافقة أم المتبع اختيار الزوج لأن الواجب كفايتها فيه وجهان الصحيح الثاني هذا في الإبتداء أما إذا أخدمها خادما وألفتها أو كانت حملت معها خادما فأراد إبدالها فلا يجوز لأنها تتضرر بقطع المألوف إلا إذا ظهرت ريبة أو خيانة فله الإبدال
فرع لو أرادت استخدام ثانية وثالثة من مالها فللزوج منعهن دخول داره
على واحدة وله أن يمنع أبويها من الدخول عليها وله أن يخرج ولدها من غيره إذا استصحبته
فرع إذا كانت المنكوحة رقيقة لكنها جميلة تخدم في العادة لم يجب
إخدامها على المذهب وبه قطع الأكثرون لنقصها وقيل وجهان ثانيهما يجب للعادة
فرع المبتوتة الحامل هل تستحق نفقة الخادم وجهان بناهما ابن المرزبان على

الصنف الثاني من تخدم نفسها في العادة فينظر إن احتاجت إلى الخدمة لزمانة أو مرض لزم الزوج إقامة من يخدمها ويمرضها وإذا لم تحصل

الكفاية بواحدة لزمه الزيادة بحسب الحاجة وسواء هنا كانت الزوجة حرة أو أمة هذا ما أطلقه الشافعي وجمهور الأصحاب رحمهم الله في المرض ومنهم من فصل فقال إن كان المرض دائما وجب الإخدام وإلا فلا وعلى هذا جرى الآخذون عن الإمام وإن لم يكن عذر محوج إلى الخدمة فليس عليه الإخدام ولو أرادت أن تتخذ خادما من مالها فله منعه من دخول داره قال المتولي وعلى الزوج أن يكفيها حمل الطعام إليها والماء إلى المنزل وشبه ذلك
الواجب الرابع الكسوة فتجب كسوتها على قدر الكفاية وتختلف بطول المرأة وقصرها وهزالها وسمنها وباختلاف البلاد في الحر والبرد ولا يختلف عدد الكسوة بيسار الزوج وإعساره ولكنهما يؤثران في الجودة والرداءة وفي كلام السرخسي وإبرهيم المروذي أنه يعتبر في الكسوة حال الزوجين جميعا فيجب عليه ما يلبس مثله مثلها
وأما عدد الكسوة فيجب في الصيف قميص وسراويل وخمار وما تلبسه في الرجل من مكعب أو نعل وفي الشتاء تزاد جبة محشوة وقد يقام الإزار مقام السراويل والفرو مقام الجبة إذا كانت العادة لبسهما كذا قاله المتولي وعن المنهاج للجويني أن السراويل لا تجب في الصيف وإنما تجب في الشتاء وفي الحاوي أن نساء أهل القرى إذا جرت عادتهن أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في البيوت لم يجب لأرجلهن شىء
وأما جنس الكسوة فقد قال الشافعي رضي الله عنه يكسوها الموسر جميع ذلك من لين البصرة أو الكوفة أو وسط بغداد والمعسر من غليظها والمتوسط ما بينهما وأراد المتخذ من القطن فإن جرت عادة البلد بالكتان أو الخز أو الحرير فوجهان أحدهما عن الشيخ أبي

محمد لا يلزم ذلك وأصحهما اللزوم وتفاوت بين الموسر والمعسر في مراتب ذلك الجنس قال الأصحاب وإنما ذكر الشافعي ما ذكر على عادة ذلك الوقت لكن لو كان عادة البلد لبس الثياب الرقيقة كالقصب الذي لا يصلح ساترا ولا تصح فيها الصلاة لم يعطها منه لكن من الصفيق الذي يقرب منه في الجودة كالديبقي والكتان المرتفع قال السرخسي وإذا لم تستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود يجب من الحطب أو الفحم بقدر الحاجة

فرع هذا المذكور حكم لباس البدن وأما الفرش فعلى الزوج أن يعطيها
ما تفرشه للقعود عليه ويختلف ذلك باختلاف حال الزوج قال المتولي فعلى الموسر طنفسة في الشتاء ونطع في الصيف وعلى المتوسط زلية وعلى الفقير حصير في الصيف ولبد في الشتاء وتشبه أن تكون الطنفسة والنطع بعد بسط زلية أو حصير فإن الطنفسة والنطع لا يبسطان وحدهما وهل عليه فراش تنام عليه وجهان أحدهما لا وتنام على ما يفرشه نهارا وأصحهما نعم للعادة فعلى هذا يلزمه مضربة وثيرة أو قطيفة ويجب لها مخدة ولحاف أو كساء في الشتاء وفي البلاد الباردة بلا خلاف ويكون كل ذلك لامرأة الموسر من المرتفع ولامرأة المعسر من النازل والمتوسط وذكر الغزالي يجب أيضا شعار ولم يتعرض له الجمهور والحكم في جميع ذلك مبني على العادة نوعا وكيفية حتى قال الروياني في البحر لو كانوا

لا يعتادون في الصيف لنومهم غطاء غير لباسهم لم يلزم شىء آخر

فرع تجب للخادم الكسوة كالنفقة فلا بد من قميص وفي السراويل وجهان
أصحهما عند البغوي والروياني تجب وكلام الجمهور يميل إلى عدم الوجوب وأما المقنعة فأطلق جماعة وجوبها وقال المتولي تجب في الشتاء وكذا في الصيف إن كانت حرة فإن كانت أمة لم تجب إن كانت عادة إماء البلد كشف الرأس
قلت الصحيح القطع بالوجوب مطلقا
والله أعلم
ويجب للخادم في الشتاء جبة أو فرو ويجب الخف للخادم دون المخدومة ويجب لها ما تلتحف به عند الخروج وأما ما يفرش وتنام فيه فقد قال المتولي لا بد من شىء تجلس عليه كبارية في الصيف وقطعة لبد في الشتاء ولا بد من مخدة وشىء تتغطى به في الليل من كساء ونحوه قال في البحر ولا يجب لها الفراش بل يكتفى بالوسادة والكساء وما وجب يجب مما يليق بالخادم جنسا ونوعا ويكون دون كسوة المخدومة
فرع قياس مسائل الباب أنه يجب زيادة على الجبة الواحدة حيث يشتد
البرد ولا تكفي الواحدة
الواجب الخامس آلات التنظف فعلى الزوج للزوجة ما تتنظف به وتزيل الأوساخ التي تؤذيها وتؤذي بها كالمشط والدهن وما تغسل به الرأس من سدر أو خطمي أو طين على عادة البقعة والرجوع

في قدرها إلى العادة ويجب من الدهن ما يعتاد استعماله غالبا كالزيت والشيرج وغيرهما وإذا اعتادوا التطيب بالورد أو البنفسج وجب المطيب وأبدى الإمام وغيره احتمالا في الدهن إذا قال الزوج هو للتجمل وأنا لا أريده
والذي عليه الأصحاب القطع بالوجوب وأما ما يقصد للتلذذ والإستمتاع كالكحل والخضاب فلا يلزم الزوج بل ذلك إلى اختياره فإن شاء هيأه لها وإذا هيأ لها أسباب الخضاب لزمها الإختضاب ومن هذا القبيل الطيب ولا يجب إلا ما يقصد به قطع السهوكة ويجب المرتك أو ما في معناه لدفع الصنان إذا لم ينقطع بالماء والتراب وفيه وجه ضعيف

فرع للزوج منعها من تعاطي الثوم وما له رائحة مؤذية على الأظهر
وقد ذكرناه في كتاب النكاح وله منعها من تناول السموم بلا خلاف ولكل أحد المنع وهل له منعها من أكل ما يخاف منه حدوث مرض وجهان أصحهما نعم
فرع لا تستحق الزوجة الدواء للمرض ولا أجرة الطبيب والفصاد والحجام والختان
ما يحفظ العين المكراة ويلزم الزوج الطعام والأدم في أيام المرض ولها صرف ما تأخذه إلى الدواء ونحوه


فرع هل على الزوج أجرة الحمام لها وجهان أحدهما لا تجب إلا
اشتد البرد وعسر الغسل إلا في الحمام واختاره الغزالي وأصحهما وبه قطع البغوي والروياني وغيرهما الوجوب إلا إذا كانت من قوم لا يعتادون دخوله فإن أوجبناها قال الماوردي إنما تجب في كل شهر مرة
فرع إذا احتاجت إلى شراء الماء للغسل إن كانت تغتسل من الإحتلام
لم يلزم الزوج قطعا وكذا إن اغتسلت عن الحيض على الأصح وإن اغتسلت عن الجماع والنفاس لزمه على الأصح لأنه بسببه وينظر على هذا القياس في ماء الوضوء إلى أن السبب منه كاللمس أم لا فرع لا يلزمه أن يضحي عن زوجته نذرت التضحية أم لا
فرع لا يجب للخادمة آلات التنظف لأنها لا تتنظف له بخلاف المخدومة
بل اللائق بالخادمة أن تكون شعثة لئلا تمتد إليها العين لكن لو كثر الوسخ وتأذت بالهوام لزمه أن يعطيها ما تترفه به كذا استدركه القفال واستحسنوه وأطلق صاحب العدة وجهين في أنه هل يعطي الخادمة الدهن والمشط


فرع في وجوب تجهيز الزوجة الميتة وجهان سبقا في الجنائز ويجريان في
تبقى في الغسل والإرث وكذا في التجهيز
الواجب السادس الإسكان فيجب لها مسكن يليق بها في العادة وقال المتولي يليق بالزوجين جميعا وله إسكانها في المملوك والمستأجر والمستعار بلا خلاف
الطرف الثاني في كيفية الانفاق في هذه الواجبات هي ضربان الأول ما ينتفع به باستهلاكه كالطعام وفيه مسائل إحداها يجب التمليك في الطعام والأدم وما يستهلك من آلة التنظف كالدهن والطين وإذا أخذت نفقتها فلها التصرف فيها بالإبدال والبيع والهبة وغيرها لكن لو قترت على نفسها بما يضرها فله منعها
ونفقة الخادم يجب فيها التمليك أيضا قاله الأصحاب وقد سبق أن موضع وجوب نفقة الخادم إذا أخدمها بمملوكتها أو بحرة غير مستأجرة فإن كانت مملوكتها فيملكها نفقتها كما يملكها نفقة نفسها وإن كانت حرة فيجوز أن يقال يملكها نفقتها كما يملك الزوجة وتستحق المرأة المطالبة بذلك لتوفر حق الخدمة ويجوز أن يقال يملك الزوجة لتدفعها إلى الخادمة وعلى هذا لها أن تتصرف في المأخوذ وتكفي مؤنة الخادمة من مالها
المسألة الثانية لو قبضت الزوجة النفقة فتلفت أو سرقت لا يلزمه إبدالها


الثالثة الذي يجب تمليكه من الطعام الحب كما في الكفارة لا الخبز والدقيق فلو طلبت غير الحب لم يلزمه ولو بذل غيره لم يلزمها قبوله وهل عليه مع الحب مؤنة طحنه وخبزه أوجه أحدها لا كالكفارة وبه قطع ابن كج
والثاني إن كانت من أهل القرى الذين عادتهم الطحن والخبز بأنفسهم فلا وإلا فنعم وبه قال الماوردي وأصحها الوجوب مطلقا لأنها في حبسه بخلاف الكفارة وعلى هذا تجب مؤنة طبخ اللحم وما يطبخ به
ولو باعت الحب أو أكلته حبا ففي استحقاقها مؤنة إصلاحه احتمالان للإمام
الرابعة ليس له تكليفها الأكل معه لا مع التمليك ولا دونه
الخامسة لو كانت تأكل معه على العادة ففي سقوط نفقتها وجهان أقيسهما وهو الذي ذكره الروياني في البحر لا تسقط وإن جريا على ذلك سنين لأنه لم يؤد الواجب وتطوع بغيره
والثاني تسقط فإنه اللائق بالباب
قال الغزالي وهذا أحسنهما لجريان الناس عليه في الأعصار واكتفاء الزوجات به ولأنها لو طلبت النفقة للزمن الماضي والحالة هذه لاستنكر وبنى بعضهم هذا على المعاطاة إن جعلناها بيعا برئت ذمته عن النفقة وإلا فلا وعليها غرامة ما أكلت ثم الوجهان في الزوجة البالغة أو صغيرة أكلت معه بإذن القيم فأما إذا لم يأذن القيم فالزوج متطوع ولا تسقط نفقتها بلا خلاف
قلت الصحيح من الوجهين سقوط نفقتها إذا أكلت معه برضاها وهو الذي رجحه الرافعي في المحرر وعليه جرى الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده من غير نزاع ولا إنكار ولا خلاف ولم ينقل أن امرأة طالبت بنفقة بعده ولو كانت لا تسقط مع علم النبي

صلى الله عليه وسلم بإطباقهم عليه لأعلمهم بذلك واقتصه من تركة من مات ولم يوفه وهذا مما لا شك فيه
والله أعلم
السادسة لو تراضيا باعتياضها عن النفقة دراهم أو دنانير أو ثيابا ونحوها جاز على الأصح
ولو اعتاضت خبزا أو دقيقا أو سويقا فالمذهب أنه لا يجوز وهو الذي رجحه العراقيون والروياني وغيره لأنه ربا وقطع البغوي بالجواز لأنها تستحق الحب وإصلاحه وقد فعله ولا يجوز الإعتياض عن نفقة زمن مستقبل ولا بيع نفقة حالة لغير الزوج قبل قبضها قطعا
السابعة النفقة تستحق يوما فيوما ولها المطالبة بها إذا طلع الفجر كل يوم كذا قاله الجمهور وفي المهذب إذا طلعت الشمس
ولو قبضت نفقة يوم ثم ماتت أو أبانها في أثناء النهار لم يكن له الإسترداد بل المدفوع لورثتها لوجوبه بأول النهار
ولو ماتت أو أبانها في أثناء النهار ولم تكن قبضت نفقة يومها كانت دينا عليه
وفي كتاب ابن كج له الإسترداد والصحيح الأول وبه قطع الجمهور
ولو نشزت في النهار فله الإسترداد قطعا ولو قبضت نفقة أيام أو شهر فهل تملك الزيادة على نفقة اليوم وجهان أحدهما لا للشك في استمرار الإستحقاق
وأصحهما نعم كالأجرة والزكاة المعجلة فعلى هذا لو نشزت استرد نفقة المدة الباقية وإن ماتت أو أبانها استرد أيضا على الأصح كالزكاة المعجلة وقيل لا لأنها صلة مقبوضة
وإذا قلنا لا تملك إلا نفقة يوم فكلما دخل يوم ملكت نفقته
الثامنة نفقة الخادم في وقت وجوب التسليم وفي استرداد المدفوع إليها كنفقة المخدومة بلا فرق


الضرب الثاني ما تنتفع به مع بقاء عينه كالكسوة وفيها وجهان أحدهما لا يجب تمليكها وبه قال ابن الحداد واختاره القفال بل يكون إمتاعا كالمسكن والخادم
وأصحهما وينسب إلى النص يجب تمليكها كالنفقة والأدم وكسوة الكفارة ويجري الخلاف في كسوة الخادم وطرده البغوي في كل ما ينتفع به مع بقاء عينه كالفرش وظروف الطعام والشراب والمشط وألحق الغزالي في البسيط الفرش والظروف بالمسكن
واعلم أن الكسوة تدفع إليها في كل ستة أشهر ثم تجدد كسوة الصيف للصيف والشتاء للشتاء وأما ما يبقى سنة أو أكثر كالفرش والبسط والمشط فإنما تجدد في وقت تجديده وكذلك جبة الخز والإبريسم لا يجدد في كل شتوة وعليه تطريتها على العادة ويتفرع على الوجهين في وجوب تمليك الكسوة صور
منها لو سلم إليها كسوة الصيف فتلفت في يدها قبل مضي الصيف فلا تقصير لزمه الإبدال إن قلنا الكسوة إمتاع وإلا فلا على الصحيح
ولو أتلفتها أو تمزقت قبل أوان التمزق لكثرة ترددها فيها وتحاملها عليها فإن قلنا الكسوة تمليك لم يلزم الإبدال وإن قلنا إمتاع لزمها قيمة ما أتلفت ولزمه الإبدال
ومنها لو سلم إليها كسوة الصيف فماتت في أثنائه أو مات الزوج أو أبانها فله استردادها إن قلنا إمتاع وإلا فلا على الصحيح
ومنها إذا لم يكسها مدة صارت الكسوة دينا عليه إن قلنا بالتمليك وإلا فلا
ومنها إن قلنا إمتاع لم يجز الإعتياض عنها كما لا يجوز للقريب أن يعتاض عن نفقته وإن قلنا تمليك ففي الإعتياض الخلاف السابق في الإعتياض عن النفقة


ومنها لو أعطاها كسوة الصيف فمضى الصيف وهي باقية لرفقها بها فعليه كسوة الشتاء إن قلنا بالتمليك وعلى الإمتاع لا يلزمه إلا ما يزاد للشتاء حتى يبلى ما عندها
ومنها له أن يأخذ المدفوع منها ويعطيها غيره إن قلنا بالإمتاع وإلا فلا إلا برضاها
ومنها لو ألبسها ثيابا مستعارة أو مستأجرة لم يجز على قولنا تمليك ويجوز على الإمتاع فإن تلف المستعار فالضمان على الزوج
ومنها ليس بيع المقبوض إن قلنا إمتاع ويجوز على التمليك كالقوت فعلى هذا وجهان أحدهما ليس لها أن تلبس دون المقبوض كما في النفقة وأصحهما المنع لأن للزوج غرضا في تجملها

فرع ليس للزوج أن يدفع إليها ثمن الكسوة بل يجب تسليم الثياب
مؤنة الخياطة


الباب الثاني في مسقطات النفقة
للباب مقدمة وأصل أما المقدمة فلا خلاف أن وقت وجوب تسليم النفقة صبيحة كل يوم والكسوة أول كل صيف وشتاء كما سبق وذلك بعد حصول التمكين وأما وقت ثبوتها في الذمة فللنفقة تعلق بالعقد والتمكين فإنها لا تجب قبل العقد ولكن تسقط بالنشوز وفيما تجب به قولان القديم تجب بالعقد كالمهر ولا تتوقف على التمكين بدليل وجوبها للمريضة والرتقاء لكن لو نشزت سقطت فالعقد موجب والنشوز مسقط وإذا حصل التمكين استقر الواجب يوما فيوما كالأجرة المعجلة إلا أن الأجرة يجب تسليمها بالعقد جملة للعلم بها والنفقة غير معلومة الجملة والجديد الأظهر أنها لا تجب بالعقد بل بالتمكين يوما فيوما فلو اختلفا فقالت مكنت من وقت كذا
وأنكر الزوج ولا بينة فإن قلنا بالجديد فالقول قول الزوج وإلا فقولها لأن الأصل بقاء ما وجب بالعقد وقيل القول قوله قطعا
ولو اتفقا على التمكين وقال أديت نفقة المدة الماضية وأنكرت فالقول قولها سواء كان الزوج حاضرا عندها أم غائبا ولو لم يطالبها الزوج بالزفاف ولم تمتنع هي منه ولا عرضت نفسها عليه ومضت على ذلك مدة فإن قلنا بالقديم وجبت نفقة تلك المدة وإن قلنا بالجديد فلا
ولو توافقا على التمكين وادعى أنها بعده نشزت وأنكرت فالصحيح أن القول قولها لأن الأصل البراءة قال الأصحاب إذا سلمت نفسها

إلى الزوج فعليه النفقة من وقت التسليم
ولو بعثت إليه إني مسلمة نفسي فعليه النفقة من حين بلغه الخبر فإن كان غائبا رفعت الأمر إلى الحاكم وأظهرت له التسليم والطاعة ليكتب إلى حاكم بلد الزوج فيحضره ويعلمه الحال فإن سار إليها عند إعلامه أو بعث إليها وكيله فتسلمها وجبت النفقة من حين التسليم وإن لم يفعل ومضى زمن الوصول إليها فرض القاضي نفقتها في ماله وجعل كالمتسلم لأن الإمتناع منه
قال المتولي فإن لم يعرف موضعه كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تردها القوافل من تلك البلدة في العادة ليطلب وينادى باسمه فإن لم يظهر فرض القاضي نفقتها في ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرف إليها لاحتمال وفاته وطلاقه ومن الأصحاب من لم يتعرض للرفع إلى القاضي ولا لكتابه وقال تجب النفقة من حين تصله ويمضي زمن إمكان القدوم عليها وكذا ذكره البغوي
أما إذا لم تعرض نفسها على الزوج الحاضر أو الغائب ولا بعثت إليه فلا نفقة لها وإن طالت المدة تفريعا على الجديد ولا تؤثر غيبة الزوج بعد التسليم ما دامت مقيمة على الطاعة
وإن طالت المدة هذا كله إذا كانت عاقلة بالغة فأما المراهقة والمجنونة فلا اعتبار بعرضهما وبذلهما الطاعة وإنما الإعتبار فيهما بعرض الولي
ولو سلمت المراهقة نفسها فتسلمها الزوج ونقلها إلى داره وجبت النفقة وكذا لو سلمت الزوجة نفسها إلى الزوج المراهق بغير إذن الولي وجبت النفقة بخلاف تسليم المبيع إلى المراهق لأن المقصود هناك أن تصير اليد للمشتري واليد في عقد المراهق للولي لا له

فصل وأما الأصل فبيان موانع النفقة وهي أربعة الأول النشوز فلا نفقة
لناشزة وإن قدر الزوج على ردها

إلى الطاعة قهرا فلو نشزت بعض النهار فوجهان أحدهما لا شىء لها 0
والثاني لها بقسط زمن الطاعة إلا أن تسلم ليلا وتنشز نهارا أو بالعكس فلها نصف النفقة ولا ينظر إلى طول الليل وقصره وبالوجه الثاني قطع السرخسي ومنهم من رجح الأول وهو أوفق لما سبق فيما إذا سلم السيد الأمة المزوجة ليلا فقط ونشوز المراهقة والمجنونة كالبالغة العاقلة

فرع امتناعها عن الوطء والإستمتاع والزفاف بغير عذر نشوز فلو قالت سلم
إذ ليس لها الإمتناع والحالة هذه وإذا لم يجر دخول والمهر حال فلها النفقة من حينئذ هذا هو المذهب وفيه خلاف سبق في كتاب الصداق
ولو حل المؤجل فهل هو كالمؤجل أم كالحال وجهان وبالأول قطع البغوي لأن العقد لم يثبت هذا الإمتناع
ولو كانت مريضة أو كان بها قرح يضرها الوطء فهي معذورة في الإمتناع عن الوطء وعليه النفقة إذا كانت عنده
وكذا لو كان الرجل عبلا وهو كبير الذكر بحيث لا تحتمله فإن أنكر القرح المانع من الوطء فلها إثباته بقول النسوة وهل يشترط أربع نسوة لأنه شهادة يسقط بها حق الزوج أم تكفي إمرأة ويجعل إخبارا وجهان أصحهما الأول وبالثاني قال أبو إسحق وكذا لو أنكر الضرر بسبب العبالة يرجع فيه إلى النسوة ولا بأس بنظرهن إليه عند اجتماعهما ليشهدن وليس لها الإمتناع من الزفاف بعذر عبالته كما سبق في أول كتاب الصداق ولها الإمتناع بعذر المرض لأنه متوقع الزوال


فرع لو قالت لا أمكن إلا في بيتي أو في موضع كذا
ناشزة
فرع هربها وخروجها من بيت الزوج وسفرها بغير إذنه نشوز ويستثنى عن
الزوج فأخرجت فإن سافرت بإذنه فإن كان معه أو وحدها في حاجته وجبت نفقتها فإن كانت وحدها لحاجتها فلا نفقة على الأظهر وقيل لا نفقة قطعا وعن ابن الوكيل طرد القولين فيما إذا كانت معه لحاجة نفسها وقطع الجمهور في هذه الصورة بالوجوب
فرع تجب النفقة للمريضة والرتقاء والمضناة التي لا تحتمل الجماع سواء
وقد سلمت التسليم الممكن وتمكن من الإستمتاع بها من بعض الوجوه وكذا حكم أيام الحيض والنفاس قال البغوي ولو غصبت فلا نفقة وإن كانت معذورة لخروجها عن قبضته وفوات الإستمتاع بخلاف المريضة
قلت ولو حبست ظلما أو بحق فلا نفقة كما لو وطئت بشبهة فاعتدت
والله أعلم
فرع نشزت فغاب الزوج فعادت إلى الطاعة فهل يعود استحقاق النفقة وجهان
ليقضي بطاعتها ويخبر الزوج بذلك فإذا عاد إليها

أو بعث وكيله فاستأنف تسلمها عادت النفقة وإن مضى زمن إمكان العود ولم يعد ولا بعث وكيله عادت النفقة أيضا

فرع خرجت في غيبة الزوج إلى بيت أبيها لزيارة أو عيادة لا
النشوز لا تسقط نفقتها ذكره البغوي
المانع الثاني الصغر فإذا كانت صغيرة وهو كبير أو صغير فلا نفقة لها على الأظهر وإن كانت كبيرة وهو صغير وجبت النفقة على الأظهر وقيل قطعا وقيل إن علمت صغره فقولان وإلا فتجب قطعا
ثم موضع الخلاف ما إذا سلمت إلى الزوج أو عرضت عليه فإن لم يوجد تسليم ولا عرض فالحكم كما سبق في الكبيرة وفي الوسيط ما يقتضي خلافه والمذهب الأول وإذا كان الزوج صغيرا كان العرض على وليه لا عليه والمراد بالصغيرة والصغير من لا يتأتى جماعه وبالكبير من يتأتى منه الجماع ويدخل فيه المراهق
المانع الثالث العبادات وفيه مسائل إحداها إذا أحرمت بحج أو عمرة فلها حالان أحدهما أن تحرم بإذنه فإذا خرجت فقد سافرت في غرض نفسها فإن كان الزوج معها لم تسقط على المذهب كما سبق وإلا فتسقط على الأظهر وسواء خرجت بإذنه أم بغيرها ولا أثر لنهيه عن الخروج لوجود الإذن في الإحرام وعن القفال أنه إذا نهاها عن الخروج فلا نفقة قطعا أما قبل الخروج فوجهان أحدهما لا نفقة لفوات الإستمتاع وأصحهما وجوبها لأنها في قبضته وتفويت الإستمتاع بسبب إذن فيه
الحال الثاني أن تحرم بغير إذنه فقد سبق في الحج أن له أن يحللها من حج التطوع وكذا من الفرض على الأظهر فإن جوزنا له

التحليل فلم يحلل فلها النفقة ما لم تخرج لأنها في قبضته وهو قادر على تحليلها والإستمتاع وقيل لا نفقة لأنها ناشزة بالإحرام والناشزة لا تستحق نفقة وإن قدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا والصحيح الأول
فإذا خرجت بغير إذنه فلا نفقة فإن خرج معها فعلى ما سبق وإن أذن في الخروج فعلى القولين في السفر بإذنه وإن قلنا ليس له التحليل فهي ناشزة من وقت الإحرام وقيل لها النفقة ما دامت مقيمة والصحيح الأول وحكي وجه شاذ أن الإحرام لا يسقط النفقة مطلقا لأنها تسقط به فرضا عليها
المسألة الثانية في الصوم أما صوم رمضان فلا تمنع منه ولا تسقط النفقة بحال وأما قضاء رمضان فإن تعجل لتعديها بالإفطار لم تمنع منه ولم تسقط به النفقة على الأصح وإن فات الأداء بعذر وضاق وقت القضاء بأن لم يبق من شعبان إلا قدر القضاء فهو كأداء رمضان وإن كان الوقت واسعا فقطع الأكثرون بأن له منعها من المبادرة إليه كصوم التطوع وقيل في جواز منعها وجهان وفي جواز إلزامها الإفطار إذا شرعت فيه وجهان مخرجان من القولين في التحليل من الحج فإن قلنا لا يجوز ففي سقوط النفقة وجهان أحدها تسقط كالحج والثاني لا لقصر الزمان وقدرته على الإستمتاع ليلا
قلت الأصح السقوط
والله أعلم
وأما صوم التطوع فلا تشرع فيه بغير إذن الزوج فإن أذن لم تسقط به نفقتها وإن شرعت فيه بلا إذن فله منعها وقطعه فإن أفطرت فلها النفقة وإن أبت فلا نفقة على الأصح وقيل تجب لأنها في داره وقبضته وحاصل هذا الوجه أن صوم التطوع لا يؤثر في النفقة وقيل إن دعاها إلى الأكل فأبت لم تسقط نفقتها وإن

دعاها إلى الوطء فأبت سقطت لمنعها حقه وإذا قلنا بسقوط النفقة بامتناعها فعن الحاوي أن ذلك فيما إذا أمرها بالإفطار في صدر النهار فلو اتفق في آخره لم تسقط لفوت الزمان واستحسنه الروياني ولم يتعرض الجمهور لهذا التفصيل
ولو نكحها وهي صائمة قال إبرهيم المروذي لا يجبرها على الإفطار وفي النفقة وجهان
وأما صوم النذر فإن كان نذرا مطلقا فللزوج منعها منه على الصحيح لأنه موسع وإن كانت أياما معينة نظر إن نذر بها قبل النكاح أو بعده بإذنه فليس له منعها وإلا فله ذلك وحيث قلنا له المنع فشرعت فيه وأبت أن تفطر فعلى ما ذكرنا في صوم التطوع
وأما صوم الكفارة فهو على التراخي فللزوج منعها منه وعن الماوردي أنه إذا لم يمنعها حتى شرعت فيه فهل له إجبارها على الخروج منه وجهان وحيث قلنا تسقط النفقة بالصوم فهل تسقط جميعها أم نصفها للتمكن من الإستمتاع ليلا وجهان في التهذيب
قلت أرجحهما سقوط الجميع وقد سبق قريبا نظيره فيمن سلمت ليلا فقط أو عكسه
والله أعلم
المسألة الثالثة فرائض الصلوات الخمس لا منع منها ولا تؤثر في النفقة بحال وهل له منعها من المبادرة بها في أول الوقت وجهان الأصح المنصوص ليس له لأن زمنها لا يمتد بخلاف الحج والتطوعات المطلقة كصوم التطوع وفي السنن الراتبة وجهان أصحهما ليس له منعها لتأكدها وله منعها من تطويلها وصوم يوم عرفة وعاشوراء كرواتب الصلاة وصوم الإثنين والخميس كالتطوع المطلق فله منعها قطعا وله منعها من الخروج لصلاة العيدين والكسوفين وليس

له المنع من فعلها في المنزل وقضاء الصلاة وفعل المنذورة كمثلهما في الصوم
المسألة الرابعة الإعتكاف إن خرجت له إلى المسجد بإذنه وهو معها لم تسقط نفقتها وإن لم يكن معها فعلى الخلاف في الخروج للحج وقيل إن لم تزد على يوم لم يؤثر قطعا فإن كان بغير إذنه نظر إن كان تطوعا أو نذرا مطلقا أو معينا نذرته بعد النكاح سقطت نفقتها وإن كان معينا نذرته قبل النكاح فلا منع منه ولا تسقط به النفقة

فصل أجرت نفسها قبل النكاح إجارة عين قال المتولي ليس للزوج منعها
من العمل ولا نفقة عليه وعن الحاوي أن له الخيار إن كان جاهلا بالحال لفوات الإستمتاع عليه بالنهار وأنه لا يسقط خياره بأن يرضى المستأجر بالإستمتاع نهارا لأنه تبرع قد يرجع فيه
المانع الرابع العدة المعتدة الرجعية تستحق النفقة والكسوة وسائر المؤن إلا آلة التنظف سواء كانت أمة أو حرة حاملا أو حائلا ولا تسقط نفقتها إلا بما تسقط به نفقة الزوجة وتستمر إلى انقضاء العدة بوضع الحمل أو غيره
ولو ظهر بها أمارات الحمل بعد الطلاق لزم الزوج الانفاق عليها فإذا أنفق ثم بان أنه لم يكن حمل فله استرداد المدفوع إليها بعد انقضاء العدة وتسأل عن قدر الأقراء فإن عينت قدرها صدقناها باليمين إن كذبها الزوج ولا يمين إن صدقها وإن قالت لا أعلم متى انقضت عدتي سألناها عن عادة حيضها وطهرها فإن ذكرت عادة مضبوطة عملنا على قولها وإن قالت عادتي مختلفة أخذنا بأقل عاداتها ورجع الزوج فيما زاد

لأنه المستيقن وهي لا تدعي زيادة عليه وإن قالت نسيت عادتي فعن نص الشافعي رحمه الله أنه يرجع في نفقة ما زاد على ثلاثة أشهر أخذا بغالب العادات وقال الشيخ أبو حامد يرجع فيما زاد على أقل ما يمكن انقضاء العدة فيه وبهذا قطع أبو الفرج وإن انقطع الولد الذي أتت به عن الزوج بأن ولدته لأكثر من أربع سنين إما من وقت الطلاق وإما من وقت انقضاء العدة على الخلاف السابق سئلت عن حال الولد فإن قالت هو من زوج نكحته أو وطء شبهة حصل بعد ثلاثة أقراء فعليها رد المأخوذ بعد الثلاثة
وإن قالت حصل ذلك في أثناء الأقراء فقد انقطعت عدتها بوطء الثاني وإحباله فتعود بعد الوضع إلى ما بقي منها وعليه النفقة في البقية وأما في مدة الحمل فتبنى على أنه هل للزوج الرجعة فيها وفيه وجهان سبقا في الرجعة والعدة إن قلنا لا رجعة فلا نفقة وإلا فوجهان وقيل إن قلنا له الرجعة فلها النفقة وإلا فوجهان
وكيف كان فالمذهب أنه لا نفقة في مدة الحمل وبه قطع الأكثرون فيسترجع ما أخذت لها
ولو قالت وطئني الزوج وأنكر فهو المصدق بيمينه وتسأل عن وقت وطئه فإن قالت بعد انقضاء الأقراء ردت ما زاد وإن قالت عقب الطلاق فقد بان أنها لم تقض عدته فترد ما أخذت وتعتد بعد الوضع ثلاثة أقراء ولها النفقة فيها هكذا ذكره ابن الصباغ وغيره وإنما يستمر ذلك على قولنا إن العدتين المختلفتي الجنس من شخص لا تتداخلان

فرع ادعت الرجعية تباعد الحيض وامتداد الطهر فالصحيح أنها تصدق في
استمرار النفقة إلى أن تقر بمضي العدة كما تصدق في

6 ثبوت الرجعة وقيل لا تصدق في النفقة فإنها حقها بخلاف الرجعة

فرع وضعت حملا وطلقها فقال طلقتك قبل وضعه وانقضت عدتك فلا نفقة
الآن وقالت بل طلقتني بعد الوضع فلي النفقة فعليها العدة ولها النفقة لأن الأصل بقاء النكاح ولا رجعة له لأنها بائن بزعمه ولو وطئها قبل الوضع في الزمن الذي يزعم هو أنها مطلقة فيه لم يلزمه مهر المثل لأنها تزعم أن الوطء في النكاح
ولو اختلفا بالعكس فقال طلقتك بعد الولادة فلي الرجعة وقالت بل قبلها وقد انقضت عدتي فالقول قوله في بقاء العدة وثبوت الرجعة ولا نفقة لها لزعمها
فصل البائن بخلع أو طلاق الثلاث لا نفقة لها ولا كسوة إن
وإن كانت حاملا فعلى الزوج نفقتها وكسوتها وهل هي للحمل أم للحامل قولان أظهرهما للحامل بسبب الحمل ويتفرع على القولين مسائل إحداها المعتدة عن فرقة فسخ في استحقاقها النفقة إذا كانت حاملا طرق أحدها إن حصلت الفرقة بما لا مدخل لها فيه كردة الزوج استحقت النفقة كالمطلقة وإن كان لها مدخل كفسخها بالعتق أو بعيبه أو فسخه بعيبها فقولان
والثاني في المعتدات عن جميع الفسوخ قولان والثالث وهو الأصح وبه قال الجمهور إن كان الفرقة بسبب عارض كالرضاع والردة فلها النفقة كالطلاق وإن استند إلى سبب قارن العقد كالعيب والغرور فقولان
والرابع وبه قطع المتولي تستحق النفقة حيث تستحق السكنى وإلا فقولان وقد سبق بيان السكنى
وأما المفارقة باللعان إذا كانت حاملا ولم ينف حملها ففيه الطرق

ولا يخفى على الطريق الثالث أن اللعان سبب عارض وأما على الأول فقيل هو مما لها فيه مدخل لأنها أحوجته إليه والأصح أنه كالطلاق وإن نفى حملها لم تجب النفقة سواء قلنا هي للحمل أم للحامل وتستحق السكنى على الأصح في هذه الحالة
ولو أبان زوجته بالطلاق ثم ظهر بها حمل وقلنا له أن يلاعن لنفيه فلاعن سقطت النفقة قال القاضي أبو الطيب فإن أثبتنا للملاعنة السكنى فهذه أولى لأنها معتدة عن طلاق وإلا فتحمل وجهين وإذا لاعن وهي حامل ونفاه ثم أكذب نفسه واستلحق الولد طولب بنفقة ما مضى نص عليه فقيل هو تفريع على أن النفقة للحامل
أما إذا قلنا للحمل فلا مطالبة لأن نفقة القريب تسقط بمضي المدة وقال الجمهور تثبت المطالبة على القولين وهو المذهب لأنها وإن كانت للحمل فهي مصروفة إلى الحامل وهي صاحبة حق فيها فتصير دينا كنفقة الزوجة
ولو أكذب نفسه بعدما أرضعت الولد رجعت عليه بأجرة الرضاع على الصحيح المنصوص في الأم ولو أنفقت على الولد مدة ثم رجع رجعت عليه بما أنفقت على الصحيح المنصوص لأنها أنفقت على ظن وجوبه عليها فإذا بان خلافه ثبت الرجوع كما لو ظن أن عليه دينا فقضاه فبان خلافه يرجع وكما لو أنفق على أبيه على ظن إعساره فبان موسرا يرجع عليه بخلاف المتبرع
المسألة الثانية في وجوب نفقة الحامل المعتدة عن نكاح فاسد أو وطء شبهة وجهان إن قلنا للحمل وجبت وإلا فلا
هذا إذا كانت الموطوءة بشبهة غير منكوحة فإن كانت منكوحة وأوجبنا نفقتها على الواطىء سقطت عن الزوج قطعا وإلا فعلى الأصح واستحسن في الوسيط أنها إن وطئت نائمة أو مكرهة فلها النفقة وإن مكنت على ظن أنه زوجها فلا نفقة لأن الظن لا يؤثر في الغرامات


المسألة الثالثة المعتدة عن الوفاة لا نفقة لها وإن كانت حاملا سواء قلنا للحامل أو للحمل لأن نفقة القريب تسقط بالموت
الرابعة هل تتقدر النفقة الواجبة كنفقة صلب النكاح أم تعتبر كفايتها سواء زادت أم نقصت فيه طريقان المذهب وبه قطع الجمهور أنها مقدرة وشذ الإمام ومتابعوه فحكوا خلافا
الخامسة إذا مات زوج البائن الحامل قبل الوضع إن قلنا النفقة للحمل سقطت لأن نفقة القريب تسقط بالموت وإن قلنا للحامل فوجهان أصحهما عند الإمام وبه قال ابن الحداد تسقط أيضا لأنها كالحاضنة للولد ولا تجب نفقة الحاضنة بعد الموت وقال الشيخ أبو علي لا تسقط لأنها لا تنتقل إلى عدة الوفاة بل تتم عدة الطلاق والطلاق موجب
قلت قال المتولي وكما تستحق البائن الحامل النفقة تستحق الأدم والكسوة سواء قلنا النفقة للحامل أو للحمل
والله أعلم

فرع لا يجب تسليم النفقة قبل ظهور الحمل سواء قلنا هي للحمل
للحامل فإذا ظهر هل يجب تسليمها يوما بيوم أم تؤخر إلى أن تضع فتسلم الجميع دفعة واحدة قولان أظهرهما الأول لقول الله تعالى { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فإن قلنا تؤخر فقالت وضعت فكذبها فعليها البينة
وإن قلنا بالتعجيل فادعت ظهور الحمل وأنكر فكذلك وتقبل فيهما شهادة النساء وقيل لا يعتمد قولهن إلا بعد مضي ستة أشهر والصحيح الذي عليه الجمهور أن ذلك ليس بشرط
ولو كان ينفق على ظن

الحمل فبان أن لا حمل فإن أوجبنا التعجيل أو أمره به الحاكم رجع عليها وإلا فإن لم يذكر أن المدفوع نفقة معجلة لم يرجع ويكون متطوعا وإن ذكره وشرط الرجوع رجع وإلا فوجهان أصحهما يرجع وخرج القفال من هذه المسألة أن الدلال إذا باع متاعا لإنسان فأعطاه المشتري شيئا وقال وهبته لك أو قال له الدلال وهبته لي فقال نعم فإن علم المشتري أنه ليس عليه أن يعطيه شيئا فله قبوله وإن ظن أنه يلزمه أن يعطيه فلا وللمشتري الرجوع فيه وأجرة الدلال على البائع الذي أمره بالبيع

فرع لو لم ينفق عليها حتى وضعت أو لم ينفق في بعض
أنه لا تسقط نفقة المدة الماضية بل يلزمه دفعها إليها وبهذا قطع الجمهور وقيل في سقوطها خلاف مبني على أنها للحمل أم للحامل
فرع لو كان زوج البائن الحامل رقيقا إن قلنا النفقة للحامل لزمته
وإلا فلا لأنه لا يلزمه نفقة القريب
ولو كان الحمل رقيقا ففي وجوب النفقة على الزوج حرا كان أو عبدا قولان إن قلنا للحمل لم تجب بل هي على المالك وإلا فتجب
فرع ذكر ابن كج أنه لو كان الحمل موسرا وقلنا النفقة للحمل
تؤخر إلى أن تضع فإذا وضعت سلمت النفقة من مال الولد إلى الأم كما تنفق عليه في المستقبل من ماله قال ويحتمل عندي أن يكون ذلك على الأب وإن قلنا يجب التعجيل لم تؤخذ من مال الحمل بل ينفق الأب عليها فإذا وضعت ففي رجوعه في مال الولد وجهان


فرع اختلفا فقالت وضعت اليوم وطالبت بنفقة شهر قبله وقال بل وضعت
من شهر قبله فالقول قولها لأن الأصل عدم الوضع وبقاء النفقة
ولو وقع هذا الإختلاف والزوجة رقيقة فإن قلنا النفقة للحمل فلا معنى لهذا الإختلاف ولا شىء عليه قبل الوضع ولا بعده وإن قلنا للحامل فهي كالحرة
ولو وقع هذا الإختلاف بين موطوءة بشبهة أو نكاح فاسد وبين الواطىء فإن أوجبنا نفقتها بناء على أن النفقة للحمل فالقول قولها بيمينها وإن لم نوجبها فلا معنى للإختلاف لكن لو اختلفا على العكس لنفقة الولد فقالت ولدت من شهر فعليك نفقة الولد لشهر وقال بل ولدت أمس بني على أن الأم إذا أنفقت على الولد أو استدانت للنفقة عليه هل ترجع على الأب وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
فرع أبرأت الزوج من النفقة قال المتولي إن قلنا النفقة للحامل سقطت
وإن قلنا للحمل فلا ولها المطالبة بعد الإبراء ولك أن تقول إن كان الإبراء عن نفقة الزمن المستقبل فقد سبق حكمه وإن كان عما مضى فالنفقة مصروفة إليها على القولين وقد سبق أن الراجح أنها تصير دينا لها حتى تصرف إليها بعد الوضع فينبغي أن يصح إبراؤها على القولين
فرع ذكر المتولي أنه لو أعتق أم ولده وهي حامل منه لزمه
إن قلنا النفقة للحمل وإن قلنا للحامل فلا وأنه لو مات وترك

أباه وامرأته حبلى لها مطالبة الجد بالنفقة إن قلنا النفقة للحمل وإن قلنا للحامل فلا وقطع البغوي بأنها لا تطالب الجد ويقرب منه كلام الشيخ أبي علي

فرع نشزت الزوجة وهي حامل حكى ابن كج تخريج سقوط النفقة على
للحمل أو للحامل والمذهب القطع بسقوطها وإنما الخلاف في البائن لا في الزوجة
فرع لو أنفق على من نكحها نكاحا فاسدا مدة ثم بان فساد
بينهما قال الأصحاب لا يسترد ما أنفق عليها بل يجعل ذلك في مقابلة استمتاعه وسواء كانت حاملا أو حائلا
وبالله التوفيق


الباب الثالث في الإعسار بنفقة الزوجة
فيه أربعة أطراف الأول في ثبوت الفسخ به فإذا عجز الزوج عن القيام بمؤن الزوجة الموظفة عليه فالذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه في كتبه قديما وجديدا أنها بالخيار إن شاءت صبرت وأنفقت من مالها أو اقترضت وأنفقت على نفسها ونفقتها في ذمته إلى أن يوسر وإن شاءت طلبت فسخ النكاح وقال في بعض كتبه بعد ذكر هذا وقد قيل لا خيار لها
وللأصحاب طريقان أحدهما القطع بأن لها حق الفسخ وهذا أرجح عند ابن كج والروياني وأصحهما إثبات قولين المشهور منهما أن لها الفسخ والثاني لا
فالمذهب ثبوت الفسخ فأما إذا امتنع من دفع النفقة مع قدرته فوجهان أحدهما لها الفسخ لتضررها وأصحهما لا فسخ لتمكنها من تحصيل حقها بالسلطان وكذا لو قدرت على شىء من ماله أو غاب وهو موسر في غيبته ولا يوفيها حقها ففيه الوجهان أصحهما لا فسخ وكان المؤثر تغيبه لخراب ذمته ولكن يبعث الحاكم إلى حاكم بلده ليطالبه إن كان موضعه معلوما وعلى الوجه الآخر يجوز الفسخ إذا تعذر تحصيلها وهو اختيار القاضي الطبري وإليه مال ابن الصباغ وذكر الروياني وابن أخته صاحب العدة أن المصلحة الفتوى به وإذا لم نجوز الفسخ والغائب موسر فجهلنا يساره وإعساره فكذلك الحكم لأن السبب لم يتحقق ومتى ثبت إعسار الغائب عند حاكم بلدها فهل يجوز

الفسخ أم لا يفسخ حتى يبعث إليه فإن لم يحضر ولم يبعث النفقة فحينئذ يفسخ فيه وجهان أصحهما الأول وبه قطع المتولي
ولو كان الرجل حاضرا وماله غائب فإن كان على دون مسافة القصر فلا فسخ ويؤمر بتعجيل الإحضار وإن كان على مسافة القصر فلها الفسخ ولا يلزمها الصبر
ولو كان له دين مؤجل فلها الفسخ إلا أن يكون الأجل قريبا وينبغي أن يضبط القرب بمدة إحضار المال الغائب فيما دون مسافة القصر
وإن كان الدين حالا وهو على معسر فلها الخيار وإن كان على موسر حاضر فلا خيار وإن كان غائبا فوجهان
ولو كان له دين على زوجته فأمرها بالإنفاق منه فإن كانت موسرة فلا خيار لها وإن كانت معسرة فلها الفسخ لأنها لا تصل إلى حقها والمعسر منظر وعلى قياس هذه الصور لو كان له عقار ونحوه لا يرغب في شرائه ينبغي أن يكون لها الخيار ومن عليه ديون تستغرق ماله لا خيار لزوجته حتى يصرف ماله إلى الديون
لو تبرع رجل بأداء النفقة عن المعسر لم يلزمها القبول ولها الفسخ كما لو كان له دين على إنسان فتبرع غيره بقضائه لا يلزمه القبول لأن فيه منة للمتبرع وحكى ابن كج وجها أنه لا خيار لها لعدم تضررها بفوات النفقة والصحيح الأول
قال المتولي ولو كان بالنفقة ضامن ولم نصحح ضمان النفقة فالضامن كالمتبرع وإن صححناه فإن ضمن بإذن الزوج فلا خيار وبغير إذنه وجهان

فرع لو لم يعطها الموسر إلا نفقة المعسر فلا فسخ ويصير الباقي
عليه


فصل القدرة بالكسب كالقدرة بالمال فلو كان يكسب كل يوم قدر النفقة
فلا خيار ولو كان يكسب في يوم ما يكفي لثلاثة أيام ثم لا يكسب يومين أو ثلاثة ثم يكسب في يوم ما يكفي للأيام الماضية فلا خيار لأنه غير معسر ولا تشق الإستدانة لما يقع من التأخير اليسير
وكذا الحكم في النساج الذي ينسج في الأسبوع ثوبا تفي أجرته بنفقة الأسبوع كذا قاله أبو إسحق والماوردي وصاحبا المهذب و التهذيب وقد ذكرنا في المال الغائب على مسافة القصر أن لها الخيار وقد يمكن إحضاره فيما دون أسبوع والوجه التسوية
قلت المختار هنا أنه لا خيار كما ذكره هؤلاء الأئمة
والله أعلم
وإذا عجز العامل عن العمل لمرض فلا فسخ إن رجي زواله في نحو ثلاثة أيام وإن كان يطول فلها الفسخ قال المتولي ولو كان يكسب في بعض الأسبوع نفقة جميعه فتعذر العمل في أسبوع لعارض فلها الخيار على الأصح وإذا لم يستعمل البناء والنجار وتعذرت النفقة كذلك قال الماوردي لا خيار إن كان ذلك نادرا وإن كان يقع غالبا فلها الخيار
فرع القادر على الكسب إذا امتنع كالموسر الممتنع إن أوجبنا الإكتساب لنفقة الزوجة وفيه


فصل إنما يثبت الفسخ بالعجز عن نفقة المعسر فلو عجز عن نفقة
فلا خيار
ولو قدر كل يوم على دون نصف مد أو يوما مدا ويوما لا يجد شيئا فلها الخيار على الصحيح
ولو وجد بالغداة ما يغديها وبالعشي ما يعشيها فلا خيار على الأصح
فصل لو أعسر بالأدم فلا خيار على الأصح عند الأكثرين وقال الداركي
يثبت
وقال الماوردي إن كان القوت مما ينساغ دائما للفقراء بلا أدم فلا خيار وإلا فيثبت
فصل يثبت الخيار بالإعسار بالكسوة على المذهب وبالمسكن على الأصح ولا

فصل الإعسار بالمهر فيه طرق منتشرة المذهب منها عند الجمهور يثبت الفسخ
البغوي وغيره وقيل بالمنع قطعا وقيل قولان وقيل يثبت قبله وفي بعده قولان وقيل لا يثبت بعده وفي قبله قولان ولا خيار للمفوضة لأنها لا تستحق المهر بالعقد على الأظهر لكن لها المطالبة بالفرض فإذا فرض صار كالمسمى
فصل إذا لم ينفق على زوجته مدة وعجز عن أدائها لم يكن

بسبب ما مضى حتى لو لم يفسخ في يوم جواز الفسخ فوجد نفقة بعده فلا فسخ لها بنفقة الأمس وما قبله كسائر ديونها وقيل هو كالإعسار بالمهر بعد الدخول وليس بشىء ثم نفقة الماضي لا تسقط بل تبقى دينا في ذمته سواء ترك الإنفاق بعذر أم لا وسواء فرض القاضي نفقتها أم لا ويثبت الأدم في الذمة كالنفقة وكذا نفقة الخادم على المشهور وتثبت الكسوة إن قلنا يجب فيها التمليك
وإن قلنا إمتاع فلا ولا تثبت مؤنة السكنى على المذهب
الطرف الثاني في حقيقة هذه الفرقة فإذا ثبت حق التفريق بسبب الإعسار فلا بد من الرفع إلى القاضي لأنه مجتهد فيه وحكى المتولي وغيره وجها أن للمرأة أن تتولى الفسخ بنفسها من غير رفع إلى القاضي كفسخ البيع بالعيب والصحيح المنصوص الأول وبه قطع الجمهور وعلى هذا يتولى القاضي الفسخ بنفسه أو يأذن لها فيه وهو مخير فيهما
وقيل إنما يستقل بالفسخ بعد ثبوت الإعسار عنده والصحيح الأول
وتكون هذه الفرقة فسخا على الصحيح المنصوص وفي قول مخرج هي طلاق فعلى هذا يأمره الحاكم بالتحمل في الإنفاق فإن أبى فهل يطلق الحاكم بنفسه أم يحبسه ليطلق فيه القولان في المولى فإن طلق طلق طلقة رجعية فإن راجع طلق ثانية وثالثة أما إذا لم ترفع إلى القاضي بل فسخت بنفسها لعلمها بعجزه فلا ينفذ ظاهرا وهل ينفذ باطنا حتى إذا ثبت إعساره متقدما على الفسخ إما باعتراف الزوج وإما ببينة يكتفى به وتحسب العدة منه فيه وجهان قال في البسيط ولعل هذا فيما إذا قدرت على الرفع إلى القاضي فإن لم يكن في الناحية قاض ولا محكم فالوجه إثبات الإستقلال بالفسخ


الطرف الثالث في وقت الفسخ قد سبق أنها تستحق تسلم النفقة كل يوم بطلوع الفجر فإذا عجز فهل ينجز الفسخ أم يمهل ثلاثة أيام قولان أظهرهما الإمهال وقطع به جماعة وادعى ابن كج أنه طريقة الجمهور فإن قلنا لا يمهل ثلاثا فوجهان أحدهما لها المبادرة إلى الفسخ في أول النهار وأقربهما ليس لها المبادرة فعلى هذا هل يؤخر الفسخ إلى نصف النهار أم إلى آخره أم إلى آخر الليلة بعده فيه احتمالات أرجحها عند الغزالي الثالث ثم هذا إذا لم يتخذ ذلك عادة فأما إن اعتاد إحضار الطعام ليلا فلها الفسخ ويقرب من هذا ما ذكره صاحب العدة أنه لو لم يجد النفقة في أول النهار وكان يجدها في آخره فلها الفسخ على الأصح
فإذا قلنا لا فسخ في أول النهار فلو قال صبيحة اليوم أنا عاجز لا أتوقع شيئا فهل لها الفسخ في الحال لتصريحه بالعجز أم يلزم التأخير فقد يرزق من حيث لا يحتسب فيه احتمالان أرجحهما الثاني
أما المذهب وهو الإمهال ثلاثة أيام فيتفرع عليه مسألتان إحداهما إذا مضت الثلاثة فلها الفسخ صبيحة الرابع إن لم يسلم نفقته وإن سلمها لم يجز الفسخ لما مضى وليس لها أن تقول آخذ هذا عن نفقة بعض الأيام الثلاثة وأفسخ بتعذر نفقة اليوم لأن الإعتبار في الأداء بقصد المؤدي فلو توافقا على جعلها عما مضى فيحتمل أن يقال لها الفسخ ويحتمل أن تجعل القدرة عليها مبطلة للمهلة ولو مضى يومان بلا نفقة ووجد نفقة الثالث وعجز في الرابع فهل تستأنف المدة أم يبنى فتصير يوما آخر فقط وجهان أصحهما البناء ولو لم يجد نفقة يوم ووجد نفقة الثاني وعجز في الثالث وقدر في الرابع لفقت أيام العجز فإذا تمت مدة المهلة فلها الفسخ ولو مضت ثلاثة أيام في العجز ووجد نفقة الرابع وعجز في الخامس فالأصح وبه

قال الداركي أن لها الفسخ ويكفي الإمهال السابق قال الروياني وقيل يمهل مرة أخرى إن لم تتكرر
المسألة الثانية يجوز لها الخروج في مدة الإمهال لتحصيل النفقة بكسب أو تجارة أو سؤال وليس له منعها من الخروج وقيل له منعها وقيل إن قدرت على الإنفاق بمالها أو كسب في بيتها كالخياطة والغزل فله منعها وإلا فلا والصحيح المنصوص أنه ليس له منعها مطلقا لأنه إذا لم يوف ما عليه لا يملك الحجر
قال الروياني وعليها أن تعود إلى منزله بالليل
ولو أراد الإستمتاع بها قال الروياني ليس لها المنع وقال البغوي لها المنع وهو أقرب ولا شك أنها إذا منعت نفسها منه لا تستحق نفقة مدة الإمتناع فلا تثبت دينا عليه

فرع إذا قلنا بالإمهال فمضت المدة فرضيت بإعساره والمقام معه أو لم
ولا أثر لقولها رضيت بإعساره أبدا لأنه وعد لا يلزم الوفاء به ولو نكحته عالمة بإعساره فلها الفسخ أيضا وإذا عادت إلى طلب الفسخ بعد الرضى جدد الإمهال على قولنا يمهل ولا يعتد بالماضي وفيه احتمال للإمام والروياني وهو ضعيف وإذا اختارت المقام معه لم يلزمها التمكين من الإستمتاع ولها الخروج من المنزل ذكره البغوي وغيره فإن لم تمنع نفسها منه ثبت في ذمته ما يجب على المعسر من الطعام والأدم وغيرهما وخروجها بالنهار للإكتساب لا يوجب نقصان ما يثبت في ذمته
فرع إذا أعسر بالمهر ومكنها الحاكم من الفسخ فرضيت بالمقام معه ثم
أرادت الفسخ فليس لها لأن الضرر لا يتجدد هكذا أطلقه

الجمهور وهو المذهب وقال الماوردي إن كانت المحاكمتان معا قبل الدخول أو بعده فكذلك وإن كانت المحاكمة الأولى قبل الدخول والأخرى بعده فوجهان
وجه تجويز الفسخ أن بالدخول استقر ما لم يكن مستقرا فالإعسار به يجدد خيارا ولو نكحته عالمة بإعساره بالصداق فليس لها الفسخ على الأصح كما لو رضيت به في النكاح ثم بدا لها بخلاف النفقة وليس لها الإمتناع بعد الدخول إذا مكناها من الفسخ واختارت المقام ولا بد في الإعسار بالمهر من حكم القاضي كالنفقة والخيار فيه بعد المرافعة على الفور فلو أخرت الفسخ سقط ولو علمت إعساره وأمسكت عن المحاكمة فإن كان كذلك بعد طلبها المهر كان رضى بالإعسار وسقط خيارها وإن كان قبل المطالبة لم يسقط فقد تؤخر المطالبة لتوقع اليسار ذكره الروياني
الطرف الرابع فيمن له حق الفسخ وهو للزوجة إن شاءت فسخت وإن شاءت صبرت ولا اعتراض للولي عليها وليس له الفسخ بغير توكيلها وليس لولي الصغيرة والمجنونة الفسخ وإن كان فيه مصلحتهما وينفق عليهما من مالهما فإن لم يكن لهما مال فنفقتهما على من عليه نفقتهما لو كانتا خليتين وتصير نفقة الزوجة دينا عليه يطالب به إذا أيسر وكذا لا يفسخ الولي بإعسار الزوج بالمهر إن جعلناه مثبتا للخيار ولو أعسر زوج الأمة بالنفقة فلها الفسخ كما تفسخ بجبه ولأنها صاحبة حق في تناول النفقة فإن أرادت الفسخ لم يكن للسيد منعها فإن ضمن النفقة فهو كالأجنبي يضمنها ولو رضيت بالمقام أو كانت صغيرة أو مجنونة فهل للسيد الفسخ فيه أوجه الأصح ليس له وبه قطع ابن الحداد والبغوي وجماعة وعلى هذا لا يلزم السيد نفقة الكبيرة العاقلة بل يقول افسخي أو اصبري على الجوع والثاني له والثالث له في الصغيرة والمجنونة


وأما إذا أعسر زوجها بالمهر وقلنا يثبت به الفسخ فالفسخ للسيد لأنه محض حقه لا تعلق للأمة به ولا ضرر عليها في فواته وقيل ليس له الفسخ وهو غلط

فرع قال الإمام والغزالي تتعلق نفقة الأمة المزوجة بالأمة وبالسيد أما
مأذون لها في القبض وبالعرف في تناول المقبوض
وأما الأمة فلها مطالبة الزوج كما كانت تطالب السيد وإذا أخذتها فلها أن تتعلق بالمأخوذ ولا تسلم إلى السيد حتى تأخذ بدله وله الإبدال لحق الملك
والحاصل أن له حق الملك ولها حق التوثق ولا يجوز للسيد الإبراء من نفقتها ولا بيع المأخوذ قبل تسليم البدل إليها وفي التتمة ما يخالف بعض هذه الجملة فإنه قال حق الإستيفاء للسيد فلو سلمها الزوج إليها بغير إذن السيد لم يبرأ ولهذا لو قبض النفقة وأنفق عليها من ماله جاز والأول أصح وذكر البغوي أنها لو أبرأت الزوج عن نفقة اليوم جاز وليس لها الإبراء عما صار دينا في ذمته كما في الصداق وقد تنازع قياس الملك في الإبراء من نفقة اليوم لكن نفقة اليوم للحاجة الناجزة وكانا لا يثبت الملك للسيد إلا بعد الأخذ وأما قبله فتمحض الحق لها ولو اختلفت الأمة وزوجها في تسليم نفقة اليوم أو أيام مستقبلة فالقول قولها بيمينها ولا أثر لتصديق السيد الزوج ولو اختلفا في النفقة الماضية وصدق السيد الزوج فوجهان أحدهما كان السيد شاهدا له ولا يثبت المدعى بتصديقه وأصحهما يثبت وتكون الخصومة في النفقة الماضية للسيد لا لها كالمهر وبهذا قطع المتولي كما لو أقر السيد بأن العبد جنى خطأ وأنكر العبد لا يلتفت إلى إنكاره
ولو أقرت الأمة

بالقبض وأنكر السيد فالصحيح المنصوص أن القول قولها لأن القبض إليها بحكم النكاح أو صريح الإذن وقيل قول السيد لأنه المالك

فصل جميع ما ذكرناه تفريع على المذهب وهو ثبوت الفسخ بالإعسار بالنفقة
فإذا قلنا لا يثبت فلها الخروج من المسكن لطلب النفقة إن احتاجت إليه لتحصيلها وكذا لو أمكنها أن تنفق من مالها في المسكن أو أن تكسب بغزل ونحوه في المسكن على الأصح ولها منعه من الوطء على الأصح وشرط الغزالي فيه كونها لم تمكن من قبل ولم يشترطه الأكثرون
فصل إذا مضت مدة لم ينفق فيها على الزوجة فاختلفا فقالت كنت
في تلك المدة وقال كنت معسرا فإن عرف له مال فالقول قولها وإلا فقوله
فصل قد سبق أن نفقة زوجة العبد من أين تكون وإذا لم
له في التجارة ولا كسوبا فقد حكينا قولا قديما أن المهر على سيده ويكون بالإذن في النكاح ضامنا
قال الخضري وغيره

وذلك القول يجيء في النفقة بطريق الأولى لأن الحاجة إليها أمس
فلو كان العبد ينفق من كسبه فعجز بزمانة وغيرها فعلى القديم للزوجة مطالبة السيد وعلى الأظهر لها أن تفسخ أو تصير نفقتها دينا في ذمة العبد

فصل إذا عجز عن نفقة أم ولده فعن الشيخ أبي زيد أنه
أو تزويجها إن وجد راغب فيها وقال غيره لا يجبر عليه بل يخليها لتكسب وتنفق على نفسها
قلت هذا الثاني أصح فإن تعذرت نفقتها بالكسب فهي في بيت المال
والله أعلم
فصل قد سبق في كتاب الضمان ضمان النفقة وبالله التوفيق

الباب الرابع في نفقة الأقارب
سبق أن أحد أسباب وجوب النفقة والمؤن القرابة وفيه طرفان الأول في مناط هذه النفقة وشرائط وجوبها وكيفيتها وفيه مسائل إحداها إنما تجب النفقة بقرابة البعضية فتجب للولد على الوالد وبالعكس وسواء فيه الأب والأم والأجداد والجدات وإن علوا والبنون والبنات والأحفاد وإن نزلوا الذكر والأنثى والوارث وغيره والمسلم والكافر من الطرفين وفي وجه لا تجب على المسلم نفقة كافر وفي وجه لا تجب على الأم نفقة بحال حكاهما ابن كج وهما شاذان ضعيفان ولا يلحق بالأصول والفروع سائر الأقارب كالأخ والأخت والعم والخال والعمة والخالة وغيرهم
الثانية لا تجب نفقة القريب إلا على موسر وهو من فضل عن قوته وقوت عياله في يوم وليلة ما يصرفه إلى القريب فإن لم يفضل شىء فلا شىء عليه وفي التهذيب وغيره وجه أنه لا يشترط يسار الوالد في نفقة الولد الصغير فعلى هذا يستقرض عليه ويؤمر بقضائه إذا أيسر والصحيح الأول
ويباع في نفقة القريب ما يباع في الدين من العقار وغيره لأنها حق مالي لا بدل له فأشبه الدين وفي كيفية بيع العقار وجهان حكاهما ابن كج أحدهما يباع كل

يوم جزء بقدر الحاجة
والثاني أن ذلك يسبق فيقترض عليه إلى أن يجمع ما يسهل بيع العقار له
الثالثة إذا لم يكن مال لكنه كان ذا كسب يمكنه أن يكسب ما يفضل عنه فهل يكلف الكسب لنفقة القريب فيه أوجه أحدهما لا كما لا يكلف الكسب لقضاء الديون
والثاني وهو الصحيح وبه قطع الأكثرون لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذا أصله وفرعه ويخالف الدين فإنه لا ينضبط والنفقة يسيرة
والثالث يكلف للولد دون الوالد

فرع يجب الإكتساب لنفقة الزوجة على المذهب ونقل الإمام وغيره فيه

الرابعة من له مال يكفيه لنفقته أو هو مكتسب لا تجب نفقته على القريب سواء كان مجنونا صغيرا زمنا أو بخلافه ومن لا مال له ولا هو مكتسب ينظر إن كان به نقص في الحكم كالصغير والمجنون أو في الخلقة كالزمن والمريض والأعمى لزم القريب نفقته فإذا بلغ الصغير والمجنون حدا يمكن أن يعلم حرفة أو يحمل على الكسب فللولي أن يحمله عليه وينفق عليه من كسبه لكن لو هرب عن الحرفة أو ترك الإكتساب في بعض الأيام فعلى القريب نفقته وكذا لو كان لا تليق به الحرفة وإن لم يكن به نقص في الحكم ولا في الخلقة لكنه كان لا يكتسب مع القدرة على الكسب فإن كان من الفروع لم تجب نفقته على المذهب سواء فيه الإبن والبنت وإن كان من الأصول وجبت على الأظهر لأن الله تعالى أمر بمصاحبتهم بالمعروف وليس من المعروف تكليفهم الكسب مع كبر السن وكما يجب الإعفاف

ويمتنع القصاص ولحرمة الوالدين
هذه طريقة الجمهور ولم يفرقوا بين اكتساب واكتساب ومنهم من جعل الخلاف أولا في اشتراط العجز عن كسب يليق به ثم قالوا إن شرط ذلك ففي اشتراط العجز عن كل كسب يليق به بالزمانة وجهان ورأوا الأعدل الأقرب الاكتفاء بعجزه عما يليق به من الأكساب وأوجبوا النفقة مع القدرة على الكنس وحمل القاذورات وسائر ما لا يليق به وهذا حسن
الخامسة نفقة القريب لا تتقدر بل هي قدر الكفاية وعن ابن خيران أنها تتقدر بقدر نفقة الزوجة والصحيح الأول لأنها تجب لتزجية الوقت ودفع حاجته الناجزة فتعتبر الحاجة وقدرها حتى لو استغنى في بعض الأيام بضيافة وغيرها لم تجب وتعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته فالرضيع تكفي حاجته بمؤنة الإرضاع في الحولين والفطيم والشيخ ما يليق بهما ولا يشترط انتهاء المتفق عليه إلى حد الضرورة ولا يكفي ما يسد الرمق بل يعطيه ما يستقل به ويتمكن معه من التردد والتصرف ويجب الأدم كما يجب القوت وفي التهذيب نزاع في الأدم وتجب الكسوة والسكنى على ما يليق بالحال وإذا احتاج إلى الخدمة وجبت مؤنة الخادم
السادسة تسقط نفقة القريب بمضي الزمان ولا يصير دينا في الذمة سواء تعدى بالإمتناع من الإنفاق أم لا وفي الصغير وجه أنها تصير دينا تبعا لنفقة الزوجة والصحيح الأول لأنها مواساة ولهذا قال الأصحاب لا يجب فيها التمليك وإنما يجب الإمتناع ولو سلم النفقة إلى القريب فتلفت في يده أو أتلفها وجب الإبدال لكن إذا أتلفها لزمه ضمانها إذا أيسر ويستثنى ما إذا أقرضها القاضي أو أذن في الإقتراض لغيبة أو امتناع فيصير ذلك دينا في الذمة


السابعة قد سبق في النكاح أن الإبن يلزمه إعفاف أبيه على المشهور وأنه إذا أعفه بزوجة أو ملكه جارية لزمه نفقتها ومؤنتها حيث تلزمه نفقة الأب فلو كان للأب أم ولد لزم الولد أيضا نفقتها ولو كان تحته زوجتان فأكثر لم يلزمه إلا نفقة واحدة ويدفع تلك النفقة إلى الأب وهو يوزعها عليهما ولكل واحدة الفسخ لفوات بعض حقها فإن فسخت واحدة تمت النفقة للأخرى وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه إذا كان تحت الأب زوجتان فأكثر لم يلزم الولد لهما شيئا لأن المستحقة لا تتعين وهو شاذ ضعيف
ولو كان للأب أولاد فوجهان قال المتولي يلزم الإبن الإنفاق عليهم لأن نفقتهم على الأب فيتحملها الإبن عنه كنفقة الزوجة والصحيح أنه لا يجب وبه قطع الشيخ أبو علي ويخالف الزوجة فإنها إن لم ينفق فسخت فيتضرر الأب ولأن نفقتها تجب على الأب وإن كان معسرا

فرع إذا كان الإبن في نفقة أبيه وله زوجة فوجهان حكاهما القاضي
أبو حامد وغيره أحدهما يلزم الأب نفقتها ونفقة كل قريب وجبت نفقته لأنه من تمام الكفاية وبهذا قطع صاحب المهذب وأصحهما لا تلزمه لأنه لا يلزم الأب إعفاف الإبن
فرع كما تجب على الإبن نفقة زوجة الأب تجب عليه كسوتها قال
ولا يلزم الأدم ولا نفقة الخادم لأن فقدهما لا يثبت الخيار لكن قياس ما ذكرنا أن الإبن يتحمل ما لزم الأب وجوبهما لأنهما واجبان على الأب مع إعساره


الثامنة إذا امتنع الأب من الإنفاق على الولد الصغير أو كان غائبا أذن القاضي لأمه في الأخذ من ماله أو الإستقراض عليه والإنفاق على الصغير بشرط أهليتها لذلك وهل تستقل بالأخذ من ماله وجهان أصحهما نعم لقصة هند
والثاني المنع لأنها لا تتصرف في ماله وتحمل قصة هند على أنه كان قضاء أو إذنا لها لا إفتاء وحكما عاما وفي استقلالها بالإقتراض عليه إذا لم تجد له مالا وجهان مرتبان وأولى بالمنع لخروجه عن صورة الحديث ومخالفته القياس وعن القفال تجويزه فإن أثبتنا استقلالها أو لم يكن في البلد قاض وأشهدت لزمه قضاء ما اقترضته وإن لم تشهد فوجهان ولو أنفقت على الطفل الموسر من مال نفسه بغير إذن الأب والقاضي فوجهان وأولى بالجواز لأنها لا تتعدى مصلحة الطفل ولا تتصرف في غير ماله
ولو أنفقت عليه من مالها بقصد الرجوع وأشهدت رجعت وإلا فوجهان
التاسعة إذا امتنع القريب من نفقة قريبه فللمستحق أخذ الواجب من ماله إن وجد جنسه وفي غير الجنس خلاف يأتي في الدعاوى إن شاء الله تعالى وإن كان غائبا ولا مال له هناك راجع القاضي ليقترض عليه فإن لم يكن هناك قاض واقترض نظر هل أشهد أم لا على ما ذكرناه في اقتراض الأم للطفل
العاشرة إذا كان الأب الذي عليه الإنفاق غائبا والجد حاضر فإن تبرع بالإنفاق فذاك وإلا فبقرض القاضي أو يأذن للجد في الإنفاق ليرجع على الأب وفي البحر وجه ضعيف أنه لا يرجع
ولو استقل الجد بالإقتراض فإن أمكنه مراجعة القاضي فليس على الأب قضاؤه على الصحيح وإلا فينظر في الإشهاد وعدمه


الحادية عشرة إذا وجبت نفقة الأب أو الجد على الصغير أو المجنون أخذاها من ماله بحكم الولاية ولهما أن يؤاجراه لما يطيقه من الأعمال ويأخذا من أجرته نفقة أنفسهما والأم لا تأخذ إلا بإذن الحاكم وكذا الإبن إذا وجبت نفقته على الأب المجنون فلو كان يصلح لصنعة فللحاكم أن يولي ابنه إجارته وأخذ نفقة نفسه من أجرته

فصل يجب على الأم أن ترضع ولدها اللبأ ولها أن تأخذ عليه
إن كان لمثله أجرة وفي وجه ذكره الماوردي لا أجرة لها لأنه متعين عليها والصحيح الأول كما يلزم بذل الطعام للمضطر ببدله ثم إن لم يوجد بعد سقي اللبإ مرضعة غيرها لزمها الإرضاع وكذا لو لم يوجد إلا أجنبية لزمها الإرضاع وإن وجد غيرها وامتنعت الأم من الإرضاع لم تجبر سواء كانت في نكاح الأب أم بائنة وسواء كانت ممن يرضع مثلها الولد في العادة أم لا
وإن رغبت الأم في الإرضاع فلها حالان
أحدهما أن تكون في نكاح أبي الرضيع فهل له منعها من إرضاعه وجهان أحدهما لا لأن فيه إضرارا بالولد وأصحهما نعم لأنه يستحق الإستمتاع بها في أوقات الإرضاع لكن يكره له المنع
قلت الأول أصح وممن صححه البغوي والروياني في الحلية وقطع به الدارمي والقاضي أبو الطيب في المجرد ولمحاملي والفوراني وصاحب التنبيه والجرجاني
والله أعلم
فإن قلنا ليس له المنع أو توافقا على الإرضاع فإن كانت متبرعة فذاك وهل تزاد نفقتها للإرضاع وجهان أحدهما قاله

أبو إسحق والإصطخري نعم ويجتهد الحاكم في قدر الزيادة لأنها تحتاج في الإرضاع إلى زيادة الغذاء
وأصحهما لا لأن قدر النفقة لا يختلف بحال المرأة وحاجتها وإن طلبت أجرة بني على أن الزوج هل له استئجار زوجته لإرضاع ولده فيه وجهان ذكرناهما في الإجارة قال العراقيون لا يجوز وأصحهما الجواز فعلى هذا حكمها إذا طلبت الأجرة حكم البائن إذا طلبت الإرضاع بأجرة وسنذكره إن شاء الله تعالى
وإذا أرضعت بالأجرة فإن كان الإرضاع لا يمنع من الإستمتاع ولا ينقصه فلها مع الأجرة النفقة وإن كان يمنع أو ينقص فلا نفقة لها كذا ذكره البغوي وغيره ويشبه أن يجيء فيه الخلاف فيما لو سافرت لحاجتها بإذنه وإن قلنا لا يجوز الإستئجار وأرضعت على طمع الأجرة ففي استحقاقها أجرة المثل وجهان قال ابن خيران تستحق لأنها لم تبذل منفعتها مجانا وقال الجمهور لا تستحق
الحال الثاني أن تكون مفارقة فإن تبرعت بالإرضاع لم يكن للأب المنع وإن طلبت أجرة نظر إن طلبت أكثر من أجرة المثل لم يلزمه الإجابة وكان له استرضاع أجنبية بأجرة المثل وإن طلبت أجرة المثل فهي أولى من الأجنبية بأجرة المثل فإن وجد أجنبية تتبرع أو ترضى بدون أجرة المثل فهل للأب انتزاع الولد منها فيه طريقان أشهرهما على قولين أظهرهما له الإنتزاع
والطريق الثاني له الإنتزاع قطعا وبه قال ابن سريج وأبو إسحق وابن أبي هريرة والإصطخري فعلى المذهب لو اختلفا فقال الأب أجد متبرعة وأنكرت فهو المصدق بيمينه لأنها تدعي عليه أجرة الأصل عدمها ولأنه تشق عليه البينة وحيث أوجبنا الأجرة فهي في مال الطفل فإن لم يكن له مال فعلى الأب كالنفقة
الطرف الثاني في اجتماع أقارب المحتاج والأقارب المحتاجين وفيه أربعة فصول

الأول في اجتماع الفروع الذين تلزمهم النفقة للأصل المحتاج فإذا اجتمع اثنان من الأولاد نظر إن استويا في القرب والوراثة أو عدمها والذكورة والأنوثة فالنفقة عليهما بالسوية سواء استويا في اليسار أم تفاوتا وسواء أيسرا بالمال أو الكسب أو أحدهما بمال والآخر بكسب فإن كان أحدهما غائبا أخذ قسطه من ماله فإن لم يكن له مال اقترض عليه
وإن اختلفا في شىء من ذلك ففيه طريقان أحدهما النظر إلى القرب فإن كان أحدهما أقرب فالنفقة عليه سواء كان وارثا أو غيره ذكرا أو أنثى فإن استويا في القرب ففي التقديم بالإرث وجهان فإن قدمنا بالإرث فكانا وارثين فهل يستويان في قدر النفقة أم تتوزع بحسب الإرث وجهان الطريق الثاني النظر إلى الإرث فإن كان أحدهما وارثا دون الآخر فالنفقة على الوارث وإن كان الآخر أقرب فإن تساويا في الإرث قدم الأقرب فإن تساويا في القرب فالنفقة عليهما ثم هل تستوي أم توزع بحسب الإرث فيه الوجهان
وإذا استويا في المنظور إليه على اختلاف الطريقين فهل يختص الذكر بالوجوب أم يستويان وجهان وأصح الطريقين عند الإمام والغزالي والبغوي وغيرهم الأول دون اعتبار الإرث والذكورة واختيار العراقيين يخالفهم في بعض الصور كما نذكره في الأمثلة إن شاء الله تعالى
أمثلة ابن وبنت النفقة عليهما سواء إن اعتبرنا القرب أو أصل الإرث وإن اعتبرنا مقدار الإرث فهي عليهما أثلاثا وإن اعتبرنا الذكورة فعلى الإبن فقط وهو اختيار العراقيين
بنت وابن ابن هي على البنت إن اعتبرنا القرب وعليهما بالسوية إن اعتبرنا الإرث وعلى ابن الإبن إن اعتبرنا الذكورة وهذا اختيار العراقيين


بنت وبنت ابن هي على البنت إن اعتبرنا القرب وعليهما إن اعتبرنا الإرث
بنت وابن بنت هي على البنت إن اعتبرنا القرب أو الإرث وعلى ابن البنت إن اعتبرنا الذكورة
ابن ابن وابن بنت عليهما إن اكتفينا بالقرب وعلى الأول إن رجحنا الإرث
بنت ابن وابن بنت هي على بنت الإبن إن اعتبرنا الإرث وعلى ابن البنت إن اعتبرنا الذكورة وعليهما إن اكتفينا بالاستواء في الدرجة
بنت بنت وبنت ابن ابن هي على الأولى إن اعتبرنا القرب وعلى الثانية إن اعتبرنا الإرث
بنت بنت وبنت ابن عليهما إن اكتفينا بالإستواء في الدرجة وعلى الثانية إن اعتبرنا الإرث
ابن وولد خنثى إن قلنا في اجتماع الإبن والبنت تكون عليهما فكذا هنا وإن قلنا تكون على الإبن فهنا وجهان أحدهما على الإبن نصفها لأنه المستيقن والنصف الآخر يقترضه الحاكم فإن بان ذكرا فالرجوع عليه وإلا فعلى الإبن وأصحهما يؤخذ الجميع من الإبن فإن بان الخنثى ذكرا رجع عليه بالنصف
بنت وولد خنثى إن قلنا في اجتماع الإبن والبنت النفقة عليهما فكذا هنا وإن قلنا على الإبن فوجهان أحدهما هي على الخنثى فإن بانت أنوثته رجعت على أختها بالنصف
والثاني لا يؤخذ منه إلا النصف لأنه اليقين ويؤخذ النصف الآخر من البنت فإن بانت ذكورته رجعت عليه


قلت كان ينبغي أن يجيء وجه الإقتراض ولا يؤخذ من البنت شىء
والله أعلم
الفصل الثاني إذا اجتمع للمحتاج قريبان من أصوله نظر إن اجتمع أبوه وأمه فإن كان الولد صغيرا فالنفقة على الأب قطعا وإن كان كبيرا فأوجه الصحيح أنها على الأب والثاني عليهما أثلاثا كالإرث والثالث عليهما نصفين
وإن اجتمعت الأم وواحد من آباء الأب فأوجه الصحيح أنها على الجد والثاني على الأم والثالث عليهما أثلاثا والرابع عليهما نصفين
وإن اجتمع اثنان من الأجداد والجدات نظر إن كان أحدهما يدلي بالآخر فالنفقة على القريب وإلا ففيه خمسة أوجه أرجحها اعتبار القرب والثاني الإرث والثالث وهو اختيار المسعودي الإعتبار بولاية المال فإن لم تكن لواحد منهما ولاية وأحدهما يدلي بالولي أو هو أقرب إدلاء بالولي فالنفقة عليه فإن استويا في الإدلاء به وجودا وعدما اعتبر فيه القرب والمراد بالولاية على هذا الوجه الجهة التي تفيدها لا نفس الولاية التي قد يمنع منها مانع مع وجود الجهة
والرابع الإعتبار بالذكورة فالنفقة على الذكر وإلا فعلى المدلي بذكر فإن استويا اعتبر القرب
والخامس يعتبر الإرث والذكورة معا فإن اختص بهما أحدهما فالنفقة عليه وإن وجدا فيهما أو لم يوجدا أو وجد أحدهما في أحدهما والآخر في الآخر اعتبر القرب وعلى هذا الوجه يجبر فقد كل واحد من المعنيين بالآخر
الأمثلة أبو الأب وأبو الأم إن اكتفينا بالقرب سوينا بينهما وإن اعتبرنا الإرث أو الولاية فالنفقة على أبي الأب
أم أب وأم أم إن اعتبرنا القرب أو الإرث سوينا بينهما وإن اعتبرنا الإدلاء بالولي أو بذكر فهي على أم الأب


أبو الأم وأم الأب إن اعتبرنا القرب سوينا وإن اعتبرنا الإرث أو الإدلاء بالولي فهي على أم الأب وعلى الوجه الخامس يجبر فقدان الإرث فيه بالذكورة وفقدان الذكورة فيها بالوراثة فيستويان
الفصل الثالث إذا اجتمع للمحتاج واحد من أصوله وآخر من فروعه ففيه الأوجه الخمسة فيقدم الأقرب في وجه والوارث في وجه والولي في وجه والذكر في وجه ويستوي الذكر والأنثى في وجه وإذا وجبت النفقة على وارثين جاء الخلاف في أن التوزيع بالسوية أم بحسب الإرث فلو كان له أب وابن فهل النفقة على الإبن أم الأب أم عليهما فيه أوجه أصحها الأول لأن عصوبته أقوى ولأنه أولى بالقيام بشأن الوالد وتجري هذه الأوجه في أب وبنت وفي جد وابن ابن وتجري أيضا في أم وبنت على المذهب وقيل يقطع بأنها على البنت قاله القاضي أبو حامد وغيره
وفي أم وابن طريقان أحدهما طرد الأوجه الثلاثة والثاني القطع بتقديم الإبن لضعف الإناث عن تحمل المؤن ويجري الطريقان في جد وابن وفي أب وابن ابن وقال البغوي الأصح أنه لا نفقة على الأصول ما دام يوجد واحد من الفروع قريبا كان أو بعيدا ذكرا أو أنثى
الفصل الرابع في ازدحام الآخذين فإذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم نظر إن وفى ماله أو كسبه بنفقتهم فعليه نفقة الجميع قريبهم وبعيدهم وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد قدم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب هذا أطبق عليه الأصحاب لأن نفقتها آكد فإنها لا تسقط بمضي الزمان ولا بالإعسار ولأنها وجبت عوضا واعترض الإمام بأن نفقتها إذا

كانت كذلك كانت كالديون ونفقة القريب في مال المفلس تقدم على الديون وخرج لذلك احتمالا في تقديم القريب وأيده بالحديث أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم معي دينار فقال أنفقه على نفسك فقال معي آخر فقال أنفقه على ولدك فقال معي آخر فقال أنفقه على أهلك
فقدم نفقة الولد على الأهل وفي التتمة وجه أن نفقة الولد الطفل تقدم على نفقة الزوجة وأما الذين ينفق عليهم بالقرابة فتعود فيهم الأوجه في أنه يصرف الفاضل إلى الأقرب أو الوارث أو الولي وعلى الوجه الرابع القائل هناك أنها على الذكر يصرف الفاضل هنا إلى الأنثى لعجزها ويسوى في الوجه الخامس بين الذكر والأنثى وإذا صرف إلى وارثين فهل يوزع بالسوية أم بحسب الإرث وجهان قال الأكثرون بالسوية ونوضح ذلك بصور ابنان أو بنتان يصرف الموجود إليهما فإن اختص أحدهما بمزيد عجز بأن كان مريضا أو رضيعا قدم ذكره الروياني
ابن وبنت الصحيح أنها كالإبنين وقيل تقدم البنت لضعفها
ابن بنت وبنت ابن ذكر الروياني أن بنت الإبن تقدم لضعفها ويشبه أن يجعلا كالإبن والبنت
أب وجد أو ابن وابن ابن قيل هما سواء والأصح تقديم الأب والإبن فإن كان الأبعد زمنا ففي التهذيب أنه يقدم وذكر أنه لو اجتمع جدان في درجة وأحدهما عصبة كأبي الأب مع أبي الأم فالعصبة أولى وأنه لو اختلفت الدرجة واستويا في العصوبة

أو عدمها فالأقرب مقدم وإن كان الأبعد عصبة تعارض القرب والعصوبة فيستويان
أب وابن إن كان الإبن صغيرا قدم وإلا فهل يقدم الإبن أم الأب أم يستويان فيه ثلاثة أوجه ثالثها اختيار القفال وتجري الأوجه في الإبن والأم وفي الأب والبنت وفي الجد وابن الإبن
وابن الإبن
أب وأم تقدم الأم على الأصح وقيل الأب وقيل يستويان
جد وابن قيل بطرد الأوجه وقيل يقدم الإبن قطعا وعن القاضي أبي حامد إذا اجتمع جدتان لإحداهما ولادتان وللأخرى ولادة فإن كانتا في درجة فذات الولادتين أولى وإن كانت أبعد فالأخرى أولى وأنه لو اجتمعت بنت بنت بنت أبوها ابن ابن بنته وبنت بنت بنت ليس أبوها من أولاده فإن كانتا في درجة فصاحبة القرابتين أولى وإن كانت هي أبعد فالأخرى أولى

فرع متى استوى اثنان وزع الموجود عليهما فلو كثروا بحيث لو وزع
لم يسد قسط كل واحد مسدا أقرع بينهم
فرع إذا أوجبنا النفقة على أقرب القريبين فمات أو أعسر وجبت على
الأبعد فإن أيسر الأقرب بعد ذلك لم يرجع الأبعد عليه بما أنفق
ذكر الروياني أنه لو كان له ولدان ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما وله أب موسر لزم الأب نفقة الآخر فإن اتفقا على الإنفاق بالشركة أو على أن يختص كل واحد بواحد فذاك وإن اختلفا

عمل بقول من يدعو إلى الإشتراك
وأنه لو كان للأبوين المحتاجين ابن لا يقدر إلا على نفقة أحدهما وللابن ابن موسر فعلى ابن الإبن باقي نفقتهما فإن اتفقا على أن ينفقا عليهما بالشركة أو يخص كل واحد بواحد فذاك وإن اختلفا رجعنا إلى اختيار الأبوين إن استوت نفقتهما وإن اختلفت اختص أكثرهما نفقة بمن هو أكثر يسارا وهذان الجوابان في الصورتين مختلفان والقياس أن يسوى بينهما بل ينبغي في الصورة الثانية أن يقال تختص الأم بالإبن تفريعا على الأصح وهو تقديم الأم على الأب وإذا اختصت به تعين الأب لإنفاق ابن الإبن

فصل لا تلزم العبد نفقة ولده بل إن كانت الأم حرة فالولد
نفقته وإن كانت رقيقة فهو رقيق نفقته على مالكه وإن كان الولد حرا وأبواه رقيقان فنفقته في بيت المال إلا أن يكون في فروعه من تلزمه نفقته ولا يلزم المكاتب نفقة ولده من زوجته سواء كانت حرة أو أمة أو مكاتبة بل لا يجوز له أن ينفق عليه صيانة لحق السيد فإن كانت زوجته الأمة لسيده أيضا جاز أن ينفق على ولده منها وإن لم يجب لأنه ملك السيد وكذا لو كانت زوجته مكاتبة السيد إن جعلنا الولد ملكا للسيد وإن قلنا إنه يتكاتب عليها لم يجز له أن ينفق عليه لجواز أن تعتق المكاتبة والولد ويعجز المكاتب فيكون قد فوت مال سيده هكذا أطلقوه ولا يصح إطلاق بتجويز الإنفاق على ملكه بغير إذنه ولو استولد المكاتب جارية نفسه أو كنا لا نجوز له ذلك فيتكاتب الولد عليه وينفق المكاتب عليه من أكسابه لأنه إن عتق فقد أنفق ماله على ولده وإن رق رق الولد أيضا فيكون قد أنفق مال السيد على عبده


فرع هل تجب نفقة المكاتب على ولده الحر عن الحاوي أنه يحتمل
أحدهما لا لبقاء أحكام الرق
والثاني نعم لانقطاع النفقة عن سيده
قلت الأول أصح لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فينفق من كسبه فإن تعذر عجز نفسه والنفقة على سيده
والله أعلم
من نصفه حر ونصفه رقيق قال في البسيط الظاهر أنه تلزمه نفقة القريب لأنها كالغرامات وهل تلزمه نفقة تامة أم نصفها وجهان حكاهما ابن كج
قلت الأصح نفقة كاملة لأنه كالحر كما في الكفارة
والله أعلم
ولو كان من نصفه حر ونصفه رقيق محتاجا هل يلزمه قريبه الحر نفقته بقدر ما فيه من الحرية وجهان حكاهما ابن كج
قلت الراجح الوجوب ويمكن بناؤهما على أنه هل يورث والأظهر أنه يورث كالأحرار
والله أعلم


الباب الخامس في الحضانة
هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه وهي نوع من ولاية وسلطنة لكنها بالإناث أليق لأنهن أشفق وأهدى إلى التربية وأصبر على القيام بها وأشد ملازمة للأطفال
ومؤنة الحضانة على الأب لأنها من أسباب الكفاية كالنفقة وحكى السرخسي وجها أنه ليس للأم طلب الأجرة بعد الفطام والصحيح الأول وأما أجرة الرضاع فقد سبق بيانها وفي الباب طرفان الأول في صفات الحاضن والمجنون فإن كان أبو الطفل على النكاح فالطفل معهما يقومان بكفايته الأب بالإنفاق والأم بالحضانة والتربية وإن تفرقا بفسخ أو طلاق فالحضانة للأم إن رغبت فيها لكن لاستحقاقها شروط أحدها كونها مسلمة إن كان الطفل مسلما بإسلام أبيه فلا حضانة لكافرة على مسلم وقال الإصطخري لها الحضانة وقيل الأم الذمية أحق بالحضانة من الأب المسلم إلى أن يبلغ الولد سبع سنين ثم الأب بعد ذلك
قال الأصحاب والصحيح الأول فعلى هذا حضانته لأقاربه المسلمين على ما يقتضيه الترتيب فإن لم يوجد أحد منهم فحضانته على المسلمين والمؤنة في ماله فإن لم يكن له مال فعلى أمه إن كانت موسرة وإلا فهو من محاويج المسلمين وولد

الذميين في الحضانة كولد المسلمين فالأم أحق بها ولو وصف صبي منهم الإسلام نزع من أهل الذمة سواء صححنا إسلامه أم لا ولا يمكنون من كفالته والطفل الكافر والمجنون تثبت لقريبه المسلم حضانته وكفالته على الصحيح لأن فيه مصلحة له
الشرط الثاني كونها عاقلة فلا حضانة لمجنونة سواء كان جنونها مطبقا أو منقطعا إلا إذا كان لا يقع إلا نادرا ولا تطول مدته كيوم في سنين فلا يبطل الحق به كمرض يطرأ ويزول والمرض الذي لا يرجى زواله كالسل والفالج إن كان بحيث يؤلم أو يشغل الألم عن كفالته وتدبير أمره سقط حق الحضان وإن كان تأثيره يعسر الحركة والتصرف سقطت الحضانة في حق من يباشرها بنفسه دون من يشير بالأمور ويباشرها غيره
الشرط الثالث كونها حرة فلا حضانة لرقيقة وإن أذن السيد ثم إن كان الولد حرا فحضانته لمن له الحضانة بعد الأم من الأب وغيره وإن كان رقيقا فحضانته على السيد وهل له نزعه من الأب وتسليمه إلى غيره وجهان بناء على القولين في جواز التفريق ولو كانت الأم حرة والولد رقيق بأن سبي طفل ثم أسلمت أمه أو قبلت الذمة فحضانته للسيد وفي الإنتزاع منها الوجهان والمدبرة والمكاتبة والمعتق بعضها لا حضانة لهن لكن ولد المكاتبة إذا قلنا إنه لها تستعين به في الكتابة سلم إليها لا لأن لها حضانة بل لأن الحق لها
وولد أم الولد من زوج أو زنى له حكمها يعتق بموت السيد وحضانته لسيده مدة حياته وهل لها حق الحضانة في ولدها من السيد وجهان الصحيح لا حضانة لها لنقصها وقال الشيخ أبو حامد لها الحضانة إلى سبع سنين ثم السيد أولى بالولد بعد السبع ولو كان ولد نصفه حر ونصفه رقيق فنصف حضانته لسيده ونصفها لمن

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28