كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

وهو ضعيف
واعلم أن في كلام الأصحاب تصريحا بأن الغانمين وإن لم يملكوا الغنيمة فمن قال منهم اخترت ملك نصيبي ملكه وقد ذكرنا هذا في كتاب الزكاة فإذا الاعتبار باختيار التملك لا بالقسمة وإنما تعتبر القسمة لتضمنها اختيار التملك

فرع ذكروا هنا وفي كتاب الزكاة أن للإمام أن يقسم الغنيمة قسمة
تحكم فيخص بعضهم ببعض الأنواع وببعض الأعيان وحينئذ فقولنا تملك بالقسمة معناه في غالب الأمر وهو إذا رضي الغانم بالقسمة أو قبل ما عينه له الإمام فأما إذا رد فينبعي أن يصح رده وذكر البغوي فيه خلافا فقال إذا أفرز الإمام الخمس وأفرز نصيب كل واحد منهم أو أفرز لكل طائفة شيئا معلوما فلا يملكونه قبل اختيار التملك على الأصح حتى لو ترك بعضهم حقه صرف إلى الباقين
فرع لو سرق بعض الغانمين من الغنيمة قبل إفراز الخمس لم يقطع
كان أو عبدا لأن له حقا في خمس الخمس وفي الأخماس الأربعة وإن سرق بعد إفراز الخمس نظر إن سرق منه فلا قطع وإن سرق من الأخماس قدر نصيبه أو أكثر ولم تبلغ الزيادة نصابا فلا قطع وكذا إن بلغته على الأصح لأن حقه متعلق بجميع الغنيمة لجواز إعراض الباقين فيكون الجميع له وعلى كل حال يسترد المسروق وإن تلف فبدله ويجعل في المغنم ولو غل من الغنيمة بعض الغانمين عزر وإن سرق غير الغانمين نظر إن كان له في الغانمين ولد أو والد أو عبد فهو كسرقة الغانم وإلا فإن سرق قبل إفراز الخمس فهو كسرقته مال بيت

المال لأن فيه مالا لبيت المال وإن سرق بعد إفراز الخمس فإن سرق من الأخماس الأربعة قطع وإن سرق من الخمس قبل إخراج خمسه أو سرق من خمس المصالح بعد إفرازه فهو سرقة مال بيت المال وإن سرق من أربعة أخماسه لم يقطع إن كان من أهل استحقاقها وإلا فيقطع على الأصح ووجه المنع أنه يجوز أن يصير منهم

فرع لو وطىء أحد الغانمين جارية من الغنيمة قبل القسمة فلا حد
وفي قول قديم يحد والمشهور الأول لأن له شبهة لكن يعزر إن كان عالما وإن كان جاهلا لقرب عهده بالإسلام نهي عنه ويعرف حكمه وإذا لم يجب الحد وجب المهر ثم ينظر إن كان الغانمون محصورين يتيسر ضبطهم ففي قدره وجهان أحدهما كل المهر والصحيح المنصوص أنه يغرم منه حصة الخمس وحصة غيره من الغانمين وتسقط حصته وفي قول إن وقعت الجارية في حصة الواطىء فلا شىء عليه وخرج الإمام وجها أنها إن وقعت في حصته غيره وجب له المهر والمذهب ما سبق عن المنصوص وإن كان الغانمون غير محصورين ومعناه أن يعسر ضبطهم لكثرتهم نظر إن أفرز الإمام الخمس وعين لكل طائفة شيئا وكانت الجارية معينة لمخصوصين فإن وطىء بعضهم بعد اختيارهم تملكها فهذا وطء جارية مشتركة فيغرم من المهر قسط شركائه وإن وطىء قبل اختيارهم التملك فقيل هو كما بعد الاختيار والمذهب أنه كما لو كانوا محصورين في الأصل إلا أنه لا يخمس المهر هنا بل يوزع عليهم فيسقط قسط الواطىء ويلزمه قسط الباقين وإن لم يفرز الإمام ولا عين شيئا غرم الواطىء كل المهر وضم إلى المغنم وقسم بين

الجميع فيعود إلى الواطىء حصته ولا يكلف الإمام أن يضبطهم ويعرف حصته لما فيه من المشقة بخلاف ما لو كانوا محصورين وسهل الضبط قال الإمام وليكن هذا الذي ذكره الأصحاب مخصوصا بما إذا طابت نفس الواطىء بغرم الجميع فإن قال أسقطوا حصتي فلا بد من إجابته
قلت ظاهر كلام الأصحاب خلاف قول الإمام ويحتمل أخذ هذا القدر منه وإن كان يستحقه للمصلحة العامة والمشقة الظاهرة ولئلا يقدم بعض المستحقين في الإعطاء على بعض
والله أعلم
أما إذا أحبلها فحكم الحد والمهر ما ذكرنا ويزيد أمور
منها الاستيلاد فإن كان موسرا ففي نفوذه في نصيبه طريقان المذهب أنه لا ينفذ وبه قطع العراقيون وكثير من غيرهم فعلى هذا إن ملك الجارية بسهمه أو بسبب آخر في وقت ففي نفوذ الاستيلاد قولان يطردان في نظائره الأظهر النفوذ وبه قطع البغوي وقال صاحب الحاوي إن كانوا محصورين ولم يغنموا غير تلك الجارية نفذ الاستيلاد في حصته قطعا بخلاف ما إذا كان في الغنيمة غيرها فإنه يحتمل أن يجعل الإمام الجارية لغيره وإذا ثبت استيلاد نصيبه سرى ليساره إلى الباقي وهل تحصل السراية بنفس العلوق أم بأداء قيمة نصيب الشريك قولان موضعهما كتاب العتق قال الإمام والغزالي ويحصل اليسار بحصته من المغنم لغيرها فإن لم تف حصته من غير تلك الجارية بالقيمة سرى بقدر الحصة وكان يمكن أن يخرج ذلك على أن الملك في الغنيمة هل يحصل قبل القسمة إن قلنا لا لم

يكن موسرا يدل عليه أن الإمام ذكر أن الحكم بغناه موقوف على أن لا يعرض ويستقر ملكه فإن أعرض تبينا أنه لم يكن غنيا ولا تقول حق السراية يلزمه أن يتملك لأن التملك كابتداء كسب ومتى حكمنا بالاستيلاد في الحال أو بعد وقوعه في حصته لزمه القيمة ثم هو في سقوط حصته وأخذ الجميع بحسب انحصار القوم وعدم انحصارهم على ما ذكرنا في المهر وإن لم نحكم بالاستيلاد فإن تأخرت القسمة حتى وضعت جعلت في المغنم ومنها الولد وهو حر نسيب وهل تلزمه قيمته يبنى على أن الجارية هل تقوم عليه إن قلنا نعم فلا لأنها ملكه حين الولادة وإن قلنا لا فنعم لأنه منع رقه بوطئه ثم حكم قيمة الولد حكم المهر هذا إذا كان موسرا وثبت الاستيلاد في كلها فإن كان معسرا وثبت في حصته ولم يسر فهل ينعقد الولد حرا كله أم قدر حصته حر والباقي رقيق قولان أو وجهان أحدهما كله حر لأن الشبهة تعم

الجارية وحرية الولد تثبت بالشبهة وإن لم يثبت الاستيلاد ولهذا لو وطىء جارية غيره وهو يظنها أمته أو زوجته الحرة انعقد الولد حرا وإن لم يثبت الاستيلاد ووجه الثاني أنه تبع للاستيلاد وهو متبعض بخلاف الشبهة فإنها ناشئة من ظن لا يتبعض فعلى هذا لو ملك باقي الجارية بعد ذلك بقي الرق فيه لأنها علقت في غير ملكه برقيق وإن قلنا جميعه حر ففي ثبوت الاستيلاد في باقيها إذا ملكه قولان لأنه أولدها حرا في غير ملك وهذا الخلاف في تبعيض حرية الولد يجري فيما إذا أولد أحد الشريكين المشتركة وهو معسر فإن قلنا جميعه حر لزم المستولد قيمة حصة الشركاء من الولد وهذا هو الأصح وكذا قاله القاضي أبو الطيب والروياني وغيرهما وسواء في ترجيح حرية جميعه استيلاد أحد الغانمين واستيلاد أحد الشريكين وسئل القاضي حسين عمن أولد امرأة نصفها حر ونصفها رقيق بنكاح أو زنى كيف حال الولد فقال يمكن تخريجه على الوجهين في ولد المشتركة من الشريك المعسر ثم استقر جوابه على أنه كالأم حرية ورقا قال الإمام وهذا هو الوجه لأنه لا سبب لحريته إلا حرية الأم فيتقدر بها ثم ما ذكرناه من ثبوت الاستيلاد في حصة المعسر والخلاف في حال الولد موضعه ما إذا انحصر المستحقون فإن لم ينحصروا فقال البغوي إن قلنا عند الانحصار كل الولد حر أخذ منه قيمته وجعلت في المغنم وقسم على الجميع وإن قلنا الحر بعضه كان كله هنا رقيقا ثم الإمام يجتهد حتى تقع الأم والولد في حصة الواطىء فإن وقعا فيها فهي أم ولد والولد حر وإن وقع البعض ثبت الإستيلاد بقدره وعتق من الولد بقدر ما يملك هذا كلام البغوي ولك أن تقول قد سبق أن للإمام أن يقسم الغنيمة قسمة تحكم ولا يشترط رضى الغانمين ولا الإقراع وحينئذ فلا حاجة إلى سعي واجتهاد بل

ينبغي أن يقال يوقعهما في حصته أو يوقع بعضهما
وقوله وعتق من الولد بقدر ما ملك ينبغي أن يجيء فيه الخلاف في أن الولد يعتق كله أو بالحصة فلعله فرعه على وجه التبعيض أو أراد أن قدر الحصة يعتق قطعا وفي الباقي الخلاف وجميع ما ذكرنا إذا كان الاستيلاد قبل القسمة واختيار التملك وسواء كان قبل إفراز الخمس أم بعده وقبل القسمة بين الغانمين إذا كانت الجارية من الأخماس الأربعة فلو كان بعد القسمة وبعد اختيار التملك فهو كوطء جاريته أو جارية غيره أو مشتركة ولا يخفى حكمه ولو كان بعد القسمة وقبل اختيار التملك فهو كما قبل القسمة وفيه وجه أنهم إن كانوا محصورين أو أفرزت الجارية لطائفة محصورين فهو كما بعد القسمة واختيار التملك وقد سبق نظيره ولو وطىء أحدهم بعد إفراز الخمس جارية من الخمس فكوطء الأجنبي ولو وطىء أجنبي جارية من الخمس أو قبل إفراز الخمس ففي وجوب الحد وجهان أصحهما يجب كوطء جارية بيت المال بخلاف ما لو سرق مال بيت المال لأنه يستحق فيه النفقة دون الإعفاف والثاني لا لأنه لمصالح المسلمين وإن وطىء الأجنبي جارية من الأخماس الأربعة حد إلا أن يكون له في الغانمين ولد
المسألة الثالثة إذا أسر من يعتق على بعض الغانمين ورق بنفس الأسر أو بإرقاقه فالنص أنه لا يعتق قبل القسمة واختيار التملك ونص فيما لو استولد بعض الغانمين جارية من المغنم أنه يثبت الاستيلاد كما سبق فقيل فيهما قولان بناء على أن الغنيمة تملك بالحيازة أم لا إن قلنا نعم نفذ أو غرم القيمة وجعلت في المغنم وإلا فلا وقيل بتقرير النصين لقوة الاستيلاد ولهذا ينفذ استيلاد المجنون واستيلاء جارية ابنه دون الإعتاق وسواء ثبت الخلاف أم لا

فالمذهب منع العتق في الحال فإن وقع في نصيبه واختار تملكه أو وقع بعضه واختاره عتق عليه ونظر إلى يساره وإعساره في تقويم الباقي وقال صاحب الحاوي إن انحصروا أو لم يكن في الغنيمة غير قريبه ملك حصته وإن لم يختر التملك وعلى هذا لا يقوم عليه الباقي لأنه دخل في ملكه بغير اختياره ولو أعتق بعض الغانمين عبدا منها ففي ثبوت العتق في الحال ما ذكرنا من عتق القريب كذا نقله البغوي وغيره وقال صاحب الحاوي لا يعتق بحال بخلاف عتق القريب فإنه يثبت بلا اختيار وهو أقوى مما يثبت باختيار ولهذا يعتق على المحجور عليه قريبه إذا ملكه ولو أعتق لم ينفذ

فرع لو كان الغانمون طائفة يسيرة ووقع في الغنيمة من يعتق عليهم
جميعا لم يتوقف العتق إلا على اختيارهم التملك ويجيء وجه أنه لا حاجة إلى الاختيار وإذا اختاروا جميعا لم يفرض فيه تقديم بعض على بعض
فرع دخل مسلم دار الحرب منفردا وأسر أباه أو ابنه البالغ لم
منه شىء في الحال لأنه لا يصير رقيقا بنفس الأسر فإن اختار الإمام قتله أو المن أو الفداء فذاك وإن اختار تملكه نظر إن لم يختر الآسر التملك لم يعتق على الصحيح وإن اختار صار له أربعة أخماسه فيعتق عليه ويقوم الخمس لأهل الخمس إن كان موسرا ولو أسر أمه أو بنته البالغة رقت بنفس الأسر فإذا اختار الآسر التملك كان الحكم ما ذكرنا وألحق ابن الحداد الابن الصغير بالأم وهو هفوة عند الأصحاب لأن المسلم يتبعه ولده الصغير في الإسلام

فلا يتصور منه سبيه ولو أسر أباه في القتال زاد النظر في أن الأسير إذا رق هل يكون من السلب وفيه خلاف سبق في الغنائم
الحكم الثالث في حكم الأرض أرض الكفار وعقارهم تملك بالاستيلاد كما تملك المنقولات وأما مكة ففتحت صلحا هذا مذهب الشافعي والأصحاب رحمهم الله وقال صاحب الحاوي عندي أن أسفلها دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه عنوة وأعلاها فتح صلحا والصحيح الأول فدورها وعراصها المحياة مملوكة كسائر البلاد فيصح بيعها ولم يزل الناس يتبايعونها وأما سواد العراق فقال أبو إسحق فتح صلحا والصحيح المنصوص أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتحه عنوة وقسمه بين الغانمين ثم استطاب قلوبهم واسترده واختلف الأصحاب فيما فعله بأرضه على وجهين الصحيح الذي قاله الأكثرون ونص عليه في كتاب الرهن وفي سير الواقدي أنه وقفها على المسلمين وآجره لأهله والخراج المضروب عليه أجرة منجمة تؤدى كل سنة والثاني وبه قال ابن سريج أنه باعه لهم والخراج ثمن منجم فعلى هذا يجوز رهنه وهبته وبيعه وعلى الصحيح لا يجوز ذلك ويجوز لأهله إجارته بالاتفاق مدة معلومة ولا تجوز إجارته مؤبدا على الأصح بخلاف إجارة عمر رضي الله عنه مؤبدا فإنها احتملت لمصلحة كلية ولا يجوز لغير سكانه أن يزعج ساكنا ويقول أنا استغله وأعطي الخراج لأنه ملك بالإرث المنفعة أو الرقبة هذا حكم الأرض التي تزرع وتغرس فأما ما في حد السواد من المساكن والدور فالمذهب جواز بيعها لأن أحدا لم يمنع شراءها وهل يجوز لمن في يده الأرض تناول ثمر أشجارها إن قلنا الأرض مبيعة فكذا الشجر والثمر وإن قلنا مستأجرة فوجهان أحدهما يجوز له تناولها للحاجة ويحتمل ذلك

كما يحتمل التأييد وأصحهما المنع بل الإمام يصرفها وأثمانها إلى مصالح المسلمين
وأما حد السواد فأطلق جماعة أنه من عبادان إلى حديثة الموصل طولا ومن عذيب القادسية إلى حلوان عرضا وهو بالفراسخ مائة وستون فرسخا طولا وثمانون عرضا وفي هذا الإطلاق تساهل لما قد علم أن أرض البصرة كانت سبخة أحياها عثمان بن أبي العاصي وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما بعد فتح العراق وهي داخلة في هذا الحد ولا بد من استثنائها وقد أطلق البغوي أن البصرة لا تدخل في حكم السواد وإن كانت داخلة في حده وقال صاحب الحاوي حضرت الشيخ أبا حامد وهو يدرس في تحديد السواد فأدخل فيه البصرة ثم أقبل علي وقال هكذا تقول قلت لا إنما كانت مواتا أحياها المسلمون فأقبل على أصحابه وقال علقوا ما يقول فإن أهل البصرة أعرف بها ولكن في إطلاق استثناء البصرة تساهل أيضا والصحيح ما أورده صاحب المهذب وغيره أن البصرة ليس لها حكم السواد إلا في موضع من شرقي دجلتها يسمى الفرات وموضع من غربي دجلتها يسمى نهر الصراة

فرع ما يؤخذ من خراج هذه الأرض يصرفه الإمام في مصالح المسلمين
الأهم فالأهم ويجوز صرفه إلى الفقراء والأغنياء من أهل الفيء وغيرهم وقدر الخراج في كل سنة على كل جريب شعير درهمان وجريب الحنطة أربعة دراهم وجريب الشجر وقصب السكر ستة والنخل ثمانية والكرم عشرة وقيل النخل عشرة والزيتون اثنا عشر درهما

فرع لو رأى الإمام اليوم أن يقف أرض الغنيمة كما فعل
عنه جاز إذا استطاب قلوب الغانمين في النزول عنها بعوض أو بغير عوض فإن امتنع بعضهم فهو أحق بماله وكذا المنقولات والصبيان والنساء لا يجوز رد شىء منها إلى الكفار إلا بطيب أنفس الغانمين لأنهم ملكوها قال الإمام وليس للإمام أن يأخذ الأرض قهرا وإن كان يعلم أنهم يتوانون بسببها في الجهاد ولكن يقهرهم على الخروج إلى الجهاد بحسب الحاجة

الباب الثالث في ترك القتال
والقتل بالأمان قد تقتضي المصلحة الأمان لاستمالته إلى الإسلام أو إراحة الجيش أو ترتيب أمرهم أو للحاجة إلى دخول الكفار أو لمكيدة وغيرها وينقسم إلى عام وهو ما تعلق بأهل اقليم أو بلد وهو عقد الهدنة ويختص بالإمام وولاته وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى وإلى خاص وهو ما تعلق بآحاد ويصح من الولاة والآحاد والباب معقود لهذا وفيه مسائل إحداها إنما يجوز لآحاد المسلمين أمان كافر أو كفار محصورين كعشرة ومائة ولا يجوز أمان ناحية وبلدة وفي البيان أنه يجوز أن يؤمن واحد أهل قلعة ولا شك أن القرية الصغيرة في معناها وعن الماسرجسي أنه لا يجوز أمان واحد لأهل قرية وإن قل عدد من فيها والأول أصح وضابطه أن لا ينسد به باب الجهاد في تلك الناحية فإذا تأتى الجهاد بغير تعرض لمن أمن نفذ الأمان لأن الجهاد شعار الدين والدعوة القهرية وهو من أعظم مكاسب المسلمين ولا يجوز أن يظهر بأمان الآحاد انسداده أو نقصان يحس قال الإمام ولو أمن مائة ألف من الكفار فكل واحد لم يؤمن إلا واحدا لكن إذا ظهر انسداد أو نقصان فأمان الجميع مردود ولك أن تقول إن أمنوهم معا فرد الجميع ظاهر وإن أمنوهم متعاقبين فينبغي أن يصح أمان الأول فالأول إلى ظهور الخلل على أن الروياني ذكر أنه لو أمن كل واحد واحدا جاز وإن كثروا حتى زادوا على عدد أهل البلدة

قلت المختار أنه يصح أمان المتعاقبين إلى أن يظهر الخلل وهو مطاد الإمام
والله أعلم
وسواء كان الكافر المؤمن في دار الحرب أو في حال القتال أو الهزيمة أو عند مضيق بل يصح الأمان ما دام الكافر ممتنعا فأما بعد الأسر فلا يجوز للآحاد أمانه ولا المن عليه ولو قال واحد من المسلمين كنت أمنته قبل هذا لم يقبل بخلاف ما لو أقر بأمان من يجوز أمانه في الحال فإنه يصح ولو قال جماعة كنا أمناه لم يقبل أيضا لأنهم يشهدون على فعلهم ولو قال واحد كنت أمنته وشهد به اثنان قبلت شهادتهما

فرع في جواز عقد المرأة استقلالا وجهان

الثانية يصح الأمان من كل مسلم مكلف مختار فيصح أمان العبد المسلم وإن كان سيده كافرا والمرأة والخنثى والفقير والمفلس والمحجور عليه بسفه والمريض والشيخ الهرم والفاسق وفي الفاسق وجه ضعيف ولا يصح أمان كافر وصبي ومجنون ومكره وفي الصبي المميز وجه كتدبيره
الثالثة ينعقد الأمان بكل لفظ يفيد الغرض صريح أو كناية فالصريح أجرتك أو أنت مجار أو أمنتك أو أنت آمن أو في أماني أو لا بأس عليك أو لا خوف عليك أو لا تخف أو لا تفزع أو قال بالعجمية مترس وقال صاحب الحاوي لا تخف لا تفزع
كناية
والكناية كقوله أنت على ما تحب أو كن كيف شئت وتنعقد بالكتابة والرسالة سواء كان الرسول مسلما أو كافرا وبالإشارة المفهمة من قادر على العبارة
وبناء الباب على التوسعة
فأما الكافر المؤمن فلا بد من علمه وبلوغ خبر الأمان إليه فإن لم يبلغه فلا أمان فلو

بدر مسلم فقتله جاز وإذا خاطبه بالأمان أو بلغه الخبر فرده بطل وإن قبل أو كان قد استجار من قبل تم الأمان ولا يشترط قبوله لفظا بل تكفي الإشارة والأمارة المشعرة بالقبول فإن كان في القتال فينبغي أن يترك القتال فلو سكت فلم يقبل ولم يرد قال الإمام فيه تردد والظاهر اشتراط قبوله وبه قطع الغزالي واكتفى البغوي بالسكوت ولو قال الكافر قبلت أمانك ولست أؤمنك فخذ حذرك قال الإمام هو رد للأمان لأن الأمان لا يثبت في أحد الطرفين دون الآخر ويصح تعليق الأمان بالأعذار ولو أشار مسلم إلى كافر في القتال فانحاز إلى صف المسلمين وتفاهما الأمان فهو أمان وإن قال الكافر ظننت أنه يؤمنني وقال المسلم لم أرده فالقول قول المسلم ولا أمان ولكن لا يغتال بل يلحق بمأمنه وكذا لو دخل بأمان صبي أو مجنون أو مكره وقال ظننت صحته أو ظننته بالغا أو عاقلا أو مختارا ولو قال علمت أنه لم يرد الأمان فقد دخل بلا أمان وكذا لو قال علمت أنه كان صبيا وأنه لا أمان للصبي ولو مات المسلم المشير قبل البيان فلا أمان ولا اغتيال

فرع ما ذكرناه من اعتبار صيغة الأمان هو فيما إذا دخل الكافر
بلا سبب فلو دخل رسولا فقد سبق أن الرسول لا يتعرض له ولو دخل ليسمع الذكر وينقاد للحق إذا ظهر له فكذلك وقصد التجارة لا يفيد الأمان ولكن لو رأى الإمام مصلحة في دخول التجار فقال من دخل تاجرا فهو آمن جاز ومثل هذا الأمان لا يصح من الآحاد ولو قال ظننت أن قصد التجارة يفيد الأمان فلا أثر لظنه ويغتال إذ لا مستند له ولو سمع مسلما يقول من دخل تاجرا فهو آمن فدخل وقال ظننت صحته فالأصح أنه لا يغتال

الرابعة شرط الأمان أن لا يزيد على أربعة أشهر وفي قول يجوز ما لم يبلغ سنة فلو زاد على الجائز بطل الزائد ولا يبطل في الباقي على الأصح تخريجا من تفريق الصفقة قال الروياني وإذا أطلق حمل على أربعة أشهر ويبلغ بعدها المأمن ويشترط أن لا يتضرر به المسلمون فلو أمن جاسوسا أو طليعة لم ينعقد الأمان قال الإمام وينبغي أن لا يستحق تبليغ المأمن لأن دخول مثله خيانة فحقه أن يغتال ولو أمن آحادا على مدارج الغزاة وعسر بسببه مسير العسكر واحتاجوا إلى نقل الزاد فهو مردود للضرر ولا يشترط لانعقاد الأمان ظهور المصلحة بل يكفي عدم المضرة
الخامسة إذا انعقد الأمان صار المؤمن معصوما عن القتل والسبي فلو قتل قال الإمام الوجه عندنا أنه يضمن بما يضمن به الذمي وهو لازم من جهة المسلمين فليس للإمام نبذه فإن استشعر منه خيانة نبذه لأن المهادنة تنبذ بذلك فأمان الآحاد أولى وهو جائز من جهة الكافر ينبذه متى شاء ولا يتعدى الأمان إلى ما خلفه بدار الحرب من أهل ومال وأما ما معه منهما فإن تعرض له اتبع الشرط وإلا فلا أمان فيه على الأصح لقصور اللفظ
السادسة الأسير في أيدي الكفار إذا أمن بعضهم مكرها لم يصح وإن أمنه مختارا لم يصح أيضا على الأصح لأنه مقهور في أيديهم وقال الإمام إن أمن من هو في أسره لم يصح لأنه كالمكره معه وإن أمن غيره ففيه الوجهان فإن أبطلنا فهل يصح ويلزم في حق الآمن وجهان أصحهما المنع

فرع المسلم إن كان ضعيفا في دار الكفر لا يقدر على
حرم عليه الإقامة هناك وتجب عليه الهجرة إلى دار الإسلام فإن لم يقدر على الهجرة فهو معذور إلى أن يقدر فإن فتح البلد قبل أن يهاجر سقط عنه الهجرة وإن كان يقدر على إظهار الدين لكونه مطاعا في قومه أو لأن له هناك عشيرة يحمونه ولم يخف فتنة في دينه لم تجب الهجرة لكن تستحب لئلا يكثر سوادهم أو يميل إليهم أو يكيدوا له وقيل تجب الهجرة حكاه الإمام والصحيح الأول
قلت قال صاحب الحاوي فإن كان يرجو ظهور الإسلام هناك بمقامه فالأفضل أن يقيم قال وإن قدر على الامتناع في دار الحرب والاعتزال وجب عليه المقام بها لأن موضعه دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب فيحرم ذلك ثم إن قدر على قتال الكفار ودعائهم إلى الإسلام لزمه وإلا فلا
والله أعلم
فرع الأسير المقهور متى قدر على الهرب لزمه ولو أطلقوا أسيرا بلا
شرط فله أن يغتالهم قتلا وسبيا وأخذا للمال وإن أطلقوه على أنه في أمان منهم وهم في أمان منه حرم عليه اغتيالهم وإن أطلقوه على أنه في أمان منهم ولم يستأمنوه فالصحيح المنصوص أن الحكم كذلك وعن ابن أبي هريرة أن له اغتيالهم ولو تبعه قوم بعد خروجه فله قصدهم وقتلهم في الدفع بكل حال ولو أطلقوه وشرطوا عليه أن لا يخرج من دارهم لزمه الخروج وحرم الوفاء بالشرط فإن حلفوه أن لا يخرج فإن حلف مكرها خرج ولا كفارة لأنه لم تنعقد

يمينه ولا طلاق عليه إن حلفوه بالطلاق وإن حلف ابتداء بلا تحليف ليتوثقوا به ولا يتهموه بالخروج نظر إن حلف بعدما أطلقوه لزمه الكفارة بالخروج وإن حلف وهو محبوس أن لا يخرج إذا أطلق فالأصح أنه ليس يمين إكراه قال البغوي ولو قالوا لا نطلقك حتى تحلف أن لا تخرج فحلف فأطلقوه لم يلزمه كفارة بالخروج ولو حلفوه بالطلاق لم يقع كما لو أخذ اللصوص رجلا وقالوا لا نتركك حتى تحلف أنك لا تخبر بمكاننا فحلف ثم أخبر بمكانهم لا يلزمه الكفارة لأنه يمين إكراه وليكن هذا تفريعا على أن التخويف بالحبس إكراه
قلت ليس هو كالتخويف بالحبس فإنه يلزمه هنا الهجرة والتوصل إليها بما أمكنه
والله أعلم
وعلى الأحوال لا يغتالهم لأنهم أمنوه ولو كان عندهم عين مال لمسلم فأخذها عند خروجه ليردها على مالكها جاز فإن شرطوا الأمان في ذلك المال فهل يصير مضمونا عليه فيه طريقان أحدهما أنه على القولين فيما إذا أخذ المغصوب من الغاصب ليرده على مالكه وعن القفال القطع بالمنع لأنه لم يكن مضمونا على الحربي بخلاف المغصوب
ولو شرطوا عليه أن يعود إليهم بعد الخروج إلى دار الإسلام حرم عليه العود ولو شرطوا أن يعود أو يبعث إلينم مالا فداء فالعود حرام وأما المال فإن شارطهم عليه مكرها فهو لغو وإن صالحهم مختارا لم يجب بعثه لأنه التزام بغير حق لكن يستحب وفي قول يجب لئلا يمتنعوا من إطلاق

4 الأسارى وفي قول قديم يجب بعث المال أو العود إليهم والمشهور الأول وبه قطع الجمهور قال صاحب البيان والذي يقتضي المذهب أن المبعوث إليهم استحبابا أو وجوبا لا يملكونه لأنه مأخوذ بغير حق ولو اشترى منهم الأسير شيئا ليبعث إليهم ثمنه أو اقترض فإن كان مختارا لزمه الوفاء وإن كان مكرها فثلاث طرق المذهب والمنصوص أن العقد باطل ويجب رد العين كما لو أكره مسلم مسلما على الشراء والثاني الصحة ويلزم الثمن لأن المعاملة مع الكفار يتساهل فيها والثالث قولان الجديد البطلان والقديم أنه مخير بين رد العين ورد الثمن ولو لم يجر لفظ بيع بل قالوا خذ هذا وابعث كذا من المال فقال نعم هو كالشراء مكرها ولو أعطوه شيئا ليبيعه في دار الإسلام ويبعث إليهم ثمنه فهو وكيل يجب عليه ما على الوكيل
السابعة إذا بارز مسلم كافرا بإذن الإمام أو بغير إذنه وقلنا بالأصح إنه يجوز وشرط المتبارزان أن لا يعين المسلمون المسلم ولا الكفار الكافر إلى انقضاء القتال وجب الوفاء بالشرط ولم يجز لمن في الصف الإعانة ثم إن هرب أحدهما أو قتل المسلم جاز للمسلمين قصد الكافر لأن الأمان كان إلى انقضاء القتال وقد انقضى فإن شرط الأمان إلى العود إلى الصف وفى به فإن ولى المسلم عنه فتبعه ليقتله أو ترك قتال المسلم وقصد الصف فلهم قتله لنقضه الأمان ولو أثخن جاز قتله أيضا لانقطاع القتال وإذا قصد قتل المثخن منع وقيل فإن شرط له التمكين منه فهو شرط باطل لما فيه من الضرر وهل يفسد به أصل الأمان وجهان ولو خرج المشركون لإعانة المشرك خرج المسلمون لإعانة المسلم فإن كان الكافر استنجدهم جاز قتله معهم وكذا لو خرجوا بغير استنجاده

فلم يمنعهم وإن خرجوا بغير إذنه ومنعهم فلم يمتنعوا جاز قتلهم ولم يجز التعرض له هذا كله إذا شرطا الأمان فإن لم يشرط ولكن اطردت عادة المتبارزين بالأمان فهو كالمشروط على الأصح فإن لم يشرط ولم تجر عادة فللمسلمين قتله

فرع لو أثخن المسلم الكافر فهل يجوز قتله أم يترك وجهان نقلهما
ابن كج وينبغي أن يقال إن شرط الأمان إلى انقضاء القتال جاز قتله وإن شرط أن لا يتعرض للمثخن وجب الوفاء بالشرط
الثامنة مسألة العلج وهو الكافر الغليظ الشديد سمي به لأنه يدفع بقوته عن نفسه ومنه سمي العلاج لدفعه الداء وصورتها أن يقول كافر للإمام أدلك على قلعة كذا على أن تعطيني منها جارية كذا فيعاقده الإمام فيجوز وهي جعالة بجعل مجهول غير مملوك احتملت للحاجة ولو قال الإمام ابتداء إن دللتني على هذه القلعة فلك منها جارية كذا فكذلك الحكم وسواء كانت المعينة حرة أم أمة لأن الحرة ترق بالأسر ولو شرط العلج أو الإمام جارية مبهمة جاز على الصحيح ويشترط كون الجعل مما يدل عليه العلج فلو قال أعطيك جارية مما عندي أو ثلث مالي لم يصح كونه مجهولا كسائر الجعالات ولو قال مسلم أدلك على أن تعطيني منها جارية كذا أو ثلث ما فيها فوجهان أصحهما عند الإمام لا يجوز لأن فيه أنواع غرر فلا تحتمل مع المسلم الملتزم للأحكام بخلاف الكافر فإن الحاجة تدعو إليه لأنه أعرف بقلاعهم وطرقهم غالبا والثاني يجوز وبه قال العراقيون للحاجة فقد يكون المسلم أعرف وهو أنصح ولأن العقد متعلق بالكفار قال الإمام والوجهان مفرعان على تجويز

استئجار المسلم للجهاد وإلا فلا تصح هذه المعاملة مع مسلم ولا يستحق أجرة المثل ثم إذا فتحنا القلعة بدلالة العلج وظفرنا بالجارية سلمناها إليه ولا حق فيها لغيره وإن دلنا وفتحناها بغير دلالته لم يستحقها على الأصح وإن لم نفتحها فإن علق الشرط بالفتح فلا شىء له وإلا فأوجه أصحها لا يستحق شيئا والثاني يستحق أجرة المثل والثالث يرضخ له والرابع إن كان القتال ممكنا والفتح متوقعا قريبا استحق وإن لم يتوقع إلا باحتمال نادر فلا أما إذا قاتلنا فلم نظفر فلا شىء له على المذهب ولو تركناها ثم عدنا ففتحناها بدلالته فله الجارية على الصحيح وإن فتحناها بطريق آخر فلا شىء له على الصحيح ولو فتحها طائفة أخرى بالطريق الذي دلنا عليه فلا شىء له عليهم لأنه لم يجر معهم شرط

فرع إذا لم يكن في القلعة تلك الجارية فلا شىء له وكذا
وماتت قبل الشرط وإن ماتت بعد الشرط فالمذهب أنها إن ماتت بعد الظفر وجب بدلها لأنها حصلت في يد الإمام فتلفت من ضمانه وإن ماتت قبل الظفر فلا شىء له وقيل قولان في الحالين فإن قلنا يجب البدل فما البدل بناه الإمام على مقدمة في جعل الجعالة فقال إذا جعل الجعل عينا كثوب وعبد وتمم العامل العمل والعين تالفة فإن تلفت قبل إنشاء العمل نظر إن علم العامل تلفها فلا شىء له لأن المعاقدة كانت مقصورة على تلك العين فإذا عمل عالما بتلفها كان كالمتبرع وإن جهل فله أجرة المثل لعدم التبرع وإن تلفت بعد العمل نظر إن لم يطالبه العامل بتسليمها فهل يرجع بقيمة العين أو أجرة المثل قولان بناء على أن الجعل المعين مضمون ضمان العقد

أم ضمان اليد وفيه قولان كالصداق قال الإمام ولا يبعد عندي القطع بأن الجعل يضمن ضمان العقد لأنه ركن في الجعالة وليس الصداق ركنا في النكاح وإن تلف بعد المطالبة وامتناع الجاعل من التسليم فإن قلنا بضمان اليد فالحكم كما سبق وإن قلنا ضمان العقد فقال القاضي حسين التلف بعد الامتناع كإتلاف الجاعل فيكون في قول كتلفه بآفة فينفسخ العقد ويرجع العامل بأجرة المثل وفي قول كإتلاف الأجنبي فيتخير العامل بين الفسخ والإجارة إذا عرفت المقدمة فبدل الجارية حيث حكمنا به هو أجرة المثل إن قلنا بضمان العقد وقيمتها إن قلنا بضمان اليد هكذا قاله الإمام ولكن الأظهر من قولي الصداق وجوب مهر المثل والموجود لجمهور الأصحاب هنا قيمة الجارية ثم محل الخلاف إذا كانت جارية معينة فإن كانت مبهمة ومات كل من فيها من الجواري وأوجبنا البدل فيجوز أن يقال يرجع بأجرة المثل قطعا لتعذر تقويم المجهول ويجوز أن يقال تسلم إليه قيمة من تسلم إليه قبل الموت ثم البدل الواجب هل يجب في مال المصالح أم في أصل الغنيمة فيه الخلاف المذكور في الرضخ

فرع إذا شرط جارية مبهمة ولم يوجد إلا جارية سلمت إليه وإن
جوار فللإمام التعيين ويجبر العلج على القبول لأن المشروط جارية وهذه جارية كما أن للمسلم إليه أن يعين ما شاء بالصفة المشروطة ويجبر المستحق على القبول ولو شرط جارية معينة فلم يجد فيها شيئا سوى تلك الجارية فهل تسلم إليه وجهان أصحهما نعم وفاء بالشرط والثاني لا لأن سعينا حينئذ يكون للعلج خاصة

والخلاف فيما إذا لم يمكن أن يتملك القلعة ويديم اليد عليها لكونها محفوفة ببلاد الكفر فإن أمكن وجب الوفاء قطعا

فرع لو وجدنا الجارية مسلمة نظر إن أسلمت قبل الظفر وهي حرة
يجز استرقاقها وعن ابن سريج أن قولا أنها تسلم إلى العلج لأنه استحقها قبل الإسلام والمذهب الأول وإن أسلمت بعد الظفر فإن كان الدليل مسلما وصححنا هذه المعاقدة معه أو كافرا وأسلم سلمت إليه وإلا فيبنى على شراء الكافر عبدا مسلما إن جوزناه سلمناها إليه ثم يؤمر بإزالة الملك وإن لم نجوزه لم تسلم إليه وإذا لم تسلم إليه بعد الإسلام ففي وجوب بدلها طريقان أحدهما طرد الخلاف في الموت لاشتراكهما في تعذر التسليم والثاني القطع بالوجوب والمذهب وجوب البدل وإن ثبت الخلاف وهو فيما إذا أسلمت بعد الظفر أظهر منه فيما إذا أسلمت قبله لأنها إذا أسلمت بعده تكون مملوكة
فرع جميع ما ذكرناه فيما إذا فتحت عنوة فإن فتحت صلحا نظر
الجارية المشروطة خارجة عن الأمان بأن كان الصلح على أمان صاحب القلعة وأهله ولم تكن الجارية من أهله سلمت إلى العلج وإن كانت داخلة في الأمان أعلمنا صاحب القلعة بشرطنا مع العلج وقلنا له إن رضيت بتسليمها إليه غرمنا لك قيمتها وأمضينا الصلح وتكون القيمة من بيت المال قاله البغوي وفي الشامل أنها على الخلاف في الرضخ وإن لم يرض راجعنا العلج فإن رضي بقيمتها أو بجارية أخرى فذاك وإلا قلنا لصاحب القلعة إن لم تسلمها

فسخنا الصلح ونبذنا عهدك فإن امتن رددناه إلى القلعة واستأنفنا القتال هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور وعن أبي إسحق أن الصلح في الجارية فاسد لأنها مستحقة

فرع لو كان الإمام نازلا بجنب قلعة وهو لا يعرفها فقال من
على قلعة كذا فله منها جارية فقال له علج هي هذه التي أنت عندها قال ابن كج المذهب أنه يستحق تلك الجارية إذا فتحت كما لو قال من جاءني بعبدي الآبق فله كذا فجاء به إنسان من البلد
المسألة التاسعة إذا دخل كافر دار الإسلام بأمان أو ذمة كان ما معه من المال والأولاد في أمان فإن شرط الأمان في المال والأهل فهو تأكيد ولا أمان لما خلفه بدار الحرب فيجوز اغتنام ماله وسبي أولاده هناك وعن صاحب الحاوي أنه إن قال لك الأمان ثبت الأمان في ذريته وماله وإن قال لك الأمان في نفسك لم يثبت في الذرية والمال وأطلق الجمهور قالوا وقد يفترق المالك والمملوك في الدمان ولهذا لو دخل مسلم دار الحرب بأمان فبعث معه حربي مالا لشراء متاع كان ماله في أمان حتى يرده وإن لم يكن المالك في أمان وكذا لو بعثه مع ذمي دخل دار الحرب بأمان وفي قول لا يكون مع الذمي في أمان لأن أمان الذمي باطل والمشهور الأول لأن الحربي اعتقد صحته فوجب رده إليه ولو دخل حربي دارنا بأمان أو ذمة أو لرسالة فنقض العهد ولحق بدار الحرب ومن أسباب النقض أن يعود ليتوطن هناك فلا يسبى أولاده عندنا وإن مات فأبلغوا فإذا بلغوا وقبلوا الجزية تركوا وإلا بلغوا المأمن وما خلفه عندنا من وديعة ودين من قرض أو غيره فهو في أمان لا يتعرض له ما دام حيا هذا هو

الصحيح وفيه وجه أنه ينتقض الأمان في ماله لانتقاضه في نفسه لأنه يثبت في المال تبعا ووجه ثالث أنه إذا لم يتعرض للأمان في ماله حصل الأمان فيه تبعا فينتقض فيه تبعا وإن ذكره في الأمان لم ينتقض قال الإمام فإذا قلنا بالصحيح فللكافر أن يدخل دار الإسلام من غير تجديد أمان لتحصيل ذلك المال والدخول له يؤمنه كالدخول لرسالة وسماع كلام الله تعالى ولكن ينبغي أن يعجل في تحصيل غرضه ولا يعرج على غيره وكذا لا يكرر العود لأخذ قطعة من المال في كل مرة فإن خالف تعرض للقتل والأسر وهذا الذي ذكره الإمام محكي عن ابن الحداد وقال غيره ليس له الدخول وثبوت الأمان في المال لا يوجب ثبوته في النفس وإن قلنا لا يبقى الأمان في ماله كان فيئا قال الإمام والخلاف في ماله المخلف بعد التحاقه بدار الحرب فأما إذا فارق المال ولم يلتحق بعد بدار الحرب فالوجه الجزم ببقاء الأمان ويحتمل طرد الخلاف وإذا نبذ المستأمن العهد وجب تبليغه المأمن ولا يتعرض لما معه بلا خلاف هذا حكم ما تركه في حياته فلو مات هناك أو قتل وقلنا بالصحيح وهو بقاء الأمان فيه في حياته فقولان أحدهما يكون فيئا وأظهرهما أنه لوارثه فإن لم يكن وارث فهو فيء قطعا ولو مات عندنا فقيل بطرد القولين والمذهب القطع برده إلى وارثه لأنه مات والأمان باق في نفسه فكذا في ماله وهناك انتقض في نفسه فكذا في ماله فإن كان وارثه حربيا فعلى الخلاف في أن الذمي والحربي هل يتوارثان ولو خرج المستأمن إلى دار الحرب غير ناقض للعهد بل لرسالة أو تجارة ومات هناك فهو كموته في دار الإسلام ولو التحق بدار الحرب ناقضا للعهد فسبي واسترق بني على ما إذا مات فإن قلنا إذا مات يكون لوارثه وقف فإن عتق فهو له وإن مات رقيقا فقولان أحدهما يصرف إلى وارثه كما لو

مات حرا وأظهرهما يكون فيئا لأن الرقيق لا يورث وإن قلنا إذا مات يكون فيئا فهنا قولان أحدهما هذا والثاني وبه قطع ابن الصباغ يوقف لاحتمال أن يعتق ويعود بخلاف الموت فإن عتق سلم إليه وإلا فهو فيء على الأصح وقيل للسيد قال الإمام وإذا صرفناه إلى الورثة احتمل أن يصرف إليهم إرثا ولا يلزم الكفار تفضيل شرعنا في منع التوريث من رقيق ويحتمل أن لا يصرف إليهم إرثا بل لأنهم أخص به وإذا قلنا بالتوريث فهل يرثون إذا مات أم يستند استحقاق الورثة إلى ما قبل جريان الرق فيه احتمالان للإمام وإذا قلنا الصرف إلى الورثة فلهم دخول الإسلام لطلب ذلك المال بغير أمان ويجيء فيه الوجه السابق في صاحب المال

فرع دخل مسلم دار الحرب بأمان فاقترض منهم شيئا أو سرق وعاد
دار الإسلام لزمه رده لأنه ليس له التعرض له إذا دخل بأمان
العاشرة إذا حاصرنا قلعة أو بلدة فنزلوا على حكم الإمام جاز وكذا لو نزلوا على حكم غيره وشرطه كونه مسلما ذكرا حرا مكلفا عدلا لأنه ولاية حكم كالقضاء لكن يجوز أن يكون أعمى لأن المقصود هنا الرأي فهو كالشهادة بالاستفاضة تصح من الأعمى وأطلقوا أنه يشترط كونه عالما وربما قالوا فقيها وربما قالوا مجتهدا قال الإمام ولا أظنهم شرطوا أوصاف الاجتهاد المعتبرة في المفتي ولعلهم أرادوا التهدي إلى طلب الصلاح وما فيه النظر للمسلمين ويكره أن يكون الحكم حسن الرأي في الكفار ويجوز أن ينزلوا على حكم اثنين أو على حكم من يختاره الإمام أو من يتفقون عليه مع الإمام ولا يجوز على حكم من يختارونه إلا إذا شرطوا الأوصاف

المشروطة ولو استنزلهم على أن يحكم فيهم بكتاب الله تعالى كره ذلك لأن هذا الحكم ليس منصوصا في كتاب الله تعالى فيحصل منه اختلاف هكذا ذكره الروياني قال البغوي ولو استنزلهم على أن ما يقضي الله تعالى فيهم ينفذه لم يجز لأنهم لا يعرفون الحكم فيهم وإذا نزلوا على حكم اثنين فليتفقا على الحكم فإن اختلفا لم ينفذ إلا أن تتفق الطائفتان على حكم ولو مات أحد الحكمين أو نزلوا على حكم واحد فمات قبل الحكم أو نزلوا على حكم من لا يجوز حكمه ردوا إلى القلعة إلى أن يرضوا بحكم حاكم في الحال ولا يجوز للحاكم أن يحكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين من القتل والاسترقاق والمن والفداء وحكى الروياني وجها أنه لا يجوز الحكم بالمن على جميعهم واستغربه ولو حكم بما يخالف الشرع كقتل النساء والصبيان لم ينفذ ولو حكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية وأخذ الأموال جاز
وتكون الأموال غنيمة لأنها مأخوذة بالقهر وإن حكم باسترقاق من أسلم منهم وقتل من أقام منهم على الكفر أو باسترقاق من أسلم ومن أقام على الكفر جاز وينفذ حكم الحاكم على الإمام فلا يجوز أن يزيد على حكمه في التشديد ويجوز أن ينقص منه ويسامح فإذا حكم بغير القتل فليس له القتل وإن حكم بالقتل فله المن وليس له الاسترقاق على الأصح لأنه ذل مؤبد وإن حكم بالاسترقاق فليس له المن إلا برضى الغانمين لأنه صار مالا لهم وإن حكم بقبول الجزية فهل يجبرون عليه وجهان أصحهما نعم لأنه حكمه وقد التزموه فإن قلنا لا يجبرون بلغوا المأمن وإن قلنا يجبرون فامتنعوا فهم كأهل الذمة إذا امتنعوا من بذل الجزية بعد قبولها وسيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى وطرد الوجهان فيما لو حكم

بالمفاداة ومن أسلم منهم قبل الحكم حقن دمه وماله ولم يجز استرقاقه بخلاف الأسير فإنه في قبضة الإمام ومن أسلم بعد الحكم بالقتل امتنع قتله فإن كان قد حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرية لم يندفع بإسلام الرجال إلا قتلهم وهل يجوز استرقاق المحكوم بقتله إذا أسلم نقل الروياني وغيره أنه لا يجوز لأنهم لم ينزلوا على هذا الشرط فيطلقهم ولا يفاديهم بمال ويجيء على تجويز استرقاقه لو لم يسلم أنه يجوز استرقاقه بعد الإسلام أيضا ولو حكم بالإرقاق فأسلم المحكوم عليه قبل الإرقاق جاز أرقاقه على الأصح

فرع حاصرنا قلعة فصالح زعيمها على أمان مائة شخص منهم صح للحاجة
ويعين الزعيم مائة فإن عد مائة وأغفل نفسه جاز قتله
فصل في مسائل منثورة تتعلق بكتاب السير إذا أسلم كافر وقد لزمه
كفارة يمين أو ظهار أو قتل ففي سقوطها عنه وجهان نقلهما الشيخ أبو علي أصحهما المنع كالدين والثاني نعم لأن الإسلام يجب ما قبله قال الإمام هذا ضعيف هادم للقواعد
قلت ولو وجب على ذمي حد زنى فأسلم نقل ابن المنذر في الاشراف عن نص الشافعي رحمه الله أنه يسقط عنه الحد وحكاه عن مالك أيضا ورواية عن أبي حنيفة وقال أبو ثور لا يسقط
والله أعلم
ولو استولى الكفار على أموال المسلمين لم يملكوها سواء

أحرزوها بدار الحرب أم لا وسواء العقار وغيره وإذا أسلموا والمال في أيديهم لزمهم رده إلى أصحابه وإن غنمه طائفة من المسلمين لزمهم رده إلى صاحبه فإن ظهر الحال بعد القسمة رده من وقع في سهمه ويعوضه الإمام من بيت المال فإن لم يكن في بيت المال شىء أعاد القسمة ونص أنه لو أحرز مشرك جارية مسلم وأولدها ثم ظفر المسلمون بهم فالجارية والولد للمسلم فإن أسلم الواطىء أخذ مالكها منه المهر وقيمة الولد قال ابن سريج هذا محمول على ما إذا وطىء وأولد بعد إسلامه فيلزمه المهر والولد حر للشبهة ولو أسرت مسلمة فنكحها حربي أو أصابها بلا نكاح فأولدها ثم ظفرنا بهم لم يسترق أولادها لأنهم مسلمون بإسلامها ويلحقون الناكح للشبهة ونص أن جارية المسلم لو استولى عليها كفار ثم عادت إلى مالكها فلا استبراء عليه لأن ملكه لم يزل لكن يستحب ولو أسرنا قوما فقالوا نحن مسلمون أو أهل ذمة صدقوا بأيمانهم إن وجدوا في دار الإسلام وإن وجدوا في دار الحرب لم يصدقوا ولو دخل حربي دارنا بأمان فاشترى عبدا مسلما وخرج به إلى دار الحرب فظفر به المسلمون فإن قلنا يصح الشراء فهو غنيمة وإلا فهو لبائعه ويلزمه رد الثمن على المستأمن

فرع نص في حرملة أنه لو أهدى مشرك إلى الأمير أو إلى
والحرب قائمة فهي غنيمة بخلاف ما لو أهدى قبل أن يرتحلوا عن دار الإسلام فإنه للمهدى إليه
فرع فداء الأمير الأسير مستحب فلو قال مسلم لكافر أطلق أسيرك

علي ألف فأطلقه لزمه الألف ومتى فدى أسيرا بمال بغير سؤال الأسير لم يرجع عليه به ولو قال الأسير افدني بكذا على أن ترجع علي ففعل رجع عليه وكذا لو لم يشرط الرجوع على الأصح ولو قال الأسير للكافر أطلقني على كذا ففعل أو قال له كافر افتد نفسك بكذا ففعل لزمه
ما التزم والمال الذي فدى الأسير به إذا استولى عليه المسلمون هل يكون غنيمة أم يرد إلى الفادي وجهان قلت قد سبق عن صاحب البيان أن مقتضى المذهب أنه يرد وهو أصح
والله أعلم
فرع دخل مسلم دار الحرب فوجد مسلمة أسروها لزمه إخراجها إن أمكنه

فرع سبق أنه إذا اقتصر في الأمان على قوله أمنتك هل يتعدى
معه من أهل ومال وجهان وإن تعرض له تعدى قطعا وفي البحر تفصيل حسن حكاه أو بعضه عن الحاوي وهو أنه إن أطلق الأمان دخل فيه ما يلبسه من ثياب وما يستعمله في حرفته من آلات وما ينفقه في مدة الأمان للعرف الجاري بذلك ومركوبه إن كان لا يستغني عنه ولا يدخل غير ذلك وإن بذل له الأمان على نفسه وماله فالمال أيضا في أمان إن كان حاضرا سواء أمنه الإمام أو ظيره وإن كان غائبا لم يصح الأمان فيه إلا من الإمام أو نائبه بالولاية العامة وكذلك الذراري يفرق فيهم بين الحاضرين والغائبين قال ولو قال أمنتك في جميع بلاد الإسلام كان آمنا في جميعها سواء أمنه الإمام

أو غيره وإن قال أمنتك في بلد كذا كان آمنا فيه وفي الطريق إليه من دار الحرب لا غير وإن أطلق نظر إن أمنه الإمام كان آمنا في جميع بلاد الإسلام وإن أمنه والي الإقليم كان آمنا في محل ولايته وإن أمنه أحد الرعية اختص الأمان بالموضع الذي يسكنه المؤمن بلدة كانت أو قرية وبالطريق إليه من دار الحرب وإنما يكون آمنا في الطريق إذا اجتاز بقدر الحاجة قال وإذا كان الأمان مقدرا بمدة فإن كان مخصوصا ببلد فله استيفاء المدة بالإقامة فيه وله الأمان بعدها إلى أن يرجع إلى مأمنه وإن كان عاما في جميع البلاد انقضى أمانه بمضي تلك المدة ولا أمان له بعدها للعود لأن ما يتصل من بلاد الإسلام بدار الحرب من محل أمانه فلا يحتاج إلى مدة الانتقال من موضع الأمان وبالله التوفيق

كتاب عقد الجزية والهدنة
فيه بابان الأول في الجزية وفيه طرفان الأول في أركانها وهي خمسة الأول نفس العقد وكيفيته أن يقول الإمام أو نائبه أقررتكم أو أذنت لكم في الإقامة في دار الاسلام على أن تبذلوا كذا وتنقادوا لأحكام الإسلام
وهل يشترط التعرض لقدر الجزية وجهان أحدهما لا ويجب الأقل وأصحهما نعم كالثمن والأجرة
وهل يشترط التعرض لكفهم اللسان عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه وجهان أصحهما لا لأنه داخل في الانقياد ويشترط من الذمي لفظ كقبلت أو رضيت بذلك ولو قال الذمي قررني بكذا فأجابه الإمام تم العقد ولا يصح عقد الذمة مؤقتا على المذهب لأنه خلاف مقتضاه ومن صحح قاسه على الهدنة ولو قال أقركم ما شئت أو أقركم ما أقركم الله أو إلى أن يشاء الله لم يصح على المذهب وقيل على الخلاف في المؤقت بمعلوم وعكسه وجعل هذا أولى بالصحة وهو خلاف ما قاله الأصحاب
ولو قال أقركم ما شئتم جاز لأن لهم نبذ العقد متى شاؤوا فليس فيه إلا التصريح بمقتضاه قال الأصحاب ولو قال في الهدنة هادنتكم ما شئتم لم يصح لأنه يجعل الكفار محكمين على المسلمين
فرع إذا طلبت طائفة تقر بالجزية عقد الذمة وجبت إجابتهم وفي البيان
وغيره وجه أنها لا تجب إلا إذا رأى الإمام فيها مصلحة

كما في الهدنة وهذا شاذ متروك فلو خاف غائلتهم وأن ذلك مكيدة منهم لم يجبهم

فرع إذا عقدت الذمة مع إخلال بشرط لم يلزم الوفاء ولم تجب
المسماة لكن لا يغتالون بل يبلغون المأمن ولو بقي بعضهم على ذلك العقد عندنا سنة أو أكثر وجب عليه لكل سنة دينار ولو دخل حربي دارنا وبقي مدة فاطلعنا عليه فوجهان الصحيح الذي حكاه الإمام عن الأصحاب أنا لا نأخذ منه شيئا لما مضى بخلاف من سكن دارا غصبا لأن عماد الجزية القبول وهذا حربي لم يلتزم شيئا وخرج ابن القطان وجها آخر أنه تؤخذ منه جزية ما مضى وعلى الوجهين لنا قتله واسترقاقه وأخذ ماله ويكون فيئا ولو رأى الإمام أن يمن عليه ويترك أمواله وذريته له جاز بخلاف سبايا الحرب وأموالها لأن الغانمين ملكوها فاشترط استرضاؤهم فإن كان الكافر كتابيا وطلب عقد الذمة بالجزية فهل يجيبه ونعصمه تقدم على هذا حكم الأسير إذا كان كتابيا وطلب عقد الذمة بعد الأسر وفي تحريم قتله حينئذ قولان أظهرهما التحريم لأن بذل الجزية يقتضي حقن الدم كما لو بذلها قبل الأسر فعلى هذا في استرقاقه وجهان أحدهما يحرم أيضا ويجب تقريره بالجزية كما قبل الأسر وأصحهما لا يحرم لأن الإسلام أعظم من قبول الجزية والإسلام بعد الأسر لا يمنع الاسترقاق وماله مغنوم سواء قلنا يحرم أم لا
إذا عرفت هذا فبدل الداخل الذي أطلقنا عليه الجزية وجب قبولها على المذهب وقيل وجهان كالأسير

فرع اطلعنا على كافر في دارنا فقال دخلت لسماع كلام الله
أو لرسالة صدق ولا يتعرض له سواء كان معه كتاب أم لا وفيما إذا لم يكن معه احتمال للإمام ثم نقل ابن كج عن النص أنه مدعي الرسالة إن اتهم حلف وفي البحر أنه لا يلزم تحليفه ويمكن الجمع بين الكلامين ولو قال دخلت بأمان مسلم فهل يطالب ببينة لإمكانها غالبا أم يصدق بلا بينة كدعوى الرسالة لأن الظاهر أنه لا يدخل بغير أمان فيه وجهان أصحهما الثاني قال الروياني وما اشتهر أن الرسول آمن هو في رسالة فيها مصلحة للمسلمين من هدنة وغيرها فإن كان رسولا في وعيد وتهديد فلا أمان له ويتخير الإمام فيه بين الخصال الأربع كأسير
قلت ليس ما ادعاه الروياني بمقبول والصواب أنه لا فرق وهو آمن مطلقا
والله أعلم
الركن الثاني العاقد ولا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو من فوضه إليه وفي كتاب ابن كج وجه أنه يصح عقدها من آحاد الرعية كالأمان وهذا شاذ متروك لكن لو عقدها أحد الرعية لم يغتل المعقود له بل يلحقه بمأمنه فإن أقام سنة فأكثر فهل يلزمه لكل سنة دينار وجهان أحدهما نعم كما لو فسد عقد الإمام وأصحهما لا لأنه لغو
الركن الثالث المعقود له خمسة شروط
أحدها العقل فلا جزية على مجنون لأنها لحقن الدم وهو محقون وفي البيان وجه أن عليه الجزية كالمريض والهرم وليس بشىء فإن كان يجن ويفيق نظر إن قل زمن جنونه كساعة من شهر أخذت منه

الجزية وإن كثر بأن يقطع يوما ويوما أو يومين فأوجه أصحها تلفق أيام الإفاقة فإذا تمت سنة أخذت الجزية والثاني لا شىء عليه كمن بعضه رقيق والثالث حكمه كالعاقل وما يطرأ ويزول كالإغماء والرابع يحكم بموجب الأغلب فإن استوى الزمان وجبت الجزية والخامس إن كان في آخر السنة عاقلا أخذت الجزية وإلا فلا أما إذا كان مفيقا ثم جن بعد انتصاف السنة فهو كموته في أثناء السنة وإن كان مجنونا فأفاق في أثناء السنة افتتح سنة وسنذكرهما إن شاء الله تعالى
ولو وقع في الأسر من يجن ويفيق قال الإمام إن غلبنا حكم المجنون رق ولا يقتل وإن غلبنا حكم الإفاقة لم يرق بالأسر والظاهر الحقن ويتجه أن تعتبر حالة الأسر وهذا هو الأصح عند الغزالي
الشرط الثاني البلوغ فلا جزية على صبي وإذا بلغ ولد ذمي فهو في أمان فلا يغتال بل يقال له لا نقرك في دار الإسلام إلا بجزية فإن لم يبذل الجزية ألحقناه بمأمنه وإن اختار بذلها فهل يحتاج إلى استئناف عقد أم يكفي عقد أبيه وجهان أصحهما عند العراقيين وغيرهم الأول فإن اكتفينا بعقد أبيه لزمه مثل جزية أبيه فإن كانت أكثر من دينار وقال لا أبذل الزيادة فطريقان أحدهما هو كذمي عقد بأكثر من دينار ثم امتنع من بذل الزيادة وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى والثاني القطع بالقبول لأنه لم يعقد بنفسه حتى يجعل بالامتناع ناقضا للعهد وإن قلنا يستأنف معه عقد رفق به الإمام ليلتزم ما التزم أبوه فإن امتنع من الزيادة عقد له بالدينار وسواء اكتفينا بعقد أبيه أم احتجنا إلى الاستئناف فلا فرق بين أن يكون الأب قد قال التزمت هذا عن نفسي وفي حق ابني إذا بلغ وبين أن لا يتعرض للابن ولو بلغ الابن سفيها وبذل جزية أبيه وهي فوق دينار

فهل تؤخذ منه وجهان حكاهما البغوي وليكونا بناء على أنه يكتفي بعقد أبيه أم يستأنف إن اكتفينا أخذنا وإلا فهو كسفيه جاء يطلب عقد الذمة ولا شك أنه يجاب ولا يشترط إذن وليه لأن فيه مصلحة حقن الدم لكن لو التزم أكثر من دينار قال القاضي حسين تلزمه الزيادة وإن لم يأذن الولي بناء على أن العهد لا يدخل تحت الولاية حكاه الإمام عنه ولم يرتضه وقال الحقن ممكن بدينار فينبغي أن يمتنع من بذل الزيادة وذكر الروياني نحوه وفي التهذيب الجزم بأنه لا تؤخذ الزيادة وإن أذن الولي وقال الغزالي يصح عقد السفيه بالزيادة لحقن الدم تشبيها بما إذا كان على السفيه قصاص وصالح المستحق على أكثر من قدر الدية لم يكن للولي منعه وزاد فقال للولي أن يعقد له بالزيادة وليس للسفيه المنع كما يشتري له الطعام بثمن غال صيانة لروحه وفرق الإمام بين هاتين المسألتين والجزية وقال صيانة الروح لا تحصل في المسألتين إلا بالزيادة وهنا بخلافه والمذهب أنه لا يصح عقد السفيه والولي بالزيادة وإذا اختار السفيه الالتحاق واختار الولي عقد الذمة فالمتبع اختيار السفيه ذكره الروياني وصاحب البيان
الشرط الثالث الحرية فلا جزية على عبد ولا على سيده بسببه ومن بعضه رقيق كالعبد وقيل يجب من الجزية بقسط حريته والصحيح الأول لأنه غير مقتول بالكفر كمن تمحض رقه وإذا أعتق العبد فإن كان من أولاد من لا يقر بالجزية فليسلم وإلا فليبلغ المأمن وإن كان ممن يقر فليسلم أو ليبذل الجزية وإلا فليبلغ المأمن سواء أعتقه مسلم أو ذمي فإن أعتقه ذمي فهل تؤخذ منه جزية سيده أم جزية عصبته لأنهم أخص به أم يستأنف له عقد فيه أوجه

قلت الأصح الاستئناف
والله أعلم
الشرط الرابع الذكورة فلا جزية على امرأة وخنثى فإن بانت ذكورته فهل تؤخذ منه جزية السنين الماضية وجهان
قلت ينبغي أن يكون الأصح الأخذ
والله أعلم
ولو جاءتنا امرأة حربية فطلبت عقد الذمة بجزية أو بعثت بذلك من دار الحرب أعلمها الإمام أنه لا جزية عليها فإن رغبت مع ذلك في البذل فهذه هبة لا تلزم إلا بالقبض وإن طلبت الذمة بلا جزية أجابها الإمام وشرط عليها التزام الأحكام
ولو حاصرنا قلعة فأرادوا الصلح على أن يؤدوا الجزية عن النساء دون الرجال لم يجابوا فإن صولحوا عليه فالصلح باطل وإن لم يكن فيها إلا النساء فطلبن عقد الذمة بالجزية فقولان نص عليهما في الأم أحدهما يعقد لهن لأنهن يحتجن إلى صيانة أنفسهن عن الرق كما يحتاج الرجال للصيانة عن القتل فعلى هذا يشترط عليهن أن تجرى عليهن أحكام الإسلام ولا يسترققن ولا يؤخذ منهن شىء وإن أخذ الإمام مالا رده لأنهن دفعنه على اعتقاد أنه واجب فإن دفعنه على علم فهو هبة والحكم على هذا القول كما ذكرنا في حربية بعثت من دار الحرب تطلب الذمة والقول الثاني لا تعقد لهن ويتوصل الإمام إلى الفتح بما أمكنه وإن عقد لم يتعرض لهن حتى يرجعن إلى القلعة فإذا فتحها سباهن لأن الجزية تؤخذ لقطع الحرب ولا حرب في النساء والصبيان ولأنهن قد قربن من مصيرهن غنيمة فلا يعرض عنهن بعد تحمل التعب والمؤنة والقولان متفقان على أنه لا يقبل منهن جزية ولا يوجد أحد إلزام هذا ما نقله الأصحاب في جميع طرقهم وشذ عنهم الإمام فنقل في الخلاف وجهين وجعلهما في أنه هل يلزم قبول الجزية وترك إرقاقهن

وضعف وجه اللزوم وذكر الروياني الطريقة المشهورة ثم حكى ما ذكره الإمام عن بعض الخراسانيين ولعله أراد به الإمام ثم قال وهو غلط ولو كان في القلعة رجل واحد فبذل الجزية جاز وصارت النساء تبعا له في العصمة هكذا أطلقه مطلقون وخصه الإمام والغزالي بما إذا كن من أهله وهذا أحسن

فرع عقد الذمة يفيد الأمان للكافر نفسا ومالا وعبيده من أمواله قال
شاء لأنه يخرج عن الضبط ولكن لا بد من تعلق واتصال فيستتبع من نسوة الأقارب وصبيانهم ومجانينهم من شاء بأن يدرجهم في العقد شرطا وسواء المحارم وغيرهم فإن أطلق لم يتبعوه
ومن له مصاهرة من النساء والصبيان والمجانين لهم حكم الأقارب على الأصح وقيل كالأجانب وفي دخول الأولاد الصغار في العقد عند الإطلاق وجهان أصحهما الدخول اعتمادا على القرينة والزوجات كالأولاد الصغار وقيل كنساء القرابة
فرع إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو عتق العبد زالت التبعية
الجزية وابتداء الحول من حين حدثت هذه الأحوال فإن اتفق ذلك في نصف حول أهلهم الذميين مثلا فإذا تم حول أهلهم ورغب هؤلاء في أن يؤدوا نصف الجزية فذاك وإلا فإن شاء الإمام أخذ جزيتهم عند تمام حولهم وإن شاء أخر حتى يتم حول ثان لأهلهم فيأخذ منهم جزية سنة ونصف لئلا تختلف الأحوال

فرع لو دخلت حربية دارنا بغير تبعية ولا أمان ولا طلب
استرقاقها وكذا الحكم في الصبي كما يجوز قتل الكافر إذا دخل كذلك قال الإمام وكل حكم بجزية في القتال بجزية فيمن يظفر به من غير ذمة ولا أمان
فرع عن نصه إذا صالحنا قوم على أن يؤدوا الجزية عن صبيانهم
ونسائهم سوى ما يؤدون عن أنفسهم فإن شرطوا أن يؤدوا من مال أنفسهم جاز وكأنهم قبلوا جزية كثيرة وإن شرطوه من مال الصبيان والمجانين لم يجز أخذه
الشرط الخامس كونه كتابيا فالكفار ثلاثة أصناف
أحدها أهل كتاب ومنهم اليهود والنصارى فيقرون بالجزية فلو زعم قوم أنهم متمسكون بصحف إبرهيم وزبور داود صلى الله عليهما وسلم فهل يقرون بالجزية وجهان أصحهما نعم ومنهم من قطع به ولا تحل مناكحتهم وذبيحتهم على المذهب عملا بالاحتياط في المواضع الثلاثة وقيل بطرد الخلاف في حل الذبيحة والمناكحة إلحاقا لكتبهم بكتاب اليهود وحكي ذلك عن القاضي أبي الطيب وغيره وإذا ألحقناهم باليهود فإن تحققنا صدقهم أو أسلم اثنان منهم وشهدوا بذلك فذاك وعن صاحب الحاوي أن المعتبر قول جماعة تحصل الاستفاضة بقولهم وإن شككنا في أمرهم كالمجوس
الصنف الثاني المجوس فيقرون بالجزية وهل كان لهم كتاب أم شبهة كتاب قولان سبقا في النكاح أظهرهما الأول وقطع به بعضهم

الثالث من ليس له ولا شبهة كعبدة الأوثان والملائكة والشمس ومن في معناهم فلا يقرون بالجزية سواء فيهم العربي والعجمي

فرع اليهود والنصارى يقرون بالجزية مهما دخل آباؤهم في اليهود أو التنصر
دخل وثني في يهودية أو نصرانية بعد مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم لم يقروا هم ولا أولادهم لأنهم تمسكوا بدين باطل وقال المزني يقرون والتهود بعد بعثة عيسى صلى الله عليه وسلم كالتهود والتنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم على الأصح وقد ذكرناه في النكاح وإن دخلوا فيه بعد التبديل وقبل النسخ فطريقان أحدهما إن تمسك بما لم يحرف قرر وإن تمسك بمحرف لم يقرر هو ولا أولاده وهل في الأولاد قولان وبهذا الطريق قال العراقيون والبغوي وآخرون والثاني يقرون بلا تفصيل ولا خلاف وهذا الطريق يدير الحكم على الدخول قبل النسخ وبعده وهو اختيار ابن كج والقاضي أبي الطيب والإمام والروياني قال القاضي أبو الطيب لا أحفظ الشرط المذكور للشافعي إنما فرق في كتبه بين ما قبل نزول القرآن وما بعده وهذا أصح قال الإمام لأنهم وإن بدلوا فمعلوم أنه بقي فيه ما لم يبدل فلا تنحط عن شبهة كتاب المجوس أو تغليبا لحقن الدم ولو لم نعرف أدخلوا قبل النسخ أو بعده أو قبل
التبديل أو بعده قررناهم بالجزية كالمجوس
فرع المذهب أن السامرة والصابئين إن خالفوا اليهود والنصارى في

أصول دينهم فليسوا منهم وإلا فمنهم وهكذا نص عليه وعليه يحمل النصان الآخران وقيل قولان مطلقا وقيل تؤخذ منهم الجزية قطعا وهذا فيما إذا لم يكفرهم اليهود والنصارى فإن كفروهم لم يقروا قطعا فإن أشكل أمرهم ففي تقررهم احتمالان ذكرهما الإمام الأصح الجواز

فرع لو أحاط الإمام بقوم فزعموا أنهم أهل كتاب أو أن آباءهم
بذلك الدين قبل التبديل قررهم بالجزية لأنه لا يعرف الأمر إلا من جهتهم قال ابن الصباغ ويشترط عليهم إن بان خلاف قولهم نبذ عهدهم وقاتلهم وإن ادعاه بعضهم دون بعض عامل كل طائفة بمقتضى قولها ولا يقبل قول بعضهم على بعض فلو أسلم منهم اثنان وظهرت عدالتهما وشهدا بخلاف دعواهم نبذ عهدهم هذا لفظ جماعة وقال الإمام يتبين أنه لا ذمة لهم وهل يغتالهم لتلبيسهم علينا أم يلحقهم بالمأمن فيه تردد والظاهر اغتيالهم لتدليسهم وكذا لو أسلم من السامرة أو الصابئين اثنان فشهدا بكفرهم
فرع من أحد أبويه كتابي والآخر وثني فيه طرق والمذهب تقريره سواء
كان الكتابي الأب أو الأم وقيل قولان وقيل لا يقرر وقيل يلحق بالأب وقيل بالأم
فرع توثن نصراني وله أولاد صغار فإن كانت أمهم نصرانية استمر لهم
حكم التنصر فتقبل منهم الجزية بعد بلوغهم وإن كانت وثنية

ففي تقريرهم بالجزية قولان أظهرهما نعم لأنه ثبت لهم علقة التنصر فلا تزول وحقيقة القولين ترجع إلى أن توثنه هل يستتبع أولاده فإن أتبعناهم لم يغتالوا لأنهم كانوا في أمان ولم تؤخذ منهم جزية وأما أبوهم فيبنى حكمه على ما سبق في كتاب النكاح أنه هل يقنع منه بالعود إلى دينه أم لا يقنع إلا بالإسلام فإن أباهما فيقتل أم يلحق بالمأمن قولان الأظهر الثاني

فرع الولد المنعقد من مرتدين هل هو مسلم أم مرتد أم كافر
أقوال سبقت في الردة فإن قلنا مسلم فبلغ وصرح بالكفر فمرتد وإن قلنا أصلي فالصحيح أنه لا يقر بجزية
فرع يهود خيبر كغيرهم في ضرب الجزية عليهم وسئل ابن سريج رحمه
عما يدعونه أن عليا رضي الله عنه كتب لهم كتابا بإسقاطها فقال لم ينقل ذلك أحد من المسلمين وفي البحر أن ابن أبي هريرة أسقط الجزية عنهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقاهم وجعلهم بذلك خولا قال وهذا شىء تفرد به والمساقاة معاملة لا تقتضي إسقاط الجزية
فصل الزمن والشيخ الفاني والأجير والراهب والأعمى تضرب عليهم الجزية كغيرهم
لا يقتلون فلا جزية كالنساء وأما الفقير العاجز عن الكسب فالمشهور المنصوص في عامة كتبه أن عليه جزية وفي قول

موسر أخذناها منه وإلا فهي في ذمته حتى يوسر وكذا حكم الحول الثاني وما بعده وفي وجه لا يمهل ولا يقر في دارنا بل يقال إما أن تحصل الجزية بما أمكنك وإما أن نبلغك المأمن لأنه قادر على رفع الجزية بالإسلام وإذا قلنا لا يجب عقدنا له الذمة على شرط إجراء الأحكام عليه وبذل الجزية عند القدرة فإذا أيسر فهو أول حوله هكذا قاله الأصحاب وأشار الإمام إلى أن ابتداء الحول من وقت العقد

فرع الجاسوس الذي يخاف شره لا يقر بالجزية

الركن الرابع المكان القابل للتقرير بلاد الإسلام حجاز وغيره فالحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها أي قراها قال الإمام قال الأصحاب الطائف ووج وهو واد بالطائف وما يضاف إليهما منسوبة إلى مكة معدودة من أعمالها وخيبر من مخاليف المدينة
ثم الحجاز ضربان حرم مكة وغيره أما غيره فيمنع الكفار من الإقامة به وفي منعهم من الإقامة في الطرق الممتدة في بلاد الحجاز وجهان حكاهما الإمام الصحيح وهو مقتضى إطلاق الجمهور نعم لأنها من الحجاز والثاني لا لأنها ليست مجتمع الناس ولا موضع إقامة ولا يمنعون من ركوب بحر الحجاز لأنه ليس موضع إقامة ويمنعون من الإقامة في سواحله في الجزائر المسكونة في البحر ومتى دخل كافر الحجاز بغير إذن الإمام أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع من دخوله وإن استأذن في دخوله أذن له إن كان في دخوله مصلحة للمسلمين كرسالة أو عقد هدنة أو ذمة أو حمل متاع يحتاج إليه المسلمون وإن كان دخوله لتجارة ليس فيها كثير حاجة للمسلمين لم يأذن له إلا بشرط أن يأخذ من تجارته شيئا هكذا أطلقه جماعة وحكوه

عن النص وفي التهذيب أنه يشرط عليه شيئا وهو إلى رأي الإمام ولعله أراد أن قدر المشروط إلى رأي الإمام لا أصل الشرط فلا يخالف ما أطلقه غيره
قلت هذا الاحتمال هو مراده من غير ترديد وهو مقتضى عبارته
والله أعلم
ولا يمكن من دخل بالإذن أن يقيم أكثر من ثلاثة أيام ويشرط عليه ذلك عند الدخول ولا يحسب من الثلاثة يوم الدخول والخروج ولو كان له ديون حصلت بمعاملاته بعد الدخول أو من وجه آخر ولم يمكن قبضها في الحال أمر أن يوكل مسلما بقبضها وأخرج هو ولو كان ينتقل من قرية إلى أخرى ويقيم في كل واحدة ثلاثة أيام لم يمنع وأما حرم مكة زاده الله شرفا فيمنع الكافر من دخوله ولو كان مجتازا فإن جاء برسالة والإمام في الحرم بعث إليه من يسمعه ثم يخبر الإمام أو خرج إليه الإمام ويتعين عليه ذلك إذا قال الكافر لا أؤدي الرسالة إلا مشافهة وإن جاء كافر ليناظره ليسلم خرج إليه من يناظره وإن حمل ميرة خرج إليه الراغبون في الشراء وإن كان لذمي مال في الحرم أو دين وكل مسلما ليقبضه ويسلمه إليه وإن بذل الكافر على الدخول مالا لم يجبه إليه فإن فعل فالصلح فاسد فإن دخل أخرج وثبت العوض المسمى بخلاف الإجارة الفاسدة فإنه إنما تثبت فيها أجرة المثل لأنه هنا استوفى المعوض وليس لمثله أجرة وإن دخل ولم ينته إلى الموضع المشروط وجبت الحصة من المسمى ولو دخل كافر بغير إذن الإمام أخرج وعزر إن كان علم فلو مات فيه لم يدفن فيه فإن دفن نبش وأخرج فإن تقطع ترك وفي البحر وجه أنه تجمع عظامه إن أمكن وتخرج وبهذا قطع الإمام وبالأول قال الجمهور

ولو مرض فيه لم يرض فيه بل ينقل وإن خيف من النقل موته ولو مرض كافر في الحجاز خارج الحرم قال إن أمكن نقله بلا مشقة عظيمة عليه كلف الانتقال فإن خيف عليه الموت ترك حتى يبرأ وإن لم يخف الموت ولكن تناله مشقة عظيمة فالأصح تكليفه الانتقال وجواب جمهور الأصحاب أنه لا ينقل مطلقا فلو مات في الحجاز وتعذر نقله دفن فيه ولفظ الإمام أنا نواريه مواراة الجيف وإن كان في طرف الحجاز نقل لسهولته وأطلق أكثرهم أنه يدفن فيه وقالوا إذا جاز تركه في الحجاز للمرض فللموت أولى وذكر البغوي تفصيلا جيدا وهو أنه إن أمكن نقله قبل أن يتغير نقل ولم يدفن فيه وإن خيف عليه التغير دفن للضرورة وإذا دفن حيث لا يؤذن فيه هل ينبش ويخرج عند التمكن وجهان حكاهما الإمام والصحيح المنع وبه قطع الجمهور فعلى هذا قال الإمام لا يبعد أن لا يرفع نعش قبره وأما حرم المدينة فلا يلحق بحرم مكة فيما ذكرنا لكن استحسن الروياني أن يخرج منه إذا لم يتعذر الإخراج ويدفن خارجه أما غير الحجاز فيجوز تقرير الكفار فيه بالجزية ولكل كافر دخوله بالأمان وإذا استأذن كافر في الدخول لم يؤذن له إلا لحاجة لأنه لا يؤمن أن يجس أو يطلع على عورة ويتولد من اطلاعه فساد أو يفتك بمسلم ويؤذن له إذا كان في دخوله مصلحة للمسلمين كرسالة وعقد ذمة أو هدنة وإن كان يدخل لتجارة فللإمام أن يأذن له إذا رأى ذلك ويأخذ من تجارته شيئا كما سيأتي إن شاء الله تعالى
وإذا دخل لبعض هذه الأغراض فليكن مكثه بقدر الحاجة وليس لكافر أن يدخل مساجد هذه البلاد بغير إذن ولا يؤذن له في دخولها لأكل ولا نوم لكن يؤذن لسماع القرآن أو الحديث والعلم قال الروياني وكذا لحاجته إلى مسلم أو حاجة مسلم إليه وإذا دخل بلا إذن إن كان جاهلا فمعذور ويعرف وإن كان عالما عزر وقيل لا يعزر إلا أن

يشرط عليه أن لا يدخل بلا إذن وجلوس القاضي في المسجد إذن للكافر في الدخول وإذا كان له خصومة
وهل يفرق بين كونه جنبا وغيره وجهان سبقا في كتاب الصلاة والصحيح الأشهر أنه يكفي إذن آحاد المسلمين في دخول كل المساجد وقال الروياني لا يكفي في الجامع إلا إذن السلطان وفي مساجد القبائل والمحال وجهان أحدهما يشترط إذن من له أهلية الجهاد وأصحهما يكفي إذن من يصح أمانه وإذا قدم وفد من الكفار فالأولى أن ينزلهم الإمام في دار مهيأة لذلك أو في فضول مساكن المسلمين فإن لم يتيسر فله انزالهم في المسجد ويجوز تعليمهم القرآن إذا رجي إسلامهم ولا يجوز إذا خيف استخفافهم وكذا القول في تعليم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والفقه والكلام ولا يمنعون من الشعر والنحو قال الروياني ومنعه بعض الفقهاء لئلا يتطاولوا به على مسلم لا يحسنه
قلت قال أصحابنا لا يمنع الكافر من سماع القرآن ويمنع من مس المصحف ولا يجوز تعليمه القرآن إن لم يرج إسلامه ويمنعه التعليم على الأصح وإن رجي جاز تعليمه على الأصح
والله أعلم

فرع من دخل منهم لتجارة أو رسالة لم يمكن من إظهار خمر
ولا يأذن له الإمام في حملها إلى دار الإسلام
الركن الخامس المال المعقود عليه وفيه مسائل إحداها أقل الجزية دينار لكل سنة هذا هو المنصوص الموجود في كتب الأصحاب وذكر الإمام أن الأقل دينار أو اثنا عشر درهما نقرة خالصة مسكوكة يتخير الإمام بينهما ولا يلزم الإمام أن يخيرهم بأقل الجزية بل يستحب أن يماكس حتى يأخذ من الغني أربعة دنانير ومن المتوسط دينارين وقال الإمام موضع المماكسة ما إذا لم

يعلم الكافر جواز الاقتصار على دينار فإن علم تطلب الزيادة استماحة فإن امتنعوا من بذل ما زاد على دينار وجب تقريرهم بالدينار سواء فيه الغني والفقير ولو عقد بأكثر من دينار ثم علم أن الزيادة غير لازمة لزمه ما التزم كمن اشترى شيئا أكثر من ثمن مثله فإن امتنع من الزيادة فوجهان أحدهما يقنع بالدينار وأصحهما أنه ناقض للعهد بذلك كما لو امتنع من أداء أصل الجزية وحينئذ هل يبلغ المأمن أم يقتل قولان سنذكرهما إن شاء الله تعالى فإن بلغ المأمن وعاد فطلب العقد بدينار أجبناه هكذا ذكره البغوي وأطلق الإمام أنه إذا قبل الزيادة ثم نبذ العهد إلينا لا يغتال وإذا طلب تجديد عقد بالدينار لزم إجابته ثم إن كان النبذ بعد مضي سنة لزمه ما التزم وإن كان في أثنائها لزمه بقسطه تفريعا على المذهب فيما إذا مات الذمي في أثناء السنة

فرع نص أنه لو شرط على قوم أن على فقيرهم دينارا ومتوسطهم
وغنيهم أربعة جاز والاعتبار في هذه الأحوال بوقت الأخذ لا بوقت العقد ولا بما يطرأ وإن قال بعضهم أنا متوسط أو فقير قبل قوله إلا أن تقوم بينة بخلافه
المسألة الثانية لو مات الذمي أو أسلم بعد مضي السنة لم تسقط الجزية كسائر الديون فتؤخذ من تركته ومنه إذا أسلم ولو مضت سنون ولم يؤد الجزية أخذت منه ولم تتداخل كالديون ولو مات أو أسلم في أثناء السنة فهل يجب قسط ما مضى كالأجرة أم لا يجب شىء كالزكاة قولان أظهرهما الأول وقيل تجب قطعا وقيل عكسه وقيل لا تجب في الموت وفي الإسلام القولان فإن أوجبنا فهل للإمام أن يطالب في أثناء السنة بقسط ما مضى وجهان أصحهما

لا ويقرب منه ما ذكره البغوي هل للإمام أن يشترط تعجيلها وجهان وجه الجواز إلحاقها بالأجرة ومتى مات وعليه جزية أخذت من تركته مقدمة على الوصية كسائر الديون فتؤخذ من تركته ومنه إذا أسلم فلو كان معها دين آدمي فالمذهب والمنصوص أنه يسوى بينها وبينه وقيل فيه الأقوال الثلاثة في اجتماع دين الله تعالى ودين الآدمي هل يقدم ذا أم ذاك أم يستوي وفي الوسيط طريقة حازمة بتقديم الجزية وهو غلط
الثالثة يستحب للإمام إذا أمكنه أن يشرط على أهل الذمة إذا صولحوا في بلدانهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين وشرط الضيافة يكون لجميع الطارقين ولا يختص بأهل الفيء هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وقيل في اختصاصهم وجهان وهل الضيافة زيادة مقصودة في نفسها أم محسوبة من الجزية وجهان أصحهما وأشهرهما أنها زيادة وراء أقل الجزية فعلى هذا إن قبلوها لزم الوفاء وجرت مجرى الزيادة على دينار وإن قلنا إنها من الجزية فعلمنا في آخر السنة أن ما ضيفوا به لا ينقص عن دينار فذاك وإن نقص لزمهم تتميمه وإذا شرطنا الضيافة ثم رأى الإمام نقلها إلى الدنانير فليس له ذلك على الأصح إلا برضاهم فإن ردت إلى الدنانير فهل يبقى للمصالح العامة أم يختص بأهل الفيء وجهان أصحهما الاختصاص كالدنانير المضروبة وتشترط الضيافة على الغني والمتوسط وفي الفقير أوجه أصحها لا تشترط عليه والثاني بلى والثالث تشترط على المعتمل دون غيره ويتعرض الإمام عند اشتراط الضيافة لأمور منها أن يبين عدد أيام الضيافة في الحول كمائة يوم أو أقل أو أكثر وفي البحر أنه لو لم يذكر عدد الأيام في الحول وشرط ثلاثة أيام مثلا عند قدوم كل قوم فوجهان إن جعلناها جزية لم يجز وإلا فيجوز

ومنها بيان عدد الضيفان من الفرسان والرجالة وعن الحاوي أن التعرض لعدد الضيفان إنما يشترط إذا جعلنا الضيافة من الجزية فإن جعلناها وراءها جاز أن لا يبين العدد ثم إن تساووا في الجزية تساووا في الضيافة وإن تفاوتوا فاوت بينهم فيجعل على الغني ضيافة عشرين مثلا وعلى المتوسط عشرة والفقير إن قلنا باشتراطها عليه خمسة وفي وجه يسوي بينهم في الضيافة وإن تفاوتوا في الجزية ولو شرط عدد الضيفان على جميعهم وقال تضيفون في كل سنة ألف مسلم قال الروياني يكفي ذلك ثم هم يوزعونها أو يتحمل بعضهم عن بعض
ومنها بيان ذلك الطعام والادام وجنسهما فيقول لكل واحد كذا من الخبز وكذا من السمن أو الزيت ويتعرض لعلف الدواب من التبن أو الحشيش أو القت ولا يحتاج إلى ذكر قدر العلف وإن ذكر الشعير بين قدره وإطلاق العلف لا يقتضي الشعير نص عليه
ومنها منزل الضيفان من فضول منازلهم أو كنائسهم أو بيوت الفقراء الذين لا يضيفون وليكن الموضع بحيث يدفع الحر والبرد ولا يخرجون أهل المنازل منها
ومنها أن يبين مدة مقام الضيف ولا يزيد على ثلاثة أيام وقال ابن كج يشترط على المتوسط ثلاثة أيام والغني ستة قال الإمام وإذا حصل التوافق على الزيادة فلا منع ولا يفرق بين الطبقات في جنس الطعام

فرع لو أراد الضيف أن يأخذ منهم ثمن الطعام لم يلزمهم ولو
أن يأخذ الطعام ويذهب به ولا يأكله فله ذلك بخلاف طعام الوليمة

لأن هذه معاوضة وتلك مكرمة ولا يطالبهم بطعام الأيام الثلاثة في اليوم الأول ولو لم يأتوا بطعام اليوم فهل للضيف المطالبة من الغد إن جعلنا الضيافة محسوبة من الدينار فله ذلك وإلا فلا
ولا تلزمهم أجرة الطبيب والحمام وثمن الدواء ولو تنازعوا في إنزال الضيف فالخيار له ولو تزاحم الضيفان على ذمي فالخيار له ولو قل عددهم وكثر الضيفان فالسابق أحق فإن تساووا أقرع وليكن للضيفان عريف يرتب أمرهم

فصل تؤخذ الجزية على سبيل الصغار والإهانة بأن يكون الذمي قائما والمسلم
ويطأطىء رأسه ويصب ما معه في كفة الميزان ويأخذ المستوفي بلحيته ويضرب في لهزمته وهي مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن من اللحي وهذا معنى الصغار عند بعضهم وهل هذه الهيئة واجبة أم مستحبة وجهان أصحهما مستحبة ويبنى عليهما أنه هل يجوز أن يوكل الذمي مسلما بأداء الجزية وأن يضمنها مسلم عن ذمي وأن يحيل ذمي بها على مسلم فإن أوجبنا إقامة الصغار عند أداء الجزية لم يجز وإن قلنا المقصود تحصيل ذلك المال ويحصل الصغار بالتزامه المال والأحكام كرها جاز والضمان أولى بالصحة لأنه لا يمنع مطالبة الذمي وإقامة الصغار عليه ولو وكل ذمي ذميا بالأداء قال الإمام الوجه طرد الخلاف ولو وكل مسلما في عقد الذمة له جاز لأن الصغار يرعى عند الأداء دون العقد
قلت هذه الهيئة المذكورة أولا لا نعلم لها على هذا الوجه أصلا معتمدا وإنما ذكرها طائفة من أصحابنا الخراسانيين وقال جمهور

الأصحاب تؤخذ الجزية برفق كأخذ الديون فالصواب الجزم بأن هذه الهيئة باطلة مردودة على من اخترعها ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلفاء الراشدين فعل شيئا منها مع أخذهم الجزية وقد قال الرافعي رحمه الله في أول كتاب الجزية الأصح عند الأصحاب تفسير الصغار بالتزام أحكام الإسلام وجريانها عليهم وقالوا أشد الصغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله
والله أعلم

فصل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه طلب الجزية من
وهم تنوخ وبهراء وبنو تغلب وهم قبائل من العرب تنصروا لا يعلم متى تنصروا وهم مقرون بالجزية فقالوا نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم فخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الزكاة فقال عمر رضي الله عنه هذا فرض المسلمين فقالوا زد ما شئت بهذا الإسم لا باسم الجزية فراضاهم على أن تضعف عليهم الزكاة قال الأصحاب ولم يخالف عمر أحد من الصحابة رضي الله عنهم فصار كالإجماع وعقد الذمة لهم مؤبدا فليس لأحد نقض ما فعله قالوا وفيه إشكال من وجهين أحدهما أنه ربما كان فيهم من يقل ماله الزكوي فيكون المأخوذ منه أقل من دينار وربما قلت أموالهم الزكوية فينقص المأخوذ عن دينار لكل رأس الثاني أنه وإن وفى المأخوذ بدينار لكل رأس فربما كان فيهم من لا يملك مالا زكويا فيكون قد قرر بلا جزية ولا يجوز ذلك وإن بذل غيره أكثر من دينار كما لو قال واحد خذوا مني عشرة دنانير على أن لا جزية على تسعة معي ولم ينقل أنه رضي الله عنه سأل عن هذه الأمور وأجيب عن الأول بأن فعله رضي الله عنه محمول على أن المأخوذ لا ينقص عن

دينار لكل رأس أو أنه شرط عليهم الإتمام إن نقص وقيل احتمل ذلك لأنه إن نقص في وقت فربما زاد في وقت فتجبر الزيادة النقص وعن الثاني بأن المأخوذ من أصحاب أموال الزكوية مأخوذ عنهم وعن الآخرين ولبعضهم أن يلتزم عن نفسه وعن غيره وغرضنا تحصيل دينار عن كل رأس هذا ما ذكره ابن أبي هريرة والأكثرون وقال أبو إسحق لا يجوز لأن فيه تقرير بعضهم بلا مال
وأجري الوجهان فيما لو التزم واحد عشر دنانير عنه وعن تسعة إذا تقرر هذا فلو طلب قوم من أهل الكتاب أن يؤدوا الجزية باسم الصدقة ولا يؤدوها باسم الجزية فللإمام إجابتهم إذا رأى ذلك ويسقط عنهم الإهانة واسم الجزية ويأخذ ضعف الصدقة وسواء في هذا العرب والعجم وقيل يختص الجواز بالعرب لشرفهم والصحيح الأول ويشترط عليهم بمال الزكاة وقدرها ويكفي أن يقول الإمام جعلت عليكم ضعف الصدقة أو صالحتكم على ضعف الصدقة والمأخوذ جزية تصرف مصرف الفيء ولا يؤخذ شىء من الأموال الصبيان والمجانين والنسوة وينظر في الحاصل هل يفي بدينار عن كل رأس فإن لم يف زاد إلى ثلاثة أضعاف فأكثر وهل يدخل الفقير في التوزيع فيه الخلاف السابق في أنه تؤخذ منه جزية أم لا ولو كثروا وعسر عددهم لمعرفة الوفاء بالدينار فهل يجوز الأخذ بغلبة الظن وجهان أصحهما لا بل يشترط تحقق أخذ دينار عن كل رأس ويجوز الاقتصار على قدر الصدقة وعلى نصفها إذا حصل الوفاء بالدينار واستحب جماعة زيادة شىء على قدر الصدقة لإسقاط اسم الجزية ولم يستبعد الإمام المنع لما فيه من تشبيههم بالمسلمين في المأخوذ وحط الصغار بلا غرض مالي وإذا

شرط ضعف الصدقة وزاد على دينار ثم سألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية اجيبوا على الصحيح

فرع يأخذ من خمس من الإبل شاتين ومن عشر أربعا ومن خمس
مخاض ومن أربعين شاة شاتين ومن ثلاثين بقرة تبيعتين ومن عشرين دينارا دينارا ومن مائتي درهم عشرة دراهم ومما سقت السماء الخمس ومما سقي بالنواضح العشر ومن الركاز خمسين وعلى هذا القياس ومن مائتي بعير ثمان حقاق أو عشر بنات لبون ولا يفرق فيؤخذ أربع حقاق وخمس بنات لبون كما لا يفرق في الصدقة ومن ستين بقرة أربعة أتبعة لا ثلاث مسنات ومن ست وأربعين بعيرا حقتين فإن لم يجدهما فبنتي لبون مع الجيران ومن ست وثلاثين بنتي لبون فإن لم يجد فبنتي مخاض مع الجيران وفي تضعيف الجبران وجهان أحدهما تضعف فيؤخذ مع كل بنت مخاض شاتان أو عشرون درهما فإن لم نجد في مال صاحب الست والثلاثين بنت لبون وعندة حقاق أخذنا حقتين ورددنا جبرانين ولا يضعف الجبران هنا قطعا ويخرج الإمام الجبران من الفيء كما يصرفه إذا أخذه إلى الفيء وهل يؤخذ من بعض النصاب قسطه من واجب النصاب كشاة من عشرين ونصف شاة من عشر فيه قولان أظهرهما لا والثاني نعم رواه البويطي فعلى هذا يؤخذ من مائة شاة ونصف شاة ثلاث شياه ومن سبعة أبعرة ونصف ثلاث شياه ومن خمس وثلاثين بقرة تبيع ومسنة وأجرى الخلاف في الأوقاص هل يحط عنهم أم يجب قسط المأخوذ في حقهم وقيل إن أدى الأخذ من الوقص إلى التشقيص مع التضعيف لم يؤخذ وإلا فيؤخذ

فرع إذا ضرب الجزية على ما يحصل من أرضهم من ثمر
فباع أرضهم صح بيعه فإن بقي مع البائع ما بقي الحاصل منه بالمشروط عليه فذاك وإلا انقلبت الجزية إلى رقبة البائع وأما المشتري فإن كان مسلما فلا شىء عليه فيما اشتراه وإن كان ذميا فإن كانت الجزية على رقبته فكذلك وإن كانت على حاصل أرضه زاد الواجب بما اشتراه
فصل إذا استأذن حربي في دخول دار الإسلام أذن له الإمام إن
يدخل لرسالة أو حمل ميرة أو متاع تشتد حاجة المسلمين إليه قال الإمام ولا يجوز توظيف مال على رسول ولا على مستجير لسماع كلام الله تعالى لأن لهما الدخول بلا إذن وإن كان يدخل لتجارة لا تشتد الحاجة إليها جاز للإمام أن يأذن له ويشرط عليه عشر ما معه من مال التجارة ولو دخل غير تاجر بأمان مسلم لم يطالب بشىء وقيل إن دخل الحجاز وجب دينار لعظم حرمته ولو رأى الإمام أن يزيد المشروط على العشر جاز على الأصح ويجتهد فيه كما في زيادة الجزية على دينار ولو رأى أن يحط الضريبة عن العشر ويردها إلى نصف العشر فما دونه فله ذلك و له أن يشرط في نوع من تجارتهم نصف العشر وفي غيره العشر ولو رأى أن يأذن لهم بغير شىء جاز على الأصح وبه قطع الجمهور لأن الحاجة تدعو إليه لاتساع المكاسب وغيره ثم إن كان المشروط أن يأخذ من تجارة الكافر أخذ سواء باع أم لا وإن كان المشروط أن يأخذ من ثمن تجارته لم يأخذ حتى

يبيع وأما الذمي فله أن يتجر فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام ولا يؤخذ من تجارته شىء قال في البيان إلا أن يشترط عليه مع الجزية شىء من تجارته فلو أراد أن يدخل الحجاز ويتجر فيه فقد ذكر الغزالي في الوجيز خلافا في أنه هل يؤخذ منه شىء ولا وجود لهذا الخلاف في شىء من كتب الأصحاب ولم يذكره الإمام والغزالي في الوسيط بل الذي نقله الأصحاب أن الذمي في الحجاز كالحربي في سائر بلاد الإسلام وما يؤخذ من الذمي لا يؤخذ في كل سنة إلا مرة كالجزية وكذا الحربي إذا أخذت منه الضريبة مرة لا تؤخذ ثانيا حتى يمضي إذا كان يطوف في بلاد الإسلام بأجر أو يكتب له وللذمي براءة حتى لا يطالب في بلد آخر قبل الحول فإن رجع إلى دار الحرب ثم عاد في الحول فهل تؤخذ كل مرة أم لا تؤخذ إلا مرة وجهان أصحهما الثاني وهو ظاهر نصه والإمام بالخيار فيما يضربه بين استيفائه دفعة أو دفعات ثم ما ذكرنا من أخذ المال من تجارة الحربي أو الذمي هو فيما إذا شرط الإمام عليه فأما إذا أذن لحربي في دار الإسلام أو لذمي في دخول الحجاز بلا شرط فوجهان أحدهما تؤخذ حملا للمطلق على المعهود وأصحهما المنع لأنهم لم يلتزموا

فرع المرأة التابعة للزوج أو القريب في عقد الذمة إذا ترددت متجرة
في الحجاز أو في غير الحجاز حكمها حكم الذمي
فصل إذا صالحنا طائفة من الكفار على أن تكون أرضهم لهم ويؤدوا
عن كل جريب في كل سنة كذا جاز ويستمر ملكهم ويكون المأخوذ جزية تصرف مصرف الفيء والتوكيل بإعطائه كالتوكيل بإعطاء

الجزية ويشترط أن يبلغ قدرا يخص كل واحد من أهل الجزية منه دينارا إذا وزع على رؤوسهم ويلزمهم ذلك زرعوا أم لا ولا يؤخذ من أرض صبي ولا مجنون ولا امرأة ولهم بيع تلك الأرض وهبتها وإجارتها وإذا أجر بعضهم بعضها لمسلم بقي الخراج على المكري ويلزم المستأجر الأجرة وإن باع لمسلم انتقل الواجب إلى رقبة البائع ولا خراج على المشتري ولو أسلموا بعد الصلح سقط الخراج ويلزمهم أن يؤدوا عن المدات الذي يمنعوننا منه دون ما لا يمنعون منه ولو أحيوا منه شيئا بعد الصلح لم يلزمهم شىء لما أحيوا إلا إذا شرط عليهم أن يؤدوا عما يحيون ولو صالحناهم على أن الأرض لنا ويسكنونها ويؤدون عن كل جريب فهو عقد إجازة والمأخوذ أجرة فتجب معها الجزية ولا يشترط أن تبلغ دينارا عن كل رأس وتؤخذ من أرض النساء والصبيان والمجانين ويجوز توكيل المسلم في أدائها وليس لهم بيع تلك الأرض ولا هبتها ولهم إجارتها
الطرف الثاني في أحكام عقد الذمة فإذا صح عقدها لزمنا شىء ولزمهم شىء أما ما يلزمنا فأمران أحدهما الكف عنهم بأن لا يتعرض لهم نفسا ومالا ويضمنهما المتلف ولا يتعرض لكنائسهم على تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى ولا تتلف خمورهم وخنازيرهم إلا إذا أظهروها فمن أراق أو قتل من غير إظهار عصى ولكن لا ضمان ولو باع ذمي لمسلم خمرا أريقت على المسلم ولا ثمن للذمي وإن غصبها من ذمي وجب ردها على الصحيح وعليه مؤنة الرد قال البغوي ولو كان لمسلم على ذمي دين فقضاه وجب القبول إذا لم يعلم أن المؤدى ثمن محرم فإن علم بأن باع الخمر بين يديه وأخذ ثمنها فهل يجبر على قبوله وجهان

أصحهما لا يجبر وهو المنصوص بل لا يجوز القبول ولو كان لذمي على ذمي دين ورهن به خمرا لم يتعرض لهما كما لو باعه الخمر فإن وضعاها عند مسلم لم يكن له إمساكها ولو كان لمسلم على ذمي دين فرهن به خمرا لم يجز
الأمر الثاني يلزم الإمام دفع من قصدهم من أهل الحرب إن كانوا في دار الإسلام فإن كانوا مستوطنين دار الحرب وبذلوا الجزية لم يجب الذب عنهم وإن كانوا منفردين ببلدة في جوار الدار وجب الذب على الأصح هذا إذا جرى العقد مطلقا فإن جرى بشرط أن يذب أهل الحرب وجب الوفاء بالملتزم وفيه احتمال للإمام وإن جرى بشرط أن لا يذب عنهم فإن كانوا مع المسلمين أو في موضع إذا قصدهم أهل الحرب كان مرورهم على المسلمين فسد الشرط وكذا العقد على الصحيح وإن كانوا منفردين ولا يمر أهل الحرب بهم صح الشرط وحكى الإمام وجها أن شرط ترك الذب فاسد مطلقا والصحيح الأول وهل يكره فيه نصان حملوهما على حالين فإن طلب الإمام الشرط كره لأن فيه إظهار ضعف المسلمين وإن طلب أهل الذمة فلا ويجب دفع المسلمين وأهل الذمة عنهم كما يجب دفع أهل الحرب فإن لم يدفع عنهم حتى مضى حول لم تجب جزيته كما لا تجب الأجرة إذا لم يوجد التمكن من الانتفاع ولو أغار أهل الحرب على أهل الذمة وأخذوا أموالهم ثم ظفر الإمام بهم فاسترجعها لزمه ردها على أهل الذمة فإن أتلفوا فلا ضمان عليهم كما لو أتلفوا مال المسلمين ومن أغار من بيننا وبينه هدنة وأتلف أموال أهل الذمة ضمن فإن نقضوا العهد وامتنعوا ثم أغاروا وأتلفوا لهم مالا أو نفسا ففي الضمان قولان كأهل البغي

فصل وأما ما يلزمهم
فخمسة أمور
الأول في الكنائس والبيع فالبلاد التي في حكم المسلمين قسمان أحدهما ما أحدثه المسلمون كبغداد والكوفة والبصرة فلا يمكن أهل الذمة من إحداث بيعة وكنيسة وصومعة راهب فيها ولو صالحهم على التمكن من إحداثها فالعقد باطل والذي يوجد في هذه البلاد من البيع والكنائس وبيوت النار لا ينقض لاحتمال أنها كانت في قرية أو برية فاتصل بها عمارة المسلمين فإن عرف إحداث شىء بعد بناء المسلمين نقض
الثاني بلاد لم يحدثوها ودخلت تحت أيديهم فإن أسلم أهلها كالمدينة واليمن فحكمها كالقسم الأول وإلا فإما أن تفتح عنوة أو صلحا الضرب الأول ما فتح عنوة فإن لم يكن فيها كنيسة أو كانت وانهدمت أو هدمها المسلمون وقت الفتح أو بعده فلا يجوز لهم بناؤها وهل يجوز تقريرهم على الكنيسة القائمة وجهان أصحهما لا وبه قطع جماعة الثاني ما فتح صلحا وهو نوعان أحدهما فتح على أن رقبة الأرض للمسلمين وهم يسكنونها بخراج فإن شرطوا إبقاء البيع والكنائس جاز وكأنهم صالحوا على أن الكنائس لهم وما سواها لنا وإن صالحوا على إحداثها أيضا جاز ذكره الروياني وغيره وإن أطلقوا لم تبق الكنائس على الأصح الثاني ما فتح على أن البلد لهم يؤدون خراجه فيقرون على الكنائس ولا يمنعون من إحداثها فيه على الأصح لأن الملك والدار لهم ويمكنون فيها من إظهار الخمر والخنزير والصليب وإظهار ما لهم

من الأعياد وضرب الناقوس والجهر بالتوراة والانجيل ولا شك في أنهم لا يمنعون من إيواء الجاسوس وتبليغ الأخبار وما يتضرر به المسلمون في ديارهم وحيث قلنا لا يجوز الإحداث وجوزنا إبقاء الكنيسة فلا منع من عمارتها إذا استرمت وهل يجب إخفاء العمارة وجهان أحدهما نعم لأن إظهارها زينة تشبه الاستحداث وأصحهما لا فيجوز تطيينها من داخل وخارج ويجوز إعادة الجدار الساقط وعلى الأول يمنعون من تطيين خارجها وإذا أشرف الجدار على الخراب فلا وجه إلا أن يبنوا جدارا داخل الكنيسة وقد تمس الحاجة إلى جدار ثالث ورابع فينتهي الأمر إلى أنه لا يبقى من الكنيسة شىء ويمكن أن يكتفي من يوجب الإخفاء بإسبال ستر تقع العمارة وراءه أو بإيقاعها في الليل وإذا انهدمت الكنيسة المبقاة فلهم إعادتها على الأصح ومنعها الاصطخري وابن أبي هريرة فإن جوزنا فليس لهم توسيع خطتها على الصحيح ويمنعون من ضرب الناقوس في الكنيسة كما يمنعون من إظهار الخمر وقيل لا يمنعون تبعا للكنيسة وهذا الخلاف في كنيسة بلد صالحناهم على أن أرضه لنا فإن صالحناهم على أن الأرض لهم فلا منع قطعا كما سبق قال الإمام وأما ناقوس المجوس فلست أرى فيه ما يوجب المنع وإنما هو محوط وبيوت يجمع فيها المجوس جيفهم وليس كالبيع والكنائس فإنها تتعلق بالشعار
الأمر الثاني في البناء فيمنعون من إطالته ورفعه على بناء جيرانهم من المسلمين فإن فعلوا هدم هذا هو المذهب وحكى ابن كج قولا آخر أن لهم الرفع فعلى المذهب الاعتبار ببناء جاره على الصحيح وفي وجه لا يطيل على بناء أحد من المسلمين في ذلك المصر وسواء كان بناء الجار معتدلا أو في غاية القصر وللإمام احتمال فيما هو في غاية القصر ثم المنع لحق الدين لا لمحض حق الجار فيمنع ولو

رضي الجار وهذا المنع واجب وقيل مستحب ويمنعون من المساواة على الأصح ولو كان أهل الذمة في موضع منفرد كطرف من البلد منقطع عن العمارة فلا منع من رفع البناء على الصحيح ولو ملك ذمي دارا رفيعة البناء لم يكلف هدمها فإن انهدمت فأعادها منع من الرفع وفي المساواة الوجهان ولو فتحت بلدة صلحا على أنها للمسلمين لم تهدم أبنيتهم الرفيعة فيها ويمنعون من الإحداث ذكره البغوي
الثالث يمنعون من ركوب الخيل على الصحيح لأن فيه عزا وحكى ابن كج أن لا منع كما لا منع من ثياب نفيسة واستثنى الشيخ أبو محمد البراذين وفي البغال وجهان أحدهما المنع وبه قال الفوراني والإمام والغزالي وأصحهما لا منع وبه قطع كثيرون ولا منع من الحمر وإن كانت رفيعة القيمة وإذا ركبوا لم يركبوا السروج بل الأكف ويركبون عرضا وهو أن يجعل الراكب رجليه من جانب واحد وعن الشيخ أبي حامد أن لهم الركوب على استواء ويحسن أن يتوسط فيفرق بين أن يركب إلى مسافة قريبة فيمننع في الحضر ويكون ركابهم من خشب لا حديد وجوز ابن أبي هريرة الحديد ويمنعون من تقلد السيوف وحمل السلاح ومن لجم الذهب والفضة وذكر ابن كج أن هذا كله في الذكور البالغين فأما النساء والصغار فلا يلزمون الصغار كما لا جزية عليهم

فرع لا يترك لذمي صدر الطريق بل يلجأ إلى أضيقه إذا كان
يطرقون فإن خلت الطرق عن الزحمة فلا حرج وليكن الضيق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ولا يوقر ولا يصدر في مجلس إذا

كان فيه مسلمون ولا يجوز لمسلم أن يوادهم ولا أن يبدأ من لقيه منهم بسلام وإن بدأ الذمي به فلا يجيبه ذكره البغوي
قلت هذا الذي ذكره البغوي هو وجه حكاه الماوردي والصحيح بل الصواب أن يجاب بما ثبت في الأحاديث الصحيحة وعليكم وفي هذه المسألة كلام كثير وتفصيل أوضحته في كتاب السلام من كتاب الأذكار
والله أعلم
الرابع يؤخذ أهل الذمة في دار الإسلام بالتميز في اللباس بأن يلبسوا الغيار وهو أن يخيطوا على ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونه لونها وتكون الخياطة على الكتف دون الذيل هكذا أطلق ويشبه أن يقال لا يختص بالكتف والشرط الخياطة في موضع لا يعتاد وإلقاء منديل ونحوه كالخياطة ثم الأولى باليهود العسلي وهو الأصفر وبالنصارى الأزرق أو الأكهب ويقال له الرمادي وبالمجوس الأسود أو الأحمر ويؤخذون أيضا بشد الزنار وهو خيط غليظ على أوساطهم خارج الثياب وليس لهم إبداله بمنطقة ومنديل ونحوهما وإن لبسوا قلانس ميزت عن قلانس المسلمين بذؤابة أو علم في رأسها وإذا دخلوا حماما فيه مسلمون أو تجردوا عن الثياب فليكن عليهم جلاجل أو في أعناقهم خواتيم حديد أو رصاص لا ذهب وفضة هكذا ذكره الجمهور وقال في المهذب يجعل في عنقه خاتم ليتميز في الحمام وفي الأحوال التي يتجرد فيها وبين العبارتين تفاوت ظاهر وإذا كان لهم شعر أمروا بجز النواصي ومنعوا من إرسال الضفائر والجمع بين الغيار والزنار تأكيد ومبالغة في شهرهم ويجوز أن يقتصر الإمام على اشتراط أحدهما وهل تؤخذ النساء بالغيار وشد الزنار والتميز في الحمام وجهان أصحهما نعم والثاني لا لندور خروجهن

فلا حاجة إلى التميز فعلى الأصح قال الشيخ أبو حامد يجعل الزنار فوق الإزار وفي التهذيب وغيره تحته لئلا يصف بدنها وأشار بعضهم إلى اشتراط ظهور شىء منه
قلت هذا لا بد منه وإلا فلا يحصل كبير فائدة
والله أعلم
والتميز في الحمام يبنى على أنه هل يجوز لهن دخوله مع المسلمات قال البغوي والأصح منعه وقد يفهم من هذا السياق أن للمسلمات دخوله بلا حجر لكن نقل الروياني وغيره عن ابن أبي هريرة أنه قال لا يجوز لهن دخوله إلا لضرورة
قلت الأصح الأشهر أنه لا يحرم عليهن لكن يكره إن لم يكن عذر وبهذا قطع الإمام أبو بكر السمعاني المروزي من أصحابنا وقد أوضحت مسائل الحمام وما يتعلق به في آخر صفة الغسل من شرح المهذب
والله أعلم
وإذا خرجت ذمية بخف فليكن أحد خفيها أسود والآخر أبيض أو أحمر ولا يشترط التميز بكل هذه الوجوه بل يكفي بعضها

فرع للذمي أن تعممم ويتطلس على الصحيح ويلبس الديباج على الأصح كرفيع
أم مستحب والذي يوافق كلام الجمهور وإطلاقهم الوجوب
الخامس الانقياد للحكم فيلزم أهل الذمة الانقياد لحكمنا هكذا أطلقه الأصحاب وحكى الإمام عن العراقيين أن المراد أنهم إذا

فعلوا ما يعتقدون تحريمه يجري عليهم حكم الله تعالى فيه ولا يعتبر رضاهم وذلك كالزنى والسرقة فإنهما محرمان عندهم كشرعنا وقد بينا حكمهما في البابين وذكرنا الفرق بين أن يزني بمسلمة ويسرق مال مسلم أو يزنى بذمية ويسرق مال ذمي وأما ما يعتقدون حله فقد سبق أن حد الشرب لا يقام على ذمي على الأصح وإن رضى بحكمنا ولو نكح مجوسي محرما له لم يتعرض له فإن رفعوا إلينا ورضوا بحكمنا حكمنا وهل يجب الحكم فيه القولان المعروفان ويلزمهم كف اللسان والامتناع من إظهار المنكرات كإسماع المسلمين شركهم وقولهم ثالث ثلاثة واعتقادهم في المسيح وعزير صلى الله عليه وسلم وإظهار الخمر والخنزير والناقوس وأعيادهم وقراءتهم التوراة والإنجيل وإحداثهم الكنائس في بلادنا وإطالتهم البناء وتركهم مخالفة لما شرط فإن أظهروا شيئا من هذه منعوا وعزروا ولكن لا ينتقض به عهدهم سواء شرط الامتناع منها في العقد أم لا فإن شرط عليهم الانتقاض بهذه الأسباب فقال الإمام يبنى ذلك على الخلاف في صحة عقد الذمة مؤقتا إن صححناه صح العقد فينتقض إذ أظهروا وإن لم نصححه فسد العقد من أصله والحكاية عن الأصحاب أنه لا ينتقض بل يفسد الشرط ويتأبد العقد ويحمل ما جرى على تخويفهم وينتقض عهدهم بقتالهم المسلمين سواء شرط عليهم الامتناع منه أم لا هذا إذا لم تكن شبهة فلو أعانوا البغاة وادعوا أنهم لم يعرفوا الحال فقد سبق بيانه في قتال البغاة ولو منعوا الجزية أو امتنعوا من إجراء أحكام الإسلام عليهم انتقض عهدهم هكذا قاله الأصحاب قال الإمام هذا إذا منع مع القدرة فأما العاجز إذا استمهل فلا ينتقض عهده قال ولا يبعد أن يقال تؤخذ الجزية من الموسر الممتنع قهرا ولا يجعل الامتناع ناقضا كسائر الديون ويخصص ما قاله الأصحاب بالمتغلب

المقاتل قال وأما الامتناع من إجراء الأحكام فإن امتنع هاربا فلا أراه ناقضا وإن امتنع راكبا إلى قوة وعدة فينبغي أن يدعى إلى الانقياد فإن نصب القتال انتقض عهده بالقتال ثم أسند الإمام ما ذكره من الاحتمال إلى من تقدمه فحكى عن القاضي حسين الانتقاض في القتال ونقل ابن كج قولين في امتناعهم من إجراء الأحكام وعن الحاوي أن الامتناع من البدل نقض العهد من الواحد والجماعة والامتناع من الأداء مع الاستمرار على الالتزام نقض من الجماعة دون الواحد لأنه يسهل إجباره عليه ولو زنى ذمي بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو تطلع على عورة المسلمين ونقلها إلى دار الحرب أو فتن مسلما عن دينه ودعاه إلى دينهم ففي انتقاض عهده طرق أصحها أنه لم يجر ذكرها في العقد لم ينتقض وإلا فوجهان ويقال قولان أصحهما لا ينتقض قطعا والثالث إن شرط انتقض وإلا فوجهان وهل المعتبر في الشرط الامتناع من هذه الأفعال أم انتقاض العهد إذا ارتكبها صرح الإمام والغزالي بالثاني وكثيرون بالأول ولا يبعد أن يتوسط فيقال إن شرط الانتقاض فالأصح الانتقاض وإلا فالأصح خلافه وألحق بالخصال الثلاث إيواء عيون الكفار وأما قطع الطريق والقتل الموجب للقصاص فالمذهب أنهما كالزنى بمسلمة وقيل كالقتال ولا يلحق بالمنابذة التوثب على رفقة أو شخص معين وليجر الطريقان فيما لو قذف مسلما وسواء قلنا ينتقض العهد أو لا ينتقض فقد قال البغوي يقام عليهم موجب ما فعلوه من حد أو تعزيز ثم يجري على مقتضى الانتقاض كما سيأتي إن شاء الله تعالى وإذا قتل الذمي لقتله مسلما أو لزنى وهو محصن فهل يصير ماله فيئا تفريعا على الحكم بالانتقاض وجهان

قلت أصحهما
وأما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء إذا جهروا به وطعنهم في الإسلام ونفيهم القرآن فالمذهب أنه كالزنى بمسلمة ونحوه وقيل ينتقض قطعا كالقتال وفي محل الخلاف طريقان أحدهما أنه فيما إذا ذكر الذمي سواء يعتقده ويتدين به كتكذيب ونحوه فأما ما لا يعتقده ولا يتدين به بأن طعن في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نسبه إلى الزنى فليلتحق بالقتال وينتقض العهد به قطعا سواء شرط عليه الكف عنه أم لا وأصحهما أن الخلاف فيما ذكر ما لا يتدين به فأما ما يتدين به فلا ينتقض بإظهاره قطعا ومن هذا نفيهم القرآن
واعلم أن ذكرهم الله تعالى كذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى فيجري فيه الخلاف صرح به الروياني وغيره ولكنهم جعلوا إظهار الشرك وقولهم ثالث ثلاثة ومعتقدهم في المسيح وعزير كإظهارهم الخمر فلا ينتقض قطعا مع أن جميع هذا يتضمن ذكر الله تعالى بالسوء ولا يستقيم هذا إلا على الطريق الثاني وهو أن السوء الذي يتدين به لا ينقض قطعا ونقل صاحب الشامل وغيره عن أبي بكر الفارسي أنه قال من شتم منهم النبي صلى الله عليه وسلم قتل حدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن خطل والقينتين وزيفوه وقالوا إنهم كانوا مشركين لا أمان لهم

فرع حيث حكمنا بانتقاض العهد هل يبلغهم المأمن قولان أحدهما نعم
كمن دخل بأمان صبي وأظهرهما لا بل يتخير الإمام بين قتله واسترقاته والمن والفداء لأنه كافر لا أمان له والقولان في الانتقاض بغير قتال فأما إذا نصبوا القتال وصار حربا لنا في دارنا فلا بد من دفعهم والسعي في استئصالهم ولو أسلم من انتقض عهده قبل أن يختار الإمام شيئا قال الأصحاب لا يجوزر استرقاقه بخلاف الأسير لأنه لم يحصل في يد الإمام بالقهر فخف أمره وهل يبطل أمان النساء والصبيان تبعا كما يثبت تبعا وجهان أصحهما لا إذا لم توجد منهم خيانة ناقضة فعلى هذا لا يجوز سبيهم ويجوز تقريرهم في دارنا فإن طلبوا الرجوع إلى دار الحرب أجيب النساء دون الصبيان إذ لا حكم لقولهم قبل البلوغ فإن كان الطالب ممن يستحق الحضانة أجيب إليه وإلا فلا ولو نبذ ذمي إلينا العهد واختار اللحوق بدار الحرب بلغناه المأمن على المذهب وأجرى القاضي حسين فيه القولين لأنه كافر لا أمان له

فرع المسلم إذا ذكر الله تعالى بما يقتضي الكفر أو كذب
صلى الله عليه وسلم فهو مرتد فيدعى إلى الإسلام فإن عاد وتاب قبلت توبته ولو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا فعن الشيخ أبي محمد أنه يكفر ويراق دمه قال الإمام وهذه زلة ولم أر ما قاله لأحد من الأصحاب والصواب أنه يعزر ولا يكفر ولا يقتل وما روي أن رجلا أتى قوما وزعم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرموه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله محمول على أن الرجل كان كافرا ومن قذف النبي صلى الله عليه وسلم وصرح بنسبته إلى الزنى فهو كافر باتفاق الأصحاب فإن عاد إلى الإسلام فثلاثة أوجه أحدها قال الأستاذ أبو إسحق لا شيء عليه لأنه مرتد أسلم والثاني قال أبو بكر الفارسي يقتل حدا لأنه حد قذف فلا يسقط بالتوبة والثالث قال الصيدلاني يجلد ثمانين جلدة ثم في كلام الإمام والغزالي أنا إذا قلنا يقبت حد القذف فعفا أحد بني أعمامه فينبغي أن يسقط أو يقول هم لا ينحصرون فهو كقذف ميت ليس له ورثة خاصون ولا يبعد تخريج وجوب الحد على القولين في وجوب القصاص بقتل مثل هذا الشخص وقد يقال كل واحد من بني الأعمام غير وارث بل الإرث للأقرب ولا يكاد يعرف الأقرب ممن في الدنيا ويقع النظر في أن عفو بعض الورثة هل يؤثر ووراءه نظر آخر وهو حد قذفه هل يورث فيجوز أن يقال لا يورث كما لا يورث المال أما إذا لم يقذف صريحا لكن عرض فقال الإمام الذي أراه أنه كالسب الصريح في اقتضاء الكفر لما فيه من الاستهانة

قلت هذا الذي قاله الإمام متعين وقد قاله آخرون ولا نعلم فيه خلافا
والله أعلم
ولو قذف نبيا غير نبينا فهو كقذف نبينا صلى الله عليه وسلم

فصل في مسائل تتعلق بالباب يؤخذ على أهل الذمة أن يخفوا دفن
ولا يخرجوا جنائزهم ظاهرا ولا يظهروا على موتاهم لطما ولا نوحا ولا يسقوا المسلمين خمرا ولا يطعموهم خنزيرا وإذا شرط ذلك عليهم فعرض بعضهم خمرا على مسلم فشربها اختيارا حد المسلم وعزر الذمي وكذا لو ابتدأ المسلم بطلبها فأجابه لكن تعزيره هنا أخف وأن لا يعلوا أصواتهم على المسلمين وأن يعينوهم إذا استعانوا بهم فيما لا يتضررون به وأن لا يستذلوا المسلمين في مهن الأعمال بأجرة ولا بتبرع حكي أكثر هذا عن الحاوي أنهم لو انفردوا بقرية هل يمنعون ركوب الخيل وجهان أحدهما لا كإظهار الخمر والثاني نعم خوفا من أن يتقووا به على المسلمين ولو بنى ذمي في دار الإسلام بناء لأبناء السبيل مكن إن جعله للمسلمين وأهل الذمة فإن خص أهل الذمة فوجهان ويكتب الإمام بعد عقد الذمة أسماءهم وأديانهم وحلاهم فيتعرض لسنه أهو شيخ أم شاب ولكونه من سمرة وشقرة وغيرهما ويصف وجهه ولحيته وجبهته وحاجبيه وعينيه وشفتيه وأنفه وأسنانه وآثار وجهه إن ان فيه آثار ويجعل على كل طائفة عريفا يضطبطهم لمعرفة من أسلم منهم ومن مات ومن بلغ ومن قدم عليهم وليحضرهم لأداء الجزية والشكوى إليه ممن يتعدى عليهم من المسلمين ومن يتعدى منهم ويجوز أن يكون العريف للعرض الثاني ذميا ولا يجوز للعرض الأول إلا مسلم وبالله التوفيق

الباب الثاني في عقد الذمة
ويقال لها الموادعة والمعاهدة وهي جائزة بنصوص الكتاب والسنة والإجماع فيه طرفان الأول في شروطها وهي أربعة الأول أن يتولاه الإمام أو نائبه فيه هذا في مهادنة الكفار مطلقا أو أهل إقليم كالهند والروم ويجوز لوالي الإقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة في إقليمه للمصلحة وكأنه مأذون فيه بتفويض مصلحة الإقليم إليه
ولو عقد الهدنة واحد من الرعية فدخل قوم ممن هادنهم دار الإسلام لم يقروا لكن يلحقون بمأمنهم لأنهم دخلوا على اعتقاد أمانه
الثاني أن يكون للمسلمين إليه حاجة وفيه مصلحة بأن يكون في المسلمين ضعف لقلة عدد أو مال أو بعد العدو أو يطمع في إسلامهم لمخاطتهم المسلمين أو في قبولهم الجزية أو في أن يعينوه على قتال غيرهم وإذا طلب الكفار الهدنة فإن كان فيها ضرر على المسلمين فلا يخفى أنهم لا يجابون وإلا فوجهان أحدهما تجب إجابتهم والصحيح لا تجب بل يجتهد الإمام ويفعل الأصلح قال الإمام وما يتعلق باجتهاد الإمام لا يعد واجبا وإن كان يتعين عليه رعاية الأصح
الثالث أن يخلو عن الشروط الفاسدة فإن عقدها على أن لا ينتزع أسرى المسلمين منهم أو يرد إليهم المسلم الذي أسروه وأفلت منهم أو شرط ترك مال مسلم في أيديهم فهذه شروط فاسدة وكذا لو شرط أن يعقد لهم الذمة على أقل من دينار أو على أن يقيموا

بالحجاز أو يدخلوا الحرم أو يظهروا الخمور في دارنا أو شرط أن يرد عليهم إذا جئن مسلمات وكذا ولو عقد بشرط التزام مال فإن دعت ضرورة إلى بذل مال بأن كانوا يعذبون الأسرى في أيديهم ففديناهم أو أحاطوا بنا وخفنا الاصطدام فيجوز بذل المال ودفع أعظم الضررين بأخفهما وفي وجوب بذل المال عند الضرورة وجهان بناء على وجوب دفع الصائل
قلت ليس هذا البناء بصحيح فقد سبق أن الصائل إذا كان كافرا وجب دفعه قطعا ثم الخلاف هناك في وجوب الدفع بالقتال وهنا بالمال والأصح وجوب البذل هنا للضرورة
والله أعلم
ولا يملك الكفار ما يأخذونه لأنه مأخوذ بغير حق قاله في المهذب وإذا جرى في المهادنة شرط فاسد فسد به العقد على الصحيح وبه قطع ابن الصباغ وغيره
الرابع أن يقتصر على المدة المشروعة ثم لا يخلو إما لا يكون بالمسلمين ضعف أو يكون فإن لم يكن ورأى الإمام المصلحة في الهدنة هادن أربعة أشهر فأقل ولا يجوز أكثر من سنة قطعا ولا سنة على المذهب ولا ما بينهما وبين أربعة الحاجة ولا تجوز زيادة على العشر لكن إن انقضت المدة والحاجة باقية استؤنف العقد وقيل تجوز الزيادة على عشر بحسب الحاجة وقيل لا يجوز أكثر من سنة وقيل لا يجوز أكثر من أربعة أشهر وهذه أوجه شاذة مردودة فإذا قلنا لا تجوز الزيادة على عشر فهادن مطلقا فالعقد فاسد وقيل ينزل عند ضعف المسلمين على عشر وعند القوة القولان

أحدهما ينزل على سنة والثاني على أربعة أشهر ويجوز أن لا يوقف الإمام الهدنة ويشرط انقضاءها متى شاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم هادن يهود خيبر وقال أقركم ما أقركم الله لكن لو اقتصر الإمام على هذه اللفظة أو قال هادنتكم إلى أن يشاء الله فسد العقد لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما عند الله بالوحي بخلاف غيره ولو قال هادنتكم ما شاء فلان وهو مسلم عدل ذو رأي فإذا نقضها انتقضت ولو قال ما شاء فلان منكم لم يجز لأن الكافر لا يحكم على المسلمين

فرع إذا زاد قدر مدة الهدنة على الجائز بأن زاد عند الضعف
سنين أو احتاج إلى أربع مثلا فزاد بطل العقد في الزائد وفي الباقي قولا تفريق الصفقة وقيل يصح فيه قطعا لعدم العوض ولأنه يتسامح في معاقدة الكفار
فرع إذا طلب الكافر الأمان ليسمع كلام الله تعالى وجبت إجابته قطعا
كما سبق قال الإمام وهل يمهل لذلك أربعة أشهر أم يقال إذا لم يفصل الأمر بمجالس يحصل فيها البيان التام يقال له الحق بمأمنك فيه تردد أخذته من فحوى كلام الأصحاب والأصح المنع
الطرف الثاني في أحكامها فمتى فسد العقد لزيادة المدة أو لالتزام مال أو غيرهما لا يمضى بل يجب نقضه لكن لا يجوز اغتيالهم بل يجب إنذارهم وإعلامهم

وإذا وقع صحيحا وجب الوفاء بالكف عنهم إلى انقضاء المدة أو صدور خيانة منهم تقتضي الانتقاض وإذا مات الإمام الذي عقدها أو عزل وجب على الإمام الذي بعده امضاؤه فإن رآه فاسدا قال الروياني إن كان فساده من طريق الاجتهاد لم يفسخه وإن ان بنص أو اجماع فسخه وينبغي للإمام إذ هادن أن يكتب عقد الهدنة ويشهد عليه ليعمل به من بعده ولا بأس أن يقول فيه لكم ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمتي ومتى صرحوا بنقض العقد أو قاتلوا المسلمين أو آووا عينا عليهم أو كاتبوا أهل الحرب أو قتلوا مسلما أو أخذوا مالا أو سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقض عهدهم ولا يفتقر إلى أن يحكم الحاكم بنقضه قال الإمام والمضرات التي اختلف في انتقاض عقد الذمة بها تنقض الهدنة بلا خلاف لأن الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية وإذا انتقض عهدهم جاز قصد بلدهم وتبييتهم والإغارة عليهم إن علموا أن ما فعلوه ناقض وكذا إن لم يعلموا على الأصح وقيل لا يقاتلون إلا بعد إنذارهم وينبغي أن يقال إذا لم يعلموا أنه خيانة لا ينتقض العهد إلا إذا كان المفعول مما لا يشك في مضادته للهدنة كالقتال ثم ما ذكرنا من قصدهم والإغارة عليهم هو إذا كانوا في بلادهم فأما من دخل دارنا بأمان أو مهادنة فلا يغتال وإن انتقض عهده بل يبلغ المأمن هذا إذا نقض جميعهم العهد فإن نقضه بعضهم نظر إن لم ينكر الآخرون على الناقضين بقول ولا فعل بل ساكنوهم وسكتوا انتقض عهدهم أيضا وإن أنكر بقول أو فعل بأن اعتزلوهم أو بعثوا إلى الإمام بأنا مقيمون على العهد لم ينتقض هكذا أطلقه جماهير الأصحاب ووراءه شيئان غريبان أحدهما قال الإمام لو بدت خيانة بعضهم وسكت الآخرون كان للإمام أن ينبذ إليهم والثاني في كتاب ابن كج أنه لو

نقض السوقة وجهان وجه المنع أنه لا اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم وأنه لو نقض الرئيس وامتنع الأتباع وأنكروا ففي الانتقاض في حقهم قولان وجه النقض أنه لم يبق العقد في حق المتبوع فكذا التابع والصحيح ما سبق وأذا انتقض في حق بعضهم فإن تميزوا فذاك وإلا فلا يبيتهم الإمام ولا يغر عليهم إلا بعد الإنذار ويبعث إلى الذين لم ينقضوا ليتميزوا أو يسلموهم فإن لم يفعلوا مع القدرة صاروا ناقضين أيضا ومن أخذ منهم واعترف بأنه من الناقضين أو قامت عليه بينة لم يخف حكمه وإلا فيصدق بيمينه أنه لم ينقض وأما عقد الذمة فنقضه من البعض ليس نقضا من الباقين بحال

فرع إذا استشعر الإمام ممن هادنه خيانة وظهرت أمارة تدل على خيانتهم
فقال الشيخ أبو حامد ينتقض عهدهم والصحيح المنصوص أنه لا ينتقض بل للإمام أن ينبذ إليهم عهدهم وحكي قول أنه لا ينبذه كما لا ينبذ عقد الذمة بالتهمة وحكي وجه في نبذ الذمة بالتهمة والمذهب الفرق وإذا نبذه فلا بد من إنذارهم وإبلاغهم المأمن لكن من عليه حق آدمي من مال أو حد قذف أو قصاص يستوفى منه أولا والمعتبر في إبلاغ الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين ومن أهل عهدهم ويلحقه بدار الحرب واكتفى ابن كج بإلحاقه بأول بلاد الكفر وقال لا يلزم إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك إلا أن يكون بين أول بلاد الكفر وبلده الذي يسكنه بلد للمسلمين يحتاج إلى المرور عليه وفي لبحر أنه لو كان له مأمنان لزم الإمام إلحاقه بمسكنه منهما ولو

كان يسكن بلدين فالاختيار للإمام وفي هذا ما ينازع في الاكتفاء بأول بلاد الكفر ولو لم تظهر أمارة يخاف بسببها منهم نبذ العهد ولا اعتبار الوهم المحض حكي ذلك عن نصه في الأم

فرع إذا هادن الإمام مدة لضعف وخوف اقتضاها ثم زال الخوف وقوي
وجب الوفاء بما جرى
فرع قال في الحاوي يجب على الذين هادنهم الإمام الكف عن قبيح
والعمل في حق المسلمين وبذل الجميل منهما فلو كانوا يكرمون المسلمين فصاروا يهينونهم أو يضيفون النزيل ويصلونهم فصاروا يقطعونهم أو يعظمون كتاب الإمام فصاروا يستخفون به أو نقصوا عما كانوا يخاطبون به سألهم الإمام عن سبب فعلهم فإن اعتذروا بما يجوز قبول مثله قبله وإن لم يذكروا عذرا أمرهم بالرجوع إلى عادتهم فإن امتنعوا أعلمهم بنقض الهدنة ونقضها
فصل إذا شرط رد المرأة إذا جاءتنا منهم مسلمة لم يجز بحال
رد الرجل إذا هاجر مسلما جائز في الجملة والفرق أنه لا يؤمن أن يصيبها زوجها الكافر أو أن تزوج كافرا ولأنها عاجزة عن الهرب وأقرب إلى الافتتان فإذا عقد الإمام هدنة فإما أن يشرط أن لا يرد من جاء مسلما أو يطلق أو يشرط الرد أو يشرط أن لا يرد فلا رد ولا غرم وكذا لو خص النساء يمنع الرد وإن أطلق فهل يغرم الإمام

مهر من جاءت مسلمة قولان أظهرهما لا وقيل إن كان قبل الدخول وجب الغرم قطعا قال ابن الصباغ هذا سهو من قائله وإن شرط الرد نظر إن أطلق فقال بشرط أن نرد من جاءنا منهم ففي وجوب الغرم القولان وقد يقال إن أوجبنا عند الإطلاق فهنا أولى وإلا فقولان ولو صرح بشرط رد النساء فهو فاسد وفي فساد العقد به ما سبق فإن لم يفسده ففي الغرم الخلاف السابق بالترتيب ويتفرع على وجوب الغرم مسائل منها المغروم وهو المبذول من صداقها وقال الماوردي عندي أنه هو الأقل من مهر المثل والمبذول والصحيح الأول وبه قال الجمهور ولو لم يدفع إليها شيئا فلا شىء له ولو لم يدفع إلا بعضه لم يستحق إلا ذلك القدر ولو كان أعطاها أكثر من المسمى لم يستحق الزيادة كما لا يستحق ما أطعمها وكساها وأنفقه في العرس لأنه متبرع به ولأنه ليس بدل البضع الذي حلنا بينه وبينه
ومنها لا يثبت الغرم بمجرد قوله أعطيتها صداقها بل ينظر إن أنكرت النكاح فهي المصدقة وعليه البينة وإن صدقته وأنكرت القبض ففي الشامل وغيره أنها تصدق باليمين وعليه البينة وقال الروياني لا يمين عليها لأن الصداق على غيرها وقال الشيخ أبو حامد يفحص الإمام عن مهر مثلها فقد يعرفه من تجار المسلمين الذين دخلوا دار الحرب ومن الأسارى ثم يحلف الرجل أنه أصدقها ذلك القدر وسلمه ولو ادعى الدفع وصدقته فقد نقل الإمام عن العراقيين أن إقرارها كالبينة وقالوا تعسر إقامة البينة على ما يجري بين الكفار ورأى الإمام أن يعتمد قولها ولا يجعله حجة علينا
ومنها محل الغرم سهم المصالح وحكى ابن كج وجها أنه إن

كان للمرأة مال أخذ منها والصحيح الأول فإن هاجرت إلى بلد فيه الإمام غرم المهر وإن هاجرت إلى بلد فيه نائبه فكذلك وهل المعتبر نائبه في عقد الهدنة أم في بيت المال وجهان وإن هاجرت إلى بلد ليس فيه الإمام ولا نائبه فعلى أهل البلد منعها حسبة ولا يغرمون المهر قال ابن كج وليس على الإمام والحالة هذه رد المهر كما لو جاء رجل إلى غير بلد الإمام لا يلزمه أن يخلي بينه وبين من يطلبه والأحسن ما حكاه البغوي وغيره أنه إن قال عند المهادنة من جاءني منكم مسلما رددته لم يلزمه شىء لأنها ما جاءته وإن قال من جاء المسلمين أو من جاءنا وجب
ومنها لو وهبته الصداق أو أبرأته فعلى الخلاف في التشطر
ومنها إذا جاءت مسلمة ثم أسلم الزوج نظر إن أسلم قبل انقضاء عدتها فالنكاح مستمر وليس لها طلب المهر وإن أخذه قبل الإسلام لزمه رده إذا زالت الحيلولة وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها نظر إن أخذ المهر قبل الإسلام لم يسترجع منه وصار بالقبض كالمستهلك في الشرك وإن لم يأخذه فإن طالبت به قبل إسلامه استقر له المهر لحصول الحيلولة بإسلامها ومنعنا إياها منه وعن أبي إسحق أنه لا مهر له والصحيح الأول وإن لم يطالب بها قبل إسلامه فلا شىء له لأن الحيلولة حصلت بالبينونة باختلاف الدين ولا مطالبة بالمهر بعد البينونة فلو كانت الصورة بحالها ولم يكن أعطاها المهر فلما أسلم بعد انقضاء العدة أخذت المهر بسبب المسيس فهل تغرم له ذلك فيه احتمالان للإمام وجعلهما الغزالي وجهين أرجحهما المنع هذا إذا كان إسلامها بعد الدخول فإن جاءت مسلمة قبل الدخول وأسلم الزوج بعدها لم يكن له طلب المهر لأنه أسلم بعد البينونة

ومنها لو جاء في طلبها غير زوجها كأبيها وعشيرتها لم يغرم شيئا لأن المعتبر طلب من كان له ملك البضع أو طلب وكيله ورسوله ولو جاءنا الزوج ولم يطلبها لم يغرم أيضا وينبغي أن يكون الطلب في العدة فأما إذا بانت بانقضاء العدة فلا أثر للطلب
ومنها إذا دخلت كافرة رددناها سواء طلبها زوجها أو محارمها فإن أسلمت بعد دخولها فهو كما لو جاءت مسلمة في أنا لا نردها وفي غرم المهر وقيل في الغرم وجهان ولو ارتدت بعد الإسلام وجاء الزوج يطلبها نظر إن طلبها بعد قتلها لم نغرم شيئا لحصول الحيلولة بالقتل وإن طلبها قبل القتل لم نردها لوجوب قتلها وفي الغرم وجهان أصحهما يجب لحصول الحيلولة بالإسلام
ومنها لو جاءتنا مسلمة فجنت أو جاءتنا مجنونة ثم أفاقت وأسلمت فحكمها في الرد والغرم حكم العواقل وإن جاءت مجنونة تصف الإسلام أو لا تصفه وأخبر عنها أنها وصفته ولم نعلم أو وصفته قبل الجنون أم فيه أو لم نخبر عنها بشىء لم ترد لاحتمال الإسلام قبل الجنون ولا غرم لاحتمال أنها لم تسلم حينئذ فلا نغرم بالشك فإن أفاقت وأقرت بالإسلام غرمنا وإلا رددناها ولا غرم ولو علمنا أنها لم تزل مجنونة فينبغي أن ترد
ومنها إذا جاءت صبية مميزة وهي تصف الإسلام لا نردها لأنا وإن لم نصحح إسلامها فنتوقعه فيحتاط لحرمة الكلمة وقيل ترد والصحيح الأول ولا غرم في الحال على الأصح وقيل الأظهر كالمجنونة فإن بلغت ووصفت الكفر رددناها وإن وصفت الإسلام غرمنا

ومنها لو جاءت رقيقة منهم مسلمة فلا ترد على سيدها ولا زوجها ويحكم بعتقها إن فارقتهم ثم أسلمت لأنها إذا جاءت مراغمة لهم ملكت نفسها بالقهر فتعتق كعبد قهر سيده الحربي فإنه يصير حرا وهل يغرم لسيدها قيمتها من سهم المصالح إذا جاء يطلبها فيه طريقان المذهب أنه على القولين والثاني لا غرم قطعا لأن الحيلولة حصلت بالعتق والقهر قبل الإسلام ومن قال بالمذهب قال المانع هو الإسلام فإنها لو كانت حرة كافرة لم يمنع زوجها ولو أسلمت ثم فارقتهم وهاجرت مسلمة فقال البغوي لا تصير حرة لأنهم في أماننا وأموالهم محرمة علينا فلا يزول الملك عنها بالهجرة بخلاف ما إذا هاجرت ثم أسلمت لأن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض فملكت نفسها بالقهر ولم يتعرض جماعة لهذا التفصيل وأطلقوا الحكم بالعتق ويجوز أن يؤخذ به لأن الهدنة جرت معنا لا معها كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الرجل إذا جاءنا مسلما ورددناه أن له التعرض لهم ثم قال الشيخ أبو إسحق لا ترد إلى سيدها لإسلامها وشركه ولكن نغرم له قيمتها كما لو غصب منهم مال وتلف واعترض صاحب البيان وقال الذي يقتضيه المذهب أنا لا نغرم القيمة ويأمره بإزالة الملك عنها كأمة كافر أسلمت ونعود إلى هذا الكلام والتفصيل إن شاء الله تعالى وإذا كانت الأمة مزوجة ففي غرم المهر القولان فإن قلنا بغرامة المهر والقيمة نظر إن حضر الزوج والسيد معا أخذ كل واحد حقه وإن جاء أحدهما فقط فثلاثة أوجه أصحهما نغرم حق الطالب والثاني لا نغرم شيئا لأن حق الرد مشترك ولم يتم الطلب والثالث نغرم للسيد إن انفرد بالطلب ولا نغرم للزوج لأن حق الرد في المزوجة للسيد آكد ألا ترى أنه يسافر بها بخلاف الزوج فإن كان زوج الأمة عبدا فلها خيار الفسخ إذا عتقت فإن فسخت النكاح

لم نغرم المهر لأن الحيلولة حصلت بالفسخ وإن لم تفسخ وأوجبنا غرم المهر فلا بد من حضور الزوج والسيد جميعا وطلب الزوج المرأة والسيد المهر فإن انفرد أحدهما لم نغرم لأن البضع غير مملوك للسيد والمهر غير مملوك للعبد
ومنها إنما نغرم إذا طلبها الزوج فمنعناها بسبب الإسلام أما إذا مات قبل الطلب فلا غرم وكذا لو مات الزوج قبل أن يطلبها منا وإن كان قد دخل دار الإسلام ولو مات أحدهما بعد الطلب والمنع لم يسقط الغرم فإن كان هو الميت صرف المهر إلى ورثته وإن قتلت قبل الطلب فلا غرم كما لو ماتت وإن قتلت بعده ثبت الغرم ثم نقل الإمام أنه يكون على القاتل لأنه المانع بالقتل ورأى أن يفصل فيقال إن قتلها على الاتصال بالطلب فالحكم ما ذكروه وإن تأخر القتل فقد استقر الغرم علينا بالمنع فلا أثر للقتل بعده وفي الحالتين لا حق للزوج فيما على القاتل من قصاص ودية لأنه لا يرثها ولو جرحها شخص قبل الطلب ثم طلبها الزوج وقد انتهت إلى حركة المذبوحين فهو كالطلب بعد الموت وإن بقيت فيها حياة مستقرة فهل الغرم على الجارح أم في بيت المال لأن المنع في الحياة وجهان أصحهما الثاني ولا يسقط الغرم بأن يطلقها بعد طلبها وأما قبله فإن خالعها أو طلقها طلاقا بائنا فلا غرم لأنه ترك باختياره قال الروياني وكذا لو ملكها أن تطلق نفسها على الفور وقد يلائم هذه القاعدة أن يقال يشترط كون الطلب على الفور وإن طلقها رجعيا أو طلقها فأسلمت وهي في عدة الرجعية ثم جاء الزوج يطلبها فالصحيح المنصوص أنا إنما نغرم له إذا راجعها لظهور قصد الإمساك بالرجعة وإن كانت رجعة الكافر المسلمة لا تصح قال الإمام وخرج المحققون قولا أنه يستحق المهر بمجرد الطلب بلا رجعة لأنها فاسدة فلا معنى لاشتراطها

فرع جميع ما ذكرناه هو في رد النساء الحرائر أما الإماء
والمجانين فلا يردون لضعفهم ولا يجوز الصلح بشرط ردهم ولا غرم في ترك ردهم كما في غير ذوات الأزواج فإذا بلغ الصبي وأفاق المجنون فإن وصفا الإسلام فذاك وإن وصفا كفرا لا يقر أهله عليه فإما أن يسلما وإما أن يردا إلى مأمنهما وإن وصفا كفرا يقر أهله فإما أن يسلما وإما أن يقبلا الجزية وإما أن يردا إلى مأمنهما
وأما الذكور البالغون العقلاء فنقل الإمام في رد العبد وجهين الصحيح الذي ذكره الجمهور لا يرد لأنه جاء مسلما مراغما لهم والظاهر أنهم يسترقونه ويهينونه ولا عشيرة له تحميه والثاني يرد والمنع في النساء لخوف الفاحشة وهل يعتق العبد الذي جاء مسلما قال في الحاوي إن غلبهم على نفسه ثم أسلم وهاجر عتق لأن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض وإن أسلم ثم غلبهم على نفسه وجاءنا نظر إن فعل ذلك قبل أن هادناهم فكذلك لأنه غلب في حال الإباحة وإن فعله بعد الهدنة لم يعتق لأن أموالهم محرمة حينئذ لا يملكها بالقهر ثم لا يرد إلى السيد وإن لم يعتق ولا يمكن من استرقاقه فإن أعتقه وإلا باعه الإمام لمسلم أو دفع قيمته من بيت المال وأعتقه عن المسلمين كافة وولاؤه لهم
وأما الحر فإن لم تكن له عشيرة وغلب على الظن أنه يذل ويهان ففي رده طريقان الصحيح طرد الوجهين في رد العبد والثاني يرد قطعا لأن الحرية في الجملة مظنة القدرة فإن قلنا يرد قال الإمام لا يبعد أن يقال على الإمام أن يشرط عليهم أن لا يهينوا المسلم المردود فإن أهانوه كانوا ناقضين للعهد وإن كان للحر عشيرة وطلبته رد كما رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل رضي الله عنه على سهيل بن عمرو لأن الظاهر أنهم يحمونه وأما كون عشيرته تؤذيه بالتقييد ونحوه فلا اعتبار به فإنهم يفعلونه

تأديبا في زعمهم وإن طلبه عين عشيرته لم يرد إلا إذا كان الطالب ممن يقدر المطلوب على قهره والإفلات منه وعلى هذا حمل رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بصير رضي الله عنه وإن لم يطلبه أحد فلا رد كما لا غرم إذا لم يطلب أحد المرأة قال الأصحاب ومعنى الرد أنه لا منع من الرجوع ويخلى بينه وبين من يطلبه لا أنه يجبر على الرجوع وهذا معنى رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل وأبا بصير رضي الله عنهما ولا يبعد تسمية التخلية ردا كما في رد الوديعة ولو شرط الإمام في الهدنة أن يبعث إليهم من جاءه مسلما فمن الأصحاب من قال يجب الوفاء بشرطه ومقتضى هذا أن لا يعتبر الطلب ونقل الروياني عن النص أنه يفسد العقد بهذا الشرط وذكر أنهم لو طلبوا من جاء منهم وهو مقيم على كفره مكناهم منه وأنهم لو كانوا شرطوا أن يقوم برده عليهم وفينا بالشرط ولا يجب على المطلوب أن يرجع إليهم ولذلك لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بصير رضي الله عنه امتناعه فإن اختار الإقامة في دار الإسلام لم يمنع ويقول الإمام للطالب لا أمنعك منه إن قدرت عليه ولا أعينك إن لم تقدر وعن النص أنه يستحب أن يقول للمطلوب سرا لا ترجع وإن رجعت فاهرب إذا قدرت وللمطلوب أن يقتل الطالب ولنا أن نرشده إلى قتله تعريضا لا تصريحا لأن الإمام إنما التزم بالهدنة أن يمتنع عنهم ويمنع الذين يعادونهم وهم المسلمون يومئذ فأما من أسلم بعد فلم يشترط على نفسه ولا تناوله شرط الإمام لأنه ليس في قبضته وفيه احتمال للإمام أنه ليس له التعرض لمن عصم الإمام دمه وماله ولهذا من جاءنا مسلما ولم يطلب يلزمه بعقد الهدنة ما لزمنا

فرع عن البحر كافر تحته عشر نسوة أسلمن وهاجرن وجاء يطلبهن
باختيار أربع ويعطى مهورهن على قول غرامة المهر والمستولدة إذا جاءت مسلمة كالأمة والمكاتبة إن اقتضى الحال عتقها كذلك وتبطل الكتابة وإلا فهي على كتابتها فإن أدت عتقت وللسيد الولاء وإن عجزت ورقت حسب ما أخذ من مال الكتابة بعد إسلامها من ضمانها ولا يحسب منه ما أخذ قبل الإسلام فإن بلغ المحسوب عليه قدر القيمة فقد استوفى حقه وعتقت وولاؤها للمسلمين وهل يرد عليها من بيت المال قولان بناء على أنا هل نغرم للسيد قيمة الأمة وإن كان المؤدى أكثر من القيمة لم يسترجع الفاضل من سيدها وإن كان أقل فللسيد تمام القيمة ويكون ذلك من بيت المال
فصل إذا عقد الهدنة بشرط أن يردوا من جاءهم منا مرتدا ويسلموه
لزمهم الوفاء فإن امتنعوا كانوا ناقضين للعهد فإن عقدت بشرط أن لا يردوا من جاءهم ففي جوازه قولان أظهرهما وأشهرهما الجواز والثاني المنع بل لا بد من استرداده لإقامة حكم المرتدين عليه وقال الماوردي الصحيح عندي صحة الشرط في الرجال دون النساء لأن الأبضاع يحتاط لها ويحرم على الكافر من المرتدة ما يحرم من المسلمة وربما حاول تنزيل القولين على الصنفين فإن أبطلنا الشرط وأوجبنا الرد فالذي عليهم التمكين والتخلية دون التسليم وكذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقا من غير تعرض لرد المرتد وحيث لا يلزمهم التمكين والتسليم يلزمهم مهر من ارتد من نساء المسلمين

وقيمة من ارتد من رقيقهم ولا يلزمهم غرم من ارتد من الرجال الأحرار ولو عاد المرتدون إلينا لم نرد المهور ونرد القيم لأن الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم والنساء لا يصرن زوجات وحيث يجب التمكين دون التسليم تمكنوا فلا غرم عليهم سواء وصلنا إلى المطلوبين أم لا وحيث يجب التسليم يطالبهم به عند الإمكان فإن فات التسليم بالموت لزمهم الغرم وإن هربوا نظر إن هربوا قبل القدرة على التسليم فلا غرم وبعدها يجب الغرم وإذا قلنا لا تسترد المرتدة غرم الإمام لزوجها ما أنفق من صداقها لأنا بعقد الهدنة حلنا بينه وبينها ولولاه لقاتلناهم حتى يردوها وإن قلنا تسترد فتعذر ذلك فقال الغزالي نغرم له أيضا ويشبه أن يكون الغرم لزوج المرتدة مفرعا على الغرم لزوج المسلمة المهاجرة ولم أره مصرحا به وقد يشعر كلام الغزالي بخلافه ثم لو جاءتهم امرأة منا مرتدة وهاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة وطلبها زوجها فلا نغرم له المهر بل نقول هذه بهذه ويجعل المهرين قصاصا ويدفع الإمام المهر إلى زوج المرتدة ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة هذا إن تساوى القدران فإن كان مهر المهاجرة أكثر صرفنا مقدار مهر المرتدة منه إلى زوجها والباقي إلى المهاجرة وإن كان مهر المرتدة أكثر صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها والباقي إلى زوج المرتدة وبهذه المقاصة فسر مفسرون قوله تعالى { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا }

فصل على الإمام منع من يقصد أهل الهدنة
من المسلمين والذميين وليس عليه منع الحربيين ولا منع بعضهم من بعض لأن الهدنة لمجرد الكف لا للحفظ بخلاف الذمة
ولو أتلف مسلم أو ذمي على مهادن نفسا أو مالا ضمنه وإن قذفه عزر وعليهم بإتلاف مال المسلم الضمان وبقتله القصاص وبالقذف الحد
ولو أغار أهل الحرب عليهم ثم ظفر الإمام بأهل الحرب فاستنقذ منهم أموال أهل الهدنة لزمه ردها إليهم وفي إقامة حد السرقة والزنى على المعاهد وانتقاض عهده بالسرقة خلاف سبق في آخر الباب الأول من كتاب السرقة وبالله التوفيق
كتاب الصيد والذبائح والضحايا والعقيقة والأطعمة

هذه الكتب تقدمت في آخر العبادات

كتاب السبق والرمي
وهو المناضلة المسابقة والمناضلة جائزتان بل سنتان إذا قصد بهما التأهب للجهاد
قلت يكره لمن علم الرمي تركه كراهة شديدة ففي صحيح مسلم عن عقبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من علم الرمي ثم تركه فليس منجا أو قد عصى
والله أعلم
ويجوز شرط المال في المسابقة والمناضلة وفي الكتاب بابان باب في السبق وباب في الرمي وقد تدخل مسائل أحدهما في الآخر لتقاربهما
الباب الأول في السبق
وفيه طرفان الأول في شروطه وهي عشرة
الأول أن يكون المعقود عليه عدة للقتال لأن المقصود منه التأهب للقتال ولهذا قال الصيمري لا يجوز السبق والرمي من النساء لأنهن لسن أهلا للحرب ثم الأصل في السبق الخيل والإبل لأنها التي يقاتل عليها غالبا وتصلح للكر والفر بصفة الكمال وتجوز المسابقة على الفيل والبغل والحمار على المذهب وقيل بالمنع فيها وقيل بالمنع في البغل والحمار وقيل في الجميع خلاف
وأما المناضلة فتجوز على السهام العربية والعجمية وهي النشاب وعلى جميع أنواع القسي حتى تجوز على

الرمي بالمسلات والإبر وفي المزاريق والرانات ورمي الحجارة باليد وبالمقلاع والمنجنيق طريقان أحدهما الجواز والثاني وجهان أصحهما الجواز ولا تجوز المسابقة بإشالة الحجر باليد على المذهب وبه قطع الأكثرون وقيل وجهان وأما مراماة الأحجار وهي أن يرمي كل واحد الحجر إلى صاحبه فباطلة وأما المسابقة على التردد بالسيوف والرماح فقيل بمنعها لأنها لا تفارق صاحبها وإلا يصح الجواز لأنها من أعظم عدد القتال واستعمالها يحتاج إلى تعلم وتحذق والمسابقة على الحمام وغيره من الطيور وعلى الأقدام والسباحة في الماء والطيارات والزوارق والصراع فجائزة بلا عوض والأصح منها بالعوض فإن جوزنا الصراع ففي المشابكة باليد وجهان ولا تجوز على مناطحة الشياه ومهارشة الديكة لا بعوض ولا بغيره

فرع لا يجوز عقد المسابقة على ما لا ينتفع به في الحرب
والخاتم والصولجان ورمي البندق والجلاهق والوقوف على رجل واحدة ومعرفة ما في اليد من شفع ووتر وسائر أنواع اللعب وأما المقل في الماء فقال الشيخ المروزي إن جرت العادة بالاستعانة به في الحرب فهو كالسباحة وإلا فلا تجوز المسابقة عليه

قلت لا تجوز المسابقة على البقر على المذهب وقيل وجهان حكاه الدارمي قال والذي تجوز المسابقة عليه من الخيل
قيل ما يسهم له وهو الجذع أو الثني وقيل وإن كان صغيرا قال ولا تجوز على الكلب
والله أعلم
الشرط الثاني الإعلام فيشترط إعلام الموقف الذي يبدآن بالجري منه والغاية التي يجريان إليها ويشترط تساوي المتسابقين فيهما ولو لم يعينا غاية وشرطا المال لأسبقهما حيث سبق لم يجز ولو عينا غاية وشرطا أن السبق إن اتفق في وسط الميدان لأحدهما كان فائزا لم يجز على الأصح لأنا لو اعتبرنا السبق في خلال الميدان لاعتبرناه بلا غاية معينة ولو عينا غاية وقالا إن اتفق السبق عندها فذاك وإلا عدينا إلى غاية أخرى اتفقا عليها جاز على الأصح لحصول الإعلام وكون كل واحدة من الغايتين معلومة

فرع يشترط كون المال معلوم الجنس والقدر

الشرط الثالث أن يشترط للسابق كل المال أو أكثره فإذا تسابق اثنان وبذل المال غيرهما فإن شرطه للسابق منهما فذاك وإن شرطه للثاني أو شرط له مثل الأول لم يجز وإن شرط للثاني أقل مما شرط جاز على الأصح وإن تسابق ثلاثة وشرط باذل المال المال للأول جاز وإن شرطه للثاني أو شرط له أكثر من الأول لم يجز على الأصح وقيل يجوز لأن ضبط الفرس في شدة عدوة ليقف في مقام الثاني يحتاج إلى حذق ومعرفة وإن شرط له مثل ما شرط للأول جاز على الأصح لأن كل واحد يجتهد هنا أن يكون أولا وثانيا وإن شرط له

دون ما شرط للأول جاز على الصحيح ويخرج من هذا الاختلاف في الثلاثة أربعة أوجه أحدها يجوز أن يشرط الجميع للثاني والثاني لا يجوز شرط شىء له والثالث يجوز له شرط بشرط تفضيل السابق والأصح يجوز أن يشرط له بحيث لا يفضل على السابق وأما الفسكل بكسر الفاء والكاف وإسكان السين المهملة بينهما وهو الأخير فلا يجوز أن يساوى بمن قبله ويجوز أن يشرط له دون ما شرط لمن قبله على الأصح كما سبق في الاثنين ويقاس بها ما إذا تسابق أكثر من ثلاثة حتى لو كانوا عشرة وشرط لكل واحدة سوى الفسكل مثل المشروط لمن قبله جاز على الأصح والأحب أن يكون المشروط لكل واحد دون المشروط لمن قبله وفي شرط شىء للفسكل الوجهان ولو أهمل بعضهم بأن شرط للأول عشرة وللثالث تسعة وللرابع ثمانية فهل يجوز وجهان أحدهما لا لأن الرابع والثالث يفضلان من قبلهما والثاني نعم ويقام الثالث مقام الثاني والرابع مقام الثالث وكأن الثاني لم يكن وإذا بطل المشروط في حق بعضهم ففي بطلانه في حق من بعده وجهان وهذان الوجهان مع الوجهين في الإهمال مبنيان على أن من بطل السبق في حقه هل يستحق على الباذل أجرة المثل وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى فإن قلنا لا بطل العقد في حق من بعده لئلا يفضل من سبقه وإن قلنا نعم لم يبطل في حق من بعده ولا يضر كون المشروط له زائدا على أجرة المثل لأن الممتنع أن يفضل المسبوق السابق فيما يستحقانه بالعقد وأجرة المثل غير مستحقة بالعقد
واعلم أن الصور المذكورة وضعوها فيما لو كان باذل المال غير المتسابقين ويمكن فرضها أو فرض بعضها فيما لو بذله أحدهما بأن

يتسابق اثنان ويبذل أحدهما مالا على أنه إن سبق دفع إلى الآخر منه كذا وإن سبقه الآخر أمسك لنفسه منه كذا

فرع قال من سبق فله كذا فجاء المتسابقون معا فلا شىء لهم
اثنان فصاعدا معا وتأخر الباقون فالمشروط للأولين بالسوية ولو قال من سبق فله دينار ومن جاء ثانيا فله نصف دينار فسبق واحد ثم جاء ثلاثة معا ثم الباقون فللسابق دينار وللثلاثة نصف وإن سبق واحد ثم جاء الباقون فله دينار ولهم نصف وإن جاء الجميع معا فلا شىء لهم ولو قال كل من سبق فله دينار فسبق ثلاثة قال الداركي لكل واحد منهم دينار
الشرط الرابع أن يكون فيهم محلل ومال المسابقة قد يخرجه المتسابقان أو أحدهما أو غيرهما
الحالة الأولى أن يخرجه غيرهما فيجوز للإمام أن يخرج المال من خاص نفسه ومن بيت المال لما فيه من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد أسباب القتال ويجوز للواحد من الرعية إخراجه من مال نفسه لأنه بذل مال في طاعة ويثاب عليه إذا نوى وسواء تسابق اثنان أو أكثر ومن سبق أخذ المال
الحالة الثانية أن يخرجه أحدهما ويشرطانه إن سبق أحرزه ولا شىء له على الآخر وإن سبق الآخر أخذه فيجوز ولو تسابق أكثر من اثنين وأخرجه اثنان فصاعدا وشرطوا أن من سبق من المخرجين لم يحرز إلا ما أخرجه ومن سبق من غيرهم أخذ ما أخرجه المخرجون جاز أيضا
الثالثة أن يخرجه المتسابقان فيقول كل واحد إن سبقتك فلي

عليك كذا وإن سبقتني فلك علي كذا فهذا لا يجوز لأنه صورة قمار إلا أن يدخلا بينهما محللا وهو ثالث يشاركهما في المسابقة على أنه إن سبق أخذ ما شرطاه وإن سبق فلا شىء عليه فيجوز لأنه يخرج عن صورة القمار ثم إن شرطا أن يختص المحلل بالاستحقاق وإن سبق أحدهما كل واحد منهما لا يأخذ إلا ما أخرج فهذا جائز بالاتفاق وإن شرطا أن المحلل يأخذ السبقين وإن سبق أحدهما أحدهما جاز على الصحيح المنصوص ومنعه ابن خيران فإذا قلنا بالمنصوص وكان المتسابقون مائة مثلا وليس فيهم إلا محلل واحد وشرط أن يأخذ جميع ما أخرجوه إن سبق ولا يغرم إن سبق وكل واحد من المتسابقين إن سبق غنم وإن سبق غرم صح العقد والشرط قال الإمام وهنا أصل آخر وهو أنهما إذا أطلقا شرط المال للسابق فهل اللفظ للسابق المطلق أم يتناول من سبق غيره وإن كان مسبوقا لغيره فيه وجهان الصحيح الأول ويترتب على الأصلين الحكم في صور مجيء المتسابقين فإذا تسابق اثنان ومحلل نظر إن جاء المحلل ثم أحدهما ثم الفسكل فللمحلل ما أخرجه الآتي بعده بلا خلاف وفيما أخرجه الفسكل ثلاثة أوجه أصحها أنه للمحلل أيضا لأنه السابق المطلق والثاني أنه له وللآتي بعده لأنهما سبقا الفسكل والثالث هو للآتي بعده وحده ولو سبق المحلل ثم جاءا معا فله السبقان بلا خلاف ولو سبق المحلل مع أحدهما فالذي سبق مع المحلل يحرز ما أخرجه وأما ما أخرجه الآخر فهو له وللمحلل على الصحيح المنصوص وعند ابن خيران للمحلل خاصة ولو سبق أحدهما ثم جاء الثاني مع المحلل أو جاء الثاني ثم المحلل أحرز السابق ما أخرجه وله أيضا ما أخرجه الآخر على المنصوص وعند ابن خيران لا يأخذه ولا شىء للمحلل على المذهبين ولو سبق أحدهما ثم جاء المحلل ثم الآخر أحرز السابق ما أخرجه الآخر فإن قلنا بالمنصوص ففيه أوجه

أصحها أنه للسابق أيضا والثاني أنه له وللمحلل معا لأنهما سبقا الآخر والثالث أنه للمحلل وليس بشىء وإن قلنا بقول ابن خيران فهل هو للمحلل أم يحرزه مخرجه ولا يستحقه المحلل ولا السابق وجهان ولو سبقا معا ثم جاء المحلل أو جاء الثلاثة معا لم يأخذ واحد منهم من غيره شيئا ويجوز أن يدخلا بينهما محللين وأكثر فإذا تسابق اثنان ومحللان فسبق أحد المحللين ثم جاء أحد المتسابقين ثم المحلل الثاني ثم المتسابق الثاني فما أخرجه المتسابق الأول فللمحلل الأول وأما ما أخرجه الآخر فإن قلنا بالمنصوص فهو للمحلل الأول أيضا على الصحيح لأنه السابق المطلق وقيل هو للمحللين والمتسابق الأول لأنهم جميعا سبقوا الثاني وقياس الوجه الضعيف أنه للمحلل الثاني وإن قلنا بقول ابن خيران فهو للمحلل الأول وقيل للمحللين ولو جاء أولا أحد المتسابقين ثم أحد المحللين ثم المحلل الثاني أحرز الأول ما أخرجه وأما ما أخرجه الآخر فإن قلنا بالمنصوص فهو للمتسابق الأول على الصحيح وقيل له وللمحلل الأول وعلى الوجه الضعيف هو للمحلل الأول وعلى قول ابن خيران هو للمحلل الأول لا غير
الشرط الخامس أن يكون سبق كل واحد منهما ممكنا فإن كان فرس أحدهما أو فرس المحلل ضعيفا يقطع بتخلفه أو فارها يقطع بتقدمه لم يجز هكذا أطلق عامة الأصحاب وقال الإمام إن أخرج أحدهما المال على أنه إن فاز أحرز ما أخرجه وإلا فهو لصاحبه وكان صاحبه بحيث يقطع بأنه لا يسبق فهذه مسابقة بلا مال وإن كان يقطع بأنه يسبق ففي صحة هذه المعاملة وجهان أصحهما الصحة وحاصلها إخراج مال لمن يقطع بأنه يسبقه فأشبه ما لو قال لرجل ارم كذا فإن أصبت منه كذا فلك هذا المال وإن أخرج كل واحد منهما مالا وأدخلا محللا يعلم تخلفه قطعا فلا فائدة في إدخاله ويبقى العقد على

صورة القمار فيبطل وإن تيقن سبقه ففيه الوجهان وإن أخرجا المال ولا محلل وأحدهما بحيث يقطع بسبقه فالذي يسبق كالمحلل لأنه لا يستحق عليه شىء وشرط المال من جهته لغو وهذا التفصيل الذي ذكره الإمام حسن ولو كان سبق أحدهما ممكنا على الندور ففي الاكتفاء به للصحة وجهان أصحهما وأقربهما إلى كلام الأصحاب المنع ولا اعتبار بالاحتمال النادر ويتعلق بما نحن فيه اختلاف المركوبين جنسا ونوعا أما النوع فلا يضر فتجوز المسابقة بين فرس عربي وعجمي وعربي وتركي وقال أبو إسحق إذا تباعد نوعان كالعتيق والهجين من الخيل والنجيب والبختي من الإبل لم يجز وينبغي أن يرجح هذا وإن كان الأول أشهر لأنه إذا تحقق التخلف فأي فرق بين أن يكون لضعف أو لرداءة نوع
قلت قول الأكثرين تجوز بين العتيق والهجين والنجيب والبختي محمول على ما إذا لم يقطع بسبق العتيق والنجيب كما ذكرناه فقول أبي إسحق ضعيف إن لم يرد به هذا فإن أراده ارتفع الخلاف
والله أعلم
وأما إذا اختلف الجنس فإن كان كبعير وفرس أو فرس وحمار فالأصح المنع وإن كان بغلا وحمارا وجوزنا المسابقة عليهما فالأصح الصحة وبه أجاب ابن الصباغ
الشرط السادس تعيين المركوبين فإن أحضرت الأفراس وعقد على عينها فذاك وإن وصفت وعقد على الوصف فهل تصح وجهان أصحهما نعم وبه قال العراقيون قال الإمام هو الأوجه كما قام الوصف في السلم والزنى مقام الإحضار ونقل الإمام عن العراقيين أنه إذا جرت المسابقة مطلقة كان كجريان المناضلة مطلقة

وسيأتي إن شاء الله تعالى أنها على ماذا تحمل وإذا تعلق العقد بعين فرس لم يجز إبداله فإن هلك انفسخ العقد وإذا عقد على الوصف ثم أحضر فرس فينبغي إن لا ينفسخ العقد بهلاكه
الشرط السابع أن يسبق على الدابتين فلو شرطا إرسالهما ليجريا بأنفسهما فالعقد باطل لأنها تنفر ولا تقصد الغاية بخلاف الطيور إذا جوزنا المسابقة عليها لأن لها هداية إلى الغاية
الشرط الثامن أن تكون المسافة بحيث يمكن للفرسين قطعها ولا ينقطعان فإن كانت بحيث لا يصلان غايتها إلا بانقطاع وتعب فالعقد باطل
الشرط التاسع أن يكون المال المشروط معلوما ويجوز أن يكون عينا ودينا وبعضه عينا وبعضه دينا وحالا ومؤجلا فلو شرطا مالا مجهولا بأن قال أعطيك ما شئت أو شئت أو شرط دينارا أو ثوبا ولم يصف الثوب أو دينارا إلا ثوبا فالعقد باطل وكذا لو شرطا دينارا إلا درهما إلا أن يريد قدر الدرهم وعرفا قيمة الدينار بالدراهم ولو قال إن سبقتني فلك هذه العشرة وترد ثوبا فالعقد باطل لأنه شرط عوض عن السابق وهو خلاف مقتضاه ولو تسابقا على عوض كان في الذمة فوجهان بناء على جواز الاعتياض عنه ولو أخرج المال غيرهما جاز أن يشرط لأحدهما أكثر من الآخر وإن أخرجاه جاز أن يخرج أحدهما أكثر وقال الصيمري والماوردي إذا أخرجاه وجب التساوي جنسا ونوعا وقدرا
الشرط العاشر اجتناب الشروط المفسدة فلو قال إن سبقتني فلك هذا الدينار ولا أرمي بعد هذا أو لا أناضلك إلى شهر بطل العقد نص عليه
ولو شرط على السابق أن يطعم السبق أصحابه بطل

العقد على الصحيح وقال أبو إسحق يصح وقبوله الإطعام وعد إن شاء وفى به وإن شاء لم يف
قلت وفي التنبيه وجهان آخران أحدهما يفسد المسمى ويجب عوض المثل والثاني يصح العقد ولا عوض
والله أعلم

فصل الأشياء التي ذكر الأصحاب اعتبار السبق بها ثلاثة أحدها الكتد بفتح

الثاني الأقدام وهي القوائم
الثالث الهادي وهو العنق ونقل الإمام اختلاف وجه أو قول في أن الاعتبار بالهادي أم بموضع الأقدام والكتد ورأى الثاني أقيس والذي يوجد لعامة الأصحاب في كتبهم أن الاعتبار في الإبل بالكتد وفي الخيل بالهادي لأن الإبل ترفع أعناقها في العدو فلا يمكن اعتباره والخيل تمدها قالوا فإذا استوى الفرسان في خلقة العنق طولا وقصرا فالذي تقدم بالعنق أو بعضه هو السابق وإن اختلفا فإن تقدم أقصرهما عنقا فهو السابق وإن تقدم الآخر نظر إن تقدم بقدر زيادة الخلقة فما دونها فليس بسابق وإن تقدم الآخر نظر إن تقدم بقدر زيادة الخلقة فما دونها فليس بسابق وإن تقدم بأكثر فسابق وحكيت أوجه أخر ضعيفة أحدها أن عند اختلاف خلقة العنق يعتبر في الخيل الكتد حكي عن أبي إسحق ورجحه الروياني والثاني أن عند اختلاف الخلقة إذا سبق أطولهما عنقا ببعض عنقه وكتدهما سواء كان سابقا
والثالث أنه إن كان في جنس الخيل ما يرفع الرأس عند العدو اعتبر فيه الكتد كما في الإبل
والرابع أن التقدم بأيهما حصل حصل السبق وعلى هذا لو تقدم أحدهما بأحدهما والآخر بالآخر فلا سبق
والخامس حكاه ابن القطان لا يعتبر هذا ولا ذاك بل يعتبر عرف الناس وما

يعدونه سبقا
والسادس المعتبر تقدم الأذن
والسابع المعتبر ما شرطاه من الكتد أو الهادي
قلت هذا السابع ضعيف لأن المسألة فيما إذا أطلقا
والله أعلم
فهذا هو الكلام في الهادي والكتد أما الكتد مع القدم فقد قرن بينهم قارنون وأقام أحدهما مقام الآخر آخرون وأشار الفريقان إلى أنه لا فرق في الاعتبار بهما ولا خلاف لأنهما قريبان من التحاذي لكن بينهما مع التفاوت تفاوت ولا يبعد أن يجعل اعتبار القدم وراء اعتبار الكتد والهادي وقال صاحب الحاوي لو اعتبر السبق بالقدم فأيهما تقدمت يداه فهو السابق لأن السعي بهما والجري عليهما لكن الشافعي رحمه الله اعتبر الهادي والكتد وأما قول الغزالي الاعتماد على القدم فخلاف الجمهور ثم قال الشيخ أبو محمد الخلاف في أن السبق بماذا يعتبر مخصوص بآخر الميدان فأما في أوله فيعتبر التساوي في الأقدام قطعا
فروع تتعلق بالسبق لو سبق أحدهما في وسط الميدان والآخر في آخره فالسابق الثاني
ولو عثر أحد الفرسين أو ساخت قوائمه في الأرض فتقدم الآخر لم يكن سابقا وكذا لو وقف بعد ما جرى لمرض ونحوه فإن وقف بلا علة فهو مسبوق ولو وقف قبل أن يجري فليس بمسبوق سواء وقف لمرض أو لغيره ولو تسابقا على أن من سبق منهما بأقدام معلمة على موضع كذا فله السبق جاز على الصحيح والغاية في الحقيقة نهاية الأقدام من ذلك الموضع لكنه شرط في الاستحقاق تخلف الآخر عنها بالقدر المذكور

فرع ليجريا في وقت واحد ويستحب أن تكون في الغاية قصبة
السابق فيظهر لكل أحد بقدمه
الطرف الثاني في أحكامه وفيه قاعدتان إحداهما هل عقد المسابقة لازم كالإجارة أم جائز كالجعالة قولان أظهرهما الأول ثم قيل القولان فيما إذا أخرجا العوض جميعا أما إذا أخرجه أحدهما أو غيرهما فجائز قطعا والمذهب طرد القولين في الحالين قال الشيخ أبو محمد والأئمة القولان فيمن التزم المال فأما من لم يلتزم شيئا فجائز في حقه قطعا وقد يكون العقد جائزا من جانب لازما من جانب كالرهن والكتابة وقيل بطردهما فيمن لم يلتزم لأنه قد يقصد بمعاقدته تعلم الفروسية والرمي فيكون كالأجير والمذهب يخصصهما بالملتزم فإن قلنا بالجواز فلكل واحد ترك العمل قبل الشروع فيه وكذا بعده إن لم يكن لأحدهما فضل على الآخر وكذا إن كان على الأصح لأنه عقد جائز وعلى هذا القول تجوز الزيادة والنقص في العمل وفي المال بالتراضي وإذا بذل أحدهما المال لا يشرط من صاحبه القبول على الصحيح قال الإمام وأجرى الأصحاب هذين الوجهين في الجعالة المتعلقة بمعين بأن يقول إن أردت عبدي فلك كذا وفي ضمان السبق قبل تمام العمل والرهن به الخلاف السابق في ضمان الجعل والرهن به قبل تمام العلم وقيل إن لم يصح الضمان لم يصح الرهن وإلا فوجهان لأن الضمان أوسع بابا ولذلك يجوز ضمان الدرك دون الرهن به وأما إذا قلنا باللزوم فليس لأحدهما فسخ العقد دون الآخر فإن ظهر بالعوض المعين عيب ثبت حق

الفسخ وليس لأحدهما أن يترك العمل إن كان مفضولا أو فاضلا وأمكن أن يدركه صاحبه ويسبقه وإلا فله الترك لأنه ترك حق نفسه ولا يجوز لهما الزيادة في العمل والمال ولا النقص منه إلا أن يفسخا العقد الأول ويستأنفا عقدا وإذا سبق أحدهما اشترط قبول الآخر بالقول ولا يكلف المسبق البداءة بتسليم المال على المذهب بخلاف الأجرة لأن في المسابقة خطرا فيبدأ بالعمل ويجوز ضمان السبق والرهن به على هذا القول على المذهب وقال القفال قولان كضمان ما لم يجب وجرى سبب وجوبه فأما بعد الفراغ من العمل فيجوز ضمان السبق والرهن به على القولين وإن كان السبق عينا لزم المسبق تسلميها فإن امتنع أجبره الحاكم وحبسه عليه ولو تلفت في يده بعد الفراغ من العمل لزمه الضمان كالمبيع إذا تلف في يده قبل التسليم ولو تلفت في يده قبل العمل انفسخ العقد ولو غاب لمرض ونحوه فلم ينفسخ العقد بل ينتظر زواله

فرع اشترى ثوبا وعقد المسابقة بعشرة إن قلنا المسابقة لازمة فهو جمع
لأنه جمع بين جعالة لا تلزم وبيع يلزم في صفقة وذلك ممتنع
القاعدة الثانية إذا فسدت المسابقة وركض المتسابقان وسبق من لو صحت استحق السبق فالمذهب أنه يستحق أجرة المثل وبه قطع الأكثرون كالإجارة والقراض الفاسدين وقيل لا يستحق شيئا لأنه لم يعمل لغيره شيئا وفائدة عمله تعود إليه بخلاف الإجارة والجعالة الفاسدتين وقيل إن كان الفساد لخلل في العوض وأمكن تقويمه بأن كان مغصوبا وجبت قيمته وإذا قلنا بالمذهب ففي كيفية

اعتبار أجرة المثل وجهان قال ابن سلمة هي أجرة مثل الزمن الذي اشتغل بالرمي فيه وأصحهما قول أبي إسحق يجب ما يتسابق بمثله في مثل تلك المسابقة غالبا

الباب الثاني في الرمي
فيه طرفان الأول في شروطه وهي ستة أحدها المحلل فمال المناضلة على نحو ما ذكرنا في المسابقة وهو أن يخرجه غير المتناضلين أو أحدهما أو كلاهما وصورة القسم الأول أن يقول الإمام أو أجنبي ارميا عشرة فمن أصاب منها كذا فله كذا وصورة القسم الثاني أن يقول أحدهما نرمي كذا فإن أصبت أنت منها كذا فلك علي كذا وإن أصبتها أنا فلا شىء لأحدنا على صاحبه وصورة الثالث أن يشرط كل واحد المال على صاحبه إن أصاب وهذا الثالث لا يجوز إلا بمحلل معهما كما سبق
وكما تجوز المناضلة بين اثنين تجوز بين حزبين كما سيأتي إن شاء الله تعالى وحينئذ فكل حزب كشخص فإن أخرج المال أحد الحزبين أو أجنبي جاز وإن أخرجاه اشترط محلل إما واحد وإما حزب ولو أخرجه الحزبان وشرطوا لواحد من أحد الحزبين إن كان الفوز لحزبه شاركهم في أخذ المال وإن كان للحزب الآخر فلا شىء على ذلك الواحد إنما يغرم أصحابه أو اشتمل كل حزب على محلل على هذه الصورة فثلاثة أوجه أصحها لا يجوز لأن المحلل من إذا فاز استبد بالمال وهذا يشارك أصحابه والثاني الصحة والثالث يصح في الصورة الثانية دون الأولى ولو شرط كل حزب كل المال لمحللهم بطل قطعا لأنه يكون فائزا لغيره

الشرط الثاني اتحاد الجنس فإن اختلف كالسهام مع المزاريق لم يصح على الأصح ولو اختلفت أنواع القسي والسهام جاز قطعا كقسي عربية مع فارسية ودورانية وتنسب إلى دوران قبيلة من بني أسد مع هندية وكالنبل وهو ما يرمى به عن القوس العربية مع النشاب وهو ما يرمى به عن الفارسية ومن أنواع القسي الحسبان وهي قوس تجمع سهامها الصغار في قصبة ويرمى بها فتتفرق على الناس ويعظم أثرها ونكايتها وحكى صاحب التقريب وجها أنه لا تجوز المناضلة بالنبل مع النشاب كالخيل والبغال والصحيح الأول لأنا قدمنا أن اختلاف أنواع الإبل والخيل لا يضر فهذا أولى ثم إن عينا في عقد المناضلة نوعا من الطرفين أو أحدهما وفيا به ولا يجوز العدول عن المعين إلى ما هو أجود منه بأن عينا القوس العربية فلا يجوز العدول إلى الفارسية ولو عدل إلى ما دونه لم يجز أيضا على الأصح إلا برضى صاحبه لأنه ربما كان استعماله لأحدهما أكثر ورميه به أجود ولو عينا سهما أو قوسا لم يتعين وجاز إبداله بمثله من ذلك النوع سواء حدث فيه خلل يمنع استعماله أم لا بخلاف الفرس فلو شرط أن لا يبدل فسد الشرط على الأصح لأن الرمي قد تعرض له أحوال خفية تحوجه إلى الإبدال وفي منعه من الإبدال تضييق لا فائدة فيه وقيل يصح الشرط فإن أفسدنا الشرط فسد العقد على الأصح ويجري الوجهان في كل ما لو طرح من أصله لاستقل العقد بإطلاقه فأما ما لا يستقل العقد بإطلاقه لو طرح كإهمال ذكر الغاية في المسابقة وصفة الإصابة في المناضلة فإذا فسد فسد العقد بلا خلاف فإن صححنا هذا الشرط لزم الوفاء به ما لم ينكسر المعين ويتعذر استعماله فإن انكسر جاز الإبدال للضرورة فإن شرط أن لا يبدل وإن انكسر فسد العقد قطعا ولو أطلقا المناضلة ولم يتعرضا لنوع فثلاثة أوجه الصحيح وقول الأكثرين الصحة لأن

الاعتماد على الرامي والثاني المنع لاختلاف الأغراض وتفاوت الحذق في استعمالها والثالث إن غلب نوع في الموضع الذي يترامون فيه صح ونزل عليه وإلا فباطل فإن قلنا يصح فتراضيا على نوع فذاك وإن تراضيا على نوع من جانب ونوع آخر من الجانب الآخر جاز أيضا على الأصح كما في الابتداء ولو اختار أحدهما نوعا وقال الآخر بل يرمي بنوع آخر وأصرا على المنازعة فسخ العقد على الأصح وقيل ينفسخ

فرع قال الإمام اختلاف السهام وإن اتحد نوع القوس كاختلاف نوع الفرس
وبيانه أن الرمي بنبال الحسبان التي يقال لها الناول إنما يكون بالقوس الفارسية لكنها مع الآلة المتصلة بها كنوع آخر من القوس وكذا القوس الجرخ مع قوس اليد والجرخ والناول مختلفان
الشرط الثالث أن تكون الإصابة المشروطة ممكنة لا ممتنعة ولا متيقنة فإن شرط ما يتوقع إصابته صح وإن شرط ما هو ممتنع في العادة بطل العقد والامتناع قد يكون لشدة صغر الغرض أو بعد المسافة أو كثرة الإصابة المشروطة كإصابة مائة أو عشرة متوالية وفي العشرة وجه ضعيف وإن شرط ما هو متيقن في العادة كإصابة الحاذق واحدا من مائة ففي صحة العقد وجهان وجه المنع أن هذا العقد ينبغي أن يكون فيه خطر ليتأنق الرامي في الإصابة
قلت أصحهما
ولو شرط ما يمكن حصوله نادرا فوجهان ويقال قولان

أحدهما الصحة للإمكان وحصول الحذق وأصحهما الفساد لبعد حصول المقصود ويجري الخلاف في كل صورة تندر فيها الإصابة المشروطة فمنها التناضل إلى مسافة تندر فيها الإصابة والتناضل في الليلة المظلمة وإن كان الغرض قد يتراءى لهما ويقرب من هذا ما ذكره الأصحاب أن المتناضلين ينبغي أن يتقاربا في الحذق بحيث يحتمل أن يكون كل واحد فاضلا ومفضولا فإن تفاوتا وكان أحدهما مصيبا في أكثر رميه والآخر يخطىء في أكثره فوجهان ويتعلق بهذا الشرط أن المحلل بين المتناضلين ينبغي أن يكون بحيث يمكن فوزه وقصوره فإن علم قصوره فوجوده كعدمه وإن علم فوزه فعلى الوجهين في إصابة واحد من مائة
الشرط الرابع الإعلام فيشترط في المناضلة العلم بأمور لاختلاف الغرض باختلافها منها المال المشروط على ما ذكرنا في المسابقة ومنها عدد الإصابة كخمسة من عشرين وليبينا صفة الإصابة من القرع وهو الإصابة المجردة والخرق وهو أن يثقب الغرض ولا يثبت فيه والخسق وهو أن يثبت فيه والخرم وهو أن يصيب طرف الغرض فيخرمه والمرق وهو أن يثقبه ويخرج من الجانب الآخر ثم كتب كثير من الأصحاب منهم العراقيون مصرحة بأنه لا بد من ذكر ما يريدان من هذه الصفات سوى الخرم والمرق فإنهم لم يشرطوا التعرض لهما والأصح ما ذكره البغوي أنه لا يشترط التعرض لشىء منها كالخرم والمرق وكإصابة أعلى الشن وأسفله قال وإذا أطلقا العقد حمل على القرع لأنه المتعارف وأحسن من هذه العبارة أن يقال حقيقة اللفظ ما يشترك فيه جميع ذلك ومنها إعلام المسافة التي يرميان فيها وفي وجوبه قولان حكاهما الإمام أحدهما نعم لاختلاف الغرض بها والثاني لا وينزل على العادة

الغالبة للرماة هناك إن كانت فإن لم تكن عادة وجب قطعا وعلى هذا يحمل ما أطلقه الأكثرون من اشتراط الإعلام وليرجح من القولين التنزيل على العادة الغالبة لأن الشرط العلم بها وذلك تارة يكون بالإعلام وتارة بقرينة الحال كنظائره وبهذا قطع ابن كج وفي المهذب و التهذيب أنه إذا كان هناك غرض معلوم المدى حمل مطلق العقد عليه ولو ذكرا غاية لا تبلغها السهام بطل العقد وإن كانت الإصابة فيها نادرة ففيه الوجهان أو القولان في الشروط النادرة وقدر الأصحاب المسافة التي يقرب توقع الإصابة فيها بمائتين وخمسين ذراعا وما تتعذر فيه بما فوق ثلاثمائة وخمسين وما تندر فيه بما بينهما وفي وجه لا تجوز الزيادة على مائتين وهو شاذ ولو تناضلا على أن يكون السبق لأبعدهما رميا ولم يقصدا غرضا صح العقد على الأصح لأن الإبعاد مقصود أيضا في مقاتلة القلاع ونحوها وحصول الإرعاب وامتحان شدة الساعد قال الإمام والذي أراه على هذا أنه يشترط استواء القوسين في الشدة وتراعى خفة السهم ورزانته لأنهما تؤثران في القرب والبعد تأثيرا عظيما
ومنها إعلام قدر الغرض طولا وعرضا والكلام فيه على ما ذكرنا في المسافة
ومنها ارتفاعه عن الأرض وانخفاضه وهل يشترط بيانه أم لا يشترط ويحمل على الوسط فيه مثل الخلاف السابق
واعلم أن الهدف هو التراب الذي يجتمع أو الحائط الذي يبنى لينصب فيه الغرض والغرض قد يكون من خشب أو قرطاس أو جلد أو شن وهو الجلد البالي وقيل كل ما نصب في الهدف فهو قرطاس سواء كان من كاغد أو غيره وما تعلق في الهواء فهو الغرض والرقعة

عظم ونحوه يجعل في وسط الغرض وقد يجعل في الشن نقش كالقمر قبل استكماله يقال لها الدارة وفي وسطها نقش يقال له الخاتم وينبغي أن يبينا موضع الإصابة أهو الهدف أم الغرض المنصوب فيه أم الدارة في الشن أم الخاتم في الدارة وقد يقال له الحلقة والرقعة وفي الصحة مع اشتراط إصابته الخلاف في الشروط النادرة وقد يجعل العرب بدل الهدف ترسا ويعلق فيه الشن
ومنها عدد الأرشاق وهو جمع رشق بالكسر وهي النوبة من الرمي تجري بين المتراميين سهما سهما أو خمسة خمسة أو ما يتفقان عليه ويجوز أن يتفقا على أن يرمي أحدهما جميع العدد ثم الآخر كذلك والإطلاق محمول على سهم سهم والمحاطة أن يشترط طرح ما يشتركان فيه من الإصابات ويفضل لأحدهما إصابات معلومة فإذا شرطا عشرين رشقا وفضل خمس إصابات فرميا عشرين وأصاب أحدهما عشرة والآخر خمسة فالأول ناضل وإن أصاب كل واحد خمسة أو غيرها ولم يفضل لأحدهما خمسة فلا ناضل والمبادرة أن يشترط الاستحقاق لمن بدر إلى إصابة خمسة من عشرين مثلا مع استوائهما في العدد المرمي به فإذا رميا عشرين وأصاب أحدهماخمسة والآخر أربعة فالأول ناضل فلو رمى احدهما عشرين وأصاب خمسة ورمى الآخر تسعة عشر وأصاب أربعة فالأول ليس بناضل الآن فيرمي الآخر سهمه فإن أصاب فقد استويا وإلا فالأول ناضل وقولنا مع استوائهما في العدد المرمي به احتراز من هذه الصورة فإن الأول بدر لكن لم يستويا بعد وهل يشترط التعرض في العقد للمحاطة والمبادرة وجهان أحدهما نعم ويفسد العقد إن تركاه لتفاوت الأغراض وأصحهما لا فإن أطلقا حمل على المبادرة

لأنها الغالب من المناضلة وهل يشترط ذكر الأرشاق وبيان عددها في العقد فيه طريقان المذهب وبه قطع عامة الأصحاب يشترط ذلك في المحاطة والمبادرة ليكون للعمل ضبط والأرشاق في المناضلة كالميدان في المسابقة
والثاني فيه ثلاثة أوجه ذكرها الإمام وجعلها الغزالي أقوالا أحدها هذا والثاني لا يشترط لأن الرامي لا يجري على نسق واحد وقد لا يستوفي الأرشاق لحصول الفوز في خلالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى وليكن التعويل على الإصابات والثالث يشترط في المحاطة لينفصل الأمر ويبين نهاية العقد ولا يشترط في المبادرة لتعلق الاستحقاق بالبدار إلى العدد المشروط

فرع تناضلا على رمية واحدة وشرطا المال للمصيب فيها صح على الأصح
وقيل لا فقد يتفق في المرة الواحدة إصابة الأخرى دون الحاذق فلا يظهر الحذق إلا برميات ولو رمى أحد المتناضلين أكثر من النوبة المستحقة له إما باتفاقهما وإما بغيره لم تحسب الزيادة له إن أصاب ولا عليه إن أخطأ ولوعقدا على عدد كثير على أن يرميا كل يوم بكرة كذا وعشية كذا جاز ولا يتفرقان كل يوم حتى يستوفيا المشروط فيه إلا لعذر كمرض وريح عاصفة ونحوه ثم يرميان على ما مضى في ذلك اليوم أو بعده ويجوز أن يشرطا الرمي جميع النهار وحينئذ يفيان به ولا يدعان إلا في وقت الطهارة والصلاة والأكل ونحوها وتقع هذه الأحوال مستثناة كما في الإجارة ولو أطلقا ولم يبينا وظيفة كل يوم فكذلك الحكم ولا يتركان الرمي إلا بالتراضي أو لعارض كمرض وريح ومطر ونحوها والحر ليس بعذر وكذا الريح

الخفيفة وإذا غربت الشمس قبل فراغ وظيفة اليوم لم يرميا بالليل للعادة إلا أن يشرط له وحينئذ يحتاجان إلى مشمعة ونحوها وقد يكفي ضوء القمر كذا قاله الأصحاب
ومنها أنه يشترط رميهما مرتبا لأنهما لو رميا معا اشتبه المصيب بالمخطىء فإن ذكرا في العقد من يبدأ بالرمي اتبع الشرط وإن أطلقا فقولان أظهرهما بطلان العقد والثاني صحته وكيف يمضي وجهان ويقال قولان أحدهما ينزل على عادة الرماة وهي تفويض الأمر إلى المسبق بكسر الباء وهو مخرج السبق فإن أخرجه أحدهما فهو أولى وإن أخرجه غيرهما قدم من شاء وإن أخرجاه أقرع والثاني يقرع بكل حال وقال القفال القولان في الأصل مبنيان على أنا نتبع القياس أم عادة الرماة ويجري مثل هذين القولين في صور من السبق والرمي وهما متعلقان بالخلاف في أن سبيل هذا العقد سبيل الإجارة أم الجعالة إن قلنا بالأول اتبعنا القياس وإن قلنا بالثاني اتبعنا العادات وقيل في المسألة طريقان آخرا أحدهما القطع بالفساد والثاني بالقرعة ثم إذا شرط تقديم واحد أو اعتمدنا القرعة فخرجت لواحد فهل يقدم في كل رشق أم في الرشق الأول فقط حكى الإمام فيه وجهين قال ولو صرحوا بتقديم من قدموه في كل رشق أو أخرجا القرعة للتقديم في كل رشق اتبع الشرط وما أخرجته القرعة ولك أن تقول إذا ابتدأ المقدم في النوبة الأولى فينبغي أن يبتدىء الثاني في الثانية بلا قرعة ثم يبتدىء الأولى في الثالثة ثم الثاني وهذا لأمرين أحدهما أنهم نقلوا عن نصه في الأم أنه لو شرط كون الابتداء لأحدهما أبدا لم يجز لأن المناضلة مبنية على التساوي والثاني أنه يستحب كون الرمي بين غرضين

متقابلين يرمي المتناضلان أو الجريان من عند أحدهما إلى الآخر ثم يأتيان الثاني ويلتقطان السهام ويرميان إلى الأول ثم نص الشافعي والأصحاب رحمهم الله أنه إذا بدأ أحدهما بالشرط أو بالقرعة أو بإخراج المال ثم انتهيا إلى الغرض الثاني بدأ الثاني في النوبة الثانية وإن كان الغرض واحدا وحينئذ فيتصل رميه في النوبة الثانية برميه في النوبة الأولى

فرع إذا قلنا يقرع للابتداء هل يدخل المحلل في القرعة إذا أخرجا
المال وجهان وإذا ثبت الابتداء لواحد فرمى الآخر قبله لم يحسب له إن أصاب ولا عليه إن أخطأ ويرمي ثانيا عند انتهاء النوبة إليه
الشرط الخامس تعيين الرماة فلا يصح العقد إلا على راميين معينين أو رماة معينين وتجوز المناضلة بين حزبين فصاعدا ويكون كل حزب في الخطإ والإصابة كالشخص الواحد ومنع ابن أبي هريرة جواز الحزبين لئلا يأخذ بعضهم برمي بعض والصحيح الجواز وليكن لكل حزب زعيم يعين أصحابه فإذا تراضيا توكل عنهم في العقد ولا يجوز أن يكون زعيم الحزبين واحدا كما لا يجوز أن يتوكل واحد في طرفي البيع ولا يجوز أن يعقدا قبل تعيين الأعوان وطريق التعيين الاختيار بالتراضي فيختار زعيم واحدا ثم الزعيم الآخر في مقابلته واحدا ثم الأول واحدا ثم الثاني واحدا وهكذا حتى يستوعبوا ولا يجوز أن يختار واحد جميع الحزب أولا لأنه لا يؤمن أن يستوعب الحذاق ولا يجوز أن يعينا الأعوان بالقرعة لأنها قد تجمع الحذاق في جانب فيفوق مقصود المناضلة ولهذا لو قال أحد الزعيمين أنا أختار الحذاق وأعطي السبق أو الخرق وآخذ

السبق لا يجوز ولأن القرعة لا مدخل لها في العقود ولهذا لا تجوز المناضلة على تعين من خرجت القرعة عليهم وقال الإمام لا بأس به لأن القرعة بعد تعديل الحصص والأقساط معهودة والذي قطع به صاحبا المهذب و التهذيب وغيرهما المنع ونص في الأم أنهما لو تناضلا على أن يختار كل واحد ثلاثة ولم يسمهم لم يجز وأنه يشترط كل واحد من يرمي معه بأن يكون حاضرا أو غائبا يعرفه واحتج القاضي أبو الطيب بظاهره أنه تكفي معرفة الزعيمين ولا يعتبر أن يعرف الأصحاب بعضهم بعضا وابتداء أحد الحزبين بالرمي كابتداء أحد الشخصين ولا يجوز أن يشرطا أنه يتقدم من هذا الحزب فلان ويقابله من الحزب الآخر فلان ثم فلان لأن تدبير كل حزب إلى زعيمهم وليس للآخر مشاركته فيه
فروع ثلاثة أحدها حضرهم غريب فاختاره أحد الزعيمين وظنه يجيد الرمي فبان خلافه نظر إن لم يحسن الرمي أصلا بطل العقد فيه وسقط من الحزب الآخر واحد بإزائه وهل يبطل العقد في الباقي فيه قولا تفريق الصفقة وقيل يبطل قطعا فإن قلنا لا يبطل فللحزبين خيار الفسخ للتبعيض فإن أجازوا و تنازعوا في تعيين من يجعل في مقابلته فسخ العقد لتعذر إمضائه وإن بان أنه ضعيف الرمي أو قليل الإضابة فلا فسخ لأصحابه ولو بان فوق ما ظنوه فلا فسخ للحزب الآخر هكذا أطلقوه وينبغي أن يكون فيه الخلاف السابق في أنه هل يشترط كون المتناضلين متدانيين وقد يستدل بإلاقهم على أن الأصح أنه لا بأس بهذا التفاوت وذكر الشيخ أبو محمد أن من فوائد المسألة أن المجهول الذي لم يختبر يجوز إدخاله في رجال المناضلة قال وكان لا يبعد منعه للجهالة العظيمة لكن نص

الشافعي رحمه الله على جوازه فلو تناضل غريبان لا يعرف واحد منهما صاحبه حكم بصحة العقد فإن بان أنهما أو أحدهما لا يحسن الرمي بطل العقد وإن بان أن أحدهما أخرق لا يقاوم الآخر ففي تبين بطلان العقد الوجهان السابقان فيما لو عاقد فاضل أخرق
الفرع الثاني يشترط استواء الحزبين في عدد الأرشاق والإصابات وأما عدد الحزبين والأحزاب فوجهان أحدهما وبه قطع الإمام والغرض لا يشترط بل يجوز أن يكون جحد الحزبين ثلاثة والثاني أربعة والأرشاق مائة على كل حزب وأن يرامي رجل رجلين أو ثلاثة فيرمي هو ثلاثة وكل واحد منهم واحدا والثاني وبه قطع صاحبا المهذب و التهذيب وغيرهما يشترط لأن به يحصل الحذق فعلى هذا يشترط كون عدد الأرشاق تنقسم صحيحا على الأحزاب فإن كانوا ثلاثة أحزاب فليكن للأرشاق ثلث صحيح وإن كانوا أربعة فربع صحيح
الثالث من التزم السبق من الزعيمين لزمه ولا يلزم أصحابه إلا أن يلتزموا معه أو يأذنوا له أن يلتزم عنهم وحينئذ يوزع على عدد الرؤوس وإذا فضل أحد الحزبين فهل يوزع المال على عدد رؤوسهم أم على عدد الإصابات وجهان الصحيح الأول ومنهم من قطع به فإن قلنا بالإصابات فمن لم يصب لا شىء له هذا إذا أطلقوا العقد فإن شرطوا أن يقتسموا على الإصابة فالشرط متبع وفيه احتمال للإمام
الشرط السادس تعيين الموقف وتساوي المتناضلين فيه فلو شرط كون موقف أحدهما أقرب لم يجز ولو قدم أحدهما أحد قدميه عند الرمي فلا بأس وإذا وقف الرماة صفا فالواقف في

الوسط أقرب إلى الغرض لكن هذا التفاوت محتمل بالاتفاق ولم يشترط أحد تناوب الرماة على الموقف للمشقة في الانتقال وقد نص في الأم أن عادة الرماة أن الرامي الثاني قد يتقدم على الأول بخطوة أو خطوتين أو ثلاث قال الأصحاب إن لم تطرد هذه العادة بل كانوا يفعلونها تارة دون تارة لم تعتبر وإلا فوجهان فإن اعتبرت ولم تختلف العادة في عدد الأقدام روعي ذلك وإن اختلفت اعتبر الأقل

فرع تنافسوا في الوقوف في وسط الصف قال الإمام والغزالي هو كالتنافس
في الابتداء والذي قطع به الجمهور أن الاختيار لمن له الابتداء فمن استحق الابتداء بشرط أو غيره يختار المكان فيقف في مقابلته أو تيامنا أو متياسرا كيف شاء وليحمل ما ذكره الإمام عليه وإذا وقف وقف الآخر بجنبه يمينا أو شمالا فإن لم يرض إلا بأن يقف عند الرمي في موقف الأول فهل له أن يزيله عن موقفه وجهان ولو رميا بين غرضين فانتهيا إلى الغرض الثاني فالثاني كالأول يقف حيث شاء فإن كانوا ثلاثة قال أبو إسحق يقرع بين الآخرين عند الغرض الثاني فمن خرجت له القرعة وقف حيث شاء ثم إذا عادوا إلى الغرض الأول بدأ الثالث بلا قرعة ويقف حيث شاء وحكي قول آخر أنهما حيث تنازعا في الموقف يحملان على عادة الرماة إن كان لهم في ذلك عادة مستمرة
فرع لو رضوا بعد العقد بتقدم واحد نظر إن تقدم بقدر يسير
كان أكثر فلا ولو تأخر واحد برضى الآخرين لم يجز على الأصح ولو اتفقوا على تقدم الجميع أو تأخرهم أو تعيين عدد

الأرشاق بالزيادة والنقص بني على أن المسابقة والمناضلة جائزتان أم لازمتان

فرع لو قال أحدهما ينصب الغرض بحيث يستقبل الشمس وقال الآخر بل
يستدبرها أجيب الثاني لأنه أصلح للرمي
الطرف الثاني في أحكام المناضلة وفيه فصلان أحدهما فيما يتعلق به استحقاق المال وفيه مسائل إحداها إذا شرط في العقد الإصابة أو القرع لم يشترط التأثير بالخدش والخرق ولا يضر فيحسب ما أصاب وارتد بلا تأثير وما أثر بخسق وغيره ولو كان الشن باليا فأصاب موضع الخرق منه حسب ذكره البغوي وقد يجىء فيه وجه لأنه لم يصب الغرض
ثم يحتاج إلى معرفة ما يصاب وما يصيب به أما الأول فإن ذكر إصابة الغرض حسب ما أصاب الجلد والجريد وهو الدائر على الشن والعروة وهي السير أو الخيط المشدود به الشن على الجريد فكل ذلك الغرض وفيما يعلق به الغرض قولان أظهرهما وأشهرهما أنه ليس من الغرض فإن ذكر إصابة الشن لم تحسب إصابة الجريد والعروة وإن ذكرا إصابة الخاصرة وهي يمين الغرض أو يساره لم تحسب إصابة غيرهما وأما ما يصيب من السهم فلا تحسب الإصابة بفوق السهم وعرضه لأنها تدل على سوء الرمي وتحسب هذه الرمية عليه من العدد وقيل إذا أصاب بالفوق لا تحسب عليه وهو شاذ وإن كان الاستحقاق معلقا بإصابة مقيدة

كالخسق وغيره فالحكم فيما يصاب ويصاب به كما ذكرنا لا يختلف ولو اصطدم السهم بجدار أو شجرة ونحو ذلك ثم أصاب الغرض أو اصطدم بالأرض ثم ازدلف وأصاب الغرض حسب له على الأصح عند العراقيين والأكثرين وقيل لا يحسب وقال أبو إسحق إن أعانته الصدمة وزادته حدة لم يحسب وإلا فيحسب وإن ازدلف ولم يصب الغرض حسب عليه على الأصح
المسألة الثانية إذا شرط الخسق فأصاب السهم الغرض وثقبه وتعلق النصل به وثبت فهو خسق ولا يضر سقوطه بعد ما ثبت كما لو نزعه غيره وإن خدشه ولم يثقبه فليس بخاسق وإن ثقبه ولم يثبت فقولان ويقال وجهان اظهرهما ليس بخاسق لما سبق في تفسير الخسق ولو ثقب ومرق فهو خاسق على المذهب والمنصوص وقيل قولان ولو أصاب السهم طرف الغرض فخرمه وثبت هناك فهل يحسب خاسقا قولان أظهرهما نعم وفي موضع القولين طرق أصحها أنهما فيما إذا كان بعض جرم النصل خارجا فإن كان كله داخلا فهو خاسق قطعا والثاني أنه إن كان بعضه خارجا فليس بخاسق قطعا وإنما القولان إذا بقيت طفية أو جليدة تحيط بالنصل والطفية الواحدة من الخوص والثالث أنه إن أبان من الطرف قطعة لو لم يبنها لكان الغرض محيطا بالنصل فهو خاسق قطعا والقولان فيما إذا خرم الطرف لا على هذا الوجه والراجع أنه إن خرم الطرف فليس بخاسق قطعا وإنما القولان إذا خرم شيئا من الوسط وثبت مكانه وهذا أضعفها وقال القفال إن كان بين النصل والطرف لكنه تشقق

فالخرم ليبوسة الشن ونحوها فهو خاسق ولو فرض ما ذكرنا من إصابة الطرف والمشروط القرع أو الإصابة دون الخسق فطريقان أحدهما طرد القولين ولو وقع السهم في ثقبة قديمة وثبت فهل يحسب خاسقا وجهان أحدهما لا لأن النصل صادف الثقب فلم يخسق وأصحهما نعم لأن السهم في قوته ما يخرق لو أصاب موضعا صحيحا ومقتضى هذا أن لا يجعل خاسقا إذا لم تعرف قوة السهم ويوضحه أن الشافعي رحمه الله قال لو أصاب موضع خرق في الغرض وثبت في الهدف كان خاسقا فقال الأصحاب أراد إذا كان الهدف في قوة الغرض أو أصلب منه بأن كان من خشب أو آجر أو طين يابى فإن لم يكن بل كان ترابا أو طينا لينا لم يحسب له ولا عليه لأنه لا يدري هل كان يثبت لو أصاب موضعا صحيحا أم لا وفي الحاوي وجه أنه لا يحسب خاسقا وإن كان الهدف في قوة الغرض أما إذا خدش النصل موضع الإصابة وخرق بحيث يثبت فيه مثل هذا السهم لكنه رجع لغلظ لقيه من حصاة أو نواة فيحسب خاسفا على الأظهر وبه قطع البغوي وفي قول لا يحسب له ولا عليه ولو اختلفا فقال الرامي خسق لكن لم يثبت لغلظ لقيه وأنكر الآخر فإن كان فيه خروق ولم يعلم موضع الإصابة فالقول قول الآخر لأن الأصل عدم الخسق والخدش وكذا الحكم لو عين الرامي موضعا وقال هذا الخرق حصل بسهمي وأنكر صاحبه ثم إن فتش الغرض فلم يوجد فيه حصاة ولا ما في معناها لم يحلف وإن وجد فيه مانع حلف وإذا حلف لم يحسب للرامي وهل يحسب عليه وجهان أصحهما لا وإن علم موضع الإصابة ولم يكن هناك مانع أو كان ولم يؤثر السهم فيه بخدش وخرق صدق بلا يمين وحسبت الرمية على الرامي وإن قلنا الخرق بلا ثبوت

خسق حسب خاسقا بلا يمين وإلا فلا يحسب له ولا يحسب عليه أيضا على الأصح ولو مرق سهم وثبت في الهدف وعلى النصل قطعة من الغرض فقال الرامي هذه القطعة أبانها سهمي لقوته وذهب بها فقال الآخر بل كانت القطعة مبانة قبله فتعلقت بالسهم فالقول قول الآخر نص عليه في الأم لأن الأصل عدم الخسق قال الشيخ أبو حامد هذا إذا لم نجعل الثبوت في الهدف كالثبوت في الغرض فإن جعلناه فلا معنى لهذا الاختلاف
المسألة الثالثة إذا تناضلا مبادرة وشرطا المال لمن سبق إلى إصابة عشرة من مائة مثلا فسبق أحدهما إلى الإصابة المشروطة قبل كمال عدد الأرشاق بأن رمى كل واحد منهما خمسين وأصاب أحدهما منها عشرة والآخر دونها فالأول ناضل وقد استحق المال وهل يلزمه إتمام العمل فيه طريقان المذهب وبه قطع الجمهور لا يلزم لأنه تم العمل الذي تعلق به الاستحقاق فلا يلزمه عمل آخر والثاني فيه وجهان حكاهما الإمام والغزالي ثانيهما يلزمه لينتفع صاحبه بمشاهدة رميه ويتعلم منه ولو تناضلا محاطة وشرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة فرمى كل واحد خمسين وأصاب أحدهما في خمسة عشر والآخر في خمسة فقد خلص للأول عشرة هل يستحق بها المال أم يتوقف الاستحقاق على استكمال الأرشاق وجهان أحدهما يستحق بها كالمبادرة والثاني وهو الصحيح لا يستحق لأن الاستحقاق منوط بخلوص عشرة من مائة وقد يصيب الآخر فيما بقي ما يمنع خلوص عشرة للأول بخلاف المبادرة فإن الإصابة بعدها لا ترفع ابتدار الأول إلى ذلك العدد فإن قلنا بهذا وجب إتمام الأرشاق وإن قلنا بالأول وأنه لا حط بعد خلوص العدد المشروط

فهل للآخر أن يكلفه إتمام العمل فيه الطريقان في المبادرة ويجري الخلاف في كل صورة يتوقع الآخر منع الأول من خلوص المشروط أو نصله كما إذا شرطا خلوص خمسة من عشرين فرمى كل واحد خمسة عشر وأصاب أحدهما عشرة والآخر ثلاثة لأنهما إذا استكملا الأرشاق فقد يصيب الآخر في الخمسة الباقية ولا يصيب الأول في شىء منها فلا يخلص له عشرة فلو كانت الصورة بحالها وأصاب الأول في عشرة من خمسة عشر ولم يصب الآخر في شىء منها فلا يرجو الآخر منع الأول من الخلوص فيثبت له استحقاق المال في الحال قطعا قال البغوي وغيره ولا يلزمه إتمام الأرشاق ولا يشك أنه يجيء فيه الخلاف المذكور في المبادرة ولو رمى أحدهما والشرط المبادرة في المثال المذكور خمسين وأصاب عشرة ورمى الآخر تسعة وأربعين وأصاب تسعة فالأول ليس بناضل بل يرمي الآخر سهما آخر فإن أصاب فقد تساويا وإلا فقد ثبت الاستحقاق للأول ولو أصاب الأول من خمسين عشرة والآخر من تسعة وأربعين ثمانية فالأول ناضل لأن الآخر وإن أصاب في رميته الباقية لا يساوي الأول ويظهر بالصورتين أن الاستحقاق لا يحصل بمجرد المبادرة إلى العدد المذكور بل يشترط مع الابتدار مساواتهما في عدد الأرشاق أو عجز الثاني من المساواة في الإصابة وإن ساواه في عدد الأرشاق ولو خلص لأحدهما في المحاطة عشرة من خمسين ورمى الآخر تسعة واربعين ولم يصب في شىء منها فله أن يرمي سهما آخر فلعله يصيب فيه فيمنع خلوص عشر إصابات للأول

فرع إذا قال رجل لرام ارم خمسة عني وخمسة عن نفسك فإن
أو كان الصواب فيها أكثر فلك كذا أو قال

ارم عشرة واحدة عنك وواحدة عني فإن كانت إصابتك فيما رميت عنك أكثر فلك كذا لم يجز نص عليه في الأم لأن المناضلة عقد فلا يكون إلا بين نفسين كالبيع وغيره ولأنه قد يجتهد في حق نفسه دون صاحبه ولو قال ارم عشرة فإن كان صوابك منها أكثر فلك كذا فظاهر ما نقله المزني أنه لا يجوز وأشار في تعليله بأنه يناضل نفسه فوافقه طائفة من الأصحاب وخالفه الجمهور وقالوا هو جائز وحكوه عن نصه في الأم وعللوه بأنه بذل المال على عوض معلوم وله فيه غرض ظاهر وهو تحريضه على الرمي ومشاهدة رميه قالوا وليس هو بنضال بل هو جعالة ثم من هؤلاء من غلط المزني في الحكم والتعليل ومنهم من تأوله على ما لو قال ارم كذا فإن كان صوابك أكثر فقد نضلتني فهذا لا يجوز لأن النضال إنما يكون بين اثنين فإن قلنا بالجواز فرمى ستة وأصابها كلها فقد ثبت استحقاقه وللشارط أن يكلفه استكمال العشرة على المذهب لأنه علق الاستحقاق بعشرة إصابتها أكثر ولو قال لمتراميين ارميا عشرة فمن أصاب منكما خمسة فله كذا جاز ولو قال رجل لآخر نرمي عشرة فإن أصبت في خمستك فلك كذا وإن أصبت أنا فلا شىء لي عليك جاز أيضا وإن قال وإن أصبت في خمستي فلي عليك كذا لم يجز إلا بمحلل ولو قال أرم سهما فإن أصبت فلك كذا وإن أخطأت فعليك كذا فهو قمار

فرع لو كانوا يتناضلون فمر بهم رجل فقال لمن انتهت النوبة إليه
وهو يريد الرمي ارم فإن أصبت بهذا السهم فلك دينار نص الشافعي رحمه الله أنه إذا أصاب استحق الدينار وتكون تلك

الإصابة محسوبة من معاملته التي هو فيها قال الأصحاب قياسا على هذا لو كان يناضل رجلا والمشروط عشر قرعات فشرط أن يناضل بها ثانيا ثم ثالثا إلى غير ضبط وإذا فاز بها كان ناضلا لهم جميعا جاز قال الإمام هذا دليل على انقطاع هذه المعاملة عن مضاهاة الإجارة لأنها لو كانت مثلها لما استحق بعمل واحد مالين عن جهتين وسبب استحقاق المال فيها الشرط لا رجوع العمل إلى الشارط
المسألة الرابعة اختلفوا في تفسير الحابي فقيل هو السهم الذي يقع بين يدي الغرض ثم يزحف إليه فيصيبه من قولهم حبا الصبي وهو كالمزدلف إلا أن الحابي أضعف حركة منه وقيل هو الذي يصيب الهدف حوالي الغرض وقيل هو القريب من الهدف كأن صاحبه يحابي ولا يريد إصابة الهدف ويروى هذا التفسير عن الربيع ولم يجعل كثير من الأصحاب الحوابي صفة السهام لكن قالوا الرمي ثلاثة المبادرة والمحاطة والحوابي وهو أن يرميا على أن يسقط الأقرب والأسد الأبعد إذا ثبت هذا فلو شرطوا احتساب القريب من الغرض نظر إن ذكروا حد القرب من ذراع أو أقل أو أكثر جاز وصار الحد المضبوط كالغرض وصار الشن في وسطه كالدارة وإن لم يذكروا حد القرب فإن كان هناك للرماة عادة مطردة حمل العقد عليها كما تحمل الدراهم المطلقة على النقد الغالب وإن لم تكن عادة مطردة فوجهان أصحهما بطلان العقد للجهالة والثاني الصحة فعلى هذا وجهان أحدهما يحمل على أن الأقرب يسقط الأبعد كيف كان والثاني يحمل على إسقاط البعيد أو الأقرب للأبعد أما إذا قالا يرمي عشرين رشقا على أن يسقط الأقرب الأبعد فمن فضل له خمسة فهو ناضل فهو صحيح والشرط متبع وعن الحاوي ما يشير إلى خلافه والمذهب الأول لأنه ضرب من الرمي معتاد للرماة وهو

ضرب من المحاطة وحينئذ فإن تساوت السهام في القرب والبعد فلا ناضل ولا منضول وكذا لو تساوى سهمان في القرب أحدهما لهذا والآخر للآخر وكان باقي السهام أبعد ومهما كان بين سهم أحدهما وبين الغرض قدر شبر وبين سهم الآخر والغرض دون شبر أسقط الثاني الأول فإن رمى الأول بعد ذلك فوقع أقرب أسقط ما رماه الثاني ولو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض ورمى الآخر خمسة فوقعت أبعد من ذلك السهم ثم عاد الأول فرمى سهما فوقع أبعد من الخمسة سقط هذا السهم بالخمسة وسقطت الخمسة بالأول ولو رمى أحدهما خمسة فوقعت قريبة من الغرض وبعضها أقرب من بعض ثم رمى الثاني خمسة فوقعت أبعد من خمسة الأول سقطت خمسة الثاني بخمسة الأول ولا يسقط من خمسة الأول شىء وإن تفاوتت في القرب لأن قريب كل واحد يسقط بعيد الآخر ولا يسقط بعد نفسه هذا هو الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور وقيل يسقط بعيد نفسه كما يسقط بعيد غيره ولو وقع سهم أحدهما بقرب الغرض وأصاب سهم الآخر الغرض فالمنقول أن الثاني يسقط الأول كما يسقط الأقرب الأبعد ولك أن تقول وإن كان الشرط أن الأسد أو الأصوب يسقط غيره وأن الأقرب يسقط الأبعد على معنى الأقرب إلى الصواب فهذا صحيح وإن كان الشرط الأول أن الأقرب إلى الغرض يسقط الأبعد عنه فينبغي أن يتساويا ولو أصاب أحدهما الرقعة في وسط الغرض والآخر الغرض خارج الرقعة أو أصابا خارج الرقعة وأحدهما أقرب إليها فقد حكى الشافعي رحمه الله عن بعض الرماة أن الذي أصاب الرقعة أو كان أقرب إليها يسقط الآخر قال والقياس عندي أنهما سواء وإنما يسقط القريب البعيد إذا كانا خارجين عن الشن وفي هذا تأكيد لما استدركناه وعد صاحب

الحاوي المذهبين وجهين ونقل الشافعي رحمه الله عن بعض الرماة أنه قال القريب الذي يسقط البعيد هو الساقط وهو السهم الذي يقع بين يدي الغرض والعاضد وهو الذي يقع في اليمين أو اليسار دون الخارج وهو الذي يتجاوزه ويقع فوقه قال الشافعي والقياس أنه لا فرق لوقوع اسم القريب من الغرض فالاعتبار بموضع ثبوت السهم واستقراره لا بحالة المرور حتى لو قرب مروره من الغرض ووقع بعيدا منه لم يحتسب به إلا إذا شرط اعتبار حالة المرور ولو شرطا أن ما أصاب القرطاس أسقط ما وقع حواليه فقد حكى الإمام والغزالي في صحته قولين حكياهما عن نقل العراقيين ووجه المنع بأنه تعسر إصابة الوسط وقد يصيبه الأخرق اتفاقا وهذا النقل لا يكاد يوجد في كتب الأصحاب والمفهوم من كلامهم القطع باتباع الشرط
الخامسة النكبات هي التي تطرأ عند الرمي وتهوشه وذلك يعم شرط القرع والخسق وغيرهما والأصل أن السهم متى وقع مباعدا تباعدا مفرطا إما مقصرا عن الغرض وإما مجاوزا له نظر إن كان ذلك لسوء الرمي حسب على الرامي ولا يرد إليه السهم ليرمي به وإن كان لنكبة عرضت أو خلل في آلة الرمي بغير تقصير من الرامي فذلك السهم غير محسوب عليه ويوضح هذا الأصل بصور إحداها إذا عرض في مرور السهم إنسان أو بهيمة فمنع السهم أو القوس إن كان لتقصيره وسوء رميه حسب عليه وإن الرمية عليه فيعيدها لأنه معذور ولو انقطع الوتر أو انكسر السهم أو القوس إن كان تقصيره وسوء رميه حسب عليه وإن كان لضعف الآلة وغيره لا لتقصيره وإساءته لم تحسب كما لو حدث في يده علة أو ريح وقيل إن وقع السهم عند هذه العوارض قريبا من الغرض حسب عليه حكاه الإمام عن أبي إسحق وقيل

إن وقع السهم مجاوزا للغرض حسب عليه لأن المجاوزة تدل على أن العارض لم يؤثر وإنما هو لإساءته والأول هو الصحيح المنصوص لأن الخلل يؤثر تارة في التقصير وتارة في الإسراف فإن قلنا تحسب عليه فلو أصاب حسب له وإن قلنا بالمنصوص إنه لا يحسب عليه فأصاب حسب له على الأصح لأن الإصابة مع النكبة تدل على جودة الرمي ثم في كتاب ابن كج أن الانقطاع والانكسار إنما يؤثر حدوثهما قبل خروجه من القوس وأما بعده فلا أثر له وصور البغوي انكسار السهم فيها إذا كان بعد خروجه من القوس وجعله عذرا ولو انكسر السهم نصفين بلا تقصير وأصاب أحد نصفيه الغرض إصابة شديدة فثلاثة أوجه أحدها لا تحسب والثاني تحسب الإصابة بالنصف الأعلى وهو الذي فيه الفوق دون الذي فيه النصل والثالث وهو الصحيح وبه قطع العراقيون والأكثرون وهو المنصوص تحسب الإصابة بالنصف الذي فيه النصل دون الأعلى ولو أصاب بالنصفين لم تحسب إصابتين وكذا لو رمى سهمين دفعة واحدة ذكره ابن كج ولو حاد السهم عن سنن الهدف وخرج عن السماطين حسب عليه لسوء رميه ولو رمى إلى غير الجهة التي فيها الهدف فهذا اشتغال بغير النضال الذي تعاقدا عليه فلا يحسب عليه
الثانية كان في الغرض سهم فأصاب سهمه فوق ذلك السهم نظر إن كان ذلك السهم تعلق به وبعضه خارج لم يحسب له لأنه لا يدري هل كان يبلغ الغرض لولا هذا السهم ولا يحسب عليه أيضا لأنه عرض دون الغرض عارض فإن شقه وأصاب الغرض حسب وقد يجىء فيه الخلاف السابق في البهيمة فإن كان ذلك السهم قد غرق فيه حسب إصابة وإن كان الشرط الخسق لم يحسب له ولا عليه لأنه لا يدري هل كان بخسق أم لا وينبغي أن

ينظر إلى ثبوته فيه وتقاس صلابة ذلك السهم بصلابة الغرض كما سبق نظيره ولو أغرق الرامي وبالغ في المد حتى دخل النصل مقبض القوس ووقع السهم عنده فالنص إلحاقه بانكسار القوس وانقطاع الوتر ونحوهما لأن سوء الرمي أن يصيب غير ما قصده ولم يوجد هذا هنا وعن صاحب الحاوي أنه يحسب عليه وقال ابن القطان إن بلغ مدى الغرض حسب عليه وإلا فلا
الثالثة الريح اللينة لا تؤثر حتى لو رمى زائلا عن المسامتة فردته الريح اللينة أو رميا ضعيفا فقوته فأصاب حسب له وإن صرفته عن السمت بعض الصرف فأخطأ حسب عليه لأن الجو لا يخلو عن الريح اللينة غالبا ويضعف تأثيرها في السهم مع سرعة مروره وقيل يمنع الاحتساب له وعليه وقيل يمنع الاحتساب عليه والصحيح الأول ولو كانت الريح عاصفة واقترنت بابتداء الرمي فوجهان أحدهما وهو ظاهر النص وبه أجاب الإمام والغزالي لا يؤثر لأن ابتداء الرمي والريح عاصفة تقصير ولأن للرماة حذقا في الرمي وقت هبوب الريح ليصيبوا فإذا أخطأ فقد ترك ذلك وظهر سوء رميه وأصحهما وهو قول ابن سلمة وبه قطع العراقيون وغيرهم لا يحسب له إن أصاب لقوة تأثيرها ولهذا يجوز لكل واحد ترك الرمي إلى أن تركد بخلاف اللينة ولو هجم هبوب العاصفة بعد خروج السهم من القوس فمقتضى الترتيب أن يقال إن قلنا اقترانها مؤثر فهبوبها أولى وإلا فوجهان أحدهما أنها كالنكبات العارضة والثاني المنع لأن الجو لا يخلو عن الريح

ولو فتح هذا الباب لتعلق به المخطئون وطال النزاع والمذهب أنه إن أخطأ في الهجوم لا يحسب عليه وإن أصاب فهل يحسب له فيه الخلاف في السهم المزدلف وقال الشيخ أبو إسحق عندي أنه لا يحسب له قطعا لأنا لا نعلم أنه أصاب برميه ولو هبت ريح نقلت الغرض إلى موضع آخر فأصاب السهم الموضع المنتقل عنه حسب له إن كان الشرط الإصابة على الصحيح وإن كان الخسق نسبت صلابة الموضع بصلابة الغرض ولو أصاب الغرض في الموضع المنتقل إليه حسب عليه لا له ولو أزالت الريح الغرض حتى استقل السهم فأصابه السهم قال ابن كج لا يحسب له
الفصل الثاني في حكم المناضلة جوازا ولزوما وفي كونها لازمة أو جائزة قولان كما سبق في المسابقة فإن قلنا تلزم انفسخت بموت أحدهما كالأجير المعين ولو مرض أحدهما أو أصابه رمد ونحوه لم ينفسخ العقد بل يؤخر الرمي وفي المسابقة يحصل الانفساخ بموت الفرس لأن التعويل عليه ولا يحصل بموت الفارس بل يقوم الوارث مقامه وقيل فيه احتمال لأن للفارس أثرا ظاهرا وإلزام الوارث على المسابقة كالمستبعد ولا يجوز لها إلحاق زيادة في عدد الأرشاق ولا عدد الإصابات وطريقهما إن أرادا ذلك أن يفسخا العقد ويستأنفا عقدا وليس للمناضل أن يترك النضال ويجلس بل يلزم به كمن استؤجر لخياطة ونحوها ويحبس على ذلك ويعزر هذا إذا كان مفضولا أو كان له الفضل

ولكن توقع صاحبه أن يدركه فيساويه أو يفضله أما إذا لم يتوقع الإدراك بأن شرطا إصابة خمسة من عشرين فأصاب أحدهما خمسة والآخر واحدا ولم يبق لكل واحد إلا رميتان فلصاحب الخمسة أن يجلس ويترك الباقي هذا تفريع قول اللزوم أما إذا قلنا بالجواز فتتفرع عليه مسألتان إحداهما تجوز الزيادة في عدد الأرشاق والإصابات وفي المال بالتراضي وفي الجميع وجه ليس بشىء وهل يستبد أحدهما بالزيادة ثلاثة أوجه أصحها نعم لجواز العقد فإن لم يرض صاحبه فليفسخ والثاني لا إذ لا بد في العقد من القبول والثالث يجوز الإلحاق للفاضل والمساوي دون المفضول لئلا يتخذ المفضول ذلك ذريعة إلى إبطال النضال ومتى يصير مفضولا وجهان أحدهما متى زاد صاحبه بإصابة واحدة وأصحهما لا تكفي إصابة وإصابتان بل لا يصير مفضولا إلا إذا قرب صاحبه من الفوز
واعلم أن الوجه المذكور في أنه لا يجوز إلحاق الزيادة والنقص بالتراضي والوجه الآخر في أنه ليس لأحدهما الاستبداد يطردان في المسابقة وإن لم يذكرهما هناك وفي الجعالة إذا زاد الجاعل في العمل كان متهما كالمفضول ففي زيادته الخلاف فإن لم تلحق الزيادة بها فذاك وإن ألحقناها وقد عمل العامل بعض العمل ولم يرض بالزيادة فسخ العقد قال الإمام والوجه أن تثبت له أجرة المثل لأن الترك بسبب الزيادة بخلاف ما إذا ترك في أثناء العمل بلا عذر فإنه لا يستحق شيئا

المسألة الثانية يجوز لكل منهما على هذا القول تأخير الرمي والإعراض عنه من غير فسخ وكذا الفسخ إذا لم يكن المعرض مفضولا متهما فإن كان فهل له أن يجلس ويترك النضال وجهان كما ذكرنا في المسابقة قال الإمام وفي جواز فسخه الخلاف المذكور في الزيادة ويفضي الأمر إذا فرقنا بين المفضول وغيره إلى أن الحكم بأن العقد جائز مطلقا مقصور على ما إذا لم يصر أحدهما مفضولا فإن صار لزم في حقه وبقي الجواز في حق الآخر وهذا الخلاف في نفوذ فسخ المفضول طرد في فسخ الجاعل الجعالة بعدما عمل العامل بعض العمل وكانت حصة عمله من المسمى تزيد على أجرة المثل ولو شرطا في العقد أن لكل واحد أن يجلس ويترك الرمي إن شاء فسد العقد إن قلنا بلزومه وكذا إن قلنا بجوازه وقلنا ليس للمفضول الترك وإن قلنا له ذلك لم يضر شرطه لأنه مقتضى العقد
ولو شرطا أن المسبق إن جلس كان عليه السبق فهو فاسد على القولين لأن السبق إنما يشرع في العمل ولو تناضلا ففضل أحدهما الآخر بإصابات فقال المفضول حط فضلك ولك علي كذا لم يجز على القولين سواء جوزنا إلحاق الزيادة أم لا لأن حط الفضل لا يقابل بمال

فصل في مسائل منثورة تتعلق بالمناضلة والمسابقة لو كان أحد الراميين إذا
أخطأ منع منه ولو كلم أحدهما

رجل قيل له أجب جوابا وسطا ولا تطول ولا تحبس القوم ولو تعلل بعدما رمى صاحبه بمسح القوس والوتر وأخذ النبل بعد النبل والنظر فيه قيل له ارم لا مستعجلا ولا متباطئا ولو شرطا أن تحسب لأحدهما الإصابة الواحدة الاصابتين أو يحط من إصاباته شىء أو أنه إن أخطأ رد عليه سهم أو سهمان ليعيد رميهما أو أن يكون في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر لم يجز لأن هذه المعاملة مبينة على التساوي ولا يجوز أن يشرط خاسق أحدهما خاسقين ولو كان الشرط الحوابي فشرطا أن يحسب الخاسق حابيين جاز نص عليه في الأم لأن الخاسق يختص بالإصابة والثبوت فجاز أن تجعل تلك الزيادة مقام حاب وقيل فيهما جميعا قولان ولو تناضلا فرميا بعض الأرشاق ثم ملا فقال أحدهما للآخر ارم فإن أصبت فقد نضلتني أو قال أرمي أنا فإن أصبت هذه الواحدة فقد نضلتك لم يجز لأن الناضل من ساوى صاحبه في عدد الأرشاق وفضله في الإصابة ولو تناضلا أو تسابقا وأخرج السبق أحدهما فقال أجنبي شاركني فيه فإن غنمت أخذت معك ما أخرجته وإن غرمت غرمت معك لم يجز وكذا لو أخرجاه وبينهما محلل فقال أجنبي ذلك لأحدهما
ولو عقد المناضلة في الصحة ودفع المال في مرض الموت فهو من رأس المال إن جعلناها إجارة وإن قلنا جعالة فوجهان ولو ابتدأ العقد في المرض فيحتمل أن يحسب من الثلث ويحتمل أن يبنى على القولين ذكره في البحر
قلت الأصح أو الصواب القطع بأنه من رأس المال في الصورتين سواء قلنا إجارة أو جعالة لأنه ليس بتبرع ولا محاباة فيه فإذا كان

ما يصرفه في ملاذ شهواته من طعام وشراب ونكاح وغيره مما لا ضرورة له إليه ولا ندبه الشرع إليه محسوبا من رأس المال فالمسابقة التي ندب الشرع إليها ويحتاج إلى تعلمها أولى لكن هذا فيما إذا سابق بعوض المثل في العادة فإن زاد فالزيادة تبرع من الثلث
والله أعلم
وفي البحر أن الولي ليس له صرف مال الصبي في المسابقة والمناضلة ليتعلم وأن السبق الذي يلتزمه المتناضلان يجوز أن يكون عندهما ويجوز وضعه عند عدل يثقان به وهو أحوط وأبعد عن النزاع وأنهما لو تنازعا فقال أحدهما يترك السبق عندنا وقال الآخر بل عند عدل فإن كان دينا أجيب الأول وإن كان عينا فالثاني وأنه لو قال أحدهما نضعه عند زيد وقال الآخر عند عمرو اختار الحاكم أمينا وهل يتعين أحد الأمينين المتنازع فيهما أم له أن يختار غيرهما وجهان وأنه لا أجرة للأمين إلا إذا اطرد العرف بأجرة له فوجهان وفيه أن المحلل ينبغي أن يجري فرسه بين فرسي المتسابقين فإن لم يتوسطهما وأجرى بجنب أحدهما جاز إن تراضيا به وأنه لو رضي أحدهما بعدوله عن الوسط ولم يرض الآخر لزمه التوسط وأنهما لو رضيا بترك توسطه وقال أحدهما يكون عن اليمين وقال الآخر عن اليسار لزم التوسط وأنه لو تنازع المتسابقان في اليمين واليسار أقرع قال قش الشافعي قش رحمه الله في المختصر لا بأس أن يصلي متنكبا للقوس والقرن إلا أن يتحركا عليه حركة تشغله فأكرهه ويجزئه والتنكب التقلد والقرن بفتح القاف والراء هو الجعبة المشقوقة ولا بد من طهارة ذلك ولا

يجلب على الفرس في السباق وهو أن يصيح به القوم ليزيد عدوه ولكن يركضان بتحريك اللجام والاستحثاث بالسوط وإذا وقف المتناضلان في الموقف فهل يحتاج من يرمي إلى استئذان صاحبه قال ابن كج عادة الرماة الاستئذان حتى إن من رمى بلا استئذان لا يحسب ما رماه أصاب أم أخطأ ويجب اتباع عرفهم فيه وقال ابن القطان يحسب ولا حاجة إلى الاستئذان
وبالله التوفيق

الثالثة كتاب الأيمان
فيه ثلاثة أبواب الأول في نفس اليمين وللأئمة عبارات في حقيقة اليمين أجودها وأصوبها عن الانتقاض والاعتراض عبارة البغوي قال اليمين تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته
ويتعلق بالضبط مسائل إحداها تنعقد اليمين على المستقبل والماضي فإن حلف على ماض كاذبا وهو عالم فهو اليمين الغموس سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الاثم أو في النار وهي من الكبائر وتتعلق بها الكفارة
فإن كان جاهلا ففي وجوب الكفارة القولان فيمن فعل المحلوف عليه ناسيا
الثانية من سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد كقوله في حالة غضب أو لجاج أو عجلة أوصلة كلام لا والله وبلى والله لا تنعقد يمينه ولا يتعلق به كفارة
ولو كان يحلف على شىء فسبق لسانه إلى غيره
فكذلك
وهذا كله يسمى لغو اليمين
وإذا حلف وقال لم أقصد اليمين صدق وفي الطلاق والعتاق والإيلاء لا يصدق في الظاهر لتعلق حق الغير به
قال الإمام في الفرق جرت العادة بإجراء ألفاظ اليمين بلا قصد بخلاف الطلاق والعتاق فدعواه فيها تخالف الظاهر فلا يقبل
قال فلو اقترن باليمين ما يدل على القصد لم يقبل قوله على خلاف الظاهر

الثالثة إذا قال غيره اسألك بالله أو أقسم عليك بالله أو أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا فان قصد به الشفاعة أو قصد عقد اليمين للمخاطب فليس بيمين في حق واحد منهما وإن قصد عقد اليمين لنفسه كان يمينا على الصحيح كأنه قال أسألك ثم حلف
وقال ابن أبي هريرة ليس بيمين وهو ضعيف
ويستحب للمخاطب إبراره فإن لم يفعل وحنث الحالف لزمه الكفارة وإن أطلق ولم يقصد شيئا يحمل على الشفاعة
قلت يسن إبرار المقسم كما ذكر للحديث الصحيح فيه وهذا إذا لم يكن في الإبرار مفسدة بأن تضمن ارتكاب محرم أو مكروه
ويكره السؤال بوجه الله ورد من سأل به للحديث المعروف فيهما
والله أعلم
الرابع يجوز تعقيب اليمين بالاستثناء وهو قوله إن شاء الله تعالى فإن عقب لم يحنث بالفعل المحلوف عليه ولا كفارة وهل نقول انعقدت اليمين وجهان أحدهما نعم لكن المشيئة مجهولة فلا يحنث نقله الروياني والثاني لا نقله البغوي
ويشترط أن يتلفظ بالاستثناء وأن يقصد لفظه ويصله باليمين فلا يسكت بينهما إلا سكتة لطيفة لتذكر أو عي أو تنفس كما ذكرنا في الطلاق وأن يقصد الاستثناء من أول اليمين فلو قصده في خلال اليمين فوجهان سبقا في الطلاق وممن صححه الداركي والقاضيان أبو الطيب والروياني وممن منعه ابن القطان وابن المرزبان وابن كج
ولو قال إن شاء الله

والله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا صح الاستثناء وكذا لو قدم الاستثناء في الطلاق والعتاق وكذا لو قال لفلان علي إلا عشرة دراهم مائة درهم وفي هذه الصورة وجه ضعيف وقال القاضي أبو الطيب لو قال إن شاء الله أنت طالق وعبدي حر أو قال إن شاء الله أنت طالق عبدي حر لم تطلق ولم يعتق لأن حرف العطف قد يحذف مع إرادة العطف
ومن هذا القبيل قولنا التحيات المباركات الصلوات وليكن هذا فيما إذا نوى صرف الاستثناء إليها جميعا فإن أطلق فيشبه أن يجيء خلاف في أنه يختص بالجملة الأولى أم يعمهما ولو قال أنت طالق وعبدي حر إن شاء الله فيجيء الخلاف في أنه يختص بالجملة الثانية أم يعمهما
قلت الصحيح التعميم في الصورتين
والله أعلم
ولو قال عبدي حر إن شاء الله أو امرأتي طالق ونوى صرف الاستثناء إليهما صح ذكره ابن كج
وكما يجوز أن يقدم الاستثناء ويؤخره يجوز أن يوسطه
ولو قال والله لأفعلن كذا إن لم يشأ الله أو إلا أن يشاء الله ففيه خلاف كما سبق في نظيره في الطلاق والأصح عند ابن كج في قوله إلا أن يشاء الله أنه لا يحنث
وقال إبرهيم المروزي إن قال والله لأفعلن إلا أن يشاء الله ولم يفعل حنث وإن قال والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله فلم يفعل لم يحنث وإن فعل حنث

فرع قال والله لأدخلن هذه الدار اليوم إلا أن يشاء زيد وقصد
أن يشاء أن لا أدخلها فقد عقد اليمين على الدخول فإن دخلها في ذلك اليوم أو لم يدخل وشاء زيد أن لا يدخل لم يحنث وإن شاء أن يدخل

فلم يدخل حنث وكذا لو لم يعرف مشيئة بأن جن أو أغمي عليه حتى مضى اليوم حنث هكذا نقله المزني عن النص ولو قال والله لا أدخل إلا أن يشاء زيد الدخول فإن لم يدخل لم يحنث وإن دخل وقد شاء زيد دخوله قبل ذلك لم يحنث أيضا وإن كان شاء أن لا يدخل حنث ولا تغني مشيئة الدخول بعد ذلك وإن لم يعرف مشيئته فرواية الربيع عن الشافعي أنه لا يحنث والروايتان مختلفتان والصورتان متشابهتان وللأصحاب فيهما طريقان أحدهما القطع بالحنث وحمل رواية الربيع على ما إذا لم يحصل اليأس من مشيئة أو أنه رجع عنه ولم يعلم الربيع رجوعه
والثاني فيهما قولان أظهرهما يحنث لأن المانع من حنثه المشيئة وقد جعلناها والثاني لا للشك
ولو قال والله لأدخلن إن شاء فلان إن دخل فاليمين معلقة بالمشيئة فلا ينعقد قبلها ولا حكم للدخول قبلها فإن شاء انعقدت فان دخل بعده بر وإلا حنث
وينظر هل قيد الدخول بزمان أو أطلق وعند الاطلاق عمره وقت الدخول فان مات قبله حكمنا بالحنث قبل الموت وإن شاء فلان أن لا يدخل أو لم يشأ شيئا أو لم تعرف مشيئته فلا حنث لأن اليمين لم تنعقد وكذا لو قال والله لا أدخل إن شاء فلان أن لا أدخل فلا تنعقد يمينه حتى يشاء فلان أن لا يدخل
الخامسة الحلف بالمخلوق مكروه كالنبي والكعبة وجبريل والصحابة والآل
قال الشافعي رحمه الله أخشى أن يكون الحلف بغير الله تعالى معصية
قال الأصحاب أي حراما وإثما فأشار إلى تردد فيه قال الإمام والمذهب القطع بأنه ليس بحرام بل مكروه
ثم من حلف بمخلوق لم تنعقد يمينه ولا كفارة في حنثه
قال الأصحاب فلو اعتقد الحالف في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله تعالى كفر وعلى هذا يحمل ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

من حلف بغير الله تعالى فقد كفر ولو سبق لسانه إليه بلا قصد لم يوصف بكراهة بل هو لغو يمين وعلى هذا يحمل ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلح وأبيه إن صدق
السادسة إذا قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو برىء من الله تعالى أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من الإسلام أو من الكعبة أو مستحل الخمر أو الميتة لم يكن يمينا ولا كفارة في الحنث به ثم إن قصد بذلك تبعيد نفسه عنه لم يكفر وإن قصد به الرضا بذلك وما في معناه إذا فعله فهو كافر في الحال
قلت قال الأصحاب وإذا لم يكفر في الصورة الأولى فليقل لا إله إلا الله محمد رسول الله ويستغفر الله ويستدل بما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله
ويستحب أيضا لكل من تكلم بقبح أن يستغفر الله
وتجب التوبة من كل كلام قبيح محرم وستأتي صفة التوبة إن شاء الله تعالى في كتاب الشهادات
وقد ذكرت في آخر كتاب الأذكار جملا كثيرة من حكم الألفاظ القبيحة واختلاف أحوالها وطرق الخروج منها
والله أعلم
السابعة قال أهل اللسان حروف القسم ثلاثة الباء والواو والتاء المثناة فوق قالوا والأصل الباء وهي من صلة الحلف كأن القائل يقول حلفت بالله أو أقسمت بالله أو آليت بالله ثم لما كثر الاستعمال وفهم المقصود حذف الفعل ويلي الباء الواو لأن الباء تدخل على المضمر تقول بك وبه لأفعلن كما تدخل في المظهر والواو تختص بالمظهر فتأخرت والتاء بعد الواو لأنها لا تدخل إلا على الله فإذا قال بالله بالباء الموحدة لأفعلن فإن نوى اليمين أو أطلق فهي يمين لاشتهار الصبغة بالحلف لغة وشرعا

وحكى ابن كج خلافا فيما إذا أطلق والمذهب أنه يمين وبه قطع الأصحاب وإن نوى غير ذلك اليمين بأن قال أردت بالله وثقت أو اعتصمت بالله أو أستعين أو أؤمن بالله ثم ابتدأت لأفعلن فالمذهب وبه قطع العراقيون والبغوي والروياني وغيرهم أنه ليس بيمين واستبعد الإمام هذا وجعله زللا أو خللا من ناسخ
ونقل أنه لو نوى غير اليمين وادعى التورية لم يقيل فيما تعلق بحق ادمي وهل يدين باطنا قبل وجهان وقال القاضي حسين لا يدين قطعا لأن الكفارة تتعلق باللفظ المحرم الذي أظهر ما يخالفه وأما قوله والله فالمذهب أنه كقوله بالله على ما ذكرنا وأشار بعضهم إلى القطع بأنه يمين بكل حال ووجه المذهب أنه قد يريد به القائل والله المستعان ثم يبتدىء لأفعلن وليس في ذلك إلا لحن في الإعراب وسيأتي نظائره إن شاء الله تعالى
وأما إذا قال تالله لأفعلن بالمثناة فوق فالمنصوص هنا وفي الإيلاء أنه يمين وعن نصه في القسامة أنه ليس بيمين وللأصحاب فيه طرق أحدها العمل بظاهر النص
والثاني فيهما قولان والثالث وهو المذهب وبه قال ابن سلمة وأبو اسحق وابن الوكيل القطع بأنه يمين
قالوا ورواية النص في القسامة مصحفة إنما هي بالياء المثناة تحت لأن الشافعي رحمه الله علل فقال لأنه دعاء وهذا إنما يليق بالمثناة تحت
ثم قيل أراد إذا قال يا الله على النداء أو قيل أراد يا لله بفتح اللام على الاستغاثة وهذا أشبه وأقرب إلى التصحيف وقيل ليست مصحفه بل هي محمولة على ما إذا قال له القاضي قل بالله فقال تالله فلا يحسب ذلك لأن اليمين يكون على وفق التحليف وكذا

لو قال قل بالله فقال بالرحمن لا تحسب يمينه
وعكسه لو قال قل تالله فوق فقال بالله الموحدة قال القفال يكون يمينا لأنه أبلغ وأكثر استعمالا ولو قال قل بالله فقال والله قال الإمام فيه تردد لأن الباء والواو لا تكادان تتفاوتان ولا يمتنع المنع للمخافة وهذا المعنى يجيء في مسألة القفال وهذا الخلاف إذا قال تالله ولم يقصد اليمين ولا غيرها فإن نوى غير اليمين فليس بيمين بلا خلاف صرح به العراقيون والروياني وغيرهم
قلت قال الدارمي لو قال يا الله بالمثناة تحت أو فالله بالفاء

أو أآلله بالإستفهام ونوى اليمين فيمين وإلا فلا والله أعلم
فرع لو قال والله لأفعلن برفع الهاء او نصبها كان يمينا واللحن لا يمنع الإنعقاد
وقال القفال في الرفع لا يكون يمينا إلا بالنية
فرع لو حذف حرف القسم فقال الله لأفعلن كذا بجر الهاء أو نصبها أو رفعها ونوى اليمين فهو يمين وإن لم ينو فليس بيمين في الرفع على المذهب ولا في النصب على الصحيح ولا في الجر على الأصح لأن الرفع يحتمل الإبتداء فيبعد الحنث ويقرب في الجر الإستعارة
بالصلة الجارة ويليه النصب بنزع الجار
فرع لو قال يله فشد اللام كما كانت وحذف الألف بعدها فهو غير

ذاكر لإسم الله تعالى ولا حالف لأن البلة هي الرطوبة فلو نوى بذلك اليمين فقال الشيخ أبو محمد والإمام الغزالي هو يمين ويحمل حذف الألف على اللحن لأن الكلمة تجري كذلك على ألسنة العوام أو الخواص
قلت ينبغي ان لا يكون يمينا لأن اليمين لا يكون إلا بإسم الله تعالى أو صفته ولا يسلم أن هذا لحن لأن اللحن مخالفة صواب الأعراب بل هذه كلمة أخرى والله أعلم
الثامنة في ضبط ما يحلف به وفيه طريقان إحداهما وهي اقصرهما أن اليمين إنما ينعقد إذا حلف بما مفهومه ذات الباري سبحانه وتعالى أو صفة من صفاته والثانية وهي أقرب إلى سياق المختصر أنها لا تنعقد إلا إذا حلف بالله أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته وأراد بالقسم الأول أن يذكر ما يفهم منه ذات الله تعالى ولا يحتمل غيره من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى وذلك كقوله والذي أعبده أو أسجد له أو أصلي له والذي فلق الحبة أو نفسي بيده أو مقلب القلوب فتنعقد يمينه سواء أطلق أو نوى الله سبحانه وتعالى أو غيره وإذا قال قصدت غيره لم يقبل ظاهرا قطعا وكذا لا يقبل أيضا فيما بينه وبين الله على الصحيح المعروف في المذهب وحكي فيه وجه ضعيف وأما القسم الثاني وهو الحلف بالأسماء فالأسماء ثلاثة أنواع أحدها ما يختص بالله تعالى ولا يطلق في حق غيره كالله والإله والرحمن ورب العالمين ومالك يوم الدين وخالق الخلق والحي الذي لا يموت والأول الذي

ليس قبله شيء والواحد الذي ليس كمثله شيء فحكم الحلف به حكم القسم الأول وفي كتاب ابن كج أنه ليس في الأسماء صريح في الحلف إلا الله وهذا غريب ضعيف
النوع الثاني ما يطلق في حق الله وفي حق غير الله تعالى لكن الغالب استعماله في حق الله تعالى وأنه يقيد في حق غيره بضرب تقييد كالجبار والحق والرب والمتكبر والقادر والقاهر فإن حلف باسم منها ونوى الله تعالى أو أطلق فيمين وإن نوى غير الله فليس بيمين والخالق والرزاق والرحيم من هذا النوع على الصحيح وبه قطع الجمهور وقيل من الأول
النوع الثالث ما يطلق في حق الله تعالى وفي حق غيره ولا يغلب استعماله في أحد الطرفين كالحي والموجود والمؤمن والكريم والغني وشبهها فإن نوى به غير الله تعالى أو أطلق فليس بيمين وإن نوى الله تعالى فوجهان أحدهما يمين وبه قطع صاحب المهذب والتهذيب وفي شرح الموفق بن طاهر ان صاحب التقريب وأبا يعقوب قطعا به ونقلاه عن شيوخ الأصحاب والثاني وهو الأصح وبه أجاب الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وسائر العراقيين والإمام والغزالي لا يكون يمينا لأن اليمين إنما تنعقد بإسم معظم والأسماء التي تطلق في حق الخالق والمخلوق إطلاقا واحدا ليس لها حرمة ولا عظمة
قلت الأصح أنه يمين وبه قطع الرافعي في المحرر وصاحب التنبيه والجرجاني وغيرهما من العراقيين لأنه اسم يطلق على الله وقد نواه وقولهم ليس له حرمة مردود والله أعلم والسميع والبصير والعليم والحكيم من هذا النوع لا من الثاني على الأصح فقد عد البغوي العالم من هذا النوع واعلم أن ابن كج

نقل وجها أن الحلف بأي اسم كان من الأسماء التسعة والتسعين المذكورة في الحديث صريح ولا فرق بين بعضها وبعض وهذا غريب وأما القسم الثالث فالحلف بالصفات فمتكلم في صور
منها إذا قال وحق الله لأفعلن كذا فإن نوى به اليمين فيمين وإن نوى غيرها من العبادات وغيرها فليس بيمين وإن أطلق فوجهان أحدهما ليس بيمين حكي عن المزني وأبي إسحاق واختاره الإمام والغزالي والصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه يمين لأنه غلب استعماله في اليمين فتصير هذه القرينة صارفة للفظ إلى معنى استحقاق الالهية والعظمة وقال المتولي ولو قال وحق الله بالرفع ونوى اليمين فيمين وإن أطلق فلا وإن قاله بالنصب وأطلق فوجهان والذي أجاب به البغوي المنع في النصب أيضا
ومنها قوله وحرمة الله وهو كقوله وحق الله وقيل هو كقوله وعظمة الله كما سنذكره إن شاء الله تعالى
ومنها قوله وقدرة الله وعلم الله ومشيئة الله وسمع الله وبصر الله فهذه صفات قديمة فإن نوى بها اليمين أو أطلق انعقدت يمينه وإن أراد بالعلم المعلوم وبالقدرة المقدور قبل قوله ولم يكن يمينا لأن اللفظ محتمل له ولهذا يقال في الدعاء اغفر علمك فينا أي معلومك ويقال انظر إلى قدرة الله أي مقدوره فيكون كقوله ومعلوم الله ومقدوره وخلق الله وذلك ليس بيمين وبمثله أجاب الإمام في إحياء الله تعالى وإن قال وعظمة الله وكبرياء الله وعزته وجلاله وبقائه فالحكم كما في العلم والقدرة ولم يفرقوا بين الصفات المعنوية الزائدة على الذات وغيرها هذا هو المذهب الذي قطع به الجمهور في هذه الصفات وحكى الإمام وجهان أن الحلف بهذه الصفات كالحلف بالله حتى لو قال أردت غير اليمين لا يقبل ظاهرا ووجها أنه إن أراد

غير اليمين ويقبل في العلم والقدرة للإحتمال المذكور ولا يقبل في العظمة والجلال والكبرياء إذ لا يتخيل فيها مثل ذاك الإحتمال وضعف هذا وقال قد يقال عاينت عظمة الله وكبرياءه ويريد مثل ذلك ومنها لو قال وكلام الله انعقدت يمينه قال البغوي وكذا لو قال وكتاب الله وقرآن الله قال إبراهيم المروزي وكذا لو قال القرآن أو والمثبت في المصحف قال المتولي وإن حلف بالمصحف نظر إن قال وحرمة ما هو مكتوب فيه فهو يمين وكذا لو قال وحرمة هذا المصحف لأن احترامه لما هو مكتوب فيه وإذا أراد الرق والجلد لم يكن يمينا
قلت لم يتعرض لما إذا قال والمصحف وأطلق وهو يمين صرح به بعض الأصحاب وبه أفتى الإمام أبو القاسم الدولعي خطيب دمشق من متأخري أصحابنا قال لأنه إنما يقصد به الحلف بالقرآن المكتوب ومذهب أصحابنا وغيرهم من أهل السنة أن القرآن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور ولا يقصد الحالف نفس الورق والمداد ويؤيده أن الشافعي رضي الله عنه استحسن التحليف بالمصحف واتفق الأصحاب عليه ولو لم ينعقد اليمين به عند الإطلاق لم يحلف به والله أعلم ولو قال والقرآن وأراد غير اليمين لم يكن يمينا فقد يراد بالقرآن الخطبة والصلاة
التاسعة إذا قال أقسم بالله أو أقسمت بالله أو أحلف بالله أو حلفت بالله فله أحوال

أحدها أن يقول أردت بالأول الوعد بالحلف وبالثاني الإخبار عن ماض فيقبل باطنا وأما في الظاهر فإن علم له يمين ماضية قبل قوله في إرادتها بأقسمت وحلفت بلا خلاف وإلا فالنص أنه يقبل أيضا قوله في إرادة الوعد والإخبار وقال في الإيلاء إذا قال أقسمت بالله لا وطئتك ثم قال أردت يمينا ماضية لم يقبل وللأصحاب فيها ثلاثة طرق المذهب في أن الإيلاء وسائر الأيمان قولين أظهرهما القبول لظهور الإحتمال والثاني المنع لظهوره في الإنشاء والطريق الثاني القطع بالمنع وحمل ما ذكره هنا على القبول باطنا والثالث تقرير النصين والفرق أن الإيلاء متعلق حق المرأة وحق الآدمي مبني على المضايقة وسائر الأيمان واجبها الكفارة وهي حق الله تعالى
الحال الثاني أن يقول أردت اليمين فيكون يمينا قطعا
الحال الثالث أن يطلق فالمذهب عند الجمهور أنه يمين وخالفهم الإمام في الترجيح وقيل وجهان وقيل قولان وقيل أقسم صريح بخلاف أقسمت وهو ضعيف
قلت لو قال آليت أو أؤلي فهو كحلف أو أحلف ذكره الدارمي وهو ظاهر والله أعلم العاشرة إذا قال أشهد بالله أو شهدت بالله فإن نوى اليمين فيمين وإن أراد غير اليمين فليس بيمين وإن أطلق فالمذهب أنه ليس بيمين لتردد الصيغة وعدم اطراد عرف شرعي أو لغوي ونقل الإمام هذا عن

العراقيين وبه قال ابن سلمة
فرع لو قال أعزم بالله أو عزمت بالله لأفعلن
فإن نوى غير اليمين أو أطلق فليس بيمين وإن نوى اليمين فيمين


فرع لو قال أقسم أو أقسمت أو أحلف أو حلف أو شهد أو شهدت أو أعزم أو عزمت لأفعلن كذا ولم يقال بالله لم يكن يمينا وإن نوى اليمين لأنه لم يحلف

باسم الله تعالى ولا بصفته
فرع لو قال الملاعن في لعانه أشهد بالله وكان كاذبا هل يلزمه الكفارة وجهان أصحهما نعم والخلاف شبيه بالخلاف في وجوب الكفارة على المؤلي إذا وطيء قال الإمام والصورة مفروضة فيما إذا زعم أنه قصد اليمين أو أطلق وجعلنا مطلقه يمينا قال ويمكن أن يجيء الخلاف وإن
قصد غير اليمين لأن ألفاظ اللعان معروضة عليه في مجلس الحكم ولا أثر للتورية في مجلس الحكم
الحادية عشرة إذا قال وأيم الله أو وأيمن الله لأفعلن كذا فإن نوى اليمين فيمين وإن أطلق فليس بيمين على الأصح لأنه وإن كان مشهورا في اللغة فلا يعرفه إلا خواص الناس قال الأصحاب ولو قال لاها الله ولم ينو اليمين فليس بيمين وإن كان مستعملا في اللغة لعدم اشتهاره
قلت وقوله وأيم الله بكسر الميم وضمها والضم أشهر ولاها الله بالمد والقصر وإن نوى به اليمين كان يمينا قطعا والله أعلم


الثانية عشرة إذا قال لعمر الله لأفعلن إن نوى فيمين وإن أطلق فلا على الأصح
الثالثة عشرة إذا قال علي عهد الله وميثاقه وذمته وأمانته وكفالته لأفعلن كذا فإن نوى اليمين فيمين والمراد من عهد الله استحقاقه لإيجاب ما أوجبه علينا أو تعبدنا به وإن أراد غير اليمين كالعبادات فليس بيمين وإن أطلق فوجهان قال أبو إسحاق يمين للعادة الغالبة والأصح المنع لتردد اللفظ وقد فسرت الأمانة في قول الله تعالى { إنا عرضنا الأمانة } بالعبادة وإذا أراد اليمين بهذه الألفاظ انعقدت يمين واحدة والجمع بين الألفاظ تأكيد كقوله والله الرحمن الرحيم لا يتعلق بالحنث فيها إلا كفارة واحدة ولك أن تقول إن قصد بكل لفظ يمينا فليكن كما لو حلف على الفعل الواحد مرارا
قلت هذا الذي استدركه الرافعي رحمه الله صحيح موافق للنقل قال الدارمي قال ابن القطان إذا نوى التكرار ففي تكرار الكفارة القولان فيمن حلف على الفعل الواحد مرارا وطرده في قوله والله الرحمن الرحيم والله أعلم
أما إذا قال وعهد الله وميثاق الله وأمانة الله فقال المتولي إن نوى اليمين فيمين وإن أطلق فلا
قلت قد ذكر الرافعي نذر اللجاج والغضب في هذا الموضع وقد قدمته في كتاب النذور

& الباب الثاني في كفارة اليمين فيه ثلاثة أطراف
الأول في سبب الكفارة وهي واجبة على من حنث وفي سبب وجوبها وجهان الصحيح عند الجمهور أنه اليمين والحنث جميعا والثاني أنه اليمين فقط ولكن الحنث شرط

فصل يجوز التكفير قبل الحنث إن كفر بغير الصوم ولم يكن الحنث معصية ويستحب أن يؤخر التكفير عن الحنث ليخرج من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه وإن كفر بالصوم فالصحيح المشهور أنه لا يجوز تقديمه على الحنث وفيه وجه وقول قديم أنه يجوز وإن كان الحنث لمعصية بأن حلف
لا يزني فهل يجزئه التكفير قبله وجهان أصحهما عند الأكثرين نعم ولو قال أعتقت هذا العبد عن كفارة يميني إذا حنث عتق العبد عن الكفارة إذا حنث بخلاف ما لو قال أعتقته عن الكفارة إذا حلفت فإنه لا يجزئه عن الكفارة لأنه قدم التعليق على اليمين وفي الصورة السابقة قدمه على الحنث فقط ولو قال إذا حنثت في يميني غدا فهو حر عن كفارتي فإن حنث غدا عتق عن الكفارة وإلا لم يعتق لأن المعلق عليه لم يوجد ولو قال أعتقته عن كفارة يميني إن حنثت ثم بان أنه حنث عتق عن الكفارة وإلا لم يعتق ولو قال أعتقته عن كفارة يميني إن حلفت وحنثت فبان حالفا قال البغوي ينبغي ألا يجزئه لأنه شاك في اليمين وفي الصورة السابقة الشك في الحنث والتكفير قبل الحنث جائز وعلى قياسه لو قال هو حر عن ظهاري إن ظاهرت فبان أنه ظاهر ينبغي أن لا يجوز


فرع أعتق عبدا عن الكفارة قبل الحنث ثم ارتد العبد أو مات قبل الحنث لم يجزئه عن الكفارة كما لو عجل الزكاة ثم ارتد المدفوع إليه قبل تمام الحول وتغير الحال في التكفير قبل الحنث كهو في تعجيل الزكاة قال البغوي
ويحتمل أن يجزئه إذا ارتد أو مات كما لو ماتت الشاة المعجلة قبل الحول
فرع يجوز تقديم كفارة القتل على الزهوق بعد حصول الجرح وتقديم جزاء السيد على الزهوق بعد جرح الصيد هذا هو المذهب وقيل فيهما الخلاف في تقديم الكفارة على الحنث المحرم لأن سراية فعله كفعله وهو حرام وهذا ليس بشيء قال الإمام وقياسه أن يقال لو حلف لا يقتل زيدا فجرحه وكفر عن اليمين قبل حصول الزهوق ففي الإجزاء الوجهان قال وهو بعيد ثم هذا في التكفير بالإعتاق وأما الصوم فلا يقدم على الصحيح كما سبق ولا يجوز تقديم كفارة القتل على الجرح بحال لا في الآدمي ولا في الصيد وفيه احتمال لابن سلمة تنزيلا للعصمة منزلة أحد السببين وحكى ابن كج وجها في جواز التقديم على جرح الصيد ووجها أنه إن كان يقتله مختارا بلا ضرورة لم يجز وإن اضطر
الصيد إليه جاز والمذهب الأول
فرع التكفير عن الظهار بالمال بعد الظهار وقبل العود جائز على المذهب وقيل فيه الخلاف في الحنث المحرم وليس بشيء لأن العود ليس بحرام ويتصور التكفير بين الظهار والعود فيما إذا ظاهر من رجعية ثم كفر

ثم راجعها وفيما إذا ظاهر ثم طلق رجعيا ثم كفر ثم راجع أو طلق بائنا وكفر ثم نكحها وقلنا يعود الحنث فيما إذا ظاهر مؤقتا و صححنا وكفر وصار عائدا بالوطء وفيما إذا ظاهر وارتدت الزوجة عقبه فكفر ثم أسلمت ثم صار عائدا وأما إذا ظاهر وأعتق على الإتصال عن ظهاره فهذا ليس بتكفير قبل العود بل هو تكفير مع العود لأن اشتغاله بالإعتاق عود والحكم

الإجزاء أيضا
فرع لا يجوز تقديم كفارة الجماع في شهر رمضان ولا في الحج والعمرة على الجماع وقيل يجوز لكفارة اليمين والصحيح الأول لأن هذه الكفارة لا تنسب إلى الصوم والإحرام بل إلى الجماع وتلك تنسب إلى اليمين وكذا لا يجوز تقديم فدية الحلق والتطيب واللبس عليها فإن وجد
سبب يجوز فعلها بأن احتاج إلى الحلق أو التطيب لمرض أو اللبس لبرد جاز التقديم على الأصح
فرع يجوز تعجيل المنذور إذا كان ماليا بأن قال إن شفى الله مريضي أو رد غائبي فلله علي أن أعتق أو أتصدق بكذا فيجوز تقديم الإعتاق والتصدق
على الشفاء ورجوع الغائب وفي فتاوى القفال ما ينازع فيه
فرع الحامل والمرضع إذا شرعتا في الصوم ثم أرادتا الإفطار فأخرجتا الفدية قبل الإفطار جاز على الأصح وعلى هذا ففي جواز تعجيل الفدية لسائر الأيام وجهان كتعجيل زكاة عامين

فصل تكره اليمين إلا إذا كانت في طاعة كالبيعة على الجهاد ويستثنى أيضا الأيمان الواقعة في الدعاوي إذا كانت صادقة فإنها لا تكره
قلت وكذا لا يكره إذا دعت إليه حاجة كتوكيد كلام أو تعظيم أمره كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فوالله لا يمل الله حتى تملوا وفي الحديث الآخر والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وأشباهه في الصحيح كثيرة مشهورة والله أعلم ثم إن حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والإقامة عليها واجبة والحنث معصية وتجب به الكفارة وإن حلف على ترك واجب أو فعل حرام فيمينه معصية ويجب عليه أن يحنث ويكفر وإن حلف على فعل نقل كصلاة تطوع وصدقة تطوع فالإقامة على ذلك طاعة والمخالفة مكروهة وإن حلف على ترك نفل فاليمين مكروهة والإقامة عليها مكروهة والسنة أن يحنث وعد الشيخ أبو حامد وجماعة من هذا القبيل ما إذا حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما وقالوا اليمين عليه مكروهة لقول الله تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } واختار القاضي أبو الطيب أنها يمين طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش وقال ابن الصباغ يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغهم للعبادة وإشغالهم بالضيق والسعة وهذا أصوب وإن حلف على مباح لا يتعلق به مثل هذا الغرض كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب وتركها فله أن يقيم على اليمين وله أن يحنث وهل الأفضل الوفاء باليمين أم الحنث أم يتخير بينهما ولا ترجيح كما كان قبل اليمين فيه أوجه أصحها الأول وبه قال أبو علي الطبري واختاره الصيدلاني وابن الصباغ والغزالي وغيرهم لقول الله تعالى { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها }

ولما فيه من تعظيم اسم الله تعالى وقد حصل مما ذكرناه أن اليمين لا تغير حال المحلوف عليه عما كان وجوبا وتحريما وندبا وكراهة وإباحة
الطرف الثاني في كيفية كفارة اليمين وهي مختصة باشتمالها على تخيير في الابتداء وترتيب في الانتهاء فيتخير الحالف بين أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة فإن اختار الإطعام أطعم كل واحد مدا والقول في جنس الطعام وكيفية إخراجه ومن يصرف إليه وامتناع إخراج القيمة وصرف الأمداد العشرة إلى بعض وسائر المسائل على ما سبق في الكفارات وإن اختار الكسوة كساهم على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وإن اختار الاعتاق فلتكن الرقبة بالصفات المذكورة في الكفارات
ولو أطعم بعض العشرة وكسا بعضهم لم يجزئه كما لا يجوز أن يعتق نصف رقبة ويطعم أو يكسو خمسة ولو أطعم عشرة وكسا عشرة وأعتق رقبة أو أطعم ثلاثين مسكينا أو كساهم عن ثلاث كفارات ولم يعين أجزأه عنهن فإن عجز عن الخصال الثلاث صام ثلاثة أيام والقول فيما يحصل به العجز ذكرناه في الكفارات ومن له أن يأخذ سهم الفقراء أو المساكين من الزكوات أو الكفارات له أن يكفر بالصوم لأنه فقير في الأخذ فكذا في الإعطاء وقد يملك نصابا ولا يفي دخله بخرجه فيلزمه الزكاة وله أخذها والفرق بين البابين أنا لو أسقطنا الزكاة خلا النصاب عنها بلا بدل وللتكفير بالمال بدل وهو الصوم
وهل يجب التتابع في صوم الثلاثة قولان أظهرهما عند الأكثرين لا قال الإمام وهو الجديد فإن أوجبناه فالفطر في اليوم الثاني أو الثالث بعذر المرض أو السفر على الخلاف في

كفارة الظهار والحيض هنا يقطع التتابع لإمكان الاحتراز عنه بخلاف الشهرين وقيل لا يقطعه كالشهرين وقيل قولان كالمرض والمذهب الأول فإن كانت لم تحض قط فشرعت في الصوم فابتدأها الحيض فهو كالمرض

فرع تجب في الكسوة التمليك والواجب ثوب قميص أو سراويل أو عمامة
أو جبة أو قباء أو مقنعة أو إزار أو رداء أو طيلسان لأن الاسم يقع على كل هذا وحكي قول أنه يشترط ساتر العورة بحيث تصح الصلاة فيه فتختلف الحال بذكورة الآخذ وأنوثته فيجزىء الإزار إن أعطاه لرجل ولا يجزىء إن أعطاه لامرأة والمشهور الأول
قلت ويجزىء المنديل صرح به أصحابنا والمراد به هذا المعروف الذي يحمل في اليد وقد صرح الدارمي بأن كل واحد من المنديل والعمامة يجزىء
والله أعلم
وأما الثوب الصغير الذي يكفي لرضيع وصغير دون كبير فإن أخذه الولي لصغير جاز لأن صرف طعام الكفارة وكسوتها للصغار جائز كما في الزكاة ويتولى الولي الأخذ وإن أخذه كبير لنفسه جاز على الأصح وبه قال القاضي حسين لأنه لا يشترط أن يلبس الآخذ ما يأخذه ولهذا يجوز أن يعطي الرجل كسوة المرأة وعكسه ولا يشترط المخيط بل يجوز دفع الكرباس ويستحب أن يكون جديدا خاما كان أو مقصورا فإن كان ملبوسا نظر إن تخرق أو ذهبت قوته لمقاربة الانمحاق لم يجزئه كالطعام المعيب وإن لم ينته إلى ذلك الحد أجزأه كالطعام العتيق لا يجزىء المرقع إن رقع للتخرق

والبلى إن خيط في الابتداء مرقعا لزينة وغيرها أجزأه ولو كساه ثوبا لطيفا مهلهل النسج غير بال في جنسه لكن مثله إذا لبس لا يدوم إلا بقدر ما يدوم الثوب البالي قال الإمام يظهر أنه لا يجزىء لضعف النفع فيه وأما الجنس فيجزىء المتخذ من صوف وشعر وقطن وكتان وقز وابريسم سواء كان المدفوع إليه رجلا لا يحل له لبسه أو امرأة وفي الرجل وجه تضعيف وسواء في كل جنس الجيد والرديء والمتوسط وللقاضي حسين احتمال في اشتراط الكسوة الغالبة في البلد كالطعام وفي الدرع والمكعب وهو المداس والنعل والجوارب والخف والقلنسوة والتبان وهو سراويل قصيرة لا تبلغ الركبة فوجهان أصحهما المنع لعدم اسم الكسوة والثاني الإجزاء لإطلاق اسم اللبس ومنهم من قطع بالمنع في الخف والنعل والجوارب ولا تجزىء المنطقة والخاتم قطعا وكذا التكة على المذهب وفي جمع الجوامع للروياني طرد الخلاف فيها قال الصيدلاني ويجزىء قميص اللبد في بلد جرت عادة غالب الناس أو نادرهم بلبسه
قلت قال الدارمي فإن دفع ما لا يعتاد لبسه كجلود ونحوها لم يجزئه
والله أعلم
الطرف الثالث فيمن تلزمه الكفارة وهو كل مكلف حنث في يمينه سواء فيه الحر والعبد والمسلم والكافر فإن مات قبل إخراجها أخرجت من تركته

فصل العبد يكفر عن اليمين وغيرها بالصوم لأنه لا يملك على الأظهر
وإن قلنا يملك بتمليك سيده فإن أطلق التمليك لم يملك إخراج الكفارة بغير إذن سيده وإن ملكه الطعام أو الكسوة ليخرجه في

الكفارة أو ملكه مطلقا ثم أذن له في ذلك كفر بالإطعام أو الكسوة
وقد ذكرنا ذلك في الكفارات وذكرنا أنه لو ملكه عبدا ليعتقه عن الكفارة لم يقع عن الكفارة على المذهب وبناه الإمام على أنه لو ملكه عبدا وأذن في إعتاقه متبرعا فلمن الولاء فيه أقوال
أحدها للسيد لقصور العبد عن استحقاق حقوق الولاء من الإرث والولاية
والثاني يوقف
فإن عتق العبد بان أن الولاء له وإن مات رقيقا فلسيده
والثالث للعبد فعلى هذا إن أذن له في الإعتاق عن الكفارة وقع عنها وثبت له الولاء وإن قلنا الولاء للسيد وقع العتق له على الأصح وكأن الملك انقلب إليه وفي وجه وقول يقع عن العبد ويجزئه عن الكفارة ويختص التعذر بالولاء وإن قلنا بالتوقف في الولاء فوجهان قال القفال تجزىء عن الكفارة وقال الصيدلاني والقاضي حسين يتوقف في الوقوع عن الكفارة تبعا للولاء فإذا قلنا في هذه التفاريع يقع العتق عن الكفارة فأذن السيد في الإعتاق في كفارة مرتبة فهل له أن يكفر بالصوم لضعف ملكه فيه احتمالان للإمام لأنه لا يعد موسرا ولهذا ينفق على زوجته نفقة المعسر وإن ملكه السيد أموالا عظيمة
ولو أعتق المكاتب عن كفارته بإذن سيده وصححنا تبرعاته بإذن سيده قال الصيدلاني الذي ذكره الأصحاب أنه تبرأ ذمته عن الكفارة وعندي أن الأمر موقوف فقد يعجز فيرق فيكون الولاء موقوفا فيجب التوقف في الكفارة ولو كفر السيد عن العبد باطعام أو كسوة أو إعتاق باذنه فهو على الخلاف في أنه يملك بالتمليك بتفريعه وإذا كفر بالصوم فهل يستقبل به أم يحتاج إلى إذن السيد فيه خلاف وتفصيل سبق في الكفارات
وحيث يحتاج فللسيد منع الأمة من الصوم لأنه يفوت الاستمتاع والكفارة على التراخي وله منع العبد عن الصوم إن كان

يضعف به عن الخدمة أو يناله ضرر وإلا فلا منع على الأصح وعلى هذا لا يمنعه من صوم التطوع وصلاة التطوع في مثل هذه الحالة في غير زمان الخدمة كما لا يمنعه من الذكر وقراءة القرآن في تردداته وحيث احتاج إلى الإذن فصام بلا إذن أجزأه كما لو صلى الجمعة بلا إذن
ولو مات العبد وعليه كفارة يمين فللسيد أن يكفر عنه بالإطعام وإن قلنا لا يملك بالتمليك لأن التكفير عنه في الحياة يتضمن دخوله في ملكه والتكفير بعد الموت لا يستدعي ذلك ولأنه ليس للميت ملك محقق ولأن الرق لا يبقى بعد الموت فهو الحر سواء هذا ما قطع به الأصحاب وفيه احتمال للإمام فعلى الأول لو أعتق عنه لم يجزئه على الأصح لما ذكرنا من اشكال الولاء

فصل في الحر يموت وعليه كفارة فتخرج من تركته سواء أوصى بها
لا وسبيلها سبيل الديون وذكرنا في كتاب الوصية وجها أنه إن أوصى بها حسبت من الثلث ووجها أنها من الثلث وإن لم يوص والصحيح الأول وإذا وفت التركة بحقوق الله تعالى وحقوق الآدمي قضيت جميعا وإن لم تف وتعلق بعضها بالعين وبعضها بالذمة قدم التعلق بالعين سواء اجتمع النوعان أو انفرد أحدهما وإن اجتمعا وتعلق الجميع بالعين أو الذمة فهل يقدم حق الله تعالى أم الآدمي أم يستويان فيه ثلاثة أقوال سبقت في مواضع أظهرها الأول ولا تجري هذه الأقوال في المحجور عليه بفلس إذا اجتمع النوعان بل تقدم حقوق الآدمي وتؤخر حقوق الله تعالى ما دام حيا وإن كانت الكفارة مرتبة أعتق عنه الوارث وكذا لو أوصى

الوصي ويكون الولاء للميت فإن تعذر الاعتاق أطعم من التركة وإن كانت كفارة تنجيز جاز الاطعام والكسوة من التركة وكذا الإعتاق على الأصح والواجب من الخصال أقلها قيمة فإن لم تكن تركة فتبرع أجنبي بالاطعام أو الكسوة عنه من مال نفسه جاز على الأصح فإن تبرع بهما الوارث جاز على الصحيح وقيل لا لبعد العبادات عن النيابة وإن تبرع الأجنبي بالإعتاق في كفارة التنجيز لم يصح على المذهب لعلتين إحداهما سهولة التكفير بغير اعتاق ولا يعتق لما فيه من عسر إثبات الولاء والثانية فيه إضرار بأقارب الميت لأنهم يؤاخذون بجناية عتيقه فإن كان المعتق وارثا جاز على العلة الثانية دون الأولى وفي الكفارة المرتبة للوارث أن يتبرع بالاعتاق وكذا للأجنبي على الأصح بناء على العلة الأولى وفي صوم الولي والأجنبي خلاف سبق في الصيام وإذا أوصى بأن يعتق عنه في كفارة التنجيز وزادت قيمة العبد على قيمة الطعام والكسوة فثلاثة أوجه أضعفها يتعين الإعتاق وتحسب قيمة العبد من رأس المال والثاني تحسب قيمة العبد من الثلث لأن براءة الذمة تحصل بلزومها فعلى هذا إن وفى الثلث بقيمة عبد مجزىء أعتق عنه وإلا بطلت الوصية وعدل إلى الإطعام والكسوة وهذا الوجه أصح وهو ظاهر اللص
والثالث تحسب قيمة أقلها قيمة من رأس المال والزيادة إلى تمام قيمة العبد من الثلث فإن وفى ثلث الباقي مضموما إلى الأقل المحسوب من رأس المال بقيمة عبد أعتق عنه وإلا بطلت الوصية وعدل إلى الإطعام والكسوة

فرع من بعضه حر وبعضه رقيق إن كان معسرا كفر بالصوم وإن
فوجهان وإن شئت قلت قولان منصوص ومخرج

الصحيح المنصوص لا يكفر بالصوم بل يطعم ويكسو والمذهب أنه لا يكفر بالإعتاق لتضمنه الولاية والارث وليس هو من أهلها وقيل في تكفيره بالعتق قولان كاعتاق المكاتب باذن سيده عن كفارته وهو ضعيف وخرج المزني أنه يكفر بالصوم وصوبه ابن سريج وبالله التوفيق

الباب الثالث فيما يقع به الحنث
الأصل الموجوع إليه في البر والحنث اتباع مقتضى اللفظ الذي تعلقت به اليمين وقد يتطرق إليه التقييد والتخصيص بنية تقترن به أو باصطلاح خاص أو قرينة والصور التي تدخل في الباب لا تتناهى لكن تكلم الشافعي والأصحاب رحمهم الله في أنواع تغلب ويكثر استعمالها ويقاس عليها غيرها وفيه أنواع الأول الدخول والمساكنة وفيه مسائل إحداها لو حلف لا يدخل الدار حنث بالحصول في عرصة الدار وأبنيتها من البيوت والغرف وغيرها فإن صعد سطحها بأن تسور جدارها أو جاء من دار الجار لم يحنث إن كان السطح غير محوط ولا عليه سترة فإن كان فوجهان الأصح وظاهر النص لا يحنث أيضا كما لو حصل على الجدار والثاني إن كان التحويط من الجوانب الأربعة حنث وإن كان من جانب فلا وإن كان من الجانبين أو ثلاثة فوجهان مرتبان
هذا إذا لم يكن السطح مسقفا فإن كان مسقفا كله أو بعضه حنث قطعا إذا كان يصعد إليه من الدار لأنه من أبنية الدار ولو حلف ليخرجن من الدار فهل يبر بصعود السطح وجهان أحدهما لا وبه قال الشيخ أبو محمد لأنه لا يعد خارجا حتى يفارق السطح وأصحهما نعم وبه قال القاضي حسين لأنه يصح أن يقال ليس هو

في الدار وإذا لم يكن فيها كان خارجا ويؤيده أن ابن الصباغ حكى عن الأصحاب أنه لو حلف لا يخرج من الدار فصعد سطحها حنث ولا يخفى أنه ينظر في الخروج أيضا إلى كون السطح محوطا أو غيره ولو حلف لا يدخل فدخل الطاق المضروب خارج الباب لم يحنث على الأصح لأنه لا يقال دخل الدار والثاني يحنث لأنه من الدار ولهذا يدخل في بيعها فلو دخل الدهليز خلف الباب أو بين البابين حنث لأنه من الدار وحكى الفوراني نصا ان داخل الدهليز لا يحنث وحملوه على الطاق خارج الباب وأشار الإمام إلى إثباته قولا في الدهليز وقال لا يبعد أن يقال دخل الدهليز ولم يدخل الدار وجعل المتولي الدرب المختص بالدار أمام البيت إذا كان داخلا في حد الدار ولم يكن فيأولها باب كالطاق قال فإن كان عليه باب فهو من الدار مسقفا كان أو غيره

فرع حلف لا يدخل الدار وهو فيها لا يحنث بالمكث وحكي قول
يحنث والمشهور الأول وعليه نص في حرملة ولو حلف لا يخرج وهو خارج لا يحنث بترك الدخول وكذا لو حلف لا يتزوج وهو متزوج أو لا يتطهر وهو متطهر أو لا يتوضأ وهو متوضىء فاستدام النكاح والطهارة والوضوء لا يحنث
ولو حلف لا يلبس وهو لابس فلم ينزع أو لا يركب وهو راكب فلم ينذل حنث بالاستدامة لأنه يسمى لبسا وركوبا ولهذا يصلح أن

يقال لبست شهرا وركبت ليلة ولا يصح أن يقال دخلت شهرا أو تزوجت شهرا وإنما يقال سكنت أو أقمت شهرا ولو حنث باستدامة اللبس ثم حلف لا يلبس فاستدام لزمه كفارة أخرى لأن اليمين الأولى انحلت بالاستدامة الأولى وهذه يمين أخرى وقد حنث فيها واستدامة القيام والقعود واستقبال القبلة قيام وقعود واستقبال وهل استدامة التطيب بطيب وجهان أصحهما لا
ولهذا لو تطيب ثم أحرم واستدام لا يلزمه الفدية وذكر الوجهان فيما لو حلف أن لا يطأ وهو في خلال الوطء فلم ينزع أو أن لا يصوم أو لا يصلي وهو شارع فيهما فلم يترك ويتصور ذلك في الصلاة إذا حلف ناسيا في الصلاة فإن اليمين تنعقد وإن حلف لا يغصب لم يحنث باستدامة المغصوب في يده ولو حلف لا يسافر وهو في السفر فوقف أو أخذ في العود في الحال لم يحنث في العود وكأن الصورة فيمن حلف على الأمتناع عن ذلك السفر وإلا فهو مسافر أيضا

فرع إذا حلف لا يدخل الدار حنث بالحصول فيها سواء دخلها من
أو من ثقب في الجدار أو كان في الدار نهر خارج فطرح نفسه في الماء فحمله أو سبح أو ركب سفينة فدخلت السفينة الدار ونزل من السطح
وفي صورة السطح وجه ضعيف وسواء دخلها راكبا أو ماشيا
ولو أدخل في الدار يده أو رأسه أو إحدى رجليه لم يحنث وكذا لو مد رجليه فأدخلهما الدار وهو قاعد خارجها لم يحنث وإنما يحنث إذا وضعهما في الدار واعتمد عليهما أو حصل في الدار متعلقا بشىء
ولو حلف لا يخرج فأخرج يده أو رجله أو رجليه وهو قاعد فيها لم يحنث
ولو كان في الدار شجرة منشرة الأغصان فتعلق ببعضها فان حصل في محاذاة البنيان بحيث صارت محيطة به

عالية عليه حنث
وإن حصل في محاذاة سترة السطح ففيه الوجهان
وإن كان اعلى من ذلك لم يحنث
المسألة الثانية حلف لا يدخل أو لا يسكن بيتا فاسم البيت يقع على المبني من طين أو آجر ومدر وحجر وعلى المتخذ من خشب وصوف ووبر وشعر وجلد وأنواع الخيام فإن نوى نوعا منها حمل عليه وإن أطلق حمل على أي بيت كان منها إن كان الحالف بدويا وإن كان قرويا فثلاثة أوجه
الأصح وظاهر النص يحنث أيضا
والثاني لا
والثالث إن كانت قريته قريبة من البادية حنث وإلا فلا ولا يحنث بدخول البيع والكنائس وبيوت الحمام والغار في الجبل والكعبة والمساجد على المذهب لأنها ليست للايواء والسكن ولا يقع عليها اسم البيت إلا بتقييد وخرج ابن سريج الجميع على قولين وحكى المتولي في الكعبة والمساجد وجها
ولو دخل دهليز دار أو صحنها أو صفتها لم يحنث على الصحيح
وعن القاضي أبي الطيب الميل إلى الحنث لأن جميع الدار بيت بمعنى الايواء
قلت ولا يحنث بدخول بيت الرحى على الصحيح ذكره الغزالي وغيره
والله أعلم
الثالثة حلف لا يسكن هذه الدار ولا يقيم فيها وهو عند الحلف فيها فمكث ساعة بلا عذر حنث وإذا مكث فسواء أخرج أهله ومتاعه أم لا لأنه حلف على سكنى نفسه لا أهله ومتاعه
فلو خرج وترك فيها أهله ومتاعه لم يحنث
ولو حلف لا يسكن دارا فانتقل إليها بنفسه دون أهله وماله حنث
ولو مكث لعذر بأن أغلق عليه الباب أو منع من الخروج أوخاف على نفسه أو ماله لو خرج أو كان مريضا أو زمنا لا يقدر على الخروج ولم يجد من

يخرجه لم يحنث
وإن مرض وعجز بعد الحلف ففي الحنث الخلاف في حنث المكره
وقد تخرج سائر الصور على ذلك الخلاف
فإن وجد المريض من يخرجه فينبغي أن يأمره باخراجه فإن لم يفعل حنث
وإن مكث الحالف مشتغلا بأسباب الخروج بأن انتهض لجمع المتاع ويأمر أهله بالخروج ويلبس ثوب الخروج لم يحنث على الأصح لأنه لا يعد ساكنا كما لو خرج في الحال ثم عاد لنقل متاع أو زيارة أو عيادة أو عمارة فإن الأصحاب قالوا لا يحنث لأنه فارقها وبمجرد العود لا يصير ساكنا
ولو احتاج إلى أن يبيت فيها ليلة لحفظ متاع ففيه احتمالان لابن كج
والأصح عنده أنه لا يحنث
ولو خرج في الحال ثم اجتاز بها بأن دخل من باب وخرج من آخر فقال القاضي حسين الصحيح أنه لا يحنث وإن تردد فيها ساعة بلا غرض حنث
وينبغي أن لا يحنث بالتردد لأنها لا تصير به مسكنا قال البغوي ولو عاد مريضا مارا في خروجه لم يحنث وإن قعد عنده حنث ولو خرج في الحال ثم دخل أو كان خارجا حين حلف ثم دخل لا يحنث بالدخول ما لم يمكث فان مكث حنث إلا أن يشتغل بحمل متاع كما في الابتداء
الرابعة في الحلف على المساكنة
قال الشافعي رحمه الله المساكنة أن يكونا في بيت أو بيتين حجرتهما واحدة ومدخلهما واحد
قال الشيخ أبو حامد أراد بالحجرة الصحن فإن أقام كل واحد في دار فلا مساكنة سواء كانت الداران كبيرتين أو صغيرتين أو إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة كحجرة لطيفة بجنب دار وسواء كانتا في درب نافذ أو غير نافذ
فإن سكنا في بيتين من خان كبير أو صغير أو من دار كبيرة فثلاثة أوجه
الأصح لا مساكنة سواء كان البيتان متلاصقين أو متفرقين والثاني بلى
والثالث تثبت

المساكنة في الدار دون الخان لأنها تعد مسكنا لواحد والخان يبنى لسكنى جماعة ويشبه أن لا يشترط في الخان أن يكون على البيت باب وغلق كالدور في الدرب ويشترط في الدار الكبيرة أن يكون على كل بيت منها باب وغلق فإن لم يكونا أو سكنا في صفتين منها أو في بيت وصفة فهما متساكنان في العادة
ولو أقاما في بيتين من دار صغيرة فهما متساكنان وإن كان لكل واحد باب وغلق لمقاربتهما وكونهما في الأصل مسكنا واحدا بخلاف الخان الصغير وهكذا فصل الأكثرون ومنهم من أطلق وجهين في بيتي الدار ولم يفرق بين الصغيرة والكبيرة ورأى الأصح حصول المساكنة
وعلى هذا لو كان أحدهما في الدار والآخر في حجرة منفردة المرافق وبابها في الدار فلا مساكنة على الأصح وبه قطع البغوي في حجرتين منفردتي المرافق في دار
والمرفق المستحم والمطبخ والمرقى وغيرها ولم يذكروا في الحجرة في الخان خلافا وإن كان المرقى في الخان
إذا تقرر هذا فقال والله لا أساكن زيدا فإما أن يقيد المساكنة ببعض المواضع لفظا بأن يقول في هذا البيت أو هذه الدار وإما أن لا يقيد
الحالة الأولى أن يقيد فيحنث بتساكنهما في ذلك الموضع فان كانا فيه عند الحلف ففارق أحدهما الآخر لم يحنث وإن مكثا فيه بلا عذر حنث
فإن بني بينهما حائل من طين أو غيره ولكل واحد من الجانبين مدخل أو أحدثا مدخلا فوجهان أحدهما لا يحنث لاشتغاله برفع المساكنة ورجحه البغوي
وأصحهما عند الجمهور يحنث لحصول المساكنة إلى تمام البناء بغير ضرورة
فإن

خرج أحدهما في الحال فبني الجدار ثم عاد ل يحنث الحالف
ولا يخفى أنه لا بأس والحالة هذه بالمساكنة في موضع آخر
الحالة الثانية أن لا يقيدها لفظا فينظر إن نوى موضعا معينا من بيت أو دار أو درب أو محلة أو بلد فالمذهب والذي قطع به الجمهور أن اليمين محمولة على ما نوى
وقيل إن كانا يسكنان بيتا من دار متحدة المرافق ونوى أن لا يساكنه حملت اليمين عليه وإن لم يكن كذلك ولا جرى ذكر تلك المساكنة كقول صاحبه ساكني في هذا البيت لم يقبل قوله وتحمل اليمين على الدار وفي البلد وجه أن اللفظ لا ينزل عليه لأنه لا يسمى مساكنة
وقيل يجيء هذا الوجه في المحلة
وإن لم ينو موضعا وأطلق المساكنة حيث بالمساكنة في أي موضع كان وحكى المتولي قولا أنه إذا أطلق وكل واحد منهما في دار وحجرة منفردة حملت اليمين على الاجتماع الحاصل فإن كانا في درب فلا بد من مفارقة أحدهما الدرب وإن كانا في محلة فلا بد من مفارقة أحدهما المحلة والمشهور الأول فعلى هذا لو كانا عند الحلف في بيتين من خان فلا مساكنة ولا حاجة إلى مفارقة أحدهما الآخر وعلى القول الشاذ يشترط مفارقته
وإن كانا في بيت من الخان فهل يكفي مفارقة أحدهما ذلك البيت أم يشترط مفارقته الخان فيه هذا الخلاف
ثم سواء نوى موضعا معينا أو أطلق فالقول في أن استدامة المساكنة مساكنة وفي الحائل المبني بينهما على ما سبق في الحالة الأولى
والاعتبار بالانتقال بالبدن دون الأهل والمال كما سبق
النوع الثاني ألفاظ الأكل والشرب وفيه مسائل
الأولى حلف فقال لا أشرب من ماء هذه الإداوة أو الجرة حنث بما

شرب من مائها من قليل أو كثير
ولو قال لأشربن من مائها بر بما شرب وإن قل
وإن قال لا أشرب من ماء هذا النهر أو لأشربن منه فالحكم كالإداوة
ولو قال لا أشرب من ماء هذه الإداوة أو الحب أو المصنع أو غيرها مما يمكن شرب جميعه ولو في مدة طويلة لم يحنث إلا بشرب جميعه
ومتى بقي شىء منه لم يحنث
قال في شرح مختصر الجويني سوى البلل الذي يبقى في العادة
ولو قال لأشربن ماء هذه الإداوة أو الحب لم يبر إلا بشرب الجميع
ولو قال لا أشرب ماء هذا النهر أو البحر أو البئر العظيمة فهل يحنث بشرب بعضه وجهان أحدهما نعم وبه قال ابن سريج وابن أبي هريرة وأصحهما لا وبه قال أبو إسحق وعامة الأصحاب وصححه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والروياني كمسألة الإداوة
قال القاضي وينبغي أن يقال لا تنعقد يمينه كما لو حلف لا يصعد السماء لأن الحنث فيه غير متصور
ولو حلف ليشربن ماء هذا النهر أو البحر فوجهان أحدهما يبر بشرب بعضه وإن قل وأصحهما لا يبر ببعضه وعلى هذا هل يلزمه الكفارة في الحال أم قبيل الموت وجهان أصحهما الأول لأن العجز متحقق في الحال وإنما يحسن الانتظار فيما يتوقع حصوله
وقيل لا تنعقد اليمين أصلا لأن البر غير متصور ولو حلف ليصعدن السماء ففي انعقاد يمينه وجهان الأصح الانعقاد وعلى هذا فيحكم بالحنث في الحال أم قبل الموت فيه الوجهان
ولو قال لأصعدن السماء غدا وفرعنا على انعقاد اليمين فهل يحنث وتجب الكفارة في الحال أم بعد مجيء الغد فيه الوجهان
ويشبه أن يرجح هنا الثاني
وعلى هذا فهل يحنث قبيل غروب الشمس من الغد أم قبل ذلك فيه خلاف سيأتي في نظيره إن شاء الله تعالى
ولو حلف لا يصعد السماء فهل ينعقد

يمينه وجهان أحدهما نعم وإن لم يتصور الحنث كما لو حلف أنه فعل كذا أمس وهو صادق وأصحهما لا بخلاف صورة الاستشهاد لأن الحلف هناك محتمل الكذب

فرع قال لأشربن ماء هذه الإداوة ولا ماء فيها أو لأقتلن فلانا
ميت فأربعة أوجه
أصحها أنه يحنث وتجب الكفارة في الحال والثاني قبيل الموت والثالث لا تنعقد اليمين والرابع يحنث في القتل دون الشرب
ولو قال لأقتلن فلانا وهو يظنه حيا وكان ميتا ففي الكفارة خلاف بناء على يمين الناسي
فرع قال القاضي أبو الطيب قال الأصحاب لو قال والله لا آكل
الكوفة أو خبز بغداد لم يحنث بأكل بعضه إلا أن ينوي غير ذلك
فرع قال لأشربن ماء هذه الإداوة

فانصب قبل أن يشرب أو مات الحالف نظر إن كان بعد الإمكان حنث
وإن كان قبله فقولان كالمكره
ولو قال لأشربن منه فصبه في حوض ثم شرب منه من موضع يعلم أنه وصل إليه بر وإن حلف لا يشرب منه فصبه في حوض وشرب منه حنث
وكذا لو حلف لا يشرب من لبن هذه البقرة فخلط بلبن غيرها بخلاف ما لو حلف لا يأكل هذه

التمرة فخلطها بصبرة لا يحنث إلا بأكل جميع الصبرة والفرق ظاهر

فرع حلف لا يشرب ماء فراتا أو من ماء فرات حمل على
من أي موضع كان
وإن قال من ماء الفرات حمل على النهر المعروف
ولو قال لا أشرب ماء الفرات أو لا أشرب من ماء الفرات فسواء أخذ الماء بيده أو في إناء فشرب أو كرع فيه حنث
ولو قال لا أشرب من ماء نهر كذا فشرب من ساقية تخرج منه أو من بئر محفورة بقرب النهر يعلم أن ماءها منه حنث
ولو قال لا أشرب من نهر كذا ولم يذكر الماء فشرب من ساقية بخرج منه حنث على الأصح كما لو أخذ الماء في إناء
ولو حلف لا يشرب من هذه الجرة أو غيرها مما وعتاد الشرب منه فجعل ماءه في كوز وشربه لم يحنث
المسألة الثانية قال لا آكل هذين الرغيفين أو لا ألبس هذين الثوبين لم يحنث إلا بأكلهما أو لبسهما سواء لبسهما معا أو لبس أحدهما ونزعه ثم لبس الآخر
وكذا لو قال لا أكلتهما أو لا لبستهما لم يبر إلا بأكلهما ولبسهما
ولو قال لا أكلم زيدا وعمرا ولا آكل اللحم والعنب لم يحنث إلا إذا أكلهما أو كلمهما إلا إذا نوى غير ذلك لأن الواو العاطفة تجعلهما كشىء واحد فكأنه قال لا آكلهما ولو قال لا أكلم زيدا ولا عمرا ولا آكل اللحم ولا العنب حنث بكل واحد منهما وهما يمينان لا تنحل إحداهما بالحنث في الأخرى
فلو قال لا أكلم أحدهما أو قال واحدا منهما ولم يقصد واحدا منهما بعينه فيحنث إذا كلم أحدهما وتنحل اليمين ولا يحنث بكلام الآخر
قال المتولي وكذا في الإثبات إذا قال لألبسن هذا الثوب الثوب وهذا فهما يمينان لوجود

حرف العطف ولكل واحد حكمها وفي هذا توقف
ولو أوجب حرف العطف كونهما يمينين لا كما لو قال لا ألبسهما لأوجب في قوله لا أكلم زيدا وعمرا ولا آكل اللحم والعنب كونهما يمينين لا كما لو قال لا أكلم هذين ولا آكل هذين

فرع قال لا آكل هذا الرغيف لم يحنث بأكل بعضه

ولو قال لآكلنه لم يبر إلا بأكل جميعه
فلو بقي في الصورة الأولى ما يمكن التقاطه وأكله لم يحنث كما لو قال لا آكل ما على هذا الطبق من التمر فأكل ما عليه إلا تمرة لا يحنث وإن جرت العادة بترك بعض الطعام للاحتشام من استيفائه أو لغير ذلك
وكذا لو قال لآكلن هذه الرمانة فترك حبة لم يبر وإن قال لا آكلها فترك حبة لم يحنث
المسألة الثالثة إذا حلف لا يأكل الرأس أو الرؤوس أو لا يشتريها حمل على التي تميز عن الأبدان وتباع مفردة وهي رؤوس الإبل والبقر والغنم
وفي رؤوس الإبل وجه شاذ عن ابن سريج فطرده ابن أبي هريرة في البقر والغنم
وقيل إن كان في بلد لا تباع فيه إلا رؤوس الغنم لم يحنث إلا بغيرها والصحيح الأول وبه قطع الجمهور فإن أكل رأس طير أو حوت أو ظبي أو صيد آخر لم يحنث على المشهور
فإن كانت رؤوس الصيد والحيتان تباع مفردة في بلد حنث بأكلها هناك
وهل يحنث بأكلها في غير ذلك البلد وجهان رجح الشيخ أبو حامد والروياني المنع والأقوى الحنث وهو أقرب إلى ظاهر النص
وهل يعتبر نفس البلد الذي يثبت فيه العرف أم كون الحالف من أهله وجهان
هذا كله عند الإطلاق
وقال المتولي فإن قصد أن لا يأكل ما يسمى رأسا حنث برأس السمك والطير
وإن قصد نوعا خاصا لم يحنث بغيره

فرع حلف لا يأكل البيض حمل على ما يزايل بايضه وهو
فلا يحنث ببيض السمك والجراد ويحنث ببيض الدجاج والنعام والأوز والعصافير وقيل لا يحنث إلا ببيض الدجاج وقيل بالدجاج والأوز
وقال الإمام الطريقة المرضية أنه لا يحنث إلا بما يفرد بالأكل في العادة دون بيض العصافير والحمام ونحوها والمذهب الأول
ولا يحنث بأكل خصية الشاة لأنها لا تفهم عند الإطلاق
وإن خرجت البيضة وهي منعقدة من الدجاجة فأكلها حنث وإن أخرجت بعد موتها فأكلها فوجهان
قلت الأصح الحنث
والله أعلم
المسألة الرابعة حلف لا يأكل الخبز حنث بأي خبز كان سواء فيه خبز البر والشعير والذرة والباقلاء والأرز والحمص لأن الجميع خبز ولا يضر كونه غير معهود بلده كما لو حلف لا يلبس ثوبا حنث بأي ثوب كان وإن لم يكن معهود بلده وذكر السرخسي وجها أنه لا يحنث بخبز الأرز إلا في طبرستان وبه قطع الغزالي ونسبه إلى الصيدلاني وهي نسبة باطلة وغلط في النقل بل الصواب الذي قطع به الأصحاب في جميع الطرق أنه يحنث به كل أحد وقد صرح بذلك الصيدلاني أيضا
قال المتولي ويحنث بخبز البلوط أيضا ويحنث بأكل الأقراص والرغفان وخبز الملة والمشحم وغيره وسواء أكله على هيئته أو جعله ثريدا
لكن لو صار في المرقة كالحسو

فتحساه لم يحنث وسواء ابتلعه بعد مضغ أو ابتلعه على هيئته فيحنث في الحالين وإن مضغه ولم يبتلعه لم يحنث سواء أدرك طعمه أم لا
ولو أكل جوز نيقا فوجهان حكاهما البغوي أحدهما يحنث لأنه لو نزع منه الحشو صار خبزا والأصح المنع
قلت والرقاق والبقسماط والبسيسة



والله أعلم
المسألة الخامسة حلف لا يأكل اللحم أو لا يشتريه لم يحنث بشحم البطن وشحم العين
والأصح أنه لا يحنث بشحم الظهر والجنب وهو الأبيض الذي لا يخالطه الأحمر لأنه لحم سمين
ولهذا يحمر عند الهزال
ولو حلف لا يأكل الشحم حنث بشحم البطن ولا يحنث باللحم قطعا ولا بشحم الظهر على الأصح
وعن الشيخ أبي زيد وجه ثالث أنه إن كان الحالف عربيا فشحم الظهر شحم في حقه لأنهم يعدونه شحما وإن كان عجميا فهو لحم في حقه
وفي شحم العين وجهان
ويدخل في اليمين على اللحم لحم النعم والوحش والطير المأكول كله
وفيما لا يؤكل كالميتة والخنزير والذئب والحمار وغيرها وجهان رجح الشيخ أبو حامد والروياني المنع والقفال وغيره الحنث
قلت المنع أقوى
والله أعلم
ولا يحنث بأكل السمك على الصحيح
والصحيح أن الألية ليست بلحم ولا شحم
وقيل لحم
وقيل شحم والسنام كالألية

ولو حلف على الألية لم يحنث بالسنام وكذا العكس
ولو حلف على الدسم تناول شحم الظهر والبطن والألية والسنام والأدهان كلها والمذهب أنه لا يدخل في اللحم الأمعاء والطحال والكرش والكبد والرئة ولا يدخل المخ قطعا وقد يجيء فيه الخلاف ولا يدخل القلب على الأصح ويحنث بأكل لحم الرأس والخد واللسان والأكارع على المذهب وقيل وجهان

فرع حلف لا يأكل لحم بقر حنث بلحم الجاموس وبالبقر الأهلي والوحشي

وقيل في الوحشي وجهان وهو ضعيف
ولو حلف لا يركب الحمار فركب حمار الوحش فوجهان بناء على أن الحمارين جنس في الربا أم جنسان وقد سبق في الربا وجهان في أن الجراد هل هو من جنس اللحوم ويمكن أن يخرج عليهما الحنث بأكله في يمين اللحم
قلت الصواب الجزم بعدم الحنث لعدم اطلاق الاسم لغة وعرفا
والله أعلم
فرع حلف لا يأكل ميتة لم يحنث بالمذكاة وإن حلها الموت للعرف

وهل يحنث بأكل السمك وجهان أحدهما نعم للحديث أحلت لنا ميتتان وأصحهما لا للعرف كما لو حلف لا يأكل دما لا يحنث بالكبد والطحال
المسألة السادسة حلف لا يأكل الزبد لا يحنث بأكل السمن
ولو حلف لا يأكل السمن لا يحنث بالزبد على الأصح لاختلاف الاسم والصفة
ولو حلف على الزبد والسمن لا يحنث باللبن ويدخل

في اللبن لبن الأنعام والصيد والحليب والرائب والماست والشيراز والمخيض وتوقف بعضهم في الشيراز
قال القاضي أبو الطيب لا معنى لتوقفه وفي المخيض وجه ضعيف فإن أكل الزبد فثلاثة أوجه أصحها وبه قطع ابن الصباغ إن كان اللبن ظاهرا فيه حنث وإن كان مستهلكا فلا
ولا يحنث بالسمن والجبن والمصل والأقط
وقال أبو علي ابن أبي هريرة والطبري يحنث بكل ما يستخرج من اللبن والصحيح الأول

فرع حلف لا يأكل السمن لا يحنث بالأدهان ولو حلف على الدهن
بالسمن على الأصح
السابعة حلف لا يأكل الجوز قال الغزالي يحنث بالجوز الهندي قال ولو حلف لا يأكل التمر لم يحنث بالهندي لأن الجوز الهندي قريب من الجوز المعروف طبعا وطعما بخلاف التمر الهندي
وقطع البغوي بأنه لا يحنث بالهندي في الصورتين وكذا لو حلف لا يأكل البطيخ لا يحنث بالهندي
ولو حلف لا يأكل الخيار لا يحنث بهذا الذي يقال له خيار شنبر
الثامنة كما أن الأعيان أجناس مختلفة الأسماء والصفات كذلك الأفعال أجناس مختلفة ولا يتناول بعضها بعضا فالشرب ليس بأكل وكذا العكس فإذا حلف لا يأكل فشرب ماء أو غيره أو حلف لا يشرب فأكل طعاما لا يحنث
واللبن والخل وباقي المائعات إذا حلف لا يأكلها فأكلها بخبز حنث أو شربها لم يحنث
وإن حلف

لا يشربها فالحكم بالعكس
ولو حلف لا يأكل سويقا فاستفه أو تناوله بملعقة أو باصبع مبلولة حنث
ولو ماثه في الماء وشربه لم يحنث
ولو حلف لا يشرب السويق فالحكم بالعكس
ولو كان السويق خاثرا بحيث يؤخذ بالملاعق فتحساه ففيه خلاف والأصح أنه ليس بشرب
ولو قال لا أطعم أو لا أتناول دخل في اليمين الأكل والشرب جميعا

فرع حلف لا يأكل السكر حنث بنفس السكر دون ما يتخذ منه
نوى
وكذا الحكم في التمر والعسل
ثم إن ابتلع السكر بلا مضغ فقد أكله كما لو أكل الخبز على هيئته وإن مضغه وازدرده ممضوغا حنث أيضا وإن وضعه في فمه فذاب ونزل لم يحنث على الأصح وبه قطع المتولي والبغوي كما أنه لا يسمى أكلا للسكر
فرع حلف لا يأكل العنب والرمان لم يحنث بأكل عصيرهما وشربه
ولو امتصهما ورمى الثفل لم يحنث أيضا لأنه ليس آكلا
حلف لا يأكل السمن فأكله وهو جامد وحده حنث وإن شربه ذائبا لم يحنث على الصحيح وإن أكله بخبز وهو جامد أو ذائب حنث على الصحيح وخالف فيه الاصطخري
وإن جعله في عصيدة أو سويق فالنص أنه يحنث
ونص أنه لو حلف لا يأكل خلا فأكله سكباجا لا يحنث فقال الجمهور ليس ذلك باختلاف

بل إن كان السمن ظاهرا في العصيدة والسويق يرى جرمه حنث وهذا مراده بنص السمن وكذا حكم الخل إذا كان ظاهرا بلونه وطعمه بأن أكل مرقة وهي حامضة وإن كان السمن أو الخل مستهلكا لم يحنث
وهذا مراده بنص الخل
وصوروا ذلك فيما إذا أكل لحم السكباج أو ما فيه من سلق وغيره ومنهم من أطلق وجهين أو قولين فيهما

فرع حلف لا يأكل أو لا يشرب لا يحنث بمجرد الذوق ولو
فأكل أو شرب حنث على الصحيح لتضمنهما الذوق
وإن أدرك طعم الشىء بالمضغ والامساك في الفم ثم مجه ولم ينزل إلى حلقه فوجهان
أحدهما لا يحنث كما لا يفطر
وأصحهما يحنث لأن الذوق إدراك الطعم
ولو حلف لا يأكل ولا يشرب ولا يذوق فأوجر في حلقه حتى صار في جوفه لم يحنث
ولو قال لا أطعم كذا فأوجره حنث لأن معناه لا جعلته لي طعاما
التاسعة حلف لا يأكل الفاكهة حنث بأكل العنب والرمان والرطب والتفاح والسفرجل والكمثرى والمشمش والخوخ والإجاص والأترج والنارنج والليمون والنبق والموز والتين ولا يحنث بالقثاء والخيار والباذنجان والجزر ويحنث بالبطيخ على الأصح وبه قال ابن سريج لأن له نضجا وإدراكا ويدخل في اسم الفاكهة الرطب واليابس كالتمر والزبيب والتين اليابس ومفلق الخوخ

والمشمش وهل يحنث بلب الفستق والبندق وغيرهما وجهان أصحهما نعم لأنه يعد من يابس الفاكهة كذا قاله الجمهور وقالوا لو حلف لا يأكل الثمار حنث بالرطب دون اليابسات
وقال المتولي لا يحنث باليابس في يمين الفاكهة أيضا
والصحيح الأول
العاشرة حلف لا يأكل البيض ثم حلف ليأكلن ما في كم زيد فاذا هو بيض فجعله في الناطف وأكله كله لا يحنث في واحدة من اليمينين ولا بد من أكل جميعه

فرع يتعلق بهذا النوع الرطب ليس بتمر والعنب ليس بزبيب وعصير العنب
ليس بعنب وعصير التمر ودبسه ليس بتمر والسمسم ليس بشيرج وكذا العكوس
والرطب ليس ببسر ولا بلح
ولو حلف لا يأكل الرطب فأكل المنصف نظر إن أكل النصف الذي أرطب حنث قطعا وإن أكل الجميع حنث على الصحيح وخالف فيه الاصطخري وأبو علي الطبري
وإن أكل النصف الذي لم يرطب لم يحنث ولو حلف لا يأكل البسر فأكل المنصف ففيه هذا التفصيل والحكم بالعكس
ولو حلف لا يأكل بسرة ولا رطبة فأكل منصفا لم يحنث
ولو حلف لا يأكل طعام تناول اللفظ القوت والإدام والفاكهة والحلواء
وفي الدواء وجهان
ولو حلف لا يأكل قوتا حنث بأكل ما يقتات من الحبوب ويحنث بالتمر والزبيب واللحم إن كان ممن يقتاتها وحلا فوجهان
ولو حلف لا يأكل إداما حنث بكل ما يؤتدم به سواء كان مما يصطبغ به كالخل والدبس والشيرج والزيت والسمن والمربى أو لا يصطبغ به كاللحم والجبن والبقل والبصل والفجل والثمار وكذا التمر والملح على الصحيح فيهما

واسم الماء يتناول العذب والملح ومياه الابار والأنهار وكذا ماء البحر وفيه احتمال للشيخ أبي حامد
فلو حلف لا يشرب الماء لم يحنث بأكل الجمد والثلج ويحنث بشرب مائهما
ولو حلف لا يأكل الجمد والثلج لم يحنث بشرب مائهما
والثلج ليس بجمد وكذا العكس
ولو حلف لا يأكل مما طبخه زيد فالاعتبار فيه بالايقاد إلى الإدراك أووضع القدر في التنور بعد سجره فان أوقد زيد تحته حتى أدرك أو وضعها في التنور فأكل منه حنث سواء وجد نصب القدر وتقطيع اللحم وصب الماء عليه وجمع التوابل وسجر التنور منه أو من غيره
ولو أوقد أو وضع في التنور مع غيره لم يحنث لأنه لم ينفرد بالطبخ وكذا لو أوقد هذا ساعة وهذا ساعة
قال الإمام ولو جلس الحاذق بالطبخ قريبا واستخدم صبيا في الإيقاد وقلل أو كثر ففيه تردد إذ يضاف الطبخ هنا إلى الأستاذ
ولو قال لا آكل ما خبزه فلان فالاعتبار بالصاقه إلى التنور لا بالعجن وسجر التنور وتقطيع الرغفان وبسطها
قلت ولو حلف لا يأكل ثريدا لم يحنث بخبز غير مثرود في مرق
والله أعلم
النوع الثالث في العقود وفيه مسائل إحداها حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد أو من طعام اشتراه زيد أو لا يلب ثوبا اشتراه زيد لم يحنث بما ملكه بإرث أو هبة أو وصية أو رجع إليه برد بعيب أو بإقالة وإن جعلنا الإقالة بيعا لأنه لا يسمى بيعا عند الإطلاق وكذا لا يحنث بما خلص له بالقسمة

وإن جعلناها بيعا
ويحنث بما ملكه بالتولية والإشراك والسلم لأنها بيوع ولا يحنث بما ملكه بالصلح على الصحيح وبه قطع الصيدلاني والبغوي والمتولي والروياني وغيرهم
ولو قال لا أدخل دارا اشتراها زيد لم يحنث بدار ملك بعضها بالشفعة
ولا يحنث بم اشتراه لزيد وكيله ويحنث بما اشتراه زيد لغيره بوكالة أو ولاية
ولو اشتراه زيد ثم باعه فأكله حنث لأنه موصوف بأن زيدا اشتراه
وكذا لو باع بعضه وأكل من ذلك البعض ولو أكل طعاما اشتراه زيد وعمرو لم يحنث على الصحيح
وقيل يحنث لأنه ما من جزء إلا وقد ورد عليه شراء زيد وهذا اختيار القاضي أبي الطيب
وقيل إن أكل النصف فما دونه لم يحنث وإن أكل أكثر منه حنث لأنا تتحقق أنه أكل مما اشتراه زيد ثم لم يفرق الجمهور بين قوله لا آكل من طعام اشتراه زيد وقوله طعاما اشتراه زيد
وخص البغوي الأوجه بما إذا قال من طعام اشتراه زيد وقطع بعدم الحنث فيما إذا قال طعاما اشتراه زيد قال إلا أن يريد أن لا يأكل طعامه أو من طعامه فيحنث بالمشترك
ولو اشترى زيد طعاما وعمرو طعاما وخلطا فأكل الحالف من المختلط فثلاثة أوجه
أحدها لا يحنث وإن أكل الجميع وبه قال ابن أبي هريرة لأنه لا يمكن الإشارة إلى شىء منه بأنه اشتراه زيد
والثاني وهو قول الاصطخري واختاره القاضي أبو الطيب إن أكل أكثر من النصف حنث وإلا فلا وهو عند استواء القدرين
والثالث وهو الأصح وبه قال أبو إسحق أنه إن أكل قليلا يمكن أن يكون مما اشتراه عمرو كعشر حبات من الحنطة وعشرين

حبة لم يحنث وإن أكل قدرا صالحا كالكف والكفين حنث لأنا نتحقق أن فيه مما اشتراه زيد

فرع قال لا أسكن دارا لزيد فسكن دارا له فيها حصة قليلة
لا يحنث
نص عليه في الأم
فرع في تعليقة ابرهيم المروذي أنه لو حلف لا يأكل طعام زيد
مشتركا بينه وبين غيره حنث وقد سبق عن البغوي ما يوافقه قال ولو حلف لا يلبس ثوب زيد أو لا يركب دابته فلبس أو ركب مشتركا لم يحنث
المسألة الثانية حلف لا يشتري أو لا يبيع فوكل من باع واشترى له أو لا يضرب عبده فأمر من ضربه أو حلف الأمير أو القاضي لا يضرب فأمر الجلاد فضرب لم يحنث وذكر الربيع أن الحالف إن كان ممن لا يتولى البيع والشراء أو الضرب بنفسه كالسلطان أو كان الفعل المحلوف عليه لا يعتاد الحالف فعله أو لا يجيء منه كالبناء والتطيين حنث إذا أمر به
فمنهم من جعل هذا قولا آخر وأثبت قولين والمذهب القطع بأنه لا يحنث والامتناع من جعله قولا ولو حلف لا يزوج أو لا يطلق أو لا يعتق فوكل وعقد الوكيل فكالتوكيل في البيع
ولو فوض الطلاق إلى زوجته فطلقت نفسها لم يحنث على المذهب
وحكي قول أنه يحنث هنا وإن لم يحنث في التوكيل لأنه فوضه إلى من لا يملكه وكأنه هو المطلق
فلو قال إن فعلت كذا أو إن شئت فأنت طالق ففعلت أو شاءت حنث لأن الموجود منها مجرد صفة وهو المطلق
ولو حلف لا يتزوج أو لا ينكح فوكل من قبل له نكاح امرأة فهل يحنث وجهان حكاهما

المتولي
أحدهما لا كالبيع وبه قطع الصيدلاني والغزالي
والثاني نعم لأن الوكيل هنا سفير محض ولهذا يجب تسمية الموكل وبه قطع البغوي
ولو قبل لغيره نكاحا فمقتضى الوجه الأول الحنث ومقتضى الثاني المنع
ولو حلف لا يبيع ولا يشتري فتوكل لغيره فيهما حنث على الأصح وهو الذي أطلقه جماعة وقيل لا يحنث وقيل إن صرح بالإضافة إلى الموكل لم يحنث وإن نواه ولم يصرح حنث
ولو قال لا أكلم عبدا اشتراه زيد لم يحنث بتكليم عبد اشتراه وكيله
ولو قال لا أكلم امرأة تزوجها زيد فكلم من تزوجها لزيد وكيله ففيه الوجهان فيما لو حلف لا يتزوج فتزوج وكيله له
ولو حلف لا يكلم زوجة زيد حنث بتكليم من تزوجها بنفسه أو بوكيله بلا خلاف
واعلم أن كل هذه الصور فيمن أطلق ولم ينو فأما إن نوى أن لا يفعل ولا يفعل بإذنه أو لا يفعل ولا يأمر به فيحنث إذا أمر به ففعل هكذا أطلقوه مع قولهم إن اللفظ حقيقة لفعل نفسه واستعماله في المعنى الآخر مجاز
وفي هذا استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز جميعا وهو بعيد عند أهل الأصول والأولى أن يؤخذ معنى مشترك بين الحقيقة والمجاز جميعا فيقال إذا نوى أن لا يسعى في تحقيق ذلك الفعل حنث بمباشرته وبالأمر به لشمول المعنى وإرادة هذا المعنى إرادة المجاز فقط
قلت هذا الذي ذكره الرافعي حسن والأول صحيح على مذهب الشافعي وجمهور أصحابنا المتقدمين في جواز إرادة الحقيقة والمجاز بلفظ واحد
والله أعلم

فرع حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره فحلقه فقيل يحنث للعرف

وقيل فيه الخلاف كالبيع
ولو حلف لا يبيع من زيد فباع من وكيله أو وكل من باع من زيد لم يحنث
ولو حلف لا يبيع لزيد مالا فباع ماله بإذنه أو بإذن الحاكم بحجر أو امتناع الحاكم حنث
وإن باع بغير إذن لم يحنث لفساد البيع
فلو وكل زيد وكيلا في بيع ماله وأذن له في التوكيل فوكل الوكيل الحالف وهو لا يعلم نص في الأم أنه لا يحنث وهو تفريع على أحد القولين في حنث الناسي
وقال المتولي إن كان أذن لوكيله أن يوكل عنه حنث لأنه باع لزيد يعني إذا علم أو قلنا يحنث الناسي وإن كان أذن له في التوكيل عن نفسه فباع لم يحنث لأنه لم يبع لزيد بل لوكيله وإن أطلق الإذن في التوكيل فعلى الخلاف في أن من يوكله وكيل الموكل أم وكيل الوكيل ولو قال لا يبيع لي زيد مالا فوكل الحالف رجلا في البيع وأذن له في التوكيل فوكل الوكيل زيدا فباع حنث الحالف سواء علم زيد أم لم يعلم لأن اليمين منعقدة على نفي فعل زيد وقد فعله زيد باختياره
المسألة الثالثة حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا يهب فوهب هبة فاسدة لم يحنث وتنزل ألفاظ العقود على الصحيح
هذا إذا أطلق اليمين فإن أضاف العقد إلى مالا يقبله بأن حلف لا يبيع الخمر أو المستولدة أو مال زوجته أو غيرها بغير إذن ثم أتى بصورة البيع فإن مقصوده أن لا يتلفظ بلفظ العقد مضافا إلى ما ذكره حنث وإن أطلق لم يحنث لأن البيع هو السبب المملك وذلك لا يتصور في الخمر أو المستولدة أو مال زوجته أو غيرها بغير إذن ثم أتى بصورة يحنث بصورة البيع وهو وجه لغيره حكاه صاحب التقريب

والصحيح الأول وسيأتي خلاف إن شاء الله تعالى في أنه هل يتعين حمل لفظ العبادات كصوم وصلاة على الصحيح ولا خلاف أنه لو حلف أن لا يحج يحنث بالفاسد لأنه منعقد يجب المضي فيه كالصحيح
ولو حلف لا يبيع بيعا فاسدا لم يحنث بالبيع الفاسد ذكره الصيدلاني والروياني
وقال الإمام الوجه عندنا أنه يحنث
الرابعة إذا حلف لا يهب حنث بكل تمليك في الحياة خال عن العوض كالهبة والصدقة والرقبى والعمرى لأنها أنواع خاصة من الهبة وقيل لا يحنث بما سوى الهبة
وقيل يحنث بالرقبى والعمرى دون الصدقة حكاه المتولي ووجهه بأن الهبة والصدقة تختلفان اسما ومقصودا وحكما
أما الاسم فلأن من تصدق على فقير لا يقال وهب له وأما ا المقصود فلأن الصدقة للتقرب إلى اللهعالى والهبة لاكتساب المودة
وأما الحكم فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الصدقة ويأكل الهبة والهدية
هذا في صدقة التطوع أما إذا أدى الزكاة أو صدقة الفطر فلا يحنث كما لو أدى دينا
وعن القفال ترديد جواب فيه والمذهب الأول
ولا يحنث بالإعارة إذ لا تمليك فيها ولا بالوصية لأنها تمليك بعد الموت والميت لا يحنث ولا بالضيافة
وقال ابن القطان يحنث بالوصية
وفي الضيافة وجه حكاه المتولي بناء على أن الضيف يملك ما يأكله والصحيح الأول في المسألتين
ولا يحنث بالوقف عليه إن قلنا الملك فيه للواقف أو لله تعالى وهو المذهب وإن قلنا للموقوف عليه حنث
وقيل فيه خلاف
ولو قال الحالف لرجل وهبتك كذا فلم يقبل لم يحنث على الصحيح لأن العقد لم يتم قال ابن سريج يحنث لأنه

يقال وهبه كذا فلم يبل وخرج على هذا الخلاف فيما إذا أعمره أو أرقبه ولم نصحح العقدين
ولو تم الإيجاب والقبول في الهبة لكن لم تقبض فوجهان أصحهما عند المتولي يحنث لأن الهبة حصلت والمتخلف الملك
وعند البغوي لا يحنث لأن مقصود الهبة لم يحصل
قلت الأصح لا يحنث وصححه آخرون غير البغوي منهم الرافعي في المحرر
والله أعلم

فرع حلف لا يتصدق فتصدق فرضا أو نفلا يحنث لشمول الاسم وسواء
على فقير أو غني
وقال المتولي لو دفع إلى ذمي لا يحنث لأنه لا قربة فيه وهذا ممنوع ويحنث بالإعتاق دون الإعارة والضيافة وفي الهبة وجهان
أحدهما يحنث بها كعكسه
وأصحهما لا
والصدقة والهبة تتداخلان تداخل العموم والخصوص فكل صدقة هبة ولا ينعكس
ولو وقف فقد أطلق المتولي أنه يحنث وقال غيره يبنى على الأقوال في ملك الوقف لمن هو إن قلنا للواقف لم يحنث
وإن قلنا لله تعالى حنث وإن قلنا للموقوف عليه فوجهان كالهبة
فرع حلف لا يبر فلانا دخل في اليمين جميع التبرعات من الهبة
والإعارة والضيافة والوقف وصدقة التطوع فيحنث بأيها وجد ولو كان المحلوف عليه عبده فأعتقه حنث وكذا لو كان عليه دين فأبرأه ولا يحنث بأن يدفع إليه الزكاة
ولو حلف لا يعتق عبدا فكاتبه وعتق بالأداء لم يحنث ذكره ابن القطان
ولو حلف لا يضمن لفلان مالا فكفل بدن مديونه لم يحنث

الخامسة حلف لا مال له حنث بكل مال حتى ثياب بدنه وداره التي يسكن فيها وعبده الذي يخدمه ولا يختص بنوع من المال إلا أن ينويه ولو كان له دين حال على مليء مقر حنث كالوديعة
قال المتولي وخرج فيه وجه من قوله القديم لا زكاة في الدين والمذهب الأول وإن كان مؤجلا أو على معسر أو جاحد حنث على الأصح لأنه ثابت في الذمة يصح الإبراء منه
وقيل في الجاحد وجه ثالث إن كان له مغضوب بينة حنث قطعا وإلا فلا
ولو كان له عبد آبق أو مال ضالة أو مفصوب أو مسروق وانقطع خبرها ففي الحنث وجهان لتعارض أصل بقائها وعدم الحنث
ولو كان الغاصب حاضرا والمالك قادر على الانتنزاع منه أو على بيعه ممن يقدر على انتزاعه حنث قطعا ذكره المتولي
ولو كان له مدبر أو معلق عتقه بصفة أو مال أو وصى به حنث لأنها باقية على ملكه ولا يحنث بالمكاتب على الأصح
ويقال الأظهر وقيل قطعا ويحنث بأم الولد على الأصح لأن رقبتها له وله منافعها وأرش الجناية عليها
ولو كان يملك منفعة بوصية أو إجارة لم يحنث على الصحيح ولا يحنث بالموقوف إن قلنا الملك فيه لله تعالى أو للواقف وإن قلنا له فكالمستولدة
ولو كان قد جنى عليه خطأ أو عمدا أو عفا على مال حنث وإن كانت الجناية عمدا ولم يقتص ولم يعف قال في البيان يحتمل أن يبنى على أن موجب العمد ماذا إن قلنا القود لم يحنث وإن قلنا القود أو المال حنث وقد يتوقف في هذا
قلت الصواب الجزم بأن لا حنث
والله أعلم
وكون المال مرهونا لا يمنع الحنث وكذا عدم استقرار الملك

وقال ابن القطان لا يحنث بالأجرة المقبوضة إذا لم تنقض المدة وغلطه ابن كج

فرع حلف لا ملك له حنث بالآبق والمغصوب وإن كان له زوجة
يبنى على أن النكاح هل هو عقد تمليك أو عقد حل فإن قلنا تمليك حنث
قلت المختار أنه لا حنث إذا لم تكن نية لأنه لا يفهم منه الزوجة وينبغي أن لا يحنث بالكلب والسرجين وغيرهما من النجاسات ولا بالزيت النجس إذا لم نجز بيعه
ولو حلف لا رقيق له أو لا عبد له أو لا أمة له وله مكاتب لم يحنث على المنصوص وهو المذهب ويحنث بمدبرقطعا
والله أعلم
الرابع في الإضافات والصفات وفيه مسائل إحداها حلف لا يدخل دار زيد أو بيته أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته قال الأصحاب مطلق الإضافة إلى من يملك مقتضى ثبوت الملك ولهذا لو قال هذه الدار لزيد كان إقرارا بملكه
فلو قال أردت أنها مسكنه لا يقبل وقد تضاف الدار والبيت إلى الانسان بجهة أنها مسكنه لكنه مجاز ولهذا يصح نفي الإضافة مع إثبات السكنى فيقال هذه الدار ليست ملك زيد لكنها مسكنه
إذا عرف هذا فلا يحنث الحالف بدخول دار يسكنها زيد بإجارة أو إعارة أو غصب إلا أن يقول أردت المسكن ويحنث بدخول دار يملكها وإن لم يسكنها إلا أن يقول أردت مسكنه
ولو حلف لا يدخل مسكن فلان حنث بدخول مسكنه المملوك والمستأجر
وفي المغصوب وجهان لأنه لا يملك سكناه

قلت أصحهما الحنث
والله أعلم
وفي دخول داره التي لا يسكنها أوجه أصحهما لا يحنث والثالث إن كان سكنه ولو يوما حنث وإلا فلا ولو أراد مسكنه المملوك لم يحنث بغيره بحال

فرع حلف لا يدخل دار زيد وقد وقف زيد على غيره دارا
إن قلنا الوقف ملك للواقف حنث بدخولها وإلا فلا
وإن دخل دارا موقوفة على زيد فإن قلنا الوقف ملك للموقوف عليه حنث وإلا فلا
ولو دخل دارا لمكاتب زيد لم يحنث
فرع حلف لا يدخل دار المكاتب حنث بدخولها على الصحيح لأنه مالك
نافذ التصرف
المسألة الثانية حلف لا يدخل دار زيد فباعها زيد ثم دخلها لم يحنث لأنه لم يدخل دار زيد وكذا لو قال لا أكلم عبد فلان أو أجيره أو زوجته فكلم بعد زوال ملكه عن العبد وانقطاع الإجارة والنكاح أو قال لا أكلم سيد هذا العبد أو زوج هذه ا المرأة فكلم بعد زوال الملك والنكاح لم يحنث
فلو اشترى زيد بعد ما باعها دارا أخرى قال الصيدلاني إن قال أردت الأولى بعينها لم يحنث بدخول الثانية وإن قال أردت أي دار تكون في ملكه حنث بالثانية دون الأولى وإن قال أردت أي دار جرى عليها ملكه حنث بأيتها دخل

هذا كله إذا قال دار زيد ولم يعين فأما إذا قال لا أدخل دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها فيحنث على الصحيح لأنه عقد اليمين على عين تلك الدار ووصفها باضافة قد تزول فغلب التعيين كما لو قال لا أكلم زوجة زيد هذه أو عبده هذا فكلمهما بعد الطلاق والعتق يحنث
ولو قال لا آكل لحم هذه البقرة وأشار إلى شاة فإنه يحنث بأكل لحمها فلا يجيء فيها الخلاف فيما لو قال بعتك هذه البقرة وهي شاة لأن العقود يراعى فيها شروط وتعبدات لا يعتبر مثلها في الأيمان
ولو حلف لا يكلم زيدا هذا فبدل اسمه واشتهر بالاسم المبدل ثم كلمه حنث اعتبارا بالتعيين
الثالثة حلف لا يدخل هذه الدار من هذا الباب فدخلها من موضع آخر عتيق أو محدث وذلك الباب بحاله لم يحنث فلو قلع الباب وحول إلى منفذ آخر من تلك الدار فثلاثة أوجه أصحها تحمل اليمين على المنفذ الأول لأنه المحتاج إليه في الدخول فإن دخل منه حنث وإن دخل من المنفذ المحول إليه لم يحنث
والثاني يحمل على الباب المتخذ من الخشب ونحوه لأن اللفظ له حقيقة فيحنث بدخول المنفذ المحول إليه دون الأول
والثالث يحمل عليهما لأن الإشارة وقعت إليهما فلا يحنث بدخول منفذ آخر وإن نصب عليه ذلك الباب ولا بدخول المنفذ الأول هذا إذا أطلق
فإن قال أردت بعض هذه المحامل حمل عليه وارتفع الخلاف ولو قلع الباب ولم يحول إلى موضع آخر حنث بدخول ذلك المنفذ على الأصح ويعبر عن الخلاف بأن الاعتبار بالمنفذ أم بالباب المنصوب عليه قال المتولي بناء عليه لو قال لا أدخل هذا الباب وقلنا تنعقد اليمين على الباب

المنصوب
فنقل إلى دار أخرى فدخلها منه حنث والمذهب أنه لا يحنث إلا أن يريد لا أدخل منه حيث نصب
ولو قال لا أدخل باب هذه الدار ولا أدخل هذه الدار من بابها ففتح باب جديد فدخلها منه حنث على الأصح
ولو قال لا أدخلها من بابها فتسلق ونزل من السطح لم يحنث
الرابعة حلف لا يركب دابة عبد زيد ولا يدخل داره لا يحنث بالدابة والدار المجعولين باسم العبد إلا أن يريد فإن ملكه السيد دابة أو دارا بني على أنه هل يملك إن قلنا نعم حنث وإلا فلا
هذا هو الصحيح وقول الجمهور
وقال ابن كج لا يحنث وإن قلنا يملك لأن ملكه ناقص والسيد متمكن من إزالته فكأنه بينه وبينه وصار كمن حلف لا يركب دابة زيد وركب مشتركة بينه وبين غيره
ولو حلف لا يركب دابة زيد فركب دابة كها زيد لعبده إن قلنا لم يملك لم يحنث وإلا فيحنث
ولو حلف لا يركب دابة العبد فعتق وركب دابة يمكها فقطع الغزالي بالحنث وابن كج بالمنع إذا لم يكن له بينة لأنه إنما يركب دابة حر
وينبغي أن يقال إن قال لا أركب دابة هذا حنث وإن قال دابة عبد فلا وإن قال دابة هذا العبد فليكن على خلاف يأتي إن شاء الله فيما لو حلف لا يكلم هذا العبد فعتق ثم كلمه
ولو قال لا أركب سرج هذه الدابة فركب السرج المعروف بها حنث وإن كان على دابة أخرى ويقرب من هذا ما إذا حلف على دار أو خان منسوب فيحمل على التعريف كخان أبي يعلى عندنا وكدار العقيقي بدمشق
المسألة الخامسة حلف لا ألبس ثوبا من به فلان علي أو ما من به علي فلبس ثوبا وهبه له أو أوصى له به حنث
ولو لبس ما باعه اياه بمحاباة لم يحنث لأن المنة في نقص الثمن لا بالثوب
وكذا لو

باعه ثوبا ثم أبرأه من ثمنه فلبسه أو أبدل الموهوب أو الموصى به بغيره أو باعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه لم يحنث لأن الأيمان تبنى على الألفاظ لا على القصود التي لا يحتملها اللفظ ولهذا لو من عليه رجل فحلف لا يشرب له ماء من عطش فشربه من غير عطش أو أكل له طعاما أو لبس له ثوبا لا يحنث لأن اللفظ لا يحتمله وإن كان يقصد في مثل هذا الوضع الامتناع من جميع هذا
السادسة حلف لا يلبس من غزل فلانة أو ثوبا من غزلها فلبس ثوبا خيط بغزلها لم يحنث
وإن لبس ثوبا سداه من غزلها واللحمة من غيره فإن كان قال لا ألبس ثوبا من غزلها لم يحنث
وإن قال لا ألبس من غزلها حنث بخلاف الخيط فإنه لا يوصف بأنه ملبوس

فرع يراعى مقتضى اللفظ في هاتين المسألتين ونظائرهما في تناول الماضي والمستقبل
بلبس ما تقدمت المنة به بالهبة وغيرها ولا يحنث بما يمن به فيما بعد
وإذا قال لا ألبس ما غزلته فلانة فإنما يحنث بما غزلته من قبل دون ما تغزله فيما بعد
ولو قال لا ألبس ما يمن به أو ما تغزله حنث بما تحدث المنة به وغزله دون ما سبق
ولو قال لا ألبس من غزلها دخل فيه الماضي والمستقبل
السابعة حلف لا يلبس ثوبا حنث بلبس القميص والرداء والسراويل والجبة والقباء ونحوها وسواء المخيط وغيره والقطن والكتان والصوف والإبريسم وسواء لبسه على الهيئة المعتادة أو

بخلافها بأن ارتدى أو اتزر بالقميص أو تعمم بالسراويل ولا يحنث بلبس الجلود وما يتخذ منها ولا بلبس الحلي والقلنسوة ولا بوضع الثوب على الرأس ولا بأن يفرشه ويرقد عليه
ولو تدثر به لم يحنث على الأصح لأنه لا يسمى لبسا ولو قال لا ألبس حليا حنث بالسوار والخلخال والطوق والدملج وخاتم الذهب والفضة ولا يحنث بالمتخذ من شبه أو حديد ويحنث بمخنقة اللؤلؤ والجواهر وإن لم يكن فيها ذهب ولا يحنث بتقلد السيف المحلى
وفي المنطقة المحلاة وجهان أصحهما أنها من حلي الرجل ويحنث بلبس الخرز والسبج إن كان الحالف من قوم يعتادون التحلي بهما كأهل السواد
وفي غيرهم وجهان كما لو حلف غير البدوي لا يدخل بيتا فدخل بيت شعر
ولو حلف لا يلبس شيئا حنث بلبس الثياب والحلي والقلنسوة والجلود وفي الدرع والخف والنعل والجوشن وجهان
أصحهما يحنث وقد يطرد الخلاف في الحلي والقلنسوة
ولو قال لا ألبس قميصا فارتدى أو اتزر بقميص حنث على الأصح ولو فتقه وقطعه وارتدى أو اتزر به لم يحنث لفوات اسم القميص
ولو قال لا ألبس هذا القميص فارتدى به أو اتزر أو قال لا ألبس هذا الرداء فاتزر به أو تعمم حنث على الصحيح لتعلق اليمين بعين القميص
ولو قال لا ألبس هذا الثوب وكان المحلوف عليه قميصا أو رداء ففتقه واتخذ منه نوعا آخر بأن جعل القميص رداء أو الرداء جبة أو تككا أو الخف نعلا ثم لبس المتخذ حنث على الأصح إلا أن ينوي لا يلبسه ما دام على تلك الهيئة
فلو لم يذكر الثوب بل قال لا ألبس هذا القميص أو هذا الرداء ففتقه واتخذ منه نوعا آخر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28