كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

الثاني ما لم يشرط ويسمى رهن التبرع والرهن المبتدأ
فالأول كبعتك داري بكذا على أن ترهنني به عبدك فقال اشتريت ورهنت وقد ذكرنا خلافا في أنه يتم الرهن بهذا أم لا بد من قوله بعده ارتهنت
فعلى الأول يقوم الشرط مقام القبول كما يقوم الاستيجاب مقامه وحكي وجه أنهما إذا شرطا الرهن في نفس البيع صار مرهونا من غير استئناف رهن ويقام التشارط مقام الايجاب والقبول

فرع الشرط في الرهن ضربان

أحدهما شرط يقتضيه فلا يضر ذكره في رهن التبرع ولا في الرهن المشروط في عقد كقوله رهنتك على أن تباع في دينك أو لا تباع إلا باذنك أو يتقدم به على الغرماء
والثاني ما لا يقتضيه وهو إما متعلق بمصلحة العقد كالاشهاد وإما لا غرض فيه كقوله بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة وحكمهما كما سبق في كتاب البيع
وأما غيرهما وهو نوعان
أحدهما ينفع المرتهن ويضر الراهن كشرط المنافع أو الزوائد للمرتهن فالشرط باطل فان كان رهن تبرع بطل الرهن أيضا على الأظهر وإن كان مشروطا في بيع نظر إن لم يجر جهالة الثمن بأن الشرط في البيع رهنا على أنه يبقى بعد قضاء الدين محبوسا شهرا فسد الرهن على الأظهر
وفي فساد البيع القولان فيما إذا شرط عقدا فاسدا في بيع فإن صححنا البيع فللبائع الخيار صح الرهن أم فسد لأنه وإن صح لم يسلم له الشرط وإن جر جهالة بأن شرط في البيع رهنا تكون منافعه للمرتهن فالبيع باطل على المذهب
وقيل هو الذي لا يجر جهالة ثم البطلان فيما إذا أطلق المنفعة
فلو قيدها فقال ويكون منفعتها لي سنة مثلا فهذا جمع بين بيع وإجارة في صفقة وفيه خلاف سبق

النوع الثاني ينفع الراهن ويضر المرتهن كرهنتك بشرط أن لا يباع في الدين أو لا يباع إلا بعد المحل بشهر أو بأكثر من ثمن المثل أو برضاي فالرهن باطل كذا قطع به الأصحاب
وعن ابن خيران أنه قال يجيء في فساده القولان وهو غريب
والصواب الأول فلو كان مشروطا في بيع عاد القولان في فساده بفساد الرهن فان لم يفسد فللبائع الخيار

فرع زوائد المرهون غير مرهونة فلو رهن شجرة أو شاة بشرط أن
الثمرة أو الولد مرهونا لم يصح الشرط على الأظهر
وقيل قطعا لأنه مجهول معدوم فان صححنا ففي اكساب العبد إذا شرط كونها مرهونة وجهان
أصحهما المنع لأنها ليست من أجزاء الأصل
وإن أفسدنا ففي صحة الرهن قولان
فان كان شرطا في بيع وصححنا الشرط أو أبطلناه وصححنا الوجهن صح البيع وللبائع الخيار وإلا ففي صحة البيع قولان
وإذا اختصرت
قلت فيه أربعة أقوال
أحدها بطلان الجميع
والثاني صحة الجميع
والثالث صحة البيع فقط
والرابع صحته مع الرهن دون الشرط
قلت هذا الرابع هو المنصوص كذا قاله في الشامل
والله أعلم
فرع إقرضه بشرط أن يرهن به شيئا يكون منافعه للمقرض فالقرض باطل

فلو شرط كون المنافع مرهونة فالشرط باطل والقرض صحيح لأنه لا يجر نفعا وفي صحة الرهن القولان

فرع لو قال أقرضتك هذا الألف بشرط أن ترهن به وبالألف الذي
كذا أو بذلك الألف وحده فالقرض فاسد
ولو قال المستقرض أقرضني ألفا على أن أرهن به وبالألف القديم أو بالقديم فقط كذا فالأصح فساد القرض
لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين أو بالدين رهنا بطل البيع كما سبق
فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط فإن علم فساد الشرط نظر إن رهن بالألف القديم صح وإن رهن بهما لم يصح بالألف الذي فسد قرضه لأنه لم يملكه وإنما هو مضمون في يده والأعيان لا يرهن بها
وفي صحته في الألف القديم قولا تفريق الصفقة
فان صح لم يوزع بل كله مرهون بالألف القديم لأن وضع الرهن على وثيق كل بعض من ( أبعاض ) الدين بجميع المرهون
فلو تلف الألف الذي فسد قبضه في يده صار دينا في ذمته وصح الرهن بالألفين حينئذ
وإن ظن صحته فإن رهن بالقديم فوجهان
قال القاضي لا يصح وقال الشيخ أبو محمد وغيره يصح
قلت قول الشيخ أبي محمد هو الأصح واختاره الإمام والغزالي في البسيط وزيف الإمام قول القاضي
والله أعلم
ولو رهن بالألفين وقلنا الصفقة تفرق فصحته بالألف القديم على هذا الخلاف
وكذا لو باع بشرط بيع آخر فأنشأه ظانا صحة العقد وقد سبقت هذه الصورة في بابها

فصل سبق ذكر الخلاف في دخول الأبنية
والأشجار في الرهن تحت إسم الأرض وفي دخول المغرس تحت رهن الشجرة والأس تحت الجدار خلاف مرتب على البيع و ( الرهن ) أولى بالمنع لضعفه
ولا تدخل الثمرة المؤبرة تحت رهن الشجرة قطعا ولا غير المؤبرة على الأظهر
وقيل قطعا
ولا يدخل البناء بين الأشجار تحت رهن الأشجار وإن كان بحيث يمكن إفراده بالإنتفاع
وإن لم ينتفع به إلا بتبعية الأشجار فلذلك على المذهب
وقيل فيه الوجهان كالمغرس
ويدخل في الأشجار الأغصان والأوراق لكن الذي يفصل غالبا كأغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد فيه القولان في الثمرة غير المؤبرة وفي اندراج الجنين تحت رهن الحيوان خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى
واللبن في الضرع لا يدخل على المذهب ولا يدخل الصوف على الظهر
وقيل يدخل قطعا
وقيل إن كان قد بلغ أوان الجز لم يدخل وإلا دخل
فصل قال رهنتك هذه الخريطة بما فيها أو هذا الحق بما فيه
ما فيهما معلوما مرئيا صح الرهن في الظرف والمظروف وإلا لم يصح في المظروف
وفي الخريطة والحق قولا الصفقة
وأما نصه في المختصر على الصحة في الحق وعدمها في الخريطة فسببه أنه فرض المسألة في حق له قيمة تقصد بالرهن وفي خريطة ليست لها قيمة تقصد بالرهن وحينئذ يكون المقصود ما فيها
ولو كان اللفظ مضافا إلى ما فيهما جميعا وكان ما فيهما بحيث لا يصح الرهن فيه

بطل فيهما جميعا وفي وجه يصح فيها وإن كانت قليلة القيمة اعتبارا باللفظ
ولو عكست التصوير في الحق والخريطة كان الحكم يعكس كما نص عليه بلا فرق
ولو قال رهنتك الظرف دون ما فيه صح الرهن فيه مهما كان له قيمة
فان قلت لأنه إذا أفرده فقد وجه الرهن نحوه وجعله المقصود
وإن رهن الظرف ولم يتعرض لما فيه نفيا ولا إثباتا
فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده فهو المرهون لا غير وإن كان لا يقصد منفردا لكنه متمول فهل المرهون الظرف فقط أو مع المظروف وجهان
أصحهما أولهما
ويجيء على قياسه وجهان إذا لم يكن متمولا لأن الرهن ينزل على المظروف أم يلغى
قلت قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط كما ذكرناه في الرهن يجري مثله في البيع حرفا حرفا فيما إذا قال بعتك الخريطة بما فيها أو وحدها أو الخريطة لأن مأخذه اللفظ
والله أعلم
الركن الرابع العاقدان فيعتبر فيهما التكليف لكن الرهن تبرع
فإن صدر من أهل التبرع فيما له فذاك وإلا فالشرط وقوعه على وفق المصلحة والاحتباط فرهن الولي مال الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه وارتهانه لهم مشروطان بالمصلحة والاحتياط فمن صور الرهن للمصلحة أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئة ويرهن به ما يساوي مائة من ماله فيجوز لأنه إن لم يعرض تلف ففيه غبطة ظاهرة
وإن تلف المرهون كان في المشترى ما يجبره
ولو امتنع البائع إلا برهن ما يزيد على مائة ترك هذا الشراء لأنه ربما تلف المرهون
فإن كان مما لا يتلف في العادة كالعقار فالمذهب أنه لا يجوز
وعن الشيخ أبي محمد ميل إلى جوازه
ومنها إذا وقع نهب أو حريق وخاف الولي على ماله فله أن يشتري عقارا ويرهن بالثمن شيئا من ماله إذا لم يمكن

أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقاره إلا بشرط الرهن
ولو اقترض له والحالة هذه ورهن به لم يجز قاله الصيدلاني لأنه يخاف التلف على ما يقرضه خوفه على ما يرهنه
ولك أن تقول إن لم يجد من يستودعه ووجد من يرتهنه والمرهون أكثر قيمة من القرض وجب أن يجوز رهنه
ومنها أن يقترض له لحاجته إلى النفقة أو الكسوة أو لتوفية ما لزمه أو لإصلاح ضياعه أو مرمتها ارتقابا لغلتها أو لانتظار حلول دين له مؤجل أو نفاق متاعه الكاسد فإن لم يرتقب شيئا من ذلك فبيع ما يريد رهنه أولى من الإستقراض
وحكي وجه شاذ أنه لا يجوز رهن مال الصبي بحال وليس بشىء
وأما الارتهان فمن صور المصلحة فيه أن يتعذر على الولي استيفاء دين الصبي فيرتهن به إلى تيسيره
ومنها أن يكون دينه مؤجلا بأن ورثه كذلك
ومنها أن يبيع الولي ماله مؤجلا بغبطة فلا يكتفى بيسار المشتري بل لا بد من الارتهان بالثمن
وفي النهاية إشارة إلى خلاف ذلك أخذا من جواز إبضاع ماله
وإذا ارتهن جاز أن يرتهن بجميع الثمن على الصحيح
وفي وجه يشترط أن يستوفي ما يساوي المبيع نقدا وإنما يرتهن ويؤجل بالنسيئة للفاضل
قلت هذا الوجه حكاه بعض العراقيين عن الاصطخري
وقول الغزالي إنه مذهب العراقيين ليس بجيد ولا ذكر لهذا الوجه في معظم كتب العراقيين
وإنما اشتهر الخلاف عندهم فيما إذا باع ما يساوي مائة نقدا ومائة وعشرين نسيئة بمائة وعشرين نسيئة وأخذ بالجميع رهنا ففيه عندهم وجهان
الصحيح وظاهر النص وقول أكثرهم إنه صحيح
قال صاحب الحاوي وشيخه الصيمري وصاحب البيان وآخرون من العراقيين فإذا جوزنا البيع نسيئة فشرطه كون المشتري ثقة موسرا ويكون الأجل قصيرا قال واختلفوا في حد الأجل التي لا تجوز الزيادة عليه فقيل سنة
وقال الجمهور لا يتقدر بالسنة

بل يعتبر عرف الناس
ويشترط كون الرهن وافيا بالثمن فان فقد شرط من هذه بطل البيع ويلزمه أن يشهد عليه فان ترك الإشهاد ففي بطلان البيع وجهان
والله أعلم
ومنها أن يقرض ماله أو يبيعه لضرورة نهب ويرتهن به قال الصيدلاني والأولى أن لا يرتهن إذا خيف تلف المرهون لأنه قد يتلف ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف الرهن وحيث جاز الرهن فشرطه أن يرهن عند أمين يجوز إيداعه
وسواء في ذلك كان الولي أبا أو جدا أو وصيا أو حاكما أو أمينه
لكن حيث جاز الرهن أو الإرتهان جاز للأب والجد أن يعاملا به أنفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك وإذا تولى الأب الطرفين فقبضه وإقباضه سنذكرهما قريبا في رهن الوديعة عند المودع إن شاء الله تعالى

فصل رهن المكاتب وارتهانه جائزان بشرط المصلحة والاحتياط كما ذكرنا

وتفصيل صور الإرتهان كما سبق في الصبي
وقيل لا يجوز أن يستقل بالرهن وبإذن السيد قولان تنزيلا لرهنه منزلة تبرعه
وقيل لا يجوز استقلاله بالبيع نسيئة بحال وبإذن السيد القولان
فصل المأذون إذا دفع إليه سيده مالا ليتجر فيه فهو كالمكاتب إلا
في شيئين
أحدهما أن رهنه أولى بالمنع لكون الرهن ليس من عقد التجارة
والثاني له البيع

نسيئة بإذن سيده بلا خلاف
فإن قال له اتجر بجاهك ولم يدفع إليه مالا فله البيع والشراء في الذمة حالا ومؤجلا وكذا الرهن والارتهان إذ لا ضرر على سيده
فإن فضل في يده مال كان كما لو دفع إليه مالا
قلت قوله إن رهنه أولى بالمنع يعني ما منعناه في المكاتب فهنا أولى وما لا فوجهان
وهذا ترتيب الإمام وقطع الشيخ أبو حامد وصاحبا الشامل والتهذيب بأنه كالمكاتب
والله أعلم

الباب الثاني في حكم القبض
والطوارىء قبله القبض ركن في لزوم الرهن
ولو رهن ولم يقبض فله ذلك
فإن كان شرط في بيع فللبائع الخيار
ثم من صح ارتهانه صح قبضه
وتجري النيابة في القبض جريانها في العقد لكن لا يصح أن يستنيب الراهن ولا عبده ومدبره وأم ولده قطعا ولا عبده المأذون على أصح الأوجه
وفي الثالث إن ركبته ديون صحت استنابته لانقطاع سلطة السيد عما في يده كالمكاتب وإلا فلا ويصح استنابة المكاتب لاستقلاله باليد والتصرف
فصل صفة القبض هنا في العقار والمنقول كما سبق في البيع ويطرد
في كون التخلية في المنقول قبضا وعن القاضي القطع بأنها لا تكفي هنا لأن القبض مستحق هناك

فرع أودع عند رجل مالا ثم رهنه عنده فظاهر نصه أنه
جديد في القبض ولو وهبه له فظاهر نصه حصول القبض بلا إذن في القبض وللأصحاب طرق
أصحها فيهما قولان أظهرهما اشتراط الاذن فيهما
والطريق الثاني تقرير النصين لأن الرهن توثيق وهو حاصل بغير القبض والهبة تمليك ومقصوده الانتفاع ولا يتم ذلك إلا بالقبض فكانت الهبة لمن في يده رضا بالقبض
والثالث باعتبار الأذن فيهما قاله ابن خيران
وسواء شرط الاذن الجديد أم لا فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان يتأتى فيه صورة القبض
لكن إذا شرط الإذن فهذا الزمان يعتبر من وقت الإذن
وإن لم يشترطه فمن وقت العقد
وقال حرملة لا حاجة إلى مضي هذا الزمان ويلزم العقد بنفسه والصحيح الأول
قلت قوله قال حرملة معناه قال حرملة مذهبا لنفسه لا نقلا عن الشافعي رضي الله عنه كذا صرح به الشيخ أبو حامد آخرون
وإنما نبهت على هذا لئلا يغتر بعبارة صاحب المهذب فإنها صريحة أو كالصريحة في أن حرملة نقله عن الشافعي رضي الله عنه فحصل أن المسألة ذات وجهين لا قولين
والله أعلم
فعلى الصحيح إن كان المرهون منقولا غائبا اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه ونقله
وهل يشترط مع ذلك نفس المصير ومشاهدته فيه أوجه
أصحهما لا
والثاني نعم
والثالث إن كان مما يشك في بقائه كالحيوان فإنه معرض للآفات اشترط
وإن تيقن بقاؤه فلا فإن شرطنا الحضور والمشاهدة فالمذهب

أنه لا يشترط مع ذلك نقله فإن شرطنا النقل أو المشاهدة فهل يصح التوكيل فيه فيه وجهان
أصحهما الصحة كابتداء القبض
والثاني لا لأن ابتداء القبض له فليتمه

فرع لو ذهب ليقبضه فوجده قد ذهب من يده نظر إن أذن
بعد العقد فله أخذه حيث وجده وإلا لم يأخذه حتي يقبضه الراهن سواء شرطنا الإذن الجديد أم لا كذا قاله ابن عبدان وكأنه صوره فيما إذا علم خروجه من يده قبل العقد
أما إذا خرج بعده ولم يشترط الإذن الجديد فقد جعلنا الرهن ممن هو في يده إذنا في القبض فليكن كما لو استأنف إذنا
فرع إذا رهن الأب مال الطفل عند نفسه أو ماله عند الطفل
مضي زمان يمكن فيه القبض وجهان
فإن شرطناه فهو كرهن الوديعة عند المودع فيعود الخلاف المذكور
وقصد الأب قبضا وإقباضا كالإذن الجديد هناك
فرع إذا باع المالك الوديعة أو العارية ممن في يده فهل يعتبر
إمكان القبض لجواز التصرف وانتقال الضمان وجهان
أصحهما نعم
ثم اشتراط المشاهدة

والنقل كما سبق في الرهن والهبة فعلى هذا هل يحتاج الى إذن في القبض نظر إن كان الثمن حالا ولم يوفه لم يحصل على القبض إلا بإذن البائع فإن وفاه أو كان مؤجلا فالمذهب أنه لا يحتاج إليه وبهذا قطع الجمهور
وقيل هو كالرهن والفرق على المذهب أن القبض مستحق في البيع فكفى دوامه

فرع إذا رهن المالك ماله عند الغاصب أو المستعير أو المستام أو
الوكيل صح
والقول في افتقار لزومه إلى مضي زمان يتأتي فيه القبض وإلى إذن جديد في القبض على ما ذكرناه في رهن الوديعة عند المودع
وقيل لا بد في الغصب من إذن قطعا لعدم الإذن في أول اليد
وإذا رهن عند الغاصب لايبرأ من الضمان فإن أراد البراءة رده الى الراهن ثم له الإسترداد بحكم الإرتهان
فإن امتنع الراهن من قبضه فله إجباره
ولو أراد الراهن إجبار المرتهن على رده إليه ثم يرده هو عليه لم يكن له ذلك على الأصح وبه قال القاضي إذ لا غرض له في براءة ذمة المرتهن
وإن أودعه عند الغاصب برىء على الأصح لأن مقصود الإيداع الإئتمان والضمان والأمانة لا يجتمعان فإنه لو تعدى في الوديعة لم يبق أمينا بخلاف الرهن فإنه يجتمع هو والضمان فإنه لو تعدى في الرهن صار ضامنا وبقي الرهن
والإجارة والتوكيل والقراض على المال المغصوب وتزويجه للجارية التي غصبها لا يفيد البراءة على المذهب
ولو صرح بإبراء الغاصب من ضمان الغصب والمال باق في يده ففي براءته ومصير يده يد أمانة وجهان أصحهما لا يبرأ
قلت قطع صاحب الحاوي بأنه يبرأ وصححه البغوي قال صاحبا الشامل والمهذب هو ظاهر النص
والله أعلم

فرع لو رهن العارية عند المستعير أوالمقبوض بالسوم أو بشراء فاسد
عند قابضه لم يبرأ على الأصح
قلت قال صاحب الشامل إذا رهن العارية عند المستعير لم يزل ضمانها وكان له الإنتفاع بها
فإن منعه الأنتفاع ففي زوال الضمان وجهان
وقال في الحاوي في بطلان العارية وجهان
أحدهما لا تبطل وله الإنتفاع
فعلى هذا يبقى الضمان
والثاني تبطل العارية وليس له الإنتفاع ويسقط الضمان
والله أعلم
فصل في الطوارىء المؤثرة في العقد قبل القبض وهي ثلاثة أنواع
الأول ما ينشؤه الراهن من التصرفات فكل مزيل للملك كالبيع والإعتاق والاصداق وجعله أجرة والرهن والهبة مع القبض والكتابة والوطء مع الإحبال يكون رجوعا عن الرهن إذا وجد قبل القبض
والتزويج والوطء بلا إحبال ليس برجوع بل رهن المزوجة ابتداء جائز
وأما الاجارة فإن جوزنا رهن المستأجر وبيعه فليس برجوع وإلا فرجوع على الأصح
والتدبير رجوع على الصحيح المنصوص
قلت قال أصحابنا العراقيون وصاحب التتمة إن كانت الإجارة إلى مدة تنقضي قبل محل الدين لم يكن رجوعا قطعا وإلا فعلى الخلاف والبناء المذكور

والأصح على الجملة أنها ليست رجوعا مطلقا ونص عليه في الأم وقطع به الشيخ أبو حامد والبغوي
والله أعلم
النوع الثاني ما يعرض للمتعاقدين فإن مات أحدهما قبل القبض فنص أنه يبطل بموت الراهن دون المرتهن وفيهما طرق
أصحها
فيهما قولان
أظهرهما لا يبطل فيهما لأن مصيره الى اللزوم فلا يبطل بموتهما كالبيع
والثاني يبطل لأنه جائز فبطل كالوكالة
والطريق الثاني تقرير النصين لأن المرهون بعد موت الراهن ملك لوارثه
وفي إبقاء الرهن ضرر عليهم وفي موت المرتهن يبقى الدين والوارث محتاج الى الوثيقة حاجة ميته
والثالث القطع بعدم البطلان فيهما
فإذا قلنا بالقولين فقيل هما مختصان برهن التبرع
فأما المشروط في بيع فلا يبطل قطعا لتأكده
والمذهب طردهما في النوعين وبه قال الجمهور
فإذا أبقينا الرهن قام وارث الراهن مقامه في الإقباض ووارث المرتهن في القبض وسواء أبطلناه أم لا ولم يتحقق الوفاء بالرهن المشروط ثبت الخيار في فسخ البيع
ولو جن أحدهما أو أغمي عليه قبل القبض فإن قلنا لا يبطل بالموت فهنا أولى وإلا فوجهان
فإن لم نبطله فجن المرتهن قبض من ينظر في ماله
فإن لم يسلمه الراهن وكان مشروطا في بيع فعل ما فيه المصلحة من الفسخ والإجازة
وإن جن الراهن فإن كان مشروطا في بيع وخاف الناظر فسخ المرتهن إن لم يسلمه والحظ في الإمضاء سلمه
وإن لم يخف أو كان الحظ في الفسخ أو كان رهن تبرع لم يسلمه كذا أطلقوه ومرادهم إذا لم يكن ضرورة ولا غبطة لأنهما تجوزان رهن مال المجنون ابتداء فالاستدامة أولى
ولو طرأ على أحدهما حجر سفه أو فلس لم يبطل على المذهب
النوع الثالث ما يعرض في المرهون
فلو رهن عصيرا و أقبضه فانقلب في

يد المرتهن خمرا بطل الرهن على الصحيح وبه قطع الجمهور لخروجه عن المالية
وقيل إن عاد خلا بان أن الرهن لم يبطل وإلا بأن بطلانه فإن أبطلنا فلا خيار للمرتهن إن كان مشروطا في بيع لأنه حدث في يده فإن عاد خلا عاد الرهن على المشهور كما يعود الملك
ومرادهم ببطلانه أولا إرتفاع حكمه ما دام خمرا ولم يريدوا اضمحلال أثره بالكلية
ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها لم يعد رهنا على الأصح واختاره الأكثرون لأن ماليته حدثت بالمعالجة بخلاف الخمر ولأن العائد غير ذلك الملك
ولو انقلب خمرا قبل القبض ففي بطلانه البطلان الكلي وجهان
أحدهما نعم لاختلاله في حال ضعف الرهن وعدم لزومه
والثاني لا كما بعد القبض
ومقتضى كلامهم ترجيح هذا
قلت قد قطع صاحبا الشامل والبيان بالأول ولكن في الثاني أصح وصححه في المحرر
والله أعلم
قال في التهذيب وعلى الوجهين لو كان مشروطا في بيع ثبت الخيار للمرتهن لأن الخل دون العصير
ولا يصح الإقباض في حال الخمرية فلو فعل وعاد خلا فعلى الوجه الثاني لا بد من استئناف قبض وعلى الأول لا بد من استئناف عقد ثم القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهنه ما هو في يده

فرع لو انقلب المبيع خمرا قبل القبض فالكلام في انقطاع البيع وعوده
إذا عاد خلا على ما ذكرناه في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض
قلت هذا هو المذهب وبه قال الأكثرون وقطع جماعة من العراقيين منهم

صاحب الشامل بأنه يبطل البيع وفرقوا بينه وبين الرهن بعد القبض بأن الرهن عاد تبعا لملك الراهن وهنا يعود ملك البائع لعدم البيع ولا يصح أن يبيع ملك المشتري
والله أعلم
ولو جنى المرهون قبل القبض وتعلق برقبته أرش وقلنا رهن الجاني إبتداء فاسد ففي بطلان الرهن وجهان كتخمر العصير وهنا أولى بعدم البطلان لدوام الملك في الجاني
قال الإمام وإباق المرهون قبل القبض يخرج على وجهين لأنه انتهى الى حاله تمنع ابتداء الرهن
قلت أصحهما لا يبطل وصححه في المحرر
والله أعلم

فصل في تخلل الخمر وتخليلها الخمر نوعان

أحدهما محترمة وهي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا وإنما كانت محترمة لأن إتخاذ الخل جائز بالأجماع ولا ينقلب العصير إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة فلو لم يحترم وأريق في تلك الحال لتعذر إتخاذ الخل
النوع الثاني غير محترمة وهي التي اتخذ عصيرها للخمرية
ثم في النوعين مسائل
إحداها تخليل الخمر بطرح العصير أو الملح أو الخل أو الخبز الحار أو غيرها ( فيها ) حرام
والخل الحاصل منها نجس لعلتين
إحداهما تحريم التخليل
والثانية نجاسة المطروح بالملاقاة فتستمر نجاسته إذ لا مزيل لها ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابه طاهرا بخلاف أجزاء الدن
ثم سواء في هذا الخمر

المحترمة وغيرها والمطروح قصدا أو إتفاقا كإلقاء الريح
وفي وجه يجوز تخليل المحترمة
وفي وجه تطهر إذا طرح تعبير على حساب قصد
والصحيح الأول
ولو طرح في العصير بصلا أو ملحا واستعجل به الحموضة بعد الإشتداد فوجهان
أحدهما يطهر لأنه لاقاه في حال طهارته كأجزاء الدن
وأصحهما لا لأن المطروح تنجس بالتخمر فيستمر بخلاف أجزاء الدن للضرورة
ولو طرح العصير على الخل وكان العصير غالبا يغمر الخل عند الإشتداد ففي طهارته إذا انقلب خلا هذان الوجهان
ولو كان الخل غالبا يمنع العصير من الإشتداد فلا بأس
المسألة الثانية إمساك المحترمة لتصير خلا جائز وغير المحترمة يجب إراقتها
فلو لم يرقها فتخللت طهرت لأن النجاسة والتحريم للشدة وقد زالت وحكي وجه أنه لو أمسك غير المحترمة فتخللت لم تطهر
وحكى الإمام عن بعض الخلافيين أنه لا يجوز إمساك المحترمة بل طريقه أن يعرض عن العصير إلى أن يصير خلا فإن اتفق رؤيته إياه خمرا أراقه وهذان شاذان منكران

فرع متى عادت الطهارة بالتخلل طهرت أجزاء الظرف للضرورة وعن الداركي إن
الطهارة مطلقا
وكما يطهر ما يلاقي الخل بعد التخلل يطهر ما فوقه مما أصابه الخمر في حال الغليان قاله القاضي حسين وأبو الربيع الايلاقي
قلت هو بكسر الهمزة وبالياء المثناة تحت وبالقاف منسوب إلى إيلاق وهي ناحية من بلاد الشاش واسم أبي الربيع هذا طاهر بن عبد الله إمام جليل من أصحاب القفال المروزي وأبي إسحاق الأسفراييني
والله أعلم

الثالثة لو كان ينقلها من الظل إلى الشمس وعكسه أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء إستعجالا للحموضة طهرت على الأصح وقال أبو سهل الصعلوكي لا تطهر والمحترمة أولى بالطهارة

فرع عن الشيخ أبي علي خلاف في صحة بيع الخمر المحترمة بناء
الخلاف في طهارتها وقد سبق في الهارة
وإذا استحالت أجواف حبات العناقيد خمرا ففي بيعها اعتمادا على طهارة ظاهرها وتوقع طهارة باطنها وجهان وطردوهما في البيضة المستحيل باطنها دما والصحيح المنع
الباب الثالث في حكم المرهون
بعد القبض فيه ثلاثة أطراف
الأول في جانب الراهن وهو ممنوع من كل تصرف يزيل الملك وينقل العين كالبيع والهبة ونحوهما
ومما يزحم المرتهن في مقصود الرهن وهو الرهن عند غيره ومن كل تصرف ينقص المرهون أو يقلل الرغبة فيه كالتزويج
قلت فلو خالف فزوج العبد أو الأمة المرهونين فالنكاح باطل صرح به القاضي أبو الطيب لأنه ممنوع منه وقياسا على البيع
والله أعلم
وأما الإجارة فإن كان الدين حالا أو مؤجلا يحل قبل انقضاء مدتها بطلت الإجارة على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل إن جوزنا بيع المستأجر صحت وإلا فلا وقال في التتمة تبطل في قدر الأجل
وفي الزائد قولا تفريق

الصفة
ولم يفصل الجمهور بل أطلقوا القول بالبطلان
وإن كان الأجل يحل بعد انقضائها مدة الأجارة أو معها صحت قطعا
فإن حل قبل انقضاء بموت الراهن فوجهان
أحدهما تنفسخ الإجارة رعاية لحق المرتهن لأنه أسبق ويضارب المستأجر بالأجرة المدفوعة مع الغرماء
والثاني وهو اختيار ابن القطان أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الاجارة كما يصبر الغرماء الى انقضاء العدة لتستوفي المعتدة حق السكنى جمعا بين الحقين
وعلى هذا يضارب المرتهن بدينه في الحال
فإذا انقضت المدة وبيع المرهون قضي باقي دينه
فإن فضل شىء فللغرماء
هذا كله إذا أجر لغير المرتهن
فلو أجره جاز ولا يبطل الرهن وكذا لو كان مستأجره فرهنه عنده جاز
فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن ثم سلمه عنهما جميعا جاز
ولو سلم عن الرهن وقع عنهما جميعا لأن القبض في الإجارة مستحق
ولو سلم عن الإجارة لو يحصل قبض الرهن
وما قدمناه من منع الراهن من البيع وسائر التصرفات
والحكم بإبطالها هو الجديد المشهور
وعلى القديم المجوز وقف العقود تكون هذه التصرفات موقوفة على الفكاك وعدمه ومال الإمام الى تخريجها على الخلاف في بيع المفلس ماله وسيأتي إن شاء الله تعالى

فرع إذا أعتق الراهن المرهون ففي تنفيذه ثلاثه أقوال

أظهرها الثالث وهو إن كان موسرا نفذ وإلا فلا فإن قلنا لا ينفذ فالرهن بحاله فلو انفك بإبداء أو غيره فقولان أو وجهان أصحهما لا ينفذ لأنه أعتق وهو لا يملك إعتاقه فأشبه ما لو أعتق المحجور عليه بسفه ثم زال حجره
وقطع جماعة بالنفوذ
وإن بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق على المذهب
وقيل على الخلاف

وإن قلنا ينفذ مطلقا لزم الراهن قيمته يوم الإعتاق فإن كان موسرا أخذت في الحال وجعلت رهنا مكانه وإلا أمهل إلى اليسار فإذا أيسر أخذت وجعلت رهنا إن لم يحل الدين وإن حل طولب به ولا معنى للرهن كذا قاله العراقيون
ولك أن تقول كما أن ابتداء الرهن قد يكون بالحال وقد يكون بالمؤجل فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهنا وإن حل إلى تيسر الإستيفاء
قال الإمام ومهما بذل القيمة على قصد الغرم صارت رهنا ولا حاجة إلى عقد مستأنف والإعتبار بقصد المؤدي
ومتى كان موسرا وقلنا ينفذ مطلقا أو من الموسر ففي وقت نفوذه طريقان
أحدهما على الأقوال في وقت نفوذ عتق نصيب شريكه
ففي قول يتعجل
وفي قول يتأخر الى دفع القيمة
وفي قول يتوقف
فإذا غرم أسندنا العتق تبينا
والطريق الثاني وهو المذهب القطع بنفوذه في الحال
والفرق أن العتق هناك إلى ملك غيره فلا يزول إلا بقبضه قيمته وهنا يصادف ملكه
قلت قوله إذا كان موسرا ففيه طريقان إشارة إلى أن المعسر إذا نفذنا عتقه يعتق في الحال بلا خلاف وبهذا صرح الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل وغيرهما
والله أعلم

فرع لو علق عتقه بفكاك الرهن نفذ عند الفكاك إذ لا ضرر

وإن علق بصفة أخرى فإن وجدت قبل فكاك الرهن ففيه أقوال التنجيز
وإن وجدت بعده نفذ على الأصح
فرع لو رهن نصف العبد ثم أعتق نصفه فإن أضاف العتق إلى

ففيه الأقوال
وإن أضافه إلى النصف الآخر أو أطلق عتق ما ليس بمرهون ويسري إلى المرهون إن نفذنا إعتاقه وكذا إن لم ننفذه على الأصح لأنه يسري إلى ملك غيره فملكه أولى
وعلى هذا يفرق بين الموسر والمعسر على الأصح حكاه الإمام عن المحققين وجزم في التتمة بأن لا فرق لأنه ملكه
قلت إذا أعتق المرهون عن كفارته أجزأه إن قلنا ينفذ إعتاقه
وإن أعتقه عن كفارة غيره فلا يعتق لأنه بيع قاله القاضي حسين في الفتاوى
والله أعلم

فرع وقف المرهون باطل على المذهب

وقيل على الأقوال
وقال في التتمة إن قلنا لا يحتاج الى القبول فكالعتق وإلا فباطل
فصل ليس للراهن وطء المرهونة بكرا كانت أو ثيبا عزل أم لا

وفي وجه ضعيف يجوز وطء ثيب لا تحبل لصغر أو إياس ووطء الحامل من الزنا ولكن وطء الحامل من الزنا مكروه مطلقا
قلت وفي وجه يحرم
والله أعلم
فلو خالف فوطىء فلا حد ولا مهر وعليه أرش البكارة إن افتضها
فإن شاء جعله رهنا وإن شاء قضاه من الدين فإن أولدها فالولد نسيب

حر ولا قيمة عليه وفي مصيرها أم ولد أقوال العتق وهنا أولى بالنفوذ عند الأكثر لقوة الاحبال
وقيل عكسه لأن العتق أقوى من جهة فإنه تنجز به الحرية بخلاف الاستيلاد
وقيل هما سواء
وإن شئت قالت فيه ثلاثة طرق القطع بالنفوذ وعدمه وأصحها وهو الثالث طرد الأقوال فإن نفذ بالإستيلاد لزمه القيمة والحكم على ما سبق في العتق وإلا فالرهن بحاله
فلو حل الحق وهي حامل لم يجز بيعها على الأصح لأنها حامل بحر
وإذا ولدت لا تباع حتى تسقي الولد اللبأ ونجد مرضعا خوفا من أن يسافر بها المشتري فيهلك الولد فإذا وجدت المرضع بيعت الأم ولا يبالى بالتفريق بينها وبين الولد للضرورة
ثم إن استغرقها الدين بيعت كلها وإلا فيباع قدر الدين وإن أفضى التشقيص إلى نقصان رعاية لحق الإستيلاد فإن لم يوجد من يشتري البعض بيع الجميع للضرورة وإذا بيع بقدر الدين انفك الرهن عن الباقي واستقر الإستيلاد فيه وتكون النفقة على المشتري والمستولد بحسب النصيبين ويكون الكسب بينهما
ومتى عادت الى ملكه بعد بيعها في الدين نفذ الإستيلاد على الأظهر
وقيل قطعا
ولو انفك رهنها من غير بيع نفذ الإستيلاد على المذهب
وقيل هو كما لو بيعت ثم ملكها
وليس للراهن أن يهب هذه الجارية للمرتهن وإنما تباع في الحق للضرورة وهذا معنى قول الائمة الإستيلاد ثابت في حق الراهن
وإنما الخلاف في ثبوته في حق المرتهن

فرع لو ماتت هذه الجارية بالولادة

وقلنا الإستيلاد لا ينفذ لزمه قيمتها على الصحيح فتكون رهنا مكانها
ولو أولد أمة غيره بشبهة وماتت بالولادة وجبت قيمتها على الصحيح
ولو كانت حرة لم تجب الدية على الأصح لأن الوطء

سبب ضعيف وإنما أوجبنا الضمان في الأمة لأن الوطء إستيلاء عليها والعلوق من آثاره فأدمنا الإستيلاء كالمحرم إذا نفر صيدا وبقي نفاره الى الهلاك بالتعثر وغيره
والحرة لا تدخل تحت الإستيلاء
ولو أولد إمرأة بالزنا مكرهة فماتت بالولادة حرة ( كانت ) أو أمة يجب الضمان على الأظهر لأن الولادة غير مضافة إليه لقطع النسب
ولو ماتت زوجته من الولادة لم يجب الضمان بلا خلاف لتولده من مستحق
وحيث أوجبنا ضمان الحرة فهو الدية على عاقلته
وحيث أوجبنا القيمة وجب قيمتها يوم الإحبال على الأصح لأنه سبب التلف كما لو جرح عبدا قيمته مائة فبقي زمنا حتى مات وقيمته عشرة لزمه مائة
والوجه الثاني تجب قيمتها يوم الموت لأنه وقت التلف
والثالث يجب أكثرهما كالغصب
ولو لم تمت ونقصت بالولادة لزمه الأرش
فإن شاء جعله رهنا معها وإن شاء صرفه في قضاء الدين

فصل للراهن إستيفاء المنافع التي لا تضر بالمرتهن كسكنى الدار وركوب الدابة
إلا إذا نقص قيمته
والإنزاء على الأنثى إن كان الدين يحل قبل ظهور الحمل أو تلد قبل حلوله
فإن كان يحل بعد ظهوره وقبل الولادة فإن قلنا الحمل لا يعرف جاز أيضا لأنها تباع مع الحمل
وإن قلنا يعرف هو الأظهر لم يجز لأنه لا يمكن بيعها دون الحمل وهو غير مرهون
وليس له البناء في الأرض المرهونة ولا الغراس وفي وجه يجوز إن كان الدين مؤجلا والصحيح المنع
والزرع إن نقص قيمة الأرض لإستيفاء قوتها ممنوع
وإن لم ينقص وكان بحيث يحصد قبل حلول الأجل فلا منع
فلو تأخر الإدراك لعارض ترك إلى الإدراك

وإن كان بحيث يحصد بعد الحلول أو كان الدين حالا منع على المشهور لأنه تقل الرغبة في المزروعة
وفي قول لا منع ويجبر على القطع عند المحل إن لم يف قيمتها مزروعة دون الزرع بالدين
ولو غرس أو بنى حيث منعناه لم يقلع قبل حلول الأجل على الصحيح فلعله يقضي الدين من غيره
وأما بعد حلول الأجل والحاجة إلى البيع فيقلع إن لم تف قيمة الأرض بدينه وزادت بالقلع
فلو صار الراهن محجورا عليه بالإفلاس ففي القلع وجهان بخلاف ما لو نبت النخل من نوى حمله السيل حيث جزمنا بأنه لا يقلع في مثل هذه الحالة لأنا منعناه هنا

فصل اليد على المرهون مستحقة للمرتهن لأنها مقصود التوثق

فما لا منفعة فيه مع بقاء عينه كالنقود والحبوب لا تزال يد المرتهن عنه
وأما غيره فإن أمكن تحصيل الغرض مع بقائه في يد المرتهن تعين فعله جمعا بين الحقين وإنما تزال يده عند إشتداد الحاجة إليه
فإن كان العبد مكتسبا وتيسر إستكسابه هناك لم يخرج من يده إن أراد الراهن الإستكساب
فإن أراد الإستخدام أو الركوب أو غيرهما من الإنتفاع المحوج الى إخراجه من يده ففي قول قديم لا يخرج والمشهور أنه يخرج
ثم إن استوفى تلك المنافع بإعارة لعدل أو إجارة بشرطها السابق فله ذلك
وإن أراد استيفاءها بنفسه قال في الأم له ذلك ومنعه في القديم فحمل حاملون الأول على الثقة المأمون جحوده
والثاني على غيره
وقال آخرون هما قولان مطلقا وهذا أصح
قلت المذهب جوازه مطلقا
والله أعلم

وفرع الامام والغزالي على الجواز أنه إن وثق المرتهن بالتسليم فذاك وإلا أشهد عليه شاهدين أنه يأخذه للإنتفاع فإن كان موثوقا به عند الناس مشهور العدالة لم يكلف الإشهاد في كل أخذة على الأصح
فإن كان المرهون جارية فأراد أخذها للإستخدام لم يمكن منه إلا إذا أمن غشيانه بأن كان محرما أو ثقة وله أهل
ثم إن كان له إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدوم إستيفاؤها فذاك
وإن كانت تستوفى ( في ) بعض الأوقات كالركوب والإستخدام إستوفي نهارا ورد إلى المرتهن ليلا

فرع ليس للراهن المسافرة به بحال وإن قصر سفره لما فيه من

ولهذا منع زوج الأمة من السفر بها
وإنما جاز لسيدها السفر بها لحقه المتعلق بالرقبة ولئلا يمتنع من تزويجها ويجوز للحر السفر بزوجته الحرة
فرع كلام الغزالي يدل على أنه لا ينتزع العبد من يد المرتهن
أمكن استكسابه وإن طلب الراهن خدمته ولم يتعرض إلا الأكثر لذلك
ومقتضى كلامهم أن له الإستخدام مع إمكان الإستكساب
قلت كلام الغزالي محمول على موافقة الأصحاب وقد ذكرت تأويله في شرح الوسيط
والله أعلم

فرع لا تزال يد البائع عن العبد المحبوس بالثمن بسبب الإنتفاع
ملك المشتري غير مستقر قبل القبض وملك الراهن مستقر
وهل يستكسب في يده للمشتري أم تعطل منافعه فيه خلاف للأصحاب
قلت الأرجح إستكسابه
والله أعلم
فرع التصرفات التي منع بها الراهن لحق المرتهن إذا أذن فيها نفذت

فإن أذن في الوطء حل فإن لم تحبل فالمرهون والرهن بحاله
وإن أحبل أو أعتق أو باع بالإذن نفذت وبطل الرهن وله الرجوع عن الإذن قبل تصرف الراهن
وإذا رجع فالتصرف بعده تصرف بلا إذن
ولو أذن في الهبة والإقباض ورجع قبل الإقباض صح وامتنع الإقباض
ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن لم يصح رجوعه على الأصح لأن البيع مبني على اللزوم
ولو رجع عن الأذن ولم يعلم الراهن فتصرف لم ينفذ على الأصح
ومتى أحبل أو أعتق أو باع وادعى الأذن فالقول قول المرتهن مع يمينه
فإن حلف فتصرفه بغير إذن
وإن نكل فحلف الراهن فهو كالتصرف بالإذن
فإن نكل الراهن ففي رد اليمين على الجارية والعبد طريقان
أحدهما على القولين في الرد على الغرماء إذا نكل الوارث وأصحهما القطع بالرد لأن الغرماء يثبتون الحق إبتداء للميت وهذان يثبتان لانفسهما
ولو إختلف الراهن وورثة المرتهن حلفوا على نفي العلم
ولو اختلف المرتهن وورثه الراهن حلفوا يمين الرد على البت

وفي ثبوت إذن المرتهن برجل وإمرأتين وجهان حكاهما إبن كج القياس المنع كالوكالة

فرع لو حصل عند المرهونة ولد فقال الراهن وطئتها بإذنك فأتت بهذا
الولد مني وهي أم ولد فقال المرتهن بل هو من زوج أو زنى فالقول قول الراهن بلا يمين لأنه إذا أقر بكون الولد منه لم يقبل رجوعه فلا يحلف وإنما يقبل قوله بشرط أن يسلم له المرتهن أربعة أشياء وهي الإذن في الوطء وأنه وطىء وأنها ولدت وأنها مضت مدة إمكان الولد منه
فإن أنكر واحدا من الأربعة فالقول قوله لأن الأصل عدمه
وفي وجه القول قول الراهن في الوطء ولو لم يتعرض المرتهن لهذه الأشياء منعا وتسليما واقتصر على إنكار الإستيلاد فالقول قوله وعلى الراهن إثبات هذه الأشياء
فرع لو أعتق أو وهب بإذن المرتهن بطل حقه من الرهن سواء
حالا أو مؤجلا وليس عليه أن يجعل قيمته رهنا مكانه
ولو باع بإذنه والدين مؤجل فكذلك
وإن كان حالا قضى حقه من ثمنه وحمل إذنه المطلق على البيع لغرضه
ولو أذن بشرط أن يجعل الثمن رهنا مكانه فقولان سواء كان الدين حالا أو مؤجلا
أظهرهما يبطل الإذن والبيع
والثاني يصحان ويلزم الراهن الوفاء بالشرط
ولو أذن في الإعتاق بشرط جعل القيمة رهنا أو في الوطء بهذا الشرط

إن أحبل ففيه القولان
ولو أذن في البيع بشرط أن يجعل حقه من ثمنه وهو مؤجل فالصحيح المنصوص فساد البيع والإذن لفساد الشرط
وفي قول مخرج يصحان ويجعل الثمن رهنا مكانه
ولو اختلفا فقال المرتهن أذنت بشرط أن ترهن الثمن فقال الراهن بل أذنت مطلقا فالقول قول المرتهن
ثم إن كان الإختلاف قبل البيع فليس له البيع
وإن كان بعده وحلف المرتهن فإن صححنا الإذن فعلى الراهن رهن الثمن وإلا فإن صدق المشتري المرتهن فالبيع باطل ويبقى مرهونا
وإن كذبه نظر إن أنكر أصل الرهن حلف وعلى الراهن أن يرهن قيمته وإن أقر بكونه مرهونا وادعى مثل ما ادعاه الراهن فعليه رد المبيع ويمين المرتهن حجة عليه
قال الشيخ أبو حامد ولو أقام المرتهن بينة أنه كان مرهونا فهو كإقرار المشتري به

فرع منقول عن الأم لو أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون
فهلك في الضرب فلا ضمان لأنه تولد من مأذون فيه كما لو أذن في الوطء وأحبل
ولو قال أدبه فضربه فهلك لزمه الضمان
فصل الديون التي على الميت تتعلق بتركته قطعا

وقد سبق في آخر باب زكاة الفطر أن هذا التعلق لا يمنع الإرث على الصحيح
فعلى هذا في كيفيته قولان ويقال وجهان
أحدهما كتعلق الأرش برقبة الجاني
وأظهرهما كتعلق الدين بالمرهون لأن الشارع إنما أثبت هذا التعلق نظرا للميت لتبرأ ذمته فاللائق به أن لا يسلط

الوارث عليه
فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر لم يصح قطعا سواء جعلناه كالجاني أو كالمرهون
ويجيء في الإعتاق خلاف فإن كان موسرا نفذ في وجه بناء على تعلق الأرش ولا ينفذ في وجه بناء على تعلق المرهون
وفي وجه هما موقوفان
فإن قضي الدين تبينا نفوذهما وإلا فلا
ولا فرق بين كون الدين مستغرقا للتركة أو أقل منها على الأصح على قياس المرهون
والثاني إن كان الدين أقل نفذ تصرف الوارث إلى أن لا يبقى إلا قدر الدين لأن الحجر في مال كثير لشىء حقير بعيد
وإذا حكمنا ببطلان تصرف الوارث فلم يكن على التركة دين ظاهر فتصرف ثم ظهر دين بأن كان باع شيئا وأكل ثمنه فرد بالعيب ولزم رد الثمن أو سقط ساقط في بئر كان احتفرها عدوانا فوجهان
أحدهما تبين فساد التصرف لتقدم سبب الدين فألحق بالمقارن
وأصحهما لا يفسد
فعلى هذا إن أدى الوارث الدين وإلا فوجهان
أصحهما يفسخ ذلك التصرف ليصل الى المستحق حقه
والثاني لا بل يطالب الوارث بالدين ويجعل كالضامن وللوارث على كل حال أن يمسك عين التركة ويؤدي الدين من خالص ماله
ولو كان الدين أكثر من التركة فقال الوارث آخذها بقيمتها وأراد الغرماء بيعها لتوقع زيادة راغب أيهما يجاب وجهان
أصحهما الوارث
وفي تعلق حق الغرماء بزوائد التركة كالكسب والنتاج خلاف مبني على أن الدين يمنع الإرث أم لا إن منع تعلق وإلا فلا
قلت سواء تصرف الوارث في جميع التركة أو في بعضها ففيه الخلاف السابق وسواء علم الوارث بالدين المقارن أم لا قاله الشيخ نصر المقدسي لأن ما يتعلق بحقوق الآدميين لا يختلف به
والله أعلم
الطرف الثاني في جانب المرتهن وهو مستحق لليد بعد لزوم الرهن ولا

تزال يده إلا للإنتفاع كما سبق ثم يرد إليه ليلا وإن كان العبد ممن يعمل ليلا كالحارس رد إليه نهارا
ولو شرطا في الإبتداء وضعه في يد ثالث جاز فإن شرطا عند إثنين ونصا على أن لكل واحد منهما الإنفراد بالحفظ أو على أن يحفظاه معا في حرر اتبع الشرط
وإن أطلقناه فوجهان
أصحهما ليس لأحدهما أن ينفرد بالحفظ
كما لو أوصى الى رجلين أو وكل رجلين في شىء لا يستقل أحدهما فعلى هذا يجعلانه في حرز لهما
والثاني يجوز الإنفراد لئلا يشق عليهما فعلى هذا إن إتفقا على كونه عند أحدهما فذاك وإن تنازعا والرهن مما ينقسم قسم وحفظ كل واحد نصفه وإلا حفظ هذا مدة وهذا مدة
ولو قسماه بالتراضي والتفريع على الوجه الثاني فأراد أحدهما أن يرد ما في يده على صاحبه ففي جوازه وجهان
قلت قطع صاحب التهذيب بأنه لا يجوز
والله أعلم

فرع إذا أراد الذي وضعاه عنده الرد رده إليهما أو إلى وكيلهما
كانا غائبين ولا وكيل فهو كرد الوديعة وسيأتي إن شاء الله تعالى
وليس له دفعه إلى أحدهما بغير إذن الآخر فإن فعل ضمن واسترد منه إن كان باقيا وإن تلف في يد المدفوع إليه نظر إن دفعه إلى الراهن رجع المرتهن بكمال قيمته وإن زادت على حقه ليكون رهنا مكانه ويغرم من شاء من العدل والراهن والقرار على الراهن وإن دفعه إلى المرتهن ضمنا والقرار على المرتهن فإن كان الدين حالا وهو من جنس القيمة جاء الكلام في التقاص وإن غصب المرتهن الرهن من يد العدل ضمن
فلو رده اليه برىء
وقيل لا يبرأ إلا بالرد إلى

المالك أو بإذن جديد للعدل في أخذه والصحيح الأول
وكذا الحكم لو غصب الوديعة من المودع أو العين المستأجرة من المستأجر أو المرهونة من المرتهن ثم رد إليهم
ولو غصب اللقطة من الملتقط ثم رد إليه لم يبرأ
ولو غصب من المستعير أو المستام ثم رده إليه فوجهان لأنهما مأذونان من جهة المالك لكنهما ضامنان

فرع لو اتفق المتراهنان على نقل الرهن الى يد عدل آخر جاز
أحدهما لا يجاب إلا أن يتغير حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو تحدث بينه وبين أحدهما عداوة ويطلب نقله فينقل آخر يتفقان عليه فإن تشاحا وضعه الحاكم عند من يراه
ولو كان من وضعاه عنده فاسقا في الإبتداء فازداد فسقا فهو كما لو حدث فسقه
وكذا لو مات وأراد أحدهما إخراجه من يد وارثه
ولو كان في يد المرتهن فتغير حاله أو مات كان للراهن نقله على الصحيح وفي وجه لا تزال يد ورثته لكن إذا لم يرض بيدهم ضم القاضي إليهم مشرفا
فرع إذا ادعى العدل هلاك الرهن في يده أو رده فالقول قوله
كالمودع
ولو أتلف الرهن عمدا أخذت منه القيمة ووضعت عند آخر
ولو أتلفه مخطئا أو أتلفه غيره أخذت القيمة ووضعت عنده كذا قاله الأكثرون وذهب الإمام إلى أنه لا بد من استحفاظ جديد
وقياسه أن يقال لو كان في يد المرتهن فأتلف وأخذ بدله كان للراهن أن لا يرضى بيده في البدل

فصل المرتهن يستحق بيع المرهون عند الحاجة
ويتقدم بثمنه على سائر الغرماء وإنما يبيعه أو وكيله بإذن المرتهن فلو لم يأذن المرتهن وأراد الراهن بيعه قال له القاضي ائذن في بيعه وخذ حقك من ثمنه أو أبرئه
وإن طلب المرتهن بيعه وأبى الراهن ولم يقض الدين أجبره القاضي على قضائه أو البيع إما بنفسه أو وكيله فإن أصر باعه الحاكم
ولو كان الراهن غائبا أثبت الحال عند الحاكم ليبيعه
فإن لم يكن له بينة أو لم يكن في البلد حاكم فله بيعه بنفسه كمن ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولا بينة
فرع لو أذن الراهن للمرتهن في بيعه بنفسه فباع في غيبة الراهن

أحدهما يصح البيع كما لو أذن له في بيع غيره
وأصحهما لا لأنه يبيعه لغرض نفسه فيتهم في الإستعجال وترك النظر
وإن باعه بحضوره صح على الصحيح وهو ظاهر النص لعدم التهمة
وقيل لا يصح لأنه توكيل فيما يتعلق بحقه فعلى هذا لا يصح توكيله ببيعه أصلا ويتفرع عليه أنه لو شرط ذلك في إبتداء الرهن فإن كان الرهن مشروطا في بيع فالبيع باطل
وإن كان رهن تبرع فعلى القولين في الشرط الفاسد النافع للمرتهن أنه هل يبطل الرهن ولو قال للمرتهن بع المرهون واستوف الثمن لي ثم استوفه لنفسك صح البيع والإستيفاء للراهن ولا يحصل الإستيفاء لنفسه بمجرد إدامة اليد والإمساك فلا بد من وزن جديد أو كيل جديد كما هو شأن القبض في المقدرات
ثم إذا استوفاه لنفسه بعد ذلك

بكيل أو وزن ففي صحته وجهان ذكرناهما في نظائرهما في البيع لاتحاد القابض والمقبض
فإن صححنا برئت ذمة الراهن من الدين والمستوفى من ضمانه
وإن أبطلنا وهو الأصح لم يبرأ الراهن ويدخل المستوفى في ضمانه لأن القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان
قلت دخوله في ضمانه يكون بعد قبضه لنفسه فأما قبله فهو في يده أمانة بلا خلاف
وكذا لو نوى إمساكه لنفسه من غير إحداث فعل فالأمانه مستمرة صرح به الإمام والغزالي في البسيط وغيرهما
ولو قبضه لنفسه بفعل من غير وكيل ولا وزن دخل في ضمانه لأنه قبض فاسد فله في الضمان حكم الصحيح
والله أعلم
ولو كانت الصيغة ثم أمسكه لنفسك فلا بد من إحداث فعل على الأصح
وعلى الثاني يكفي مجرد الإمساك
ولو قال بعه لي واستوف الثمن لنفسك صح البيع ولم يصح استيفاء الثمن لأنه ما لم يصح القبض للراهن لا يتصور القبض لنفسه وهنا بمجرد قبضه يصير مضمونا عليه
ولو قال بعه لنفسك فقولان
أظهرهما أن الإذن باطل ولا يتمكن من البيع لأنه لا يتصور أن يبيع الإنسان مال غيره لنفسه
والثاني يصح اكتفاء بقوله بعه وإلغاء للباقي ولأن السابق أن الفهم منه الأمر بالبيع لغرضه بالتوصل إلى دينه
ولو أطلق وقال بعه ولم يقل لي ولا لنفسك فوجهان
أصحهما صحة البيع كما لو قال لأجنبي بعه
والثاني المنع لعلتين
إحداهما أن البيع مستحق للمرتهن فكأنه قال بعه لنفسك
والثانية التهمة كما سبق
وعلى العلتين لو كان الثمن مؤجلا وقال بعه صح لانتفائهما
وإن قال بعه واستوف حقك من ثمنه جاءت التهمة
وإن قدر له الثمن لم يصح البيع على العلة الأولى ويصح على الثانية وكذا لو كان الراهن حاضرا عند البيع

فرع إذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة كإذن الراهن للمرتهن
وكذا إذن السيد للمجني عليه في بيع الجاني
فرع إذا وضعا الرهن عند عدل وشرطا أن يبيعه عند المحل جاز
تجديد إذن الراهن وجهان
أصحهما لا لأن الأصل بقاؤه
وأما المرتهن فقال العراقيون يشترط مراجعته قطعا لأن البيع لإيصاله حقه إذا طالب فليستأذن فربما أمهل وربما أبرأ
وعكسه الإمام فقال لا خلاف أنه لا يراجع لأن غرضه توفية الحق بخلاف الراهن فإنه قد يبقي العين لنفسه
فرع لو عزل الراهن العدل قبل البيع إنعزل

ولو عزله المرتهن فوجهان
أصحهما لا ينعزل لأنه وكيل الراهن فإنه المالك
والثاني ينعزل وهو ظاهر النص كما لو عزله الراهن لأنه يتصرف لهما ولا خلاف أنه لو منعه من البيع لم يبع وكذا لو مات أحدهما
وإذا قلنا لا ينعزل بعزل المرتهن فجدد له إذنا جاز البيع ولم يشترط تجديد توكيل الراهن
قال في الوسيط ومساق هذا أنه لو عزله الراهن ثم عاد فوكله إشترط إذن جديد من المرتهن ويلزم عليه أن يقال لا يعتد بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن ولا بإذن المرأة للوكيل قبل توكيل الولي إياه والكل محتمل

فرع إذا باع العدل وأخذ الثمن فهو أمين والثمن من ضمان
أن يتسلمه المرتهن
فلو تلف في يد العدل ثم خرج الرهن مستحقا فالمشتري بالخيار بين أن يرجع بالثمن على العدل أو الراهن والقرار على الراهن
ولو مات الراهن فأمر الحاكم العدل أو غيره ببيعه فباعه وتلف الثمن ثم خرج مستحقا رجع المشتري في مال الرهن ولا يكون العدل طريقا في الضمان على الأصح لأنه نائب الحاكم والحاكم لا يضمن
والثاني يكون كالوكيل والوصي
وإذا ادعى العدل تلف الثمن في يده قبل قوله مع يمينه
وإن ادعى تسليمه إلى المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه
فإذا حلف أخذ حقه من الراهن ورجع الراهن على العدل وإن كان قد أذن له في التسليم
ولو صدقه الراهن في التسليم فإن كان أمره بالإشهاد ضمن العدل بلا خلاف لتقصيره
وكذا إن لم يأمره على الأصح لتفريطه
فلو قال أشهدت ومات شهودي وصدقه الراهن فلا ضمان
وإن كذبه فوجهان سنذكرهما مع نظائرهما في باب الضمان إن شاء الله تعالى
فرع لو باع العدل بدون ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به
مؤجل أو بغير نقد البلد لم يصح
وقيل بالمؤجل وهو غلط
ولو سلم المال إلى المشتري صار ضامنا
فإن كان المبيع باقيا استرد وجاز للعدل بيعه بالإذن السابق وإن صار مضمونا عليه
وإذا باعه وأخذ ثمنه لم يكن الثمن مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه
وإن كان تالفا فإن باع بغير نقد البلد أو بمؤجل فالراهن بالخيار في تغريم

من شاء من العدل والمشتري كمال قيمته
وكذا إن باع بدون ثمن المثل على الأظهر
وعلى الثاني إن غرم العدل حط النقص الذي كان يحتمل في الإبتداء للغبن المعتاد
مثاله ثمن مثله عشرة ويتغابن فيه بدرهم فباعه بثمانية نغرمه تسعة ونأخذ الدرهم الباقي من المشتري كذا نقلوه
وغالب الظن طرد هذا الخلاف في البيع بغير نقد البلد وفي المؤجل وإنما اتفق النص على القولين في الغبن لأنه يخالف الأمرين الآخرين
ويدل عليه أن صاحب التهذيب وآخرين جعلوا كيفية تغريم الوكيل إذا باع على صفة من هذه الصفات وسلم المبيع على هذا الخلاف وسووا بين الصور الثلاث
ومعلوم أنه لا فرق بين العدل في الرهن وسائر الوكلاء
وعلى كل حال فالقرار المشتري لحصول الهلاك عنده

فرع لو قال أحد المتراهنين بعه بالدراهم وقال الآخر بالدنانير لم يبع
إن كان الحق من نقد البلد وإلا صرف نقد البلد إليه
فلو رأى الحاكم بيعه بجنس حق المرتهن جاز
فرع لو باع بثمن المثل فزاد راغب قبل التفرق فليفسخ البيع وليبعه
له
فإن لم يفعل فوجهان
أحدهما لا ينفسخ البيع لأن الزيادة غير موثوق بها وأصحهما الإنفساخ لأن المجلس كحال العقد
فعلى هذا لو بدا للراغب قبل التمكن من بيعه فالبيع الأول بحاله وإن كان بعده بطل فلا بد من بيع جديد
وفي وجه إذا بدا له بان أن البيع بحاله وهو ضعيف
ولو لم يفسخ العدل بل باع الراغب

كونه فسخا لذلك البيع ثم في صحته في نفسه خلاف سبق في البيع وأشار الإمام إلى أن الوكيل لو باع ثم فسخ البيع هل يتمكن من البيع مرة أخرى فيه خلاف
والأمر بالبيع من الراغب هنا تفريع على أنه يتمكن
أو مفروض فيمن صرح له في الإذن بذلك
وأكثر هذه المسائل تطرد في جميع الوكالات
قلت قوله فزاد راغب قبل التفرق فيه نقص وكان ينبغي أن يقول قبل انقضاء الخيار ليعم خياري المجلس والشرط فإن حكمها في هذا سواء
صرح به صاحب الشامل وغيره
قال أصحابنا ولو زاد الراغب بعد انقضاء الخيار لزم البيع ولا أثر للزيادة لكن يستحب للعدل أن يستقيل المشتري ليبيعه بالزيادة للراغب أو لهذا المشتري إن شاء
والله أعلم

فصل مؤنة الرهن التي يبقى بها كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة على
الراهن
وفي معناها سقي الأشجار والكروم ومؤنة الجداد وتجفيف الثمار وأجرة الأصطبل والبيت الذي يحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرع به من هو في يده وأجرة من يرد الآبق وما أشبه ذلك
وحكى الإمام والمتولي وجهين في أن هذه المؤن هل يجبر عليها الراهن حتى يقوم بها من خالص ماله أصحهما الإجبار حفظا للوثيقة
والثاني عن الشيخ أبي محمد وغيره لا يجبر بل يبيع القاضي جزءا منه فيها بحسب الحاجة
وفرع الإمام على هذا أن النفقة لو كانت تأكل الرهن قبل الأجل ألحق في ذلك بما يفسد قبل الأجل فيباع ويجعل ثمنه رهنا وهذا ضعيف وكذا أصله المفرع عليه
وإذا قلنا بالأصح فلم يكن للراهن شىء أو لم يكن حاضرا باع الحاكم جزءا من المرهون واكترى به بيتا يحفظ فيه الرهن كذا قاله الأصحاب

وأما المؤنات الدائرة فيشبه أن يقال حكمها حكم ما لو هرب الجمل وترك الجمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها
قلت قال القاضي أبو الطيب إن قال المرتهن أنا أنفق عليه لأرجع في مال الراهن أذن له الحاكم
فإن اتفق وأراد أن يكون رهنا بالنفقة والدين فهو كفدائه المرهون الجاني على أن يكون رهنا بالدين والفداء وقد نص على جوازه وفيه طريقان تقدما
والمذهب الصحة
فإن أنفق بغير إذن الحاكم فإن أمكنه الحاكم أو لم يمكنه ولم يشهد فلا رجوع وإن أشهد فوجهان بناء على هرب الجمال
والله أعلم

فرع لا يمنع الراهن مصلحة في المرهون كفصده وحجامته وتوديج الدابة وبزغها والمعالجة

وطرد صاحب التتمة الوجهين في المداواة
ثم إن كانت المداواة مما يرجى نفعه ويؤمن ضرره فذاك وإن خيف وغلبت السلامة فهل للمرتهن منعه وجهان
قلت أصحهما لا
والله أعلم
ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر
فإن كان الخطر في الترك دون القطع فله القطع وليس له قطع سلعة وأصبع لا خطر في تركها إذا خيف ضرر فإن كان الغالب السلامة فعلى الخلاف
وله ختان العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل لأنه ضروري والغالب منه السلامة
وإن لم يندمل وكان فيه نقص لم يجز
وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان

قلت كذا أطلق أكثر الأصحاب أو كثيرون منهم جواز الختان من غير فرق بين الصغير والكبير وصرح المتولي والشيخ نصر بأنه لا فرق
وقال صاحب المهذب ومن تابعه يمنع من ختان الكبير دون الصغير لخوف التلف
وهذا ظاهر نصه في الأم والمختصر ويؤيده أنهم عدوا عدم الختان عيبا في الكبير دون الصغير كما سبق
والله أعلم

فرع له تأبير النخل المرهونة

ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة تحويلها أنفع جاز تحويلها وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر
ثم ما يقطع منها أو يجف يبقى مرهونا بخلاف ما يحدث من السعف ويجف فإنه غير مرهون كالثمرة وما كان ظاهرا منها عند الرهن قال في التتمة هو مرهون
وقال في الشامل لا فرق
قلت قال القاضي أبو الطيب وما يحصل من الليف والعراجين والكرب كالسعف
والكرب بفتح الكاف والراء أصول السعف
والله أعلم
فرع لايمنع من رعي الماشية وقت الأمن وتأوي ليلا إلى يد المرتهن
أو العدل
ولو أراد الراهن أن يبعد في طلب النجعة وبالقرب ما يبلغ منها مبلغا فللمرتهن المنع وإلا فلا منع وتأوي إلى يد عدل يتفقان عليه وإلا فينصبه الحاكم
وإن أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي لم يمنع
وكذا لو أراد نقل المتاع

من بيت عير محرز إلى محرز
ولو أراد الإنتقال من مكانهما فإن انتقلا إلى أرض واحدة فذاك وإلا جعلت الماشية مع الراهن ويحتاط ليلا كما سبق

فصل الرهن أمانة في يد المرتهن لا يسقط بتلفه شىء من الدين
يلزمه ضمانه إلا إذا تعدى فيه
وإذا برىء الراهن من الدين بأداء أو إبراء أو حوالة بقي الرهن أمانة في يد المرتهن ولا يصير مضمونا إلا إذا امتنع من الرد بعد المطالبة
وقال ابن الصباغ ينبغي أن يكون المرتهن بعد الإبراء كمن طيرت الريح ثوبا إلى داره فيعلم المرتهن به أو يرده لأنه لم يرض بيده إلا على سبيل الوثيقة
فرع كل عقد اقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده

وما لا يقتضي صحيحه الضمان فكذا فاسده
أما الأول فلأن الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى
وأما الثاني فلأن إثبات اليد عليه بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا
فرع لو أعار الراهن المرهون للمرتهن لينتفع به ضمنه المرتهن ولو رهنه
لا وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع

فرع رهنه مالا على أنه إذا حل الأجل فهو مبيع له
له بعد شهر فالبيع والرهن باطلان ويكون المال أمانة في يده قبل دخول وقت البيع وبعده مضمون لأن البيع عقد ضمان
وفي وجه إنما يصير مضمونا إذا أمسكه على سبيل الشراء
أما إذا أمسكه على موجب الدين فلا والصحيح الأول
فلو كان أرضا فغرس فيها المرتهن أو بنى قبل وقت البيع قلع مجانا وكذا لو غرس بعده عالما بفساد البيع
وإن كان جاهلا لم يقلع مجانا لوقوعه بإذن المالك وجهله التحريم فيكون حكمه كما لو غرس المستعير ورجع المعير
فرع إذا ادعى المرتهن تلف المرهون في يده قبل قوله مع يمينه

وإن ادعى رده إلى الراهن قال العراقيون القول قول الراهن مع يمينه لأنه أخذه لمنفعة نفسه فأشبه المستعير بخلاف دعوى التلف فإنه لا يتعلق بالإختيار فلا تساعده فيه البينة
قالوا وكذا حكم المستأجر إذا ادعى الرد ويقبل قول المودع والوكيل بغير جعل مع يمينهما
لأنهما أمينان متحمضان
وفي الوكيل الجعل
والمضارب والأجير المشترك إذا لم نضمنه ذكروا وجهين
أصحهما يقبل قولهم مع اليمين لأنهم أخذوا العين لمنفعة المالك وانتفاعهم بالعمل في العين لا بالعين بخلاف المرتهن والمستأجر
وهذه الطريقة هي طريقة أكثر الأصحاب لاسيما قدماؤهم وتابعهم الروياني
وقال بعض الخراسانيين من المراوزة وغيرهم كل أمين يصدق في دعوى الرد كالتلف
فقد اتفقوا في الطرق على تصديق جميعهم في دعوى التلف
وفي عبارة الغزالي ما يقتضي خلافا فيه وليس هو كذلك قطعا

فرع لو رهن الغاصب المغصوب عند إنسان فتلف في يد المرتهن
تضمين الغاصب
وفي تضمينه المرتهن طريقان
قال العراقيون فيه وجهان
أحدهما لا لأن يده يد أمانة
وأصحهما يضمن لثبوت يده على ما لم يأتمنه مالكه عليه
فعلى هذا وجهان
أحدهما يستقر الضمان عليه لحصول التلف عنده ونزول التلف منزلة الإتلاف في الغصب
وأصحهما يرجع على الغاصب لتغريره
والطريق الثاني القطع بتضمين هو عدم الإستقرار قاله المراوزة ويجري الطريقان في المستأجر من الغاصب والمستودع والمضارب ووكيله في بيعه
وكل هذا إذا جهلوا الغصب فإن علموا فهم غاصبون أيضا والمستعير منه والمستام يطالبان ويستقر عليهما الضمان لأنها يد ضمان
فرع لو رهن بشرط كونه مضمونا على المرتهن فسد الشرط والرهن ولا
يكون مضمونا عليه لما سبق
فرع قال خذ هذا الكيس واستوف حقك منه فهو أمانة في يده
منه فإذا استوفى كان مضمونا عليه
ولو كان فيه دراهم فقال خذه بدراهمك وكانت الدراهم التي فيه مجهولة القدر أو كانت من أكثر دراهمه لم يملكه ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد
وإن كانت معلومة وبقدر حقه ملكه
ولو قال

خذ هذا العبد بحقك ولم يكن سلما فقبل ملكه
وإن لم يقبل وأخذه دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد

فصل ليس للمرتهن في المرهون إلا حق الإستيثاق وهو ممنوع من جميع
التصرفات القولية والفعلية ومن الإنتفاع
فلو وطىء المرهونة بغير إذن الراهن فكوطء غيرها
فإن ظنها زوجته أو أمته فلا حد وعليه المهر والولد نسيب حر وعليه قيمته للراهن
وإن لم يظن ذلك ولم يدع جهلا فهو زان يلزمه الحد كما لو وطء المستأجر المستأجرة ويجب المهر إن كانت مكرهة
وإن طاوعته فلا على الأصح
وإن ادعى الجهل بالتحريم لم يقبل إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة عن علماء المسلمين فيقبل لدفع الحد
وحكى المسعودي في قبوله لثبوت النسب وحرية الولد والمهر خلافا
والأصح ثبوت الجميع لأن الشبهة كما تدفع الحد تثبت النسب والحرية
وإذا سقط الحد وجب المهر
وإن وطىء بإذن الراهن فإن علم أنه حرام لزمه الحد على الصحيح
وإن ادعى جهل التحريم فوجهان
أحدهما لا يقبل إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو في معناه
وأصحهما يقبل مطلقا لأنه قد يخفى التحريم مع الإذن
وإذا سقط الحد سقط المهر إن كانت مطاوعة وإلا وجب على الأظهر لسقوط الحد وقياسا على المفوضة في النكاح
والثاني لا يجب لإذن مستحقه فأشبه زنا الحرة
فإن أولدها بوطئه فالولد له نسيب حر وتجب قيمته على المذهب

وقيل فيه القولان في المهر ولا تصير الجارية أم ولد له في الحال
فإن ملكها فقولان أظهرهما لا تصير

فرع زعم المرتهن بعد الوطء أن الراهن كان باعه إياها أو وهبها
وأقبضه وأنكر الراهن فالقول قول الراهن مع يمينه
فإن حلف فهي والولد رقيقان له
فإن ملكها المرتهن فهي أم ولد له والولد حر لإقراره
فإن نكل الراهن فحلف المرتهن فهي أم ولد والولد حر
فصل فيما يتعلق به حق الوثيقة وهي متعلقة بعين المرهون قطعا
وأما غير العين فضربان
أحدهما بدل العين فلو جنى على المرهون وأخذ الأرش وانتقل الرهن إليه كما ينتقل الملك لقيامه مقام الأصل ويجعل في يد من كان الأصل في يده
وما دام الأرش في ذمة الجاني هل يحكم بأنه مرهون وجهان
أحدهما لا لأن الدين لا يكون رهنا
فإذا تعين صار مرهونا والحالة المتخللة كتخمر العصير وتخلله بعد
والثاني نعم لأنه مال بخلاف الخمر وإنما يمتنع رهن الدين إبتداء
قلت الثاني أرجح وبالأول قطع المراوزة
والله أعلم
والخصم في بدل المرهون هو الراهن
فلو ترك الخصومة فهل يخاصم المرتهن قولان
أظهرهما عند الأصحاب لا كذا قاله في التهذيب

قلت وقطع الإمام والغزالي بأنه يخاصم
والله أعلم
وإذا خاصم الراهن فللمرتهن حضور خصومته لتعلق حقه بالمأخوذ
ثم إن أقر الجاني أو أقام الراهن بينة أو حلف بعد نكول المدعى عليه ثبتت الجناية
وإن نكل الراهن فهل يحلف المرتهن قولان كغرماء المفلس إذا نكل

فرع إذا ثبتت الجناية فإن كانت عمدا فللراهن أن يقبض ويبطل حق

وإن عفا عن القصاص ثبت المال إن قلنا مطلق العفو يقتضي المال وإلا لم يجب وهو الأصح كذا قاله في التهذيب
وإن عفا على أن لا مال فإن قلنا يوجب العمد أحد الأمرين لم يصح عفوه عن المال وإن قلنا موجبه القود فإن قلنا العفو المطلق لا يوجب المال لم يجب شىء وإن قلنا يوجبه فالأصح أنه لا يجب أيضا لأن القتل لم يوجبه وإنما يجب بعفوه وذلك نوع اكتساب ولا يجب عليه الإكتساب للمرتهن
وإن لم يقبض ولم يعف فقيل يجبر على أحدهما
وقيل إن قلنا موجب أحد الأمرين أجبر وإلا فلا لأنه يملك إسقاطه فتأخيره أولى بأن يملكه
قلت ينبغي أن يقال إن قلنا إذا عفا على أن لا مال لا يصح أجبر وإلا فلا
والله أعلم
وإن كانت الجناية خطأ أو عفا ووجب المال فعفا عنه لم يصح عفوه على المشهور لحق المرتهن
وفي قول العفو موقوف ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن

فإن انفك الرهن رد إلى الجاني وبان صحة العفو وإلا بان بطلانه
ولو أراد الراهن المصالحة عن الأرش الواجب على جنس آخر لم يصح إلا بإذن المرتهن
وإذا أذن صح وكان المأخوذ مرهونا كذا نقلوه
ولو أبرأ المرتهن الجاني لم يصح لكن لا يسقط حقه من الوثيقة على الأصح لأنه لم يصح الإبراء فلا يصح ما تضمنه
كما لو وهب المرهون لرجل
الضرب الثاني زوائده فإن كانت متصلة كسمن العبد وكبر الشجرة تبعت الأصل في الرهن
وإن كانت منفصلة كالثمرة والولد واللبن والبيض والصوف لم يسر إليها الرهن وكذا الأكساب والمهر وما أشبه ذلك مما يحدث بعد الرهن
ولو رهن حاملا واحتيج الى بيعها حاملا بيعت كذلك في الدين لأنا إن قلنا الحمل يعلم فكأنه رهنهما وإلا فقد رهنها والحمل محض صفة
ولو ولدت قبل البيع فهل الولد رهن قولان
إن قلنا الحمل لا يعلم فلا وإلا فنعم
وقيل قولان لضعف الرهن عن الإستتباع
فإن قلنا لا فقال في ابتداء العقد رهنتها مع حملها لا يكون مرهونا على الأصح
ولو جاز ذلك لجاز إفراده بالرهن
أما إذا حبلت بعد الرهن وكانت يوم البيع حاملا فإن قلنا لا يعلم بيعت وهو كالسمن وإلا فلا يكون مرهونا ويتعذر بيعها لأن استثناء الحمل متعذر ولا سبيل الى بيعها حاملا وتوزيع الثمن لأن الحمل لا تعرف قيمته

فرع لو رهن نخلة ثم أطلعت فطريقان

أحدهما أن بيعها مع الطلع على القولين كالحمل
والثاني القطع بأن الطلع غير مرهون
فعلى هذا يباع النخل ويستثنى

الطلع بخلاف الحامل
ولو كانت مطلعة وقت الرهن ففي دخول الطلع على ما سبق في الباب الأول
فإن أدخلناه فكان وقت البيع طلعا بعد بيع مع النخلة وإن كانت قد أبرت فطريقان
أحدهما على القولين كما لو ولدت الحامل
والثاني القطع ببيعه مع النخلة لأنه معلوم مشاهد وقت الرهن

فرع الإعتبار في مقارنة الولد الرهن وحدوثه وسائر الزوائد بحالة

وقيل بحالة القبض لأن الرهن به يلزم
فرع أرش البكارة وأطراف العبد مرهون لأنهما ليسا من الزوائد بل

فرع ضرب الرجل الجارية المرهونة فألقت جنينا ميتا لزم الضارب عشر قيمة
بسببه شىء ولكن قدر أرش النقص من العشر يكون رهنا فإن ألقته حيا ومات ففيما يلزم الجاني قولان
أظهرهما قيمة الجنين حيا وأرش نقصان الأم إن نقصت
فعلى هذا القيمة للراهن والأرش مرهون
والثاني أكثر الأمرين من أرش النقض وقيمة الجنين
فعلى هذا إن كان الأرش أكثر فالمأخوذ رهن كله
وإن كانت القيمة

أكثر فقدر الأرش رهن
وأما البهيمة المرهونة إذا ضربت فألقت جنينا ميتا فلا شىء على الضارب سوى أرش النقص إن نقصت ويكون رهنا
الطرف الثالث في فك الرهن
ينفك بأسباب
أحدها فسخ المرتهن
والثاني تلف المرهون بآفة سماوية
إذا جنى المرهون لم يبطل الرهن بمجرده بل الجناية ضربان
أحدهما يتعلق بأجنبي فيقدم حق المجني عليه لأنه متعين في الرقبة
وحق المرتهن ثابت في الذمة
فإن اقتص منه بطل الرهن
فإن وجب مال فبيع فيه بطل أيضا
حتى لو عاد إلى ملك الراهن لم يكن رهنا
ولو كان الواجب دون قيمة العبد بيع بقدره والباقي رهن
فإن تعذر بيع بعضه أو نقص بالتبعيض بيع كله وما فضل عن الأرش يكون رهنا
ولو عفا عن الأرش أو فداه الراهن بقي رهنا
وكذا لو فداه المرتهن
ثم في رجوعه على الراهن ما سبق في رهن أرض الخراج
هذا كله إذا جنى بغير إذن سيده
فإن أمره السيد بها فإن لم يكن مميزا أو كان أعجميا يعتقد وجوب طاعة السيد في كل ما يأمر به فالجاني هو السيد وعليه القصاص أو الضمان ولا يتعلق المال برقبة العبد على الأصح
فإن قلنا يتعلق فبيع في الجناية لزم السيد أن يرهن قيمته مكانه
وإذا جنى مثل هذا العبد فقال السيد أنا أمرته بذلك لم يقبل قوله في حق المجني عليه بل يباع العبد فيها وعلى السيد القيمة لإقراره
وإن كان العبد مميزا يعرف أنه لا يطاع السيد فيه بالغا كان أو غير بالغ فهو كما لو لم يأذن السيد إلا أن السيد يأثم
الضرب الثاني أن يتعلق بالسيد وفيه مسائل
إحداها إذا جنى على طرف سيده عمدا فله القصاص
فإن اقتص بطل الرهن
وإن عفا على مال أو كانت الجناية خطأ فالصحيح أنه لا يثبت المال لأن السيد

لا يثبت له على عبده مال فيبقى الرهن كما كان
وقال إبن سريج يثبت للسيد المال ويتوصل به إلى فك الرهن
الثانية جنى على نفس السيد عمدا فللوارث القصاص
فإن عفا على مال أو كانت الجناية خطأ لم يثبت على الأظهر
الثالثة جنى على طرف من يرثه السيد كأبيه فله القصاص وله العفو على مال
ولو جنى خطأ ثبت المال
فإن مات قبل الاستيفاء وورثه السيد فوجهان
أصحهما عند الصيدلاني والإمام يسقط بمجرد إنتقاله ولا يجوز أن يثبت له على عبده إستدامة الدين كما لا يجوز إبتداؤه
والثاني وبه قطع العراقيون لا يسقط وله بيعه فيه كما كان للمورث
الرابعة جنى على نفس المورث عمدا فللسيد القصاص
فإن عفا على مال أو كانت خطأ بني على أن الدية تثبت للوارث إبتداء أم يتلقاها عن المورث
إن قلنا بالأول لم يثبت وإلا فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه وانتقل إليه بالإرث
الخامسة قتل عبدا آخر للراهن نظر إن لم يكن المقتول مرهونا فهو كما ( لو ) جنى على السيد
وحكم القن والمدبر وأم الولد سواء
وإن كان مرهونا أيضا فله حالان
أحدهما أن يكون مرهونا عند غير المرتهن القاتل فإن قتل عمدا فللسيد القصاص ويبطل الرهنان جميعا وإن عفا على مال أو قتل خطأ وجب المال متعلقا برقبته لحق المرتهن القتيل
وإن عفا بلا مال فإن قلنا موجب العمد أحد الأمرين وجب المال ولم يصح العفو إلا برضى المرتهن
وإن قلنا موجبه القود فإن قلنا العفو المطلق لا يوجب المال لم يجب شىء وإن قلنا يوجبه فكذلك على الأصح وإن عفا مطلقا فإن قلنا مطلق العفو يوجب المال ثبت كما لو عفا على مال
وإن قلنا لا يوجبه صح العفو وبطل رهن مرتهن القتيل وبقي القاتل رهنا
وعفو المحجور عليه بالفلس كعفو الراهن لأن أموال المفلس والمرهون

سواء في الحجر
ثم متى وجب المال نظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها فوجهان
أحدهما ينقل القاتل إلى يد المرتهن القتيل ولا يباع لأنه لا فائدة فيه وأصحهما يباع ويجعل الثمن رهنا في يده لأن حقه في مالية العبد لا في عينه لأنه قد يرغب راغب بزيادة
وإن كان أقل من قيمة القاتل فعلى الوجه الأول ينتقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل
وعلى الثاني يباع منه بقدر الواجب ويبقى الباقي رهنا
فإن تعذر بيع البعض أو نقص بالتبعيض بيع الجميع وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل
وإنما يجيء الوجهان إذا طلب الراهن النقل ومرتهن القتيل البيع فأيهما يجاب فيه الوجهان
أما إذا طلب الراهن البيع ومرتهن القتيل النقل فالمجاب الراهن لأنه لا حق للمرتهن المذكور في عينه
ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الطريقين فهو المسلوك قطعا
ولو اتفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل قال الإمام ليس لمرتهن القاتل المنازعة فيه وطلب البيع
ومقتضى التعليل السابق يتوقع راغب أنه له ذلك
الحال الثاني أن يكون مرهونا عند مرتهن القاتل أيضا
فإن كان العبدان مرهونين بدين واحد فقد نقصت الوثيقة ولا جابر كما لو مات أحدهما
وإن كانا مرهونين بدينين نظر في الدينين أهما مختلفان حلولا وتأجيلا أم لا فإن اختلفا فله التوثق لدين القتيل بالقاتل لأنه إن كان الحال دين المقتول ففائدته الإستيفاء من ثمنه في الحال
وإن كان دين القاتل فتحصل الوثيقة بالمؤجل ويطالب بالحال
وكذا الحكم لو كانا مؤجلين وأحد الأجلين أطول
وإن اتفقا في الحلول والتأجيل نظر هل بينهما اختلاف قدر أم لا فإن لم يكن كعشرة وعشرة فإن كان العبدان مختلفي القيمة وقيمة القتيل أكثر لم تنقل الوثيقة
وإن كانت قيمة القاتل أكثر نقل منه قدر قيمة القتيل إلى دين القتيل وبقي الباقي رهنا بما كان
وإن كانا سواء في القيمة بقي القاتل رهنا بما كان ولا فائدة في

النقل
وإن اختلف قدر الدينين نظر إن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل أكثر قيمة فإن كان المرهون بأكثر الدينين هو القتيل فله توثيقه بالقاتل
وإن كان المرهون بأقلهما هو القتيل فلا فائدة في النقل
وإن كان القتيل أقلهما قيمة فإن كان مرهونا بأقل الدينين فلا فائدة في النقل
وإن كان بأكثرهما نقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدين الآخر
وحيث قلنا تنقل الوثيقة فهل يباع ويقام ثمنه مقام القتيل أم يقام عينه مقامه فيه الوجهان السابقان

فرع هذا الذي ذكرناه من أقسام إختلاف الدينين هو المعتبر فقط كذا
قاله الأكثرون
فلو اختلف الدينان في الاستقرار وعدمه بأن كان أحدهما عوض ما يتوقع رده بالعيب أو صداقا قبل الدخول فلا أثر له عند الجمهور
وحكى في الشامل عن أبي إسحق المروزي أنه إن كان القاتل مرهونا بالمستقر فلا فائدة في النفل
وإن كان مرهونا بالآخر فوجهان وكذا قول الغزالي في الوسيط إختلاف جنس الدينين كاختلاف القدر فهو وإن كان متجها في المعنى فمخالف لنص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب كلهم لا تأثير لاختلاف الجنس
قلت المراد باختلاف الجنس أن يكون أحدهما دنانير والآخر دراهم واستويا في المالية بحيث لو قوم أحدهما بالآخر لم يزد ولم ينقص
والله أعلم
فرع لو تساوى الدينان في الأوصاف وقلنا الوثيقة لا تنقل فقال المرتهن
قد جنى فلا آمنه فبيعوه وضعوا ثمنه رهنا مكانه هل يجاب وجهان

فرع لو جني على مكاتب السيد فانتقل الحق إليه بموته أو
كالمنتقل من المورث
السبب الثالث لانفكاك الرهن برائة الذمة عن جميع الدين بالقضاء أو الإبراء أو الحوالة أو الاقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به
ولو اعتاض عن الدين عينا انفك الرهن لتحول الحق من الذمة إلى العين
ثم لو تلفت العين قبل التسليم بطل الإعتياض ويعود الرهن كما عاد الدين ولا ينفك بالبراءة عن بعض الدين بعض الرهن كما أن حق الحبس يبقى ما بقي شىء من الثمن ولا يعتق شىء من المكاتب ما بقي شىء من المال
ولو رهن عبدين وسلم أحدهما كان المسلم مرهونا بجميع الدين
فرع إنما يتصور إنفكاك بعض المرهون عن بعض أمور

أحدها تعدد العقد بأن رهنه نصف العبد بعشرة ونصفه الآخر في صفة أخرى
الثاني أن يتعدد مستحق الدين بأن رهنه عند رجلين صفقة واحدة ثم برىء من دين أحدهما بأداء أو إبراء انفك الرهن بقسط دينه
وفي وجه إن اتحدت جهة دينيهما بأن أتلف عليهما مالا أو ابتاع منهما لم ينفك شىء بالبراءة عن أحدهما وإنما ينفك إذا اختلفت الجهة
والصحيح الإنفكاك مطلقا
الثالث أن يتعدد من عليه الدين بأن رهن رجلان عند رجل فإذا برىء أحدهما انفك نصيبه

الرابع إذا وكل رجلان رجلا يرهن عبدهما عند زيد بدينه عليهما ثم قضى أحد الموكلين دينه فقيل قولان
والمذهب القطع بإنفكاك نصيبه ولا نظر إلى إتحاد الوكيل وتعدده
قال الإمام لأن مدار الباب على إتحاد الدين وتعدده ومتى تعدد المستحق أو المستحق عليه تعدد الدين
ويخالف هذا البيع والشراء حيث ذكرنا خلافا في أن الإعتبار في تعدد الصفقة وإتحادها بالمتبايعين أم بالوكيل لأن الرهن ليس عقد ضمان حتى ينظر فيه إلى المباشر
الخامس إذا استعار عبدا من مالكيه ليرهنه فرهنه ثم أدى نصف الدين وقصد به الشيوع من غير تخصيص بحصة أحدهما لم ينفك من الرهن شىء
وإن قصد أداء عن نصيب أحدهما بعينه لينفك نصيبه ففي انفكاكه أقوال
ثالثها أنه إن علم المرتهن أن العبد لمالكين إنفك وإلا فلا حكاه المحاملي وغيره
قال الإمام ولا نعلم لهذا وجها لأن عدم الإنفكاك لإتحاد الدين والعاقدين ولا يختلف ذلك بالجهل والعلم وإنما أثر الجهل إثبات الخيار
ثم في عيون المسائل ما يدل على أن الأظهر الإنفكاك
قلت صرح صاحب الحاوي وغيره بأن الإنفكاك أظهر
والله أعلم
ولو كان لرجلين عبدان متماثلا القيمة فاستعارهما للرهن فرهنهما ثم قضى نصف الدين لينفك أحدهما فالأصح طرد القولين
وقيل ينفك قطعا
وإذا قلنا بالإنفكاك وكان الرهن مشروطا في بيع فللمرتهن الخيار إذا جهل بأنه لمالكين على الأصح
وقيل الأظهر
ولو استعار من رجلين ورهن عند رجلين كان نصيب كل واحد من المالكين مرهونا عند الرجلين
فلو أراد فك نصيب أحدهما بقضاء نصف دين كل واحد من المرتهنين فعلى القولين
وإن أراد فك نصف العبد بقضاء دين أحدهما فله ذلك بلا خلاف
ولو استعار اثنان من واحد ورهنا

عند واحد ثم قضى أحدهما ما عليه انفك النصف لتعدد العاقد هكذا نقلوه

فرع قال في التهذيب لو استعار ليرهن عند واحد فرهن عند اثنين
بالعكس لم يجز
أما في الصورة الأولى فلعدم الاذن وأما العكس فلأنه إذا رهن عند إثنين ينفك بعض الرهن بأداء دين أحدهما وإذا رهن عند واحد لا ينفك شىء إلا بأداء الجميع ونقل صاحب التتمة وغيره الجواز في الطرفين والأول أصح
السادس لو رهن عبدا بمائة ثم مات عن اثنين فقضى أحدهما حصته من الدين ففي انفكاك نصيبه قولان
أظهرهما لا ينفك وقطع به جماعة لأن الرهن صدر أولا من واحد
ولو مات من عليه دين وتعلق الدين بتركته فقضى بعض الورثة نصيبه قال الإمام لا يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من التركة على قولين بناء على أن أحد الورثة لو أقر بالدين وأنكر الباقون هل على المقر أداء جميع الدين من نصيبه من التركة وعلى هذا البناء فالأصح الإنفكاك لأن الجديد أنه لا يلزم أداء جميع الدين مما في يده من التركة ثم الحكم بانفكاك نصيبه إنما يظهر إذا كان إبتداء التعلق مع إبتداء تعدد الملاك
فلو كان الموت مسبوقا بالمرض كان التعلق سابقا على ملك الورثة فإن للدين أثرا بينا في الحجر على المريض
فيشبه أن يكون القول في انفكاك نصيبه كما سبق في الصورة السابقة ولا فرق بين أن يكون تعلق الدين بالتركة في هذه الصورة ثابتا بإقرار الوارث أو ببينة
وقد قيدها الغزالي بما إذا ثبت بإقرار الوارث وصورة المسألة غنية عن هذا القيد ولم يذكره إمام الحرمين

قلت قول الإمام الرافعي الحكم بالإنفكاك إنما يظهر إذا كان إبتداء التعلق


إلى آخره
هذا خلاف مقتضى إطلاق الإمام والغزالي والظاهر أن المسألة على إطلاقها وليست هذه الصورة من الأولى في شىء لأن الأولى في انفكاك نصيب الإبن من العين التي رهنها الميت
والثانية في فك نصيبه من تعلق التركة وليس للرهن في الثانية وجود ففي قول ينفك تعلق الدين بنصيبه فينفذ تصرفه فيه
وفي قول لا ينفك التعلق فلا ينفذ تصرفه في نصيبه إذا منعنا تصرف الوارث في التركة قبل قضاء الدين
والله أعلم

فرع إذا كان المرهون لمالكين وانفك نصيب أحدهما بأداء أو إبراء فأراد القسمة
أن يقاس المرتهن بإذن شريكه نص عليه وإن كان مما لا ينقسم بالأجزاء كالثياب والعبيد قال العراقيون لا يجاب إليه
وإن كان أرضا مختلفة الأجزاء كالدار قالوا لزم الشريك أن يوافقه وفي المرتهن وجهان
أصحهما له الإمتناع لما في القسمة من التبعيض وقلة الرغبة هذا ما ذكره العراقيون في طرقهم
وزاد آخرون منهم أصحاب القفال فقالوا تجويز القسمة حيث جوزناه مبني على أن القسمة إفراز حق فإن جعلناها بيعا فهو بيع المرهون بغيره وهو ممتنع
والجمهور أطبقوا على تجويز القسمة هنا وجعلوا تأثير كونها بيعا إفتقارها إلى إذن المرتهن
ثم إذا جوزنا القسمة فطريق الطالب أن يراجع الشريك فإن ساعد فذاك وإلا فيرفع الأمر إلى القاضي ليقسم
وفي وجه لا حاجة إلى إذن الشريك في المتماثلات لأن قسمتها إجبار والصحيح الأول
ولو قاسم المرتهن وهو مأذون له من جهة المالك أو الحاكم عند إمتناع

المالك جاز وإلا فلا
وإذا منعناها فرضي المرتهن فالمفهوم من كلام الجمهور صحتها
قال الإمام لايصح وإن رضي لأن رضاه إنما يؤثر في فك الرهن
فأما في بيعه بما ليس برهن ليصير رهنا فلا
وهذا إشكال قوي
قلت ليس بقوي لمن تأمله ولا يسلم الحكم الذي إدعاه فالمعتمد ما قاله الأصحاب
والله أعلم
ولو أراد الراهنان القسمة قبل إنفكاك شىء من الرهن فعلى التفصيل الذي بيناه
ولو رهن واحد عند إثنين وقضى نصيب أحدهما ثم أراد القسمة ليمتاز ما بقي رهنا ففي إشتراط رضى الذي بقي رهنه ما ذكرنا

الباب الرابع في الإختلاف التنازع في الرهن
يفرض في أمور
الأول أصل العقد
فإذا قال رهنتني فأنكر المالك أو رهنتني ثوبك فقال بل عبدي
أو بألفين فقال بل بألف
أو رهنتني الأرض بأشجارها فقال بل وحدها فالقول قول المالك مع يمينه
ولو قال رهنتني الأشجار مع الأرض يوم رهن الأرض فقال لم تكن هذه الأشجار أو بعضها يوم رهن الأرض بل أحدثتها بعد نظر فإن كانت الأشجار بحيث لا يتصور وجودها يوم الرهن فالمرتهن كاذب والقول قول الراهن بلا يمين
وإن كانت بحيث لا يتصور حدوثها بعده فالراهن كاذب فإن إعترف في مفاوضتها أنه رهن الأرض بما فيها كانت الأشجار مرهونة ولا حاجة إلى يمين المرتهن وإن زعم رهن الأرض وحدها أو ما سوى الأشجار المختلف فيها واقتصر على نفي الوجود

فلا يلزم من كذبه في إنكار الوجود كونها مرهونة فيطالب بجواب دعوى الرهن فإن أصر على إنكار الوجود فقد جعل ناكلا وردت اليمين على المرتهن
فإن رجع إلى الإعتراف بالوجود وأنكر رهنها قبلنا إنكاره وحلف لجواز صدقه في نفي الرهن
وإن كان الشجر بحيث يحتمل الوجود يوم رهن الأرض والحدوث بعده فالقول قول الراهن
فإذا حلف فهي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الأحكام وقد سبق بيانها
هذا كله تفريع على الإكتفاء منه بإنكار الوجود وهو الصحيح
وفي وجه لا بد من إنكار الرهن صريحا
والحكم بتصديق الراهن في هذه الصورة مفروض فيما إذا كان إختلافهما في رهن تبرع
فإن اختلفا في رهن مشروط في بيع تحالفا كسائر صفات البيع إذا إختلف فيها فصل لو إدعى رجل على رجلين أنهما رهناه عبدهما بمائة وأقبضاه فأنكرا الرهن أو الرهن والدين جميعا فالقول قولهما مع اليمين
وإن صدقه أحدهما فنصيبه رهن بخمسين والقول قول المكذب في نصيبه مع يمينه
فلو شهد المصدق للمدعي على شريك المكذب قبلت شهادته فإن شهد معه آخر وحلف المدعي ثبت رهن الجميع
ولو زعم كل منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه فوجهان
ويقال قولان أحدهما لا تقبل شهادته لأن كل واحد يزعم أن صاحبه كاذب ظالم بالجحود
وطعن المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته له
وأصحهما تقبل وبه قال الأكثرون لأنه ربما نسيا
فإن تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق
ولهذا لو تخاصم رجلان في شىء ثم شهدا في حادثة قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم
فعلى هذا إذا حلف مع

كل واحد أو أقام شاهدا آخر ثبت رهن الجميع
وقال ابن القطان الذي شهد أولا يقبل دون الآخر لإنه انتهض خصما منتقما

فرع إدعى رجلان على رجل أنه رهنهما وأقبضهما فإن صدقهما أو كذبهما
لم يخف الحكم
وإن صدق أحدهما فنصف العبد رهن عنده ويحلف للآخر
وهل تقبل شهادة المصدق للمكذب قال ابن كج نعم
وقال الآخرون لا
وحكى الإمام والغزالي وجهين بناء على أن الشريكين إذا ادعيا حقا أو ملكا بابتياع أو غيره فصدق أحدهما هل يستبد بالنصف أم يشاركه الآخر فيه فيه وجهان
إن قلنا يستبد قبلت وإلا فلا لأنه متهم
وقال البغوي إن لم ينكر إلا الرهن قبل
وإن أنكر الرهن والدين فحينئذ يفرق بين دعواهما الإرث وغيره
والذي ينبغي أن يفتى به القبول إن كانت الحال لا تقتضي الشركة والمنع إن اقتضت لأنه متهم
فرع منصوص عليه إدعى زيد وعمرو على ابني بكر أنهما رهنا عندهما
عبدهما المشترك بينهما بمائة فصدقا أحد المدعيين ثبت ما ادعاه وكان له على كل واحد منهما ربع المائة ونصف نصيب كل واحد منهما مرهون به
وإن صدق أحد الإبنين زيدا والآخر عمرا ثبت الرهن في نصف العبد لكل واحد من المدعيين في ربعه بربع المائة
فلو شهد

أحد الإثنين على أخيه قبلت
ولو شهد أحد المدعيين للآخر فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية

فرع منصوص في المختصر إدعى رجلان على رجل فقال كل واحد رهنتني
هذا وأقبضتنيه فإن كذبهما فالقول قوله ويحلف لكل واحد يمينا
وإن كذب أحدهما وصدق الآخر قضي بالرهن للمصدق
وفي تحليفه للمكذب قولان
أظهرهما لا
فإن قلنا يحلف فنكل فحلف المكذب يمين الرد ففيما يستفيد بها وجهان
أحدهما يقضى له بالرهن وينزع من الأول
وأصحهما يأخذ القيمة من المالك ليكون رهنا عنده
وإن صدقهما جميعا نظر فإن لم يدعيا السبق أو ادعاه كل منهما وقال المدعى عليه لا أعرف السابق وصدقاه فوجهان
أحدهما يقسم بينهما كما لو تنازعا شيئا في يد ثالث فاعترف لهما وأصحهما يحكم ببطلان العقد كما لو زوج وليان ولم يعرف السابق
وإن إدعى كل واحد السبق وأن الراهن عالم بصدقه فالقول قوله مع يمينه
فإن نكل ردت اليمين عليهما
فإن حلف أحدهما قضي له
وإن حلفا أو نكلا تعذر معرفة السابق وعاد الوجهان
وإن صدق أحدهما في السبق وكذب الآخر قضي للمصدق
وهل يحلفه المكذب فيه القولان السابقان
وحيث قلنا مقتضى الصدق فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب
فإن كان فقولان
أحدهما يقضى لصاحب اليد
وأظهرهما المصدق يقدم لأن اليد لا دلالة لها على الرهن
ولو كان العبد من أيديهما

فالمصدق مقدم في النصف الذي في يده وفي النصف الآخر القولان
والإعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض لا العقد
حتى لو صدق هذا في سبق العقد وهذا في سبق القبض قدم الثاني
قلت ولو قال المدعى عليه رهنته عند أحدكما ونسيت حلف على نفي العلم
فإن نكل ردت عليهما فإن حلفا أو نكلا إنفسخ العقد على المذهب الذي قطع به الجماهير في الطرق ونقله الإمام وغيره عن الأصحاب
وخرج وجه أنه لا ينفسخ بل يفسخه الحاكم وبهذا الوجه قطع صاحب الوسيط وهو شاذ ضعيف
وإن حلف الراهن على نفي العلم تحالفا على الصحيح كما لو نكل
وفي وجه انتهت الخصومة
والله أعلم

فرع دفع متاعا إلى رجل وأرسله إلى غيره ليستقرض منه للدافع ويرهن
المتاع ففعل ثم اختلفا فقال المرسل إليه استقرض مائة ورهنه بها وقال المرسل لم آذن إلا في خمسين نظر إن صدق الرسول المرسل فالمرسل إليه مدع على المرسل بالإذن وعلى الرسول بالأخذ فالقول قولهما في نفي دعواه
وإن صدق المرسل إليه فالقول في نفي الزيادة قول المرسل ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى المرسل لأنه مظلوم بزعمه
وإن لم يصدقه رجع عليه
هكذا ذكره وفيه إشكال وينبغي أن يرجع على الرسول وإن صدقه في الدفع إلى المرسل
الأمر الثاني القبض
فإذا تنازعا في قبض المرهون فإن كان في وقت النزاع في يد الراهن فالقول قوله مع يمينه
وإن كان في يد المرتهن وقال

قبضته عن الرهن وأنكر الراهن فقال غصبتنيه فالقول قول الراهن على الصحيح
وقيل قول المرتهن وهو شاذ ضعيف
وإن قال الراهن بل قبضته عن جهة أخرى مأذون فيها بأن قال أودعتكه أو أعرت أو أكريت أو أكريته لفلان فأكراكه فهل القول قول المرتهن لإتفاقهما على قبض مأذون فيه أو قول الراهن لأن الأصل عدم ما ادعاه وجهان
أصحهما الثاني وهو المنصوص
ويجري مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف البائع والمشتري حيث كان للبائع حق الحبس وصادفنا المبيع في يد المشتري فادعى البائع أنه أعاره أو أودعه لكن الأصح هنا حصول القبض لقوة يده بالملك
وهذا تفريع على أنه لا يبطل حق الحبس بالإعارة والإيداع وفيه خلاف سبق
ولو صدقه الراهن في إذنه في القبض على جهة الرهن ولكن قال رجعت قبل قبضك فالقول قول المرتهن في عدم الرجوع لأن الأصل عدمه
ولو قال الراهن لم يقبضه بعد وقال المرتهن قبضته فمن كان المرهون في يده منهما فالقول قوله باتفاق الأصحاب وعليه حملوا النصين المختلفين فيالأم

فرع إقرار الراهن بإقباض المرهون مقبول ملزم لكن بشرط الإمكان

حتى لو قال رهنته اليوم داري بالشام وأقبضته إياها وهما بمكة فهو لاغ
ولو قامت البينة على إقراره بالإقباض في موضع الإمكان فقال لم يكن إقراري عن حقيقة فحلفوه أنه قبض نظر إن ذكر لإقراره تأويلا بأن قال كنت أقبضته بالقول وظننت أنه يكفي قبضا أو وقع إلي كتاب على لسان وكيلي بأنه أقبض وكان مزورا أو قال أشهدت على رسم القبالة قبل حقيقة القبض فله تحليفه
وإن لم يذكر تأويلا فوجهان
أصحهما عند العراقيين يحلفه وبه قال

ابن خيران وغيره وهو ظاهر النص
وأصحهما عند المراوزة لا وبه قال أبو إسحق
قلت طريقة العراقيين أفقه وأصح
والله أعلم
وقد حكى في الوسيط وجها أنه لا يحلفه مطلقا وإن ذكر تأويلا
وهذا الوجه غريب ضعيف مخالف لما قطع به الأصحاب
ولو لم يقم بينة على إقراره بل أقر في مجلس القضاء بعد توجه الدعوى عليه فوجهان
قال القفال لا يحلفه وإن ذكر تأويلا لأنه لا يكاد يقر عند القاضي إلا عن تحقيق
وقال غيره لا فرق لشمول الإمكان
ولو شهد الشهود على نفس القبض فليس له التحليف بحال وكذا لو شهدوا على إقراره فقال ما أقررت لأنه تكذيب للشهود

فرع لو كان الرهن مشروطا في بيع فقال المشتري أقبضت ثم تلف
فلا خيار لك في البيع وأقام على إقراره بالقبض حجة فأراد المرتهن تحليفه فهو كما ذكرنا في إقرار الرهن وطلب الراهن يمين المرتهن
ويقاس على هذا ما إذا قامت بينة بإقراره لزيد بألف فقال إنما أقررت وأشهدت ليقرضني ثم لم يقرضني وكذا سائر نظائرها
الأمر الثالث الجناية وهي ضربان
الأول جني على العبد المرهون فأقر رجل أنه الجاني فإن صدقه المتراهنان أو كذباه لم يخف حكمه
وإن صدقه الراهن فقط أخذ الأرش وفاز به فليس للمرتهن التوثق به
وإن صدقه المرتهن فقط أخذ الأرش وكان مرهونا

فإن قضى الدين من غيره أو أبرأه المرتهن فالأصح أنه يرد الأرش إلى المقر
والثاني يجعل في بيت المال لأنه مال ضائع لا يدعيه أحد
الضرب الثاني جناية المرهون والنزاع في جنايته يقع تارة بعد لزوم الرهن وتارة قبله
الحال الأول بعده فإذا أقر المرتهن بأنه جنى ووافقه العبد أم لا فالقول قول الراهن مع يمينه
وإذا بيع في دين المرتهن لم يلزمه تسليم الثمن إليه بإقراره السابق
ولو أقر الراهن بجنايته وأنكر المرتهن فالقول قوله
وإذا بيع في الدين فلا شىء للمقر له على الراهن
وحكى ابن كج وجها أنه يقبل إقرار الراهن ويباع العبد في الجناية ويغرم الراهن للمرتهن
الحال الثاني تنازعا في جنايته قبل لزوم الرهن فأقر الراهن بأنه كان أتلف مالا أو جنى جناية توجب المال فإن لم يعين المجني عليه أو عينه فلم يصدقه أو لم يدع ذلك فالرهن مستمر بحاله
وإن عينه وادعاه المجني عليه نظر إن صدقه المرتهن بيع في الجناية والمرتهن بالخيار إن كان الرهن مشروطا في بيع
وإن كذبه فقولان
أظهرهما لا يقبل قول الراهن صيانة لحق المرتهن
والثاني يقبل لأنه مالك
ويجري القولان فيما لو قال كنت غصبته أو اشتريته شراء فاسدا أو بعته أو وهبته وأقبضته وأعتقته
ولا حاجة في صورة العتق إلى تصديق العبد ودعواه بخلاف المقر له في باقي الصور
وفي الإقرار بالعتق قول ثالث أنه إن كان موسرا نفذ وإلا فلا كالإعتاق
ونقل الإمام هذا القول في جميع هذه الصور
فإن قلنا لا يقبل إقرار الراهن فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه ويحلف على نفي العلم بالجناية
وإذا حلف واستمر الرهن فهل يغرم الراهن للمجني عليه قولان
قال الأئمة
أظهرهما يغرم كما لو قبله لأنه حال بينه وبين حقه وهما كالقولين فيمن أقر بالدار لزيد ثم لعمرو

هل يغرم لعمرو ويعبر عنهما بقولي الغرم للحيلولة لأنه بإقراره الأول حال بين من أقر له ثانيا وبين حقه
فإن قلنا يغرم طولب في الحال إن كان موسرا
وإن كان معسرا فإذا أيسر
وفيما يغرم للمجني عليه طريقان
أحدهما على قولين
أظهرهما الأقل من قيمته وأرش الجناية
وثانيهما الأرش بالغا ما بلغ
والطريق الثاني وهو المذهب وبه قال الأكثرون يغرم الأقل قطعا كأم الولد لإمتناع البيع بخلاف القن
وإذا قلنا لا يغرم الراهن فإن بيع في الدين فلا شىء عليه
لكن لو ملكه لزمه تسليمه في الجناية وكذا لو انفك رهنه
هذا كله إذا حلف المرتهن فإن نكل فعلى من ترد اليمين قولان
ويقال وجهان
أحدهما على الراهن لأنه مالك العبد والخصومة تجري بينه وبين المرتهن
وأظهرهما على المجني عليه لأن الحق له والراهن لا يدعي لنفسه شيئا
فإذا حلف المردود عليه منهما بيع العبد في الجناية ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه لأن فواته حصل بنكوله
ثم إن كان يستغرق الواجب قيمته بيع كله وإلا فبقدر الأرش
وهل يكون الباقي رهنا وجهان
أصحهما لا لأن اليمين المردودة كالبينة أو كالإقرار بأنه كان جانيا في الإبتداء فلا يصح رهن شىء منه
وإذا رددنا على الراهن فنكل فهل يرد على المجني عليه قولان
ويقال وجهان
أحدهما نعم لأن الحق له
وأصحهما لا لأن اليمين لاترد مرة بعد أخرى
فعلى هذا نكول الراهن كحلف المرتهن في تقرير الرهن
وهل يغرم الراهن للمجني عليه فيه القولان
وإن رددناه على المجني عليه فنكل قال الشيخ أبو محمد تسقط دعواه وانتهت الخصومة
وطرد العراقيون في الرد منه على الراهن الخلاف المذكور في عكسه
وإذا لم ترد لا يغرم له الراهن قولا واحدا وتحال الحيلولة على نكوله هذا تمام التفريع على أحد القولين في أصل المسألة وهو أن الراهن لا يقبل إقراره
فإن قبلناه فهل يحلف أم يقبل بلا يمين قولان أو وجهان
أحدهما

لا يحلف لأن اليمين للزجر ليرجع الكاذب
وهنا لا يقبل رجوعه
وأصحهما عند الشيخ أبي حامد ومن وافقه يحلف لحق المرتهن ويحلف على البت
وسواء حلفناه أم لا فيباع العبد في الجناية كله أو بعضه على ما سبق وللمرتهن الخيار في فسخ البيع
وإن نكل حلف المرتهن لأنا إنما حلفنا الراهن لحقه
وفي فائدة حلفه قولان حكاهما الصيدلاني وغيره
أظهرهما أن فائدته تقدير الرهن في العبد على ما هو قياس الخصومات
والثاني فائدته أن يغرم الراهن قيمته ليكون رهنا مكانه ويباع العبد في الجناية بإقرار الراهن
فإن قلنا بالأول فهل يغرم الراهن للمقر له لكونه حال بنكوله بينه وبين حقه فيه القولان السابقان
وإن قلنا بالثاني فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع وجهان
أصحهما نعم لفوات العين المشروطة
والثاني لا لحصول الوثيقة بالقيمة
وإن نكل المرتهن بيع العبد في الجناية ولا خيار له في فسخ البيع لا غرم على الراهن
وجميع ما ذكرناه مبني على أن رهن الجاني لا يصح فإن صححناه فقيل يقبل إقراره قطعا فيغرم المجني عليه ويستمر الرهن
وقال آخرون بطرد القولين
ووجه المنع أنه يحل بلزوم الرهن لأن المجني عليه يبيع المرهون لو عجز عن تغريم الراهن

فرع لو أقر السيد عليه بجناية توجب القصاص لم يقبل إقراره على
فلو قال ثم عفا على مال فهو كما لو أقر بما يوجب المال
فرع لو أقر بالعتق وقلنا لا يقبل فالمذهب والمنصوص أنه يجعل كإنشاء
الإعتاق

وفيه الأقوال لأن من ملك إنشاء أمر قبل إقراره به
ونقل الإمام في نفوذه وجهين مع قولنا ينفذ الإنشاء

فرع رهن الجارية الموطوءة جائز ولا يمنع من التصرف لإحتمال الحمل
فإذا رهن جارية فأتت بولد فإن كان الإنفصال لدون ستة أشهر من الوطء أو لأكثر من أربع سنين فالرهن بحاله والولد مملوك له لأنه لا يلحق به
وإن كان لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين فقال الراهن هذا الولد مني وكنت وطئتها قبل لزوم الرهن فإن صدقه المرتهن أو قامت بينة فهي أم ولد له والرهن باطل وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه رهنها
وإن كذبه ولا بينة ففي قبول إقراره لثبوت الإستيلاد قولان كإقراره بالعتق ونظائره والتفريع كما سبق
وعلى كل حال فالولد حر ثابت النسب عند الإمكان
ولو لم يصادف ولدا في الحال وزعم الراهن أنها ولدت منه قبل الرهن ففيه التفصيل السابق والخلاف وحيث قلنا يحلف المجني عليه تحلف المستولدة فإنها في مرتبته وفي العتق يحلف العبد
قلت ولو أقر بأنه استولدها بعد لزوم الرهن فإن لم ينفذ إستيلاده لم يقبل إقراره وإلا ففيه الوجهان السابقان في إقراره بالعتق أصحهما يقبل
والله أعلم
فرع لو باع عبدا ثم أقر بأنه كان غصبه أو باعه أو
لم يقبل قوله لأنه أقر في ملك الغير وهو مردود ظاهرا ويخالف إقرار الراهن

فإنه في ملكه
وقيل بطرد الخلاف والمذهب الأول
وعلى هذا فالقول قول المشتري
فإن نكل فهل الرد على المدعي أم على المقر البائع قولان ولو أجر عبدا ثم قال كنت بعته أو أجرته أو أعتقته ففيه الخلاف المذكور في الرهن كبقاء الملك
ولو كاتبه ثم أقر بما لا يصح معه كتابة قال ابن كج فيه الخلاف
وقطع الشيخ أبو حامد بأنه لا يقبل لأن المكاتب كمن زال ملكه عنه الأمر الرابع ما يفك به الرهن
فإذا أدن المرتهن في بيع الرهن فباع الراهن ورجع المرتهن عن الإذن ثم اختلفا فقال رجعت قبل البيع فلم يصح وبقي رهنا كما كان وقال الراهن بل رجعت بعده فالقول قول المرتهن على الأصح عند الأكثرين وقيل قول الراهن
وقال في التهذيب إن قال الراهن أولا تصرفت بإذنك ثم قال المرتهن كنت رجعت قبله فالقول قول الراهن
وإن قال رجعت ثم قال الراهن كنت بعت قبل رجوعك فالقول قول المرتهن
ولو أنكر الراهن أصل الرجوع فالقول قوله مع يمينه

فصل عليه دينان أحدهما حال وبه رهن أو كفيل أو هو ثمن
به فسلم إليه ألفا وقال أعطيتك عنه وقال القابض بل عن الدين الآخر فالقول قول الدافع سواء اختلفا في نيته أو لفظه
قال الأئمة فالإعتبار في أداء الدين بقصد المؤدي
حتى لو ظن المستحق أنه يودعه عنده ونوى من عليه الدين أداء الدين برئت ذمته وصار المدفوع ملكا للقابض
فرع كان عليه دينان فأدى عن أحدهما بعينه وقع عنه

وإن ادعى عنهما قسط عليهما

وإن لم يقصد في الحال شيئا فوجهان
أصحهما يراجع فيصرفه إليهما أو إلى ما شاء منهما
والثاني يقع عنهما
وعلى هذا تردد الصيدلاني في حكايته أنه يوزع عليهما بالتسوية أم بالتقسيط وعلى هذا القياس نظائر المسألة كما إذا تبايع مشركان درهما بدرهمين وسلم الزيادة من التزمها ثم أسلما فإن قصد تسليمه عن الزيادة لزمه الأصل وإن قصد تسليمه عن الأصل فلا شىء عليه
وإن قصد تسليمه عنهما وزع عليهما وسقط ما بقي من الزيادة
وإن لم يقصد شيئا ففيه الوجهان
ولو كان لزيد عليه مائة ولعمرو مثلها فوكلا وكيلا بالإستيفاء فدفع المديون إلى الوكيل لزيد أو لعمرو فذاك وإن أطلق فعلى الوجهين
ولو قال خذه وادفعه إلى فلان أو إليهما فهذا توكيل منه بالأداء وله التغيير ما لم يصل إلى المستحق
قلت هذا الذي ذكره اقتصار على الأصح
فقد قال إمام الحرمين إذا قال من عليه الدين لهذا الوكيل خذ الألف وادفعه إلى فلان فوجهان
أفقههما أنه بالقبض ينعزل عن وكالة المستحق وصار وكيلا للمديون
والثاني يبقى وكيلا للأول
فعلى هذا لو تلف في يد الوكيل بغير تقصير فمن ضمان صاحب الدين وقد برىء الدافع
وعلى الأول هو من ضمان الدافع والدين باق عليه
وإن قصر الوكيل فعليه الضمان
وأيهما يطالبه فيه الوجهان
قال الإمام ولا يشترط في جريان الوجهين قبول الوكيل صريحا بالقول بل مجرد قوله إدفع إلى فلان فيه الوجهان
والله أعلم
ولو أبرأ مستحق الدينين المديون عن مائة وكل واحد منهما مائة فإن قصدهما أو أحدهما فهو لما قصد
وإن أطلق فعلى الوجهين
وإن اختلفا فقال المبرىء أبرأت عن الدين الخالي عن الرهن والكفيل فقال المديون بل عن الآخر فالقول قول المبرىء مع يمينه

فصل إختلفا في قدم عيب المرهون وحدوثه
فقد سبق بيانه في كتاب البيع
ولو رهنه عصيرا ثم بعد قبضه اختلفا فقال المرتهن قبضته وقد تخمر فلي الخيار في فسخ البيع المشروط وقال الراهن بل صار عندك خمرا فالأظهر أن القول قول الراهن لأن الأصل بقاء لزوم البيع
والثاني قول المرتهن لأن الأصل عدم قبض صحيح
ولو زعم المرتهن أنه كان خمرا يوم العقد وكان شرطه في البيع شرط رهن فاسد فقيل بطرد القولين
وقيل القول قول المرتهن قطعا
ولو سلم العبد المشروط رهنه ملتفا بثوب ثم وجد ميتا فقال الراهن مات عندك فقال بل أعطيتنيه ميتا فأيهما يقبل فيه القولان
ولو اشترى مائعا وجاء بظرف فصبه البائع فيه فوجدت فيه فأرة ميتة فقال البائع كانت في ظرفك وقال المشتري قبضته وفيه الفأرة ففيمن يصدق القولان
ولو زعم المشتري كونها فيه حال البيع فهذا إختلاف في جريان العقد صحيحا أم فاسدا وقد سبق بيانه
فصل ليس للراهن أن يقول أحضر المرهون وأنا أقضي دينك من مالي
لا يلزمه الاحضار بعد قضائه وإنما عليه التمكين كالمودع
والإحضار وما يحتاج إليه من مؤنة على رب المال
ولو احتيج إلى بيعه في الدين فمؤنة الإحضار على الراهن
قلت قال صاحب المعاياة إذا رهن شيئا ولم يشرط جعله في يد عدل أو المرتهن فإن كان جارية صح قطعا وكذا غيرها على الصحيح
والفرق أنها لا تكون في يد المرتهن وغيرها قد يكون فيتنازعان
قال أصحابنا لو كان

بالمرهون عيب ولم يعلم به المرتهن حتى مات أو حدث به عيب في يده لم يكن له فسخ البيع المشروط فيه كما لو جرى ذلك في يد المشتري وليس له أن يطالب بالأرش ليكون مرهونا صرح به القاضي أبو الطيب وغيره
قال القاضي ولو رهن عبدين وسلم أحدهما فمات في يد المرتهن وامتنع الراهن من تسليم الآخر لم يكن له خيار في فسخ البيع لأنه لم يمكنه رده على حاله
والله أعلم

كتاب التفليس
التفليس في اللغة النداء على المفلس وشهره بصفة الإفلاس
وأما في الشرع فقال الأئمة المفلس من عليه ديون لا يفي بها ماله
ومثل هذا الشخص يحجر عليه القاضي بالشرائط التي سنذكرها إن شاء الله تعالى
وإذا حجر عليه ثبت حكمان
أحدهما تعلق الدين بماله حتى لا ينفذ تصرفه فيه بما يضر بالغرماء ولا تزاحمها الديون الحادثة كما سيأتي إن شاء الله تعالى
والثاني أن من وجد عند المفلس عين ماله كان أحق به من غيره
فلو مات مفلسا قبل الحجر عليه تعلقت الديون بتركته كما سبق في الرهن
ولا فرق في ذلك بين المفلس وغيره ولكن يثبت الحكم الثاني ويكون موته مفلسا كالحجر عليه
ولو كان مال الميت وافيا بديونه فالصحيح أنه لا يرجع في عين المبيع كما في حال الحياة لتيسر الثمن
وقال الأصطخري يرجع
واعلم أن التعلق المانع من التصرف يفتقر إلى حجر القاضي عليه قطعا
وكذا الرجوع إلى عين المبيع
هذا هو الذي يدل عليه كلام الأصحاب تعريضا و تصريحا
وقد يشعر بعض كلامهم بالاستغناء فيه عن حجر القاضي ولكن المعتمد الأول
فصل يحجر القاضي على المفلس بالتماس الغرماء الحجر عليه بالديون الحالة الزائدة على قدر ماله

الأول الإلتماس فلا بد منه
فليس للقاضي الحجر بغير التماس لأن الحق لهم
فلو

كانت الديون لمجانين أو صبيان أو محجور عليه بسفه حجر لمصلحتهم بلا التماس ولا يحجر لدين الغائبين لأنه لا يستوفي مالهم في الذمم إنما يحفظ أعيان أموالهم
قلت وإذا وجد الإلتماس مع باقي الشروط المجوزة للحجر وجب على الحاكم الحجر صرح به أصحابنا كالقاضي أبي الطيب وأصحاب الحاوي و الشامل و البسيط وآخرين
وإنما نبهت عليه لأن عبارة كثيرين من أصحابنا فللقاضي الحجر وليس مرادهم أنه مخير فيه
والله أعلم
القيد الثاني كون الإلتماس من الغرماء فلو التمس بعضهم ودينه قدر يجوز الحجر به حجر وإلا فلا على الأصح
وإذا حجر لا يختص أثره بالملتمس بل يعمهم كلهم
قلت أطلق أبو الطيب وأصحاب الحاوي والتتمة و التهذيب أنه إذا عجز ماله عن ديونه فطلب الحجر بعض الغرماء حجر ولم يعتبروا قدر دين الطالب وهذا قوي
والله أعلم
ولو لم يلتمس أحد عنهم والتمسه المفلس حجر على الأصح لأن له غرضا
القيد الثالث كون الدين حالا فلا حجر بالمؤجل وإن لم يف المال به لأنه لا مطالبة في الحال
فإن كان بعضه حالا فإن كان قدرا يجوز الحجر له حجر وإلا فلا

فرع إذا حجر عليه بالفلس لا يحل ما عليه من الدين المؤجل
لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت
وفي قول يحل كالموت
فعلى هذا القول لو لم يكن عليه إلا مؤجل هل يحجر عليه وجهان
الصحيح لا
ولو جن وعليه مؤجل

حل على المشهور
فإن قلنا بالحلول قسم المال بين أصحاب هذه الديون
وأصحاب الحالة من الإبتداء كما لو مات
وإن كان في المؤجل ثمن متاع موجود عند المفلس فلبائعه الرجوع إلى عينه كما لو كان حالا في الإبتداء
وفي وجه أن فائدة الحلول أن لا يتعلق بذلك المتاع حق غير بائعه فيحفظه إلى مضي المدة
فإن وجد وفاء فذاك وإلا فحينئذ ينفسخ
وقيل لا فسخ حينئذ أيضا
بل لو باع بمؤجل وحل الأجل ثم أفلس المشتري وحجر عليه فليس للبائع الفسخ والرجوع
والأول أصح
وإن قلنا بعدم الحلول بيع ماله وقسم على أصحاب الحال ولا يدخر لأصحاب المؤجل شىء ولا يدام الحجر عليه بعد القسمة لأصحاب المؤجل كما لا يحجر به إبتداء
وهل تدخل في البيع الأمتعة المشتراة بمؤجل وجهان
أصحهما نعم كسائر أمواله وليس لبائعها تعلق بها لأنه لا مطالبة في الحال على هذا
فإن لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الأجل ففي جواز الفسخ الآن وجهان
قلت أصحهما الجواز قاله في الوجيز
والله أعلم
والوجه الثاني لاتباع فإنها كالمرهونة بحقوق بائعها بل توقف إلى إنقضاء الأجل فإن انقضى والحجر باق ثبت حق الفسخ
وإن فك فكذلك ولا حاجة إلى إعادة الحجر على الصحيح بل عزلها وإنتظار الأجل كبقاء الحجر بالإضافة إلى المبيع
القيد الرابع كون الديون زائدة على أمواله
فلو كانت مساوية والرجل كسوب ينفق من كسبه فلا حجر
وإن ظهرت أمارات الإفلاس بأن لم يكن كسوبا وكان ينفق من ماله أو لم يف كسبه بنفقته فوجهان
أصحهما عند العراقيين لا حجر واختار الإمام الحجر
ويجري الوجهان فيما إذا كانت

الديون أقل وكانت بحيث يغلب على الظن مصيرها إلى النقص أو المساواة لكثرة النفقة
وهذه الصورة أولى بالمنع
وإذا حجر عليه في صورة المساواة فهل لمن وجد عين ماله الرجوع وجهان
أحدهما نعم لإطلاق الحديث
والثاني لا لتمكنه من إستيفاء الثمن بكماله
وهل تدخل هذه الأعيان في حساب أمواله وأثمانها في حساب ديونه وجهان
أصحهما الإدخال

فصل وإذا حجر عليه استحب للحاكم أن يشهد عليه ليحذر الناس معاملته

وإذا حجر امتنع منه كل تصرف مبتدء يصادف المال الموجود عند الحجر فهذه قيود
الأول كون التصرف مصادفا للمال
والتصرف ضربان
إنشاء وإقرار
الأول الإنشاء وهو قسمان
أحدهما يصادف المال وينقسم إلى تحصيل كالإحتطاب والإتهاب وقبول الوصية ولا منع منه قطعا لأنه كامل الحال
وغرض الحجر منعه مما يضر الغرماء
وإلى تفويت فينظر إن تعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية صح فإن فضل المال نفذ وإلا فلا
وإن كان غير ذلك فأما أن يكون مورده عين مال وإما في الذمة فهما نوعان
الأول كالبيع والهبة والرهن والإعتاق والكتابة وفيها قولان
أحدهما أنها موقوفة إن فضل ما يصرف فيه عن الدين لإرتفاع القيمة أو إبراء نفذناه وإلا فتبين أنه كان لغوا
وأظهرهما لا يصح شىء منها لتعلق حق الغرماء بالأعيان كالرهن
ثم اختلف في محل القولين فقيل هما فيما إذا اقتصر الحاكم على الحجر ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه
فإن جعل ذلك لم ينفذ تصرفه قطعا واحتج هؤلاء بقول الشافعي رضي الله عنه إذا جعل ماله لغرمائه

فلا زكاة عليه وطردهما آخرون في الحالين وهو الأشهر قال هؤلاء وتجب الزكاة على الأظهر ما دام ملكه باقيا والنص محمول على ما إذا باعه لهم
فإن نفذناه بعد الحجر وجب تأخير ما تصرف فيه وقضاء الدين من غيره فلعله يفضل فإن لم يفضل نقصنا من تصرفاته الأضعف فالأضعف والأضعف الرهن والهبة لخلوهما عن العوض ثم البيع ثم الكتابة ثم العتق قال الإمام فلو لم يوجد راغب في أموال المفلس إلا في العبد المعتق فقال الغرماء بيعوه ونجزوا حقنا ففيه إحتمال
وغالب الظن أنهم يجابون
قلت هذا الذي ذكره من فسخ الأضعف فالأضعف هو الذي قطع به الأصحاب في جميع الطرق وحكاه صاحب المهذب عن الأصحاب
ثم قال ويحتمل أن يفسخ الآخر فالآخر كما قلنا في تبرعات المريض إذا عجز عنها الثلث والمختار ما قاله الأصحاب
فعلى هذا لو كان وقف وعتق ففي الشامل أن العتق يفسخ ثم الوقف
وقال صاحب البيان ينبغي أن يفسخ الوقف أولا لأن العتق له قوة وسراية وهذا أصح
ولو تعارض الرهن والهبة فسخ الرهن لأنه لا يملك به العين
والله أعلم وهذا الذي ذكرناه في بيعه لغير الغرماء فإن باعهم فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
النوع الثاني ما يرد على الذمة بأن اشترى في الذمة أو باع طعاما سلما فيصح و يثبت في ذمته
وفي قول شاذ لا يصح
القسم الثاني ما لا يصادف المال فلا منع منه كالنكاح والطلاق والخلع واستيفاء القصاص والعفو عنه واستلحاق النسب و نفيه باللعان

الضرب الثاني الإقرار
فإن أقر بدين لزمه قبل الحجر عن معاملة أو إتلاف أو غيرهما لزمه ما أقر به
وهل يقبل في حق الغرماء قولان
أحدهما لا
لئلا يضرهم بالمزاحمة
وأظهرهما يقبل كما لو ثبت بالبينة
وكإقرار المريض بدين يزحم غرماء الصحة ولعدم التهمة الظاهرة
وإن أقر بدين لزمه بعد الحجر فإن قال عن معاملة لم تقبل في حق الغرماء
وإن قال عن إتلاف أو جناية فالمذهب أنه كما قبل الحجر وقيل كدين المعاملة بعده
وإن أقر بدين ولم ينسبه فقياس المذهب التنزيل على الأول وجعله كإسناده إلى ما قبل الحجر
قلت هذا ظاهر إن تعذرت مراجعة المقر
فإن أمكنت فينبغي أن يراجع لأنه يقبل إقراره
والله أعلم
وأما إذا أقر بعين مال لغيره فقال غصبته أو استعرته أو أخذته سوما فقولان كما لو أسند الدين إلى ما قبل الحجر أظهرهما القبول
لكن إذا قبلنا ففائدته هناك مزاحمة المقر له الغرماء وهنا تسلم إليه العين وإن لم يقبل فإن فضل سلم إليه وإلا فالغرم في ذمته
والفرق بين الإنشاء حيث أبطلناه في الحال قطعا وكذا عند زوال الحجر على الأظهر وبين الإقرار حيث قبلناه في المفلس قطعا وفي الغرماء على الأظهر أن مقصود الحجر منعه التصرف فأبطلناه
والإقرار إخبار عن ماض والحجر لا يسلبه العبارة

فرع أقر بسرقة توجب القطع قطع

وفي رد المسروق القولان
والقبول هنا أولى لبعده عن التهمة
ولو أقر بما يوجب القصاص فعفا على مال ففي التهذيب أنه كالإقرار بدين الجناية
وقطع بعضهم بالقبول لانتقاء التهمة

فرع إدعي عليه مال لزمه قبل الحجر فأنكر ونكل فحلف المدعي
النكول ورد اليمين كالبينة زاحم وإن قلنا كالإقرار فعلى القولين
القيد الثاني كونه مصادفا للمال الموجود عند الحجر
فلو تجدد بعده بإصطياد أو إتهاب أو قبول وصية ففي تعدي الحجر إليه ومنعه التصرف فيه وجهان
أصحهما التعدي
ولو إشترى في الذمة ففي تصرفه هذان الوجهان
وهل للبائع الخيار والتعلق بعين متاعه فيه أوجه
أصحها الثالث وهو إثباته للجاهل دون العالم
فإن لم نثبته فهل يزاحم الغرماء بالثمن وجهان
أصحهما لا لأنه حادث برضى مستحقه والمزاحمة بالدين الحادث ثلاثة أقسام
أحدها ما لزم برضى مستحقه
فإن كان في مقابلته شىء كثمن المبيع ففيه هذه الوجهان وإلا فلا مزاحمة بلا خلاف بل يصير إلى إنفكاك الحجر
الثاني ما لزم بغير رضى المستحق كالجناية والإتلاف فيزاحم به على المذهب وبه قطع العراقيون
وقيل وجهان لتعلق حقوق الأولين كما لو جنى وليس له إلا عبد مرهون لا يزاحم المجني عليه المرتهن
الثالث ما يتجدد بسبب مؤنة المال كأجرة الكيال والوزان والحمال والمنادي والدلال وكراء البيت الذي فيه المتاع فهذه المؤن تقدم على حقوق الغرماء لأنها لمصلحة الحجر
هذا إن لم نجد متبرعا
فإن وجد أو كان في بيت المال سعة لم يصرف مال المفلس إليها
قلت لو تجدد دين بعد الحجر وأقر بسابق وقلنا لا مزاحمة بهما فهما سواء وما فضل قسم بينهما قاله في التتمة
والله أعلم

القيد الثالث كون التصرف مبتدءا فلو إشترى شيئا قبل الحجر فوجده بعد الحجر معيبا فله رده إن كان في الرد غبطة لأن الحجر لا ينعطف على ماض فإن منع من الرد عيب حادث لزمه الأرش ولم يملك المفلس إسقاطه
وإن كانت الغبطة في بقائه لم يملك رده لأنه تفويت بغير عوض
ولهذا نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لو إشترى في صحته شيئا ثم مرض ووجده معيبا فأمسكه والغبطة في رده كان القدر الذي نقصه العيب محسوبا من الثلث وكذلك الولي إذا وجد ما إشتراه للطفل معيبا لا يرده إذا كانت الغبطة في بقائه ولا يثبت الأرش في هذه الصورة لأن الرد غير ممتنع في نفسه وإنما المصلحة تقتضي الإمتناع

فرع لو تبايعا بشرط الخيار ففلسا أو أحدهما فلكل منهما إجازة البيع
ورده بغير رضى الغرماء هكذا نص عليه الشافعي رضي الله عنه
وفيه ثلاثة طرق
أصحها الأخذ بظاهره فيجوز الفسخ والإجازة على وفق الغبطة وعلى خلافها لأنه إنما يمنع من إبتداء تصرف
والثاني تجويزهما بشرط الغبطة كالرد بالعيب
والثالث إن وقعا على وفق الغبطة صح وإلا فيبنى على أقوال الملك في زمن الخيار وينظر من أفلس
فإن كان المشتري وقلنا الملك للبائع فللمشتري الإجازة والفسخ
وإن قلنا للمشتري فله الإجازة لأنها إستدامة ملك ولا فسخ لأنه إزالة
وإن أفلس البائع وقلنا الملك له فله الفسخ لأنه إستدامة وليس له الإجازة
وإن قلنا للمشتري فللبائع الفسخ والإجازة

فصل من مات وعليه دين
فادعى وارثه دينا له على رجل وأقام شاهدا وحلف معه ثبت الحق وجعل في تركته
فإن لم يحلف لم ترد اليمين على الغرماء على الجديد
ولو إدعى المحجور عليه بالفلس دينا والتصوير كما ذكرنا لم يحلف الغرماء على المذهب
وقيل فيه القولان
وحكى الإمام عن شيخه طرد الخلاف في إبتداء الدعوى من الغرماء
وعن الأكثرين القطع بمنع الدعوى إبتداء وتخصيص الخلاف باليمين بعد دعوى الوارث في المسألة الأولى والمفلس في الثانية
قلت وطرد صاحب التهذيب القولين في الدعوى من غريم الميت إذا تركها وارثه
والله أعلم
وسواء كان المدعى عينا أو دينا قاله ابن كج وفرع على قولنا يحلف الغرماء أنه لو حلف بعضهم فقط إستحق الحالفون بالقسط كما لو حلف بعض الورثة
قال ولو حلفوا ثم أبرئوا من ديونهم فهل يكون المحلوف عليه لهم ويبطل الإبراء أم يكون للمفلس أم يسقط عن المدعى عليه فلا يستوفى أصلا فيه ثلاثة أوجه
قلت ينبغي أن يكون أصحها كونه للمفلس
ويجيء مثله في غرماء الميت وهذا المذكور عن ابن كج في حلف بعضهم قاله آخرون منهم صاحب الحاوي
ولو إدعى المفلس على رجل مالا ولم يكن له شاهد ونكل المدعى عليه ثم المفلس ففي حلف الغرماء الخلاف المذكور مع الشاهد قاله القاضي أبو الطيب وصاحب التهذيب
ولا يحلف الغريم إلا على قدر دينه
والله أعلم

فصل إذا أراد السفر من عليه دين
فإن كان حالا فلصاحبه منعه حتى يقضي حقه
قال أصحابنا وليس هذا منعا من السفر كما يمنع عبده وزوجته السفر بل يشغله عن السفر برفعه إلى مجلس القاضي ومطالبته حتى يوفي
وإن كان مؤجلا فإن لم يكن السفر مخوفا فلا منع إذ لا مطالبة وليس له طلب رهن ولا كفيل قطعا ولا يكلفه الإشهاد على الصحيح
وسواء كان الأجل قريبا أم بعيدا فإن أراد السفر معه ليطالبه عند حلوله فله ذلك بشرط أن لا يلازمه
فإن كان السفر مخوفا كالجهاد وركوب البحر فلا منع على الأصح مطلقا
وفي وجه يمنع إلى أن يؤدي الحق أو يعطي كفيلا قاله الاصطخري وفي وجه إن لم يخلف وفاء منعه
وفي وجه إن كان المديون من المرتزقة لم يمنع الجهاد وإلا منع واختار الروياني مذهب مالك رضي الله عنه فقال له المطالبة بالكفيل في السفر المخوف وفي السفر البعيد عند قرب الحلول
فصل إذا ثبت إعسار المديون لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل
أن

يوسر
وأما الذي له مال وعليه دين فيجب أداؤه إذا طلب
فإذا امتنع أمره الحاكم به
فإن امتنع باع الحاكم ماله وقسمه بين غرمائه
قلت قال القاضي أبو الطيب والأصحاب إذا امتنع فالحاكم بالخيار إن شاء باع ماله عليه بغير إذنه وإن شاء أكرهه على بيعه وعزره بالحبس وغيره حتى يبيعه
والله أعلم
فإن إلتمس الغرماء الحجر عليه حجر على الأصح كيلا يتلف ماله
فإن أخفى ماله حبسه القاضي حتى يظهره
فإن لم ينزجر بالحبس
زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره
وإن كان ماله ظاهرا فهل يحبسه لإمتناعه قال في التتمة فيه وجهان
الذي عليه عمل القضاة الحبس
فإن إدعى أنه تلف وصار مفلسا فعليه البينة
ثم إن شهدوا على التلف قبلت شهادتهم ولم تعتبر فيهم الخبرة مطلقا
وإن شهدوا بإعساره قبلت بشرط الخبرة الباطنة
قال الصيدلاني ويحمل قولهم معسر على أنهم وقفوا على تلف المال

فرع إذا ادعى المديون أنه معسر أو قسم مال المحجور عليه على
وبقي بعض الدين فزعم أنه لا يملك شيئا آخر وأنكر الغرماء نظر إن لزمه الدين في مقابلة مال بأن إشترى أو إقترض أو باع سلما فهو كما لو إدعى هلاك المال فعليه البينة
وإن لزمه لا في مقابلة مال فثلاثة أوجه
أصحها يقبل قوله بيمينه
والثاني يحتاج إلى البينة
والثالث إن لزمه باختياره كالصداق والضمان لم يقبل واحتاج إلى البينة إن لزمه لا بإختياره كإرش الجناية وغرامة المتلف قبل قوله بيمينه لأن الظاهر أنه لا يشغل ذمته بما لا يقدر عليه

فرع البينة على الاعسار مسموعة وإن تعلقت بالنفي للحاجه كشهادة أن لا وارث

ويشترط في الشهود مع شروط الشهود الخبرة الباطنة كطول الجوار أو المخالطة
فإن عرف القاضي أنهم بهذه الصفة فذاك وإلا فله إعتماد قولهم إنا بهذه الصفة قاله في النهاية
ويكفي شاهدان كسائر الحقوق
وقال الفوراني يشترط ثلاثة وهذا شاذ
وفيه حديث في صحيح مسلم وحمله الجمهور على الإستظهار والإحتياط
وأما صيغة شهادتهم فأن يقولوا هو معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه
ولو أضافوا إليه وهو ممن تحل له الصدقة جاز ولا يشترط
قال في التتمة ولا يقتصرون على أنه لا ملك له حتى لا تتمحض شهادتهم نفيا لفظا ومعنى ويحلف المشهود له مع البينة لجواز أن يكون له مال في الباطن
وهل هذا التحليف واجب أم مستحب قولان
ويقال وجهان
أظهرهما الوجوب وعلى التقديرين هل يتوقف على إستدعاء الخصم وجهان
أحدهما لا كما لو ادعي على ميت أو غائب
فعلى هذا هو من آداب القضاء
وأصحهما نعم
كيمين المدعى عليه
قال الإمام الخلاف فيما إذا سكت فأما إذا قال لست أطلب يمينه ورضيت بإطلاقه فلا يحلف بلا خلاف
فرع حيث قبلنا قوله مع يمينه فيقبل في الحال كالبينة

قال الإمام ويحتمل أن يتأنى القاضي ويسأل عن باطن حاله بخلاف البينة
وحيث قلنا لا يقبل قوله إلا ببينة فادعى أن الغرماء يعرفون إعساره فله تحليفهم على نفي العلم فإن نكلوا حلف وثبت إعساره
وإن حلفوا حبس
ومهما إدعى ثانيا وثالثا أنه بان لهم

إعساره فإن له تحليفهم قال في التتمة إلا أن يظهر للقاضي أنه يقصد الإيذاء واللجاج

فرع إذا حبسه لا يغفل عنه بالكلية

فلو كان غريبا لا يتأتى له إقامة البينة فينبغي أن يوكل به القاضي من يبحث عن وطنه ومنقلبه ويتفحص عن أحواله بحسب الطاقة فإذا غلب على ظنه إعساره شهد به عند القاضي لئلا يتخلد في الحبس ومتى ثبت الإعسار وخلاه الحاكم فعاد الغرماء وادعوا بعد أيام أنه استفاد مالا وأنكر فالقول قوله وعليهم البينة
فإن أتوا بشاهدين فقالا رأينا في يده مالا يتصرف فيه أخذه الغرماء
فإن قال أخذته من فلان وديعة أو قراضا وصدقه المقر له فهو له ولا حق فيه للغرماء
وهل لهم تحليفه أنه لم يواطىء المقر له وأقر عن تحقيق وجهان
أصحهما لا لأنه لو رجع عن إقراره لم يقبل
وإن كذبه المقر له صرف إلى الغرماء ولا يلتفت إلى إقراره لآخر
وإن كان المقر له غائبا توقف حتى يحضر فإن صدقه أخذه وإلا فيأخذه الغرماء
فرع في حبس الوالدين بدين الولد وجهان

أصحهما عند الغزالي يحبس
وأصحهما في التهذيب وغيره لا يحبس ولا فرق بين دين النفقة وغيره ولا بين الولد الصغير والكبير

قلت وإذا حبس المفلس لم يأثم بترك الجمعة إذا كان معسرا
قال الصيمري وقيل يلزمه إستئذان الغريم حتى يمنعه فيسقط الحضور
والنفقة في الحبس في ماله على المذهب
وحكى الصيمري والشاشي وصاحب البيان فيها وجهين ثانيهما أنها على الغريم
فإن كان المفلس ذا صنعة مكن من عملها في الحبس على الأصح
والثاني يمنع إن علم منه مماطلة بسبب ذلك حكاهما الصيمري والشاشي وصاحب البيان
ورأيت في فتاوى الغزالي رحمه الله أنه سئل هل يمنع المحبوس من الجمعة والإستمتاع بزوجته ومحادثة أصدقائه فقال الرأي إلى القاضي في تأكيد الحبس بمنع الإستمتاع ومحادثة الصديق ولا يمنع من الجمعة إلا إذا ظهرت المصلحة في منعه
وفي فتاوى صاحب الشامل أنه إذا أراد شم الرياحين في الحبس إن كان محتاجا إليه لمرض ونحوه لم يمنع وإن كان غير محتاج بل يريد الترفه منع
وأنه يمنع من الإستمتاع بالزوجة ولا يمنع من دخولها لحاجة كحمل الطعام ونحوه
وأن الزوجة إذا حبست في دين إستدانته بغير إذن الزوج فإن ثبت بالبينة لم يسقط نفقتها مدة الحبس لأنه بغير رضاها فأشبه المرض
وإن ثبت بالإقرار سقطت هكذا قال والمختار سقوطها في الحالين كما لو وطئت بشبهة فاعتدت فإنها تسقط وإن كانت معذورة
قال أصحابنا ولو حبس في حق رجل فجاء آخر وادعى عليه أخرجه الحاكم فسمع الدعوى ثم يرده
قال في البيان لو مرض في الحبس ولم يجد من يخدمه فيه أخرج
فإن وجد من يخدمه ففي وجوب إخراجه وجهان
فإن جن أخرج قطعا
وإذا حبس لحق جماعة لم يكن لواحد إخراجه حتى يجتمعوا على إخراجه ولو حبس لحق غريم ثم

إستحق آخر حبسه جعله القاضي محبوسا للإثنين فلا يخرج إلا باجماعهما
قال وإذا ثبت إعساره أخرجه بغير إذن الغريم

والله أعلم

فصل إذا حجر الحاكم على المفلس إستحب أن يبادر ببيع ماله وقسمته
لئلا يطول زمن الحجر ولا يفرط في الإستعجال لئلا يباع بثمن بخس ويستحب أن يبيع بحضرة المفلس أو وكيله وكذا يفعل إذا باع المرهون
ويستحب أيضا إحضار الغرماء ويقدم بيع المرهون والجاني ليتعجل حق مستحقيهما
فإن فضل عنهما شىء ضم إلى سائر الأموال
وإن بقي من دين المرتهن شىء ضارب به
قلت ويقدم أيضا المال الذي تعلق به حق عامل القراض ويقدم بالربح المشروط صرح به الجرجاني وهو ظاهر
والله أعلم
ويبيع أولا ما يخاف فساده ثم الحيوان ثم سائر المنقولات ثم العقار ويباع كل شىء في سوقه
قلت بيع كل شىء في سوقه مستحب
فلو باع في غيره بثمن مثله صح قاله أصحابنا
وهذا المذكور من تقديم بيع المرهون والجاني وهو إذا لم يخف تلف ما يسرع فساده
فإن خيف قدم بيعه عليهما
والله أعلم

ويجب أن يبيع بثمن المثل حالا من نقد البلد
فإن كانت الديون من غير ذلك النقد ولم يرض المستحقون إلا بجنس حقهم صرفه إليه
وإلا فيجوز صرفه إليهم إلا أن يكون سلما

فرع لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن نص عليه الشافعي رضي الله

وقد سبق أقواله فيما إذا تنازع المتبايعان في البداءة بالتسليم فقال أبو إسحق نصه هنا تفريع على قولنا يبدأ بالمشتري ويجيء عند النزاع قول آخر أنهما يجبران معا ولا يجيء قولنا لا يجبر واحد منهما لأن الحال لا يحتمل التأخير ولا قولنا البداءة بالبائع لأن من تصرف لغيره لزمه الإحتياط
وقال ابن القطان تجب البداءة هنا بتسليم الثمن بلا خلاف
ثم لو خالف الواجب وسلم قبل قبض الثمن ضمن وسنذكر إن شاء الله تعالى كيفية الضمان
فرع ما يقبضه الحاكم من أثمان أمواله على التدريج إن كان يسهل
عليهم فالأولى أن لا يؤخر
وإن كان يعسر لقلته وكثرة الديون
فله التأخير لتجتمع فإن أبوا التأخير ففي النهاية إطلاق القول بأنه يجيبهم
والظاهر خلافه وإذا تأخرت القسمة فإن وجد من يقرضه إياه فعل ويشترط فيه الأمانة واليسار
وليودع عند من يرضاه الغرماء فإن اختلفوا أو عينوا غير عدل فالرأي للحاكم ولا يقنع بغير عدل
ولو تلف شىء في يد العدل فهو من ضمان المفلس سواء كان في حياة المفلس أو بعد موته

فرع لا يكلف الغرماء عند القسمة إقامة البينة على أنه لا
ويكفي بأن الحجر قد إستفاض
فلو كان غريم لظهر وطلب حقه هكذا نقله الإمام عن صاحب التقريب ثم قال ولا فرق عندنا بين القسمة على الغرماء وبين القسمة على الورثة
فإذا قلنا في الورثة لا بد من بينة بأن لا وارث غيرهم فكذا الغرماء
ولفارق أن يفرق بأن الورثة على كل حال أضبط من الغرماء
قلت الأصح قول صاحب التقريب وهو ظاهر كلام الجمهور
ويفرق أيضا بأن الغريم الموجود تيقنا إستحقاقه لما يخصه وشككنا في مزاحم
ثم لو قدر مزاحم لم يخرج هذا عن كونه يستحق هذا القدر في الذمة وليست مزاحمة الغريم متحتمة فإنه لو أبرأ أو أعرض سلمنا الجميع إلى الآخر والوارث يخالفه في جميع ذلك
والله أعلم
وإذا جرت القسمة ثم ظهر غريم فالصحيح أن القسمة لا تنقض ولكن يشاركهم بالحصة لأن المقصود يحصل بذلك
وفي وجه ينقض فيستأنف
فعلى الصحيح لو قسم ماله وهو خمسة عشر على غريمين لأحدهما عشرون وللآخر عشرة فأخذ الأول عشرة والآخر خمسة فظهر غريم له ثلاثين إسترد من كل واحد نصف ما أخذه
ولو كان دينهما عشرة وعشرة فقسم المال نصفين ثم ظهر غريم بعشرة رجع على كل واحد بثلث ما أخذه
فإن أتلف أحدهما ما أخذ وكان معسرا لا يحصل منه شىء فوجهان
أصحهما يأخذ الغريم الثالث من الآخر نصف ما أخذه وكأنه كل مال ثم إذا أيسر المتلف أخذ منه ثلث ما أخذه وقسماه بينهما
والثاني لا يأخذ منه إلا

ثلث ما أخذه وله ثلث ما أخذ المتلف دين عليه
ولو ظهر الغريم الثالث وظهر للمفلس مال عتيق أو حادث بعد الحجر صرف منه إلى من ظهر بقسط ما أخذه الأولان
فإن فضل شىء قسم على الثلاثة وهذا كله في ظهور غريم بدين قديم
فإن كان بحادث بعد الحجر فلا مشاركة في المال القديم
وإن ظهر مال قديم وحدث مال باحتطاب وغيره فالقديم للقدماء خاصة والحادث للجميع

فرع لو خرج شىء مما باعه المفلس قبل الحجر مستحقا والثمن غير
فهو كدين ظهر وحكمه ما سبق
وإن باع الحاكم ماله فظهر مستحقا بعد قبض الثمن وتلفه رجع المشتري في مال المفلس ولا يطالب الحاكم به
ولو نصب أمينا فباعه ففي كونه طريقا وجهان
كما ذكرنا في العدل الذي نصبه القاضي ليبيع المرهون
قلت أصحهما لا يكون قاله صاحب التهذيب
والله أعلم
وإذا رجع المشتري أو الأمين إذا جعلناه طريقا وغرم في مال المفلس قدما على الغرماء على المذهب لأنه من مصالح البيع كأجرة الكيال لئلا يرغب عن الشراء من ماله
وفي قول يضاربان
وقيل إن رجعا قبل القسمة قدما
وإن كان بعد القسمة واستئناف حجر بسبب مال تجدد ضاربان
فصل فيما يباع من مال المفلس فيه مسائل إحداها ينفق الحاكم على
المفلس إلى فراغه من بيع ماله وقسمته وكذا

ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات والأقارب لأنه موسر ما لم يزل ملكه
وكذلك يكسوهم بالمعروف
هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى هذه الجهات
وأما قدر نفقة الزوجات فقال الإمام لا شك أن نفقته نفقة المعسرين
وقال الروياني نفقة الموسرين
وهذا قياس الباب إذ لو كان نفقة المعسر لما أنفق على القريب
قلت يرجح قول إمام الحرمين بنص الشافعي رضي الله عنه إذ قال في المختصر أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم من نفقة وكسوة
والله أعلم
الثانية يباع مسكنه وخادمه
وإن كان محتاجا إلى من يخدمه لزمانة أو كان منصبه يقتضي ذلك هذا هو المذهب والمنصوص
وفي وجه يبقيان إذا كانا لائقين به بدون النفيسين
وفي وجه يبقى المسكن فقط
الثالثة يترك له دست ثياب تليق به من قميص وسراويل ومنعل ومكعب
وإن كان في الشتاء زاد جبة
ويترك له عمامة وطيلسان وخف دراعة يلبسها فوق القميص إن كان يليق به لبسها
وتوقف الإمام في الخف والطيلسان وقال تركهما لا يخرم المروءة
وذكر أن الإعتبار بحاله في إفلاسه لا في بسطته وثروته
لكن المفهوم من كلام الأصحاب أنهم لا يوافقونه ويمنعون قوله تركهما لا يحرم المروءة
ولو كان يلبس قبل إفلاسه فوق ما يليق بمثله رددناه إلى ما يليق ولو كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يرد إليه
ويترك لعياله من الثوب كما يترك له
ولا يترك الفرش والبسط لكن يسامح باللبد والحصير القليل القيمة
الرابعة يترك قوت يوم القسمة له ولمن عليه نفقته لأنه موسر في أوله

ولا يزاد على نفقة ذلك اليوم وذكر الغزالي أنه يترك له سكنى ذلك اليوم أيضا فاستمر على قياس النفقة لكنه لم يتعرض له غيره
الخامسة كل ما قلنا يترك له إن لم نجده في ماله إشتري له
قلت قال صاحب التهذيب يباع عليه مركوبه وإن كان ذا مروءة
قال أصحابنا وإذا مات المفلس قدم كفنه وحنوطه ومؤنة غسله ودفنه على الديون وكذلك من مات من عبيده وأم ولده وزوجته إن أوجبنا عليه كفنها وكذلك أقاربه الذين تلزمه نفقتهم نص عليه في المختصر واتفقوا عليه
قال في البيان وتسلم إليه النفقة يوما بيوم
والله أعلم

فصل من قواعد الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل
يمكن من تفويت ما هو حاصل
فلو جني عليه أو على عبده فله القصاص
ولا يلزمه العفو على مال
فلو كانت الجناية موجبة للمال فليس له ولا لوارثه العفو بغير إذن الغرماء
ولو كان أسلم في شىء فليس له أن يقبضه مسامحا ببعض الصفات المقصودة المشروطة إلا بإذنهم
ولو كان وهب هبة تقتضي الثواب وقلنا يتقدر الثواب بما يرضى به الواهب فله أن يرضى بما شاء
ولا يكلفه طلب زيادة لأنه تحصيل
وإن قلنا يتقدر المثل لم يجز الرضى بما دونه
ولو زاد على المثل لم يجب القبول
وليس على المفلس أن يكتسب ويؤاجر نفسه ليصرف الكسب والأجرة في الديون أو بقيتها
ولو كان له أم ولد أو صيغة موقوفة عليه فهل يؤاجران عليه وجهان
ميل الإمام الى المنع
وفي تعاليق العراقيين ما يدل على أن الإيجار أصح
فعلى هذا يؤجر مرة بعد أخرى إلى أن يفنى الدين
ومقتضى هذا إدامة الحجر إلى فناء الدين وهذا كالمستبعد

قلت الإيجار أصح وصححه في المحرر
وذكر الغزالي في الفتاوي أنه يجبر على إجارة الوقف ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة إلى حد لا يتغابن به الناس في عرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة
والله أعلم

فصل إذا قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء فهل ينفك الحجر بنفسه
أم يحتاج إلى فك الحاكم وجهان
أصحهما يحتاج كحجر السفه
هذا إن اعترف الغرماء أن لا مال له سواه
فإن ادعوا مالا آخر فأنكر فقد سبق بيانه
ولو اتفق الغرماء على دفع الحجر فهل يرتفع كالمرهون أم لا يرتفع إلا بالحاكم لاحتمال غريم آخر فيه وجهان
ولو باع المفلس ماله لغريمه بدينه ولا غريم سواه أو حجر عليه لجماعة فباعهم أمواله بديونهم فهل يصح بغير إذن القاضي وجهان
أصحهما لا بد من إذنه
ولو باعه لغريمه بعين أو ببعض دينه فهو كما لو باعه لأجنبي لأن ذلك لا يتضمن ارتفاع الحجر عنه بخلاف ما إذا باع بكل الدين فإنه يسقط الدين وإذا سقط إرتفع الحجر
ولو باع لأجنبي بإذن الغرماء لم يصح
وقال الإمام يحتمل أن يصح كبيع المرهون بإذن المرتهن
الحكم الثاني الرجوع في عين المال ونقدم عليه مسائل
إحداها من حجر عليه بافلاس ووجد من باعه ولم يقبض الثمن متاعه عنده فله أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله والأصح أن هذا الخيار على الفور كخيار العيب والخلف
فإن علم فلم يفسخ بطل حقه من الرجوع في العين
وفي وجه يدوم كخيار الهبة للولد
وفي وجه يدوم ثلاثة أيام

الثانية في افتقار هذا الفسخ إلى إذن الحاكم وجهان
أصحهما لا يفتقر لثبوت الحديث فيه كخيار العتق
ولوضوح الحديث قال الأصطخري لو حكم الحاكم بمنع الفسخ نقضنا حكمه
قلت الأصح أن لا ينقض للاختلاف فيه
والله أعلم
الثالثة لا يحصل هذا الفسخ ببيع البائع وإعتاقه ووطئه المبيعة على الأصح وتلغو هذه التصرفات
الرابعة صيغة الفسخ كقوله فسخت البيع أو نقضته أو رفعته فلو اقتصر على رددت الثمن أو فسخت البيع فيه حصل الفسخ على الأصح
ووجه المنع أن مقتضى الفسخ إضافته إلى العقد المطلق

فصل حق الرجوع إنما يثبت بشروط ولا يختص بالمبيع بل يجري في
من المعاوضات ويحصل بيانه بالنظر في العوض المتعذر تحصيله والمعوض المسترجع والمعاوضة التي انتقل الملك بها إلى المفلس
أما العوض وهو الثمن وغيره من الأعواض فيعتبر فيه وصفان
أحدهما تعذر استئنافه بالإفلاس وفيه صور
إحداها إذا كان ماله وافيا بالديون وجوزنا الحجر فحجر ففي ثبوت الرجوع وجهان
وقطع الغزالي بالمنع لأنه يصل إلى الثمن
الثانية لو قال الغرماء لا نفسخ لتقدمك بالثمن لم يلزمه ذلك على الصحيح لأن فيه منة وقد يظهر مزاحم
ولو قالوا نؤدي الثمن من خالص أموالنا أو تبرع به أجنبي فليس عليه القبول
ولو أجاب ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه

في المأخوذ
ولو مات المشتري فقال الوارث لا ترجع فأنا أقدمك لم يلزمه القبول
فلو قال أؤدي من مالي فوجهان
وقطع في التتمة بلزوم القبول لأن الوارث خليفة الميت
الثالثة لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع اليسار أو هرب أو مات مليئا وامتنع الوارث من التسليم فلا فسخ على الأصح لعدم عيب الإفلاس وإمكان الإستيفاء بالسلطان
فإن فرض عجز فنادر لا عبرة به
ولو ضمن بغير إذنه فوجهان
أحدهما يرجع كما لو تبرع رجل بالثمن
والثاني لا لأن الحق قد صار في ذمته وتوجهت عليه المطالبة بخلاف المتبرع
ولو أعير للمشتري شىء فرهنه على الثمن فعلى الوجهين
ولو انقطع الجنس الثمن فإن جوزنا الإعتياض عنه فلا تعذر في استيفاء عوض عنه فلا فسخ وإلا فكانقطاع المسلم فيه فيثبت حق الفسخ على الأظهر
وعلى الثاني ينفسخ
الوصف الثاني كون الثمن حالا
فلو كان مؤجلا فلا فسخ على المذهب
وفيه وجه سبق في أول الباب
ولو حل الأجل قبل انفكاك حجره فقد سبق بيانه هناك وأما المعاوضة فيعتبر فيما ملك به المفلس شرطان
أحدهما كونه معاوضة مختصة فيدخل فيه أشياء ويخرج منه أشياء
فما يخرج أنه لا فسخ بتعذر استيفاء عوض الصلح عن الدم ولا يتعذر عوض الخلع قطعا
وأنه لا فسخ للزوج بامتناعها من تسليم نفسها
وفي فسخها بتعذر الصداق خلاف معروف
وأما الذي يدخل فيه فمنه السلم والإجارة
أما السلم فإذا أفلس المسلم إليه قبل أداء المسلم فيه فلرأس المال ثلاثة أحوال
الأول أن يكون باقيا فللمسلم فسخ العقد والرجوع إلى رأس المال كالبيع
فإن أراد أن يضارب بالمسلم فيه فسنذكر كيفية المضاربة
الثاني أن يكون تالفا فوجهان
أحدهما له الفسخ والمضاربة برأس المال

لأنه تعذر الوصول الى تمام حقه فأشبه انقطاع جنس المسلم فيه
فعلى هذا قيل يجيء قول بانفساخ السلم كما جاء في الإنقطاع
وقيل لا لأنه ربما حصل باستقراض وغيره بخلاف صورة الإنقطاع
وأصحهما ليس له الفسخ كما لو أفلس المشتري بالثمن والمبيع تالف
ويخالف الإنقطاع لأن هناك إذا فسخ رجع إلى رأس المال بتمامه وهنا ليس إلا المضاربة ولو لم يفسخ لضارب بالمسلم فيه وهو أنفع غالبا فعلى هذا يقوم المسلم فيه ويضارب المسلم بقيمته فإذا عرف حصته نظر إن كان في المال من جنس المسلم فيه صرفه إليه وإلا فيشتري بحصته منه ويعطاه لأن الإعتياض عنه لا يجوز
هذا إذا لم يكن جنس المسلم فيه منقطعا
فإن كان فقيل لا فسخ إذ لا بد من المضاربة على التقديرين
والصحيح ثبوت الفسخ لأنه يثبت في هذه الحالة في حق غير المفلس ففي حقه أولى وكالرد بالعيب
وفيه فائدة فإن ما يخصه بالفسخ يأخذه في الحال عن رأس المال
وما يخصه بلا فسخ لا يعطاه بل يوقف إلى عود المسلم فيه فيشتري به

فرع لو قومنا المسلم فيه فكانت قيمته عشرين فأفرزنا للمسلم فيه من
بالعشرة جميع المسلم فيه فوجهان
أحدهما وبه قطع في الشامل يرد الموقوف إلى ما يخصه باعتبار قيمته آخرا فيصرف إليه خمسة والخمسة الباقية توزع عليه وعلى سائر الغرماء لأن الموقوف باق على ملك المفلس وحق المسلم في الحنطة فإذا صارت القيمة عشرة فهي دينه
والثاني وبه قطع في التهذيب ونقله الإمام عن الجماهير يشتري به جميع حقه ويعطاه إعتبارا بيوم القسمة
وهو إن لم يملك الموقوف

فهو كالمرهون بحق وانقطع به حقه من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلق بشىء مما عند الغرماء وبقي حقه في ذمة المفلس
ولا خلاف أنه لو فضل الموقوف عن جميع حق المسلم كان الفاضل للغرماء وليس له أن يقول الزائد لي
ولو وقفنا في الصورة المذكورة عشرة فغلا السعر ولم نجد القدر المسلم فيه إلا بأربعين فعلى الوجه الأول بان أن الدين أربعون فيسترجع من الغرماء ما يتم به حصته أربعين
وعلى الثاني لا يزاحمهم وليس له إلا ما وقف له

فرع لو تضاربوا وأخذ المسلم ما يخصه قدرا من المسلم فيه وارتفع
الحجر عنه ثم حدث له مال وأعيد الحجر واحتاجوا إلى المضاربة ثانيا قدمنا المسلم فيه
فإن وجدنا قيمته كقيمته أولا فذاك
وإن زادت فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة وإن نقصت فهل الإعتبار بالقيمة الثانية أم بالقيمة الأولى وجهان
الصحيح الأول
قال الإمام ولا أعرف للثاني وجها
ولو كان المسلم فيه عبدا أو ثوبا فحصه المسلم يشترى بها شقص منه للضرورة
فإن لم يوجد فللمسلم الفسخ
الحال الثالث أن يكون بعض رأس المال باقيا وبعضه تالفا وهو كتلف بعض المبيع وسنذكره إن شاء الله تعالى وأما الإجارة فنتكلم في إفلاس المستأجر ثم المؤجر
القسم الأول المستأجر والإجارة نوعان
أحدهما إجارة عين
فإذا أجر أرضا أو دابة وأفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضي المدة فللمؤجر فيه فسخ الإجارة على المشهور تنزيلا للمنافع منزلة

الأعيان في البيع
وفي قول لا إذ لا وجود لها
فعلى المشهور إن لم يفسخ واختار المضاربة بالأجرة فله ذلك
ثم إن كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الأجرة إلى الغرماء
وإن كان الفلس بعد مضي بعض المدة فللمؤجر فسخ الإجارة في المدة الباقية والمضاربة بقسط الماضية من الأجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم أفلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف
ولو أفلس مستأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المؤجر لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لأنه لصيانة المال ثم في المأمن يضعه عند الحاكم
ولو وضعه عند عدل من غير إذن الحاكم فوجهان مذكوران في نظائرهما
ولو فسخ والأرض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر إن استحصد الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الأرض وإلا فإن اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع أو على التبقية إلى الإدراك فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المؤجر بأجرة المثل للمدة الباقية لأنها لحفظه على الغرماء
وإن اختلفوا فأراد بعضهم القطع وبعضهم التبقية فعن أبي إسحق يعمل بالمصلحة والصحيح أنه إن كان له قيمة قطع أجبنا من أراد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ولا عليهم إنتظار النماء
فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أجرة المدة الماضية فهو أحد الغرماء فله طلب القطع وإن لم يكن له قيمة لو قطع أجبنا من طلب التبقية إذ لا فائدة لطالب القطع
وإذا أبقوا الزرع بالإتفاق أو بطلب بعضهم وأجبناه فالسقي وسائر المؤن إن تطوع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليه على قدر ديونهم فذاك وإن أنفق بعضهم ليرجع فلا بد من إذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس
فإذا حصل الإذن قدم المنفق بما أنفق
وكذا لو أنفقوا على قدر ديونهم ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا على الغرماء

وهل يجوز الإنفاق عليه من مال المفلس وجهان
أصحهما الجواز
ووجه المنع أن حصول الفائدة متوهم
قلت وإن أنفق بإذن المفلس وحده على أن يرجع بما أنفق جاز وكان دينا في ذمة المفلس لا يشارك به الغرماء لأنه وجب بعد الحجر
وإن أنفق بعضهم بإذن باقيهم فقط على أن يرجع عليهم رجع عليهم في مالهم
والله أعلم
النوع الثاني الأجارة على الذمة
ولنا خلاف في أن هذه الأجارة هل لها حكم السلم حتى يجب فيها تسليم رأس المال في المجلس أم لا فإن قلنا لا فهي كإجارة العين وإلا فلا أثر للإفلاس بعد التفرق لمصير الأجرة مقبوضة قبل التفرق
فلو فرض الفلس في المجلس فإن أثبتنا خيار المجلس فيها إستغني عن هذا الخيار وإلا فهي كإجارة العين
القسم الثاني إفلاس المؤجر في إجارة العين أو الذمة
أما الأولى فإذا أجر دابة أو دارا لرجل فأفلس فلا فسخ للمستأجر لأن المنافع المستحقة له متعلقة بعين ذلك المال فيقدم بها كما يقدم حق المرتهن ثم إذا طلب الغرماء بيع المستأجر فإن قلنا لا يجوز فعليهم الصبر إلى انقضاء المدة
وإن جوزناه أجيبوا ولا مبالاة بما ينقص من ثمنه بسبب الإجارة إذ ليس عليهم الصبر لتنمية المال
وأما الثانية فإذا التزم في ذمته نقل متاع إلى بلد ثم أفلس نظر إن كانت الإجارة باقية في يد المفلس فله فسخ الأجرة والرجوع إلى عين ماله كانت تالفة فلا فسخ ويضارب الغرماء بقيمة المنفعة المستحقة وهي أجرة المثل كما يضارب المسلم بقيمة المسلم فيه
ثم إن جعلنا هذه الإجارة سلما فحصته بالمضاربة لا تسلم إليه لامتناع الإعتياض عن المسلم فيه بل ينظر فإن كانت المنفعة المستحقة قابلة للتبعيض بأن كان الملتزم حمل مائة رطل فينقل بالحصة بعض المائة
وإن لم

يقبله كقصارة ثوب ورياضة دابة وركوب إلى بلد ولو نقل إلى نصف الطريق لبقي ضائعا قال الإمام للمستأجر الفسخ بهذا السبب والمضاربة بالأجرة المبذولة
وأما إذا لم نجعل هذه الإجارة سلما فتسلم الحصة بعينها إليه لجواز الإعتياض
هذا كله إذا لم يكن سلم عينا لاستيفاء المنفعة الملتزمة
فإن كان التزم النقل وسلم دابة لينقل عليها ثم أفلس بني على أن الدابة المسلمة تتعين بالتعيين وفيها وجهان مذكوران في باب الإجارة
فإن قلنا تتعين فلا فسخ ونقدم المستأجر بمنفعتها كالمعينة في العقد وإلا فهو كما لو لم يسلمها

فرع إقترض مالا ثم أفلس وهو باق في يده فللمقرض الرجوع فيه
قلنا يملك بالقبض أو بالتصرف
فرع باع مالا واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب فهل
الفسخ كما لو أبق المبيع أم لا لأنه لا نقص في نفس المبيع فيه وجهان
الشرط الثاني للمعاوضة أن تكون سابقة للحجر
وفي بعض مسائل هذا الشرط خلاف
فإذا اشترى المفلس شيئا بعد الحجر وصححناه فقد سبق في ثبوت الرجوع خلاف
ولو أجر دارا وسلمها إلى المستأجر وقبض الأجرة ثم أفلس وحجر عليه فقد سبق أن الإجارة مستمرة فإن انهدمت في أثناء المدة إنفسخت الإجارة فيما بقي وضارب المستأجر بحصة ما بقي منها إن كان الإنهدام قبل قسمة المال بينهم
وإن كان بعدها ضارب أيضا على الأصح لاستناده إلى

عقد سبق الحجر فأشبه انهدامها قبل القسمة
ووجه المنع أنه دين حدث بعد القسمة
ولو باع جارية بعبد وتقابضا ثم أفلس مشتري الجارية وحجر عليه وهلكت في يده ثم وجد بائعها بالعبد عيبا فرده فله طلب قيمة الجارية لا محالة
وكيف يطالب وجهان
أصحهما يضارب كغيره
والثاني يقدم على الغرماء بقيمتها لأنه أدخل بدلها عبدا في المال ويخالف هذا من باعه شيئا لأن هذا حق مستند إلى ما قبل الحجر
وأما المعوض فيشترط في المبيع المرجوع فيه شرطان
أحدهما بقاؤه في ملك المفلس
فلو هلك بآفة أو جناية لم يرجع سواء كانت قيمته مثل الثمن أو أكثر وليس له إلا المضاربة بالثمن
وفي وجه إن زادت القيمة ضارب بها واستفاد زيادة حصته
ولو خرج عن ملكه ببيع أو هبة أو اعتاق أو وقف كالهلاك وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع فإنه يفسخها
لسبق حقه عليها
ولو استولد أو كاتب فلا رجوع
ولو دبر أو علق بصفة أو زوجها رجع
وإن أجر فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر وإلا فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر وإلا فيضارب بالثمن وإن جنى أو رهن فلا رجوع
فإن قضى حق المجني عليه والمرتهن ببيع بعضه فالبائع واجد لبعض المبيع وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى
ولو انفك الرهن أو برىء عن الجناية رجع
ولو كان المبيع صيدا فأحرم البائع لم يرجع

فرع لو زال ملك المشتري ثم عاد ثم حجر عليه
فإن عاد بلاعوض

كالارث والهبة والوصية ففي رجوعه وجهان
وإن عاد بعوض بأن اشتراه فإن كان دفع الثمن إلى البائع الثاني فكعوده بلا عوض
وإن لم يدفعه وقلنا بثبوته للبائع لو عاد بلا عوض فهل الأول أولى لسبق حقه أم الثاني لقرب حقه أم يشتركان ويضارب كل بنصف الثمن فيه أوجه
قلت أصح الوجهين أولا أنه لا يرجع وبه قطع الجرجاني في التحرير وغيره
قال البغوي ويجري الوجهان فيما لو رد عليه بعيب
والله أعلم
وعجز المكاتب وعوده كانفكاك الرهن
وقيل كعود الملك
قلت لو كان المبيع شقصا مشفوعا ولم يعلم الشفيع حتى حجر على المشتري وأفلس بالثمن فأوجه
أحدها يأخذه الشفيع ويؤخذ منه الثمن فيخص به البائع جمعا بين الحقين
والثاني يأخذه البائع وأصحهما عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وآخرين يأخذه الشفيع ويكون الثمن بين الغرماء كلهم
والله أعلم
الشرط الثاني أن لا يحدث في المبيع تغير مانع
وللتغير حالان
حال بالنقص وحال بالزيادة
الأول النقص وهو قسمان
أحدهما نقص لا يتقسط الثمن عليه ولا يفرد بعقد كالعيب
فإن كان بآفة سماوية فالبائع بالخيار
إن شاء رجع فيه ناقصا ولا شىء له غيره وإن شاء ضارب بالثمن كتعيب المبيع في يد البائع وسواء كان النقص حسيا كسقوط بعض الأعضاء والعمى أو غيره كنسيان الحرفة والتزويج والأباق والزنا
وحكي قول أنه يأخذ المعيب ويضارب بارش النقص كما نذكره في القسم الثاني إن شاء الله تعالى
وهو شاذ ضعيف
وإن كان بجناية فإن كان بجناية أجنبي لزمه الإرش

إما مقدر وإما غير مقدر بناءا على الخلاف في أن جرح العبد مقدر أم لا وللبائع أخذه معيبا والمضاربة بمثل نسبة ما نقص من القيمة من الثمن
وإن كان بجناية البائع فكالأجنبي ( 212 )
وإن كان بجناية المشتري فطريقان
أصحهما عند الإمام أنه كالأجنبي لأن جناية المشتري قبض واستيفاء فكأنه صرف جزءا من المبيع إلى غرضه
والثاني وبه قطع صاحب التهذيب وغيره أنه كجناية البائع على المبيع قبل القبض ففي قول كالأجنبي وعلى الأظهر كالآفة السماوية
قلت المذهب أنه كالآفة السماوية وبه قطع جماعات
والله أعلم
القسم الثاني نقص يتقسط الثمن عليه ويصح إفراده بالعقد كمن اشترى عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما في يده ثم حجر عليه فللبائع أخذ الباقي بحصته من الثمن والمضاربة بحصة ثمن التالف
ولو بقي جميع المبيع وأراد البائع الرجوع في بعضه مكن لأنه أنفع للغرماء من الفسخ في كله فهو كما لو رجع الأب في نصف ما وهبه يجوز
ومن الأصحاب من حكى قولين في أنه يأخذ الباقي بحصته من الثمن أم بجميع الثمن ولا يضارب بشىء قال الإمام وطردهما أصحاب هذه الطريقة في كل مسألة تضاهيها
حتى لو باع شقصا وسيفا بمائة يأخذ الشقص بجميع المائة على قول
قال الإمام وهذا قريب من خرق الإجماع هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض من الثمن شيئا
أما إذا باع عبدين متساويي القيمة بمائة وقبض خمسين فتلف أحدهما في يد المشتري ثم أفلس فالقديم أنه لا رجوع بل يضارب بباقي الثمن مع الغرماء والجديد أنه يرجع
فعلى هذا يرجع في جميع العبد الباقي بما يفي من الثمن ويجعل ما قبض في مقابلة التالف
هذا هو المذهب والمنصوص
وقيل فيه قول مخرج أنه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف باقي الثمن ويضارب الغرماء بنصفه
ولو قبض بعض

الثمن ولم يتلف شىء من المبيع ففي رجوعه القولان القديم والجديد
فعلى الجديد يرجع في المبيع بقسط الباقي من الثمن
فلو قبض نصف الثمن رجع في نصف العبد المبيع أو العبدين المبيعين

فرع لو أغلى الزيت المبيع حتى ذهب بعضه ثم أفلس فالمذهب وبه
الجمهور أنه كتلف بعض المبيع كما لو انصب
فعلى هذا إن ذهب نصفه أخذ الباقي بنصف الثمن وضارب بنصفه
وإن ذهب ثلثه أخذ بثلثيه وضارب بثلث الثمن
وقيل وجهان
أصحهما هذا
والثاني أنه كتعيب المبيع فيرجع فيما بقي إن شاء ويقنع به
ولو كان بدل الزيت عصير فالأصح أنه كالزيت
وقيل تعيب قطعا لأن الذاهب منه الماء ولا مالية له بخلاف الزيت
فإذا قلنا بالأصح فكان العصير أربعة أرطال يساوي ثلاثة دراهم فأغلاها فصارت ثلاثة أرطال فيرجع في الباقي ويضارب بربع الثمن للذاهب ولا عبرة بنقص قيمة المغلي لو عادت إلى درهمين
فلو زادت فصارت أربعة بني على أن الزيادة الحاصلة بالصنعة عين أم أثر إن قلنا أثر فاز البائع بما زاد
وإن قلنا عين قال القفال الجواب كذلك
وقال غيره يكون المفلس شريكا بالدرهم الزائد
فلو بقيت القيمة ثلاثة فإن قلنا الزيادة أثر فاز بها البائع
وإن قلنا عين فكذلك عند القفال وعند غيره يكون المفلس شريكا بثلاثة أرباع درهم فإن هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب فهذا هو المستمر على القواعد
ولصاحب التلخيص في المسألة كلام غلطوه فيه

فرع لو كان المبيع دارا فانهدمت ولم يتلف من نقضها شىء
القسم الأول كالعمى ونحوه
وإن تلف نقضها بإحراق وغيره فهو من القسم الثاني كذا أطلقوه
ولك أن تقول ينبغي أن يطرد فيه الخلاف السابق في تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنه كالتعيب أو كتلف أحد العبدين
الحال الثاني التغير بالزيادة وهو نوعان
أحدهما الزيادات الحاصلة لا من خارج وهي ثلاثة أضرب
أحدها المتصلة من كل وجه كالسمن وتعلم الصنعة وكبر الشجرة فلا عبرة بها
وللبائع الرجوع من غير شىء يلتزمه للزيادة وهذا حكم الزيادات في جميع الأبواب إلا الصداق فإن الزوج إذا طلق قبل الدخول لا يرجع في النصف الزائد إلا برضاها
الضرب الثاني الزيادات المنفصلة من كل وجه كالولد واللبن والثمرة فيرجع في الأصل وتبقى الزوائد للمفلس
فلو كان ولد الأمة صغيرا فوجهان
أحدهما أنه إن بذل قيمة الولد أخذه مع الأم وإلا فيضارب لامتناع التفريق
وأصحهما إن بذل قيمة الولد وإلا فيباعان ويصرف ما يخص الأم إلى البائع وما يخص الولد الى المفلس
وذكرنا وجهين فيما إذا وجد الأم معيبة وهناك ولد صغير أنه الرد وينتقل الى الأرش أو يحتمل التفريق للضرورة
وفيما إذا رهن الأم دون الولد أنهما يباعان معا أو يحتمل التفريق
ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق بل احتالوا في دفعه فيجوز أن يقال يجيء وجه التفريق هنا لكن لم يذكروه اقتصارا على الأصح ويجوز أن يفرق بأن مال المفلس مبيع كله مصروف إلى الغرماء فلا وجه لاحتمال التفريق مع إمكان المحافظة على جانب الراجع وكون ملك المفلس مزالا

قلت هذا الثاني هو الصواب وبه قطع الجمهور تصريحا وتعريضا وحكى صاحب الحاوي والمستظهري وغيرهما وجها غريبا ضعيفا أنه يجوز التفريق بينهما للضرورة كمسألة الرهن
وقالوا ليس هو بصحيح إذ لا ضرورة وفرقوا بما سبق فحصل أن دعوى الإمام الرافعي ليست بمقبولة
والله أعلم

فرع لو كان المبيع بذرا فزرعه فنبت أو بيضة فتفرخت في يده
فوجهان
أصحهما عند العراقيين وصاحب التهذيب يرجع فيه لأنه حدث من عين ماله أو هو عين ماله اكتسب صفة أخرى فأشبه الودي إذا صار نخلا
والثاني ليس له الرجوع لأن المبيع هلك وهذا شىء جديد إستجد إسما ويجري الوجهان في العصير إذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل ثم فلس
ولو اشترى زرعا أخضر مع الأرض ففلس وقد اشتد الحب فقيل بطرد الوجهين
وقيل القطع بالرجوع
الضرب الثالث الزيادات المتصلة من وجه دون وجه كالحمل
فإن حدث بعد الشراء وانفصل قبل الرجوع فحكمه ما سبق في الضرب الثاني
وإن كانت حاملا عند الشراء والرجوع جميعا فهو كالسمن فيرجع فيها حاملا
وإن كانت حاملا قبل الشراء وولدت قبل الرجوع ففي تعدي الرجوع إلى الولد قولان بناء على أن الحمل يعرف أم لا إن قلنا نعم وهو الأظهر رجع كما لو اشترى شيئين وإلا فلا وإن كانت حائلا عند الشراء حاملا عند الرجوع فقولان أظهرهما عند الجمهور يرجع فيها حاملا لأن الحمل تابع في البيع فكذا هنا
والثاني لا يرجع في الحمل فعلى هذا يرجع في الأم على الأصح
وقيل لا

بل يضارب
فإن قلنا يرجع في الأم فقط قال الشيخ أبو محمد يرجع فيها قبل الوضع
فإذا ولدت فالولد للمفلس
وقال الصيدلاني وغيره لا يرجع في الحال بل يصير إلى انفصال الولد ثم الإحتراز عن التفريق بين الأم والولد طريقه ما سبق
قلت قول الشيخ أبي محمد هو ظاهر كلام الأكثرين وصرح به صاحب الحاوي وغيره
قال صاحب الحاوي ولا يلزم تسليمها إلى البائع لحق المفلس ولا إقرارها في يد المفلس أو غرمائه لحق البائع في الأم ولا يجوز أخذ قيمة الولد فتوضع الأم عند عدل يتفقان عليه وإلا فيختار الحاكم عدلا
قال ونفقتها على البائع دون المفلس لأنه مالك الأم وسواء قلنا تجب نفقة الحامل لحملها أم لا
قال أصحابنا وحكم سائر الحيوانات الحائلة والحاملة حكم الجارية إلا أن في باقي الحيوانات يجوز التفريق بينهما وبين ولدها الصغير بخلاف الجارية
والله أعلم

فرع إستتار الثمار بالأكمة وظهورها بالتأبير قريبان من إستتار الجنين

وفيها الأحوال الأربع المذكورة في الجنين
أولها أن يشتري نخلا عليها ثمرة غير مؤبرة كانت عند الرجوع غير مؤبر أيضا
وثانيها أن يشتريها ولا ثمرة عليها ثم حدث بها ثمرة عند الرجوع مؤبرة أو مدركة أو مجذوذة فحكمها ما ذكرناه في الحمل
وثالثها إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة فطريقان
أحدهما أن أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملا عند البيع ووضعت عند الرجوع
والثاني القطع بأخذها لأنها

وإن كانت مستترة فهي شاهدة موثوق بها قابلة للأفراد بالبيع وكانت أحد مقصودي البيع فرجع فيها رجوعه في النخيل
ورابعها إذا كانت النخلة عند الشراء غير مطلعة وأطلعت عند المشتري وكانت يوم الرجوع غير مؤبرة فقولان
أظهرهما وهو رواية المزني وحرملة يأخذ الطلع مع النخل لأنه تبع في البيع فكذا هنا
والثاني لا يأخذه وهو رواية الربيع لأنه يصح إفراده فأشبه المؤبرة
وقيل لا يأخذه قطعا
قال الشيخ أبو حامد وعلى هذا قياس الثمرة التي لم تؤبر
فحيث أزال الملك باختياره بعوض بيع ما لم يؤبر
وإن زال قهرا بعوض كالشفعة والرد بالعيب فالتبعية على هذين القولين
وإن زال بلا عوض باختيار أو قهر كالرجوع بهبة الولد ففيه أيضا القولان
وحكم باقي الثمرة وما يلتحق منها بالمؤبرة ومالا أوضحناه في البيع
فإذا قلنا برواية المزني فجرى التأبير والرجوع فقال البائع رجعت قبل التأبير فالثمار لي وقال المفلس بعده فالمذهب أن القول قول المفلس مع يمينه لأن الأصل عدم الرجوع حينئذ وبقاء الثمار له
قال المسعودي ويخرج قول أن القول قوله بلا يمين بناء على أن النكول ورد اليمين كالإقرار وأنه لو أقر لم يقبل إقراره
وفي قول القول قول البائع لأنه أعرف بتصرفه
قلت ينبغي أن يجيء قول أن القول قول السابق بالدعوى
وقول أنهما إن اتفقا على وقت التأبير واختلفا في الفسخ فقول المفلس
وإن اتفقا على وقت الفسخ واختلفا في التأبير فقول البائع كالقولين في إختلاف الزوجين في انقضاء العدة والرجعة والإسلام
قال صاحب الشامل وغيره وكذا لو قال البائع بعتك بعد التأبير فالثمرة لي
وقال المشتري قبله فالقول قول البائع مع يمينه وقد ذكرت هذه المسألة في اختلاف المتبايعين
والله أعلم

فإذا حلف المفلس حلف على نفي العلم بسبق الرجوع على التأبير لا على نفي السبق
قلت فلو أقر البائع أن المفلس لا يعلم تاريخ الرجوع سلمت الثمرة للمفلس بلا يمين لأنه يوافقه على نفي علمه قاله الإمام
والله أعلم
فإن حلف بقيت الثمار له
وإن نكل فهل للغرماء أن يحلفوا فيه الخلاف السابق فيما إذا ادعى المفلس شيئا ولم يحلف
فإن قلنا لا يحلفون وهو المذهب أو يحلفون فنكلوا عرضت اليمين على البائع فإن نكل فهو كما لو حلف المفلس
وإن حلف فإن جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبينة فالثمرة له
وإن جعلناها كالإقرار فعلى القولين في قبول إقرار المفلس في مزاحمة المقر له الغرماء
فإن لم يقبله صرفت الثمار إلى الغرماء
فإن فضل شىء أخذه البائع بحلفه السابق
هذا إذا كذب الغرماء البائع كما كذبه المفلس
فإن صدقوه لم يقبل قولهم على المفلس بل إذا حلف بقيت الثمار له وليس لهم طلب قسمتها لأنهم يزعمون أنها للبائع وليس له التصرف فيها للحجر واحتمال أن يكون له غريم آخر لكن له إجبارهم على أخذها إن كانت من جنس حقهم أو إبراء ذمته من ذلك القدر هذا هو الصحيح كما لو جاء المكاتب بالنجم فقال السيد غصبته فيقال خذه أو أبرئه عنه
وفي وجه لا يجبرون بخلاف المكاتب لأنه يخاف العود إلى الرق إن لم يأخذه وليس على المفلس كبير ضرر
وإذا أجبروا على أخذها فللبائع أخذها منهم لإقرارهم
وإن لم يجبروا وقسمت أمواله فله طلب فك الحجر إذا قلنا لا يرتفع بنفسه
ولو كانت من غير جنس حقوقهم فبيعت وصرف ثمنها إليهم تفريعا على الإجبار لم يتمكن

البائع من أخذه منهم بل عليهم رده إلى المشتري
فإن لم يأخذه فهو مال ضائع
قلت هذا هو الصحيح المعروف
وفي الحاوي وجه شاذ أنه يجب عليهم دفع الثمن إلى البائع لأنه بدل الثمرة فأعطى حكمها والصواب ما سبق
والله أعلم
ولو كان في المصدقين عدلان شهدا للبائع بصيغة الشهادة وشرطها أو عدل وحلف معه البائع قضي له
كذا أطلق الشافعي رضي الله عنه وجماهير الأصحاب وأحسن بعض الشارحين للمختصر فحمله على ما إذا شهدا قبل تصديق البائع
ولو صدق بعض الغرماء البائع وكذبه بعضهم فللمفلس تخصيص المكذبين بالثمرة
فلو أراد قسمتها على الجميع فوجهان
قال أبو إسحق له ذلك كما لو صدقه الجميع
وقال الأكثرون لا لأن المصدق يتضرر لكون البائع يأخذ منه ما أخذ والمفلس لا يتضرر بعدم الصرف إليه لإمكان الصرف إلى من كذب بخلاف ما إذا صدقه الجميع
وإذا صرف إلى المكذبين ولم يف بحقوقهم ضاربوا المصدقين في باقي الأموال ببقية دينهم مؤاخذة لهم على الأصح المنصوص وفي وجه بجميع ديونهم لأن زعم المصدقين أن شيئا من ديون المكذبين لم يتأد
هذا كله إذا كذب المفلس البائع فلو صدقه نظر إن صدقه الغرماء أيضا قضي له
وإن كذبوه وزعموا أنه أقر بمواطأة فعلى القولين بإقراره بعين أو دين
إن قلنا لا يقبل فللبائع تحليف الغرماء أنهم لا يعرفون رجوعه قبل التأبير على المذهب
وقيل في تحليفهم القولان في حلف الغرماء على الدين وهو ضعيف لأن اليمين هنا توجهت عليهم إبتداء وهناك ينوبون عن المفلس
واليمين لا تجري فيها النيابة
قلت وليس للغرماء تحليف المفلس لأن المقر لا يمين عليه فيما أقر به قاله في الحاوي وغيره
والله أعلم

فرع الإعتبار في إنفصال الجنين وتأبير الثمار بحال الرجوع دون الحجر
لأن ملك المفلس باق إلى أن يرجع البائع
فصل متى رجع البائع في الشجر وبقيت الثمار للمفلس فليس له قطعها
بل عليه إبقاؤها إلى الجداد وكذا لو رجع في الأرض وهي مزروعة بزرع المفلس يترك إلى الحصاد كما لو اشترى أرضا مزروعة لم يكن له تكليف البائع قلعه
ثم إذا أبقي الزرع فلا أجرة على المذهب
وحكي قول مخرج مما لو بنى أو غرس فإن للبائع الإبقاء بأجرة ثم الكلام في طلب الغرماء والمفلس القطع أو الجداد والحصاد على ما سبق
فرع متى ثبت الرجوع في الثمار بالتصريح ببيعها مع الشجر أو قلنا
به في الحالة الثالثة والرابعة فتلفت الثمار بجائحة أو أكل أو غيرهما ثم فلس أخذ البائع الشجر بحصتها من الثمن وضارب بحصة الثمر فتقوم الشجر وعليها الثمر فيقال مثلا قيمتها مائة وتقوم وحدها فيقال تسعون فيضارب بعشر الثمن
فإن حصل في قيمتها إنخفاض أو ارتفاع فالصحيح أن الإعتبار في الثمار بالأقل من قيمتي يومي العقد والقبض لأنها إن كانت يوم القبض أكثر فالنقص قبله كان من ضمان البائع فلا يحسب على المشتري
وإن كانت يوم العقد أقل فالزيادة ملك المشتري وتلفت

فلا حق للبائع فيها
وفي وجه شاذ يعتبر يوم القبض
وأما الشجر ففيها وجهان
أحدهما يعتبر أكثر القيمتين لأن المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع فنقصه عليه وزيادته للمشتري فيأخذ بالأكثر ليكون النقص محسوبا عليه
كما أن في الثمرة الباقية على المشتري يعتبر الأقل ليكون النقص محسوبا عليه
والثاني يعتبر يوم العقد قل أم كثر لأن ما زاد بعده فهو من الزيادات المتصلة وعين الأشجار باقية فيفوز بها البائع ولا يحسب عليه
وهذا الثاني هو المنقول في التهذيب والتتمة وبالأول جزم الصيدلاني وغيره وصححه الغزالي
مثل ذلك قيمة الشجر يوم البيع عشرة وقيمة الثمر خمسة
فلو لم تختلف القيمة لأخذ الشجرة بثلثي الثمن وضارب للثمرة بالثلث
وإن زادت قيمة الثمرة وكانت يوم القبض عشرة فعلى الصحيح هو كما لو كانت بحالها إعتبارا لأقل قيمتها
وعلى الشاذ يضارب بنصف الثمن
ولو نقصت وكانت يوم القبض درهمين ونصفا ضارب بخمس الثمن
فلو زادت قيمة الشجر أو نقصت فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها
وعلى الأول كذلك إن نقصت
وإن زادت فكانت خمسة عشر ضارب بربع الثمن
قال الإمام وإذا اعتبرنا في الثمار أقل القيمتين فتساوتا ولكن بينهما نقص
فإن كان لمجرد انخفاض السوق فلا عبرة به
وإن كان لعيب طرأ وزال فكذلك على الظاهر
كما أنه يسقط بزواله حق الرد بالعيب
وإن لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق فالذي أراه إعتبار قيمته يوم العيب لأن النقص من ضمان البائع والإرتفاع بعده في ملك المشتري فلا يجبره
قال وإذا اعتبرنا في الشجر أكثر القيمتين فكانت قيمته يوم العقد مائة ويوم القبض مائة وخمسين ويوم رجوع البائع مائتين فالوجه القطع باعتبار المائتين
ولو كانت قيمتها يومي العقد والقبض ما ذكرناه ويوم الرجوع مائة اعتبر يوم الرجوع لأن ما طرأ من زيادة ونقص وزال

ليس ثابتا يوم العقد حتى يقول إنه وقت المقابلة ولا يوم أخذ البائع ليحسب عليه

فرع سبيل التوزيع في كل صورة تلف فيها أحد الشيئين المبيعين واختلفت
القيمة وأراد الرجوع إلى الباقي على ما ذكرناه في الأشجار والثمار بلا فرق
النوع الثانيمن الزيادات ما التحق بالمبيع من خارج وينقسم إلى عين محضة وصفة محضة ومركب منهما
الضرب الأول العين المحضة ولها حالان
أحدهما أن تكون قابلة للتمييز عن المبيع كمن اشترى أرضا فغرس فيها أو بنى ثم فلس قبل أداء الثمن فإذا اختار البائع الرجوع في الأرض نظر إن اتفق الغرماء والمفلس على القلع وتسليم الأرض بيضاء رجع فيها وقلعوا وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء ليتملكها مع الأرض
وإذا قلعوا وجب تسوية الحفر من مال المفلس وإن حدث في الأرض نقص بالقلع وجب أرشه في ماله
قال الشيخ أبو حامد يضارب به
وفي المهذب والتهذيب أنه يقدم به لأنه لتخليص ماله
وإن قال المفلس يقلع
وقال الغرماء نأخذ القيمة من البائع ليتملكه أو بالعكس أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء أجيب من في قوله المصلحة
فإن امتنعوا جميعا من القلع لم يجبروا لأنه غير متعد
ثم ينظر إن رجع على أن يتملك البناء والغراس بقيمتهما أو يقلع ويغرم أرش النقص فله ذلك لأنه يندفع به الضرر من الجانبين والإختيار فيهما إليه وليس للغرماء والمفلس الإمتناع بخلاف ما سبق في الزرع لأن له أمدا قريبا
وإن أراد الرجوع في الأرض وحدها لم يكن له ذلك على الأظهر لأنه ينقض قيمة البناء والغراس ويضرهم والضرر لا يزال بالضرر
وفي قول له ذلك كما لو صبغ المشتري الثوب

ثم فلس يرجع البائع في الثوب فقط
وقيل إن كانت الأرض كثيرة القيمة والبناء والغراس مستحقرين بالإضافة إليها كان له ذلك
وإن كان عكسه فلا إتباعا للأقل الأكثر
وقيل إن أراد الرجوع في البياض المتخلل بين البناء والشجر ويضارب للباقي بقسطه من الثمن كان له
وإن أراد الرجوع في الجميع فلا فإن قلنا بالأظهر فالبائع يضارب بالثمن أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة أرش النقص
وإن مكناه من الرجوع فيها فوافق الغرماء والمفلس وباع الأرض معهم حين باعوا البناء فذاك
وطريق التوزيع ما سبق في الرهن
وإن امتنع لم يجبر على الأظهر وإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس بقي للبائع ولاية التملك بالقيمة والقلع مع الأرش وللمشتري الخيار في البيع إن كان جاهلا بحال ما اشتراه هذا الذي ذكرناه في هذا الضرب هو الذي قطع به الجماهير في الطرق كلها وهو الصواب المعتمد
وذكر إمام الحرمين في المسألة أربعة أقوال
أحدها لا رجوع بحال
والثاني تباع الأرض والبناء رفقا بالمفلس
والثالث يرجع في الأرض ويتخير بين ثلاث خصال تملك البناء والغراس بالقيمة وقلعهما مع إلتزام أرش النقص وإبقاؤهما بأجرة المثل يأخذها من ملكهما
وإذا عين خصلة فاختار الغرماء والمفلس غيرها أو امتنعوا من الكل فوجهان في أنه يرجع إلى الأرض ويقلع مجانا أو يجبرون على ما عينه
والرابع إن كانت قيمة البناء أكثر فالبائع فاقد عين ماله
وإن كانت قيمة الأرض أكثر فواجد
هذا نقل الإمام وتابعه الغزالي وأصحابه على الأقوال الثلاثة الأول وهذا النقل شاذ منكر لا يعرف وليت شعري من أين أخذت هذه الأقوال فرع إشترى الأرض من رجل والغراس من آخر وغرسه فيها ثم فلس فلكل

الرجوع إلى عين ماله
فإن رجعا وأراد صاحب الغراس القلع مكن وعليه تسوية الحفر وأرش نقص الأرض إن نقصت
وإن أراده صاحب الأرض فكذلك إن ضمن أرش النقص وإلا فوجهان
أحدهما المنع لأنه غرس محترم كغرس المفلس
والثاني له لأنه باع الغرس مفردا فيأخذه كذلك
الحال الثاني أن لا تكون الزيادة قابلة للتمييز كخلط ذوات الأمثال بعضها ببعض فإذا اشترى صاع حنطة أو رطل زيت فخلطه بحنطة أو زيت ثم فلس فإن كان مثله فللبائع الفسخ وتملك صاع من المخلوط وطلب القسمة
وإن طلب البيع فهل يجاب وجهان
أصحهما لا كما لا يجاب الشريك
والثاني نعم لأنه لا يصل بالقسمة إلى عين حقه ويصل بالبيع إلى بدل حقه وقد يكون له غرض
وإن كان المخلوط أردأ من المبيع فله الفسخ والرجوع في قدر حقه من المخلوط
وفي كيفيته وجهان
أحدهما يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين لأنه لو أخذ صاعا نقص حقه
ولو أخذ أكثر حصل الربا
فعلى هذا إن كان المبيع يساوي درهمين والمخلوط به درهما قسم الثمن أثلاثا
وأصحهما ليس له إلا أخذ صاع أو المضاربة لأنه نقص حصل في المبيع كتعيب العبد
وخرج قول أن الخلط بالمثل والأردأ يمنع الرجوع وليس بشىء
وإن كان المخلوط به أجود فأقوال
أظهرها ليس له الرجوع بل يضارب بالثمن
والثاني يرجع ويباعان ثم يوزع الثمن على نسبة القيمة
والثالث يوزع نفس المخلوط بينهما باعتبار القيمة
فإذا كان المبيع يساوي درهما والمخلوط به درهمين أخذ ثلثي صاع وهذا القول أضعفها وهو رواية البويطي والربيع

فرع قال الإمام إذا قلنا الخلط يلحق المبيع بالمفقود فكان أحد الخليطين
كثيرا

والآخر قليلا لا تظهر به زيادة في الحس ويقع مثله بين الكيلين فإن كان الكثير للبائع فالوجه القطع بكونه واجدا عين ماله وإن كان الكثير للمشتري فالظاهر كونه فاقدا

فرع لو كان المخلوط به من غير جنس المبيع كالزيت بالشيرج فلا
بل هو كالتالف وفيه احتمال للإمام
الضرب الثاني الصفة المحضة
فإذا اشترى حنطة فطحنها أو ثوبا فقصره أو خاطه بخيوط من نفس الثوب ثم فلس فللبائع الرجوع فيه
ثم إن لم تزد قيمته فلا شركة للمفلس وإن نقصت فلا شىء للبائع غيره وإن زادت فقولان
أحدهما أن هذه الزيادة أثر ولا شركة للمفلس لأنها صفات تابعة كسمن الدابة بالعلف وكبر الودي بالسقي
وأظهرهما أنها عين والمفلس شريك بها لأنها زيادة بفعل محترم متقوم ويجري القولان فيما لو اشترى دقيقا فخبزه أو لحما فشواه أو شاة فذبحها أو أرضا فضرب من ترابها لبنا أو عرصة وآلات البناء فبنى بها دارا
أما تعليم العبد القرآن والحرفة والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة فالأصح أنها على القولين
وقيل هي أثر قطعا كالسمن
وضبط صور القولين أن يصنع به ما يجوز الإستئجار عليه فيظهر به أثر فيه
وإنما اعتبرنا الأثر لأن حفظ الدابة وسياستها يجوز الإستئجار عليه ولا تثبت به مشاركة للمفلس لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدابة
فإن قلنا أثر أخذ البائع المبيع بزيادته
وإن قلنا عين بيع وللمفلس بنسبة ما زاد في قيمته
مثاله قيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة فللمفلس سدس الثمن
فلو ارتفعت القيمة

أو انخفضت بالسوق فالزيادة والنقص بينهما على هذه النسبة
فلو ارتفعت قيمة الثوب دون القصارة بأن صار مثل ذلك الثوب يساوي غير مقصور ستة ومقصورا سبعة فللمفلس سبع الثمن فقط
فلو زادت قيمة القصارة دون الثوب بأن كان مثل هذا الثوب يساوي مقصورا سبعة وغير مقصور خمسة فللمفلس سبعان من الثمن
وعلى هذا القياس
ويجوز للبائع أن يمسك المبيع ويمنع من بيعه ويبذل للمفلس حصة الزيادة كذا نقل في التهذيب وغيره كما تبذل قيمة البناء والغراس
ومنعه في التتمة لأن الصفة لا تقابل بعوض
قلت الأصح نقل صاحبا التهذيب وبه قطع صاحب الشامل والبيان
وقال صاحب الحاوي ولا يسلم هذا الثوب إلى البائع ولا المفلس ولا الغرماء بل يوضع عند عدل حتى يباع كالجارية الحامل
والله أعلم

فرع إذا استأجر المفلس أو غيره على القصارة أو الطحن فعمل الأجير
عمله فهل له حبس الثوب المقصور والدقيق لاستيفاء الأجرة إن قلنا القصارة وما في معناها أثر فلا
وإن قلنا عين فنعم
كما للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن وبه قال الأكثرون
قلت هكذا أطلق المسألة كثيرون أو الأكثرون ونص الشافعي رضي الله عنه في الأم والشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهم على أنه ليس للأجير حبسه ولا لصاحب الثوب أخذه بل يوضع عند عدل حتى يوفيه الأجرة أو يباع لهما
وهذا الذي قالوه ليس مخالفا لما سبق
فإن جعله عند العدل حبس
لكن ظاهر كلام الأكثرين أن الأجير يحبسه في يده
والله أعلم

الضرب الثالث ما هو عين من وجه وصفة من وجه كصبغ الثوب ولت السويق وشبههما
فإذا اشترى ثوبا وصبغه فإن نقصت القيمة أو لم تزد فحكمه ما سبق في الضرب الثاني
وإن زادت فقد تزيد بقدر قيمة الصبغ أو أقل أو أكثر
الحال الأول مثل أن يكون الثوب يساوي أربعة والصبغ درهمين وصارت قيمته مصبوغا ستة فللبائع أن يفسخ البيع في الثوب ويكون المفلس شريكا له في الصبغ فيباع ويكون الثمن بينهما أثلاثا
وهل يقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس أو يقول يشتركان فيهما جميعا بالأثلاث لتعذر التمييز كخلط الزيت فيه وجهان
الحال الثاني مثل أن تصير قيمته مصبوغا خمسة فالنقص محال على الصبغ لأنه هالك في الثوب والثوب بحاله فيباع وللبائع أربعة أخماس الثوب وللمفلس خمس
الحال الثالث مثل أن تصير قيمته مصبوغا ثمانية فالزيادة حصلت بصنعة الصبغ
فإن قلنا الصنعة عين فالزيادة مع الصبغ للمفلس فيجعل الثمن بينهما نصفين
وإن قلنا أثر فوجهان
أحدهما يفوز البائع بالزيادة فله ثلاثة أرباع الثمن وللمفلس ربع
وأصحهما وبه قال الأكثرون يكون للبائع ثلثا الثمن وللمفلس ثلثه لأن الصنعة اتصلت بهما فوزعت عليهما
ولو صارت قيمته مصبوغا ستة عشر مثلا أو رغب فيه رجل فاشتراه ففي كيفية القسمة هذه الأوجه الثلاثة
ثم ما يستحقه المفلس من الثمن للبائع دفعه ليخلص له الثوب مصبوغا
ومنع ذلك صاحب التتمة كما سبق
هذا كله إذا صبغه بصبغ نفسه
أما إذا اشترى ثوبا وصبغا من رجل فصبغه به ثم فلس فللبائع الرجوع فيهما إلا أن تكون قيمته بعد الصبغ كقيمة الثوب قبل الصبغ أو دونها فيكون فاقدا للصبغ
فإن زادت القيمة بأن كانت قيمة الثوب أربعة والصبغ درهمين

فصارت مصبوغا ثمانية وقلنا الصنعة أثر أخذه ولا شىء للمفلس
وإن قلنا عين فالمفلس شريك بالربع
ولو اشترى الثوب من واحد بأربعة وهي قيمته والصبغ من آخر بدرهمين وهما قيمته وصبغه وأراد البائعان الرجوع فإن كان مصبوغا لا يزيد على أربعة فصاحب الصبغ فاقد ماله وصاحب الثوب واجد ماله بكماله إن لم ينقص عن أربعة وناقصا إن نقص
فإن زاد على أربعة فصاحب الصبغ أيضا واجد ماله بكماله إن بلغت الزيادة درهمين وناقصا إن لم تبلغهما
وإن كانت قيمته مصبوغا ثمانية فإن قلنا الصنعة أثر فالشركة بين البائعين كهي بين البائع والمفلس إذا صبغه بصبغ نفسه
وإن قلنا عين فنصف الثمن لبائع الثوب وربعه لبائع الصبغ والربع للمفلس
ولو اشترى صبغا وصبغ به ثوبا له فللبائع الرجوع إن زادت قيمته مصبوغا على ما كانت قبل الصبغ وإلا فهو فاقد
وإذا رجع فالقول في الشركة بينهما كما سبق
قلت وإذا شارك ونقصت حصته عن ثمن الصبغ فوجهان
أصحهما وهو قول أكثر الأصحاب على ما حكاه صاحب البيان أنه إن شاء قنع به ولا شىء له غيره وإن شاء ضارب بالجميع
والثاني له أخذه والمضاربة بالباقي
وبهذا قطع في المهذب والشامل والعدة وغيرها
والله أعلم

فرع حكم صبغ الثوب كالبناء والغراس

فلو قال المفلس والغرماء نقلعه ونغرم نقص الثوب قال ابن كج لهم ذلك
فرع ما ذكرناه من القطع بالشركة بالصبغ إذا لم يحصل هو على
سواء

أمكن تمييز الصبغ من الثوب أو صار مستهلكا
وفي وجه إذا صار مستهلكا صار كالقصارة في أنه عين أم أثر

فرع إذا اشترى ثوبا واستأجر قصارا فقصره ولم يوفه أجرته حتى فلس
فإن قلنا القصارة أثر فليس للأجير إلا المضاربة بالأجرة وللبائع الرجوع في الثوب مقصورا ولا شىء عليه لما زاد
وقال صاحب التلخيص عليه أجرة القصار فكأنه استأجره
وغلطه الأصحاب فيه
وإن قلنا عين نظر إن لم تزد قيمته مقصورا على ما قبل القصارة فالأجير فاقد عين ماله
وإن زادت فلكل من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله
فلو كانت قيمة الثوب عشرة والأجرة درهم والثوب المقصور يساوي خمسة عشر بيع
وللبائع عشرة وللأجير درهم والباقي للمفلس
ولو كانت الأجرة تساوي خمسة دراهم والثوب بعد القصارة يساوي أحد عشر فإن فسخ الأجير الإجارة فعشره للبائع ودرهم للأجير ويضارب بأربعة
وإن لم يفسخ فعشرة للبائع ودرهم للمفلس ويضارب الأجير بالخمسة
وحكى في الوسيط وجها أنه ليس للأجير إلا القصارة الناقصة أو المضاربة كما هو قياس الأعيان
ولم أر هذا النقل لغيره فالمعتمد ما سبق
ولو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجر صباغا صبغه بصبغ قيمته درهم فصارت قيمته خمسة عشرة فالأربعة الزائدة حصلت بالصنعة فيجري فيها القولان في أنها عين أو أثر
فإن رجع البائع والصباغ بيع بخمسة عشر وقسم على أحد عشر إن قلنا أثر
وإن قلنا عين فلهما أحد عشر والأربعة للمفلس
ولو كانت بحالها وبيع بثلاثين قال ابن الحداد للبائع عشرون وللصباغ درهمان وللمفلس ثمانية

وقال غيره يقسم الجميع على أحد عشر عشرة للبائع ودرهم للصباغ ولا شىء للمفلس
قال أبو علي الأول جواب على قولنا عين
والثاني على أنها أثر
ولو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجره على قصارته بدرهم وصارت قيمته مقصورا خمسة عشر فبيع بثلاثين قال الشيخان أبو محمد والصيدلاني وغيرهما تفريعا على العين إنه يتضاعف حق كل منهم كما قاله ابن الحداد في الصبغ
قال الإمام ينبغي أن يكون للبائع عشرون وللمفلس تسعة وللقصار درهم كما كان ولا يزيد حقه لأن القصارة غير مستحقة للقصار
وإنما هي مرهونة بحقه وهذا استدراك حسن

فرع لو قال الغرماء للقصار خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء صاحب الثوب
أجبر على الأصح كالبائع إذا قدمه الغرماء بالثمن فكأن هذا القائل يعطي القصارة حكم العين من كل وجه
فصل لو أخفى المديون بعض ماله ونقص الموجود عن دينه فحجر عليه
أصحاب الأمتعة فيها وقسم باقي ماله بين غرمائه ثم علمنا إخفاءه لم ينقص شىء من ذلك لأن للقاضي بيع مال الممتنع وصرفه في دينه
والرجوع في عين المبيع بامتناع المشتري من أداء الثمن مختلف فيه
فإذا حكم به نفذ كذا قاله في التتمة وفيه توقف لأن القاضي ربما لا يعتقد جواز ذلك

فصل من له الفسخ بالإفلاس
لو ترك الفسخ على مال لم يثبت المال
فإن كان جاهلا بجوازه ففي بطلان حقه من الفسخ وجهان كما سبق في الرد بالعيب

كتاب
الحجر هو نوعان
حجر شرع لغيره وحجر لمصلحة نفسه
الأول خمسة أضرب
حجر الراهن لحق المرتهن وحجر المفلس لحق الغرماء وحجر المريض للورثة وحجر العبد لسيده وكذا المكاتب لسيده ولله تعالى
وخامسها حجر المرتد لحق المسلمين
وهذه الأضرب خاصة لا تعم التصرفات بل يصح من هؤلاء المحجورين الإقرار بالعقوبات وكثير من التصرفات وهي مذكورة في أبوابها
النوع الثاني ثلاثة أضرب
أحدها حجر المجنون ويثبت بمجرد الجنون ويرتفع بالافاقة وتنسلب به الولايات واعتبار الأقوال كلها
ومن عامله أو أقرضه فتلف المال عنده أو أتلفه فمالكه هو المضيع
وما دام باقيا يجوز استرداده
والثاني حجر الصبي
قال في التتمة ومن له أدنى تمييز ولم يكمل عقله فهو كالصبي المميز
وتدبيره ووصيته يأتي بيانهما إن شاء الله تعالى
وقد سبق إذنه في الدخول وحمله الهدية
والثالث حجر السفيه المبذر والضرب الأول أعم من الثاني
والثاني أعم من الثالث
ومقصود الكتاب هذه الأضرب والثالث معظم المقصود
فصل فيما يزول به حجر الصبي قال جماعة ينقطع حجر الصبي بالبلوغ
رشيدا
ومنهم من يقول حجر الصبي

ينقطع بمجرد البلوغ وليس هذا اختلافا محققا بل من قال بالأول أراد الإطلاق الكلي ومن قال بالثاني بالحجر أراد الحجر المخصوص بالصبي وهذا أولى لأن الصبي سبب مستقل بالحجر وكذلك التبذير
وأحكامهما متغايرة
ومن بلغ مبذرا فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي
فرع للبلوغ أسباب
منها مشترك بين الرجال والنساء ومختص بالنساء
أما المشترك فمنه السن
فإذا استكمل المولود خمسة عشرة سنة قمرية فقد بلغ
وفي وجه يبلغ بالطعن في الخامسة عشرة وهو شاذ ضعيف
السبب الثاني خروج المني ويدخل وقت إمكانه باستكمال تسع سنين ولا عبرة بما ينفصل قبلها هذا هو الصحيح المعتمد
وفي وجه إنما يدخل بمضي نصف السنة العاشرة
وفي وجه باستكمال العاشرة
ولنا وجه أن المني لا يكون بلوغ في النساء لأنه نادر فيهن
وعلى هذا قال الإمام الذي يتجه عندي أنه لا يلزمها الغسل
وهذا الوجه شاذ وفيما قاله الإمام نظر
السبب الثالث إنبات العانة يقتضي الحكم بالبلوغ في الكفار
وهل هو حقيقة البلوغ أم دليله قولان
أظهرهما الثاني
فإن قلنا بالأول فهو بلوغ في المسلمين أيضا
وإن قلنا بالثاني فالأصح أنه ليس ببلوغ
قلت إختلف أصحابنا فيما يفتى به في حق المسلمين واختار الإمام الرافعي في المحرر أنه لا يكون بلوغا
والله أعلم

ثم المعتبر شعر خشن يحتاج في إزالته إلى حلق فأما الزغب والشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر فلا أثر له
وأما شعر الإبط واللحية والشارب فقيل كالعانة
وقيل لا أثر لها قطعا
وألحق صاحب التهذيب الإبط بالعانة دون اللحية والشارب
قلت ويجوز منبت عانة من احتجنا إلى معرفة بلوغه بها للضرورة هذا هو الصحيح
وقيل تمس من فوق حائل
يلصق بها شمع ونحوه ليعتبر بلصوقه به وكلاهما خطأ إذ يحتمل أنه حلقه أو نبت شىء يسير
والله أعلم
وأما ثقل الصوت ونهود الثدي ونتوء طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة فلا أثر لها على المذهب
وطرد في التتمة فيها الخلاف
وأما ما يختص بالنساء فاثنان
أحدهما الحيض فهو لوقت الإمكان بلوغ
والثاني الحبل فإنه مسبوق بالإنزال لكن لا نستيقن الولد إلا بالوضع
فإذا وضعت حكمنا بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشىء
فإن كانت مطلقة وأتت بولد يلحق الزوج حكمنا ببلوغها قبل الطلاق

فرع الخنثى المشكل إذا خرج من ذكره ما هو بصفة المني ومن
هو بصفة الحيض حكم ببلوغه على الأصح
لأنه ذكر أمنى أو أنثى حاضت
والثاني لا للتعارض
وإن وجد أحد الأمرين فقط أو أمنى وحاض بالفرج فقطع الجمهور بأنه ليس ببلوغ لجواز أن يظهر من الفرج الآخر ما يعارضه
والحق ما قاله

الإمام أنه ينبغي أن يحكم ببلوغه بأحدهما كما يحكم بذكورته وأنوثته
ثم إن ظهر خلافه غيرنا الحكم
قلت قال صاحب التتمة إذا أنزل الخنثى من ذكره أو خرج الدم من فرجه مرة لم يحكم ببلوغه
فإن تكرر حكم به
وهذا الذي قاله حسن وإن كان غريبا
والله أعلم

فرع وأما الرشد فقد قال الشافعي رضي الله عنه هو إصلاح الدين
والمراد بالصلاح في الدين أن لا يرتكب محرما يسقط العدالة وفي المال أن لا يبذر
فمن التبذير تضييع المال بإلقائه في البحر أو احتمال الغبن الفاحش في المعاملات ونحوها وكذا الإنفاق في المحرمات
وأما الصرف في الأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله فقال الإمام والغزالي هو تبذير
وقال الأكثرون لا لأن المال يتخذ لينتفع فيه ويلتذ
وكذا القول في التجمل بالثياب الفاخرة والإكثار من شراء الجواري والإستمتاع بهن وما أشبه ذلك
وأما الصرف إلى وجوه الخير كالصدقات وفك الرقاب وبناء المساجد والمدارس وشبه ذلك فليس بتبذير فلا سرف في الخير كما لا خير في السرف
وقال الشيخ أبو محمد إن بلغ الصبي وهو مفرط بالإنفاق في هذه الوجوه فهو مبذر
وإن عرض ذلك بعد بلوغه مقتصدا لم يصر مبذرا والمعروف للأصحاب ما سبق
وبالجملة التبذير على ما نقله معظم الأصحاب محصور في التضييعات وصرفه في المحرمات

فرع لا بد من اختبار الصبي ليعرف حاله في الرشد وعدمه

ويختلف بطبقات الناس فولد التاجر يختبر في البيع والشراء والمماكسة فيهما وولد الزارع في أمر الزراعة والإنفاق على القوام بها والمحترف فيما يتعلق بحرفته والمرأة في أمر القطن والغزل وحفظ الأقمشة وصون الأطعمة عن الهرة والفأرة وشبهها من مصالح البيت
ولا تكفي المرة الواحدة في الإختبار بل لا بد من مرتين فأكثر بحيث يفيد غلبة الظن برشده
وفي وقت الإختبار
وجهان
أحدهما بعد البلوغ
وأصحهما قبله
وعلى هذا في كيفيته وجهان
أصحهما يدفع إليه قدر من المال ويمتحن في المماكسة والمساومة
فإذا آن الأمر إلى العقد عقد الولي
والثاني يعقد الصبي ويصح منه هذا العقد للحاجة
ولو تلف في يده المال المدفوع إليه للإختبار فلا ضمان على الولي
قلت والصبي الكافر كالمسلم في هذا الباب فيعتبر في صلاح دينه وماله ما هو صلاح عندهم وصرح به القاضي أبو الطيب وغيره
والله أعلم
فصل إن بلغ الصبي غير رشيد لاختلال صلاح الدين أو المال بقي
عليه ولم يدفع إليه المال
وفي التتمة وجه أنه إن بلغ مصلحا لماله دفع إليه وصح تصرفه فيه وإن كان فاسقا
وإن بلغ مفسدا لماله منع منه حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة وهذا الوجه شاذ ضعيف والصواب ما تقدم وعليه التفريع فيستدام الحجر عليه ويتصرف في ماله من كان يتصرف قبل بلوغه
وإن بلغ

رشيدا دفع إليه ماله
وهل ينفك الحجر بنفس البلوغ والرشد أم يحتاج إلى فك وجهان
أصحهما الأول لأنه لم يثبت بالحاكم فلم يتوقف عليه كحجر المجنون يزول بنفس الافاقة
والثاني يحتاج فعلى هذا ينفك بالقاضي أو الأب أو الجد
وفي الوصي والقيم وجهان
وعلى هذا لو تصرف قبل الفك فهو كتصرف من أنشىء عليه الحجر بالسفه الطارىء بعد البلوغ
ويجري الوجهان في الإحتياج فيما لو بلغ غير رشيد ثم رشد
وإذا حصل الرشد فلا فرق بين الرجل والمرأة وبين أن تكون مزوجة أو غيرها

فرع لو عاد التبذير بعدما بلغ رشيدا فوجهان

أحدهما يعود الحجر عليه بنفس التبذير كما لو جن
وأصحهما لا يعود لكن يعيده القاضي ولا يعيده غيره على الصحيح
وقال أبو يحيى البلخي يعيده الأب والجد كما يعيده القاضي
ولو عاد الفسق دون التبذير لم يعد الحجر قطعا ولا يعاد أيضا على المذهب لأن الأولين لم يحجروا على الفسقة بخلاف الإستدامة لأن الحجر كان ثابتا فبقي
وإذا حجر على من طرأ عليه السفه ثم عاد رشيدا فإن قلنا الحجر عليه لا يثبت إلا بحجر القاضي لم يرتفع إلا برفعه
وإذا قلنا يثبت بنفسه ففي زواله الخلاف السابق فيمن بلغ رشيدا
وأما الذي يلي أمر من حجر عليه للسفه الطارىء فهو القاضي إن قلنا لا بد من حجر القاضي
وإن قلنا يصير محجورا بنفس السفه فوجهان كالوجهين فيما إذا طرأ عليه الجنون بعد البلوغ أحدهما الأب ثم الجد كحال الصغر وكما لو بلغ مجنونا
والثاني القاضي لأن ولاية الأب زالت فلا تعود
والأول أصح في صورة الجنون والثاني أصح

في صورة السفه
وأعلم أن الغزالي صرح في الوسيط والوجيز بأن عود التبذير وحده لا أثر له وإنما المؤثر في عود الحجر أو إعادته عود الفسق والتبذير جميعا وليس كما قال بل الأصحاب متفقون على أن عود التبذير كاف في ذلك كما سبق
قلت أما الوجيز فهو فيه كما نقله عنه وكذا في أكثر نسخ الوسيط
وفي بعضها حذف هذه المسألة وإصلاحها على الصواب
وكذا وجد في أصل الغزالي وقد ضرب على الأول وأصلحه على الصواب
والله أعلم

فرع لو كان يغبن في بعض التصرفات خاصة فهل يحجر عليه حجر
ذلك النوع وجهان لبعد اجتماع الحجر بالسفه وعدمه في شخص
فرع الشحيح على نفسه جدا مع اليسار في الحجر عليه لينفق بالمعروف
وجهان أصحهما المنع
فصل فيما يصح من تصرفات المحجور عليه بالسفه وما لا يصح وفيه

الأولى لا تصح منه العقود التي هي مظنة الضرر المالي كالبيع والشراء والإعتاق والكتابة والهبة والنكاح وسواء اشترى بعين أو في الذمة
وفي

الشراء في الذمة وجه أنه يصح تخريجا من العبد وليس بشىء
وإذا باع وأقبض استرد من المشتري فإن تلف في يده ضمن
ولو اشترى وقبض أو استقرض فتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان لأن الذي أقبضه هو المضيع ويسترد وليه الثمن إن كان أقبضه
وسواء كان من عامله عالما بحاله أم جاهلا لتقصيره بالبحث عن حاله
ولا يجب على السفيه أيضا الضمان بعد فك الحجر لأنه حجر ضرب لمصلحته فأشبه الصبي لكن الصبي لا يأثم والسفيه يأثم لأنه مكلف
وفي وجه يضمن بعد فك الحجر إن كان أتلفه بنفسه وهو شاذ
قلت هذا إذا أقبضه البائع الرشيد
فأما إذا أقبضه السفيه بغير إذن البائع أو أقبضه البائع وهو صبي أو محجور عليه بسفه فإنه يضمنه بالقبض قطعا صرح به أصحابنا وفقهه ظاهر
والله أعلم
هذا كله إذا استقل بهذه التصرفات فأما إذا أذن له الولي فإن أطلق الإذن فهو لغو وإن عين تصرفا وقدر العوض فوجهان
أصحهما عند الغزالي الصحة كما لو أذن في النكاح فإنه يصح قطعا وإن كان بعضهم قد أشار إلى طرد الخلاف فيه
وأصحهما عند البغوي لا يصح كما لو أذن للصبي
قلت هذا الثاني أصح عند الأكثرين منهم الجرجاني والرافعي في المحرر وجزم به الروياني في الحلية
والله أعلم
ويجري الوجهان فيما لو وكله رجل بشىء من هذه التصرفات هل يصح عقده للموكل وفيما لو اتهب أو قبل الوصية لنفسه
قلت الأصح صحة إتهابه وبه قطع الجرجاني
والله أعلم

ولو أودعه إنسان شيئا فتلف عنده فلا ضمان عليه
وإن أتلفه فقولان كما لو أودع صبيا
المسألة الثانية لو أقر بدين معاملة لم يقبل سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو بعده كالصبي
وفيما إذا أسنده إلى ما قبل الحجر وجه أنه يصح تخريجا من المفلس على قول وليس شىء
ولو أقر بإتلاف أو جناية توجب المال لم يقبل على الأظهر كدين المعاملة
ثم ما رددناه من إقراره لا يؤاخذ به بعد فك الحجر
ولو أقر بما يوجب حدا أو قصاصا قبل
ولو أقر بسرقة توجب القطع قبل في القطع
وفي المال قولان كالعبد إذا أقر بالسرقة
هذا إن لم يقبل إقراره بالإتلاف
فإن قبلناه فهنا أولى
ولو أقر بقصاص وعفا المستحق على مال ثبت على الصحيح لأنه يتعلق باختيار غيره لا بإقراره
ولو أقر بنسب ثبت وينفق على الولد المستلحق من بيت المال
قلت كذا قال الأصحاب في كل طرقهم يقبل إقراره بالنسب وينفق عليه من بيت المال قطعا
وشذ الروياني فقال في الحلية يقبل إقراره بالنسب في أصح الوجهين وينفق عليه من ماله وهذا شاذ نبهت عليه لئلا يغتر به
ولو أقر بالإستيلاد لم يقبل
والله أعلم
ومن ادعى عليه دين معاملة قبل الحجر وأقام بينة سمعت فإن لم تكن بينة وقلنا النكول ورد اليمين كالبينة سمعت وإن قلنا كالإقرار فلا
الثالثة يصح طلاقه وخلعه وظهاره ورجعته ونفيه النسب باللعان وشبه ذلك إذ لا تعلق لها بالمال
ولو كان السفيه مطلقا مع حاجته إلى النكاح سري بجارية فإن تضجر منها أبدلت
الرابعة حكمه في العبادات كالرشيد لكن لا يفرق الزكاة بنفسه
ولو أحرم

بغير إذن الولي إنعقد إحرامه
فإن أحرم بحج تطوع وزاد ما يحتاج إليه في سفره على نفقته المعهودة ولم يكن له في طريقه كسب يفي بتلك الزيادة فللولي منعه
ثم المذهب وبه قطع الأكثرون أنه كالمحصر يتحلل بالصوم إذا قلنا لدم الإحصال بدل لأنه ممنوع من المال ونقل الإمام فيه وجهين هذا والثاني أن عجزه عن النفقة لا يلحقه بالمحصر بل هو كالمفلس الفاقد للزاد والراحلة لا يتحلل إلا بلقاء البيت
وإن لم يزد ما يحتاج إليه على النفقة المعهودة أو كان يكتسب في الطريق ما يفي بالزيادة لم يمنعه الولي بل ينفق عليه من ماله ولم يسلمه إليه بل إلى ثقة لينفق عليه في الطريق
وإن أحرم بحجة مفروضة كحجة الإسلام والنذر قبل الحجر لم ينفق عليه الولي كما ذكرنا
قال في التتمة وكالمنذورة بعد الحجر كالنذورة قبله إن سلكنا بالنذر مسلك واجب الشرع وإلا فهي كحجة التطوع
قلت ولو أفسد حجة المفروض بالجماع لزمه المضي فيه والقضاء
وهل يعطيه الولي نفقة القضاء وجهان
حكتهما الماوردي
والله أعلم
ولو نذر التصدق بعين مال لم يصح
وفي الذمة ينعقد
ولو حلف انعقدت بيمينه ويكفر عند الحنث بالصوم كالعبد
قلت وفيه وجه حكاه صاحب الحاوي والقاضي حسين والمتولي أنه يلزمه التكفير بالمال فيجب على الولي إخراج الكفارة من مال السفيه
قال القاضي فإن كثر حنثه لزمه الكفارة ولا يخرجها الولي ولا يصح صومه بل تبقى عليه حتى يعسر فيصوم إذا قلنا الإعتبار في الكفارة بحال الأداء
وإذا قلنا بالصحيح أن واجبه الصوم فلم يصم حتى فك حجره
قال الماوردي إن قلنا يعتبر في الكفارة حال الأداء لم يجزئه الصوم مع اليسار
وإن اعتبرنا حال الوجوب

ففي إجزاء الصوم وجهان لأنه كان من أهل الصوم إلا أنه كان موسرا
والله أعلم

فصل فيمن يلي أمر الصبي والمجنون وكيف يتصرف أما الذي يلي فهو
ثم الجد ثم وصيهما ثم القاضي أو من ينصبه القاضي
قلت وهل يحتاج الحاكم إلى ثبوت عدالة الأب والجد لثبوت ولايتهما وجهان حكاهما القاضي أبو الطيب والشاشي وآخرون
وينبغي أن يكون الراجح الإكتفاء بالعدالة الظاهرة
والله أعلم
ولا ولاية للأم على الأصح
وقال الأصطخري لها ولاية المال بعد الأب والجد وتقدم على وصيهما
وأما كيفية التصرف فالقول الجملي فيه كون التصرف على وجه النظر والمصلحة فيجوز للولي أن يشتري له العقار بل هو أولى من التجارة
فإن لم يكن فيه مصلحة لثقل الخراج أو جور السلطان أو إشراف الموضع على الخراب لم يجز
ويجوز أن يبني له الدور والمساكن ويبني بالآجر والطين دون اللبن والجص
قال الروياني جوز كثير من الأصحاب البناء على عادة البلد كيف كان
قال وهو الإختيار
ولا يبيع عقاره إلا لحاجته مثل أن لا يكون له ما يصرفه في نفقته وكسوته وقصرت غلته عن الوفاء بهما ولم يجد من يقرضه أو لم ير المصلحة في الاقتراض أو لغبطة مثل أن يكون ثقيل الخراج أو رغب فيه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن

ويجوز أن يبيع ماله نسيئة وبالعرض إذا رأى المصلحة فيه
وإذا باع نسيئة زاد على ثمنه نقدا وأشهد عليه وارتهن به رهنا وافيا
فإن لم يفعل ضمن كذا قاله الجمهور
وحكى الإمام وجهين في صحة البيع إذا لم يرتهن وكان المشتري مليئا وقال الأصح الصحة
ويشبه أن يذهب القائل بالصحة إلى أنه لا يضمن ويجوزه اعتمادا على ذمة المليء
وإذا باع الأب مال ولده لنفسه نسيئة لا يحتاج إلى رهن من نفسه لأنه أمين في حق ولده

فرع إذا باع الأب أو الجد عقار الطفل ورفع إلى القاضي سجل
ولم يكلفه إثبات الحاجة أو الغبطة بالبينة لأنه غير متهم
وفي بيع الوصي والأمين لا يسجل إلا إذا قامت البينة على الحاجة أو الغبطة
قلت وفي احتياج الحاكم إلى ثبوت عدالة الأب والجد ليسجل لهما وجهان حكاهما في البيان
والله أعلم
وإذا بلغ الصبي وادعى على الأب أو الجد بيع ماله بغير مصلحة فالقول قولهما مع اليمين
وإن ادعاه على الوصي أو الأمين فالقول قول المدعي في العقار وعليهما البينة
وفي غير العقار وجهان
أصحهما كالعقار
والفرق عسر الإشهاد في كل قليل وكثير يبيعه ومنهم من أطلق وجهين من غير فرق بين ولي وولي ولا بين العقار وغيره
ودعواه على المشتري من الولي كهي على الولي
فرع ليس للوصي بيع ماله لنفسه ولا بيع مال نفسه له وللأب
ذلك ولهما

بيع مال أحد الصغيرين للآخر
وهل يشترط أن يقول بعت واشتريت كما لو باع لغيره
أم يكفي أحدهما وجهان سبقا في البيع

فرع إذا اشترى الولي للطفل فليشتر من ثقة

وحيث أمر بالإرتهان لا يقوم الكفيل مقامه
فرع لا يستوفى القصاص المستحق له ولا يعفو ولا يعتق عبيده ولو
بعوض ولا يكاتبهم ولا يهب أمواله ولو بشرط الثواب ولا يطلق زوجته ولو بعوض
ولو باع شريكه شقصا مشفوعا أخذ أو ترك بحسب المصلحة
فإن ترك بحسب المصلحة ثم بلغ الصبي وأراد أخذه لم يمكن على الأصح كما لو أخذ للمصلحة ثم بلغ الصبي وأراد رده
والثاني يمكن لأنه لو كان بالغا كان له الأخذ
وإن خالف المصلحة والآخذ المخالف للمصلحة لم يدخل في ولايته فلا يفوت بتصرف الولي
قلت فإذا قلنا بالأصح فبلغ وادعى أنه ترك الشفعة من غير غبطة قال صاحب المهذب وغيره حكمه حكم بيع العقار
والله أعلم
فرع ليس للولي أخذ أجرة ولا نفقة من مال الصبي إن كان
كان فقيرا

وانقطع بسببه عن الكسب فله أخذ قدر النفقة
وفي التعليق أنه يأخذ أقل الأمرين من قدر النفقة وأجرة المثل
قلت هذا المنقول عن التعليق هو المعروف في أكثر كتب العراقيين ونقله صاحب البيان عن أصحابنا مطلقا وحكاه هو وغيره عن نص الشافعي رضي الله عنه وحكى الماوردي والشاشي وجها أنه يجوز أيضا للغني أن يأكل بقدر أجرته
والصحيح المعروف القطع بأنه لا يجوز للغني مطلقا
والله أعلم
والقول في أنه هل يستبد بالأخذ يأتي في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى
وهل عليه ضمان ما أخذه كالمضطر إذا أكل طعام الغير أم لا كالإمام إذا أخذ الرزق من بيت المال فيه قولان
قلت أظهرهما لاضمان لظاهر القرآن ولأنه بدل عمله
والله أعلم

فرع للولي أن يخلط ماله بمال الصبي ويؤاكله قال ابن سريج وللمسافرين
خلط أزوادهم وإن تفاوتوا في الأكل قال وهذا أولى بالجواز لأن كلا منهم من أهل المسامحة
قلت لا خلاف في جواز خلط المسافرين على الوجه المذكور بل هو مستحب ونقل صاحب البيان من أصحابنا أنه مستحب ذكره في باب الشركة ودلائله من الأحاديث الصحيحة كثيرة
والله أعلم
فرع يجب على الولي أن ينفق عليه ويكسوه بالمعروف ويخرج من أمواله
الزكاة وأروش الجنايات وإن لم تطلب ونفقة القريب بعد الطلب

فرع إن دعت ضرورة حريق أو نهب إلى المسافرة بماله سافر
كان الطريق مخوفا لم يسافر به وإن كان آمنا فوجهان
أصحهما الجواز لأن المصلحة قد تقتضي ذلك والولي مأمور بالمصلحة بخلاف المودع
والثاني المنع وبه قطع العراقيون كالوديعة
قلت لو سافر به في البحر لم يجز إن كان مخوفا وكذا إن كانت سلامته غالبة على المذهب وبه قطع القاضي حسين ونقله الإمام عن معظم الأصحاب
وقيل يجوز إن أوجبنا ركوبه للحج
والله أعلم
ثم إذا أجاز له المسافرة به جاز أن يبعثه مع أمين
فرع ليس لغير القاضي إقراض مال الصبي إلا عند ضرورة نهب أو
ونحوه أو إذا أراد سفرا
ويجوز للقاضي الإقراض وإن لم يكن شىء من ذلك لكثرة أشغاله
وفي وجه القاضي كغيره
ولا يجوز إيداعه مع إمكان الإقراض على الأصح فإن عجز عنه فله الإيداع
ويشترط فيمن يودعه الأمانة وفي من يقرضه الأمانة واليسار
وإذا أقرض ورأى أن يأخذ به رهنا أخذه وإلا تركه
قلت يستحب للحاكم إذا حجر على السفيه أن يشهد على حجره
وإن رأى أن ينادي عليه في البلد نادى مناديه ليتجنب الناس معاملته
وحكى في الحاوي والمستظهري عن أبي علي ابن أبي هريرة وجها أنه يجب الإشهاد وهو شاذ
وإذا كان للصبي أو السفيه كسب أجبره الولي على الإكتساب ليرتفق

به في النفقة وغيرها حكاه في البيان
ولو وجب للسفيه قصاص فله أن يقتص ويعفو
فإن عفا على مال صح ووجب دفع المال إلى وليه
وإن عفا مطلقا أو على غير مال فإن قلنا القتل يوجب أحد الأمرين القصاص أوالدية وجبت الدية لأن عفوه عنها لا يصح وإن قلنا يوجب القصاص فقط سقط القصاص ولا مال
وإذا مرض المحجور عليه لسفه مرضا مخوفا لم يتغير حكمه وتصرفاته فيه كتصرفه في صحته
وحكى في الحاوي وجها أنه يغلب عليه حجر المرض فيصح عتقه من ثلثه وهذا شاذ ضعيف
والله أعلم

كتاب الصلح
فسره الأئمة بالعقد الذي تنقطع به خصومة المتخاصمين وليس هذا على سبيل الحد بل أرادوا ضربا من التعريف إشارة إلى أن هذه اللفظة تستعمل عند سبق المخاصمة غالبا ثم أدخل الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم في الباب التزاحم في المشترك كالشوارع ونحوها
وفي الكتاب ثلاثة أبواب
الأول في أحكام الصلح
وقد يجري بين المتداعيين وبين المدعي وأجنبي
والقسم الأول نوعان
أحدهما ما يجري على الإقرار وهو ضربان
أحدهما الصلح عن العين
وهو صنفان
أحدهما صلح المعاوضة وهو الذي يجري على غير العين المدعاة بأن ادعى عليه دارا فأقر له بها وصالحه منها على عبد أو ثوب فهذا الصنف حكمه حكم البيع وإن عقد بلفظ الصلح
وتتعلق به جميع أحكام البيع كالرد بالعيب والشفعة والمنع من التصرف قبل القبض واشتراط القبض في المجلس إن كان المصالح عليه والمصالح عنه متفقين في علة الربا واشتراط التساوي في معيار الشرع إن كان جنسا ربويا وجريان التحالف عند الإختلاف ويفسد بالغرر والجهل والشروط الفاسدة كفساد البيع
ولو صالحه منها على منفعة دار أو خدمة عبد مدة معلومة جاز ويكون هذا الصلح إجارة فتثبت فيه أحكام الإجارة
الصنف الثاني صلح الحطيطة وهو الجاري على بعض العين المدعاة كمن صالح من الدار المدعاة على نصفها أو ثلثها أو من العبدين على أحدهما فهذا هبة بعض المدعى لمن في يده فيشترط لصحته القبول ومضي مدة إمكان القبض
وفي اشتراط إذن جديد في قبضه الخلاف المذكور في كتاب الرهن

ويصح بلفظ الهبة وما هو في معناها
وفي صحته بلفظ الصلح وجهان
أحدهما لا لأن الصلح يتضمن المعاوضة
ومحال أن يقابل ملكه ببعضه
وأصحهما الصحة لأن الخاصية التي يفتقر إليها لفظ الصلح هي سبق الخصومة وقد حصلت
ولا يصح هذا الصنف بلفظ البيع

فرع الصلح يخالف البيع في صور

إحداها المسألة السابقة وهي إذا صالح صلح الحطيطة بلفظ الصلح فإنه يصح على الأصح
ولو كان بلفظ البيع لم يصح قطعا
الثانية لو قال من غير سبق خصومة بعني دارك بكذا فباع صح
ولو قال والحالة هذه صالحني عن دارك هذه بألف لم يصح على الأصح لأن لفظ الصلح لا يطلق إلا إذا سبقت خصومة وكأن هذا الخلاف فيما لو استعملا لفظ الصلح بلا نية
فلو استعملاه ونويا البيع كان كناية بلا شك وجرى فيه الخلاف في انعقاد البيع بالكناية
الثالثة لو صالح عن القصاص صح ولا مدخل للفظ البيع فيه
الرابعة قال صاحب التلخيص لو صالحنا أهل الحرب من أموالهم على شىء نأخذه منهم جاز ولا يقوم مقامه البيع واعترض عليه القفال بأن تلك المصالحة ليست مصالحة عن أموالهم وإنما نصالحهم ونأخذ منهم للكف عن دمائهم وأموالهم وهذا صحيح ولكن لا يمنع مخالفة اللفظين فإن لفظ البيع لا يجري في أمثال تلك المصالحات
الخامسة قال صاحب التلخيص لو صالح من إرش الموضحة على شىء معلوم

جاز إذا علما قدر أرشها
ولو باع لم يجز وخالفه الجمهور في افتراق اللفظين وقالوا إن كان الأرش مجهولا كالحكومة التي لم تقدر ولم تضبط لم يصح الصلح عنه ولا بيعه
وإن كان معلوم القدر والصفة كالدراهم إذا ضبطت صح الصلح عنها وصح بيعها ممن هي عليه
وإن كان معلوم القدر دون الصفة على الوجه المعتبر في السلم كالإبل الواجبة في الدية ففي جواز الإعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع جميعا وجهان
ويقال قولان
أحدهما يصح كمن اشترى عينا لم يعرف صفتها
وأصحهما المنع كما لو أسلم في شىء لم يصفه هذا في الجراحة التي لا توجب القود فإن أوجبته في النفس أو فيما دونها فالصلح عنها مبني على أن موجب العمد ماذا وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني الصلح عن الدين وهو صنفان
أحدهما صلح المعاوضة وهو الجاري على عين الدين المدعى
فينظر إن صالح عن بعض أموال الربا على ما يوافقه في العلة فلا بد من قبض العوض في المجلس ولا يشترط تعيينه في نفس الصلح على الأصح
فإن لم يكن العوضان ربويين فإن كان العوض عينا صح الصلح ولا يشترط قبضه في المجلس على الأصح
وإن كان دينا صح على الأصح ولكن يشترط التعيين في المجلس ولا يشترط القبض بعد التعيين على الأصح
الصنف الثاني صلح الحطيط وهو الجاري على بعض الدين المدعى فهو إبراء عن بعض الدين فإن استعمال لفظ الأبراء أو ما في معناه بأن قال أبرأتك من خمسمائة من الألف الذي عليك أو صالحتك على الباقي برىء مما أبرأه ولا يشترط القبول على الصحيح
وفي وجه بعيد يشترط فيه وفي كل إبراء

ولا يشترط قبض الباقي في المجلس
وإن اقتصر على لفظ الصلح فقال صالحتك على الألف الذي لي عليك على خمسمائة فوجهان كنظيره في صلح الحطيطة في العين والأصح الصحة
وفي اشتراط القبول وجهان كالوجهين فيما لو قال لمن عليه الدين وهبته لك
والأصح الإشتراط لأن اللفظ بوضعه يقتضيه
ولو صالح منه على خمسمائة معينة جرى الوجهان
ورأى الإمام الفساد هنا أظهر
ولا يصح هذا الصنف بلفظ البع كنظيره في الصلح عن العين
ولو صالح من ألف مؤجل على ألف حال أو عكسه
فباطل لأن الأجل لا يسقط ولا يلحق
فلو عجل من عليه المؤجل وقبله المستحق سقط الأجل بالإستيفاء وكذا الحكم في الصحيح والمكسر
ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حالة فباطل
ولو صالح من ألف حال على خمسماءة مؤجلة فهذا ليس من المعاوضة في شىء بل هو مسامحة من وجهين
أحدهما حط خمسمائة
والثاني إلحاق أجل بالباقي
والأول شائع فيبرأ
عن خمسمائة
والثاني وعد لا يلزم فله المطالبة بالباقي في الحال

فرع قال أحد الوارثين لصاحبه تركت حقي من التركة لك فقال قبلت
يصح ويبقى حقه كما كان
ولو قال صالحتك من نصيبي على هذا الثوب فإن كانت التركة أعيانا فهو صلح عن العين
وإن كانت ديونا عليه فهو صلح عن الدين
وإن كانت على غيره فهو بيع دين لغير من عليه وقد سبق حكمه
وإن كان فيها عين ودين على الغير ولم نجوز بيع الدين لغير من عليه بطل الصلح في الدين
وفي العين قولا تفريق الصفقة

فرع له في يد رجل ألف درهم وخمسون دينارا فصالحه منه
لا يجوز
وكذا لو مات عن إبنين والتركة ألفا درهم ومائة دينار وهي في يد أحدهما فصالحه الآخر من نصيبه على ألفي درهم لم يجز
ولو كان المبلغ المذكور دينا في ذمة غيره فصالحه منه على ألفي درهم جاز
والفرق أنه إذا كان في الذمة فلا ضرورة إلى تقدير المعاوضة فيه فيجعل مستوفيا لأحد الألفين ومعتاضا عن الدنانير الألف الآخر
وإذا كان معينا كان الصلح عنه إعتياضا فكأنه باع ألف درهم وخمسين دينارا بألفي درهم
وهو من صور مد عجوة
ونقل الإمام عن القاضي حسين وجها في صورة الدين بالمنع تنزيلا على المعاوضة
فرع صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة فهو إعادة للدار
يرجع فيها متى شاء
وإذا رجع لم يستحق أجرة للمدة الماضية على الصحيح لأنها عارية
وفي وجه يستحق لأنه قابل به رفع اليد عنها وهو عوض فاسد فيرجع بأجرة المثل
ولو صالحه عنها على أن يسكنها بمنفعة عبده سنة فهو كما لو أجر دارا بمنفعة عبد سنة
فرع صالح عن الزرع الأخضر بشرط القطع جاز

ودون هذا الشرط لا يجوز
ولو كانت المصالحة عن الزرع مع الأرض فلا حاجة إلى شرط القطع على الأصح

ولو كان النزاع في نصف الزرع ثم أقر المدعى عليه وتصالحا عنه على الشىء لم يجز
وإن شرطا القطع كما لو باع نصف الزرع مشاعا لا يصح سواء شرط أم لا
النوع الثاني الصلح عن الإنكار فينظر إن جرى على غير المدعى فهو باطل
وصورة الصلح على الإنكار أن يدعي عليه دارا مثلا فينكر ثم يتصالحا على ثوب أو دين ولا يكون طلب الصلح منه إقرارا لأنه ربما يريد قطع الخصومة هذا إذا قال صالحني مطلقا أو صالحني عن دعواك
بل الصلح عن الدعوى لا يصح مع الإقرار أيضا لأن مجرد الدعوى لا يعتاض عنه
ولو قال بعد الإنكار صالحني عن الدار التي ادعيتها فهل يكون إقرارا كما لو قال ملكني أم لا لاحتمال قطع الخصومة وجهان
أصحهما الثاني
فعلى هذا يكون الصلح بعد هذا الإلتماس صلح إنكار
ولو قال بعنيها أو هبها لي فالصحيح أنه إقرار
لأنه صريح في التماس التمليك
وقال الشيخ أبو حامد هو كقوله صالحني
ومثله لو كان النزاع في جارية فقال زوجنيها
ولو قال أعرني أو أجرني فأولى بأن لا يكون إقرارا
ولو كان النزاع في دين فقال أبرئني فهو إقرار
ولو أبرأ المدعي المدعى عليه وهو منكر وقلنا لا يفتقر الإبراء إلى القبول صح لأنه مستقل به فلا حاجة إلى تصديق الغريم بخلاف الصلح
ولهذا لو أبرأه من بعد التحليف لو صح ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح

فرع لو جرى الصلح على الإنكار على بعض العين المدعاة وهو صلح
في العين فوجهان
قال القفال يصح لأنهما متفقان على أن المدعي يستحق النصف

لأن المدعي يزعم إستحقاق الجميع والمدعى عليه يسلم النصف له بحكم هبته له وتسليمه إليه فبقي الخلاف في جهة الإستحقاق وقال الأكثرون باطل كما لو كان على غير المدعي
قالوا ومتى اختلف القابض والدافع في الجهة فالقول قول الدافع كما سبق في الرهن
والدافع هنا يقول إنما بذلت النصف لدفع الأذى حتى لا يرفعني إلى القاضي ولا يقيم علي بينة زور
وإن كان المدعى دينا وتصالحا على بعضه على الإنكار نظر إن صالحه عن ألف على خمسمائة مثلا في الذمة لم يصح
ولو أحضر الخمسمائة وتصالحا من الألف المدعى عليها فهو مرتب على صلح الحطيطة في العين
فإن لم يصح فهنا أولى
وإلا فوجهان
والأصح البطلان باتفاقهم
والفرق أن ما في الذمة ليس هو ذلك المحضر وفي الصلح عليه معنى المعاوضة ولا يمكن تصحيحه معاوضة مع الإنكار
ولو تصالحا ثم اختلفا هل تصالحا على الإنكار أم على الإعتراف قال ابن كج القول قول مدعي الإنكار لأن الأصل أن لا عقد
وينبغي أن يخرج على الوجهين فيما لو تنازع المتبايعان هل عقدا صحيحا أم فاسدا
قلت الصواب ما قاله ابن كج وقد صرح به أيضا الشيخ أبو حامد وصاحب البيان وغيرهما
والفرق أن الظاهر والغالب جريان البيع على الصحة والغالب وقوع الصلح على الإنكار
والله أعلم
القسم الثاني من الباب في الصلح الجاري بين المدعى وأجنبي وله حالان
الأول مع إقرار المدعى عليه
فإن كان المدعى عينا وقال الأجنبي إن المدعى عليه وكلني في مصالحتك له على نصف المدعى أو على هذا العبد من ماله فتصالحا عليه صح
وكذا لو قال وكلني في مصالحتك عنه على عشرة في ذمته
ثم إن كان صادقا في الوكالة صار المدعى ملكا للمدعى عليه وإلا فهو شراء

الفضول وقد سبق بيانه وتفريعه
وإن قال أمرني بالمصالحة عنه على هذا العبد من مالي فصالحه عليه فهو كما لو اشترى لغيره بمال نفسه بإذن ذلك الغير وقد سبق خلاف في صحته وأنه إذا صح هل هو هبة أو قرض ولو صالح الأجنبي لنفسه بعين ماله أو بدين في ذمته صح له كما لو اشتراه
وقيل وجهان كما لو قال لغيره من غير سبق دعوى صالحني من دارك على ألف لأنه لم يجر مع الأجنبي خصومة
والمذهب الصحة لأن الصلح ترتب على دعوى وجواب
أما إذا كان هذا المدعى دينا وقال وكلني المدعى عليه بمصالحتك على نصفه أو على هذا الثوب من ماله فصالحه صح
ولو قال على هذا الثوب وهو ملكي فوجهان
أحدهما لا يصح لأنه بيع شىء بدين غيره
والثاني يصح ويسقط الدين كمن ضمن دينا وأداه
قلت الأول أصح
والله أعلم
ولو صالح لنفسه على عين أو دين في ذمته فهو ابتياع دين في ذمة الغير وسبق بيانه في موضعه
قلت لو قال صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة صح سواء كان بإذنه أم لا لأن القضاء دين غيره بغير إذن جائز
والله أعلم
الحال الثاني أن يكون منكرا ظاهرا فجاء أجنبي فقال أقر المدعى عليه عندي ووكلني في مصالحتك له إلا أنه لا يظهر إقراره لئلا تنزعه منه فصالحه صح لأن دعوى الإنسان الوكالة في البيع والشراء وسائر المعاملات مقبولة
فإن قال هو منكر ولكنه مبطل فصالحني له على عبدي هذا لتنقطع الخصومة بينكما فوجهان
قال الإمام أصحهما لا يصح لأنه صلح إنكار
والثاني

يصح لأن الإعتبار في شروط العقد بمن يباشره وهما متفقان
هذا إذا كان المدعى عينا فإن كان دينا فقيل على الوجهين
والمذهب القطع بالصحة
والفرق أنه لا يمكن تمليك الغير عين ماله بغير إذنه
ويمكن قضاء دينه بغير إذنه
وإن قال هو منكر وأنا أيضا لا أعلم صدقك وصالحه مع ذلك لم يصح سواء كان المصالح عليه له أو للمدعى عليه
كما لو صالحه المدعي وهو منكر
وإن قال هو منكر ومبطل في إنكاره فصالحني لنفسي بعبدي هذا أو بعشرة في ذمتي لآخذه منه فإن كان المدعى دينا فهو ابتياع دين في ذمة غيره
وإن كان عينا فهو شراء مغصوب فينظر في قدرته على انتزاعه وعجزه
وقد سبق بيان الحالين في أول البيع
ولو صالح وقال أنا قادر على انتزاعه صح العقد على الأصح إكتفاء بقوله
والثاني لا لأن الملك في الظاهر للمدعى عليه وهو عاجز عن انتزاعه
قال الإمام والوجه أن يقال إن كان الأجنبي كاذبا فالعقد باطل باطنا وفي مؤاخذته في الظاهر لالتزامه الوجهان
وإن كان صادقا حكم بصحة العقد باطنا وقطعنا بمؤاخذته لكن لا تزال يد المدعى عليه إلا بحجة

فرع كالمثال لما ذكرنا إدعى رجل على ورثة ميت دارا من تركته
غصبنيها فأقروا له جاز لهم مصالحته
فإن دفعوا إلى بعضهم ثوبا مشتركا بينهم ليصالح عليه جاز وكان عاقدا عن نفسه ووكيلا عن الباقين
ولو قالوا لواحد صالحه عنا على ثوبك فصالحه عنهم فإن لم يسمهم في الصلح وقع الصلح عنه
وإن سماهم فهل تلغى التسمية وجهان
فإن لم نلغها وقع الصلح عنهم
وهل الثوب هبة لهم أو قرض عليهم وجهان
وإن ألغيناها فهل يصح الصلح كله للعاقد أم

يبطل في نصيب الشركاء ويخرج نصيبه على قولي تفريق الصفقة وجهان
وإن صالحه بعضهم على مال له دون إذن الباقين ليتملك جميع الدار جاز
وإن صالح لتكون الدار له ولهم جميعا لغا ذكرهم وعاد الوجهان في أن الجميع يقع له أم يبطل في نصيبهم
ويخرج نصيبه على قولي الصفقة

فرع أسلم كافر على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الإختيار والتعيين
وقف الميراث بينهن
فإن اصطلحن على القسمة على تفاوت أو تساو جاز وللضرورة
ولو اصطلحن على أن تأخذ ثلاث منهم أو أربع المال الموقوف ويبذلن للباقيات عوضا من خالص أموالهم لم يصح
ونظير المسألة مالو طلق إحد إمرأتيه ومات قبل البيان ووقف لهم نصيب زوجة فاصطلحتا وما إذا ادعى اثنان وديعة في يد رجل فقال لاأعلم لأيكما هي وما إذا تداعيا دارا في يدهما وأقام كل بينة
ثم اصطلحا
وكذا لو كانت في يد ثالث وقلنا باستعمال البينتين
قلت وهذه مسائل تتعلق بالباب
إحداها إدعى دارا فأقر فصالحه على عبد فخرج مستحقا أو رده بعيب أو هلك قبل القبض رجعت الدار إلى الأول
وإن وجد به عيبا بعد ما هلك أو تعيب في يده أخذ من الدار بقدر مانقص من قيمة العبد كما لو باعها بعبد
الثانية إدعى عليه دارا فأنكره فقال المدعي أعطيك ألفا وتقر لي بها ففعل فليس بصلح ولا يلزم الألف بل بذله وأخذه حرام
وهل يكون هذا إقرارا وجهان في العدة والبيان
الثالثة صالح أجنبي عن المدعي عليه بعوض معين فوجده المدعي معيبا فله

رده ولا يرجع ببدله بل ينفسخ الصلح ويرجع إلى خصومة المدعى عليه وكذا لو خرج العوض مستحقا
ولو صالحه على دراهم في الذمة فأعطاه دراهم فوجدها معيبة وردها أو خرجت مستحقة فله المطالبة ببدلها
الرابعة قال الشافعي رضي الله عنه لو اشترى رجل أرضا وبناها مسجدا فجاء رجل فادعاها فإن صدقه المشتري لزمه قيمتها
وإن كذبه فصالحه رجل آخر صح الصلح لأنه بذل مال على جهة القربة ولأن القيمة على المشتري لأنه وقفه
والصلح عما في ذمة بغير إذنه جائز
الخامسة لو أتلف عليه شيئا قيمته دينار فأقر به وصالحه على أكثر من دينار لم يصح لأن الواجب قيمة المتلف فلم يصح الصلح على أكثر منه كمن غصب دينارا فصالح على أكثر منه
ولو صالحه عنه بعوض مؤجل لم يصح
السادسة سبق في أول الباب أن الصلح عن المجهول لا يصح
قال الشافعي رضي الله عنه لو ادعى عليه شيئا مجملا فأقر له به وصالحه عنه على عوض صح الصلح
قال الشيخ أبو حامد وغيره هذا إذا كان المعقود عليه معلوما لهما فيصح وإن لم يسمياه كما لو قال بعتك الشىء الذي نعرفه أنا وأنت بكذا فقال إشتريت صح
السابعة إذا أنكر المدعى عليه ووكل أجنبيا ليصالح كما سبق فهل يحل له التوكيل وجهان
قال ابن سريج يحرم عليه الإنكار
ولو فعله فله التوكيل في المصالحة
وقال أبو إسحق يحرم عليه أيضا التوكيل
ولو مات مورثه وخلف عينا فادعاها رجل فأنكره ولا يعلم صدقه وخاف من اليمين جاز أن يوكل أجنبيا في الصلح لتزول الشبهة حكاه في البيان
والله أعلم

الباب الثاني في التزاحم على الحقوق
وفيه فصول
الأول في الطريق وهو قسمان نافذ وغيره
أما النافذ فالناس كلهم يستحقون المرور فيه وليس لأحد أن يتصرف فيه بما يبطل المرور ولا أن يشرع فيه جناحا أو يتخذ على جدرانه ساباطا يضر بالمارة
فإن لم يضر فلا منع منهما
ويرجع في معرفة الضرر وعدمه إلى حال الطريق
فإن كان ضيقا لا تمر فيه القوافل والفوارس فينبغي أن يرتفع بحيث يمر المار تحته منتصبا
وإن كانوا يمرون فيه فليكن ارتفاعه إلى حد يمر فيه المحمل مع الكنيسة فوقه على البعير لأنه وإن كان نادرا فإنه قد يتفق
ولا تشترط زيادة على هذا على الصحيح
وقال أبو عبيد بن حربويه يشترط أن يكون بحيث يمر الراكب تحته منصوب الرمح
واتفق الأصحاب على تضعيف قوله لأن وضع الرمح على الكتف ليس بعسير
ويجوز لكل أحد أن يفتح الأبواب من ملكه إلى الشارع كيف شاء
وأما نصب الدكة وغرس الشجرة فإن كان يضيق الطريق ويضر بالمارة منع وإلا فوجهان
أحدهما الجواز كالجناح الذي لا يضر بهم
وأصحهما وبه قطع العراقيون واختاره الإمام المنع
ولا يجوز أن يصالح عن إشراع الجناح على شىء سواء صالح الإمام أو غيره وسواء ضر بالمارة أم لا
ولو أشرع جناحا لاضرر فيه فانهدم أو هدمه فأشرع رجل آخر جناحا في محاذاته لا تمكن معه إعادة الأول جاز كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه ويجوز لغيره الإرتفاق به هكذا قاله الأصحاب
ولك أن تقول المرتفق بالقعود للمعاملة لا يبطل حقه بمجرد الزوال عن ذلك الموضع وإنما يبطل بالسفر والإعراض عن الحرفة

فقياسه أن لا يبطل هنا بمجرد الهدم والإنهدام بل يعتبر إعراضه عن إعادته
قلت إن ما قاسه كثيرون على ما إذا وقف في الطريق ثم فارق موقفه أو قعد للإستراحة ونحوها فلا يرد إعتراض الإمام الرافعي رحمه الله
قال أصحابنا ولو أخرج جناحا تحت جناح من يحاذيه لم يكن للأول منعه إذ لا ضرر
ولو أخرج فوق جناح الأول قال ابن الصباغ إن كان الثاني عاليا لا يضر بالمار فوق الجناح الأول لم يمنع وإلا فله منعه
ولو أخرج مقابلا له لم يمنع إلا أن يعطل إنتفاع الأول
ولو كان الأول قد أخذ أكثر هواء الطريق لم يكن لجاره مطالبته بتقصير جناحه ورده إلى نصف الطريق لأنه مباح سبق إليه
والله أعلم
واعلم أن الأكثرين لم يتعرضوا في الأضرار الممنوع إلا للإرتفاع والإنخفاض
وأما إظلام الموضع فقال ابن الصباغ وطائفه لايؤثر ومقتضى المعنى المذكور ولفظ الشافعي رضي الله عنه وأكثر الأصحاب تأثيره
وقد صرح به منصور التميمي
وفي التتمة إن انقطع الضوء كله أثر وإن نقص فلا

فرع الشوارع التي في البلاد والجواد الممتدة في الصحاري سواء في

والأصل فيها الإباحة وجواز الإنتفاع إلا فيما يقدح في مقصودها هو الإستطراق
قال الإمام ومصير الموضع شارعا له صورتان إحداهما أن يجعل الرجل ملكه شارعا وسبيلا مسبلا
والثانية أن تجيء جماعة بلدة أو قرية ويتركوا مسلكا نافذا بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الأبواب

ثم حكي عن شيخه ما يقتضي صورة ثالثة وهو أن يصير موضع من الموات جادة يستطرقها الرفاق فلا يجوز تغييره
وإنه كان يتردد في بنيات الطرق التي يعرفها الخواص ويسلكونها
وكل موات يجوز استطراقه لكن لا يمنع أحد من إحيائه وصرف الممر عنه بخلاف الشوارع
قلت قال الإمام ولا حاجة إلى لفظ في مصير ما يجعل شارعا
قال وإذا وجدنا جادة مستطرقة ومسلكا مشروعا نافذا حكمنا باستحقاق الإستطراق فيه بظاهر الحال ولم نلتفت إلى مبدإ مصيره شارعا
وأما قدر الطريق فقل من تعرض لضبطه وهو مهم جدا وحكمه أنه إن كان الطريق من أرض مملوكة يسبلها صاحبها فهو إلى خيرته والأفضل توسيعها
وإن كان بين أراض يريد أصحابها إحياءها فإن اتفقوا على شىء فذاك
وإن اختلفوا فقدره سبع أذرع هذا معنى ما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف في الطريق أن يجعل عرضه سبع أذرع
ولو كان الطريق واسعا لم يجز لأحد أن يستولي على شىء منه وإن قل يجوز عمارة ما حوله من الموات ويملكه بالأحياء بحيث لا يضر بالمارة
ومن المهمات المستفادة أن أهل الذمة يمنعون من إخراج الأجنحة إلى شوارع المسلمين النافذة
وإن جاز لهم استطراقها لأنه كإعلائهم على بناء المسلمين أو أبلغ
هذا هو الصحيح وذكر الشاشي في جوازه وجهين
ومن أخرج جناحا على وجه لا يجوز هدم عليه
والله أعلم
القسم الثاني الطريق الذي لا ينفذ كالسكة المسدودة الأسفل والكلام فيها ثلاثة أمور
الأول إشراع الجناح فلا يجوز لغير أهل السكة بلا خلاف ولا لهم على

الأصح الذي قاله الأكثرون إلا برضاهم سواء تضرروا أم لا
والثاني وهو قول الشيخ أبي حامد ومن تابعه يجوز إذا لم يضر الباقين فإن أضر ورضي أهل السكة جاز
ولو صالحوه على شىء لم يصح بلا خلاف لأن الهواء تابع فلا يفرد بالمال صلحا كما لا يفرد به بيعا
وهكذا الحكم في صلح صاحب الدار عن الجناح المشرع إليها ونعني بأهل السكة كل من له باب نافذ إليها دون من يلاصق جدار دار السكة من غير نفوذ باب
ثم هل الإشتراك في جميعها لجميعهم أم شركة كل واحد تختص بما بين رأس السكة وباب داره وجهان
أصحهما الإختصاص لأن ذلك هو محل تردده وما عداه فهو فيه كغير أهل السكة
وتظهر فائدة الخلاف على قول الأكثرين في منع إشراع الجناح إلا برضاهم
فإن شركنا الكل في الكل جاز لكل واحد من أهل السكة المنع
وإن خصصنا فإنما يجوز المنع لمن موضع الجناح بين بابه ورأس الدرب
وتظهر فائدته على قول الشيخ أبي حامد في أن مستحق المنع إذا أضر الجناح من هو لكنهم لم يذكروه
قلت قول الرافعي لم يذكروه من أعجب العجب فقد ذكره صاحب التهذيب مع أن معظم نقل الرافعي منه ومن النهاية
والله أعلم
ولو اجتمع المستحقون فسدوا رأس السكة لم يمنعوا منه كذا قاله الجمهور
وقال أبو الحسن العبادي يحتمل أن يمنعوا لأن أهل الشارع يفزعون إليه إذا عرضت زحمة
ولو امتنع بعضهم لم يكن للباقين السد قطعا
ولو سدوا باتفاقهم لم يستقل بعضهم بالفتح
ولو اتفقوا على قسمة صحن السكة بينهم جاز
ولو أراد أهل رأس السكة قسمة رأسها بينهم منعوا لحق من يليهم
ولو أراد الأسفل قسمته فوجهان بناء على الإشتراك فيه ثم ما ذكرناه من سد الباب وقسمة الصحن مفروض فيما لو لم يكن في السكة مسجد
فإن كان فيها مسجد عتيق أو جديد

منعو من السد والقسمة لأن المسلمين كلهم يستحقون الإستطراق إليه ذكره ابن كج
وعلى قياسه لا يجوز الإشراع عند الاضرار وإن رضي أهل السكة لحق سائر المسلمين
الأمر الثاني فتح الباب فليس لمن لا باب له في السكة إحداث باب إلا برضى أهلها كلهم
فلو قال أفتح إليها بابا للإستضاءة دون الإستطراق أو أفتحه وأسمره فوجهان
أصحهما عند أبي القاسم الكرخي لايمنع
قلت قل من بين الأصح من هذين الوجهين ولهذا اقتصر الرافعي على نسبة التصحيح إلى الكرخي
وممن صححه صاحب البيان والرافعي في المحرر وخالفهم الجرجاني والشاشي فصححا المنع وهو أفقه
والله أعلم
ولو كان له باب في السكة وأراد أن يفتح غيره فإن كان ما يفتحه أبعد من رأس السكة فلمن الباب المفتوح بين داره ورأس السكة منعه وفيمن داره بين الباب ورأس السكة وجهان بناء على كيفية الشركة كما سبق في الجناح
وإن كان ما يفتحه أقرب إلى رأس السكة فإن سد الأول جاز وإلا فكما إذا كان أبعد لأن الباب الثاني إذا انضم إلى الأول أورث زيادة زحمة الناس ووقوف الدواب فيتضررون به
وحكى في النهاية طريقة جازمة بأن لا منع لمن يقع المفتوح بين داره ورأس السكة لأن الفاتح لا يمر عليهم
وهذا ينبغي أن يطرد فيما إذا كان المفتوح أبعد من رأس السكة
قلت جزم صاحب الشامل بأنه إذا فتح بابا آخر أقرب إلى رأس السكة ولم يسد الأول جاز ولا منع لأحد
وهذا وإن كان ظاهرا فما نقله الإمام أقوى
ولم يذكر الرافعي فيما إذا كان المفتوح أبعد حكم من بابه مقابل المفتوح

لافوقه ولا تحته
وقد ذكر الإمام أنه كمن هو أقرب إلى رأس السكة ففيه الوجهان
والله أعلم
وتحويل الميزاب من موضع إلى موضع كفتح باب وسد باب

فرع لو كان له داران ينفذ باب إحداهما إلى الشارع والأخرى إلى
منسدة فأراد فتح باب من إحداهما إلى الأخرى لم يكن لأهل السكة منعه على الأصح
ولو كان باب كل واحدة في سكة غير نافذة ففتح من إحداها إلى الأخرى ففي ثبوت المنع لأهل السكتين الوجهان قاله الإمام
وموضع الوجهين ما إذا سد باب إحداهما وفتح الباب لغرض الإستطراق
أما إذا قصد إتساع ملكه ونحوه فلا منع قطعا
قلت هذه العبارة فاسدة فإنها توهم إختصاص الخلاف بما إذا سد باب إحداهما وذلك خطأ بل الصواب جريان الوجهين إذا بقي البابان نافذين وكل الأصحاب مصرحون به
قال أصحابنا ولو أراد رفع الحائط بينهما وجعلهما دارا واحدة ويترك بابيهما على حالهما جاز قطعا
وممن نقل إتفاق الأصحاب على هذا القاضي أبو الطيب في تعليقه
فالصواب أن يقال موضع الوجهين إذا لم يقصد إتساع ملكه
وأما قوله كذا نقله الإمام فإن الوجهين مشهوران جدا
وقوله الأصح الجواز تابع فيه صاحب التهذيب وخالفه أصحابنا العراقيون فنلقوا عن الجمهور المنع
بل نقل القاضي أبو الطيب إتفاق الأصحاب على المنع
قال وعندي أنه يجوز
والله أعلم

فرع حيث منعنا فتح الباب إلى السكة المنسدة فصالحه أهل السكة
جاز بخلاف الجناح لأنه هناك بذل مال في مقابلة الهواء
قال في التتمة ثم إن قدروا مدة فهو إجارة
وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع من السكة وتنزيل له منزلة أحدهم
كما لو صالح رجلا على مال ليجري في أرضه نهرا كان ذلك تمليكا للنهر
ولو صالحه بمال على فتح باب من داره إلى داره صح ويكون كالصلح عن إجراء الماء على سطحه ولا يملك شيئا من الدار والسطح لأن السكة لا تراد إلا للإستطراق فإثبات الاستطراق فيها يكون نقلا للملك
وأما الدار والسطح فلا يقصد بهما الإستطراق وإجراء الماء
قلت قال أصحابنا لو كانت داره في آخر السكة المنسدة فأراد نقل بابها إلى الوسط ويجعل ما بين الباب وأسفل السكة دهليزا فإن شركنا الجميع في جميع السكة كان للباقين منعه وإلا فلا
والله أعلم
الأمر الثالث فتح المنافذ والكوات للإستضاءة ولا منع منه بحال لمصادفته الملك بل له إزالة رفع الجدار وجعل شباك مكانه
فرع قال الإمام لو فتح من لا باب له في السكة المنسدة
أهلها كان لأهلها الرجوع متى شاؤوا ولا يلزمهم بالرجوع شىء بخلاف ما لو أعار الأرض للبناء والغراس ثم رجع فإنه لايقلعه مجانا
وهذا لم أره لغيره
والقياس أن لافرق

فرع قال الروياني إذا كان بين داريه طريق نافذ فحفر تحته
من إحداهما إلى الأخرى وأحكمه بالأزج لم يمنع
قال وبمثلها أجاب الأصحاب فيما إذا لم يكن نافذا لأن لكل أحد دخول هذا الزقاق كاستطراق الدرب النافذ
قال وغلط من قال بخلافه وهذا اختيار منه لكونها في معنى الشارع والظاهر خلافه
واعتذر الإمام عن جواز دخولها بأنه من قبيل الإباحة المستفادة من قرائن الأحوال
قلت هذا الذي ذكره الروياني فيما كان الطريق نافذا صحيح
وكذا صرح به القاضي أبو الطيب وغيره
وأما تجويزه ذلك فيما إذا لم يكن الطريق نافذا ونقله ذلك عن الأصحاب فضعيف ولا يوجد ذلك في كتب معظم الأصحاب ولعله وجده في كتاب أو كتابين فإني رأيت له مثل هذا كثيرا
وكيف كان فهذا الحكم ضعيف فإن الأصحاب مصرحون بأن الطريق في السكة المسدودة ملك لأصحاب السكة وأنهم لو أرادوا سدها وجعلها مساكن جاز ونقل الإمام إتفاق الأصحاب على هذا
وإذا ثبت إنها ملكهم فالقرار تابع للأرض كما يتبعها الهواء فكما لا يجوز إخراج الجناح فوق أرضهم بغير رضاهم كذا السرداب تحتها
والله أعلم
الفصل الثاني في الجدار الجدار بين المالكين قسمان

الأول المختص
فهل للجار وضع الجذوع عليه بغير إذن مالكه قولان
القديم نعم
ويجبر المالك إن امتنع والجديد لا ولا يجبر
قلت الأظهر هو الجديد
وممن نص على تصحيحه صاحب المهذب والجرجاني والشاشي وغيرهم وقطع به جماعة
والله أعلم
فعلى القديم إنما يجبر بشروط
أحدها أن لا يحتاج مالك الجدار إلى وضع جذوع عليه
والثاني أن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار ولا يبني عليه أزجا ولا يضع عليه ما يضر الجدار
والثالث أن لا يملك شيئا من جدران البقعة التي يريد نسقيفها أو لا يملك إلا جدارا فإن ملك جدارين فليسقف عليهما وليس له إجبار صاحب الجدار ولم يعتبر الإمام هذا الشرط هكذا
بل قال يشترط كون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت ويحتاج رابعا
فأما إذا كان الكل للغير فلا يضع قولا واحدا
قال ولم يعتبر بعض الأصحاب هذا الشرط واعتبر في التتمة مثل ما ذكره الإمام وحكى الوجهين فيما إذا لم يملك إلا جانبا أو جانبين
والمذهب ما قدمناه
وإن قلنا بالجديد فلا بد من رضى المالك
فإن رضي بلا عوض فهو عارية يرجع فيها قبل وضع الجذوع والبناء عليها قطعا وبعده على الأصح كسائر العواري
وإذا رجع لا يتمكن من قلعه مجانا
وفي فائدة رجوعه وجهان
أصحهما أنه يتخير بين أن يبقى بأجره وبين أن يقلع ويضمن أرش النقص كما لو أعار أرضا للبناء
لكن في إعارة الأرض خصلة ثالثة وهي تملك البناء بقيمته وليس لمالك الجدار ذلك لأن الأرض أصل فجاز أن يستتبع البناء والجدار تابع فلا يستتبع
والثاني ليس له إلا الأجرة ولا يملك القلع أصلا لأن ضرر القلع يصل إلى ما هو خالص ملك المستعير لأن

الجذوع إذا رفعت أطرافها لم تستمسك على الجدار الباقي
والوجه الثاني لا يملك الرجوع أصلا ولا يستفيد به القلع ولا طلب الأجرة للمستقبل وبه قطع العراقيون لأن مثل هذه الإعارة يراد بها التأبيد فأشبه الإعارة لدفن ميت فإنه لا ينبش ولا أجرة
فعلى هذا لو رفع الجذوع صاحبها أو سقطت بنفسها لم يملك إعادتها بغير إذن جديد على الأصح
وكذا لو سقط الجدار فبناه مالكه بتلك الآلة لأن الأذن تناول مرة
فإن بناه بغير تلك الآلة فلا خلاف أنه لا يعيد إلا بإذن جديد لأنه جدار آخر
قلت الخلاف في جواز الإعادة بلا إذن
فلو منعه المالك لم يعد بلا خلاف إذ لا ضرر كذا صرح به صاحب التتمة
وأشار القاضي أبو الطيب أو صرح بجريان الوجهين في جواز منعه فقال في وجه ليس له منعه لأنه صار له حق لازم هذا كله إذا وضع أولا بإذن
فلو ملكا دارين ورأيا خشبا على الجدار ولا يعلم كيف وضع فإذا سقط الحائط فليس له منعه من إعادة الجذوع بلا خلاف كذا صرح به القاضي أبو الطيب وصاحب المهذب والشامل وآخرون لأنا حكمنا بأنه وضع بحق وشككنا في المجوز للرجوع
ولو أراد صاحب الحائط نقضه فإن كان مستهدما جاز وحكم إعادة جذوع ما سبق
وإن لم يكن مستهدما لم يمكن من نقضه قطعا
والله أعلم
أما إذا رضي بعوض فقد يكون على وجه البيع أو الإجارة وسنتكلم فيهما إن شاء الله تعالى
ولو صالحه عنه على المال لم يجز على قول الإجبار لأن من ثبت له حق لا يجوز أخذ عوض من عليه وإن قلنا لا جاز بخلاف الصلح عن الجناح لأنه هواء مجرد
القسم الثاني المشترك والكلام فيه ثلاثة أمور
الأول الإنتفاع به فليس لأحد الشريكين أن يتد فيه وتدا أو يفتح

فيه كوة أو يترب الكتاب بترابه بغير إذن شريكه كسائر الأملاك المشتركة لا يستقل أحد الشريكين بالإنتفاع ويستثنى من الانتفاع ضربان
أحدهما لو أراد أحدهما وضع الجذوع عليه ففي إجبار شريكه القولان كالجار وأولى
والثاني ما لا تقع فيه المضايقة من الإنتفاعات فلكل واحد منهما الإستقلال به كالإستناد وإسناد المتاع إليه ويجوز في الجدار الخالص للجار مثله وهو كالإستضاءة بسراج الغير والإستظلال بجداره فإنه جائز
ولو منع أحدهما الآخر من الإستناد فهل يمتنع وجهان لأنه عناد محض
قلت أصحهما لا يمتنع
والله أعلم
ومن الضرب الثاني ما إذا بنى في ملكه جدارا متصلا بالجدار المشترك بحيث لايقع ثقله عليه
الأمر الثاني قسمته إما في كل الطول ونصف والعرض وإما في نصف الطول وكل العرض وليس المراد بالطول إرتفاعه عن الأرض فإن ذلك سمك وإنما طول الجدار امتداده زاويته البيت إلى زاوته الأخرى مثلا والعرض هو البعد الثالث فإذا كان طوله عشرة أذرع وعرضه ذراعا فقسمته في كل الطول ونصف العرض أن يجعل لكل واحد نصف ذراع من العرض في طول عشرة أذرع
وقسمته بالعكس أن يجعل لكل واحد خمسة أذرع طولا في عرض ذراع أو أي واحدا من النوعين تراضيا عليه جاز
لكن كيف يقسم وجهان
أحدهما يعلم بعلامة وخط يرسم
والثاني يشق وينشر بالمنشار
وينطبق على هذا الثاني ما ذكره العراقيون أنهما لو طلبا من الحاكم القسمة بالنوع الأول لم يجبهما لأن شق الجدار في الطول إتلاف له وتضييع

ولكنهما يباشرانها بأنفسهما إن شاءا وهو كما لو هدماه واقتسما النقض
وإن طلب أحدهما القسمة وامتنع الآخر نظر إن طلب النوع الأول لم يجب إليه على الصحيح لما فيه من الأضرار
وقيل يجاب ويجبر الممتنع لكن لا يقسم بالقرعة بل يخص كل واحد مما يليه
وإن طلب النوع الثاني لم يجب إليه على الأصح
أما إذا انهدم الجدار وظهرت العرصة أو كان بينهما عرصة جدار لم يبن عليها فطلب أحدهما قسمتها بالنوع الثاني يجاب قطعا
وإن طلبها بالنوع الأول فإن قلنا في الجدار إن طالب مثل هذه القسمة يجاب ويخص كل واحد بالشق الذي يليه بغير قرعة فكذا هنا
وإن قلنا هناك لا يجاب فهنا وجهان
أصحهما عند العراقيين وغيرهم الإجابة
وإذا بنى الجدار وأراد تعريضه زاد فيه من عرض بيته
الأمر الثالث العمارة فإذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه لاستهدامه أو لغيره ففي التهذيب وغيره أن النص إجبار الهادم على إعادته وأن القياس أنه يغرم نقضه ولا يجبر على البناء لأن الجدار ليس مثليا
قلت قد ذكر صاحب التنبيه وسائر العراقيين وطائفة من غيرهم فيما إذا استهدم فهدمه أحدهما بلا إذن طريقين
أصحهما القطع بإجباره على إعادة مثله
والثاني فيه القولان السابقان في الإجبار إبتداء أحدهما عليه إعادة مثله والثاني لا شىء


وقطع إمام الحرمين في أواخر باب ثمرة الحائط يباع أصله بأن من هدمك حائط غيره عدوانا يلزمه أرش ما نقص ولا يلزمه بناؤه لأنه ليس بمثلي والمذهب ما نص عليه
والله أعلم
ولو إنهدم الجدار بنفسه أو هدماه معا لاستهدامه أو غيره وامتنع
القديم إجباره عليها دفعا للضرر وصيانة للأملاك المشتركة عن التعطيل
والجديد لا إجبار كما لا يجبر على زرع الأرض المشتركة ولأن الممتنع يتضرر أيضا بتكليفه العمارة
ويجري القولان في النهر والقناة والبئر المشتركة إذا امتنع أحدهما من التنقية والعمارة
قلت لم يبين الإمام الرافعي الأظهر من القولين وهو من المهمات
والأظهر عند جمهور الأصحاب هو جديد
ممن صرح بتصحيحه المحاملي والجرجاني وصاحب التنبيه وغيرهم
وصحح صاحب الشامل القديم وأفتى به الشاشي
وقال الغزالي في الفتاوى الأقيس أن يجبر
وقال والإختيار إن ظهر للقاضي أن امتناعه مضارة أجبره
وإن كان لإعسار أو غرض صحيح أو شك فيه لم يجبر
وهذا التفصيل الذي قاله وإن كان أرجح من إطلاق القول بالإجبار فالمختار الجاري على القواعد أن لا إجبار مطلقا
والله أعلم
ولو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر فانهدمت فليس لصاحب السفل إجبار صاحب العلو على معاونته في إعادة السفل وهل لصاحب العلو إجبار صاحب السفل على إعادته ليبني عليه فيه القولان
وقيل القولان فيما إذا انهدم أو هدما فلا شرط
أما لو استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط الإعادة فيجبر قطعا
ويجري القولان فيما إذا طلب أحدهما اتخاذ سترة بين سطحيهما هل يجبر الآخر على مساعدته قلت قال أصحابنا ويجريان فيما لو كان بينهما دولاب وتشعث واحتاج إلى إصلاحه
والله أعلم

فرع إذا قلنا بالقديم فأصر الممتنع أنفق الحاكم عليه من ماله

فإن لم يكن له مال اقترض عليه أو أذن الشريك في الإنفاق عليه ليرجع على الممتنع
فلو استقل به للشريك فلا رجوع على المذهب
وقيل قولان
القديم نعم
والجديد لا
وقيل يرجع في القديم
وفي الجديد قولان وقيل إن لم يمكنه عند البناء مراجعة الحاكم رجع وإلا فلا
ثم إذا بناه إن كان بالآلة القديمة فالجدار بينهما كما كان
والسفل في الصورة الأخرى لصاحبه كما كان وليس لصاحب العلو نقضه ولا منعه من الإنتفاع بملكه
وإن بناه بآلة من عنده فالمعاد ملكه وله نقضه
فلو قال الشريك لا تنقض وأغرم لك نصف القيمة لم يجز له النقض لأنا على هذا القول نجبر الممتنع على ابتداء العمارة فالإستدامة أولى
فرع إذا قلنا بالجديد فأراد الطالب الإنفراد بالعمارة نظر إن أرادها بالنقض
أو بآلة مشتركة فللآخر منعه
وإن أراد بناءه بآلة من عنده فله ذلك ليصل إلى حقه
ثم المعاد ملكه يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء
فلو قال شريك الجدار لا تنقض لأغرم لك نصف القيمة أو قال صاحب السفل لا تنقض لأغرم لك القيمة لم يلزمه إجابته على هذا القول كابتداء العمارة
ولو قال صاحب السفل انقض ما أعدته لأبنيه بآلة نفسي
فإن كان طالبه بالبناء فامتنع لم يجبره وإن لم يطالبه وقد بنى علوه لم يجب لكن له أن يتملك السفل بالقيمة ذكره في

التهذيب وإن لم يبن عليه العلو أجيب صاحب السفل ومتى بنى بآلة نفسه فله منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما وليس له منع صاحب السفل من السكون على الصحيح لأن العرصة ملكه
ولو أنفق على البئر والنهر فليس له منع الشريك من الانتفاع بالماء لسقي الزرع وغيره وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين
ولو كان للممتنع على الجدار المنهدم جذوع فأراد إعادتها بعد أن بناه الطالب بآلة نفسه لزمه تمكينه أو نقض ما أعاد ليبني معه الممتنع ويعيد جذوعه

فرع لو تعاونا على إعادة الجدار المشترك بنقضه بقي على ما كان

فلو شرطا زيادة لأحدهما لم يصح على الصحيح
وفي وجه يصح لتراضيهما
فلو انفرد أحدهما بالبناء بالنقض المشترك بإذن شريكه بشرط أن يكون له الثلثان جاز ويكون السدس الزائد في مقابلة عمله في نصيب الآخر هكذا أطلقوه
واستدرك الإمام فقال هذا مصور فيما إذا شرط له سدس النقض في الحال لتكون الأجرة عتيدة
فأما إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء فلا يصح لأن الأعيان لا تؤجل
ولو بناه أحدهما بآلة نفسه بإذن الآخر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له فقد قابل ثلث الآلة المملوكة له وعمله فيه بسدس العرصة المبني عليها
وفي صحة هذه المعاملة قولان لجمعها بيعا وإجارة
وشرط صحتها معرفة الآلات وصفة الجدار ويعود النظر في شرط ثلث النقض في الحال أو بعد البناء
فرع إذا كان له حق إجراء ماء في ملك غيره فانهدم لم
الأجراء

مشاركته في العمارة لأنها تتعلق بالآلات وهي لمالكها
وإن كان الإنهدام بسبب الماء فلا عمارة عليه أيضا
قال الإمام وفيه احتمال لكن الظاهر أن لا عمارة عليه لأن الإنهدام تولد من مستحق
الفصل الثالث في السقف فإذا كان السفل لرجل والعلو لرجل فقد يكون السقف بين ملكيهما مشتركا وقد يكون لأحدهما
وحكم القسمين في الإنتفاع يخالف حكمهما في الجدار فيجوز لصاحب العلو الجلوس ووضع الأثقال عليه على العادة ولصاحب السفل الإستكنان به وتعليق ما ليس له ثقل يتأثر به السقف كالثوب ونحوه قطعا
وفي غيره أوجه
أحدها لا يجوز أصلا
والثاني يجوز ما لا يحتاج إلى إثبات وتد في السقف
وأصحها يجوز مطلقا على العادة بلا فرق بين ما يحتاج إلى وتد وغيره
قال الشيخ أبو محمد فإن قلنا ليس له إثبات الوتد والتعليق فيه فليس لصاحب العلو غرز الوتد في الوجه الذي يليه
وإن جوزناه له ففي جوازه لصاحب العلو وجهان لندور حاجته بخلاف التعليق

فرع إذن المالك لغيره في البناء على ملكه قد يكون بغير عوض
الإعارة وقد يكون بعوض
فمن صوره أن يكري أرضه أو رأس جداره أو سقفه مدة معلومة بأجرة معلومة فيجوز وسبيله سبيل سائر الإجارات
ومنها أن يأذن فيه بصيغة البيع ويبين الثمن وهو صحيح خلافا للمزني رحمه الله
ثم يتصور

ذلك بعبارتين
إحداهما أن يبيع سطح البيت أو علوه للبناء عليه بثمن معلوم
والثانية أن يبيع حق البناء على ملكه
والأولى هي عبارة الشافعي رضي الله عنه وجماهير الأصحاب
والثانية عبارة الإمام والغزالي رحمهما الله تعالى
والأشبه أن المراد منهما شىء واحد
ثم في حقيقة هذا العقد أوجه
أحدها أنه بيع ويملك المشتري به مواضع رؤوس الجذوع
والثاني أنه إجارة
وإنما لم يشرط تقدير المدة لأن العقد الوارد على المنفعة تتبع فيه الحاجة
فإذا اقتضت التأبيد أبد كالنكاح
وأصحهما أنه ليس بيعا ولا إجارة محضين بل فيه شبههما لكونه على منفعة لكنها مؤبدة
فإذا قلنا ليس بيعا فعقده بلفظ الإجارة ولم يتعرض لمدة انعقد أيضا على الأصح كما ينعقد بلفظ الصلح لأنه كما يوافق البيع في التأبيد يوافقها في المنفعة
وإذا جرت هذه المعاملة وبنى المشتري عليه لم يكن للبائع أن يكلفه النقص ليغرم له أرش النقض
ولو انهدم الجدار أو السقف بعد بناء المشتري عليه وإعادة مالكه فللمشتري إعادة البناء بتلك الآلات أو بمثلها
ولو انهدم قبل البناء فللمشتري البناء عليه إذا أعاده
وهلل يجبره على إعادته فيه الخلاف السابق
ولو هدم صاحب السفل أو غيره السفل قبل بناء المشتري فعلى الهادم قيمة حق البناء للمشتري لأنه حال بينه وبين حقه
فلو أعيد السفل استرد الهادم القيمة لزوال الحيلولة
ولو كان الهدم بعد البناء فالقياس أن يقال إن قلنا إن من هدم جدار غيره يلزمه إعادته لزمه إعادة السفل والعلو
وإن قلنا عليه أرش النقص فعليه أرش نقص الآلات وقيمة حق البناء للحيلولة
وبالجملة لا ينفسخ هذا العقد بعارض هدم وانهدام لإلتحاقه بالبيوع

فرع سواء جرى الإذن في البناء بعوض أو بغيره يجب بيان قدر
المبني

عليه طولا وعرضا ويجب مع ذلك إن كان البناء على الجدار أو السطح بيان سمك البناء وطوله وعرضه وكون الجدران منضدة أو خالية الأجواف وكيفية السقف المحمول عليه لأن الغرض يختلف بذلك
وفي وجه يكفي إطلاق ذكر البناء ويحمل على ما يحتمله المبني عليه ولا يشترط التعرض لوزن ما يبنيه على الصحيح لأن التعريف في كل شىء بحسبه
ولو كانت الآلات حاضرة أغنت مشاهدتها عن كل وصف
وإذا أذن في البناء على أرضه لم يجب ذكر سمك البناء وكيفيته على الصحيح لأن الأرض تحتمل كل شىء

فرع ادعى بيتا في يد رجل فأقر وتصالحا على أن يبني المقر
جاز وقد أعاره المقر له سطح بيته للبناء
ولو تنازعا في سفله واتفقا على كون العلو للمدعى عليه فأقر له بما ادعى وتصالحا على أن يبني المدعي على السطح ويكون السفل للمدعى عليه جاز وذلك بيع السفل بحق البناء على العلو
فصل من احتاج إلى إجراء ماء المطر من سطحه على سطح غيره
ماء في أرض رجل لم يكن له إجبار صاحب السطح والأرض على المذهب
وحكي قول قديم أنه يجبر وهو شاذ
فإن أذن فيه بإجارة أو إعارة أوبيع جاز
ثم في السطح لا بد من بيان الموضع الذي يجري عليه الماء والسطوح التي ينحدر الماء إليه منها
ولا بأس بالجهل بقدر ماء المطر لأنه لا يمكن معرفته وهذا عقد جوز للحاجة
وإذا أذن وبين ثم بنى على سطحه ما يمنع الماء فإن كان عارية فهو

رجوع وإن كان بيعا أو إجارة فللمشتري أو المستأجر نقب البناء وإجراء الماء فيه
وأما في الأرض فقال في التهذيب لا حاجة في العارية إلى بيان لأنه إذا شاء رجع والأرض تحتمل ما تحتمل
وإن أجر وجب بيان موضع الساقية وطولها وعرضها وعمقها وقدر المدة
قال في الشامل ويشترط كون الساقية محفورة
وإذا استأجر لا يملك الحفر
وإن باع وجب بيان الطول والعرض
وفي العمق وجهان بناء على أن المشتري يملك موضع المجرى أم لا يملك إلا حق الإجراء ومقتضى كلام الأصحاب ترجيح الأول
هذا إذا كان لفظ البيع بعتك مسيل الماء
فإن قال حق مسيل الماء فهو كبيع حق البناء ويجيء في حقيقة العقد ما سبق في بيع حق البناء
وفي المواضع كلها ليس له دخول الأرض بغير إذن مالكها إلا أن يريد تنقية النهر وعليه أن يخرج من أرضه ما يخرجه من النهر

فرع المأذون له في إجراء ماء المطر ليس له إلقاء الثلج ولا
الثلج حتى يذوب ويسيل إليه ولا أن يجري فيه ما يغسل به ثيابه وأوانيه بل لا يجوز أن يصالح على ترك الثلوج على سطحه ولا إجراء الغسالات على مال لأن الحاجة لا تدعو إليه
وفي الأول ضرر ظاهر
وفي الثاني جهالة
والمأذون له في إلقاء الثلج ليس له إجراء الماء
فرع تجوز المصالحة على قضاء الحاجة في حش غيره على مال وكذا
جمع الزبل

والقمامة في ملكه وهي إجارة يراعى فيها شرائطها وكذا المصالحة على البيتوتة على سطح
فلو باع مستحق البيتوتة منزله فليس للمشتري أن يبيت عليه بخلاف ما إذا باع مستحق إجراء الماء على غيره مدة بقاء داره فإن المشتري يستحق الإجراء بقية المدة لأن الإجراء من مرافق الدار بخلاف البيتوتة

فرع لو خرجت أغصان شجرة إلى هواء ملك جاره فللجار مطالبته بإزالتها

فإن لم يفعل فله تحويلها عن ملكه
فإن لم يمكن فله قطعها ولا يحتاج فيه إلى إذن القاضي وفيه وجه ضعيف
فلو صالحه على إبقائها بعوض لم يصح إن لم يستند الغصن إلى شىء لأنه اعتياض عن مجرد الهواء
وإن استند إلى جدار فإن كان بعد الجفاف جاز وإن كان رطبا فلا لأنه يزيد ولا يعرف قدر ثقله وضرره
فقال طائفة من أصحابنا البصريين يجوز وما ينمى يكون تابعا
والأول أصح
وانتشار العروق كانتشار الأغصان
وكذلك ميل الجدار إلى هواء الجار قاله الأصطخري
الباب الثالث في التنازع
فيه مسائل
الأولى إذا ادعى على رجلين دارا في يدهما فصدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبت له النصف بإقرار المصدق والقول قول المكذب
فلو صالح المدعي المقر على مال و أراد المكذب أخذها بالشفعة ففيه طريقان

أحدهما قول الشيخ أبي حامد وجماعة إن ملكاها في الظاهر بسببين مختلفين فله ذلك لأنه لا تعلق لأحد الملكين بالآخر
وإن ملكا بسبب واحد من إرث أو شراء فوجهان
أحدهما المنع لأنه زعم أن الدار ليست للمدعي وأن الصلح باطل
وأصحهما يأخذ لأنا حكمنا في الظاهر بصحة الصلح
ولا يبعد انتقال ملك أحدهما فقط وإن ملكا بسبب
والطريق الثاني قاله ابن الصباغ إن اقتصر المكذب على قوله لا شىء لك في يدي أو لا يلزمني تسليم شىء إليك أخذ
وإن قال مع ذلك وهذه الدار ورثناها ففيه الوجهان
وهذا الطريق أقرب مع أن قوله ورثناها لا يقتضي بقاء نصيب الشريك في ملكه بل يجوز انتقاله إلى المدعي
فالإختيار أن يقطع بجواز الأخذ إلا أن يقول إن الشريك مالك في الحال
قلت هذا الذي اختاره هو الصواب وقد قطع به هكذا القاضي أبو الطيب في تعليقه
والله أعلم
المسألة الثانية ادعى رجلان دارا في يد رجل فأقر لأحدهما بنصفها نظر إن ادعياها إرثا ولم يتعرضا لقبض شارك صاحبه فيما أخذه لأن التركة مشتركة فالحاصل منها مشترك
وإن قالا ورثناها وقبضناها ثم غصبناها لم يشاركه على الصحيح وقول الأكثرين
فإن ادعيا ملكا بشراء أو غيره فإن لم يقولا اشترينا معا فلا مشاركة
وإن قالا اشترينا معا أو اتهبنا معا وقبضنا معا فوجهان
أصحهما أنه كالأرث
والثاني لا مشاركة
فلو لم يتعرضا لسبب الملك فلا مشاركة قطعا نص عليه في المختصر
وحيث شركنا في هذه الصور فصالح المصدق المدعى عليه على مال فإن كان بإذن الشريك صح وإلا فباطل في نصيب الشريك
وفي نصيبه قولا تفريق الصفقة
وقيل يصح في جميع المقر به

لتوافق المتعاقدين وهو ضعيف
ولو ادعيا دارا في يده فأقر لأحدهما بجميعها فإن وجد من المقر له في الدعوى ما يتضمن إقرارا لصاحبه بأن قال هذه الدار بيننا ونحو ذلك شاركه
وإن لم يوجد بل اقتصر على دعوى النصف نظر إن قال بعد إقرار المدعى عليه بالكل الجميع لي سلم الجميع له ولا يلزم من ادعائه النصف أن لا يكون الباقي له ولعله ادعى النصف لكون البينة ما تساعده على غيره أو يخاف الجحود الكلي
وإن قال النصف الآخر لصاحبي سلم لصاحبه
وإن لم يثبته لنفسه لا لرفيقه فهل يترك في يد المدعى عليه أم يحفظه القاضي أم يسلم إلى رفيقه فيه أوجه أصحها أولها
الثالثة تداعيا جدارا حائلا بين ملكيهما فله حالان
أحدهما أن يكون متصلا ببناء أحدهما دون الآخر اتصالا لا يمكن إحداثه بعد بنائه فيرجح جانبه
وصورته أن يدخل نصف لبناء الجدار المتنازع فيه في جداره الخاص ونصف جداره الخاص في المتنازع فيه ويظهر ذلك في الزوايا
وكذلك لو كان لأحدهما عليه أزج لا يمكن إحداثه بعد بناء الجدار بتمامه بأن أميل من مبدإ ارتفاعه عن الأرض قليلا
وإذا ترجح جانبه حلف وحكم له بالجدار إلا أن تقوم بينة على خلافه
ولا يحصل الرجحان بوجود الترصيف المذكور في مواضع معدودة من طرف الجدار لإمكان إحداثه بعد بناء الجدار بنزع لبنة ونحوها وإدراج أخرى
ولو كان الجدار المتنازع فيه مبنيا على خشبة طرفها في ملك أحدهما وليس منها شىء في ملك الآخر فالخشبة لمن طرفها في ملكه والجدار المبني عليهاتحت يده ظاهرا قال الإمام ولا يخلو من احتمال
الحال الثاني أن يكون متصلا ببنائهما جميعا أو منفصلا عنهما فهو في أيديهما فإن أقام أحدهما بينة قضي له وإلا فيحلف كل واحد منهما للآخر
فإذا حلفا أو نكلا جعل الجدار بينهما بظاهر اليد
وإن حلف أحدهما ونكل الآخر

قضى للحالف بالجميع
وهل يحلف كل واحد على النصف الذي يحصل له أم على الجميع لأنه ادعاه وجهان
أصحهما الأول
قال الشافعي رضي الله عنه ولا أنظر إلى من إليه الدواخل والخوارج ولا أنصاف اللبن ولا معاقد القمط معناه لا أرجح بشىء منها
قال المفسرون لكلامه المراد بالخوارج الصور والكتابة المتخذة في ظاهر الجدار
وبالدواخل الطاقات والمحاريب في باطن الجدار
وبأنصاف اللبن أن يكون الجدار من لبنات مقطعة فتجعل الأطراف الصحاح إلى جانب ومواضع الكسر إلى جانب
ومعاقد القمط تكون في الجدار المتخذ من قصب أو حصير ونحوهما
وأغلب ما يكون ذلك في الستر بين السطوح فيشد بحبال أو خيوط
وربما جعل عليها خشبة معترضة فيكون العقد من جانب والوجه المستوي من جانب
ولو كان لأحدهما عليه جذوع لم يرجح لأنه لا يدل على الملك كما لو تنازعا دارا في يدهما ولأحدهما فيها متاع فإذا حلفا بقيت الجذوع بحالها لإحتمال أنها وضعت بحق
الرابعة السقف المتوسط بين سفل أحدهما وعلو الآخر كالجدار بين ملكيهما فإذا تداعياه فإن لم يكن إحداثه بعد بناء العلو كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو جعل في يد صاحب السفل لإتصاله ببنائه على سبيل الترصيف
وإن أمكن بأن يكون السقف عاليا فيثقب وسط الجدار وتوضع روؤس الجذوع في الثقب فيصير البيت بيتين فهو في أيديهما لإشتراكهما في الإنتفاع به
الخامسة علو الخان أو الدار لأحدهما والسفل للآخر وتنازعا في العرصة أو الدهليز
فإن كان المرقى في الصدر جعلت بينهما لأن لكل واحد يدا وتصرفا

بالإستطراق ووضع الأمتعة وغيرهما
قال الإمام وكان لا يبعد أن يقال ليس للعلو إلا الممر وتجعل الرقبة للسفل
لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب
وإن كان المرقى في الدهليز أو الوسط فمن أول الباب إلى المرقى بينهما وفيما وراءه وجهان
أصحهما لصاحب السفل لإنقطاع صاحب العلو عنه واختصاص صاحب السفل يدا وتصرفا
والثاني بينهما لأن صاحب العلو قد ينتفع به بوضع الأمتعة فيه وطرح القمامة
وإن كان المرقى خارجا فلا تعلق لصاحب العلو بالعرصة بحال
ولو تنازعا المرقى وهو داخل فإن كان منقولا كالسلم الذي يوضع ويرفع فإن كان في بيت لصاحب السفل فهو في يده وإن كان في غرفة لصاحب العلو ففي يده
وإن كان منصوبا في موضع المرقى فنقل ابن كج عن الأكثرين أنه لصاحب العلو لعود منفعته إليه
وعن ابن خيران أنه لصاحب السفل كسائر المنقولات
وهذا هو الوجه
وإن كان المرقى مثبتا في موضعه كالسلم المسمر والأخشاب المعقودة فلصاحب العلو لعود نفعه إليه
وكذا إن كان مبنيا من لبن أو آجر إذا لم يكن تحته شىء
فإن كان تحته بيت فهو بينهما كسائر السقوف
وإن كان تحته موضع حب أو جرة فالأصح أنه لصاحب العلو
والثاني أنه كما لو كان تحته بيت

كتاب الحوالة
أصلها مجمع عليه
ومن أحيل على مليء استحب أن يحتال
ولا بد في وجودها من ستة أمور محيل ومحتال ومحال عليه ودين للمحتال على المحيل ودين للمحيل على المحال عليه ومراضاة بالحوالة بين المحيل والمحتال
ويشترط في صحتها أمور
منها ما يرجع إلى الدينين ومنها ما يتعلق بالأشخاص الثلاثة
وفي حقيقة الحوالة وجهان
أحدهما أنها إستيفاء حق كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل وأقرضه المحال عليه
إذ لو كانت معاوضة لما جاز فيها التفرق قبل القبض إذا كانا ربويين
وأصحهما أنها بيع وهو المنصوص لأنها تبديل مال بمال
وعلى هذا وجهان
أحدهما أنها بيع عين بعين وإلا فيبطل للنهي عن بيع دين بدين
والصحيح أنها بيع دين بدين واستثني هذا للحاجة
قال الإمام وشيخه رحمهما الله لا خلاف في اشتمال الحوالة على المعنيين الإستيفاء والإعتياض والخلاف في أن أيهما أغلب أما شروطها فثلاثة
الأول الرضى فلا تصح إلا برضى المحيل والمحتال
وأما المحال عليه فإن كان عليه دين للمحيل لم يعتبر رضاه على الأصح
وإن لم يكن لم يصح بغير رضاه قطعا
وبإذنه وجهان بناء على أنها اعتياض أم استيفاء إن قلنا استيفاء صح وإلا فلا
فإن صححنا فوجهان
أحدهما يبرأ المحيل بنفس الحوالة كسائر الحوالات
وأصحهما وبه قطع الأكثرون لا يبرأ بل قبوله ضمان مجرد
فإن قلنا لا تصح هذه الحوالة فلا شىء على المحال عليه
فإن تطوع وأداه كان قضاء لدين غيره
وإن قلنا يصح فهو كما لو ضمن فيرجع على المحيل إن أدى بإذنه وكذا بغير إذنه على الأصح لجريان الحوالة بإذنه وفي رجوعه قبل

الأداء وجهان بناء على براءة المحيل
إن قلنا يبرأ فنعم وإلا فلا
وإذا طالب المحتال بالأداء فله مطالبة المحيل بتخليصه
وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن
ولو أبرأ المحتال لم يرجع على المحيل بشىء
ولو قبضه المحتال ثم وهبه له ففي الرجوع وجهان
قلت أصحهما الرجوع
والله أعلم
ولو ضمن عنه ضامن لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال منه أو من ضامنه
ولو أحال المحتال على غيره نظر إن أحاله على من عليه دين رجع على محيله بنفس الحوالة لحصول الأداء بها
وإن أحال على من لا دين عليه لم يرجع ( ما لم يرجع ) عليه الذي أحال عليه

فرع قد ذكرنا أن الرضى شرط

والمراد به الإيجاب والقبول
ولو قال المحتال أحلني
فقال أحلتك ففيه الخلاف السابق في مثله في البيع
وقيل ينعقد هنا قطعا لأن مبناها على الرفق والمسامحة
الشرط الثاني أن يكون دينا لازما أو مصيره إلى اللزوم
والدين ضربان
لازم وغيره
أما غيره ففيه مسائل
إحداها الثمن في مدة الخيار تصح الحوالة به وعليه على الأصح
فإن منعنا ففي انقطاع الخيار به وجهان
وإن جوزنا فقطع الإمام والغزالي بأنه لا يبطل الخيار
فلو اتفق فسخ البيع بطلت الحوالة لأنها إنما صحت لإفضاء البيع إلى اللزوم
فإذا لم يفض لم تصح
ومنقول الشيخ أبي علي واختياره بطلان

الخيار لأن مقتضى الحوالة اللزوم
فلو بقي الخيار فات مقتضاها فإن أبطلنا فأحال البائع المشتري على ثالث بطل خيارهما لتراضيهما
وإذا أحال البائع رجلا على المشتري لا يبطل خيار المشتري إلا إذا فرض منه قول ورضى
وأما الحوالة بالثمن بعد انقضاء الخيار وقبل قبض المبيع فالمذهب الذي عليه الجمهور القطع بجوازها
وللمسعودي إشارة إلى منعها لكونه غير مستقر
وقد اشتهر في كتب الأصحاب اشتراط استقرار ما يحال به وعليه
المسألة الثانية إذا أحال السيد على مكاتبه بالنجوم لم يصح على الأصح
وقال الحليمي يصح
ولو أحال المكاتب سيده بالنجوم صح على الأصح وبه قطع الأكثرون
ولو كان للسيد عليه دين معاملة فأحال عليه بني على أنه لو عجز نفسه هل يسقط ذلك الدين إن قلنا لا صحت وإلا فلا
قلت الأصح الصحة وبه قطع صاحب الشامل
والله أعلم
الثالثة مال الجعالة
القياس أن يجيء في الحوالة به وعليه الخلاف المذكور في الرهن به وفي ضمانه
وقطع المتولي بجوازها به وعليه بعد العمل ومنعها قبله
قلت قطع الماوردي بالمنع مطلقا
والله أعلم
قال المتولي لو أحال من عليه الزكاة الساعي جاز إن قلنا هي استيفاء
وإن قلنا اعتياض فلا لإمتناع أخذ العوض عن الزكاة
الضرب الثاني الدين اللازم فتجوز الحوالة به وعليه سواء اتفق الدينان في سبب الوجوب أو اختلفا بأن كان أحدهما ثمنا والآخر أجرة أو قرضا أو بدل متلف

قلت أطلق الإمام الرافعي أن الدين اللازم تصح الحوالة به وعليه واقتدى في ذلك بالغزالي وليس كذلك فإن دين السلم لازم ولا تصح الحوالة به ولا عليه على الصحيح وبه قطع الأكثرون
وحكي وجه فيالحاوي و التتمة وغيرهما أنه يجوز بناء على أنها استيفاء وسبقت هذه المسألة في باب حكم المبيع قبل القبض
فكان ينبغي أن يقول الدين المستقر ليخرج هذا
والله أعلم

فرع كل دين تجوز الحوالة به وعليه فسواء كان مثليا كالأثمان والحبوب
أو متقوما كالثياب والعبيد
وفي وجه يشترط كونه مثليا
ولا خلاف أنه يشترط العلم بقدر ما يحال به وعليه وبصفتهما إلا إذا أحال بابل الدية أو عليها وصححنا الحوالة في المنقولات فوجهان أو قولان بناء على جواز المصالحة والإعتياض عنها
والأصح المنع للجهل بصفتها
الشرط الثالث اتفاق الدينين فيشترط اتفاقهما جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسرا وجودة ورداءة وفي وجه تجوز الحوالة بالقليل على الكثير وبالصحيح على المكسر وبالجديد على الرديء وبالمؤجل على الحال وبالأبعد أجلا على الأقرب وكأنه تبرع بالزيادة
والصحيح المنع
قال المتولي ومعنى قولنا هذه الحوالة غير صحيحة عند الإختلاف أن الحق لا يتحول من الدراهم إلى الدنانير مثلا لكنها لو جرت فهي حوالة على من لا دين عليه وسبق حكمها
فصل الحوالة إذا جرت بشروطها برىء المحيل من دين المحتال وتحول الحق إلى

ذمة المح العليه من دين المحيل 0 حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرجوع إلى المحيل كما لو أخذ عوضا عن الدين ثم تلف في يده
فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الإفلاس أو الجحود فهل تصح الحوالة والشرط أم الحوالة فقط أم لا يصحان فيه أوجه هذا إذا طرأ الإفلاس
فلو كان مفلسا حال الحوالة فالصحيح المنصوص الذي عليه جمهور الأصحاب أنه لا خيار للمحتال سواء شرط يساره أم أطلق
وفي وجه يثبت خياره في الحالين وفي وجه يثبت إن شرط فقط
واختار الغزالي الثبوت مطلقا وهو خلاف المذهب

فرع صالح مع أجنبي عن دين على عين ثم جحده الأجنبي وحلف
إلى من كان عليه الدين و جهان
قال القاضي حسين نعم
وأبو عاصم لا
قلت الأصح قول القاضي
والله أعلم
فرع خرج المحال عليه عبدا

فإن كان لأجنبي وللمحيل دين في ذمته صحت الحوالة كما لو أحال على معسر ويتبعه المحتال بعد العتق
وهل له الرجوع على المحيل فيه خلاف مرتب على ما إذا بان معسرا وأولى بالرجوع
وإن كان عبدا للمحيل فإن كان له في ذمته دين بأن ثبت قبل ملكه وقلنا لا يسقط فهو كما لو كان لأجنبي
وإن لم يكن له في ذمته دين فهي حوالة على من لا دين

عليه
فإن صححناها وجعلناها ضمانا فهو ضمان العبد عن سيده بإذنه وسيأتي بيانه في كتاب الضمان إن شاء الله تعالى
ولا يخفى حكمه لو كان لأجنبي ولم يكن للمحيل عليه دين

فصل إذا اشترى عبدا وأحال البائع بالثمن على رجل ثم علم بالعبد
عيبا قديما فرده بالعيب أو بالإقالة أو التحالف أو غيرها ففي بطلان الحوالة ثلاثة طرق
أحدها البطلان
والثاني لا
والثالث على قولين
أظهرهما البطلان وهما مبنيان على أنها إستيفاء أم بيع إن قلنا إستيفاء بطلت وإلا فلا
قلت المذهب البطلان وصححه في المحرر
والله أعلم
وسواء كان الرد بالعيب بعد قبض المبيع أو قبله على المذهب وبه قطع الجمهور
وقيل إنما الخلاف إذا كان بعده
فإن رد قبله بطلت قطعا لعدم تأكدها
وسواء كان الرد بعد قبض المحتال مال الحوالة أم قبله على الأصح وهو إختيار الأكثرين
وقال العراقيون والشيخ أبو علي إن كان بعده لم تبطل قطعا وإنما الخلاف قبله
ولو أحال البائع رجلا على المشتري بالثمن فقيل فيه القولان والمذهب أنها لا تبطل قطعا وبه قطع الجمهور سواء قبض المحتال مال الحوالة من المشتري أم لا
والفرق أن هنا تعلق الحق بثالث فإذا القولان مخصوصان بالصورة الأولى فنفرع عليهما
فإن لم نبطلها لم يطالب المشتري المحال عليه بحال بل يرجع على البائع فيطالبه إن كان قبض مال الحوالة ولا يتعين حقه في ما أخذ بل له إبداله
وإن لم يقبضه فله قبضه
وهل للمشتري الرجوع

عليه قبل قبضه لكون الحوالة كالمقبوض أم لا لعدم حقيقة القبض وجهان
أصحهما الثاني
فعلى هذا له مطالبته بتحصيل القبض ليرجع عليه
وفي وجه لا يملك مطالبته بالتحصيل أيضا وهو شاذ ضعيف
وأما إذا أبطلنا الحوالة فإن كان قبض من المحال عليه فليس له رده عليه لأن قبضه بإذن المشتري
فلو رد لم يسقط عنه مطالبة المشتري بل يلزمه الرد على المشتري ويتعين حقه فيما قبضه
فإن كان تالفا لزمه بدله وإن لم يكن قبضه فليس له قبضه لأنه عاد إلى ملك المشتري كما كان فلو خالف وقبض لم يقع عنه وفي وقوعه عن المشتري وجهان
أحدهما يقع لبقاء الإذن
وأصحهما لا لعدم الحوالة والوكالة ولأنه إنما يقبض لنفسه ولم يبق له حق بخلاف ما إذا فسدت الشركة والوكالة فإن التصرف يصح لبقاء الإذن لكن التصرف يقع للموكل
أما في صورة إحالة البائع على المشتري إذا قلنا بالمذهب إنها لا تبطل فإن كان المحتال قبض من المشتري رجع المشتري على البائع وإن لم يقبض فهل للمشتري الرجوع في الحال أم لا يرجع إلا بعد القبض فيه الوجهان السابقان

فرع قال ابن الحداد إذا أحالها بصداقها ثم طلقها قبل الدخول لم
تبطل الحوالة وللزوج مطالبتها بنصف المهر
قال من شرح كتابه المسألة تترتب على ما إذا أحال المشتري البائع
فإن لم تبطل هناك فهنا أولى وإلا ففي بطلانها في نصف الصداق وجهان
والفرق أن الطلاق سبب حادث لا يستند إلى ما تقدم بخلاف الفسخ ولأن الصداق أثبت من غيره
ولو أحالها ثم انفسخ النكاح بردتها أو بفسخ أحدهما بعيب لم تبطل الحوالة على الأصح أيضا ويرجع الزوج عليها في صورة

الطلاق بنصف الصداق وبجميعه في الردة والفسخ
وإذا قلنا بالبطلان فليس له مطالبة المحال عليه ويطالب الزوج بالنصف في الطلاق

فرع باع عبدا وأحال بثمنه على المشتري ثم تصادق المتبايعان على

فإن وافقهما المحتال أو قامت بينة بحريته بطلت الحوالة لبطلان البيع فيرد المحتال ما أخذه على المشتري ويبقى حقه كما كان وهذه البينة يقيمها العبد أو يشهدون حسبة
ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان لأنهما كذباها بدخولهما في البيع
وإن كذبهما المحتال ولا بينة فلهما تحليفه على نفي العلم فإذا حلف بقيت الحوالة في حقه وله أخذ المال من المشتري
وهل يرجع المشتري على البائع لأنه قضى دينه بإذنه أم لا لأنه يقول ظلمني المحتال بما أخذ والمظلوم لا يطالب غير ظالمه قال في التهذيب بالثاني
وقال الشيخ أبو حامد وابن كج وأبو علي بالأول
فعلى هذا يرجع إذا دفع المال إلى المحتال
وفي رجوعه قبله الوجهان السابقان
وإن نكل المحتال حلف المشتري
ثم إن جعلنا اليمين المردودة كالإقرار بطلت الحوالة
وإن جعلناها كالبينة فهو كما لو حلف لأنه ليس للمشتري إقامة البينة
ثم ما ذكرناه في إقرار المحتال وقيام البينة من بطلان الحوالة مفروض فيما إذا وقع التعرض لكون الحوالة بالثمن
فإن لم تقع وزعم البائع أن الحوالة عليه بدين آخر له على المشتري
فإن أنكر المشتري أصل الدين فالقول قوله مع يمينه
وإن صدقه وأنكر الحوالة به فإن لم نعتبر رضى المحال عليه فلا عبرة بإنكاره
وإن اعتبرناه فهل القول قول مدعي صحة الحوالة أو فسادها فيه الخلاف في نظائرها

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28