كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

فحلا أو عكسه فله الرد لشدة اختلاف الأغراض
وقيل لا رد في الصورة الأولى
ولو شرط كونه مختونا فبان أقلف فله الرد وبالعكس لا رد
وقال في التتمة إلا أن يكون العبد مجوسيا
وهناك مجوس يشترون الأقلف بزيادة فله الرد
ولو شرط كونه أحمق أو ناقص الخلقة فهو لغو
وخيار الخلف على الفور فيبطل بالتأخير كما سنذكر في العيب إن شاء الله تعالى
ولو تعذر الرد بهلاك وغيره فله الأرش كما في العيب
ومسائل الفصل كلها مبنية على أن الخلاف في الشرط لا يفسد البيع
وحكي قول ضعيف أنه يفسده
الثاني من أسباب الظن اطراد العرف
فمن اشترى شيئا فوجده معيبا فله الرد
ومن باع شيئا يعلم به عيبا وجب عليه بيانه للمشتري
قلت ويجب أيضا على غير البائع ممن علمه إعلام المشتري
والله أعلم
فمن العيوب الخصاء والجب والزنا والسرقة في العبيد والإماء والإباق والبخر والصنان فيهما
والبخر الذي هو عيب هو الناشىء من تغير المعدة دون ما يكون لقلح الأسنان فإن ذلك يزول بتنظيف الفم
والصنان الذي هو عيب هو المستحكم الذي يخالف العادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ
ونص الأصحاب على أنه لو زنا مرة واحدة في يد البائع فللمشتري الرد وإن تاب وحسنت حاله لأن تهمة الزنا لا تزول ولهذا لا يعود إحصان الحر الزاني بالتوبة وكذلك الإباق والسرقة يكفي في كونهما عيبا مرة واحدة
ومن العيوب كون الدار أو الضيعة منزل الجند
قال القاضي حسين في فتاويه هذا إذا اختصت من بين ما حواليها بذلك فإن كان ما حواليها من الدور بمثابتها فلا رد وكونها ثقيلة الخراج عيب وإن كنا لانرى أصل الخراج في تلك البلاد لتفاوت القيمة

والرغبة
ونعني بثقل الخراج كونه فوق المعتاد في أمثالها
وفي وجه لا رد بثقل الخراج ولا بكونها منزل الجند
وألحق في التتمة بهاتين الصورتين ما إذا اشترى دارا فوجد بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الأبنية أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع
ولو اشترى أرضا يتوهم أن لا خراج عليها فبان خلافه فإن لم يكن على مثلها خراج فله الرد
وإن كان على مثلها ذلك القدر فلا رد
وبول الرقيق في الفراش عيب في العبد والأمة إذا كان في غير أوانه
أما في الصغر فلا
وقدره في التهذيب بما دون سبع سنين
والأصح اعتبار مصيره عادة
ومن العيوب مرض الرقيق وسائر الحيوانات سوى المرض المخوف وغيره
ومنها كون الرقيق مجنونا أو مخبلا أو أبله أو أبرص أو مجذوما أو أشل أو أقرع أو أصم أو أعمى أو أعور أو أخفش أو أجهر أو أعشى أو أخشم أو أبكم أو أرت لا يفهم أو فاقد الذوق أو أنملة أو الشعر أو الظفر أو له أصبع زائدة أو سن شاغية أو مقلوع بعض الأسنان وكون البهيمة درداء إلا في السن المعتاد وكونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بهق أو أبيض الشعر في غير أوانه ولا بأس بحمرته
قلت البهق بفتح الباء الموحدة والهاء وهو بياض يعتري الجلد يخالف لونه ليس ببرص
وأما السن الشاغية فهي الزائدة المخالفة لنبات الأسنان
والأخفش نوعان
أحدهما ضعيف البصر خلقة
والثاني يكون بعلة حدثت وهو الذي يبصر بالليل دون النهار وفي يوم الغيم دون الصحو وكلاهما عيب
وأما الأجهر بالجيم فهو الذي لا يبصر في الشمس
والأعشى هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل
والمرأة عشواء
والأخشم الذي في أنفه داء لا يشم شيئا
وتقدم بيان الأرت في صفة الأئمة
والله أعلم
ومنها كونه نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو مقامرا أو تاركا

للصلوات أو شاربا للخمر
وفي وجه ضعيف لا رد بالشرب وترك الصلاة
ومنها كونه خنثى مشكلا أو غير مشكل
وفي وجه ضعيف إن كان رجلا ويبول من فرج الرجال فلا رد
ومنها كون العبد مخنثا أو ممكنا من نفسه وكون الجارية رتقاء أو قرناء أو مستحاضة أو معتدة أو محرمة أو مزوجة وكون العبد مزوجا
وفي التزويج وجه ضعيف
قلت إذا أحرم بإذن السيد فللمشتري الخيار وإلا فلا لأن له تحليله كالبائع وقد قدمنا هذا في آخر كتاب الحج
والله أعلم
ومنها تعلق الدين برقبتهما ولا رد بما يتعلق بالذمة
ومنها كونهما مرتدين فلو بانا كافرين أصليين فقيل لا رد لا في العبد ولا في الإماء سواء كان ذلك الكفر مانعا من الاستمتاع كالتمجس والتوثن أو لم يكن كالتهود وبهذا قطع صاحب التتمة
والأصح ما في التهذيب أنه إن وجد الجارية مجوسية أو وثنية فله الرد وإن وجدها كتابية أو وجد العبد كافرا أي كفر كان فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل الرغبة فيه
وإن كان في بلاد الإسلام حيث تقل الرغبة في الكافر وتنقص قيمته فله الرد
ولو وجد الجارية لا تحيض وهي صغيرة أو آيسة فلا رد
وإن كانت في سن تحيض النساء في مثلها غالبا فله الرد
ولو تطاول طهرها وجاوز العادات الغالبة فله الرد
والحمل في الجارية عيب وفي سائر الحيوان ليس بعيب على الصحيح
وقال في التهذيب عيب
ومن العيوب كون الدابة جموحا أو عضوضا أو رموحا وكون الماء مشمسا والرمل تحت الأرض إن كانت مما تطلب للبناء والأحجار إن كانت مما تطلب للزرع والغرس
وليست حموضة الرمان بعيب بخلاف البطيخ

فرع لا رد بكون الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو
أو ولد زنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو قليل الأكل
وترد الدابة بقلة الأكل
ولا بكون الأمة ثيبا إلا إذا كانت صغيرة والمعهود في مثلها البكارة وإلا بكونها عقيما وكون العبد عنينا
وعن الصيمري إثبات الرد بالتعنين وهو الأصح عند الإمام
ولا بكون الأمة مختونة أو غير مختونة ولا بكون العبد مختونا أو غير مختون إلا إذا كان كبيرا يخاف عليه من الختان
وفي وجه لا تستثنى هذه الحالة أيضا
ولا بكون الرقيق ممن يعتق على المشتري ولا بكون الأمة أخته من الرضاع أو النسب أو موطوءة أبيه أو ابنه بخلاف المحرمة والمعتدة لأن التحريم هناك عام فتقل الرغبة وهنا خاص به
وفي وجه يلحق ما نحن فيه بالمحرمة والمعتدة
ولا أثر لكونها صائمة على الصحيح
وفي وجه باطل
ولو اشترى شيئا فبان أن بائعه باعه بوكالة أو وصاية أو ولاية أو أمانة فهل له الرد لخطر فساد النيابة وجهان
قلت الأصح أنه لا رد
والله أعلم
ولو بان كون العبد مبيعا في جناية عمد وقد تاب عنها فوجهان
فإن لم يتب فعيب
وجناية الخطأ ليست بعيب إلا أن يكثر

فرع من العيوب نجاسة المبيع إذا كان ينقص بالغسل

ومنها خشونة مشي الدابة بحيث يخاف منها السقوط وشرب البهيمة لبن نفسها
فرع ذكر القاضي أبو سعد بن أحمد في شرح أدب القاضي لأبي
فصلا في عيوب العبيد والجواري
منها اصطكاك الكعبين وانقلاب القدمين إلى الوحشي والخيلان الكثيرة وآثار الشجاج والقروح والكي وسواد الأسنان والكلف المغير للبشرة وذهاب الأشفار وكون أحد ثديي الجارية أكبر من الآخر والحفر في الأسنان وهو تراكم الوسخ الفاحش في أصولها
قلت في فتاوي الغزالي إذا اشترى أرضا فبان أنها تنز إذا زادت دجلة وتضر بالزرع فله الرد إن قلت الرغبة بسببه
والله أعلم
هذا ما حضر ذكره من العيوب ولا مطمع في استيعابها
فإن أردت ضبطا فأشد العبارات ما أشار إليه الإمام رحمه الله وهو أن يقال يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص العين أو القيمة تنقيصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثاله عدمه وإنما اعتبرنا نقص العين لمسألة الخصاء
وإنما لم نكتف بنقص العين بل شرطنا فوات غرض صحيح لأنه لو قطع من فخذه أو ساقه قطعة يسيرة لا تورث شينا ولا تفوت غرضا لا يثبت الرد
ولهذا قال

صاحب التقريب إن قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية ثبت الرد وإلا فلا
وإنما اعتبرنا الشرط المذكور لأن الثيابة مثلا في الإماء معنى ينقص القيمة لكن لا رد بها لأنه ليس الغالب فيهن عدم الثيابة

فصل العيب ينقسم إلى ما كان موجودا قبل البيع فيثبت به الرد
ما حدث بعده فينظر إن حدث قبل القبض فكمثل
وإن حدث بعده فله حالان
أحدهما أن لا يستند إلى سبب سابق على القبض فلا رد به
والثاني أن يستند وفيه صور
إحداها بيع المرتد صحيح على الصحيح كالمريض المشرف على الهلاك
وفي وجه لا يصح كالجاني
وأما القاتل في المحاربة فإن تاب قبل الظفر به فبيعه كبيع الجاني لسقوط العقوبة المتحتمة
وكذا إن تاب بعد الظفر وقلنا بسقوط العقوبة وإلا فثلاث طرق
أصحها أنه كالمرتد والثاني القطع بأنه لا يصح بيعه إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله بخلاف المرتد فإنه قد يسلم
والثالث أنه كبيع الجاني
فإن صححنا البيع في هذه الصور فقتل المرتد أو المحارب أو الجاني جناية توجب القصاص نظر إن كان ذلك قبل القبض انفسخ البيع وإن كان بعده وكان المشتري جاهلا بحاله فوجهان
أحدهما أنه من ضمان المشتري
وتعلق القتل به كالعيب
فإذا هلك رجع على البائع بالأرش وهو ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحقه من الثمن
وأصحهما أنه من ضمان البائع فيرجع المشتري عليه بجميع الثمن ويخرج على الوجهين مؤنة تجهيزه من الكفن والدفن وغيرهما
ففي الأول هي على المشتري
وفي الثاني على البائع
وإن كان المشتري عالما بالحال عند الشراء

أو تبين له بعد الشراء ولم يرد فعلى الوجه الأول لا يرجع بشىء كسائر العيوب
وعلى الثاني وجهان
أحدهما يرجع بجميع الثمن
وأصحهما لا يرجع بشىء لدخوله في العقد على بصيرة وإمساكه مع العلم بحاله
قلت قال صاحب التلخيص كل ما جاز بيعه فعلى متلفه القيمة إلا في مسألة وهو العبد المرتد يجوز بيعه ولا قيمة على متلفه
قال القفال هذا صحيح لا قيمة على متلفه لأنه مستحق الإتلاف
قال وكذا العبد إذا قتل في قطع الطريق فقتله رجل فلا قيمة عليه لأنه مستحق القتل
قال فهذا يجوز بيعه ولا قيمة على متلفه فهذه صورة ثانية
والله أعلم
الصورة الثانية بيع من وجب قطعه بقصاص أو سرقة صحيح بلا خلاف
لو قطع في يد المشتري عاد التفصيل المذكور في الصورة السابقة
فإن كان جاهلا بحاله حتى قطع فعلى الوجه الأول ليس له الرد لكون القطع من ضمانه لكن يرجع على البائع بالأرش وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن
وعلى الأصح له الرد واسترجاع جميع الثمن كما لو قطع في يدالبائع
فلو تعذر الرد بسبب فالنظر في الأرش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد سليما وأقطع
وإن كان المشتري عالما فليس له الرد ولا الأرش
الثالثة إذا اشترى مزوجة لم يعلم حالها حتى وطئها الزوج بعد القبض فإن كانت ثيبا فله الرد
وإن كانت بكرا فنقص الافتضاض من ضمان البائع أو المشتري فيه الوجهان
إن جعلناه من ضمان البائع فللمشتري الرد بكونها مزوجة
فإن تعذر الرد بسبب رجع بالأرش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة ومزوجة مفتضة من الثمن
وإن جعلناه من ضمان المشتري فلا رد له وله الأرش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن

وإن كان عالما بزواجها أو علم ورضي فلا رد له
فإن وجد بها عيبا قديما بعد ما افتضت في يده فله الرد إن جعلناه من ضمان البائع وإلا رجع بالأرش وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة
الرابعة لو اشترى عبدا مريضا واستمر مرضه إلى أن مات في يد المشتري فطريقان
أحدهما أنه على الخلاف في الصورة السابقة وبه قال الحليمي
وأصحهما وأشهرهما القطع بأنه من ضمان المشتري لأن المرض يتزايد والردة خصلة واحدة وجدت في يد البائع
فعلى هذا إن كان جاهلا رجع بالأرش وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا
وتوسط صاحب التهذيب بين الطريقين فقطع فيما إذا لم يكن المرض مخوفا بأنه من ضمان المشتري وجعل المرض المخوف والجرح الساري على الوجهين
الثالث من أسباب الظن الفعل المغرر
والأصل فيه التصرية وهي أن يربط أخلاف الناقة أو غيرها ويترك حلبها يوما فأكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها فيظن المشتري غزارة لبنها فيزيد في ثمنها
وهذا الفعل حرام لما فيه من التدليس ويثبت به الخيار للمشتري
وفي خياره وجهان
أصحهما أنه على الفور
والثاني يمتد إلى ثلاثة أيام
ولو عرف التصرية قبل ثلاثة أيام بإقرار البائع أو ببينة فخياره على الفور على الوجه الأول
وعلى الثاني يمتد إلى آخر الثلاثة
وهل ابتداؤها من العقد أو من التفرق فيه الوجهان في خيار الشرط
ولو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها فعلى الوجه الثاني لا خيار لامتناع مجاوزة الثلاثة
وعلى الأول يثبت على الفور قطعا
ولو اشترى عالما بالتصرية فله الخيار على الثاني للحديث ولا خيار على الأول كسائر العيوب

فرع إن علم التصرية قبل الحلب ردها ولا شىء عليه
وإن كان بعده فإن كان اللبن باقيا لم يكلف المشتري رده مع المصراة لأن ما حدث بعد البيع ملكه وقد اختلط بالمبيع وتعذر التمييز
وإذا أمسكه كان كما لو تلف
فإن أراد رده فهل يجبر عليه البائع وجهان
أحدهما نعم لأنه أقرب من بدله
وأصحهما لا لذهاب طراوته
ولا خلاف أنه لو حمض لم يكلف أخذه
وإن كان تالفا فيرد مع المصراة صاعا من تمر
وهل يتعين جنس التمر وقدر الصاع أما الجنس فالأصح أنه يتعين التمر
فإن أعوز قال الماوردي رد قيمته بالمدينة
والثاني لا يتعين
فعلى هذا وجهان
أصحهما القائم مقامه الأقوات كصدقة الفطر
قال الإمام ولا يتعدى هنا إلى الأقط
وعلى هذا وجهان
أحدهما يتخير بين الأقوات
وأصحهما الاعتبار بغالب قوت البلد
والوجه الثاني يقوم مقامه أيضا غير الأقوات
حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو قيمته عند إعواز المثل أجبر البائع على القبول كسائر المتلفات
وهذا كله إذا لم يرض البائع فأما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه فيجوز بلا خلاف كذا قاله في التهذيب وغيره
وذكر ابن كج وجهين في جواز إبدال التمر بالبر إذا تراضيا
وأما القدر فوجهان
أصحهما الواجب صاع قل اللبن أو وكثر للحديث
والثاني يتقدر الواجب بقدر اللبن
وعلى هذا فقد يزيد الواجب على الصاع وقد ينقص
ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة وقطع بوجوب الصاع إذا نقصت عن النصف ومنهم من أطلقه
ومتى قلنا بالثاني قال الإمام تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز
فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة

فرع لو اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصراة فعلى الأصح يردها
ويسترد الصاع الذي هو ثمن
وعلى الثاني تقوم مصراة وغير مصراة ويجب بقدر التفاوت من الصاع
فرع غير المصراة إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب قال في التهذيب
بدل اللبن كالمصراة
وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه أنه لا يرده لأنه قليل غير معتنى بجمعه بخلاف المصراة
ورأى الإمام تخريج ذلك على أن اللبن هل يأخذ قسطا من الثمن أم لا والصحيح الأخذ
فرع لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلب ناسيا أو لشغل
أو تصرت بنفسها ففي ثبوت الخيار وجهان
أحدهما لا وبه قطع الغزالي لعدم التدليس
وأصحهما عند صاحب التهذيب نعم لحصول الضرر
فرع خيار التصرية يعم الحيوانات المأكولة

وفي وجه شاذ يختص بالنعم

ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة فأوجه
الصحيح أنه يردها ولا يرد للبن شيئا لأنه نجس
والثاني يردها ويرد بدله قاله الاصطخري لذهابه إلى أنه طاهر مشروب
والثالث لا يردها لحقارة لبنها
ولو اشترى جارية فوجدها مصراة فأوجه
أصحها يرد ولا يرد بدل اللبن لأنه لا يعتاض عنه غالبا
والثاني يرد ويرد بدله
والثالث لا يرد بل يأخذ الأرش

فرع هذا الخيار غير منوط بالتصرية لذاتها بل لما فيها من التلبيس
فيلتحق بها ما يشاركها فيه
حتى لو حبس ماء القناة أو الرحى ثم أرسله عند البيع أو الإجارة فظن المشتري كثرته ثم تبين له الحال فله الخيار
وكذا لو حمر وجه الجارية أو سود شعرها أو جعده أو أرسل الزنبور على وجهها فظنها المشتري سمينة ثم بان خلافه فله الخيار
ولو لطخ ثوب العبد بالمداد أو ألبسه ثوب الكتاب أو الخبازين وخيل كونه كاتبا أو خبازا فبان خلافه أو أكثر علف البهيمة حتى انتفخ بطنها فظنها المشتري حاملا أو أرسل الزنبور في ضرعها فانتفخ وظنها لبونا فلا خيار على الأصح لتقصير المشتري
فرع لو بانت التصرية لكن در اللبن على الحد الذي أشعرت به
واستمر كذلك ففي ثبوت الخيار وجهان كالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم إلا بعد زواله وكالقولين فيما لو عتقت الأمة تحت عبد ولم يعلم عتقها حتى عتق الزوج

فرع رضي بإمساك المصراة ثم وجد بها عيبا قديما نص أنه
بدل اللبن وهو المذهب
وقيل هو كمن اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد رد الآخر فيخرج على تفريق الصفقة
فرع الخيار في تلقي الركبان مستنده التعزير كالتصرية

وكذا خيار النجش إن أثبتناه
وقد سبق بيانهما في باب المناهي
فرع مجرد الغبن لا يثبت الخيار وإن تفاحش

ولو اشترى زجاجة بثمن كثير يتوهمها جوهرة فلا خيار له ولا نظر إلى ما يلحقه من الغبن لأن التقصير منه حيث لم يراجع أهل الخبرة ونقل المتولي وجها شاذا أنه كشراء الغائب وتجعل الرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي الغرر كالمعدومة
فصل إذا باع بشرط أنه بريء من كل عيب بالمبيع فهل يصح
فيه أربع طرق
أصحها أن المسألة على ثلاثة أقوال
أظهرها يبرأ في الحيوان عما لا يعلمه البائع دون ما يعلمه ولا يبرأ في غير الحيوان بحال
والثاني يبرأ

من كل عيب ولا رد بحال
والثالث لا يبرأ من عيب ما
والطريق الثاني القطع بالقول الأول
والطريق الثالث يبرأ في الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم ولا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم وفي غير المعلوم قولان
والطريق الرابع فيه ثلاثة أقوال في الحيوان وغيره
ثالثها الفرق بين المعلوم وغيره
ولو قال بعتك بشرط أن لا ترد العيب جرى فيه هذا الخلاف
وزعم صاحب التتمة أنه فاسد قطعا مفسد للعقد
ولو عين عيبا وشرط البراءة منه نظر إن كان مما لا يعاين كقوله بشرط براءتي من الزنا أو السرقة أو الإباق برىء منه بلا خلاف لأن ذكرها إعلام بها
وإن كان مما يعاين كالبرص فإن أراه قدره وموضعه برىء قطعا وإلا فهو كشرط البراءة مطلقا لتفاوت الأغراض باختلاف قدره وموضعه
ووهكذا فصلوا وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب
فأما ما لا يعرفه ويريد البراءة منه لو كان فقد حكى الإمام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا
التفريع إن بطل هذا الشرط لم يبطل به البيع على الأصح
وإن صح فذلك في العيوب الموجودة حال العقد
فأما الحادث بعده وقبل القبض فيجوز ارد به
ولو شرط البراءة من العيوب الكائبة والتي ستحدث فوجهان
أصحهما وبه قطع الأكثرون أنه فاسد
فإن أفرد ما سيحدث بالشرط فأولى بالفساد
وأما إذا فرعنا على أظهر الأقوال فكما لا يبرأ عما علمه وكتمه فكذا لا يبرأ عن العيوب الظاهرة من الحيوان لسهولة معرفتها وإنما يبرأ عن عيوب باطن الحيوان التي لا يعلمها
ومنهم من اعتبر نفس العلم ولم يفرق بين الظاهر والباطن
وهل يلحق ما مأكوله في جوفه بالحيوان قيل نعم لعسر معرفته
وقال الأكثرون لا لتبدل أحوال الحيوان

فصل من موانع الرد
أن لا يتمكن المشتري من رد المبيع وذلك قد يكون لهلاكه وقد يكون مع بقائه
وعلى التقدير الثاني قد يكون لخروجه عن قبول النقل من شخص إلى شخص وربما كان مع قبوله للنقل
وعلى التقدير الثاني فربما كان لزوال ملكه وربما كان مع بقائه لتعلق حق مانع
الحال الأول والثاني إذا هلك المبيع في يد المشتري بأن مات العبد أو قتل أو تلف الثوب أو أكل الطعام أو خرج عن أن يقبل النقل بأن أعتق العبد أو استولد الجارية أو وقف الضيعة ثم علم كونه معيبا فقد تعذر الرد لفوات المردود لكن يرجع على البائع بالأرش والأرش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة
وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لأنه لو بقي كل المبيع عند البائع كان مضمونا عليه بالثمن
فإذا احتبس جزء منه كان مضمونا بجزء من الثمن
مثاله كانت القيمة مائة دون العيب وتسعين مع العيب فالتفاوت بالعشر فيكون الرجوع بعشر الثمن
فإن كان مائتين فبعشرين
وإن كان خمسين فبخمسة
وأما القيمة المعتبرة فالمذهب أنه تعتبر أقل القيمتين من يوم البيع ويوم القبض وبهذا قطع الأكثرون
وقيل فيها أقوال
أظهرها هذا
والثاني يوم القبض
والثالث يوم البيع
وإذا ثبت الأرش فلو كان الأرش بعد في ذمة المشتري بريء من قدر الأرش
وهل يبرأ بمجرد الاطلاع على العيب أم يتوقف على الطلب وجهان
أصحهما الثاني وإن كان قد وفاه وهو باق في يد البائع فهل يتعين لحق المشتري أم يجوز للبائع إبداله وجهان
أصحهما الأول

ولو كان المبيع باقيا والثمن تالفا جاز الرد ويأخذ مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى يوم القبض ويجوز الاستبدال عنه كالقرض وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوه كالتلف
ولو خرج وعاد فهل يتعين لأخذ المشتري أم للبائع إبداله وجهان
أصحهما أولهما
وإن كان الثمن باقيا في يده بحاله فإن كان معينا في العقد أخذه
وإن كان في الذمة ونقده ففي تعيينه لأخذ المشتري وجهان
وإن كان ناقصا نظر إن تلف بعضه أخذ الباقي وبدل التالف
وإن كان نقص صفة كالشلل ونحوه لم يغرم الأرش على الأصح
كما لو زاد زيادة متصلة يأخذها مجانا
ولو لم تنقص القيمة بالعيب كخروج العبد خصيا فلا أرش
ولو اشترى عبدا بشرط العتق ثم وجد به عيبا بعدما أعتقه نقل ابن كج عن ابن القطان أنه لا أرش له هنا
ونقل عنه وجهين فيمن اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبا قال وعندي له الأرش في الصورتين
الحال الثالث لو زال ملكه عن المبيع ثم علم به عيبا فلا رد في الحال
وأما الرجوع بالأرش فإن زالال بعوض كالهبة بشرط الثواب والبيع فقولان
أحدهما يرجع كما لو مات وهذا تخريج ابن سريج
فعلى تخريجه لو أخذ الأرش ثم رد عليه مشتريه بالعيب فهل له رده مع الأرش واسترداد الثمن وجهان
والقول الثاني وهو المشهور لا يرجع
ولم لا يرجع قال أبو إسحق وابن الحداد لأنه استدرك الظلامة
وقال ابن أبي هريرة لأنه ما أيس من الرد فربما عاد إليه فرده
وهذا المعنى هو الأصح وهو منصوص عليه في اختلاف العراقيين
وإن زال بلا عوض فعلى تخريج ابن سريج يرجع بالأرش
وعلى المشهور وجهان بناء على المعنيين
إن قلنا بالأول رجع لأنه لم يستدرك الظلامة
وإن قلنا بالثاني فلا لأنه

ربما عاد إليه
ومنهم من قطع بعدم الرجوع هنا
وإن عاد الملك إليه بعد زواله نظر هل زال بعوض أم بغيره فهما ضرب
الضرب الأول أن يزول بعوض بأن باعه فينظر أعاد بطريق الرد بالعيب أم بغيره فهما قسمان
القسم الأول أن يعود بطريق الرد بالعيب فله رده على بائعه لأنه زال التعذر وبان أنه لم يستدرك الظلامة وليس للمشتري الثاني رده على البائع الأول لأنه لم يملك منه
ولو حدث به عيب في يد المشتري الثاني ثم ظهر عيب قديم فعلى تخريج ابن سريج للمشتري الأول أخذ الأرش من بائعه كما لو لم يحدث عيب ولا يخفى الحكم بينه وبين المشتري الثاني
وعلى المشهور ينظر إن قبله المشتري الأول مع عيبه الحادث خير بائعه إن قبله فذاك وإلا أخذ الأرش منه
وعن ابن القطان لا يأخذه واسترداده رضى بالعيب
وإن لم يقبله وغرم الأرش للثاني ففي رجوعه بالأرش على بائعه وجهان
أحدهما لا يرجع وبه قال ابن الحداد لأنه لو قبله ربما قبله منه بائعه فكان متبرعا بغرامة الأرش
وأصحهما يرجع لأنه ربما لا يقبله بائعه فيتضرر
وعلى الوجهين لا يرجع ما لم يغرم للثاني لأنه ربما لا يطالبه فيبقى مستدركا للظلامة
ولو كانت المسألة بحالها وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان عبدا فأعتقه ثم ظهر العيب القديم رجع المشتري الثاني بالأرش على المشتري الأول والأول بالأرش على بائع بلا خلاف لحصول اليأس من الرد لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرمه لمشتريه وجهان بناء على المعنيين
إن عللنا باستدراك الظلامة لم يرجع ما لم يغرم وإن عللنا بالثاني رجع
ويجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه القسم الثاني أن يعود لا بطريق الرد بأن عاد بإرث أو هبة أو قبول وصية أو إقالة فهل له رده على بائعه وجهان لهما مأخذان
أحدهما البناء

على المعنيين السابقين
إن عللنا بالأول لم يرد لأنه استدرك الظلامة ولم يبطل ذلك الاستدراك بخلاف ما لو رد عليه بالعيب
وإن عللنا بالثاني رد لزوال التعذر كما لو رد عليه بعيب
وأما المأخذ الثاني أن الملك العائد هل ينزل منزلة غير الزائل وإن عاد بطريق الشراء ثم ظهر عيب قديم كان في يد البائع الأول فإن عللنا بالمعنى الأول لم يرد على البائع الأول لحصول الاستدراك ويرد على الثاني
وإن عللنا بالثاني فإن شاء رد على الأول وإن شاء على الثاني
وإذا رد على الثاني فله أن يرد عليه وحينئذ يرد هو على الأول
ويجيء وجه أنه لا يرد على الأول بناء على أن الزائل العائد كالذي لم يعد
ووجه أنه لا يرد على الثاني لأنه لو رد عليه لرد هو أيضا عليه
الضرب الثاني أن يزول لا بعوض فينظر إن عاد أيضا لا بعوض فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الأرش لو لم يعد إن قلنا لا فله الرد
وإن قلنا يأخذ فهل ينحصر الحق فيه أم يعود إلى الرد عند القدرة وجهان
وإن عاد بعوض بأن اشتراه فإن قلنا لا يرد في الحالة الأولى فكذا هنا ويرده على البائع الأخير
وإن قلنا يرد فهنا نل يرد على الأول أو على الثاني أم يتخير فيه ثلاثة أوجه

فرع باع زيد عمرا شيئا ثم اشتراه منه فظهر عيب كان في
كانا عالمين بالحال فلا رد
وإن كان زيد عالما فلا رد له ولا لعمرو أيضا لزوال ملكه ولا أرش له على الصحيح لاستدراك الظلامة أو لتوقع العود
فإن تلف في يد زيد أخذ الأرش على التعليل الثاني
وهكذا الحكم لو باعه لغيره
وإن كان عمرو عالما فلا رد له ولزيد الرد
وإن كانا جاهلين فلزيد

الرد إن اشتراه بغير جنس ما باعه أو بأكثر منه ثم لعمرو أن يرد عليه
وإن اشتراه بمثله فلا رد لزيد في أحد الوجهين لأن عمرا يرده عليه فلا فائدة وله الرد في أصحهما لأنه ربما رضي به فلم يرد
ولو تلف في يد زيد ثم علم به عيبا قديما فحيث يرد لو بقى يرجع بالأرش وحيث لا يرد لا يرجع
الحال الرابع إذا تعلق به حق بأن رهنه ثم علم العيب فلا رد في الحال
وهل له الأرش إن عللنا باستدراك الظلامة فنعم
وإن عللنا بتوقع العود فلا
فعلى هذا لو تمكن من الرد رده
وإن حصل اليأس أخذ الأرش
وإن أجره ولم نجوز بيع المستأجر فهو كالرهن
وإن جوزناه فإن رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الإجارة رد عليه وإلا تعذر الرد وفي الأرش وجهان
ويجريان فيما لو تعذر الرد بإباق أو غصب
ولو عرف العيب بعد تزويج الجارية أو العبد ولم يرض البائع بالأخذ قطع بعضهم بأن المشتري يأخذ الأرش هنا لأنه لم يستدرك الظلامة والنكاح يراد للدوام فاليأس حاصل
واختاره الروياني والمتولي
ولو عرفه بعد الكتابة ففي التتمة أنه كالتزويج
وذكر الماوردي أنه لا يأخذ الأرش على المعنيين بل يصبر لأنه قد يستدرك الظلامة بالنجوم وقد يعود إليه بالعجز فيرده
والأصح أنه كالرهن وأنه لا يحصل الاستدراك بالنجوم

فصل الرد بالعيب على الفور فيبطل بالتأخير بلا عذر

ولا يتوقف على حضور الخصم وقضاء القاضي
والمبادرة إلى الرد معتبرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد
ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله التأخير إلى فراغه

وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس
وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا
ولو اطلع ليلا فله التأخير إلى الصباح
وإن لم يكن عذر فقد ذكر الغزالي فيه ترتيبا مشكلا خلاف المذهب
واعلم أن كيفية المبادرة وما يكون تقصيرا وما لا يكون إنما نبسطه في كتاب الشفعة ونذكر هنا ما لا بد منه فالذي فهمته من كلام الأصحاب أن البائع إن كان في البلد رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا إن كان وكيله حاضرا ولا حاجة إلى المرافعة إلى القاضي
ولو تركه ورفع الأمر إلى القاضي فهو زيادة توكيد
وحاصل هذا تخييره بين الأمرين
وإن كان غائبا عن البلد رفع إلى القاضي
قال القاضي حسين في فتاويه يدعي شراء ذلك الشىء من فلان الغائب بثمن معلوم وأنه أقبضه الثمن وظهر العيب وأنه فسخ ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع البينة لأنه قضاء على غائب ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يد عدل ويبقى الثمن دينا على الغائب فيقضيه القاضي من ماله
فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه
وإلى أن ينتهي إلى الخصم أو القاضي في الحالين لو تمكن من الإشهاد على الفسخ هل يلزمه وجهان
قطع صاحب التتمة وغيره باللزوم
ويجري الخلاف فيما لو أخر بعذر مرض أو غيره
ولو عجز في الحال عن الإشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ وجهان
أصحهما عند الإمام وصاحب التهذيب لا حاجة إليه
وإذا لقي البائع فسلم عليه لم يضر
فلو اشتغل بمحادثته بطل حقه

فرع لو أخر الرد مع العلم بالعيب ثم قال أخرت لأني
الرد فإن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام قبل قوله وله الرد وإلا فلا
ولو قال لم أعلم أنه يبطل بالتأخير قبل قوله لأنه يخفى على العوام
قلت إنما يقبل قوله لم أعلم أن الرد على الفور وقول الشفيع لم أعلم أن الشفعة على الفور إذا كان ممن يخفى عليه مثله وقد صرح الغزالي وغيره بهذا في كتاب الشفعة
والله أعلم
فرع حيث بطل الرد بالتقصير بطل الأرش

فرع ليس لمن له الرد أن يمسك المبيع ويطالب بالأرش وليس للبائع
أن يمنعه من الرد ويدفع الأرش
فلو رضيا بترك الرد على جزء من الثمن أو مال آخر ففي صحة هذه المصالحة وجهان أصحهما المنع فيجب على المشتري رد ما أخذ
وهل يبطل حقه من الرد وجهان
أصحهما لا والوجهان إذا ظن صحة المصالحة
فإن علم بطلانها بطل حقه قطعا

فرع كما أن تأخير الرد مع الإمكان تقصير فكذا الاستعمال والانتفاع
والتصرف لإشعارها بالرضى
فلو كان المبيع رقيقا فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي بطل حقه
وإن كان بشىء خفيف كقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ففيه وجه أنه لا يضر لأنه قد يؤمر به غير المملوك وبه قطع الماوردي وغيره
والأصح الأشهر أنه لا فرق
قلت قال القفال في شرح التلخيص لو جاءه العبد بكوز ماء فأخذ الكوز لم يضر لأن وضع الكوز في يده كوضعه على الأرض
فإن شرب ورد الكوز إليه فهو استعمال
والله أعلم
ولو ركب الدابة لا للرد بطل حقه وإن ركبها للرد أو السقي فوجهان
أصحهما البطلان أيضا كما لو لبس الثوب للرد فإن كانت جموحا يعسر سوقها وقودها فهو معذور في الركوب
ولو ركبها للانتفاع فاطلع على العيب لم تجز استدامة الركوب وإن توجه للرد
وإن كان لابسا فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد ولم ينزع فهو معذور لأن نزع الثوب في الطريق لا يعتاد قاله الماوردي
ولو علف الدابة أو سقاها أو حلبها في الطريق لم يضر
ولو كان عليها سرج أو إكاف فتركه عليها بطل حقه لأنه انتفاع ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل
ويعذر بترك العذار واللجام لأنهما خفيفان لا يعد تعليقهما على الدابة انتفاعا ولأن القود يعسر دونهما
ولو أنعلها في الطريق قال الشيخ أبو حامد إن كانت تمشى بلا نعل بطل حقه وإلا فلا
ونقل الروياني وجها في جواز الانتفاع في الطريق مطلقا حتى روى عن أبيه جواز وطء الجارية الثيب

قلت لو اشترى عبدا فأبق قبل القبض فأجاز المشتري البيع ثم أراد الفسخ فله ذلك ما لم يعد العبد إليه
وذكره الإمام الرافعي في آخر المسائل المنثورة في آخر كتاب الإجارة وسأذكره إن شاء الله تعالى هناك
والله أعلم

فصل إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة ثم
عيب قديم لم يملك الرد قهرا لما فيه من الإضرار بالبائع ولا يكلف المشتري الرضى به بل يعلم البائع به فإن رضي به معيبا قيل للمشتري إما أن ترده وإما أن تقنع به ولا شىء لك
وإن لم يرض به فلا بد من أن يضم المشتري أرش العيب الحادث إلى المبيع ليرده أو يغرم البائع للمشتري أرش العيب القديم ليمسكه
فإن اتفقا على أحد هذين المسلكين فذاك
وإن اختلفا فدعا أحدهما إلى الرد مع أرش العيب الحادث ودعا الآخر إلى الإمساك وغرامة أرش العيب القديم ففيه أوجه
أحدها المتبع قول المشتري
والثاني رأي البائع والثالث وهو أصحها المتبع رأي من يدعو إلى الإمساك والرجوع بأرش القديم سواء كان البائع أو المشتري
وما ذكرناه من إعلام المشتري البائع يكون على الفور
فإن أخره بلا عذر بطل حقه من الرد والأرش إلا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالبا كالرمد والحمى فلا يعتبر الفور على أحد القولين بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث
ومهما زال العيب الحادث بعدما أخذ المشتري أرش العيب القديم أو قضى به القاضي ولم يأخذه فهل له الفسخ ورد الأرش وجهان
أصحهما لا
ولو تراضيا ولا قضاء فالأصح أن له الفسخ

فرع لو علم العيب القديم بعد زوال الحادث رد على الصحيح
ضعيف جدا
ولو زال القديم قبل أخذ أرشه لم يأخذه
وإن زال بعد أخذه رده على المذهب
وقيل وجهان كما لو نبتت سن المجني عليه بعد أخذ الدية هل يردها فرع كل ما يثبت الرد على البائع لو كان عنده يمنع الرد إذا حدث عند المشتري
وما لا رد به على البائع لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري إلا في الأقل
فلو خصي العبد ثم علم به عيبا قديما فلا رد وإن زادت قيمته
ولو نسي القرآن أو صنعة ثم علم به عيبا قديما فلا رد لنقصا القيمة
ولو زوجها ثم علم بها عيبا فكذلك
قال الروياني إلا أن يقول الزوج إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق وكان ذلك قبل الدخول فله الرد لزوال المانع
ولو علم عيب جارية اشتراها من أبيه أو ابنه بعد أن وطئها وهي ثيب فله الرد وإن حرمت على البائع لأن القية لم تنقص بذلك
وكذا لو كانت الجارية رضيعة فأرضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ثم علم بها عيبا
وإقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة أو بدين الإتلاف مع تكذيب المولى لا يمنع الرد بالعيب القديم
وإن صدقه المولى على دين الإتلاف منع منه
فإن عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الأرش فهل له الفسخ ورد الأرش

وجهان جاريان فيما إذا أخذ المشتري الأرش لرهنه العبد أو كتابته أو إباقه أو غصبه ونحوها
إن مكناه من ذلك ثم زال المانع من الرد قال في التهذيب أصحهما لا فسخ

فرع حدث في يد المشتري نكتة بياض في عين العبد ووجد نكتة
فزالت إحداهما فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد ولا أرش
وقال المشتري بل الحادثة ولي الرد حلفا على ما قالا
فإن حلف أحدهما دون الآخر قضي له
وإن حلفا استفاد البائع دفع الرد والمشتري أخذ الأرش
فإن اختلفا في الأرش فليس له إلا الأقل لأنه المستيقن
فصل إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا بمائة
ثم اطلع على عيب قديم وقد حدث عنده عيب فأوجه
أصحها عند الأكثرين يفسخ البيع ويرد الحلي مع أرش النقص الحادث ولا يلزم الربا لأن المقابلة بين الحلي والثمن وهما متماثلان
والعيب الحادث مضمون عليه كعيب المأخوذ على جهة السوم فعليه غرامته
والثاني وهو قول ابن سريج أنه يفسخ العقد لتعذر إمضائه ولا يرد الحلي على البائع لتعذر رده مع الأرش ودونه فيجعل كالتالف فيغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم سليما عن الحادث
واختار الغزالي هذا الوجه وضعفه الإمام وغيره
والثالث وهو قول صاحب التقريب والداركي واختاره الإمام وغيره أنه يرجع بأرش العيب القديم كسائر الصور

والمماثلة في الربوي إنما تشترط في ابتداء العقد والأرش حق وجب بد ذلك لا يقدح في العقد السابق
وقياس هذا الوجه تجويز الرد مع الأرش عن الحادث كسائر الأموال
وإذا أخذ الأرش فقيل يشترط كونه من غير جنس العوضين حذرا من الربا
والأصح جوازه منهما لأنه لو امتنع الجنس لامتنع غيره لأنه بيع ربوي بجنسه مع شىء آخر
ولو عرف العيب القديم بعد تلف الحلي عنده فالذي ذكره صاحبا الشامل والتتمة أنه يفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم قيمة التالف ولا يمكن أخذ الأرش للربا
وفي وجه يجوز أخذ الأرش وصححه في التهذيب
وعلى هذا ففي اشتراط كونه من غير الجنس ما سبق
ولا يخفى أن المسألة لا تختص بالحلي والنقد بل تجري في كل ربوي بيع بجنسه

فرع لو أنعل الدابة ثم علم بها عيبا قديما نظر إن لم
النعل فله نزعه والرد
فإن لم ينزع والحالة هذه لم يجب على البائع قبول النعل
وإن كان النزع يخرم ثقب المسامير ويعيب الحافر فنزع بطل حقه من الرد والأرش وفيه احتمال للإمام
ولو ردها مع النعل أجبر البائع على القبول وليس للمشتري طلب قيمة النعل
ثم ترك النعل هل هو تمليك من المشتري فيكون للبائع لو سقط أم إعراض فيكون للمشتري وجهان
أشبههما الثاني
فرع لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم علم عيبه فإن
غير

أن يطالب بشىء فعلى البائع القبول ويصير الصبغ ملكا للبائع لأنه صفة للثوب لا تزايله وليس كالنعل
هذا لفظ الإمام قال ولا صائر إلى أنه يرد ويبقى شريكا في الثوب كما في المغصوب والاحتمال يتطرق إليه
وإن أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ ففي وجوب الإجابة على البائع وجهان
أصحهما لا تجب لكن يأخذ المشتري الأرش
ولو طلب المشتري أرش العيب وقال البائع رد الثوب لأغرم لك قيمة الصبغ ففيمن يجاب وجهان
وقطع ابن الصباغ والمتولي بأن المجاب البائع ولا أرش للمشتري

فرع لو قصر الثوب ثم علم العيب بني على أن القصارة عين
قلنا عين فكالصبغ
وإن قلنا أثر رد الثوب بلا شىء كالزيادات المتصلة وعلى هذا فقس نظائره
فصل إذا اشترى ما مأكوله في جوفه كالرانج والبطيخ والرمان والجوز واللوز
قيمة كالبيضة المذرة التي لا تصلح لشىء والبطيخة الشديدة التغير رجع بجميع الثمن نص عليه
وكيف طريقه قال معظم الأصحاب يتبين فساد البيع لوروده على غير متقوم
وقال القفال وطائفة لا يتبين فساد البيع بل طريقه

استدراك الظلامة
وكما يرجع بجزء من الثمن لنقص جزء من المبيع يرجع بكله لفوات كل المبيع
وتظهر فائدة الخلاف في أن القشور الباقية بمن يختص حتى يكون عليه تنظيف الموضع منها أما إذا كان لفاسدة قيمة كالرانج وبيض النعام والبطيخ إذا وجده حامضا أو مدود بعض الأطراف فللكسر حالان
أحدهما أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله فقولان
أظهرهما عند الأكثرين له رده قهرا كالمصراة
والثاني لا كما لو قطع الثوب
فعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة فيرجع المشتري بأرش العيب القديم أو يضم أرش النقصان إليه ويرده كما سبق
وعلى الأول هل يغرم أرش الكسر قولان
أظهرهما لا لأنه معذور
والثاني يغرم ما بين قيمته صحيحا فاسد اللب ومكسورا فاسد اللب ولا ينظر إلى الثمن
الحال الثاني أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد بأقل من لك الكسر فلا رد على المذهب كسائر العيوب
وقيل بطرد القولين
إذا عرفت هذا فكسر الجوز ونحوه وثقب الرانج من صور الحال الأول
وكسر الرانج وترضيض بيض النعام من صور الحال الثاني
وكذا تقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شىء فيه وكذا التقوير الكبير إذا أمكن معرفته بالتقوير الصغير
والتدويد لا يعرف إلا بالتقوير وقد يحتاج إلى الشق ليعرف وقد يستغنى في معرفة حال البيض بالقلقلة عن الكسر
ولو شرط في الرمان الحلاوة فبان حامضا بالغرز رد
وإن بان بالشق فلا

فرع اشترى ثوبا مطويا وهو مما ينقص بالنشر فنشره ووقف على عيب

به لا يوقف عليه إلا بالنشر ففيه القولان
كذا أطلقه الأصحاب على طبقاتهم مع جعلهم بيع الثوب المطوي من صور بيع الغائب ولم يتعرض الأئمة لهذا الإشكال إلا من وجهين
أحدهما ذكر إمام الحرمين أن هذا الفرع مبني على تصحيح بيع الغائب
والثاني قال صاحب الحاوي وغيره إن كان مطويا على أكثر من طاقين لم يصح البيع إن لم نجوز بيع الغائب
وإن كان مطويا على طاقين صح لأنه يرى جميع الثوب من جانبيه وهذا حسن لكن المطوي على طاقين لا يرى من جانبيه إلا أحد وجهي الثوب وفي الاكتفاء به تفصيل وخلاف سبق
ووراء هذا تصويران
أحدهما أن تفرض رؤية الثوب قبل الطي والطي قبل البيع
والثاني أن ما نقص بالنشر مرة ينقص به مرتين أو أكثر
فلو نشر مرة وبيع وأعيد طيه ثم نشره المشتري فزاد النقص به انتظم التصوير

فصل المبيع في الصفقة الواحدة إن كان شيئين بأن اشترى عبدين فخرجا
معيبين فله ردهما وكذا لو خرج أحدهما معيبا
وليس له رد بعضه إن كان الباقي باقيا في ملكه لما فيه من التشقيص على البائع فإن رضي به البائع جاز على الأصح
وإن كان الباقي زائلا عن ملكه بأن عرف العيب بعد بيع بعض المبيع ففي رد الباقي طريقان
أحدهما على قولي تفريق الصفقة
وأصحهما القطع بالمنع كما لو كان باقيا في ملكه
فعلى هذا هل يرجع بالأرش أما للقدر المبيع فعلى ما ذكرنا فيما إذا باع الكل
وأما للقدر الباقي فوجهان
أصحهما يرجع لتعذر الرد ولا ينتظر عود الزائل ليرد الجميع كما لا ينتظر زوال العيب الحادث
ويجري الوجهان فيما لو اشترى عبدين وباع أحدهما ثم علم العيب ولم

نجوز رد الباقي هل يرجع بالأرش ولو اشترى عبدا ومات وخلف ابنين فوجدا به عيبا فالأصح وهو قول ابن الحداد لا ينفرد أحدهما بالرد لأن الصفقة وقعت متحدة
ولهذا لو سلم أحد الابنين نصف الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه
والثاني ينفرد لأنه رد جميع ما ملك
هذا كله إذا اتحد العاقدان أما إذا اشترى رجل من رجلين عبدا وخرج معيبا فله أن يفرد نصيب أحدهما بالرد لأن تعدد البائع يوجب تعدد العقد
ولو اشترى رجلان عبدا من رجل فقولان
أظهرهما أن لأحدهما أن ينفرد بالرد لأنه رد جميع ما ملك فإن جوزنا الانفراد فانفرد أحدهما فهل تبطل الشركة بينهما ويخلص للممسك ما أمسك وللراد ما استرد أم تبقى الشركة بينهما فيما أمسك واسترد وجهان
أصحهما الأول
وإن منعنا الانفراد فذاك فيما ينقص بالتبعيض
أما ما لا ينقص كالحبوب فوجهان بناء على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد الصفقة ولو أراد الممنوع من الرد الأرش قال الإمام إن حصل اليأس من إمكان رد نصيب الآخر بأن أعتقه وهو معسر فله أخذ الأرش وإلا نظر فإن رضي صاحبه بالعيب بني على أنه لو اشترى نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه وأراد الكل والرجوع بنصف الثمن هل يجبر على قبوله كما في مسألة النعل وفيه وجهان
إن قلنا لا أخذ الأرش
وإن قلنا نعم فكذلك على الأصح لأنه توقع بعيد
وإن كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال ففي الأرش وجهان بسبب الحيلولة الناجزة
ولو اشترى رجلان عبدا من رجلين كان كل واحد منهما مشتريا ربع العبد من كل واحد من البائعين فلكل واحد ردالربع إلى أحدهما
ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة كان كل واحد مشتريا تسع العبد من كل واحد من البائعين
ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين فقد اشترى كل واحد من كل واحد ربع كل عبد فلكل واحد رد جميع ما اشترى من كل واحد عليه
ولو رد ربع أحد العبدين وحده ففيه قولا التفريق

ولو اشترى بعض عبد في صفقة وباقيه في صفقة من البائع الأول أو غيره فله رد أحد البعضين وحده لتعدد الصفقة
ولو علم العيب بعد العقد الأول ولم يمكنه الرد فاشترى الباقي فليس له رد الباقي وله رد الأول عند الإمكان

فصل إذا وجد بالمبيع عيب فقال البائع حدث عند المشتري وقال المشتري
بل كان عندك نظر إن كان العيب مما لا يمكن حدوثه بعد البيع كالأصبع الزائدة وشين الشجة المندملة وقد جرى البيع أمس فالقول قول المشتري
وإن لم يحتمل تقدمه كجراحة طرية وقد جرى البيع والقبض من سنة فالقول قول البائع من غير يمين
وإن احتمل قدمه وحدوثه كالمرض فالقول قول البائع لأن الأصل لزوم العقد واستمراره
وكيف يحلف ينظر في جوابه للمشتري
فإن ادعى المشتري أن بالمبيع عيبا كان قبل القبض فأراد الرد فقال في جوابه ليس له الرد علي بالعيب الذي يذكره أو لا يلزمني قبوله حلف على ذلك ولا يكلف التعرض لعدم العيب يوم البيع ولا يوم القبض لجواز أنه أقبضه معيبا وهو عالم به أو أنه رضي به بعد البيع ولو نطق به لصار مدعيا مطالبا بالبينة
وإن قال في الجواب ما بعته إلا سليما أو ما أقبضته إلا سليما فهل يلزمه أن يحلف كذلك أم يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق الرد أو لا يلزمني قبوله فيه وجهان
أصحهما يلزمه التعرض لما تعرض له في الجواب لتطابق اليمين الجواب وبهذا قطع صاحب التهذيب وغيره
وهذا التفصيل والخلاف جاريان في جميع الدعاوى والأجوبة
ثم يمينه تكون على البت فيحلف لقد بعته وما به هذا العيب
ولا يكفيه أن يقول بعته ولا أعلم به هذا العيب
وتجوز اليمين على البت إذا اختبر حال العبد وعلم خفايا أمره

كما يجوز بمثله الشهادة على الإعسار وعدالة الشهود وغيرهما
وعند عدم الاختبار يجوز أيضا الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعلم ولا ظن خلافه

فرع لو زعم المشتري أن بالمبيع عيبا فأنكره البائع فالقول قوله
ولو اختلفا في بعض الصفات هل هو عيب فالقول قول البائع مع يمينه وهذا إذا لم يعرف الحال من غيرهما
قال في التهذيب إن قال واحد من أهل المعرفة به إنه عيب ثبت الرد
واعتبر في التتمة شهادة اثنين
ولو ادعى البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الرد فالقول قول المشتري
فرع مدار الرد على التعيب عند القبض حتى لو كان معيبا عند
فقبضه وقد زال العيب فلا رد بما كان بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد سقط حقه من الرد
فصل الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله على الصحيح
وفي وجه يرفعه من أصله
وفي وجه يرفعه من أصله إن كان قبل القبض

فرع الاستخدام لا يمنع الرد بلا خلاف

ولو وطىء المشتري الثيب فله الرد ولا مهر عليه
ووطء الأجنبي والبائع بشبهة كوطء المشتري لا يمنع الرد
وأما وطؤهما مختارة زنى فهو عيب حادث
هذا في الوطء بعد القبض فإن وطئها المشتري قبل القبض فله الرد ولا يصير قابضا لها ولا مهر عليه إن سلمت وقبضها
فإن تلفت قبل القبض فهل عليه المهر للبائع وجهان بناء على أن الفسخ قبل القبض رفع للعقد من أصله أو حينه الصحيح لا مهر
وإن وطئها أجنبي وهي زانية فهو عيب حدث قبل القبض
وإن كانت مكرهة فللمشتري المهر ولا خيار له بهذا الوطء
وطء البائع كوطء الأجنبي لكن لا مهر عليه إن قلنا إن جناية البائع قبل القبض كالآفة السماوية
أما البكر فافتضاضها بعد القبض عيب حادث وقبله جناية على المبيع قبل القبض
وإن افتضها الأجنبي بغير آلة الافتضاض فعليه ما نقص من قيمتها
وإن افتض بآلته فعليه المهر
وهل يدخل فيه أرش البكارة أم يفرد وجهان
أصحهما يدخل فعليه مهر مثلها بكرا
والثاني يفرد فعليه أرش البكارة ومهر مثلها ثيبا
ثم المشتري إن أجاز العقد فالجميع له وإلا فقدر أرش البكارة للبائع لعودها إليه ناقصة والباقي للمشتري
وإن افتضها البائع فإن أجاز المشتري فلا شىء على البائع إن قلنا جنايته كالآفة السماوية
وإن قلنا إنها كجناية الأجنبي فحكمه حكمه
وإن فسخ المشتري فليس على البائع أرش البكارة
وهل عليه مهرها ثيبا إن افتض بآلته بني على أن جنايته كالآفة السماوية أم لا وإن افتضها المشتري استقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها
فإن سلمت حتى قبضها فعليه

الثمن بكماله
وإن تلفت قبل القبض فعليه بقدر الافتضاض من الثمن
وهل عليه مهر مثل ثيب إن افتضها بآلة الافتضاض يبنى على أن العقد ينفسخ من أصله أو من حينه هذا هو الصحيح
وفي وجه افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الأجنبي

فرع زياد المبيع ضربان متصلة ومنفصلة

أما المتصلة كالسمن والتعليم وكبر الشجرة فهي تابعة للأصل في الرد ولا شىء على البائع بسببها
وأما المنفصلة كالأجرة والولد والثمرة وكسب الرقيق ومهر الجارية الموطوءة بشبهة فلا تمنع الرد بالعيب وتسلم للمشتري سواء الزوائد الحادثة قبل القبض وبعده
وفيما إذا كان الرد قبل القبض وجه ضعيف أنها للبائع تفريعا على أن الفسخ دفع للعقد من أصله
فلو نقصت الجارية أو البهيمة بالولادة امتنع الرد للنقص الحادث وإن لم يكن الولد مانعا
وتكلموا في إفراد الجارية بالرد وإن لم تنقص بالولادة بسبب التفريق بينها وبين الولد فقيل لا يجوز الرد ويتعين الأرش إلا أن يكون العلم بالعيب بعد بلوغ الولد حدا يجوز فيه التفريق
وقيل لا يحرم التفريق هنا للحاجة وستأتي المسألة مع نظيرها في الرهن إن شاء الله تعالى

فرع اشترى جارية أو بهيمة حاملا فوجد بها عيبا فإن كانت
ردها كذلك
وإن وضعت الحمل ونقصت بالولادة فلا رد
وإن لم تنقص ففي رد الولد معها قولان بناء على أن الحمل هل يعرف ويأخذ قسطا من الثمن أم لا والأظهر نعم
ويخرج على هذا الخلاف أنه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن وأنه لو هلك قبل القبض هل يسقط من الثمن بحصته وأنه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض فإن قلنا له قسط من الثمن جاز الحبس وسقط الثمن ولم يجز البيع وإلا انعكس الحكم
ولو اشترى نخلة وعليها طلع مؤبر ووجد بها عيبا بعد التأبير ففي الثمرة طريقان
أصحهما على قولين كالحمل
والثاني القطع بأخذها قسطا لأنها مشاهدة مستيقنة
ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على عيب فإن نقصت بالحمل فلا رد إن كان الحمل حصل في يد المشتري
وإن لم ينقص الحمل أو كان الحمل في يد البائع فله الرد
وحكم الولد مبنى على الخلاف
إن قلنا يأخذ قسطا بقي للمشتري فيأخذه إذا انفصل على الصحيح
وفي وجه أنه للبائع لاتصاله بالأم عند الرد
وإن قلنا لا يأخذ فهي للبائع
وأطلق بعضهم أن الحمل الحادث نقص لأنه في الجارية يؤثر في النشاط والجمال وفي البهيمة ينقص اللحم ويخل بالحمل عليها والركوب
ولو اشترى نخلة وأطلعت في يده ثم علم عيبا فلمن الطلع فيه وجهان
ولو كان على ظهر الحيوان صوف عند البيع فجزه ثم علم به عيبا رد الصوف معه
فإن استجز ثانيا وجزه ثم علم العيب لم يرد الثاني لحدوثه في ملكه
وإن لم يجزه رده تبعا
ولو اشترى أرضا فيها أصول الكراث ونحوه وأدخلناها

في البيع فنبتت في يد المشتري ثم علم بالأرض عيبا ردها وبقي النابت للمشتري فإنها ليست تبعا للأرض

فصل الإقالة بعد البيع جائزة بل إذ ندم أحدهما يستحب للآخر إقالته
وهي أن يقول المتبايعان تقايلنا أو تفاسخنا
أو يقول أحدهما أقلتك فيقول الآخر قبلت وما أشبهه
وفي كونها فسخا أو بيعا قولان
أظهرهما فسخ
وقيل القولان في لفظ الإقالة
فأما إن قالا تفاسخنا ففسخ قطعا
فإن قلنا بيع تجددت بها الشفعة وإلا فلا
ولو تقايلا في الصرف وجب التقابض في المجلس إن قلنا بيع وإلا فلا
وتجوز الإقالة قبل قبض المبيع إن قلنا فسخ وإلا فهي كبيع المبيع من البائع قبل القبض
وتجوز في السلم قبل القبص إن قلنا فسخ وإلا فلا
ولا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن قلنا بيع وإلا فالأصح الجواز كالفسخ بالتحالف وعلى هذا يرد المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليا أو قيمته إن كان متقوما
ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما ففي الإقالة في الباقي خلاف مرتب لأن الإقالة تصادف القائم فيستتبع التالف
وإن تقابلا والمبيع في يد المشتري لم ينفذ تصرف البائع فيه إن قلنا بيع ونفذ إن قلنا فسخ
فإن تلف في يده انفسخت الإقالة إن قلنا بيع وبقي البيع الأول بحاله وإلا فعلى المشتري ضمانه لأنه مقبوض على حكم العوض كالمأخوذ قرضا أو سوما والواجب فيه إن كان متقوما أقل القيمتين من يوم العقد والقبض
وإن تعيب في يده فإن قلنا بيع يخير البائع بين أن يجيز الإقالة ولا شىء له وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن
وإن قلنا فسخ غرم أرش العيب
ولو استعمله بعد الإقالة
فإن قلنا بيع فهو

كالبيع يستعمله البائع وإلا فعليه الأجرة
ولو علم البائع بالمبيع عيبا كان حدث في يد المشتري قبل الإقالة فلا رد له إن قلنا فسخ وإلا فله رده
ويجوز للمشتري حبس المبيع لاسترداده الثمن على القولين ولا يشترط في الإقالة ذكر الثمن ولا يصح إلا بذلك الثمن
فلو زاد أو نقص بطلت وبقي البيع بحاله حتى لو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عن المكسر لم يصح
ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين وتجوز في بعض المبيع
قال الإمام هذا إذا لم تلزم جهالة
أما إذا اشترى عبدين فتقايلا في أحدهما مع بقاء الثاني فلا يجوز على قولنا بيع للجهل بحصة كل واحد
وتجوز الإقالة في بعض المسلم فيه لكن لو أقاله في البعض ليعجل الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة
قلت قال القفال في شرحه التلخيص لو تقايلا ثم اختلفا في الثمن ففيه ثلاثة أوجه سواء قلنا الإقالة بيع أو فسخ أصحها وهو قول ابن المرزبان أن القول قول البائع
والثاني قول المشتري
والثالث يتحالفان وتبطل الإقالة قال الدارمي وإذا تقايلا وقد زاد المبيع فالزيادة المتميزة للمشتري وغيرها للبائع
قال ولو اختلفا في وجود الإقالة صدق منكرها
قال ولو باعه ثم تقايلا بعد حلول الأجل ودفع المال استرجعه المشتري في الحال ولا يلزمه أن يصبر قدر الأجل
وإن لم يكن دفعه سقط وبرئا جميعا
والله أعلم

فصل في مسائل تتعلق بالباب
إحداها الثمن المعين إذا خرج معيبا يرد بالعيب كالمبيع
وإن لم يكن معيبا استبدل ولا يفسخ العقد سواء خرج معيبا بخشونة أو سواد أو وجدت سكته مخالفة سكة النقد الذي تناوله العقد أو خرج نحاسا أو رصاصا
الثانية تصارفا وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض خللا فله حالان
أحدهما أن يرد العقد على معينين فإن خرج أحدهما نحاسا بطل العقد لأنه بان أنه غير ما عقد عليه
وقيل إنه صحيح تغليبا للإشارة
هذا إن كان له قيمة فإن لم يكن لم يجيء هذا الوجه الضعيف
وإن خرج بعضه بهذه الصفة لم يصح العقد فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفة
فإن لم يبطل فله الخيار
فإن أجاز والجنس مختلف بأن تبايعا ذهبا بفضة جاء القولان في أن الإجازة بجميع الثمن أم بالقسط وإن كان الجنس متفقا فالإجازة الحصة قطعا لامتناع التفاضل
وإن خرج أحدهم خشبا فلمن أخذه الخيار ولا يجوز الاستبدال وإن خرج بعضه كذلك فله الخيار أيضا
وهل له الفسخ في المعيب والإجازة في الباقي فيه قولا التفريق
فإن جوزنا فالإجازة بالحصة
الحال الثاني أن يرد عى ما في الذمة ثم يحضراه ويتقابضا فإن خرج أحدهما نحاسا وهما في المجلس استبدل
وإن تفرقا فالعقد باطل لأن المقبوض غير ما عقد عليه
وإن خرج خشنا أو أسود فإن لم يتفرقا فله الخيار بين الرضى به والاستبدال وأن تفرقا فهل له الاستبدال قولان

أظهرهما نعم
كالمسلم فيه إذا خرج معيبا لأن القبض الأول صحيح إذ لو رضي به لجاز
والبدل قائم مقامه ويجب أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد
وإن خرج البعض كذلك وقد تفرقا فإن جوزنا الاستبدال استبدل وإلا فله الخيار بين فسخ العقد في الكل والإجازة
وهل له الفسخ في ذلك القدر والإجازة في الباقي فيه قولا التفريق
ورأس مال السلم حكمه حكم عوض الصرف
ولو وجد أحد المتصارفين بما أخذه عيبا بعد تلفه أو تبايعا طعاما بطعام ثم وجد أحدهما بالمأخوذ عيبا بعد تلفه نظر وإن ورد العقد في معينين واختلف الجنسان فهو كبيع العرض بالنقد
وإن كان متفقا ففيه الخلاف السابق في مسألة الحلي
وإن ورد على ما في الذمة ولم يتفرقا بعد غرم ما تلف عنده ويستبدل
وكذا إن تفرقا وجوزنا الاستبدال
ولو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده فإن كان معينا أو في الذمة وعين وتفرقا ولم نجوز الاستبدال سقط من المسلم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة رأس المال
وإن كان في الذمة وهما في المجلس غرم التالف واستبدل
وكذا إن كان بعد التفرق وجوزنا الاستبدال
المسألة الثالثة باع عبدا بألف وأخذ بالألف ثوبا ثم وجد المشتري بالعبد عيبا ورده قال القاضي أبو الطيب يرجع بالثوب لأنه إنما تملكه بالثمن
وإذا فسخ البيع سقط الثمن فانفسخ بيع الثوب
وقال الجمهور يرجع بالألف لأن الثوب مملوك بعقد آخر
ولو مات العبد قبل القبض وانفسخ البيع قال ابن سريج يرجع بالألف دون الثوب لأن الانفساخ بالتلف يقطع العقد ولا يرفعه من أصله وهو الأصح وفيه وجه آخر
الرابعة باع عصيرا فوجد المشتري به عيبا بعدما صار خمرا فلا سبيل إلى رد الخمر فيأخذ الأرش
فإن تخلل فللبائع أن يسترده ولا يدفع الأرش
ولو اشترى ذمي من ذمي خمرا ثم أسلما وعلم المشتري بالخمر عيبا استرد جزءا

من الثمن على سبيل الأرش ولا رد
ولو أسلم البائع وحده فلا رد أيضا
ولو أسلم المشتري وحده فله الرد قاله ابن سريج وعلل بأن المسلم لا يتملك الخمر بل نزيل يده عنها
الخامسة مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب على المشتري ولو هلك في يده ضمنه
السادسة اختلفا في الثمن بعد رد المبيع فالصحيح أن القول قول البائع لأنه غارم كما لو اختلفا في الثمن بعد الإقالة
وقيل يتحالفان وتبقى السلعة في يد المشتري وله الأرش على البائع قاله ابن أبي هريرة
فقيل له إذا لم يعرف الثمن كيف يعرف الأرش فقال أحكم بالأرش من القدر المتفق عليه
السابعة لو احتيج إلى الرجوع بالأرش فاختلفا في الثمن فالقول قول البائع على الأظهر
وعلى الثاني قول المشتري
الثامنة أوصى إلى رجل ببيع عبده أو ثوبه وشراء جارية بثمنه وإعتاقها ففعل الوصي ذلك ثم وجد المشتري بالبيع عيبا فله رده على الوصي ومطالبته بالثمن كما يرد على الوكيل ثم الوصي يبيع العبد المردود ويدفع الثمن إلى المشتري
ولو فرض الرد بالعيب على الوكيل فهل للوكيل بيعه ثانيا وجهان
أحدهما نعم كالوصي
وأصحهما لا لأن هذا ملك جديد فاحتاج إلى إذن جديد بخلاف الإيصاء فإنه تولية وتفويض كلي
ولو وكله في البيع بشرط الخيار للمشتري فامتثل ورد المشتري فإن قلنا ملك البائع لم يزل فله بيعه ثانيا
وإن قلنا زال وعاد فهو كالرد بالعيب
ثم إذا باعه الوصي ثانيا نظر إن باعه بمثل الثمن الأول فذاك
وإن باعه بأقل فهل النقص على الوصي أو في ذمة الموصي وجهان
أصحهما الأول وبه قال ابن الحداد لأنه إنما أمره بشراء الجارية بثمن العبد

لا بالزيادة
وعلى هذا لو مات العبد في يده بنفس الرد غرم جميع الثمن
ولو باعه بأكثر من الثمن الأول فإن كان ذلك لزيادة قيمة أو رغبة راغب دفع قدر الثمن إلى المشتري والباقي للوارث
وإن لم يكن كذلك فقد بان أن البيع الأول باطل للغبن
ويقع عتق الجارية عن الوصي إن اشتراها في الذمة وإن اشتراها بعين ثمن العبد لم ينفذ الشراء ولا الإعتاق وعليه شراء جارية أخرى بهذا الثمن وإعتاقها عن الموصي هكذا أطلقه الأصحاب ولا بد فيه من تقييد وتأويل لأن بيعه بالغبن وتسليمه عن علم بالحال خيانة
والأمين ينعزل بالخيانة فلا يتمكن من شراء جارية أخرى
قلت ليس في كلام الأصحاب أنه باع بالغبن عالما فالصورة مفروضة فيمن لم يعلم الغبن ولا يحتاج إلى تكلف تصويرها في العالم وأن القاضي جدد له ولاية
وهذه مسائل ألحقتها
لو اشترى سلعة بألف في الذمة فقضاه عنه أجنبي متبرعا فردت السلعة بعيب لزم البائع رد الألف
وعلى من يرد وجهان
أحدهما على الأجنبي لأنه الدافع
والثاني على المشتري لأنه يقدر دخوله في ملكه
فإذا رد المبيع رد إليه ما قابله وبهذا الوجه قطع صاحب المعاياة ذكره في باب الرهن
قال ولو خرجت السلعة مستحقة رد الألف على الأجنبي قطعا لأنا تبينا أن لا ثمن ولا بيع
قال أصحابنا إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب خيار المجلس والشرط والعيب وخلف المشروط المقصود والإقالة والتحالف وهلاك المبيع قبل القبض
قال القفال والصيدلاني وآخرون لو اشترى ثوبا وقبضه وسلم ثمنه ثم وجد بالثوب عيبا قديما فرده فوجد الثمن معيبا ناقص الصفة بأمر حدث عند البائع يأخذه ناقصا ولا شيء له بسبب النقص
وفيه احتمال لإمام الحرمين ذكره في باب تعجيل الزكاة
والله أعلم

باب حكم المبيع
قبل القبض وبعده وصفة القبض للقبض حكمان
أحدهما انتقال الضمان إلى المشتري
فالمبيع قبل القبض من ضمان البائع ومعناه أنه لو تلف انفسخ العقد وسقط الثمن
فلو أبرأ المشتري البائع من ضمان المبيع قبل القبض فهل يبرأ حتى لو تلف لا ينفسخ العقد ولا يسقط الثمن قولان
أظهرهما لا يبرأ ولا يتغير حكم العقد
ثم إذا انفسخ البيع كان المبيع هالكا على ملك البائع
حتى لو كان عبدا كانت مؤنة تجهيزه على البائع
وهل نقول بانتقال الملك إليه قبيل الهلاك أم يرتفع العقد من أصله وجهان خرجهما ابن سريج
أصحهما وهو اختياره واختيار ابن الحداد لا يرتفع من أصله كالرد بالعيب وفي الزوائد الحادثة بيد البائع من الولد والثمرة واللبن والبيض والكسب وغيرها هذان الوجهان وذكرنا نظيرهما في الرد بالعيب قبل القبض وطردهما جماعة في الإقالة إذا جعلناها فسخا وخرجوا عليهما الزوائد
والأصح في الجميع أنها للمشتري وتكون أمانة في يد البائع
ولو هلكت والأصل باق بحاله فلا خيار للمشتري
وفي معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد وما وهب له فقبضه وقبله وما أوصي له به فقبله هذا حكم التلف بآفة سماوية
أما إذا أتلف المبيع قبل القبض فله ثلاثة أقسام
الأول أن يتلفه المشتري فهو قبض منه على الصحيح لأنه أتلف ملكه فصار كما لو أتلف المالك المغصوب في يد الغاصب يبرأ الغاصب ويصير المالك مستردا بالإتلاف
وفي وجه إتلافه ليس بقبض لكن عليه القيمة

للبائع ويسترد الثمن ويكون التلف من ضمان البائع
هذا عند العلم
أما إذا كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله فهل يجعل قبضا وجهان بناء على القولين فيما إذا قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلا هل يبرأ الغاصب فإن لم نجعله قابضا فهو كإتلاف البائع
القسم الثاني أن يتلفه أجنبي فطريقان
أصحهما على قولين
أحدهما أنه كالتلف بآفة سماوية لتعذر التسليم
وأظهرهما أنه لا ينفسخ بل للمشتري الخيار إن شاء فسخ واسترد الثمن ويغرم الأجنبي للبائع وإن شاء أجاز وغرم الأجنبي
والطريق الثاني القطع بالقول الثاني قاله ابن سريج
وإذا قلنا به فهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن وجهان
أحدهما نعم
كما يحبس المرتهن قيمة المرهون
وأصحهما لا كالمشتري إذا أتلف المبيع لا يغرم القيمة ليحبسها البائع
وعلى الأول لو تلفت القيمة في يده بآفة سماوية هل ينفسخ البيع لأنها بدل المبيع وجهان
أصحهما لا
القسم الثالث أن يتلفه البائع فطريقان
أصحهما على قولين
أظهرهما ينفسخ البيع كالأفة
والثاني لا بل إن شاء فسخ وسقط الثمن وإن شاء أجاز وغرم البائع القيمة وأدى له الثمن
وقد يقع ذلك في أقول التقاص
والطريق الثاني القطع بالقول الأول
فإن لم نقل بالانفساخ عاد الخلاف في حبس القيمة
وقيل لا حبس هنا قطعا لتعديه بإتلاف العين

فرع باع شقصا من عبد وأعتق باقيه قبل القبض وهو موسر عتق
البيع وسقط الثمن إن جعلنا إتلاف البائع كالآفة السماوية وإلا فللمشتري الخيار

فرع لو استعمل البائع المبيع قبل القبض فلا أجرة عليه إن
إتلافه كالآفة وإلا فعليه الأجرة
فرع إتلاف الأعجمي والصبي الذي لا يميز بأمر البائع أو المشتري

وإتلاف المميز بأمرهما كإتلاف الأجنبي
وذكر القاضي حسين أن إذن المشتري للأجنبي في الإتلاف يلغو وإذا أتلف فله الخيار
وأنه لو أذن البائع في الأكل والإحراق ففعل كان التلف من ضمان البائع بخلاف ما لو أذن للغاصب ففعل فإنه يبرأ لأن الملك هناك مستقر
وفي فتاوى القفال أن إتلاف عبد البائع كإتلاف الأجنبي
وكذا إتلاف عبد المشتري بغير إذنه
فإن أجاز جعل قابضا كما لو أتلفه بنفسه
وإن فسخ اتبع البائع الجاني
وأنه لو كان المبيع علفا فاعتلفه حمار المشتري بالنهار ينفسخ البيع
وإن اعتلفه بالليل لم ينفسخ وللمشتري الخيار فإن أجاز فهو قابض وإلا طالبه البائع بقيمة ما أتلف حماره
وأطلق القول بأن إتلاف بهيمة البائع كالآفة السماوية
فقيل له فهلا فرقت فيها أيضا بين الليل والنهار فقال هذا موضع فكر
فرع لو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقتله دفعا
القاضي يستقر عليه الثمن لأنه أتلفه لغرضه
وقال الشيخ أبو علي لا يستقر

قلت قول أبي علي أصح
ولهذا لا يضمنه الأجنبي ولا المحرم لو كان صيدا
وكذا لو صال المغصوب على مالكه فقتله دفعا لم يبرأ الغاصب سواء علم أنه ملكه أم لا
وفي العالم وجه شاذ وسيأتي إيضاحه في أول كتاب الغصب إن شاء الله تعالى
والله أعلم

فرع لو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع فللبائع الاسترداد إذا ثبت له

أحدهما عليه القيمة ولا خيار للمشتري لاستقرار العقد بالقبض وإن كان ظالما فيه
والثاني يجعل مستردا بالإتلاف كما أن المشتري قابض بالإتلاف
وعلى هذا فيفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري
قال الإمام الظاهر الثاني
فرع وقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف فينفسخ به البيع
وكذا انفلات الصيد المتوحش والطير قاله في التتمة ولو غرق الماء الأرض المشتراة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل أو ركبها رمل فهل هو كالتلف أو يثبت الخيار وجهان
أصحهما الثاني

فرع لو أبق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر
لبقاء المالية ورجاء العود
وفي وجه ضعيف ينفسخ كالتلف
ولو غصبه غاصب فليس له إلا الخيار
فإن أجاز لم يلزمه تسليم الثمن وإن سلمه قال القفال ليس له الاسترداد لتمكنه من الفسخ
وإن أجاز ثم أراد الفسخ فله ذلك كما لو انقطع المسلم فيه فأجاز ثم أراد الفسخ لأنه يتصرر كل ساعة
وحكي عن القفال مثله فيما إذا أتلف الأجنبي المبيع قبل القبض وأجاز المشتري ليتبع الأجنبي ثم أراد الفسخ قال القاضي في هذه الصورة ينبغي أن لا يمكن من الرجوع لأنه رضي بما في ذمة الأجنبي فأشبه الحوالة
فرع لو جحد البائع العين قبل القبض فللمشتري الفسخ للتعذر

فرع منقول من فتاوى القاضي باع عبده رجلا ثم باعه لآخر وسلمه
وعجز عن انتزاعه منه وتسليمه إلى الأول فهذا جناية منه على المبيع فهو كالجناية الحسية فينفسخ البيع على الأظهر ويثبت للمشتري الخيار في القول الثاني بين أن يفسخ وبين أن يجيز ويأخذ القيمة من البائع
ولو طالب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع أنا عاجز عنه حلف
فإن نكل

حلف المشتري أنه قادر وحبس إلى أن يسلمه أو يقيم البينة بعجزه فإن ادعى المشتري الأول على الثاني العلم بالحال فأنكر حله فإن نكل حلف هو وأخذ منه

فصل إذا طرأ على المبيع قبل القبض عيب أو نقص نظر إن
بأن عمي العبد أو شلت يده أو سقطت فللمشتري الخيار إن شاء فسخ وإلا أجاز بجميع الثمن ولا أرش له مع القدرة على الفسخ
وإن كان بجناية عادت الأقسام الثلاثة
أولها أن يكون الجاني هو المشتري
فإذا قطع يد العبد مثلا قبل القبض فلا خيار له لأن النقص بفعله بل يمتنع بسببه الرد بجميع العيوب القديمة ويجعل قابضا لبعض المبيع حتى يستقر عليه ضمانه
فإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال لم يضمن المشتري اليد بأرشها المقدر ولا بما نقص من القيمة وإنما يضمنها بجزء من الثمن كما يضمن الجميع بكل الثمن
وفي معياره وجهان
أصحهما وبه قال ابن سريج وابن الحداد يقوم العبد صحيحا ثم مقطوعا ويعرف التفاوت فيستقر عليه من الثمن بمثل تلك النسبة
بيانه قوم صحيحا بثلاثين ومقطوعا بخمسة عشر فعليه نصف الثمن
ولو قوم مقطوعا بعشرين كان عليه ثلث الثمن
والوجه الثاني قاله القاضي أبو الطيب يستقر من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة وهو النصف
وعلى هذا لو قطع يديه واندملتا ثم مات العبد في يد البائع لزم المشتري تمام الثمن
هذا كله تفريع على الصحيح أن إتلاف المشتري قبض
فأما على الوجه

الضعيف أنه ليس بقبض فلا يجعل قابضا لشىء من العبد وعليه ضمان اليد بأرشها المقدر وهو نصف القيمة كالأجنبي
وقياسه أن يكون له الخيار
القسم الثاني أن يكون الجاني أجنبيا فيقطع يده قبل القبض فللمشتري الخيار إن شاء فسخ وتبع البائع الجاني وإن شاء أجاز البيع بجميع الثمن وغرم الجاني
قال الماوردي وإنما يغرمه إذا قبض العبد
أما قبله فلا لجواز موت العبد في يد البائع وانفساخ البيع
ثم الغرامة الواجبة على الأجنبي هل هي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع قولان جاريان في جراح العبيد مطلقا
والمشهور الأول
القسم الثالث أن يجني البائع فيقطع يد العبد قبل تسليمه فإن قلنا بالأظهر إن جنايته كالآفة السماوية فللمشتري الخيار إن شاء فسخ واسترد الثمن وإن شاء أجاز بجميع الثمن
وإن قلنا كجناية الأجنبي فله الخيار أيضا إن فسخ فذاك وإن أجاز رجع بالأرش على البائع
وفي قدره القولان المذكوران في الأجنبي

فصل إذا اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض انفسخ البيع فيه وفي
الباقي قولا التفريق
فإن قلنا لا ينفسخ وأجاز فبكم يجيز فيه خلاف قدمناه في باب تفريق الصفقة
ولو احترق سقف الدار المبيعة قبل القبض أو تلف بعض أبنيتها فوجهان
أحدهما أنه كالتعيب كسقوط يد المبيع ونحوه
وأصحهما أنه كتلف أحد العبدني فينفسخ البيع فيه
وفي الباقي القولان لأن السقف يمكن بيعه منفصلا بخلاف يد العبد
وذكر بعض المتأخرين أنه إذا احترق

من الدار ما يفوت الغرض المطلوب منها ولم يبق إلا طرف انفسخ البيع في الكل وجعل فوات البعض في ذلك كفوات الكل
الحكم الثاني للقبض التسلط على التصرف فلا يجوز بيع المبيع قبل القبض عقارا كان أو منقولا لا بإذن البائع ولا دون إذنه لا قبل أداء الثمن ولا بعده
وفي الإعتاق قبل القبض أوجه
أصحها يصح ويصير قبضا سواء كان للبائع حق الحبس أم لا
والثاني لا يصح
والثالث إن لم يكن للبائع حق الحبس بأن كان الثمن مؤجلا أو حالا وقد أداه المشتري صح وإلا فلا
وإن وقف المبيع قبل القبض
قال في التتمة إن قلنا الوقف يفتقر إلى القبول فهو كالبيع وإلا فهو كالإعتاق وبه قطع في الحاوي وقال يصير قابضا حتى لو لم يرفع البائع يده عنه صار مضمونا عليه بدلقيمة
وكذا قال في إباحة الطعام للمساكين إذا كان قد اشتراه جزافا
والكتابة كالبيع على الأصح إذ ليس لها قوة العتق وغلبته والاستيلاد كالعتق
وفي الرهن والهبة وجهان
وقيل قولان
أصحهما عند جمهور الأصحاب لا يصحان
وإذا صححناهما فنفس العقد ليس بقبض بل يقبضه المشتري من البائع ثم يسلمه للمتهب والمرتهن
فلو أذن للمتهب والمرتهن في قبضه قال في التهذيب يكفي ويتم به البيع والرهن والهبة بعده
وقال الماوردي لا يكفي ذلك للبيع وما بعده ولكن ينظر إن قصد قبضه للمشتري صح قبض البيع ولا بد من استئناف قبض للهبة ولا يجوز أن يأذن له في قبضه من نفسه لنفسه
وإن قصد قبضه لنفسه لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة لأن قبضها يجب أن يتأخر عن تمام البيع
والإقراض والتصدق كالهبة والرهن ففيهما الخلاف
ولا تصح إجارته على الأصح عند الجمهور
ويصح التزويج على أصح الأوجه ولا يصح في الثاني
وفي الثالث إن كان للبائع حق الحبس

لم يصح وإلا صح
وطرد هذا الوجه في الإجارة
وإذا صححنا التزويج فوطىء الزوج لم يكن قبضا

فرع كما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض لا يجوز جعله أجرة
في صلح
ولا يجوز السلم ولا التولية والإشراك
وفي التولية والإشراك وجه ضعيف
فرع جميع ما ذكرنا في تصرفه مع غير البائع

أما إذا باعه للبائع فوجهان
أصحهما أنه كغيره
والثاني يصح وهما فيماإذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة وإلا فهو إقالة بصيغة البيع قاله في التتمة
ولو رهنه أو وهبه له فطريقان
أحدهما القطع بالبطلان
وأصحهما أنه على الخلاف كغيره
فإن جوزنا فأذن له في القبض فقبض ملك في صورة الهبة وثبت الرهن
ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن بل إن تلف انفسخ البيع
ولو رهنه عند البائع بالثمن فقد سبق حكمه
فرع لابن سريج باع عبدا بثوب وقبض الثوب ولم يسلم العبد فله
الثوب وليس للآخر بيع العبد
فلو باع الثوب وهلك العبد بطل العقد فيه ولا يبطل في الثوب ويغرم قيمته لبائعه
ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد

بعد تسليم الثوب أو قبله لخروجه عن ملكه بالبيع ولو تلف الثوب والعبد في يده غرم لبائع الثوب القيمة ولمشتريه الثمن

فصل المال المستحق للإنسان عند غيره عين ودين

أما الثاني فسيأتي في الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى
وأما الأول فضربان أمانة ومضمون
الضرب الأول الأمانات فيجوز للمالك بيعها لتمام الملك وهي كالوديعة في يد المودع ومال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل والمال في يد الوكيل في البيع ونحوه وفي يد المرتهن بعد فكاك الرهن وفي يد المستأجر بعد فراغ المدة والمال في يد القيم بعد بلوغ الصبي رشيدا وما كسبه العبد باحتطاب وغيره أو قبله بالوصية قبل أن يأخذه السيد
ولو ورث مالا فله بيعه قبل أخذه إلا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا مثل ما اشتراه ولم يقبضه
ولو اشترى من مورثه شيئا ومات المورث قبل التسليم فله بيعه سواء كان على المورث دين أم لا
وحق الغريم يتعلق بالثمن فإن كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه
ولو أوصى له بمال فقبل الوصية بعد موت الموصي فله بيعه قبل قبضه
وإن باعه بعد الموت وقبل القبول جاز إن قلنا تملك الوصية بالموت
وإن قلنا بالقبول أو هو موقوف فلا
الضرب الثاني المضمونات وهي نوعان
الأول المضمون بالقيمة ويسمى ضمان اليد فيصح بيعه قبل القبض لتمام الملك فيه
ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره
حتى لو باع

عبدا فوجد المشتري به عيبا وفسخ البيع كان للبائع بيع العبد وإن لم يسترده قال في التتمة إلا إذا لم يؤد الثمن فإن للمشتري حبسه إلى استرجاع الثمن
ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه فللمسلم بيع رأس المال قبل استرداده
وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري ولم يسترده بعد
ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام وفي يد المشتري والمتهب في الشراء والهبة الفاسدين
ويجوز بيع المغصوب للغاصب
النوع الثاني المضمون بعوض في عقد معاوضة لا يصح بيعه قبل القبض لتوهم الانفساخ بتلفه وذلك كالمبيع والأجرة والعوض المصالح عليه عن المال
وفي بيع الصداق قبل القبض قولان بناء على أنه مضمون على الزوج ضمان العقد أو ضمان اليد والأظهر ضمان العقد
يجري القولان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض وبيع العافي عن القود المال المعفو عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ

فرع وراء ما ذكرنا صور إذا تأملتها عرفت من أي ضرب هي

فمنها حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رضي الله عنه أن الأرزاق التي يخرجها السلطان للناس يجوز بيعها قبل القبض
فمن الأصحاب من قال هذا إذا أفرزه السلطان فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ويكفي ذلك لصحة البيع
ومنهم من لم يكتف بذلك وحمل النص على ما إذا وكل وكيلا في قبضه فقبضه الوكيل ثم باعه الموكل وإلا فهو بيع شىء غير مملوك وبهذا قطع القفال في الشرح

قلت الأول أصح وأقرب إلى النص
وقوله وبه قطع القفال يعني بعدم الاكتفاء لا بالتأويل المذكور فإني رأيت في شرح التلخيص للقفال المنع المذكور
قال ومراد الشافعي رضي الله عنه بالرزق الغنيمة ولم يذكر غيره
ودليل ما قاله الأول أن هذا القدر من المخالفة للقاعدة احتمل للمصلحة والرفق بالجند لمسيس الحاجة
والله أعلم
ومنها بيع أحد الغانمين نصيبه على الإشاعة قبل القبض صحيح إذا كان معلوما وحكمنا بثبوت الملك في الغنيمة
وفيما يملكها به خلاف مذكور في بابه
ومنها لو رجح فيما وهب لولده فله بيعه قبل قبضه على الصحيح
ومنها الشفيع إذا تملك الشقص قال في التهذيب له بيعه قبل القبض
وقال في التتمة ليس له ذلك لأن الأخذ بها معاوضة
قلت الثاني أقوى
والله أعلم
ومنها للموقوف عليه بيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أن يأخذها
ومنها إذا استأجر صباغا لصبغ ثوب وسلمه إليه فليس للمالك بيعه قبل صبغه لأن له حبسه لعمل ما يستحق به الأجرة
وإذا صبغه فله بيعه قبل استرداده إن دفع الأجرة وإلا فلا لأنه يستحق حبسه إلى استيفاء الأجرة
ولو استأجر قصارا لقصر ثوب وسلمه إليه لم يجز بيعه قبل قصره فإذا قصره بني على أن القصارة عين فيكون كمسألة الصبغ أو أثر فله البيع

إذ ليس للقصار الحبس على هذا وعلى هذا قياس صبغ الذهب ورياضة الدابة ونسج الغزل
ومنها إذا قاسم شريكه فبيع ما صار له قبل قبضه يبنى على أن القسمة بيع أو إفراز ومنها إذا أثبت صيدا بالرمي أو وقع في شبكه فله بيعه وإن لم يأخذه ذكره صاحب التلخيص هنا قال القفال ليس هو مما نحن فيه لأنه بإثباته قبضه حكما

فرع تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض كالولد والثمرة يبنى على
يتصرف فيها كالأصل وإلا تصرف
ولو كانت الجارية حاملا عند البيع وولدت قبل القبض إن قلنا الحمل يقابله قسط من الثمن لم يتصرف فيه وإلا فهو كالولد الحادث بعد البيع
فرع إذا باع متاعا بدراهم أو بدنانير معينة فلها حكم المبيع فلا
يجوز تصرف البائع فيها قبل قبضها لأنها تتعين بالتعيين فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع ولو وجد البائع بها عيبا لم يستبدل بها بل إن رضيها وإلا فسخ العقد فلو أبدلها بمثلها أو بغير جنسها برضى البائع فهو كبيع المبيع للبائع

فصل الدين في الذمة
ثلاثة أضرب
مثمن وثمن وغيرهما
وفي حقيقة الثمن أوجه
أحدها ما ألصق به الباء قاله القفال
والثاني النقد والمثمن ما يقابله على الوجهين
وأصحها أن الثمن النقد والمثمن ما يقابله
فإن لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين فالثمن ما ألصق به الباء والمثمن ما يقابله
فلو باع أحد النقدين بالآخر فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه
ولو باع عرضا بعرض فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه وإنما هو مبادلة
ولو قال بعتك هذه الدراهم بهذا العبد فعلى الوجه الأول العبد ثمن والدراهم مثمن
وعلى الوجه الثاني والثالث في صحة العقد وجهان كالسلم في الدراهم والدنانير
فإن صححنا فالعبد مثمن
ولو قال بعتك هذا الثوب بعبد ووصفه صح العقد فإن قلنا الثمن ما ألصق به الباء فالعبد ثمن
ولا يجب تسليم الثوب في المجلس وإلا ففي وجوب تسليم الثوب وجهان لأنه ليس فيه لفظ السلم لكن فيه معناه فإذا عرفت هذا عدنا إلى بيان الأضرب
الضرب الأول المثمن وهو المسلم فيه فلا يجوز الاستبدال عنه ولا بيعه
وهل تجوز الحوالة به بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف أو الحوالة عليه بأن يحيل المسلم من له دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه
أصحها لا
والثاني نعم
والثالث لا تجوز عليه وتجوز به
وهكذا حكوا الثالث وعكسه في الوسيط فقال تجوز عليه لا به ولا أظن نقله ثابتا
الضرب الثاني الثمن فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي

الاستبدال عنها طريقان
أحدهما القطع بالجواز قاله القاضي أبو حامد وابن القطان
وأشهرهما على قولين
أظهرهما وهو الجديد جوازه
والقديم منعه
ولو باع في الذمة بغير الدراهم والدنانير فإن قلنا الثمن ما ألصق به الباء جاز الاستبدال عنه كالنقدين وادعى في التهذيب أنه المذهب وإلا فلا لأن ما ثبت في الذمة مثمنا لم يجز الاستبدال عنه
والأجرة كالثمن والصداق وبدل الخلع كذلك إن قلنا إنهما مضمونان ضمان العقد وإلا فهما كبدل الإتلاف
التفريع إن منعنا الاستبدال عن الدراهم فذاك إذا استبدل عنها عرضا
فلو استبدل نوعا منها بنوع أو استبدل الدراهم عن الدنانير فوجهان
لاستوائهما في الرواج وإن جوزناه فلا فرق بين بدل وبدل
ثم ينظر إن استبدل ما يوافقهما في علة الربا كدنانير عن دراهم اشترط قبض البدل في المجلس وكذا إن استبدل عن الحنطة المبيع بها شعيرا إن جوزنا ذلك
وفي اشتراط تعيين البدل عند العقد وجهان
أحدهما يشترط وإلا فهو بيع دين بدين
وأصحهما لا كما لو تصارفا في الذمة ثم عينا وتقابضا في المجلس
وإن استبدل ما لا يوافقها في علة الربا كالطعام والثياب عن الدراهم نظر إن عين البدل جاز
وفي اشتراط قبضه في المجلس وجهان
صحح الغزالي وجماعة الاشتراط وهو ظاهر نصه في المختصر وصحح الإمام والبغوي عدمه
قلت الثاني أصح وصححه في المحرر
والله أعلم
وإن لم يعين بل وصف في الذمة فعلى الوجهين السابقين
إن جوزنا اشترط التعيين في المجلس
وفي اشتراط القبض الوجهان
الضرب الثالث ما ليس بثمن ولا مثمن كدين القرض والإتلاف

فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف كما لو كان له في يد غيره مال بغصب أو عارية يجوز بيعه له ثم الكلام في اعتبار التعيين والقبض على ما سبق
وفي الشامل أن القرض إنما يستبدل عنه إذا تلف
فإن بقي في يده فلا ولم يفرق الجمهور
ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز عكسه

فرع اعلم أن الاستبدال بيع لمن عليه دين

فأما بيعه لغيره كمن له على إنسان مائة فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة فلا يصح على الأظهر لعدم القدرة على التسليم
وعلى الثاني يصح بشرط أن يقبض مشتري الدين الدين ممن عليه وأن يقبض بائع الدين العوض في المجلس
فإن تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد
قلت الأظهر الصحة
والله أعلم
ولو كان له دين على إنسان والآخر مثله على ذلك الإنسان فباع أحدهما ما له عليه بما لصاحبه لم يصح اتفق الجنس أو اختلف لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالىء بالكالىء
فصل في حقيقة القبض والقول الجملي فيه أن الرجوع فيما يكون قبضا
إلى العادة
ويختلف بحسب اختلاف المال
وتفصيله أن المبيع نوعان

النوع الأول ما لا يعتبر فيه تقدير إما لعدم إمكانه وإما مع إمكانه فينظر إن كان مما لا ينقل كالأرض والدور فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري وتمكينه من اليد والتصرف بتسليم المفتاح إليه
ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه ويشترط كونه فارغا من أمتعة البائع فلو باع دارا فيها أمتعة للبائع توقف التسليم على تفريغها وكذا لو باع سفينة مشحونة بالقماش
قلت وقد حكى الرافعي بعد هذا وجها عند بيع الأرض المزروعة في باب الألفاظ المطلقة في البيع أنه لا يصح بيع الدار المشحونة وأن إمام الحرمين ادعى أنه ظاهر المذهب
والله أعلم
ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلى بين المشتري وبين الدار حصل القبض فيما عدا ذلك البيت
وفي اشتراط حضور المتبايعين عند المبيع ثلاثة أوجه
أحدها يشترط فإن حضرا عنده فقال البائع للمشتري دونك هذا ولا مانع حصل القبض وإلا فلا
والثاني يشترط حضور المشتري دون البائع
وأصحها لا يشترط حضور واحد منهما لأن ذلك يشق
فعلى هذا هل يشترط زمان إمكان المضي وجهان
أصحهما نعم
وفي معنى الأرض الشجر الثابت والثمرة المبيعة على الشجر قبل أوان الجداد
وإن كان المبيع من المنقولات فالمذهب والمشهور أنه لا يكفي فيه التخلية بل يشترط النقل والتحريك
وفي قول رواه حرملة يكفي
وفي وجه يكفي لنقل الضمان إلى المشتري ولا يكفي لجواز تصرفه
فعلى المذهب يأمر العبد بالانتقال من موضعه ويسوق الدابة أو يقودها
قلت ولا يكفي استعماله الدابة وركوبها بلا نقل وكذا وطء الجارية على الصحيح
ذكره في البيان
والله أعلم

وإذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كموات ومسجد وشارع أو في موضع يختص بالمشتري فالتحويل إلى مكان منه كاف
وإن كان في بقعة مخصوصة بالبائع فالنقل من زاوية منه إلى زاوية أو من بيت من داره إلى بيت بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرف ويكفي لدخوله في ضمانه
وإن نقل بإذنه حصل القبض وكأنه استعار ما نقل إليه
ولو اشترى الدار مع أمتعة فيها صفقة واحدة فخلى البائع بينها وبينه حصل القبض في الدار
وفي الأمتعة وجهان
أصحهما يشترط نقلها كما لو أفردت
والثاني يحصل فيها القبض تبعا وبه قطع الماوردي وزاد فقال لو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الأرض التي عليها الصبرة وخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الصبرة
قلت قال ولو استأجرها فوجهان
الصحيح أنه ليس قبضا
والله أعلم

فرع لو لم يتفقا على القبض فجاء البائع بالمبيع فامتنع المشتري

فإن أصر أمر الحاكم من يقبضه عنه كما لو كان غائبا
فرع لو جاء البائع بالمبيع فقال المشتري ضعه فوضعه بين يديه حصل
القبض وإن وضعه بين يديه ولم يقل المشتري شيئا أو قال لا أريده

فوجهان
أحدهما لا يحصل القبض كما لا يحصل الإيداع
وأصحهما يحصل لوجوب التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك يبرأ من الضمان
فعلى هذا للمشتري التصرف فيه ولو تلف فمن ضمانه
لكن لو خرج مستحقا ولم نجز إلا وضعه فليس للمستحق مطالبة المشتري بالضمان لأن هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب
ولو وضع المديون الدين بين يدي مستحقه ففي حصول التسليم خلاف مرتب على المبيع وأولى بعدم الحصول لعدم تعين الدين فيه

فرع للمشتري الاستقلال بنقل المبيع إن كان دفع الثمن أو كان مؤجلا
كما للمرأة قبض الصداق بغير إذن الزوج إذا سلمت نفسها وإلا فلا وعليه الرد لأن البائع يستحق الحبس لاستيفاء الثمن ولا ينفذ تصرفه فيه لكن يدخل في ضمانه
فرع دفع ظرفا إلى البائع وقال اجعل المبيع فيه ففعل لا يحصل
إذ لم يوجد من المشتري قبض والظرف غير مضمون على البائع لأنه استعمله في ملك المشتري بإذنه
وفي مثله في السلم يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه لأنه استعمله في ملك نفسه
ولو قال للبائع أعرني ظرفك واجعل المبيع فيه ففعل لا يصير المشتري قابضا
النوع الثاني ما يعتبر فيه تقدير بأن اشترى ثوبا أو أرضا مذارعة أو متاعا موازنة أو صبرة مكايلة أو معدودا بالعدد فلا يكفي للقبض ما سبق في

النوع الأول بل لا بد مع ذلك من الذرع أو الوزن أو الكيل أو العد
وكذا لو أسلم في آصع طعام أو أرطال منه يشترط في قبضه الكيل والوزن
فلو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة دخل المقبوض في ضمانه
وأما تصرفه فيه بالبيع ونحوه فإن باع الجميع لم يصح لأنه قد يزيد على المستحق
فإن باع ما يتيقن أنه له لم يصح أيضا على الصحيح الذي قاله الجمهور
وقبض ما اشتراه كيلا بالوزن أو وزنا بالكيل كقبضه جزافا
ولو قال البائع خذه فإنه كذا فأخذه مصدقا له فالقبض فاسد أيضا حتى يقع اكتيال صحيح
فإن زاد رد الزيادة
وأن نقص أخذ التمام
فلو تلف المقبوض فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر وزعم القابض أنه كان دون حقه أو قدره فالقول قول القابض
فلو أقر بجريان الكيل لم يسمع منه خلافه
وللمبيع مكايلة صور
منها قوله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم
ومنها بعتكها على أنها عشرة آصع
ومنها بعتك عشرة آصع منها وهما يعلمان صيعانها أو لا يعلمان إذا جوزنا ذلك

فرع ليس على البائع الرضى بكيل المشتري ولا على المشتري الرضى بكيل
البائع بل يتفقان على كيال وإن لم يتراضيا نصب الحاكم أمينا يتولاه قاله في الحاوي

فرع مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤنة إحضار
الغائب ومؤنة وزن الثمن على المشتري لتوقف التسليم عليه
ومؤنة نقد الثمن هل هي على البائع أو المشتري وجهان
قلت ينبغي أن يكون الأصح أنها على البائع
والله أعلم
فرع لو كان لزيد على عمرو طعام سلما ولآخر مثله على زيد
أداء ما عليه مما له على عمرو فقال لغريمه اذهب إلى عمرو واقبض لنفسك ما لي عليه فقبضه فهو فاسد وكذا لو قال احضر معي لأكتاله منه لك ففعل
وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على القابض
وهل تبرأ ذمة عمرو من حق زيد وجهان
أصحهما نعم
فإن قلنا لا تبرأ فعلى القابض رد المقبوض إلى عمرو
ولو قال زيد اذهب فاقبضه لي ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل أو قال احضر معي لأقبضه لنفسي ثم تأخذه بذلك الكيل ففعل فقبضه لزيد في الصورة الأولى وقبض زيد لنفسه في الثانية صحيحان وتبرأ ذمة عمرو من حق زيد والقبض الآخر فاسد والمقبوض مضمون عليه
وفي وجه يصح قبضه لنفسه في الصورة الأولى
ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه ثم كاله على مشتري وأقبضه فقد جرى الصاعان وصح القبضان
فلو زاد حين كاله ثانيا أو نقص فالزيادة لزيد والنقص عليه إن كان قدرا يقع بين الكيلين
فإن كان أكثر علمنا أن الكيل الأول غلط فيرد زيد الزيادة ويرجع بالنقصان

ولو أن زيدا لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال وسلمه كذلك إلى مشتريه فوجهان
أحدهما لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدىء كيلا
وأصحهما عند الأكثرين أن استدامته في المكيال كابتداء الكيل
وهذه الصورة كما تجري في ديني السلم تجري فيما لو كان أحدهما مستحقا بالسلم والآخر بقرض أو إتلاف

فرع للمشتري أن يوكل في القبض وللبائع أن يوكل في الإقباض ويشترط
فيه أمران
أحدهما أن لا يوكل المشتري من يده يد البائع كعبده ومستولدته ولا بأس بتوكيل أبيه وابنه ومكاتبه
وفي توكيله عبده المأذون له وجهان
أصحهما لا يجوز
ولو قال للبائع وكل من يقبض لي منك ففعل جاز ويكون وكيلا للمشتري
وكذا لو وكل البائع بأن يأمر من يشتري منه للموكل
الأمر الثاني أن لا يكون القابض والمقبض واحدا فلا يجوز أن يوكل البائع رجلا بالإقباض ويوكله المشتري بالقبض
كما لا يجوز أن يوكله هذا بالبيع وذاك بالشراء
ولو كان عليه طعام أو غيره من سلم أو غيره فدفع إلى المستحق دراهم وقال اشتر بها مثل ما تستحقه لي واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء والقبض للموكل ولا يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض والمقبض ولامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه
وفي وجه ضعيف يصح قبضه لنفسه وإنما يمتنع قبضه من نفسه لغيره
ولو قال اشتر بهذه الدراهم لي واقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح قبضه لنفسه ويكون

المقبوض مضمونا عليه
وهل تبرأ ذمة الدافع من حق الموكل فيه الوجهان السابقان
ولو قال اشتر لنفسك فالتوكيل فاسد وتكون الدراهم أمانة في يده لأنه لم يقبضها ليملكها
فإن اشترى في الذمة وقع عنه وأدى الثمن من ماله
وإن اشترى بعينها فهو باطل على الصحيح
ولو قال لمستحق الحنطة اكتل حقك من الصبرة لم يصح على الأصح لأن الكيل أحد ركني القبض وقد صار نائبا فيه من جهة البائع متأصلا لنفسه

فرع يستثنى عن الشرط الثاني ما إذا اشترى الأب لابنه الصغير من
مال نفسه أو لنفسه من مال الصغير فإنه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع
وفي احتياجه إلى النقل في المنقول وجهان
أصحهما يحتاج كما يحتاج إلى الكيل إذا باع كيلا
فرع يستثنى عن صورة القبض المذكور إتلاف المشتري المبيع فإنه قبض

قلت ومما يستثنى أيضا إذا كان المبيع خفيا يتناول باليد فقبضه بالتناول واحتواء اليد عليه كذا قاله المحاملي وصاحب التنبيه وغيرهم لأنه يعد قبضا
والله أعلم

فرع قبض الجزء الشائع إنما يحصل بتسليم الجميع ويكون ما عدا
أمانة في يده ولو طلب القسمة قبل القبض قال في التتمة يجاب إليها لأنا إن قلنا القسمة إفراز فظاهر
وإن قلنا بيع فالرضى غير معتبر فيه فإن الشريك يجبر عليه
وإذا لم يعتبر الرضى جاز أن لا يعتبر القبض كالشفعة
فصل يلزم كل واحد من المتبايعين تسليم العوض الذي يستحقه الآخر
فإن قال كل لا أسلم حتى أقبض ما أستحقه فأربعة أقول
أحدها يلزم الحاكم كل واحد بإحضار ما عليه فإذا أحضر سلم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري يبدأ بأيهما شاء أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك
والثاني لا يجبر واحدا منهما بل يمنعهما من التخاصم
فإذا سلم أحدهما أجبر الآخر
والثالث يجبر المشتري
وأظهرهما يجبر البائع
وقيل يجبر البائع قطعا واختاره الشيخ أبو حامد
هذا إذا كان الثمن في الذمة فإن كان معينا سقط القول الثالث
قلت الذي قطع به الجمهور وهو المذهب أنه يسقط الرابع أيضا كما إذا باعه عرضا بعرض لأن الثمن يتعين بالتعيين عندنا
والله أعلم
وإن تبايعا عرضا بعرض سقط القول الرابع أيضا وبقي الأولان
أظهرهما يجبران وبه قطع في الشامل
فإذا قلنا يجبر البائع أولا أو قلنا لا يجبر فتبرع وسلم أولا أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس وإلا فللمشتري حالان

أحدهما أن يكون موسرا فإن كان ماله في البلد حجر عليه أن يسلم الثمن لئلا يتصرف في أمواله بما يبطل حق البائع
وحكى الغزالي وجها أنه لا يحجر عليه ويمهل إلى أن يأتي بالثمن
ولم أر هذا الوجه على هذا الإطلاق لغيره
فإذا قلنا بالمذهب المعروف قال جماهير الأصحاب يحجر عليه في المبيع وسائر أمواله
وقيل لا يحجر في سائر أمواله إن كان ماله وافيا بديونه
وعلى هذا هل يدخل المبيع في الاحتساب وجهان
أشبههما يدخل
قلت هذا الحجر يخالف الحجر على المفلس من وجهين أحدهما أنه لا يسلط على الرجوع إلى عين المال
والثاني أنه لا يتوقف على ضيق المال عن الوفاء
واتفقوا على أنه إذا كان محجورا عليه بالفلس لم يحجر أيضا هذا الحجر لعدم الحاجة إليه
والله أعلم
وإن كان ماله غائبا عن البلد نظر إن كان على مسافة القصر لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره
وفيما يفعل وجهان
أحدهما يباع في حقه ويودى من ثمنه
وأصحهما عند الأكثرين أن له فسخ البيع لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشتري بالثمن
فإن فسخ فذاك وإن صبر إلى الإحضار فالحجر على ما سبق
وقال ابن سريج لا فسخ بل يرد المبيع إلى البائع ويحجر على المشتري ويمهل إلى الإحضار وزعم في الوسيط أنه الأصح وليس كذلك
وإن كان دون مسافة القصر فهل هو كالذي في البلد أو كالذي على مسافة القصر وجهان
قلت أصحهما الأول وبه قطع في المحرر
والله أعلم
الحال الثاني أن يكون معسرا فهو مفلس والبائع أحق بمتاعه هذا هو الصحيح المنصوص
وفيه وجه ضعيف أنه لا فسخ بل تباع السلعة ويوفى من ثمنها حق البائع فإن فضل شىء فللمشتري

فرع جميع ما ذكرناه من الأقول والتفريع جار فيما إذا اختلف
والمستأجر في الابتداء بالتسليم بلا فرق
فرع هنا أمر مهم وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في الابتداء
خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا إن قلنا الابتداء بالبائع فليس له حبس المبيع لاستيفاء الثمن وإلا فله
ونازع الأكثرون فيه وقالوا هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرد الابتداء وكان كل واحد يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه
فأما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر الثمن فله ذلك بلا خلاف وكذلك للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر المبيع
وبهذا صرح الشيخ أبو حامد والماوردي
والمثبتون من المتأخرين قالوا وإنما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالا
أما المؤجل فليس له الحبس به لرضاه بتأخيره
ولو لم يتفق التسليم حتى حل الأجل فلا حبس أيضا
ولو تبرع بالتسليم لم يكن له رده إلى حبسه وكذا لو أعاره للمشتري على الأصح
ولو أودعه إياه فله ذلك
ولو صالح من الثمن على مال فله إدامة حبسه لاستيفاء العوض
ولو اشترى بوكالة اثنين شيئا ووفى نصف الثمن عن أحدهما لم يلزم البائع تسليم النصف بناء على أن الاعتبار بالعاقد
ولو باع بوكالة اثنين فإذا قبض نصيب أحدهما من الثمن لزم تسليم النصف كذا قاله في التهذيب
وينبغي أن يجيء وجه في لزوم تسليم النصف من الوجهين السابقين

في باب تفريق الصفقة أن البائع إذا قبض بعض الثمن هل يلزمه تسليم قسطه من المبيع ووجه في جواز أخذ الوكيل لأحدهما وحده من الوجهين في العبد المشترك إذا باعاه هل لأحدهما أن يتفرد بأخذ نصيبه باب بيان الألفاظ التي تطلق في البيع وتتأثر بالقرائن المنضمة إليها هي ثلاثة أقسام راجعة إلى مطلق العقد وإلى الثمن وإلى المبيع
القسم الأول لفظان
أحدهما التولية وهي أن يشتري شيئا ثم يقول لغيره وليتك هذا العقد فيجوز
ويشترط قبوله في المجلس على عادة التخاطب بأن يقول قبلت أو توليت ويلزمه مثل الثمن الأول قدرا وصفة ولا يشترط ذكره إذا علماه فإن لم يعلمه المشتري أعلمه به ثم ولاه
وهي نوع بيع فيشترط فيه القدرة على التسليم والتقابض إذا كان صرفا وسائر الشروط ولا يجوز قبل القبض على الصحيح
والزوائد المنفصلة قبل التولية تبقى للمولي ولو كان المبيع شقصا مشفوعا وعفا الشفيع تجددت الشفعة بالتولية
ولو حط البائع بعد التولية بعض الثمن انحط على المولى أيضا
ولو حط الكل فكذلك لأنه وإن كان بيعا جديدا فخاصيته وفائدته التنزيل على الثمن الأول
وعن القاضي حسين أنه ينبغي جريان خلاف في جميع هذه الأحكام
ففي وجه يجعل المولى نائبا عن المولي فتكون الزوائد للنائب ولا تتجدد الشفعة ويلحقه الحط
وفي وجه تعكس هذه الأحكام ونقول هي بيع جديد
والمذهب ما سبق
وعلى هذا لو حط البعض قبل التولية لم تصح التولية إلا بالباقي
ولو حط الكل لم تصح التولية

فرع من شرط التولية كون الثمن مثليا

فلو اشتراه بعرض لم يصح إلا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاه العقد
ولو اشتراه بعرض وقال قام علي بكذا وقد وليتك العقد بما قام علي أو أرادت عقد التولية على صداقها بلفظ القيام أو أرادها الرجل في عوض الخلع فوجهان
ولو أخبر المولي عما اشترى وكذب فقيل هو كالكذب في المرابحة ويأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وقيل يحط قدر الخيانة قولا واحدا
اللفظ الثاني الإشراك وهو أن يشتري شيئا ثم يشرك غيره فيه ليصير بعضه له بقسطه من الثمن
ثم إن صرح بالمناصفة وغيرها فذاك
وإن أطلق الإشراك فوجهان
أحدهما وبه قطع صاحب التهذيب يفسد العقد وأصحهما عند الغزالي وقطع به في التتمة أنه يصح ويحمل على المناصفة
قلت قطع القفال في شرح التلخيص بالوجه الثاني وصححه في المحرر وهو الأصح
قال القفال وصورة التصريح بالإشراك في النصف أن يقول أشركتك بالنصف
فإن قال أشركتك في النصف كان له الربع
والله أعلم
والإشراك في البعض كالتولية في الكل في الأحكام السابقة
القسم الثاني المرابحة بيع المرابحة جائز من غير كراهة وهو عقد يبنى الثمن فيه على ثمن المبيع الأول مع زيادة بأن يمشتري شيئا بمائة ثم يقول لغيره بعتك هذا بما اشتريته وربح درهم زيادة أو بربح درهم لكل عشرة أو في كل عشرة ويجوز أن يضم إلى رأس المال شيئا ثم يبيعه مرابحة مثل أن

يقول اشتريته بمائة وقد بعتكه بمائتين وربح درهم زيادة وكأنه قال بعت بمائتين وعشرين
وكما يجوز البيع مرابحة يجوز محاطة مثل أن يقول بعت بما اشتريت به وحط درهم زيادة
وفي القدر المحطوط وجهان
أحدهما من كل عشرة واحد كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد
وأصحهما يحط من كل أحد عشر واحد لأن الربح في المرابحة جزء من أحد عشر فكذا الحط وليس في حط واحد من عشرة رعاية للنسبة
فإذا كان قد اشترى بمائة فالثمن على الوجه الأول تسعون
وعلى الثاني تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم
ولو اشترى بمائة وعشرة فالثمن على الوجه الأول تسعة وتسعون
وعلى الثاني مائة
وطرد كثير من العراقيين وغيرهم الوجهين
فمن قال بعت بما اشتريت بحط درهم من كل عشرة قال إمام الحرمين هذا غلط فإن في هذه الصيغة تصريحا بحط واحد من كل عشرة فلا وجه للخلاف فيه
وهذا الذي قاله الإمام بين
وذكر الماوردي وغيره أنه إذا قال بحط درهم من كل عشرة فالمحطوط درهم من كل عشرة
وإن قال بحط درهم لكل عشرة فالمحطوط واحد من أحد عشر

فصل لبيع المرابحة عبارات

أكثرها دورانا على الألسنة ثلاث
إحداهن بعت بما اشتريت أو بما بذلت من الثمن وربح كذا
الثانية بعت بما قام علي وربح كذا
ويختلف حكم العبارتين فيما يدخل تحتهما وفيما يجب الاخبار عنه كما سنفصله إن شاء الله تعالى
فإذا قال بعت بما أشتريت لم يدخل فيه سوى الثمن
فإذا قال بما قام علي دخل فيه مع الثمن أجرة الكيال والدلال والحمال والحارس والقصار والرفاء والصباغ وقيمة الصبغ

وأجرة الختان وتطيين الدار وسائر المؤن التي تلتزم للاسترباح وألحق بها كراء البيت الذي فيه المتاع
وأما المؤن التي يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة فلا تدخل على الصحيح
ويقع ذلك في مقابلة الفوائد المستوفاة من المبيع لكن العلف الزائد على المعتاد للتسمين يدخل
وأجرة الطبيب إن اشتراه مريضا كأجرة القصار
فإن حدث المرض عنده فكالنفقة
وفي مؤنة السائس تردد عند الإمام
والأصح أنها كالعلف
ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طين الدار بنفسه لم تدخل الأجرة فيه لأن السلعة إنما تعد قائمة عليه بما بذل وكذا لو كان البيت ملكه أو تبرع أجنبي بالعمل أو بإعارة البيت فإن أراد استدراك ذلك فطريقه أن يقول اشتريت أو قام علي بكذا وعملت فيه ما أجرته كذا وقد بعتكه بهما وربح كذا
العبارة الثالثة بعتك برأس المال وربح كذا فالصحيح أنه كقوله بما اشتريت وقال القاضي أبو الطيب هو كقوله بما قام علي واختاره ابن الصباغ

فرع قال في التتمة المكس الذي يأخذه السلطان يدخل في لفظ القيام

قال وفي دخول فداء العبد إذا جنى ففداه وجهان
وقطع الجمهور بأن الفداء لا يدخل ولا ما أعطاه لمن رد المغصوب في شىء من الألفاظ

فرع العبارات الثلاث تجري في المحاطة جريانها في المرابحة

فصل ينبغي أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة معلوما
مرابحة
فإن جهله أحدهما لم يصح العقد على الأصح كغير المرابحة
فعلى هذا لو زالت الجهالة في المجلس لم ينقلب صحيحا على الصحيح
والثاني من الوجهين الأولين يصح لأن الثمن الثاني مبني على الأول ومعرفته سهلة فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل معرفة الثمن لسهولتها
فعلى هذا في اشتراط زوال الجهالة في المجلس وجهان
ومهما كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن
ففي جواز بيعه مرابحة الخلاف المذكور الأصح البطلان
فصل بيع المرابحة مبني على الأمانة فعلى البائع الصدق في الإخبار عما

ولو اشترى بمائة وخرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين فرأس ماله خمسون ولا يجوز ضم الثمن الأول إليه
ولو اشتراه بمائة وباعه بخمسين ثم اشتراه ثانيا بمائة فرأس ماله مائة ولا يجوز أن يضم إليه خسرانه أولا فيخبر بمائة وخمسين
ولو اشتراه بمائة

وباعه بمائة وخمسين ثم اشتراه بمائة فإن باعه مرابحة بلفظ رأس المال أو بلفظ ما اشتريت أخبر بمائة
وإن باعه بلفظ قام علي فوجهان
أصحهما يخبر بمائة
والثاني بخمسين

فرع يكره أن يواطىء صاحبه فيبيعه بما اشتراه ثم يشتريه منه بأكثر
ليخبر به في المرابحة
فإن فعل ذلك قال ابن الصباغ ثبت للمشتري الخيار وخالفه غيره
قلت ممن خالفه صاحب المهذب وغيره
وقول ابن الصباغ أقوى
والله أعلم
فرع لو اشترى سلعة ثم قبل لزوم العقد ألحقا بالثمن زيادة أو
وصححناه فالثمن ما استقر عليه العقد
وإن حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد وباع بلفظ ما اشتريت لم يلزمه حط المحطوط عنه وإن باع بلفظ قام علي لم يخبر إلا بالباقي
فإن حط الكل لم يجز بيعه مرابحة بهذا اللفظ ولو حط عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة لم يلحق الحط المشترى منه على الصحيح
وفي وجه يلحق كما في التولية والإشراك
فرع لو اشترى شيئا بعرض وباعه مرابحة بلفظ الشراء أو بلفظ القيام

ذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا ولا يقتصر على ذكر القيمة
وإن اشتراه بدين على البائع فإن كان مليئا غير مماطل لم يجب الإخبار به
وإن كان مماطلا وجب

فرع يجوز أن يبيع مرابحة بعض ما اشتراه ويذكر قسطه من الثمن

وكذا لو اشترى قفيزي حنطة ونحوها وباع أحدهما مرابحة
ولو اشترى عبدين أو ثوبين وأراد بيع أحدهما مرابحة فطريقه أن يعرف قيمة كل واحد منهما يوم الشراء ويوزع الثمن على القيمتين ثم يبيعه بحصته من الثمن
فرع يجب الإخبار بالعيوب الحادثة في يده سواء حدث العيب بآفة سماوية
أو بجنايته أو بجناية غيره سواء نقص العين أو القيمة
ولو اطلع على عيب قديم فرضي به ذكره في المرابحة
ولو تعذر رده بعيب حادث وأخذ الأرش فإن باعه بلفظ قام علي حط الأرش وإن باع بلفظ ما اشتريت ذكر ما جرى به العقد والعيب وأخذ الأرش
ولو أخذ أرش جنايته ثم باعه فإن باع بلفظ ما اشتريت ذكر الثمن والجناية
وإن باع بلفظ قام علي فوجهان
أحدهما أنه كالكسب والزيادات والمبيع قائم عليه بتمام الثمن
وأصحهما يحط الأرش من الثمن كأرش العيب
والمراد من الأرش هنا قدر النقص لا المأخوذ بتمامه
فإذا قطعت يد العبد وقيمته مائة فنقص ثلاثين أخذ خمسين من الجاني وحط من الثمن ثلاثين لا خمسين هذا هو

الصحيح
وفي وجه يحط جميع المأخوذ من الثمن وهو شاذ
ولو نقص من القيمة أكثر من الأرش المقدر حط ما أخذ من الثمن وأخبر عن قيامه عليه بالباقي وأنه نقص من قيمته كذا

فرع لو اشتراه بغبن لزم الإخبار به على الأصح عند الأكثرين
واختار الإمام والغزالي أنه لا يلزم
ولو اشترى من ابنه الطفل وجب الإخبار به لأن الغالب في مثله الزيادة نظرا للطفل ودفعا للتهمة
ولو اشترى من أبيه أو إبنه الرشيد لم يجب الإخبار به على الأصح باتفاقهم كالشراء من زوجته ومكاتبه
وفي الشامل ما يقتضي ترددا في المكاتب
فرع لو اشتراه بثمن مؤجل وجب الإخبار به على الصحيح

فرع لا يجب الإخبار بوطء الثيب ولا مهرها الذي أخذه ولا الزيادات
المنفصلة كالولد واللبن والصوف والثمرة
ولو كانت حاملا يوم الشراء أو كان في ضرعها لبن أو على ظهرها صوف أو على النخلة طلع فاستوفاها حط بقسطها من الثمن
وهذا في الحمل بناء على أنه يأخذ قسطا من الثمن

فصل لو قال اشتريت بمائة
وباعه مرابحة ثم بان أنه اشتراه بتسعين بإقراره أو ببينة فالبيع صحيح على الصحيح
فعلى هذا كذبه ضربان خيانة وغلط
وفي الضربين قولان
أظهرهما يحكم بسقوط الزيادة وحصتها من الربح
والثاني لا تسقط
فإن قلنا بالسقوط ففي ثبوت الخيار للمشتري طريقان
أصحهما على قولين
أظهرهما لا خيار
والثاني يثبت
والطريق الثاني إن بان كذبه بالبينة فله الخيار
وإن بان بالإقرار فلا لأنه إذا ظهر بالبينة لا يؤمن خيانة أخرى والإقرار يشعر بالأمانة
فإن قلنا لا خيار أو قلنا به فأمسك بما بقي بعد الحط فهل للبائع خيار وجهان
وقيل قولان
أصحهما لا
وقيل الوجهان في صورة الخيانة
وأما في صورة الغلط فله الخيار قطعا
وإن قلنا بعدم السقوط فللمشتري الخيار إلا أن يكون عالما بكذب البائع فيكون كمن اشترى معيبا وهو يعلمه
وإذا ثبت الخيار فقال البائع لا تفسخ فإني أحط عنك الزيادة ففي سقوط خياره وجهان
وجميع ما ذكرناه إذا كان المبيع باقيا
فأما إذا ظهر الحال بعد هلاك المبيع فقطع الماوردي بسقوط الزيادة وربحها
والأصح طرد القولين
قلت هذا الذي قطع به الماوردي نقله صاحب المهذب والشاشي عن أصحابنا مطلقا
والله أعلم
فإن قلنا بالسقوط فلا خيار للمشتري
وأما البائع فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة فكذا هنا وإلا فيثبت هنا وإن قلنا بعدم السقوط فهل للمشتري الفسخ وجهان
أصحهما لا كما لو علم العيب بعد

تلف المبيع لكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من الربح كما يرجع بأرش العيب
ولو اشتراه بمؤجل فلم يبين الأجل لم يثبت في حق المشتري الثاني ولكن له الخيار وكذا إذا ترك شيئا آخر مما يجب ذكره
قال الغزالي إذا لم يخبر عن العيب ففي استحقاق حط قدر التفاوت القولان في الكذب ولم أر لغيره تعرضا لذلك فإن ثبت الخلاف فالطريق على قول الحط النظر إلى القيمة وتقسيط الثمن عليها
قلت المعروف في المذهب أنه لا حط بذلك ويندفع الضرر عن المشتري بثبوت الخيار
والله أعلم

فرع إذا كذب بالنقصان فقال كان الثمن أو رأس المال أو ما
السلعة مائة وباع مرابحة ثم قال غلطت إنما هو مائة وعشرة فينظر إن صدقه المشتري فوجهان
أحدهما يصح البيع كما لو غلط بالزيادة وبه قطع الماوردي والغزالي في الوجيز وأصحهما عند الإمام والبغوي لا يصح لتعذر إمضائه
قلت الأول أصح وبه قطع المحاملي والجرجاني وصاحب المهذب والشاشي وخلائق
والله أعلم
فإن قلنا بالأول فالأصح أن الزيادة لا تثبت لكن للبائع الخيار
والثاني أنها ثبت مع ربحها وللمشتري الخيار
وإن كذبه المشتري فله حالان
أحدهما أن لا يبين للغلط وجها محتملا فلا يقبل قوله ولو أقام بينة لم تسمع
فلو زعم أن المشتري عالم بصدقه وطلب تحليفه أنه لا يعلم فه له ذلك وجهان

قلت أصحهما له تحليفه وبه قطع المحاملي في المقنع وغيره
والله أعلم
فإن قلنا يحلفه فنكل ففي رد اليمين على المدعي وجهان
قلت أصحهما ترد
والله أعلم
وإذا قلنا يحلف المشتري حلف على نفي العلم فإن حلف أمضي العقد على ما حلف عليه
وإن نكل ورددنا اليمين فالبائع يحلف على القطع
وإذا حلف فلمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين الفسخ كذا أطلقوه
ومقتضى قولنا إن اليمين المردودة مع نكول المدعى عليه كالإقرار أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق
الحال الثاني أن يبين للغلط وجها محتملا بأن يقول إنما اشتراه وكيلي وأخبرت أن الثمن مائة فبان خلافه أو ورد علي منه كتاب فبان مزوطا أو كنت راجعت جريدتي فغلطت من ثمن متاع إلى غيره فتسمع دعواه للتحليف
وقيل بطرد الخلاف في التحليف
فإن قلنا لا يحلف لم تسمع بينته وإلا سمعت على الأصح

فصل قوله في المرابحة بعتك بكذا يقتضي أن يكون الربح من جنس
الأول ولكن يجوز جعل الربح من غير جنس الأصل
ولو قال اشتريت بكذا وبعتك به وربح درهم على كل عشرة فالربح يكون من نقد البلد لإطلاقه الدراهم ويكون الأصل مثل الثمن سواء كان من نقد البلد أو غيره

فصل لو اتهب بغير عوض لم يجز بيعه مرابحة
إلا أن يبين القيمة ويبيع بها مرابحة
ولو اتهب بشرط الثواب ذكره وباع به مرابحة وإذا أجر دارا بعبد أو نكحت على عبد أو خالعها على عبد أو صالح من دم عليه لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء ويجوز بلفظ قام علي
ويذكر في الإجارة أجرة مثل الدار
وفي النكاح والخلع مهر المثل
وفي الصلح الدية
فصل أطبقوا على تصوير المرابحة فيما إذا قال بعتك بما اشتريت وربح
كذا وبما قام علي ولم يذكروا فيه خلافا
وذكروا فيما إذا قال أوصيت له بنصيب ابني وجها أنه لا يصح وإنما يصح إذا قال بمثل نصيب ابني فكأنهم اقتصروا هنا على الأصح وإلا فلا فرق بين البابين
قلت هذا التأويل خلاف مقتضى كلامهم والفرق ظاهر فإن السابق إلى الفهم من قوله بما اشتريت أن معناه بمثل ما اشتريت وحذفه اختصار ولا يظهر هذا التقدير في الوصية
والله أعلم
القسم الثالث فيما يطلق من الألفاظ في المبيع وهي ستة
الأول لفظ الأرض وفي معناها البقعة والساحة والعرصة
فإذا قال بعتك هذه الأرض وكان فيها أبنية وأشجار نظر إن قال دون ما فيها من الشجر والبناء لم تدخل الأشجار والأبنية في البيع
وإن قال بما فيها دخلت

وكذا إن قال بعتكها بحقوقها على الصحيح
فإن أطلق فنص هنا أنها تدخل
ونص فيما لو رهن الأرض وأطلق أنها لا تدخل
وللأصحاب طرق
أصحها عند الجمهور تقرير النصين
والثاني فيهما قولان
والثالث القطع بعدم الدخول فيهما قاله ابن سريج واختاره الإمام والغزالي
فصل الزرع ضربان
الأول ما يؤخذ دفعة واحدة كالحنطة والشعير فلا يدخل في مطلق بيع الأرض
ويصح بيع الأرض المزروعة على المذهب كما لو باع دارا مشحونة بأمتعته
وقيل يخرج على القولين في بيع المستأجرة
فإذا قلنا بالمذهب فللمشتري الخيار إن جهل الحال بأن كانت رؤية الأرض سابقة على البيع وإلا فلا
وهل يحكم بمصير الأرض في يد المشتري ودخولها في ضمانه إذا خلى البائع بينه وبينها وجهان
أحدهما لا لأنها مشغولة فاشتبهت المشحونة بأمتعته
وأصحهما نعم لحصول تسليم الرقبة المبيعة
ويخالف الدار فإن تفريغها ممكن في الحال وقد سبق فيها خلاف

فرع إذا كان في الأرض جزر أو فجل أو سلق أو ثوم
الأرض كالحنطة
واعلم أن كل زرع لا يدخل عند الإطلاق لا يدخل وإن قال بحقوقها

فرع لا يؤمر البائع بقطع زرعه في الحال بل له تركه
فعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع و التفريغ وعليه تسويه الارض وقلع العروق التي يضر بقاؤها الأرض كعروق الذره تشبيها بما إذا كان في الدار امتعه لا يتسع لها باب الدار فإنه ينقض وعلى البائع ضمانه الضرب الثاني ما تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى في سنتين أو أكثر
كالقطن الحجازي والنرجس والبنفسج فالظاهر من ثمارها عند بيع الأرض يبقى للبائع
وفي دخول الأصول الخلاف السابق في الأشجار
وحكي وجه في النرجس والبنفسج أنهما من الضرب الأول
وأما ما يجز مرارا كالقت والقصب والهندباء والنعنع والكرفس والطرخون فتبقى جزتها الظاهرة عند البيع للبائع
وفي دخول الأصول الخلاف
وعن الشيخ أبي محمد القطع بدخولها في بيع الأرض
وإذا قلنا بدخولها فليشترط على البائع قطع الجزة الظاهرة لأنها تزيد ويشتبه المبيع بغيره
وسواء كان ما ظهر بالغا أوان الجز أم لا
قال في التتمة إلا القصب فلا يكلف قطعه إلا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به
ولو كان في الأرض أشجار خلاف تقطع من وجه الأرض فهي كالقصب

فرع لو كانت الأرض المبيعة مبذورة ففي البذر الكامن مثل التفصيل
المذكور في الزرع
فالبذر الذي لا ثبات لنباته ويؤخذ دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض ويبقى إلى أوان الحصاد وللمشتري الخيار إن كان جاهلا به فإن تركه البائع له سقط خياره وعليه القبول ولو قال آخذه وأفرغ الأرض سقط الخيار أيضا إن أمكن ذلك في زمن يسير
والبذر الذي يدوم كنوى النخيل والجوز واللوز وبذر الكراث ونحوه من البقول حكمه في الدخول تحت بيع الأرض حكم الأشجار
وجميع ما ذكرنا في المسألتين هو فيمن أطلق بيع الأرض
فأما إن باعها مع الزرع أو البذر فسنذكره في اللفظ السادس إن شاء الله تعالى
فصل الحجارة إن كانت مخلوقة في الأرض أو مثبتة دخلت في بيع

فإن كانت تضر بالزرع والغرس فهو عيب إن كانت الأرض تقصد لذلك
وفي وجه ضعيف أنه ليس بعيب وإنما هو فوات فضيلة
وإن كانت مدفونة فيها لم تدخل في البيع كالكنوز والأقمشة في الدار
ثم إن كان المشتري عالما به فلا خيار له في فسخ العقد وله إجبار البائع على القلع والنقل تفريغا لملكه بخلاف الزرع فإن له أمدا ينتظر ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وإن طالت كما لو اشترى دارا فيها أقمشة يعلمها فلا أجرة له في مدة نقلها

ويجب على البائع إذا نقل تسوية الأرض
وإن كان جاهلا فللحجارة مع الأرض أربعة أحوال
أحدها أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر بأن لا يحوج النقل وتسوية الأرض إلى مدة لمثلها أجرة ولا تنقص الأرض بها فللبائع النقل وعليه تسوية الأرض ولا خيار للمشتري وله إجبار البائع على النقل على الصحيح
وفي وجه لا يجبره والخيار للبائع
الحال الثاني أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر فيؤمر البائع بالنقل
ولا خيار للمشتري كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال أو كانت منسدة البالوعة فقال البائع أنا أصلحه وأنقيها لا خيار للمشتري
الحال الثالث أن يكون القلع والترك مضرين فللمشتري الخيار سواء جهل أصل الأحجار أو كون قلعها مضا ولا يسقط خياره بترك البائع الأحجار لأن لقاءها مضر
وهل يسقط بقول البائع لا تفسخ لأغرم لك أجرة المثل مدة النقل وجهان
أصحهما لا كما لو قال البائع لا تفسخ بالعيب لأغرم لك الأرش
ثم إن اختار المشتري إمضاء البيع لزم البائع النقل وتسوية الأرض سواء كان النقل قبل القبض أو بعده
وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل بني على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية أم كجناية الأجنبي إن قلنا بالأول لم تجب وإلا فهو كما لو نقل بعد القبض
وإن كان النقل بعد القبض ففي وجوبها وجهان
أصحهما عند الأكثرين تجب كما لو جنى على المبيع بعد القبض عليه ضمانه
وإن اختصرت قلت في الأجرة أوجه
أصحها ثالثها إن كان النقل قبل القبض لم

يجب وبعده يجب
ويجري هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد التسوية عيب
الحال الرابع أن يكون في قلعها ضرر وليس في تركها ضرر فللمشتري الخيار فإن أجاز ففي وجوب الأجرة والأرش ما سبق ولا يسقط خياره بقول البائع اقلع وأغرم الأجرة أو أرش النقص قاله في التهذيب
ويجيء فيه الخلاف المذكور في الحالة الثالثة
ولو رضي بترك الأحجار في الأرض سقط خيار المشتري
ثم ينظر إن قال تركتها للمشتري فهل هو تمليك للمشتري أم مجرد إعراض لقطع الخصومة وجهان
كالوجهين في ترك نعل الدابة المردودة بالعيب
أصحهما الثاني
فإن قلنا بالأول فلو قلعها المشتري يوما فهي له
ولو أراد البائع الرجوع فيها لم يكن له
وإن قلنا بالثاني فهي للبائع
فلو أراد الرجوع قال الأكثرون له ذلك ويعود خيار المشتري
وقال الإمام لا رجوع له ويلزمه الوفاء بالترك
وإن قال وهبتها لك واجتمعت شرائط الهبة حصل الملك وقيل بطرد الخلاف
فإن لم تجتمع ففي صحتها للضرورة وجهان
فإن صححنا ففي حصول الملك ما ذكرنا في لفظ الترك
وجميع ما ذكرنا إذا كانت الأرض بيضاء
أما إذا كان فيها غراس فينظر إن كان حاصلا يوم البيع واشتراه مع الأرض فنقصان الغراس وتعيبه بالأحجار كتعيب الأرض في إثبات الخيار وسائر الأحكام
وإن أحدثه المشتري عالما بالأحجار فللبائع قلعها وليس عليه ضمان نقص الغراس
وإن أحدثه جاهلا لم يثبت الخيار على الأصح لأن الضرر راجع إلى غير المبيع
فإن كانت الأرض تنقص أيضا بالأحجار نظر إن لم يحصل بالغرس وقلع المغروس نقص في الأرض فله القلع والفسخ
وإن حصل فلا خيار في الفسخ إذ لا يجوز رد المبيع ناقصا لكن يأخذ الأرش
وإذا قلع البائع فنقص الغراس لزمه أرش النقص بلا خلاف أما إذا كان فوق الأحجار زرع للبائع أو للمشتري

ففي التهذيب أنه يترك إلى أوان الحصاد لأن له غاية منتذرة بخلاف الغراس
ومنهم من سوى بينه وبين الغراس
قلت الأصح قول صاحب التهذيب وقد وافقه جماعة
قال صاحب الإبانة إذا قلع البائع الأحجار بعد الحصاد فعليه تسوية الأرض
والله أعلم

فرع هل له الأجرة في مدة بقاء الزرع قطع الجمهور بأن لا

وقيل وجهان
الأصح لا أجرة وتقع تلك المدة مستثناة كمن باع دارا مشحونة بأمتعة لا يستحق المشتري أجرة لمدة التفريغ
فرع تكلم إمام الحرمين في أن الأصحاب رحمهم الله لم يوجبوا على
هادم الجدار إعادته بل أوجبوا أرشه وأوجبوا تسوية الحفر على البائع والغاصب وأجاب عنه بأن طم الحفر لا يكاد يتفاوت وهيآت الأبنية تتفاوت فشبه الطم بذوات الأمثال والجذار بذوات القيم
حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس جدار وأمكن الرد من غير خلل في الهيئة فهو كطم الحفر
وفي وجوب إعادة الجدار خلاف نذكره في الصلح إن شاء الله تعالى
واللفظ الثاني البستان والباغ بالغين المعجمة وهو بمعنى البستان
فإذا قال بعتك هذا الباغ أو البستان دخل في البيع الأرض والأشجار

والحائط
وفي دخول البناء الذي فيه ما سبق في دخوله في لفظ الأرض وفي العريش الذي توضع عليه القضبان تردد للشيخ أبي محمد
والظاهر عند الإمام دخوله
وذكروا أن لفظ الكرم كلفظ البستان
لكن العادة في نواحينا إخراج الحائط عن مسمى الكرم وإدخاله في مسمى البستان
ولكن لا يبعد أن يكون الحكم على ما استمر الاصطلاح عليه
ولو قال هذه الدار البستان دخل الأبنية والأشجار جميعا
ولو قال هذا الحائط البستان أو هذه المحوطة دخل الحائط المحوط وما فيه من الأشجار وفي البناء الخلاف السابق كذا ذكره في التهذيب ولا يظهر في لفظ المحوطة فرق بين الأبنية والأشجار فليدخلا أو ليكونا على الخلاف

فرع لو قال بعتك هذه القرية دخلت الأبنية والساحات التي يحيط بها
السور
وفي الأشجار وسطها الخلاف
الصحيح دخولها
وفي المزارع ثلاثة أوجه
الصحيح الذي عليه الجمهور لا تدخل سواء قال بحقوقها أم لا بل لا تدخل إلا بالنص على المزارع
والثاني قاله إمام الحرمين تدخل
والثالث قاله ابن كج إن قال بحقوقها دخلت وإلا فلا
قلت قد قال الغزالي وغيره بعتك الدسكرة كبعتك القرية
والله أعلم اللفظ الثالث الدار فإذا قال بعتك هذه الدار دخلت الأرض والأبنية جميعها حتى يدخل الحمام المعدود من مرافقها
وحكي عن نصه أن الحمام لا يدخل وحملوه على حمامات الحجاز وهي بيوت من خشب تنقل
ولو كان في وسطها شجر ففي دخوله الخلاف السابق في لفظ الأرض
ونقل الإمام

في دخولها ثلاثة أوجه
ثالثها إن كثرت بحيث يجوز تسمية الدار بستانا لم تدخل وإلا دخلت
وأما الآلات في الدار فثلاثة أضرب
أحدها المنقولات كالدلو والبكرة والرشاء والمجارف والسرر والرفوف الموضوعة على الأوتاد والسلالم التي لم تسمر ولم تطين والأقفال والكنوز والدفائن فلا يدخل شىء منها
وفي مفتاح المغلاق المثبت وجهان
أصحهما يدخل
ويجري الوجهان في ألواح الدكاكين وفي الأعلى من حجري الرحى
الضرب الثاني ما أثبت تتمة للدار ليبقى فيها كالسقف والأبواب المنصوبة وما عليها من الأغلاق والحلق والسلاسل والضبات فتدخل قطعا
الضرب الثالث ما أثبت على غير هذا الوجه كالرفوف والدنان والأجانات المثبتة والسلالم المسمرة والأوتاد المثبتة في الأرض أو في الجدار والأسفل من حجري الرحى وخشب القصار ومعجن الخباز فيدخل كل ذلك على الأصح لثباتها
وأشار إمام الحرمين إلى القطع بدخول الحجرين في البيع باسم الطاحونة وتدخل الأجانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة والمصبغة وإن الخلاف إنما هو في البيع باسم الدار
وفي التتمة ما يقتضي التسوية بين اسم الدار والمدبغة
قلت ويجري الوجهان في قدر الحمام قاله في التتمة
والله أعلم

فرع لا تدخل مسايل الماء في بيع الأرض ولا يدخل فيه شربها
والنهر المملوكين إلا أن يشرطه أو يقول بحقوقها
وفي وجه لا يكفي ذكر الحقوق

فرع لو كان في الدار المبيعة بئر ماء دخلت في البيع
في البئر حال البيع لا يدخل على الصحيح
وفي وجه يدخل كالثمرة التي لم تؤبر للعرف
وإن شرط دخوله في البيع صح على قولنا الماء مملوك بل لا يصح البيع دون هذا الشرط وإلا اختلط الماء الموجود للبائع بماء يحدث للمشتري وانفسخ البيع
قلت هذا الشرط على قولنا الماء مملوك
فإن قلنا لا يملك صح البيع مطلقا بل لا يجوز شرطه لأنه لا يملكه ويكون المشتري أحق به لأنه في يده كما لو توحل صيد في أرضه
والله أعلم
وذكر الخلاف في الماء وفروعه يأتي في إحياء الموات إن شاء الله تعالى
فرع لو كان في الأرض أو الدار معدن ظاهر كالنفط والملح والقار
فهو كالماء
وإن كان باطنا كالذهب والفضة دخل في البيع إلا أنه لا يجوز بيع ما فيه معدن ذهب بالذهب بسبب الربا
وفي بيعه بالفضة قولان للجمع بين الصرف والبيع في صفقة

فرع باع دارا في طريق غير نافذ دخل حريمها في البيع

وفي دخول الأشجار الخلاف السابق
وإن كان في طريق نافذ لم يدخل الحريم والأشجار في البيع بل لا حريم لمثل هذه الدار مما سنذكره في إحياء الموات إن شاء الله تعالى
اللفظ الرابع العبد إذا ملك السيد عبده مالا لم يملكه على الأظهر
فلو ملكه ثم باعه لم يدخل المال في البيع
فإن باعه مع المال فإن قلنا لا يملك اعتبر في المال شروط المبيع
حتى لو كان مجهولا أو غائبا أو دينا والثمن دين أو ذهبا والثمن ذهب لم يصح
فلو كان ذهبا والثمن فضة أو عكسه ففيه قولا الجمع بين بيع وصرف
وإن قلنا يملك فقد نص أن المال ينتقل إلى المشتري مع العبد وأنه لا بأس بجهالته وغيبته
واختلفوا في سبب احتمال ذلك فقال الاصطخري لأن المال تابع ويحتمل في التابع ما لا يحتمل في الأصل كما يحتمل الجهل بحقوق الدار
والأصح عند الأصحاب ما قاله ابن سريج وأبو إسحق أن المال ليس مبيعا أصلا ولا تبعا ويكون شرطه تبقية له على العبد كما كان فللمشتري انتزاعه كما كان للبائع ( الانتزاع )
فعلى هذا لو كان الثمن ربويا والمال من جنسه فلا بأس
وعلى الأول لا يجوز
ولا يحتمل الربا في التابع كما لا يحتمل في الأصل
فرع الثياب التي على العبد في دخولها في بيعه أوجه

أصحها لا يدخل شىء

منها
والثاني تدخل
والثالث يدخل ساتر العورة فقط
ولا يدخل عذار الدابة في بيعها على الأصح كالسرج ويدخل النعل وبرة الناقة إلا أن يكون من ذهب
اللفظ الخامس الشجر فإذا باع الشجرة مطلقا دخلت الأغصان لكن لا يدخل الغصن اليابس في بيع الشجرة الرطبة لأن العادة قطعة كالثمار وقال في التهذيب ويحتمل أن يدخل كالصوف على الغنم وتدخل العروق والأوراق إلا أن شجرة الفرصاد إذا بيعت في الربيع وقد خرجت أوراقها ففي دخولها وجهان
أصحهما الدخول كغير وقت الربيع وتدخل أوراق شجر النبق على المذهب وقيل كالفرصاد
قلت وتدخل الكمام تحت اسم الشجرة لأنها تبقى بقاء الأغصان قاله في الوسيط
والله أعلم
ولو باع شجرة يابسة نابتة لزم المشتري تفريغ الأرض منها للعادة
وقال في التتمة لو شرط إبقاءها بطل البيع كما لو اشترى ثمرة مؤبرة وشرط عدم القطع عند الجداد وإن باعها بشرط القطع جاز
وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع ولا تدخل عند شرط القطع بل تقطع عن وجه الأرض
وإن كانت الشجرة رطبة فباعها بشرط الإبقاء أو بشرط القلع اتبع الشرط وإن أطلق جاز الإبقاء للعادة
وهل يدخل المغرس في البيع وجهان
أصحهما لا لأن الاسم لا يتناوله فإن أدخلناه فانقلعت الشجرة أو قلعها المالك كان له غرس بدلها وله بيع المغرس وإلا فلا
ويجري الوجهان فيما لو اشترى أرضا وشرط البائع لنفسه شجرة هل يبقى له المغرس أم لا قلت وإذا لم يدخل المغرس في الصورة الأولى فليس للبائع قلع الشجرة

مجانا
وهل يجب عليه إبقاؤها ما أراد المشتري أم له قلعها بغير رضاه ويغرم ما نقص بالقلع كالعارية وجهان محكيان في النهاية و البسيط في كتاب الرهن
أصحهما الأول
والله أعلم

فصل في بيان الحال الذي تندرج فيه الثمرة في بيع الشجرة النخل
ذكور وإناث
ومعظم المقصود من الذكور استصلاح الإناث بها
والذي يبدو فيها أولا أكمة صغار ثم تكبر وتطول حتى تصير كأذان الحمر
فإذا كبرت شققت فظهرت العناقيد في أوساطها فيذر فيها طلع الذكور ليكون رطبها أجود
والتشقيق وذر الطلع فيها يسمى التأبير ويسمى التلقيح
ثم الأكثرون يسمون الكمام الخارج كله طلعا
والإمام خص اسم الطلع بما يظهر من النور على العنقود عند تشقق الكمام
ثم المتعهدون للنخل لا يؤبرون جميع الكمام بل يكتفون بتأبير البعض ويتشقق الباقي بنفسه وتنبث ريح الذكور إليه
وقد لا يؤبر في الحائط شىء وتتشقق الأكمة بنفسها إلا أن رطبه لا يجيء جيدا
وكذا الخارج من الذكور يتشقق بنفسه ولا يشقق غالبا
فإذا باع نخلة عليها ثمرة فإن شرطت لأحدهما اتبع الشرط
وإن أطلقا فإن كانت شققت أو تشققت بنفسها فهي للبائع وإلا فللمشتري
وإن باع الذكور من النخل بعد تشقق طلعها فالطلع للبائع وإلأ فوجهان
أصحهما للمشتري
والثاني للبائع

فرع ما عدا النخل من الشجر أقسام

أحدها ما يقصد منه الورق كشجر الفرصاد وقد ذكرناه
قال في البيان وشجر الحناء ونحوه يجوز أن يكون فيه خلاف كالفرصاد ويجوز أن يقطع بأنه إذا ظهر ورقه كان للبائع لأنه لا ثمر لها سوى الورق بخلاف الفرصاد فإن له ثمرة مأكولة
القسم الثاني ما يقصد منه الورد وهو ضربان
أحدهما يخرج في كمام ثم يتفتح كالورد الأحمر
فإذا بيع أصله بعد خروجه وتفتحه فهو للبائع كطلع النخل المتشقق
إن بيع قبل تفتحه فللمشتري على الأصح
والضرب الثاني يخرج ورده ظاهرا كالياسمين
فإن خرج ورده فللبائع وإلا فللمشتري
القسم الثالث ما يقصد منه الثمرة وهو نوعان
ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام كالتين والعنب فهو كالياسمين
والثاني ما تخرج بهما وهو ضربان
أحدهما ما تخرج ثمرته في نور ثم يتناثر نوره فتبرز الثمرة بلا حائل كالمشمش والتفاح والكمثرى وشبهها
فإن باع الأصل قبل انعقاد الثمرة انعقدت للمشتري وإن كان النور قد خرج
وإن باعه بعد الانعقاد وتناثر النور فللبائع
وإن باعه بعد الانعقاد وقبل تناثر النور فوجهان
أصحهما وهو نصه أنها للمشتري
والثاني للبائع
الضرب الثاني ما يبقى له حائل على الثمرة المقصودة وهو صنفان

أحدهما له قشر واحد كالرمان
فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمان فهو للبائع وإلا فهو للمشتري
والثاني ما له قشران كالجوز واللوز والفستق والرانج
فإن باعها قبل خروجها فالذي يخرج للمشتري وإلا فللبائع
ولا يعتبر مع ذلك تشقق القشر الأعلى على الأصح
ثم من هذين الصنفين ما تخرج ثمرته في قشر بغير نور كالجوز والفستق
ومنها ما تخرج في نور ثم يتناثر نوره كالرمان واللوز
وما ذكرناه من حكمهما هو فيما إذا بيع الأصل بعد تناثر النور
فإن بيع قبله عاد فيه الكلام السابق
فرع القطن نوعان
أحدهما له ساق يبقى سنين يثمر كل سنة وهو قطن الحجاز والشام والبصرة فهو كالنخل وإن بيع أصله قبل تشقق الجوزق فالثمر للمشتري وإلا فللبائع
والثاني ما لا يبقى أكثر من سنة هو كالزرع إن باعه قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تكامل القطن وجب شرط القطع
ثم إن لم يقطع حتى خرج الجوزق فهو للمشتري لحدوثه في ملكه
قاله في التهذيب وإن باعه بعد تكامل القطن فإن تشقق الجوزق صح البيع مطقا ودخل القطن في البيع بخلاف الثمرة المؤبرة لا تدخل لأن الشجرة مقصودة لثمار جميع الأعوام ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة
وإن لم يتشقق لم يصح البيع على الأصح لأن المقصود مستور بما ليس من صلاحه بخلاف الجوز واللوز في القشر الأسفل

فرع لا يشترط لبقاء الثمرة على ملك البائع التأبير في كل
بل إذا باع نخلة أبر بعضها فالكل للبائع وإن باع نخلات أبر بعضها فقط فله حالان
أحدهما أن يكون في بستان واحد فينظر إن اتحد النوع والصفقة فجميع الثمار للبائع
وإن أفرد بالبيع غير المؤبر فالأصح أن الثمرة للمشتري والثاني للبائع اكتفاء بوقت التأبير عنه
وإن اختلف النوع فالأصح أن الجميع للبائع
وقال ابن خيران غير المؤبر للمشتري والمؤبر للجائع
الحال الثاني أن تكون في بستانين فالمذهب أنه يستفرد كل بستان بحكمه
وقيل هما كالبستان الواحد سواء تباعد البستانان أو تلاصقا
فرع باع نخلة وبقيت الثمرة له ثم خرج طلع آخر من تلك
من أخرى حيث يقتضي الحال اشتراكهما فوجهان
أصحهما الطلع الجديد للبائع أيضا لأنه من ثمرة العام
وقال ابن أبي هريرة للمشتري لحدوثه في ملكه
فرع جمع في صفقة ذكور النخل وإناثها له حكم الجمع بين نوعين
الإناث

فرع قال في التهذيب تشقق بعض جوز القطن كتشقق كله
وما تشقق من الورد للبائع وما لم يتشقق للمشتر وإن كانا على شجرة واحدة ولا يتبع بعضه بعضا بخلاف النخل لأن الورد يجنى في الحال فلا يخاف اختلاطه
قال ولو ظهر بعض التين والعنب فالظاهر للبائع وغيره للمشتري وفي هذه الصورة نظر
فصل إذا باع الشجرة وبقيت الثمرة للبائع فإن شرط القطع في الحال
لزمه
وإن أطلق فليس للمشتري تكليفه القطع في الحال بل له الإبقاء إلى أوان الجداد وقطاف العنب
فإذا جاء وقت الجداد لم يمكن من أخذها على التدريج ولا أن يؤخرها إلى نهاية النضج
ولو كانت الثمرة من نوع يعتاد قطعه قبل النضج كلف القطع على العادة

ولو تعذر السقي لانقطاع الماء وعظم ضرر النخل ببقاء الثمرة فالأظهر أنه ليس له الإبقاء
ولو أصاب الثمار آفة ولم يكن في تركها فائدة فهل له الإبقاء قولان
وسقي الثمار عند الحاجة على البائع وعلى المشتري تمكينه من دخول البستان للسقي
فإن لم يأتمنه نصب الحاكم أمينا للسقي ومؤنته على البائع
وإذا كان السقي ينفع الثمار والأشجار فلكل واحد السقي وليس للآخر منعه
وإن كان يضر بهما فليس لأحدهما السقي إلا برضى الآخر وإن أضر بالثمار ونفع الأشجار فأراد المشتري السقي فمنعه البائع فوجهان
أحدهما له السقي
وأصحهما أنه إن سامح أحدهما بحقه أقر

وإلا فسخ البيع وإن أضر بالشجر ونفع الثمار فتنازعا فعلى الوجهين الأصح يفسخ إن لم يسامح
والثاني للبائع السقي
هذا نقل الجمهور
وقال الإمام في الصورتين ثلاثة أوجه أحدها يجاب المشتري
والثاني البائع
والثالث يتساويان
ولو كان السقي يضر بواحد وتركه يمنع حصول زيادة للآخر ففي إلحاقه بتقابل الضرر احتمالان عند الإمام
ولو لم يسق البائع وتضرر المشتري ببقاء الثمار لامتصاصها رطوبة الشجر أجبر على السقي أو القطع
فإن تعذر السقي لانقطاع الماء ففيه القولان السابقان
قلت هذان القولان فيما إذا كان للبائع نفع في ترك الثمرة
فإن لم يكن وجب القطع بلا خلاف كذا قاله الإمام وصاحب التهذيب
والله أعلم
اللفظ السادس الثمار وهي تباع بعد بدو الصلاح وقبله
الحالة الأولى إذا بيعت بعد بدو الصلاح جاز مطلقا وبشرط إبقائها إلى وقت الجداد وبشرط القطع سواء كانت الأصول للبائع أم للمشتري أم لغيرهما
فإن أطلق فله الإبقاء إلى وقت الجداد ولا يجوز بيع الثمار بعد الصلاح مع ما يحدث بعدها
الثانية إذا بيعت قبل بدو الصلاح فإما أن تباع مفردة عن الشجر وإما معه
الضرب الأول المفردة
وللأشجار صورتان
إحداهما أن تكون للبائع الغلة أو للمشتري أو لغيرهما
فلا يجوز بيع الثمار مطلقا ولا بشرط الإبقاء ويجوز بشرط القطع بالإجماع
ولو كانت الكروم في بلاد شديدة البرد بحيث لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة واعتاد أهلها قطع الحصرم فوجهان
قال القفال يجوز بيعها بغير شرط القطع ويكون المعتاد كالمشروط
ومنع الأكثرون ذلك
ويجري الخلاف فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن

بالمرهون حتى تنزل عادتهم على رأي منزله شرط الانتفاع ويحكم بفساد الرهن
ولو باع بشرط القطع وجب الوفاء به
فلو تراضيا على تركه فلا بأس ويكون بدو الصلاح ككبر العبد الصغير
وإنما يجوز البيع بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به كالحصرم واللوز ونحوهما
فأما ما لا منفعة فيه كالجوز والكمثرى فلا يصح بيعه بشرط القطع أيضا
الصورة الثانية أن تكون الأشجار للمشتري بأن يبيع إنسانا شجرة وتبقى الثمرة له ثم يبيعه الثمرة أو يوصي لإنسان بالثمرة فيبيعها لصاحب الشجرة ففي اشتراط القطع وجهان
أصحهما عند الجمهور يشترط ولكن لا يلزمه الوفاء بالشرط هنا بل له الإبقاء إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره عن أشجاره
ولو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة فبقيت للبائع فلا حاجة إلى شرط القطع لأن المبيع هو الشجرة وهي غير متعرضة للعاهات والثمرة مملوكة له بحكم الدوام
ولو كانت الثمرة غير مؤبرة فاستثناها لنفسه ففي وجوب شرط القطع وجهان
أصحهها لا يجب لأنه في الحقيقة استدامة لملكها
فعلى هذا له الإبقاء إلى وقت الجداد
ولو صرح بشرط الإبقاء جاز
والثاني يجب ولا يصح التصريح بالإبقاء
قلت قال الإمام إذا قلنا يجب شرط القطع فأطلق فظاهر كلام الأصحاب أن الاستثناء باطل والثمرة للمشتري
قال وهذا مشكل فإن صرف الثمرة إليه مع التصريح باستثنائها محال
قال فالوجه عد الاستثناء المطلق شرطا فاسدا مفسدا للعقد في الأشجار كاستثناء الحمل
والله أعلم
الضرب الثاني أن تباع الثمرة مع الشجر فيجوز من غير شرط القطع بل لا يجوز شرط القطع
قلت لو قطع شجرة عليها ثمرة ثم باع الثمرة وهي عليها جاز من غير شرط القطع لأن الثمرة لا تبقى عليها فيصير كشرط القطع
والله أعلم

فرع لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح في كل
إذا باع ثمرة شجرة واحدة بدا الصلاح في بعضها صح من غير شرط القطع
ولو باع ثمار أشجار بدا الصلاح في بعضها نظر إن اختلف الجنس لم يغير بدو الصلاح في جنس حكم جنس آخر
فلو باع رطبا وعنبا بدا الصلاح في أحدهما فقط وجب شرط القطع في الآخر
وإن اتحد الجنس فالكلام في اتحاد البستان وتعدده
وإذا اتحد ففي بيعها صفقة واحدة وإفراد ما لم يبد فيه الصلاح بالبيع
وحكم الأقسام كلها على ما سبق في التأبير بلا فرق حتى أن الأصح أنه لا تبعية عند الإفراد وأنه لا أثر لاختلاف النوع وأنه لا يتبع بستان بستانا
ولو بدا الصلاح في ملك غير البائع ولم يبد في ملكه فإن كانا في بستانين فلا عبرة به قطعا وكذا إن كانا في بستان واحد على الأصح
ويجري الوجهان فيما لو أبر ملك غير البائع في بستان واحد
والأصح أنه لا يكون للمبيع حكم المؤبر
فرع يحصل بدو الصلاح بظهور النضج ومبادىء الحلاوة وزوال العفوصة أو
يتلون بأن يحمر

أو يصفر أو يسود وهذه الأوصاف وإن عرف بها بدو الصلاح فليس واحد منها شرطا فيه لأن القثاء لا يتصور فيه شىء منها بل يستطاب أكله صغيرا وكبيرا
وإنما بدو صلاحه أن يكبر بحيث يجنى في الغالب ويؤكل وإنما يؤكل في الصغر على الندور
وكذا الزرع لا يتصور فيه شىء منها وبدو صلاحه باشتداد الحب
قال صاحب التهذيب بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز إلا بشرط القطع وبعده يجوز مطلقا وبشرط القطع
والعبارة الشاملة أن يقال بدو الصلاح في هذه الأشياء ضرورتها إلتي تطلب غالبا لكونها على الصفة

فرع بيع البطيخ قبل بدو صلاحه لا يصح من غير شرط القطع
الصلاح في كله أو بعضه نظر إن كان يخاف خروج غيره فلا بد من شرط القطع فإن شرط فلم يقطع حتى اختلط ففي انفساخ البيع قولان يأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى
وإن كان لا يخاف خروج غيره جاز بيعه من غير شرط القطع
هذا إذا أفرد البطيخ بالبيع ووراءه حالتان
إحداهما لو أفرد أصوله بالبيع قال العراقيون وغيرهم يجوز ولا حاجة إلى شرط القطع إذا لم يخف الاختلاط
ثم الحمل الموجود يبقى للبائع وما يحدث يكون للمشترى
وإن خيف اختلاط الحملين فلا بد من شرط القطع
فإن شرط فلم يتفق حتى وقع الاختلاط فطريقان سنذكرهما في نظيره إن شاء الله تعالى
ولو باع الأصول قبل خروج الحمل فلا بد من شرط القطع والقلع كالزرع الأخضر
وإذا شرط ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل فهو للمشترى
الحالة الثانية باع البطيخ مع أصوله قال الإمام والغزالي لا بد من

شرط القطع لأن البطيخ مع أصوله متعرض للعاهة بخلاف الشجرة مع الثمرة
فلو باع البطيخ مع الأرض استغني عن شرط القطع والأرض كالشجر
ومقتضى ما ذكرناه في بيع الأصول وحدها إذا لم يخف الاختلاط أنه لا حاجة إلى شرط القطع
والباذنجان ونحوه كالبطيخ في الأحوال الثلاث

فرع لابن الحداد لو باع نصف الثمار على رؤوس الشجر مشاعا قبل
الصلاح لم يصح
وعللوه بأن هذا البيع يفتقر إلى شرط القطع ولا يمكن قطع النصف إلا بقطع الكل فيتضرر البائع بقطع غير المبيع فأشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف
وما ذكروه من أن قطع النصف لا يمكن إلا بقطع الجميع إنما يستمر بتقدير دوام الإشاعة وامتناع القسمة
أما إذا جوزنا قسمة الثمار الرطبة بناء على أنها إفراز فيمكن قطع النصف من غير قطع الجميع بأن يقسم أولا فليكن منع البيع مبنيا على القول بامتناع القسمة لا مطلقا وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد
قال القاضي أبو الطيب وهو الصحيح
ولو باع نصفها مع نصف النخل صح وكانت الثمار تابعة
ولو كانت الثمرة لواحد والشجرة لآخر فباع صاحب الثمرة صاحب الشجرة نصفها فوجهان بناء على اشتراط القطع هنا
ولو كانت الأشجار والثمار مشتركة بين رجلين فاشترى أحدهما نصيب شريكه من الثمرة لم يصح
ولو اشترى نصيب شريكه من الثمرة بنصيبه من الشجر لم يجز مطلقا ويجوز بشرط القطع لأن جملة الثمار تصير لمشترى الثمرة وجملة الشجر للآخر ويلزم مشترى الثمرة قطع الجميع لأنه بهذه المعاملة التزم قطع النصف المشترى وتفريغ الأشجار لصاحبه وبيع الشجرة على أن يفرغها البائع جائز
وكذا

لو كانت الأشجار لأحدهما والثمرة بينهما فاشترى صاحب الشجر نصيب صاحبه من الثمر بنصف الشجر على شرط القطع جاز

فرع لا يصح بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع

فإن باعه مع الأرض جاز تبعا
وكذا لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلا بشرط القطع أو القلع سواء كان مما يجز مرارا أو لا يجز إلا مرة هكذا نقله صاحب التهذيب وغيره في البقول
وقال الغزالي بيع أصول البقول لا يتقيد بشرط القطع إذ لا تتعرض للآفة
وبيع الزرع بعد اشتداد حبه كبيع الثمر بعد صلاحه فلا يحتاج إلى شرط القطع
فرع يشترط ظهور المقصود

فإذا باع ثمرة لا كمام لها كالتين والعنب والكمثرى جاز سواء باعها على الشجرة أو على الأرض
ولو باع الشعير أو السلت مع سنبله جاز بعد الحصاد وقبله لأن حباته ظاهرة
ولو كانت للثمر أو الحب كمام لا يزال إلا عند الأكل كالرمان والعلس فكمثل
وأما ما له كمامان يزال أحدهما ويبقى الآخر إلى وقت الأكل كالجوز واللوز والرانج فيجوز بيعه في القشر الأسفل ولا يجوز في الأعلى لا على الشجر ولا على الأرض
وفي قول يجوز في القشر الأعلى ما دام رطبا
وبيع الباقلاء في القشر الأعلى فيه هذا الخلاف
وادعى إمام الحرمين أن الظاهر فيه الصحة لأن الشافعي رضي الله عنه أمر أن يشترى له الباقلاء الرطب

قلت المنصوص في الأم أنه لا يصح بيعه
قال صاحب التهذيب وغيره هو الأصح وبه قطع صاحب التنبيه
هذا إذا كان الجوز واللوز والباقلاء رطبا
فإن بقي في قشره الأعلى فيبس لم يجز بيعه وجها واحدا إذا لم نجوز بيع الغائب كذا قاله الإمام وصاحب التهذيب وغيرهما
وحكى فيه صاحب التتمة وجها أنه يصح وإن أبطلنا بيع الغائب
ويصح بيع طلع النخل مع قشره في الأصح
والله أعلم
وأما ما لا يرى حبه في سنبله كالحنطة والعدس والسمسم فما دام في سنبله لا يجوز بيعه مفردا عن سنبله قطعا ولا معه على الجديد الأظهر كبيع تراب الصاغة وكبيع الحنطة في تبنها فإنه لا يصح قطعا
وفي الأرز طريقان
المذهب أنه كالشعير فيصح بيعه في سنبله
وقيل كالحنطة
ولا يصح بيع الجزر والثوم والبصل والفجل والسلق في الأرض لتستر مقصودها
ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع
ويجوز بيع القنبيط في الأرض لظهوره وكذا نوع من السلجم يكون ظاهرا
ويجوز بيع اللوز في القشر الأعلى قبل انعقاد الأسفل لأنه مأكول كله كالتفاح
وهل المنع في صور الفرع مقطوع به أم مفرع على منع بيع الغائب قال الإمام هو مفرع عليه
فإن جوزنا بيع الغائب صح البيع في جميعها
وفي التهذيب أن المنع في بيع الجزر ونحوه في الأرض ليس مفرعا عليه لأن في بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد الرؤية بصفته وهنا لا يمكن
قلت هذا أصح ونقله الماوردي عن جمهور الأصحاب
ونقل عن بعضهم كقول إمام الحرمين في الجزر ونحوه
والله أعلم
وإذا قلنا بالمنع فباع الجوز مثلا في القشر الأعلى مع الشجرة أو باع

ا لحنطة في سنبلها مع الأرض فطريقان
أحدهما يبطل في الجوز والحنطة وفي الشجرة والأرض قولا تفريق الصفقة
وأصحهما القطع بالبطلان ي الجميع للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع
ولو باع أرضا مبذورة مع البذر فقيل يصح في البذر أيضا تبعا للأرض
والمذهب بطلان البيع فيه
ثم في الأرض الطريقان
ومن قال بالصحة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع بل يوجب جميع الثمن بناء على قولنا في تفريق الصفقة بأخذ جميع الثمن

فصل لا يصح بيع المحاقلة وهو أن يبيع الحنطة في سنبلها بكيل
من الحنطة
ولبطلانه علتان
إحداهما أنه بيع حنطة وتبن بحنطة وذلك ربا
والثانية أنه بيع حنطة في سنبلها
فلو باع شعيرا في سنبله بحنطة خالصة وتقابضا في المجلس أو باع زرعا قبل ظهور الحب بحب جاز لأن الحشيش غير ربوي
فصل قد سبق أنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر ويستثنى منه بيع
فإنه جائز وهو أن يبيع رطب نخلة أو نخلات باعتبار الخرص بقدر كيلها من التمر ولا يصح إلا بالخرص
ويشترط التقابض في المجلس بتسليم التمر إلى البائع بالكيل وتخلية البائع بينه وبين النخلة
فإن كان التمر غائبا عنهما أو كانا غائبين عن النخل فأحضراه أو حضرا عند النخل جاز
ثم إن لم يظهر تفاوت بين التمر المجعول عوضا وبين ما في الرطب من التمر بأن أكيل الرطب في الحال فذاك
وإن ظهر نظر فإن كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر
وإن

كان أكثر فالعقد باطل
وفي وجه ضعيف يصح في قدر القليل من الكثير ولمشترى الكثير الخيار
ويجوز بيع العرايا في العنب كالرطب ولا يجوز في سائر الثمار على الأظهر
ويجوز فيما دون خمسة أسوق من التمر لا فيما زاد على الخمسة قطعا ولا في خمسة على الأظهر
هذا إذا باع في صفقة
فلو باع قدرا كثيرا في صفقات لا تزيد كل واحدة على ما ذكرنا جاز
وكذا لو باع في صفقة لرجلين بحيث يخص كل واحد القدر الجائز
فلو باع رجلان لرجل فوجهان
أصحهما أنه كبيع رجل لرجلين
والثاني كبيعه لرجل صفقة
ولو باع رجلان لرجلين صفقة لم يجز فيما زاد على عشرة أوسق ويجوز فيما دون العشرة
وفي العشرة القولان
قلت وسواء في هذه الصور كانت العقود في مجلس أو مجالس
حتى لو باع رجل لرجل ألف وسق في مجلس واحد بصفقات كل واحدة دون خمسة أوسق جاز
والله أعلم
وجميع ما ذكرنا في بيع الرطب بالتمر فلو باع رطبا على النخل برطب على النخل خرصا فيهما أو برطب على الأرض كيلا فيه فأوجه
أصحها لا يجوز قاله الاصطخري
والثاني يجوز قاله ابن خيران
والثالث إن اختلف نوعهما جاز وإلا فلا قاله أبو إسحق
والرابع جريان هذا التفصيل إن كانا على النخل فإن كان أحدهما على الأرض لم يجز حكي أيضا عن أبي إسحق
ولو باع الرطب بالرطب على الأرض لم يصح على المذهب وبه قطع الجمهور
وقال القفال فيه هذا الخلاف لأنه إذا جاز البيع وهما على النخل وإحتملت جهالة الخرص فالجواز مع تحقق المساواة بالكيل أولى

فرع يجوز بيع العرايا للمحتاجين وفي الأغنياء قولان

أظهرهما الجواز
فصل إذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح لزمه سقيها قبل التخلية وبعدها
بقدر ما تنمى به الثمار وتسلم من التلف والفساد
فلو شرط كون السقي على المشترى بطل البيع ثم المشترى يتسلط على التصرف في الثمرة بعد تخلية البائع بينه وبينها من كل وجه
فإن عرضت جائحة من حر أو برد أو جراد أو حريق أو نحوها قبل التخلية فهي من ضمان البائع
فإن تلف جميع الثمار انفسخ البيع
وإن تلف بعضها انفسخ فيه
وفي الباقي قولا التفرق
وإن عرضت بعدها فإن كان باعها بعد بدو الصلاح فقولان
الجديد الأظهر أن الجوائح من ضمان المشترى
والقديم أنها من ضمان البائع
ولا فرق على القولين بين أن يشرط القطع أم لا
وقيل إن شرطه كانت من ضمان المشترى قطعا لتفريطه ولأنه لا علقة بينهما إذ لا يجب السقي على البائع هنا وحكي هذا عن القفال
وقيل إن شرطه كانت من ضمان البائع قطعا لأن ما شرط قطعه فقبضه بالقطع والنقل فقد تلفت قبل القبض
ويتفرع على كونها من ضمان البائع فروع
أحدها أن المحكوم بكونه من ضمان البائع ما تلف قبل وقت الجداد أما ما تلف بعد وقت الجداد وإمكان النقل فمن ضمان المشترى على الأظهر
وقيل على الأصح لتقصيره
وعلى الثاني من ضمان البائع لعدم التسليم التام
قال

الإمام وهذا الخلاف إذا لم يعد مقصرا مضيعا بتأخيره كاليوم واليومين
فإن عد فلا مساغ للخلاف
الثاني لو تلف بعض الثمر فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية
ولو عابت الثمرة بالجائحة ثبت الخيار على هذا القول كما لو عابت قبل التخلية
وعلى الجديد لا يثبت
الثالث لو ضاعت الثمرة بغصب أو سرقة فالمذهب أنها من ضمان المشترى وبه قطع الأكثرون
وقيل على القولين في الجائحة وبه قطع العراقيون
قلت إذا قلنا بالقديم فاختلفا في الفائت بالجائحة فقال البائع ربع الثمرة
وقال المشترى نصفها فالقول قول البائع لأن الأصل براءة ذمته وعدم الهلاك
قال في التتمة لو اختلفا في وقوع الجائحة فالغالب أنها لا تخفى فإن لم تعرف أصلا فالقول قول البائع بلا يمين
وإن عرف وقوعها عاما فالقول قول المشترى بلا يمين وإن أصابت قوما دون قوم فالقول قول البائع بيمينه لأن الأصل عدم الهلاك ولزوم الثمن
والله أعلم

فرع هذا الذي ذكرناه من القولين هو في الجوائح السماوية التي لا
تنسب إلى البائع بحال
فأما إن ترك السقي وعرضت في الثمار آفة بسبب العطش
فإن تلفت فالمذهب القطع بانفساخ العقد
وقيل فيه القولان كالسماوية
فإن قلنا لا انفساخ لزم البائع الضمان بالقيمة أو المثل
وإنما يضمن ما تلف ولا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لولا العارض
وإن تعيبت فللمشترى الخيار
وإن قلنا الجائحة من ضمانه لأن الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي فالتعيب الحادث بترك

السقي كالعيب المتقدم على القبض
وإن أفضى التعيب إلى تلف نظر إن لم يشعر به المشترى حتى تلف عاد الخلاف في الانفساخ ولزم البائع الضمان إن قلنا لا انفساخ ولا خيار بعد التلف كذا قاله الإمام
وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلف فوجهان
أحدهما يغرم البائع لعدوانه
والثاني لا لتقصير المشترى بترك الفسخ

فرع باع الثمر مع الشجر فتلف الثمر بجائحة قبل التخلية بطل العقد
فيه
وفي الشجر القولان
وإن تلف بعد التخلية فمن ضمان المشترى بلا خلاف
قلت ولو كانت الثمرة لرجل والشجر لآخر فباعها لصاحب الشجرة وخلى بينهما ثم تلفت فمن ضمان المشترى بلا خلاف لانقطاع العلائق
والله أعلم
فرع اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده ففي انفساخ البيع
وجهان لبقاء الكيل بينهما
فرع من العوارض اختلاط الثمار المبيعة بغيرها لتلاحقها

فأما الاختلاط الذي يبقى معه التمييز فلا اعتبار به
وأما غيره فإذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجرة تثمر في السنة مرتين نظر إن كان ذلك مما يغلب التلاحق فيه وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالأول كالتين والبطيخ والقثاء والباذنجان لم يصح البيع

إلا أن يشرط أن المشترى يقطع ثمرته عند خوف الاختلاط
وفي قول أو وجه أنه موقوف
فإن سمح البائع بما حدث تبين انعقاد البيع وإلا فلا
ثم إذا شرط القطع فلم يتفق حتى اختلط فهو كالتلاحق فيما يندر
وإن كان مما يندر فيه التلاحق وعلم عدم الاختلاط أو لم يعلم كيف يكون الحال فيصح البيع مطلقا وبشرط القطع والتبقية
ثم إن حصل الاختلاط فله حالان
أحدهما أن يحصل قبل التخلية فقولان
أحدهما ينفسخ البيع لتعذر التسليم قبل القبض
وأظهرهما لا لبقاء عين المبيع فعلى هذا يثبت للمشترى الخيار
وفي قول ضعيف لا خيار
والاختلاط قبل القبض كهو بعده
ثم إن سمح البائع بترك الثمرة الجديدة للمشترى سقط خياره على الأصح كما سبق في نعل الدابة
وإن باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع فلم يتفق القطع حتى اختلطت جرى القولان في الانفساخ ويجريان فيما إذا باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات
وإن اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فالصحيح الانفساخ
وفي وجه لا لإمكان تسليمه بتسليم الجميع
ولو باع جزة من القت بشرط القطع فلم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان
وقيل لا ينفسخ هنا قطعا تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة وبنماء الحيوان وهو ضعيف لأن البائع يجبر على تسليم الأشياء المذكورة بزيادتها وهنا لا يجبر على تسليم ما زاد
الحال الثاني أن يحصل الاختلاط بعد التخلية فطريقان
أحدهما القطع بعدم الانفساخ
وأصحهما عند الجمهور أنه على القولين
فإن قلنا لا انفساخ فإن تصالحا وتوافقا على شىء فذاك وإلا فالقول قول صاحب اليد في قدر حق الآخر
ولمن اليد في صورة الثمار فيه أوجه
أحدها للبائع
والثاني للمشترى
والثالث لهما
وفي صورة الحنطة للمشترى فإن كان المشترى أودعه الحنطة بعد القبض ثم اختلطت فالقول قول البائع

فرع باع شجرة عليها ثمرة للبائع وهي مما تثمر في السنة مرتين
تلاحقها لا يصح البيع إلا بشرط قطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط ويجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع هو الثمرة
ثم إذا تبايع بهذا الشرط فلم يتفق القطع حتى اختلطا أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق والاختلاط فاتفق وقوعه فطريقان
قال الأكثرون في الانفساخ القولان
وقيل لا انفساخ قطعا
فإن قلنا لا انفساخ فسمح البائع بترك الثمرة القديمة أجبر المشترى على القبول
وإن رضي المشترى بترك الثمرة الحادثة أجبر البائع على القبول وأقر العقد
ويحتمل خلاف في الإجبار فأن استمرا على النزاع فالمثبتون للقولين قالوا يفسخ العقد
والقاطعون قالوا لا فسخ بل أيهما كانت الثمرة والشجرة في يده فالقول قوله في قدر ما يستحقه الآخر
قال في التهذيب هذا هو القياس لأن الفسخ لا يرفع النزاع لبقاء الثمرة الحادثة للمشترى
وإن قلنا بالانفساخ استرد المشترى الثمن ورد الشجرة مع جميع الثمار قاله في التتمة

باب معاملات العبيد
العبد مأذون له في التجارة وغيره
الأول المأذون له فيجوز للسيد أن يأذن لعبده في التجارة وسائر التصرفات كالبيع والشراء بالإجماع
ويستفيد بالإذن في التجارة كل ما يندرج تحت اسمها وما كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطي وحمل المتاع إلى الحانوت والرد بالعيب والمخاصمة في العهدة ونحوها
ولا يستفيد غير ذلك هذا جملة القول فيه
وتفصيله بصور
إحداها ليس للمأذون في التجارة أن ينكح كما ليس للمأذون في النكاح أن يتجر
الثانية لا يجوز أن يؤجر نفسه على الصحيح وله أن يؤجر مال التجارة كعبيدها وثيابها ودوابها على الأصح
الثالثة إذا أذن له في التجارة في نوع أو شهر أو سنة لم يتجاوز المأذون
الرابعة لو دفع إليه ألفا وقال اتجر فيه فله أن يشترى بعين الألف وبقدره في الذمة ولا يزيد
ولو قال اجعله رأس مالك وتصرف أو اتجر فله أن يشترى بأكثر من الألف
الخامسة ليس للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة
فإن أذن له فيه السيد جاز ثم ينعزل المأذون الثاني بعزل السيد سواء انتزعه من يد المأذون الأول أم لا
وهل له أن يوكل عبده في آحاد التصرفات وجهان
أصحهما عند الإمام والغزالي نعم
والثاني لا وهو مقتضى كلام صاحب التهذيب
قلت وليس له أن يوكل أجنبيا كالوكيل لا يوكل بخلاف المكاتب لأنه يتصرف لنفسه
والله أعلم
السادسة لا يتخذ دعوة للمجهزين ولا يتصدق ولا ينفق على نفسه من مال التجارة لأنه ملك السيد ولا يعامل سيده بيعا وشراء
السابعة ما كسبه المأذون بالاحتطاب والاصطياد والاتهاب وقبول الوصية والأخذ من المعدن هل يضم إلى مال التجارة حتى يتصرف

فيه وجهان
أصحهما في التهذيب نعم لأنها من الأكساب
والثاني لا وبه قطع الفوراني والإمام والغزالي
الثامنة لا ينعزل المأذون بالإباق بل له التصرف في البلد الذي صار إليه إلا إذا خص السيد الإذن بهذا البلد
قلت وفي التتمة وجه ضعيف أنه لا يصح تصرفه في الغيبة
والله أعلم
التاسعة له أن يأذن في التجارة لمستولدته قطعا
ولو أذن لأمته ثم استولدها لم تنعزل على الصحيح
العاشرة لو رأى عبده يبيع ويشتري فسكت عنه لم يصر مأذونا
الحادية عشرة لو ركبته الديون لم يزل ملك سيده عما في يده
فلو تصرف فيه ببيع أو هبة أو إعتاق بإذن المأذون والغرماء جاز ويبقى الدين في ذمة العبد
وإن أذن العبد دون الغرماء لم يجز
وإن أذنوا دونه فوجهان
قلت أصحهما لا يجوز
وصححه البغوي لأن الدين يتعلق بذمة العبد ولم يرض
والله أعلم
الثانية عشرة إقرار المأذون بدين المعاملة مقبول سواء أقر لأبيه أو ابنه أو لأجنبي
الثالثة عشرة لا
يجوز أن يبيع بنسيئة ولا بدون ثمن المثل ولا يسافر بمال التجارة إلا بإذن السيد ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل
قلت ولو كان لرجلين عبد فأذن له أحدهما في التجارة لم يصح حتى يأذن الآخر كما لو أذن له في النكاح لا يصح حتى يأذن الآخر
والله أعلم

فرع قال صاحب التتمة في جواز معاملة من لا يعرف رقه

أظهرهما الجواز
لأن الأصل والغالب الحرية
والثاني المنع لأن الأصل بقاء الحجر
وقطع إمام الحرمين بالجواز
ومن عرف رقة لم يجز له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد
ولا يكفي قول العبد أنا مأذون كما لو زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون وإنما يعرف كونه مأذونا بسماع الإذن من السيد أو ببينة
فإن شاع في الناس كونه مأذونا كفى على الأصح
وإذا علم كونه مأذونا فقال حجر علي السيد لم تجز معاملته
فإن قال السيد لم أحجر عليه فوجهان
أصحهما لا يعامل أيضا لأنه العاقد وهو يقول العقد باطل
ولو عامل المأذون من يعلم رقه ولم يعلم الإذن فبان مأذونا قال الأئمة هو كمن باع مال أبيه على أنه حي فبان ميتا ومثله قولان حكاهما الحليمي فيما إذا ادعى الوكالة فكذبه فعامله ثم بان أنه وكيل
قلت ولو باع مالا يظنه لنفسه فبان مال أبيه وكان متيا حال العقد صح بلا خلاف كذا نقله الإمام عن شيخه
والله أعلم
فرع لو علم كونه مأذونا فعامله ثم امتنع من التسليم إليه حتى
على الإذن فله ذلك خوفا من إنكار السيد كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم حتى يشهد الموكل على الوكالة

فصل إذا باع المأذون سلعة وقبض الثمن فاستحقت وقد تلف الثمن في
يد العبد فللمشتري الرجوع ببدله على العبد على الصحيح لأنه مباشر العقد
وفي وجه لا يرجع عليه لأن يده يد السيد
وفي مطالبته السيد أوجه
أصحها يطالب أيضا لأن العقد له
والثاني لا
والثالث إن كان في يد العبد وفاء لم يطالب وإلا فيطالب
وقال ابن سريج إن كان السيد دفع إليه عين مال وقال بعها وخذ ثمنها واتجر فيه أو قال اشتر هذه السلعة وبعها واتجر في ثمنها ففعل ثم ظهر الاستحقاق فطالبه المشتري بالثمن فله أن يطالب السيد بقضاء الدين عنه لأنه أوقعه فيه
وإن إشترى باختياره سلعة وباعها ثم ظهر الاستحقاق فلا
ولو اشترى المأذون شيئا للتجارة ففي مطالبة السيد بالثمن هذه الأوجه
والوجه الأول والثاني جاريان في رب المال مع عامل القراض
ولو سلم الرجل إلى وكيله ألفا وقال اشتر لي عبدا وأد هذا الألف في ثمنه فاشترى الوكيل ففي مطالبة الموكل طريقان
أقيسهما طرد الوجهين
والثاني القطع بالمطالبة ولا حكم لهذا التعيين
وإذا توجهت المطالبة على العبد ثم تندفع بعتقه
وفي رجوعه بالمغروم بعد العتق على سيده وجهان
أصحهما لا يرجع
فصل لو سلم إلى عبده ألفا ليتجر فيه فاشترى بعينه شيئا ثم
في يده انفسخ البيع
وإن اشترى في الذمة على عزم صرف الألف في الثمن فأربعة أوجه
أصحها لا ينفسخ العقد بل أن أخرج السيد ألفا آخر

امضي العقد وإلا فللبائع فسخه
والثاني يجب على السيد ألف آخر
والثالث يجب الثمن في كسب العبد
والرابع ينفسخ العقد
فإذا قلنا على السيد ألف آخر فهل يتصرف العبد فيه بالإذن السابق أم يشترط إذن جديد وجهان
قال الإمام وإنما يطالب بالألف الجديد البائع دون العبد
ولا شك أن العبد لا يمد يده إلى ألف من مال السيد وأنه لا يتصرف فيما يسلمه البائع
وإنما تظهر فائدة الوجهين فيما لو ارتفع العقد بسبب ورجع الألف
قلت قال صاحب التهذيب لو اشترى المأذون شيئا بعرض فتلف الشىء ثم خرج العرض مستحقا فالقيمة في كسبه أم على السيد وجهان
والله أعلم

فصل ديون معاملات المأذون تؤدى مما في يده من مال التجارة سواء
الأرباح الحاصلة بتجارته ورأس المال
وهل تؤدى من أكسابه بغير التجارة كالاحتطاب والاصطياد وجهان
أحدهما لا كسائر أموال السيد
وأصحهما نعم
كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح ثم ما فضل يكون في ذمته إلى أن يعتق ولا يتعلق برقبته ولا بذمة السيد قطعا ولا بما يكسبه المأذون بعد الحجر على الأصح
وإذا باعه السيد أو أعتقه صار محجورا عليه على الأصح
وفي قضاء ديونه مما يكسبه في يد المشتري الخلاف المذكور فيما كسبه بعد الحجر عليه
ولو كان للمأذون لها أولاد لم يتعلق الدين بهم
ولو أتلف السيد ما في يد المأذون من مال التجارة لزمه ما أتلف بقدر الدين
ولو قتله السيد وليس في يده مال لم يلزمه قضاء الديون

فرع لو تصرف السيد فيما في يد المأذون ببيع أو هبة
دين على المأذون جاز
وفي وجه ضعيف يشترط أن يقدم عليه حجرا
وإن كان عليه دين فقد سبق حكم تصرفه
فرع لو أذن لعبده في التجارة مطلقا ولم يعين مالا فعن أبي
الزيادي أنه لا يصح هذا الإذن
وعن غيره أنه يصح وله التصرف في أنواع أمواله
وقد بقيت من أحكام المأذون مسائل مذكورة في موضعها
قلت قال في التهذيب لو جني على المأذون أو كانت أمة فوطئت بشبهة لا تقضى ديون التجارة من الأرش والمهر
ولو اشترى المأذون من يعتق على سيده بغير إذنه لم يصح على الأظهر
فإن قلنا يصح ولم يكن على المأذون دين عتق على المولى
وإن كان دين ففي عتقه قولان كما لو اشترى بإذن المولى
وإن اشترى بإذنه صح
فإن لم يكن على المأذون دين عتق
وإن كان فقولان
أحدهما لا يعتق
والثاني يعتق ويغرم قيمته للغرماء
ولو مات المأذون وعليه ديون مؤجلة وفي يده أموال حلت المؤجلة كما تحل بموت الحر ذكره القاضي حسين في الفتاوى
والله أعلم

فصل وأما غير المأزون فقد يكون مأذونا في غير التجارة وقد لا يكون مأذونا أصلا
وأحكامه مفرقة في أبوابها لكن نذكر منها طرفا فليس للعبد أن يتزوج بغير إذن السيد وهكذا حكم كل تصرف يتعلق برقبته
فإن وصي له أو وهب له كان وصية وهبة لسيده
وفي صحة قبوله فيهما بغير إذن سيده وجهان
والأصح الصحة كما لو خالع صح ودخل العوض في ملك سيده قهرا
وفي صحة ضمانه وجهان مذكوران بفروعهما في بابه
وفي صحة شرائه بغير إذن سيده طريقان
أحدهما القطع ببطلانه
وأصحهما على وجهين
أصحهما البطلان فإن صححناه فالثمن في ذمته
وذكروا وجهين
أحدهما أن الملك للسيد
ثم إن علم البائع رقه لم يطالبه بشىء حتى يعتق وإلا فله الخيار إن شاء صبر إلى العتق وإن شاء فسخ ورجع إلى عين ماله
والثاني أن الملك للعبد ثم السيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين أن ينزعه منه
وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد لتعذر الثمن كالإفلاس
وإن تلف في يده فليس له إلا الصبر إلى أن يعتق
وإن انتزعه السيد فليس للبائع الرجوع فيه على الصحيح الذي قاله الأكثرون كما لو زالت يد المفلس عما اشتراه
وفي وجه يرجع فيأخذه من السيد
وأما إذا أبطلنا شراءه فللمالك استرداد العين ما دامت باقية سواء كانت في يد السيد أو العبد
فإن تلفت في يد العبد تعلق الضمان بذمته
وإن تلفت في يد السيد فللبائع مطالبته وله مطالبة العبد بعد العتق
وإن أدى الثمن من مال السيد فله استرداده ولا يجب على السيد الضمان إذا رآه فلم يأخذه من يد العبد
والاستقراض كالشراء في جميع ما ذكرناه

فرع للعبد إجارة نفسه بإذن سيده وله بيعها ورهنها على الأصح
ولو اشترى أو باع لغيره بالوكالة بغير إذن السيد لم يصح على الأصح لتعلق العهدة بالوكيل
فصل لا يملك العبد بتمليك غير سيده

وفي ملكه بتمليك سيده قولان
الأظهر الجديد لا يملك
فعلى القديم للسيد الرجوع فيه متى شاء وليس للعبد التصرف فيه لا بإذن سيده
فلو كان له عبدان فملك كل واحد منهما صاحبه فالحكم للتمليك الثاني وهو رجوع عن الأول
فإن وقعا معا من وكيلين تدافعا
فإن ملكه جارية وقلنا بالقديم فهل للعبد وطؤها فيه أوجه
الصحيح يجوز بإذن السيد ولا يجوز بغيره
والثاني يجوز مطلقا
والثالث يحرم مطلقا لضعف ملكه
قلت قال في التهذيب لو أولدها فالولد مملوك للعبد ولا يعتق عليه لنقصان ملكه
فإذا عتق عتق الولد
قال والمدبر والمعلق عتقه على صفة كالقن فلا يحل لهم الوطء على الجديد وإن أذن السيد فيه
وفي حله على القديم ما ذكرنا
ومن بعضه حر إذا ملك بحريته مالا فاشترى جارية ملكها ولا يحل له وطؤها على الجديد ويحل في القديم بإذن اليد ولا يحل بغير إذنه لأن بعضه مملوك فلم يصح التسري
ولا يحل للمكاتب التسري بغير إذن سيده وبإذنه قولان كتبرعه
وقيل إن حرمنا التسري على العبد فالمكاتب أولى وإلا فقولان
والله أعلم

باب اختلاف المتبايعين وتحالفهما
إذا اختلفا في قدر الثمن أو جنسه أو صفته أو شرط الخيار أو الأجل أو قدرهما أو في شرط الرهن أو الكفيل مع الاتفاق على عقد صحيح فإن كان لأحدهما بينة قضي بها
فإن أقاما بينتين وقلنا بالتساقط فكأنه لا بينة وإلا توقفنا إلى ظهور الحال
وإن لم تكن بينة تحالفا سواء كانت السلعة باقية أو تالفة وسواء اختلف المتبايعان أو ورثتهما وكذا لو اختلفا في قدر المبيع فقال البائع بعتك العبد بألف فقال بعتنيه مع الجارية بألفين تحالفا
فلو قال البائع بعتك العبد فقال بل الجارية واتفقا على الثمن فإن كان الثمن معينا تحالفا
وإن كان في الذمة فوجهان
أحدهما يتحالفان قاله ابن الحداد واختاره القاضي أبو الطيب وابن الصباغ
والثاني لا قاله الشيخ أبو حامد واختاره الإمام وصاحب التهذيب
فإن قلنا لا تحالف حلف كل واحد على نفي ما ادعي عليه فقط ولا يتعلق بيمينيهما فسخ ولا انفساخ
ولو كانت بحالها وأقام كل واحد بينة توافقه سلمت الجارية للمشتري
وأما العبد فقد أقر البائع ببيعه وقامت البينة عليه
فإن كان في يد المشتري أقر عنده
وإن كان في يد البائع فوجهان
أحدهما يسلم إلى المشتري ويجبر على قبوله
والثاني لا يجبر بل يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه
فإن لم يكن له كسب ورأى الحظ في بيعه وحفظ ثمنه فعل

فرع يجري التحالف في جميع عقود المعاوضات كالسلم والإجارة والقراض والمساقاة والجعالة والصلح عن الدم والكتابة

ثم في البيع ونحوه يفسخ العقد بعد التحالف أو ينفسخ ويترادان كما سيأتي إن شاء الله تعالى
وفي الصلح عن الدم لا يعود استحقاقه بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية وكذا لا يرجع البضع بل في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل
وفي الخلع يرجع إليه الزوج
قال الإمام إن قيل أي معنى للتحالف في القراض مع أن لكل واحد فسخه بكل حال وقد منع القاضي حسين التحالف في البيع في زمن الخيار لإمكان الفسخ بالخيار فالجواب أن التحالف ما وضع للفسخ بل عرضت الأيمان رجاء أن ينكل الكاذب فيقرر العقد بيمين الصادق
فإن لم يتفق ذلك وأصرا فسخ العقد للضرورة ونازع القاضي فيما ذكره ثم مال إلى موافقته ورأى في القراض أن يفصل فيقال التحالف قبل الشروع في العمل لا معنى له وبعده يؤول النزاع إلى مقصود من ربح أو أجرة مثل فيتحالفان والجعالة كالقراض
فرع لو قال بعتك هذا بألف فقال بل وهبتنيه فلا تحالف إذا
على عقد بل يحلف كل واحد على نفي ما يدعى عليه
فإذا حلفا لزم مدعي الهبة رده بزوائده على المشهور
وفي قول القول قول مدعي الهبة
وشذ صاحب

التتمة فحكى وجها أنهما يتحالفان وزعم أنه الصحيح
ولو قال بعتكه بألف فقال وهبتنيه حلف كل واحد على نفي ما ادعي عليه ورد الألف واسترد العين
ولو قال وهبتكه بألف استقرضته فقال بل بعتنيه فالقول قول المالك مع يمينه ويرد الألف ولا يمين على الآخر ولا يكون رهنا لأنه لا يدعيه

فصل وإن اختلفا من غير اتفاق على عقد صحيح بأن يدعي أحدهما
العقد والآخر فساده
مثل أن يقول بعتك بألف فقال بل بألف وزق خمر أو قال شرطنا شرطا مفسدا فأنكر فلا تحالف
والأصح عند الأكثرين أن القول قول من يدعي الصحة وهو ظاهر نصه
كما لو قال هذا الذي بعتنيه حر الأصل فقال بل هو مملوك فإن القول قول البائع
والثاني القول قول الآخر
ولو قال بعتك بألف فقال بل بخمر فعلى الوجهين
وفيل يقطع بالفساد فإذا قلنا القول قول من يدعي الصحة فقال بعتك بألف فقال بل بخمسمائة وزق خمر وحلف البائع على نفي سبب الفساد صدق وبقي النزاع في قدر الثمن فيتحالفان
فصل لو اشترى شيئا فقبضه ثم جاء بمعيب ليرده بالعيب فقال البائع
ليس هذا هو الذي سلمته إليك فالقول قول البائع لأن الأصل السلامة
فلو كان

ذلك في السلم فقال ليس هذا على الوصف الذي سلمت إليك فوجهان
أحدهما القول قول المسلم إليه كما أن القول قول البائع
وأصحهما القول قول المسلم لأن اشتغال الذمة بمال السلم معلوم والبراءة غير معلومة ويخالف البيع لأنهما اتفقا على قبض ما ورد عليه الشراء وتنازعا في سبب الفسخ والأصل بقاء العقد
ويجري الوجهان في الثمن في الذمة أن القول قول الدافع أم القابض وعن ابن سريج وجه ثالث يفرق بينما يمنع صحة القبض وما لا يمنع
فإن كان الثمن دراهم في الذمة وكان ما أراده البائع رده زيوفا فالقول قول البائع لإنكاره أصل القبض الصحيح
وإن كانت ورقا رديئة النوع لخشونة أو اضطراب سكة فالقول قول المشتري
ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه
ولو كان الثمن معينا فهو كالمبيع فإذا وقع فيه هذا الخلاف فالقول قول المشتري مع يمينه
قال في التهذيب لكن لو كان المعين نحاسا لا قيمة له فالقول قول الراد
وينبغي أن يكون هذا على الخلاف فيما إذا ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده

فرع اشترى طعاما كيلا وقبضه بالكيل أو وزنا وقبضه بالوزن أو أسلم
فيه وقبضه ثم جاء وادعى نقصا فإن كان قدرا ينفع مثله في الكيل والوزن قبل وإلا فلا على الأظهر
فرع اختلفا في القبض فالقول قول المشتري

فرع باع عصيرا وأقبضه ووجد خمرا فقال البائع تخمرفي يدك فقال
سلمته خمرا فيكون القبض فاسدا وأمكن صدقهما فأيهما يصدق قولان
قلت أظهرهما تصديق البائع
والله أعلم
ولو قال أحدهما كان خمرا عند البيع فهذا يدعي فساد العقد والآخر يدعي صحته وقد سبق حكمه
وعلى هذا يقاس ما لو اشترى لبنا فأخذه المشتري في ظرف ثم وجدت فيه فأرة ميتة وتنازعا في نجاسته عند البيع أو عند القبض
فرع قال بعتنيه بشرط أنه كاتب وأنكر البائع الشرط فوجهان

أصحهما يتحالفان كاختلافهما في الأجل
واثاني القول قول البائع كاختلافهما في العيب
ولو كان الثمن مؤجلا فاختلفا في انقضاء الأجل فالأصل بقاؤه
فصل في كيفية التحالف قاعدته أن يحلف كل واحد على إثبات قوله
قول صاحبه
وفيمن يبدأ بيمينه طريقان
أحدهما البائع
وأصحهما أنه على ثلاثة أقوال
أظهرها البائع
والثاني المشتري
والثالث يتساويان
وعلى هذا وجهان
أصحهما

يتخير الحاكم فيبدأ بمن اتفق
والثاني يقرع بينهما
ولو تحالف الزوجان في الصداق فعلى الطريق الأول يبدأ بالزوج
وعلى الثاني إن قدمنا البائع فوجهان
أصحهما وأقربهما إلى النص يبدأ بالزوج
والثاني بالمرأة
وإن قدمنا المشتري فالقياس انعكاس الوجهين
ولا يخفى من ينزل منزلة البائع في سائر العقود
ثم جميع ما ذكرناه في الاستحباب دون الاشتراط نص عليه الشيخ أبو حامد وصاحبا التتمة و التهذيب
وتقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمة
فأما إذا تبادلا عرضا بعرض فلا يتجه إلا التسوية قاله الإمام
وينبغي أن يخرج على أن الثمن ماذا فرع المذهب وظاهر النص الاكتفاء بيمين واحدة من كل واحد تجمع النفي والإثبات فيقول البائع ما بعت بخمسمائة وإنما بعت بألف
ويقول المشتري ما اشتريت بألف وإنما اشتريت بخمسمائة وفيه قول ضعيف مخرج أنه يحلف أولا على مجرد النفي
فإن اكتفينا بيمين تجمع النفي والإثبات فحلف أحدهما ونكل الآخر قضي للحالف سواء نكل عن النفي والإثبات معا أو عن أحدهما
وينبغي أن يقدم النفي على الإثبات لأن النفي هو الأصل
وقال الاصطخري يقدم الإثبات لأنه المقصود
والصحيح الأول
وهذا الخلاف في الاستحباب على الأصح
وقيل في الاستحقاق
فإذا قلنا بالمخرج إنه يحلف أولا على مجرد النفي فأضاف إليه الإثبات كان لغوا
فإذا حلف من ابتدىء به عرضنا اليمين على الآخر
فإن نكل حلف الأول يمينا ثانية على الإثبات وقضي له وإن نكل عن الإثبات لم يقض له
قال الشيخ أبو محمد ويكون كما لو تحالفا لأن نكول المردود عليه عن يمين الرد نازل في الدعاوى

منزلة حلف الناكل أولا
ولو نكل الأول عن يمين النفي أولا حلف الآخر على النفي والإثبات وقضي له
ولو حلفا على النفي فوجهان
أصحهما وبه قال الشيخ أبو محمد يكفي ذلك ولا حاجة بعده إلى يمين الإثبات لأن المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت
والثاني تعرض يمين الإثبات عليهما
فإن حلفا تم التحالف
وإن نكل أحدهما قضي للحالف
والكلام على هذا القول المخرج في تقديم النفي أو الإثبات كما ذكرنا على المذهب
فلو نكلا جميعا فوجهان
أحدهما أنه كتحالفهما
والثاني يوقف الأمر وكأنهما تركا الخصومة
قلت هذان الوجهان ذكرهما إمام الحرمين احتمالين لنفسه وذكر أن أئمة المذهب لم يتعرضوا لهذه المسألة ثم ذكر في آخر كلامه أنه رأى التوقف لبعض المتقدمين
وقال الغزالي في البسيط له حكم التحالف على الظاهر
والأصح اختيار التوقف
والله أعلم

فصل إذا تحالفا فالصحيح المنصوص أنه لا ينفسخ العقد بمجرد التحالف وفي
بعده لم يعد البيع بل لا بد من تجديد عقد
وهل ينفسخ في الحال أو نتبين ارتفاعه من أصله وجهان
أصحهما الأول لنفوذ تصرفات المشتري قبل الاختلاف
وإن قلنا لا ينفسخ دعاهما الحاكم بعد التحالف إلى الموافقة فإن دفع المشتري ما طلبه البائع أجبر عليه البائع وإلا فإن قنع بما قاله المشتري فذاك وإلا فيفسخ العقد
وفي من يفسخ وجهان
أحدهما الحاكم
وأصحهما للعاقدين أيضا أن يفسخا ولأحدهما أن ينفرد به كالفسخ بالعيب
قال الإمام وإذا قلنا الحاكم هو الذي يفسخ فذاك إذا استمرا على النزاع ولم يفسخا أو

التمسا الفسخ
أما إذا أعرضا عن الخصومة ولم يتفقا على شىء ولا فسخا ففيه تردد
ثم إذا فسخ العقد ارتفع في الظاهر
وفي ارتفاعه في الباطن ثلاثة أوجه
ثالثها إن كان البائع صادقا ارتفع لتعذر وصوله إلى حقه
كما لو فسخ بإفلاسه
وإن كان كاذبا فلا لتمكنه بالصدق من حقه
وهل يجري مثل هذا الخلاف إذا قلنا ينفسخ بمجرد التحالف أم يقطع بالارتفاع باطنا وجهان
فإذا قلنا يرتفع باطنا ترادا وتصرف كل واحد فيما عاد إليه
وإن منعناه لم يجز لهما التصرف لكن إن كان البائع صادقا فقد ظفر بمال من ظلمه وهو المبيع الذي استرده فله بيعه بالحاكم على وجه وبنفسه على الأصح ويستوفي حقه من ثمنه
وقال الإمام إن صدر الفسخ من المحق فالوجه تنفيذه باطنا
وإن صدر من المبطل فالوجه منعه
وإن صدر منهما فلا شك في الانفساخ باطنا وليس ذلك موضع الخلاف ويكون كما لو تقابلا
وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطنا فطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه
وإن صدر من القاضي فالظاهر الانفساخ باطنا ليتنفع به المحق

فرع إذا انفسخ البيع بالتحالف أو فسخ لزم المشتري رد المبيع إن
كان باقيا بحاله ويبقى له الولد والثمرة والكسب والمهر
وإن كان تالفا لزمه قيمته سواء كانت أكثر من الثمن الذي يدعيه البائع أم لا
قلت وفي وجه ضعيف لابن خيران لا يستحق البائع زيادة على ما ادعاه
والله أعلم
وفي القيمة المعتبرة أوجه
وقال الإمام أقوال
أصحها قيمة يوم التلف
والثاني يوم القبض
والثالث أقلها
والرابع أكثر القيم من القبض إلى

التلف
ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما ثم اختلفا وتحالف فهل يرد العبد الباقي فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيبا
إن قلنا يرد فيضم قيمة التالف إليه
وفي القيمة المعتبرة هذه الأوجه
ولو كان المبيع باقيا لكن حدث به عيب رده مع الأرش وهو قدر ما نقص من القيمة لأن الكل مضمون عليه بجميع القيمة فبعضه ببعضها بخلاف ما لو تعيب المبيع في يد البائع واقتضى الحال الأرش يجب جزء من الثمن لأن الكل مضمون على البائع بجميع الثمن فبعضه ببعضه
قال الشيخ أبو علي هذا أصل مطرد في المسائل أن ما ضمن كله بالقيمة فبعضه ببعضها كالمغصوب وغيره إلا في صورة وهي لو عجل زكاة ماله فتلف قبل الحول وكان ما عجله تالفا يغرم القابض القيمة
ولو كان معيبا ففي الأرش وجهان
وقد ذكرنا هذه المسألة في الزكاة وميل الشيخ إلى طرد الأصل فيها
ثم التلف قد يكون حكميا بأن وقف المبيع أو أعتقه أو باعه أو وهبه وأقبضه فتجب القيمة وهذه التصرفات ماضية على الصحة
وقال أبو بكر الفارسي نتبين بالتحالف فسادها وترد العين والصحيح الأول
والتعيب أيضا قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا بأن زوج الأمة فعليه ما بين قيمتها مزوجة وخلية وتعود إلى البائع والنكاح صحيح
وعن الفارسي أنه يبطل النكاح
ومهما اختلفا في القيمة أو الأرش فالقول قول المشتري
ولو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري حين تحالفا لم يمتنع الفسخ فإن الإباق لا يزيد على التلف ويغرم المشتري قيمته لتعذر حصوله
وكذا لو كاتبه كتابة صحيحة
وإن رهنه فالبائع بالخيار إن شاء صبر إلى فكاكه وإن شاء أخذ القيمة
وإن آجره بني على جواز بيع المستأجر
إن منعناه فهو كما لو رهنه وإن جوزناه فللبائع أخذه لكنه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدة والأجرة المسماة للمشتري وعليه للبائع أجرة

المثل للمدة الباقية
وإن كان آجره للبائع فله أخذه قطعا
وفي انفساخ الإجارة وجهان كما لو باع الدار لمستأجرها
إن قلنا لا تنفسخ فعلى البائع الأجرة المسماة للمشتري وعلى المشتري أجرة مثل المدة الباقية للبائع
وإذا غرم القيمة في هذه الصور ثم ارتفع السبب الحائل وأمكن الرد فهل يرد العين ويسترد القيمة يبنى ذلك على أنه قبل ارتفاع الحائل ملك لمن أما الآبق ففيه وجهان
أحدهما أنه ملك للمشتري ولا يرد عليه الفسخ كما لا يباع وإنما هو وارد على القيمة وأصحهما أنه في إباقة ملك البائع والفسخ وارد عليه
وإنما وجبت القيمة للحيلولة
وأما المرهون والمكاتب ففيهما طريقان
أحدهما طرد الوجهين
وأصحهما القطع ببقاء الملك للمشتري وبه قال الشيخ أبو محمد كما إذا أفلس والمبيع آبق يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه
ولو كان مكاتبا أو مرهونا لم يكن له ذلك
وأما المستأجر فإن منعنا بيعه فهل هو كالمرهون أم كالآبق فيه احتمالان للإمام
فإن قلنا ببقاء الملك للمشتري فالفسخ وارد على القيمة كما لو تلف فلا رد ولا استرداد
وإن قلنا بانقلابه إلى البائع ثبت الرد والاسترداد عند زوال الحيلولة

فصل لو اختلفا ثم حلف كل واحد منهما بعد التحالف أو قبله
العبد لم يكن الأمر كما قال لم يعتق في الحال لأنه ملك المشتري وهو صادق بزعمه فإن عاد العبد إلى البائع بالفسخ أو بغيره عتق عليه لأن المشتري كاذب بزعمه فهو كمن أقر بحريته ثم اشتراه
ولا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذبا ويعتق على المشتري أن كان صادقا
وولاء هذا العبد موقوف لا يدعيه البائع ولا المشتري
ولو صدق المشتري البائع حكم بعتقه عليه ويرد الفسخ إن تفاسخا

كما لو رد العبد بعيب ثم قال كنت أعتقته يرد الفسخ ويحكم بعتقه
فلو صدق البائع المشتري نظر إن حلف البائع بالحرية أولا ثم المشتري فإذا صدقه البائع بعد يمينه ثم عاد إليه لم يعتق لأنه لم يكذب المشتري بعدما حلف بالحرية حتى يجعل مقرا بعتقه
وأن حلف المشتري بحريته أولا ثم حلف البائع وصدقه عتق إذا عاد إليه لأن حلفه بعد حلف المشتري تكذيب له واعتراف بالحرية عليه
ولو كانت المسألة بحالها لكن المبيع بعض العبد فإذا عاد إلى ملك البائع عتق ذلك القدر عليه ولم يقوم عليه الباقي لأنه لم يقع العتق بمباشرته

فصل لو جرى العقد بين وكيلين ففي تحالفهما وجهان لأن فائدة اليمين
الإقرار وإقرار الوكيل لا يقبل
قلت ينبغي أن يكون الأصح التحالف
وفائدته الفسخ أو أن ينكل أحدهما فيحلف الآخر ويقضى له إذا قلنا حلفه مع النكول كالبينة
والله أعلم
فصل لو كان المبيع جارية فوطئها المشتري ثم اختلفا وتحالف فإن كانت
ثيبا فلا شىء عليه مع ردها
وإن كانت بكرا ردها مع أرش البكارة لأنه نقصان جزء
ولو ترافع المتنازعان إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بعد فهل للمشتري وطء المبيعة وجهان
أصحهما نعم لبقاء ملكه
وفي جوازه بعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتبان وأولى بالتحريم

فصل لو تقايلا أو رد المشتري المبيع
بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع مع يمينه لأنه غارم
قلت ولو قال البائع بعتك الشجرة بعد التأبير فالثمرة لي فقال المشتري بل قبله فلي فالقول قول البائع كأن الأصل بقاء ملكه
ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما ووجد بالآخر عيبا فرده وقلنا يجوز رد أحدهما فاختلفا في قيمة التالف فالقول قول البائع على الأظهر لأنه ملك الثمن فلا يزال ملكه إلا عما يقر به والثاني قول المشتري كالغارم
وذكر في التتمة وجها أنهما إذا اختلفا في صفة البيع لا يتحالفان بل القول قول البائع لأن الصفة المشروطة تلحقه بالعيب فصار كدعواه عيبا
ولو اختلفا في وقت وجود العيب كان القول قول البائع
والصحيح أنهما يتحالفان كما سبق وبه قطع الأصحاب
قال في التتمة ولو اختلفا في انقضاء الأجل حكي عن نصه أن القول قول البائع
قال أصحابنا صورة المسألة في السلم لأن الأجل في السلم حق البائع فإذا ادعى المسلم انقضاءه فقد ادعى استحقاق مطالبة والبائع المسلم إليه ينكرها فالقول قوله ولأن اختلافهما في انقضاء الأجل مع اتفاقهما على قدره اختلاف في تاريخ العقد فكان المسلم يدعي وقوعه في شهر والمسلم إليه ينكره
فلو اختلفا في أصل العقد كان القول قول منكره فكذا هنا
وأما في باب الشراء الأجل حق المشتري فالقول قوله لما ذكرنا من العلتين
فلو باع شيئا ومات فظهر أن المبيع كان لابن الميت فقال المشتري باعه عليك أبوك

في صغرك لحاجة وصدقه الابن أن الأب باعه في صغره لكن قال لم يبعه علي بل باعه لنفسه متعديا قال الغزالي في الفتاوى القول قول المشتري لأن الأب نائب الشرع فلا يتهم إلا بحجة كما لو قال اشتريت من وكيلك فقال هو وكيلي ولكن باع لنفسه فالقول قول المشتري
والله أعلم 4

كتاب السلم
يقال السلم والسلف ولفظة السلف تطلق أيضا على القرض ويشترك السلم والقرض في أن كلا منهما إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال وذكروا في تفسير السلم عبارات متقاربة
منها أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا
وقيل إسلام عوض حاضر في موصوف في الذمة
وقيل إسلاف عاجل في عوض لا يجب تعجيله
ثم السلم بيع كما سبق ويختص بشروط
الشرط الأول تسليم رأس المال في مجلس العقد
فلو تفرقا قبل قبضه بطل العقد
ولو تفرقا قبل قبض بعضه بطل فيما لم يقبض وسقط بقسطه من المسلم فيه
والحكم في المقبوض كمن إشترى شيئين نتلف أحدهما قبل القبض
ولا يشترط تعيين رأس المال عند العقد بل لو قال أسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا ثم عين وسلم في المجلس جاز وكذلك في الصرف لو باع دينارا بدينار أو بدراهم في الذمة عين وسلم في المجلس ولو باع طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس فوجهان أصحهما عند الأصحاب الجواز
والثاني المنع لأن الوصف فيه يطول بخلاف الصرف
فلو قبض رأس المال ثم أودعه عند المسلم فبل التفرق جاز
ولو رده اليه عن دين قال أبو العباس الروياني لا يصح لأنه تصرف قبل إنبرام ملكه
فإذا تفرقا فعن بعض الأصحاب أنه يصح السلم لحصول القبض وانبرام الملك ويستأنف إقباضه للدين
ولو كان له في ذمة رجل دراهم فقال أسلمت إليك الدراهم التي لي في ذمتك في كذا فإن أسلم مؤجلا أو حالا ولم يقبض المسلم فيه قبل التفرق فهو

باطل وكذا إن أحضره و سلمه في المجلس على الأصح
وأطلق صاحب التتمة الوجهين في أن تسليم المسلم فيه في المجلس وهو حال هل يغني عن تسليم رأس المال والأصح المنع

فرع لا يجوز أن يحيل المسلم برأس المال على رجل وإن قبضه
إليه من الرجل في المجلس
فلو قال للمحال عليه سلمه إليه ففعل لم يكف لصحة السلم لأن الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره لكن يصير المسلم إليه وكيلا عن المسلم في قبض ذلك
ثم السلم يقتضي قبضا آخرا ولا يصح قبضه من نفسه
ولو أحال المسلم إليه برأس المال على المسلم فتفرقا قبل التسليم بطل العقد وإن جعلنا الحوالة قبضا لأن المعتبر في السلم القبض الحقيقي
ولو أحضر رأس المال فقال المسلم إليه سلمه إليه ففعل صح ويكون المحتال وكيلا عن المسلم إليه في القبض
فرع لو كان رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها على المال
وإن قبض ما صالح عليه
ولو كان عبدا فأعتقه المسلم إليه قبل القبض لم يصح إن لم يصحح إعتاق المشتري قبل القبض وإلا فوجهان
والفرق أنه لو نفذ لكان قبضا حكما ولا يكفي ذلك في السلم فإن صححنا متفرقا قبل قبضه بطل العقد
وإلا فيصح
وفي نفوذ العتق وجهان

فرع متى فسخ السلم بسبب يقتضيه وكان رأس المال معينا في
العقد وهو باق رجع المشتري بعينه
وإن كان تألفا رجع الى بدله وهو المثل في المثلي والقيمة في غيره
وإن كان موصوفا في الذمة وعين في المجلس وهو باق فهل له المطالبة بعينه أم للمسلم إليه الإبدال وجهان أصحهما الأول
فرع لو وجدنا رأس المال في يد المسلم إليه فقال المسلم أقبضتكه
بعد التفرق وقال بل قبله وأقام كل واحد بينة على قوله فبينة المسلم اليه أولى
حكي ذلك عن ابن سريج
فرع إذا كان رأس المال في الذمة اشترط معرفة قدره وذكر صفته
إن كان عوضا
فان كان معينا وهو مثلي فهل تكفي معاينته أم لا بد من ذكر صفته وقدره كيلا في المكيل ووزنا في الموزون وذرعا في المذروع قولان
أظهرهما الأول
وقيل إن كان حالا كفت قطعا
والمذهب طرد القولين فيهما
وإن كان متقوما و ضبطت صفاته بالمعاينة ففي اشتراط معرفة قيمته طريقان
قطع الأكثرون بعدم الإشتراط وهو المذهب
وقيل بطرد القولين ولا فرق على القولين بين السلم الحال والمؤجل على المذهب
وقيل القولان في المؤجل فأما الحال فتكفي فيه المعاينة قطعا كما في البيع
ثم موضع القولين إذا تفرقا

قبل العلم بالقدر والقيمة
فلو علما ثم تفرقا صح بلا خلاف
وبنى كثير من الأصحاب على هذين القولين أنه هل يجوز أن يجعل رأس المال يجوز السلم فيه كالجوهرة إن قلنا بالأظهر جاز وإلا فلا
قال الإمام وليس هو على هذا الاطلاق بل الجوهرة المثمنة إذا عرفا قيمتها وبالغا في وصفها وجب أن يجوز جعلها رأس مال منع السلم فيه سببه عزة الموجود ولا معنى لاشتراط عموم الوجود في رأس المال
وإذا جوزنا السلم ورأس المال جزاف واتفق فسخ وتنازعا في قدره فالقول قول المسلم إليه لأنه غارم
قلت إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير حمل على غالب نقد البلد
فلو استوت لم يصح حتى يبين كالثمن في البيع
والله أعلم
الشرط الثاني كون المسلم فيه دينا فلو استعمل لفظ السلم في العين فقال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد فليس هذا سلما
وفي إنعقاده بيعا قولان
أظهرهما لا لاختلال لفظه
ولو قال بعتكه بلا ثمن أو لا ثمن لي عليك فقال إشتريت وقبضه فهل يكون هبة فيه مثل هذين القولين وهل يكون المقبول مضمونا وجهان
ولو قال بعتك هذا ولم يتعرض للثمن أصلا لم يكن تمليكا على المذهب والمقبوض مضمون
وقيل فيه الوجهان ولو أسلم بلفظ الشراء فقال اشتريت طعاما أو ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك انعقد
وهل هو سلم اعتبارا بالمعنى أم بيع اعتبارا بلفظه وجهان
أصحهما الثاني
فعلى هذا لا يجب تسليم الدراهم في المجلس ويثبت فيه خيار الشرط
وفي جواز الإعتياض عن الثوب قولان كما في الثمن
ومنهم من قطع بالمنع
وإن قلنا الاعتبار بالمعنى وجب تسليم الدراهم في المجلس ولم يثبت فيه خيار الشرط ولم يجز الاعتياض عن الثوب
ولو قال اشتريت

ثوبا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي فإن جعلناه سلما وجب تعيين الدراهم وتسليمها في المجلس
وإن قلنا بيع لم يجب

فصل يصح السلم الحال كالمؤجل

فان صرح بحلول أو تأجيل فذاك وإن أطلق فوجهان
وقيل قولان أصحهما عند الجمهور يصح ويكون حالا
والثاني لا ينعقد
ولو أطلقا العقد ثم ألحقا به أجلا في المجلس فالنص لحوقه وهو المذهب ويجيء فيه الخلاف السابق في سائر الإلحاقات
ولو صرحا بالأجل في نفس العقد ثم أسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا
فرع الشرط المفسد للعقد إذا حذفاه في المجلس هل ينحذف وينقلب العقد
صحيحا وجهان
الصحيح الذي عليه الجمهور لا
وفي وجه لو حذفا الأجل المجهول في المجلس انقلب العقد صحيحا
واختلفوا في جريان هذا الوجه في سائر المفسدات كالخيار والرهن الفاسدين وغيرهما
قال الإمام الأصح تخصيصه بالأجل
واختلفوا في أن زمن الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في حذف الأجل المجهول تفريعا على هذا الوجه الضعيف والأصح أنه لا يلحق به
فصل إذا أسلم مؤجلا اشترط كونه معلوما فلا يجوز توقيته بما يختلف
كالحصاد وقدوم الحاج
ولو قال إلى العطاء لم يصح إن أراد وصوله فان أراد وقت

خروجه وقد عين السلطان له وقتا جاز بخلاف ما إذا قال الى وقت الحصاد إذ ليس له وقت معين
ولو قال الى الشتاء أو الصيف لم يجز إلا أن يريد الوقت
ولنا وجه شاذ قاله ابن خزيمة من أصحابنا أنه يجوز التوقيت باليسار

فرع التوقيت بشهور الفرس والروم جائز كشهور العرب لأنها معلومة وكذا التوقيت بالنيروز والمهرجان جائز

وفي وجه لا يصح
قال الإمام لأنهما يطلقان على الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلى أوائل برجي الحمل والميزان وقد يتفق ذلك ليلا ثم ينحبس مسير الشمس كل سنة قدر ربع يوم وليلة
ولو وقت بفصح النصارى نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يصح فقال بعض أصحابه بظاهره اجتنابا لمواقيت الكفار
وقال جمهور الأصحاب إن اختص بمعرفته الكفار لم يصح لأنه لا اعتماد على قولهم وإن عرفه المسلمون جاز كالنيروز
ثم إعتبر جماعة فيهما معرفة المتعاقدين
وقال أكثر الأصحاب يكفي معرفة الناس
وسواء اعتبرنا معرفتهما أم لا
فلو عرفا كفى على الصحيح
وفي وجه يشترط معرفة عدلين من المسلمين سواهما لأنهما قد يختلفان فلا بد من مرجع
وفي معنى الفصح سائر أعياد أهل الملل كفطير اليهود ونحوه
قلت الفصح بكسر الفاء وإسكان الصاد والحاء المهملتين وهو عيد لهم معروف وهو لفظ عربي
والفطير عيد اليهود ليس عربيا وقد طرد صاحب الحاوي الوجه في الفصح في شهور الفرس وشهور الروم
والله أعلم
فرع لو وقتا بنفر الحجيج وقيدا بالأول أو الثاني جاز

وإن أطلقا فوجهان
أحدهما لا يصح
والأصح المنصوص صحته ويحمل على النفر الأول لتحقق الاسم به

ويجري الخلاف في التوقيت بشهور ربيع أو جمادي أو العيد ولا يحتاج إلى تعيين السنة إذا حملنا المذكور على الأول
وفي الحاوي وجه أن التوقيت بالنفر الأول أو الثاني لا يجوز لغير أهل مكة لأن أهل مكة يعرفونه دون غيرهم
وذكر وجهين في التوقيت بيوم القر لأهل مكة لأنه لا يعرفه إلا خواصهم
وهذا الذي قاله ضعيف لأنا إن اعتبرنا علم العاقدين فلا فرق وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم
قلت يوم القر بفتح القاف وتشديد الراء وهو الحادي عشر من ذي الحجة سمي به لأنهم يقرون فيه بمنى وينفرون بعده النفرين في الثاني عشر والثالث عشر
وهذا الوجه الذي ذكره في الحاوي قوي
ودعوى الإمام الرافعي رحمه الله شهرته عند غير الفقهاء ومن في معناهم لا تقبل بل ربما لا يعرف القر كثير من المتفقهين
والله أعلم

فرع لو أجلا إلى سنة أو سنين مطلقة حمل على الهلالية
فان قيد بالرومية أو الفارسية أو الشمسية أو العددية
وهي ثلاثمائة وستون يوما تقيد
وكذا مطلق الأشهر محمول على الأشهر الهلالية
ثم إن جرى العقد في أول الشهر اعتبر الجميع بالأهلة تامة كانت أو ناقصة
وإن جرى بعد مضي بعض الشهر عد باقيه بالأيام واعتبرت الشهور بعده بالأهلة ثم يتمم المنكسر بثلاثين
وفيه وجه أنه إذا انكسر شهرا اعتبر جميع الشهور بالعدد
وضرب الإمام مثلا للتأجيل بثلاثة أشهر مع الانكسار فقال عقدا وقد بقي من صفر لحظة ونقص الربيعان وجمادى فيحسب الربيعان بالأهلة ويضم جمادى إلى اللحظة من صفر ويكمل جمادى

الآخرة بيوم إلا لحظة
ثم قال الإمام كنت أود أن يكتفي في هذه الصورة بالأشهر الثلاثة فانها جرت عربية كوامل
وما تمناه الإمام هو الذي نقله صاحب التتمة وغيره وقطعوا بحلول الأجل بانسلاخ جمادى الأولى
قالوا وإنما يراعى العدد إذا عقد في غير اليوم الأخير وهذا هو الصواب

فرع لو قال إلى يوم الجمعة أو إلى رمضان حل بأول جزء
الاسم
وربما يقال بانتهاء ليلة الجمعة وبانتهاء شعبان وهما بمعنى ولو قال محله في الجمعة أو في رمضان فوجهان
أصحهما لا يصح العقد لأنه جعل اليوم ظرفا فكأنه قال في وقت من أوقاته
والثاني يصح ويحمل على الأول
قلت كذا قاله جمهور الأصحاب
إذا قال في يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا لا يصح على الأصح وسووا بينهما وحكى الطبري في العد وجها أنه يصح في يوم كذا دون الشهر وجعل صاحب الحاوي هذه الصور على مراتب فقال من الأصحاب من قال يبطل في السنة دون الشهر قال فأما اليوم فالصحيح فيه الجواز لقرب ما بين طرفيه
والأصح المعتمد قدمناه
والله أعلم
ولو قال إلى أول رمضان أو آخره بطل كذا قاله الأصحاب لأنه يقع على جميع النصف الأول أو الأخير
قال الإمام والبغوي ينبغي أن يصح ويحمل على الجزء الأول من كل نصف كمسألة النفر وكاليوم والشهر يحمل على أولهما وكتعليق الطلاق

فرع لو أسلم في جنس الى أجلين أو جنسين الى أجل

الشرط الثالث القدرة على التسليم وهذا الشرط ليس من خواص السلم بل يعم كل بيع كما سبق وإنما تعتبر القدرة على التسليم عند وجوبه
وذلك في البيع والسلم الحال في الحال وفي السلم المؤجل عند المحل
فلو أسلم في منقطع لدى المحل كالرطب في الشتاء أو فيما يعز وجوده كالصيد حيث يعز لم يصح
فلو غلب على الظن وجوده لكن لا يحصله إلا بمشقة عظيمة كالقدر الكثير في الباكورة فوجهان
أقربهما إلى كلام الأكثرين البطلان
ولو أسلم في شىء لا يوجد ببلده ويوجد في غيره قال الإمام إن كان قريبا منه صح وإلا فلا قال ولا تعتبر فيه مسافة القصر وإنما التقريب فيه أن يقال إن كان يعتاد نقله اليه في غرض المعاملة لا للتحف والمصادرات صح السلم وإلا فلا
ولو كان المسلم فيه عام الوجود عند المحل فلا بأس بانقطاعه قبله وبعده
وإن أسلم فيما يعم ثم انقطع عند المحل لجائحة فقولان
أحدهما ينفسخ العقد
وأظهرهما لا بل يتخير المسلم فإن شاء فسخ وإن شاء صبر الى وجوده
ولا فرق في جريان القولين بين أن لا يوجد عند المحل أصلا أو وجد فسوف المسلم إليه حتى انقطع
وقيل القولان في الحالة الأولى
أما الثانية فلا ينفسخ فيها قطعا بحال فإن أجاز ثم بدا له مكن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت ثم أرادت المطالبة كان لها ذلك
قلت هذا هو الصحيح وذكر صاحب التتمة في باب التفليس وجهين في أن هذا الخيار على الفور أم لا كالوجهين في خيار من ثبت له الرجوع في المبيع بالإفلاس
والله أعلم

ولو صرح بإسقاط حق الفسخ لم يسقط على الأصح
ولو قال المسلم إليه لا تصبر وخذ رأس مالك لم يلزمه على الصحيح
ولو حل الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدة والمسلم فيه معدوم جرى القولان
وكذا لو كان موجودا عند المحل وتأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثم حضر وقد انقطع بعض المسلم فيه فقد ذكرنا حكمة في باب تفريق الصفقة
ولو أسلم فيما يعم عند المحل فعرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عن المحل فهل يتنجز حكم الانقطاع في الحال أم يتأخر إلى المحل وجهان
أصحهما الثاني

فرع فيما يحصل به الانقطاع فاذا لم يوجد المسلم فيه أصلا بأن
ذلك الشىء ينشأ بتلك البلدة فأصابه جائحة مستأصلة فهذا انقطاع حقيقي
ولو وجد في غير ذلك البلد لكن يفسد بنقله أو لم إلا عند قوم امتنعوا من بيعه فهو انقطاع
ولو كانوا يبيعونه بثمن غال فليس بانقطاع بل يجب تحصيله
ولو أمكن نقله وجب إن كان قريبا
وفيما يضبط به القرب خلاف نقل فيه صاحب التهذيب في آخرين وجهين
أصحهما يجب نقله مما دون مسافة القصر
والثاني من مسافة لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع الى أهله ليلا
وقال الإمام لا اعتبار لمسافة القصر
فان أمكن النقل على عسر فالأصح أنه لا ينفسخ قطعا
وقيل على القولين
الشرط الرابع بيان محل التسليم
في اشتراط بيان مكان تسليم المسلم فيه المؤجل اختلاف نص وطرق للاصحاب
أحدها فيه قولان مطلقا
والثاني إن عقدا في موضع يصلح للتسليم لم يشترط التعيين وإلا اشترط
والثالث

إن كان لحمله مؤنة اشترط وإلا فلا
والرابع إن لم يصلح الموضع اشترط وإلا فقولان
والخامس إن لم يكن لحمله مؤنة لم يشترط وإلا فقولان
والسادس إن كان له مؤنة اشترط
وإلا فقولان
قال الإمام هذا اصح الطرق وهو اختيار القفال
والمذهب الذي يفتى به من هذا كله وجوب التعيين إن لم يكن الموضع صالحا أو كان لحمله مؤنة وإلا فلا ومتى شرطنا التعيين فتركاه بطل العقد
وإن لم نشرطه فعين تعين
وعند الطلاق يحمل على مكان العقد على الصحيح
وفي التتمة إذا لم يكن لحمله مؤنة سلمه في أي موضع صالح شاء
وحكى وجها أنه إذا لم يكن الموضع صالحا للتسليم حمل على أقرب موضع صالح
ولو عين موضعا فخرب وخرج عن صلاحية التسليم فأوجه
أحدها يتعين ذلك الموضع
والثاني لا وللمسلم الخيار
والثالث يتعين أقرب موضع صالح
قلت الثالث أقيسها
والله أعلم
وأما السلم الحال فلا يشترط فيه التعيين كالبيع
ويتعين موضع العقد للتسليم لكن لو عينا غيره جاز بخلاف البيع لأن السلم يقبل التأجيل فقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم
والأيمان لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل ما يتضمن تأخير التسليم
قال في التهذيب ولا نعني بمكان العقد ذلك الموضع بعينه بل تلك الناحية
وحكم الثمن في الذمة حكم المسلم فيه
وإن كان معينا فهو كالمبيع
قلت قال في التتمة الثمن في الذمة والأجرة إذا كانت دينا وكذا الصداق وعوض الخلع والكتابة ومال الصلح عن دم العمد وكل عوض ملتزم في الذمة له حكم السلم في الحال إن عين للتسليم مكان جاز وإلا تعيين موضع العقد لأن كل الأعواض الملتزمة في الذمة تقبل التأجيل كالمسلم فيه
والله أعلم

الشرط الخامس العلم بالمقدار والعلم يكون بالكيل أو الوزن أو الذرع أو العد
ويجوز السلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا إذا تأتى كيله
وفي وجه ضعيف لا يجوز في الموزون كيلا وحمل إمام الحرمين إطلاق الاصحاب جواز كيل الموزون على ما يعد الكيل في مثله ضابطا حتى لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلا لم يصح
وأما البطيخ والقثاء والبقول والسفرجل والرمان والباذنجان والرانج والبيض فالمعتبر فيها الوزن
ويجوز السلم في الجوز واللوز وزنا إذا لم تختلف قشوره غالبا ويجوز كيلا على الأصح وكذا الفستق والبندق

فصل لا يجوز السلم في البطيخة والسفرجلة ولا في عدد منها لأنه
إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود
وكذا لو أسلم في ثوب وصفه وقال وزنه كذا أو في مائة صاع حنطة على أن وزنها كذا لا يصح لما ذكرنا
ولو ذكر وزن الخشب مع صفاته المشروطة جاز لأنه إن زاد أمكن نحته
وأما اللبن فيجمع فيه بين العدد والوزن
فيقول كذا لبنة وزن كل واحدة كذا لانه باختياره فلا يعز ثم الأمر فيها على التقريب
قلت هكذا قال أصحابنا الخراسانيون يشترط في اللبن الجمع بين العدد والوزن ولم يعتبر العراقيون أو معظمهم الوزن
ونص الشافعي رضي الله عنه في آخر كتاب السلم من الأم على أن الوزن فيه مستحب لو تركه فلا بأس لكن يشترط أن يذكر طوله وعرضه وثخانته وأنه من طين معروف
والله أعلم

فرع لو عين للكيل مالا يعتاد الكيل به كالكوز بطل السلم

ولو قال في البيع بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة جاز على الأصح لعدم الغرر
ولو عين في البيع أو السلم مكيالا معتاد لم يفسد العقد على الأصح بل يلغو تعيينه كسائر الشروط التي لا غرض فيها
وهل السلم الحال كالمؤجل أم كالبيع وجهان
قطع الشيخ أبو حامد بأنه كالمؤجل لأن الشافعي رضي الله عنه قال لو أصدقها ملء هذه الجرة خلا لم يصح لأنها قد تنكسر فلا يمكن التسليم فكذا هنا
ولو قال أسلمت اليك في ثوب كهذا الثوب أو مائة صاع حنطة كهذه الحنطة قال العراقيون لا يصح كمسألة الكوز لأن هذه الحنطة والثوب قد يتلفان
وقال في التهذيب يصح ويقوم مقام الوصف
ولو أسلم في ثوب وصفه ثم أسلم في ثوب آخر بتلك الصفة جاز إن كانا ذاكرين لتلك الأوصاف
فرع لو أسلم في حنطة قرية صغيرة بعينها أو ثمرة بستان بعينه
يصح
وإن أسلم في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة نظر إن أفاد تنويعا كمعقلي البصرة جاز لأنه مع معقلي بغداد صنف ( واحد ) لكن يختلفان في الأوصاف فله غرض في ذلك
وإن لم يفد تنويعا فوجهان
أحدهما أنه كتعيين المكيال لعدم الفائدة
وأصحهما الصحة لأنه لا ينقطع غالبا
الشرط السادس معرفة الأوصاف
فذكر أوصاف المسلم فيه في العقد شرط فلا يصح السلم فيما لا ينضبط أوصافه أو كانت تنضبط فتركا بعض ما يجب

ذكره
ثم من الاصحاب من يشترط التعرض للأوصاف التي يختلف بها الغرض ومنهم من يعتبر الأوصاف التي تختلف بها القيمة ومنهم من يجمع بينهما وليس شىء منها على إطلاقه فان كون العبد قويا في العمل أو ضعيفا أو كاتبا أو أميا وما أشبه ذلك أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة ولا يجب التعرض لها
ولتعذر الضبط أسباب منها الاختلاط والمختلطات أربعة أنواع
الاول المختلطات المقصودة الأركان ولا ينضبط أقدار أخلاطها وأوصافها كالهريسة ومعظم المرق والحلوى والمعجونات والغالية المركبة من المسك والعود والعنبر والكافور والقسي فلا يصح السلم فيها ولا يجوز في الخفاف والنعال على الصحيح
والترياق المخلوط كالغالية
فان كان نباتا واحدا أو حجرا جاز السلم فيه
والنيل بعد الخرط والعمل عليه لا يجوز السلم فيه وقبلهما يجوز والمغازل كالنبال
الثاني المختلطات المقصودة الأركان التي تنضبط أقدارها وصفاتها كثوب العتابي والخز المركب من الابريسم والوبر ويجوز السلم فيها على الصحيح المنصوص لسهولة ضبطها
ويجري الوجهان في الثوب المعمول عليه بالابرة بعد النسج من غير جنس الاصل كالابريسم على القطن والكتان فان كان تركيبها بحيث لا تنضبط أركانها فهي كالمعجونات
الثالث المختلطات التي لا يقصد منها إلا الخليط الواحد كالخبز فيه الملح لكنه غير مقصود في نفسه
وفي السلم فيه وجهان أصحهما عند الجمهور لا يصح وأصحهما عند الامام والغزالي الصحة
ويجوز السلم في الجبن والأقط وخل التمر والزبيب والسمك الذي عليه شىء من الملح على الأصح في الجميع لحقارة أخلاطها
وأما الأدهان المطيبة كدهن البنفسج والبان الورد فان خالطها شىء من جرم الطيب لم يجز السلم فيها وإن تروح السمسم بها واعتصر جاز
ولا يجوز في المخيض الذي يخالطه الماء نص عليه
وفي التتمة أن المصل كالمخيض لأنه يخالطه الدقيق

الرابع المختلطات خلقة كالشهد والاصح صحة السلم فيه والشمع فيه كنوى التمر
ويجوز في العسل والشمع

فرع سبق أن ما يندر وجوده لا يجوز السلم فيه والشىء قد
حيث جنسه كلحم الصيد في غير موضعه وقد يندر باستقصاء الأوصاف لندور اجتماعها فلا يجوز السلم في اللآلىء الكبار واليواقيت والزبرجد والمرجان ويجوز في اللآلىء الصغار إذا عم وجودها كيلا ووزنا
قلت هذا مخالف لما تقدم في الشرط الخامس عن إمام الحرمين أن مالا يعد الكيل فيه ضبطا لا يصح السلم فيه كيلا فكأنه اختار هنا ما تقدم من إطلاق الاصحاب
والله أعلم
واختلف في ضبط الصغير فقيل ما يطلب للتداوي صغير وما طلب للزينة كبير
وعن الشيخ أبي محمد أن ما وزنه سدس دينار يجوز السلم فيه وإن كان يطلب للتزين
والوجه أن اعتباره السدس للتقريب
فرع لو أسلم في الجارية وولدها أو أختها أو عمتها أو شاة
لم يصح لندور اجتماعهما بالصفات هكذا أطلقه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب
وقال الإمام لا يمتنع ذلك في الزنجية التي لا تكثر صفاتها وتمتنع فيمن تكثر
ولو أسلم في عبد وجارية وشرط كونه كاتبا وهي ماشطة جاز
ولو أسلم في الجارية وشرط

كونها حاملا بطل السلم في المذهب
وقيل قولان بناء على أن الحمل هل له حكم أم لا إن قلنا نعم جاز وإلا فلا
لو أسلم في شاة لبون ففي صحته قولان
أظهرهما المنع وبه أجاب البغوي

فصل يجوز السلم في الحيوان وهو أنواع

منها الرقيق فاذا أسلم فيه وجب التعرض لأمور
أحدها النوع فيذكر أنه تركي أو رومي فان اختلف صنف النوع وجب ذكره على الأظهر
الثاني اللون فيذكر انه أبيض أو أسود ويصف البياض بالسمرة أو الشقرة والسواد بالصفاء أو الكدرة هذا إن اختلف لون الصنف فان لم يختلف لم يجب ذكر اللون
الثالث الذكورة والأنوثة
الرابع السن فيقول محتلم أو ابن ست أو سبع والأمر في السن على التقريب حتى لو شرط كونه ابن سبع سنين مثلا بلا زيادة ولا نقصان لم يجز لندوره
والرجوع في الاحتلام الى قول العبد
وفي السن يعتمد قوله إن كان بالغا وقول سيده إن ولد في الإسلام وإلا فالرجوع الى النخاسين فتعتبر ظنونهم
الخامس القد فيبين أنه طويل أو قصير أو ربع ونقل الإمام عن العراقيين إنه لا يجب ذكر القد
والموجود في كتب العراقيين القطع بوجوبه ولا يشترط وصف كل عضو على حياله بأوصافه المقصودة وإن تفاوت به الغرض

والقيمة لأن ذلك يورث غرة
وفي ذكر الأوصاف التي يعتبرها أهل الخبرة ويرغب في الأرقاء كالكحل والدعج وتكلثم الوجه وسمن الجارية وما أشبهها وجهان أحدهما يجب قاله الشيخ أبو محمد وأصحهما لا
والأصح أنه لا يشترط ذكر الملاحة
ويستحب أن يذكر كونه مفلج الأسنان أو غيره وجعد الشعر أو سبطه
ويجب ذكر الثيابة والبكارة على الأصح

فرع لو شرط كون العبد يهوديا أو نصرانيا جاز

قال الصيمري ولو شرط أنه ذو زوجة أو أنها ذات زوج جاز وزعم أنه لا يندر
قال ولو شرط كونه زانيا أو قاذفا أو سارقا جاز بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية أو قوادة لايصح
فرع لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة فوجهان

قال أبو إسحاق لا يجوز لأنها قد تكبر وهي بالصفة المشروطة فيسلمها بعد أن يطأها فيكون في معنى اقتراض الجواري
والصحيح الجواز كاسلام صغار الابل في كبارها
وهل يمكن من تسليمها عما عليه وجهان
فان قلنا يمكن فلا مبالاة بالوطء كوطء

الثيب وردها بالعيب
ومنها الابل ويجب فيها ذكر الانوثة والذكورة والسن واللون والنوع فيقول من نعم بني فلان ونتاجهم هذا إذا كثر عددهم وعرف لهم النتاج كبني تميم
فأما النسبة الى طائفة يسيرة فكتعين ثمرة بستان
ولو اختلف نعم بني فلان فالأظهر أنه يشترط التعيين
ومنها الخيل فيجب ذكر ما يجب في الابل
ولو ذكر معها الشيات كالأغر والمحجل واللطيم كان أولى
فان تركه جاز
وهكذا القول في البقر والغنم والبغال والحمير
وما لا يبين نوعه بالاضافة الى قوم يبين بالاضافة الى بلد وغيره
ويجوز السلم في الطيور على الصحيح وبه قطع الجماهير
وفي المهذب لايجوز
فان جوزناه وصف منها النوع والصغر والكبر من حيث الجثة ولا يكاد يعرف سنها
فان عرف وصف به
ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا عند عموم الوجود ويوصف كل جنس من الحيوان بما يليق به

فصل السلم في اللحم جائز ويجب فيه بيان أمور

أحدها الجنس كلحم بقر أو غنم
الثاني النوع
فيقول لحم بقر عراب أو جواميس وضأن أو معز
الثالث ذكر أو أنثى خصي أو فحل
الرابع السن فيقول لحم صغير أو كبير ومن الصغير رضيع أو فطيم
ومن الكبير جذع أو ثني

الخامس يبين أنه من راعية أو معلوفة
قال الإمام ولا أكتفي بالعلف بالمرة والمرات حتى ينتهي إلى مبلغ يؤثر في اللحم
السادس يبين أنه من الفخد أو الكتف أو الجنب
وفي كتب العراقيين أمر سابع وهو بيان السمن والهزال
ولا يجوز شرط الأعجف لأنه عيب وشرطه مفسد للعقد
ويجوز في اللحم المملح والقديد إذا لم يكن عليه غير المملح
فان كان فقد سبق الخلاف في جوازه في نظيره
ثم إذا أطلق السلم في اللحم وجب قبول ما فيه من العظم على العادة
وإن شرط نزعه جاز ولم يجب قبوله

فرع يجوز السلم في الشحم والألية والكبد والطحال والكلية والرئة

فرع إذا أسلم في لحم صيد ذكر ما يجب في سائر اللحوم

لكن الصيد لا يكون خصيا ولا معلوفا فلا يجب ذكر هذين الأمرين
قال الشيخ أبو حامد والمقتدون به يبين أنه صيد بأحبولة أو بسهم أو بجارحة وأنها كلب أو فهد لأن صيد الكلب أطيب
فرع في لحم الطير والسمك يبين الجنس والنوع والصغر والكبر من حيث
الجثة
ولا يشترط ذكر الذكورة والانوثة إلا إذا أمكن التمييز وتعلق به

غرض
ويبين موضع اللحم إذا كان الطير والسمك كبيرين
ولا يلزمه قبول الرأس والرجل من الطير والذنب من السمك

فصل لا يجوز السلم في اللحم المطبوخ والمشوي ولا في الخبز على
كما سبق
وفي الدبس والعسل المصفى بالنار والسكر والفانيذ واللبأ وجهان واستبعد الإمام المنع فيها كلها
قلت وممن اختار الصحة في هذه الأشياء الغزالي وصاحب التتمة
والله أعلم
وتردد صاحب التقريب في السلم في الماء ورد لاختلاف تأثير النار فيما يتصعد ويقطر ولا عبرة بتأثير الشمس فيجوز السلم في العسل المصفى بالشمس فرع لا يجوز السلم في رؤوس الحيوان على الأظهر والأكارع كالرؤوس
قلت فاذا جوزناه في الأكارع فمن شرطه أن يقول من الأيدي والأرجل
والله أعلم
فان جوزنا فله ثلاثة شروط
أن تكون نيئة وأن تكون منقاة من الشعر والصوف ويسلم فيها وزنا فان فقد شرط لم يجز قطعا

فصل يذكر في التمر النوع
فيقول معقلي أو برني والبلد فيقول بغدادي واللون وصغر الحبات وكبرها وكونه جديدا أو عتيقا
والحنطة وسائر الحبوب كالتمر
وفي الرطب يذكر جميع ذلك إلا الجديد والعتيق
قال في الوسيط يجب ذكر ذلك في الرطب دون الحنطة والحبوب وهو خلاف ما عليه الأصحاب
وفي العسل يذكر أنه جبلي أو بلدي صيفي أو خريفي أو أصفر أو أبيض ولا يشترط ذكر الجديد والعتيق ويقبل ما رق بسبب الحر ولا يقبل ما رق رقة عيب
فصل يجوز السلم في اللبن ويبين فيه ما يبين في اللحم سوى
الثالث والسادس ويبين نوع العلف لاختلاف الغرض به ولا حاجة الى ذكر اللون والحلاوة لان المطلق ينصرف الى الحلو بل لو أسلم في اللبن الحامض لم يجز لأن الحموضة عيب
وإذا أسلم في لبن يومين أو ثلاثة فإنما يجوز إذا بقي حلوا في تلك المدة
وإذا أسلم في السمن يبين ما يبين في اللبن ويذكر أنه أبيض أو أصفر
وهل يحتاج الى ذكر العتيق والجديد وجهان
قال الشيخ أبو حامد لا بل العتيق معيب لا يصح السلم فيه
وقال القاضي أبو الطيب العتيق المتغير هو المعيب لا كل عتيق فيجب بيانه
وفي الزبد يذكر ما يذكر في السمن وأنه زبد يومه أو أمسه
ويجوز في اللبن كيلا ووزنا لكن لا يكال حتى تسكن رغوته ويوزن قبل سكونها
والسمن يكال ويوزن إلا إذا كان جامدا يتجافى في المكيال

فيتعين الوزن وليس في الزبد الا الوزن وكذا اللبأ المجفف وقبل الجفاف هو كاللبن
وإذا جوزنا السلم في الجبن وجب بيان نوعه وبلده وأنه رطب أو يابس
وأما المخيض الذي فيه ماء فلا يجوز السلم فيه نص الشافعي رضي الله عنه
وإن لم يكن فيه ماء جاز وحينئذ لا يضر وصف الحموضة لأنها مقصودة فيه

فصل إذا أسلم في الصوف قال صوف بلد كذا وذكر لونه وطوله
خريفي أو ربيعي من ذكور أو إناث لأن صوف الإناث أشد نعومة
واستغنوا بذلك عن ذكر اللين والخشونة ولا يقبل إلا خالصا من الشوك والبعر فان شرط كونه مغسولا جاز إلا أن يعيبه الغسل
والشعر والوبر كالصوف ويضبط الجميع وزنا فصل يبين في القطن بلده ولونه وكثرة لحمه وقلته والخشونة والنعومة وكونه عتيقا أو جديدا إن اختلف الغرض به والمطلق يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب
ويجوز في الحليج وفي حب القطن ولا يجوز في القطن في الجوزق قبل التشقق
وأما بعده ففي التهذيب أنه يجوز
وقال في التتمة ظاهر المذهب أنه لا يجوز لاستتار المقصود بما لا مصلحة فيه وهذا هو الذي أطلق العراقيون حكايته عن النص

فصل يبين في الابريسم لونه وبلده ودقته وغلظه
ولا يشترط ذكر الخشونة والنعومة ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود لا حيا ولا ميتا لانه يمنع معرفة وزن القز
وبعد خروج الدود يجوز
فصل وإذا أسلم في الغزل ذكر ما يذكر في القطن ويذكر الدقة

ويجوز السلم في غزل الكتان ويجوز شرط كونه مصبوغا ويشترط بيان الصبغ
فصل إذا أسلم في الثياب ذكر جنسها من إبريسم أو قطن أو
والبلد الذي ينسج فيه إن اختلف به الغرض وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس أيضا ويبين الطول والعرض والغلظ والدقة والنعومة والخشونة ويجوز في المقصود والمطلق محمول على الخام
ولا يجوز في الملبوس لانه لا ينضبط
ويجوز فيما صبغ غزله قبل النسج كالبرود
والمعروف في كتب الأصحاب أنه لا يجوز المصبوغ بعد النسج
وفيه وجه أنه يجوز قاله طائفة منهم الشيخ أبو محمد وصاحب الحاوي وهو القياس
قال الصيمري يجوز السلم في القمص والسراويلات إذا ضبطت طولا وعرضا وسعة وضيقا

فصل الخشب
أنواع
منها الحطب فيذكر نوعه وغلظه ودقته وأنه من نفس الشجر أو من أغصانه ووزنه ولا يجب التعرض للرطوبة والجاف والمطلق محمول على الجفاف ويجب قبول المعوج والمستقيم
ومنها ما يطلب للبناء كالجذوع فيذكر النوع والطول والغلظ والدقة ولا يشترط الوزن على الصحيح وشرطه الشيخ أبو محمد ولو ذكر جاز بخلاف الثياب
ولا يجوز في المخروط لاختلاف أعلاه وأسفله
ومنها ما يطلب ليغرس فيذكر العدد والنوع والطول والغلظ
ومنها ما يطلب ليتخذ منه القسي والسهام فيذكر فيه النوع والدقة والغلظ وزاد بعضهم كونه سهليا أو جبليا لان الجبلي أصلح
ومنهم من شرط الوزن فيه وفي خشب البناء
فصل إذا أسلم في الحديد ذكر نوعه وأنه ذكر أو أنثى ولونه
ولينه
وفي الرصاص يذكر نوعه من قلع وغيره
وفي الصفر من شبه وغيره ولونهما وخشونتهما ولينهما ولا بد من الوزن في جميع ذلك
فرع كل شىء لا يتأتى وزنه بالقبان لكبره يوزن بالعرض على الماء

قلت قد سبقت كيفية الوزن بالماء في باب الربا
والله أعلم

فصل في مسائل منثورة
تتعلق بما سبق إحداها السلم في المنافع كتعليم القرآن وغيره جائز ذكره الروياني
الثانية السلم في الدراهم والدنانير جائز على الأصح بشرط أن يكون رأس المال غيرهما
قلت اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز إسلام الدراهم في الدنانير ولا عكسه سلما مؤجلا
وفي الحال وجهان محكيان في البيان وغيره
الاصح المنصوص في الام في مواضع أنه لا يصح
والثاني يصح بشرط قبضهما في المجلس قاله القاضي أبو الطيب
والله أعلم
الثالثة يجوز السلم في أنواع العطر العامة الوجود كالمسك والعنبر والكافور فيذكر وزنها ونوعها فيقول عنبر أشهب
الرابعة يجوز السلم في الزجاج والطين والجص والنورة وحجارة الأرحية والأبنية والأواني فيذكر نوعها وطولها وعرضها وغلظها ولا يشترط الوزن
قلت عدم اشتراط الوزن في الأرحية هو الاصح وبه قطع الشيخ أبو حامد والبغوي وآخرون وقطع الغزالي باشتراطه
وادعى إمام الحرمين الاتفاق عليه وليس كما ادعى
والله أعلم
الخامسة لا يجوز السلم في الحباب والكيزان والطسوت والقماقم والطناجير

والمنائر والبرام المعمولة لندور اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة
ويجوز السلم فيما يصب منها في القالب لعدم اختلافه وفي الاسطال المربعة
السادسة يجوز السلم في الكاغد عددا ويبين نوعه وطوله
ويجوز في الآجر على الأصح
وفي وجه لا يصح لتأثير النار
ولا يجوز السلم في العقار ولا في الأرز والعلس لاستتارهما بالكمام ويجوز في الدقيق على الصحيح

فصل هل يشترط ذكر الجودة والرداءة في المسلم فيه وجهان

قال العراقيون يشترط وهو ظاهر النص لاختلاف الغرض به
وقال غيرهم لا يشترط ويحمل المطلق على الجيد وهو الأصح
قلت قوله ظاهر النص مما ينكر عليه
فقد نص عليه في مواضع من الأم نصا صريحا وهو مبين في شرح المهذب
والله أعلم
وسواء قلنا بالإشتراط أو شرطا ينزل على أقل الدرجات
ولو شرط الأجود لم يصح العقد على المذهب
وقيل فيه قولان كالأردأ
ولو شرطا الرداءة فان كانت رداءة العيب لم يصح العقد
وإن كانت رداءة النوع فقال كثيرون يصح
وأطلق الغزالي في الوجيز البطلان
قلت وقد قال بالبطلان أيضا إمام الحرمين
والأصح الصحة وبه قطع العراقيون
ونص عليه الشافعي رضي الله عنه في الأم نصا صريحا في مواضع
والله أعلم
وإن شرط الاردأ جاز على الاظهر
وقيل الأصح

فرع ينزل الوصف في كل شىء على أقل درجاته

فاذا أتى بما يقع على إسم الوصف المشروط كفى ووجب قبوله لان الرتب لا نهاية لها وهي كمن باع بشرط أنه كاتب أو خباز
فصل صفات المسلم فيه مشهورة عند الناس وغير مشهورة ولا بد من
العاقدين صفاته
فان جهلها أحدهما لم يصح العقد وهل يكفي معرفتهما وجهان
أصحهما لا وهو منصوص بل لا بد من معرفة عدلين ليرجع إليهما عند تنازعهما
وقيل تعتبر فيها الاستفاضة ويجري الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور إلا عدلان
وما ذكرناه الآن يخالف ما قدمناه في فصح النصارى من بعض الوجوه
ولعل الفرق أن الجهالة هناك عائدة الى الأجل وهنا الى المعقود عليه فجاز أن يحتمل هناك ما لا يحتمل هنا
فصل في أداء المسلم فيه والكلام في صفته وزمانه ومكانه أما صفته
فإن أتى بغير جنسه لم يجز قبوله إذ لا يجوز الإعتياض عنه
وإن أتى بجنسه وعلى صفته المشروطة وجب قبوله قطعا وإن كان أجود جاز قبوله قطعا ووجب على الأصح
وإن كان أردأ جاز قبوله ولم يجب
وإن أتى بنوع آخر بأن أسلم في التمر المعقلي فأحضر البرني أو في ثوب هروي فأتى بمروي فأوجه

أصحها يحرم قبوله
والثاني يجب
والثالث يجوز كما لو اختلفت الصفة واختلفوا في أن التفاوت بين التركي والهندي تفاوت جنس أم تفاوت نوع والصحيح الثاني
وفي أن التفاوت بين الرطب والتمر وبين ما سقي بماء السماء وما سقي بغيره تفاوت نوع أو صفة والأصح الأول

فرع ما أسلم فيه كيلا قبضه كيلا

وما أسلم فيه وزنا قبضه وزنا ولا يجوز العكس
وإذا كال لا يزلزل المكيال ولا يضع الكف على جوانبه
ويجب تسليم الحنطة ونحوها نقية من الزوان والمدر والتراب فان كان فيها شىء قليل من ذلك وقد أسلم كيلا جاز وإن أسلم وزنا لم يجز
قلت هكذا أطلق جمهور الأصحاب وقال صاحب الحاوي فيما إذا أسلم كيلا إلا أن يكون لاخراج التراب مؤنة فلا يلزمه قبولها
قال في البيان دقاق التبن كالتراب
والله أعلم
ويجب تسليم التمر جافا والرطب صحيحا غير مشدخ
وأما زمانه فان كان السلم مؤجلا لم يخف انه لا مطالبة قبل المحل
فان أتى به المسلم اليه قبله فامتنع من قبوله قال جمهور الأصحاب إن كان له غرض في الامتناع بأن كان وقت نهب أو كان حيوانا يحتاج علفا أو ثمرة أو لحما يريد أكلها عند المحل طريا أو كان يحتاج الى مكان له مؤنة كالحنطة وشبهها لم يجبر على القبول
وإن لم يكن له غرض في الامتناع فان كان للمؤدي غرض سوى براءة الذمة بأن كان به رهن أو كفيل أجبر على القبول على المذهب
وقيل قولان

وهل يلحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول وجهان
الأصح يلحق
وإن لم يكن للمؤدي غرض سوى براءة الذمة فقولان أصحهما يجبر وإن تقابل غرضاهما فالمرعي جانب المستحق على المذهب
وقيل بطرد القولين وعكس الغزالي هذا الترتيب وهو شاذ مردود
وحكم سائر الديون المؤجلة فيما ذكرنا حكم المسلم فيه
وأما إذا كان السلم حالا فله المطالبة به في الحال
فلو أتى به المسلم إليه فامتنع من قبضه فان كان للدافع غرض سوى البراءة أجبر على القبول وإلا فالمذهب أنه يجبر على القبول أو الابراء
وقيل على القولين وحيث ثبت الاجبار فلو أصر على الامتناع أخذه الحاكم له
وأما مكانه فاذا قلنا يتعين مكان العقد للتسليم أو قلنا لا يتعين فعيناه وجب التسليم فيه
فلو وجد المسلم إليه في غير ذلك المكان فإن كان لنقله مؤنة لم يطالب به
وهل يطالب بالقيمة للحيلولة وجهان
الصحيح لا لأن أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز وبهذا قطع العراقيون وصاحب التهذيب فعلى هذا للمسلم الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه
وإن لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير فله مطالبته به وأشار إمام الحرمين إلى الخلاف فيه
ولو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب أو الإتلاف فهل له مطالبته بالمثل فيه خلاف الأصح ليس له المطالبة إلا بالقيمة
ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم فامتنع المستحق من أخذه فان كان لنقله مؤنة أو كان الموضع مخوفا لم يجز وإلا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل
فلو رضي وأخذه لم يكن له أن يكلفه مؤمنة النقل
قلت أصحهما إجباره
ولو اتفق كون رأس المال على صفة المسلم فيه فأحضره فوجهان مشهوران
أصحهما يجب قبوله
والثاني لايجوز
والله أعلم

باب القرض
هو مندوب إليه
وأركانه أربعة
العاقدان والصيغة والشىء المقرض فلا يصح إلا من أهل التبرع
وأما الصيغة فالايجاب لا بد منه وهو أن يقول أقرضتك أو أسلفتك أو خذه هذا بمثله أو خذ هذا واصرفه في حوائجك ورد بدله أو ملكتك على أن ترد بدله فلو اقتصر على ملكتكه فهو هبة فان اختلفا في ذكر البدل فالقول قول الآخذ
قلت وحكي وجه أن القول قول الدافع وهو متجه
وفي التتمة وجه أن الإقتصار على ملكتكه قرض
والله أعلم
وأما القبول فشرط على الأصح وبه قطع الجمهور
وادعى إمام المحرمين أن عدم الاشتراط أصح
قلت وقطع صاحب التتمة بأنه لا يشترط الايجاب ولا القبول بل إذا قال لرجل أقرضني كذا أو أرسل إليه رسولا فبعث إليه المال صح القرض
وكذا قال رب المال أقرضتك هذه الدراهم وسلمها إليه ثبت القرض
والله أعلم
وأما الشىء المقرض فالمال ضربان
أحدهما يجوز السلم فيه فيجوز إقراضه حيوانا كان أو غيره
لكن إن كان جارية نظر إن كانت محرما للمستقرض بنسب أو رضاع أو مصاهرة جاز إقراضها قطعا
وإن كانت حلالا لم يجز على الأظهر المنصوص قديما وجديدا

قلت هذا الذي جزم به من جواز إقراض المحرم هو الذي قطع به الجماهير
وقال في الحاوي إن كانت ممن لا يستبيحها المستقرض بأن اقترضها محرم أو امرأة فوجهان
قال البغداديون يجوز
وقال البصريون لا يجوز ويصرن جنسا لا يجوز قرضه
والله أعلم
الضرب الثاني ما لا يجوز السلم فيه فجواز إقراضه يبنى على أن الواجب في المتقومات رد المثل أو القيمة إن قلنا بالأول لم يجز
وبالثاني جاز
وفي إقراض الخبز وجهان كالسلم فيه
أصحهما في التهذيب لا يجوز
واختار صاحب الشامل وغيره الجواز
وأشار في البيان إلى ترتيب الخلاف إن جوزنا السلم جاز هنا وإلا فوجهان
قال فان جوزناه رد مثله وزنا إن أوجبنا في المتقومات المثل
وإن أوجبنا القيمة وجبت هنا
فان شرط المثل فوجهان
قلت قطع صاحب التتمة والمستظهري بجواز قرضه وزنا
واحتج صاحبا الشامل والتتمة باجماع أهل الامصار على فعله في الأعصار بلا إنكار وهو مذهب أحمد رضي الله عنه وأبي يوسف ومحمد وذكر صاحب التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض
أحدهما الجواز لاطراد العادة
وفي فتاوى القاضي حسين لا يجوز إقراض الروبة لأنها تختلف بالحموضة
قال ولا يجوز إقراض المنافع لأنه لا يجوز السلم فيها ولا إقراض ماء القناة لأنه مجهول
والله أعلم

فرع يشترط أن يكون المقرض معلوم القدر ويجوز إقراض المكيل وزنا وعكسه

كالسلم 0 وقال القفال لا يجوز إقراض المكيل وزنا بخلاف السلم فانه لا يشترط فيه استواء العوضين
وزاد فقال لو أتلف مائة رطل حنطة ضمنها بالكيل
ولو باع شقصا بمائة رطل حنطة أخذ الشفيع بمثلها كيلا
والأصح في الجميع الجواز

فصل يحرم كل قرض جر منفعة كشرط رد الصحيح عن المكسر أو
الرديء وكشرط رده ببلد آخر فان شرط زيادة في القدر حرم إن كان المال ربويا وكذا إن كان غير ربوي على الصحيح
وحكى الامام أنه يصح الشرط الجار للمنفعة في غير الربوي وهو شاذ غلط
فان جرى القرض بشرط من هذه فسد القرض على الصحيح فلا يجوز التصرف فيه
وقيل لا يفسد لأنه عقد مسامحة
ولو أقرضه بلا شرط فرد أجود أو أكثر أو ببلد آخر جاز ولا فرق بين الربوي وغيره ولا بين الرجل المشهور برد الزيادة أو غيره على الصحيح
قلت قال في التتمة لو قصد إقراض المشهور بالزيادة للزيادة ففي كراهته وجهان
والله أعلم
ولو شرط رد الأردأ أو المكسر لغا الشرط ولا يفسد العقد على الأصح وأشار بعضهم الى خلاف في صحة الشرط
ولا يجوز شرط الأجل فيه ولا يلزم بحال
فلو شرط أجلا نظر إن لم يكن للمقرض غرض فيه فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح
وإن كان بأن كان زمن نهب والمستقرض مليء فهو كالتأجيل بلا غرض أم كشرط رد الصحيح عن المكسر وجهان
أصحهما الثاني ويجوز فيه شرط الرهن والكفيل وشرط أن يشهد عليه أو يقر به عند الحاكم
فان شرط

رهنا بدين آخر فهو كشرط زيادة الصفة
ولو شرط أن يقرضه مالا آخر صح على الصحيح ولم يلزمه ما شرط بل هو وعد كما لو وهبه ثوبا بشرط أن يهبه غيره

فصل فيما يملك به المقرض قولان منتزعان من كلام الشافعي رضي الله
عنه
أظهرهما بالقبض
والثاني بالتصرف
فان قلنا بالقبض فهل للمقرض أن يلزمه رده بعينه ما دام باقيا أم للمستقرض رد بدله مع وجوده وجهان
أصحهما عند الأكثرين الأول
ولو رده المستقرض بعينه لزم المقرض قبوله قطعا
وإن قلنا يملك بالتصرف فمعناه إذا تصرف تبين ثبوت ملكه
ثم في ذلك التصرف أوجه
أصحها أنه كل تصرف يزيل الملك
والثاني كل تصرف يتعلق بالرقبة
والثالث كل تصرف يستدعي الملك
فعلى الأوجه يكفي البيع والهبة والاعتاق والاتلاف
ولا يكفي الرهن والتزويج والاجارة وطحن الحنطة وخبز الدقيق وذبح الشاة على الوجه الأول
قلت فتكون هذه العقود باطلة والله أعلم
ويكفي ما سوى الاجارة على الثاني وما سوى الرهن على الثالث لأنه يجوز أن يستعير الرهن فيرهنه
وحكي عن الشيخ أبي حامد أنه كل تصرف يمنع رجوع الواهب والبائع عند إفلاس المشتري
فان قلنا بالأول فهل يكفي البيع بشرط الخيار إن قلنا لا يزيل الملك فلا وإلا فوجهان لأنه لا يزيله بصفة اللزوم

فرع اقترض حيوانا إن قلنا يملك بالقبض فنفقته على المفترض وإلا
المقرض الى أن يتصرف المستقرض
ولو اقترض من يعتق عليه عتق إذا قبضه إن قلنا يملك به ولا يعتق إن قلنا بالتصرف
قال في التهذيب ويجوز أن يقال يعتق ويحكم بالملك قبيله
قلت جزم صاحب التتمة بهذا الاحتمال ولكن المعروف أن لا يعتق
والله أعلم
فصل أداء القرض في الصفة والمكان والزمان كالمسلم فيه

ولو ظفر بالمستقرض في غير مكان الإقراض فليس له مطالبته بالمثل وله مطالبته بالقيمة
فلو عاد إلى مكان الاقراض فهل له رد القيمة والمطالبة بالمثل وهل اللمقرد مطالبته برد القيمة وجهان
قلت أصحهما لا
والله أعلم
والقيمة التي يطالب بها قيمة بلد القرض يوم المطالبة
وكذا في السلم يطالب بقيمة بلد العقد إذا جورنا أخذ قيمته
قلت المعتبر في السلم قيمة الموضع الذي يستحق فيه التسليم
والله أعلم

فرع إذا اقترض مثليا رد مثليا وإن رد متقوما فالاصح عند
أنه يرد مثله من حيث الصورة
والثاني يرد القيمة يوم القبض إن قلنا يملك به
وإن قلنا بالتصرف فوجهان
أحدهما كذلك
والثاني تجب قيمته أكثر ما كانت من القبض الى التصرف
وإذا اختلفا في قدر القيمة أو صفة المثل فالقول قول المستقرض
قلت قال في المهذب لو قال أقرضتك ألفا وقبل وتفرقا ثم دفع إليه ألفا فان لم يطل الفصل جاز وإلا فلا لأنه لا يمكن البناء مع طول الفصل
وإذا جوزنا إقراض الخبز فهل يرد المثل أو القيمة فيه الوجهان
فان قلنا القيمة فشرط الخبز فوجهان
أحدهما يصح الشرط لأن مبناه على المساهلة والرفق
قال الشاشي قال القاضي أبو حامد إذا أهدى المستقرض للمقرض هدية جاز قبولها بلا كراهة هذا مذهبنا ومذهب ابن عباس وكرهها ابن مسعود
قال المحاملي وغيره من أصحابنا يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك ولا يكره للمقرض أخذ ذلك
ولو أقرضه نقدا فابطل السلطان المعاملة به فليس له إلا النقض الذي أقرضه نص عليه الشافعي رضي الله عنه ونقله عنه أيضا ابن المنذر وقد سبق نظيره في البيع
وفي فتاوى القاضي حسين أنه لو قال أقرضني عشرة فقال خذها من فلان فأخذها منه لا يكون قرضا بل هذا توكيل بقبض الدين فبعد القبض لا بد من قرض جديد
ولو كانت العشرة في يد فلان معينة وديعة أو غيرها صح
والله أعلم

كتاب الرهن
فيه أربعة أبواب
الأول في أركانه وهي أربعة
الأول المرهون وله شروط
والأول كونه عينا فلا يصح رهن المنفعة بأن يرهنه سكنى الدار مدة سواء كان الدين المرهون به حالا أو مؤجلا
ولا يصح رهن الدين على الأصح ويصح رهن المشاع سواء رهنه عند شريكه أو غيره قبل القسمة أم لم يقبلها
قلت سواء كان الباقي من المشاع المراهن أم لغيره
والله أعلم
ولو رهن نصيبه من بيت من دار باذن شريكه صح وبغير إذنه وجهان
أصحهما عند الإمام صحته كما يصح بيعه
وأصحهما عند البغوي فاسده وادعى طرد الخلاف في البيع
قلت وممن وافق الإمام في تصحيح صحته الغزالي فيالبسيط وصاحب التتمة وغيرهما
وأما طرد الخلاف في البيع فشاذ فقد قطع الأصحاب بصحته
والله أعلم
فان قسمت الدار فوقع هذا البيت في نصيب شريكه فهل هو كتلف المرهون بآفة سماوية أم يغرم الراهن قيمته ويكون رهنا لكونه حصل له بدله فيه احتمالان للإمام
أصحهما الثاني
وقال الإمام محمد بن يحيى إن كان مختارا في القسمة غرم وإن كان مجبرا فلا

قلت هذا المذكور تفريع على الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب أن هذه الدار تقسم قسمة واحدة
وشذ صاحب التتمة فقال لا تقسم قسمة واحدة بل يقسم البيت وحده ويسلم نصيب الرهن للمرتهن ثم يقسم الباقي كما لو باع نصيبه من ذلك البيت
وقد أشار صاحب المهذب ومن تابعه إلى أنهما إذا اقتسما فخرج البيت في نصيب شريكه يبقى مرهونا وهذا ضعيف
والمتحصل من هذا الخلاف أن المختار جواز قسمتهما جملة وأن لا يبقى مرهونا بل يغرم
والله أعلم

فرع إذا رهن المشاع فقبضه بتسليم له فاذا قبض جرت المهايأة بين
المرتهن والشريك جريانها بين الشريكين
ولا بأس بتبعض اليد بحكم الشرع كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافع
قلت قال أصحابنا إن كان المرهون مما لا ينقل خلى الراهن بين المرتهن وبينه سواء حضر الشريك أم لا
وإن كان مما ينقل لم يحصل قبضه إلا بالنقل ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك
فان أذن قبض وان امتنع فان رضي المرتهن بكونها في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض وإن تنازعا نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما فان كان له منفعة آجره
والله أعلم
الشرط الثاني مختلف فيه وهو صلاحية المرتهن لثبوت اليد عليه
فان رهن عبدا مسلما أو مصحفا عند كافر أو السلاح عند حربي أو جارية حسناء عند أجنبي صح على المذهب في جميعها فيجعل العبد والمصحف في يد عدل

قلت وإذا صححنا رهن العبد والمصحف عند الكافر ففي تهذيب الشيخ نصر المقدسي الزاهد وغيره أن العقد حرام
وفي التهذيب للبغوي أنه مكروه ذكره في كتاب الجزية
والله أعلم
ثم إن كانت الجارية صغيرة لا تشتهى فهي كالعبد وإلا فان رهنت عند محرم أو امرأة فذاك
وإن رهنت عند أجنبي ثقة وعنده زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهم الإلمام بها فلا بأس وإلا فلتوضع عند محرم لها أو امرأة ثقة أو رجل عدل بالصفة المذكورة في المرتهن
فان شرط وضعها عند غير من ذكرنا فهو شرط فاسد
وألحق الإمام بالصغيرة الخسيسة مع دمامة الصورة لكن الفرق ظاهر
ولو كان المرهون خنثى فكالجارية إلا أنه لا يوضع عند امرأة
الشرط الثالث كون العين قابلة للبيع عند حلول الدين فلا يصح رهن أم الولد والمكاتب والوقف وسائر ما لا يصح بيعه
وسواد العراق وقف على المسلمين على المذهب فلا يجوز رهنه
وأبنيته وأشجاره إن كانت من تربته وغراسه الذي كان قبل الوقف فهي كالأرض
وإن أحدثت فيها من غيرها جاز رهنها
فان رهنت مع الأرض فهي من صور تفريق الصفقة وكذا رهن الأرض مطلقا إن قلنا إن البناء والغراس يدخلان فيه
وإذا صح الرهن في البناء فلا خراج على المرتهن وإنما هو على الراهن
فان أداه المرتهن بغير إذنه فهو متبرع وإن أداه بإذنه بشرط الرجوع رجع
وإن لم يشرط الرجوع فوجهان يجريان في أداء دين الغير باذنه مطلقا وظاهر النص الرجوع

فصل التفريق بين الأم وولدها
الصغير حرام وفي إفساده البيع قولان سبقا
ويصح رهن أحدهما دون الآخر
وإذا أريد البيع ففيه وجهان
أحدهما يباع المرهون وحده ويحتمل التفريق للضرورة
وأصحهما يباعان جميعا ويوزع الثمن على قيمتهما
وفي كيفيته كلام يحتاج إلى مقدمة وهي رجل رهن أرض بيضاء فنبت فيها نخل فله حالان
أحدهما أن يرهن الأرض ثم يدفن النوى فيها او يحمله السيل أو الطير فهي للراهن ولا يجبر في الحال على قلعها فلعله يؤدي الدين من موضع آخر
فان دعت الحاجة إلى بيع الأرض نظر إن وفى ثمن الأرض إذا بيعت وحدها بالدين بيعت وحدها ولم يقلع النخل
وكذا لو لم يف به إلا أن قيمة الأرض وفيها الأشجار كقيمتها بيضاء
ولو لم يف به وقيمتها تنقص بالأشجار فللمرتهن قلعها لبيع الأرض بيضاء إلا أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض فتباعان ويوزع الثمن عليها
هذا إذا لم يكن الراهن محجور عليه بالإفلاس
فان كان فلا قلع بحال لتعلق حق الغرماء به بل يباعان ويوزع الثمن عليهما فما قابل الأرض اختص به المرتهن وما قابل الأشجار قسم بين الغرماء
فان نقصت قيمة الأرض بسبب الاشجار حسب النقص على الشجر لأن حق المرتهن في الأرض فارغة
الحال الثاني أن يكون النوى مدفونا في الأرض يوم الرهن ثم ينبت
فان كان المرتهن جاهلا بالحال فله الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن
فان فسخ وإلا فهو كما لو كان عالما وإن كان عالما فلا خيار
وإذا بيعت الأرض مع النخل وزع الثمن عليهما
والمعتبر في الحال الأول قيمة الأرض

فارغة
وفي الحال الثاني قيمة أرض مشغولة لأنها كانت مشغولة يوم الرهن
وفي كيفية اعتبار الشجر وجهان نقلهما الإمام في الحالين
أصحهما تقوم الأرض وحدها
فإذا قيل هي مائة قومت مع الأشجار فاذا قيل هي مائة وعشرون فالزيادة بسبب الأشجار سدس فيراعي في الثمن نسبة الأسداس
والثاني تقوم الأشجار وحدها
فاذا قيل هي خمسون كانت النسبة بالثلث ثم في المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصة بسبب الإجتماع لأنا فرضنا قيمتها وحدها مائة وقيمة الأشجار وحدها ثابتة خمسين وقيمة المجموع مائة وعشرين
عدنا الى مسألة الأم والولد فإذا بيعا معا وأردنا التوزيع ففيه طريقان
أحدهما أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض والشجر فتعتبر قيمة الأم وحدها
وفي الولد الوجهان
والثاني أن الأم لا تقوم وحدها بل تقوم مع الولد وهي خاصته لأنها رهنت وهي ذات ولد والأرض بلا أشجار
وبهذا الوجه قطع الأكثرون
فلو حدث الولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنى وبيعا معا فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها
قلت ذكر الإمام الرافعي في مسألة الغراس والأرض الفرق بين علم المرتهن وجهله في ثبوت الخيار ولم يذكره هنا فكأنه أراد أنه مثله
وقد صرح صاحب الشامل بذلك فقال إن كان عالما بالولد حال الارتهان فلا خيار وإلا فله الخيار في فسخ البيع المشروط فيه الرهن
وقال صاحب الحاوي إن علم فلا خيار وإلا فان قلنا تباع الأم دون الولد فلا خيار وإن قلنا يباعان ففي الخيار وجهان
وجه المنع أنه لا يتحقق نقصها بل قد تزيد
فان قيل ما فائدة الخلاف في التوزيع والراهن يجب عليه قضاء الدين بكل حال قلنا تظهر فائدته عند ازدحام غرماء الميت والمفلس

وفي تصرف الراهن في الثمن قبل قضاء الدين فينفذ في حصة الولد دون الأم ذكره الإمام والغزالي في البسيط
والله أعلم

فصل إذا رهن ما يتسارع إليه الفساد فان أمكن تجفيفه كالرطب والعنب
صح رهنه وجفف
وإن لم يمكن كالثمرة التي لا تجفف والريحان والجمد فان رهنه بدين حال صح ثم إن بيع في الدين أو قضي الدين من موضع آخر فذاك وإلا بيع وجعل الثمن رهنا فلو تركه المرتهن حتى فسد قال في التهذيب إن كان الراهن أذن له في بيعه ضمن وإلا فلا
ويجوز أن يقال عليه الرفع إلى القاضي ليبيعه
قلت هذا الاحتمال الذي قاله الإمام الرافعي رحمه الله قوي أو متعين
وقد قال صاحب التتمة في هذه الصورة إن سكتا حتى فسد أو طلب المرتهن بيعه فامتنع الراهن فهو من ضمان الراهن
وإن طلب الراهن بيعه فامتنع المرتهن فمن ضمان المرتهن
والله أعلم
وإن رهنه بدين مؤجل فله ثلاثة أحوال
أحدها أن يعلم حلول الأجل قبل فساده فهو كرهنه بالحال
الثاني أن يعلم عكسه
فان شرط في الرهن بيعه عند الاشراف على الفساد وجعل ثمنه رهنا صح ولزم الوفاء بالشرط
فلو شرط أن لا يباع بحال عند حلول الأجل بطل الرهن لمناقضته مقصود الرهن
وإن لم يشرط ذا ولا ذاك فهل هو كشرط البيع أم كشرط عدم البيع قولان أظهرهما عند العراقيين الثاني وميل غيرهم الى الأول

قلت قال الإمام الرافعي في المحرر أظهرهما لا يصح الرهن
والله أعلم
الثالث أن لا يعلم واحد من الأمرين وهما محتملان فالمذهب الصحة
ولو رهن ما لا يسرع اليه الفساد فحدث ما عرضه للفساد قبل الأجل بأن ابتلت الحنطة وتعذر تجفيفها لم ينفسخ بحال
ولو طرأ ذلك قبل قبض المرهون ففي الانفساخ وجهان كما في حدوث الموت والجنون
وإذا لم ينفسخ بيع وجعل الثمن رهنا مكانه
قلت الأرجح أنه لا ينفسخ وهذا الذي قطع به من أنه إذا لم ينفسخ يباع وهو المذهب
ونقل الإمام أن الأئمة قطعوا بأنه يستحق بيعه
ونقل صاحب الحاوي فيه قولين
أحدهما يجبر الراهن على بيعه حفظا للوثيقة كما يجبر على نفقته
والثاني لا لأن حق المرتهن في حبسه فقط وهذا ضعيف
والله أعلم

فصل رهن العبد المحارب كبيعه

ورهن المرتد صحيح على المذهب كبيعه
فان علم المرتهن ردته فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن
وإن جهل يخير فان قتل قبل قبضه فله فسخ البيع
وإن قتل بعده فمن ضمان من فيه وجهان سبقا في البيع
فان قلنا من ضمان البائع فللمرتهن فسخ البيع وإلا فلا فسخ ولا أرش كما لو مات في يده
قلت ولو رهنه عبدا مريضا لم يعلم بمرضه المرتهن حتى مات في يده فلا خيار له قاله في المعاياة قال لأن الموت بألم حادث بخلاف قتل المرتد
والله أعلم

فرع الجاني إن لم نصحح بيعه فرهنه أولى وإلا فقولان لأن
الطارئة يقدم صاحبها على حق المرتهن فالمتقدمة أولى
فان لم نصحح رهنه ففداه السيد أو أسقط المجني عليه حقه فلا بد من استئناف رهن
وإن صححناه فقال المسعودي والإمام يكون مختارا للفداء كما لو باعه وقال ابن الصباغ لا يلزمه الفداء بخلاف البيع لأن محل الجناية باق هنا والجناية لا تنافي الرهن
قلت قال البغوي أيضا يكون ملتزما للفداء
ولكن الأكثرون قالوا كقول ابن الصباغ منهم الشيخ أبو حامد والماوردي وصاحب العدة وغيرهم
قالوا هو مخير بين فدائه وتسليمه للبيع في الجناية
فان فداه بقي الرهن وإلا بيع في الجناية وبطل الرهن إن استغرقه الأرش وإلا بيع بقدره واستقر الرهن في الباقي
وإذا قلنا لا يصح رهن الجاني فسواء كان الأرش درهما والعبد يساوي الوفاء أم غير ذلك نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب
وأما إثبات الخيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه رهنه ففيه تفصيل في الحاوي وغيره
إن كان عالما بالجناية فلا خيار في الحال
فان اقتص منه في طرفه بقي رهنا ولا خيار للمرتهن في البيع لعلمه بالعيب
وإن قتل قصاصا فان قلنا إنه من ضمان البائع فله الخيار كما لو بان مستحقا وإن قلنا من ضمان المشتري فلا خيار لأنه معيب علم به وإن عفا مستحق القصاص على ماله فان فداه بقي رهنا ولا خيار للمرتهن وإن بيع للجانية بطل الرهن
وفي الخيار وجهان
وإن عفا عن القصاص سقط أثر الجناية
أما إذا كان جاهلا بالجناية فان علم قبل استقرار حكمها يخير
فان فسخ وإلا فيصير عالما وحكمه ما سبق
وإن لم يعلم إلا بعد استقرار حكمها على قصاص طرف لم يبطل الرهن بالقصاص لكن

للمرتهن الخيار
وإن كان قصاص نفس بطل الرهن
وفي الخيار الوجهان
وإن استقر حكمها على مال فان فداه كان كالعفو على مال
وإن بيع بطل الرهن
وفي الخيار الوجهان
وإن عفا بلا مال سقط أثر الجناية ثم إن لم يتب العبد من الجناية وكان مصرا فهذا عيب فللمرتهن الخيار
وإن تاب فهل ذلك عيب في الحال وجهان
فان قلنا عيب فله الخيار وإلا فوجهان
أحدهما يعتبر الابتداء فيثبته
والآخر ينظر في الحال هذا كلام صاحب الحاوي وفيه نفائس
والله أعلم
وإذا قلنا يصح رهن الجاني جناية توجب القصاص ولا يصح إذا أوجبت مالا فرهن والواجب القصاص فعفا على مال فهل يبطل الرهن من أصله أم يكون كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو يبع في الجناية وجهان
اختار الشيخ أبو محمد أولهما
فعلى هذا لو كان العبد حفر بئرا في محل عدوان فمات فيها بعدما رهن إنسان ففي تبين الفساد وجهان
والفرق أنه رهن في الصورة الأولى وهو جان

فرع رهن المدبر باطل على المذهب وهو نصه ورجحه الجمهور

فعلى هذا التدبير باق على صحته
وإن صححنا رهنه بطل التدبير بناء على أنه وصية فقد رجع عنها
وقيل لا يبطل فيكون مدبرا مرهونا
فعلى هذا إن قضى الدين من غيره فذاك وإن رجع في التدبير وباعه في الدين بطل التدبير
وإن امتنع من الرجوع ومن بيعه فان كان له مال آخر أجبر على قضائه منه وإلا فوجهان
أصحهما يباع في الدين
والثاني يحكم بفساد الرهن

قلت هذا الذي ذكر حكم المذهب ولا يغتر بقوله في الوسيط ذهب أكثر الأصحاب الى صحة رهنه وإن كان قويا في الدليل
والله أعلم

فرع رهن المعلق عتقه بصفة له صور

إحداها رهنه بدين حال أو مؤجل تيقن حلوله قبل وجود الصفة فيصح ويباع في الدين
فان لم يتفق بيعه حتى وجدت الصفة بني على القولين في أن الاعتبار بالعتق المعلق بحالة التعليق أم بحال وجود الصفة إن قلنا بالأول عتق وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلا
قلت هذا الذي جزم به من ثبوت الفسخ للمرتهن على هذا القول هو الذي جزم به صاحب التهذيب وجزم صاحب التتمة بأنه لا خيار له وقد سقط حقه لأن الرهن سلم له ثم بطل فصار كموته والأول أصح وأقيس
والله أعلم
وإن قلنا بالثاني فهو كاعتاق المرهون وسنذكره إن شاء الله تعالى
الثانية رهنه بدين مؤجل تيقن وجود الصفة قبل حلوله فالمذهب بطلان الرهن
وقيل قولان وهو ضعيف
فعلى الصحة يباع إذا قرب أوان الصفة
ويجعل ثمنه رهنا
الثالثة أن لا يتيقن تقدم الصفة على الحلول وعكسه فالأظهر بطلانه
وقيل باطل قطعا

فرع رهن الثمر على الشجر له حالان

أحدهما أن يرهنه مع الشجر
فان كان الثمر مما يمكن تجفيفه صح سواء بدا فيها الصلاح
أم لا وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا وإن لم يمكن ولم نصحح رهن ما يسرع الفساد فالمذهب بطلان رهن الثمر
وفي الشجر قولا تفريق الصفقة
وقيل يصح فيهما قطعا
الثاني رهن الثمر وحده
فان لم يمكن تجفيفه فهو كرهن ما يسرع فساده وإلا فهو ضربان
أحدهما يرهن قبل بدو الصلاح
فان رهن بدين حال وشرط قطعها وبيعها بشرط القطع جاز
وإن أطلق جاز أيضا على الأظهر
وإن رهن بمؤجل نظر إن كان يحل قبل بلوغ الثمر وقت الإدراك أو بعده فهو كالحال
وإن كان يحل قبل بلوغه وقت الإدراك فان رهنها مطلقا لم يصح على الأظهر
وقيل لا يصح قطعا كالبيع
وإن شرط القطع فقيل يصح قطعا
وقيل على القولين وجه المنع التشبيه بمن باع بشرط القطع بعد مدة
قلت المذهب الصحة فيما إذا شرط القطع وبه قطع جماعة
والله أعلم
الضرب الثاني أن يرهن بعد بدو الصلاح فيجوز بشرط القطع ومطلقا
إن رهن بحال أو مؤجل هو في معناه
وإن رهنه بمؤجل يحل قبل بلوغها وقت الإدراك فعلى ما سبق في الضرب الأول
ومتى صح رهن الثمار على الأشجار فمؤنة السقي والجداد والتجفيف على الراهن
فان لم يكن له شىء باع الحاكم جزءا منها وأنفقه عليها
ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي جاز على الصحيح
وقيل يجبر عليه كما يجبر على علف الحيوان
وادعى الروياني أنه لا يصح
ولو

أراد أحدهما قطع الثمرة قبل وقت الجداد فللآخر الامتناع وليس له الامتناع بعد وقت الجداد بل يباع في الدين إن حل وإلا أمسكه رهنا

فرع الشجرة التي تثمر في السنة مرتين يجوز رهن ثمرها الحاصل بدين
حال
وبمؤجل يحل قبل اختلاط الثمرة الثانية بالأولى وإلا فان شرط أن لا يقطع عند خروج الثانية لم يصح
وإن شرط قطعه صح
وإن أطلق فقولان
فان صححنا أو رهن بشرط القطع فلم يقطع حتى اختلط ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض
والرهن بعد القبض كالبيع قبله فان قلنا يبطل الرهن فذاك
وإن قلنا لا يبطل فلو اتفقا قبل القبض بطل على الصحيح
وإذا لم يبطل فان رضي الراهن يكون الجميع رهنا أو توافقا على كون النصف من الجملة مثلا رهنا فذاك وإن اختلفا في قدر المرهون هل هو نصف المختلط أو ثلثه أو نحو ذلك فالقول قول الراهن مع يمينه
وقال المزني قول المرتهن
فرع رهن زرعا بعد اشتداد حبه فكبيعه إن كان ترى حباته في
صح وإلا فلا على الأظهر
وإن رهنه وهو بقل فكرهن الثمرة قبل بدو الصلاح
وقال صاحب التلخيص لا يجوز قطعا إن كان الدين مؤجلا وإن صرح بشرط القطع عند المحل لأن الزرع لا يجوز بيعه مسنبلا
وقد يقع الحلول في تلك الحالة ولأن زيادة الزرع يطوله فهو كثمرة تحدث وتختلط

فصل لا يشترط كون المرهون ملك الراهن
على المذهب فلو استعاد عبدا ليرهنه بدين فرهنه جاز
وهل سبيله سبيل الضمان أم العارية قولان
أظهرهما الأول
ومعناه أنه ضمن الدين في رقبة عبده
قال الإمام هذا العقد أخذ شبها من ذا وشبها من ذاك وليس القولان في تمحضه عارية أو ضمانا وإنما هما في أن المغلب أيهما وقال ابن سريج إذا جعلناه عارية لم يصح هذا التصرف لأن الرهن ينبغي أن يلزم بالقبض والعارية لا يلتزم
فعلى هذا يشترط في المرهون كونه ملك الراهن
والصواب ما سبق وعليه التفريع
والعارية قد تلزم كالاعارة للدفن ونظائره
ويتفرع على المذهب فروع
أحدها لو أذن في رهن عبده ثم رجع قبل أن يقبض المرتهن جاز وبعد قبضه لا رجوع على قول الضمان قطعا ولا على قول العارية على الأصح وإلا فلا فائدة في هذا العقد ولا وثوق به
وقال صاحب التقريب إن كان الدين حالا رجع
وإن كان مؤجلا ففي جواز رجوعه قبل الأجل وجهان كما لو أعار للغراس مدة
ومتى جوزناه فرجع وكان الرهن مشروطا في بيع فللمرتهن فسخ البيع إن جهل الحال
الثاني لو أراد المالك إجبار الراهن على فكه فله ذلك بكل حال إلا إذا كان الدين مؤجلا وقلنا إنه ضمان وإذا حل الأجل وأمهل المرتهن الراهن فللمالك أن يقول للمرتهن إما أن ترد إلي وإما أن تطالبه بالدين ليؤدي فينفك الرهن كما إذا ضمن دينا مؤجلا ومات الأصيل فللضامن أن يقول إما أن تطالب بحقك وإما أن تبرئني
الثالث إذا حل المؤجل أو كان حالا قال الإمام إن قلنا إنه ضمان

لم يبع في حق المرتهن إن قدر الراهن على إداء الدين إلا باذن جديد وإن كان معسرا بيع وإن سخط المالك
وإن قلنا عارية لم يبع إلا باذن جديد سواء كان الراهن موسرا أو معسرا
ولك أن تقول الرهن وإن صدر من المالك لا يسلط على البيع إلا باذن جديد فان لم يأذن بيع عليه فالمراجعة لا بد منها
ثم إذا لم يأذن في البيع فقياس المذهب أن يقال إن قلنا عارية عاد الوجهان في جواز رجوعه وإن قلنا ضمان ولم يؤد الراهن الدين لم يمكن من الانتفاع ويباع عليه معسرا كان الراهن أو موسرا كما لو ضمن في ذمته يطالب موسرا كان الأصيل أو معسرا ثم إذا بيع في الدين بقيمته رجع بها المالك على الراهن
وإن بيع بأقل بقدر يتغابن الناس بمثله فان قلنا ضمان رجع بما بيع به
وإن قلنا عارية رجع بقيمته وإن بيع بأكثر من قيمته رجع بما بيع به إن قلنا ضمان
وإن قلنا عارية فقال الأكثرون لا يرجع إلا بالقيمة لأن العارية بها يضمن
وقال القاضي أبو الطيب يرجع بما بيع به كله لأنه ثمن ملكه وقد صرف إلى دين الراهن وهذا أحسن واختاره الامام وابن الصباغ والروياني
قلت هذا الذي قاله القاضي وهو الصواب واختاره أيضا الشاشي وغيره
والله أعلم
الرابع لو تلف في يد المرتهن فان قلنا عارية لزم الراهن الضمان
وإن قلنا ضمان فلا شىء عليه ولا شىء على المرتهن بحال لأنه مرتهن لا مستعير

ولو تلف في يد الراهن قال الشيخ أبو حامد هو على القولين كما لو تلف في يد المرتهن وأطلق الغزالي أنه يضمن لأنه مستعير
قلت المذهب الضمان
والله أعلم
الخامس لو جنى في يد المرتهن فبيع في الجناية فان قلنا عارية لزم الراهن القيمة
قال الإمام هذا إذا قلنا العارية تضمن ضمان المغصوب وإلا فلا شىء عليه
السادس إذا قلنا ضمان وجب بيان جنس الدين وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما وحكي قول قديم غريب ضعيف ان الحلول والتأجيل لا يشترط ذكرهما والأصح أنه يشترط بيان من يرهن عنده ولا خلاف أنه إذا عين شيئا من ذلك لم يجز مخالفته لكن لو عين قدرا فرهن بما دونه جاز ولو زاد عليه فقيل يبطل في الزائد وفي المأذون قولا تفريق الصفة والمذهب القطع بالبطلان في الجميع للمخالفة
وكم الو باع الوكيل بغبن فاحش لا يصح في شىء
ولو قال أعرني لأرهنه بألف أو عند فلان كان ذلك كتقييد المعير على الأصح
قلت وإذا قلنا عارية فله أن يرهن عند الاطلاق بأي جنس شاء وبالحال والمؤجل
قال في التتمة لكن لا يرهنه بأكثر من قيمته لأن فيه ضررا
فانه لا يمكنه فكه إلا بقضاء جميع الدين
ولو أذن في حال فرهنه بمؤجل لم يصح كعكسه لأنه لا يرضى أن يحال بينه وبين عبده الى أجل
والله أعلم
السابع لو اعتقه المالك إن قلنا ضمان فقد حكى الإمام عن القاضي أنه ينفذ ويوقف فيه
وفي التهذيب أنه كإعتاق المرهون وإن قلنا عارية

قال القاضي كاعتاق المرهون وهذا تفريع على اللزوم هذا الرهن على قول العارية
وفي التهذيب أنه يصح ويكون رجوعا وهو تفريع على عدم اللزوم
الثامن لو قال مالك العبد ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي هذا قال القاضي صح ذلك على قول الضمان ويكون كالاعارة للرهن
قال الامام وفيه تردد من جهة أن المضمون له لم يقبل ويجوز أن يعتبرالقبول في الضمان المتعلق بالأعيان تقريبا له من المرهون وإن لم يعتبر ذلك في الضمان المطلق في الذمة
التاسع لو قضى المعير الدين بمال نفسه انفك الرهن ثم رجوعه على الراهن يتعلق بكون القضاء باذن الراهن أم بغيره وسنوضحه في باب الضمان إن شاء الله تعالى
فلو اختلفا في الاذن فالقول قول الراهن ولو شهد المرتهن للمعير قبلت شهادته لعدم التهمة
ولو رهن عبده بدين غيره دون إذنه جاز وإذا بيع فيه فلا رجوع
الركن الثاني المرهون به وله ثلاثة شروط
أحدهما كونه دينا فلا يصح بالأعيان المضمونة بحكم العقد كالمبيع أو بحكم اليد كالمغصوب والمستعار والمأخوذ على جهة السوم وفي وجه ضعيف يجوز كل ذلك
الثاني كونه ثابتا فلا يصح بما لم يثبت بأن رهنه بما يستقرضه أو بثمن ما سيشتريه
وفي وجه شاذ يصح أن عين ما يستقرضه
وفي وجه لو تراهنا بالثمن ثم لم يتفرقا حتى تبايعا صح الرهن إلحاقا للحاصل في المجلس بالمقارن والصحيح الأول
فعلى الصحيح لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن
فإذا استقرض أو اشترى منه لم يصر دينا إلا برهن جديد
وفي وجه ضعيف يصير
ولو امتزج الرهن وسبب ثبوت الدين بأن قال بعتك هذا بألف وارتهنت هذا الثوب به فقال اشتريت ورهنت أو قال

أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فقال استقرضتها ورهنته صح الرهن على الأصح وهو ظاهر النص
ولو قال البائع ارتهنت وبعت وقال المشتري اشتريت ورهنت لم يصح لتقدم شقي الرهن على أحد شقي البيع
وكذا لو قال ارتهنت وبعت وقال المشتري رهنت واشتريت لتقدم شقي الرهن على شقي البيع فالشرط أن يقع أحد شقي الرهن بين شقي البيع والآخر بعد شقي البيع
ولو قال بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب فقال بعت وارتهنت بني على الخلاف في مسألة الإيجاب والاستيجاب
ولو قال بعني بكذا على أن ترهنني دارك فقال اشتريت ورهنت فوجهان
أحدهما يتم العقد بما جرى
قال في التتمة هو ظاهر النص
والثاني قاله القاضي لا يتم بل يشترط أن يقول بعده ارتهنت أو قبلت لأن الذي وجد منه الشرط إيجاب الرهن لا استيجابه كما لو قال افعل كذا لتبيعني لا يكون مستوجبا للبيع وهذا أصح عند صاحب التهذيب والأولى أن يفرق فانه لم يصرح في المقيس عليه بالتماس وإنما أخبر عن السبب الداعي له الى ذلك الفعل وهنا باع وشرط الرهن وهو يشتمل الالتماس أو أبلغ منه
الشرط الثالث كونه لازما
والديون الثابتة ضربان
أحدهما ما لا يصير لازما بحال كنجوم الكتابة فلا يصح الرهن به والآخر غيره
وهو نوعان
لازم في حال الرهن وغير لازم
فالأول يصح الرهن به سواء كان مسبوقا بحالة الجواز أم لا وسواء كان مستقرا كالقرض وأرش الجناية وثمن المبيع المقترض أو غير مستقر كالثمن قبل قبض المبيع والأجرة قبل استيفاء المنفعة والصداق قبل الدخول
وأما الثاني فينظر إن كان الأصل في وضعه اللزوم كالثمن في مدة الخيار صح الرهن به أيضا لقربه من اللزوم قال الإمام وهذا مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع فأما إذا جعلناه مانعا فالظاهر منع الرهن لوقوعه قبل ثبوت الدين ولا شك أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم

يمض مدة الخيار
أما ما كان أصل وضعه على الجواز كالجعل في الجعالة بعد الشروع في العمل وقبل تمامه فلا يصح الرهن به على الأصح
وإن كان بعد الفراغ من العمل صح قطعا للزومه
وإن كان قبل الشروع لم يصح قطعا لعدم ثبوته وعدم تعين المستحق
قلت هذا الذي جزم به الامام الرافعي هو الصواب لكن ظاهر كلام كثيرين من الأصحاب أو أكثرهم إجراء الوجهين قبل الشروع في العمل لا سيما عبارة الوسيط وتعليله
والله أعلم
أما المسابقة فان جعلناها كالأجارة أو كالجعالة فلها حكمها

فرع يصح الرهن بالمنافع المستحقة بالاجارة إن وردت على الذمة ويباع المرهون
لم يصح لفوات الشرط الأول
فرع لا يصح رهن الملاك بالزكاة والعاقلة بالدية قبل تمام الحول

فرع التوثق بالرهن والضمان شديد التقارب فما جاز الرهن به جاز ضمانه

وكذا عكسه إلا أن ضمان العهدة جائز
ولا يجوز الرهن به
هذا هو المذهب وحكي وجه أنه لا يصح ضمان العهدة
ووجه عن القفال أنه يصح الرهن بها
قلت كذا قال الشيخ أبو حامد في التعليق والغزالي في الوسيط ما صح ضمانه صح الرهن به إلا في مسألة العهدة ويستثنى أيضا أن ضمان رد الأعيان المضمونة صحيح على المذهب بها باطل على الصحيح وممن استثناها الغزالي في البسيط
والله أعلم

فصل يجوز أن يرهن بالدين الواحد رهنا بعد رهن ثم هو كما
معا
ولو كان الشىء مرهونا بعشرة وأقرضه عشرة أخرى على أن يكون مرهونا بها أيضا لم يصح على الجديد الأظهر
فان أراد ذلك فطريقه أن يفسخ المرتهن الرهن الأول ثم يرهنه بالجميع
ولو جنى المرهون ففداه المرتهن باذن الراهن ليكون مرهونا بالدين والفداء صح على المذهب وهو نصه لأنه من مصالح الرهن فإنه يتضمن إبقاءه
وقيل فيه القولان
ولو اعترف الراهن أنه مرهون بعشرين ثم رهنه أولا بعشرة ثم بعشرة وقلنا لا يجوز ونازعه المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه لأن اعتراف الراهن يقوي جانبه ولو قال المرتهن في جوابه فسخنا الرهن الأول واستأنفنا بالعشرين رهنا فهل القول قول المرتهن لاعتضاده بقول الراهن رهن بعشرين أم قول الراهن لأن الأصل عدم الفسخ وجهان ميل الصيدلاني إلى أولهما وصحح صاحب التهذيب الثاني ورتب عليه فقال لو شهد شاهدان أنه رهنه بألف ثم بألفين لم يحكم بأنه رهن بألفين ما لم يصرحا بأن الثاني كان بعد فسخ الأول

فرع رهن بعشرة ثم استقرض عشرة ليكون رهنا بهما وأشهد شاهدين
رهن بالعشرين فإن لم يعلم الشاهدان الحال ونقلا ما سمعا فهل يحكم بكونه رهنا بالعشرين إذا كان الحاكم يعتقد القول الجديد وجهان
وإن عرفا الحال فإن كانا يعتقدان جواز الالحاق فهل لهما أن يشهدا بأنه رهن بالعشرين أم عليهما بيان الحال وجهان
قلت أصحهما لا يجوز لأن الاجتهاد إلى الحاكم لا إليهما
والله أعلم
وإن كانا يعتقدان منع الالحاق لم يشهدا إلا بما جرى باطنا على الصحيح
وهذا التفصيل فيما إذا شهدا بنفس الرهن وفيه صور الجمهور فان شهدا على إقرار الراهن فالوجه تجويزه مطلقا
قلت كذا أطلق الجمهور هذا التفصيل وقال صاحب الحاوي إن كان الشاهدان مجتهدين ففيه التفصيل وإن كانا غير مجتهدين لم يجز مطلقا ولزمهما شرح الحال
ولو مات وعليه دين مستغرق فرهن الوارث التركة عند صاحب الدين على شىء آخر أيضا ففي صحته الوجهان بناء على القولين
والله أعلم
الركن الثالث الصيغة فيعتبر الايجاب والقبول اعتبارهما في البيع والخلاف في المعاطاة والاستيجاب والايجاب عائد كله هنا
فرع الرهن قسمان
أحدهما مشروط في عقد كمن باع أو أجر أو أسلم أو زوج بشرط الرهن بالثمن أو الأجرة أو المسلم فيه أو الصداق
والقسم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28