كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

لنقصهما بتشوه الخلقة ولو قطعت إحداهما لم يجب القصاص ويجب فيها نصف دية وزيادة حكومة وقيل لا تجب الحكومة وهو غريب والصحيح الأول فعلى هذا في الأصبع منها نصف دية اصبع وحكومة وفي الأنملة نصف دية أنملة وحكومة ولو عاد الجاني بعد أخذ الأرش والحكومة منه فقطع اليد الأخرى وأراد المجني عليه القصاص ورد ما أخذه غير قدر الحكومة هل له ذلك وجهان أحدهما لا لأنه أسقط بعض القصاص فلا عود إليه والثاني نعم لأن القصاص لم يكن ممكنا وإنما أخذ الأرش لتعذره لا لإسقاطه

فرع لو قطع صاحب اليدين الباطشتين يد معتدل لم تقطع يداه للزيادة
وللمجني عليه أن يقطع إحداهما ويأخذ نصف دية اليد ناقصا بشىء فلو بادر وقطعهما عزر وأخذت منه حكومة للزيادة وإن كانت إحدى يدي القاطع زائدة وأمكن إفراد الأصلية بالقطع قطعت ولم يلزم شىء آخر وإن علم أن إحداهما زائدة ولم تعلم عينها لم تقطع واحدة منهما
فرع كانت إحدى يمينيه باطشة دون الأخرى فقطعت الباطشة فاستوفى ديتها فصارت
أصلية حتى لو قطعها قاطع لزمه القصاص أو كمال الدية وهل يسترد القاطع أولا الأرش ويرد إلى مقدار الحكومة وجهان أصحهما لا فلا يغير ما مضى وهذه نعمة من الله تعالى ولو كانتا باطشتين على السواء فغرمنا قاطع إحداهما نصف دية اليد وزيادة حكومة فازدادت قوة الباقية واشتد بطشها

فهل يسترد من أرش الأولى ما يرده إلى قدر الحكومة فيه الوجهان وإن ضعفت الثانية لما قطعت الأولى وبطل بطشها عرفنا أن الأصلية هي المقطوعة فعلى قاطعها القصاص أو كمال الدية قال ابن كج ويحتمل أن لا قصاص
العضو العاشر الرجلان ففيهما كمال الدية وفي إحداهما نصفها ورجل الأعرج كرجل الصحيح لأنه لا خلل في العضو ولو قطع رجلا تعطل مشيها بكسر الفقار فوجهان أحدهما الواجب الحكومة كاليد الشلاء وأصحهما الدية لأن الرجل صحيحة والخلل في غيرها وتكمل دية الرجلين بالتقاط أصابعهما والقدم كالكف والساق كالساعد والفخذ كالعضد وأنامل أصابع الرجل كأنامل أصابع اليد وقدمان على ساق وساقان على ركبة ككفين على معصم وساعدين على عضد وقد سبق بيان الجميع وكذا يقاس بما تقدم حكم الرجل الشلاء وحصول الشلل بالجناية عليها
العضو الحادي عشر حلمتا المرأة وفيهما كمال ديتها وفي إحداهما نصفها والحلمة المجتمع نابتا على رأس الثدي قال الإمام ولون الحلمة يخالف لون الثدي غالبا وحواليها دارة على لونها وهي من الثدي لا من الحلمة ولو قطع الثدي مع الحلمة لم يجب إلا الدية وتدخل فيها حكومة الثدي وفيه وجه قدمناه وعن الماسرجسي نقله قولا ولو قطع مع الثدي جلدة الصدر وجبت حكومة الجلدة مع الدية قطعا وإن وصلت الجراحة إلى الباطن وجب مع دية الحلمة أرش الجائفة وهل يجب في قطع حلمة الرجل دية أم حكومة قولان أظهرهما حكومة وقيل حكومة قطعا ولو قطع مع حلمة الرجل الثندوة أفردت الثندوة بحكومة على المذهب وقيل إذا أوجبنا في حلمته دية دخلت فيها حكومة الثندوة والثندوة لحمة تحت الحلمة إذا لم يكن الرجل مهزولا


فرع تقطع حلمة المرأة بحلمة المرأة وفي التتمة وجه أنه إذا لم
الثدي فلا قصاص لاتصالها بلحم الصدر وتعذر التمييز والصحيح الأول قال البغوي ولا قصاص في الثدي لأنه لا يمكن المماثلة وللمجني عليها أن تقتص في الحلمة وتأخذ حكومة الثدي ولك أن تقول المماثلة ممكنة فإن الثدي هذا الشاخص وهو أقرب إلى الضبط من الشفتين والأليتين ونحوهما وتقطع حلمة الرجل بحلمة الرجل إن أوجبنا فيها الحكومة أو الدية وتقطع حلمة الرجل بحلمة المرأة وبالعكس إن أوجبنا في حلمة الرجل الدية فإن أوجبنا الحكومة لم تقطع حلمتها بحلمته وإن رضيت كما لا تقطع صحيحة بشلاء وتقطع حلمته بحلمتها إن رضيت كما تقطع الشلاء بالصحيحة إذا رضي المستحق
فرع هل يستدل بنهود الثدي وتدليها على أنوثة الخنثى وجهان سبقا في
الطبري تجب دية امرأة وعلى قول الجمهور إن قلنا في حلمة الرجل الدية وجب هنا دية امرأة أخذا باليقين وإن قلنا الحكومة وجب هنا حكومة
فرع ضرب ثدي المرأة فشل فعليه الدية ولو كانت ناهدا فاسترسل ثديها
لم تجب إلا الحكومة لأن الفائت مجرد الجمال ولو استرسل بالضرب ثدي الخنثى ولم يجعل الثدي أمارة الأنوثة

فلا حكومة في الحال لجواز كونه رجلا فلا يلحقه نقص بالاسترسال ولا يفوت جماله فإن بانت امرأة وجبت الحكومة
العضو الثاني عشر الذكر وفيه كمال الدية سواء ذكر الشيخ والشاب والصغير والعنين والخصي وغيرهم وفي الأشل حكومة ولو ضرب ذكرا فشل فعليه كمال الدية ولو خرج عن أن يمكن به الجماع من غير شلل ولا تعذر انقباض وانبساط فعليه الحكومة لأن العضو ومنفعته باقيان والخلل في غيرهما فلو قطعه قاطع بعد ذلك فعليه القصاص أو الدية هكذا ذكره ابن الصباغ والبغوي وغيرهما وفيه نظر وتكمل الدية بقطع الحشفة وفي بعض الحشفة قسطه من الدية وهل يكون التقسيط على الحشفة فقط أم على جملة الذكر فيه خلاف سبق في فصل الأسنان والمذهب أولهما قال المتولي هذا إذا لم يختل مجرى البول بأن قطع بعض الذكر طولا فإن اختل فعليه أكثر الأمرين من قسطه من الدية وحكومة فساد المجرى قال ولو قطع جزءا من الذكر مما تحت الحشفة فإن انتهت الجراحة إلى مجرى البول فقد سبق خلاف في كونها جائفة وإن لم ينته فإن قلنا في قطع بعض الحشفة يقسط على الحشفة فقط فعليه هنا حكومة وإن قسطنا على الذكر فعليه قسط المقطوع من الدية وإن لم يبن شيئا من الذكر لكن شقه طولا وزالت منفعته بذلك وجبت الدية كالشلل وتجب في بقية الذكر وحدها الحكومة وإذا استأصل الذكر وجبت الدية بلا حكومة على المذهب وقيل تجب مع الدية حكومة
العضو الثالث عشر الأنثيان وفيهما كمال الدية وفي إحداهما نصفها


العضو الرابع عشر الأليان وفيهما كمال الدية وفي إحداهما نصفها والألية الناتىء المشرف على استواء الظهر والفخذ ولا يشترط في وجوب الدية قرع العظم واتصال الحديدة إليه ولو قطع بعض إحداهما وجب قسط المقطوع إن عرف قدره وضبطه وإلا فالحكومة وسواء في هذا العضو الرجل والمرأة ولا نظر إلى اختلاف القدر الناتىء واختلاف الناس فيه كاختلافهم في سائر الأعضاء
ولو قطع أليته فنبتت والتحم الموضع قال البغوي لا تسقط الدية على المذهب
الخامس عشر الشفران للمرأة هما اللحمان المشرفان على المنفذ وفيهما كمال الدية وفي إحداهما نصفها سواء فيه السمينة والمهزولة والبكر والثيب والرتقاء والقرناء إذ لا خلل في نفس شفرهما وسواء المختونة وغيرها ولو ضرب شفريها فشلا وجب كمال الدية ولو قطع مع الشفرين الركب بفتح الراء والكاف وهو عانة المرأة وجب حكومة مع الدية وكذا لو قطع شيئا من عانة الرجل مع الذكر ولو قطع شفري بكر وأزال بالجناية بكارتها وجب مع دية الشفرين أرش البكارة ولو قطع شفريها فجرح موضعهما آخر بقطع لحم وغيره لزم الثاني حكومة
السادس عشر الجلد فإذا سلخ جلده وجب كمال الدية

قال الأئمة وسلخ جميعه قاتل لكن قد يفرض حياة مستقرة بعد فتظهر فائدة إيجاب الدية فيه لو حز غيره رقبته وحكى الإمام عن الشيخ أبي علي أنه لو قطعت يداه بعد سلخ الجلد توزع مساحة الجلد على جميع البدن فما يخص اليدين يحط من دية اليدين ويجب الباقي وعلى هذا القياس لو قطع يد رجل ثم جاء آخر فسلخ جلده لزم السالخ دية الجلد إلا قسط اليدين

فصل الترقوة هي العظم المتصل بين المنكب وتغرة النحر ولكل شخص ترقوتان
فالمشهور من نصوص الشافعي رحمه الله في الأم وغيره أن في الترقوتين حكومة ونص في اختلاف الحديث وغيره أن فيه جملا فقيل قولان القديم جمل والجديد حكومة وقطع الجمهور بالحكومة وهو المذهب كالضلع وسائر العظام
القسم الثالث إزالة المنافع وهي ثلاثة عشر شيئا
الأول العقل فتجب بإزالته كمال الدية ولا يجب فيه قصاص لعدم الإمكان ولو نقص عقله ولم تستقم أحواله نظر إن أمكن الضبط وجب قسط الزائل والضبط قد يتأتى بالزمان بأن يجن يوما ويفيق يوما فتجب نصف الدية أو يوما ويفيق يومين فيجب الثلث وقد يتأتى بغير الزمان بأن يقابل صواب قوله ومنظوم فعله بالخطأ المطروح منهما وتعرف النسبة بينهما فيجب قسط الزائل وإن لم يمكن الضبط بأن كان يفزع أحيانا مما يفزع أو يستوحش إذا خلا وجبت حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده وذكر المتولي أن الدية إنما تجب عند تحقق الزوال بأن يقول أهل الخبرة

لا يزول العارض الحادث أما إذا توقعوا زواله فيتوقف في الدية فإن مات قبل الاستقامة ففي الدية وجهان كما لو قلع سن مثغور فمات قبل عودها

فرع ينظر في الجناية التي ذهب بها العقل فإن لم يكن لها
ضرب رأسه أو لطمه فذهب عقله وجبت دية العقل وإن كان لها أرش مقدر كالموضحة واليد والرجل أو غير مقدر كالجراحة الموجبة للحكومة فقولان القديم أنه يدخل الأقل في الأكثر فإن كانت دية العقل أكثر بأن أوضحه فزال عقله دخل فيها أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر بأن قطع يديه ورجليه أو يديه مع بعض الذراع فزال عقله دخل فيه دية العقل والجديد الأظهر لا تداخل بل يجب دية العقل وأرش الجناية فعلى هذا لو قطع يديه ورجليه فزال عقله وجب ثلاث ديات وعلى القديم تجب ديتان وقيل إن كان أرش الجناية بقدر الدية أو أكثر وجب دية العقل معها قطعا وإلا فعلى القولين وقيل إن لم يكن أرش الجناية مقدرا لم يدخل في دية العقل قطعا
فرع أنكر الجاني زوال العقل ونسبه إلى التجانن راقبناه في الخلوات والغفلات
يتجانن في الجواب ولأن يمينه تثبت جنونه والمجنون لا يحلف وإن وجدناها منظومة صدق الجاني بيمينه وإنما حلفناه لاحتمال صدورها منه اتفاقا وجريا على العادة


الثاني السمع وفي إبطاله كمال الدية ولو أبطله من إحدى الأذنين وجب نصف الدية على الصحيح وبه قطع الجمهور وقيل يجب بقسط ما نقص من السمع من الدية ولو قطع الأذن وبطل السمع وجب ديتان لأن السمع ليس في الأذن ولو جنى عليه فصار لا يسمع في الحال لكن قال أهل الخبرة يتوقع عوده نظر إن قدروا مدة انتظرناها فإن لم يعد أخذت الدية واستثنى الإمام ما إذا قدروا مدة يغلب على الظن انقراض العمر قبل فراغها وقال الوجه أن تؤخذ الدية ولا ينتظر هذه المدة وإن لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال فإن عاد ردت لأنه بان أنه لم يزل وإن قال أهل الخبرة لطيفة السمع باقية في مقرها ولكن ارتتق داخل الأذن بالجناية وامتنع نفوذ الصوت ولم يتوقعوا زوال الارتتاق فالواجب الحكومة على الأصح وقيل الدية ويجري الوجهان فيما لو أذهب سمع صبي فتعطل لذلك نطقه فإن الطفل يتدرج إلى النطق تلقيا مما يسمع أنه هل تجب دية للنطق مضمومة إلى دية السمع فرع أنكر الجاني زوال السمع امتحن المجني عليه بأن يصاح به في نومه وحال غفلته صياحا منكرا وبأن يتأمل حاله عند صوت الرعد الشديد فإن ظهر منه انزعاج واضطراب علمنا كذبه ومع ذلك يحلف الجاني لاحتمال أن الانزعاج بسبب آخر اتفاقي وإن لم يظهر عليه أثر علمنا صدقه ومع ذلك يحلف لاحتمال أنه يتجلد وإن ادعى ذهاب سمع إحدى الأذنين حشيت السليمة وامتحن في الأخرى على ما ذكرناه


فرع نقص سمعه من الأذنين نظر إن عرف قدر ما نقص بأن
يسمع من موضع فصار يسمع من دونه ضبط ما نقص ووجب قسطه من الدية وإن لم يعلم ولكن نقص سمعه وثقلت أذنه قال الأكثرون تجب فيه حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده وذكر الإمام وغيره أنه يقدر بالاعتبار بسليم السمع في مثل سنه وصحته بأن يجلس بجنب المجني عليه ويؤمر من يرفع صوته ويناديهما من مسافة بعيدة لا يسمعه واحد منهما ثم يقرب المنادي شيئا فشيئا إلى أن يقول السليم سمعت فيعرف الموضع ثم يديم المنادي ذلك الحد من رفع الصوت ويقرب إلى أن يقول المجني عليه سمعت فيضبط ما بينهما من التفاوت وإن نقص سمعه من إحدى الأذنين صممت العليلة وضبط منتهى سماع الصحيحة ثم تصمم الصحيحة ويضبط منتهى سماع العليلة ويجب من الدية بقسط التفاوت وإن كذبه الجاني في دعوى انتقاص السمع فالمصدق المجني عليه بيمينه سواء ادعى نقصه من الأذنين أو إحداهما لأنه لاي يعرف إلا من جهته
الثالث البصر
ففي إذهابه من العينين كمال الدية ومن إحداهما نصفها سواء ضعيف البصر بالعمش وغيره والأحول والأخفش وغيرهم ولو فقأ عينيه لم تجب إلا دية كقطع يديه بخلاف ما لو قطع أذنيه وذهب سمعه لما سبق أنه ليس السمع في الأذنين ولو قال عدلان إن البصر يعود فرق بين أن يقدروا مدة أو لا يقدروا ويكون حكمه ما سبق في الأذنين ولو مات المجني عليه قبل مضي تلك المدة فلا قصاص للشبهة وفي الدية طريقان أحدهما على الوجهين فيمن قلع سن غير مثغور ومات قبل أوان النبات

والمذهب القطع بوجوبها لأن الظاهر في السن العود لو عاش بخلاف البصر ولو قال الجاني مات بعد عود السمع أو البصر وقال الوارث قبله صدق الوارث

فرع ادعى المجني عليه زوال البصر وأنكر الجاني فوجهان أحدهما وهو نصه
عين الشمس ونظروا في عينيه عرفوا أن الضوء ذاهب أم موجود بخلاف السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إليه والثاني يمتحن بتقريب حية أو عقرب منه أو حديدة من حدقته مغافصة فإن انزعج فالقول قول الجاني بيمينه وإلا فقول المجني عليه بيمينه قال المتولي الأمر إلى خبرة الحاكم إن أراد مراجعتهم فعل وإن أراد امتحانه فعل وإذا روجع أهل الخبرة فشهدوا بذهاب البصر فلا حاجة إلى التحليف وتؤخذ الدية بخلاف الامتحان فإنه لا بد من التحليف بعده ولا يقبل في ذهاب البصر إن كانت الجناية عمدا إلا شهادة رجلين وإن كانت خطأ قبل رجل وامرأتان وإذا ادعى ذهاب بصر إحدى العينين روجع أهل الخبرة أو امتحن كما ذكرنا في العينين
فرع إذا نقص ضوء العينين ولم يذهب فإن عرف قدره بأن كان
من مسافة فصار لا يراه إلا من بعضها وجب من الدية قسط الذاهب وإن لم يعرف فعلى الخلاف في السمع قال

الأكثرون تجب حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده ولا يعتبر تغيره لاختلاف الناس في الإدراك
عن الماسرجسي قال رأيت صيادا يرى الصيد على فرسخين
وإن نقص ضوء إحدى العينين عصبت العليلة وأطلقت الصحيحة ووقف شخص في موضع يراه ويؤمر أن يتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين ويجب قسطه من الدية ثم إنه متهم في هذا الضبط بالزيادة في الصحيحة وبالنقص في العليلة فلا يؤمن كذبه فيمتحن في قوله أبصر في الصحيحة بأن تغير ثياب الشخص الذي يبعد ويقرب ويسأل عنها فينظر أيصيب أم لا وأما في العليلة فقيل يحلف أنه لا يبصر فوق ذلك وقال الأكثرون يمتحن بأن تضبط تلك الغاية ويؤمر الشخص بأن ينتقل إلى سائر الجهات والمجني عليه بأن يدور فإن توافقت الغاية من الجهات صدقناه وإلا كذبناه ويجري مثل هذا الامتحان في نقصان سمع إحدى الأذنين فيمتحن في قوله أسمع بالصحيحة بأن يغير المنادي نداءه وكلامه وينظر هل يقف عليه المجني عليه وفي قوله لا أسمع بالعليلة بأن ينتقل المنادي إلى سائر الجهات وإذا عرف تفاوت مسافتي الإبصار فالواجب القسط فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع وبالعليلة من مائة ذراع فموجبه التنصيف لكن لو قال أهل الخبرة إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب الأولى وبعد الثانية وجب ثلثا دية العليلة قال الشافعي رحمه الله وما أرى ذلك يضبط

فرع الأعشى الذي يبصر بالنهار دون الليل فيه كمال الدية وفي التهذيب
أنه لو جني عليه فصار أعشى لزمه نصف الدية

ولو عشيت إحدى عينيه بالجناية لزمه ربع الدية ومقتضى هذا إيجاب نصف الدية إذا جنى على الأعشى فأذهب بصره وكذا من يبصر بالليل دون النهار

فرع شخصت عينه بجناية أو صار أعمش أو أحول وجبت حكومة
فرع ذهب ضوء عينه بجناية وقلع آخر الحدقة فقال قلعت قبل عود
وقال الأول بل بعده صدق الثاني فلو صدق المجني عليه الأول برىء الأول ويحلف الثاني وعليه حكومة
الرابع الشم وفي إزالته بالجناية على الرأس وغيره كمال الدية على الصحيح المشهور وحكي وجه وقول أن واجبه الحكومة وهو ضعيف فلو أذهب شم أحد المنخرين فنصف الدية ولو سد المنفذ فلم يدرك الروائح وقال أهل الخبرة القوة باقية فليكن كما سبق في السمع وإذا أنكر الجاني ذهاب الشم امتحن المجني عليه بتقريب ماله رائحة حادة منه طيبة وخبيثة فإن هش للطيبة وعبس للمنتن صدق الجاني بيمينه وإن لم يظهر عليه أثر صدق المجني عليه بيمينه وإن نقص الشم نظر إن علم قدر الذاهب وجب قسطه من الدية وإن لم يعلم وجبت حكومة يقدرها الحاكم بالاجتهاد ولم يذكروا هنا الامتحان بمن هو في مثل شمه ولا يبعد طرده هنا وإن نقص شم أحد المنخرين فيمكن أن يعتبر بالجانب الآخر ولم يذكروه ولعلهم اكتفوا بالمذكور في السمع والبصر وإذا ادعى النقص

وأنكر الجاني صدق المجني عليه بيمينه لأنه لا يعرف إلا منه
قال الإمام وينبغي أن يعين المجني عليه قدرا يطالب به وإلا فهو مدع مجهولا وطريقه في نفسه أن يطلب الأقل المتيقن ولو أخذ دية الشم وعاد وجب ردها ولو وضع يده على أنفه عند رائحة منكرة فقال الجاني فعلت ذلك لعود شمك وأنكر المجني عليه صدق المجني عليه بيمينه لأنه قد يفعله اتفاقا ولا متخاط وبفكر ورعاف وغيرها
الخامس النطق فإذا جنى على لسانه فأبطل كلامه وجب كمال الدية وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل الخبرة لا يعود نطقه فإن أخذت فعاد استردت ولو ادعى ذهاب النطق وأنكر الجاني قال المتولي يفزع في أوقات الخلوة وينظر هل يصدر منه ما يعرف به كذبه فإن لم يظهر شىء حلف كما يحلف الأخرس ووجبت الدية ولو بطل بالجناية بعض الحروف وزعت الدية عليها سواء ما خف منها على اللسان وما ثقل والحروف مختلفة في اللغات فكل من تكلم بلغة فالنظر عند التوزيع إلى حروف تلك اللغة فلو تكلم بلغتين فبطل بالجناية حروف من هذه وحروف من تلك فهل توزع على أكثرهما حروفا أم على أقلهما وجهان ثم في الحروف الموزع عليها وجهان أصحهما وبه قال الأكثرون وهو ظاهر النص أن التوزيع يكون على جميعها وهي ثمانية وعشرون حرفا في اللغة العربية فإن ذهب نصفها وجب نصف الدية وإن ذهب حرف فأكثر وجب لكل حرف سبع ربع الدية والثاني قاله الإصطخري لا يدخل في التوزيع الحروف الشفهية وهي الباء والفاء والميم والواو ولا الحلقية وهي الهاء والهمزة والعين والحاء والغين والخاء وإنما التوزيع على الحروف الخارجة من اللسان وهي ما عدا المذكورات هذا إذا ذهب بعض الحروف وبقي في البقية كلام مفهوم فأما إذا لم يبق في البقية

كلام مفهوم فوجهان أحدهما يجب كمال الدية قاله أبو إسحق والقفال وجزم به البغوي وذكر الروياني أنه المذهب والثاني لا يلزمه إلا قسط الحروف الفائتة قال المتولي وهو المشهور ونصه في الأم ولو ضرب شفتيه فأذهب الحروف الشفهية أو رقبته فأذهب الحروف الحلقية قال المتولي إن قلنا بقول الإصطخري وجبت الحكومة فقط وإن قلنا بقول الأكثرين وجب قسط الذاهب من جميع الحروف وذكر ابن كج أنه لو قطع شفتيه فأذهب الباء والميم فقال الإصطخري يجب مع دية الشفتين أرش الحرفين وقال ابن الوكيل لا يجب غير الدية كما لو قطع لسانه فذهب كلامه لا يجب إلا الدية

فرع جنى على لسانه فصار يبدل حرفا بحرف وجب قسط الحرف الذي
ولو ثقل لسانه بالجناية أو حدثت في كلامه عجلة أو تمتمة أو فأفأة أو كان ألثغ فزادت لثغته فالواجب الحكومة لبقاء المنفعة
فرع من لا يحسن بعض الحروف كالأرت والألثغ الذي لا يتكلم إلا
حرفا مثلا إذا أذهب كلامه وجهان أصحهما يجب كمال الدية فعلى هذا لو أذهب بعض الحروف وزع على ما يحسنه لا على الجميع والثاني لا يجب إلا قسطها من جميع الحروف وفي بعضها بقسطه من الجميع فعلى هذا لو كان يقدر على التعبير عن جميع مقاصده لفطنته واستمداده من اللغة لم تكمل الدية أيضا على الأصح

لأن قدرته لحذقه لا بالكلام هذا إذا كان نقص حروفه خلقة أو حدث بآفة سماوية فلو حدث بجناية فالمذهب أنه لا تكمل الدية لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول

فرع في الجناية على محل ناقص المنفعة أو الجرم أما المنافع التي
لا تتقدر تقدر النطق بالحروف كالبطش والبصر فإن كان النقص فيها بآفة فلا اعتبار به ويجب على من أبطلها الدية الكاملة وكذا من قطع العضو الذي هو محل تلك المنفعة لأنه لا ينضبط ضعفها وقوتها وإن كان النقص بجناية فأوجه أصحها لا تكمل الدية بل يحط منها قدر الحكومة التي غرمها الأول عن مبطل المنفعة وقاطع العضو جميعا حذارا من تضعف الغرامة والثاني يجب كمال الدية والثالث لا يحط عن قاطع الجرم ويحط عن مبطل المنفعة الناقصة لتجانس جنايته وجناية الأول وأما الاجرام فإن كان لما نقص أرش مقدر لزم الثاني دية يحط منها أرش ما نقص سواء حصل النقص بآفة أم بجناية فلو سقطت أصبعه أو أنملته بآفة ثم قطعت يده حط من دية اليد أرش الأصبع أو الأنملة ولو جرح رأسه متلاحمة فجعلها آخر موضحة لزم الثاني أرش موضحة يحط منه واجب المتلاحمة سواء قدرنا واجبها أم أوجبنا فيها الحكومة ولو التأمت المتلاحمة واكتسى موضعها بالجلد لكن بقي غائرا فأوضح فيه آخر فالصحيح أن حكم ذلك الجرح قد سقط وعلى من أوضح أرش كامل أما إذا لم يكن لما نقص أرش مقدر كفلقة تنفصل من لحم الأنملة فإن لم تؤثر في المنفعة لم تنقص به الدية وإن وجب فيه حكومة للشين وسواء حصل ذلك بآفة أم بجناية وإن أثر في المنفعة فإن حصل بآفة لم تنقص

الدية وإن حصل بجناية ففيه احتمالان للإمام أقربهما يحط عن الثاني قدر حكومة الأول

فصل نزل العلماء النطق في اللسان منزلة البطش في اليد والرجل فقالوا
إذا استأصل لسانه بالقطع وأبطل كلامه لم يلزمه إلا دية واحدة ولو قطع عذبة اللسان وبطل الكلام فكذلك كما لو قطع أصبعا من اليد فشلت ولو قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام نظر إن تساوت نسبة جرم اللسان والكلام بأن قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه وجب نصف الدية وإن اختلفت بأن قطع الربع فذهب نصف الكلام أو عكسه وجب نصف الدية قطعا واختلفوا في علته فقال الجمهور اللسان مضمون بالدية ومنفعته أيضا كذلك فوجب أكثرهما وقال أبو إسحق الاعتبار بالجرم لأنه الأصل وفيه تقع الجناية قال وإنما وجب نصف الدية في قطع ربعه إذا ذهب نصف الكلام لأنه قطع ربعا وأشل ربعا وتظهر فائدة الخلاف في صور إحداها قطع نصفه فذهب ربع الكلام واستأصل آخر الباقي فعلى قول الأكثرين يلزم الثاني ثلاثة أرباع الدية وعلى قول أبي إسحق نصفها الثانية قطع ربعه فذهب نصف الكلام واستأصله آخر فعند الأكثرين يلزم الثاني ثلاثة أرباع الدية وعند أبي إسحق نصف الدية وحكومة لأنه قطع نصفا صحيحا وربعا أشل الثالثة ذهب نصف الكلام بجناية على اللسان من غير قطع منه ثم قطعه آخر فيلزم الثاني عند الأكثرين دية كاملة وعنده نصفها وحكومة لأن نصف اللسان صحيح ونصفه أشل لذهاب نصف الكلام


فرع رجلان قطع من أحدهما نصف لسانه وذهب ربع كلامه ومن الآخر
لسانه وذهب نصف كلامه فقطع الأول النصف الباقي من الثاني لا يقتص منه وإن أجرينا القصاص في بعض اللسان لنقص المجني عليه
فرع قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه فاقتص من الجاني فلم يذهب
ربع كلامه فللمجني عليه ربع الدية ليتم حقه وإن ذهب من المقتص منه ثلاثة أرباع كلامه فلا شىء على المجني عليه لأن سراية القود مهدرة
فرع عود الكلام بعد أخذ الدية كعود السمع

فرع من لا يتكلم بحرف إذا ضرب لسانه فنطق بذلك الحرف وفات
يجب قسط الفائت ولا ينجبر وهل يوزع على الحروف وفيها الحرف المستفاد أم عليها قبل الجناية قال الإمام هذا موضع نظر ولك أن تقول ليبن على الخلاف فيمن يحسن بعض الحروف وله كلام مفهوم إذا أبطل بالجناية بعض ما يحسنه هل التوزيع على ما يحسنه أم على الجميع فإن قلنا بالثاني دخل المستفاد وإلا فلا
فرع في لسانه عجلة واضطراب فضرب فاستقام فلا شىء على الضارب

فرع قطع بعض لسانه ولم يبطل به شىء من كلامه هل تجب
قسط المقطوع من الدية وجهان أصحهما الحكومة القسط للزم إيجاب الدية الكاملة في لسان الأخرس
السادس الصوت فإذا جنى على شخص فأبطل صوته وبقي اللسان على اعتداله ويمكنه من التقطيع والترديد لزمه لإبطال الصوت كمال الدية فإن أبطل معه حركة اللسان حتى عجز عن التقطيع والترديد فوجهان أرجحهما يجب ديتان لأنهما منفعتان في كل واحدة إذا أفردت كمال الدية والثاني يجب دية فقط فإن قلنا ديتان وكانت حركة اللسان باقية فقد تعطل النطق بسبب فوات الصوت فيجيء الخلاف السابق في أن تعطل المنفعة هل هو كزوالها فإن قلنا نعم وجب ديتان وإلا فدية
السابع الذوق وفي إبطاله كمال الدية وقد يبطل بجناية على اللسان أو الرقبة أو غيرهما والمدرك بالذوق خمسة أشياء الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة والدية تتوزع عليها فإذا أبطل إدراك واحد وجب خمس الدية ولو نقص الإحساس فلم يدرك الطعوم على كمالها فالواجب الحكومة وإذا اختلفا في ذهاب الذوق جرب بالأشياء المرة أو الحامضة الحادة فإن ظهر منه تعبس وكراهة صدقنا الجاني بيمينه وإلا فالمجني عليه ولو ضربه ضربة زال بها ذوقه ونطقه وجب ديتان
الثامن المضغ وفي إبطاله كمال الدية ولإبطاله طريقان أحدهما أن يصلب مغرس اللحيين حتى تمتنع حركتهما مجيئا وذهابا والثاني أن يجني على الأسنان فيصيبهما خدر وتبطل صلاحيتهما للمضغ


التاسع والعاشر والحادي عشر الإمناء والإحبال والجماع فإذا كسر صلبه فأبطل قوة إمنائه وجب كمال الدية ولو قطع انثييه فذهب ماؤه لزمه ديتان وكذا لو أبطل من المرأة قوة الإحبال لزمه ديتها ولو جنى على ثديها فانقطع لبنها لزمه حكومة فإن نقص وجبت حكومة تليق به وإن لم يكن لها لبن عند الجناية ثم ولدت ولم يدر لها لبن وامتنع به الإرضاع وجبت حكومة إذا قال أهل الخبرة إن الانقطاع بجنايته أو جوزوا أن يكون هو سببها وللإمام احتمال أنه تجب الدية بإبطال الإرضاع ولو جنى على صلبه فذهب جماعه وجبت الدية لأن المجامعة من المنافع المقصودة ولو ادعى ذهابه فأنكر الجاني صدق المجني عليه بيمينه لأنه لا يعرف إلا منه ثم إنهم صوروا ذهاب الجماع فيما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي ذكره سليما وذكروا أنه لو كسر صلبه وأشل ذكره فعليه دية الذكر وحكومة لكسر الصلب وإذا كان الذكر سليما كان الشخص قادرا على الجماع حسا فأشعر ذلك بأنهم أرادوا بذهاب الجماع بطلان الالتذاذ به والرغبة فيه ولذلك صور الإمام والغزالي المسألة في إبطال شهوة الجماع مع أن الإمام استبعد ذهاب الشهوة مع بقاء المني

فرع لو جنى على عنقه فلم يمكنه ابتلاع الطعام إلا بمشقة لالتواء
العنق أو غيره لزمه حكومة فلو لم ينفذ الطعام والشراب أصلا لانسداد المنفذ فلا يعيش المجني عليه والحالة هذه ولم تزد طائفة من الأصحاب على أنه إن ساغ الطعام والشراب فحكومة وإن مات فالدية ونقل الإمام والغزالي أن نفس الجناية المفضية إلى الانسداد

توجب الدية حتى لو حز غيره رقبته وفيه حياة مستقرة لزم الأول دية ولو مات بامتناع نفوذ الطعام والشراب قال الإمام إن قلنا من قطع يدي رجل ورجليه ثم حز رقبته تلزمه دية فقط فكذا هنا وإن قلنا هناك ديتان فيحتمل هنا دية ويحتمل ديتان
الثاني عشر إفضاء المرأة وفيه كمال دية وهو رفع الحاجز بين مسلك الجماع والدبر على الأصح وقيل رفع الحاجز بين مسلك الجماع ومخرج البول قال المتولي الصحيح أن كل واحد منهما إفضاء موجب للدية لأن الاستمتاع يختل بكل واحد منهما ولأن كل واحد منهما يمنع إمساك الخارج من أحد السبيلين فعلى هذا لو أزال الحاجزين لزمه ديتان وتختلف الدية الواجبة بالإفضاء خفة وغلظا باختلاف حال الإفضاء فقد يكون عمدا محضا بأن تكون المرأة ضعيفة أو نحيفة والغالب إفضاء وطئها إلى الإفضاء وقد يكون عمد خطإ بأن لا يتضمن وطؤها الإفضاء غالبا وقد يكون خطأ محضا بأن يجد امرأة على فراشه فيظنها امرأته التي عهدها فيطؤها فيفضيها هذا إذا حصل الإفضاء بالوطء ولا فرق في الدية بينه وبين أن يحصل بأصبع أو خشبة أو شىء محدد وإذا أفضاها فصار بولها يسترسل ولا يستمسك لزمه مع الدية حكومة الشين وقيل لا حكومة وهو ضعيف وسواء في وجوب الدية بالإفضاء الحاصل بالوطء الزوج والواطىء بشبهة والزاني ويستقر المهر على الزوج بالوطء المتضمن للإفضاء ويجب به مهر المثل على الواطىء بشبهة وكذا على الزاني إن كانت مكرهة وعليه الحد


فصل لبكارة المرأة حالان أحدهما أن يزيلها من لا يستحق افتضاضها فإن
الحكومة المأخوذة من تقدير الرق كما سيأتي في بيان الحكومة إن شاء الله تعالى وهل يكون جنس الواجب من الإبل أم من نقد البلد وجهان أصحهما الإبل على قاعدة الجناية على الأحرار ولو أزالت بكر بكارة أخرى اقتصت منها وإن أزالها بآلة الجماع فإن طاوعته المرأة فلا أرش كما لا مهر وإن كانت مكرهة أو كان هناك شبهة نكاح فاسد أو غيره فوجهان أصحهما وهو المنصوص أنه يجب مهر مثلها ثيبا وأرش البكارة والثاني يجب مهر مثلها بكرا فإن أفردنا الأرش عاد الوجهان في أن جنسه الإبل أم النقد
الحال الثاني أن يزيلها مستحق الافتضاض وهو الزوج فإن أزالها بآلة الجماع فقد استوفى حقه وإن أزالها بغيره فوجهان أصحهما لا شىء عليه لأنه حقه وإن أخطأ في طريقه والثاني يلزمه الأرش ثم من افتض وألزمناه أرش البكارة فلو أفضاها مع الافتضاض ففي دخول أرش البكارة في دية الإفضاء وجهان أصحهما الدخول لأن الدية والأرش تجبان للإتلاف فدخل أقلهما في أكثرهما بخلاف المهر فإنه يجب للإستمتاع فلا يدخل في بدل الإتلاف كما لو تحامل على الموطوءة فكسر رجلها لا يدخل المهر في دية الرجل
فصل إذا كانت الزوجة لا تحتمل الوطء إلا بالإفضاء لم يجز للزوج
وطؤها ولا يلزمها تمكينه ثم قال الغزالي إن كان سببه ضيق المنفذ

بحيث يخالف العادة فللزوج خيار الفسخ كالرتق وإن كان سببه كبر آلته بحيث يخالف العادة فلها الخيار كما في الجب والذي قاله الأصحاب إنه لا فسخ بذلك مطلقا بخلاف الجب والرتق فإنهما يمنعان الوطء مطلقا ويشبه أن يفصل فيقال إن كانت نحيفة لو وطئها الزوج لأفضاها لكن لو وطئها نحيف احتملته فلا فسخ وإن كان ضيق المنفذ بحيث يفضيها أي شخص وطئها فهذا كالرتق وينزل ما قاله الأصحاب على الأول وما قاله الغزالي على الثاني

فرع إذا التأم الجرح بعد الإفضاء سقطت الدية وعليه الحكومة إن بقي
أثر كما لو عاد ضوء العين وفي وجه لا تسقط كما لو التحمت الجائفة
فرع لو أفضى الخنثى المشكل قال في البيان إن قلنا الإفضاء رفع
بين منفذ البول ومدخل الذكر لم تجب الدية وإن قلنا رفع الحاجز بين القبل والدبر فوجهان ولو أزيلت البكارة من فرج المشكل وجبت حكومة جراحة ولا تعتبر البكارة لأنا لا نتحقق كونه فرجا
الثالث عشر البطش والمشي ففي كل واحد منهما كمال الدية فإذا ضرب يديه فشلتا لزمه الدية ولو ضرب أصبعه فشلت لزمه دية أصبع ولو ضرب صلبه فبطل مشيه ورجله سليمة وجبت الدية ولا تؤخذ الدية حتى تندمل فإن انجبر وعاد مشيه كما كان فلا دية وتجب الحكومة إن بقي أثر وكذا إن نقص مشيه بأن احتاج إلى

عصا أو صار يمشي محدودبا ولو كسر صلبه وشلت رجله قال المتولي يلزمه دية لفوات المشي وحكومة لكسر الظهر بخلاف ما إذا كانت الرجل سليمة لا يجب مع الدية حكومة لأن المشي منفعة في الرجل فإذا شلت الرجل ففوات المنفعة لشلل الرجل فأفرد كسر الصلب بحكومة أما إذا كانت سليمة ففوات المشي لخلل الصلب فلا يفرد بحكومة ويوافق هذا ما ذكره ابن الصباغ أنه لو كسر صلبه فشل ذكره تجب حكومة الكسر ودية الشلل الذكر وفي هذا تصريح بأن مجرد الكسر لا يوجب الدية وإنما تجب الدية إذا فات به المشي أو الماء أو الجماع كما سبق وإذا ادعى ذهاب المشي فكذبه الجاني امتحن بأن يقصد بالسيف في غفلته فإن تحرك ومشى علمنا كذبه وإلا فيحلف ويأخذ الدية ولو أذهب كسر الصلب مشيه ومنيه أو مشيه وجماعه وجبت ديتان على الأصح وقيل دية

فصل قد ذكرنا الديات في الجروح والأعضاء والمنافع مفصلة فيجوز أن تجتمع
النفس بل تندمل وهذا بيان الديات
الأذنان أو إبطال إحساسهما العينان أو البصر الأجفان المارن الشفتان اللسان أو النطق الأسنان اللحيان اليدان الرجلان الذكر الأنثيان أو الحلمتان والشفران الأليان العقل السمع الشم الصوت الذوق المضغ الإمناء أو الإحبال إبطال لذة الجماع إبطال لذة الطعام الإفضاء في المرأة البطش المشي وقد يضاف إليها المواضح وسائر الشجات والجوائف والحكومات فيجتمع شىء كثير لا ينحصر فإذا اندملت هذه الجراحات وجب جميع هذه الديات وإن سرت فمات

منها وجب دية واحدة بلا خلاف ولو عاد الجاني فحز رقبة المجروح
أو قده نصفين فإن كان ذلك بعد الاندمال وجبت دية الأطراف ودية النفس لاستقرار دية الأطراف بالاندمال وإن كان قبل الاندمال فوجهان الأصح المنصوص أنه لا يجب إلا دية النفس كالسراية والثاني خرجه ابن سريج وبه قال الإصطخري واختاره الإمام تجب ديات الأطراف مع دية النفس هذا إذا اتفقت الجناية على النفس والأطراف في العمد أو الخطإ فأما إذا كانت إحداهما عمدا والأخرى خطأ وقلنا بالتداخل عند الاتفاق فهنا وجهان أحدهما التداخل أيضا وأصحهما لا لاختلافهما واختلاف من يجنيان عليه فلو قطع يده خطأ ثم حز رقبته قبل الاندمال عمدا فللولي قتله قصاصا وليس له قطع يده فإن قتله قصاصا فإن قلنا بالتداخل وجعلنا الحكم للنفس فلا شىء له من الدية وإن قلنا لا تداخل أخذ نصف الدية من العاقلة لليد وإن عفا عن القصاص فإن قلنا بالتداخل فوجهان أحدهما يجب دية نصفها مخففة على العاقلة ونصفها مغلظة على الجاني وينسب هذا إلى النص وأصحهما وبه قطع البغوي يجب دية مغلظة على الجاني لأن معنى التداخل إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس لمصير الجناية نفسا وإن قلنا لا تداخل وجب نصف دية مخففة على العاقلة ودية مغلظة عليه وإن قطع يده عمدا ثم حز رقبته خطأ قبل الاندمال فللولي قطع يده وإذا قطعها إن قلنا بالتداخل فله نصف الدية المخففة لأنه أخذ بالقطع نصف بدل النفس وإن قلنا لا تداخل فله كمال الدية المخففة وإن عفا عن القطع فإن قلنا بالتداخل فعلى الوجهين على النص يجب نصف دية مخففة ونصف مغلظة لليد وعلى الآخر دية مخففة للنفس قال الإمام ولو قطع يديه ورجليه أو أصبعه عمدا ثم حز رقبته قبل الاندمال خطأ أو بالعكس وقلنا تراعى صفة

الجنايتين على القول بالتداخل تنصفت تخفيفا وتغليظا ولا نظر إلى أقدار أروش الأطراف لأن الحكم بالتداخل مبني على أن الحز بعد قطع الأطراف كسراية الأطراف فكان الحز مع الجراحات السابقة كجراحات مؤثرة في الزهوق انقسمت عمدا وخطأ وحينئذ تتنصف الدية تخفيفا وتغليظا ولا نظر إلى أقدار الأروش

الباب الثالث في بيان الحكومات
والجناية على الرقيق فيه طرفان الأول في الحكومة وهي جزء من الدية نسبته إليها نسبة ما تقتضيه الجناية من قيمة المجني عليه على تقدير تقويمه رقيقا فيقوم المجني عليه بصفاته التي هو عليها لو كان عبدا وينظر كم نقصت الجناية من قيمته فإن قوم بعشرة دون الجناية وبتسعة بعد الجناية فالتفاوت العشر فيجب عشر دية النفس وقيل عشر دية العضو الذي جني عليه والصواب الأول وبه قطع الجمهور وتكون الحكومة من جنس الإبل ثم إن كانت الجناية على عضو له أرش مقدر نظر إن لم تبلغ الحكومة أرش ذلك العضو وجبت بكمالها وإن بلغته نقص الحاكم شيئا منه بالاجتهاد قال الإمام ولا يكفي حط أقل ما يتمول فحكومة الأنملة العليا بجرحها أو قلع ظفرها ينقص عن أرش الأنملة والجناية على الأصبع إذا أتت على طولها لا تبلغ حكومتها أرش الأصبع وعلى الرأس لا تبلغ حكومتها أرش الموضحة وعلى البطن لا تبلغ أرش الجائفة وحكومة جرح الكف لا تبلغ دية الأصابع الخمس وكذا حكومة قطع الكف التي لا أصبع عليها وكذا حكم القدم وهل يجوز أن تبلغ حكومة الكف دية أصبع وجهان أصحهما نعم لأن منفعتها دفعا واحتواء تزيد على منفعة أصبع وكما

أن دية اليد الشلاء لا تبلغ دية اليد ويجوز أن تبلغ دية أصبع وأن تزيد عليها أما إذا كانت الجراحة على عضو ليس له أرش مقدر كالظهر والكتف والفخذ فيجوز أن تبلغ حكومتها دية عضو مقدر كاليد والرجل وأن تزاد عليه وإنما تنقص عن دية النفس وعد المتولي والبغوي من هذا القبيل الساعد والعضد فيجوز أن تبلغ حكومة جرح أحدهما دية الأصابع الخمس وأن يزاد عليها وسوى الغزالي بينهما وبين الكف والأول أصح فإن الكف هي التي تتبع الأصابع دون الساعد والعضد

فصل إنما يقوم لمعرفة الحكومة بعد اندمال الجراحة ونقصان القيمة حينئذ
أو أثر قبيح أو شين من سواد وغيره فلو اندملت الجراحة ولم يبق نقص في منفعة ولا في جمال ولم تنقص القيمة فوجهان أحدهما وينسب إلى ابن سريج لا شىء عليه سوى التعزير كما لو لطمه أو ضربه بمثقل فزال الألم ولم ينقص منفعة ولا جمال وأصحهما عند الأكثرين وبه قال أبو إسحق وهو ظاهر النص أنه لا بد من وجوب شىء فعلى هذا وجهان أحدهما يقدر الحاكم شيئا باجتهاده بأن ينظر إلى خفة الجناية وفحشها في المنظر سعة أو غوصا وقدر الآلام المتولدة وأصحهما أنه ينظر إلى ما قبل الاندمال من الأحوال التي تؤثر في نقص القيمة ويعتبر أقربها إلى الاندمال فإن لم يظهر نقص إلا في حال سيلان الدم ترقبنا واعتبرنا القيمة والجراحة السائلة فإن فرضت الجراحة خفيفة لا تؤثر في تلك الحالة أيضا ففي الوسيط أنا نلحقها باللطم والضرب للضرورة وفي التتمة أن الحاكم يوجب شيئا بالاجتهاد ولو قطع أصبعا أو سنا زائدة أو أتلف لحية امرأة وأفسد منبتها ولم تنقص القيمة بذلك وربما زادت

لزوال الشين فهل يجب شىء فيه الوجهان في أصل المسألة فإن أوجبنا فهو الأصح فقيل يجتهد الحاكم فيه والأصح أنه يعتبر في قطع الأصبع الزائدة أقرب أحوال النقص من الاندمال كما سبق وفي السن يقوم وله سن زائدة نابتة فوق الأسنان ولا أصلية خلفها ثم يقوم مقلوع تلك الزائدة ويظهر التفاوت لأن الزائدة تسد الفرجة ويحصل بها نوع جمال وفي لحية المرأة تقدر كونها لحية عبد كبير يتزين باللحية ولو قطع أنملة لها شعبتان أصلية وزائدة قدر الحاكم للزائدة شيئا بالاجتهاد ولو ضربه بسوط أو غيره أو لطمه ولم يظهر أثر لم يتعلق به ضمان فإن اسود أو اخضر وبقي الأثر بعد الاندمال وجبت الحكومة فإن زال الأثر بعد أخذ الحكومة وجب ردها وضبطت هذه الصور بأن قيل إذا بقي أثر الجناية من ضعف أو شين وجبت الحكومة وإن لم يبق أثر والجناية ضرب ونحوه فلا شىء وإن كانت جرحا فوجهان

فرع كسر عظما في غير الرأس والوجه وعاد بعد الكسر مستقيما فإن
فيه ضعف وخلل وهو الغالب وجبت الحكومة وإلا فعلى الوجهين وإذا كان مع الضعف اعوجاج كانت الحكومة أكثر وليس للجاني كسره ثانيا ليجبر مستقيما ولو فعل لم تسقط الحكومة الأولى وتجب للكسر الثاني حكومة أخرى لأنها جناية جديدة
فرع إزالة الشعور من الرأس وغيره بحلق أو غيره من غير إفساد
لا يجب بها حكومة أصلا بلا خلاف لأن الشعر يعود


فصل إذا كان للجراحة أرش مقدر كالموضحة فالشين حواليها يتبعها ولا يفرد
الشين حتى انتهى إلى القفا فوجهان لتعديه محل الإيضاح وهل المتلاحمة كالموضحة في استتباع الشين إذا قدرنا أرشها بالنسبة إلى الموضحة وجهان أصحهما نعم وإن لم يكن للجراحة أرش مقدر فقد سبق أن ما دون الموضحة من جراحات الرأس إذا أمكن تقديرها موضحة على الرأس يجب فيها أكثر الأمرين من قسط أرش الموضحة والحكومة على قول الأكثرين والجراحات على البدن إن أمكن تقديرها بالجائفة بأن كان بقربها جائفة هل تقدر بها كالتقدير بالموضحة أم الواجب فيها الحكومة لا غير وجهان أرجحهما الأول وإذا عرف ذلك فإن قدرت الجراحة بالنسبة إلى جراحة مقدرة الأرش وأوجبنا ما يقتضيه التقسيط لكونه أكثر من الحكومة فالشين تابع له لا يفرد بحكومة كالموضحة وإن كانت الحكومة أكثر فأوجبناها فقد وفينا حق الشين
فرع أوضح جبينه وأزال حاجبه فعليه الأكثر من أرش الموضحة وحكومة

الطرف الثاني في الجناية على الرقيق قد سبق أن الواجب بقتل الرقيق قيمته بالغة ما بلغت يستوي فيه القن والمدبر والمكاتب وأم الولد وأما الجناية عليه فيما دون النفس فينظر إن كانت مما يوجب في الحر بدلا مقدرا كالموضحة وقطع الأطراف فقولان أظهرهما أن الواجب فيها جزء من القيمة نسبته إلى القيمة كنسبة الواجب في

الحر إلى الدية والثاني الواجب ما نقص من قيمته ومن الأصحاب من أنكر القول الثاني وقطع بالأول والجمهور على إثباتهما ثم منهم من يقول الأول منصوص والثاني خرجه ابن سريج من قوله لا تحمل العاقلة عبدا فإنه جعله كالبهيمة ومنهم من يقول هما منصوصان الأول جديد والثاني قديم وإن كانت الجناية لا توجب مقدرا في الحر فواجبها في العبد ما نقص من القيمة بلا خلاف
إذا عرف هذا فعلى الأظهر في يد العبد نصف قيمته وفي يديه قيمته وفي أصبعه عشرها وفي أنملته ثلث عشرها وفي موضحته نصف عشرها وعلى هذا القياس
ولو قطع ذكره وأنثييه فعليه قيمتان وعلى القول الآخر الواجب فيها كلها ما نقص فإن لم تنقص القيمة بقطع الذكر والأنثيين أو زادت فوجهان أصحهما لا يجب شىء والثاني تجب حكومة يقدرها الحاكم بالاجتهاد أو يعتبر بما قبل الاندمال كالوجهين فيما إذا اندملت الجراحة ولم يبق شين ولا أثر ومنهم من قطع بالوجه الأول ولو قطع يد عبد قيمته ألف فعادت إلى مائتين فعلى الأظهر يجب خمسمائة وعلى القديم ثمانمائة ولو عادت إلى ثمانمائة وجب على الأظهر خمسمائة وعلى القديم مائتان ولو جنى على العبد اثنان فقطع أحدهما يده والآخر يده الأخرى نظر إن وقعت الجنايتان معا فعليهما قيمته وإن تعاقبتا وكانت القيمة عند قطع الثاني ناقصة بسبب القطع الأول فإن مات منهما ففي الواجب عليهما أوجه سبقت في كتاب الصيد والذبائح وإن وقف القطعان نظر إن كان قطع الثاني بعد اندمال الأول لزم كل واحد منهما نصف قيمته قبل جنايته فإن كانت قيمته ألفا فصارت بالقطع الأول ثمانمائة وبالثاني ستمائة لزم الأول خمسمائة والثاني أربعمائة وإن قطع الثاني قبل الاندمال الأول لزم الثاني نصف ما أوجبنا

على الأول وهو مائتان وخمسون لأن الجناية الأولى لم تستقر وقد أوجبنا نصف القيمة فكأنه انتقص نصف القيمة فلو قطع الواحد يدي العبد ولم يسر فالحكم كما لو قطعه اثنان هذا كله تفريع على الأظهر وعلى الثاني يلزم كل قاطع ما نقص بجنايته وإذا قطعت أطراف عبد ثم حز رقبته لزمه قيمة العبد ذاهب الأطراف وبالله التوفيق

الباب الرابع في موجب الدية
وحكم السحر فيه خمسة أطراف الأول السبب والواجب في إهلاك النفس وما دونها كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبب وقد سبق أن مراتب الشىء الذي له أثر في الهلاك ثلاث وهي العلة والسبب والشرط وضابطه أن يقال ما يحصل الهلاك عنده أو عقبه إن كان هو المؤثر في الهلاك فهو علة للهلاك وتتعلق به الدية لا محالة وإن لم يكن هو المؤثر فإن توقف تأثير المؤثر عليه كالحفر مع التردي تعلقت به الدية أيضا وإن لم يتوقف لم تتعلق به الدية بل الموت عنده اتفاقي ثم فيه مسائل إحداها صفعه صفعة خفيفة فمات فلا ضمان للعلم بأنه لا أثر لها في الهلاك الثانية صاح على صبي غير مميز على طرف سطح أو بئر أو نهر فارتعد وسقط ومات منه وجبت الدية قطعا ولا قصاص على الأصح وقيل الأظهر ومن أوجب يدعي أن التأثر به غالب ولو كان الصبي على وجه الأرض فمات من الصيحة فقيل هو كالسقوط من سطح والأصح أنه لا ضمان لأن الموت به في غاية البعد ولو صاح على بالغ على طرف سطح ونحوه فسقط ومات فلا قصاص وفي الضمان أوجه أصحها لا يجب والثاني يجب والثالث إن غافصه من

ورائه وجب وإن صاح به من وجهه فلا ولو صاح على صغير فزال عقله وجب الضمان وإن كان بالغا فعلى الأوجه الثلاثة والمجنون والمعتوه والذي تعتريه الوساوس والنائم والمرأة الضعيفة كالصبي الذي لا يميز والمراهق المتيقظ كالبالغ وشهر السلاح والتهديد الشديد كالصياح ولو صاح على صيد فاضطرب منه الصبي على طرف السطح وسقط وجب الضمان لكن الدية والحالة هذه تكون مخففة على العاقلة وفيما إذا قصد الصبي نفسه تكون مغلظة على العاقلة وقياس من يوجب القصاص أن تجب مغلظة على الجاني وعن صاحب التلخيص أن الصائح إن كان محرما أو في الحرم تعلق بصيحته الضمان لتعديه وإلا فلا وذكر على قياسه أنه لو صاح على صبي في ملكه لم يجب الضمان تشبيها بما لو حفر بئرا في ملكه فسقط فيها رجل والأصح أنه لا فرق

فرع إذا بعث السلطان إلى امرأة ذكرت عنده بسوء وأمر بإحضارها فأجهضت
جنينا فزعا منه وجب ضمان الجنين ولو كذب رجل فأمرها على لسان الإمام بالحضور فأجهضت فالضمان على عاقلة الرجل ولو هددها غير الإمام حاملا وأجهضت فزعا فليكن كالإمام لأن إكراهه كإكراه الإمام ولو ماتت الحامل المبعوث إليها أو بعث الإمام إلى رجل ذكر بسوء وهدده ومات فلا ضمان على الصحيح لأنه لا يفضي إلى الموت وفي النهاية أنه يجب
فرع لو فزع إنسانا فأحدث في ثيابه فأفسدها فلا ضمان

الطرف الثاني فيما يغلب إذا اجتمعت العلة والسبب أو الشرط

فحفر البئر شرط أو سبب والتردي علة فإذا اجتمعا نظر إن كانت العلة عدوانا بأن حفر بئرا فردى فيها غيره إنسانا فالقصاص والضمان يتعلقان بالتردية ولا اعتبار بالحفر معها وإن لم تكن العلة عدوانا بأن تخطى شخص الموضع جاهلا فتردى فيها وهلك فإن كان الحفر عدوانا تعلق الضمان به وإلا فلا ضمان

فرع وضع صبيا في مسبعة فافترسه سبع نظر إن كان يقدر على
والانتقال عن موضع الهلاك فلم يفعل فلا ضمان على الواضع كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات وإن كان لا يقدر على الانتقال فلا ضمان أيضا على الأصح وبه قطع الأكثرون لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يوجد منه ما يلجىء السبع إليه فإن كان الموضوع بالغا فلا ضمان قطعا ويشبه أن يقال الحكم منوط بالقوة والضعف لا بالصغر والكبر
فرع لو اتبع إنسانا بسيف فولى المطلوب هاربا فألقى نفسه في نار
أو ماء أو من شاهق أو من سطح عال أو في بئر فهلك فلا ضمان لأنه باشر إهلاك نفسه قصدا والمباشرة مقدمة على السبب فلو لم يعلم بالمهلك فوقع من غير قصد في النار أو الماء أو من الشاهق والسطح بأن كان أعمى أو في ظلمة الليل أو في موضع مظلم أو في بئر مغطاة وجب على المتبع الضمان ولو استقبله سبع في طريقه فافترسه أو لص فقتله فلا ضمان على المتبع بصيرا كان المطلوب أو أعمى لأنه لم يوجد من المتبع إهلاك ومباشرة السبع العارضة

كعروض القتل على إمساك الممسك لكن لو ألجأه إليه في مضيق وجب الضمان على المتبع ولو انخسف به سقف في هربه وجب الضمان على الأصح المنصوص وهو الذي أورده العراقيون ولو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف به لثقله فهو كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار وما ذكرناه من سقوط الضمان عن التبع إذا ألقى المطلوب نفسه في ماء أو نار أو من سطح قصدا أردنا به العاقل البالغ أما إذا كان المطلوب صبيا أو مجنونا فيبنى على أن عمدهما عمد أم خطأ إن قلنا خطأ ضمن وإلا فلا

فرع سلم صبي إلى سباح ليعلمه السباحة فغرق وجبت فيه دية شبه
على الصحيح كما لو ضرب المعلم الصبي للتأديب فهلك وقيل لا ضمان كما لو وضعه في مسبعة ويجري الخلاف فيما لو كان الولي يعلمه السباحة بنفسه فغرق ولو أدخله الماء ليعبره به فالحكم كما لو ختنه أو قطع يده من أكلة فمات منه كذا ذكره المتولي ولو سلم بالغ نفسه ليعلمه السباحة ففي الوسيط أنه إن خاض معه اعتمادا على يده فأهمله احتمل أن يجب الضمان والذي ذكره العراقيون والبغوي أنه لا ضمان لأنه مستقل وعليه أن يحتاط لنفسه ولا يغتر بقول السباح
فصل في بيان الحفر الذي هو في محل عدوان وغيره والحفر يقع
أحدها إذا حفر في ملك نفسه فلا عدوان فلو دخل ملكه داخل بإذنه وتردى فيه لم يجب ضمانه إذا عرفه المالك أن هناك بئرا أو كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز فأما إذا لم

يعرفه والداخل أعمى أو الموضع مظلم ففي التتمة أنه كما لو دعاه لطعام مسموم فأكله ولو حفر بئرا في دهليز داره ودعا إليها رجلا فتردى فيها ففي الضمان قولان سبقا في أول الجنايات أظهرهما الوجوب وقيل إن كان الطريق واسعا وعن البئر معدل فقولان وإن كان ضيقا فقولان مرتبان وأولى الوجوب وعلى هذا قياس تقديم الطعام المسموم وأطعمة فيها طعام مسموم
الموضوع الثاني إذا حفر في موات للتملك أو للارتفاق بالاستقاء منها فلا ضمان لأنه جائز كالحفر في ملكه
وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح البئر جبار
الثالث إذا حفر في ملك غيره نظر إن حفر بإذن المالك فهو كحفره في ملكه وإن حفر بغير إذنه تعلق به الضمان لكونه عدوانا وتكون الدية على العاقلة ولو هلك به دابة أو مال آخر وجب الضمان في ماله وهل يجعل رضى المالك ببقاء البئر المحفورة كرضاه بالحفر وجهان سبقا في الغصب أصحهما نعم ولو كان الحافر عبدا فالضمان يتعلق برقبته فلو أعتقه السيد فضمان من يتردى بعد العتق يتعلق بالعتيق ولو حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذن الشريك تعلق به الضمان أيضا لأنه لا يجوز الحفر في المشترك وإذا حفر في ملك الغير متعديا ودخله رجل بغير إذن فتردى فيها ففي تعلق الضمان بالحافر وجهان قال في البيان لو قال المالك حفر بإذني لم يصدق
الرابع إذا حفر في شارع نظر إن كان ضيقا يتضرر الناس بالبئر فيه وجب ضمان ما هلك بها سواء أذن الإمام أم لا وليس للإمام الإذن فيما يضر وإن كان لا يتضرر بها لسعة الشارع أو انعطاف موضع البئر نظر إن كان الحفر لمصلحة عامة كالحفر

للاستقاء أو لاجتماع ماء المطر فإن أذن فيه الوالي فلا ضمان وإلا فالأظهر الجديد أنه لا ضمان وأشار في القديم إلى وجوبه وإن حفر لغرض نفسه فإن كان بغير إذن الإمام ضمن وإلا فلا على الأصح وبه قطع العراقيون والمتولي والروياني وهذا جار على ما سبق في إحياء الموات أن الأصح الذي عليه الأكثرون أنه يجوز أن يقطع الإمام من الشوارع ما لا ضرر فيه وأن للمقطع أن يبني فيه

فرع الحفر في المسجد كالحفر في الشارع فلو بنى مسجدا في شارع
يتضرر به المارون جاز فلو تعثر به إنسان أو بهيمة أو سقط جداره على إنسان أو مال فأهلكه فلا ضمان إن كان بإذن الإمام وكذا إن لم يكن بإذنه على الأظهر الجديد ولو بنى سقف مسجد أو نصب فيه عمادا أو طين جداره أو علق فيه قنديلا فسقط على إنسان أو مال فأهلكه أو فرش فيه حصيرا أو حشيشا فزلق به إنسان فهلك أو دخلت شوكة منه في عينه فذهب بها بصره فإن جرى ذلك بإذن الإمام أو متولي أمر المسجد فلا ضمان وإلا فلا ضمان أيضا على الجديد الأظهر ونقل البغوي عن أبي إسحق أنه إن لم يأذن أهل المحلة ضمن
قلت قال البغوي ومثل هذا لو وضع دنا على بابه ليشرب الناس منه فإن وضعه بإذن الإمام لم يضمن ما تلف به وإلا فوجهان يعني أصحهما لا ضمان بخلاف ما لو بنى دكة على باب داره فهلك بها شىء فإنه يضمن لأنه فعله لمصلحة نفسه
والله أعلم
فصل في مسائل تتعلق بالتصرف في الشارع وفي ملك نفسه والقول

في الشارع سبق بعضه في الصلح وفي إحياء الموات ويذكر هنا بقيته إن شاء الله تعالى
المسألة الأولى لا يجوز إشراع الأجنحة التي تضر بالمارة إلى الشارع فلو فعل منع وما يتولد منه من هلاك يكون مضمونا فإن كان الجناح عاليا غير مضر فلا منع من إشراعه وكذا بناء الساباط العالي لكن لو تولد منه هلاك إنسان فهو مضمون بالدية على العاقلة وإن هلك به مال وجب الضمان في ماله ولم يفرقوا بين أن يأذن الإمام أم لا ولو أشرع جناحا إلى درب منسد بغير إذن أهله ضمن المتولد منه وبإذن أهله لا ضمان كالحفر في دار الغير بإذنه
الثانية يتصرف كل واحد في ملكه بالمعروف ولا ضمان فيما يتولد منه بشرط جريانه على العادة واجتناب الإسراف فلو وضع حجرا في ملكه أو نصب شبكة أو سكينا وتعثر به إنسان فهلك أو على طرف سطحه فوقع على شخص أو على مال أو وضع عليه جرة ماء فألقتها الريح أو ابتل موضعها فسقطت فلا ضمان وكذا لو وقف دابة في ملكه فرفست إنسانا أو بالت فأفسدت به ثوبا أو غيره مما هو خارج الملك أو كان يكسر الحطب في ملكه فأصاب شىء منه عين إنسان فأبطل ضوءها فلا ضمان وكذا لو حفر بئرا في ملكه فتندى جدار جاره فانهدم أو غار ماء بئره أو حفر بالوعة فتغير ماء بئر الجار فلا شىء عليه لأن الملاك لا يستغنون عن مثل هذا بخلاف الإشراع إلى الشارع فإنه يستغنى عنه ولو قصر فخالف العادة في سعة البئر ضمن فإنه إهلاك وليكن كذلك إذا قرب الحفر من الجدار على خلاف العادة ويمنع من وضع السرجين في أصل حائط الجار ولو أوقد نارا في ملكه أو على سطحه فطار الشرر إلى ملك الغير فلا ضمان إلا أن

يخالف العادة في قدر النار الموقدة أو يوقد في يوم ريح عاصفة فيكون ذلك كطرح النار في دار غيره فيضمن فإن عصفت الريح بغتة بعدما أوقد فهو معذور ولو سقى أرضه فخرج الماء من جحر فأرة أو شق فدخل أرض غيره فأفسده زرعه فلا ضمان إلا أن يخالف العادة في قدر الماء أو كان عالما بالجحر أو الشق فلم يحتط
ولو حفر البئر في أرض خوارة ولم يطوها ومثلها تنهار إذا لم تطو كان مقصرا كما ذكرنا في سعة البئر ولا بد من هذا الاحتياط حيث جوزنا حفر البئر في الشارع
الثالثة يجوز إخراج الميزاب إلى الشارع وليكن عاليا كالجناح فلو سقط منه شىء فهلك به إنسان أو مال فقولان القديم لا ضمان والجديد الأظهر يضمن فعلى هذا إن كان الميزاب كله خارجا بأن سمر عليه تعلق به جميع الضمان وإن كان بعضه في الجدار وبعضه خارجا فإن انكسر فسقط الخارج أو بعضه تعلق به جميع الضمان أيضا وإن انقلع من أصله فوجهان أو قولان أصحهما يجب نصف الضمان والثاني يجب بقسط الخارج ويكون التقسيط بالوزن وقيل بالمساحة وسواء أصابه الطرف الداخل أو الخارج لأن الهلاك يحصل بثقل الجميع والحكم في كيفية التضمين إذا حصل الهلاك بجناح مشروع إما بالخارج منه وإما بالخارج والداخل جميعا كما ذكرنا في الميزاب بلا فرق


فرع ذكر البغوي أنه لو رش ماء الميزاب على ثوب إنسان ضمن

الرابعة الجدار الملاصق للشارع إن بناه صاحبه مستويا فسقط من غير ميل ولا استهدام وتولد منه هلاك فلا ضمان ولو بناه مائلا إلى ملكه أو مال إليه بعد البناء وسقط فلا ضمان أيضا وإن بناه مائلا إلى الشارع وجب ضمان ما تولد من سقوطه وإن بناه مستويا ثم مال إلى الشارع وسقط فإن لم يتمكن من هدمه وإصلاحه فلا ضمان قطعا وكذا إن تمكن على الأصح عند الجمهور ويجري الوجهان فيما لو سقط إلى الشارع فلم يرفعه حتى هلك به إنسان أو مال
ولا فرق بين أن يطالبه الوالي أو غيره بالنقض وبين أن لا يطالب لأنه بنى في ملكه بلا ميل والهلاك حصل بغير فعله وإذا وجب ضمان في البناء المائل ابتداء أو دواما فلو مال بعضه نظر هل حصل التلف برأسه المائل أم بالباقي على الاستواء أم بالجميع ويكون حكمه كما ذكرنا في الميزاب
فرع إذا باع ناصب الميزاب أو باني الجدار المائل الدار لم يبرأ
من الضمان حتى لو سقط على إنسان فهلك به يجب الضمان على عاقلة البائع هكذا ذكره البغوي
فرع لو أراد الجار أن يبني جداره الخالص أو المشترك مائلا إلى
الجار فله المنع وإن مال فله المطالبة بالنقص كما إذا انتشرت

أغصان شجرته إلى هواء غيره فله المطالبة بإزالتها فلو تولد منه هلاك فالضمان على ما ذكرنا فيما إذا مال إلى الشارع

فرع لو استهدم الجدار ولم يمل قال الإصطخري لا يطالب بنقضه لأنه
لم يجاوز ملكه وفي التتمة وجه آخر أن للجار وللمارة المطالبة به لما يخاف من ضرره وأورد ابن الصباغ هذا احتمالا على الأول لا ضمان فيما تولد منه وعلى الثاني هو كما لو مال فلم ينقضه
الخامسة قمامة البيت وقشور البطيخ والرمان والباقلاء إذا طرحها في ملكه أو في موات فزلق بها إنسان فهلك أو تلف بها مال فلا ضمان وإن طرحها في الطريق فحصل بها تلف وجب الضمان على الصحيح وبه قطع الجمهور وقيل لا ضمان لاطراد العرف بالمسامحة به مع الحاجة وقيل إن ألقاها في متن الطريق ضمن وإن ألقاها في منعطف وطرف لا ينتهي إليه المارة غالبا فلا
قال الإمام والوجه القطع بالضمان بالإلقاء في متن الطريق وتخصيص الخلاف بالإلقاء على الطرف ولك أن تقول قد يوجد بين العمارات مواضع معدة للإلقاء فيها تسمى تلك المواضع السباطات والمزابل وتعد من المرافق المشتركة بين سكان البقعة فيشبه أن يقطع بنفي الضمان إذا كان الإلقاء فيها فإنه استيفاء منفعة مستحقة ويخص الخلاف بغيرها وإذا أوجبنا الضمان فذلك إذا كان المتعثر بها جاهلا أما إذا مشى عليها قصدا فلا ضمان كما لو نزل البئر فسقط
فرع لو رش الماء في الطريق فزلق به إنسان أو بهيمة
فإن رش

لمصلحة عامة كدفع الغبار عن المارة فليكن كحفر البئر للمصلحة العامة وإن كان لمصلحة نفسه وجب الضمان ويمكن أن يجيء فيه الوجه المذكور في طرح القشور ولو جاوز القدر المعتاد في الرش قال المتولي وجب الضمان قطعا كما لو بل الطين في الطريق فإنه يضمن ما تلف به

فرع لو بنى على باب داره دكة فتلف بها إنسان أو دابة
وكذا الطواف إذا وضع متاعه في الطريق فتلف به شىء لزمه الضمان بخلاف ما لو وضع على طرف حانوته فرع لو بالت دابته أو راثت فزلق به رجل أو دابة أو تطاير منه شىء إلى طعام إنسان فنجسه نظر إن كانت الدابة في ملكه فلا ضمان وإن كانت في الطريق أو ربطها في الطريق فأتلفت فحكمه سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر كتاب موجبات الضمان ولو مشى قصدا على موضع الرش أو البول فلا ضمان
السادسة أسند خشبه إلى جدار فسقط الجدار على شىء فأتلفه إن كان الجدار لغير المسند ولم يأذن له فعليه ضمان الجدار وما سقط عليه سواء سقط عقب الإسناد أم متأخرا عنه وإن كان الجدار للمسند أو لغيره وقد أذن له في الإسناد لم يجب ضمان الجدار وفي ضمان ما سقط عليه وجهان قال ابن القاص وأبو زيد

إن سقط في الحال ضمن كما لو أسقط جدارا على مال رجل وإن سقط بعد زمان لم يضمن كما لو حفر بئرا في ملكه وعن القفال أنه لا يضمن في الحالين كما لا يضمن ما سقط في البئر في الحالين فإن ضمناه إذا سقط في الحال فلم يسقط لكنه مال في الحال إلى الشارع ثم سقط بعد مدة وجب الضمان كما لو بنى الجدار مائلا لأنه مال بفعله بخلاف ما لو مال في الدوام بنفسه
السابعة نخس دابة أو ضربها مغافصة فقفزت ورمت راكبها فمات أو أتلفت مالا وجب الضمان قال البغوي فإن كان النخس بإذن المالك فالضمان عليه ولو غلبته دابته فاستقبلها رجل وردها فأتلفت في انصرافها فالضمان على الراد

فرع رجل حمل رجلا فجاء فقرص الحامل أو ضربه فتحرك فسقط المحمول
عن ظهره قال المتولي هو كما لو أكره الحامل على إلقائه عن ظهره
الطرف الثالث في اجتماع سببين
فمتى اجتمع سببا هلاك قدم الأول منهما لأنه المهلك إما بنفسه وإما بوساطة الثاني فأشبه التردية مع الحفر فإذا حفر بئرا في محل عدوان أو نصب سكينا ووضع آخر حجرا فتعثر بالحجر فوقع على مؤخر السكين أو في مقدم البئر فمات فالضمان يتعلق بواضع الحجر وقال أبو الفياض من أصحابنا يتعلق بناصب السكين إذا كانت قاطعة موحية والصحيح الأول وبه قطع الجمهور لأن التعثر بالحجر هو الذي ألجأه إلى الوقوع في البئر أو على السكين وكأنه أخذه فرداه وصار كما لو كان في يده سكين فألقى عليه رجل إنسانا وجب القصاص والضمان

على الملقي ولو أهوى إليه من في يده سكين ووجهه نحوه حين ألقاه الملقي كان القصاص على صاحب السكين هذا إذا كانا متعديين فلو حفر بئرا أو نصب سكينا في ملكه ووضع متعد حجرا فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر أو على السكين فالضمان أيضا على واضع الحجر ولو وضع حجرا في ملكه وحفر متعد هناك بئرا أو نصب سكينا فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر أو على السكين فالمنقول أنه يتعلق الضمان بالحافر وناصب السكين فإنه المتعدي وينبغي أن يقال لا يتعلق بالحافر والناصب ضمان كما سنذكره قريبا في مسألة السيل إن شاء الله تعالى ويدل عليه أن المتولي قال لو حفر بئرا في ملكه ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات فلا ضمان على واحد منهما

فرع حفر بئرا في محل عدوان وحصل حجر على طرف البئر بحمل
بوضع حربي أو سبع فعثر رجل بالحجر فوقع في البئر فهلك فلا ضمان على أحد كما لو ألقاه الحربي أو السبع في البئر وقيل يجب الضمان على عاقلة الحافر وهو ضعيف ولو حفر بئر عدوان ونصب آخر في أسفلها سكينا فالضمان على عاقلة الحافر على الصحيح وقيل على ناصب السكين
فرع حفر بئرا قريبة العمق فعمقها غيره فوجهان أحدهما يختص الأول بضمان
على الأذرع التي حفراها وجهان


قلت الأصح التنصيف كالجراحات
والله أعلم
ولو حفر بئرا وطمها فأخرج غيره ما طمت به فهل يتعلق ضمان التالف فيها بالأول لأنه المبتدىء أم بالثاني لانقطاع أثر الأول بالطم وجهان
قلت أصحهما الثاني
والله أعلم

فرع وضع زيد حجرا في طريق وآخران حجرا بجنبه فتعثر بهما إنسان
فالأصح تعلق الضمان بهم أثلاثا كالجراحات المختلفة وقيل يتعلق بزيد نصفه وبالآخرين نصفه
فصل وضع الحجر كحفر البئر يتعلق الضمان به إذا عثر به من
كما سبق فلو وضع حجرا في طريق فعثر به رجل ودحرجه ثم عثر به ثان فهلك فضمان الثاني يتعلق بالمدحرج لأن الحجر إنما حصل هناك بفعله
فرع من قعد في موضع أو نام أو وقف فعثر به ماش
نظر إن كان قعوده في ملكه ودخله الماشي بلا إذن فالماشي مهدر وعلى عاقلته دية القاعد والواقف وكذا لو قعد أو وقف في موات أو طريق واسع لا يتضرر به المارة وسواء كان القاعد أو الواقف بصيرا أو أعمى كما لو قتل شخصا أمكنه الدفع عن نفسه وإن قعد أو نام في طريق ضيق يتضرر به المارة فعثر به الماشي وماتا ففيه طرق المذهب منها وهو المنصوص أن دم القاعد والنائم مهدر

وعلى عاقلتهما دية الماشي وأنه إذا عثر بالواقف كان دم الماشي مهدرا وعلى عاقلته دية الواقف لأن الإنسان قد يحتاج إلى الوقوف لكلال أو انتظار رفيق أو سماع كلام فالوقوف من مرافق الطريق كالمشي لكن الهلاك حصل بحركة الماشي فخص بالضمان والقعود والنوم ليسا من مرافق الطريق فمن فعلهما فقد تعدى وعرض نفسه للهلاك والثاني وجوب دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر مطلقا والثالث يهدر دم القاعد والنائم والواقف وتجب دية الماشي على عاقلتهم والرابع يهدر دم الماشي وتجب دية هؤلاء على عاقلته لأن القتل حصل بحركته كما لو تردد الأعمى في الطريق بلا قائد فأتلف يلزمه الضمان هذا كله إذا لم يوجد من الواقف فعل فإن وجدنا بأن انحرف إلى الماشي لما قرب منه فأصابه في انحرافه فماتا فهما كماشيين اصطدما وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى
ولو انحرف عنه فأصابه في انحرافه أو انصرف إليه فأصابه بعد تمام انحرافه فالحكم كما لو كان واقفا لا يتحرك ولو جلس في مسجد فعثر به إنسان وماتا فعلى عاقلة الماشي دية الجالس ويهدر دم الماشي كما لو جلس في ملكه فعثر به ماش ولو نام في المسجد معتكفا فكذلك ولو جلس لأمر ينزه المسجد عنه أو نام غير معتكف فهو كما لو نام في الطريق هكذا ذكره البغوي

فرع حيث أطلق الضمان في هذه الصور وما قبلها وقيل إنه على
أو واضع الحجر أو القاعد وناصب الميزاب والجناح وملقي القمامة وقشر البطيخ ونحوهم فالمراد أنه يتعلق الضمان بهم ومعناه أنه يجب على عاقلتهم


فصل وقع في البئر واحد خلف واحد فهلكوا أو هلك بعضهم فله

الأولى أن يقع الثاني بغير جذب الأول فإن مات الأول فالثاني ضامن فإن تعمد إلقاء نفسه عليه ومثله يقتل مثله غالبا لضخامته وعمق البئر وضيقها لزمه القصاص وإن تعمده لكنه لا يقتل غالبا فهو شبه عمد وإن لم يتعمد ووقع في البئر بغير اختياره أو لم يعلم وقوع الأول فهو خطأ محض ثم أطلق مطلقون أنه إذا آل الأمر إلى المال وجبت دية كاملة وقال آخرون إنما على الثاني نصف الدية لأن الأول مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه ويكون النصف الآخر على الحافر إن كان الحفر عدوانا وإلا فمهدر وهذا أصح عند المتولي وغيره لكن لو نزل الأول إلى البئر ولم ينصدم فوقع عليه الثاني تعلق بوقوعه كل الدية وأما إذا مات الثاني فإن تعمد إلقاء النفس فيها أو لم يكن الحفر عدوانا فهو هدر وإلا تعلق الضمان بعاقلة الحافر وإن ماتا معا فالحكم في حق كل واحد ما ذكرنا ولو تردى في البئر ثلاثة واحد بعد واحد فوجهان أحدهما تجب دية الأول على عاقلة الثاني والثالث قاله الشيخ أبو حامد والثاني يجب على عاقلتهما ثلثا الدية والثلث الباقي على عاقلة الحافر إن كان متعديا وإلا فهو هدر قاله القاضي أبو الطيب واختاره ابن الصباغ
الحالة الثانية أن يقع الثاني في البئر بجذب الأول فإذا تزلق على طرف بئر فجذب غيره ووقع في البئر ووقع الثاني فوقه فماتا فالثاني هلك بجذب الأول فكأنه أخذه وألقاه في البئر إلا أنه قصد

الاستمساك والتحرز عن الوقوع فكان مخطئا فيجب ضمان الثاني على عاقلة الأول وأما الأول فإن كان الحفر عدوانا فوجهان أحدهما يحكى عن الخضري أنه مهدر وأصحهما تجب نصف ديته على عاقلة الحافر ويهدر النصف لأنه مات بسببين صدمة البئر وثقل الثاني منسوب إليه وإن لم يكن الحفر عدوانا فالأول مهدر بلا خلاف وليحمل على هذه الحالة إطلاق من أطلق إهدار الأول وقد أطلقه كثيرون
ولو كانت الصورة كما ذكرنا وجذب الثاني ثالثا وماتوا جميعا فأما الأول ففيه وجهان أحدهما تهدر نصف ديته لجذبه الثاني ويجب نصفها على عاقلة الثاني لجذبه الثالث وهذا تفريع على أنه لا أثر للحفر مع الجذب وأصحهما أنه مات بثلاثة أسباب صدمة البئر وثقل الثاني والثالث فهدر ثلث الدية لجذبه الثاني ثم ينظر إن كان الحفر عدوانا وجب ثلثها على عاقلة الحافر وثلثها على عاقلة الثاني بجذبه الثالث وإن لم يكن الحفر عدوانا أهدر ثلث آخر ووجب ثلث على عاقلة الثاني وقال ابن الحداد مات بالوقوع في البئر وبجذبة الثاني فيهدر نصف دية ويجب نصفها على عاقلة الحافر وأعرض عن تأثره بثقل الثالث وهذا ضعيف عند الأصحاب وأما الثاني فمات بجذب الأول وبثقل الثالث وثقل الثالث حصل بفعله فيهدر نصف ويجب نصف على عاقلة الأول وأما الثالث فتجب جميع ديته على الثاني على الأصح وقيل على الأول والثاني والمراد عاقلتهما ولو كانت الصورة بحالها وجذب الثالث رابعا وماتوا وجب جميع دية الرابع بلا خلاف وهل تتعلق بالثالث وحده أم بالثلاثة وجهان أصحهما الأول
وأما ديات الثلاثة ففيها أوجه أصحها أن الأول مات بأربعة أسباب صدمة البئر وثقل الثلاثة فيهدر ربع ديته لجذبه الثاني

ويجب الربع على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدوانا وإن لم يكن عدوانا أهدر أيضا ويجب ربع على عاقلة الثاني وربع على عاقلة الثالث وأما الثاني فلا أثر للحفر في حقه وقد مات بجذب الأول وثقل الثالث والرابع فيهدر ثلث ديته ويجب ثلثها على عاقلة الأول وثلثها على عاقلة الثالث وأما الثالث فمات بجذب الثاني وثقل الرابع فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الثاني والوجه الثاني لا يجب للأول شىء لأنه باشر قتل نفسه بجذب الثاني وما تولد منه وأما الثاني فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الأول وأما الثالث فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الثاني ومقتضى هذا الوجه أن لا يجب للأول في صورة الثلاثة شىء أصلا وإن لم يذكروه هناك والوجه الثالث أنه تجعل دية الثلاثة أثلاثا فيهدر ثلث دية كل واحد ويجب الثلثان من دية الأول على عاقلتي الثاني والثالث والثلثان من دية الثاني على عاقلتي الأول والثالث والثلثان من دية الثالث على عاقلتي الأول والثاني والوجه الرابع حكاه المتولي يجب للأول ربع الدية إن كان الحافر متعديا وللثاني الثلث وللثالث النصف للقصة المروية من قضاء علي رضي الله عنه بهذا وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم لذلك لكنه حديث ضعيف وجميع ما ذكرناه إذا وقع الثلاثة أو الأربعة بعضهم فوق بعض أما إذا كانت البئر واسعة وجذب بعضهم بعضا لكن وقع كل واحد في ناحية فدية كل مجذوب على عاقلة جاذبه ودية الأول على عاقلة الحافر إن كان متعديا ومن وجبت في هذه الصور دية بعضهم أو بعضها على عاقلته لزمه الكفارة في ماله ويقع النظر في أنها هل تتجزأ ومن أهدر دمه أو شىء منه لفعله ففي وجوب الكفارة عليه الخلاف في أن قاتل نفسه هل عليه كفارة


الطرف الرابع في اجتماع سببين متقاومين وفيه مسائل إحداها إذا اصطدم حران ماشيان فوقعا وماتا فكل واحد مات بفعله وفعل صاحبه فهو شريك في القتلين ففعله هدر في حق نفسه مضمون في حق صاحبه فالصحيح أن في تركة كل واحد منهما كفارتين بناء على أن الكفارة لا تتجزأ وأن قاتل نفسه عليه كفارة وأما الدية فتسقط نصف دية كل واحد ويجب نصفها ثم إن لم يقصدا الاصطدام بأن كانا أعميين أو في ظلمة أو مدبرين أو غافلين فهو خطأ محض فعلى عاقلة كل واحد نصف دية الآخر وإن تعمدا الاصطدام فوجهان أحدهما أن الحاصل عمد محض ويجب في مال كل واحد نصف دية الآخر قاله أبو إسحق واختاره الإمام والغزالي وأصحهما عند الأكثرين وهو نصه في الأم أن الحاصل شبه عمد لأن الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت فلا يتحقق فيه العمد المحض ولذلك لا يتعلق القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر فيجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر مغلظة
الثانية إذا كان المصطدمان راكبين فحكم الدية والكفارة كما ذكرنا فلو تلفت الدابتان ففي تركة كل واحد نصف قيمة دابة صاحبه ولو غلبتهما الدابتان فجرى الاصطدام والراكبان مغلوبان فالمذهب أن المغلوب كغير المغلوب كما سبق وفي قول أنكره جماعه أن هلاكهما وهلاك الدابتين هدر إذ لا صنع لهما ولا اختيار فصار كالهلاك بآفة سماوية ويجري الخلاف فيما لو غلبت الدابة راكبها أو سائقها وأتلفت مالا هل يسقط الضمان عنه فرع سواء في اصطدام الراكبين اتفق جنس المركوبين وقوتهما أم

اختلف كراكب فرس أو بعير مع راكب بغل أو حمار وسواء في اصطدام الرجلين اتفق سيرهما أو اختلف بأن كان أحدهما يمشي والآخر يعدو وسواء كانا مقبلين أم مدبرين أو أحدهما مقبلا والآخر مدبرا قال الإمام لكن لو كانت إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها مع قوة الدابة الأخرى لم يتعلق بحركتها حكم كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة وسواء وقع المصطدمان مقبلين أو مستلقيين أو أحدهما مستلقيا والآخر مكبا وعن المزني أنه إذا وقع أحدهما مكبا والآخر مستلقيا فالمكب مهدر وعلى عاقلته ضمان المستلقي وعن ابن القاص مثله تخريجا وعنه أن المكبين مهدران والمذهب الأول وبه قطع الجمهور ولو اصطدم ماش وراكب لطول الماشي وهلكا فالحكم ما سبق

فرع تجاذب رجلان حبلا فانقطع فسقطا وماتا وجب على عاقلة كل واحد
نصف دية الآخر ويهدر النصف سواء وقعا مكبين أو مستلقيين أو أحدهما هكذا والآخر كذاك لكن قال البغوي إن أكب أحدهما واستلقى الآخر فعلى عاقلة المستلقي نصف دية المكب مغلظة وعلى عاقلة المكب نصف دية المستلقي مخففة وهذا إن صح اقتضى أن يقال مثله في الاصطدام هذا إذا كان الحبل لهما أو مغصوبا فإن كان لأحدهما والآخر ظالم فدم الظالم هدر وعلى عاقلته نصف دية المالك ولو أرخى أحد المتجاذبين فسقط الآخر ومات فنصف ديته على عاقلة المرخي ويهدر نصفها ولو قطع الحبل قاطع فسقطا وماتا فديتاهما جميعا على عاقلة القاطع


فرع ما ذكرنا أنه يهدر نصف قيمة الدابة ويجب النصف الآخر هو
إذا كانت الدابة للراكب فإن كانت مستعارة أو مستأجرة لم يهدر منها شىء لأن العارية مضمونة وكذا المستأجر إذا أتلفه المستأجر
الثالثة إذا اصطدم صبيان أو مجنونان نظر إن كانا ماشيين أو راكبين ركبا بأنفسهما فهما كالبالغين إلا أنا إذا أوجبنا هناك دية مغلظة فهي هنا مخففة إلا إذا قلنا عمد الصبي والمجنون عمد وإن أركبهما من لا ولاية له عليهما لم يهدر شىء من ديتهما ولا من قيمة الدابتين ولا شىء على الصبيين ولا على عاقلتهما بل إن كان المركب واحدا فعليه قيمة الدابتين وعلى عاقلته دية الصبيين وإن أركب هذا واحدا وذاك آخر فعلى كل واحد نصف قيمة كل دابة وكذا يضمن ما أتلفته دابة من أركبه بيدها أو رجلها وعلى عاقلة كل واحد نصف ديتي الصبيين هذا هو الصحيح المعروف الذي قطع به الأصحاب وقال الداركي وابن المرزبان يلزم عاقلة كل مركب دية من أركبه قال الشيخ أبو حامد هذا غلط قال في الوسيط فلو تعمد الصبي والحالة هذه احتمل أن يحال الهلاك عليه إذا قلنا عمده عمد لأن المباشرة مقدمة على التسبب وهذا احتمال حسن فإن قيل به فحكمه كما لو ركبا بأنفسهما والاعتذار عنه تكلف ولو وقع الصبي فمات فقد أطلق الشيخ أبو حامد أنه يتعلق بالمركب الضمان وقال المتولي إن كان مثله لا يستمسك على الدابة ولم يشده وجب الضمان وإن كان يستمسك فإن كان ينقله من موضع إلى موضع فلا ضمان سواء أركبه الولي أو غيره لأنه لا يخاف منه الهلاك غالبا وإن أركبه ليتعلم الفروسية فهو كما لو تلف في يد السباح وفي كل واحد من الإطلاق والتفصيل نظر أما إذا أركبهما ولياهما لمصلحتهما فوجهان أصحهما لا ضمان على الولي كما لو

ركبا بأنفسهما إذ لا تقصير والثاني قاله القفال يجب الضمان لأن في الإركاب خطرا هكذا أطلق جماعة الوجهين وخصهما الإمام بالإركاب لزينة أو حاجة غير مهمة قال فأما إذا مست حاجة أرهقت إلى إركابه للانتقال إلى مكان فلا ضمان قطعا ثم الوجهان مخصوصان بما إذا ظهر ظن السلامة فأما إذا أركبه الولي دابة شرسة جموحا فلا شك في أنه يتعلق به الضمان
الرابعة اصطدام المرأتين كالرجلين فإن اصطدم حاملان فماتتا ومات جنيناهما وجب في تركة كل واحدة منهما أربع كفارات على الصحيح وهو إيجاب الكفارة على قاتل نفسه وعدم تجزئة الكفارة فإن لم نوجبها على قاتل نفسه وجب ثلاث كفارات وإن قلنا بالتجزئة وجب ثلاثة أنصاف كفارة وعلى عاقلة كل واحدة نصف دية صاحبتها ونصف غرة كل جنين
الخامسة اصطدم عبدان فمات أحدهما وجب نصف قيمته متعلقا برقبة الحي وإن ماتا فمهدران لأن ضمان جناية العبد تتعلق برقبته سواء اتفقت قيمتهما أم اختلفت وإن اصطدم حر وعبد ومات العبد فنصفه هدر وتجب نصف قيمته وهل تكون على الحر أم على عاقلته فيه الخلاف في تحمل العاقلة قيمة العبد وإن مات الحر وجب نصف ديته متعلقا برقبة العبد وإن ماتا معا فإن قلنا قيمة العبد لا تحملها العاقلة وجب نصفها في تركة الحر ويتعلق به نصف دية الحر لأنه بدل رقبته وإن قلنا تحمل العاقلة القيمة فنصف قيمة العبد على عاقلة الحر ويتعلق به نصف دية الحر فيأخذ السيد من العاقلة نصف القيمة ويدفع نصف الدية إلى ورثة الحر إما من عين المأخوذ وإما من غيره قال الإمام والوجه أن يثبت لورثة الحر مطالبة عاقلته بنصف القيمة وإن كان ملكه السيد ليتوثقوا به

وكذا إذا تعلق أرش برقبة عبد فقتله أجنبي ثبت للمجني عليه مطالبة قاتل الجاني بالقيمة ويثبت للمرتهن مطالبة قاتل المرهون بالقيمة ليتوثق بها وليكن هذا مبنيا على أن المرتهن هل له أن يخاصم الجاني وفيه خلاف سبق الأصح المنع وبتقدير أن يخاصم ويأخذ فإن لم يصر المأخوذ ملكا للراهن لم يصح التوثق وإن صار فجعل المرتهن نائبا عنه قهرا بعيد
السادس اصطدم مستولدتان لرجلين فماتتا أهدر نصف قيمة كل منهما ووجب نصف قيمة كل واحدة على سيد الأخرى لأن ضمان جناية المستولدة على سيدها كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى والمذهب أنه يضمن أقل الأمرين من أرش الجناية وقيمة مستولدته وإن كانتا حاملين فماتتا وأجهضتا جنينهما فحكم القيمة ما ذكرنا وأما ضمان الجنينين فإن كانا رقيقين فعلى سيد كل واحدة مع نصف قيمة الأخرى نصف عشر قيمتها لنصف جنينها وإن كانتا حاملين بحرين من شبهة فعلى كل سيد مع نصف قيمة الأخرى نصف غرة لجنين مستولدته ونصف غرة لجنين الأخرى وإن كانتا حاملين بحرين من السيدين فنصف كل جنين هدر لأن المستولدة إذا جنت على نفسها وألقت جنينا كان هدرا وعلى كل واحد من السيدين نصف غرة جنين الأخرى وتصير الصورة من صور التقاص وإذا فضل لأحدهما شىء أخذه وإن كانت إحداهما حاملا فألقت جنينها ميتا فنصف الغرة على سيد الحامل فإن كان للجنين أم أم وارثة فلها نصف سدس الغرة والباقي لسيد الحامل وعليه للجدة نصف سدس أيضا ليكمل لها سدس الغرة
السابعة إذا اصطدم سفينتان وغرقتا بما فيهما فإما أن

يحصل الاصطدام بفعلهما وإما لا فهما حالان
الأول بفعلهما فينظر إن كانت السفينتان وما فيهما ملكا للملاحين المجريين لهما فنصف قيمة كل سفينة وما فيهما مهدر ونصف قيمتها ونصف قيمة ما فيها على صاحب الأخرى فإن هلك الملاحان أيضا فهما كالفارسين يموتان بالاصطدام وإن كانت السفينتان لهما وحملا الأموال والأنفس تبرعا أو بأجرة نظر إن تعمدا الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مفضيا إلى الهلاك تعلق بفعلهما القصاص حتى إذا كان في كل سفينة عشرة أنفس مثلا يقرع بينهم لموتهم معا فمن خرجت قرعته قتل به الملاحان وفي مال كل واحد منهما نصف ديات الباقين فيكون على كل واحد تسع ديات ونصف مع القصاص وفي مال كل واحد من الكفارات بعدد من في السفينتين من الأحرار والعبيد وعلى كل واحد منهما نصف قيمة ما في السفينتين لا يهدر منه شىء ونصف قيمة سفينة صاحبه ويهدر نصفها ويجري التقاص في القدر الذي يشتركان فيه وإن تعمدا الاصطدام بما لا يفضي إلى الهلاك غالبا وقد يفضي إليه فهو شبه عمد والحكم كما ذكرنا إلا أنه لا يتعلق به قصاص وتكون الدية على العاقلة مغلظة وإن لم يتعمدا الاصطدام بل ظنا أنهما يجريان على الريح فأخطآ أو لم يعلم واحد منهما أن بقرب سفينته سفينة الآخر فالدية على العاقلة وإن كانت السفينتان لغير الملاحين وكانا أجيرين للمالك أو أمينين لم يسقط شىء من ضمان السفينتين بل على كل واحد منهما نصف قيمة كل سفينة وكل واحد من المالكين مخير بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من أمينه ثم هو يرجع بنصفها على أمين الآخر وبين أن يأخذ نصفها منه ونصفها من أمين الآخر وإن كان المجريان عبدين فالضمان يتعلق برقبتهما


الحال الثاني أن يحصل الاصطدام لا بفعلهما فإن وجد منهما تقصير بأن توانيا في الضبط فلم يعدلاهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن أو لم يكملا عدتهما من الرجال والآلات وجب الضمان على ما ذكرنا وإن لم يوجد منهما تقصير وحصل الهلاك بغلبة الرياح وهيجان الأمواج ففي وجوب الضمان قولان أحدهما نعم كالفارسين إذا غلبتهما دابتاهما وأصحهما لا لعدم تقصيرهما كما لو حصل الهلاك بصاعقة بخلاف غلبة الدابة فإن ضبطها ممكن باللجام وقيل القولان إذا لم يكن منهما فعل بأن كانت السفينة مربوطة بالشط أو مرساة في موضع فهاجت ريح فسيرتها فأما إذا سيراهما ثم غلبت الريح وعجزا عن ضبطهما فيجب الضمان قطعا والمذهب طرد القولين في الحالين فإن قلنا يجب الضمان فهو كما لو فرطا ولكن لم يقصدا الاصطدام وإن قلنا بالأظهر لم يجب ضمان الأحرار ولا ضمان الودائع والأمانات فيهما ولا ضمان الأموال المحمولة بالأجرة إن كان مالكها أو عبده معها يحفظها وإن استقل المجريان باليد فعلى القولين في أن يد الأجير المشترك هل هي يد ضمان وإن كان فيهما عبيد فإن كانوا أعوانا أو حفاظا للمال لم يجب ضمانهم وإلا فهم كسائر الأموال وعلى هذا لو اختلف صاحب المال والملاحان فقال صاحب المال كان الاصطدام بفعلكما وقالا بل بغلبة الريح صدقا بيمينهما ومتى كان أحدهما مفرطا أو عامدا دون الآخر خص كل واحد منهما بالحكم الذي يقتضيه حاله على ما ذكرنا ولو صدمت سفينة السفينة المربوطة بالشط فكسرتها فالضمان على مجري السفينة الصادمة

فرع إذا خرق واحد سفينة فغرق ما فيها من نفس ومال وجب
ضمانه

8 ثم إن تعمد الخرق بما يفضي إلى الهلاك غالبا كالخرق الواسع الذي لا مدفع وجب القصاص والدية المغلظة في ماله وإن تعمده بما لا يحصل به الهلاك غالبا فهو شبه عمد وكذا لو قصد إصلاح السفينة فنفذت الآلة في موضع الإصلاح فغرقت به السفينة وإن أصابت الآلة غير موضع الإصلاح أو سقط من يده حجر أو غيره فخرقت السفينة فهو خطأ محض

فرع لو كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال فوضع آخر فيها عدلا آخر
عدوانا فغرقت فهل يغرم جميع الأعدال التسعة أم بعضها وجهان أحدهما جميعها لأن الهلاك ترتب على فعله وأصحهما البعض وفيه وجهان أحدهما النصف والثاني قسطه إذا وزع على جميع الأعدال وهو كالخلاف في الجلاد إذا زاد على الحد المشروع وله نظائر متقدمة
فصل إذا أشرفت السفينة على الغرق جاز إلقاء بعض أمتعتها في البحر
ويجب الإلقاء رجاء نجاة الراكبين إذا خيف الهلاك ويجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي الروح ولا يجوز إلقاء الدواب إذا أمكن دفع الغرق بغير الحيوان وإذا مست الحاجة إلى إلقاء الدواب ألقيت لإبقاء الآدميين والعبيد كالأحرار وإذا قصر من عليه الإلقاء حتى غرقت السفينة فعليه الإثم ولا ضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى مات يعصي ولا يضمنه ولا يجوز إلقاء المال في البحر من غير خوف لأنه إضاعة للمال وإذا ألقى متاع نفسه أو متاع

غيره بإذنه رجاء السلامة فلا ضمان على أحد ولو ألقى متاع غيره بغير إذنه وجب الضمان وقيل إذا ألقى من لا خوف عليه متاع نفسه لإنقاذ غيره ففي رجوعه عليه وجهان كمن أطعم المضطر قهرا والمذهب الأول ولو قال لغيره ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه أو على أني ضامن أو على أني أضمن قيمته فألقاه فعلى الملتمس ضمانه وقال أبو ثور وبعض الأصحاب لا يجب ضمانه لأنه ضمان ما لم يجب والصحيح الأول وبه قطع الجمهور لأنه التماس إتلاف بعوض له فيه غرض صحيح فصار كقوله أعتق عبدك على كذا فأعتق قال الأصحاب وليس هذا على حقيقة الضمان وإن سمي ضمانا ولكنه بذل مال للتخليص عن الهلاك فهو كما لو قال أطلق هذا الأسير ولك علي كذا فأطلقه يجب الضمان وبنى القاضي حسين عليه أنه لو قال لمن له القصاص اعف ولك كذا أو قال لرجل أطعم هذا الجائع ولك علي كذا فأجاب يستحق المسمى أما إذا اقتصر على قوله ألق متاعك في البحر ولم يقل وعلي ضمانه فألقاه فقيل في وجوب الضمان خلاف كقوله أد ديني وقطع الجمهور بأنه لا ضمان لأن قضاء الدين ينفعه قطعا وهذا قد لا ينفعه قال البغوي وتعتبر قيمة الملقى قبل هيجان الأمواج فإنه لا قيمة للمال في تلك الحال فلا تجعل قيمة المال في البحر وهو على خطر الهلاك كقيمة البر ثم إنما يجب الضمان على الملتمس بشرطين أحدهما أن يكون الالتماس عند خوف الغرق فأما في غير حال الخوف فلا يقتضي الالتماس ضمانا سواء قال على أني ضامن أو لم يقل كما لو قال اهدم دارك ففعل
الشرط الثاني أن لا تختص فائدة الإلقاء بصاحب المتاع واعلم أن فائدة التخليص بإلقاء المتاع تتصور في صور

إحداها أن يختص بصاحب المتاع فإذا كان في السفينة المشرفة راكب ومتاعه فقال له رجل من الشط أو من زورق بقربها ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فألقى لا يجب الضمان ولا يحل له أخذ الضمان لأنه فعل ما هو واجب عليه لغرض نفسه فلا يستحق عوضا كما لو قال للمضطر كل طعامك وأنا ضامنه لك فأكله لا شىء على الملتمس
الثانية أن يختص بالملتمس بأن أشرفت سفينة على الغرق وفيها متاع رجل وهو خارج عنها فقال للخارج ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فألقى وجب الضمان كما ذكرنا سواء حصلت السلامة أم لا حتى لو هلك الملتمس وجب الضمان في تركته
الثالثة أن يختص بغيرهما بأن كان الملتمس وصاحب المتاع خارجين عن السفينة وفيها جماعة مشرفون على الغرق وجب الضمان على الملتمس أيضا لأنه غرض صحيح
الرابعة أن تعود المصلحة إلى ملقي المتاع وغيره دون الملتمس فوجهان أصحهما يجب ضمان جميع المتاع والثاني بقسط الملقى على مالكه وسائر من فيها فيسقط قسط المالك ويجب الباقي فإن كان معه واحد وجب نصف الضمان وإن كان معه تسعة وجب تسعة أعشاره
الخامسة أن يكون في الإلقاء تخليص الملتمس وغيره بأن التمس بعض ركاب السفينة من بعض فيجب الضمان على الملتمس قال الإمام ويجيء الوجهان في أنه هل تسقط حصة المالك


فرع إذا قال ألق متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون كل واحد منا على الكمال أو على أني ضامن وكل واحد منهم ضامن فعليه ضمان الجميع ولو قال أنا وهم ضامنون كل واحد منا بالحصة لزمه ما يخصه وكذا لو قال أنا وهم ضامنون واقتصر عليه ولو قال وأنا ضامن وركاب
السفينة أو على أن أضمنه أنا والركاب أو قال وأنا ضامن وهم ضامنون لزمه ضمان الجميع على الأصح وقيل على القسط ثم قوله هم ضامنون إما للجميع وإما للحصة إن أراد به الإخبار عن ضمان سبق منهم واعترفوا به لزمهم وإن أنكروا فهم المصدقون وإن قال أردت إنشاء الضمان عنهم فقيل إن رضوا به ثبت المال عليهم والصحيح أنه لا يثبت لأن العقود لا توقف وإن قال وأنا وهم ضمناء وضمنت عنهم بإذنهم طولب هو بالجميع بقوله وإذا أنكروا الإذن فهم المصدقون حتى لا يرجع عليهم ولو قال أنا وهم ضمناء وأصححه من مالهم فقد نقل الأئمة لا سيما العراقيون أنه يطالب بالجميع أيضا وكذا لو قال أنا أحصله من مالهم كما لو قال اخلعها على ألف أصححها لك من مالها أو أضمنها لك من مالها يلزمه الألف ولو قال ألقي متاعك في البحر على أني وهم ضمناء فأذن له في الإلقاء فألقاه فهل تلزمه الحصة أم الجميع لأنه باشر الإتلاف وجهان
فرع قال ألق متاعك وعلي نصف الضمان وعلى فلان الثلث وعلى فلان
لزمه النصف
فرع قال لرجل ألق متاع زيد وعلي ضمانه إن طالبك فالضمان على
دون الآمر


فرع قال الإمام المتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه حتى لو
البحر على الساحل وظفرنا به فهو لمالكه ويسترد الضامن المبذول وهل للمالك أن يمسك ما أخذه ويرد بدله فيه خلاف كالخلاف في العين المقرضة إذا كانت باقية فهل للمقترض إمساكها ورد بدلها المسألة الثامنة إذا عاد حجر المنجنيق على الرامين فقتل أحدهم فقد مات بفعله وفعل شركائه وحكمه كالاصطدام فإن كانوا عشرة سقط عشر ديته ووجب على عاقلة كل واحد من التسعة عشرها ولو قتل اثنين منهم فصاعدا فكذلك فلو قتل العشرة أهدر من دية كل واحد عشرها ووجب على عاقلة كل واحد من الباقين عشرها ولو أصاب الحجر غيرهم نظر إن لم يقصدوا واحدا أو أصاب غير من قصدوه بأن عاد فقتل بعض النظارة فهذا خطأ يوجب الدية المخففة على العاقلة وإن قصدوا شخصا أو جماعة بأعيانهم فأصابوا من قصدوه فوجهان قطع العراقيون بأنه شبه عمد لأنه لا يتحقق قصد معين بالمنجنيق والثاني وبه قطع الصيدلاني والإمام والغزالي والمتولي ورجحه البغوي والروياني أنه عمد إذا كانوا حاذقين تتأتى لهم الإصابة والغالب الإصابة
قلت هذا الثاني هو الذي صححه في المحرر
والله أعلم
وإن قصدوا واحدا أو جماعة والغالب أنه لا يصيب من قصدوه وقد يصيب فهو شبه عمد والعلم بأنه يصيب أحدهم لا بعينه أو جماعة منهم لا بأعيانهم لا يحقق العمدية ولا يوجب القصاص لأن العمدية تعتمد قصد عين الشخص ولهذا لو قال اقتل أحد هؤلاء وإلا قتلتك فقتل أحدهم لا قصاص على الآمر لأنه لم يقصد عين أحدهم ثم قال الغزالي يكون هذا خطأ في حق ذلك الواحد وقال البغوي

يكون شبه عمد تجب به دية مغلظة على العاقلة وهذا هو الصحيح إذا قصدوا واحدا أو جماعة لا بأعيانهم وكذا لو رمى سهما إلى جماعة ولم يعين أحدهم ثم استدرك الإمام فقال قولنا لا يجب القصاص مفروض فيمن قصد إصابة واحد لا بعينه أو جماعة لا بأعيانهم وأصاب الحجر بعضهم فأما إذا كان القوم محصورين في موضع وعلم الحاذق أنه إذا سدد عليهم الحجر أصاب جميعهم وحقق قصده فأتى عليهم فالذي أراه وجوب القصاص
التاسعة جرح مرتدا بقطع يده أو غيرها فأسلم ثم جرحه الأول ثم جرحه ثلاثة آخرون فمات نظر إن وقعت الجراحات الأربع بعد اندمال الأولى لزمهم الدية أرباعا وإن وقعت قبل اندمالها ومات من الجراحات الخمس ففيما عليهم وجهان أصحهما وبه قال ابن الحداد توزع الدية على عدد الجارحين وهم أربعة فيجب على كل واحد ربعها ثم يعود ما على الجارح في الردة إلى الثمن لأن جراحة الردة مهدرة والثاني توزع الدية على الجراحات فيسقط خمسها للردة ويجب على كل واحد من الأربعة خمسها كما لو جرحه واحد في الردة وأربعة بعد الإسلام فإنه يلزم كل واحد من الأربعة خمس الدية ولو جرحه ثلاثة في الردة ثم جرحوه مع رابع في الإسلام ومات بالجراحات فعلى قول ابن الحداد توزع الدية على الأربعة وقد جرح ثلاثة منهم جراحتين إحداهما في الردة فيعود ما على كل منهم إلى الثمن ويبقى على الرابع الربع وعلى الوجه الآخر الجراحات سبع فيسقط ثلاثة أسباع الدية بجراحات الردة ويجب على كل واحد سبعها ولو جرحه في الردة أربعة ثم جرحه أحدهم مع ثلاثة في الإسلام فعلى قول ابن الحداد الجارحون سبعة فعلى كل واحد من الذين لم يجرحوا إلا في الإسلام سبع الدية ولا شىء على الجارحين في الردة فقط وعلى الجارح في الحالين نصف سبع وعلى الوجه

الآخر مات بثمان جراحات أربع في الإهدار فعلى كل واحد من الجارحين في الإسلام ثمن الدية
ولو جرحه أربعة في الردة ثم جرحه أحدهم وحده في الإسلام فعلى قول ابن الحداد الجارحون أربعة يلزم الجارح في الإسلام الثمن لأن حصته الربع فيسقط نصفه بجراحة الردة ولا شىء على الباقين وعلى الوجه الآخر يلزمه خمس الدية ويسقط أربعة أخماسها ولو جرحه ثلاثة في الردة ثم جرحه أحدهم في الإسلام فهل عليه سدس الدية أم ربعها فيه الوجهان ولو جرحه اثنان في الردة ثم جرحه أحدهما مع ثالث في الإسلام فعلى قول ابن الحداد لا شىء على الذين لم يجرح إلا في الردة وعلى الجارح في الحالين سدس وعلى الآخر ثلث وعلى الوجه الآخر يلزم الجارح في الحالين ربع الدية وكذا الجارح في الإسلام
ولو جرحه اثنان في الردة ثم في الإسلام لزم كل واحد منهما ربع الدية باتفاق الوجهين ولو جرحه ثلاثة في الردة ثم في الإسلام لزم كل واحد سدس الدية باتفاق الوجهين وكذا يتفقان متى لم يختلف عدد الجراحات ولا الجارحين في الحالين

فرع إذا اختلف جنايات رجل عمدا وخطأ وشاركه غيره بأن جرح خطأ
عاد مع آخر فجرحا عمدا فالتوزيع لمعرفة ما يؤخذ منه وما يضرب على عاقلته كما سبق فيما إذا جنى في الردة والإسلام
العاشرة جنى عبد على زيد بإيضاح أو قطع يد أو أصبع أو غيرها ثم قطع عمرو يد العبد ثم جنى العبد على بكر ومات زيد وبكر بالجراحة أو لم يموتا ومات العبد بالقطع لزم عمرا قيمة العبد فحصة اليد منها يخص بها زيد ويتضارب زيد وبكر أو ورثتهما في الباقي زيد بما بقي بعد أخذ حصة اليد وبكر بالجميع

لأنه جنى على زيد بتمام بدنه وجنى على بكر ولا يد له ولا حق له في بدلها وأما حصة اليد فالصحيح أنها ما نقص من قيمته بقطع اليد قال الشيخ أبو علي ومن الأصحاب من يغلط فيعتبر أرشها وهو نصف القيمة قال وهذا فاسد من وجهين أحدهما أنه لو قطع يدي زيد ينبغي أن يختص بجميع القيمة ولا يجوز أن يجني على اثنين ثم تكون قيمته لأحدهما والثاني أن الجراحة إذا صارت نفسا سقط اعتبار بدل الطرف

فرع في مسائل من فتاوى البغوي ذكرها الرافعي في آخر باب العاقلة
منها حفر بئرا عدوانا ثم أحكم رأسها ثم جاء آخر وفتحه فوقع فيها شخص فمات فالضمان على فاتح الرأس ولو أحكم رأسها آخر ففتحه ثالث تعلق الضمان بالثالث ولو وقعت بهيمة في بئر عدوان فلم تتأثر بالصدمة وبقيت فيها أياما فماتت جوعا أو عطشا فلا ضمان على الحافر لحدوث سبب آخر كما لو افترسها سبع في البئر ولو تقاتل رجلان فرمى أحدهما صاحبه فسقط بصولته وتلف فلا ضمان وإن سقط بصولته وضربة صاحبه وجب نصف الضمان ولو شد عنق أحد بعيريه بالآخر وتركهما بالمسرح فدخل بعير رجل بينهما فتلف من جذبة الحبل أحد البعيرين فلا ضمان إلا أن يكون ذلك البعير معروفا بالإفساد
الطرف الخامس في حكم السحر اعلم أن حكم السحر وقع بعضه في أول الجنايات وبعضه هنا ومعظمه في آخر كتاب دعوى الدم وقد رأيت تقديم هذا الأخير إلى هنا فالساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال المسحور فيمرض

ويموت منه وقد يكون ذلك بوصول شىء إلى بدنه من دخان وغيره وقد يكون دونه
وقال أبو جعفر الاسترابادي من أصحابنا لا حقيقة للسحر وإنما هو تخييل والصحيح أن له حقيقة كما قدمناه وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة
ويحرم فعل السحر بالإجماع ومن اعتقد إباحته فهو كافر وإذا قال إنسان تعلمت السحر أو أحسنه استوصف فإن وصفه بما هو كفر فهو كافر بأن يعتقد التقرب إلى الكواكب السبعة قال القفال ولو قال أفعل بالسحر بقدرتي دون قدرة الله تعالى فهو كافر وإن وصفه بما ليس بكفر فليس بكافر
وأما تعلم السحر وتعليمه ففيه ثلاثة أوجه الصحيح الذي قطع به الجمهور أنهما حرامان والثاني مكروهان والثالث مباحان وهذان إذا لم يحتج في تعليمه إلى تقديم اعتقاد هو كفر
قلت قال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد لا يظهر السحر إلا على فاسق ولا تظهر الكرامة على فاسق وليس ذلك بمقتضى العقل ولكنه مستفاد من إجماع الأمة وذكر المتولي في كتابه الغنية نحو هذا
والله أعلم
واعلم أن التكهن وإتيان الكهان وتعلم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل وبالشعير والحصى وتعليم هذه كلها حرام وأخذ العوض عليها حرام بالنص الصحيح في حلوان الكاهن والباقي بمعناه وقد أوضحت هذا الفصل في تهذيب الأسماء واللغات عند ذكر الحلوان والكهانة ونبهت فيه على النصوص وأقوال العلماء في تحريمه ولا يغتر بجهالة من يتعاطى الرمل وإن نسب نفسه أو نسبه الناس إلى علم كما لا يفتر به فيما يعرفه من حاله من تساهله في الشبهات

وبعض المحرمات وأما الحديث الصحيح كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك فمعناه من علمتم موافقته له فلا بأس ونحن لا نعلم الموافقة فلا يجوز لأن الجواز معلق بمعرفة الموافقة
والله أعلم

فصل القتل بالسحر لا يثبت بالبينة لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر
ولا يشاهد تأثير السحر وإنما يثبت ذلك بإقرار الساحر وقد سبق في الجنايات أنه إذا قال قتلته بسحري وسحري يقتل غالبا فقد أقر بقتل العمد وإن قال وهو يقتل نادرا فهو إقرار بشبه العمد وإن قال أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فهو إقرار بالخطإ ثم ديه شبه العمد ودية الخطإ المخففة كلاهما في مال الساحر ولا تطالب العاقلة بشىء إلا أن يصدقوه لأن إقراره عليهم لا يقبل كما سيأتي في باب العاقلة إن شاء الله تعالى وقوله في الوجيز هي على العاقلة خطأ وسبق قلم لم يذكره غيره ولا هو في الوسيط
فرع قال الشافعي رحمه الله في الأم لو قال أمرض بسحري ولا
وأنا سحرت فلانا فأمرضته عزر قال ولو قال لا أمرض به ولكن أوذي نهي عنه فإن عاد عزر لأن السحر كله حرام
فرع إذا قال أمرضته بسحري ولم يمت به بل بسبب آخر نص
الله في المختصر أنه لوث يقسم به الولي ويأخذ الدية قال الإمام وفيه قول مخرج إنه ليس بلوث والمذهب والمنصوص في الأم وما عليه الجمهور أنه إن بقي متألما إلى أن

مات حلف الولي وأخذ الدية وذلك قد يثبت بالبينة وقد يثبت باعتراف الساحر وإن ادعى الساحر البرء من ذلك المرض وقد مضت مدة يحتمل البرء فيها فالقول قوله بيمينه وعلى هذا يحمل نص المختصر

فرع قال قتلت بسحري جماعة ولم يعين أحدا فلا قصاص ولا يقتل
خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
فرع إذا أصاب غيره بالعين واعترف بأنه قتله بالعين فلا قصاص وإن
كانت العين حقا لأنه لا يفضي إلى القتل غالبا ولا يعد مهلكا
قلت ولا دية فيه أيضا ولا كفارة ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة فيقول اللهم بارك فيه ولا تضره وأن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العين حق وإذا استغسلتم فاغسلوا قال العلماء الاستغسال أن يقال للعائن اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء ثم يصب عل المعين وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين
وقد جاء في هذه المسألة أحاديث في الصحيح وغيره وغيرها أوضحتها في أواخر كتاب الأذكار
والله أعلم
الباب الخامس في العاقلة
ومن عليه الدية وفي جناية الرقيق قد سبق عند ذكر جهات تخفيف الدية وتغليظها أن الدية في العمد على الجاني وفي شبه العمد والخطإ على العاقلة وسواء في العمد كان موجبا للدية ابتداء كقتل الأب الابن أم كان موجبا للقصاص ثم عفي على الدية ولا تحمل العاقلة أيضا دية الأطراف في

جناية العمد ثم بدل العمد يجب حالا على قياس أبدال المتلفات وبدل شبه العمد والخطإ يجب مؤجلا وفي الباب أطراف الأول في بيان العاقلة والثاني في صفتهم والثالث في كيفية الضرب عليهم وهذه الأطراف مختصة بجناية الحر والرابع في جناية الرقيق
أما العاقلة فجهات التحمل ثلاث القرابة والولاء وبيت المال وليست المحالفة والموالاة من جهات التحمل ولا يتحمل الحليف ولا العديد الذي لا عشيرة له فيدخل نفسه في قبيلة ليعد منها ولا يتحمل أيضا عندنا أهل الديوان بعضهم عن بعض بمجرد ذلك أما جهة القرابة فإنما يتحمل منها من كان على حاشية النسب وهم الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم وأما أبو الجاني وأجداده وبنوه وبنو بنيه فلا يتحملون لأنهم أبعاضه وأصوله فلم يتحملوه كما لا يتحمل الجاني وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية مقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها والولد وفي الحديث الآخر قال لرجل معه ابنه لا يجني عليك ولا تجني عليه أي لا يلزمك موجب جنايته ولا يلزمه موجب جنايتك فلو جنت امرأة ولها ابن هو ابن ابن عمها لم يتحمل على الأصح لأن البنوة مانعة

فرع يقدم أقرب العصبات فأقربهم ومعنى التقديم أن ينظر في الواجب عند
لقلة الواجب أو لكثرتهم وزع عليهم ولا يشاركهم من بعدهم وإلا فيشاركهم في التحمل من بعدهم ثم الذين يلونهم
والمقدم من العاقلة الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأعمام ثم بنوهم ثم أعمام الأب ثم بنوهم ثم أعمام الجد ثم بنوهم على ما سبق في الميراث وهل يقدم من

يدلي من هؤلاء بالأبوين على المدلي بالأب كالأخ من الأبوين مع الأخ من الأب أم يستويان قولان الجديد الأظهر تقديمه

فرع ذوو الأرحام لا يتحملون قال المتولي إلا إذا قلنا بتوريثهم فيتحملون
بحال
الجهة الثانية الولاء فإذا لم يكن للجاني عصبة نسب أو كانوا ولم يف التوزيع عليهم يحمل معتقه فإن لم يكن أو فضل عنه شىء تحمل عصبته من النسب فإن لم يكونوا أو فضل شىء تحمل معتق المعتق ثم عصباته ولا يدخل في عصبة المعتق ابنه وأبوه على الأصح وقيل يدخل لفقد البعضية بينه وبين الجاني ويجري الوجهان في ابن معتق المعتق وأبيه فإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الأب الجاني ولا أحد من عصباته تحمل معتق الأب ثم عصباته ثم معتق معتق الأب ثم عصباته فإن لم يوجد من له نعمة الولاء على الأب تحمل معتق الجد ثم عصباته كذلك إلى حيث ينتهي واللقيط الذي لا يعرف نسبه لو ادعاه رجل أو بلغ وانتسب إلى ميت واعترف به ورثته يثبت نسبه وتؤخذ دية جنايته من عصباته فإن قامت بينة بأنه من قبيلة أخرى فالحكم للبينة
فصل سيأتي إن شاء الله تعالى أن المرأة لا تتحمل العقل بحال
أعتقت عبدا لم تحمل عقله وإنما يحمله من يحمل دية جنايتها كما يزوج عتيقها من يزوجها


فرع أعتق جماعة عبدا فجنى خطأ حملوا عنه حمل شخص واحد لأن
لجميعهم لا لكل واحد فإن كانوا أغنياء فالمضروب على جميعهم نصف دينار وإن كانوا متوسطين فربع وإن كانوا بعضا وبعضا فعلى الغنى حصته من النصف وعلى المتوسط حصته من الربع ولو كان المعتق واحدا ومات عن إخوة مثلا ضرب على كل واحد حصته تامة من نصف دينار أو ربعه ولا يقال يوزع عليهم ما كان الميت يحمله لأن الولاء لا يتوزع عليهم توزعه على الشركاء ولا يرثون الولاء من الميت بل يرثون به ولو مات واحد من الشركاء المعتقين أو جميعهم حمل كل واحد من عصباته مثل ما كان يحمله الميت وهو حصته من نصف أو ربع لأن غايته نزوله منزلة ذلك الشريك
فرع إذا ضربنا على المعتق فبقي شىء من الواجب فهل يضرب على
في حياته نقل الإمام والغزالي المنع إذ لا حق لهم في الولاء ولا بالولاء في حياته وتردد الإمام فيما لو لم يبق المعتق وضربنا على عصبته فهل يخص بالأقربين لأنهم أهل الولاء والإرث أم يتعدى إلى الأباعد كعصبة الجاني ورجح الاحتمال الثاني وجزم به الغزالي وصرح صاحبا الشامل و التتمة وغيرهما بالضرب عليهم
فصل في تحمل العتيق عن المعتق قولان أظهرهما المنع إذ لا إرث
نعم ويتأخر عن المعتق ولا يضرب على عصبته بحال قال في البيان مقتضى المذهب أن يكون في عتيق العتيق القولان لأن الجاني يتحمل عنه


فصل سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب العتق أن من لم
يثبت عليه ولاء لمعتق أبيه أو جده أو أمه وإن أمه إذا كانت عتيقة والأب رقيق فعليه الولاء لمعتقها فإن أعتق الأب انجر ولاء الولد إلى مولى الأب وتحمل عقله مفرع على الولاء فيتحمله من له الولاء فلو جنى متولد من عتيقة ورقيق فالدية على مولى الأم ولو جرح رجلا فأعتق أبوه ثم مات المجروح فأرش الجراحة على مولى الأم والباقي على الجاني لأنه لا يمكن إيجابه على معتق الأم لزوال استحقاقه الولاء ولا على معتق الأب لأنه وجب بسراية وجدت قبل انجرار الولاء إليه ولا على بيت المال لوجود جهة الولاء هكذا قاله ابن الحداد والأصحاب وللإمام والغزالي احتمال في بيت المال لأن تعذر الولاء كعدمه وللمسألة نظائر منها متولد من عتيقة ورقيق حفر بئرا عدوانا أو أشرع جناحا أو ميزابا فمات به رجل فالدية على مولى الأم فإن أعتق أبوه ثم حصل الهلاك فالدية في ماله ولو حفر العبد بئرا ثم عتق ثم تردى فيها شخص أو رمى إلى صيد فعتق ثم أصاب السهم شخصا فالدية في ماله ولو قطع يد إنسان خطأ فأعتقه سيده ثم سرت إلى النفس صار السيد بإعتاقه مختارا للفداء فعليه الأقل من نصف الدية وكمال قيمة العبد ويجب في مال الجاني نصف الدية قال البغوي ويجيء وجه أن السيد يفديه بالأقل من كل الدية وكل القيمة لأن الجناية وجدت في الرق
ومنها رمى ذمي صيدا فأسلم ثم أصاب إنسانا فالدية في ماله لا على عاقلة الذمي ولا المسلم لأن الدية إنما يحملها من كان عاقلة في حالتي الرمي والإصابة ولو رمى يهودي صيدا ثم تنصر ثم أصاب

شخصا قال الأصحاب إن قلنا لا يقر عليه فهو مرتد لا عاقلة له فالدية في ماله وإن قلنا يقر فالدية على عاقلته على أي دين كانوا وليكن تحملهم على خلاف نذكره إن شاء الله تعالى متصلا به ولو جرح ذمي رجلا خطأ وأسلم ثم مات المجروح فأرش الجرح على عاقلته الذميين والباقي في ماله فإن زاد أرش الجرح على دية بأن قطع يديه ورجليه فالواجب دية النفس على عاقلته الذميين قاله ابن الحداد ووافقه الجمهور وفيه وجه قطع به في المهذب أن الأرش والزائد على العاقلة الذميين اعتبارا بحال الجرح ولو عاد بعد الإسلام وجنى على المجني عليه جناية أخرى خطأ ومات منهما فنصف الدية على عاقلته المسلمين وأما الذميون فإن كان أرش الجرح نصف الدية أو أكثر فعليهم النصف أيضا وإن كان أقل كأرش موضحة فهو على الذميين وما زاد إلى تمام النصف فعلى الجاني وإن كان الجرح بعد الإسلام مذففا قال الشيخ أبو علي وغيره أرش الجرح الواقع في الكفر على الذميين والباقي إلى تمام الدية على المسلمين وفي النهاية و البيان إن هذا تفريع على قول ابن سريج فيمن جرح ثم قتل أنه لا يدخل أرش جرحه في الدية وأما على الصحيح وهو الدخول فجميع الدية على المسلمين ولو عاد بعد الإسلام فجرحه مع آخر خطأ بني على الخلاف السابق أن الدية توزع على الجارحين أم على الجراحات إن قلنا على الجارحين وهو الأصح فعليه نصف الدية وهو واجب بالجرحين فحصة جرح الإسلام وهي الربع على عاقلته المسلمين وأما جرح الكفر فإن كان أرشه كربع الدية أو أكثر فعلى الذميين الربع أيضا وإن كان دون الربع فعليهم قدر الأرش والزيادة إلى تمام الربع في مال الجاني وإن وزعنا على الجراحات فثلث الدية وهو حصة جرح الإسلام على عاقلته المسلمين وجرح الكفر إن كان

أرشه كثلث الدية أو أكثر فعلى الذميين الثلث وإن كان أقل فعليهم الأرش والباقي إلى تمام الثلث في مال الجاني
ومنها لو جرح شخصا خطأ ثم ارتد ثم مات المجروح بالسراية فأرش الجرح على عاقلته المسلمين والباقي إلى تمام الدية في مال الجاني فإن كان الأرش كالدية أو أكثر بأن قطع يديه ورجليه فقدر الدية وهو الواجب يلزم العاقلة ولو جرح وهو مرتد ثم أسلم ثم مات المجروح فالدية في ماله إذ لا عاقلة للمرتد ولو جرحه وهو مسلم فارتد الجارح ثم أسلم ثم مات المجروح فهل على عاقلته جميع الدية اعتبارا بالطرفين أم عليهم أرش الجرح وما زاد في مال الجاني قال الشيخ أبو علي فيه قولان وجزم آخرون بوجوب الجميع عليهم إن قصر زمان الردة المتخللة وخصوا القولين بطول زمانها قال البغوي ويجيء وجه أن على العاقلة ثلثي الدية لوجود الإسلام في حالين ولو رمى سهما إلى صيد وارتد فأصاب شخصا أو رمى المرتد صيدا فأسلم فأصاب السهم فالدية في ماله لأنه تبدل حاله رميا وإصابة ولو تخللت الردة بين الرمي والإصابة فكذا الجواب في التهذيب وذكر أبو علي أنهم خرجوها على قولين أحدهما تجب الدية على عاقلته المسلمين والثاني في ماله
الجهة الثالثة بيت المال فيتحمل جناية من لا عصبة له بنسب ولا ولاء أو له عصبة معسرون أو فضل عنهم شىء من الواجب فيجب الباقي في بيت المال إن كان الجاني مسلما فإن كان مستأمنا أو ذميا فلا بل الدية في ماله على المذهب وقيل قولان كمسلم لا عاقلة له ولا بيت مال وهل يتحمل أبوه وابنه وجهان كالوجهين في المسلم إذا لم يكن له عاقلة ولا بيت مال وقلنا تجب عليه الدية هل

يلزم أباه وابنه وأما المرتد فلا عاقلة له فدية قتله خطأ في ماله مؤجلة فإن مات سقط الأجل
الطرف الثاني في صفات العاقلة وهي خمس الأولى التكليف فلا يعقل صبي ولا معتوه الثانية الذكورة فلا تعقل امرأة ولا خنثى فإن بان ذكرا فهل يغرم حصته التي أداها غيره وجهان
قلت لعل أصحهما نعم
والله أعلم
الثالثة اتفاق الدين فلا يعقل مسلم عن ذمي وعكسه وفي عقل يهودي عن نصراني وعكسه قولان
قلت أظهرهما نعم
والله أعلم
ولو كان لذمي أقارب حربيون فلا قدرة عليهم فهم كالعدم قال المتولي فإن قدر الإمام على الضرب عليهم بني على أن اختلاف الدار يمنع التوارث إن قلنا نعم فلا ضرب وإلا فوجهان والمعاهد كالذمي فيعقل عنه الذمي ويعقل هو عن الذمي إن زادت مدة العهد على أجل الدية ولم ينقطع قبل مضي الأجل الرابعة الحرية فلا يعقل مكاتب الخامسة أن يكون غنيا أو متوسطا لا فقيرا معتملا ولا يمنع العقل مطلق المرض والكبر والزمانة والعمى والهرم وفي الزمن والأعمى والهرم وجه لضعفهم عن النصرة

فصل يضرب على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار وهل النصف
والربع حصة كل سنة أم لا يجب في السنين الثلاث إلا النصف أو الربع وجهان أصحهما الأول قال البغوي يضبط الغنى

والتوسط بالعادة ويختلف باختلاف البلدان والأزمان ورأي الإمام أن الأقرب اعتبار ذلك بالزكاة فإن ملك عشرين دينارا آخر الحول فغني وإن ملك دون ذلك فاضلا عن حاجاته فمتوسط ويشترط أن يملك شيئا فوق المأخوذ منه وهو الربع لئلا يصير فقيرا وشرطهما أن يكون ما يملكانه فاضلا عن مسكن وثياب وسائر ما لا يكلف بيعه في الكفارة

فرع الإعتبار فيما يؤخذ كل حول بآخر ذلك الحول في أمور أحدها
تم حول وهناك إبل جمعت العاقلة ما عليهم من نصف وربع فاشتروا به إبلا فإن لم توجد الإبل فعلى القولين في أن الواجب حينئذ القيمة أم بدل مقدر فلو تأخر الأداء بعد الحول فوجدت لزمهم الإبل وإن وجدت بعد أخذ البدل لم يؤثر الثاني إذا لم يف التوزيع على العاقلة بواجب الحول أخذ الباقي من بيت المال ولا ينتظر مضي الأحوال الثلاثة الثالث يعتبر غناه وتوسطه في آخر الحول فلو كان معسرا آخر الحول لم يلزمه شىء من واجب ذلك الحول وإن كان موسرا من قبل أو أيسر بعد ولو كان موسرا آخر الحول لزمه فلو أعسر بعده فهو دين عليه ولو كان بعضهم في أول الحول كافرا أو رقيقا أو صبيا أو مجنونا وصار في آخره بصفة الكمال فهل تؤخذ منه حصته من واجب تلك السنة وما بعدها فيه أوجه أصحها لا والثاني نعم والثالث لا تؤخذ حصة تلك السنة ويؤخذ ما بعدها
فرع يشبه أن يكون المرعي في وجوب النصف والربع قدرهما لا أنه

يلزم العاقلة بذل الدنانير بأعيانهما لأن الإبل هي الواجب في الدية يؤخذ يصرف إلى الإبل وللمستحق أن لا يقبل غيرها يوضحه أن المتولي قال عليه نصف دينار أو ستة دراهم
الطرف الثالث في كيفية الضرب على العاقلة قد سبق بيان ترتيب العصبات والجهات وقدر الواجب فإذا انتهى التحمل إلى بيت المال فلم يكن فيه مال فهل يؤخذ الواجب من الجاني وجهان بناء على أن الدية تجب على العاقلة أولا أم على الجاني ثم تحملها العاقلة وفيه وجهان ويقال قولان أصحهما تؤخذ من الجاني فإن قلنا لا تؤخذ ففي وجه تجب الدية على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء ولم يذكر الجمهور هذا لكن لو حدث في بيت المال مال هل يؤخذ منه الواجب وجهان حكاهما القاضي حسين وغيره أحدهما لا كما لا يطالب فقير العاقلة لغناه بعد الحول وإن قلنا تؤخذ من الجاني فهي مؤجلة عليه كالعاقلة وهل تجب علي أبيه وابنه وجهان أصحهما لا والثاني نعم ويقدمان على القاتل

فرع إذا اعترف الجاني بالخطإ أو شبه العمد وصدقته العاقلة فعليهم الدية
على نفي العلم فإذا حلفوا فالدية على المقر قطعا وعن المزني أنه لا شىء عليه إن قلنا تجب الدية أولا على العاقلة قال الإمام ولا يبعد هذا عن القياس والذي قطع به الأصحاب هو الأول وتتأجل الدية عليه كالعاقلة لكنه يؤخذ منه في آخر كل حول ثلث الدية بخلاف الواحد من العاقلة فلو مات فهل تحل الدية وجهان أحدهما لا لأن الأجل يلازم دية الخطإ وأصحهما نعم

كسائر الديون المؤجلة بخلاف ما لو مات أحد العاقلة في أثناء الحول لا تؤخذ من تركته لأن سبيله المواساة والوجوب على الجاني سبيله صيانة الحق عن الضياع فلا يسقط فلو مات معسرا قال البغوي يحتمل أن تؤخذ الدية من بيت المال كمن لا عاقلة له ويحتمل المنع كما لو كان حيا معسرا
قلت هذا الثاني أرجح
والله أعلم
ولو غرم الجاني ثم اعترفت العاقلة فإن قلنا الوجوب يلاقيه لم يرد الولي ما قبض بل يرجع الجاني على العاقلة وإن قلنا هي على العاقلة أولا رد الولي ما أخذ وابتدأ بمطالبة العاقلة وفي التهذيب أنه لو ادعى عليه قتل خطإ أو شبه عمد ولا بينة ونكل المدعى عليه عن اليمين فحلف المدعي فإن قلنا اليمين المردودة كإقرار المدعى عليه وجبت الدية على المدعى عليه إن كذبت العاقلة المدعي وإن قلنا كالبينة فهل الدية على العاقلة أم على المدعى عليه ذهابا إلى أنها لا تكون كالبينة إلا في حق المتداعيين فيه وجهان

فصل بدل الأطراف وأروش الجراحات والحكومات قليلها وكثيرها يضرب على
تضرب عليهم لأن الضرب على خلاف القياس لكن ورد الشرع به في النفس فيقتصر عليها ولهذا لا كفارة ولا قسامة في الطرف وقول آخر إن ما دون ثلث الدية لا يضرب لأنه لا يعظم اجحافه بالجاني
فرع لو كان الأرش نصف دينار مثلا والعاقلة جماعات فوجهان

أصحهما

يوزع النصف عليهم والثاني يعين له القاضي واحدا أو جماعة باجتهاده كي لا يعسر التوزيع وهذا كالخلاف فيما لو كثرت العاقلة في درجة بحيث لو وزع الواجب لأصاب كل غني دون نصف وكل متوسط دون ربع فقولان المشهور ضربه على الجميع والثاني يخص الإمام جماعة يضرب على
أغنيائهم النصف ومتوسطهم الربع وعلى هذا وجهان الصحيح أنه يخص جماعة باجتهاده والثاني يجعلهم فريقين أو ثلاثة كما يقتضيه الحال ويقرع
فصل لا خلاف أن ما يضرب على العاقلة يضرب مؤجلا وأن الأجل
عن سنة وأن دية النفس الكاملة تؤجل إلى ثلاث سنين يؤخذ في كل سنة ثلثها واختلف الأصحاب في علته فراعت طائفة كونها بدل نفس محترمة وراعى آخرون قدر الواجب واعتبروا التأجيل به وهذا أصح وتظهر فائدة الخلاف في صور إحداها بدل العبد أو طرفه إذا جني عليه خطأ أو شبه عمد هل تحمله العاقلة أم هو في مال الجاني قولان أظهرهما الأول وهو الجديد لأنه بدل آدمي ويتعلق به قصاص وكفارة فعلى هذا لو اختلف السيد والعاقلة في قيمته صدقوا بأيمانهم فلو صدقه الجاني لم يقبل عليهم بل الزيادة على ما اعترفت به العاقلة في ماله وعلى هذا القول لو كانت قيمة العبد قدر دية حر ضربت في ثلاث سنين ولو كانت قدر ديتين فهل تضرب في ثلاث سنين لكونها بدل نفس أم في ست سنين في كل سنة قدر ثلث دية نظرا إلى القدر وجهان أصحهما الثاني


الثانية في دية النفس الناقصة كامرأة وذمي وغرة جنين وجهان أحدهما في ثلاث سنين لأنها نفس وأصحهما ينظر إلى القدر فدية اليهودي والنصراني والمجوسي والجنين في سنة فإنها لا تزيد على الثلث ودية المرأة في سنتين في آخر الأولى ثلث دية الرجل وفي آخر الثانية الباقي
الثالثة قتل جماعة كثلاثة رجال مثلا فهل تضرب دياتهم على عاقلته في ثلاث سنين أم في تسع وجهان أصحهما الأول ولو قتل ثلاثة واحدا فعلى عاقلة كل واحد ثلث ديته مؤجل عليهم في ثلاث سنين على الصحيح وقيل في سنة
الرابعة دية الأطراف وأروش الجراح والحكومات قيل تضرب في سنة قلت أم كثرت والصحيح التفضيل فإن لم يزد الواجب على ثلث الدية ضرب في سنة وإن زاد عليه ولم يجاوز الثلثين ففي سنتين في آخر الأولى ثلث دية وفي آخر الثانية الباقي وإن زاد على الثلثين ولم يجاوز الدية ففي ثلاث سنين وإن زاد كقطع يديه ورجليه فالمذهب أنه في ست سنين وقيل في ثلاث ويد المرأة في سنة ويداها كنفسها

فصل مات بعض العاقلة في أثناء السنة لا يؤخذ شىء من تركته
ولو مات بعد الحول والوجوب عليه وجب في تركته
فصل إن كانت العاقلة حاضرين في بلد الجناية فالدية عليهم وإن كانوا
غائبين لم يستحضروا ولا ينتظر حضورهم بل إن كان لهم

هناك مال أخذ منه وإلا فيحكم القاضي عليهم بالدية على ترتيبهم ويكتب بذلك إلى قاضي بلدهم ليأخذها وإن شاء حكم بالقتل وكتب إلى قاضي بلدهم ليحكم عليهم بالدية ويأخذها منهم وإن غاب بعضهم وحضر بعضهم نظر إن استووا في الدرجة فقولان أحدهما يقدم من حضر لقرب داره وإمكان النصرة منه وأظهرهما تضرب على الجميع ويكون كما لو حضروا كلهم أو غابوا وعلى الأول إن لم يكن في الحاضرين وفاء ضرب الباقي على الغائبين وطريقه كتاب القاضي كما سبق وإن اختلفت دارهم قدم الأقرب دارا فالأقرب هكذا ذكر القولين الجمهور وجعلهما المتولي في أنه هل يجوز تخصيص الحاضرين وإن اختلفت درجتهم فإن كان الحاضرون أقرب وزع عليهم فإن لم يفوا بالواجب كتب القاضي لما بقي وإن كانوا أبعد ففي تخصيص الحاضرين طريقان أصحهما طرد الخلاف والثاني القطع بالضرب على الأقربين وإن بعدت دارهم وبه قطع الشيخ أبو حامد والعراقيون

فصل ابتداء المدة في دية النفس من وقت الزهوق سواء قتله بجرح
أو بسراية جرح ولا خلاف فيما ذكرناه في كتب الأصحاب في جميع الطرق وأما قول الغزالي إن ابتداء المدة من وقت الرفع إلى القاضي فلا يعرف لغيره وقد نقله صاحب البيان عن الخراسانيين ويمكن أنه أراد به الغزالي وأما أرش ما دون لنفس فإن لم يسر واندملت فابتداء مدتها من وقت الجناية على الصحيح وقال أبو الفياض من الاندمال فعلى الأول لو مضت سنة ولم تندمل ففي مطالبة العاقلة بالأرش الخلاف السابق في مطالبة الجاني العامد قبل الاندمال وإن سرت من عضو إلى عضو بأن قطع أصبعه فسرت إلى كفه فهل ابتداء المدة من سقوط الكف أم من الاندمال أم أرش

الأصبع من يوم القطع وأرش الكف من يوم سقوطها فيه ثلاثة أوجه وبالأول قطع البغوي وبالثاني الشيخ أبو حامد وأصحابه والثالث اختاره القفال والإمام والغزالي والروياني

فصل في مسائل منثورة القاتل خطأ لا يحمل شيئا من الدية ومن
نفسه أو قطع طرفه خطأ أو عمدا فهدر
جناية الصبي والمجنون محمولة إن كانت خطأ أو شبه عمد أو عمدا وقلنا عمدهما خطأ
لو حل نجم ولا إبل في البلد قومت يومئذ وأخذت قيمتها ولا تعتبر بعض النجوم ببعض وفي فتاوي البغوي أن من نصفه حر ونصفه رقيق إذا قتل خطأ تجب نصف الدية على عاقلته
الطرف الرابع في جناية العبد وأم الولد فإذا جنى عبد جناية توجب مالا أو قصاصا وعفي على مال تعلق برقبته فتؤدى منها وهل تتعلق مع ذلك بذمته فيه قولان مستنبطان من قواعد الشافعي رحمه الله تعالى ويقال وجهان أحدهما نعم فتكون الرقبة مرهونة به وأظهرهما عند الجمهور لا وينسب إلى الجديد فإن قلنا بالذمة فبقي شىء بعد صرف ثمنه إلى الأرش اتبع به بعد العتق وكذا لو ضاع الثمن قبل صرفه إلى المجني عليه يطالب بالجميع وهل يجوز ضمانه وجهان أحدهما لا لعدم استقراره في الحال وأصحهما نعم كضمان المعسر وأولى لتوقع يساره وضمان ما يلزم ذمته بدين المعاملة أولى بالصحة
ولا خلاف أنه يصح ضمان ما تعلق بكسبه كالمهر في نكاح صحيح ولو ضمنه السيد فمرتب على ضمان الأجنبي وأولى بالصحة لتعلقه بملكه ثم العبد المتعلق برقبته مال لا يصير ملكا للمجني عليه بل سيده بالخيار بين أن يبيعه بنفسه أو

يسلمه للبيع وبين أن يبقيه لنفسه ويفديها ويكون المال الذي بذله فداء كالثمن الذي يشتريه به أجنبي وإذا سلمه للبيع فإن كان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فقدر الحاجة إلا أن يأذن سيده في بيع الجميع فيؤدي الأرش ويكون الباقي له وكذا الحكم لو لم يوجد من يشتري بعضه وإن أراد سيده فداءه فبكم يفديه قولان أظهرهما باتفاق الأصحاب وهو الجديد بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية والقديم بالأرش بالغا ما بلغ فعلى الجديد قال البغوي النص أنه تعتبر قيمته يوم الجناية وقال القفال ينبغي أن تعتبر قيمته يوم الجناية وقال القفال ينبغي أن تعتبر قيمته يوم الفداء لأن ما نقص قبل ذلك لا يؤاخذ السيد به وحمل النص على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه حالة الجناية ثم نقصت قيمته ولو جنى ففداه ثم جنى فإما أن يسلمه ليباع وإما أن يفديه ثانيا فإن كانت الجناية الثانية قبل الفداء فإن سلمه للبيع بيع ووزع الثمن على أرش الجنايتين وإن اختار الفداء فداه على الجديد بأقل الأمرين من القيمة والأرشين وعلى القديم بالأرشين وكذا الحكم لو كان سلمه للبيع فجنى ثانيا قبل البيع ولو قتل السيد عبده الجاني أو أعتقه أو باعه وقلنا بنفوذهما أو استولد الجانية لزمه الفداء وفي قدره طريقان أحدهما طرد القولين وأصحهما القطع بأقل الأمرين لتعذر البيع وبطلان توقع زيادة راغب
ولو مات الجاني أو هرب قبل أن يطالب السيد بتسليمه فلا شىء على السيد وكذا لو طولب ولم يمنعه فلو منعه صار مختارا للفداء قال البغوي ولو قتل الجاني فللسيد أن يقتص وعليه الفداء للمجني عليه ويجوز أن ينظر في وجوب الفداء عليه إلى أن موجب العمد القصاص أو أحد الأمرين فإن كان القتل موجبا للمال تعلق حق المجني عليه بقيمته وإذا أخذت

يخير السيد في تسليم عينها أو بدلها من سائر أمواله وإذا لزم الفداء بعد موت العبد أو قبله ففيما يفديه به الطريقان فيمن قتل العبد أو أعتقه لحصول اليأس من بيعه بما يزيد على قيمته ولو قال السيد اخترت الفداء أو قال أنا أفديه فوجهان أحدهما يلزمه الفداء ولا يقبل رجوعه والصحيح أنه لا يلزمه بل يبقى خياره كما كان وموضع الخلاف ما إذا كان العبد حيا فإن مات فلا رجوع له بحال

فصل إذا جنت مستولدة على نفس أو مال وجب على سيدها الفداء
يفديه به طريقان المذهب أنه بأقل الأمرين من قيمتها والأرش والثاني على قولين كالقن والفرق أنها غير قابلة للبيع وهل تعتبر قيمة يوم الجناية أم يوم الاستيلاد وجهان أصحهما الأول ولو جنت جنايتين وقلنا يفدي بالأرش لزم السيد الأروش بالغة ما بلغت وإن قلنا بالمذهب إن الواجب أقل الأمرين فإن كان أرش الجناية الأولى دون القيمة وفداها به وكان الباقي من قيمتها يفي بأرش الجناية الثانية فداها بأرشها أيضا وإن كان أرش الأولى كالقيمة أو أكثر أو أقل والباقي من القيمة لا يفي بأرش الجناية الثانية فثلاثة أقوال أظهرها أن الجنايات كلها كواحدة فيلزمه البيع فداء واحد والثاني يلزمه لكل جناية فداء والثالث إن فدى الأولى قبل جنايتها الثانية لزمه فداء آخر وإلا فواحد وإذا ألزمناه فداء واحدا اشترك فيه المجني عليهما أو عليهم على قدر جناياتهم فلو كانت قيمة المستولدة ألفا وأرش كل واحدة من الجنايتين ألفا فلكل منهما خمسمائة فإن كان الأول قبض الألف استرد الثاني منه خمسمائة فإن كانت قيمتها ألفا وأرش الأولى ألف والثانية خمسمائة يرجع الثاني على الأول بثلث

الألف ولو كانت الأولى خمسمائة والثانية ألفا أخذ الثاني من السيد خمسمائة تمام القيمة ورجع على الأول بثلث خمس المائة التي قبضها ليصير معه ثلثا الألف ومع الأول ثلثه ثم قيل الخلاف عند تخلل الفداء فيما إذا دفع السيد الفداء إلى المجني عليه الأول باختياره أما إذا دفعه بقضاء القاضي فلا يلزمه شىء آخر قطعا وعن ابن أبي هريرة أنه لا فرق وتجري الأقوال في الجناية الثالثة والرابعة وإلى ما لا نهاية له ومهما زادت الجناية زاد الاسترداد وشبه ذلك بما إذا قسمت تركة إنسان على غرمائه أو ورثته وكان حفر بئر عدوان فهلك بها شىء زاحم المستحق الغرماء والورثة واسترد منهم حصته فلو هلك آخر زاد الاسترداد

فرع جنى القن فمنع السيد بيعه واختار الفداء ثم جنى ففعل مثل
لزمه لكل جناية الأقل من أرشها وقيمته ولو جنى جنايات ثم قتله السيد أو أعتقه لا يلزمه إلا فداء واحد
فرع وطىء الجانية فوجهان أحدهما أنه اختيار للفداء كما أن وطء البائع
في زمن الخيار فسخ ووطء المشتري إجازة والصحيح المنع لأن الوطء لا دلالة له على الالتزام مع أنه لو التزم لم يلزمه على الأصح كما سبق ويخالف الخيار فإنه ثبت بفعله فسقط به وخيار السيد هنا ثبت بالشرع فلا يسقط بفعله
فرع جنت جارية لها ولد أو ولدت بعد الجناية من كان موجودا
حال

الجناية أو حدث بعدها لا يتعلق به الأرش فإن لم يجوز التفريق بيع معها وصرفت حصة الأم إلى الأرش وحصة الولد للسيد وهل تباع حاملا بحمل كان يوم الجناية أو حدث إن قلنا الحمل لا يعرف بيعت كما لو زيدت زيادة متصلة وإلا فلا تباع حتى تضع لأنه لا يمكن إجبار السيد على بيع الحمل ولا يمكن استثناؤه

فرع لو لم يفد السيد الجاني ولا سلمه للبيع باعه القاضي وصرف
إلى المجني عليه ولو باعه بالأرش جاز إن كان نقدا وكذا إن كان إبلا وقلنا يجوز الصلح عنها
الباب السادس في الجنين
فيه أطراف الأول الموجب وهو جناية توجب انفصال الجنين ميتا فهذه قيود الأول الجناية وهي ما يؤثر في الجنين من ضرب وإيجار دواء ونحوهما ولا أثر للطمة خفيفة ونحوها كما لا يؤثر في الدية
الثاني الانفصال فلو ماتت الأم ولم ينفصل جنين لم يجب على الضارب شىء وكذا لو كانت منتفخة البطن فضربها شخص فزال الانتفاخ أو كانت تجد حركة في بطنها فزالت لجواز أنه كان ريحا فانفشت ثم هل يعتبر انكشاف الجنين بظهور شىء منه أم الانفصال التام وجهان أصحهما الأول لتحقق وجوده ويتفرع عليهما ما لو ضرب بطنها فخرج رأس الجنين مثلا وماتت الأم كذلك ولم ينفصل أو خرج رأسه ثم جنى عليها فماتت فعلى الأصح تجب الغرة لتيقن وجوده وعلى الثاني لا ولو قدت نصفين وشوهد الجنين في بطنها ولم ينفصل ففيه الوجهان ولو

خرج رأسه وصاح فحز رجل رقبته فعلى الأصح يجب القصاص والدية لأنا تيقنا بالصياح حياته وإن اعتبرنا الانفصال فلا قصاص ولا دية ولو صاح ومات فوجوب الدية على الخلاف
الثالث كون المنفصل ميتا فلو انفصل حيا نظر إن بقي زمانا سالما غير متألم ثم مات فلا ضمان على الضارب لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر وإن مات عند خروجه أو بقي متألما حتى مات وجبت فيه دية كاملة لأنا تيقنا حياته فأشبه سائر الأحياء وسواء استهل أو وجد ما يدل على حياته كتنفس وامتصاص لبن وحركة قوية كقبض يد وبسطها ولا عبرة بمجرد الاختلاج على المشهور وإذا علمت الحياة فسواء كان انتهى إلى حركة المذبوح أم لم ينته وبقي يوما ويومين ثم مات لأنا تيقنا الحياة في الحالين والجناية عليه والظاهر موته بها وسواء انفصل لوقت يعيش فيه أو لوقت لا يتوقع أن يعيش بأن ينفصل لدون ستة أشهر وقال المزني إن لم يتوقع أن يعيش أو كان انتهى إلى حركة المذبوح ففيه الغرة دون الدية ولو قتل شخص هذا الجنين بعد انفصاله فإن انفصل لا بجناية فعلى القاتل القصاص كما لو قتل مريضا مشرفا على الموت وإن انفصل بجناية فإن كان فيه حياة مستقرة فكذلك وإلا فلا شىء على الثاني والقاتل هو الأول ولو انفصل ميتا بعد موت الأم من الضرب وجبت الغرة كما لو انفصل في حياتها لأنه شخص مستقل فلا يدخل في ضمانها

فرع سواء في وجوب الغرة كان الجنين ذكرا أو أنثى ثابت النسب
غيره تام الأعضاء أو ناقصها ولو اشترك اثنان في الضرب فالغرة عليهما ولو ألقت جنينين وجب غرتان ولو ألقت حيا وميتا ومات الحي وجب دية وغرة ولو ضرب بطن ميتة فانفصل منها جنين ميت

فلا غرة كذا قاله البغوي قال القاضي الطبري يجب لأن الجنين قد يبقى في جوفها حيا والأصل بقاء الحياة

فرع ألقت المضروبة يدا أو رجلا وماتت ولم ينفصل الجنين بتمامه فالصحيح
وجوب الغرة وهو نصه في المختصر وفي وجه يجب نصف غرة لأن اليد تضمن بنصف الجملة وهو تفريع على أن الجنين لا يضمن حتى ينفصل كله ولو ألقت يدين أو رجلين أو يدا ورجلا وجبت غرة قطعا ولو ألقت من الأيدي والأرجل ثلاثا أو أربعا أو رأسين فغرة على الصحيح وقيل غرتان ولو ألقت بدنين فغرتان لأن الشخص الواحد لا يكون له بدنان بحال كذا ذكره الإمام والغزالي والبغوي وغيرهم وحكى الروياني من نص الشافعي رحمه الله خلافه وجوز بدنين لرأس كرأسين لبدن ولو ألقت عضوا كيد أو رجل ثم ألقت جنينا فله حالان أحدهما أن يكون الجنين فقيد ذلك العضو فينظر إن ألقته قبل الاندمال وزوال ألم الضرب فإن كان ميتا لم تجب إلا غرة وبقدر العضو مبانا منه بالجناية وإن انفصل حيا ثم مات من الجناية وجب دية ودخل فيها أرش اليد وإن عاش فقد أطلق البغوي وجوب نصف الدية على عاقلة الضارب ونقل ابن الصباغ وغيره أنه تراجع القوابل فإن قلن إنها يد من خلق فيه حياة وجب نصف الدية وكذا إن علمنا انفصال اليد منه بعد خلق الحياة بأن ألقتها ثم انفصل الجنين عقب الضرب وإن شككنا في حاله وجب نصف الغرة عملا باليقين وليكن اطلاق البغوي محمولا على ذا التفصيل وإن ألقته بعد الاندمال لم يضمن الجنين حيا كان أو ميتا لزوال الألم الحاصل بفعله وأما اليد فإن خرج ميتا فعليه نصف غرة لها وإن خرج حيا ومات أو عاش فقيل يجب نصف غرة كما لو قطع يد

شخص فاندمل ثم مات وقيل تراجع القوابل كما سبق ولو ضرب بطنها فألقت يدا ثم ضربها آخر فألقت جنينا لا يد له فإن ضرب الثاني قبل الاندمال وانفصل الجنين ميتا فالغرة عليهما وإن انفصل حيا فإن عاش فعلى الأول نصف الدية وليس على الثاني سوى التعزير وإن مات فعليهما الدية وإن ضرب الثاني بعد الاندمال فإن انفصل ميتا فعلى الأول نصف الغرة وعلى الثاني غرة كاملة كما لو قطع يد رجل فاندمل ثم قتله آخر فعلى الأول نصف دية وعلى الثاني دية وإن خرج حيا فعلى الأول نصف الدية ثم إن عاش فليس على الثاني إلا التعزير وإن مات فعليه دية كاملة
الحال الثاني أن ينفصل الجنين كامل الأطراف فينظر إن انفصل قبل الاندمال فمقتضى ما سبق فيمن ألقت ثلاث أيد أن يقال إن انفصل ميتا لم يجب إلا غرة واحدة لاحتمال أن التي ألقتها كانت يدا زائدة وإن انفصل حيا ومات فالواجب غرة وإن عاش لم يجب إلا حكومة وبهذا التفصيل جزم الغزالي وفي التتمة و التهذيب أنه إن انفصل ميتا وجب غرتان إحداهما لليد والأخرى للجنين وإن خرج حيا ومات وجب دية وغرة ولو ألقت أولا جنينا كاملا ثم يدا فالحكم كذلك وإن انفصل الجنين بعد الاندمال لم يجب بسبب الجنين شىء ولو ضربها رجل فألقت اليد ثم ضربها آخر فألقت الجنين ففي التهذيب أن ضمان الجنين على الثاني سواء ضرب بعد اندمال الأول أو قبله فإن خرج ميتا وجب فيه غرة وإن خرج حيا فمات فدية وقياس ما سبق أن يقال إن ضرب الثاني قبل الاندمال وانفصل ميتا وجبت الغرة عليهما وإن انفصل حيا وعاش فعلى الأول حكومة وليس على الثاني إلا التعزير وإن مات فعليهما الدية


الطرف الثاني في الجنين الذي تجب فيه الغرة قد سبق في كتاب العدة أن الغرة تجب إذا سقطت بالجناية ما ظهر فيه صورة آدمي كعين أو أذن أو يد ونحوها ويكفي الظهور في طرف ولا يشترط في كلها ولو لم يظهر شىء من ذلك فشهد القوابل أن فيه صورة خفية يختص بمعرفتها أهل الخبرة وجبت الغرة أيضا وإن قلن ليس فيه صورة خفية لكنه أصل آدمي ولو بقي لتصور لم تجب الغرة على المذهب وإن شككن هل هو أصل آدمي لم تجب قطعا

فصل إنما تجب الغرة الكاملة في جنين محكوم بإسلامه تبعا لأبويه أو
أحدهما وبحريته فأما الجنين المحكوم بأنه يهودي أو نصراني تبعا لأبويه ففيه أوجه أحدها لا يجب فيه شىء أصلا والثاني تجب غرة كالمسلم وأصحها وبه قطع الجمهور يجب ثلث غرة المسلم فعلى هذا في الجنين المجوسي ثلثا عشر غرة المسلم وهو ثلث بعير ثم قيل يؤخذ هذا القدر من الدية ويدفع إلى المستحق ولا يصرف في غرة وقيل يدفع هذا القدر أو غرة بقيمته والأصح المنصوص أنه يشتري به غرة إلا أن لا توجد فيعدل حينئذ إلى الإبل أو الدراهم ولو كان أحد أبوي الجنين يهوديا أو نصرانيا والآخر مجوسيا فهل يجب فيه ما يجب في الجنين النصراني أم المجوسي أم يعتبر بالأب فيه أوجه الأصح المنصوص هو الأول ولو كان أحد أبويه ذميا والآخر وثنيا لا أمان له فعلى الأصح يجب ما يجب فيمن أبواه ذميان وعلى الثاني لا شىء فيه وعلى الثالث يعتبر جانب الأب والجنين المتولد من مستأمنين كجنين الذميين ولو اشترك مسلم وذمي في وطء ذمية بشبهة فحبلت وأجهضت جنينا بجناية يعرض الجنين على القائف وله حكم من

ألحقه به وإن أشكل الأمر أخذ الأقل ووقف إلى أن ينكشف الحال أو يصطلحوا قال في البيان ولا يجوز أن يصطلح الذمي والذمية في قدر الثلث منه لجواز أن يكون الجميع للمسلم لا حق لهما فيه ويجوز أن يصطلح في الثلث المسلم والذمية لأنه لا حق للذمي فيه ولا يخرج استحقاقه عنهما والمسألة مفرعة على أن الميت يعرض على القائف وهو الصحيح ولو جنى على مرتدة حبلى فأجهضت نظر إن ارتدت بعد الحبل وجبت غرة لأن الجنين محكوم بإسلامه وإن حبلت بعد الردة من مرتد بني على المتولد من مرتدين مسلم أم كافر إن قلنا مسلم وجب غرة وإلا فلا شىء فيه على الصحيح كجنين الحربيين وبه قطع الشيخ أبو علي وغيره وفي التهذيب أن فيه دية جنين مجوسي لعلقة الإسلام

فرع جنى على ذمية حبلى من ذمي فأسلم أحدهما ثم أجهضت وجبت
لأن الاعتبار في الضمان بآخر الأمر وكذا حكم من جنى على أمة حبلى فعتقت ثم ماتت وفيما يستحقه سيدها من ذلك وجهان أو قولان الصحيح الأقل من عشر قيمة الأمة ومن الغرة والثاني لا يستحق السيد بحكم الملك شيئا قاله القاضي أبو الطيب والقفال لأن الإجهاض حصل حال الحرية فصار كحر تردى في بئر كان عند حفرها رقيقا لا شىء لسيده من الضمان
فرع جنى على حربية فأسلمت ثم أجهضت فالأصح وبه قال ابن الحداد
يجب شىء وقيل يجب غرة

قلت قال البغوي يجري الوجهان فيما لو جنى السيد على أمته الحامل من غيره فعتقت ثم ألقت الجنين
والله أعلم

فرع الجنين الرقيق فيه عشر قيمة الأم ذكرا كان أو أنثى قنة
أمه أو مدبرة ومكاتبة ومستولدة ولو ألقت جنينا ميتا فعتقت ثم ألقت آخر ميتا فالواجب في الأول عشر قيمة الأم وفي الثاني الغرة وفي القيمة المعتبرة وجهان أحدهما قيمة يوم الإجهاض والأصح المنصوص تعتبر القيمة أكثر ما كانت من الجناية إلى الإجهاض فلو كان الجنين سليما والأم مقطوعة الأطراف أو بالعكس فوجهان أحدهما تقوم مقطوعة وأصحهما سليمة كما لو كانت كافرة والجنين مسلم يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة وكما لو كان الجنين رقيقا وهي حرة بأن كانت لرجل والجنين لآخر فأعتقها صاحبها وبقي الجنين رقيقا لصاحبه تقدر الأم رقيقة ويجب في الجنين عشر قيمتها
فرع جارية مشتركة بينهما نصفين حبلت من زوج أو زنى وجنى عليها
فألقت جنينا ميتا لزمه عشر قيمة الأم للسيدين فلو جنى عليها أحدهما فألقت ميتا لزمه نصف عشر قيمة الأم لشريكه ولو أعتقها بعدما جنى ثم ألقته نظر إن كان معسرا عتق نصيبه من الأم والجنين وعليه نصف عشر قيمة الأم لشريكه وهل يلزمه نصف الغرة للنصف الحر وجهان قال ابن الحداد لا لأنه وقت الجناية كان ملكه وقال آخرون نعم وهو نصه في الأم لأن الجناية على الجنين إنما تتحقق عند الإلقاء وهو حر حينئذ والخلاف مبني على أن الموجب للغرة الضرب أو الإجهاض وفيه وجهان وأكثر الناقلين يميلون إلى ترجيح

وجوب نصف الغرة والأصح ما رجحه الشيخ أبو علي وجماعة أنه لا يجب وأن الموجب الضرب لتأثيره فإن أوجبنا بني على أن من بعضه رقيق هل يورث إن قلنا نعم فهو لورثته غير سيده وأمه لأنه قاتل وبعضها رقيق وإن قلنا لا فهل هو لبيت المال أم للمالك نصفه فيه الخلاف السابق في الفرائض أما إذا كان المعتق موسرا فإن قلنا تحصل السراية بنفس الإعتاق أو بأداء القيمة وأداها قبل الإجهاض فعلى الجاني الغرة وتصرف إلى ورثة الجنين وإن قلنا تحصل بأداء القيمة ولم يؤدها حتى أجهضت فحكمه كما ذكرنا فيما لو كان معسرا وإن قلنا العتق موقوف فإن أدى القيمة تبين حصول العتق من وقت اللفظ ويكون حكمه كما إذا قلنا تحصل بنفس الإعتاق وإن لم يؤد فكما ذكرنا لو كان معسرا ولو كانت المسألة بحالها لكن أعتق أحدهما نصيبه ثم جنى عليها جان فألقت جنينا ميتا فالجاني المعتق أو شريكه أو أجنبي فإن كان المعتق نظر إن كان معسرا بقي نصيب الشريك ملكا له فعليه له نصف عشر قيمة الأم وعليه للنصف الذي عتق نصف الغرة بلا خلاف ولمن يكون ذلك يبنى على الخلاف فيمن بعضه حر هل يورث كما سبق وإن كان موسرا فإن قلنا تحصل السراية بأداء القيمة أو قلنا بالوقف وأدى القيمة غرم لشريكه نصف قيمة الأمة حاملا ولا يفرد الجنين بقيمته بل يتبع الأم في التقويم كما يتبعها في البيع ويلزمه بالجناية الغرة لأن الجنين حر وترث الأم منها لأنها حرة والباقي منها لعصبته ولا شىء للمعتق لأنه قاتل وإن جنى الشريك الآخر فإن كان المعتق معسرا فنصف الجنين مملوك للجاني فيلزمه نصف غرة للنصف الحر ويعود الخلاف في أنه لمن هو وإن كان موسرا فإن قلنا لا تحصل السراية إلا بأداء القيمة أو قلنا بالوقف ولم يؤد القيمة فالحكم كما لو كان معسرا

وإن قلنا يعتق باللفظ أو بالتوقف وأدى القيمة فللجاني على المعتق نصف قيمتها حاملا وعلى الجاني الغرة وترثها الأم والعصبة وإن كان الجاني أجنبيا فإن كان المعتق معسرا فقد أتلف الأجنبي جنينا نصفه حر ونصفه رقيق فعليه نصف غرة ونصف عشر قيمة الأم وإن كان المعتق موسرا وعتق كله فقد أتلف الأجنبي جنينا حرا ففيه غرة ولو جنى عليها الشريكان معا فأجهضت جنينا فعلى كل واحد منهما للآخر ربع عشر قيمة الأم لأن كل واحد منهما جنى على ملك نفسه وملك صاحبه ونصيب كل واحد تلف بفعليهما فهدر جنايته على ملكه والحقان من جنس واحد فيكون على خلاف التقاص
وإن أعتقاها معا بعدما جنيا أو وكلا رجلا فأعتقها بكلمة ثم أجهضت فقد عتق الجنين مع الأم قبل الإجهاض فيضمن بالغرة وفيما يجب على كل واحد منهما وجهان قال ابن الحداد ربع الغرة اعتبارا بحال الجناية وقال غيره نصفها اعتبارا بحال الإجهاض وللأم ثلث الواجب والباقي للعصبة ولا يرث السيدان منها شيئا لأنهما قاتلان ولو جنى عليها أحدهما ثم أعتقاها ثم أجهضت فعلى قول ابن الحداد على الجاني نصف الغرة ولشريكه الأقل من نصفها ونصف عشر قيمة الأم وعلى قول غيره عليه غرة كاملة اعتبارا بيوم الإجهاض

فرع وطىء شريكان مشتركة فحبلت فجنى فألقت ميتا فإن كانا موسرين فالجنين
فهل كل الولد حر أم نصفه قولان أظهرهما الثاني فعلى هذا على الجاني نصف الغرة ونصف عشر قيمة الأم فنصف الغرة لمن يلحقه ونصف عشر القيمة للآخر


فرع جنت مستولدة حامل من سيدها على نفسها فألقت جنينا ميتا فلا
ضمان إن لم يكن للجنين وارث سوى السيد وإن كان له أم أم حرة غرم السيد لها الأقل من قيمة المستولدة وسدس الغرة قال الشيخ أبو علي ويجيء قول إن عليه سدس الغرة بالغا ما بلغ على أن أرش جناية المستولدة يلزم السيد بالغا ما بلغ
فرع مات عن زوجة حامل وأخ لأب وفي التركة عبد فضرب بطنها
الجنين ميتا تعلقت الغرة برقبة العبد وللأم ثلثها وللعم ثلثاها والعبد ملكهما والمالك لا يستحق على ملكه شيئا فيقابل ما يرثه كل واحد بما يملكه فالأخ يملك ثلاثة أرباع العبد فيتعلق به ثلاثة أرباع الغرة وله ثلثا الغرة يذهب الثلثان بالثلثين يبقى نصف سدس الغرة متعلقا بحصته من العبد والزوجة تملك ربع العبد فيتعلق به ربع الغرة ولها ثلث الغرة يذهب ربع بربع يبقى لها نصف سدس الغرة متعلقا بنصيب الأخ وهو ثلاثة أرباع العبد فيفديه بأن يدفع نصف سدس الغرة إلى الزوجة
فرع جنى حر أبوه رقيق وأمه عتيقة على امرأة حامل ثم أعتق
ولاؤه من معتق أمه إلى معتق أبيه ثم أجهضت الحامل قال ابن الصباغ على قياس ابن الحداد يتحمل بدل الجنين مولى الأم اعتبارا بحال الجناية وعلى قياس غيره يتحمل مولى الأب اعتبارا بحال الإجهاض


فرع أحبل مكاتب أمته فجنى عليها فأجهضت وجب في الجنين عشر قيمة
الأم لأنها رقيقة بعد
الطرف الثالث في صفة الغرة هي رقيق سليم من عيب يثبت رد المبيع له سن مخصوص فيجبر المستحق على قبولها من أي نوع كانت وسواء الذكر والأنثى ولا يجبر على قبول خصي وخنثى وكافر ولو رضي بقبول المعيب جاز ولا يجبر على قبول من لم يبلغ سبع سنين وفي لفظ الشافعي رحمه الله لا يقبل دون سبع أو ثمان فقيل معناه ما ذكرنا ويمكن أن المراد لا يقبل دون سن التمييز وهو سبع أو ثمان ويختلف باختلاف الصبيان ولا يقبل من ضعف بالهرم وخرج عن الاستقلال ويقبل دونه وقيل لا يقبل بعد عشرين سنة غلاما كان أو جارية وقيل لا تقبل الجارية بعد عشرين ولا الغلام بعد خمس عشرة وصحح جماعة هذا والأول أصح وحكوه عن النص
قلت كذا ضبطوه على الوجه الثالث بخمس عشرة سنة وعللوه بأنه لا يدخل على النساء وكان ينبغي أن يضبط بالبلوغ فلا يقبل من بلغ لدون هذا السن
والله أعلم
وهل تتقدر قيمة الغرة وجهان أحدهما الإبل إذا وجدت السلامة والسن وجب القبول وإن قلت قيمتها وأصحهما وبه قطع الجمهور يشترط أن تبلغ قيمتها نصف عشر الدية وهو خمس من الإبل ومتى وجدت الغرة بصفاتها لم يجبر على قبول غيرها والاعتياض عنها كالاعتياض عن إبل الدية وإن لم توجد الغرة فطريقان أصحهما على قولين أظهرهما يجب خمس من الإبل والثاني

قيمة الغرة والطريق الثاني خمس من الإبل قطعا فإذا أوجبنا الإبل ففقدت فهو كفقدها في الدية فعلى الجديد تجب قيمتها وعلى القديم يجب خمسون دينارا أو ستمائة درهم
الطرف الرابع في مستحق الغرة ومن تجب عليه أما المستحق فورثة الجنين فلو جنت الحامل على نفسها بشرب دواء أو غيره فلا شىء لها من الغرة المأخوذة من عاقلتها لأنها قاتلة وهي لسائر ورثة الجنين
وأما من تجب عليه الغرة فالجناية على الجنين قد تكون خطأ محضا بأن يقصد غير الحامل فيصيبها وقد تكون شبه عمد بأن يقصد ضربها بما يؤدي إلى الإجهاض غالبا فتجهض ولا تكون عمدا محضا لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور وفي المهذب أنه يكون عمدا محضا إذا قصد الإجهاض وقال ابن الصباغ قال أبو إسحق وإن قصدها بالضرب يكون خطأ محضا في حق الجنين فعلى الصحيح سواء كانت خطأ أو شبه عمد فالغرة على العاقلة قال ابن الصباغ والغرة بدل نفس فلا يجيء فيها القول القديم في أن العاقلة لا تحمل ما دون النفس وفي جمع الجوامع للروياني أن بعضهم أثبت فيها القديم وليس بشىء وإذا فقدت الغرة وقلنا تنتقل إلى خمس من الإبل غلظنا إن كانت الجناية شبه عمد بأن تؤخذ حقة ونصف وجذعة ونصف وخلفتان قاله الأصحاب ولم يتكلموا في التغليظ عند وجود الغرة لكن قال الروياني ينبغي أن يقال تجب غرة قيمتها نصف عشر الدية المغلظة وهذا حسن أما بدل الجنين الرقيق فلسيده وهل تحمله العاقلة فيه القولان في بدل العبد


فرع قطع طرف حامل أو جرحها فألقت جنينا ميتا يجب مع ضمان
ضمان الجناية حكومة كان أو أرشا مقدرا ويكون ضمان الجناية لها ولو تألمت بالضرب وألقت جنينا فإن لم يبق شين لم يجب للألم شىء وإن بقي وجبت له حكومة في الأصح
فصل سقط جنين ميت وادعى وارثه على رجل أنه سقط بجنايته فأنكر
الجناية صدق بيمينه ولا يقبل قول المدعي إلا بشهادة رجلين فإن أقر بالجناية وأنكر الإسقاط وقال السقط ملتقط فهو المصدق أيضا وعلى المدعي البينة وتقبل شهادة النساء لأن الإسقاط ولادة وإن أقر بالجناية والإسقاط وأنكر كون الإسقاط بسبب جنايته نظر إن أسقطت عقب الجناية فهي المصدقة باليمين سواء قال إنها شربت دواء أو ضرب بطنها آخر أو قال انفصل الجنين لوقت الولادة لأن الجناية سبب ظاهر وإن أسقطت بعد مدة من وقت الجناية صدق بيمينه لأن الظاهر معه إلا أن تقوم بينة على أنها لم تزل متألمة حتى أسقطت ولا تقبل هذه الشهادة إلا من رجلين وضبط المتولي المدة المتخللة بما يزول فيه ألم الجناية وأثرها غالبا وإن اتفقا على سقوطه بجنايته فقال الجاني سقط ميتا فالواجب الغرة وقال الوارث بل حيا ثم مات والواجب الدية فعلى الوارث البينة لما يدعيه من استهلال وغيره وتقبل فيه شهادة النساء لأن الاستهلال حينئذ لا يطلع عليه غالبا إلا النساء وعن رواية الربيع أنه يشترط رجلان ولو أقام كل بينة لما يقوله فبينة الوارث أولى لأن معها

زيادة علم ولو اتفقا على أنه انفصل حيا بجنايته وقال الوارث مات بالجناية وقال الجاني بل مات بسبب آخر فإن لم يمتد الزمان فالمصدق الوارث بيمينه وإن امتد وإن امتد صدق الجاني بيمينه إلا أن يقيم الوارث بينة أنه لم يزل متألما إلى أن مات ولو ألقت جنينين وادعى الوارث حياتهما وأنكر الجاني حياتهما فأقام الوارث بينة باستهلال أحدهما قال المتولي الشهادة مسموعة ثم إن كانا ذكرين وجب دية رجل وغرة وإن كانا أنثيين فدية امرأة وغرة وإن كانا ذكرا وأنثى وجب اليقين وهو دية امرأة وغرة ولو صدق الوارث في حياة أحدهما وكانا ذكرا وأنثى فقال الوارث الحي هو الذكر وقال الجاني بل الأنثى صدق الجاني بيمينه ويحلف على نفي العلم بحياة الذكر وتجب دية امرأة وغرة ولو صدقه الجاني في حياة الذكر وكذبته العاقلة فعلى العاقلة دية أنثى وحكومة والباقي في مال الجاني ولو ألقت جنينين حيين وماتا وماتت الأم بينهما ورثت الأم من الأول وورث الثاني من الأم ولو قال وارث الجنين ماتت الأم أولا فورثها الجنين ثم مات فورثته أنا وقال وارث الأم بل مات الجنين أولا فورثته الأم ثم ماتت فورثها فإن كان بينة حكم بها وإلا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي للحالف وإن حلفا أو نكلا لم يورث أحدهما من الآخر لأنه عمي موتهما كالغرقى وما تركه كل واحد لورثته الأحياء

باب كفارة القتل
هي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فهل عليه إطعام ستين مسكينا قولان وقال القفال وجهان وأنكر على صاحب التلخيص رواية القولين أظهرهما

لا فعلى هذا لو مات قبل الصوم أخرج من تركته لكل يوم مد طعام كفوات صوم رمضان والقول في صفة الرقبة والصيام والإطعام إن أوجبناه وما يجوز النزول من درجة إلى درجة على ما سبق في الكفارات

فصل قتل العمد وشبه العمد والخطإ يوجب الكفارة وقال ابن المنذر لا
أبي هريرة والطبري أنه إذا اقتص من المتعمد فلا كفارة في ماله فعلى هذا إنما يجب إخراج الكفارة إذا لم يقتص منه بأن مات أو عفي عنه وتجب الكفارة في القتل بالسبب كما في المباشرة فتجب على حافر البئر عدوانا ومن نصب شبكة فهلك بهما شخص وعلى المكره وشاهد الزور ولا تجب في القتل المباح كقتل مستحق القصاص الجاني وكقتل الصائل والباغي ونعني بالمباح ما أذن فيه والخطأ لا يوصف بكونه مباحا ولا حراما بل المخطىء غير مكلف فيما هو مخطىء فيه
فصل تجب الكفارة على الذمي والعبد وفي مال الصبي والمجنون إذا قتلا
ولا تجب بوطئه في صوم رمضان لأنه غير متعد والتعدي شرط في وجوب تلك الكفارة وإذا وجبت الكفارة بقتل الصبي والمجنون أعتق الولي من مالهما كما يخرج الزكاة والفطرة منه ولا يصوم عنهما بحال ولو صام الصبي في صغر فهل يجزئه وجهان كما لو قضى في صغره حجة أفسدها وإذا أدخلنا الإطعام في هذه الكفارة أطعم الولي إن كانا من أهله وينبغي أن يقال إن اكتفينا بصوم الصبي لم

يجز العدول إلى الإطعام وإلا فيجوز كالمجنون ولو أعتق الولي من مال نفسه عنهما أو أطعم قال البغوي إن كان أبا أو جدا جاز وكأنه ملكهما ثم ناب عنهما في الإعتاق والإطعام وإن كان وصيا أو قيما لم يجز حتى يقبل القاضي لهما التمليك ولا كفارة على حربي لأنه غير ملتزم وهل تجب على من قتل نفسه وجهان أصحهما نعم لأنه قتل محرم فتخرج من تركته ويجري الخلاف فيمن حفر بئرا عدوانا فهلك بها رجل بعد موته ووجه المنع أن في الكفارة معنى العبادة فيبعد وجوبها على ميت ابتداء ولو اشترك جماعة في قتل فهل على كل واحد كفارة أم على الجميع كفارة واحد وجهان أصحهما الأول

فصل شرط القتيل الذي تجب بقتله الكفارة أن يكون آدميا معصوما بإيمان
أو أمان فتجب على من قتل عاقلا أو مجنونا أو صبيا أو جنينا أو ذميا أو معاهدا أو عبدا وعلى السيد في قتل عبده ولا تجب بقتل حربي ومرتد وقاطع طريق وزان محصن ولا بقتل نساء أهل الحرب وأولادهم وإن كان قتلهم محرما لأن تحريمه ليس لحرمتهم بل لمصلحة المسلمين لئلا يفوتهم الإرتفاق بهم
فرع إذا قتل مسلما في دار الحرب وجبت الكفارة بكل حال قال
تعالى { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } معناه عند الشافعي وغيره رحمهم الله وإن كان من قوم عدوكم
وأما القصاص والدية فإن ظنه القاتل كافرا لكونه بزي الكفار

فلا قصاص وفي الدية قولان أظهرهما لا تجب وإلا فإن عرف مكانه فهو كما لو قتله في دار الإسلام حتى إذا قصد قتله يجب القصاص أو الدية المغلظة في ماله مع الكفارة وإن لم يعرف مكانه ورمى سهما إلى صف الكفار في دار الحرب سواء علم في الدار مسلما أم لا نظر إن لم يعين شخصا أو عين كافرا فأخطأ وأصاب مسلما فلا قصاص ولا دية وكذا لو قتله في بيات أو غارة ولم يعرفه وإن عين شخصا فأصابه وكان مسلما فلا قصاص وفي الدية قولان ويشبه أن يكونا هما القولين فيمن ظنه كافرا ولو دخل الكفار دار الإسلام فرمى إلى صفهم فأصاب مسلما فهو كما لو رمى إلى صفهم في دار الحرب
وبالله التوفيق = روضة الطالبين وعمدة المفتين


كتاب دعوى الدم
والقسامة والشهادة على الدم فيه ثلاثة أبواب الأول في الدعوى ولها خمسة شروط أحدها تعيين المدعى عليه بأن ادعى القتل على شخص أو جماعة معينين فهي مسموعة وإذا ذكرهم للقاضي وطلب إحضارهم أجابه إلا إذا ذكر جماعة لا يتصور اجتماعهم على القتل فلا يحضرهم ولا يبالي بقوله فإنه دعوى محال ولو قال قتل أبي أحد هذين أو واحد من هؤلاء العشرة وطلب من القاضي أن يسألهم ويحلف كل واحد منهم فهل يجيبه وجهان أصحهما لا وبه قطع جماعة للإبهام كمن ادعى دينا على أحد رجلين والثاني نعم للحاجة ولا ضرر عليهم في يمين صادقة ويجري الخلاف في دعوى الغصب والإتلاف والسرقة وأخذ الضالة على أحد رجلين أو رجال ولا يجري في دعوى قرض وبيع سائر المعاملات لأنها تنشأ باختيار المتعاقدين وشأنها أن يضبط كل واحد منهما صاحبه هذا هو المذهب في الصورتين وقيل بطرد الخلاف في المعاملات وقيل بقصره على دعوى الدم لعظم خطرها فلو لم يكن الجماعة التي ادعى عليهم القتل حاضرين وطلب إحضارهم ففي إجابته الوجهان ولو قال قتله أحدهم ولم يطلب إحضارهم ليسألوا ويعرض عليهم اليمين لم يحضرهم القاضي ولم يبال بكلامه هكذا ذكره المتولي وذكر أن الوجهين فيما إذا تعلقت الدعوى بواحد من

جماعة محصورين فأما إذا قال قتله واحد من أهل القرية أو المحلة وهم لا ينحصرون وطلب إحضارهم فلا يجاب لأنه يطول فيه العناء على القاضي ويتعطل زمانه في خصومة واحدة وتتأخر حقوق الناس
الشرط الثاني أن تكون الدعوى مفصلة أقتله عمدا أم خطأ أم شبه عمد منفردا أم مشارك غيره لأن الأحكام تختلف بهذه الأحوال ويتوجه الواجب تارة على العاقلة وتارة على القاتل فلا يعرف من يطالب إلا بالتفصيل وفيه وجه سنذكره إن شاء الله تعالى أنه يجوز كون الدعوى مجهولة فعلى الصحيح لو أجمل الولي فوجهان أحدهما يعرض القاضي عنه ولا يستفصل لأنه ضرب من التلقين والثاني وهو الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور يستفصل وربما وجد في كلام الأئمة ما يشعر بوجوب الاستفصال وإليه أشار الروياني وقال الماسرجسي لا يلزم الحاكم أن يصحح دعواه ولا يلزمه أن يستمع إلا إلى دعوى محررة وهذا أصح ثم إذا قال قتله منفردا أو عمدا ووصف العمد أو خطأ وطالب المدعى عليه بالجواب وإن قال قتله بشركة سئل عمن شاركه فإن ذكر جماعة لا يمكن اجتماعهم على القتل لغا قوله ودعواه وإن ذكر جماعة يتصور اجتماعهم ولم يحضرهم أو قال لا أعرف عددهم فإن ادعى قتلا يوجب الدية بأن قال قتله خطأ أو شبه عمد أو تعمد وفي شركائه مخطىء لم تسمع دعواه لأن حصة المدعى عليه من الدية لا تعلم إلا بحصر الشركاء فلو قال لا أعلم عددهم تحقيقا ولكن أعلم أنهم لا يزيدون على عشرة سمعت دعواه وطالب بعشر الدية وإن ادعى ما يوجب القود بأن قال قتل عمدا مع شركاء عامدين فوجهان أصحهما تسمع دعواه ويطالب بالقصاص لأنه لا يختلف بعدد

الشركاء والثاني لا لأنه قد يختار الدية فلا يعلم حقه منها وأشير إلى وجه ثالث أنا إن قلنا موجب العمد القود سمعت وإن قلنا أحدهما فلا
الشرط الثالث أن يكون المدعي مكلفا ملتزما فلا تسمع دعوى صبي ومجنون وحربي ولا يضر كون المدعي صبيا أو مجنونا أو جنينا حالة القتل إذا كان بصفة الكمال عند الدعوى لأنه قد يعلم الحال بالتسامع ويمكنه أن يحلف في مظنة الحلف إذا عرف ما يحلف عليه بإقرار الجاني أو سماع ممن يثق به كما لو اشترى عينا وقبضها فادعى رجل ملكها فله أن يحلف أنه لا يلزمه التسليم إليه اعتمادا على قول البائع وأما المحجور عليه بسفه فتسمع دعواه الدم وله أن يحلف ويحلف ويستوفي القصاص وإذا آل الأمر إلى المال أخذه الولي كما في دعوى المال يدعي السفيه ويحلف والولي يأخذ المال
الرابع أن يكون المدعى عليه مكلفا فلا يدعي على صبي ومجنون فلو ادعى على محجور عليه بسفه نظر إن كان هناك لوث سمعت الدعوى سواء ادعى عمدا أو خطأ أو شبه عمد ويقسم المدعي ويكون الحكم كما في غير السفيه وإذا كان اللوث قول عدل واحد حلف المدعي معه ويثبت المال بالشاهد واليمين وإن لم يكن لوث فإن ادعى قتلا يوجب القصاص سمعت الدعوى لأن إقراره بما يوجب القصاص مقبول فإن أقر أمضى حكمه عليه وإن نكل حلف المدعي وكان له أن يقتص وإن ادعى خطأ أو شبه عمد فهذا مبني على أن إقرار المحجور عليه بالإتلاف هل يقبل وفيه وجهان سبقا في الحجر وسواء قبلناه أم لا فتسمع أصل الدعوى أما

إذا قبلنا إقراره فليمض عليه الحكم إن أقر وليقم البينة عليه إن أنكر وأما إذا لم نقبل وهو الأصح فليقم البينة عليه إن أنكر ثم إذا أنكر هل يحلف يبنى على أن يكون المدعى عليه مع يمين المدعي كبينة يقيمها المدعي أم كإقرار المدعى عليه إن قلنا كالبينة حلف فربما نكل وإن قلنا كالإقرار لم يحلف على الأصح وقيل يحلف لتنقطع الخصومة في الحال

فرع تسمع دعوى القتل على المحجور عليه بفلس فإن كان بينة أو
وأقسم المدعي فهو كغيره ويزاحم المستحق الغرماء بالمال وإن لم تكن بينة ولا لوث حلف المفلس فإن نكل حلف المدعي واستحق القصاص إن ادعى قتلا يوجب القصاص قال الروياني فإن عفا عن القصاص على مال ثبت وهل يشارك به الغرماء يبنى على أن اليمين المردودة كالبينة أم كالإقرار إن قلنا كالبينة فنعم وإلا فقولان كما لو أقر بعين في يده أو بمال نسبه إلى ما قبل الحجر وإن كان المدعي قتل خطأ أو شبه عمد ثبت باليمين المردودة الدية وتكون على العاقلة إن قلنا كالبينة وإن قلنا كالإقرار كانت على الجاني وفي مزاحمة المدعي الغرماء بها القولان
فرع ادعى مثلا على عبد إن كان لوث سمعت وأقسم المدعي واقتص
عمدا وأوجبنا القصاص بالقسامة وإلا فتتعلق الدية برقبة العبد وإن لم يكن لوث فدعوى القتل الموجب للقصاص تكون على العبد ودعوى الموجب للمال على السيد وتمام المسألة يأتي في الدعوى والبينات إن شاء الله تعالى


الشرط الخامس أن لا تتناقض دعواه فلو ادعى على شخص تفرده بالقتل ثم على آخر تفرده بالقتل أو مشاركته لم تسمع الثانية ولو لم يقسم على الأول ولم يمض حكم فلا يمكن من العود إليه لأن الثانية تكذبها ولو صدقه الثاني في دعواه الثانية فوجهان أحدهما ليس له مؤاخذته لأن في الدعوى على الأول اعترافا ببراءة غيره وأصحهما له مؤاخذته لأن الحق لا يعدوهما ويحتمل كذبه في الأولى وصدقه في الثانية ولو ادعى قتلا عمدا فاستفصل فوصفه بما ليس بعمد نقل المزني أنه لا يقسم والربيع أنه يقسم قال الأكثرون في المسألة قولان أحدهما تبطل الدعوى ولا يقسم لأن في دعوى العمد اعترافا ببراءة العاملة فلا يمكن من مطالبتهم بعدة ولأن فيه اعترافا بأنه ليس بمخطىء فلا يقبل رجوعه عنه وأظهرهما لا تبطل لأنه قد يظن الخطأ عمدا فعلى هذا يعتمد تفسيره ويمضي حكمه ومنهم من قطع بهذا وتأول نقل المزني على أنه لا يقسم على العمد
ويجري الطريقان فيمن ادعى خطأ وفسر بعمد وكذا فيمن ادعى شبه عمد وفسر بخطإ وقيل يقبل تفسيره قطعا لأن فيه تخفيفا عن العاقلة ورجوعا عن زيادة ادعاها عليهم

فرع ادعى قتلا فأخذ المال ثم قال ظلمته بالأخذ وأخذته باطلا أو
ما أخذته حرام علي سئل فإن قال كذبت في الدعوى وليس هو قاتلا استرد المال منه وإن قال أردت أني حنفي لا أعتقد أخذ المال بيمين المدعي لم يسترد لأن النظر إلى رأي الحاكم واجتهاده لا إلى مذهب الخصمين وذكروا للمسألة نظائر


منها مات شخص فقال ابنه لست أرثه لأنه كان كافرا فسئل عن كفره فقال كان معتزليا أو رافضيا فيقال له لك ميراثه وأنت مخطىء في اعتقادك لأن الإعتزال والرفض ليس بكفر هكذا قاله القفال والبغوي والروياني وغيرهم
قال الفوراني ومن شيوخنا من يكفر أهل الأهواء فعلى هذا يحرم الميراث
قلت هذا الوجه خطأ والصواب المنصوص والذي قطع به الجمهور أنا لا نكفرهم
ومنها قضى حنفي لشافعي بشفعة الجوار فأخذ الشقص ثم قال أخذته باطلا لأنني لا أرى شفعة الجوار لا يسترد منه
ومنها مات عن جارية أولدها بنكاح فقال وارثه لا أتملكها لأنها صارت أم ولد له بذلك وعتقت بموته فيقال له هي مملوكتك ولا تصير أم ولد بالنكاح
واعلم أن جميع هذا فيما يتعلق بظاهر الحكم أما الحل باطنا إذا حكم القاضي في مواضع الخلاف لشخص على خلاف اعتقاده كحكم حنفي لشافعي بشفعة جوار ففي ثبوته خلاف وميل الأئمة هنا إلى ثبوته وسنذكره إن شاء الله تعالى في كتاب الأقضية
ولو قال أردت بقولي حرام أنه مغصوب فإن عين المغصوب منه لزمه تسليمه إليه ولا رجوع له على المأخوذ منه لأن قوله لا يقبل عليه وإن لم يعين أحدا فهو مال ضائع وفي مثله خلاف مشهور والجواب في الشامل أنه لا يلزمه رفع يده عنه ولو قال بعد ما أقسم ندمت على الأيمان لم يلزمه بهذا شىء


فرع ادعى القتل على رجل وحلف وأخذ المال فجاء رجل وقال أنا
مورثك ولم يقتله الذي حلف عليه فإن لم يصدقه الوارث لم يؤثر قوله فيما جرى وإن صدقه لزمه رد ما أخذ وهل له الدعوى على الثاني ومطالبته فيه قولان وهما نظير الوجهين السابقين في أول هذا الشرط
الباب الثاني في القسامة
هي الأيمان في الدماء وصورتها أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف من قتله ولا بينة ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة وتوجد قرينة تشعر بصدقه ويقال له اللوث فيحلف على ما يدعيه ويحكم له بما سنذكره إن شاء الله تعالى وفي الباب أربعة أطراف الأول في محل القسامة وهو قتل الحر في محل اللوث فهذه ثلاثة قيود الأول القتل فلا قسامة في إتلاف المال ولا فيما دون النفس من الجروح والأطراف بل القول فيها قول المدعى عليه بيمينه وإن كان هناك لوث لأن النص ورد في النفس وهي أعظم من الأطراف ولهذا اختصت بالكفارة فلا تلحق بها الأطراف وحكى الروياني وجها في الأطراف وغلط قائله فعلى الصحيح لو جرح مسلم فارتد ثم مات بالسراية فلا قسامة فلو عاد إلى الإسلام جرت القسامة سواء أوجبنا كمال الدية أم لا لأن الواجب هنا بدل النفس وكذا الحكم فيما لو جرح ذمي فنقض عهده ثم مات أو جدد العهد ثم مات


القيد الثاني كون القتيل حرا فلو قتل العبد وهناك لوث فادعى السيد على عبد أو حر أنه قتله فهل يقسم السيد فيه طريقان أشهرهما على القولين في أن بدل العبد هل تحمله العاقلة إن قلنا لا فقد ألحقناه بالبهيمة فلا قسامة وإن قلنا نعم وهو الأظهر أقسم السيد وهو المنصوص والثاني يقسم قطعا لأن القسامة تحفظ الدماء وهذه الحاجة تشمل العبد كالقصاص والكفارة والمدبر والمكاتب وأم الولد في هذا كالقن فإذا أقسم السيد فإن كانت الدعوى على حر أخذ الدية من ماله في الحال إن ادعى عمدا محضا وإن ادعى خطأ أو شبه عمد أخذها من عاقلته في ثلاث سنين وإن كانت الدعوى على عبد فإن ادعى العمد ففي القصاص القولان في ثبوته بالقسامة فإن منعناه وهو الأظهر أو ادعى خطأ أو شبه عمد تعلقت القيمة برقبته
الثالث كونه في محل اللوث فإن لم يكن لوث لم يبدأ بيمين المدعي واللوث قرينة تثير الظن وتوقع في القلب صدق المدعي وله طرق منها أن يوجد قتيل في قبيلة أو حصن أو قرية صغيرة أو محلة منفصلة عن البلد الكبير وبين القتيل وبين أهلها عداوة ظاهرة فهو

لوث في حقهم فإذا ادعى وليه القتل عليهم أو على بعضهم كان له أن يقسم ويشترط أن لا يساكنهم غيرهم وقيل يشترط أن لا يخالطهم غيرهم حتى لو كانت القرية بقارعة طريق يطرقها التجار والمجتازون وغيرهم فلا لوث والصحيح أن هذا ليس بشرط
ومنها لو تفرق جماعة عن قتيل في دار دخلها عليهم ضيفا أو دخل معهم لحاجة أو في مسجد أو بستان أو طريق أو صحراء فهو لوث وكذا لو ازدحم قوم على بئر أو باب الكعبة أو في الطواف أو في مضيق ثم تفرقوا عن قتيل ولا يشترط في هذا أن تكون بينه وبينهم عداوة
ومنها لو تقابل صفان فتقاتلا وانكشفا عن قتيل من أحدهما فإن اختلطوا أو وصل سلاح أحدهما إلى الآخرين رميا أو طعنا أو ضربا فهو لوث في حق الصف الآخر وإن لم يصل سلاح فهو لوث في حق أهل صفه
ومنها إذا وجد قتيل في صحراء وعنده رجل معه سلاح متلطخ بدم أو على ثوبه أثر دم فهو لوث وإن كان بقربه سبع أو رجل آخر مول ظهره أو وجد أثر قدم أو ترشيش وأم في غير الجهة التي فيها صاحب السلاح ( فليس بلوث ) في حقه ولو رأينا من بعد رجلا يحرك يده كما يفعل من يضرب بسيف أو سكين ثم وجدنا في الموضع قتيلا فهو لوث في حق ذلك الرجل
ومنها لو شهد عدل بأن زيدا قتل فلانا فلوث على المذهب سواء تقدمت شهادته على الدعوى أو تأخرت ولو شهد جماعة تقبل روايتهم كعبيد ونسوة فإن جاؤوا متفرقين فلوث وكذا لو جاؤوا دفعة على الأصح وفي التهذيب أن شهادة عبدين أو امرأتين كشهادة الجمع وفي الوجيز أن القياس أن قول واحد منهم لوث وفيمن لا تقبل روايتهم كصبيان أو فسقة أو ذميين أوجه أصحها قولهم لوث والثاني لا والثالث لوث من غير الكفار ولو قال المجروح جرحني فلان أو قتلني أو دمي عنده فليس بلوث لأنه مدع لو تفرق عنه جماعة لا يتصور اجتماعهم

على القتل في مضيق وتفرقوا عن قتيل فادعى الولي القتل على عدد منهم يتصور اجتماعهم فينبغي أن تقبل ويمكن من القسامة كما لو ثبت اللوث في جماعة محصورين فادعى الولي القتل على بعضهم

فرع قال البغوي لو وقع في ألسنة العام والخاص أن زيدا قتل
فهو لوث في حقه وسواء في القسامة ادعى كافر على مسلم أو مسلم على كافر قال الإمام لو عاين القاضي ما هو لوث فله اعتماده ولا يخرج على الخلاف في قضائه بعلمه لأنه يقضي بالأيمان قال المتولي إذا وجد قتيل قريب من قرية وليس هناك عمارة أخرى ولا من يقيم بالصحراء ثبت اللوث في حقهم يعني إذا وجدت العداوة وكنا نحكم باللوث لو وجد فيها قال ولو وجد بين قريتين أو قبيلتين ولم يعرف بينه وبين إحداهما عداوة لم يجعل قربه من إحداهما لوثا
فصل قد يعارض القرينة ما يمنع كونها لوثا ويعارض اللوث ما يسقط
أثره ويبطل الظن الحاصل به وذلك خمسة أنواع أحدها أن يتعذر إثباته وإذا ظهر لوث في حق جماعة فللولي أن يعين واحدا أو أكثر ويدعي عليه ويقسم فلو قال القاتل أحدهم ولا أعرفه فلا قسامة وله تحليفهم فإن حلفوا إلا واحدا فنكوله يشعر بأنه القاتل ويكون لوثا في حقه فإذا طلب المدعي أن يقسم عليه مكن منه ولو نكل الجميع ثم عين الولي أحدهم وقال قد بان لي أنه القاتل وأراد أن يقسم عليه مكن منه على الأصح


الثاني إذا ظهر لوث في أصل القتل دون كونه خطأ أو عمدا فهل يتمكن الولي من القسامة على أصل القتل وجهان أصحهما لا قال البغوي لو ادعى على رجل أنه قتل أباه ولم يقل عمدا ولا خطأ وشهد له شاهد لم يكن ذلك لوثا لأنه لا يمكنه أن يحلف مع شاهده ولو حلف لا يمكن الحكم به لأنه لا يعلم صفة القتل حتى يستوفي موجبه
واعلم أن هذا المذكور يدل على أن القسامة على قتل موصوف يستدعي ظهور اللوث في قتل موصوف وقد يفهم من إطلاق الأصحاب أنه إذا ظهر اللوث في أصل القتل كفى ذلك في تمكن الولي من القسامة على القتل الموصوف وليس هذا ببعيد ألا ترى أنه لو ثبت اللوث في حق جماعة وادعى الولي على بعضهم جاز ويمكن من القسامة فكما لا يعتبر ظهور اللوث فيما يرجع إلى الانفراد والاشتراك لا يعتبر في صفة العمد والخطأ
الثالث أن ينكر المدعى عليه اللوث في حقه بأن قال لم أكن مع القوم المتفرقين عن القتيل أو قال لست أنا الذي رئي معه السكين المتلطخ على رأسه أو لست أنا المرئي من بعيد فعلى المدعي البينة على الأمارة التي ادعاها فإن لم يكن بينة حلف المدعى عليه على نفيها وسقط اللوث وبقي مجرد الدعوى ولو قال كنت غائبا يوم القتل أو ادعى على جمع فقال أحدهم كنت غائبا صدق بيمينه لأن الأصل براءته وعلى المدعي البينة على حضوره يومئذ أو إقراره بالحضور فإن أقام بينة بحضوره وأقام المدعى عليه بينة بغيبته ففي الوسيط أنهما تتساقطان وفي التهذيب تقدم بينة الغيبة لأن معها زيادة علم هذا إذا اتفقا أنه كان حاضرا من قبل

ويعتبر في بينة الغيبة أن يقولوا كان غائبا في موضع كذا فلو اقتصروا على أنه لم يكن هنا فهذا نفي محض لا تسمع الشهادة عليه ولو أقسم المدعي وحكم القاضي بموجب القسامة ثم أقام المدعى عليه بينة على غيبته يوم القتل أو أقر بها المدعي نقض الحكم واسترد المال وكذا لو قامت بينة على أن القاتل غيره ولو قال الشهود لم يقتله هذا واقتصروا عليه لم تقبل شهادتهم ولو كان محبوسا أو مريضا يوم القتل فهل هما كالغيبة حتى يسقط اللوث إذا ثبت الحال بإقرار المدعي أو بينة وجهان وموضعها إذا أمكن كونه قاتلا بحيلة ولو في صورة بعيدة أصحهما هما كالغيبة
الرابع شهد عدل أو عدلان أن زيدا قتل أحد هذين القبيلين فليس بلوث ولو شهد أو شهدا أن زيدا قتله أحد هذين ثبت اللوث في حقهما على الصحيح فإذا عين الولي أحدهما وادعى عليه فله أن يقسم كما لو تفرق جماعة عن قتيل وقيل لا لوث كالصورة الأولى
الخامس تكذيب بعض الورثة فإذا كان للميت ابنان فقال أحدهما قتل زيد أبانا وقد ظهر عليه اللوث وقال الآخر لم يقتله بل كان غائبا يوم القتل وإنما قتله فلان أو اقتصر على نفي القتل عنه أو قال برأ من الجراحة أو مات حتف أنفه فهل يبطل تكذيبه اللوث ويمنع الأول القسامة فيه قولان أظهرهما نعم وسواء كان المكذب عدلا أو فاسقا وقيل لا تبطل بالفاسق قطعا والمنصوص الأصح أنه لا فرق فإن قلنا لا تبطل حلف المدعي خمسين يمينا وأخذ حقه من الدية ولو قال أحدهما قتل أبانا زيد وقال الآخر بل قتله عمرو وقلنا لا يبطل اللوث بالتكاذب أقسم كل واحد على من

عينه وأخذ نصف الدية وإن قلنا يبطل فلا قسامة ويحلف كل واحد من عينه ولو قال أحدهما قتل أبانا زيد ورجل لا أعرفه وقال الآخر قتله عمرو ورجل لا أعرفه فلا تكاذب فيقسم كل واحد على من عينه ويأخذ منه ربع الدية فإن عادا وقال كل واحد منهما قد بان لي أن المبهم هو الذي عينه أخي فلكل واحد أن يقسم على الآخر ويأخذ منه ربع الدية وهل يحلف كل واحد خمسين يمينا أم خمسا وعشرين فيه خلاف يأتي في نظائره إن شاء الله تعالى وإن قال كل واحد المبهم غير الذي عينه أخي حصل التكاذب فإن قلنا تبطل القسامة رد كل واحد ما أخذ بها وإلا فيقسم كل واحد على من عينه ثانيا ويأخذ منه ربع الدية ولو قال الذي عين زيدا تبينت أن الذي أبهمت ذكره عمر الذي عينه أخي وقال الذي عين عمرا تبينت أن الذي ابهمت ذكره غير زيد فالذي عين عمرا لا يكذبه أخوه فله أن يقسم على عمرو ويأخذ منه ربع الدية والذي عين زيدا كذبه أخوه فإن قلنا تبطل القسامة رد ما أخذ وحلف المدعى عليه وإلا أقسم على من عينه وأخذ منه ربع الدية ولو قال أحدهما قتل أبانا زيد وحده وقال الآخر قتله زيد وعمرو فإن قلنا التكاذب لا يبطل القسامة أقسم الأول على زيد وأخذ منه نصف الدية ويقسم الثاني عليهما ويأخذ من كل واحد ربع الدية وإن قلنا يبطل فالتكاذب هنا في النصف وفي بطلان القسامة في كل وجهان أصحهما لا تبطل فيقسم الأول على زيد ويأخذ منه ربع الدية وكذا يقسم الثاني عليه ويأخذ ربعها ولا يقسم الثاني على عمرو لأن أخاه كذبه في الشركة وللأول تحليف زيد لما بطلت فيه القسامة وللثاني تحليف عمرو ولو قال أحدهما قتل أبانا زيد وعمرو وقال الآخر قتله بكر وخالد فإن أبطلنا القسامة بالتكذيب لم يقسم واحد منهما ولكل واحد

تحليف اللذين عينهما وإن لم يبطلها أقسم كل واحد على اللذين عينهما وأخذا من كل منهما ربع الدية

فرع لا يشترط في اللوث والقسام ظهور دم ولا جرح لأن القتل
بالخنق وعصر الخصية وغيرهما فإذا ظهر أثره قام مقام الدم فلو لم يوجد أثر أصلا فلا قسامة على الصحيح وبه قطع الصيدلاني والمتولي فلا بد أن يعلم أنه قتيل ليبحث عن القاتل ولو وجد بعضه في محلة وتحقق موته ثبتت القسامة سواء وجد رأسه أو بدنه أقله أو أكثره وإذا وجد بعضه في محلة وبعضه في أخرى فللولي أن يعين ويقسم
الطرف الثاني في كيفية القسامة وفيه مسائل إحداها أيمانها خمسون يمينا وكيفية اليمين كسائر الدعاوى ويقول في يمينه لقد قتل هذا ويشير إليه أو لقد قتل فلان ابن فلان ويرفع في نسبه أو يعرفه بما يمتاز به من قبيلة أو صنعة أو لقب فلان ابن فلان ويعرفه كذلك منفردا بقتله وإن ادعى على اثنين قال قتلاه منفردين بقتله نص الشافعي رحمه الله على ذكر الانفراد فقيل هو تأكيد لأن قوله قتله يقتضي الانفراد وقيل شرط لاحتمال الانفراد صورة والاشتراك حكما كالمكره مع المكره ويتعرض لكونه عمدا أو خطأ وذكر الشافعي رحمه الله أن الجاني لو ادعى أنه برىء من الجرح زاد في اليمين وما برىء من جرحه حتى مات منه


الثانية يستحب للقاضي أن يحذر المدعي إذا أراد أن يحلف ويعظه ويقول اتق الله ولا تحلف إلا عن تحقق ويقرأ عليه { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } والقول في التغليظ في اليمين زمانا ومكانا ولفظا منه ما سبق في اللعان ومنه ما هو مؤخر إلى الدعوى والبينات
الثالثة لا تشترط موالاة الأيمان على المذهب وقيل وجهان فعلى المذهب لو حلف الخمسين في خمسين يوما جاز
الرابعة جن المدعي في خلال الأيمان أو أغمي عليه ثم أفاق يبنى عليها ولو عزل القاضي أو مات في خلالها فالأصح أن القاضي الثاني يستأنف منه الأيمان وحكي عن نصه فيالأم أنه يكفيه البناء قال الروياني وهو الأصح لكن المتولي حمل النص على ما إذا حلف المدعى عليه بعض الأيمان تفريعا على تعدد يمينه فمات القاضي أو عزل وولي غيره يعتد بالأيمان السابقة وفرق بأن يمين المدعى عليه على النفي فتنفذ بنفسها ويمين المدعي للإثبات فتوقف على حكم القاضي والقاضي لا يحكم بحجة أقيمت عند الأول قال وعزل القاضي وموته بعد تمام الأيمان كالعزل في أثنائها في الطرفين قال ولو عزل القاضي في أثناء الأيمان من جانب المدعي أو المدعى عليه ثم تولى ثانيا فيبنى على أن الحاكم هل يحكم بعلمه إن قلنا لا استأنف وإلا بنى ولو مات الولي المقسم في أثنائها نص في المختصر أن وارثه يستأنف الأيمان وقال الخضري يبنى عليها والصحيح الأول ولو مات بعد تمامها حكم لوارثه كما لو أقام بينة ثم مات ولو مات المدعى عليه في أثناء الأيمان إذا حلفناه في غير صورة اللوث أو فيها لنكول المدعي بنى وارثه على أيمانه


الخامسة في جواز القسامة في غيبة المدعى عليه وجهان أصحهما نعم كالبينة والثاني لا لضعف القسامة ولا يمنع من القسامة كون المدعي كان غائبا عن موضع القتل كما لا يمنع كونه صبيا أو جنينا لأنه قد يعرف الحال بإقرار المدعى عليه أو بسماع ممن يثق به
السادسة ما يستحق بالقسامة يستحق بخمسين يمينا فإن كان الوارث واحدا وهو جائز حلف خمسين وأخذ الدية وإن لم يكن جائزا حلف أيضا خمسين لأنه لا يمكنه أخذ شىء إلا بعد تمام الحجة فإذا حلف أخذ قدر حقه ولا يثبت الباقي بيمينه بل حكمه حكم من مات ولا وارث له وسيأتي إن شاء الله تعالى وإن كان للقتيل وارثان فأكثر فقولان أحدهما يحلف كل واحد خمسين يمينا وأظهرهما يوزع الخمسون عليهم على قدر مواريثهم ومنهم من قطع بهذا فعلى هذا إن وقع كسر تممنا المنكسر فإذا كان ثلاثة بنين حلف كل ابن سبع عشرة وإن خلف أما وابنا حلفت تسعا وحلف اثنتين وأربعين وإن خلف زوجة وبنتا جعلت الأيمان بينهما أخماسا فتحلف الزوجة عشرا والبنت أربعين وفي زوج وبنت تجعل أثلاثا وإذا خلف أكثر من خمسين ابنا أو أخا حلف كل واحد يمينا وإن كانوا تسعة وأربعين حلف كل واحد يمينين وفي صورة الجد والإخوة تقسم الأيمان كقسم المال وفي المعادة لا يحلف ولد الأب إن لم يأخذ شيئا فإن أخذ حلف بقدر حقه فإذا خلف جدا وأخا لأبوين وأخا لأب حلف الجد سبع عشرة والأخ للأبوين أربعا وثلاثين ولا يحلف الأخ للأب وعلى التوزيع لو نكل بعضهم عن جميع حصته أو بعضها فلا يستحق الآخر شيئا حتى يحلف خمسين ولو غاب بعضهم فالحاضر بالخيار بين أن يصبر حتى يحضر الغائب فيحلف كل واحد قدر حصته وبين

أن يحلف في الحال خمسين ويأخذ قدر حقه فلو كان الورثة ثلاثة بنين أحدهم حاضر فأراد أن يحلف حلف خمسين يمينا وأخذ ثلث الدية فإذا قدم ثان حلف نصف الخمسين وأخذ الثلث فإذا قدم الثالث حلف سبع عشرة وأخذ ثلث الدية ولو كانوا أربعة حلف الحاضر خمسين وأخذ ربع الدية فإذا قدم ثان حلف خمسا وعشرين وأخذ ربعها وثالث يحلف سبع عشرة والرابع ثلاث عشرة ولو قال الحاضر لا أحلف إلا بقدر حصتي لا يبطل حقه من القسامة حتى إذا قدم الغائب حلف معه بخلاف ما إذا قال الشفيع الحاضر لا آخذ إلا قدر حصتي فإنه يبطل حقه لأن الشفعة إذا أمكن أخذها فالتأخير تقصير مفوت والمين في القسامة لا تبطل بالتأخير ولو كان في الورثة صغير أو مجنون فالبالغ العاقن كالحاضر والصبي والمجنون كالغائب في جميع ما ذكرناه ولو حلف الحاضر أو البالغ خمسين ثم مات الغائب أو الصبي وورث الحالف لم يأخذ نصيبه إلا بعد أن يحلف حصته ولا يحسب ما مضى لأنه لم يكن مستحقا له يومئذ

فرع كان في الورثة خنثى مشكل أخذ بالاحتياط واليقين في الأيمان والميراث
إلا نصف المال ثم إن لم يكن معه عصبة لم يأخذ القاضي الباقي من المدعى عليه بل يوقف حتى يبين الخنثى فإن بان ذكرا أخذه وإن بان أنثى حلف القاضي المدعى عليه للباقي وإن كان معه عصبة كأخ فإن شاء صبر إلى وضوح الخنثى وإن شاء حلف فإن صبر توقفنا وإن حلف حلف خمسا وعشرين وأخذ القاضي النصف الآخر ووقفه بين الأخ والخنثى فإذا بان المستحق منهما دفعه إليه باليمين السابقة ولو خلف ولدين خنثيين حلف كل واحد منهما ثلثي الأيمان مع الجبر

وهي أربع وثلاثون يمينا لاحتمال أنه ذكر والآخر أنثى ولا يأخذان إلا الثلثين لاحتمال أنهما أنثيان ولو خلف ابنا وخنثى حلف الابن ثلثي الأيمان وأخذ نصف الدية وحلف الخنثى نصفها وأخذ ثلث الدية ووقف السدس بينهما ولو خلف بنتا وخنثى حلفت نصف الأيمان والخنثى ثلثيها وأخذ ثلثي الدية ولا يؤخذ الباقي من المدعى عليه حتى يظهر الخنثى وهنا صور أخر في الخناثى تعلم من الضابط والمثال المذكور حذفتها اختصارا ولعدم الفائدة فيها وتعذر وقوعها

فرع مات بعض الورثة المدعين الدم قام وارثه مقامه في الأيمان فإن
تعددوا عاد القولان فإن قلنا يحلف كل وارث خمسين فكذا ورثة الورثة وإن قلنا بالتوزيع وزعت حصة ذلك الوارث على ورثته فلو كان للقتيل ابنان مات أحدهما عن ابنين حلف كل منهما ثلاث عشرة فلو حلف أحدهما ثلاث عشرة فمات أخوه قبل أن يحلف ولم يترك سوى هذا الحالف حلف أيضا ثلاث عشرة بقدر ما كان يحلف الميت ولا يكفيه إتمام خمس وعشرين ولو مات وارث القتيل بعد حلفه أخذ وارثه ما كان له من الدية وإن مات بعد نكوله لم يكن لوارثه أن يحلف لأنه بطل حقه من القسامة بنكوله لكن لوارثه تحليف المدعى عليه
فرع للقتيل ابنان حلف أحدهما ومات الآخر قبل أن يحلف عن ابنين
أحدهما حصته وهي ثلاث عشرة ونكل الآخر وزع الربع الذي

نكل عنه على أخيه وعمه على نسبة ما يأخذان من الدية فيخص الأخ أربع وسدس يضم ذلك إلى حصته في الأصل وهي اثنتا عشرة ونصف فتبلغ ست عشرة وثلثين فتكمل وقد حلف ثلاث عشرة فيحلف الآن أربعا ويخص العم ثمان وثلث فيحلف تسعا فيكمل له أربع وثلاثون

فرع جميع ما سبق في أيمان القسامة من جهة المدعي أما إذا
بغير لوث وتوجهت اليمين على المدعى عليه فهل يغلظ عليه بالعدد قولان أظهرهما نعم لأنها يمين دم فإن نكل المدعى عليه رد على المدعي ما توجه على المدعى عليه على اختلاف القولين ويجري القولان في يمين المدعي مع الشاهد الواحد ولو كانت الدعوى في محل اللوث ونكل المدعي عن القسامة غلظت اليمين على المدعى عليه بالعدد قطعا وقيل بطرد القولين فإن قلنا بالتعدد وكانت الدعوى على جماعة مع لوث أو مع عدمه فهل يقسط الخمسون عليهم بعدد الرؤوس أم يحلف كل واحد خمسين قولان أظهرهما الثاني فإن قسطنا فكانت الدعوى على اثنين حاضر وغائب حلف الحاضر خمسين فإذا حضر الغائب وأنكر حلف خمسا وعشرين وإن كانا حاضرين فنكل أحدهما حلف الآخر خمسين لأن البراءة عن الدم لا تحصل بدونها على قول التعدد ويحلف المدعي على الناكل خمسين ولو نكل المدعى عليه عن اليمين والمدعون جماعة وقلنا بالتعدد فهل توزع الأيمان على قدر مواريثهم أم يحلف كل واحد خمسين فيه القولان السابقان
فرع هذا الذي سبق حكم الأيمان في دعوى النفس فأما دعوى

فقد سبق أنه لا قسامة فيها ولا اعتبار باللوث ولكن يحلف المدعى عليه وهل تتعدد اليمين يبنى على أن يمين المدعى عليه في دعوى النفس هل تتعدد إن قلنا لا فهنا أولى وإلا فقولان أو وجهان أشبههما بالترجيح التعدد قال ابن الصباغ هذا الخلاف في دعوى العمد المحض أما
في الخطإ وشبه العمد فتتحد فيه اليمين بلا خلاف ولم يفرق الأكثرون كما في النفس وإذا قلنا بالتعدد فذلك إذا كان الواجب فيما يدعيه قدر الدية فإن نقص كبدل اليد والحكومة فقولان أظهرهما يحلف المدعى عليه خمسين يمينا أيضا والثاني توزع الخمسون على الأبدال ففي اليد خمس وعشرون وفي الموضحة ثلاث ولو زاد الواجب على دية نفس فهل يزاد في قدر الأيمان بزيادة قدر الأروش طرد الإمام حكاية الخلاف فيه ولو كانت الدعوى في الطرف على جماعة فهل يحلف كل واحد منهم بقدر ما يحلف المنفرد أم يوزع على رؤوسهم فيه قولان كما سبق ومتى نكل المدعى عليه عن اليمين المعروضة عليه ردت على المدعي وحلف بقدر ما كان يحلف المدعى عليه فإن تعدد المدعون فهل توزع عليهم بقدر الإرث أم يحلف كل واحدكما يحلف المنفرد فيه القولان السابقان
فرع كان مع المدعي شاهد فأراد أن يحلف معه فإن قلنا تتحد
مع الشاهد في دعوى الدم نظر إن جاء بصيغة الإخبار أو شهد على اللوث حلف معه خمسين يمينا وإن جاء بلفظ الشهادة وحافظ على شرطها حلف معه يمينا واحدة قال الإمام ويثبت المال إن كان القتل خطأ وإن كان المدعى قتل عمد فلا قصاص قطعا وفي المال خلاف يأتي نظيره إن شاء الله تعالى وإذا قلنا تعدد اليمين مع الشاهد فلا بد من خمسين يمينا بكل حال


الطرف الثالث في حكم القسامة فإذا أقسم الولي في محل اللوث فإن كان ادعى قتل خطإ أو شبه عمد
وجبت الدية على عاقلة المحلوف عليه مخففة في الخطإ ومغلظة في شبه العمد وإن ادعى قتلا عمدا والمدعى عليه ممن يقتل بذلك القتيل فهل يجب القصاص بالقسامة قولان القديم نعم والجديد الأظهر لا فعلى الجديد تجب الدية فق مال القاتل حالة وعلى القديم لا فرق بين أن تكون الدعوى على واحد أو جماعة كالبينة وخرب ابن سريج على القديم أن الولي يختار واحدا منهم فيقتله قصاصا ولا يقتل الجميع وقيل على هذا يأخذ من الباقين حصتهم من الدية وهو ضعيف وإذا ادعى القتل على ثلاثة في محل اللوث
والحاضر منهم واحد فإن قال تعمدوا جميعا أقسم علق الحاضر خمسين يمينا وأخذ ثلث الدية من ماله على الجديد وعلى القديم له القصاص فإذا قدم أحد الغائبين فإن أقر اقتص منه وإن أنكر أقسم عليه المدعي وهل يقسم خمسين أم خمسا وعشرين وجهان ويقال قولان أصحهما الأول هكذا أطلقوه وينبغي أن يكون هذا على الخلاف السابق في جواز القسامة في غيبة المدعى عليه فإن جوزناها وذكره في الأيمان السابقة اكتفى بها ثم إذا حلف عليه عاد القولان الجديد والقديم فإذا قدم الثالث وأنكر فكم يحلف عليه فيه الخلاف السابق وإن قال تعمد هذا الحاضر وكان الغائبان مخطئين أقسم على الحاضر ويقتص منه قطعا فإذا حضر الغائبان وأنكرا فكم يحلف عليهما فيه الخلاف وإن أقرا وصدقتهما العاقلة فالدية على العاقلة وإلا ففي مالهما مخففة وإن قال تعمد الحاضر ولا أدري أتعمد الغائبان أم أخطآ أقسم على الحاضر خمسين وأخذ

منه ثلث الدية على الجديد وعلى القديم يوقف الأمر حتى يحضرا فإن حضرا واعترافا بالتعمد اقتص منهما ويقتص من الأول أيضا في القديم وإن اعترفا بالخطإ وجبت الدية المخففة عليهما إن كذبتهما العاقلة وإلا فعلى العاقلة وإن أنكرا أصل القتل فهل يقسم المدعي فيه الوجهان السابقان فيما إذا ادعى القتل وظهر اللوث فيه ولم يذكر أنه عمد أم خطأ الأصح لا يقسم فإن قلنا يقسم فأقسم حبسا حتى يصفا القتل وكم يقسم فيه الخلاف ولو ادعى القتل على شخصين وعلى أحدهما لوث دون الآخر أقسم المدعي على الذي عليه لوث خمسين وفي الاقتصاص منه القولان وحلفالذي لا لوث عليه

فرع إذا نكل المدعي عن القسامة في محل اللوث حلف المدعى عليه
سبق فإن نكل فهل ترد اليمين على المدعي ينظر إن ادعى قتلا يوجب القصاص وقلنا القسامة لا توجب القصاص ردت اليمين قطعا لأنه يستفيد بها ما لا يستفيد بالقسامة وهو القصاص وإن كان قتلا لا يوجب القصاص أو يوجبه وقلنا القسامة توجبه فقولان أحدهما لا ترد لأنه نكل عن اليمين في هذه الخصومة وأظهرهما الرد لأنه إنما نكل عن يمين القسامة وهذه غيرها والسبب الممكن من تلك هو اللوث ومن هذه نكول المدعى عليه ولو كانت الدعوى في غير صورة اللوث ونكل المدعى عليه عن اليمين والمدعي عن اليمين المردودة ثم ظهر لوث وأراد المدعي أن يقسم فقد أجروا القولين في تمكينه منه ولو أقام المدعي شاهدا في دعوى بمال ونكل عن الحلف معه ونكل المدعى عليه عن اليمين المعروضة عليه فأراد المدعي أن يحلف

اليمين المردودة عاد القولان هكذا أطلقوه ومقتضى ما ذكرنا في أول المسألة أن يقال إن جرى ذلك في دعوى قتل يوجب قصاصا حلف اليمين المردودة قطعا لأنه لا يستفيد باليمين مع الشاهد القصاص ويستفيد باليمين المردودة

فرع إذا حلف المدعى عليه تخلص عن المطالبة ولا يطالب أهل الموضع
الذي وجد فيه القتيل ولا يأتي ذلك الموضع ولا عاقلته ولا عاقلة الحالف ولا غيرهم سواء كان المدعى قتلا عمدا أم خطأ وإذا حلف المدعي عند نكول المدعى عليه فإن كان المدعى قتلا عمدا ثبت القصاص لأن اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة والقصاص يثبت بكل منهما وإن كان المدعى خطأ أو شبه عمد وجبت الدية ثم قيل إن قلنا اليمين المردودة كالبينة فهي على عاقلته وإن قلنا كالإقرار ففي ماله وقيل في ماله مطلقا لأنها إنما تكون كالبينة في حق المتداعيين
الطرف الرابع فيمن يحلف في القسامة وهو كل من يستحق بدل الدم فيدخل فيه السيد فإنه إذا قتل عبده أقسم على المذهب كما سبق وعلى هذا يقسم المكاتب إذا قتل عبده ولا يقسم سيده بخلاف ما إذا قتل عبد المأذون له فإن السيد يقسم دون المأذون له لأنه لا حق له بخلاف المكاتب فإن عجز قبل أن يقسم وتعرض عليه اليمين أقسم السيد وإن عجز بعد عرض اليمين ونكوله لم يقسم السيد لبطلان الحق بنكوله كما لا يقسم

الوارث إذا نكل المورث ولكن يحلف المدعى عليه وإن عجز بعد ما أقسم أخذ السيد القيمة كما لو مات الولي بعد ما أقسم

فرع ملك عبده عبدا فقتل وهناك لوث فإن قلنا العبد لا يملك
السيد أقسم السيد لأن المقتول عبده فإن أقسم كانت القيمة له ولورثته بعده وإن قلنا يملك بالتمليك بني ذلك على أن من ملك عبده شيئا فأتلف هل ينقطع حق العبد منه وتكون القيمة للسيد أم ينتقل حقه إلى القيمة وفيه وجهان أصحهما الانقطاع لضعف ملكه ولأنه لو أعتق أو انتقل من ملك السيد انقلب ما ملكه إلى ملك سيده فإن قلنا ينقطع أقسم السيد وإلا فوجهان أحدهما يقسم العبد كالمكاتب والثاني لا لضعف ملكه فعلى هذا لا يقسم السيد أيضا لأنه لا ملك له ولو استرجع السيد الملك وأعاد القيمة إلى ملكه لم يقسم السيد أيضا لأنها لم تثبت للعبد فكيف يخلفه السيد فيها وإن قلنا يقسم العبد فقد قيل لا يقسم السيد أيضا لأن العبد لم يكن له حين قتل ولا صارت القيمة له حينئذ وإنما يملك بالاسترجاع قال الإمام ويجوز أن يجعل السيد خلفا عن العبد كالوارث مع مورثه ولو ملك مستولدته عبدا كان كما لو ملك عبده القن في جميع ما ذكرنا وإن عتقت بموت السيد ولو أوصى لمستولدته بعبد فقتل وهناك لوث أقسم السيد وأخذ القيمة وبطلت الوصية ولو أوصى لها بقيمة عبده بعدما قتل أو أوصى لها بقيمة عبده فلان إن قتل صحت الوصية لأن القيمة له ولا يقدح فيها الخطر لأن الوصية تحتمل الإخطار وليست الوصية للمستولدة كالوصية للقن لأنها تعتق بالموت وهو وقت استحقاق الوصية والقن ينتقل إلى الوارث فلا يمكن تصحيح الوصية له قال

الروياني وعلى هذا لو أوصى لعبد نفسه ثم أعتقه قبل موته صحت الوصية وعن القاضي أبي الطيب أنه لو باعه بعد الوصية صحت الوصية ويثبت الاستحقاق للمشتري وإذا صحت الوصية لها فإن أقسم السيد ثم مات فالقيمة لها وإن لم يقسم حتى مات ولم يوجد منه نكول أقسم الورثة وتكون القيمة لها بالوصية وإنما أقسم الورثة وإن كانت القيمة للمستولدة لأن العبد يوم القتل كان للسيد والقسامة من الحقوق المعلقة بالقتل فيرثونها كسائر الحقوق وتثبت القيمة له ثم يصرفونها إلى المستولدة بموجب وصيته ولهم غرض ظاهر في تنفيذ وصيته وتحقيق مراده وهذا كما أنهم يقضون دينه وليس سبيلهم فيه سبيل سائر الناس حتى لو مات من عليه دين ولا تركة له فقضاه الورثة من مالهم لزم المستحق قبوله بخلاف ما لو تبرع به أجنبي قال الإمام وغالب ظني أني رأيت فيه خلافا قال ولو أوصى لإنسان بمال ومات فجاء من ادعى استحقاقه هل يحلف الوارث لتنفيذ الوصية فيه احتمالان والفرق أن القسامة تثبت على خلاف القياس احتياطا للدماء
ولو نكل الورثة عن القسامة فهل للمستولدة أن تقسم وتأخذ القيمة قولان أحدهما نعم لأن الحق لها وأظهرهما لا لأن القسامة لإثبات القيمة وهي تثبت للسيد ثم تنتقل بالوصية إليها ولا يقوم مقام السيد إلا وارثه ويجري القولان في المديون إذا لم يقسم ورثته هل يقسم غرماؤه ولا خلاف أن للورثة الدعوى وطلب اليمين من المدعى عليه إذا لم يقسموا وأما المستولدة فهل لها الدعوى وطلب اليمين قيل إن قلنا لها أن تقسم فلها ذلك وإلا فلا والمذهب والمنصوص أن لها ذلك وإن قلنا لا تقسم لأنها صاحبة القيمة وأما القسامة فللورثة فلو نكل الخصم ردت اليمين عليها قال الإمام وعلى هذا لا يفتقر طلبها ودعواها إلى إعراض الورثة عن الطلب


واعلم أن الورثة وإن كان لهم القسامة لا تجب عليهم وإن كانوا متيقنين فالأيمان لا تجب قط

فرع لو قطعت يد عبد فعتق ومات بالسراية فقد سبق أن الواجب
وذكرا قولين أظهرهما للسيد أقل الأمرين من نصف قيمة العبد وكمال الدية والثاني أنه أقل الأمرين من كمال القيمة وكمال الدية فلو وقعت هذه الجناية في محل لوث وكان الواجب قدر ما يأخذه السيد ولا يفضل شىء للورثة فهل يقسم يبنى على ما لو مات رقيقا إن قلنا يقسم فهنا أولى وإلا فوجهان أصحهما يقسم أيضا لأن القتيل حر والواجب دية وإن كان يفضل عن الواجب شىء للورثة أقسم الورثة قطعا وفي قسامة السيد الخلاف إن قلنا لا يقسم أقسم الورثة خمسين يمينا وإلا فالسيد مع الوارث كالوارثين فيعود القولان في أن كل واحد يحلف خمسين يمينا أم توزع الأيمان عليهما بحسب ما يأخذان
فرع إذا ارتد ولي القتيل بعد ما أقسم فالدية ثابتة ولها حكم
أمواله التي ارتد عليها وإن ارتد قبل أن يقسم قال الأصحاب الأولى أن لا يعرض الحاكم القسامة عليه لأنه لا يتورع عن اليمين الكاذبة فإذا عاد إلى الإسلام أقسم ولو أقسم في الردة فالمذهب صحة القسامة واستحقاق الدية بها وهي كمال كسبه بعد الردة باحتطاب واصطياد ونحوهما ولو ارتد الولي قبل موت المحروح ومات المجروح والولي مرتد لم يقسم لأنه لا يرث بخلاف ما إذا قتل العبد وارتد

السيد لا يفرق بين أن يرتد قبل موت العبد أم بعده بل يقسم إذا قلنا بالسامة في بدل العبد لأن استحقاقه بالملك لا بالإرث

فرع قتل من لا وارث له بجهة خاصة وهناك لوث فلا قسامة
المعين لكن ينصب القاضي من يدعي عليه ويحلفه فإن نكل فهل يقضي عليه بنكوله فيه خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى
فصل في مسائل منثورة ينبغي للقاضي أن لا يحلف السكران مدعيا كان
ولا مدعى عليه حتى يعلم ما يقول وما يقال له وينزجر عن اليمين الكاذبة فإن حلفه في السكر فعلى الخلاف في أن السكران كالصاحي أم كالمجنون
والأصح الأول ولو قتل رجل وكان اللوث على عبده فأراد وارثه أن يقسم عليه فله ذلك إن أوجبنا القصاص بالقسامة ليقتص منه وإلا فلا يقسم لأنه لا يثبت له في رقبة عبده مال إلا أن يكون مرهونا فيستفيد بالقسامة فك الرهن وبيعه وقسمة ثمنه على الغرماء ولو ادعى على رجل أنه قتل أباه عمدا فقال المدعى عليه قتلته ولكن خطأ أو شبه عمد فإن لم يكن لوث صدق المدعى عليه بيمينه وإن كان بأن شهد عبيد أو نسوة على إقراره بالعمدية فأيهما يصدق وجهان أصحهما المدعي وبه قطع الإمام والمتولي فإن حلف المدعى عليه فلم يحلف يبنى على ما لو أنكر أصل القتل إن قلنا يمينا واحدة فكذا هنا وإن قلنا خمسين فكذا هنا على الأصح وقيل يمينا لأن إنكار الصفة أخف من إنكار الأصل وإذا حلف المدعى عليه فهل للمدعي

طلب الدية فيه وجهان بناء على أن الدية في الخطإ تجب على العاقلة ابتداء أم تجب على الجاني وهم يحملون إن قلنا بالأول ليس له الطلب لأنه ادعى حقا على المدعى عليه وهو اعترف بوجوبه على غيره وإن قلنا بالثاني بني على أن الخلف في الصفة هل هو كالخلف في الموصوف وفيه قولان سبقا في مسائل خيار النكاح إن قلنا نعم فكأنه ادعى مالا فاعترف بمال آخر لا يدعيه وإن قلنا لا طالب بالدية وهو المذهب وعليه اقتصر الأكثرون وتكون الدية على المدعى عليه مخففة مؤجلة إلا أن تصدقه العاقلة فتكون عليهم ولو ادعى أنه قتل أباه خطأ فقال قتلته عمدا فلا قصاص وهل له المطالبة بدية مخففة قال المتولي فيه الوجهان ولو نكل المدعى عليه في الصورة الأولى حلف المدعي أنه كان عمدا ويكون عدد يمينه بعدد يمين المدعى عليه ويثبت له بيمينه القصاص أو الدية المغلظة في ماله

فرع ادعى جرحا لا يوجب قصاصا كجائفة وأقام بها شاهدا وحلف معه
واحدة ليستحق المال ثم مات المجروح بالسراية قال ابن الحداد لا يعطى الورثة شيئا إلا بخمسين يمينا لأنها صارت نفسا قال القاضي أبو الطيب تصوير ابن الحداد مبني على أن دعوى الجرح والبينة به تسمعان قبل اندماله وفيه خلاف ومفرع على أن الأيمان لا تتعدد في الجراحات فإن قلنا تتعدد وحلف مع شاهده خمسين وإن قلنا بالتوزيع على قدر الدية حلف للجائفة مع الشاهد ثلث الخمسين ثم إذا مات المجروح وصارت الجراحة نفسا أقسم الورثة واللوث حاصل بشهادة الشاهد الذي أقامه مورثهم ولا تحسب يمينه لهم وقال الخضري تحسب حتى لو حلف خمسين على قولنا بالتكميل فلا يمين على الورثة والصحيح الأول


الباب الثالث في الشهادة على الدم
صفات الشهود ونصب الشهادات وشروطها تستوفى في كتاب الشهادات لكن ذكر الشافعي رضي الله عنه مسائل تتعلق بالشهادة على الجناية فراعى معظم الأصحاب ترتيبه فكل قتل أو جرح يوجب القصاص لا يثبت إلا بشهادة رجلين يشهدان على نفس القتل أو الجرح أو إقرار الجاني به وما لا يوجب إلا الدية كالخطإ وشبه العمد وجناية الصبي والمجنون ومسلم على ذمي وحر على عبد وأب على ابن يثبت بشهادة رجل وامرأتين وبرجل ويمين ولو كانت الجناية المدعاة بحيث توجب القصاص وقال المدعي عفوت عن القصاص فاقبلوا مني رجلا وامرأتين أو شاهدا ويمينا لأخذ المال فهل يقبل ويثبت المال وجهان الأصح المنصوص المنع لأنها في نفسها موجبة للقصاص ومنهم من قطع بهذا ومن القسم الأول موضحة توجب القصاص ومن الثاني هاشمة ومأمومة وجائفة تجردت عن الإيضاح فلو كانت هاشمة مسبوقة بإيضاح فهل يثبت أرش الهاشمة برجل وامرأتين وبشاهد ويمين النص أنه لا يثبت ونص فيما لو رمى سهما إلى زيد فمرق منه إلى غيره أنه يثبت الخطأ الوارد على الثاني برجل وامرأتين وبشاهد ويمين وفيهما طريقان أحدهما على قولين ثبوت الهشم والجناية على الثاني برجل وامرأتين وبشاهد ويمين والثاني المنع والمذهب تقرير النصين والفرق أن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة وإذا اشتملت الجناية على ما يوجب القصاص احتيط لها ولم يثبت إلا بحجة كاملة وفي صورة مروق السهم حصل جنايتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى قال الإمام ولو قال المدعي أصاب سهمه الرجل

الذي قصده ونفذ منه إلى أبي فقتله ولم تكن الجناية الأولى متعلق حق المدعي وجب القطع بثبوت الخطإ بالبينة الناقصة ومحل الخلاف ما إذا كانت الجناية الأولى متعلق حق المدعي قال وفيه احتمال قال ولو ادعى أنه أوضح رأسه ثم عاد وهشمه ينبغي أن يثبت أرش الهاشمة برجل وامرأتين لأنها لم تتصل بالموضحة ولم تتحد الجناية قال ولو ادعى القصاص مالا من جهة لا تتعلق بالقصاص وأقام على الدعويين رجلا وامرأتين فالمذهب ثبوت المال وبه قطع الجمهور وأبعد بعضهم فخالف فيه وفي الوسيط أنه لا خلاف أنه لو ادعى قتل عمرو خطأ فشهدوا وذكروا مروق السهم إليه من زيد لا يقدح في الشهادة لأن زيدا ليس مقصودا بها فإذا أثبتنا الهاشمة المسبوقة بإيضاح وأوجبنا أرشها قال صاحب التقريب في وجوب القصاص في الموضحة وجهان وجه الوجوب التبعية للهاشمة وقال الشيخ أبو علي والأئمة لا قصاص في الموضحة وفي أرشها وجهان لأنا وجدنا متعلقا لثبوت المال فلا يبعد أن يستتبع مال مالا

فصل لتكن الشهادة على الجناية مفسرة مصرحة بالغرض فيشترط أن يضيف الهلاك
ولو قال ضربه فأنهر الدم أو قال جرحه أو ضربه بالسيف فأنهر الدم أو فمات لم يثبت به شىء أيضا لاحتمال الموت بسبب آخر ولو قال جرحه فقتله أو فمات من جراحته أو أنهر دمه فمات بسبب ذلك ثبت القتل وفي معناه قوله جرحه أو ضربه بالسيف فأنهر دمه ومات مكانه نص عليه في المحتصر وجعل قوله ومات مكانه كقوله ومات من جراحته وفي لفظ الإمام ما يشعر بنزاع فيه ثم

الشاهد يعرف حصول القتل بقرائن يشاهدها فإن لم ير إلا الجرح وإنهار الدم وحصول الموت فللإمام تردد في جواز تحمل الشهادة به قال والوجه المنع ولو قال ضرب رأسه فأدماه أو أسال دمه ثبتت الدامية فمال دمه لم يثبت لاحتمال حصول السيلان بغيره ولو قال ضربه بسيف فأوضح رأسه أو فاتضح من ضربه أو بجرحه ثبتت الموضحة ولو قال ضربه فوجدنا رأسه موضحا أو فاتضح لم تثبت وحكى الإمام والغزالي أنه يشترط التعرض لوضوح العظم ولا يكفي إطلاق الموضحة فإنها من الإيضاح وليست مخصوصة بإيضاح العظم وتنزيل لفظ الشاهد على ألقاب اصطلح الفقهاء عليها لا وجه له فلو كان الشاهد فقيها وعلم القاضي أنه لا يطلق الموضحة إلا على ما يوضح العظم ففيه تردد للإمام قال يجوز أن يكتفى به لفهم المقصود ويجوز أن يعتبر الكشف لفظا لأن للشرع تعبدا في لفظ الشهادات وإن أفهم غيرها المقصود ولا بد من تعيين محل الموضحة وبيان مساحتها ليجب القصاص فلو كان على رأسه مواضح وعجزوا عن تعيين موضحة المشهود عليه فلا قصاص ولو لم يكن على رأسه إلا موضحة وشهدوا أنه أوضح رأسه فلا قصاص أيضا لجواز أنها كانت موضحة صغيرة فوسعها وإنما يجب القصاص إذا قالوا أوضح هذه الموضحة وهل يجب الأرش إذا أطلقوا أنه أوضح موضحة وعجزوا عن تعيينها وجهان أصحهما نعم لأن الأرش لا يختلف باختلاف محلها وقدرها وإنما تعذر القصاص لتعذر المماثلة ويدل عليه نصه في الأم أنهما لو شهدا أنه قطع يد فلان ولم يعينها والمشهود له مقطوع اليدين لا يجب القصاص وتجب الدية ولو كان مقطوع يد واحدة والصورة هذه فهل تنزل شهادتهم هذه على ما نشاهدها مقطوعة أم يشترط تنصيصهم يجوز أن يقدر فيه خلاف


قلت الصواب الجزم هنا بالتنزيل على المقطوعة
والله أعلم
ولو شهدا بموضحة شهادة صحيحة ورأينا رأس المشجوج سليما لا أثر عليه والعهد قريب بالشهادة فالشهادة مردودة

فصل سيأتي في الشهاددت إن شاء الله تعالى أنه من شرط الشاهد
ينفك عن التهمة ومن التهمة أن يجر إلى نفسه نفعا أو يدفع ضرا ومن صور الجر أن يشهد على جرح مورثه فإذا ادعى على شخص أنه جرحه وشهد للمدعي وارثه نظر إن كان من الأصول أو الفروع لم تقبل شهادته للبعضية وإن كان من غيرهم وشهد بعد الاندمال قبلت شهادته وإن شهد قبله فلا وإن شهد بمال آخر لمورثه المريض مرض الموت قبلت شهادته على الأصح عند الجمهور ولو شهد بالجرح محجوبان ثم صاروا وارثين فالشهادة في الأصل مقبولة فإن صارا وارثين قبل قضاء القاضي بشهادتهما لم يقض وإن كان بعد قضائه لم ينقض القضاء كما لو شهد الشاهد ثم فسق وقيل في المسألة قولان حدهما هذا والثاني الاعتبار بحال الشهادة ولو شهد وارثان ظاهرا ثم ولد ابن يحجبهما فالشهادة مردودة للتهمة عند أدائها وقيل بطرد القولين ولو شهد بجرحه وارثاه فبرأ فالصحيح أنه لا تثبت الجراحة للتهمة عند الأداء
ومن صور دفع الضرر أن تقوم بينة بقتل خطإ فيشهد اثنان من العاقلة الذين يتحملون الدية على فسق بينة القتل فلا تقبل شهادتهما لأنهما يدفعان عنهما فلو كان الشاهدان من فقراء العاقلة فالنص أنه لا تقبل شهادتهما وإن كانا من الأباعد وفي عدد الأقربين وفاء بالواجب فالنص قبول شهادتهما فقيل قولان والمذهب عند الجمهور تقرير النصين والفرق أن المال غاد ورائح

فالغنى غير مستبعد فتحصل التهمة وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تتحقق فيه تهمة وتقبل شهادة العاقلة على فسق بينة قتل العمد وبينة الإقرار بالخطإ لأن الدية لا تلزمهم فلا تهمة

فرع شهد رجلان على رجلين أنهما قتلا زيدا فشهد المشهود عليهما على
الأولين أنهما قتلاه قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يسأل الولي فإن صدق الأولين دون الآخرين ثبت القتل على الآخرين وإن صدق الآخرين دون الأولين أو صدق الجميع أو كذب الجميع بطلت شهادة الجميع لأن الآخرين يدفعان عن أنفسهما ضررا ولأنهما عدوان للأولين واعترض على تصوير المسألة بأن الشهادة لا تسمع إلا بعد تقدم دعوى على معين وأجيب بأوجه أحدها عن أبي إسحق إن تقدم الدعوى إنما يشترط إذا كان المدعي يعبر عن نفسه وتجوز الشهادة قبل الدعوى لمن لا يعبر كصبي ومجنون والشهادة هنا للقتيل ولهذا تقضى منها ديونه ووصاياه وهذا ذهاب إلى قبول شهادة الحسبة في الدماء وهو وجه ضعيف
الثاني عن الماسرجسي والأستاذ أبي طاهر أن صورتها إذا لم يعلم الولي القاتل وتسمع الشهادة قبل الدعوى والحالة هذه وهذا وجه ضعيف أن شهادة الحسبة تقبل إن لم يعلم بها المستحق
الثالث قاله الجمهور تفريعا على أن الشهادة لا تقبل إلا بعد تقديم الدعوى وهو المذهب وصورتها أن يدعي الولي القتل على رجلين ويشهد له شاهدان فيبادر المشهود عليهما ويشهدان على الشاهدين بأنهما القاتلان وذلك يورث ريبة للحاكم فيراجع الولي ويسأله احتياطا ولو كان المدعي وكيل الولي نظر إن كان عين الآخرين وأمره بالدعوى عليهما ففعل وأقام بها شاهدين فشهد

المشهود عليهما على الشاهدين فإن استمر الوكيل على تصديق الأولين ثبت القتل على الآخرين وإن صدقهم جميعا أو صدق الآخرين انعزل عن الوكالة ولا تبطل دعوى الموكل على الآخرين وإن لم يعين الوكيل أحدا بل قال ثأري عند اثنين من هؤلاء الجماعة فادع عليهما واطلب ثأري منهما ففي صحة التوكيل هكذا وجهان قال البغوي وعلى تصحيحه عمل الحكام وعلى الصحيح ينطبق ما ذكره صاحب التقريب وأبو يعقوب الأبيوردي أن المسألة من أصلها فيمن وكل اثنين في الدم فادعى أحدهما على رجلين والآخر على آخرين وشهد كل اثنين على الآخرين ولو عين الوكيل شخصين والتوكيل منهم كما صورنا وأقام عليهما شاهدين فشهد المشهود عليهما على الشاهدين واستمر الوكيل على تصديق الأولين ثبت القتل على الآخرين وإن صدق الآخرين جاز أو صدق الجميع انعزل عن الوكالة ثم إن صدق الموكل الأولين ثبت القتل على الآخرين وإن صدق الآخرين جاز وله الدعوى على الأولين إذا لم يتقدم منه ما يناقض ذلك لكن لا تقبل شهادة الآخرين وإذا قلنا تقبل الشهادة قبل الدعوى فابتدر أربعة إلى مجلس القاضي فشهد اثنان منهم على الآخرين أنهما قتلا فلانا وشهد الآخران على الأولين أنهما القاتلان فوجهان أحدهما تبطل الشهادتان لتضادهما والثاني يسأل الولي فإن لم يصدقهم بطلت شهادتمم وإن صدق اثنين تأيدت شهادتهما بالتصديق فيقضي بها وقيل يعمل بشهادة الأولين وترد شهادة الآخرين لأنهما عدوان ودافعان

فرع شهد رجلان على رجلين بالقتل فشهد المشهود عليهما بذلك القتل على

قبلها وفي تصديق الولي الصنفين أو أحدهما على ما سبق ولو كان المدعي وكيل الولي ولم يكن الولي عين أحدا ثم إنه صدق الآخرين كان له أن يدعي على الأولين لأنه لم يسبق منه ما يناقضه ولا تقبل شهادة الآخرين لأنهما متهمان بالدفع وعن الصيدلاني أنه يحتمل أن لا يجعلا متهمين

فرع شهد رجلان على رجلين على التصوير المتقدم فشهد أجنبيان على الشاهدين أنهما
وكذب الأجنبيين بطلت شهادتهما ولو صدقهما أو صدق الجميع بطلت الشهادات للتناقض وإن كان المدعي الوكيل ولم يعين الموكل أحدا فللموكل الدعوى على الأولين والأجنبيان ليسا دافعين ولكنهما مبادران إلى الشهادة قبل الاستشهاد فإن ادعى عليهما وشهد الأجنبيان فعلى الخلاف في قبول الشهادة المعادة من المبادر وقال البغوي إن ادعى وأعاد الشهادة في مجلس آخر قبلت قطعا وإن ادعى وشهدا في ذلك المجلس فوجهان
فرع ادعى على اثنين ألفا وشهد به شاهدان ثم شهد المشهود عليهما
أو أجنبيان بأن للمدعي على الشاهدين ألفا وصدق المدعي الآخرين أيضا لم تبطل دعواه الأولى ولا شهادة الأولين على الآخرين وله أن يدعي على الآخرين أيضا لإمكان اجتماع الألفين وشهادة الآخرين على الأولين شهادة قبل الدعوى والاستشهاد قال البغوي فلو ادعى وشهدا في مجلس آخر قبلت وإن جرى في ذلك المجلس فوجهان


فصل أقر بعض الورثة بعفو أحدهم عن القصاص وعينه أو لم يعينه
القصاص وأما الدية فإن لم يعين العافي فللورثة كلهم الدية وإن عينه وأنكر فكذلك ويصدق بيمينه في كونه لم يعف وإن أقر بالعفو فلغير العافي حقهم من الدية والعافي وإن عفا على الدية فكذلك وإن أطلق العفو فعلى القولين في وجوب الدية بالعفو المطلق ولو شهد بعض الورثة بعفو أحدهم فإن كان فاسقا أو لم يعين العافي فحكمه حكم الإقرار وإن كان عدلا وعين العافي وشهد بأنه عفا عن القصاص والدية جميعا فللجاني أن يحلف معه ويسقط القصاص والدية أما القصاص فبالإقرار الذي تضمنته الشهادة وأما الدية فلأن العفو عن المال يثبت بشاهد ويمين وكذا الحكم لو شهد رجل وامرأتان من الورثة
وإذا حلف الجاني فيحلف لقد عفا عن الدية وقيل يحلف لقد عفا عن القصاص والدية وهو ظاهر النص وهو ضعيف والنص مؤول لأن القصاص سقط بالإقرار وإذا ادعى الجاني على الورثة أو بعضهم العفو عن القصاص على الدية فأنكروه فهم المصدقون باليمين فإن نكلوا حلف وثبت العفو بيمين الرد وإن أقام بينة على العفو لم يقبل إلا رجلان ولو آل الأمر إلى المال فادعى على بعضهم عفوه عن حصته من الدية فله اثباته برجل وامرأتين وشاهد ويمين
فصل إذا اختلف شاهدا القتل في زمان بأن قال أحدهما قتله بكرة
الآخر عشية أو مكان فقال أحدهما في البيت والآخر في

السوق أو آلة فقال أحدهما قتله بسيف والآخر برمح أو عصا أو هيئة فقال أحدهما حزه والآخر قده لم يثبت القتل وهكذا حكم ما يشهدان به ويختلفان فيه من الأفعال والألفاظ المنشأة ولا يكون ذلك لوثا على المذهب ولو شهد أحدهما أنه أقر بالقتل عمدا أو خطأ يوم السبت والآخر أنه أقر به يوم الأحد ثبت القتل لأنه لا اختلاف في القتل وصفته ولو قال أحدهما أقر أنه قتله بمكة يوم كذا وقال الآخر أقر أنه قتله بمصر ذلك اليوم سقط قولهما ولو شهد أحدهما أنه قتله والآخر أنه أقر بقتله لم يثبت القتل ولكنه لوث فإن كان المدعى قتل عمد وأقسم الولي ترتب على القسامة حكمها وإن كان قتل خطإ حلف مع أي الشاهدين شاء وتعدد اليمين واتحادها على ما سبق فإن حلف مع شاهد القتل فالدية على العاقلة وإن حلف مع شاهد الإقرار ففي مال الجاني وإن ادعى قتل عمد فشهد أحدهما على إقراره بقتل عمد والآخر على إقراره بقتل مطلق أو أحدهما بقتل عمد والآخر بقتل مطلق ثبت أصل القتل لاتفاقهما عليه حتى لا يقبل من المدعى عليه إنكاره ويسأل عن صفة القتل فإن أصر على إنكار أصله قال له الحاكم إن لم تبين صفته جعلتك ناكلا ورددت اليمين على المدعي أنك قتلت عمدا وحكمت عليك بالقصاص فإن بين صفته فقال قتلته عمدا أجري عليه حكمه وإن قال قتلته خطأ وكذبه الولي فأطلق مطلقون أنه يصدق في نفي العمدية فيحلف وتجب دية خطإ في ماله لأنها تثبت بإقراره وإن نكل حلف ووجب القصاص واستدرك الإمام والغزالي فقالا يصدق في نفي العمدية إن لم يكن هناك لوث فإن كان أقسم المدعي ويشبه أن يكون جلمراد لوث العمدية وإلا فأصل اللوث حاصل بأصل القتل لاتفاق الشاهدين وقد سبق خلاف في أنه لو ظهر لوث بأصل القتل دون كونه خطأ أو عمدا هل تثبت القسامة وهذا نازع إليه


فرع شهد أحدهما أنه قتله عمدا والآخر أنه قتله خطأ والدعوى بقتل
عمد ففي ثبوت أصل القتل وجهان أصحهما يثبت فإن قلنا لا يثبت فحكمه كما سبق في صور التكاذب وإن قلنا يثبت سئل الجاني فإن أقر بالعمد ثبت أو بخطإ وصدقه الولي ثبت وإن كذبه فللولي أن يقسم لأن معه شاهدا وذلك لوث هنا قطعا فإن أقسم الولي حكم بمقتضى القسامة وإلا فيحلف الجاني فإن حلف فالدية مخففة في ماله وإن نكل ففي رد اليمين على المدعي قولان سبقا فإن ردت وحلف ثبت موجب العمد فإن لم ترد أو ردت وامتنع من الحلف تثبت دية الخطإ في ماله وقال البغوي إن كان المدعى قتل عمد فشهادة الخطإ لغو ويحلف الولي مع شاهد العمد خمسين يمينا ويثبت مقتضى القسامة وإن كان قتل خطإ فشهادة العمد لغو ويحلف مع شاهد الخطإ وتجب دية على العاقلة قال ولو شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا والآخر أنه أقر بقتله خطأ فالحكم كذلك إلا أنه إذا حلف مع شاهد الخطإ فالدية على الجاني إلا أن تصدقه العاقلة
فرع شهدا أنه ضرب ملفوفا في ثوب فقده نصفين ولم يتعرضا لحياته
الضرب لم يثبت القتل بشهادتهما فلو اختلف الولي و الجاني في حياته حينئذ فأيهما يصدق فيه قولان سبقا أظهرهما الولي وفي موضع القولين ثلاث طرق أصحهما إطلاقهما والثاني قاله أبو إسحق ينظر إلى الدم السائل فإن قال أهل الخبرة هو دم حي صدق الولي وإن قالوا دم ميت صدق الجاني وإن اشتبه ففيه

القولان والثالث قاله أبو الحسن الطيبي بكسر الطاء وبالباء الموحدة أنه إن كان ملفوفا في ثياب الأحياء صدق الولي وإن كان في الكفن صدق الجاني وإن اشتبه ففيه القولان فإن صدقنا الجاني فحلف برىء وإن صدقنا الولي فله الدية وفي القصاص وجهان قال الشيخ أبو حامد لا للشبهة وقال الماسرجسي والقاضي أبو الطيب وغيرهما يجب القصاص لأنه مقتضى تصديقه

فرع شهد رجل على رجل أنه قتل زيدا وشهد آخر أنه قتل
في حقهما جميعا فيقسم الوليان نص عليه في الأم رضي الله عنه وبالله التوفيق


كتاب الإمامة
وقتال البغاة فيه بابان الأول في الإمامة وفيه فصول الأول في شروط الإمامة وهي كونه مكلفا مسلما عدلا حرا ذكرا عالما مجتهدا شجاعا ذا رأي وكفاية سميعا بعيدا ناطقا قرشيا وفي اشتراط سلامة سائر الأعضاء كاليد والرجل والأذن خلاف جزم المتولي بأنه لا يشترط وجزم الماوردي باشتراط سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض وهذا أصح
قلت قال الماوردي عشا العين لا يمنع من انعقاد الإمامة لأنه مرض في زمن الاستراحة ويرجى زواله وضعف البصر إن كان يمنع معرفه الأشخاص منع انعقاد الإمامة واستدامتها وإلا فلا وفقد الشم والذوق وقطع الذكر والأنثيين لا يؤثر قطعا
والله أعلم فإن لم يوجد قرشي مستجمع الشروط فكناني فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فيهم مستجمع الشرائط ففي التهذيب أنه يولى رجل من العجم وفي التتمة أنه يولى جرهمي وجرهم أصل العرب فإن لم يوجد جرهمي فرجل من ولد إسحق صلى الله عليه وسلم ولا يشترط كونه هاشميا ولا كونه معصوما وفي جواز تولية المفضول خلاف مذكور في أدب القضاء فإن لم تتفق الكلمة إلا عليه جازت توليته بلا خلاف لتندفع الفتنة ولو نشأ من هو أفضل من المفضول لم يعدل إلى الناشىء بلا خلاف
الفصل الثاني في وجوب الإمامة وبيان طرقها لا بد للأمة من إمام يقيم الدين وينصر السنة وينتصف للمظلومين ويستوفي الحقوق ويضعها مواضعها


قلت تولي الإمامة فرض كفاية فإن لم يكن من يصلح إلا واحدا تعين عليه ولزمه طلبها إن لم يبتدئوه
والله أعلم وتنعقد الإمامة بثلاثة طرق أحدها البيعة كما بايعت الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم وفي العدد الذي تنعقد الإمامة ببيعتهم ستة أوجه أحدها أربعون والثاني أربعة والثالث ثلاثة والرابع اثنان والخامس واحد فعلى هذا يشترط كون الواحد مجتهدا
وعلى الأوجه الأربعة يشترط أن يكون في العدد المعتبر مجتهد لينظر في الشروط المعتبرة ولا يشترط أن يكون الجميع مجتهدين والسادس وهو الأصح أن المعتبر بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس الذين يتيسر حضورهم ولا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد في سائر البلاد والأصقاع بل إذا وصلهم خبر أهل البلاد البعيدة لزمهم الموافقة والمتابعة وعلى هذا لا يتعين للاعتبار عدد بل لا يعتبر العدد حتى لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته لانعقاد الإمامة ويشترط أن يكون الذين يبايعون بصفة الشهود وذكر في البيان في اشتراط حضور شاهدين البيعة وجهين
قلت الأصح لا يشترط إن كان العاقدون جمعا وإن كان واحدا اشترط الإشهاد وقد قال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد قال أصحابنا يشترط حضور الشهود لئلا يدعى عقد سابق ولأن الإمامة ليست دون النكاح لكن اختيار الإمام انعقادها بواحد وذكر الماوردي أنه يشترط في العاقدين العدالة والعلم والرأي وهو كما قال
والله أعلم ويشترط لانعقاد الإمامة أن يجيب المبايع فإن امتنع لم تنعقد إمامته ولم يجبر عليها


قلت إلا أن لا يكون من يصلح إلا واحد فيجبر بلا خوف
والله أعلم الطريق الثاني استخلاف الإمام من قبل وعهده إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما وانعقد الإجماع على جوازه والاستخلاف أن يعقد له في حياته الخلافة بعده فإن أوصى له بالإمامة فوجهان حكاهما البغوي ولو جعل الأمر شورى بين اثنين فصاعدا بعده كان كالاستخلاف إلا أن المستخلف غير متعين فيتشاورون ويتفقون على أحدهم كما جعل عمر رضي الله عنه الأمر شورى بين ستة فاتفقوا على عثمان رضي الله عنه وذكر الماوردي أنه يشترط في المعهود إليه شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتى لو كان صغيرا أو فاسقا عند العقد بالغا عدلا عند موت العاهد لم يكن إماما إلا أن يبايعه أهل الحل والعقد وقد يتوقف في هذا
قلت لا توقف فيه فالصواب الجزم بما ذكره الماوردي والفرق بينه وبين الوصي ظاهر
والله أعلم وذكر الماوردي أنه إذا عهد إلى غائب مجهول الحياة لم يصح وإن كان معلوم الحياة صح فإن مات المستخلف وهو بعد غائب استقدمه أهل الاختيار فإن بعدت غيبته وتضرر المسلمون بتأخير النظر في أمورهم اختار أهل الحل والعقد نائبا له يبايعونه بالنيابة دون الخلافة فإذا قدم انعزل النائب وأنه إذا عزل الخليفة نفسه كان كما لو مات فتنتقل الخلافة إلى ولي العهد ويجوز أن يفرق بين أن يقول الخلافة بعد موتي لفلان أو بعد خلافتي


قلت توقف إمام الحرمين في كتابه الإرشاد في انعزال الإمام بعزله نفسه
والله أعلم وذكر الماوردي أنه يجوز العهد إلى الوالد والولد وفيه مذهبان آخران أحدهما المنع كالتزكية والحكم لهما والثاني يجوز للوالد دون الولد لشدة الميل إليه وأن ولي العهد لو أراد أن ينقل ما إليه من العهد إلى غيره لم يجز وأنه لو عهد إلى جماعة مرتبين فقال الخليفة بعد موتي فلان وبعد موته فلان وبعد موته فلان جاز وانتقلت الخلافة إليهم على ما رتب كما رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراء جيش مؤتة وأنه لو مات الأول في حياة الخليفة فالخلافة للثاني ولو مات الأول والثاني في حياته فهي للثالث وأنه لو مات الخليفة وبقي الثلاثة أحياء فانتصب الأول للخلافة ثم إن أراد أن يعهد بها إلى غير الآخرين فالظاهر من مذهب الشافعي رحمه الله جوازه لأنها لما انتهت إليه صار أملك بها بخلاف ما إذا مات ولم يعهد إلى أحد فليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني ويقدم عهد الأول على اختيارهم وأنه ليس لأهل الشورى أن يعينوا واحدا منهم في حياة الخليفة إلا أن يأذن لهم في ذلك فإن خافوا انتشار الأمر بعده استأذنوه فإن أذن فعلوه وأنه يجوز للخليفة أن ينص على من يختار خليفة بعده كما يجوز أن يعهد إلى غيره ثم لا يصح إلا اختيار من نص على أنه يختار كما لا يصح إلا تقليد من عهد إليه وأنه إذا عهد إلى غيره بالخلافة فالعهد موقوف على قبول المعهود إليه واختلف في وقت قبوله فقيل بعد موت الخليفة والأصح أن وقته ما بين عهد الخليفة وموته قال صاحب التتمة وإذا امتنع المعهود إليه من القبول بويع غيره وكأنه لا عهد وكذا إذا جعل الأمر شورى فترك القوم الاختيار لا يجبرون عليه وكأنه لم يجعل الأمر إليهم


قلت ومما ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية من هذا أنه لو جمع شروط الإمامة اثنان استحب لأهل العقد أن يعقدوها لأسنهما فإن عقدوها للآخر جاز فإن كان أحدهما أعلم والآخر أشجع روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت فإن دعت الحاجة إلى زيادة الشجاعة لظهور البغاة وأهل الفساد كان الأشجع أحق وإن دعت إلى زيادة العلم لسكون الفتن وظهور البدع كان الأعلم أحق وأنه لو تنازعها اثنان فقد قال بعض الفقهاء يقدح ذلك فيهما فيعدل إلى غيرهما والذي عليه الجمهور أنه لا يقدح لأن طلب الخلافة ليس مكروها ثم هل يقرع بينهما عند التساوي أم يقدم أهل الاختيار من شاؤوا بلا قرعة فيه خلاف وأن الخليفة إذا أراد العهد لزمه أن يجتهد في الأصلح فإذا ظهر له واحد جاز أن ينفرد بعقد بيعته من غير حضور غيره ولا مشاورة أحد وأن المعهود إليه إذا استعفى لم يبطل عهده حتى يعفى فإن وجد غيره جاز استعفاؤه وخرج من العهد باجتماعهما وإن لم يوجد غيره لم يجز إعفاؤه ولا استعفاؤه ويبقى العقد لازما
والله أعلم فصل وأما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين فإن لم يكن جامعا للشرائط بأن كان فاسقا أو جاهلا فوجهان أصحهما انعقادها لما ذكرناه وإن كان عاصيا بفعله

فرع لو تفرد شخص بشروط الإمامة في وقته لم يصر إماما بمجرد
بل لا بد من أحد الطرق


الفصل الثالث في أحكام الإمام وفيه مسائل إحداها تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يخالف حكم الشرع سواء كان عادلا أو جائرا
الثانية لا يجوز نصب إمامين في وقت واحد وإن تباعد إقليماهما وقال الأستاذ أبو إسحق يجوز نصب إمامين في إقليمين لأنه قد يحتاج إليه وهذا اختيار الإمام والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول فإن عقدت البيعة لرجلين معا فالبيعتان باطلتان وإن ترتبتا فالثانية باطلة ثم إن جهل الثاني ومبايعوه بيعة الأول لم يعزروا وإلا فيعزرون ولو عرف سبق أحدهما ولم يتعين أو شككنا في معيتهما وتعاقبهما فليكن كما سبق في الجمعتين ولو سبق أحدهما وتعين واشتبه وقف الأمر حتى يظهر فإن طالت المدة ولم يكن الانتظار فقد ذكر الماوردي أنه تبطل البيعتان وتستأنف بيعة لأحدهما وفي جواز العدول إلى غيرهما خلاف
قلت الأصح المنع
والله أعلم قال الماوردي ولو ادعى كل واحد أنه الأسبق لم تسمع دعواه ولم يحلف الآخر لأن الحق للمسلمين ولو قطعا التنازع وسلم أحدهما الأمر للآخر لم تثبت الإمامة له بل لا بد من بينة بسبقه قال ولو أقر أحدهما بسبق صاحبه خرج منها المقر ولا تثبت للآخر إلا ببينة فإن شهد له المقر مع آخر قبلت شهادته إن كان يدعي اشتباه الأمر قبل الإقرار وإن كان يدعي التقديم لم تسمع للتكاذب في قوليه


المسألة الثالثة إذا ثبتت الإمامة بالقهر والغلبة فجاء آخر فقهره انعزل الأول وصار القاهر الثاني إماما
الرابعة لا يجوز خلع الإمام بلا سبب فلو خلعوه لم ينخلع ولو خلع الإمام نفسه نظر إن خلع لعجزه عن القيام بأمور المسلمين لهرم أو مرض ونحوهما انعزل ثم إن ولى غيره قبل عزل نفسه انعقدت ولايته وإلا فيبايع الناس غيره وإن عزل نفسه بلا عذر ففيه أوجه أصحها لا ينعزل وبه قطع صاحب البيان وغيره والثاني ينعزل لأن إلزامه الاستمرار قد يضر به في آخرته ودنياه والثالث وبه قطع البغوي إن لم يظهر عذر فعزل نفسه ولم يول غيره أو ولى من هو دونه لم ينعزل وإن ولى مثله أو أفضل ففي الانعزال وجهان وهل للإمام عزل ولي العهد قال المتولي نعم والماوردي لا لأنه ليس نائبا له بل للمسلمين
قلت قول الماوردي أصح قال الماوردي فلو عزله الإمام وعهد إلى ثان ثم عزل المعهود إليه أولا نفسه فعهد الثاني باطل ولا بد من استئنافه
والله أعلم الخامسة سبق في باب الأوصياء أن الإمام لا ينعزل بالفسق على الصحيح ولا ينعزل بالإغماء لأنه متوقع الزوال وينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم وبالجنون قال الماوردي فلو كان يجن ويفيق وزمن الإفاقة أكثر ويمكن فيه من القيام بالأمور لم ينعزل وينعزل بالعمى والصمم والخرس ولا ينعزل بثقل السمع وتمتمة اللسان وفي منعهما ابتداء الولاية خلاف والأصح أن قطع إحدى اليدين أو الرجلين لا يؤثر في الدوام وبالله التوفيق


قلت ومما يتعلق بالباب مسائل إحداها قال الماوردي لو أسر الإمام لزم الأمة استنقاذه وهو على إمامته ما دام مرجو الخلاص بقتال أو فداء فإن أيس منه نظر ان أسره كفار خرج من الإمامة وعقدوها لغيره فإن عهد بالإمامة وهو أسير نظر إن كان بعد اليأس من خلاصه لم يصح عهده لأنه عهد بعد انعزاله وإن عهد قبل اليأس صح عهده لبقاء ولايته وتستقر إمامة المعهود إليه باليأس خلاص من العاهد لانعزاله ولو خلص من أسره نظر إن خلص بعد اليأس لم تعد إمامته بل تستقر لولي عهده وإن خلص قبل اليأس فهو على إمامته وأما إذا أسره بغاة من المسلمين فإن كان مرجو الخلاص فهو على إمامته وإن لم يرج وكانت البغاة لا إمام لهم فالأسير على إمامته وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه إن لم يقدر هو على الاستنابة فإن قدر فهو أحق بالاستنابة فإن خلع الأسير نفسه أو مات لم يصر المستناب إماما وإن كان للبغاة الذين أسروه إمام نصبوه خرج الأسير من الإمامة إن أيس من خلاصه وعلى أهل الاختيار في دار العدل عقد الإمامة لمن يصلح لها فإن خلص الأسير لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها
المسألة الثانية تجب نصيحة الإمام بحسب القدرة
الثالثة يجوز أن يقال للإمام الخليفة والإمام وأمير المؤمنين قال الماوردي ويقال أيضا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البغوي في شرح السنة ويقال له أمير المؤمنين وإن كان فاسقا وقد أوضحت ذلك وما يتعلق به في أواخر كتاب الأذكار
والله أعلم

الباب الثاني في قتال البغاة
وفيه أطراف الأول في صفتهم
الباغي في اصطلاح العلماء هو المخالف لإمام العدل الخارج عن طاعته بامتناعه من أداء واجب عليه أو غيره بشرطه الذي سنذكره إن شاء الله تعالى قال العلماء ويجب قتال البغاة ولا يكفرون بالبغي وإذا رجع الباغي إلى الطاعة قبلت توبته وترك قتاله وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة ثم أطلق الأصحاب القول بأن البغي ليس باسم ذم وبأن الباغين ليسوا بفسقة كما أنهم ليسوا بكفرة لكنهم مخطئون فيما يفعلون ويذهبون إليه من التأويل ومنهم من يسميهم عصاة ولا يسميهم فسقة ويقول ليس كل معصية بفسق والتشديدات الواردة في الخروج عن طاعة الإمام وفي مخالفته كحديث من حمل علينا السلاح فليس منا وحديث من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وحديث من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية كلها محمولة على من خرج عن الطاعة وخالف الإمام بلا عذر ولا تأويل
فصل الذين يخالفون الإمام بالخروج عليه وترك الانقياد والامتناع من
خاصة فنصف البغاة بما يتميزون به ونذكر في ضمنهم غيرهم من المخالفين
أما البغاة فتعتبر فيهم خصلتان إحداهما أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخروج على الإمام أو منع الحق المتوجه عليهم فلو خرج قوم عن الطاعة ومنعوا الحق بلا تأويل سواء كان

حدا أو قصاصا أو مالا لله تعالى أو للآدميين عنادا أو مكابرة ولم يتعلقوا بتأويل فليس لهم أحكام البغاة وكذا المرتدون ثم التأويل للبغاة إن كان بطلانه مظنونا فهو معتبر وإن كان بطلانه مقطوعا به فوجهان أوفقهما لإطلاق الأكثرين أنه لا يعتبر كتأويل المرتدين وشبهتهم والثاني يعتبر ويكفي تغليطهم فيه وقد يغلط الإنسان في القطعيات

فرع الخوارج صنف من المبتدعة يعتقدون أن من فعل كبيرة كفر وخلد
في النار ويطعنون لذلك في الأئمة ولا يحضرون معهم الجمعات والجماعات قال الشافعي وجماهير الأصحاب رضي الله عنهم لو أظهر قوم رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وكفروا الإمام ومن معه فإن لم يقاتلوا وكانوا في قبضة الإمام لم يقتلوا ولم يقاتلوا ثم إن صرحوا بسب الإمام أو غيره من أهل العدل عزروا وإن عرضوا ففي تعزيرهم وجهان
قلت أصحهما لا يعزرون قاله الجرجاني وقطع به صاحب التنبيه
والله أعلم
ولو بعث الإمام إليهم واليا فقتلوه فعليهم القصاص وهل يتحتم قتل قاتله كقاطع الطريق لأنه شهر السلاح أم لا لأنه لم يقصد إخافة الطريق وجهان
قلت أصحهما لا يتحتم
والله أعلم
وأطلق البغوي أنهم إن قاتلوا فهم فسقة وأصحاب بهت فحكمهم حكم قطاع الطريق فهذا ترتيب المذهب والمنصوص وما قاله الجمهور

وحكى الإمام في تكفير الخوارج وجهين قال فإن لم نكفرهم فلهم حكم المرتدين وقيل حكم البغاة فإن قلنا كالمرتدين لم تنفذ أحكامهم
الخصلة الثانية أن يكون لهم شوكة وعدد بحيث يحتاج الإمام في ردهم إلى الطاعة إلى كلفة ببذل مال أو إعداد رجال ونصب قتال فإن كانوا أفرادا يسهل ضبطهم فليسوا بغاة وشرط جماعة من الأصحاب في الشوكة أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء وربما قيل يشترط كونهم في طرف من أطراف ولاية الإمام بحيث لا يحيط بهم أجناده والأصح الذي قاله المحققون أنه لا يعتبر ذلك وإنما يعتبر استعصاؤهم وخروجهم عن قبضة الإمام حتى لو تمكنوا من المقاومة وهم محفوفون بجند الإسلام حصلت الشوكة وتتعلق بالشوكة صور ذكرها الإمام إحداها حكى في قوم قليلي العدد تقووا بحصن وجهين ورأى أن الأولى أن يفصل فيقال إن كان الحصن على حافة الطريق وكانوا يستولون بسببه على ناحية وراء الحصن فالشوكة حاصلة وحكم البغاة ثابت لئلا تتعطل أقضية أهل تلك الناحية وإلا فليسوا بغاة ولا نبالي بما وقع من التعطل في العدد القليل
الثانية قال لو تحرب من الشجعان عدد يسير يقوون بفضل قوتهم على مصارمة الجموع الكثيرة حصلت الشوكة بلا خلاف
الثالثة قال يجب القطع بأن الشوكة لا تحصل إذا لم يكن لهم متبوع مطاع إذ لا قوة لمن لا يجمع كلمتهم مطاع وهل يشترط أن يكون فيهم إمام منصوب لهم أو منتصب وجهان ويقال قولان أصحهما عند الأكثرين لا يشترط وبه قال العراقيون والإمام وفي

المنهاج للشيخ أبي محمد أنه يشترط فيهم أن يمتنعوا من حكم الإمام وأن يظهروا لأنفسهم حكما ويشبه أن يقال هذا طريق مخالفة الإمام ولا بد فيهم منها ثم تعتبر الخصلتان فليس فيه مخالفة ما سقناه
وبالله التوفيق
الطرف الثاني في حكم البغاة وفيه مسألتان إحداها شهادة البغاة مقبولة بناء على أنهم ليسوا فسقة ولفظ الشافعي رحمه الله ولو شهد منهم عدل قبلت شهادته ما لم يكن يرى الشهادة لموافقته بتصديقه فأثبت العدالة مع البغي فإن كان لهم قاض في بلد قال المعتبرون من الأصحاب إن كان يستحل دماء أهل العدل لم ينفذ حكمه لأنه ليس بعدل ومن شرط القاضي العدالة وكذا يقول هؤلاء فيما لو كان الشاهد يستحل دماء أهل العدل وأموالهم ومنهم من يطلق نفوذ قضاء البغاة لمصلحة الرعية وإن لم يكن قاضيهم ممن يستحل دماء أهل العدل وأموالهم ونفذ حكمه فيما ينفذ فيه حكم قاضي أهل العدل فلو حكم بما يخالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي فهو باطل حتى لو قضى على رجل من أهل العدل بضمان ما أتلف في الحرب عليهم لم ينفذ قضاؤه وكذا لو حكم بسقوط ضمان ما أتلفوه هم على أهل العدل في غير القتال لم ينفذ ولو حكم بسقوط ضمان ما أتلفوه في القتال نفذ حكمه ولا تجوز مطالبتهم بعد ذلك لأنه مجتهد فيه ولا ينفذ قضاء الباغي إذا كان من الخطابية الذين يقضون لموافقتهم بتصديقهم إذا قضى لموافقه كما ترد شهادته له


فرع إذا كتب قاضيهم حيث ينفذ قضاؤه بما حكم به الى حاكم
جاز قبوله وتنفيذه ويستحب أن لا يقبل استخفافا بهم وإن كتب بما ثبت عنده ولم يحكم به فهل يحكم قاضينا به فيه قولان أظهرهما نعم وحكى الإمام طرد القولين فيما حكم به واستعان فيه بالاستيفاء قال وكنت أود لو فصل فاصل بين حكم يتعلق بأهل النجدة وحكم يتعلق بالرعايا
فرع لو ورد من قاضي البغاة كتاب على قاضينا ولم يعلم أنه
دماء أهل العدل أم لا ففي قبوله والعمل به قولان حكاهما ابن كج قال واختيار الشافعي منهما المنع
المسألة الثانية إذا أقام البغاة الحدود على جناة البلد الذي استولوا عليه وأخذوا الزكاة من أهله وخراج أرضه وجزية الذميين فيه اعتد بما فعلوه وإذا عاد البلد إلى أهل العدل لم يطالبوا أهله بشىء من ذلك وفي الجزية وجه شاذ لبعدها عن المسافة ولو فرقوا سهم المرتزقة من الفيء على جندهم ففي وقوعه موقعه وجهان أحدهما لا لئلا يكون عونا لهم وأصحهما نعم لأنهم من جند الإسلام وإرعاب الكفار حاصل بهم
فرع إذا عاد البلد الى أهل العدل فادعى من عليه حق أن
ولا يعلم الإمام ذلك ولا بينة فإن كان زكاة صدق بيمينه وهل اليمين واجبة أم مستحبة فيه خلاف سبق في الزكاة وإن كان

جزية لم يصدق على الصحيح وكذا إن كان خراجا على الأصح لأنه أجرة أو ثمن بخلاف الزكاة فإنها عبادة ومواساة ومبناها على الرفق وإن كان حدا فقال المتولي يصدق إن كان أثره باقيا على بدنه وإلا فإن ثبت بالإقرار صدق لأنه يقبل رجوعه وإن ثبت بالبينة فلا

فصل الذين لهم تأويل بلا شوكة أو شوكة بلا تأويل ليس لهم
ولا ينفذ قضاء حاكمهم ولا يعتد باستيفائهم الحقوق والحدود وفي أصحاب الشوكة احتمال للإمام لئلا يتضرر أهل الناحية التي استولوا عليها والمعروف للاصحاب ما سبق والتحكيم فيهم على الخلاف المعروف في غيرهم
الطرف الثالث في حكم ضمان المتلف من نفس أو مال بين الفريقين
فإذا أتلف باغ على عادل أو عكسه في غير القتال ضمن قطعا على ما تقرر من القصاص والقيمة وأما في حال القتال فما يتلفه العادل على الباغي لا يضمنه وما يتلفه الباغي على العادل من نفس أو مال هل يضمنه قولان أظهرهما لا فإن كان القتل عمدا ففي القصاص طريقان أصحهما طرد القولين والثاني القطع بالمنع لشبهة تأويلهم فإن أوجبنا القصاص فال الأمر إلى الدية فهي في مال القاتل وإن لم نوجبه فهل يكون له حكم العمد فتتعجل الدبة في مال القاتل أم حكم نسبه شبه العمد فتتأجل على العاقلة فيه خلاف كمن قتل مسلما على زي الكفار وأما الكفارة فتجب حيث أوجبنا قصاصا أو دية

وإلا فوجهان أصحهما المنع طردا للإهدار ولأنها أولى بالمسامحة من حق الآدمي

فرع القولان فيما أتلف بسبب القتال وتولد منه هلاكه فلو أتلف في
القتال ما ليس من ضرورة القتال وجب ضمانه قطعا كالمتلف قبل القتال ذكره الإمام
فرع الأموال المأخوذة في القتال يجب ردها بعد انقضاء الحرب إلى أصحابها

فرع لو استولى باغ على أمة أو مستولدة لأهل العدل فوطئها ألزمه
الحد فإن أولدها فالولد رقيق غير نسيب فإن كانت مكرهة فهل يجب المهر قيل فيه القولان في ضمان المال وقال البغوي ينبغي أن يجب قطعا كما لو أتلف المأخوذ بعد الانهزام ولو استولى حربي على أمة مسلمة وأولدها فالولد رقيق وغير نسيب ولا حد ولا مهر لأنه لم يلتزم الأحكام
فرع هذا الذي سبق من حكم الإتلاف هو في قتال البغاة فأما
للإمام بتأويل بلا شوكة فيلزمهم ضمان ما أتلفوه من نفس ومال وإن كان في حال القتال كقطاع الطريق وأما الذين لهم شوكة بلا تأويل ففي ضمان ما أتلفوه في القتال طريقان أحدهما يجب قطعا كعكسه

وأصحهما طرد القولين كالباغي لأن سقوط الضمان عن الباغي لقطع الفتنة واجتماع الكلمة وهذا موجود هنا ولو ارتدت طائفة لهم شوكة فأتلفوا مالا أو نفسا في القتال ثم تابوا وأسلموا ففي ضمانهم القولان كالبغاة أظهرهما عند بعضهم لا ضمان وخالفه البغوي ولا ينفذ قضاء قاضي المرتدين قطعا
الطرف الرابع في كيفية قتال البغاة طريقها طريق دفع الصائل والمقصود ردهم إلى الطاعة ودفع شرهم لا النفي والقتل فإذا أمكن الأسر لا يقتل وإذا أمكن الإثخان لا يذفف فإن التحم القتال واشتدت الحرب خرج الأمر عن الضبط قال الإمام وقد يتخيل من هذا أنا لا نسير إليهم ولا نفاتحهم بالقتال وأنهم إذا ساروا إلينا لا نبدأ بقتالهم بل نصطف قبالتهم فإن قصدونا دفعناهم قال وقد رأيت هذا لطائفة من الأصحاب وهو خطأ بل إذا أذنهم الإمام بالحرب ولم يرجعوا إلى الطاعة سار إليهم ومنعهم من القطر الذي استولوا عليه فإن انهزموا وكلمتهم واحدة اتبعناهم إلى أن يتوبوا ويطيعوا وليس قتال الفريقيين كصيال الواحد ودفعه بكيفية قتالهم مسائل الأولى لا يغتالون ولا يبدؤون بالقتال حتى ينذروا فيبعث الإمام إليهم أمينا فطنا ناصحا فإذا جاءهم سألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة وعللوا مخالفتهم بها أزالها وإن ذكروا شبة كشفها لهم وإن لم يذكروا شيئا أو أصروا بعد إزالة العلة نصحهم ووعظهم وأمرهم بالعود إلى الطاعة فإن أصروا دعاهم إلى المناظرة فإن لم يجيبوا أو أجابوا فغلبوا وأصروا مكابرين آذنهم بالقتال فإن استنظروا بحث الإمام عن حالهم واجتهد فإن ظهر له أنهم عازمون

على الطاعة وأنهم يستنظرون لكشف الشبهة أو التأمل والمشاورة أنظرهم وإن ظهر له أنهم يقصدون الاجتماع أو يستلحقون مددا لهم لم ينظرهم وإن سألوا ترك القتال أبدا لم يجبهم وحيث لا يجوز الإنظار فلو بذلوا مالا ورهنوا أولادهم والنساء لم يقبله لأنهم قد يقوون في المدة ويظهرون على أهل العدل ويستردون ما بذلوه وإذا كان بأهل العدل ضعف أخر القتال ونص في الأم أنه لو كان عندهم أسارى من أهل العدل فسألوا والحرب قائمة أن يمسك ليطلقوهم وأعطوا بذلك رهائن قبلنا فإن أطلقوا الأسارى أطلقنا الرهائن وإن قتلوهم لم يجز قتل الرهائن بل لا بد من إطلاقهم بعد انقضاء الحرب
الثانية من أدبر منهم وانهزم لم يتبع وكذا من ألقى سلاحه وترك القتال لم يقاتل وانهزام الجند بأن يتبدد وتبطل شوكتهم واتفاقهم فلو ولوا ظهورهم وهم مجتمعون تحت راية زعيمهم لم ينكف عنهم بل يطلبهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولو بطلت قوة واحد واعتضاده بالجمع لتخلفه عنهم مختارا أو غير مختار لا يقتل ولا يتبع ومن ولى متحرفا لقتال أتبع وقوتل وإن ولى متحيزا إلى فئة فإن كانت قريبة أتبع وإلا فلا على الأصح وربما أطلق وجهان من غير فرق بين قريبة وبعيدة وأجري الوجهان فيما لو بطلت شوكة الجند في الحال ولم يؤمن اجتماعهم في المآل وموضع الاتفاق أن يؤمن اجتماعهم
الثالثة لا يقتل مثخنهم ولا أسيرهم وجوز أبو حنيفة قتلهما صبرا فلو قتل عادل أسيرهم ففي وجوب القصاص عليه وجهان لشبهة خلاف أبي حنيفة
قلت أصحهما لا قصاص
والله أعلم


ولا يطلق الأسير قبل انقضاء الحرب إلا أن يبايع الإمام ويرجع إلى الطاعة باختياره ولو انقضت الحرب وجموعهم باقية لم يطلق إلا أن يبايع وإن بذلوا الطاعة أو تفرقت جموعهم أطلق فإن توقع عودهم ففي الإطلاق الوجهان السابقان وينبغي أن يعرض على أسراهم بيعة الإمام هذا في أسير هو أهل للقتال فأما إذا أسر نساءهم وأطفالهم فيحبسون إلى انقضاء القتال ثم يطلقون هذا هو الأصح وفي وجه لأبي إسحق إن رأى الإمام في إطلاقهم قوة أهل البغي وأن حبسهم يردهم إلى الطاعة ويدعوهم إلى مراجعة الحق حبسهم حتى يطيعوا وفي وجه له حبسهم مطلقا كسرا لقلوب البغاة وعلى هذا وقت تخليتهم وقت تخلية الرجال وأما العبيد والمراهقون فأطلق جماعة أنهم كالنساء وإن كانوا يقاتلون وقال الإمام والمتولي إن كان يجيء منهم قتال فهم كالرجال في الحبس والإطلاق وهذا حسن ولا شك أن العبيد والمراهقين والنساء إذا قاتلوا فهم كالرجال في أنهم يقتلون مقبلين ويتركون مدبرين ويجوز أسر كل هؤلاء المذكورين ابتداء

فرع إذا ظفرنا بخيلهم وأسلحتهم لم نردها حتى ينقضي القتال ونأمن غائلتهم
فلو وقعت ضرورة ولم يجد أحدنا ما يدفع عن نفسه إلا سلاحهم أو ما يركبه وقد وقعت هزيمة إلا خيولهم جاز الاستعمال والركوب كما يجوز أكل مال الغير للضرورة وما ليس من آلات الحرب من أموالهم يرد إليهم عند انقضاء الحرب
الرابعة لا يقاتلهم بما يعم ويعظم أثره كالمنجنيق والنار وإرسال السيول الجارفة لكن لو قاتلونا بهذه الأوجه واحتجنا إلى

المقابلة بمثلها دفعا أو أحاطوا بنا واضطررنا إلى الرمي بالنار ونحوها فعلناه للضرورة وإن تحصنوا ببلدة أو قلعة ولم يتأت الاستيلاء عليها إلا بهذه الأسباب فإن كان فيها رعايا لابغي فيهم لم يجز قتالهم بهذه الأسباب وإن لم يكن فيها إلا البغاة المقاتلون فكذلك في الأصح لأن ترك بلدة في أيدي طائفة من المسلمين قد يمكن الاحتيال في محاصرتهم والتضييق علهم أقرب إلى الإصلاح من اصطلام أمم
الخامسة لا يجوز أن يستعان عليهم بكفار لأنه لا يجوز تسليط كافر على مسلم ولهذا لا يجوز لمستحق قصاص أن يوكل كافرا باستيفائه ولا للإمام أن يتخذ جلادا كافرا لإقامة الحدود على المسلمين ولا يجوز أن يستعان بمن يرى قتلهم مدبرين إما لعداوة وإما لاعتقاده كالحنفي إلا أن يحتاج إلى الاستعانة بهم فيجوز بشرطين أحدهما أن تكونه فيهم جرأة وحسن إقدام والثاني أن يتمكن من منعهم لو ابتغوا أهل البغي بعد هزيمتهم ولا بد من اجتماع الشرطين لجواز الاستعانة كذا حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما عن اتفاق الأصحاب ولفظ البغوي يقتضي جوازها بأحدهما
السادسة لو استعان البغاة علينا بأهل الحرب وعقدوا لهم ذمة وأمانا ليقاتلوا معهم لم ينفذ أمانهم علينا فلنا أن نغنم أموالهم ونسترقهم ونقتلهم إذا وقعوا في الأسر ونقتلهم مدبرين ونذفف على جريحهم وقال القاضي حسين لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم والصحيح الأول وهل ينعقد الأمان في حق البغاة وجهان أصحهما

نعم فإن قلنا لا فقال البغوي لأهل البغي أن يكروا عليهم بالقتل والاسترقاق والذي ذكره الإمام على هذا أنه أمان فاسد ولوس لأهل البغي اغتيالهم بل يبلغونهم المأمن فلو قالوا ظننا أنه يجوز لنا أن نعين بعض المسلمين على بعض اوظننا أنهم المحقون أو ظننا أنهم استعانوا بنا في قتال الكفار فوجهان أحدهما لا اعتبار بظنهم الفاسد ولنا قتلهم واسترقاقهم وأصحهما أنا نبلغهم المأمن ونقاتلهم مقاتلة البغاة فلا يتعرض لهم مدبرين وما أتلفه أهل الحرب على أهل العدل غير مضمون عليهم وما يتلفون على أهل البغي مضمون إن نفذنا أمانهم لهم وإلا فلا ولو استعان البغاة بأهل الذمة في قتالنا نظر إن علموا أنه لا يجوز لهم قتالنا ولم يكرهوا انتقض عهدهم وحكمهم حكم أهل الحرب فيقتلون مقبلين ومدبرين ولو أتلفوا بعد القتال شيئا لم يضمنوه وقيل في انتقاض عهدهم قولان وإن قالوا كنا مكرهين لم ينتقض على المذهب ويقاتلون مقاتلة البغاة وإن قالوا ظننا أنه يجوز لنا إعانة بعض المسلمين على بعض أو أنهم يستعينون بنا على كفار أو أنهم المحقون لم ينتقض على المذهب وقيل قولان وإن لم يذكروا عذرا انتقض على المذهب وقيل قولان ثم قيل القولان إذا لم نشترط عليهم ترك القتال في عقد الذمة فإن شرط انتقض قطعا وقيل قولان مطلقا وحيث قلنا ينتقض فهل يبلغون المأمن أم يجوز قتلهم واسترقاقهم فيه خلاف مذكور في الجزية فإن قلنا يبلغون المأمن فهل لنا قتلهم منهزمين وجهان وجه الجواز أنه من بقية العقوبة على القتال ثم الذي ذكره البغوي وغيره أنه كما ينتقض عهدهم في حق أهل العدل ينتقض في حق أهل البغي وفي البيان أنه ينبغي أن يكون في انتقاضه في حق البغاة الخلاف في المسألة السابقة وإن قلنا لا ينتقض فهم كالبغاة في أنه لا يتبع مدبرهم

ولا يذفف على جريحهم ولو أتلفوا شيئا على أهل العدل لزمهم الضمان بخلاف البغاة فإنهم لا يضمنون في قول لأنا أسقطنا الضمان عنهم استمالة لقلوبهم إلى الطاعة لئلا ينفرهم الضمان وأهل الذمة في قبضة الإمام ولو أتلفوا نفسا قال الإمام إن أوجبنا القصاص على البغاة فأهل الذمة وإلا فوجهان أحدهما يجب كالضمان والثاني لا للشبهة المقترنة بأحوالهم وإذا قلنا لا ينتقض الأمان فجاءنا ذمي تائبا ففي ضمان ما أتلف طريقان أحدهما نعم والثاني على قولين كالبغاة

فرع قاتل أهل الذمة أهل البغي لا ينتقض عهدهم على الصحيح لأنهم
حاربوا من يلزم الإمام محاربتهم
فرع استعان البغاة بمن لهم أمان إلى مدة انتقض أمانهم فإن قالوا
كنا مكرهين وأقاموا بينة على الإكراه فهم على العهد وإلا انتقض أيضا
فصل اقتتل طائفتان باغيتان فإن قدر الإمام على قهرهما وهزمهما لم يعن
يقدر على قهرهما ضم إلى نفسه أقربهما إلى الحق واستعان بهم على الأخرى وإن استويا اجتهد فيهما ولا يقصد بضم المضمومة إليه معاونتها بل يقصد دفع الأخرى فإن اندفع شر الأخرى لم يقاتل المضمومة إلا بعد أن يدعوها إلى الطاعة لأنها بالاستعانة صارت في أمانه ولو أمن عادل باغيا نفذ أمانة وإن كان عبدا أو امرأة


فرع حكم دار البغي حكم دار الإسلام وإذا جرى فيها ما يوجب
أقامه الإمام
فرع يتحرز العادل عن قتال قريبه الباغي ما أمكنه

فرع قال المتولي يلزم الواحد من أهل العدل مصابرة اثنين من البغاة
فلا يولي عنهما إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة
فرع نص في المبسوط أنه إذا غزا أهل العدل والبغاة مشركين واجتمعوا
في دار الشرك فهم في الغنيمة سواء والقاتل منهم يستحق السلب وأما الخمس فيفرقه الإمام وأنه لو وادع أهل البغي مشركين لم يقصدهم أحد من المسلمين ولو غزا أهل البغي قوما من المشركين قد وادعهم الإمام فسبوا منهم فإذا ظهر الإمام عليهم رد السبي على المشركين وأنه لو أمن أهل العدل رجلا من البغاة فقتله رجل جاهل بأمانه وقال علمته باغيا وظننت أنه جاءنا لينال غرتنا حلف وألزم الدية وإن قتله عامدا اقتص منه وأنه لو قتل عادل عادلا في القتال وقال ظننته باغيا حلف وضمن الدية وأنه لو سبى الكفار من أهل البغي وقدرنا على استنقاذهم وجب الاستنقاذ وبالله التوفيق


كتاب الردة
هي أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكما وفيه بابان الأول في حقيقة الردة ومن تصح منه وفيه طرفان
الأول في حقيقتها وهي قطع الإسلام ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر وتارة بالفعل والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح كالسجود للصنم أو للشمس وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها قال الإمام في بعض التعاليق عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرا قال وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناء أو استهزاء هذا قول جملي وأما التفصيل فقال المتولي من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالما قادرا أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا وكذا من جحد جواز بعثة الرسل أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أو كذبه أو جحد آية من القرآن مجمعا عليها أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه أو سب نبيا أو استخف به أو استحل محرما بالإجماع كالخمر واللواط أو حرم حلالا بالإجماع أو نفى وجوب مجمع على وجوبه كركعة من الصلوات الخمس أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كصلاة سادسة وصوم شوال أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة أو ادعى النبوة بعد نبينا صلى الله

عليه وسلم أو صدق مدعيا لها أو عظم صنما بالسجود له أو التقرب إليه بالذبح باسمه فكل هذا كفر
قلت قوله إن جاحد المجمع عليه يكفر ليس على إطلاقه بل الصواب فيه تفصيل سبق بيانه في باب تارك الصلاة عقب كتاب الجنائز ومختصره أنه إن جحد مجمعا عليه يعلم من دين الاسلام ضرورة كفر إن كان فيه نص وكذا إن لم يكن فيه نص في الأصح وإن لم يعلم من دين الاسلام ضرورة بحيث لا يعرفه كل المسلمين لم يكفر
والله أعلم
قال المتولي ولو قال المسلم يا كافر بلا تأويل كفر لأنه سمى الاسلام كفرا والعزم على الكفر في المستقبل كفر في الحال وكذا التردد في أنه يكفر أم لا فهو كفر في الحال وكذا التعليق بأمر مستقبل كقوله إن هلك مالي أو ولدي تهودت أو تنصرت قال والرضى بالكفر كفر حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد فلم يفعل أو أشار عليه بأن لا يسلم أو على مسلم بأن يرتد فهو كافر بخلاف ما لو قال لمسلم سلبه الله الإيمان أو لكافر لا رزقه الله الإيمان فليس بكفر لأنه ليس رضى بالكفر لكنه دعا عليه بتشديد الأمر والعقوبة عليه
قلت وذكر القاضي حسين في الفتاوى وجها عيفا أن من قال لمسلم سلبه الله الإيمان كفر
والله أعلم
ولو أكره مسلما على الكفر صار المكره كافرا والإكراه على الإسلام والرضى به والعزم عليه في المستقبل ليس بإسلام ومن دخل دار الحرب وشرب معهم الخمر وأكل لحم الخنزير لا يحكم

بكفره وارتكاب كبائر المحرمات ليس بكفر ولا ينسلب به اسم الإيمان والفاسق إذا مات ولم يتب لا يخلد في النار

فرع في كتب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله اعتناء تام بتفصيل الأقوال
والأفعال المقتضية للكفر وأكثرهما مما يقتضي إطلاق أصحابنا الموافقة عليه فنذكر ما يحضرنا مما في كتبهم
منها إذا سخر باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو بوعده أو وعيده كفر وكذا لو قال لو أمرني الله تعالى بكذا لم أفعل أو لو صارت القبلة في هذه الجهة ما صليت إليها أو لو أعطاني الجنة ما دخلتها
قلت مقتضى مذهبنا والجاري على القواعد أنه لا يكفر في قوله لو أعطاني الجنة ما دخلتها وهو الصواب
والله أعلم
ولو قال لغيره لا تترك الصلاة فإن الله تعالى يؤاخذك فقال لو واخذني الله بها مع ما بي من المرض والشدة ظلمني أو قال المظلوم هذا بتقدير الله تعالى فقال الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى كفر ولو قال لو شهد عندي الأنبياء والملائكة بكذا ما صدقتهم كفر ولو قيل له قلم أظفارك فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أفعل وإن كان سنة كفر
قلت المختار أنه لا يكفر بهذا إلا أن يقصد استهزاء
والله أعلم
واختلفوا فيما لو قال فلان في عيني كاليهودي والنصراني في عين الله تعالى أو بين يدي الله تعالى فمنهم من قال هو كفر ومنهم من قال إن أراد الجارحة كفر وإلا فلا قالوا ولو قال إن الله

تعالى جلس للإنصاف كفر أو قام للإنصاف فهو كفر واختلفوا فيما إذا قال الطالب ليمين خصمه وقد أراد الخصم أن يحلف بالله تعالى لا أريد الحلف بالله تعالى إنما أريد الحلف بالطلاق والعتاق والصحيح أنه لا يكفر واختلفوا فيمن نادى رجلا اسمه عبد الله وأدخل في آخره حرف الكاف الذي يدخل للتصغير بالعجمية فقيل يكفر وقيل إن تعمد التصغير كفر وإن كان جاهلا لا يدري ما يقول أو لم يكن له قصد لا يكفر واختلفوا فيمن قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت وأكثرهم على أنه لا يكفر قالوا ولو قرأ القرءان على ضرب الدف أو القضيب أو قيل له تعلم الغيب فقال نعم فهو كفر واختلفوا فيمن خرج لسفر فصاح العقعق فرجع هل يكفر قلت الصواب أنه لا يكفر في المسائل الثلاث
والله أعلم
ولو قال لو كان فلان نبيا آمنت به كفر وكذا لو قال إن كان ما قاله الأنبياء صدقا نجونا أو قال لا أدري أكان النبي صلى الله عليه وسلم انسيا أم جنيا أو قال إنه جن أو صغر عضوا من أعضائه على طريق الإهانة واختلفوا فيما لو قال كان طويل الظفر واختلفوا فيمن صلى بغير وضوء متعمدا أو مع ثوب نجس أو إلى غير القبلة
قلت مذهبنا ومذهب الجمهور لا يكفر إن لم يستحله
والله أعلم
ولو تنازع رجلان فقال أحدهما لا حول ولا قوة إلا بالله فقال الآخر لا حول لا تغني من جوع كفر ولو سمع أذان المؤذن فقال إنه يكذب أو قال وهو يتعاطى قدح الخمر أو يقدم على الزنى باسم الله تعالى واستخفافا باسم الله تعالى كفر ولو قال لا أخاف القيامة كفر واختلفوا فيما لو وضع متاعه في موضع وقال

سلمته إلى الله تعالى فقال له رجل سلمته إلى من لا يتبع السارق إذا سرق ولو حضر جماعة وجلس أحدهم على فكان رفيع تشبها بالمذكرين فسألوه المسائل وهم يضحكون ثم يضربونه بالمخراق أو تشبه بالمعلمين فأخذ خشبة وجلس القوم حوله كالصبيان وضحكوا واستهزؤوا وقال قصعة ثريد خير من العلم كفر
قلت الصواب أنه لا يكفر في مسألتي التشبه
والله أعلم
ولو دام مرضه واشتد فقال إن شئت توفني مسلما وإن شئت توفني كافرا صار كافرا وكذا لو ابتلي بمصائب فقال أخذت مالي وأخذت ولدي وكذا وكذا وماذا تفعل أيضا أو ماذا بقي ولم تفعله كفر ولو غضب على ولده أو غلامه فضربه ضربا شديدا فقال رجل لست بمسلم فقال لا متعمدا كفر ولو قيل له يا يهودي يا مجوسي فقال لبيك كفر قلت في هذا نظر إذا لم ينو شيئا
والله أعلم
ولو أسلم كافر فأعطاه الناس أموالا فقال مسلم ليتني كنت كافرا فأسلم فأعطى قال بعض المشائخ يكفر
قلت في هذا نظر لأن جازم بالإسلام في الحال والاستقبال وثبت في الأحاديث الصحيحة في قصة أسامة رضي الله عنه حين قتل من نطق بالشهادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل يومئذ ويمكن الفرق بينهما
والله أعلم
ولو تمنى أن لا يحرم الله تعالى الخمر أو لا يحرم المناكحة بين الأخ والأخت لا يكفر ولو تمنى أن لا يحرم الله تعالى الظلم أو الزنى

وقتل النفس بغير حق كفر والضابط أن ما كان حلالا في زمان فتمنى حله لا يكفر ولو شد الزنار على وسطه كفر واختلفوا فيمن وضع قلنسوة المجوس على رأسه والصحيح أنه يكفر ولو شد على وسطه حبلا فسئل عنه فقال هذا زنار فالأكثرون على أنه يكفر ولو شد على وسطه زنارا ودخل دار الحرب للتجارة كفر وإن دخل لتخليص الأسارى لم يكفر قلت الصواب أنه لا يكفر في مسألة التمني وما بعدها إذا لم تكن نيه
والله أعلم
ولو قال معلم الصبيان اليهود خير من المسلمين بكثير لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم كفروا قالوا ولو قال النصرانية خير من المجوسية كفر ولو قال المجوسية شر من النصرانية لا يكفر
قلت الصواب أنه لا يكفر بقوله النصرانية خير من المجوسية إلا أن يريد أنها دين حق اليوم
والله أعلم
قالوا ولو عطس السلطان فقال له رجل يرحمك الله فقال آخر لا تقل للسلطان هذا كفر الآخر
قلت الصواب أنه لا يكفر بمجرد هذا
والله أعلم
قالوا ولو سقى فاسق ولده خمرا فنثر أقرباؤه الدراهم والسكر كفروا
قلت الصواب أنهم
لا يكفرون
والله أعلم
قالوا ولو قال كافر لمسلم اعرض علي الإسلام فقال حتى أرى أو اصبر إلى الغد أو طلب عرض الإسلام من واعظ فقال

اجلس إلى آخر المجلس كفر وقد حكينا نظيره عن المتولي قالوا ولو قال لعدوه لو كان بينا لم أؤمن به أو قال لم يكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه من الصحابة كفر قالوا ولو قيل لرجل ما الإيمان فقال لا أدري كفر أو قال لزوجته أنت أحب إلى من الله تعالى كفر وهذه الصور تتبعوا فيها الألفاظ الواقعة في كلام الناس وأجابوا فيها اتفاقا أو اختلافا بما ذكر ومذهبنا يقتضي موافقتهم في بعضها وفي بعضها يشترط وقوع اللفظ في معرض الاستهزاء
قلت قد ذكر القاضي الإمام الحافظ أو الفضل عياض رحمه الله في آخر كتابه الشفاء بتعريف حقوق نبينا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه جملة في الألفاظ المكفرة غير ما سبق نقلها عن الأئمة أكثرهم مجمع عليه وصرح بنقل الإجماع فيه
والله أعلم
فمنها أن مريضا شفي ثم قال لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم استوجبه فقال بعض العلماء يكفر ويقتل لأنه يتضمن النسبة إلى الجور وقال آخرون لا يتحتم قتله ويستتاب ويعزر وأنه لو قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أسود أو توفي قبل أن يلتحي أو قال ليس هو بقرشي فهو كفر لأن وصفه بغير صفته نفي له وتكذيب به وأن من ادعى أن النبوة مكتسبة أو أنه يبلغ بصفاء القلب إلى مرتبتها أو ادعى أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة أو ادعى أنه يدخل الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور فهو كافر بالإجماع قطعا وأن من دافع نص الكتاب أو السنة المقطوع بها المحمول على ظاهره فهو كافر بالإجماع وأن من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى أو شك في تكفيرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده وكذا يقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وكذا

من فعل فعلا أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان صاحبه مصرحا بالإسلام مع فعله كالسجود للصليب أو النار والمشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها وكذا من أنكر مكة أو البيت أو المسجد الحرام أو صفة الحج وأنه ليس على هذه الهيئة المعروفة أو قال لا أدري أن هذه المسماة بمكة هي مكة أم غيرها فكل هذا أو شبهه لا شك في تكفير قائله إن كان ممن يظن به علم ذلك ومن طالت صحبته المسلمين فإن كان قريب عهد بإسلام أو بمخالطة المسلمين عرفناه ذلك ولا يعذر بعد العريف وكذا من غير شيئا من القرآن أو قال ليس بمعجز أو قال ليس في خلق السماوات والأرض دلالة على الله تعالى أو أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب أو اعترف بذلك ولكن قال المراد بالجنة والنار والبعث أو الحساب أو اعترف بذلك ولكن قال المراد بالجنة والنار والبعث والنشور والثواب والعقاب غير معانيها أو قال الأئمة أفضل من الأنبياء
الطرف الثاني فيمن تصح ردته وشرطها التليف
فلا تصح ردة صبي ولا مجنون ومن ارتد ثم جن لا يقتل في جنونه وكذا من أقر بالزنى ثم جن لا يقام عليه الحد لأنه قد يرجع عن الإقرار بخلاف ما لو أقر بقصاص أو حد قذف ثم جن فإنه يستوفى في جنونه لأنه لا يسقط برجوعه وبخلاف ما لو قامت بينة بزناه ثم جن قال البغوي هذا كله على سبيل الاحتياط فلو قتل في حال الجنون أو أقيم عليه الحد فمات لم يجب شىء وتصح ردة السكران على المذهب كما سبق في طلاقه فإن صححناها فارتد في سكره أو أقر بالردة وجب القتل لكن لا يقتل حتى يفيق فيعرض عليه السلام وفي صحة استتابته في السكر وجهان حكاهما البغوي

أحدهما نعم لكن يستحب أن تؤخر إلى الإفاقة والثاني المنع وبه قطع ابن الصباغ لأن الشبهة لا تزول في ذلك الحال ولو عاد إلى الإسلام في السكر صح إسلامه وارتفع حكم الردة وسبق ذكر طريق أنه يصح تصرف السكران فيما عليه دون ماله فعلى هذا لا يصح إسلامه وإن صحت ردته وقيل لا يصح قطعا والمذهب الأول فإن صححنا إسلامه فقتله رجل لزمه القصاص والضمان على المشهور وحكي قول في إهداره وإن قلنا لا تصح ردة السكران فقتل تعلق بقتله القصاص والضمان وعن ابن القطان تجب الدية دون القصاص للشبهة والصحيح الأول ولو ارتد صإحيا ثم سكر فأسلم حكى ابن كج القطع بأنه لا يكون إسلاما والقياس جعله على الخلاف

فصل المؤمن إذا أكره على أن يتكلم بكلمة الكفر فتكلم بها لا
بردته فلا تبين زوجته ولو مات ورثه ورثته المسلمون وسبق في أول الجنايات أنه يباح له التكلم بكلمة الكفر بالإكراه وأن الأصح أنه لا يجب وأن الأفضل أن يقبت ولا يتكلم بها وهل تقبل الشهادة على الردة مطلقا أم لا تقبل حتى يفصل لاختلاف الناس فيما يوجبها فيه قولان أظهرهما الأول وعلى هذا لو شهد عدلان بردته فقال كذبا أو ما ارتددت قبلت شهادتهما ولا يغنيه التكذيب بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلما ولا ينفعه ذلك في بينونة زوجته وكذا الحكم لو شرطنا التفصيل ففصلا وكذبهما فلو قال كنت مكرها فيما فعلته نظر إن كانت قرائن الأحوال شهد له بأن كان في أسر الكفار أو كان محفوفا بجماعة منهم وهو مستشعر صدق بيمينه قال صاحب البيان وغيره وكذا الحكم لو قامت بينة بإقراره بالبيع

وغيره وكان مقيدا أو محبوسا فقال كنت مكرها وإن لم تشهد القرائن بصدقه بأن كان في دار الإسلام لم يقبل قوله وأجريت عليه أحكام المرتدين وكذا لو كان في دار الحراب وهو مخلى آمن ولو لم يقل الشاهدان ارتد بل قالا تلفظ بكلمة الكفر فقال صدقا ولكنني كنت مكرها قال الشيخ أبو محمد وتابعوه عليه يقبل قوله لأنه ليس فيه تكذيب الشاهد بخلاف ما أذا شهد بالردة فإن الإكراه ينافي الردة ولا ينافي التلفظ بكلمتها قال الشيخ والجزم أن يجدد كلمة الإسلام فلو قتل قبل التجديد فهل يكون قتله مضمونا لأن الردة لم لم تثبت أم لا لأن لفظ الردة وجد والأصل الاختيار فيه قولان قال الإمام والقولان إذا لم يدع الإكراه أو لم يحلف عليه فأما إذا ادعاه وحلف عليه فقد ثبت الإكراه بالحجة فنقطع بأنه مضمون وفيما ذكرناه دلالة بينة على أنهما لو شهدا بردة الأسير ولم يدع إكراها حكم بردته ويؤيده ما حكي عن القفال أنه لو ارتد أسير مع الكفار ثم أحاط بهم المسلمون فاطلع من الحصن وقال أنا مسلم وإنما تشبهت بهم خوفا قبل قوله وحكم بإسلامه وإن لم يدع ذلك حتى مات فالظاهر أنه ارتد طائعا وإن مات أسيرا وعن نص الشافعي رحمه الله أنهما لو شهدا بتلفظ رجل بالكفر وهو محبوس أو مقيد لم يحكم بكفره وإن لم يتعرض الشاهدان للإكراه وفي التهذيب أن من دخل دار الحرب وكان يسجد للصنم ويتكلم بالكفر ثم قال كنت مكرها فإن فعله في مكان خال لم يقبل قوله كما لو فعله في دار الإسلام وإن فعله بين أيديهم قبل قوله إن كان أسيرا وإن كان تاجرا فلا

فرع مات معروف بالإسلام عن ابنين مسلمين فقال أحدهما مات

مسلما

وقال الآخر كفر بعد إسلامه ومات كافرا فإن بين سببه فقال سجد لصنم أو تكلم بكلام كفر به فلا إرث له ويصرف نصيبه إلى بيت المال وإن أطلق فثلاثة أقوال أحدها يصرف إليه نصيبه ولا أثر لإقراره لأنه قد يتوهم ما ليس بكفر كفرا والثاني يجعل فيئا والثالث وهو الأظهر
يستفصل فإن ذكر ما هو كفر كان فيئا وإن ذكر ما ليس بكفر صرف إليه ولو قال مات كافرا لأنه كان يشرب الخمر ويأكل الخنزير فهل يرثه قولان أظهرهما نعم
فرع تلفظ أسير بكلمة كفر مكرها لا يحكم بكفره فإن مات هناك
مسلما وورثه ورثته المسلمون فإن رجع إلى دار الإسلام عرض عليه الدين لاحتمال أنه كان مختارا فيما أتى به وهنا ثلاثة أشياء أحدها أطلق الجمهور العرض وشرط له ابن كج أن لا يؤم الجماعات ولا يقبل على الطاعات بعد العود إلينا فإن فعل ذلك فلا عرض
الثاني سكت الجمهور عن كون هذا العرض مستحبا أم واجبا وقال ابن كج مستحب لأنه لو أكره على الكفر في دار الإسلام لا يعرض الإسلام عليه بعد زوال الإكراه بإتفاق الأصحاب
الثالث إذا امتنع بعد العرض فالمنقول أنه يحكم بكفره ويستدل بامتناعه على أنه كان كافرا عند التلفظ ومقتضى هذا أن الحكحم بكفره من يومئذ قال الإمام وفي الحكم بكفره احتمال ولو مات قبل العرض والتلفظ بالإسلام فالصحيح أنه كما لو مات قبل أن يعود إلينا وقيل يموت كافرا وكان من حقه إذا جاء أن يتكلم بكلمة الإسلام
فرع ارتد الأسير مختارا ثم رأيناه يصلي صلاة المسلمين في دار الحرب
فالصحيح

المنصوص أنه يحكم بإسلامه بخلاف ما لو صلى في دار الإسلام لا يحكم بإسلامه لأنها في دار الحرب لا تكون إلا عن اعتقاد وفي دار الإسلام قد تكون للتقية وقال الإمام قال العراقيون هي إسلام ثم استبعده وقال الوجه في قياس المراوزة القطع بأنه ليس إسلاما كما لو رأينا الكافر الأصلي يصلي في دار الحرب وسوى صاحب البيان بين الأصلي والمرتد فقال إذا صلى الكافر الأصلي بدار الحرب حكم بإسلامه ولو صلى في دار الإسلام لم يحكم به
قلت هذا المنقول عن صاحب البيان هو قول القاضي أبي الطيب وقد سبقت حكاية الرافعي له في صلاة الجماعة وشذ المتولي فحكاه هناك عن نص الشافعي رحمه الله والصحيح الذي عليه الأصحاب أنه لا يكون إسلاما من الأصلي بخلاف المرتد لأن علقة الإسلام باقية في المرتد فصلاته عود منه إلى ما كان ثم سواء في كل ما ذكرنا الصلاة منفودا وإماما ومقتديا وهذا إذا لم يسمع منه لشهد فيها فإن سمعناه فهو مسلم حيث ما كان وأي كافر كان وفيه وجه شاذ سبق في باب الأذان
والله أعلم

الباب الثاني في حكم الردة
أحكامها كثيرة متفرقة في الأبواب والمقصود هنا نفسه وولده وماله أما نفسه فمهدرة فيجب قتله إن لم يتب سواء انتقل إلى دين أهل كتاب أم لا حرا كان أو عبدا أو امرأة فإن تاب وعاد إلى الإسلام قبلت توبته وإسلامه سواء كان مسلما أصليا فارتد أو كافرا أسلم ثم ارتد وسواء كان الكافر الذي ارتد إليه كفرا ظاهرا أو غيره ككفر الباطنية وسواء كان ظاهر الكفر أو زنديقا يظهر الإسلام ويبطن الكفر وسواء تكررت منه الردة والإسلام أم لا

فيقبل إسلام الزنديق ومن تكررت ردته وغيره هذا هو الصحيح المنصوص في المختصر وبه قطع العراقيون والوجه الثاني لا يقبل إسلام الزنديق قال الروياني في الحلية والعمل على هذا والثالث عن القفال الشاشي أن المتناهين في الخبث كدعاة الباطنية لا تقبل توبتهم ورجوعهم إلى الإسلام ويقبل من عوامهم والرابع عن الأستاذ أبي إسحق الإسفراييني أنه إن أخذ ليقتل فتاب لم تقبل وإن جاء تائبا ابتداء وظهرت أمارات الصدق قبلت والخامس عن أبي إسحق المروزي لا يقبل إسلام من تكررت ردته وعلى الصحيح إذا تكررت ردته وعزر
ويقتل المرتد بضرب الرقبة دون الإحراق وغيره ويتولاه الإمام أو من ولاه فإن قتله غيره عزر ويستتاب المرتد قبل قتله وهل الاستتابة واجبة أم مستحبة قولان ويقال وجهان أظهرهما واجبة وعلى التقديرين في قدرها قولان أحدهما ثلاثة أيام وأظهرهما في الحال فإن تاب وإلا قتل ولم يمهل وقيل لا يجب الإمهال ثلاثا قطعا وإنما الخلاف في استحبابه ولا خلاف أنه لا يخلى في مدة الإمهال بل يحبس ولا خلاف أنه لو قتل قبل الاستتابة أو قبل مضي مدة الإمهال لم يجب بقتله شىء وإن كان القاتل مسيئا بفعله

فرع إذا وجب قتل المرتد إما في الحال وإما بعد الاستتابة فقال
لي شبهة فأزيلوها لأعود إلى ما كنت عليه فهل نناظره لإزالتها وجهان أحدهما نعم لأن الحجة مقدمة على السيف والثاني لا لأن الشبه لا تنحصر فيورد بعضها بإثر بعض فتطول المدة فحقه أن يسلم ثم يستكشفها من العلماء والأول أصح عند الغزالي وحكى

الروياني الثاني عن النص واستبعد الخلاف وعن أبي إسحق أنه لو قال أنا جائع فأطعموني ثم ناظروني أو كان الإمام مشغولا بما هو أهم منه أخرناه ولا يجوز استرقاق المرتد بحال سواء فيه الرجل والمرأة

فصل أما ولد المرتد فإن كان منفصلا أو انعقد قبل الردة فمسلم
لو ارتدت حامل لم يحكم بردة الولد فإن بلغ وأعرب بالكفر كان مرتدا بنفسه وإن حدث الولد بعد الردة فإن كان أحد أبويه مسلما فهو مسلم بلا خلاف وإن كانا مرتدين فهل هو مسلم أم مرتد أم كافر أصلي فيه ثلاثة أقوال أظهرها مسلم
قلت كذا صححه البغوي فتابعه الرافعي والصحيح أنه كافر وبه قطع جميع العراقيين نقل القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد أنه لا خلاف فيه في المذهب وإنما الخلاف في أنه كافر أصلي أم مرتد والأظهر مرتد
والله أعلم
فإذا قلنا إنه مسلم لا يسترق بحال وإن مات صغيرا ورثه قرابته المسلمون ويجزىء عتقه عن الكفارة إن كان رقيقا وإن بلغ وأعرب بالكفر فمرتد وإن قلنا كافر أصلي جاز استرقاقه قال الإمام ويجوز عقد الجزية معه إذا بلغ وهو كالكافر الأصلي في كل معنى والذي قطع به البغوي وغيره وحكاه الروياني عن المجموع أنه لا يجوز عقد جزية له لأنه ليس كتابيا وإن قلنا إنه مرتد لم يسترق بحال ولا يقتل حتى يبلغ فيستتاب فإن أصر قتل وأولاده أولاد المرتدين حكمهم حكم أولاد المرتدين


قلت قال البغوي لو كان أحد الأبوين مرتدا والآخر كافرا أصليا فإن قلنا إذا كانا مرتدين يكون الولد مسلما كان هنا مسلما أيضا وإن قلنا يكون هناك مرتدا أو كافرا أصليا كان هنا كافرا أصليا يقر بالجزية إن كان الأصلي ممن يقربها كما لو كان أحد أبويه مجوسيا والآخر وثنيا وإن كان الأصلي كتابيا كان الولد كتابيا
والله أعلم

فرع الذمي والمستأمن إذا نقض العهد ولحق بدار الحرب وترك ولده عندنا
لا يجوز استرقاقه فإذا بلغ وقبل الجزية فذاك وإلا فلا يجبر ويلحق بالمأمن وفي وجه يسترق ولده بلحوقه بدار الحرب وفي وجه إن هلك هناك أو استرق استرق ولده
فصل وأما ماله فهل يزول ملكه عنه بنفس الردة فيه أقوال أحدها
لزوال عصمة الإسلام وقياسا على النكاح والثاني لا كالزاني المحصن وأظهرها موقوف فإن مات مرتدا بان زواله بالردة وإن أسلم بان أنه لم يزل لأن بطلان أعماله يتوقف على موته مرتدا فكذا ملكه ومنهم من قطع باستمرار ملكه وجعل الخلاف في أنه هل يصير بالردة محجورا عليه في التصرف والخلاف في زوال الملك يجري في ابتداء التملك إذا اصطاد أو احتطب فإن قلنا يزول قال الإمام ظاهر القياس أنه يثبت الملك لأهل الفيء فيما اصطاد واحتطب كما يحصل ملك السيد فيما احتطب العبد قال وليكن شراؤه واتهابه كشراء العبد واتهابه بغير إذن السيد حتى يجيء الخلاف والذي ذكره المتولي أنه يبقى على الإباحة كما إذا اصطاد المحرم لا يملكه ويبقى الصيد على الإباحة وإن قلنا يبقى ملك المرتب فيما احتطبه أو اصطاده

ملكه كالحربي وإن قلنا موقوف فموقوف فإن عاد إلى الإسلام بان أنه ملكه من يوم الأخذ وإن مات مرتدا قال المتولي حكم بأن المأخوذ باق على الإباحة وعلى قياس ما ذكره الإمام يبين أنه لأهل الفيء وعلى الأقوال كلها تقضى من ماله ديونه التي لزمته قبل الردة لأنها لا تزيد على الموت وقد تكون نفقة الزوجة من الدين اللازم قبل الردة ولا تكون نفقة القريب منه لسقوطها بمضي الزمان وقال الاصطخري لا تقضى ديونه على قول زوال الملك ويجعل المال كالتالف والمذهب الأول وأما في مدة الردة فينفق عليه من ماله وتكون نفقته كحاجة الميت إلى الكفن بعد زوال ملكه ونقل ابن كج عن ابن الوكيل أنه لا ينفق عليه على قول زوال الملك بل ينفق عليه مدة الاستتابة من بيت المال وهذا شاذ ضعيف وهل تلزمه نفقة زوجاته الموقوف نكاحهن ونفقة قريبة وغرامة ما يتلفه من الردة على قول زوال الملك وجهان قال ابن سلمة والاصطخري لا واختاره المتولي إذ لا ملك له وأصحهما عند الجمهور نعم كما أن من حفر بئر عدوان ومات وحصل بها إتلاف يؤخذ الضمان من تركته وإن زال ملكه بالموت

فرع إذا قلنا بزوال ملكه فأسلم عاد ملكه بلا خلاف لأن إزالة
عقوبة فعاد بالتوبة
فرع إذا قلنا بزوال ملكه لا يصح تصرفه ببيع وشراء وإعتاق ووصية
وغيرها لأنه لا مال له وفي الشراء ما سبق عن الإمام وإن قلنا يبقى ملكه منع من التصرف نظرا لأهل الفيء وهل يصير بنفس الردة محجورا عليه أم لا بد من ضرب القاضي وجهان ويقال

قولان أصحهما الثاني ومنهم من قطع به وخص الخلاف بقولنا ملكه موقوف ثم على الوجهين هل هو كحجر السفيه لأنه أشد من تضييع المال أم كحجر المفلس لأنه لصيانة حق غيره وجهان أصحهما الثاني فإن قلنا لا بد من ضرب القاض ولم يضرب نفذت تصرفاته وإن قلنا يحصل الحجر بلا ضرب أو بالضرب فضرب فإن جعلناه كحجر السفه لم ينفذ تصرفه في الحال في المال وإذا أقر بدين لم يقبل إقراره وإن جعلناه كمفلس فهل تبطل تصرفاته أم توقف قولان كما في المفلس وإقراره بالدين وبالعين كما سبق في المفلس وإن قلنا بالوقف فكل تصرف يحتمل الوقف كالعتق والتدبير والوصية موقوف أيضا وأما البيع والهبة والكتابة ونحوها فهي على قولي وقف العقود فعلى الجديد هي باطلة وعلى القديم توقف إن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا ولا يصح نكاحه ولا إنكاحه لسقوط ولايته وحكى البغوي على قولنا لا يزول ملكه وجها أنه يجوز تزويج أمته إذا لم يحجر الحاكم عليه كسائر تصرفه المالي قال وهذا غير قوي وقطع المتولي وغيره بهذا

فرع على الأقوال كلها لا يعتق بالردة مدبر المرتد ولا أم ولده
مات مرتدا عتقت المستولدة وفي المدبر كلام يأتي إن شاء الله تعالى
فرع سواء في جميع ما ذكرناه التحق المرتد بدار الحرب أم كان
قبضة الإمام وعلى الأقوال يوضع مال مرتد عند عدل وأمته عند امرأة ثقة لأنا وإن قلنا ببقاء ملكه فقد تعلق به حق المسلمين فيحتاط ويؤجر عقاره ورقيقه وأم ولده ومدبره ويؤدي مكاتبه النجوم إلى

الحاكم وإذا لحق بدار الحرب ورأى الحاكم الحظ في بيع الحيوان فعل وإذا ارتد وعليه دين مؤجل فإن قلنا بزوال ملكه حل الدين كما لو مات وإن قلنا لا يزول لم يحل وإن قلنا بالوقف فعاد إلى الإسلام بان أنه لم يحل وإذا استولد جاريته نفذ الاستيلاء إن أبقينا ملكه وإن أزلناه فلا فإن أسلم فقولان كما لو استولد المشتري الجارية المبيعة في زمن الخيار وقلنا الملك للبائع فتم البيع

فصل إذا ارتد جماعة وامتنعوا بحصن وغيره وجب قتالهم ويقدم على قتال
غيرهم لأن كفرهم أغلظ ولأنهم أعرف بعورات المسلمين ويتبع في القتال مدبرهم ويذفف على جريحهم ومن ظفرنا به استتبناه وهل عليهم ضمان ما أتلفوه من نفس ومال في القتال فيه خلاف سبق في قتال البغاة وإذا أتلف المرتد في غير القتال فعليه الضمان والقصاص ويقدم القصاص على قتل الردة فإن بادر الإمام بقتله عن الردة أو عفا المستحق أو مات المرتد أخذت الدية من ماله ولو جنى خطأ ومات أو قتل مرتدا أخذت الدية من ماله عاجلا ولو وطئت مرتدة بشبهة أو مكرهة فإن قلنا الردة لا تزيل الملك فلها مهر المثل كما لو وطئت زانية محصنة بشبهة بخلاف ما لو وطئت حربية بشبهة فلا مهر لأن مالها غير مضمون فكذا منفعة بضعها ومال المرتدة مضمون وإن قلنا يزول ملكها لم يجب كما لو وطىء ميتة على ظن أنها حية بشبهة وإن قلنا الملك موقوف فالمهر موقوف ولو أكره مرتد على عمل فالقول في أجرة مثله كما في المهر ولو استأجره وسمى أجرة بني على صحة عقوده وحكم المسمى إن صححنا

عقوده وأجرة المثل إن لم نصححها حكم المهر ولو زنى في ردته أو شرب فهل يكفي قتله أم يحد ثم يقتل وجهان أصحهما الثاني

فصل فيما تحصل به توبة المرتد وفي معناها إسلام الكافر الأصلي وقد
وصف الشافعي رضي الله عنه توبته فقال أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويبرأ من كل دين خالف الإسلام وقال في موضع إذا أتى بالشهادتين صار مسلما وليس هذا باختلاف قول عند جمهور الأصحاب كما ذكرنا في كتاب الظهار بل يختلف الحال باختلاف الكفار وعقائدهم قال البغوي إن كان الكافر وثنيا أو ثنويا لا يقر بالوحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام وإن كان مقرا بالوحدانية منكرا نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحكم بإسلامه حتى يقول مع ذلك محمد رسول الله فإن كان يقول الرسالة إلى العرب خاصة لم يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو يبرأ من كل دين خالف الإسلام وإن كان كفره بجحود فرض أو استباحة محرم لم يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين ويرجع عما اعتقده ويستحب أن يمتحن كل كافر أسلم بالإيمان بالبعث ولو قال كافر أنا ولي محمد لم يصح إسلامه كذا ولو قال أنا مثلكم أو مسلم أو آمنت أو أسلمت لم يصح إسلامه ولو قال أنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو دينكم حق حكم بإسلامه ولو أقر بركن من أركان الإسلام على خلاف عقيدته كفرضية إحدى الصلوات أو أقر بتحريم الخمر والخنزير حكم بإسلامه وما يصير به المسلم كافرا إذا جحده يصير به الكافر مسلما إذا أقر به ويجبر على قبول

سائر الأحكام فإن امتنع قتل كالمرتد ولو أقر يهودي برسالة عيسى صلى الله عليه وسلم ففي قول يجبر على الإسلام لأن المسلم لو جحد رسالته كفر نقل هذا كله البغوي وهو طريقة ذكرنا في كتاب الكفارات أن الإمام نسبها إلى المحققين والذي عليه الجمهور خلافها

فرع في المنهاج للإمام الحليمي أنه لا خلاف أن الإيمان ينعقد بغير
القول المعروف وهو كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال لا إله غير الله أو لا إله سوى الله أو ما عدا الله أو ما من إله إلا الله أو لا إله إلا الرحمن أو لا رحمن إلا الله أو لا إله إلا البارىء أو لا بارىء إلا الله وان قوله أحمد أو أبو القاسم رسول الله كقوله محمد رسول الله وأنه لو قال كافر آمنت بالله نظر إن لم يكن على دين قبل ذلك صار مؤمنا بالله تعالى وإن كان يشرك بالله تعالى غيره لم يكن مؤمنا حتى يقول آمنت بالله وحده وكفرت بما كنت أشرك به وان قوله أسلمت لله أو أسلمت وجهي لله كقوله آمنت بالله وأنه لو قيل لكافر أسلم لله أو آمن بالله فقال أسلمت أو آمنت يحتمل أن يجعل مؤمنا وأنه لو قال أؤمن بالله أو أسلم لله فهو إيمان كما أن قول القائل أقسم بالله يمين ولا يحمل على الوعد إلا أن يريده وأنه لو قال الله ربي أو الله خالقي فإن لم يكن له دين قبل ذلك فهو إيمان وإن كان يقول بقدم شىء مع الله تعالى لم يكن مؤمنا حتى يقر بأنه لا قديم إلا الله وكذا الحكم لو قال لا خالق إلا الله وأنه لو قال اليهودي المشبه لا إله إلا الله لم يكن إسلاما حتى يتبرأ من التشبيه ويقر بأنه ليس كمثله شىء فإن قال مع ذلك محمد رسول الله فإن كان يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بنفي التشبيه كان مؤمنا وإلا فلا بد أن يتبرأ من التشبيه وطرد هذا التفصيل فيما إذا قال من يزعم قدم أشياء مع الله لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى إذا كان يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم

جاء ينفي ذلك كان مؤمنا وأن الثنوي إذا قال لا إله إلا الله لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من القول بقدم الظلمة والنور أن لا قديم إلا الله كان مؤمنا وأن الوثني إذا قال لا إله إلا الله فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى صار مؤمنا وإن كان يرى أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الوثن وأنه لو قال البرهمي وهو الموحد الجاحد للرسل محمد رسول الله صار مؤمنا ولو أقر برسالة نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مؤمنا ويجيء فيه القول الذي حكاه البغوي في يهودي أقر بنبوة عيسى صلى الله عليه وسلم وأن المعطل إذا قال محمد رسول الله فقد قيل يكون مؤمنا لأنه أثبت المرسل وإن الكافر لو قال لا إله إلا الذي آمن به المسلمون صار مؤمنا
ولو قال آمنت بالذي لا إله غيره أو بمن لا إله غيره لم يكن مؤمنا لأنه قد يريد الوثن وأنه لو قال آمنت بالله وبمحمد كان مؤمنا بالله لإثباته الإله ولا يكون مؤمنا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يقول بمحمد النبي أو محمد رسول الله وأن قوله آمنت بمحمد النبي إيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله آمنت بمحمد الرسول ليس كذلك لأن النبي لا يكون إلا لله تعالى والرسول قد يكون لغيره وان الفلسفي إذا قال أشهد أن الباري سبحانه وتعالى علة الموجودات أو مبدؤها أو سببها لم يكن ذلك إيمانا حتى يقر أنه مخترع لما سواه ومحدثه بعد أن لم يكن وأن الكافر إذا قال لا إله إلا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28