كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

قلت الصواب أنه لا يقع شىء إلا أن يعرف به سواء سئل عن ثلاث أو مطلقا للاحتمالات المذكورة مع الأصل
والله أعلم

فصل أكل الزوجان تمرا وخلطا النوى فقال إن لم تميزي نوى ما
عن نواي فأنت طالق أو اختلطت دراهمها بدراهمه ونحو ذلك فقال الأصحاب تخلص من الحنث بأن يفرقها بحيث لا يلتقي منها نواتان فإن أراد التمييز الذي يحصل به التعيين لم يتخلص بذلك
وفي صورة الإطلاق احتمال للإمام ولو قال إن لم تعدي الجوز الذي في هذا البيت اليوم فأنت طالق فقال الإمام في طريق البر وجهان
أحدهما تأخذ من عدد تستيقنه وتزيد واحدا حتى تستيقن أنه لا يزيد عليه كما لو قال إن لم تخبريني بعدده والثاني يلزم أن تبتدىء من الواحد وتزيد حتى تنتهي إلى الاستيقان قال الإمام واكتفوا على الوجهين بذكر اللسان ولم يعتبروا تولي العد فعلا قال ولست أرى الأمر كذلك
فرع في فمها تمرة فقال إن ابتلعتها فأنت طالق وإن قذفتها فأنت
وإن أمسكتها فأنت طالق فتخلص من الحنث أن تأكل بعضها وتقذف بعضها هذا إذا وقع التعليق بالامساك آخرا كما ذكرنا ثم اتصل أكل البعض بآخر التعليق فلو وجد مكث فقد حصل الامساك ولو علق بالامساك أولا وأكلت البعض بعد تمام الأيمان كان حانثا في يمين الامساك ولو قال إن أكلتها

فأنت طالق وإن لم تأكليها ( فأنت طالق ) فلا خلاص بأكل البعض فإن فعلته حنث في يمين عدم الأكل ولو علق على الأكل فابتلعت لم يحنث على الأصح لأنه يقال ابتلع ولم يأكل ذكره المتولي

فرع كانت تصعد سلما فقال إن نزلت فأنت طالق وإن صعدت فأنت
وإن مكثت فأنت طالق فيحصل الخلاص بالطفرة إن أمكنتها وبأن تحمل فيصعد بها أو تنزل وينبغي أن يكون الحمل بغير أمرها وتتخلص أيضا بأن تضجع السلم على الأرض وهي عليه وتقوم من موضعها وبأن يكون بجنبه سلم خر فينتقل إليه فإن مضى في نصب سلم آخر زمان حنث في يمين الوقوف
فرع قال إن أكلت هذه الرمانة أو إن أكلت رمانة فأنت طالق
إلا حبة لم يحنث لأنه وإن كان يقال في العرف أكل رمانة فيقال أيضا لم يأكل كل الرمانة ولو علق بأكل رغيف فأكلته إلا فتاتا قال القاضي حسين لا يحنث كحبة الرمان
وقال الامام إن بقي قطعة تحس ويجعل لها موقع لم يحنث وربما ضبط ذلك بأن يسمى قطعة خبز وإن دق مدركه لم يظهر له أثر في بر ولا حنث قال وهذا مقطوع به عندي في حكم العرف والوجه تنزيل إطلاق القاضي على هذا التفصيل

فرع قال إن لم تخبريني بعدد حبات هذه الرمانة قبل كسرها
أو إن لم تخبريني بعدد ما في هذا البيت من الجوز اليوم أو إن لم تذكري لي ذلك فأنت طالق قال الأصحاب يتخلص بأن تبتدىء من عدد تستيقن أن الحبات أو الجوز لا تنقص عنه وتذكر الأعداد بعد متوالية بأن تقول مائة مائة وواحد مائة واثنان وهكذا ( إلى أن ) تنتهي إلى عدد تستيقن أنه لا يزيد عليه فتكون مخبرة عن ذلك العدد وذاكرة له وهذا إذا لم تقصد التعيين والتعريف وإلا فلا يحصل كما سبق
وفي معنى هذه الصورة ما إذا أكل تمرا وقال إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق
وما إذا اتهمها بسرقة وقال إن لم تصدقيني أسرقت أم لا فأنت طالق فتقول سرقت وما سرقت
فرع وقع حجر من سطح فقال إن لم تخبريني الساعة من رماه
ففي فتاوى القاضي حسين أنها إن قالت رماه مخلوق لم تطلق وإن قالت رماه آدمي طلقت الجواز أن يكون رماه كلب أو الريح لأنه وجد سبب الحنث وشككنا في المانع وشبهه بما إذا قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد اليوم فمضى اليوم ولم يعرف مشيئته فإنه يقع الطلاق على خلاف فيه سبق

فرع قال لثلاث نسوة من لم تخبرني منكن بعدد ركعات الصلاة
فهي طالق فقالت واحدة سبع عشرة وقالت أخرى خمس عشرة وثالثة إحدى عشرة لم تطلق واحدة منهن فالأول معروف والثاني يوم الجمعة والثالث في السفر قاله القاضي والمتولي
فرع قال كل كلمة كلمتيني بها إن لم أقل مثلها فأنت طالق
أنت طالق ثلاثا فطريقه أن يقول أنت تقولين أنت طالق ثلاثا أو تقول أنت طالق ثلاثا من وثاق أو أنت طالق إن شاء الله ولو قالت له إذا قلت لك طلقني ما تقول فقال أقول طلقتك لا يقع الطلاق لأنه إخبار عما يفعل في المستقبل
فرع في يدها كوز ماء فقال إن قلبت هذا الماء فأنت طالق
فأنت طالق وإن شربتيه أنت أو غيرك فأنت طالق فخلاصها بأن تضع فيه خرقة فتبلها به
فرع قال لها وهي في ماء جار إن خرجت منه فأنت طالق
فأنت طالق
قال الأصحاب لا تطلق خرجت أم مكثت لأن ذلك الماء فارقها

بجريانه وفيه وفي نظائره احتمال للامام بسبب العرف وإن كان الماء راكدا فالطريق أن يحملها إنسان في الحال

فرع لا بد من النظر في مثل هذه التعليقات إلى وضع اللسان
يسبق إلى الفهم في العرف الغالب فإن تطابق العرف والوضع فذاك وإن اختلفا فكلام الأصحاب يميل إلى اعتبار الوضع والإمام والغزالي يريان اتباع العرف وقد سبق في هذه الفروع أمثلة هذا
فصل في مسائل تجري في مخاصمة الزوجين ومشاتمتهما وأغلب ما تقع إذا
واجهت زوجها بمكروه فيقول على سبيل المكافأة إن كنت كذلك فأنت طالق يريد أن يغيظها بالطلاق كما غاظته بالشتم فكأنه يقول تزعمين أني كذا فأنت طالق فإذا قالت له يا خسيس فقال إن كنت كذلك فأنت طالق نظر إن أراد المكافأة كما ذكرنا طلقت سواء كان خسيسا أو لم يكن وإن قصد التعليق لم تطلق إلا بوجود الخسة قال أبو الحسن العبادي الخسيس من باع دينه بدنياه وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره ويشبه أن يقال الخسيس من يتعاطى في العرف ما لا يليق بحاله لشدة بخله فإن شك في وجود الصفة ويتصور ذلك كثيرا في مسائل الشتم والايذاء فالأصل أن لا طلاق وإن أطلق اللفظ ولم يقصد المكافأة ولا حقيقة اللفظ فهو للتعليق
فإن عم العرف بالمكافأة كان على الخلاف السابق في أنه يراعي الوضع أو العرف والأصح وبه قطع المتولي مراعاة اللفظ فإن العرف لا يكاد ينضبط في مثل هذا وأجاب القاضي حسين بمقتضى الوجه الآخر ولو قالت يا سفيه فقال إن كنت كذلك فأنت طالق فإن قصد المكافأة طلقت في الحال وإن قصد التعليق طلقت إن كان سفيها وإن أطلق فعلى الخلاف

ويمكن أن يحمل السفه على ما يوجب الحجر وعلى هذا نظائر ما يقع به الشتم والايذاء
وتكلموا في كلمات يدخل بعضها في حد الإفحاش ففي التتمة أن القواد من يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينهم وبين الأهل ويشبه أن لا يختص بالأهل بل هو الذي يجمع بين الرجال والنساء بالحرام وأن القرطبان الذي يعرف من يزني بزوجته ويسكت عليه وأن قليل الحمية من لا يغار على أهله ومحارمه وأن القلاش الذواق وهو من يوهم أنه يشتري الطعام ليذوقه وهو لا يريد الشراء وأن الديوث من لا يمنع الناس الدخول على زوجته
وفي الرقم للعبادي أنه الذي يشتري جارية تغني للناس وأن البخيل من لا يؤدي الزكاة ولا يقري الضيف فيما قيل وأنه لو قيل له يا زوج القحبة فقال إن كانت زوجتي بهذه الصفة فهي طالق فإن قصد التخلص من عارها وقع الطلاق كما لو قصد المكافأة وإلا فهو تعليق فينظر هل هي بالصفة المذكورة أم لا قلت القحبة هي البغي وهي كلمة مولدة ليست عربية
والله أعلم
وأنه لو قال لها في الخصومة إيش تكونين أنت فقالت وإيش تكون أنت فقال إن لم أكن منك بسبيل فأنت طالق قال القاضي حسين إن قصد التعليق لم تطلق لأنها زوجته فهو منها بسبيل وإن قصد المغايظة والمكافأة طلقت
والمقصود إيقاع الفرقة وقطع ما بينهما وأنها لو قالت لزوجها أنت من أهل النار فقال إن كنت من أهل النار فأنت طالق لم يحكم بوقوع الطلاق إن كان الزوج مسلما لأنه من أهل الجنة ظاهرا وإن كان كافرا طلقت فإن أسلم بعد ذلك تبينا

أنها لم تطلق
ولو قالت يا سفلة فقال إن كنت كذلك فأنت طالق قال اسماعيل البوشنجي الأولى أنه الذي يتعاطى الأفعال الدنيئة ويعتادها ولا يقع ذلك على من يتفق منه نادرا كاسم الكريم والسيد في نقيضه
ولا يخفى أن النظر في تحقيق هذه الأوصاف إنما يحتاج إليه عند حمل اللفظ على التعليق فأما إذا حمل على المكافأة فيقع الطلاق في الحال

فرع الكوسج من قل شعر وجهه مع انحسار الشعر عن عارضيه وعن
رحمه الله أنه الذي عدد أسنانه ثمانية وعشرون
فرع قال أبو العباس الروياني الغوغاء من يخالط المفسدين والمنحرفين

قال والأحمق من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصا بينا بلا مرض ولا سبب
قلت قال صاحب المهذب و التهذيب في باب كفارة الظهار الأحمق من يفعل الشىء في غير موضعه مع علمه بقبحه
وفي التتمة و البيان أنه من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه
وفي الحاوي أنه من يضع كلامه في غير موضعه فيأتي بالحسن في موضع القبيح وعكسه
قال أبو العباس ثعلب الأحمق من لا ينتفع بعقله
والله أعلم
فرع قالت يا جهودروي فقال إن كنت كذلك فأنت طالق وقصد التعليق

الإمام وقعت المسألة في الفتاوى وأكثروا في التعبير عن هذه الصفة فقيل هي صفرة الوجه وقيل الذلة والخساسة وكان جوابنا فيه أن المسلم لا يكون بهذه الصفة فلا يقع الطلاق
قال في الوسيط وفيه نظر

فرع لو تخاصم الزوجان فقال أبوها للزوج لم تحرك لحيتك فقد رأيت
مثلها كثيرا فقال إن كنت رأيت مثل هذه اللحية كثيرا فابنتك طالق فهذه كناية عن الرجولية والفتوة ونحوهما فإن حمل اللفظ على المكافأة طلقت وإلا فلا لكثرة الأمثال
فرع قال المتولي لو نسب إلى فعل سيء كالزنا واللواط فقال من
مثل هذا فامرأته طالق وكان ذلك فعله لم يقع طلاقه لأنه لم يوقع طلاقا وإنما غرضه ذم من يفعله ولو قال لزوجته سرقت أو زنيت فقالت لم أفعل فقال إن كنت سرقت أو زنيت فأنت طالق حكم بوقوع الطلاق في الحال بإقراره السابق
فصل قال إن خالفت أمري فأنت طالق ثم قال لا تكلمي زيدا
لا تطلق لأنها خالفت النهي دون الأمر ولو قال إن خالفت نهيي فأنت طالق ثم قال قومي فقعدت وقع لأن الأمر بالشىء نهي ( عن ) أضداده وهذا فاسد إذ ليس الأمر بالشىء نهيا عن ضده فيما يختاره
وإن كان فاليمين لا ينبني عليه بل على اللغة أو العرف لكن في المسألة الأولى نظر بسبب العرف

فصل قال أنت طالق إلى حين أو زمان
أو بعد حين طلقت بمضي لحظة ولو قال إذا مضى حقب أو عصر فأنت طالق قال الأصحاب يقع بمضي لحظة وهو بعيد لا وجه له
فصل لو علق الطلاق بالضرب طلقت إذا حصل الضرب بالسوط أو الوكز
اللكز ولا يشترط أن لا يكون حائل ويشترط الإيلام على الأصح وقيل لا يشترط بل تكفي الصدمة وإلى هذا مال الإمام وقال الإيلام وحده لا يكفي فإنه لو وضع عليه حجرا ثقيلا فانصدم تحته لم يكن ضربا وإن آلم
قال والصدم وحده لا يكفي فإنه لو ضربه بأنملة لا يقال ضربه وكان المعتبر في إطلاق اسم الضرب الصدم بما يؤلم أو يتوقع منه إيلام
واتفق الأصحاب على أنه لا يقع الطلاق إذا كان المضروب ميتا وشذ الروياني فحكى فيه خلافا والعض وقطع الشعر لا يسمى ضربا فلا يقع به الطلاق وتوقف المزني في العض
فصل علق بالمس طلقت بمس شىء من بدنه حيا أو ميتا بلا
بمس الظفر والشعر
قال الإمام الوجه القطع بهذا وإن أثبتنا خلافا في نقض الوضوء به والأشبه مجيء الخلاف
فصل علق بقدوم زيد طلقت إذا قدم راكبا أو ماشيا وإن قدم

تطلق وإن حمل وقدم به حيا إن كان باختياره طلقت وإلا فلا على المذهب

فصل علق بقذف زيد طلقت بقذفه حيا أو ميتا فلو قال إن
في المسجد فأنت طالق فالمعتبر كون القاذف في المسجد
ولو قال إن قتلته في المسجد اشترط كون المقتول في المسجد والفرق أن قرينة الحال تشعر بأن المقصود الامتناع مما يهتك ( حرمة ) المسجد وهتك الحرمة إنما تحصل إذا كان القاذف والمقتول فيه دون عكسه فإن قال أردت العكس قبل منه في الظاهر على الأصح
ولو قال إن قذفت أو قتلت فلانا في الدار سئل عما أراد
فصل قال إن رأيت زيدا فأنت طالق فرأته حيا أو ميتا أو
وإن كان الرائي أو المرئي مجنونا أو سكران ثم يكفي رؤية شىء من بدنه وإن قل وقيل يعتبر الوجه
ولو كان كله مستورا بثوب أو رأته في المنام لم تطلق ولو رأته وهو في ماء صاف لا يمنع الرؤية أو من وراء زجاج شفاف طلقت على الصحيح
ولو نظرت في المرآة أو في الماء فرأت صورته لم تطلق وفيه احتمال ضعيف للإمام
ولو قال للعمياء إن رأيت زيدا فأنت طالق قال الإمام الصحيح أن الطلاق معلق بمستحيل فلا يقع وفي وجه يحمل على اجتماعهما في مجلس لأن الأعمى يقول رأيت اليوم زيدا ويريد الحضور عنده
فرع علق برؤيته أو رؤيتها الهلال فهو محمول على العلم فرؤية غير
المعلق برؤيته ( كرؤيته ) وتمام العدد كرؤيته فيقع الطلاق به وإن لم ير الهلال

ولو قال أردت بالرؤية المعاينة دين ويقبل أيضا ظاهرا على الأصح
ولو كان المعلق برؤيته أعمى لم يقبل التفسير بالمعاينة في الظاهر على الأصح
وحكى الحناطي فيما إذا أطلق ولم ينو شيئا قولين في وقوع الطلاق برؤية الغير هذا كله فيمن علق برؤية الهلال باللغة العربية فلو علق بالعجمية فعن القفال أنه يحمل على المعاينة سواء فيه البصير والأعمى وادعى أن العرف الشرعي في حمل الرؤية على العلم لم يثبت إلا في العربية ومنع الإمام الفرق بين اللغتين
وفي التهذيب وجه أنه يحمل في حق الأعمى على العلم
وإذا أطلق التعليق برؤية الهلال حمل على أول شهر يستقبله حتى لو لم ير في الشهر الأول انحلت اليمين قاله البغوي وهو محمول على ما إذا صرح بالمعاينة أو فسر بها وقبلناه
قال البغوي والرؤية في الليلة الثانية والثالثة كهي في الأولى ولا أثر لها بعد الثلاث لأنه لا يسمى هلالا بعد ثلاث
وفي المهذب أنه لو لم يره حتى صار قمرا لم تطلق وحكى خلافا فيما يصير به قمرا هل هو باستدارته أم بأن يبهر ضوؤه قلت هذا المنقول عن المهذب مذكور في الحاوي وفيما تفرع عنه والمختار ما ذكره البغوي
والله أعلم
والمعتبر الرؤية بعد غروب الشمس ولا أثر للرؤية قبله

فصل قال إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمته وهو سكران أو مجنون
قال ابن الصباغ يشترط أن يكون السكران بحيث يسمع ويكلم وإن كلمته وهو نائم أو مغمى عليه أو هذت بكلامه في نومها وإغمائها لم تطلق
ولو كلمته

وهي مجنونة قال ابن الصباغ لا تطلق
وعن القاضي حسين أنها تطلق
والظاهر تخريجه على حنث الناسي وأما كلامها في سكرها فتطلق به على الأصح إلا إذا انتهت إلى السكران الطافح
ولو خفضت صوتها بحيث لا يسمع وهو الهمس لم تطلق وإن وقع في سمعه شىء وفهم المقصود اتفاقا لأنه لا يقال كلمته ولو نادته من مسافة بعيدة لا يسمع منها الصوت لم تطلق ولو حملت الريح كلامها ووقع في سمعه فقد أشار الإمام إلى تردد فيه والمذهب أنها لا تطلق
وإن كانت المسافة بحيث يسمع فيها الصوت فلم يسمع لذهول أو شغل طلقت فإن لم يسمع لعارض لغط أو ريح أو لصمم به فوجهان أحدهما تطلق وبه أجاب الروياني وكذا الإمام والغزالي في صورة اللغط وأصحهما عند البغوي لا طلاق حتى يرتفع الصوت بقدر ما يسمع في مثل تلك المسافة مع ذلك العارض فحينئذ يقع وإن لم يسمع ورأى الإمام القطع بالوقوع إذا كان اللغط بحيث لو فرض معه الإصغاء لأمكن السماع وكذا في تكليم الأصم إذا كان وجهه إليه وعلم أنه يكلمه وقطع الحناطي بعدم الوقوع إذا كان الصم بحيث يمنع السماع وحكي قولين فيما إذا قال إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد هل يقع الطلاق في الحال بناء على الخلاف في التعليق بالمستحيل
ويحتمل أن يقال لا تطلق حتى تخاطبه مخاطبة المكلمين وبنحو منه أجاب القاضي أبو الطيب فيما إذا قال إن كلمت ميتا أو حمارا

فصل إذا علق الطلاق بفعل شىء ففعله وهو مكره أو ناس للتعليق
جاهل به ففي وقوع الطلاق قولان وذكر صاحب المهذب والروياني وغيرهما أن الأظهر في الأيمان أنه لا يحنث الناسي والمكره ويشبه أن يكون الطلاق

مثله
وقطع القفال بأنه يقع الطلاق
ولا يخرج على القولين في الأيمان لأن التعويل في الأيمان على تعظيم اسم الله تعالى والحنث هتك حرمة والناسي والمكروه غير منتهك والطلاق تعليق بصفة وقد وجدت والمذهب الأول وعليه الجمهور
قلت قد رجح الرافعي في كتابه المحرر أيضا عدم الحنث في الطلاق واليمين جميعا وهو المختار للحديث الحسن رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه والمختار أنه عام فيعمل بعمومه إلا فيما دل دليل على تخصيصه كغرامة المتلفات
والله أعلم
ولو علق بفعل الزوجة أو أجنبي فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق ولم يقصد الزوج إعلامه أو كان ممن لا يبالي بتعليقه بأن علق بقدوم الحجيج أو السلطان طلقت بفعله في حالتي النسيان والإكراه على المذهب وقيل إن فعلة مكرها ففيه القولان فكأنه لا فعل له وإن كان المعلق بفعله عالما بالتعليق وهو ممن يبالي بتعليقه وقصد المعلق بالتعليق منعه ففعله ناسيا أو مكرها أو جاهلا ففيه القولان
ولو قصد منعها من المخالفة فنسيت قال الغزالي لا تطلق قطعا لعدم المخالفة ويشبه أن يراعى معنى التعليق ويطرد الخلاف
قلت الصحيح قول الغزالي ويقرب منه عكسه وهو أنه لو حلف لا يدخل عمدا ولا ناسيا فدخل ناسيا فنقل القاضي حسين أنه يحنث بلا خلاف
والله أعلم
ولو علق بدخول طفل أو بهيمة أو سنور فدخل طلقت قال الحناطي ويحتمل المنع وإن حصل دخولهم كرها لم تطلق قال ويحتمل الوقوع إذ لا قصد لهم فلا أثر لإكراههم

قلت ذكر الإمام الرافعي رحمه الله هنا مسائل منثورة كثيرة جدا متعلقة بتعليق الطلاق وغيره فقدمت منها جملا وفرقتها على مواضع تليق بها مما سبق وأذكر هنا باقيها إن شاء الله تعالى
والله أعلم
قال لأربع نسوة إن لم أطأ واحدة منكن اليوم فصواحبها طوالق فإن وطىء واحدة منهن ذلك اليوم انحلت اليمين وإن لم يطأ واحدة طلقت كل واحدة طلقة
وإن قال أيتكن لم أطأها اليوم فإن الأخريات طوالق فمضى اليوم ولم يطأ واحدة طلقن ثلاثا ثلاثا وإن وطىء واحدة فقط طلقت هي ثلاثا لأن لها ثلاث صواحب لم يطأهن وطلقت الباقيات طلقتين طلقتين لأن لها صاحبتين لم يطأهما ولو وطىء امرأتين طلقتا طلقتين وطلقت الأخريان طلقة طلقة
ولو وطىء ثلاثا طلقن طلقة طلقة ولم تطلق الرابعة لأنه ليس لها صاحبة غير موطوءة
ولو قال أيتكن لم أطأها فالأخريات طوالق ولم يقيد بوقت فجميع العمر وقت له فإن مات أو متن قبل الوطء طلقت كل واحدة ثلاثا قبيل الموت وإن ماتت واحدة والزوج حي لم يحكم بطلاق الميتة لأنه قد يطأ الباقيات ويطلق الباقيات طلقة طلقة
فلو ماتت ثانية قبل الوطء تبينا وقوع طلقة على الأولى قبيل موتها وطلقت كل واحدة من الباقيتين طلقة أخرى إن بقيتا في العدة
فإن ماتت الثالثة قبل الوطء تبينا وقوع طلقتين على الأوليين قبيل موتهما وطلقت الباقية طلقة ثالثة فإن ماتت الرابعة قبل الوطء تبينا وقوع الثلاث على الجميع

فصل قال إن سرقت مني شيئا فأنت طالق فدفع إليها كيسا فأخذت
شيئا لا تطلق لأنه خيانة لا سرقة

فرع قال إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاد مرة أخرى طلقت

وإن قال إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي طلقت بقوله فاعلمي وقيل إن وصله بالكلام الأول لم تطلق لأنه تتمته
وإن قال إن كلمتك فانت طالق إن دخل الدار فأنت طالق فالتعليق الثاني تكليم فتطلق
ولو قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت إن بدأتك بالكلام فعبدي حر ثم كلمها ثم كلمته فلا طلاق ولا عتق
ولو قال لرجل إن بدأتك بالسلام فعبدي حر فقال الآخر إن بدأتك بالسلام فعبدي حر فسلم كل منهما على الآخر دفعة واحدة لم يعتق عبد واحد منهما لعدم ابتداء كل واحدة منهما على الآخر وتنحل اليمين فإذا سلم أحدهما على الآخر بعد ذلك لم يعتق واحدة من عبديهما ذكره الإمام
فرع قال المدين لصاحب الدين إن أخذت مالك علي فامرأتي طالق فأخذه
مختارا طلقت امرأة المدين سواء كان مختارا في الإعطاء أو مكرها وسواء أعطى بنفسه أو بوكيله أو استلبه صاحب الدين قال البغوي وكذا لو أخذه السلطان ودفعه إليه
وفي كتب العراقيين أنه لا يقع الطلاق إذا أخذه السلطان ودفعه إليه لأنه إذا أخذه السلطان برئت ذمة المدين وصار المأخوذ حقا لصاحب الدين ولا يبقى له حق عليه فلا يصير بأخذه من السلطان آخذا حقه من المدين ولو قضى عنه أجنبي
قال الداركي لا تطلق لأنه بدل حقه لاحقه بنفسه
ولو قال إن أخذت حقك مني لم تطلق بإعطاء وكيله ولا بإعطاء السلطان من ماله

فإن أكرهه السلطان حتى أعطى بنفسه فعلى القولين في المكره
ولو قال إن أعطيتك حقك فأعطاه باختياره طلقت سواء كان الآخذ مختارا في الأخذ أم لا ولا تطلق بإعطاء الوكيل والسلطان

فرع قال أنت طالق مريضة بالنصب لم تطلق إلا في حال المرض

ولو قال أنت طالق مريضة بالرفع فقيل تطلق في الحال
وقوله مريضة صفة واختيار ابن الصباغ الحمل على اشتراط المرض حملا على الحال وإن كان لحنا في الإعراب
فرع قال لامرأتيه إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان فدخلت كل
إن أكلتما هذين الرغيفين وأكلت كل واحدة منهما رغيفا تطلقان لأنهما أكلتاهما ولا يمكن أكل واحدة من الرغيفين بخلاف دخول الدارين
قلت الأصح في مسألة الدارين عدم الطلاق صححه صاحب المهذب وغيره والمذهب في الرغيفين الوقوع وطرد صاحب المهذب فيه الوجهين
والله أعلم
فرع لو قالت لزوجها أنت تملك أكثر من مائة فقال إن كنت
من مائة فأنت طالق وكان يملك خمسين فإن قال أردت لا أملك زيادة

على مائة لم تطلق وإن قال أردت أني أملك مائة بلا زيادة طلقت وإن أطلق فعلى أيهما يحمل وجهان
قلت الصحيح لا تطلق
والله أعلم
وإن قال إن كنت أملك إلا مائة وكان يملك خمسين فقد قيل تطلق على الوجهين

فرع قال إن خرجت إلا باذني فأنت طالق فالمسألة تأتي بفروعها في
كتاب الإيمان إن شاء الله تعالى
فإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت إلى الحمام ثم قضت حاجة أخرى لم تطلق وإن خرجت لحاجة أخرى ثم عدلت إلى الحمام طلقت وإن خرجت إلى الحمام وغيره ففي وقوع الطلاق وجهان
قلت الأصح الوقوع وممن صححه الشاشي
والله أعلم
فرع خرجت إلى دار أبيها فقال إن رددتها إلى داري أو ردها
طالق فاكترت بهيمة وعادت إلى داره مع المكاري لم تطلق لأن المكاري لم يردها بل صحبها
ولو عادت ثم خرجت فردها الزوج لم تطلق إذ ليس في اللفظ ما يقتضي التكرار
فصل في فتاوى القفال أنه لو قال المرأة التي تدخل الدار من
طالق لم يقع طلاق قبل

الدخول
فلو أشار إلى واحدة وقال هذه التي تدخل الدار طالق طلقت في الحال وإن لم تدخل وأنه لو ادعت عليه أنه نكحها فأنكر فالأصح أنه ليس لها أن تنكح غيره ولا يجعل إنكاره طلاقا بخلاف ما لو قال نكحتها وأنا أجد طول حرة يجعل ذلك فرقة بطلقة لأن هناك أقر بالنكاح وادعى مفسدا
وقيل يتلطف به الحاكم حتى يقول إن كنت نكحتها فقد طلقتها وأنه لو قال حلال الله علي حرام لا أدخل هذه الدار كان ذلك تعليقا وإن لم يكن فيه أداة تعليق
وأنه لو قال حلفت بطلاقك أن لا تخرجي ثم قال ما حلفت بل قصدت تفريعها لا تقبل ظاهرا ويدين وأنها لو قالت اجعل أمر طلاقي بيدي فقال إن خرجت من هذه القرية أجعل أمر طلاقك إليك فقالت أخرج
فقال جعلت أمرك بيدك فقالت طلقت نفسي فإن ادعى أنه أراد بعد خروجها من القرية صدق وإلا طلقت في الحال وأنه لو قال إن أبرأتني من دينك فأنت طالق فأبرأته وقع الطلاق بائنا
ولو قال إن أبرأت فلانا فأبرأته وقع رجعيا
وأنه لو قال لأم امرأته بنتك طالق ثم قال أردت البنت التي ليست زوجتي صدق
وأنه لو قال إن فعلت ما ليس لله تعالى فيه رضى فأنت طالق فتركت صوما أو صلاة ينبغي أن لا تطلق لأنه ترك وليس بفعل فلو سرقت أو زنت طلقت

فصل عن الشيخ أبي عاصم العبادي أنه لو قال أنت طالق
يا طالق لا طلقتك وقع طلقتان
وأنه لو قال إن وطئت أمتي بغير إذنك فأنت طالق فاستأذنها فقالت طأها في عينها لا يكون إذنا
وأنه لو كان له أمة وزوجة حرة فدعا الأمة إلى فراشه فحضرت الحرة فوطئها فقال إن لم تكوني أحلى من الحرة فهي طالق وهو يظنها الأمة فقال أبو حامد المروزي تطلق لأنها هي الحرة فلا تكون أحلى من الحرة وحكى أبو العباس الروياني وجها أنها لا تطلق لأن عنده أنه يخاطب غيرها وهذا أصح وبه أفتى الحناطي
فصل سئل القاضي حسين عمن حلف بالطلاق ليقرأن عشرا من أول سورة
بلا زيادة ويقف وللقراء اختلاف في رأس العشر فقال ما أدى إليه اجتهاد المفتي أخذ به المستفتي
وعن امرأة صعدت بالمفتاح السطح فقال إن لم تلقي المفتاح فأنت طالق فلم تلقه ونزلت قال لا يقع الطلاق ويحمل قوله إن لم تلقه على التأبيد كما قال أصحابنا فيمن دخل عليه صديقه فقال تغد معي فامتنع فقال إن لم تتغد معي فامرأتي طالق فلم يفعل لا يقع الطلاق ولو تغدى بعد ذلك معه وإن طال الزمان انحلت اليمين
فإن

نوى أن يتغدى معه في الحال فامتنع وقع الطلاق ورأى البغوي حمل المطلق على الحال للعادة
وأنه لو قال إن لم تبيعي هذه الدجاجات فأنت طالق فقتلت واحدة منهن طلقت لتعذر البيع وإن جرحتها ثم باعتها فإن كانت بحيث لو ذبحت لم تحل لم يصح البيع ووقع الطلاق وإلا فتنحل اليمين
وأنه لو قال إن قرأت سورة البقرة في صلاة الصبح فأنت طالق فقرأها ثم فسدت صلاته في الركعة الثانية لم تطلق على الصحيح لأن الصلاة عبادة واحدة يفسد أولها بفساد آخرها
وأنه لو قال مهما قبلتك فضرتك طالق فقبلها بعد موتها لم تطلق الضرة ولو قال لوالدته متى قبلتك فامرأتي طالق فقبلها بعد موتها طلقت امرأته
والفرق أن قبلة المرأة قبلة بشهوة ولا شهوة بعد الموت وقبلة الأم قبلة كرامة فيستوي فيها الحياة والموت
وأنه لو قال إن غسلت ثوبي فأنت طالق فغسلته أجنبية ثم غمسته المحلوف بطلاقها في الماء تنظيفا له لم تطلق لأن العرف في مثل هذا يغلب
والمراد في العرف الغسل بالصابون والأشنان ونحوهما وإزالة الوسخ
وقال غير القاضي إن أراد الغسل من الوسخ لم تطلق وإن أراد التنظيف فلا فإن أطلق قال لا أجيب فيه

فصل في فتاوى البغوي أنه لو طلقها ثلاثا ثم قال كنت حرمتها
قبل الطلاق لم يقبل قوله ( 222 )
وأنه لو قال إن ابتلعت شيئا فأنت طالق فابتلعت ريقها طلقت
فإن قال أردت غير الريق صدق في الحكم وإن قال إن ابتلعت الريق

طلقت بابتلاع ريقها وبريق غيرها
فإن قال أردت ريقك خاصة قبل في الحكم
وإن قال أردت ريق غيرك دين ولم يقبل في الحكم
وأنه لو قال إن ضربتك فأنت طالق فقصد بالضرب غيرها فأصابها طلقت ولم يقبل قوله لأن الضرب يقين ويحتمل
وأنه لو نادى أمه فقال إن لم تجبني أمي فامرأتي طالق فإن رفعت الأم صوتها في الجواب ( بحيث ) يسمع في تلك المسافة لم تطلق وإلا فتطلق وأنه لو قال إن دخلت على فلان داره فامرأتي طالق فجاء فلان وأخذ بيده وأدخله الدار فإن دخلا معا لم تطلق
وإن دخلت فلان أولا طلقت
وأنه لو حلف لا يخرج من البلد حتى يقضي دين فلان بالعمل فعمل له ببعض دينه وقضى الباقي من موضع آخر ثم خرج طلقت
فإن قال أردت أني لا أخرج حتى أخرج إليه من دينه وأقضي حقه قبل قوله في الحكم

فصل عن أبي العباس الروياني أنه إذا طلق امرأته فقيل له طلقت
فقال طلقة واحدة يقبل قوله لأن قوله طلقتها صالح للابتداء غير متعين للجواب
وأنه لو قال إن سرقت ذهبا فأنت طالق فسرقت ذهبا مغشوشا طلقت على الصحيح
وأنه لو قال إن أجبتني عن خطابي فأنت طالق ثم خاطبها فقرأت آية تتضمن جوابه فإن قالت قصدت بقراءتها جوابه طلقت
وإن قالت قصدت القراءة أو لم تبين قصدها فلا طلاق
وأنه لو قال إن لم تستوفي حقك من تركة أبيك تاما فأنت طالق وكان إخوتها قد أتلفوا بعض التركة فلا بد من استيفاء حصتها من الباقي وضمان التالف ولا يكفي الإبراء لأن الطلاق معلق بالاستيفاء إلا أن الطلاق إنما يقع عند اليأس من الاستيفاء
وأنه لو أشار إلى ذهب وحلف

بالطلاق أنه الذي أخذه من فلان وشهد عدلان أنه ليس ذلك الذهب طلقت على الصحيح لأنها وإن كانت شهادة على النفي إلا أنه نفي يحيط العلم به
وأنه لو حلف بالطلاق أنه لا يفعل كذا فشهد عدلان عنده أنه فعله وظن صدقهما لزمه الأخذ بالطلاق وأنه لو كان له نسوة ففتحت إحداهن بابا فقال من فتحته منكن فهي طالق
فقالت كل واحدة أنا فتحته لم يقبل قولهن لإمكان البينة
فإن اعترف الزوج أنه لا يعرف الفاتحة لم يكن له التعيين وإنما يرجع إلى تعيينه إذا كان الطلاق مبهما
وأنه لو حلف بالطلاق أنه بعث فلانا إلى بيت فلان وعلم أن المبعوث لم يمض فقيل يقع الطلاق لأنه لا يقتضي حصوله هناك والصحيح أنه لا طلاق لأنه يصدق أن يقال بعثته فلم يمتثل وأنه لو قال إن لم تطيعيني فأنت طالق فقالت لا أطيعك
فقيل تطلق في الحال والصحيح أنها لا تطلق حتى يأمرها بشىء فتمتنع أو ينهاها عنه فتفعله وأنه لو قال امرأتي طالق إن دخلت دارها ( ولا دار لها ) وقت الحلف ثم ملكت دارا فدخلها طلقت
وأنه لو قال إن لم تكوني الليلة في داري فأنت طالق ولا دار له ففي وقوع الطلاق وجهان بناء على التعليق بالمحال
وأنه لو قال امرأتي هذه محرمة علي لا تحل لي أبدا فلا طلاق لأنه قد يظن تحريمها باليمين على ترك الجماع وليس اللفظ صريحا في الطلاق
وقيل يحكم بالبينونة بهذا اللفظ والأول أصح
وأنه لو قيل لمن يسمى زيدا يا زيد فقال امرأة زيد طالق طلقت امرأته
وقيل لا تطلق إلا أن يريد نفسه
وأنه لو قال إن أجبت كلامي فأنت طالق ثم خاطب الزوج غيرها فأجابته فالصحيح أنها لا تطلق
وأنه لو قال إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق فأخرجها هو هل يكون إذنا وجهان القياس المنع
وأنه لو عزل عن القضاء فقال امرأة القاضي طالق ففي وقوع طلاقه وجهان
وأنه لو قيل

طلقت امرأتك فقال اعلم أن الأمر على ما تقوله لم يكن إقرارا بالطلاق على الأصح
وأنه جلس مع جماعة فقام ولبس خف غيره فقالت له استبدلت بخفك ولبست خف غيرك فحلف بالطلاق أنه لم يفعل ذلك فإن كان خرج بعد خروج الجماعة ولم يبق هناك إلا ما لبسه لم تطلق لأنه لم يستبدل بل استبدل الخارجون قبله وإن بقي غيره طلقت
قلت هذا الكلام ضعيف في الطرفين جميعا بل صواب المسألة أنه إن خرج بعد خروج الجميع نظر إن قصد أني لم أجد بدله كان كاذبا فإن كان عالما بأنه أخذ بدله طلقت وإن كان ساهيا فعلى قولي طلاق الناسي وإن لم يكن قصد خرج على الخلاف السابق في أن اللفظ الذي تختلف دلالته بالوضع والعرف على أيهما يحمل لأن هذا يسمى استبدالا في العرف
وأما إن خرج وقد بقي بعض الجماعة فإن علم أن خفه مع الخارجين قبله فحكمه ما ذكرنا وإن علم أنه كان باقيا أو شك ففيه الخلاف في تعارض الوضع والعرف
والله أعلم
وأنه لو رأى امرأته تنحت خشبة فقال إن عدت إلى مثل هذا الفعل فأنت طالق فنختت خشبة من شجرة أخرى ففي وقوع الطلاق ( وجهان ) لأن النحت كالنحت لكن المنحوت غيره
قلت الأصح الوقوع
والله أعلم
وأنه لو قال إن لم تخرجي الليلة من داري فأنت طالق فخلعها مع أجنبي في الليل وجدد نكاحها ولم تخرج لم تطلق

وأنه لو حلف لا يخرج من البلد إلا معها فخرجا وتقدم معها بخطوات فوجهان
أحدهما لا يحنث للعرف
والثاني يحنث ولا يحصل البر إلا بخروجهما معا بلا تقدم وأنه لو حلف أن لا يضربها إلا بالواجب فشتمته فضربها بالخشب طلقت لأن الشتم لا يوجب الضرب بالخشب وإنما تستحق به التعزير وقيل خلافه
قلت الأصح لا تطلق هنا ولا مسألة التقدم بخطوات يسيرة
والله أعلم
وأنه لو قال لزوجته إن علمت من أختي شيئا فلم تقوليه لي فأنت طالق انصرف ذلك إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة دون ما لا يقصد العلم به كالأكل والشرب ثم لا يخفى أنه لا يشترط أن تقوله على الفور وأنها لو سرقت منه دينارا فحلف بالطلاق لتردينه عليه وكانت قد أنفقته لا تطلق حتى يحصل اليأس من رده بالموت فإن تلف الدينار وهما حيان فوقوع الطلاق على الخلاف في الحنث بفعل المكره
قلت إن تلف بعد التمكن من الرد طلقت على المذهب
والله أعلم
وأنه لو سمع لفظ رجل بالطلاق وتحقق أنه سبق لسانه إليه لم يكن له أن يشهد عليه بمطلق الطلاق
وأنه لو قال إن رأيت الدم فأنت طالق فالظاهر حمله على دم الحيض
وقيل يتناول كل دم
وأنه لو قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق وأشار إلى موضع من الدار فدخلت غير ذلك الموضع من الدار ففي وقوع الطلاق وجهان
قلت أصحهما الوقوع ظاهرا لكنه إن أراد ذلك الموضع دين
والله أعلم

وأنه لو قال إن كانت امرأتي في المأتم فأمتي حرة وإن كانت أمتي في الحمام فامرأتي طالق وكانتا عند التعليقين كما ذكر عتقت الأمة ولم تطلق الزوجة لأن الأمة عتقت عند تمام التعليق الأول وخرجت عن كونها أمته فلا يحصل شرط الطلاق
ولو قدم ذكر الأمة فقال إن كانت أمتي في المأتم فامرأتي طالق وإن كانت امرأتي في الحمام فأمتي حرة فكانتا كما ذكر طلقت الزوجة
ثم إن كانت رجعية عتقت الأمة أيضا وإلا فلا
ولو قال إن كانت هذه في المأتم وهذه في الحمام فهذه حرة وهذه طالق وكانتا حصل العتق والطلاق
وأنه لو قال إن كان هذا ملكي فأنت طالق ثم وكل من يبيعه هل يكون إقرارا ( بأنه ملكه ) وجهان وكذا لو تقدم التوكيل على التعليق
قلت إذا تقدم التوكيل يبعد وقوع الطلاق إذ لم يوجد حال التعليق ولا بعده ما يقتضي الإقرار والمختار في الحالتين أنه لا طلاق إذ يحتمل أن يكون وكيلا في التوكيل ببيعه أو كان لغيره وله عليه دين وقد تعذر استيفاؤه فيبيعه ليتملك ثمنه أو باعه غصبا أو باعه بولاية كالوالد والوصي والناظر
والله أعلم
وأنه لو كان بين يديه تفاحتان فقال لزوجته إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق وقال لأمته إن لم تأكلي الأخرى اليوم فأنت حرة واشتبهت التفاحتان فوجهان
أحدهما أن الطريق أن تأكل كل واحدة تفاحة فلا يقع عتق ولا طلاق للشك والثاني تأكل كل واحدة ما ظنت هي والزوج أنها تفاحتها
ولو خالع الزوج وباع الأمة في يومه ثم جدد النكاح والشراء تخلص

من الحنث
وقيل يبيع الأمة للمرأة في يومه وتأكل المرأة التفاحتين وأنه لو قال لامرأتيه كلما كلمت رجلا فأنتما طالقان ثم قال لرجلين اخرجا طلقتا
ولو قال كلما كلمت رجلا فأنت طالق فكلم رجلين بكلمة طلقت طلقتين على الصحيح وقيل طلقة
وأنه لو قال أنت طالق إن تزوجت النساء أو اشتريت العبيد لم تطلق إلا إذا تزوج ثلاث نسوة أو اشترى ثلاثة أعبد
وأنه لو حلف لا يخرج من الدار فتعلق بغصن شجرة في الدار والغصن خارج حنث على الأصح
وأنه لو قال إن لم تصومي غدا فأنت طالق فحاضت فوقوع الطلاق على الخلاف في المكره
وأن لو قال لنسوته الأربع من حمل منكن هذه الخشبة فهي طالق فحملها ثلاث منهن فإن كانت خشبة ثقيلة لا تستقل بحملها واحدة طلقن
وإن استقلت لم تطلق واحدة منهن
وقيل يطلقن
وأنه لو قال أنت طالق إن لم أطأك الليلة فوجدها حائضا أو محرمة فعن المزني أنه حكى عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة أنه لا طلاق فاعترض وقال يقع لأن المعصية لا تعلق لها باليمين ولهذا لو حلف أن يعصي الله تعالى فلم يعص حنث
وقيل ما قاله المزني هو المذهب واختيار القفال
وقيل على القولين كفوات البر بالإكراه
وأنه لو قال إن لم أشبعك من الجماع الليلة فأنت طالق فقيل يحصل البر إذا جامعها وأقرت أنها أنزلت
وقيل يعتبر مع ذلك أن تقول لا أريد الجماع ثانيا فإن كانت لا تنزل فيجامعها إلى أن تسكن لذاتها وإن لم تشته الجماع فيحتمل أن يبنى على الخلاف في التعليق بالمحال
وأن الوكيل بالطلاق إذا طلق لا يحتاج إلى نية إيقاع الطلاق عن موكله في الأصح
وأنه إن قال إن بت عندك الليلة فأنت طالق فبات في مسكنها وهي غائبة لم تطلق
وأنه لو قال إن لم أصطد ذلك الطائر اليوم فأنت طالق فاصطاد طائرا وادعى أنه ذلك الطائر

قبل للاحتمال والأصل النكاح
فإن قال الحالف لا أعرف الحال واحتمل الأمرين فيحتمل وقوع الطلاق وعدمه
قلت الأصح عدمه كما سبق في آخر الباب الرابع في المسألة أنت طالق إن لم يدخل زيد اليوم الدار وجهل دخوله
والله أعلم
ولو قال أنت طالق الطلقة الرابعة فهل تطلق وجهان يقربان من الخلاف في التعليق بالمحال

فصل ذكر اسماعيل البوشنجي أنه لو حلف بالطلاق لا تساكنه شهر رمضان
تعلق الحنث بمساكنة جميع الشهر ولا يحنث ببعضه وبهذا قال إمام العراقيين يعني أبا بكر الشاشي وعن محمد بن يحيى يحنث بمساكنة ساعة منه كما لو حلف لا يكلمه شهر رمضان يحنث بتكليمه مرة
وأنه لو قال امرأتي طالق إن أفطرت بالكوفة وكان يوم الفطر بالكوفة فلم يأكل ولم يشرب فمقتضى المذهب أنه لا تطلق لأن الإفطار محمول على تناول مأكول أو مشروب وأنه لو حلف أنه لا يعيد بالكوفة فأقام معها يوم العيد ولم يخرج إلى العيد حنث ويحتمل المنع
ولو قال إن أكلت اليوم إلا رغيفا فأنت طالق فأكلت رغيفا ثم فاكهة طلقت
ولو قال إن أكلت أكثر من رغيف فأكلت خبزا بإدام طلقت أيضا
وأنه لو قال إن أدركت الظهر مع الإمام فأنت طالق فأدركته فيما بعد الركعة الأولى لم تطلق على قياس مذهبنا لأن الظهر عبارة عن الركعات الأربع ولم يدركها
قلت هذا فيه نظر فإنه يقال أدرك الجماعة وأدرك صلاة الإمام ولكن

الظاهر أنه لا يقع لأن حقيقته إدراك الجميع ومنه الحديث ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا
والله أعلم
وأنه لو طلق نسوته طلاقا رجعيا ثم قال كل واحدة أراجعها فهي طالق كلما كلمت فلانا فراجع امرأة ثم كلم فلانا ثم راجع أخرى طلقت الأولى دون الثانية لأن شرط الحنث المراجعة قبل الكلام فإن كلمه مرة أخرى طلقت الثانية أيضا
وأنه لو قال آخر امرأة أراجعها فهي طالق فراجع نسوة ومات يقع الطلاق على آخرهن مراجعة باليقين
حتى لو انقضت عدتها من ذلك الوقت لم ترثه
وإن كان وطئها فعليه مهر مثلها
وأنه إذا علق الطلاق على النكاح فهو محمول على العقد دون الوطء إلا إذا نوى
وأنه لو تخاصم الزوجان في المراودة فقال إن لم تجيئي إلى الفراش الساعة فأنت طالق ثم طالت الخصومة حتى مضت الساعة ثم جاءت إلى الفراش فالقياس أنها طلقت
وأنه لو قال إن كلمت بني آدم فأنت طالق فالقياس أنها لا تطلق بكلام واحد ولا اثنين إلا إذا أعطيناهما حكم الجمع
وأنه لو قال إن دخلت الدار فعبدي حر أو كلمت فلانا فامرأتي طالق سألناه لنتبين أي اليمينين أراد منهما فما أراد تقرر
وأنه لو قال أنت طالق في الدار فمطلق هذا يقتضي وقوع الطلاق إذا دخلت هي الدار
وأنه لو قال إن ملكتما عبدا فأنت طالق فشرط الحنث على ما يقتضيه القياس أن يملكاه معا حتى لو ملك أحدهما عبدا ثم باعه لصاحبه لا يحنث

ولو قال إن لبست قميصين فأنت طالق فلبستهما متواليين طلقت على قياس المذهب
وأنه لو قال إن اغتسلت في هذه الليلة فأنت طالق فاغتسل فيها من غير جنابة وقال قصدت بيميني غسل الجنابة فالقياس أنه يدين ولا يقبل ظاهرا وأنه لو حلف في جنح الليل أنه لا يكلم فلانا يوما ولا نية له فعليه أن يمتنع من كلامه في اليوم الذي يليه ولا بأس بأن يكلمه في بقية الليل وأنه لو قال أنت طالق إن دخلت الدار ثنتين أو ثلاثا أو عشرا فهو مجمل فإن قال أردت أنها تطلق واحدة إن دخلت الدار مرتين أو ثلاثا صدق فإن اتهم حلف وإن أراد وقوع الطلاق بالعدد المذكور وقع الثلاث ولغت الزيادة وأنه لو قال إن خرجت من الدار فأنت طالق وللدار بستان بابه مفتوح إليها فخرجت إلى البستان فالذي يقتضيه المذهب أنه إن كان بحيث يعد من جملة الدار ومرافقها لا تطلق وإلا فتطلق
وأنه لو قال لأبويه إن تزوجت ما دمتما حيين فامرأتي هذه طالق فمات أحدهما فتزوج ينبغي أن لا يقع طلاقه
وأنه لو حلف لا يطعنه بنصل هذا الرمح أو السهم فنزع النصل وجعله في رمح آخر وطعنه به حنث
وأنه لو قال إن شتمتني ولعنتني فأنت طالق فلعنته لم تطلق لأنه علق على الأمرين
وأنها لو خرجت إلى قرية للضيافة فقال إن مكثت هناك أكثر من ثلاثة أيام فأنت طالق فخرجت من تلك القرية بعد الثلاثة أو قبل ثم رجعت إليها فينبغي أن لا تطلق
وأنه لو قال نصف الليل إن بت مع فلان فأنت طالق فبات معه بقية الليل طلقت على مقتضى القياس ولا يشترط أن يبيت جميع الليل ولا أكثره
قلت المختار أن المبيت يحمل مطلقه على أكثر الليل إذا لم يكن قرينة كما سبق في المبيت بمنى لكن الظاهر الحنث هنا لوجود القرينة
والله أعلم

ولو حلف أنه ما يعرف فلانا وقد عرفه بوجهه وطالت صحبته له إلا أنه لا يعرف اسمه حنث على قياس المذهب وبه قال سعد الاسترابادي
وأنه لو قال آخر امرأة أراجعها فهي طالق فراجع حفصة ثم عمرة ثم طلق حفصة ثم راجعها فالذي أراه أن حفصة تطلق لأنها صارت خرا بعدما كانت أولا
وأنه لو قال إن نمت على ثوب لك فأنت طالق فوضع رأسه على مرفقة لها لا تطلق كما لو وضع عليها يديه أو رجليه
وأنه لو حلف لا يأكل من مال فلان فنثر مأكولا فالتقطه وأكله حنث وكذا لو تناهدا فأكل من طعامه
قلت الصورتان مشكلتان والمختار في مسألة النثار بناؤه على الخلاف في أنه يملكه الآخذ أم لا فإن قلنا بالأصح إنه يملكه لم يحنث وإلا فيخرج على الخلاف السابق في الضيف ونحوه أنه هل يملك الطعام المقدم إليه ومتى يملكه وأما مسألة المناهدة وهي خلط المسافرين نفقتهم واشتراكهم في الأكل من المختلط ففيها نظر لأنها في معنى المعاوضة وإلا فيخرج على مسألة الضيف
والله أعلم
وأنه لو قال إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق فتحول فلان منها ثم عاد إليها فدخلتها لا تطلق وأنه لو قال إن قتلته يوم الجمعة فأنت طالق فضربه يوم الخميس ومات يوم الجمعة بسبب ذلك الضرب لم تطلق لأن القتل هو الفعل المفوت للروح ولم يوجد ذلك يوم الجمعة
وأنه لو قال إن أغضبتك فأنت طالق فضرب ابنها طلقت وإن كان ضرب تأديب
وأنه لو حلف ليصومن ( زمانا أنه يحنث بصوم بعض يوم إن قلنا إن من حلف ليصومن أنه يحنث بالشروع فيه وأنه لو حلف ليصومن ) أزمنة بر بصوم يوم لاشتماله على أزمنة
ولو حلف ليصومن الأيام فيحمل على أيام العمر أو على ثلاثة أيام وهو الأولى
وأنه لو قال إن كان الله سبحانه وتعالى يعذب الموجودين فأنت طالق طلقت

قلت هذا إذا قصد إن كان يعذب أحدا منهم فإن قصد إن كان يعذبهم كلهم أو لم يقصد شيئا لم تطلق لأن التعذيب مختص ببعضهم
والله أعلم
وأنه لو اتهمته امرأته بالغلمان فحلف بالطلاق لا يأتي حراما ثم قبل غلاما أو لمسه يحنث لعموم اللفظ
وأنه لو قال أنت طالق إن خرجت من الدار ثم قال لا تخرجين من الصفة أيضا فخرجت من الصفة لم تطلق لأن قوله ولا تخرجين كلام مبتدأ ليس فيه صيغة تعليق ولا عطف

فصل عن البويطي أنه لو قال أنت طالق بمكة أو في مكة
طلقت في الحال إلا أن يريد إذا حصلت هناك
وكذا لو قال في الظل وهما في الشمس بخلاف ما إذا كان الشىء منتظرا غير حاصل كقوله في الشتاء وهما في الصيف لا يقع حتى يجيء الشتاء
فصل في الزيادات لأبي عاصم العبادي أنه لو قال إن أكلت من
طبخته هي فهي طالق فوضعت القدر على الكانون وأوقدت غيرها لم تطلق وكذا لو سجر التنور غيرها ووضعت القدر فيه
وأنه لو قال إن كان في بيتي نار فأنت طالق وفيه سراج طلقت وأنه لو حلف لا يأكل من طعامه ودفع إليه دقيقا ليخبزه له فخبزه بخميرة من عنده لم يحنث لأنه مستهلك
وأنها لو قالت لا طاقة لي بالجوع معك فقال إن جعت يوما في بيتي فأنت طالق ولم ينو المجازاة تعتبر حقيقة الصفة ولا تطلق بالجوع في أيام الصوم وأنه لو قال إن دخلت دارك فأنت طالق فباعتها ودخلها لم تطلق على الأصح

فصل قال إن لم تكوني أحسن من القمر
أو إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق قال القاضي أبو علي الزجاجي والقفال وغيرهما لا تطلق واستدلوا بقول الله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }
قلت هذا الحكم والاستشهاد متفق عليه وقد نص عليه الشافعي رحمه الله وقد ذكرت النص في ترجمة الشافعي من كتاب الطبقات
قال الشيخ إبرهيم المروذي لو قال إن لم أكن أحسن من القمر فأنت طالق لا تطلق وإن كان زنجيا أسود
والله أعلم
فصل في فتاوى الحناطي أنه لو قال إن قصدتك بالجماع فأنت طالق
المرأة فجامعها لم تطلق وإن قال إن قصدت جماعك طلقت في هذه الصورة
فصل حكى أبو العباس الروياني أن امرأة قالت لزوجها اصنع لي ثوبا
ليكن لك فيه أجر فقال إن كان لي فيه أجر فأنت طالق فقالت استفتيت فيه إبرهيم بن يوسف العالم فقال إن كان إبرهيم بن يوسف عالما فأنت طالق فاستفتى إبرهيم بن يوسف فقال لا يحنث في اليمين الأولى لأنه مباح والمباح لا أجر له فيه ويحنث في الثانية لأن الناس يسمونني عالما
وقيل يحنث في الأولى أيضا لأن الإنسان يؤجر في ذلك إذا قصد البر وحكى الوجهين القاضي الروياني في كتابه التجزئة وقال الصحيح الثاني
قلت لا معنى للخلاف في مثل هذا لأنه إن قصد الطاعة كان فيه أجر ويحنث وإلا فلا ومقتضى الصورة المذكورة أن لا يحنث لأنه لم يقع فعل نية الطاعة
والله أعلم

فصل قال شافعي إن لم يكن الشافعي أفضل
من أبي حنيفة فامرأتي طالق وقال حنفي إن لم يكن أبو حنيفة أفضل من الشافعي فامرأتي طالق لا يحكم بالطلاق على أحدهما وشبهوه بمسألة الغراب
وعن القفال لا يفتى في هذه المسألة وفي تعليق الشيخ إبرهيم المروذي في هذه المسألة أنه لو قال السني إن لم يكن الخير والشر من الله تعالى فامرأتي طالق وقال المعتزلي إن كانا من الله تعالى فامرأتي طالق أو قال السني إن لم يكن أبو بكر أفضل من علي رضي الله عنهما فامرأتي طالق فقال الرافضي إن لم يكن علي أفضل من أبي بكر وقع طلاق المعتزلي والرافضي وأنه لو قال لها أفرغي البيت من قماشك فإن دخلت ووجدت فيه شيئا من قماشك ولم أكسره على رأسك فأنت طالق فدخل فوجد في البيت هاونا لها فوجهان
أحدهما لا تطلق للاستحالة والثاني تطلق عند اليأس قبيل موتها أو موته
وأنه لو تخاصم الزوجان فخرجت مكشوفة الوجه فعدا خلفها وقال كل امرأة لي خرجت من الدار مكشوفة ليقع نظر الأجانب عليها فهي طالق فسمعت قوله فرجعت ولم يبصرها أجنبي طلقت ولو قال كل امرأة لي خرجت مكشوفة ويقع نظر الأجانب عليها فهي طالق فخرجت ولم يبصرها أجنبي لم تطلق
والفرق أن الطلاق في الصورة الثانية معلق على صفتين ولم يوجد إلا إحداهما وفي الأولى على صفة فقط وقد وجدت
قلت هكذا صواب صورة هذه المسألة وكذا حقيقتها من كتاب إبرهيم المروذي ووقعت في نسخ من كتاب الرافعي مغيرة
والله أعلم
=

كتاب الرجعة
هي بفتح الراء وكسرها والفتح فيه أفصح وفيه بابان
الأول في أركانها وهي أربعة
الأول سببها والمطلقات قسمان
الأول من لم يستوف زوجها عدد طلاقها وهي نوعان بائن ورجعية فالبائن هي المطلقة قبل الدخول أو بعوض فلا يحل له إلا بنكاح جديد والرجعية هي المطلقة بعد الدخول بلا عوض
القسم الثاني مطلقة استوفى عدد طلاقها فلا تحل له برجعة ولا بنكاح إلا بعد محلل وإن شئت اختصرت فقلت الرجعية مطلقة بعد الدخول ( بلا عوض ) ولا استيفاء عدد
فرع سواء في ثبوت الرجعة طلق بصريح أو كناية ولو طلق ثم
حق الرجعة أو طلق بشرط أن لا رجعة لم يسقط ولا مدخل للرجعة في الفسوخ
الركن الثاني الزوج المرتجع ويشترط فيه أهلية النكاح والاستحلال والبلوغ والعقل فلا رجعة لمرتد ولو طلق رجل فجن فينبغي أن يجوز لوليه

المراجعة حيث يجوز ابتداء النكاح هذا إذا جوزنا التوكيل في الرجعة وهو الصحيح وللعبد المراجعة بغير إذن سيده على الصحيح
الركن الثالث الصيغة فتحصل الرجعة بقوله رجعتك أو راجعتك أو ارتجعتك وهذه الثلاثة صريحة ويستحب أن يضيف إلى النكاح أو الزوجية أو نفسه فيقول رجعتك إلى نكاحي أو زوجيتي أو إلي ولا يشترط ذلك ولا بد من إضافة هذه الألفاظ إلى مظهر أو مضمر كقوله راجعت فلانة أو راجعتك فأما مجرد راجعت وارتجعت فلا ينفع
ولو قال راجعتك للمحبة أو للإهانة أو للأذى وقال أردت لمحبتي إياك أو لأهينك أو أوذيك قبل وحصلت الرجعة وإن قال أردت أني كنت أحبها أو أهينها قبل النكاح فردتها إلى ذلك قبل ولم تحصل الرجعة وإن تعذر سؤاله بموته أو أطلق حصلت الرجعة لأن اللفظ صريح وظاهره إرادة المعنى الأول وأشير فيه إلى احتمال ولو قال رددتها فالأصح أنه صريح فعلى هذا في اشتراطه قوله إلي أو إلى نكاحي وجهان
أصحهما يشترط ولو قال أمسكتك فهل هو كناية أم صريح أم لغو فيه أوجه أصحها عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والروياني وغيرهم كناية وصحح البغوي كونه صريحا وهو قول ابن سلمة والاصطخري وابن القاص
قلت صحح الرافعي في المحرر أنه صريح
والله أعلم
فإن قلنا صريح فيشبه أن يجيء في اشتراط الإضافة وجهان كالرد
وجزم البغوي بعدم الاشتراط وأنه مستحب
ولو قال تزوجتك أو نكحتك فهل هو كناية أم صريح أم لغو أوجه
أصحها الأول وبه قال القاضي

ويجري الخلاف فيما لو جرى العقد على صور الإيجاب والقبول قال الروياني الأصح هنا الصحة لأنه آكد في الإباحة
قلت ولو قال اخترت رجعتك ونوى الرجعة ففي حصولها وجهان حكاهما الشاشي الأصح الحصول
والله أعلم

فرع تصح الرجعة بالعجمية سواء أحسن العربية أم لا وقيل لا وقيل
بالفرق والصحيح الأول
فرع هل صرائح الرجعة منحصرة أم كل لفظ يؤدي معنى الصريح صريح
رفعت تحريمك وأعدت حلك ونحوهما فيه وجهان أصحهما الانحصار لأن الطلاق صرائحه محصورة فالرجعة التي هي تحصيل إباحة أولى
فرع لا يشترط الاشهاد على الرجعة على الأظهر فعلى هذا تصح بالكتابة
مع القدرة على النطق وإلا فلا
فرع لا تقبل الرجعة التعليق فلو قال راجعتك إن شئت فقالت شئت
يصح ولو قال إذ شئت أو أن شئت بفتح الهمزة صح
ولو طلق إحدى زوجتيه مبهما ثم قال راجعت المطلقة لم يصح على الأصح
ولو قال لرجعية متى راجعتك فأنت طالق أو قال لمن في صلب النكاح متى طلقتك

وراجعتك فأنت طالق فراجعها فهل تصح الرجعة وتطلق أم لا تصح أصلا أم تصح ولا تطلق ويلغو الشرط فيه أوجه الصحيح الأول

فرع لا تحصل الرجعة بالوطء والتقبيل وشبههما

الركن الرابع المحل وهي الزوجة ولا يشترط رضاها ولا رضا سيد الأمة ويستحب إعلامه ويشترط فيها بقاؤها في العدة وكونها قابلة للحل فلو ارتد الزوجان أو أحدهما في العدة فراجعها في حال الردة لم يصح وإذا أسلما قبل انقضاء العدة فلا بد من استئناف الرجعة نص عليه وبه قال الأصحاب
وقال المزني الرجعة موقوفة
فإذا أسلما في العدة تبينا صحتها
قال الإمام وهذا له وجه ولكن لم أر من الأصحاب من جعله قولا مخرجا فعلى النص لو ارتد الزوجان أو أحدهما بعد الدخول ثم طلقها في العدة أو راجعها فالطلاق موقوف إن جمعهما الإسلام في العدة تبينا نفوذه والرجعة باطلة ولو كا نا ذميين فأسلمت فراجعها وتخلف لم يصح ولو أسلم في العدة احتاج إلى الاستئناف
فرع إذا أثبتنا العدة بالوطء في الدبر أو بالخلوة ثبتت الرجعة على
الأصح
قلت مما يتعلق بالركن قال إبرهيم المروذي لو كان تحته حرة وأمة فطلق الأمة رجعية فله رجعتها
والله أعلم
فصل العدة تكون بالحمل أو الأقراء أو الأشهر فلو ادعت المعتدة بالأشهر
انقضاءها

وأنكر الزوج صدق بيمينه لأنه اختلاف في وقت طلاقه
ولو قال طلقتك في رمضان
فقالت بل في شوال فقد غلطت على نفسها فتؤاخذ بقولها
وأما عدة الحامل فتنقضي بوضع الحمل التام المدة حيا كان أو ميتا أو ناقص الأعضاء وبإسقاط ما ظهر فيه صورة الآدمي فإن لم يظهر فقولان مشروحان في كتاب العدة
ومتى ادعت وضع حمل أو سقط ( أو ) مضغة إذا اكتفينا بها صدقت بيمينها
وقيل لا تصدق مطلقا ولا بد من بينة وقيل لا تصدق في الولد الميت إذا لم يظهر
وقيل ولا في الولد الكامل
وقيل ولا في السقط والمذهب الأول قال الأئمة وإنما يصدقها فيما يرجع في العدة بشرطين
أحدهما أن تكون ممن تحيض
فلو كانت صغيرة أو آيسة لم تصدق
والثاني أن تدعي الوضع لمدة الإمكان ويختلف الإمكان بحسب دعواها
فإن ادعت ولادة ولد تام فأقل مدة تصدق فيها ستة أشهر ولحظتان من حين إمكان اجتماع الزوجين بعد النكاح لحظة لإمكان الوطء ولحظة للولادة فإن ادعت لأقل من ذلك لم تصدق وكان للزوج رجعتها
وإن ادعت إسقاط سقط ظهرت فيه الصورة فأقل مدة إمكانه أربعة أشهر ولحظتان من يوم إمكان الاجتماع وإن ادعت إلقاء مضغة لا صورة فيها فأقل مدة إمكانها ثمانون يوما ولحظتان من يوم إمكان الاجتماع
وأما المعتدة بالأقراء فإن طلقت في الطهر حسب بقية الطهر قرءا وإن طلقت في الحيض اشترط مضي ثلاثة أطهار كاملة كما سيأتي في العدد إن شاء الله تعالى
فأقل مدة تمكن انقضاء العدة فيها إذا طلقت في الطهر اثنان وثلاثون يوما ولحظتان وذلك بأن تطلق وقد بقي من الطهر لحظة ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة وتطهر خمسة عشر ثم تطعن في الحيض هذا هو المذهب
ولنا وجه أنه لا تعتبر اللحظة الأولى تفريعا على

أن القرء هو الانتقا من الطهر إلى الحيض فإذا صادف الطلاق آخر جزء من الطهر حسب ذلك قرءا ويظهر تصوير ذلك فيما إذا علق الطلاق بآخر
وفي قول لا يحكم بانقضاء العدة بمجرد الطعن في الدم آخرا بل يشترط مضي يوم وليلة ثم هل اليوم والليلة على هذا أو اللحظة على المذهب من نفس العدة أم ليس منها وإنما هو لاستيقان انقضاء الأقراء فيه وجهان أصحهما الثاني وتظهر فائدتهما في ثبوت الرجعة في ذلك الوقت هذا كله تفريع على المذهب أن أقل الحيض يوم وليلة فإن جعلناه أقل من ذلك نقص زمن الإمكان عن المدة المذكورة هذا كله في طهر غير المبتدأة أما إذا طلقت المرأة قبل أن تحيض ثم حاضت فيبنى أمرها على أن القرء طهر محتوش بدمين أم لا يشترط فيه الاحتواش فإن لم يشترط فحكمها في مدة الإمكان حكم غيرها وإن شرطناه فأقل مدة إمكانها ثمانية وأربعون يوما ولحظة هذا كله إذا طلقت في طهر
أما المطلقة في حيض فأقل مدة إمكانها سبعة وأربعون يوما ولحظة بأن تطلق في خر جزء من الحيض ويظهر تصويره فيما إذا علق طلاقها بآخر جزء من حيضها ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة وتطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة وتطهر خمسة عشر وتطعن في الحيض وفي لحظة الطعن ما ذكرناه في المطلقة في الطهر ولا تحتاج هنا إلى تقدير لحظة في الأول لأن اللحظة هناك تحسب قرءا هذا حكم الحرة وأما الأمة فإن طلقت في طهر فأقل مدة إمكانها ستة عشر يوما ولحظتان وإن طلقت ولم تحض قط ثم ظهر الدم وشرطنا في القرء الاحتواش فأقل مدة الإمكان اثنان وثلاثون يوما ولحظة وإن طلقت في الحيض فالأقل أحد وثلاثون يوما ولحظة
إذا عرف هذا فإن لم يكن للمطلقة عادة في الحيض والطهر مستقيمة بأن لم تكن حاضت ثم طرأ حيضها وكان لها عادات مضطربة أو كانت لها عادة مستقيمة دائرة على الأقل حيضا وطهرا صدقت بيمينها إذا ادعت انقضاء الأقراء لمدة الإمكان فإن

نكلت عن اليمين حلف الزوج وكان له الرجعة فإن كان لها عادة مستقيمة دائرة على ما فوق الأقل صدقت في دعوى انقضائها على وفق العادة وهل تصدق فيما دونها مع الإمكان وجهان
أصحهما عند الأكثرين تصدق بيمينها لأن العادة قد تغير والثاني لا للتهمة قال الشيخ أبو محمد هذا هو المذهب
قال الروياني هو الاختيار في هذا الزمان
قال وإذا قالت لنا امرأة انقضت عدتي وجب أن نسألها عن حالها كيف الطهر والحيض ونحلفها عند التهمة لكثرة الفساد هذا لفظه

فرع ادعت انقضاء العدة لدون الإمكان ورددنا قولها فجاء زمن الإمكان فإن
وإن أصرت على الدعوى الأولى صدقناها الآن أيضا على الأصح لأن إصرارها يتضمن دعوى الانقضاء الآن
فرع قال إن ولدت فأنت طالق وطلقت بالولادة فأقل زمن يمكن انقضاء
أقرائها فيه مبني على أن الدم تراه في الستين هل يجعل حيضا فيه خلاف سبق
فإن جعلناه حيضا وهو الأصح فأقل زمن تصدق فيه سبعة وأربعون يوما ولحظة كما لو طلقت في الحيض فتقدر أنها ولدت ولم تر دما ويعتبر مضي ثلاثة أطهار وثلاث حيض والطعن في الحيضة الرابعة وإن لم نجعله حيضا لم تصدق فيما دون اثنين وتسعين يوما ولحظة منها ستون للنفاس ويحسب ذلك قرءا وبعدها مدة حيضتين وطهرين واللحظة للطعن في الحيضة الثالثة هكذا ذكره البغوي ولم يعتد المتولي بالنفاس قرءا واعتبر مضي مائة وسبعة أيام ولحظة وهي مدة النفاس ومدة ثلاثة أطهار وحيضتين واللحظة للطعن

فصل الرجعة مختصة بعدة الطلاق
فلو وطىء الزوج الرجعية في العدة فعليها أن تستأنف ثلاثة أقراء من وقت الوطء ويدخل فيها ما بقي من عدة الطلاق ولا تثبت الرجعة إلا فيما بقي من عدة الطلاق وله تجديد النكاح فيما زاد بسبب الوطء ولا يجوز ذلك لغيره
ولو أحبلها بالوطء اعتدت بالوضع عن الوطء
وفي دخول ما بقي من عدة الطلاق في عدة الوطء وجهان
أصحهما يدخل فعلى هذا له الرجعة في عدة الحمل على الأصح وحكى البغوي وجها أن الرجعة تنقطع على هذا بالحمل
فإن قلنا لا تدخل فإذا وضعت رجعت إلى بقية الأقراء وللزوج الرجعة في البقية التي تعود إليها بعد الوضع وله الرجعة أيضا قبل الوضع على الأصح
الباب الثاني في أحكام الرجعية
والرجعة وفيه مسائل
إحداها يحرم وطء الرجعية ولمسها والنظر إليها وسائر الاستمتاعات
فإن وطىء فلا حد وإن كان عالما بالتحريم لاختلاف العلماء في إباحته وفي العالم وجه ضعيف ولا تعزير أيضا إن كان جاهلا أو يعتقد الإباحة وإلا فيجب
وإذا وطىء ولم يراجع لزمه مهر المثل وإن راجعها فالنص وجوب المهر أيضا ونص فيما لو ارتدت فوطئها الزوج في العدة ثم أسلمت فيها فلا مهر
وكذا لو أسلم أحد المجوسيين أو الوثنيين ووطئها ثم أسلم المتخلف في العدة فقال الاصطخري في الجميع قولان وحكى ابن كج عن ابن القطان أنه وجدهما منصوصين والمذهب تقرير النصين الأولين لأن أثر الطلاق لا يرتفع

بالرجعة بل يبقى نقصان العدة فيكون ما بعد الرجعة وما قبل الطلاق كعقدين وأما أثر الردة وتبديل الدين فيرتفع بالإسلام فيكون الوطء مصادفا للعقد الأول
الثانية يصح خلع الرجعية على الأظهر ويصح الإيلاء والظهار عنها واللعان ويلحقها الطلاق
وإذا مات أحدهما في العدة ورثه الآخر ويجب نفقتها وهذه الأحكام مذكورة في أبوابها ولو قال نسائي أو زوجاتي طوالق دخلت الرجعية فيهن على الأصح المنصوص
الثالثة طلق زوجته الرقيقة رجعية ثم اشتراها وجب استبراؤها لأنها كانت محرمة بالطلاق
فإن بقيت في العدة حيضة كاملة كفت وإن بقيت بقية الطهر فقيل يكفي وقيل يشترط حيضة كاملة على القياس هذا إذا قلنا الاستبراء بالحيض وهو المذهب فإن قلنا بالطهر قلنا بقية الطهر كافية للاستبراء حصل الغرض بها

فرع لما نظر الأصحاب في الأحكام المذكورة في هذه المسائل استنبطوا منها
أحدها نعم بدليل تحريم الوطء ووجوب المهر ومنع الخلع على قول
والثاني لا لوقوع الطلاق وعدم الحد وصحة الإيلاء والظهار واللعان وثبوت الإرث وصحة الخلع وعدم الإشهاد على الأظهر فيهما
واشتهر عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أن الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى وأراد الآيات المشتملة على هذه الأحكام
والثالث أنه موقوف فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة تبينا زوال الملك بالطلاق
وإن راجع تبينا أنه لم يزل ورجح الغزالي

القول الأول والإمام الثاني
والتحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما لما ذكرناه من اختلاف الترجيح في الصور المذكورة
قلت المختار ما اختاره الرافعي أنه لا يطلق ترجيح ونظيره القولان في أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع أم جائزة وأن الإبراء إسقاط أم تمليك ويختلف الراجح بحسب المسائل لظهور دليل الطرفين في بعضها وعكسه في بعض
والله أعلم

فصل في الاختلاف فإذا ادعى أنه راجع في العدة وأنكرت فإما أن
قبل أن تنكح زوجا وإما بعده
القسم الأول قبله فإما إن تكون العدة منقضية وإما باقية
الضرب الأول منقضية وادعى سبق الرجعة وادعت سبق انقضاء العدة فلهذا الاختلاف صور
إحداها أن يتفقا على وقت انقضاء العدة كيوم الجمعة
وقال راجعت يوم الخميس وقالت بل يوم السبت فثلاثة أوجه
الصحيح الذي عليه الجمهور القول قولها بيمينها أنها لا تعلمه راجع يوم الخميس
والثاني القول قوله بيمينه
والثالث قالت أولا انقضت يوم الجمعة فصدقها وقال راجعت يوم الخميس فهي المصدقة
وإن قال هو أولا راجعتك يوم الخميس فهو مصدق لاستقلاله بالرجعة والرجعة تقطع العدة
فإن اقترن دعواهما سقط هذا الوجه وبقي الوجه الآخر وبقي الأولان
الصورة الثانية أن يتفقا على الرجعة يوم الجمعة وقالت انقضت يوم الخميس

وقال بل يوم السبت فهل يصدق بيمينه أم هي أم السابق بالدعوى أوجه الصحيح الأول
الثالثة أن لا يتفقا بل يقتصر على تقدم الرجعة وهي على تأخرها ففيه طرق ذكرناها في خر نكاح المشرك وهنا خلاف خر حاصله أوجه
أصحها تصديق من سبق بالدعوى فلو وقع كلامهما معا فالقول قولها والثاني تصديقها مطلقا والثالث تصديقه والرابع يقرع ويقدم قول من خرجت قرعته حكاه القاضي أبو الطيب والخامس يسأل الزوج عن وقت الرجعة فإذا تبين وصدقته وإلا ثبت بيمينه وتسأل عن وقت انقضاء العدة فإن صدقها وإلا ثبت بيمينها ثم ينظر فيما ثبت من وقتيهما ويحكم للسابق منهما ولو قال لا نعلم حصول الأمرين مرتبا ولا نعلم السابق فالأصل بقاء العدة وولاية الرجعة
الضرب الثاني أن تكون العدة باقية واختلفا في الرجعة فالقول قوله على الصحيح
وقيل قولها لأن الأصل عدم الرجعة فإن أرادها فلينشئها
فإذا قلنا بالصحيح فقد أطلق جماعة منهم البغوي أن إقراره ودعواه يكون إنشاء وحكى ذلك عن القفال قال الشيخ أبو محمد ومن قال به يجعل الإقرار بالطلاق إنشاء أيضا قال الإمام هذا لا وجه له فإن الإقرار والإنشاء يتنافيان فذلك إخبار عن ماض وهذا إحداث في الحال وذلك يدخله الصدق والكذب وهذا بخلافه

فرع قال راجعتك اليوم فقالت انقضت عدتي قبل رجعتك صدقت هي نص
قال الأصحاب المراد إذا اتصل كلامها بكلامه قالوا وقوله

راجعت إنشاء وقولها انقضت عدتي إخبار فيكون الانقضاء سابقا على قولها
القسم الثاني إذا نكحت زوجا بعد العدة فجاء الأول وادعى الرجعة في العدة فإن أقام بينة فهي زوجته سواء دخل بها الثاني أم لا فإن دخل فلها عليه مهر المثل وإن لم تكن بينة وأراد تحليفها سمعت دعواه على الصحيح فلو ادعى على الزوج ففي سماع دعواه وجهان أصحهما عند الإمام لا لأن الزوجة ليست في يده
والثاني نعم لأنها في حبالته وفراشه وبهذا قطع المحاملي وغيره من العراقيين
فإذا ادعى عليها فإن أقرت بالرجعة لم يقبل إقرارها على الثاني بخلاف ما لو ادعى على امرأة في حبال رجل أنها زوجته فقالت كنت زوجتك فطلقتني فإنه يكون إقرارا له وتجعل زوجة له والقول قوله في أنه لم يطلقها لأن هناك لم يحصل الاتفاق على الطلاق وهنا حصل والأصل عدم الرجعة وتغرم المرأة للأول مهر مثلها لأنها فوتت البضع عليه بالنكاح الثاني
وقال أبو إسحق لا غرم عليها كما لو قتلت نفسها أو ارتدت وإن أنكرت فهل تحلف فيه خلاف مبني على أنها لو أقرت هل تغرم إن قلنا لا فإقرارها بالرجعة غير مقبول ولا مؤثر في الغرم فلا تحلف والأصح التحليف فإن حلفت سقطت دعواه وإن نكلت حلف وغرمها مهر المثل ولا يحكم ببطلان نكاح الثاني وإن جعلنا اليمين المردودة كالبينة على قول لأنها لا تكون كالبينة في حق المتداعيين
وحكى الإمام وجها أنه يحكم ببطلان نكاح الثاني إذا قلنا كالبينة وإذا قبلنا الدعوى على الزوج الثاني نظر إن بدأ بالدعوى على الزوجة فالحكم كما سبق لكن إذا انقضت خصومتهما بقيت دعواه على الثاني وإن بدأ بالدعوى على الثاني فإن أنكر صدق بيمينه وإن نكل ردت اليمين على المدعي فإن حلف حكم بارتفاع نكاح الثاني ولا تصير

المرأة للأول بيمينه ثم إن قلنا اليمين المردودة كالبينة فكأنه لم يكن بينها وبين الثاني نكاح ولا شىء لها عليه إلا أن يكون دخل بها فعليه مهر المثل وإن قلنا كالإقرار فإقراره عليها غير مقبول فلها عليه كمال المسمى إن كان بعد الدخول ونصفه إن كان قبله
قال البغوي والصحيح عندي أنها وإن جعلت كالبينة لا تؤثر في سقوط حقها من المسمى بل يختص أثر اليمين المردودة بالمتداعيين فإذا انقضت الخصومة بينهما فله الدعوى على المرأة ثم ينظر فإن بقي النكاح الثاني بأن حلف فالحكم كما ذكرنا فيما إذا بدأ بها وإن لم يبق بأن أقر الثاني للأول بالرجعة أو نكل وحلف الأول فإن أقرت المرأة سلمت إليه وإلا فهي المصدقة باليمين فإن نكلت فحلف الأول سلمت إليه ولها على الثاني مهر المثل إن جرى دخول وإلا فلا شىء عليه كما لو أقرت بالرجعة وكل موضع قلنا لا تسلم إلى الأول لحق الثاني وذلك عند إقرارها أو نكولها ويمين الأول فإذا زال حق الثاني بموت وغيره سلمت إلى الأول كما لو أقر بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراه حكم عليه بحريته

فرع إذا أنكرت الرجعة واقتضى الحال تصديقها ثم رجعت صدقت في الرجوع
وقبل إقرارها نص عليه بخلاف ما لو أقرت أنها بنت زيد من النسب أو الرضاع ثم رجعت وكذبت نفسها لا يقبل رجوعها ولو زوجت وهي ممن يعتبر رضاها فقالت لم أرض بعقد النكاح ثم رجعت فقالت رضيت وكنت نسيته فهل يقبل رجوعها أم لا ولا تحل إلا بعقد جديد وجهان المنصوص الثاني نقله القاضي أبو الطيب ورجح الغزالي الأول

فرع طلقها طلقة أو طلقتين وقال طلقتها بعد الدخول فلي الرجعة
الدخول فالقول قولها بيمينها
فإذا حلفت فلا رجعة ولا سكنى ولا نفقة ولا عدة ولها أن تتزوج في الحال وليس له أن ينكح أختها ولا أربعا سواها حتى يمضي زمن عدتها ثم هو مقر لها بكمال المهر وهي لا تدعي إلا نصفه فإن كانت قبضت الجميع فليس له مطالبتها بشىء وإن لم تقبضه فليس لها إلا أخذ النصف فإذا أخذته ثم عادت واعترفت بالدخول فهل لها أخذ النصف الآخر أم لا بد من إقرار مستأنف من الزوج فيه وجهان حكاهما إبرهيم المروذي
وفي شرح المفتاح لأبي منصور البغدادي أنه لو كانت قبضت المهر وهو عين وامتنع الزوج من قبول النصف فيقال له إما أن تقبل النصف وإما أن تبرئها منه
ولو كانت العين المصدقة في يده وامتنعت من أخذ الجميع أخذه الحاكم وإن كان دينا في ذمته قال لها إما أن تبرئيه وإما أن تقبليه
فرع ادعت الدخول فأنكر فالقول قوله فإذا حلف فلا رجعة ولا نفقة
ولا سكنى وعليها العدة فإن كذبت نفسها لم تسقط العدة وسواء اختلفا في الدخول قبل الخلوة أم بعدها على المشهور وحكينا في آخر فصل التعيين قولا أن الخلوة ترجح جانب مدعي الدخول فيكون القول قوله بيمينه

فرع نص في الأم أنه لو قال أخبرتني بانقضاء العدة ثم
لها ثم قالت ما كانت عدتي انقضت وكذبت نفسها فالرجعة صحيحة لأنه لم يقر بانقضاء العدة بل حكى عنها
فرع قال المتولي لو طلق زوجته الأمة واختلفا في الرجعة فحيث قلنا
القول قوله إذا كانت حرة فكذا هنا وحيث قلنا قول الزوجة فهنا القول قول السيد وقال البغوي القول قولها ولا أثر لقول السيد
قلت واختار الشاشي ما ذكره المتولي وهو قوي
والله أعلم

كتاب الايلاء
فيه بابان
الأول في أركانه وهي أربعة
الأول الحالف وله شروط
الأول كونه زوجا فلو قال لأجنبية والله لا أطؤك تمحض يمينا فلو وطئها قبل النكاح أو بعده لزمه كفارة يمين ولا ينعقد الإيلاء حتى لو نكحها لا تضرب المدة
وفي التتمة وجه أنه إذا نكحها صار مؤليا لأن اليمين باقية والضرر حاصل والصحيح الأول
ولو قال إن تزوجتك فوالله لا وطئتك فهو كتعليق الطلاق بالملك ويصح الإيلاء من الرجعية ولا تحسب المدة عن الإيلاء فإذا رجع ضربت المدة
الشرط الثاني تصور الجماع فمن جب ذكره لا يصح إيلاؤه على المذهب
ومن آلى ثم جب لا يبطل إيلاؤه على المذهب
ولو شل ذكره أو قطع بعضه وبقي دون قدر الحشفة فهو كجب جميعه والإيلاء في الرتقاء والقرناء كإيلاء المجبوب
قال ابن الصباغ لكن إذا صححناه لا تضرب مدة الإيلاء لأن الإمتناع تسبب من جهتها كما لو آلى من صغيرة لا تضرب المدة حتى تدرك وحكي قول قديم أنه لا يصح الإيلاء من الصغيرة والمريضة المضناة
الشرط الثالث البلوغ والعقل

فرع سواء في صحة الإيلاء العبد والأمة والكافر وأضدادهم ولا ينحل
الإيلاء بإسلام الكافر وإذا ترافع إلينا ذميان وقد آلى فإن أوجبنا الحكم بينهم حكم بشرعنا وإن لم نوجبه لم يجبر الحاكم الزوج على الفيأة ولا الطلاق ولم تطلق عليه بل لا بد من رضاه لأن الحكم على هذا القول إنما يجوز برضاهما فإذا لم يرضيا رددناهما إلى حاكمهم
فرع يصح إيلاء المريض والخصي ومن بقي من ذكره قدر الحشفة والعربي
بالعجمية وعكسه إذا عرف معنى اللفظ
الركن الثاني المحلوف به الامتناع من الوطء بلا يمين لا يثبت حكم الإيلاء وسواء كان هناك عذر أم لا وإذا حلف لا يطؤها أكثر من أربعة أشهر ثم طالبته بالوطء بعد أربعة أشهر فوطىء لزمه كفارة اليمين على المذهب وهو الجديد وأحد قولي القديم
والثاني لا كفارة لقول الله تعالى { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم }
فإن وطئها قبل مضي المدة فقيل تجب الكفارة قطعا لأنه حنث باختياره من غير إلزام
وقيل بطرد الخلاف لأنه بادر إلى ما يطالب به
ولو حلف أن لا يطأها أربعة أشهر فما دونها ثم وطىء لزمه الكفارة قطعا لأنه ليس بمؤل وقيل بطرد الخلاف وهو بعيد
فصل هل يختص الإيلاء باليمين بالله تعالى وصفاته فيه قولان

القديم نعم
والجديد الأظهر لا بل إذا قال إن وطئتك فعلي صوم أو صلاة أو حج أو فعبدي حر أو فأنت طالق أو فضرتك طالق أو نحو ذلك كان

مؤليا وشرط انعقاده بهذه الالتزامات أن يلزمه شيء لو وطىء بعد أربعة أشهر فلو كانت اليمين تنحل قبل مجاوزة أربعة أشهر لم تنعقد
فلو قال إن وطئتك فعلي أن أصلي هذا الشهر أو اصومه أو أصوم الشهر الفلاني وهو ينقضي قبل مجاوزة أربعة أشهر من حين اليمين لم ينعقد الإيلاء فلو قال إن وطئتك فعلي صوم شهر أو الشهر الفلاني وهو يتأخر عن أربعة أشهر فهو مؤل وكذا لو قال إن وطئتك فعلي صوم الشهر الذي أطأ فيه ويلزمه صوم بقية ذلك الشهر إن أوجبنا في نذر اللجاج الوفاء بالملتزم
وفي قضاء اليوم الذي وطىء فيه وجهان مأخوذان من الخلاف فيمن نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه زيد
ولو قال فعلي صوم هذه السنة فهو مؤل إن بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر وإلا فلا
ولو قال إن وطئتك فكل عبد يدخل في ملكي حر فهو لغو لأن تعليق العتق بالملك لغو وكذا لو قال فعلي أن أطلقك لأنه لا يلزمه بالوطء شىء
ولو قال إن وطئتك فأنت طالق إن دخلت الدار أو فعبدي حر بعد سنة فقال القاضي حسين والبغوي هو مؤل وقال الشيخ أبو محمد والإمام هو على الخلاف فيما إذا قال إن أصبتك فوالله لا أصبتك فيكون الراجح أنه لا يكون مؤليا في الحال كما سيأتي إن شاء الله تعالى وهذا أوجه

فرع في مسائل تتفرع على الجديد إحداها قال إن وطئتك فعبدي حر
العبد أو أعتقه انحل الايلاء فإن زال ملكه ببيع أو هبة ونحوهما فكذلك فإن ملكه بعد ذلك ففي عود الايلاء قولا عود الحنث ولو دبره أو كاتبه لم ينحل الايلاء لأنه يعتق لو وطئها وكذا لو علق بالوطء عتق جارية ثم استولدها
الثانية قال إن وطئتك فعبدي حر قبله بشهر فإنما يصير مؤليا إذا

مضى شهر من وقت تلفظه لأنه لو وطئها قبل تمام شهر لم يعتق وينحل الايلاء بذلك الوطء فإذا مضى شهر ولم يطأ ضربت مدة الايلاء ويطالب في الشهر الخامس هكذا قالوه ويجيء فيه وجه أنه لو وطىء قبل الشهر عتق كما سبق في نطيره من الطلاق فعلى هذا يصير مؤليا في الحال
فإذا قلنا بالصحيح فوطىء في مدة الايلاء أو بعد توجه المطالبة بالفيأة أو الطلاق حكم بعتق العبد قبله بشهر وإن طلقها حين طولب ثم راجعها ضربت المدة مرة أخرى
وإن جدد نكاحها بعد العدة ففي عود الايلاء قولا عود الحنث وإذا وطئها حكم بعتق العبد قبله بشهر بلا خلاف وإن وقع الوطء على صورة الزنا ولو باع العبد في الشهر الرابع فإن وطىء قبل تمام شهر من وقت البيع تبينا حصول العتق قبل البيع وإن تم من وقت البيع شهر ولم يطأ ارتفع الايلاء لأنه لو وطىء بعد ذلك لم يحصل العتق قبله بشهر لتقدم البيع على شهر هكذا ذكره الجمهور
وحكى الفوراني والمتولي وجها أنه يطالب بعد تمام أربعة أشهر من وقت اللفظ لأنه ربما يطلقها والطلاق لا يستند
الثالثة قال إو وطئتك فعبدي حر عن ظهاري فإن كان قد ظاهر صار مؤليا لأنه وإن لزمته كفارة الظهار فعتق ذلك العبد بعينه وتعجيل الاعتاق عن الظهار زيادة التزمها بالوطء ثم إذا وطىء في مدة الايلاء أو بعدها فهل يعتق العبد عن الظهار وجهان
أصحهما نعم وطرد الخلاف في سائر التعليقات كقوله إن دخلت الدار فأنت حر عن ظهاري وأما إذا لم يكن ظاهر فلا إيلاء ولا ظهار فيما بينه وبين الله تعالى ولكنه مقر على نفسه بالظهار فيحكم في الظاهر بأنه مظاهر ومؤل ولا يقبل قوله إن لم يكن مظاهرا وإذا وطىء عاد في وقوع العتق عن الظهار في الظاهر الوجهان
ولو قال إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري إن ظاهرت لم يكن مؤليا في الحال

فإن ظاهر صار مؤليا لأن العتق يحصل حينئذ لو وطىء
وقيل في كونه مؤليا في الحال قولان لقربه من الحنث كما لو قال لنسوة والله لا جامعتكن والمذهب الأول
قال المتولي ولو قال إن وطئتك فعبدي حر إن ظاهرت ولم يقل عن ظهاري كان مؤليا في الحال فإذا قلنا بالمذهب وهو أنه لا يصير مؤليا إلا إذا ظاهر فوطىء في مدة الايلاء أو بعدها حصل العتق لوجود الظهار والوطء متأخر عنه ولا يقع هذا العتق عن الظهار باتفاق الأصحاب ولم لا يقع قال أبو إسحق لأن تعليق العتق سبق الظهار والعتق لا يقع عن الظهار إلا بلفظ يوجد بعده
وقال ابن أبي هريرة لأنه لا يقع خالصا عن الظهار لتأدي حق الحنث به فأشبه عتق القريب بنية الكفارة والأول أصح عند الأصحاب وبنوا على التعليلين ما لو قال إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري إن ظاهرت وكان ظاهر ونسي فيكون مؤليا في الحال وإذا وطىء عتق العبد عن الظهار على التعليل الأول دون الثاني

فرع قال إن وطئتك فلله علي أن أعتق عبدي هذا عن ظهاري
منها أو من غيرها ووجد العود فهل يكون مؤليا يبنى على أن من في ذمته إعتاق رقبة فنذر على وجه التبرر أن يعتق العبد الفلاني عما هو عليه هل يتعين ذلك العبد أم لا النص وقول الجمهور يتعين واختار المزني أنه لا يتعين وخرجه على أصل الشافعي رحمه الله وعد الإمام هذا قولا في المذهب وقال تخريجه أولى من تخريج غيره
ونقل الإمام أن القاضي حسينا قال لو نذر صرف زكاته إلى معينين من الأصناف تعينوا وأن الأكثرين

قالوا لا يتعينون وفرقوا بقوة العتق فإن قلنا يتعين العبد المعين للاعتاق صار مؤليا في الحال وإلا فلا يكون مؤليا فإن صححنا الايلاء فطلق بعد المطالبة خرج عن موجب الايلاء وكفارة الظهار في ذمته فيعتق عنها ذلك العبد أو غيره
وإن وطىء في مدة الايلاء أو بعدها لزمه ما يلزم في نذر اللجاج فإن قلنا كفارة يمين نظر إن أطعم أو كسا فعليه الاعتاق عن الظهار وإن أعتقه أو عبدا خر عن اليمين فعليه أيضا الاعتاق عن الظهار
وإن قلنا عليه الوفاء بما سمى أو خيرناه فاختار الوفاء وأعتق ذلك العبد عن ظهاره خرج عن عهدة اليمين
وفي إجزائه عن الظهار وجهان
أصحهما الأجزاء
المسألة الرابعة قال إن وطئتك فأنت طالق أو فأنت ثلاثا فيطالب بعد مضي المدة
وفيما يطالب به وجهان أحدهما وبه قال ابن خيران يطالب بالطلاق على التعيين ويمنع الوطء والثاني وهو الصحيح المنصوص يطالب بالفيأة أو الطلاق ولا يمنع من الوطء بتعليق الطلاق ويقال له عليك النزع بمجرد تغييب الحشفة فإن وطىء قبل المدة أو بعدها ونزع بمجرد تغيب الحشفة فذاك وإن مكث فلا حد على الصحيح لأن أول الوطء مباح
وحكى ابن القطان وغيره وجها أنه يجب الحد إذا علم تحريمه ولا يجب المهر على المذهب وفيه خلاف سبق في كتاب الصوم
وإن نزع ثم أولج فلا حد إن كانت رجعية وحكم المهر كما سبق في الرجعية
وإن كان علق به الطلاق الثلاث فإن كانا جاهلين بالتحريم بأن اعتقد أن الطلاق لا يقع إلا باستيعاب الوطء في المجلس فلا حد للشبهة ويجب المهر ويثبت النسب والعدة
وإن كانا عالمين بالتحريم فوجهان
أصحهما يجب الحد ولا مهر ولا نسب ولا عدة
والثاني عكسه
وإن علم التحريم وجهلته فلا حد عليها ولها المهر وكذا لو علمت ولم تقدر على دفع الزوج وفي وجوب الحد عليه الوجهان وإن جهل هو التحريم وعلمته وقدرت على الدفع فالأصح أنه يلزمها الحد ولا مهر لها

فرع قال لغير المدخول بها إن وطئتك فأنت طالق وقع بالوطء
سواء قلنا الطلاق المعلق بالصفة يقع بعدها أم معها
المسألة الخامسة قال إن وطئتك فضرتك طالق فهو مؤل عن المخاطب ومعلق طلاق الضرة فإن وطىء المخاطبة قبل مضي المدة أو بعدها طلقت الضرة وانحل الايلاء وإن طلقها بعد المطالبة ولم يطأها سقطت المطالبة ولم يطأها وخرج عن موجب الايلاء فإن راجعها بعد ذلك عاد حكم الايلاء وهذا حكم كل إيلاء كما سياتي إن شاء الله تعالى
وإن بانت فجدد نكاحها ففي عود الايلاء أقوال عود الحنث وهذا يشمل كل إيلاء فإن قلنا يعود استؤنفت المدة من يوم النكاح نص عليه القاضي أبو الطيب وغيره
وسواء قلنا يعود الايلاء أم لا فطلاق الضرة يبقى معلقا بوطء المخاطبة حتى لو وطىء المخاطبة بعد الرجعة أو التجديد وقع بلا خلاف
وكذا لو وطئها وهي بائن زانيا ولا يعود الايلاء لو نكحها بعد ذلك لانحلال اليمين بوطء الزنا
ولو ماتت الضرة انحل الايلاء ولو طلقها لم يرتفع الايلاء ولا المطالبة ما دامت في عدة الرجعية لأنه لو وطىء المخاطبة لطلقت فإذا انقضت أو أبان الضرة ابتدأ بخلع أو استيفاء عدد أو طلاق قبل الدخول ارتفع الايلاء وسقطت المطالبة وإن كان ذلك بعد مضي مدة الايلاء لأنه لو وطئها بعد ذلك لم يقع عليه طلاق
ثم إن وطىء المخاطبة انحلت اليمين ولا يعود إيلاؤها لو نكح الضرة وإن نكح الضرة قبل أن يطأها فعلى الخلاف في عود الحنث فإن قلنا لا يعود لم يعد الايلاء وإلا فيعود وإذا أعدناه فهل يستأنف المدة أم يبني وجهان اختار الإمام والغزالي البناء وقطع البغوي وغيره بالاستئناف وهو أصح
المسألة السادسة قال لامرأتيه إن وطئت إحداكما فالأخرى طالق

فإما أن يعين بقلبه واحدة وإما لا فإن عين فهو مؤل منها وحدها لكن الأمر في الظاهر مبهم فيقال له بعد المدة بين التي أردتها فإن بين فلها مطالبته بالفيأة أو الطلاق والقول قوله بيمينه أنه لم يرد الأخرى وإن لم يبين وطالبتاه جميعا قال له القاضي فىء إلى التي آليت منها أو طلقها فإن امتنع طلق القاضي إحداهما على الإبهام تفريعا على أن القاضي يطلق على المؤلي إذا امتنع هكذا قاله ابن الحداد واعترض عليه القفال قال لا يطلق القاضي إحداهما مبهمة لأنهما معترفتان بالاشكال فدعواهما غير مسموعة كما لو حضر رجلان عند القاضي وقال لأحدنا على هذا ألف درهم وزاد المتولي فقال هذا إذا جاءتا معا وادعتا كذلك فلو انفردت كل واحدة وقالت آلى مني فإن أقر بما قالتا أخذ بموجب إقراره وإن كذب الأولى تعين الايلاء في الثانية
وقال كثير من الأصحاب قول ابن الحداد صحيح لحصول الضرر فلا سبيل إلى إهمال الواقعة ولا إلى طلاق معينة فعلى هذا إذا طلق القاضي فقال الزوج راجعت التي وقع عليها الطلاق ففي صحة الرجعة وجهان سبقا في الرجعة وبالصحة أجاب ابن الحداد فعلى هذا تضرب المدة مرة أخرى ويطلق القاضي مرة أخرى على الإبهام وهكذا إلى أن يستوفي الثلاث والأصح أن الرجعة لا تصح على الإبهام بل تبين المطلقة ثم يراجعها إن شاء
فلو وطىء إحداهما قبل البيان قال الشيخ أبو علي لا يحكم بطلاق الأخرى لأنا لا ندري أن التي نواها هي الموطوءة أم الأخرى ويبقى الأمر بالبيان كما كان
فإن قال أردت الأخرى لم تطلق واحدة منهما وتطالبه الأخرى بالفيأة أو الطلاق
فإن وطئها طلقت الموطوءة الأولى وإن قال أردت الايلاء من الموطوءة طلقت الأخرى وخرج عن موجب الايلاء هذا إذا عين بقلبه إحداهما فإن لم ينو معينة فالذي ذكره الشيخ أبو علي والبغوي

أنه يكون مؤليا منهما جميعا لأن أية واحدة وطئها طلقت الأخرى ولحقه الضرر
ويشبه أن يقال تكون مؤليا من واحدة ويؤمر بالتعيين
كما في الطلاق وسيأتي مثله إن شاء الله تعالى فيما لو قال لنسوة لا جامعت واحدة منكن ولم ينو ثم ذكر الشيخ أبو علي بناء على جوابه أنه إذا طولب بالفيأة أو الطلاق فوطىء إحداهما طلقت الأخرى وتخلص من الايلائين ولو طلق إحداهما لم يسقط حكم الايلاء في الثانية لأن بالوطء تنحل اليمين ولا تنحل بالطلاق
حتى لو وطىء التي لم يطلقها وقعت طلقة أخرى على التي طلقها إذا كانت في عدة الرجعة
ولو قال كلما وطئت إحداكما فالأخرى طالق ووطىء بعد المطالبة إحداهما طلقت الأخرى وتخلص عن الايلاء في حق الموطوءة ولا يتخلص بالكلية في حق الأخرى وإن سقطت المطالبة في الحال بوقوع الطلاق لأن اللفظ يقتضي التكرار فإذا راجعها عاد فيها الايلاء
وحكى ابن الصباغ كلام ابن الحداد ثم قال ومن الأصحاب من قال يكون مؤليا منهما جميعا قال وهذا أصح
ولم يفرق بين ما إذا عين واحدة بقلبه وما إذا لم يعين ولا وجه لكونه مؤليا منهما مع تعيين واحدة بقلبه بحال
المسألة السابعة سبق أن المؤلي من علق بالوطء مانعا منه من حنث في يمين أو عتق أو طلاق ونحوها فلو لم يتعلق الحنث بالوطء بل كان مقربا منه فقولان المشهور وهو الجديد وأخرى قولي القديم لا يكون مؤليا
والثاني من قولي القديم يكون مؤليا فإذا قال لأربع نسوة والله لا أجامعكن لم يحنث إلا بجماعهن كلهن وإذا وطئهن لزمه كفارة واحدة لأن اليمين واحدة
ولو مات بعضهن قبل الوطء انحلت اليمين لأنه تحقق امتناع الحنث ولا نظر إلى تصور الإيلاج بعد الموت فإن اسم الوطء يقع

مطلقة على ما في الحياة
وقيل إن البر والحنث يتعلقان بوطء الميتة
وأشار بعضهم إلى وجه فارق بين ما قبل الدفن وبعده ولا أثر لموت بعضهن بعد الوطء قال الإمام والذي أراه أن الوطء في الدبر كهو في القبل في حصول الحنث
قلت هذا الذي قاله الإمام متفق عليه صرح به جماعات من أصحابنا وقد نقله صاحب الحاوي والبيان عن الأصحاب في القاعدة التي قدمتها أن الأصحاب قالوا الوطء في الدبر كهو في القبل إلا في سبعة أحكام أو خمسة ليست اليمين منها
والله أعلم
ولو طلقهن أو بعضهن قبل الوطء لم تنحل اليمين بل تجب الكفارة بالوطء بعد البينونة وإن كان زنا هذا حكم اليمين وأما الايلاء ففيه طرق المذهب منها لا يكون مؤليا في الحال فإن وطىء ثلاثا منهن صار مؤليا من الرابعة
وفي قول يكون مؤليا من الجميع في الحال
فعلى المذهب لو مات بعضهن قبل الوطء ارتفع حكم الايلاء على الصحيح لحصول اليأس من الحنث
ولو مات بعضهن بعد الوطء لم يرتفع ولو طلق بعضهن قبل الوطء أو بعده فكذلك حتى لو أبان ثلاثا منهن ووطئهن في البينونة زانيا صار مؤليا من الباقية
ولو أبان واحدة قبل الوطء ووطىء الثلاث في النكاح ثم نكح المطلقة ففي عود الايلاء قولا عود الحنث وحكم اليمين باق قطعا حتى لو وطئها لزمه الكفارة
وإذا قلنا بالضعيف إنه مؤل في الحال ضربنا المدة ولجميعهن المطالبة بعد المدة
فإن وطئهن أو طلقهن تخلص من الايلاء وإن وطىء بعضهن ارتفع الايلاء في حق من وطئها ولا يرتفع في حق المطلقة بل إذا راجعها ضربت المدة ثانيا

فرع قال للنسوة الأربع والله لا أجامع كل واحدة منكن قال
يكون مؤليا من كل واحدة ويتعلق بوطء كل واحدة الحنث ولزوم الكفارة قالوا تضرب المدة في الحال فإذا مضت فلكل واحدة المطالبة بالفيأة أو الطلاق فإن طلقهن سقطت المطالبة فإن راجعهن ضربت المدة ثانيا وإن طلق بعضهن فالباقيات على مطالبتهن
وإن وطىء إحداهن انحلت اليمين في حق الباقيات وارتفع الايلاء فيهن على الأصح عند الأكثرين
وقيل لا تنحل ولا ترتفع وجعلوا على هذا الخلاف ما لو قال والله لا كلمت واحدا من هذين الرجلين ونظائره هذا كلام الأصحاب ولك أن تقول إن أراد بقوله لا أجامع كل واحدة تخصيص كل واحدة بالايلاء على وجه لا يتعلق بصواحبها فالوجه بقاء الايلاء في الباقيات وإلا فينبغي أن يكون حكم هذه الصورة حكم قوله والله لا أجامعكن على ما سبق
فرع قال والله لا أجامع واحدة منكن فله ثلاثة أحوال

أحدها أن يريد الامتناع عن كل واحدة فيكون مؤليا منهن كلهن ولهن المطالبة بعد المدة فإن طلق بعضهن بقي الايلاء في حق الباقيات وإن وطىء بعضهن حصل الحنث لأنه خالف قوله لا أطأ واحدة منكن وتنحل اليمين ويرتفع الايلاء في حق الباقيات
الحال الثاني أن يقول أردت الامتناع عن واحدة منهن لا غير فيقبل قوله لاحتمال اللفظ
وقال الشيخ أبو حامد لا يقبل للتهمة والصحيح الأول ثم قد يريد معينة وقد يريد مبهمة فإن أراد معينة فهو مؤل منها ويؤمر بالبيان كما في الطلاق فإذا بين وصدقه الباقيات فذاك فإن ادعت غير

المعينة أنه أرادها وأنكر صدق بيمينه فإن نكل حلفت المدعية وحكم بأنه مؤل منها أيضا فلو أقر في جواب الثانية أنه نواها وأخذناه بموجب الإقرارين وطالبناه بالفيأة أو الطلاق ولا يقبل رجوعه عن الأولى وإذا وطئهما في صورة إقراره تعددت الكفارة وإن وطئهما في صورة نكوله ويمين المدعية لم تتعدد الكفارة لأن يمينها لا تصلح لإلزامه الكفارة
ولو ادعت واحدة أولا أنك أردتني فقال ما أردتك أو ما آليت منك وأجاب بمثله الثانية والثالثة تعينت الرابعة للإيلاء وإن أراد واحدة مبهمة أمر بالتعيين وقال السرخسي ويكون مؤليا من إحداهن لا على التعيين فإذا عين واحدة لم يكن لغيرها المنازعة ويكون ابتداء المدة من وقت اليمين أم من وقت التعيين وجهان بناء على الخلاف في الطلاق المبهم إذا عينه هل يقع من اللفظ أم من التعيين وإن لم يعين ومضت أربعة أشهر فقالوا تطالب إذا طلبن بالفيأة أو الطلاق وإنما يعتبر طلبهن كلهن ليكون طلب المؤلي منها حاصلا فإن امتنع طلق القاضي واحدة على الإبهام ومنع منهن إلى أن يعين المطلقة وإن فاء إلى واحدة أو ثنتين أو ثلاث أو طلق لم يخرج عن موجب الايلاء
وإن قال طلقت التي آليت منها خرج عن موجب الإيلاء لكن المطلقة مبهمة فعليه التعيين هذا هو المذهب في الحال الذي نحن فيه ووراءه شيئان
أحدهما قال المتولي إذا قال أردت مبهمة قال عامة الأصحاب تضرب المدة في حق الجميع فإذا مضت ضيق الأمر عليه في حق من طالب منهن لأنه ما من امرأة إلا ويجوز أن يعين الإيلاء فيها وظاهر هذا أنه مؤل من جميعهن وهو بعيد
الثاني حكى الغزالي وجها أنه لا يكون مؤليا من واحدة منهن حتى يبين إن أراد معينة أو يعين إن أراد مبهمة لأن قصد الإضرار حينئذ يتحقق
وحكى الإمام هذا الوجه عن الشيخ أبي علي على غير هذه الصورة فقال روى وجها أنه إذا قال أردت واحدة لا يؤمر بالبيان ولا بالتعيين بخلاف إبهام الطلاق لأن المطلقة خارجة عن النكاح فإمساكها منكر بخلاف الإيلاء

الحال الثالث أن يطلق اللفظ فلا ينوي تعميما ولا تخصيصا فهل يحمل على التعميم أم على التخصيص بواحدة وجهان
أصحهما الأول وبه قطع البغوي وغيره
المسألة الثامنة قال والله لا أجامعك سنة إلا مرة فقولان أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم لا يكون مؤليا في الحال لأنه لا يلزمه بالوطء الأول شيء فإن وطئها نظر إن بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر فهو مؤل من يومئذ وإن بقي أربعة فأقل فهو حالف وليس بمؤل والقول الثاني يكون مؤليا في الحال فيطالب به بعد مضي المدة
فإن وطىء فلا شيء عليه لأن الوطأة الأولى مستثناة وتضرب المدة ثانيا إن بقي من السنة مدة الإيلاء وعلى هذا القياس لو قال لا أجامعك إلا عشر مرات أو عددا آخر فعلى الأظهر لا يكون مؤليا في الحال وإنما يكون مؤليا إذا وطىء ذلك العدد وبقي من السنة مدة الإيلاء وعلى الضعيف يكون مؤليا في الحال ولو قال إن أصبتك فوالله لا أصبتك فقيل بإجراء القولين في كونه مؤليا في الحال والمذهب القطع بالمنع
والفرق أن هناك عقد اليمين في الحال واستثنى وطأة وهنا اليمين غير منعقد في الحال وإنما ينعقد إذا أصابها وإثبات الإيلاء قبل اليمين ممتنع ويجري الخلاف فيما لو قال إن وطئتك فوالله لا دخلت الدار
ولو قال والله لا أجامعك سنة إلا يوما فهو كقوله إلا مرة
ولو قال لا أجامعك في السنة إلا مرة فتعريف السنة بالألف واللام يقتضي السنة العربية التي هو فيها فإن بقي منها مدة الإيلاء ففيه القولان كما لو قال سنة وإلا فلا إيلاء قطعا

فرع قال لا أجامعك سنة إلا مرة فمضت سنة ولم يطأ
لاقتضاء اللفظ الوطء أم لا لأن المقصود منع الزيادة وجهان حكاهما ابن كج
قلت أصحهما لا كفارة
والله أعلم
فلو وطىء في هذه الصورة ونزع ثم أولج ثانيا لزمه كفارة بالإيلاج الثاني لأنه وطء جديد هذا هو الصحيح وفي وجه لا كفارة لأنه وطء واحد عند أهل العرف
فصل قال والله لا جامعتك ثم قال لضرتها أشركتك معها أو أنت
أو مثلها ونوى الإيلاء لم يصر مؤليا من الثانية لأن اليمين إنما تكون باسم الله تعالى أو صفته حتى لو قال به لأفعلن كذا وقال أردت بالله تعالى لم ينعقد يمينه ولو ظاهر منها ثم قال للضرة أشركتك معها صار مظاهرا من الثانية أيضا على الأصح
وإن آلى منها بالتزام طلاق أو عتاق وقال للضرة أشركتك معها سألناه فإن قال أردت أن الأولى لا تطلق إلا إذا أصبت الثانية مع إصابة الأولى وجعلتها شريكتها في كون إصابتها شرطا لطلاق الأولى لم يقبل
وإذا وطىء الأولى طلقت وإن قال أردت أني إذا أصبت الأولى طلقت الثانية أيضا قبل لأن الطلاق يقع بالكناية فإذا وطىء الأولى طلقتا وفي الحالتين لا يكون مؤليا من الثانية
وإن قال أردت تعليق طلاق الثانية بوطئها بنفسها كما علقت طلاق الأولى بوطئها ففي صحة هذا التشريك وجهان
أصحهما الصحة وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما فعلى هذا يكون مؤليا من الثانية إذا قلنا ينعقد الإيلاء بغير اسم الله تعالى ويجري

هذا التفصيل فيما لو علق طلاق امرأة بدخول الدار وسائر الصفات ثم قال لأخرى أشركتك معها ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق لا بل هذه وأشار إلى امرأة أخرى فإن قصد أن يطلق الثانية إذا دخلت الأولى الدار طلقتا جميعا بدخول الأولى سواء قصد ضم الثانية إلى الأولى أو قصد طلاق الثانية عند دخول الأولى
وإن قال أردت تعليق طلاق الثانية بدخول نفسها ففي قبوله وجهان كما ذكرنا في لفظ الإشراك في اليمين
واختار القفال منهما أنه لا يقبل ويحمل على تعليق طلاقها بدخول الأولى حتى إذا دخلت طلقتا جميعا
قال ولو علق طلاق واحدة بدخول الدار وقال لأخرى أشركتك معها وقلنا لا يصح التشريك لم تطلق بدخول الدار

فرع قال رجل لآخر يميني في يمينك قال البغوي وغيره إن أراد
إذا حلف الآخر صرت حالفا لم يصر حالفا بحلف الآخر سواء حلف بالله تعالى أم بالطلاق
وإن كان الآخر قد طلق زوجته أو حنث في يمين الطلاق فقال أردت أن امرأتي طالق كامرأته طلقت وإن أراد متى طلق امرأته طلقت امرأتي فإذا طلق الآخر طلقت هذه
فصل ذكرنا في كتاب الطلاق أنه إذا قال أنت علي حرام ونوى
أو الظهار وقع ما نوى وأنه لو نوى تحريم عينها لزمه كفارة يمين
وأن الصحيح وجوب تلك الكفارة في الحال
وفي وجه إنما يجب إذا وطئها وأنه على هذا الوجه يكون مؤليا وأنه لو قال أردت به الامتناع من الوطء ففي قبوله وجهان
أحدهما يكون مؤليا في الحال وأصحهما لا يكون مؤليا لأن اليمين بالله تعالى لا تنعقد إلا باسم معظم فعلى هذا يلزمه الكفارة

في الحال إذا قلنا إن مطلق هذه اللفظة يوجبها
ولو قال أردت بقولي أنت علي حرام إن وطئتك فأنت علي حرام لم يقبل منه على المذهب وبه قطع الجمهور لأنه يريد تأخير الكفارة وهذا اللفظ يقتضي وجوبها في الحال
وفي التتمة أنه مبني على أن للإمام أن يأمره بإخراج الكفارة فأما إن قلنا ليس له الأمر بإخراج الكفارة فلا يتعرض له
ورأى صاحب الشامل والتتمة أن يؤاخذ بموجب الإيلاء لإقراره بأنه مؤل

فرع قال إن جامعتك فأنت علي حرام فإن أراد الطلاق أو الظهار
مؤليا إذا فرعنا على الجديد وإن أراد تحريم عينها أو طلق وقلنا مطلقه يوجب الكفارة فمؤل وإن قلنا لا يوجبها فلا
فصل الإيلاء يقبل التعليق فإذا قال إن دخلت الدار فوالله لا أجامعك
صار مؤليا عند دخول الدار
ولو قال والله لا أجامعك إن شئت وأراد تعليق الإيلاء بمشيئتها اشترط في كونه مؤليا مشيئتها وتعتبر مشيئتها على الفور على الأصح كما يعتبر في الطلاق على الفور على المذهب وإنما اختلف الترجيح لأن الطلاق في معنى التمليك فتأكد اشتراط الفور كالبيع ولو علق لا على سبيل خطابها بأن قال والله لا أجامع زوجتي إن شاءت أو قال لأجنبي والله لا أجامع زوجتي إن شئت لم يعتبر الفور على الأصح
ولو قال إن شاء فلان أو قال لها متى شئت لم يعتبر الفور قطعا وكل هذا كما سبق في الطلاق
فأما إذا أراد تعليق فعل الوطء بمشيئتها كأنه قال لا أجامعك إن شئت أن لا أجامعك فلا يكون مؤليا كما لو قال لا أجامعك إلا برضاك لأنها متى رغبت فوطئها لا يلزمه شىء
قال الإمام ولو قال لا أجامعك متى

شئت وأراد أني أجامعك إذا أردت أنا لم يكن مؤليا لأنه تصريح بمقتضى الشرع قال فإن أطلق ففي تنزيله على تعليق الإيلاء وجهان
ولو قال لا أجامعك إلا أن تشائي أو ما لم تشائي وأراد الاستثناء عن اليمين أو تعليقها ففي التهذيب وغيره أنه يكون مؤليا لأنه حلف وعلق رفع اليمين بالمشيئة
فإن شاءت أن يجامعها على الفور ارتفع الايلاء وإن لم تشأ أو شاءت بعد وقت المشيئة فالإيلاء بحاله وكذا الحكم لو قال لا أجامعك حتى يشاء زيد فإن شاء أن يجامعها قبل مدة الإيلاء أو بعدها ارتفعت اليمين وإن لم يشأ المجامعة حتى مضت مدة الإيلاء سواء شاء أن لا يجامعها أم لم يشأ شيئا فهل يكون مؤليا لحصول الإضرار في المدة فيه وجهان سيأتيان إن شاء الله تعالى في نظائرها
وإن مات زيد قبل المشيئة صار مؤليا ثم إن قلنا في حال حياته إذا مضت المدة بلا مشيئة يجعل مؤليا فهنا تحسب المدة من وقت اللفظ فإن مات زيد بعد تمامها توجهت المطالبة في الحلال
وإن قلنا هناك لا يجعل مؤليا ضربت المدة من وقت الموت
ولو قال لا أجامعك إن شئت أن أجامعك فإنما يصير مؤليا إذا شاءت أن يجامعها
وفي اعتبار الفور ما سبق وإذا أطلق قوله إن شئت حملناه على عدم مشيئته المجامعة كما سبق لأنه السابق إلى الفهم

فصل سواء في الإيلاء حالة الرضى والغضب

فصل قال إن وطئتك فأنا زان أو فأنت زانية لم يكن مؤليا
بوطئها قاذفا
قال السرخسي ويلزمه التعزير كما لو قال المسلمون كلهم زناة ولزوم التعزير لا يجعله مؤليا لأنه يتعلق بنفس اللفظ

الركن الثالث المدة فإن حلف على الامتناع أبدا أو أطلق فهو مؤل وإن قيد بزمان فهو قسمان
أحدهما أن يقدر الزمان فإن كان أربعة أشهر فما دونها فليس بمؤل والذي جرى منه يمين أو تعليق كما يجري في سائر الأفعال وإن كان أكثر من أربعة أشهر كان مؤليا
قال الإمام ويكفي في كونه مؤليا أن يزيد على أربعة أشهر أقل قليل ولا يعتبر أن تكون الزيادة بحيث تتأتى بالمطالبة في مثلها
فإذا كانت الزيادة لحظة لطيفة لم تتأت المطالبة لأنها إذا مضت تنحل اليمين ولا مطالبة بعد انحلال اليمين
وفائدة كونه مؤليا في هذه الصورة أنه يأثم لإيذائها وقطع طمعها في الوطء في المدة المذكورة
ولو حلف لا يجامعها أربعة أشهر ثم أعاد اليمين بعد مضي تلك المدة وهكذا مرات فلا يكون مؤليا قطعا
ولو وصل اليمين فقال والله لا أجامعك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا أجامعك أربعة أشهر وهكذا مرارا فليس بمؤل على الأصح
قال الإمام وهل يأثم الموالي بين هذه الأيمان كما ذكرنا فيما إذا زادت اليمين على أربعة أشهر بلحظة لطيفة يحتمل أن لا يأثم لعدم الإيلاء ويحتمل أن يأثم إثم الإيذاء والإضرار لا إثم المؤلين
قلت الراجح تأثيمه
والله أعلم

فرع قال والله لا أجامعك خمسة أشهر فإذا مضت فوالله لا أجامعك
فلها المطالبة بعد مضي أربعة أشهر بموجب اليمين الأولى فإن أخرت المطالبة حتى يمضي الشهر الخامس فلا مطالبة بموجب تلك اليمين لانحلالها وإن طالبته في الخامس ففاء إليها خرج عن موجب الإيلاء الأول فإذا مضى الخامس

استحقت مدة الإيلاء الثاني
وإن طلق سقطت عنه المطالبة في الحال فإن راجعها في الشهر الخامس لم تضرب المدة في الحال لأن الباقي من مدة اليمين الأولى قليل فإذا انقضى الخامس ضربت المدة للإيلاء الثاني
ولو وطئها بعد الرجعة في باقي الشهر انحلت اليمين وتلزمه الكفارة على المذهب وإن قلنا إن المؤلي إذا فاء لا كفارة عليه
وإن راجعها بعد الشهر الخامس نظر إن راجع بعد سنة من مضي الخامس فلا إيلاء لانقضاء المدتين وانحلال اليمين وإن راجع قبل تمام السنة فإن بقي أربعة أشهر فأقل فلا إيلاء وإن بقي أكثر عاد الإيلاء وضربت المدة في الحال
ولو جدد نكاحها بعد البينونة ففي عود الإيلاء حنث يعود لو راجعها خلاف عود الحنث وتبقى اليمين ما بقي شىء من المدة وإن لم يعد الإيلاء حتى لو راجع وقد بقي من السنة أقل من أربعة أشهر فوطئها في تلك البقية لزمه الكفارة ولو عقد اليمين على مدتين تدخل إحداهما في الأخرى بأن قال والله لا أجامعك خمسة أشهر ثم قال والله لا أجامعك سنة فإذا مضت أربعة أشهر فلها المطالبة فإن فاء انحلت اليمينان وإذا أوجبنا الكفارة فالواجب كفارة أم كفارتان فيه خلاف يجري في كل يمينين يحنث الحالف فيهما بفعل واحد بأن حلف لا يأكل خبزا وحلف لا يأكل طعام زيد فأكل خبزه وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وإن طلقها ثم راجعها أو جدد نكاحها فإن بقي من السنة أربعة أشهر أو أقل لم يعد الايلاء وتبقى اليمين
وإن بقي أكثر من أربعة أشهر عاد الإيلاء في الرجعية وفي التجديد خلاف عود الحنث هذا هو الصحيح المعروف في المذهب
وفي التتمة أن السنة تحسب بعد انقضاء الأشهر الخمسة فيكون كالصورة السابقة ولو قال إذا مضت خمسة أشهر فوالله لا أجامعك كان مؤليا بعد مضي الخمسة
القسم الثاني أن يقيد الامتناع عن الوطء بمستقبل لا يتعين وقته فينظر إن

كان المعلق به مستحيلا كقوله حتى تصعدي السماء أو تطيري أو كان أمرا يستبعد في الاعتقادات حصوله في أربعة أشهر وإن كان محتملا كقوله حتى ينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم
أو حتى يخرج الدجال أو يأجوج ومأجوج أو تطلع الشمس من مغربها أو بأمر يعلم تأخره عن أربعة أشهر كقوله حتى يقدم فلان أو أدخل مكة والمسافة بعيدة لا تقطع في أربعة أشهر فهو مؤل
فلو قال في مسألة القدوم ظننت المسافة قريبة فهل يصدق بيمينه ذكر فيه الإمام احتمالين والأقرب تصديقه
وفي شرح مختصر الجويني للموفق بن طاهر أن في التعليق بنزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم وما في معناه لا يقطع بكونه مؤليا في الحال ولكن ينتظر فإذا مضت أربعة أشهر ولم يوجد المعلق به تبينا أنه كان مؤليا ومكناها من المطالبة والصحيح المعروف الأول وإن كان المعلق به مما يتحقق وجوده قبل أربعة أشهر كذبول البقل وجفاف الثوب وتمام الشهر أو يظن كمجيء المطر في وقت غلبة الأمطار ومجيء زيد من القرية وعادته المجيء للجمعة أو مجيء القافلة وعادتها غالبا المجيء كل شهر فليس بإيلاء وإنما هو عقد يمين فإن كان المعلق به مما لا يستبعد حصوله في أربعة أشهر ولا يظن كقوله حتى يدخل زيد الدار أو أمرض أو يمرض فلان أو يقدم وهو على مسافة قريبة وقد تقدم وقد لا يحكم بكونه مؤليا في الحال فإن مضت أربعة أشهر ولم يوجد المعلق به فوجهان أحدهما ثبت الإيلاء وتطالبه لحصول الضرر وتبين طول المدة وأصحهما لا لأنه لم يتحقق قصد المضارة أولا وأحكام الإيلاء منوطة به لا بمجرد الضرر بالامتناع من الوطء ولهذا لو امتنع بلا يمين لم يكن مؤليا
ولو وطىء قبل وجود المعلق به وجبت الكفارة بلا خلاف ولو وجد المعلق به قبل الوطء ارتفعت اليمين بلا خلاف

فرع قال لا أجامعك حتى أموت أو تموتي أو قال عمري
لحصول اليأس مدة العمر
ولو قال حتى يموت فلان فمؤل على الأصح عند الأكثرين
فرع قال لا أجامعك حتى تفطمي ولدك نقل المزني أن الشافعي رحمه
قال يكون مؤليا قال وقال في موضع آخر لا يكون مؤليا واختاره فأوهم أن في المسألة قولين وبه قال ابن القطان
وقال الجمهور لا خلاف في المسألة ولكن ينظر إن أراد وقت الفطام فإن بقي أكثر من أربعة أشهر إلى تمام الحولين فمؤل وإلا فلا وإن أراد فعل الفطام فإن كان الصبي لا يحتمله إلا بعد أربعة أشهر لصغر أو ضعف بنية فمؤل وإن كان يحتمله لأربعة أشهر فما دونها فهو كالتعليق بدخول الدار ونحوه والنصان محمولان على الحالين
فرع قال لا أجامعك حتى تحبلي فإن كانت صغيرة أو آيسة فهو
فكالتعليق بالقدوم من مسافة قريبة ودخول الدار
فرع إذا علق بالقدوم أو الفطام ولم يحكم بكونه مؤليا فمات المعلق
بقدومه قبل القدوم أو الصبي قبل الفطام فهو كقوله حتى يشاء فلان فمات قبل المشيئة وقد ذكرناه
فرع قال والله لا أجامعك ثم قال أردت شهرا دين ولم يقبل

الركن الرابع المحلوف عليه وهو ترك الجماع فالحلف بالامتناع عن سائر الاستمتاعات ليس بإيلاء والألفاظ المستعملة في الجماع ضربان صريح وكناية فمن الصريح لفظ النيك وقوله لا أغيب في فرجك ذكري أو حشفتي أو لا أدخل أو أولج ذكري في فرجك أو أجامعك بذكري وللبكر لا أفتضك بذكري
فلو قال في شىء من هذا أردت غير الجماع لم يدين لأنه لا يحتمل غيره ولفظ الجماع والوطء أيضا صريحان لكن لو قال أردت بالجماع الاجتماع وبالوطء الوطء بالقدم دين وقيل إنهما كنايتان وهو شاذ مردود
ولو قال للبكر لا أفتضك ولم يقل بذكري فهو صريح فإن قال لم أرد الجماع لم يقبل ظاهرا وهل يدين وجهان
الأصح نعم
قال الإمام ولو قال أردت به الضم والالتزام لم يدين على الأصح والمباشرة والمضاجعة والملامسة والمس والإفضاء والمباعلة والافتراش والدخول بها والمضي إليها كنايات على الجديد وصرائح في القديم والغشيان والقربان والاتيان عند الجمهور على القولين
وقيل كنايات قطعا
والإصابة صريح عند الجمهور
وقيل على القولين
وقوله لا يجمع رأسي ورأسك وساد أو لا يجتمعان تحت سقف كناية قطعا
وقوله لأبعدن عنك كناية ويشترط فيه نية الجماع والمدة جميعا ومثله قوله لأسوءنك ولأغيظنك أو لتطولن غيبتي عنك فهو كناية في الجماع والمدة
ولو قال ليطولن تركي لجماعك أو لأسوءنك في الجماع فهو صريح في الجماع كناية في المدة
ولو قال لا أغتسل عنك سألناه فإن قال أردت لا أجامعها فمؤل وإن قال أردت الامتناع من الغسل أو أردت أني لا أمكث حتى أنزل واعتقد أن الجماع بلا إنزال لا يوجب الغسل
أو أني أقدم على وطئها وطء غيرها فيكون الغسل عن الأولى لحصول الجنابة بها قبلناه ولم يكن مؤليا
ولو قال لا أجامعك في الحيض أو النفاس أو

الدبر فليس بمؤل بل هو محسن
ولو قال لا أجامعك إلا في الدبر فمؤل ولو قال لا أجامعك إلا في الحيض أو النفاس قال السرخسي لا يكون مؤليا لأنه لو جامع فيه حصلت الفتنة
وقال البغوي في الفتاوي هو مؤل وكذا لو قال إلا في نهار رمضان أو إلا في المسجد
ولو قال لا جامعتك جماع سوء فليس بمؤل كما لو قال لا جامعتك في هذا البيت أو لا جامعتك من القبل
ولو قال لا أجامعك إلا جماع سوء فإن أراد لا أجامعها إلا في الدبر أو فيما دون الفرج أو لا أغيب جميع الحشفة فمؤل وإن أراد الجماع الضعيف فليس بمؤل ولو حلف لا يجامع بعضها فكما سيأتي في الظهار إن شاء الله تعالى

الباب الثاني في أحكام الايلاء
وفيه أربعة اطراف
الأول في ضرب المدة فالإيلاء يقتضي ضرب المدة وهي أربعة أشهر بنص القرآن الكريم وهي حق للزوج كالأجل حق للمدين وتحسب من وقت الإيلاء ولا يحتاج إلى ضرب القاضي وسواء كان الزوجان حرين أو رقيقين أو حرا ورقيقا
فصل فيما يمنع احتساب المدة ابتداء أو دواما قد سبق أنه إذا
من رجعية صح وتحسب المدة من وقت الرجعة لا من وقت اليمين ولو آلى من زوجته ثم طلقها رجعيا انقضت المدة لجريانها إلى البينونة فلو راجعها

استؤنفت المدة لأن الإضرار إنما يحصل بالامتناع المتوالي في نكاح سليم وحكى المتولي وجها أنه يبنى عليها تخريجا مما إذا راجع المطلقة ثم طلقها قبل وطء فإنها تبنى على قول
ولو ارتد أحدهما بعد الدخول في المدة انقطعت المدة ولا يحتسب زمان الردة منها لأنها تؤثر في قطع النكاح كالطلاق فإذا أسلم المرتد منهما استؤنفت المدة هذا هو المذهب وبه قطع الجماهير
وفي ردة الزوج وجه أنه إذا أسلم يبني وفي وجه حكاه السرخسي أن ردته لا تمنع الاحتساب كمرضه وسائر الأعذار
ولو وجد النكاح بعد أن بانت الرجعية أو كان الطلاق بائنا أو بعد البينونة بالردة والإضرار أو بردة قبل الدخول وقلنا يعود الإيلاء استؤنفت المدة
ولو طلقها بعد مدة الإيلاء طلقة رجعية بمطالبتها أو ابتداء ثم راجعها عاد الإيلاء وتستأنف المدة إن كانت اليمين على التأبيد أو كانت مؤقتة وقد بقي من وقت اليمين مدة الإيلاء ولو ارتد أحد الزوجين بعد مضي المدة ثم أسلم قبل انقضاء العدة عاد الإيلاء وتستأنف المدة أيضا وألحق البغوي العدة عن وطء الشبهة بالطلاق الرجعي وبالردة في منع الاحتساب ووجوب الاستئناف عند انقضائها

فرع ما يمنع الوطء من غيره أن يحل بملك النكاح إن وجد
لم يمنع احتساب المدة بل تضرب المدة مع اقتران المانع بالإيلاء
ولو طرأ في المدة لم يقطعها بل تطالب بالفيأة بعد أربعة أشهر إذا كان العذر إيلاء يوم المطالبة وسواء في ذلك المانع الشرعي كالصوم والاعتكاف والإحرام والحسي كالمرض والحبس والجنون وإن كان المانع فيها فقد يكون حسيا وشرعيا فالحسي كالنشوز والصغر الذي لا يحتمل معه الوطء والمرض المضني

المانع من الوطء فإن قارن ابتداء الإيلاء لم تبتدىء المدة حتى تزول وإن طرأ في المدة قطعها هذا هو المذهب في الطرفين وحكى المزني قولا في حبسه أنه يمنع احتساب المدة فغلطه جمهور الأصحاب في النقل وصدقه بعضهم وحمله على ما إذا حبسته هي
وقيل هو محمول على ما إذا حبس ظلما وحق هذا القائل أن يطرده في المرض وما لا يتعلق باختياره من الموانع وقد مال الإمام إلى هذا فقال كان يحتمل أن يصدق المزني في النقل ويقال فيه وفي نص المرض إنهما على قولين بالنقل والتخريج
وعن صاحب التقريب أن البويطي حكى قولا أن الموانع الطارئة فيها لا تمنع الاحتساب لحصول قصد المضارة ابتداء
فإذا قلنا بالمذهب فطرأ فيها مانع في المدة ثم زال استأنفت المدة على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور
وقيل تبني
ولو طرأت هذه الموانع بعد تمام المدة وقبل المطالبة وزالت بعد فلها المطالبة ولا تفتقر إلى استئناف المدة لأنه وجدت المضارة في المدة على التوالي وقيل تستأنف وهو غلط نسبه الإمام إلى بعض الضعفة وجنونها يمنع احتساب المدة إن كانت تمنع التمكين وإلا فلا
أما المانع الشرعي فيها فإن كان صوما أو اعتكافا مفروضين يمنع الاحتساب ويجب الاستئناف إذا زال وإن كانا تطوعين لم يمنعا الاحتساب لأنه متمكن من وطئها هذا هو الصحيح الذي قطع به الأصحاب في الطرق وعن الشيخ أبي محمد أن العذر الشرعي لا يمنع الاحتساب ولا يقطع المدة وهو ضعيف والحيض لا يمنع الاحتساب قطعا وكذا النفاس على الأصح
الطرف الثاني في كيفية المطالبة فلها المطالبة بأن يفيء أو يطلق وما لم تطلب لا يؤمر الزوج بشىء ولا يسقط حقها بالتأخير
ولو تركت حقها ورضيت ثم بدا لها فلها العود إلى المطالبة ما لم تنقض مدة اليمين لأن الضرر متجدد

وتختص المطالبة بالزوجة فليس لولي المراهقة والمجنونة المطالبة وحسن أن يقول الحاكم للزوج اتق الله بالفيأة أو الطلاق وإنما يضيق عليه إذا بلغت أو أفاقت وطلبت وليس لسيد الأمة أيضا مطالبة لأن الاستمتاع حقها

فرع إذا وجد مانع من الجماع بعد مضي المدة المحسوبة نظر أهو
أم في الزوج فإن كان فيها بأن كانت مريضة لا يمكن وطؤها أو محبوسة لا يمكنه الوصول إليها أو حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة أو معتكفة عن فرض لم يثبت لها المطالبة بالفيأة لا فعلا ولا قولا لأنه معذور
وإن كان المانع فيه فهو طبعي وشرعي فالطبعي بأن يكون مريضا لا يقدر على الوطء أو يخاف منه زيادة العلة أو بطء البرء فيطالب بالفيأة باللسان أو بالطلاق إن لم يفىء والفيأة باللسان أن يقول إذا قدرت فئت
واعتبر الشيخ أبو حامد أن يقول مع ذلك ندمت على ما فعلت وإذا استمهل الفيأة باللسان لم يمهله بحال فإن الوعد هين متيسر ثم إذا زال المانع يطالب ( بالفيأة ) بالوطء أو بالطلاق تحقيقا لفيأة اللسان ولا يحتاج هذا الطلب إلى استئناف مدة وإن كان محبوسا ظلما فكالمريض وإن حبس في دين يقدر على أدائه أمر بالأداء أو الفيأة بالوطء أو الطلاق وأما الشرعي فكالصوم والإحرام والظهار قبل التكفير ففيه طريقان
المذهب منهما أنه مبني على أن الزوج لو أراد وطأها وهناك مانع شرعي هل يلزمها التمكين وفيه تفصيل حاصله ( أنه ) إن كان المانع يتعلق بهما كالطلاق الرجعي أو يختص بها كالحيض والصوم والإحرام لم يلزمها بل يحرم عليها التمكين وإن اختص به كصومه وإحرامه فوجهان
أحدهما يلزمها التمكين لأنه لا مانع فيها وليس لها منع ما عليها من الحق
وأصحهما المنع لأنه موافقة على الحرام وإعانة عليه
وإن كان التحريم بسبب الظهار فهل هو كالطلاق الرجعي أم كصومه وجهان
فإذا قلنا يجوز التمكين فلها المطالبة

بالوطء أو الطلاق
فإن أراد الوطء فامتنعت سقط حقها من الطلب وإن قلنا بالمنع فوجهان أحدهما يقنع منه بفيأة اللسان وأصحهما وبه قطع ابن الصباغ يطالب بالطلاق إزالة للضرر عنها بخلاف المانع الطبعي لأن الوطء هناك متعذر وهنا ممكن وهو المضيق على نفسه
والطريق الثاني أن يقال له ورطت نفسك بالإيلاء فإن وطئت عصيت وفسدت عبادتك وإن لم تطأ ولم تطلق طلقناها عليك كمن غصب دجاجة ولؤلؤة فابتلعتها يقال له إن ذبحتها غرمتها وإلا غرمت اللؤلؤة
ولو قال في صورة الظهار أمهلوني حتى أكفر نظر إن كان يكفر بالصوم لم يمهل وإن كان بالعتق والطعام فعن أبي إسحق يمهل ثلاثة أيام
وفي التهذيب يوما أو نصف يوم ويمكن أن يكون بحسب تيسر المقصود وهذا إذا لم تطل مدة الإمهال
فإن طالت لفقد الرقبة أو مصرف الطعام لم يمهل كذا قاله المتولي
وعلى كل حال لو وطىء مع التحريم خرج عن موجب الإيلاء واندفعت المطالبة
الطرف الثالث ما به المطالبة
قد تكرر أن المؤلي بعد المدة يطالب بالفيأة أو الطلاق والمقصود الفيأة لكنه يطالب بالطلاق إن لم يفىء
قال الإمام وليس لها أن توجه الطلب نحو الفيأة وحدها بل يجب أن تكون المطالبة مترددة فإن لم يفىء وأبى أن يطلق فقولان أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم واختيار المزني أنه يطلقها القاضي طلقة
والثاني لا يطلق عليه بل يحبسه ويعزره حتى يفيء أو يطلق
ولو لم يصرح بالامتناع بل استمهل ليفيء أمهل بلا خلاف قدر ما يتهيأ لذلك الشغل فإن كان صائما أمهل حتى يفطر أو جائعا فحتى يشبع أو ثقيلا من الشبع فحتى يخف أو غلبه النعاس فحتى يزول
ويحصل التهيؤ والاستعداد في مثل هذه الأحوال

بقدر يوم فما دونه
وهل يمهل ثلاثة أيام قولان ويقال وجهان
أظهرهما عند الجمهور لا
وإذا أمهل فطلق القاضي عليه في مدة الإمهال لم يقع طلاقه إن وجدت الفيأة في مدة المهلة وإن مضت المدة بلا فيأة لم يقع أيضا على الصحيح

فرع ذكر ابن كج أنه لو طلق القاضي عليه فبان أنه وطىء
تطليق القاضي لم ينفذ طلاق القاضي
ولو وقع طلاق الزوج والقاضي معا نفذ الطلاقان لأن كل واحد فعل ماله فعله
وقيل لا يقع تطليق القاضي
فرع آلى ثم غاب أو آلى وهو غائب تحسب المدة ولها أن

فإذا مضت المدة رفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه ويأمره القاضي بالفيأة باللسان في الحال لأن المانع حسي وبالمسير أو يحملها إليه أو الطلاق إن لم يفعل ذلك فإن لم يفىء باللسان أو فاء به ولم يرجع إليها ولا حملها إليه حتى مضت مدة الامكان ثم قال أرجع الآن لم يمكن ويطلق عليه القاضي إذا طلب وكيلها على الأظهر وعلى القول القديم يحبسه ليطلق ويعذر في التأخير لتهيئة أهبة السفر ولخوف الطريق إلى أن يزول الخوف
ولو غاب عنها بعد مطالبته بالفيأة أو الطلاق لم يرض منه بفيأة اللسان ولا يمهل
ذكره أبو الفرج السرخسي
فرع لو طولب فادعى التعيين والعجز عن الفيأة نظر إن لم يدخل
في ذلك النكاح

سواء كانت ثيبا أو بكرا أو ادعى العجز عن الافتضاض فوجهان
أحدهما وهو ظاهر النص وبه قطع في الوجيز إذا صدقته أو كذبته فحلف على العجز لا يطالب بالوطء بل يطالب بفيأة اللسان فإن فاء ضربت مدة التعنين إن طلبتها
فإن وطىء في المدة فذاك وإلا أمضى حكم التعنين
والثاني يتعين عليه الطلاق لأنه متهم في تأخير حقها وضررها وإن كان دخل بها في ذلك النكاح لم تسقط المطالبة لأن التعنين بعد الوطء لا يعتبر فتظهر تهمته
الطرف الرابع فيما تحصل به الفيأة وهو تغيب الحشفة في القبل خاصة فلو استدخلت ذكره لم تنحل يمينه
فلو وطىء بعده لزمته الكفارة
وهل تحصل به الفيأة ويرتفع حكم الإيلاء وجهان أصحهما نعم وبه قطع كثيرون ولو وطئها مكرها ففي وجوب الكفارة القولان فيمن فعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها
فإن أوجبناها انحلت اليمين وارتفع الإيلاء وإلا ففي انحلال اليمين وجهان يجريان في كل يمين وجد المحلوف عليه بإكراه أو نسيان أصحهما عدم الانحلال وهو الأوفق لكلام الأئمة وبه قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب لاختلال الفعل
فإن حكمنا بالانحلال حصلت الفيأة وارتفع الإيلاء وإلا فوجهان أصحهما كذلك وبه أجاب البغوي وغيره
والمسألة مفرعة على أنه يتصور إكراهه على الوطء وهو الراجح

فرع لو وطئها المؤلي في المدة أو بعدها وهو مجنون فطريقان
قطع العراقيون

بأنه لا يحنث ولا تنحل اليمين ولا كفارة والثاني وبه قطع المتولي والبغوي أن في وجوب الكفارة قولين كالناسي لأن المجنون ملحق بالمخطىء في كفارة القتل فكذا كفارة اليمين فعلى هذا إن أوجبنا الكفارة انحلت اليمين وإلا فعلى الوجهين في المكره فكيف كان فالمذهب أنه لا يحنث ولا تجب الكفارة ولا تنحل اليمن وهل يسقط حقها من الفيأة بالوطء في الجنون وجهان
أحدهما لا بل تطالبه بعد الإفاقة من غير استئناف مدة وقيل لا بد من استئنافها بعد الإفاقة وأصحهما نعم لأنها وصلت إلى حقها كما لو رد المجنون الوديعة إلى صاحبها ولأن وطء المجنون كوطء العاقل في تقرير المهر والتحليل وتحريم الربيبة وسائر الأحكام

فرع لو آلى من إحدى امرأتيه بعينها ووطئها وهو يظنها الأخرى قال
البغوي يخرج عن الإيلاء وفي الكفارة القولان في الناسي
فصل سبق في فصل التعنين أن الزوجين إذا اختلفا في الوطء فالقول
قول النافي إلا في مواضع
أحدها إذا ادعى العنين الوطء بعد المدة أو فيها
الثاني إذا ادعى مثل ذلك في الإيلاء فالقول قوله في الموضعين فإذا حلف ثم طلقها وقال هذا طلاق رجعي ( فلي الرجعة ) وهي على إنكار الوطء والعدة قال ابن الحداد والجمهور القول قولها ولا يمكن من الرجعة عملا بقياس الخصومات وإنما قبلنا قوله في الوطء للضرورة وتعذر البينة
وقيل له الرجعة
الموضع الثالث طلق زوجته وولدت ولدا يلحقه ظاهرا وقالت وطئتني فلي كل المهر فقال لم أطأ فلك نصفه فالمذهب والمنصوص في رواية المزني

فصلوغيره أن القول قولها بيمينها
ونقل الربيع قولا آخر أن القول قوله بيمينه فقيل قولان وقيل بالأول قطعا ورواية الربيع من كيسه وقيل إن اختلفا قبل ظهور الولد وحكمنا بالنصف لم يعتبر الحكم بالولد وإن اختلفا بعد ظهوره وما الزوج أوجبنا جميع المهر ولا يقبل قول الورثة

فرع اختلفا في أصل الإيلاء وفي انقضاء مدته فهو المصدق بيمينه ولو
اعترفت بالوطء بعد المدة وأنكر فلا مطالبة لها فلو رجعت وقالت لم يطأني لم يسمع قولها لأنها أقرت بوصول حقها إليها فلا يقبل رجوعها ذكره المتولي
فصل قال والله لا أجامعك ثم أعاد ذلك مرتين فأكثر نظر إن
المرتين أو قيد بمدة واحدة كسنة وسنة فإن قال أردت بالثاني تأكيد الأول قبل وكانت اليمن واحدة سواء اتحد المجلس أم تعدد طال الفصل أم لا وفي وجه ضعيف إذا طال الفصل لا يقبل ويكون يمينا أخرى ويجري هذا الخلاف فيما لو كرر تعليق الطلاق بصفة والصحيح قبول التأكيد أيضا
وإن قال أردت الاستئناف فهما يمينان وإن أطلق فهل يحمل على التأكيد أم الاستئناف قولان
قال المتولي إن اتحد المجلس فالأظهر يحمل على التأكيد وإن تعدد فعلى الاستئناف لبعد التأكيد مع اختلاف المجلس
وإن اختلفت المدة المقيد بها كقوله والله لا أجامعك خمسة أشهر ثم قال والله لا أجامعك سنة فالأصح أنه كاتحادها
وقيل يمينان بكل حال فإذا لم نحكم بالتعدد لم يجب الوطء إلا كفارة وإذا حكمنا بالتعدد تخلص بالطلاق عن الأيمان كلها وتنحل اليمين بوطأة واحدة وفي تعدد الكفارة قولان
أظهرهما عند الجمهور لا يجب إلا كفارة واحدة والثاني تتعدد بتعدد الأيمان وقيل تتحد قطعا وقيل تتعدد قطعا

فصل آلى من زوجته الرقيقة ثم ملكها ثم باعها
أو أعتقها ثم نكحها ففي عود الإيلاء الخلاف في عود الحنث وكذا لو آلى عبد من زوجته ثم ملكته وأعتقته ونكحته فعلى الخلاف
وهل الخلاف العائد كالبينونة بالثلاث أم بما دونها وجهان
فصل في فتاوى البغوي أن القاضي إذا طالب المؤلي بالفيأة أو الطلاق
فامتنع منهما وطلبت المرأة من القاضي أن يطلق عليه لم يشترط حضوره في تطليق القاضي
ولو شهد عدلان أن زيدا آلى ومضت المدة وهو ممتنع من الفيأة أو الطلاق لم يطلق عليه بل لا بد من الامتناع بين يديه كما في العضل فلو تعذر إحضاره بتمرد أو توار أو غيبة حكم عليه بالعضل بشهادة الشهود وبالله التوفيق

كتاب الظهار
صورته الأصلية أنت علي كظهر أمي
قال الأصحاب الظهار حرام قالوا وقوله أنت علي حرام ليس بحرام بل هو مكروه لأن الظهار علق به الكفارة العظمى وإنما علق بقوله أنت علي حرام كفارة اليمين واليمين والحنث ليسا بمحرمين ولأن التحريم مع الزوجية قد يجتمعان في التحريم كتحريم الأم مع الزوجية لا يجتمعان
فصل هذا الكتاب مشتمل على بابين

أحدهما في أركانه وهي ثلاثة أحدها الزوجان فيصح الظهار من كل زوج مكلف حرا كان أو عبدا مسلما أو ذميا خصيا أو مجبوبا أو سليما
وظهار الصبي والمجنون باطل وظهار السكران كطلاقه
ومن لحقها الطلاق صح الظهار منها سواء فيه الحرة والأمة والصغيرة والمجنونة والذمية والرتقاء والحائض والنفساء والمعتدة عن شبهة والمطلقة الرجعية وغيرهن
ولو قال لأجنبية إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي لم يصح ويجيء فيه القول الشاذ في مثله في الطلاق ولا يصح الظهار من الأمة وأم الولد

فرع يتصور من الذمي الإعتاق عن الكفارة بأن يرث عبدا مسلما
له عبد كافر فيسلم أو يقول لمسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي فيجيبه أو يشتري عبدا مسلما إن جوزناهما فإن لم نجوز الشراء وتعذر تحصيله فما دام موسرا لا يباح له الوطء
ويقال له إن أردت الوطء فأسلم وأعتق لأن الرقبة موجودة والتعذر منه وكذا لو كان معسرا وهو قادر على الصوم لا يجوز له العدول إلى الإطعام لأنه يمكنه أن يسلم ويصوم فإن عجز عنه لمرض أو هرم فحينئذ يطعم في كفره هكذا ذكره صاحبا التهذيب و التتمة وحكاه الإمام عن القاضي وتردد فيه من حيث إن الذمي مقر على دينه فحمله على الإسلام بعيد وجوابه أنا لا نحمله على الإسلام بل نقول لا نمكنك من الوطء إلا هكذا فإما أن تتركه وإما أن تسلك طريق الحل
الركن الثاني الصيغة فصريح الظهار أنت علي كظهر أمي وفي معناه سائر الصلات كقوله أنت معي أو عندي أو مني أو لي كظهر أمي
وكذا لو ترك الصلة فقال أنت كظهر أمي وعن الداركي أنه إذا ترك الصلة كان كناية لاحتمال أنه يريد أنت محرمة على غيري والصحيح الأول كما أن قوله أنت طالق صريح وإن لم يقل مني ومتى أتى بصريح الظهار وقال أردت غيره لم يقبل على الصحيح كما لو أتى بصريح الطلاق وادعى غيره وقيل يقبل لأنه حق الله تعالى
فرع قوله جملتك أو نفسك أو ذاتك أو جسمك أو بدنك علي
أنت علي كظهر أمي وكذا قوله أنت علي كبدن أمي أو جسمها أو ذاتها لدخول الظهر فيها

فرع إذا شبهها ببعض أجزاء الأم غير الظهر نظر إن كان
يذكر في معرض الكرامة والإعزاز كاليد والرجل والصدر والبطن والفرج والشعر فقولان
أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم أنه ظهار
وقيل ظهار قطعا وقيل التشبيه بالفرج ظهار قطعا والباقي على القولين
وإن كان مما يذكر في معرض الإعزاز والإكرام كقوله أنت علي كعين أمي فإن أراد الكرامة فليس بظهار وإن أراد الظهار فظهار ( قطعا ) تفريعا على الجديد في قوله كصدر أمي وإن أطلق فعلى أيهما يحمل وجهان
اختار القفال الإكرام والقاضي حسين أنه ظهار وأشار البغوي إلى ترجيحه والأول أرجح
ولو قال كروح أمي فكقوله كعين أمي قاله جماعة وعن ابن أبي هريرة أنه ليس بظهار ولا كناية والتشبيه برأس الأم كهو باليد والرجل وكذا قطع به العراقيون وقيل كالعين وبه أجاب السرخسي وهو أقرب
ولو قال أنت علي كأمي أو مثل أمي فإن أراد الظهار فظهار وإن أراد الكرامة فلا وإن أطلق فليس بظهار على الأصح وبه قطع كثيرون
فرع لو شبه بعض الزوجة فقال رأسك أو يدك أو ظهرك أو
أو شعرك علي كظهر أمي أو نصفك أم ربعك علي كظهر أمي فهو ظهار ويجيء فيه القول القديم ولو شبه بعضها ببعضها فقال رأسك علي كيد أمي فهو ظهار ويجيء فيه القديم
فرع قال الأصحاب ما يقبل التعليق من التصرفات يصح إضافته إلى بعض
محل

ذلك التصرف كالطلاق والعتاق وما لا يقبله لا تصح إضافته إلى بعض المحل كالنكاح والرجعة
وأما الإيلاء فإن أضافه إلى الفرج فقال لا أجامع فرجك كان مؤليا وإن أضاف إلى اليد والرجل وسائر الأعضاء غير الفرج لم يكن مؤليا وإن قال لا أجامع بعضك لم يكن مؤليا إلا أن يريد بالبعض الفرج وإن قال لا أجامع نصفك فقد أطلق الشيخ أبو علي أنه ليس بمؤل قال الإمام إن أراد أنه ليس بصريح فظاهر أما إذا نوى ففيه احتمال لأن من ضرورة ترك الجماع في النصف تركه في الجميع ويجوز أن يجاب عنه
قلت ولو قال لا أجامع نصفك الأسفل فهو صريح في الإيلاء ذكره في الوسيط
والمراد بالفرج المذكور القبل
والله أعلم
الركن الثالث المشبه به أصل الظهار تشبيه الزوجة بظهر الأم ولو شبهها بجدة من جهة الأب أو الأم فهو ظهار قطعا هكذا قطع به الجمهور
وقيل فيه خلاف كالتشبيه بالبنت
وأما غير الأم والجدة من المحارم فقسمان
أحدهما محرمات بالنسب كالبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخت
فإذا شبه زوجته بظهر واحدة منهن فقولان الجديد وأحد قولي القديم أنه ظهار والثاني لا للعدول عن المعهود
القسم الثاني المحرمات بالسبب وهن ضربان محرمات بالرضاع ومحرمات بالمصاهرة وفيهن خلاف مشتمل على أقوال وطرق وأوجه والمذهب منها عند الأصحاب أن التشبيه بمن لم تزل منهن محرمة عليه ظهار وبما كانت حلالا له ثم حرمت ليس بظهار وإذا اختصرت الخلاف في الجميع جاء سبعة أقوال وأوجه
أحدها اقتصار الظهار على التشبيه بالأم
والثاني إلحاق الجدات

بها فقط
والثالث إلحاق محارم النسب
والرابع إلحاق محارم الرضاع أيضا إذا لم يعهدن محللات
الخامس إلحاقهن بحذف هذا الشرط
والسادس إلحاق محارم المصاهرة بالشرط المذكور
السابع إلحاقهن بحذف الشرط
والمذهب إلحاق كل من لم تزل محرمة من الجميع فقط
ولو شبه بمن لا تحرم مؤبدا كأجنبية ومطلقة ومعتدة ومجوسية ومرتدة وأخت امرأته فليس بظهار قطعا سواء طرأ ما يؤيد التحريم بأن نكح بنت الأجنبية أو وطىء أمها وطءا محرما أم لم يطرأ
ولو شبه بملاعنته فليس بظهار لأن تحريمها ليس للمحرمية والوصلة ولو شبهها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أو قالت أنت علي كظهر ابني أو أبي أو غلامي فليس بظهار

فرع قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي أو أنا عليك كظهر أمك
به شىء بل يختص بالرجال ( كالطلاق )
فصل تعليق الظهار صحيح فإذا قال إن دخلت الدار وإذا جاء رأس
فأنت علي كظهر أمي فوجدت الصفة صار مظاهرا منها
ولو قال إن ظاهرت من حفصة فعمرة علي كظهر أمي وهما في نكاحه ثم ظاهر من حفصة صار مظاهرا منهما جميعا
ولو قال إن ظاهرت من إحداكما أو أيكما ظاهرت منها فالأخرى علي كظهر أمي ثم ظاهر من إحداهما صار مظاهرا من الأخرى أيضا
ولو قال إن ظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر أمي وكانت فلانة أجنبية فخاطبها بلفظ الظهار لم يصر مظاهرا من زوجته لأن الظهار من الأجنبية لا ينعقد إلا أن يريد التلفظ بلفظ الظهار فيصير بالتلفظ مظاهرا من زوجته
ولو نكح فلانة ثم ظاهر منها صار مظاهرا من زوجته

الأولى
ولو قال إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي فإن خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها فحكمه ما سبق
فإن نكحها ثم ظاهر منها فهل يصير مظاهرا من الزوجة الأولى وجهان
أصحهما نعم ويكون لفظ الأجنبية تعريفا لا شرطا كما لو قال لا أدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها حنث ولو قال إن ظاهرت من فلانة أجنبية أو وهي أجنبية فأنت علي كظهر أمي فسواء خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها أو نكحها وظاهر منها لا يصير مظاهرا من المعلق ظهارها لأنه شرط المظاهرة منها وهي أجنبية ولم يوجد الشرط وهو كقوله إن بعت الخمر فأنت طالق أو كظهر أمي فأتى بلفظ البيع لا يقع الطلاق ولا الظهار تنزيلا للفظ العقود على الصحة
وعند المزني ينزل في مثل هذا على صورة العقد ومن الأصحاب من وافقه فصحح الظهار هنا

فرع قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فدخلت الدار وهو
أو ناس فعن ابن القطان أن في حصول العود ولزوم الكفارة قولين
قال ابن كج وعندي أنها تلزم بلا خلاف كما لو علق طلاقها بالدخول فدخلت وهو مجنون وإنما يؤثر النسيان والإكراه في فعل المحلوف على فعله وهذا هو الصواب
فصل سبق أن كل واحد من لفظي الطلاق والظهار لا يجوز أن
عن الآخر وأن قوله لزوجته أنت علي حرام يصح كناية عن الطلاق والظهار
فإذا قال أنت طالق كظهر أمي فله أحوال
أحدها أن لا ينوي شيئا فتطلق ولا يصح الظهار

الثاني أن يقصد بكل كلامه الطلاق وحده وأكده بلفظ الظهار فيقع الطلاق ولا ظهار
الثالث أن يقصد بالجمع الظهار فتطلق ولا ظهار على الصحيح لأن لفظ الطلاق ليس بظهار والباقي ليس بصريح في الظهار لعدم استقلاله ولم ينو به الظهار وإنما نواه بالمجموع
الرابع أن يقصد الطلاق والظهار فينظر إن قصدهما بمجموع كلامه حصل الطلاق ولا يحصل الظهار على الصحيح
وقيل يحصل لإقراره به وإن قصد الطلاق بقوله أنت طالق والظهار بقوله كظهر أمي طلقت فإن كانت تبين بالطلاق لم يصح الظهار وإلا فيصح الظهار مع الطلاق وقيل لا يصح وهو ضعيف
وإن قال أردت بقولي أنت طالق الظهار وبقولي كظهر أمي الطلاق وقع الطلاق وحده
وإن قال أنت علي كظهر أمي طالق قال ابن كج إن أراد الظهار والطلاق حصلا ولا يكون عائدا لأنه عقب الظهار بالطلاق فإن راجع كان عائدا وإن لم يرد شيئا صح الظهار
وفي وقوع الطلاق وجهان

فرع قال أنت علي حرام كظهر أمي فإن نوى بكلامه الطلاق فقط
على الأظهر الأشهر وفي قول ظهار وقيل طلاق قطعا وقيل طلاق وظهار حكاه ابن كج
وإن نوى بكلامه الظهار فظهار وإن نوى الطلاق والظهار جميعا نظر إن أرادهما بمجموع الكلام أو بقوله أنت علي حرام لم يثبتا معا وأيهما يثبت فيه أوجه
أحدها الطلاق والثاني الظهار والثالث وبه قال ابن الحداد والجمهور يخير فيثبت ما اختاره منهما وإن أراد بقوله أنت علي حرام الطلاق وبقوله كظهر

أمي الظهار وقع الطلاق وحصل الظهار إن كان الطلاق رجعيا على الصحيح وإن كان بائنا فلا
وإن أراد بقوله أنت علي حرام الظهار وبقوله كظهر أمي الطلاق حصل الظهار قطعا ولا يقع الطلاق على الصحيح وإن قال أردت بقولي أنت علي حرام تحريم ذاتها الذي مقتضاه كفارة يمين قبل منه على الأصح وقيل لا يقبل ويكون مظاهرا لأنه وصف التحريم بما يقتضي الكفارة العظمى فلا يقبل رده إلى الصغرى فعلى الأول إن لم ينو بقوله كظهر أمي الظهار لم يلزمه شىء سوى كفارة اليمين ويكون قوله كظهر أمي تأكيدا للتحريم وإن نوى الظهار لزمه كفارة اليمين وكان مظاهرا
وأما إذا أطلق ولم ينو شيئا يحتمله كلامه فلا طلاق لعدم الصريح والنية وفي كونه ظهارا وجهان
المنصوص في الأم أنه ظهار

فرع قال أنت علي كظهر أمي حرام كان مظاهرا قاله المتولي فإن
ينو بقوله حرام شيئا كان تأكيدا وإن نوى تحريم عينها فكذلك ويدخل مقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى في مقتضى الظهار وهو الكفارة العظمى وإن نوى به الطلاق فقد عقب الظهار بالطلاق فلا عود
فرع قال أنت مثل أمي ونوى الطلاق كان طلاقا وكذا قوله كروح
وعينها وبالله التوفيق
الباب الثاني في حكم الظهار
له حكمان
أحدهما تحريم الوطء إذا وجبت الكفارة إلى أن يكفر فلو وطىء

قبل التكفير عصى ويحرم عليه الوطء ثانيا سواء كفر بالإطعام وغيره
وفي تحريم القبلة واللمس بشهوة وسائر الاستمتاعات قولان ويقال وجهان أظهرهما عند الجمهور الجواز وهو منسوب إلى الجديد وحكى ابن كج طريقا قاطعا به وقال وهو الأصح
وقول الله تعالى { من قبل أن يتماسا } محمول على الجماع كقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن }

فرع عد الإمام الصور التي تحرم فيها القبلة وسائر الاستمتاعات مع الوطء
الملك كالطلاق الرجعي وغيره والردة أو لحلها لغيره كالأمة المزوجة أو حرمها لاستبراء الرحم عن غيره كزوجته المعتدة عن وطء شبهة في صلب النكاح وكالمستبرأة بملك اليمين بشراء ونحوه فكل هذا يحرم فيه الاستمتاعات كلها وما حرم الوطء بسبب الأذى لا يحرم الاستمتاع
وأما العبادات المحرمة للوطء فالإحرام يحرم كل استمتاع تعبدا والصوم والاعتكاف يحرمان كل ما يخشى منه الإنزال لتأثرهما بالانزال
وإذا قلنا في الظهار لا تحرم القبلة واللمس ففيما بين السرة والركبة احتمالان لأنه يحوم حول الحمى هذا كلام الامام وحكى البغوي وجها أنه يجوز الاستمتاع بزوجته المعتدة عن شبهة وغيره ويشبه أن يجيء في الاستمتاع بالمرهونة خلاف
قلت الوجه الجزم بجوازه في مرهونته وقد جزم به الرافعي في باب الاستبراء
قال الامام وإذا لم يحرم الاستمتاع فلا بأس بالتلذذ وإن أفضى إلى الانزال وقول الامام الاحرام يحرم كل استمتاع الصواب حمله على المباشرة

بشهوة فأما اللمس ونحوه بغير شهوة فليس بحرام كما سبق في الحج
والأمة الوثنية والمجوسية والمرتدة يحرم فيها كل استمتاع وكذا المشركة والمكاتبة ومن بعضها حر
والله أعلم
الحكم الثاني وجوب الكفارة بالعود والعود هو أن يمسكها في النكاح زمنا يمكنه مفارقتها فيه
وحكى الشيخ أبو حاتم القزويني عن القديم قولا أن العود هو الوطء والمشهور الأول
واتفق الأصحاب على أن الكفارة تجب إذا ظاهر وعاد لكن هل سبب الوجوب العود فقط أم الظهار والعود معا أم الظهار فقط والعود شرط فيه أوجه
ولو مات أحد الزوجين عقيب الظهار أو فسخ أحدهما النكاح بسبب يقتضيه أو جن الزوج أو طلقها بائنا أو رجعيا ولم يراجع فلا عود ولا كفارة فلو كانت أمة فاشتراها متصلا بالظهار فليس بعائد على الأصح لأنه قطع النكاح
ولو اشتغل بأسباب الشراء كالمساومة وتقرير الثمن كان عائدا على الأصح وبه قال ابن الحداد ورجحه المتولي وغيره
قال الإمام وهذا الخلاف إذا كان الشراء متيسرا فإن كان متعذرا فالإشتغال بتسهيله لا ينافي العود عندي

فرع لاعنها عقب الظهار نص الشافعي رضي الله عنه أنه ليس عائدا
في النص على ثلاثة أوجه
أحدها وبه قال ابن الحداد والمراد به ما إذا سبق القذف والمرافعة إلى الحاكم أو أتى بما قبل الخامسة من كلمات اللعان ثم ظاهر وعقبه بالكلمة الخامسة وإلا فعائد وأصحها وبه قال أبو إسحق وابن أبي هريرة وابن الوكيل يشترط سبق القذف والمرافعة ولا يشترط تقدم شىء من كلمات اللعان بل إذا وصلها بالظهار لم يكن عائدا
والثالث وبه قال ابن سلمة وحكي

عن المزني في الجامع الكبير لا يشترط سبق القذف أيضا فلو ظاهر وقذف متصلا واشتغل بالمرافعة وأسباب اللعان لم يكن عائدا وإن بقي أياما فيه وشبه ذلك بما لو قال عقب الظهار أنت طالق على ألف درهم فلم تقبل فقال عقبه أنت طالق بلا عوض لا يكون عائدا لاشتغاله بسبب الفراق

فرع قال أنت كظهر أمي يا زانية أنت طالق فوجهان قال ابن
هو عائد لأنه أمسكها حالة القذف
قال الشيخ أبو علي هذا صحيح إن لم يلاعن بعده أو لاعن وشرطنا سبق القذف فإن لم نشرطه فليس بعائد
والثاني لا يكون عائدا ويكون قوله يا زانية أنت طالق كقوله يا زنيت أنت طالق في منع العود وتردد الإمام في أن ابن الحداد يسلم في هذه الصورة
قلت تردد الإمام ثم قال والأصح التسليم
والله أعلم
فرع لو علق طلاقها عقب الظهار

كان عائدا
ولو علق بدخوله الدار ثم ظاهر وبادر بالدخول عقب الظهار فلا عود
فصل إذا ظاهر ثم طلقها رجعيا عقبه ثم راجعها فلا خلاف أنه
الظهار وأحكامه
ولو طلقها بائنا أو رجعيا وتركها حتى بانت ثم نكحها ففي عود الظهار الخلاف في عود الحنث ويجري الخلاف فيما لو كانت رقيقة فاشتراها عقب الظهار ثم أعتقها أو باعها ثم نكحها
وهل عود النكاح بعد الإنفساخ بالملك كعوده بعد البينونة بالثلاث أم كالبينونة بدون الثلاثة وجهان سبق نظيرهما
ولو ارتد عقب الظهار ثم أسلم في العدة عاد الظهار بلا خلاف ثم

هل تكون الرجعة وتجديد النكاح والإسلام بمجردها عودا أم لا يكون إلا أن يمسكها بعد هذه الأمور زمنا يمكنه فيه الفرقة فيه طرق
المذهب أن الرجعة عود بخلاف التجديد والإسلام ويجري الخلاف فيما لو ظاهر من رجعية ثم راجعها ولا يكون عائدا قبل الرجعة بحال ولو ارتد أحدهما عقب الظهار قبل الدخول فلا عود وكذا لو كان بعد الدخول وأصر المرتد حتى انقضت العدة
ولو ظاهر كافر من كافرة فأسلما معا في الحال أو أسلم وهي كتابية فالنكاح دائم وهو عائد وإن أسلم وهي وثنية أو أسلمت وتخلف فإن كان قبل الدخول فلا عود لارتفاع النكاح وإن كان بعده فلا عود في الحال ولا إذا أصر فإن جدد النكاح بعد البينونة ففي عود الظهار خلاف عود الحنث
وإن أسلم المتخلف في العدة فإن كان هو فهل يكون نفس الإسلام عودا أم لا بد من الإمساك بعده فيه الخلاف السابق وإن كانت هي فنفس إسلامها ليس بعود في حقه وإنما يصير عائدا إذا أمسكها بعد علمه بإسلامها زمنا يمكنه مفارقتها

فرع لو جن عقب الظهار ثم أفاق قال الشيخ أبو علي جعل
الإفاقة عودا على الخلاف في الرجعة وهذا غلط ظاهر
قلت نقل الإمام عن الأصحاب أنهم قالوا لو جن عقب الظهار فليس بعائد لأنه لم يمسكها مختارا وقال صاحب الحاوي لو تعقب الظهار جنون أو إغماء صار عائدا لأن الجنون لا يحرمها بخلاف الردة والقصد في العود ليس بشرط وهذا الذي قاله وإن كان قويا فالصحيح ما نقله الإمام
والله أعلم
فصل سبق أن تعليق الظهار صحيح فلو علقه ووجد المعلق عليه وأمسكها
جاهلا

نظر إن علق على فعل غيره فليس بعائد حتى يمسكها بعد علمه وإن علق على فعل نفسه ونسي فالمعروف في المذهب أنه عائد ورأى البغوي وغيره تخريج المسألة في الطرفين على حنث الناسي والجاهل وهذا أحسن وبه قال المتولي
قلت هذا الذي قال المتولي أنه إن علق بفعل نفسه ففي مصيره عائدا الخلاف في حنث الناسي وإن علق بفعل غيره لم يصر عائدا على المذهب
وقيل يخرج على الناسي قال والفرق أنه يشتبه عليه فعل غيره وقلما يشتبه عليه حال نفسه ثم إذا علق على فعل نفسه أو غيره وفعل صار عند علمه بالفعل كأنه الآن تلفظ بالظهار فإن أمسكها بعده فعائد وإلا فلا
والله أعلم

فصل متى عاد ووجبت الكفارة ثم طلقها بائنا أو رجعيا أو مات
أو فسخ النكاح لم تسقط الكفارة
وإذا جدد النكاح استمر التحريم إلى أن يكفر سواء حكمنا بعود الحنث أم لا لأن التحريم حصل في النكاح الأول وقد قال الله تعالى { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } ولو كانت رقيقة وحصل العود ثم اشتراها فهل تحل بملك اليمين قبل التكفير وجهان
أصحهما لا
فصل إذا وقت الظهار فقال أنت علي كظهر أمي يوما أو شهرا
شهر أو إلى سنة فثلاثة أقوال أظهرها صحته مؤقتا عملا بلفظه وتغليبا لشبه اليمين والثاني يصح مؤبدا تغليبا لشبه الطلاق
والثالث أنه لغو فإن صححناه مؤبدا فالعود فيه كالعود في الظهار المطلق
وإن صححناه مؤقتا فوجهان أحدهما العود فيه كالعود في المطلق وبه قال

المزني وأصحهما وهو ظاهر النص أنه لا يكون بالإمساك عائدا ول يحصل العود إلا بالوطء في المدة
فعلى هذا لو قال أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر فهو مؤل على الأصح وقال الشيخ أبو محمد لا لأنه ليس حالفا
وإذا وطىء فمتى يصير عائدا وجهان أصحهما عند الوطء فعلى هذا لا يحرم الوطء لكن إذا غابت الحشفة لزمه النزع كما سبق في قوله إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا وذكرنا هناك وجها أنه يحرم الوطء
قال الإمام ولا شك في جريانه هنا
والثاني قاله الصيدلاني وغيره نتبين بالوطء كونه عائدا بالإمساك عقب الظهار فعلى هذا يحرم ابتداء الوطء كما لو قال إن وطئتك فأنت طالق قبله يحرم عليه الوطء
وعلى الوجهين يحرم عليه الوطء بعد ذلك الوطء حتى يكفر أو تمضي مدة الظهار فإذا مضت حل الوطء لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته ولو لم يطأ حتى مضت المدة فلا شىء عليه وتردد الإمام في أنه لو ظاهر ظهارا مطلقا وعاد هل يحصل التحريم بالظهار فقط أم به وبالعود قال والظاهر الثاني لأن الكفارة مرتبة عليهما والتحريم مرتب على وجوب الكفارة وتظهر فائدة التردد في لمسه وقبلته بغرض عقب الظهار إلى أن يتم زمن لفظ الطلاق وإذا حصل العود في الظهار المؤقت على اختلاف الوجهين فالواجب كفارة الظهار على الصحيح وعليه تتفرع الأحكام المذكورة وفي وجه الواجب كفارة يمين وينزل لفظ الظهار منزلة لفظ التحريم
وذكر ابن كج تفريعا عليه أنه يجوز الوطء قبل التكفير

فرع قال أنت علي حرام شهرا أو سنة ونوى تحريم عينها أو

مطلقه يوجب كفارة اليمين فهل يصح ويوجب كفارة اليمين أم يلغو وجهان حكاهما الإمام كالظهار المؤقت أصحهما الأول

فصل قال لأربع نسوة أنتن علي كظهر أمي صار مظاهرا منهن فإن
فلا كفارة وإن أمسكهن فالجديد وجوب أربع كفارات والقديم كفارة فقط فعلى الجديد لو امتنع العود في بعضهن بموت أو طلاق وجبت الكفارة بعدد من عاد فيهن وعلى القديم تجب الكفارة لو عاد في بعضهن
وفي التتمة أنها لا تجب في بعضهن كما لو حلف لا يكلم جماعة فكلم بعضهم
ولو ظاهر منهن بأربع كلمات فإن لم يوالها لم يخف حكمه وإن والاها صار بظهار الثانية عائدا في الأولى وبظهار الثالثة عائدا في الثانية وبظهار الرابعة عائدا في الثالثة فإن فارق الرابعة عقب ظهارها فعليه ثلاث كفارات وإلا فأربع
فرع قال لأربع نسوة أنتن علي حرام ونوى تحريم أعيانهن فالقول في
تعدد الكفارة واتحادها كما في الظهار ذكره الإمام
فرع كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة فإن أتى بالألفاظ متوالية نظر
إن أراد بالمرة الثانية وما بعدها التأكيد فالجميع ظهار واحد فإن أمسكها بعد المرات فعليه كفارة وإن فارقها فوجهان
أحدهما تلزمه الكفارة لتمكنه من الفراق بدلا من التأكيد وأصحهما لا كفارة لأن الكلمات المؤكد بها

كالكلمة الواحدة وإن أراد بالمرة الثانية ظهارا آخر تعذرت الكفارة على الجديد واتحدت على القديم
وقيل تتعدد قطعا فإن عددنا ففارق عقب المرة الأخيرة فهل يلزمه كفارة الظهار الأول وجهان
أصحهما نعم لأنه كلام آخر بخلاف التأكيد وإن أطلق ولم ينو شيئا فهل تتحد أم تتعدد قولان أظهرهما الإتحاد وقطع به صاحبا الشامل و التتمة
وأما إذا تفاصلت المرات وقصد بكل مرة ظهارا أو أطلق فكل مرة ظهار مستقل له كفارة وفي قول ضعيف لا يكون الثاني ظهارا ما لم يكفر عن الأول وإن قال أردت بالمرة الثانية إعادة الظهار الأول فعن القفال اختلاف جواب في قبوله
قال الإمام هو مبني على أن المغلب في الظهار شبه اليمين أم الطلاق إن غلبنا الطلاق لم يقبل وإلا فالظاهر قبوله كما ذكرنا في الإيلاء والأصح تغليب شبه الطلاق فيكون الأصح أنه لا يقبل إرادته التأكيد وكذا ذكره البغوي وغيره
قلت نقل صاحب البيان عن البغداديين يعني بهم العراقيين القطع بأنه لا يقبل وجزم صاحب الحاوي بالقبول والصحيح المنع
والله أعلم

فرع قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي وكرر هذا اللفظ
فإذا دخلت الدار صار مظاهرا فإن قصد التأكيد لم يجب إلا كفارة وإن قالها في مجالس وإن قصد الإستئناف تعددت الكفارة ويجب الجميع بعود واحد بعد الدخول فإن طلقها عقب الدخول لم يجب شىء وإن أطلق فهل يحمل على التأكيد أم الإستئناف قولان
فصل قال إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي فإن تزوج
أو لم

يتمكن منه بأن مات أو ماتت عقب الظهار فلا عود ولا ظهار وإنما يصير مظاهرا إذ فات التزويج عليها مع إمكانه وحصل اليأس منه بموت أحدهما وحينئذ يحكم بكونه كان مظاهرا قبيل الموت وفي لزوم الكفارة وحصول العود وجهان قال ابن الحداد يلزم وقال الجمهور لا يلزم ولا ضرورة إلى تقدير حصول العود عقب الظهار وهذا هو الصحيح
ولو لم يتزوج عليها مع الإمكان حتى جن فإن أفاق ثم مات قبل التزويج فحكمه ما سبق وإن اتصل الموت بالجنون تبينا مصيره ظاهرا قبيل الجنون
وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه لا يحكم بمصيره مظاهرا إلا قبيل الموت ويجيء مثله في تعليق الطلاق
قال الشيخ ولا تظهر فائدة هذا الخلاف في الظهار إذا قلنا بالصحيح وقول الجمهور إنه لا كفارة وعلى قول ابن الحداد تظهر فائدته إن اختلف حاله في اليسار والإعسار
ولو قال إذا لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي فإذا مضى عقب التعليق زمان إمكان التزوج ولم يتزوج صار مظاهرا والفرق بين إن و إذا سبق بيانه في كتاب الطلاق وذكرنا هناك أن من الأصحاب من خرج من كل واحدة إلى الأخرى وهو جار هنا

فصل قال إن دخلت فأنت علي كظهر أمي ثم أعتق عن كفارة
دخلت فهل يجزئه إعتاقه عن الكفارة وجهان قال ابن الحداد نعم كتقديم الزكاة وكفارة اليمين وقال الجمهور لا لأنه تقديم على السببين جميعا فلم يصح كتقديم الزكاة على الحول والنصاب وكفارة اليمين على اليمين ويجري الخلاف لو أطعم عن الظهار وهو من أهل الإطعام قبل دخول الدار ولا يجري في الصوم على المذهب والوجهان جاريان في تعليق الإيلاء
فإذا قال إن دخلت

الدار فوالله لا أطؤك ثم أعتق عن كفارة اليمين قبل دخول الدار جوزه ابن الحداد وخالفه الجمهور
ولو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي وقال متى دخلت فعبدي فلان حر عن ظهاري فدخلت فعلى رأي ابن الحداد يصير مظاهرا ويعتق العبد عن الظهار وعلى الصحيح وقول الجمهور لا يصح تعليق إعتاقه عن الظهار وأما إذا أعتق عن الظهار بعد الظهار وقبل العود فيجزئه قطعا وسنوضحه في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى
ولو قال أنت علي كظهر أمي أعتقت هذا عن كفارتي أو أنت علي كظهر أمي وسالم حر عن ظهاري فهذا إعتاق مع العود ويجزئه عن الكفارة التأخر عن الظهار

فرع ظاهر من زوجته الأمة وعاد ثم قال لمالكها أعتقتها عن ظهاري
ففعل وقع عتقها عن كفارته وانفسخ النكاح
وكذا لو أعتقها عنه باستدعائه عن كفارة أخرى ولو ملكها بعدما ظاهر وعاد فانفسخ النكاح ثم أعتقها عن ظهاره منها أجزأه
ولو آلى من زوجته الأمة ووطئها ولزمته الكفارة فقال لسيدها أعتقها عن كفارة يميني ففعل أجزأه وانفسخ النكاح ولو آلى من زوجته الذمية ثم وطئها أو ظاهر منها وعاد ثم نقضت العهد فاسترقت فملكها الزوج فأسلمت فأعتقها عن كفارة ظهاره أجزأه وبالله التوفيق

كتاب الكفارات
هي قسمان
أحدهما لا يدخله الإعتاق كالواجبات في محظورات الإحرام وسبق بيانها في الحج
والثاني يدخله الإعتاق وهو نوعان
أحدهما تترتب فيه خصال الكفارة وهو الظهار والجماع في نهار شهر رمضان والقتل
والثاني للتخيير وهي كفارة اليمين ومعظم المقصود هنا كفارة الظهار ويدخل فيها أشياء من غيرها والباقي موضحة في أبوابها
فصل تشترط النية في الكفارات ويكفيه نية الكفارة ولا يشترط التقييد بالوجوب
ولا تكفيه نية العتق الواجب من غير تعرض للكفارة لأن العتق قد يجب بالنذر فإن نوى العتق الواجب بالظهار أو القتل مثلا كفى ويشترط أن تكون النية مقارنة للإعتاق والإطعام وأما الصوم فينوي من الليل كما سيأتي إن شاء الله تعالى
وقيل يجوز تقديمها على الإعتاق والإطعام كما ذكرنا في الزكاة

والصحيح الأول
وإذا علق العتق عن الكفارة على شرط لم يجز تأخر النية عن التعليق بل يشترط المقارنة للتعليق إن شرطناها في التنجيز وعلى الوجه الآخر يجوز تقديمها عليه ذكره البغوي

فرع لا يجب في النية تعيين الكفارة فلو كان عليه كفارتا ظهار
فأعتق عبدين بنية الكفارة أجزاه عنهما
ولو اجتمع عليه كفارات فأعتق رقبة بنية الكفارة وقعت عن واحدة منها سواء اتفق جنسها أو اختلف وكذا الصوم والإطعام ولو كان عليه كفارة ونسي سببها فأعتق ونوى عليه أجزأه ولو كان عليه ثلاث كفارات فأعتق رقبة عن واحدة ثم أعسر وصام شهرين عن واحدة ثم عجز فأطعم عن الثالثة ولم يعين شيئا أجزأه ولو كانت عليه كفارة ظهار فنوى كفارة القتل عمدا أو خطأ لم يجزه عن الظهار
ولو كان عليه كفارتان فأعتق عبدا بنية الكفارة المطلقة ثم صرفه إلى واحدة معينة تعين العتق لها ولم يتمكن بعده من صرفه إلى الأخرى كما لو عين في الإبتداء
فرع إذا ظاهر الذمي وعاد يكفر بالإعتاق أو الإطعام دون الصيام ولو
ارتد من لزمته كفارة لم يصح تكفيره بالصوم
وهل يكفر بالإعتاق أو بالإطعام إذا عجز عن الإعتاق والصوم فيه طريقان
منهم من جزم بالإجزاء ومنهم من خرجه على زوال ملكه والمذهب أنه يكفر لأنه مستحق قبل الردة فكان كالديون
وعن الإصطخري أن الدين لا يقضى أيضا إن قلنا بزوال الملك ولكن المذهب الذي عليه الجمهور القطع بأنه يقضى ويشترط

أن ينوي الكفارة بالإعتاق والإطعام نية التمييز دون نية التقرب وإذا أخرج الكفارة من مالة في الردة لم يتعين في الكفارة المخيرة أدنى الدرجات على الصحيح وإذا كفر فيها ثم أسلم حل له الوطء

فصل خصال الكفارة ثلاث

الأولى العتق
ويشترط في الرقبة لتجزىء عن الكفارة أربعة شروط الإسلام والسلامة وكمال الرق والخلو عن العوض
الأول الإسلام فلا تجزىء كافرة في شىء من الكفارات ويجزىء إعتاق الصغير إذا كان أحد أبويه مسلما أصليا أو أسلم قبل انعقاده ولا يجزىء إذا كان أبواه كافرين لأنه محكوم بكفره ولو أسلم الصغير بنفسه فقد سبق فيه في كتاب اللقيط ثلاثة أوجه أصحهما لا يصح وقال الإصطخري يصح إسلام المميز وقال غيره موقوف إن بلغ وثبت عليه تبينا صحة إسلامه وإلا فلا فعلى قول الإصطخري يجزىء إعتاقه عن الكفارة وعلى الوقف إن بلغ وثبت ففي إجزائه وجهان
ولو أسلم أحد أبويه وهو صغير أو جنين أجزأه عن الكفارة إن مات في صغره أو بعد بلوغه قبل تمكنه من اللفظ بالإسلام
ولو صرح بالكفر بعد البلوغ فقد ذكرنا في اللقيط أن الأظهر أنه مرتد والثاني أنه كافر أصلي وبينا هناك حكم الكفارة على القولين وبهذا يقاس من أسلم بتبعية السابي على ما بيناه في اللقيط
وفي التهذيب أنه لو سبا الصغير ساب وسبا أحد أبويه آخر فإن كانا في عسكر واحد لم يحكم بإسلامه بل هو تبع لأبويه وإن كانا في عسكرين كانا تبعا للسابي وأن حكم المجنون في تبعية الوالدين والدار حكم الصبي وإذا أفاق وصرح بالكفر فهل هو مرتد أم كافر أصلي فيه الخلاف المذكور في الصبي إذا بلغ وصرح بالكفر وأنه هل يجب التلفظ بكلمة الإسلام بعد البلوغ والإفاقة إن قلنا لو صرح بالكفر كان مرتدا لم يجب لأنه

محكوم بإسلامه وإن قلنا لا يجعل مرتدا وجب حتى لو مات قبل التلفظ مات كافرا

فرع يصح إسلام الكافر بجميع اللغات ذكره صاحب الشامل وغيره ويشترط

فلو لقن العجمي الشهادة بالعربية فتلفظ بها وهو لا يعرف معناها لم يحكم بإسلامه وإذا تلفظ العبد بالإسلام بلغته وسيده لا يعرف لغته فلا بد ممن يعرفه بلغته ليعتقه عن الكفارة
قلت إسلامه بالعجمية صحيح إن لم يحسن العربية قطعا وكذا إن أحسنها على الصحيح
والوجه بالمنع مشهور في صفة الصلاة من التتمة وغيره ويكفي السيد في معرفة لغة العبد قول ثقة لأنه خبر كما يكفي في معرفة قول المفتي والمستفتي
والله أعلم
فرع يصح إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة

وقيل لا يحكم بإسلامه إلا إذا صلى بعد الإشارة وهو ظاهر نصه في الأم والصحيح المعروف الأول وحمل النص على ما إذا لم تكن الإشارة مفهمة
فرع ذكر الشافعي رضي الله عنه في المختصر في هذا الباب أن
أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويبرأ من كل دين خالف الإسلام واقتصر في مواضع على الشهادتين ولم يشترط البراءة فقال الجمهور ليس فيه خلاف بل إن كان الكافر ممن يعترف بأصل رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كقوم من اليهود يقولون مرسل إلى العرب فقط فلا بد من البراءة وإن

كان ينكر أصل الرسالة كالوثني كفى في إسلامه الشهادتان
قال الشيخ أبو حامد وقد رأيت هذا التفصيل منصوصا عليه في كتاب قتال المشركين ونقل الإمام خلافا للأصحاب وفي اشتراط البراءة قال والأصح عدم الإشتراط
قلت في المسألة ثلاثة أوجه حكاها صاحب الحاوي
والصحيح التفصيل المذكور والثاني أن التبرؤ شرط مطلقا والثالث أنه يستحب مطلقا
والله أعلم
والمذهب الذي قطع به الجمهور أن كلمتي الشهادتين لا بد منهما ولا يحصل الإسلام إلا بهما وحكى الإمام مع ذلك طريقة أخرى منسوبة إلى المحققين أن من أتى من الشهادتين بكلمة تخالف معتقده حكم بإسلامه وإن أتى منهما بما يوافقه لم يحكم فإذا وحد الثنوي أو قال المعطل لا إله إلا الله جعل مسلما وعرض عليه شهادة الرسالة فإن أنكر صار مرتدا
واليهودي إذا قال محمد رسول الله حكم بإسلامه وحكى عن هذه الطريقة خلافا في أن اليهودي أو النصراني إذا اعترف بصلاة توافق ملتنا أو حكم يختص بشريعتنا هل يكون ذلك إسلاما وقال ميل معظم المحققين إلى كونه إسلاما وعن القاضي حسين في ضبطه أنه قال كلما كفر المسلم بجحده صار الكافر المخالف له مسلما بعقده
ثم إن كذب غير ما صدق به كان مرتدا والمذهب المعروف ما قدمناه

فرع استحب الشافعي رضي الله عنه أن يمتحن الكافر عند إسلامه بإقراره
بالبعث بعد الموت

الشرط الثاني السلامة من كل عيب يضر بالعمل إضرارا بينا فلا يجزىء الزمن ولا من يجن أكثر الأوقات فإن كانت إفاقته أكثر أجزأ وكذا إن استويا على الأصح
قلت هذا الذي ذكره فيمن يجن ويفيق هو المذهب
وفي المستظهري وجه أنه لا يجزىء وإن كانت إفاقته أكثر وهو غلط مخالف نص الشافعي والأصحاب والدليل
واختار صاحب الحاوي طريقة حسنة فقال إن كان زمن الجنون أكثر لم يجزئه وإن كانت الإفاقة أكثر فإن كان يقدر على العمل في الحال أجزأ وإن كان لا يقدر على العمل إلا بعد حين لم يجزىء
قال ويجزىء المغمى عليه لأن زواله مرجو
والله أعلم
ولا يجزىء مريض لا يرجى زوال مرضه كصاحب السل فإن رجي أجزأ فلو أعتق من لا يرجى فزال مرضه أو من يرجى فمات ولم يزل أجزأه على الأصح فيهما ولو أعتق من وجب عليه قتل قال القفال إن أعتقه قبل أن يقدم للقتل أجزأه وإلا فلا كمريض لا يرجى ولا يجزىء مقطوع إحدى الرجلين ولا مقطوع أنملة من إبهام اليد ويجزىء مقطوع أنملة من غيرها حتى لو قطع أنامله العليا من أصابعه الأربع أجزأه ولا يجزىء مقطوع أنملتين من السبابة أو الوسطى ويجزىء مقطوع جميع الخنصر من يد والبنصر من اليد الأخرى ولا يجزىء مقطوعهما من يد واحدة ويجزىء مقطوع جميع أصابع الرجلين على الصحيح
وقال ابن أبي هريرة هو كقطع أصابع اليدين والأشل كالأقطع
قلت الذي قاله الرافعي في أصابع الرجلين هو المعروف في طريقة

الخراسانيين وخالفهم صاحب الحاوي فجزم بأنه إذا قطع أصبعان من رجل واحدة أو الإبهام وحدها من رجل لم يجزىء وإلا فيجزىء
والله أعلم

فرع يجزىء نضو الخلق الذي يقدر على العمل والأحمق وهو من يضع
في غير موضعه مع علمه بقبحه ويجزىء الشيخ الكبير إلا أن يعجز عن العمل والكسب
وفي التجربة للروياني أن الأصحاب قالوا يجزىء الشيخ الكبير ومنعه القفال إذا عجز عن العمل وهو الأصح وفي هذا إثبات خلاف في الشيخ العاجز ويجزىء الأعرج إلا أن يكون العرج شديدا يمنع متابعة المشي ويجزىء الأعور دون الأعمى
قلت المراد أعور لم يضعف نظر عينه السليمة
قال الشافعي رحمه الله في الأم فإن ضعف بصرها فأضر بالعمل إضرارا بينا لم يجزئه قال صاحب الحاوي إن كان ضعف البصر يمنع معرفة الخط وإثبات الوجوه القريبة منع وإلا فلا
والله أعلم
ويجزىء الأصم وحكي فيه قول ومنهم من لم يثبته وحمل ما نقل على ما إذا كان لا يسمع مع المبالغة في رفع الصوت ويجزىء الأخرس الذي يفهم الإشارة
وعن القديم منعه فقيل قولان والصحيح أنهما على حالين فالإجزاء فيمن يفهم الإشارة والمنع فيمن لا يفهمها
وقيل الإجزاء إذا لم ينضم إلى الخرس صمم والمنع إذا انضم وحكى ابن كج عن ابن الوكيل القطع بالمنع إذا انضم وقولين إذا تجرد الخرس
ويجزىء الأقرع ومقطوع الأذنين والأخشم ومقطوع الأنف والأبرص والمجذوم والخصي والمجبوب والأمة والرتقاء والقرناء ومفقود الأسنان وولد

الزنا وضعيف البطش والصغير ولا يجزىء الجنين وإن انفصل لدون ستة أشهر من حين الإعتاق وقيل إن انفصل لذلك تبينا الإجزاء ولا يحكم في الحال بالإجزاء والصحيح الأول
قلت قال صاحب الحاوي يجزىء عتق من لا يحسن صنعة قال الإمام ولا يؤثر ضعيف الرأي والخرق والكوع والوكع ويجزىء الفاسق
قال صاحب الحاوي وأما شجاج الرأس والبدن فإن كانت مندملة مع سلامة الأعضاء لم تضر وإن شانته وإن كانت غير مندملة أجزأ منها ما كان دون مأمومة الرأس وجائفة البدن لأنها غير مخوفة ولا يجزئان لأنهما مخوفتان
والله أعلم
الشرط الثالث كمال الرق
وفيه مسائل إحداها لا يجزىء إعتاق المستولدة ولا المكاتب سواء أدى شيئا من النجوم أم لا فإن كانت الكتابة فاسدة أجزأ إعتاقه عن الكفارة على المذهب ولو قال للمكاتب إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي فعجز عتق ولم يجزىء عن الكفارة لأنه حين علق لم يكن بصفة الإجزاء
كذا ولو قال لعبده الكافر إذا أسلمت فأنت حر عن كفارتي فأسلم أو قال إن خرج الجنين سليما فهو حر عن كفارتي فخرج سليما
ولو علق العتق عن الكفارة بدخول الدار ثم كاتب العبد ثم دخل فهل يجزىء عن الكفارة اعتبارا بوقت التعليق أم لا لأنه مستحق العتق عن الكتابة وقت الحصول فيه وجهان
قلت قال الإمام وغيره إذا قلنا بالقديم في جواز بيع أم الولد أجزأ إعتاقها عن الكفارة وإذا قلنا بالمشهور إنه لا يجوز بيعها فأعتقها عن الكفارة لا يجزئه ويقع العتق تطوعا ولا يريد عتقها وكذا المكاتب إذا أعتقه عن

الكفارة عتق ولا يجزئه عنها سواء جوزنا بيعه أم لا بخلاف أم الولد على القول الشاذ لأن أمية الولد ينقطع أثرها بالبيع بخلاف الكتابة فإنه إذا أدى النجوم إلى المشتري عتق ثم إذا عتق المكاتب تبعه أولاده وأكسابه وأم الولد لا تستتبع ذلك لأنهم إنما يتبعونها في العتق بموت السيد ولم يحصل وأولاد المكاتب يتبعونه إذا عتق بأداء النجوم أو البراءة منها وهذا في معنى الإبراء
والله أعلم
المسألة الثانية إذا اشترى من يعتق عليه ونوى كون العتق عن الكفارة فعن الأودني أنه يجزئه والصحيح أنه لا يجزئه وكذا لو وهب له فقبله أو أوصى له به فقبل وقلنا تملك الوصية بالقبول ونوى العتق عن الكفارة وكذا لو ورثه أو ملك المكاتب من يعتق على سيده ثم عجزه السيد ونوى عتق قريبه عن الكفارة لأن العتق مستحق بجهة القرابة في كل هذه الصور
الثالثة لو اشترى عبدا بشرط العتق فقد سبق في كتاب البيع أن المذهب أنه لا يجزىء إعتاقه عن الكفارة
الرابعة إذا أعتق عن الكفارة مرهونا بني على الخلاف في نفوذ عتقه إن نفذناه أجزأ عن الكفارة إذا نواها وكذا إن لم ننفذه في الحال ونفذناه بعد الإنفكاك باللفظ السابق ويكون كما لو علق عتق عبده عن الكفارة بشرط
وإعتاق الجاني عن الكفارة يبنى على نفوذ إعتاقه وقد ذكرناه في البيع
وقيل لا يجزىء المرهون والجاني عن الكفارة وإن قلنا بنفوذ العتق لتعلق حق الغير بهما ونقصان التصرفات والمذهب الأول لأن الإعتاق إذا نفذناه رفع حق تعلق الغير ورجع إلى الفداء والموصى بمنفعته لا يجزىء على الأصح وقد ذكرناه في الوصية والمستأجر إن قلنا يرجع على السيد بأجرة منافعه أجزأه وإلا فلا لنقصان منافعه

قلت ولو أعتق عن الكفارة من تحتم قتله في المحاربة أجزأه ذكره القاضي حسين في تعليقه
والله أعلم
الخامسة يجزىء المدبر والمعلق عتقه بصفة ولو أراد بعد التعليق أن يجعل العتق المعلق عند حصوله عن الكفارة لم يجزئه
مثاله قال إن دخلت الدار فأنت حر ثم قال إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي فيعتق بالدخول ولا يجزئه عن الكفارة لأنه مستحق بالتعليق الأول
السادسة أعتق عن الكفارة حاملا أجزأه وعتق الحمل تبعا ولو استثنى الحمل عتقا وبطل الإستثناء وأجزأه عتقها عن الكفارة على المشهور وحكى المتولي قولا أنه لا يجزئه لأن العتق عن الكفارة غير مبني على التغليب فبطل الإستثناء كما يبطل به البيع بخلاف مطلق العتق
السابعة ملك نصف عبد فأعتقه عن كفارة وهو معسر ثم ملك باقيه فأعتقه عن تلك الكفارة أجزاه كما لو أطعم في أوقات فلو لم ينو الكفارة عند إعتاق باقيه لم يجزئه عن الكفارة على الصحيح
وقيل يجزئه كما لو فرق وضوءه وجوزناه فإنه لا يجب تجديد النية على الأصح حكاه الفوراني
ولو ملك نصفا من عبد ونصفا من آخر فأعتق النصفين عن الكفارة وهو معسر فثلاثة أوجه
أحدها لا يجزئه قاله ابن سريج وابن خيران لأنه لا يسمى عتق رقبة وكما لا يجزىء شقصان في الأضحية
والثاني يجزئه وأصحهما يجزئه إن كان باقيهما حرا وإلا فلا
وتجري الأوجه في ثلث أحدهما وثلثي الآخر ونظائرهما
ولو كان عليه كفارتان عن ظهارين أو ظهار وقتل فأعتق عبدين عن كل واحدة نصفا من هذا ونصفا من هذا أجزأه على المنصوص وهو المذهب

وقيل فيه خلاف فعلى المذهب اختلف في كيفيته فعن أبي إسحق أنه يعتق نصف كل عبد عن كفارة كما أوقعه وعن ابن سريج وابن خيران يقع عبد عن هذه الكفارة وعبد عن هذه ويلغو تعرضه للتنصيف
ويجري الخلاف فيما لو أعتق عبدا عن كفارتين ففيه وجه يعتد به وعليه إتمام كل واحدة قال الإمام ولا حاجة إلى هذا التقدير

فرع إذا أعتق موسر نصيبه من عبد مشترك سرى إلى نصيب صاحبه
السراية بنفس اللفظ أم عند أداء القيمة أم موقوف فإذا أدى تبينا حصول العتق باللفظ فيه ثلاثة أقوال
ولو أعتق جميع العبد المشترك فمتى يعتق نصيب الشريك فيه الأقوال فإن قلنا يعتق باللفظ فهل نقول عتق الجميع دفعة أم يعتق نصيبه ثم يسري وجهان
وكل هذا يأتي إن شاء الله تعالى ( في كتاب العتق ) مبسوطا
وغرضنا هنا أن إعتاق المشرك عن الكفارة جائز سواء وجه العتق إلى جملته أم إلى نصيبه فقط لحصول العتق بالسراية في الحالين
وقال القفال لا يجزىء عن جميع الكفارة إذا وجه العتق إلى نصيبه فقط لأن نصيب الشريك عتق بالشرع لا بإعتاقه والصحيح الأول ثم ينظر فإن أعتق نصيبه ونوى عتق الجميع عن الكفارة أجزاه عنها إن قلنا يسري عند اللفظ أو موقوف
وإن قلنا يسري عند أداء القيمة فهل تكفيه هذه النية لنصيب الشريك أم يحتاج إلى تجديد النية عند الأداء وجهان
أصحهما تكفي لاقترانها بالعتق إلا أنه وقع مرتبا
ولو نوى في الحال صرف العتق في نصيبه إلى الكفارة ونوى عند أداء القيمة صرف العتق في نصيب الشريك إليها أجزأه على الصحيح
وقيل يشترط أن ينوي الجميع في الإبتداء لأن

سبب عتق الجميع لفظه كما لو علق العتق بدخول الدار يشترط في الإجزاء عن الكفارة نيتها عند التعليق ولا يكفي اقترانها بالدخول فحصل أن الراجح أنه مخير في نصيب الشريك بين تقديم النية عند اللفظ وتأخيرها إلى الأداء هذا كله إذا نوى عتق الجميع عن الكفارة ووجه العتق إلى نصيبه
أما إذا وجه العتق إلى ( نصيبه بنية الكفارة ولم ينو الباقي فلا ينصرف الباقي إليها وإن حكمنا بعتقه في الحال ويجيء في وقوع نصيبه عن الكفارة الخلاف ) السابق في إعتاق بعض رقبة وحكى صاحب الشامل وغيره وجها أن الباقي ينصرف إلى الكفارة ( تبعا لنصيبه كما تبعه في صل العتق ولو أعتق الجميع بنية الكفارة ) وقلنا يسري عند اللفظ أو موقوف أجزأه وإن قلنا بحصوله عند أداء القيمة ففي التهذيب القطع بالإجزاء وأنه لا يحتاج إلى تجديد النية عند الأداء ويشبه أن يعود فيه الوجهان السابقان فيما إذا وجه العتق إلى نصيبه
المسألة الثامنة العبد الغائب إن علم حياته أجزأه عن الكفارة وإن انقطع خبره لم يجزئه على المنصوص وهو المذهب فلو أعتقه عنها ثم تواصلت أخبار حياته تبينا إجزاءه عن الكفارة لحصول العتق في ملك تام بنية الكفارة
والآبق والمغصوب يجزئان إذا علم حياتهما على الصحيح لكمال الرق
قلت الصواب ما قطع به الماوردي والفوراني وغيرهما أن الآبق يجزىء قطعا لإستقلاله بمنافعه كالغائب
وأما المغصوب فأكثر العراقيين على أنه لا يجزىء قطعا لعدم استقلاله كالزمن وجمهور الخراسانيين على الإجزاء لتمام الملك والمنفعة وفيه وجه

ثالث قاله صاحب الحاوي إن قدر العبد على الخلاص من غاصبه بهرب إلى سيده أجزأه عن الكفارة لقدرته على منافع نفسه وإن لم يقدر على الخلاص فالإجزاء موقوف وإن لم يكن عتقه موقوفا كالغائب إذا علمت حياته بعد موته وهذا الذي قاله قوي جدا وحيث صححنا عتق الغائب والآبق والمغصوب أجزأه عن الكفارة سواء علم العبد بالعتق أم لا لأن علمه ليس بشرط في نفوذ العتق فكذا في الإجزاء ذكره صاحب الحاوي
والله أعلم
الشرط الرابع خلو الإعتاق عن شوب العوض فلو أعتق عن كفارة على أن يرد عليه دينارا مثلا لم يجزئه عن الكفارة على الصحيح وحكى ابن القطان وجها أنه يجزئه لأن العتق حاصل ويسقط العوض كما لو قال أصل الظهر لنفسك ولك دينار فصلى أجزأته صلاته ولو شرط عوضا على غير العبد فلو قال الإنسان أعتقت عبدي هذا عن كفارتي بألف عليك فقبل أو قال له إنسان أعتقه عن كفارتك وعلي كذا ففعل لم يجزئه عن الكفارة وسواء قدم في الجواب ذكر الكفارة فقال أعتقته عن كفارتي بألف عليك أو عكس فقال أعتقته على أن لي عليك ألفا عن كفارتي
وعن أبي إسحق وجه أنه إذا قدم ذكر الكفارة أجزأه وسقط العوض والصحيح الأول وسواء قال في الجواب أعتقته عن كفارتي على أن لي عليك كذا أو اقتصر على قوله أعتقته عن كفارتي فإنه يبنى على الخطاب والإلتماس وفي استحقاقه العوض على الملتمس وجهان سنذكرهما إن شاء الله تعالى ولا يختصان بما إذا قال أعتقته عن كفارتك بل يجزئان فيما إذا التمس منه أن يعتق عبده عن نفسه مطلقا بعوض فإن قلنا لا يستحق عوضا وقع العتق وله الولاء وإن قلنا يستحق عوضا فعمن يقع العتق وجهان أحدهما عن باذل العوض وبه قال العراقيون والشيخ أبو محمد

وأصحهما عن المعتق وبه قطع صاحبا المهذب و التتمة لأنه لم يعتقه عن الباذل ولا هو استدعاه لنفسه
ولو قال المعتق أرد العوض ليكون العتق مجزئا عن كفارتي لم ينقلب مجزئا فلو قال في الإبتداء عقب الإلتماس أعتقته عن كفارتي لا على الألف كان ردا لكلامه وأجزأه عن الكفارة

فصل العتق على مال كالطلاق على مال فهو من جانب المالك معاوضة
شبه التعليق ومن جانب المستدعي معاوضة فيها شبه الجعالة كما سبق في الخلع
فإذا قال أعتق مستولدتك على ألف فأعتقها نفذ العتق وثبت الألف وكان ذلك افتداء من المستدعي كاختلاع الأجنبي
ولو قال أعتقتها عني على ألف أو وعلي ألف فقال أعتقتها عنك نفذ العتق ولغا قوله عني وقول المعتق عنك لأن المستولدة لا تنتقل من شخص إلى شخص ثم الصحيح أنه لا يستحق عوضا لأنه التزم العوض على أن يحصل العتق عنه ولم يحصل
وقيل يستحق ويلغى قوله عني ويجعل باقي الكلام افتداء
ولو قال طلق زوجتك عني على ألف فطلق قال الإمام الوجه إثبات العوض
ولو قال أعتق عبدك عن نفسك ولك علي كذا أو وعلي كذا ففعل فهل يستحق العوض عليه وجهان
أصحهما نعم كالمستولدة ومسألة الطلاق
والثاني وهو اختيار الخضري لا لإمكان تملكه بالشراء بخلافهما ولو قال أعتقه عني ففعل نظر إن قال مجانا فلا شىء على المستدعي وإن ذكر

عوضا لزمه العوض وإن أطلق فهل يستحق عليه قيمة العبد وجهان بناء على الخلاف في قوله اقض ديني ولم يشترط الرجوع وخص الإمام والسرخسي هذا البناء بما إذا قال أعتقه عن كفارتي فإن العتق حق ثابت عليه كالدين فأما إذا ( قال ) أعتقه عني ولا عتق عليه أو لم يقصد وقوعه عنه فقد أطلق السرخسي أنه لا شىء عليه ورأى الإمام تخريجه على أن الهبة هل تقتضي الثواب ثم سواء نفى العوض أم أثبته يقع العتق على المستدعي
وقال المزني إذا قال أعتقه عني مجانا ففعل لا يقع على المستدعي واحتج الأصحاب بأنه أعتقه عنه فصار كذكر العوض
وقالوا العتق بعوض صار كالمبيع المقبوض حتى ( استقر ) عوضه فكذلك يجعل عند عدم العوض كالموهوب المقبوض ويجعل القبض مندرجا تحت العتق لقوته وذكروا بناء على هذا أن إعتاق الموهوب قبل القبض بإذن الواهب جائز
ولو قال أعتقه عن كفارتي أو عني ونوى الكفارة فأجابه أجزأه عن كفارته ولو قال أعتق عبدك ولك علي كذا ولم يقل عن نفسك ولا عني فهل هو كقوله عني لقرينته العوض أم كقوله عنك وجهان أصحهما الثاني وهو المذكور في التهذيب
ولو قال أعتق عبدك عني ولك ألف بشرط أن يكون الولاء لك ففعل قال المتولي في باب الخلع المشهور من المذهب أن هذا الشرط يفسد ويقع العتق عن المستدعي وعليه القيمة
وفيه وجه أنه يعتق عن المالك وله الولاء
وعن القفال أنه لو قال أعتق عبدك عني على ألف والعبد مستأجر أو مغصوب فأعتقه جاز ولا يضر كونه مغصوبا
وإن كان المعتق عنه لا يقدر على انتزاعه ولا يخرج في المستأجر وليس على الخلاف في بيعه لأن البيع يحصل في ضمن الإعتاق ولا يعتبر في الضمنيات ما يعتبر في المقاصد وأنه لو قال أعتق عبدك عن ابني الصغير ففعل

جاز وكان اكتساب ولاء له بغير ضرر يلحقه وليس كما لو كان له رقيق فأراد الأب إعتاقه
وأنه لو وهب عبدا له لإنسان فقبله الموهوب له ثم قال للواهب أعتقه عن ابني وهو صغير فأعتقه عنه جاز وكأنه أمره بتسليمه إلى ابنه وناب عنه في الإعتاق للإبن
واعلم أن الإعتاق في صور الإستدعاء إنما يقع على المستدعي والعوض إنما يجب إذا اتصل الجواب بالخطاب فإن طال الفصل وقع العتق عن المالك ولا شىء على المستدعي

فرع قال إذا جاء الغد فأعتق عبدك عني بألف فصبر حتى جاء
عنه حكى صاحب التقريب عن الأصحاب أنه ينفذ العتق عنه ويثبت المسمى عليه وأنه لو قال المالك لغيره عبدي عنك حر بألف إذا جاء الغد فقال المخاطب قبلت فهو كتعليق الخلع في قوله طلقتك على ألف إذا جاء الغد فقالت قبلت وقد سبق ذكر وجهين في وقوع الطلاق عند مجيء الغد أصحهما الوقوع ووجهين إذا وقع أن الواجب مهر المثل أم المسمى أصحهما الثاني فكذا يجيء هنا الخلاف في وقوع العتق عن المخاطب وإذا وقع ففي صحة المسمى وفساده وفرقوا بين الصورتين بأنه لم يوجد في الأولى تعليق العتق ويحتمل مجيء وجه في الأولى أنه يستحق قيمة المثل لا المسمى وأشار إليه صاحب التقريب واستصوبه الإمام وغيره
فرع قال أعتق عبدك عني على خمر أو مغصوب ففعل نفذ العتق
ولزمه قيمة العبد كما في الخلع

فرع لا خلاف أن العبد المعتق عن المستدعي يدخل في ملكه
في غير ملك ومتى يدخل فيه أوجه
أحدها يملكه بالإستدعاء ويعتق عليه إذا تلفظ المالك بالإعتاق والثاني يملك بالشروع في لفظ الإعتاق ويعتق إذا تم اللفظ
والثالث يحصل الملك والعتق معا عند تمام اللفظ
وأصحها أن العتق يترتب على الملك في لحظة لطيفة وأن حصول الملك لا يتقدم على آخر لفظ الإعتاق
ثم قال الشيخ أبو حامد وأكثر الذين اختاروا هذا الوجه إن الملك يحصل عقب الفراغ من لفظ الإعتاق على الإتصال وعن الشيخ أبي محمد أن الملك يحصل مع آخر جزء من أجزاء اللفظ
وجعل الإمام اختلاف عبارة الشيخين راجعا إلى اختلاف الأصحاب في أن حكم الطلاق والعتاق وسائر الألفاظ يثبت مع آخر جزء من اللفظ أم بعد تمام أجزائه على الإتصال فعبارة الشيخ أبي محمد على الوجه الأول وأبي حامد على الثاني وليس في هذا الوجه الرابع إشكال سوى تأخر العتق عن الإعتاق بقدر توسط الملك
قال الإمام وسبب تأخره أنه إعتاق عن الغير ومعنى الإعتاق عن الغير انتقال الملك إليه وإيقاع العتق بعده وقد يتأخر العتق عن الإعتاق بأسباب ألا ترى أنه لو قال أعتقت عبدي عنك بكذا لا يعتق حتى يوجد القبول
فرع قال أعتق عبدك عني على كذا ففعل ثم ظهر بالعبد عيب
العتق بل يرجع المستدعي بأرش العيب ثم إن كان عيبا يمنع الإجزاء عن الكفارة لم تسقط به الكفارة
فرع في فتاوى البغوي أنه لو قال أعتق عبدك عني على ألف
عنك مجانا عتق عن المعتق دون المستدعي

الخصلة الثانية الصيام كفارة الظهار مرتبة كما قال الله تعالى { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } } الآية
فإن كان في ملكه عبد فاضل عن حاجته فواجبه الإعتاق فإن احتاج إلى خدمته لزمانته أو مرضه أو كبره أو ضخامته المانعة من خدمته نفسه فهو كالمعدوم وكذا لو كان من أهل المروءات ومنصبه يأبى أن يخدم نفسه وأن يباشر الأعمال التي يستخدم فيها المماليك لم يكلف صرفه إلى الكفارة
وإن كان من أوساط الناس لزمه الإعتاق على الأصح ولو لم يكن في ملكه عبد ووجد ثمنه لزمه تحصيله والإعتاق بشرط كونه فاضلا عن حاجته لنفقته وكسوته ونفقة عياله وكسوتهم وعن المسكن وما لا بد منه من الأثاث ولم يقدر الأصحاب للنفقة والكسوة مدة ويجوز أن تعتبر كفاية العمر ويجوز أن تعتبر سنة لأن المؤنات تتكرر فيها ويؤيده أن البغوي قال يترك له ثوب الشتاء وثوب الصيف
قلت هذا الثاني هو الصواب
والله أعلم
ولو ملك دارا واسعة يفضل بعضها عن حاجته وأمكن بيع الفاضل لزمه بيعه وتحصيل رقبة
ولو كانت دارا نفيسة يجد بثمنها مسكنا يكفيه ويفضل ثمن رقبة أو كان له عبد نفيس يجد بثمنه عبدا يخدمه وآخر يعتقه لزمه البيع والإعتاق إن لم يكونا مألوفين وإلا أجزأه الصوم على الأصح ولو كان له ثوب نفيس يجد بثمنه ثوبا يليق به وعبدا يعتقه لزمه الإعتاق على المذهب وقيل بطرد الخلاف
قلت قطع العراقيون أو جمهورهم بأنه يلزمه الإعتاق في العبد النفيس ونقله صاحب الشامل عن الأصحاب وصححه المتولي
والله أعلم

فرع لو كان له ضيعة أو رأس مال يتجر فيه وكان
بلا مزيد ولو باعهما لتحصيل رقبة لصار في حد المساكين لم يكلف بيعهما على المذهب وبه قطع الجمهور
قلت ولو كان له ماشية تحلب فهي كالضيعة إن كان لا تزيد غلتها على كفايته لم يكلف بيعها وإن زادت لزمه بيع الزائد ذكره صاحب الحاوي قال فلو كان له كسب بصناعة فإن كان قدر الكفاية فله الصوم وإن كان أكثر نظر فإن قلت الزيادة بحيث لا تجتمع فتبلغ قيمة الرقبة إلا في زمان طويل ينسب فيه إلى تأخير التكفير لم يلزمه جمعها للعتق فجاز له الصوم
وإن كانت إذا جمعت في زمن قليل لاينسب فيه إلى تأخير التكفير بلغت قيمة الرقبة كثلاثة أيام وما قاربها ففي وجوب جمعها للتكفير بالعتق وجهان
أشبههما لا يلزمه بل له التكفير بالصوم فعلى هذا لو لم يدخل في الصوم حتى اجتمع منها قيمة الرقبة فهل يلزمه العتق اعتبارا بحال الأداء أم له الصوم اعتبارا بالوجوب فيه القولان
والله أعلم
فرع كان ماله غائبا أو حاضرا لكن لم يجد الرقبة فلا يجوز
إلى الصوم في كفارة القتل واليمين والجماع في نهار رمضان بل يصبر حتى يجد الرقبة أو يصل المال لأن الكفارة على التراخي وبتقدير أن يموت لا يفوت بل تؤدى من تركته بخلاف العاجز عن ثمن الماء فإنه يتيمم لأنه لا يمكن قضاء الصلاة لو مات
وفي كفارة الظهار وجهان لتضرره بفوات الإستمتاع وأشار الغزالي والمتولي إلى ترجيح وجوب الصبر

فرع لو كانت الرقبة لا تحصل إلا بثمن غال لم يلزمه

وقال البغوي يلزمه إذا وجد الثمن الغالي
قلت إنما قال البغوي هذا اختيارا لنفسه فقال حكاية للمذهب لا يلزمه ورأيت أن يلزمه وقطع الجمهور بأنه لا يلزمه وهو الصواب
والله أعلم
فرع لو بيعت نسيئة وماله غائب فعلى ما ذكرناه في شراء الماء
التيمم
ولو وهب له عبدا وثمنه لم يلزمه قبوله لكن يستحب
فرع ذكر ابن كج بعد أن ذكر حكم المسكن والعبد المحتاج إليهما
الكفارة والحج وجهين في أنه هل يجوز لمن يملكهما نكاح الأمة أم بيعهما لطول الحرة ووجهين في أنهما يباعان عليه كما إذا أعتق شركاء له في عبد وإن ابن القطان قال لا يلزم العريان بيعهما قال وعندي يلزمه والذي قاله غلط
فصل الموسر المتمكن من الإعتاق يعتق ومن تعسر عليه الإعتاق كفر بالصوم
أم بأغلظ الحالين فيه أقوال
أظهرها الأول فعلى هذا قال الإمام في العبارة عن الواجب قبل الأداء غموض ولا يتجه إلا أن يقال الواجب أصل الكفارة ولا يعين خصلة أويقال يجب ما يقتضيه حالة الوجوب ثم إذا تبدل

الحال تبدل الواجب كما يلزم القادر صلاة القادرين ثم إذا عجز تبدلت صفة الصلاة وعلى القول الثالث وجهان قال الأكثرون يعتبر أغلظ أحواله من وقت الوجوب إلى وقت الأداء في حال ما لزمه الإعتاق
والثاني يعتبر الأغلظ من حالتي الوجوب والأداء دون ما بينهما صرح به الإمام وأشار إلى دعوى اتفاق الأصحاب عليه
فإذا قلنا الإعتبار بحال الوجوب فكان موسرا وقت الوجوب ففرضه الإعتاق وإن أعسر بعده
واستحب الشافعي رحمه الله إذا أعسر قبل التكفير أن يصوم ليكون آتيا ببعض أنواع الكفارة إن مات
وإن كان معسرا يومئذ ففرضه الصيام ولا يلزمه الإعتاق وإن أيسر بعده لكن يجزئه على الصحيح لأنه أعلى من الصوم وقيل لا يجزئه لتعين الصوم في ذمته
وإذا قلنا الإعتبار بحال الأداء فكان موسرا يومئذ ففرضه الإعتاق وإن كان معسرا فالصوم
ولو تكلف المعسر الإعتاق باستقراض وغيره أجزأه على الصحيح
ولو وجبت الكفارة على عبد فعتق وأيسر قبل التكفير فإن قلنا الإعتبار بحال الوجوب ففرضه الصوم ويجزئه الإعتاق على الأصح أو الأظهر لأنه أعلى
وقيل لا لعدم أهليته بناء على أن العبد لا يملك وإن قلنا الإعتبار بحال الأداء لزمه الإعتاق على الأصح أو الأظهر

فرع لو شرع المعسر في الصوم ثم أيسر كان له المضي في
يلزمه الإعتاق
فإن أعتق كان أفضل ووقع ما مضى من صومه تطوعا وحكى الشيخ أبو محمد وجها أنه يلزمه الإعتاق وهو مذهب المزني والصحيح الذي عليه الجماهير الأول وكذا لو كان فرضه الإطعام فأطعم بعض المساكين ثم قدر على الصوم لا يلزمه العدول إليه

ولو أيسر بعد ما فرغ من الصوم لم يلزمه الرجوع إلى الإعتاق قطعا
ولو كان وقت الوجوب عاجزا عن الإعتاق والصوم فأيسر قبل التكفير فإن اعتبرنا حالة الوجوب ففرضه الإطعام وإلا فالإعتاق

فصل العبد لا يملك بغير تمليك سيده قطعا ولا بتمليكه على الجديد
الأظهر فعلى هذا لا يتصور منه التكفير بالإعتاق والإطعام
وإن قلنا يملك فملكه طعاما ليكفر كفارة اليمين جاز وعليه التكفير بما ملكه وإن ملكه عبدا ليعتقه عنها لم يصح لأنه يستعقب الولاء وليس العبد من أهل إثبات الولاء
وعن صاحب التقريب أنه يصح إعتاقه ويثبت له الولاء
وعن القفال تخريج قول أنه يصح إعتاقه عن الكفارة والولاء موقوف إن عتق فهو له وإن دام رقه فلسيده والصحيح الأول وبه قطع الجمهور
وأما تكفيره بالصوم فإن جرى ما يتعلق به الكفارة بغير إذن سيده بأن حلف وحنث بغير إذنه لم يصم إلا بإذنه لأن حق السيد على الفور والكفارة على التراخي بخلاف صوم رمضان فإن شرع فيه بغير إذنه كان له تحليله وإن جرى بإذنه بأن حلف بإذنه وحنث بإذنه صام ولا حاجة إلى إذنه
وإن حلف بإذنه وحنث بغير إذنه لم يستقل بالصوم على الأصح
وفي عكسه يستقل على المذهب وحيث قلنا يستقل فسواء طويل النهار وقصيره والحر الشديد وغيره وحيث قلنا يحتاج إلى الإذن فذلك في صوم يوجب ضعفا لشدة حر وطول نهار
فإن لم يكن كذلك ففيه خلاف نذكره في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى والأصح أنه ليس للسيد المنع هذا حكم كفارة اليمين
قال في الوسيط ومنعه من صوم كفارة الظهار غير ممكن لأنه يضر بالعبد بدوام التحريم
قلت وحيث قلنا لا يصوم بغير إذنه فخالف وصام أثم وأجزأه

ولو أراد العبد صوم تطوع في وقت يضر بالسيد فله منعه وفي غيره ليس له المنع حكاه المحاملي عن أبي إسحق المروزي بخلاف الزوجة فإن للزوج منعها من صوم التطوع لأنه يمنعه الوطء وحكى في البيان أنه ليس للسيد منعه من صلاة النفل في غير وقت الخدمة إذ لا ضرر
والله أعلم

فرع من بعضه حر كالحر في التكفير بالمال على المذهب وفيه كلام
وتفصيل نذكره في كفارة اليمين إن شاء الله تعالى
فصل في بيان حكم صوم الكفارة المرتبة فيه مسائل إحداها يجب أن
صوم الكفارة في الليل لكل يوم ولا يجب تعيين جهة الكفارة ولا يجب نية التتابع على الأصح وقيل تجب لكل يوم
وقيل تجب في أول ليلة فقط ولو نوى الصوم بالليل قبل طلب الرقبة ثم طلب فلم يجدها لم يجزئه صومه إلا أن يجدد النية في الليل بعد الفقد لأن تلك النية تقدمت على وقت جواز الصوم ذكره الروياني في التجربة
المسألة الثانية لو مات وعليه صوم كفارة فهل يصوم عنه وليه فيه قولان سبقا في كتاب الصيام
الثالثة إن ابتدأ بالصوم لأول شهر هلالي صام شهرين بالأهلة ولا يضر نقصهما وإن ابتدأ في خلال شهر صام بقيته ثم صام الذي يليه بالهلال ولا يضر نقصه ثم يتم الأول من الثالث ثلاثين يوما وفي وجه شاذ إذا ابتدأ في خلال شهر لزمه ستون يوما

الرابعة التتابع في الصوم واجب بنص القرآن فلو وطىء المظاهر بالليل قبل تمام الشهرين عصى بتقديم التكفير ولكن لا يقطع التتابع
ولو أفسد صوم اليوم الآخر أو غيره لزمه استئناف الشهرين
وهل يحكم بفساد ما مضى أم ينقلب نفلا فيه قولان فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال ونظائره
والحيض لا يقطع التتابع في صوم كفارة القتل والوقاع في رمضان إن لزمتها كفارة فتبني إذا طهرت والنفاس لا يقطع التتابع على الصحيح كالحيض
وقيل يقطعه لندرته حكاه أبو الفرج السرخسي
والفطر بعذر المرض يقطع التتابع على الأظهر وهو الجديد لأنه لا ينافي الصوم وإنما قطعه بفعله بخلاف الحيض والجنون كالحيض على المذهب
وقيل كالمرض والإغماء كالجنون
وقيل كالمرض
وأما الفطر بالسفر وفطر الحامل والمرضع خوفا على الولد فقيل كالمرض
وقيل يقطع قطعا لأنه باختياره
قلت أطلق الجمهور أن الحيض لا يقطع التتابع وذكر المتولي أنها لو كانت لها عادة في الطهر تمتد شهرين فشرعت في الصوم في وقت يتخلله الحيض انقطع ولو أفطرت الحامل والمرضع خوفا في نفسيهما فقال المحاملي في المجموع وصاحبا الحاوي و الشامل والأكثرون هو كالمرض
وفي تجريد المحاملي أنه لا ينقطع قطعا ولو غلبه الجوع فأفطر بطل التتابع
وقيل كالمرض ذكره البغوي
والله أعلم

فرع نسيان النية في بعض الليالي يقطع التتابع كتركها عمدا ولا يجعل
النسيان عذرا في ترك المأمور به
قلت لو صام أياما من الشهرين ثم شك بعد فراغه من صوم يوم هل نوى

فيه أم لا لم يلزمه الإستئناف على الصحيح ولا أثر للشك بعد الفراغ من اليوم ذكره الروياني في كتاب الحيض في مسائل المتحيرة
والله أعلم
ولو أكره على الأكل فأكل وقلنا يبطل صومه انقطع تتابعه لأنه سبب نادر هذا هو المذهب في الصورتين وبه قطع الجمهور وجعلهما ابن كج كالمرض قال ولو استنشق فوصل الماء إلى دماغه وقلنا يفطر ففي انقطاع التتابع الخلاف
قلت لو أوجر الطعام مكرها لم يفطر ولم ينقطع تتابعه هكذا قطع به الأصحاب في كل الطرق وشذ المحاملي فحكى في التجريد وجها أنه يفطر وينقطع تتابعه وهذا غلط
والله أعلم

فرع لو ابتدأ بالصوم في وقت يدخل عليه رمضان قبل تمام الشهرين
يدخل يوم النحر لم يجزئه عن الكفارة
قال الإمام ويعود القولان في أنه يبطل أم يقع نفلا فرع لو صام رمضان بنية الكفارة لم يجزئه عن واحد منهما ولو نواهما لم يجزئه عن واحد منهما أيضا
وحكى القاضي أبو الطيب عن أبي عبيد بن حربويه أنه يجزئه عنهما جميعا وغلطه فيه
وفي كتاب ابن كج أن الأسير إذا صام عن الكفارة بالاجتهاد فغلط فجاء رمضان أو يوم النحر قبل تمام الشهرين ففي انقطاع التتابع الخلاف في انقطاعه بإفطار المريض
فرع إذا أوجبنا التتابع في كفارة اليمين فحاضت في خلال الأيام الثلاثة
فقيل

فيه قولان كالفطر بالمرض في الشهرين ويشبه أن يكون فيه طريق جازم بانقطاع التتابع
قلت صرح بالطريقة الجازمة الدارمي وصاحب التتمة فقالا المذهب انقطاعه ذكره الدارمي في كتاب الصيام وفيه طريق ثالث أنه لا ينقطع قطعا لأن وجوب التتابع في كفارة اليمين هو القول القديم والمرض لا يقطع على القديم ذكر ذلك صاحبا الإبانة و العدة وغيرهما
قال صاحب التتمة هذا غلط لأنه يمكنها الإحتراز بالثلاثة عن الحيض دون المرض
والله أعلم
المسألة الخامسة لو شرع في صوم الشهرين ثم أراد أن يقطع ويستأنف بعد ذلك فقد ذكروا في جوازه احتمالين
أحدهما يجوز كما يجوز تأخير الإبتداء لأنه ليس فيه إبطال عبادة فكل يوم عبادة مستقلة
والثاني لا يجوز لأنه يبطل صفة الفرضية ويجري الإحتمالان في الحائض وغيرها فيمن شرع في الشهرين ثم عرض فطر لا يقطع التتابع ثم زال فأراد الفطر بلا عذر ثم يستأنف ثم الإحتمال الأول أرجح عند الغزالي
وقال الروياني الذي يقتضيه قياس المذهب أنه لا يجوز لأن الشهرين عبادة واحدة كصوم يوم فيكون قطعه كقطع فريضة شرع فيها وذلك لا يجوز وهذا حسن
قال الإمام والمسألة فيما إذا لم ينو صوم الغد وقال الإفطار في اليوم الذي شرع فيه لبعد التسليط عليه وبالله التوفيق
الخصلة الثالثة الإطعام فيها مسائل
إحداها في قدر الطعام وهو في كفارة الظهار والجماع في رمضان والقتل إن أوجبناه فيها ستون مدا لستين مسكينا والمد رطل وثلث بالبغدادي

وهو مد رسول الله صلى الله عليه وسلم
واعلم أن في قدر الفطرة والكفارة ونحوهما ونوع إشكال لأن الصيدلاني وغيره ذكروا أن المعتبر فيه الكيل دون الوزن لاختلاف جنس المكيل في الخفة والثقل فالبر أثقل من الشعير وأنواع البر تختلف فالواجب ما حواه المكيال بالغا وزنه ما بلغ
وقال بعضهم التقدير المذكور في وزن المد اعتبر فيه البر أو التمر ومقتضى هذا أن يجزىء من الشعير ملء الصاع والمد وإن نقص وزنه لكن اشتهر عن أبي عبيد القاسم بن سلام ثم عن ابن سريج أن درهم الشريعة خمسون حبة وخمسا حبة ويسمى ذلك درهم الكيل لأن الرطل الشرعي منه يركب ويركب من الرطل المد والصاع
وذكر الفقيه أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن عطية أن الحبة التي يتركب منها الدرهم هي حبة الشعير المتوسطة التي لم تقشر وقطع من طرفيها ما امتد
ومقتضى هذا أن يحوي الصاع هذا القدر من الشعير وحينئذ إن اعتبرنا الوزن لم يملإ البر بهذا الوزن الصاع وإن اعتبرنا الكيل كان المجزىء من البر أكثر من الشعير وزنا
قلت هذا الإشكال وجوابه قد أوضحته في باب زكاة المعشرات
والله أعلم
المسألة الثانية يجب الصرف إلى ستين مسكينا فلو صرف إلى واحد ستين مدا في ستين يوما لم يجزئه ولو جمع ستين ووضع بين أيديهم ستين مدا وقال ملكتكم هذا وأطلق أو قال بالسوية فقبلوه أجزأه على الصحيح
وقال الإصطخري لا يجزئه ولو قال خذوا ونوى الكفارة فأخذوا بالسوية أجزأه وإن تفاوتوا لم يجزئه إلا واحد لأنا نتيقن أن أحدهم أخذ مدا فإن تيقنا أن عشرة أو عشرين أو غيرهم أخذ كل واحد منهم مدا فأكثر أجزأه ذلك العدد ولزمه الباقي ولو صرف الستين إلى ثلاثين مسكينا أجزأه

ثلاثون مدا ويصرف إلى ثلاثين غيرهم ثلاثين مدا ويسترد الأمداد الزائدة من الأولين إن شرط كونها كفارة وإلا فلا يسترد
ولو صرف ستين مدا إلى مائة وعشرين مسكينا أجزأه من ذلك ثلاثون مدا ويصرف ثلاثين مدا إلى ستين منهم والإسترداد من الباقين على التفصيل المذكور
ويجوز صرف الكفارة إلى الفقراء ولا يجوز صرفها إلى كافر ولا إلى هاشمي ومطلبي ولا إلى من يلزمه نفقته كزوجة وقريب ولا إلى عبد ولا إلى مكاتب
ولو صرف إلى عبد بإذن سيده والسيد بصفة الإستحقاق جاز لأنه صرف إلى السيد
ولو صرف إليه بغير إذنه بني على قبوله الوصية بغير إذنه ويجوز أن يصرف للمجنون والصغير إلى وليهما
وقيل إن كان الصغير رضيعا لم يصح الصرف له لأن طعامه اللبن والصحيح الأول
وحكى ابن كج فيما لو دفعه إلى الصغير فبلغه الصغير وليه

فرع يجوز أن يصرف إلى مسكين واحد مدين عن كفارتين ولو دفع
مسكين ثم اشتراه منه ودفعه إلى آخر ولم يزل يفعل به هكذا حتى استوعب ستين مسكينا أجزأه لكنه مكروه
فرع لو وطىء المظاهر منها في خلال الإطعام لم يجب الإستئناف كما
لو وطىء في خلال الصوم بالليل
فرع أطعم بعض المساكين ثم قدر على الصوم لا يلزمه العود إليه

فرع ذكر الروياني في التجربة أنه لو دفع الطعام إلى الإمام
في يده قبل تفرقته على المساكين لا يجزئه على ظاهر المذهب بخلاف الزكاة لأن الإمام لا يد له على الكفارة
المسألة الثالثة جنس طعام الكفارة كالفطرة وقيل لا يجزىء الأرز وقيل لا يجزىء إذا نحيت عنه القشرة العليا لأن ادخاره فيها والصحيح الإجزاء ثم إن كان في القشرة العليا أخرج قدرا يعلم اشتماله على مد من الحب ولم يجر هذا الخلاف في الفطرة
وجرى ذكر قول في العدس والحمص ويشبه أن يجيء في كل باب ما نقل في الآخر وفي الأقط الخلاف المذكور هناك
فإن قلنا بالإجزاء فيخص أهل البادية أم يعم الحاضر والبادي حكى ابن كج فيه وجهين
وفي اللحم واللبن خلاف مرتب على الأقط وأولى بالمنع ثم الإعتبار بغالب قوت البلد من الأقوات المجزئة أم بغالب قوته أم يتخير فيه أوجه الصحيح الأول فإن كان الغالب مما لا يجزىء كاللحم اعتبر الغالب من قوت أقرب البلاد ولا يجزىء الدقيق ولا السويق ولا الخبز على الصحيح في الثلاثة ولا تجزىء القيمة قطعا
المسألة الرابعة يشترط تمليك المستحقين وتسليطهم التام فلا تكفي التغذية والتعشية بالتمر ونحوه
المسألة الخامسة في بيان ما يجوز العدول إلى الإطعام فمن عجز عن الصوم بهرم أو مرض أو لحقه من الصوم مشقة شديدة أو خاف زيادة في المرض فله العدول إلى الإطعام ثم قال الإمام والغزالي لو كان المرض يدوم شهرين في غالب الظن المستفاد من العادة في مثله أو من قول الأطباء فله العدول إلى الإطعام ولا ينتظر زواله ليصوم بخلاف ما لو كان ماله غائبا فإنه ينتظره للعتق لأنه لا يقال فيه لم يجد رقبة ويقال للعاجز بالمرض الناجز لا يستطيع

الصوم ومقتضى كلام الأكثرين أنه لا يجوز العدول إلى الإطعام بهذا المرض بل يعتبر أن يكون بحيث لا يرجى زواله وصرح المتولي ( بأن المرض ) المرجو الزوال كالمال الغالب فلا يعدل بسببه إلى الإطعام في غير كفارة الظهار وفيها الخلاف السابق فإن جوزنا الإطعام مع رجاء الزوال فأطعم ثم زال لم يلزمه العود إلى الصيام
وإن اعتبرنا كونه غير مرجو الزوال فكان كذلك ثم أتفق زواله نادرا فيشبه أن يلتحق بما إذا أعتق عبدا لا يرجى زوال مرضه فزال
قلت صرح كثيرون باشتراط كون المرض لا يرجى زواله والأصح ما قاله الإمام وقد وافقه عليه آخرون
وقال صاحب الحاوي إن كان عجزه بهرم ونحوه فهو متأبد فله الإطعام والأولى تقديمه وإن كان يرجى زواله كالعجز بالمرض فهو بالخيار بين تعجيل الإطعام وبين انتظار البر للتكفير بالصيام وسواء كان عجزه بحيث لا يقدر على الصيام أو يلحقه مشقة غالبة مع قدرته عليه فله في الحالين الإطعام وكذا الفطر في رمضان قال ولو قدر على صوم شهر فقط أو على صوم شهرين بلا تتابع فله العدول إلى الإطعام
قال إمام الحرمين في باب زكاة الفطر لو عجز عن العتق والصوم ولم يملك من الطعام إلا ثلاثين مدا أو مدا واحدا لزمه إخراجه بلا خلاف إذ لا بد له وإن وجد بعض مد ففيه احتمال هذا كلامه وينبغي أن يجزم بوجوب بعض المد للعلة المذكورة في المد
قال الدارمي في كتاب الصيام إذا قدر على بعض الإطعام وقلنا يسقط عن العاجز ففي سقوطها عن هذا وجهان فإن قلنا لا تسقط أخرج الموجود وفي ثبوت الباقي في ذمته وجهان
والله أعلم

فرع السفر الذي يجوز الفطر في رمضان لا يجوز العدول إلى
على الصحيح وعن القاضي حسين وغيره جوازه
فرع في جواز العدول إلى الإطعام بعذر الشبق وغلبة الشهوة وجهان
أصحهما عند الإمام والغزالي المنع ومال الأكثرون إلى التجويز وبه قال أبو إسحق ولم يذكر القاضي حسين غيره بخلاف صوم رمضان فإنه لا يجوز تركه بهذا لأنه لا بدل له
قلت ولأن في صوم رمضان يمكن الجماع ليلا بخلاف كفارة الظهار ولو كان يغلبه الجوع ويعجز عن الصوم قال القفال والقاضي حسين والبغوي لا يجوز له ترك الشروع في الصوم بل يشرع فإذا عجز أفطر بخلاف الشبق فإن له ترك الشروع على الأصح لأن الخروج من الصوم يباح بفرط الجوع دون فرط الشبق
والله أعلم
فصل لو عجز عن جميع خصال الكفارة استقرت في ذمته على الأظهر
قول لا شىء عليه أصلا وقد سبق في كتاب الصيام وقد بني الخلاف على أن الإعتبار بحال الوجوب أم الأداء إن اعتبرنا حال الوجوب لم يستقر عليه شىء وكان للمظاهر أن يطأ ويستحب أن يأتي بما يقدر عليه من الخصال وإن اعتبرنا الأداء لزمه أن يأتي بالمقدور عليه ولا يطأ المظاهر حتى يكفر

ومن وجد بعض رقبة فقط فكعادمها فيصوم فإن عجز والحالة هذه عن الصيام والإطعام فعن ابن القطان تخريج أوجه
أحدها يخرج المقدور عليه ولا شىء عليه غيره
والثاني يخرجه وباقي الكفارة في ذمته
والثالث لا يخرجه أيضا

فصل لا يجوز تبعيض كفارة بأن يعتق نصف رقبة ويصوم شهرا أو
شهرا ويطعم ثلاثين وبالله التوفيق

كتاب اللعان
والقذف فيه أبواب
الأول في ألفاظ القذف وأحكامه العامة وفيه طرفان
الأول في ألفاظه وهي صريح وكناية وتعريض
الأول الصريح وفيه مسائل
إحداها لفظ الزنا صريح كقوله زنيت أو يا زان أو يقول للمرأة زنيت أو يا زانية
والنيك وإيلاج الحشفة أو الذكر صريحان مع الوصف بالحرام لأن مطلقهما يقع على الحلال والحرام
والخلاف المذكور في باب الإيلاء في الجماع وسائر الألفاظ هل هي صريحة يعود هنا فما كان صريحا وانضم إليه الوصف بالتحريم كان قذفا
ولو قال علوت على رجل حتى دخل ذكره في فرجك فهو قذف
الثانية إذا رمى بالإصابة في الدبر كقوله لطت أو لاط بك فلان فهو قذف سواء خوطب به رجل أو إمرأة
ولو قال يا لوطي فهو كناية
قلت قد غلب استعماله في العرف لإرادة الوطء في الدبر بل لا يفهم منه إلا هذا فينبغي أن يقطع بأنه صريح وإلا فيخرج على الخلاف فيما إذا شاع لفظ في العرف كقوله الحلال علي حرام وشبهه هل هو صريح أم كناية

وأما احتمال كونه أراد على دين قوم لوط صلى الله عليه وسلم فلا يفهمه العوام أصلا ولا يسبق إلى فهم غيرهم فالصواب الجزم بأنه صريح وبه جزم صاحب التنبيه ولو كان المعروف في المذهب أنه كناية
والله أعلم
الثالثة قال أتيت بهيمة وقلنا يوجب الحد فهو قذف
أما الكناية فكقوله للقرشي يا نبطي وللرجل يا فاجر يا فاسق يا خبيث وللمرأة يا خبيثة يا شبقة وأنت تحبين الخلوة وفلانة لا ترد يد لامس وشبهها فإن أراد النسبة إلى الزنا فقذف وإلا فلا وإذا أنكر الإرادة صدق بيمينه وإذا عرضت عليه اليمين فليس له الحلف كاذبا دفعا للحد أو تحرزا عن تمام الإيذاء
ولو خلى ولم يحلف فالمحكي عن الأصحاب أنه يلزمه الإظهار ليستوفى منه الحد وتبرأ ذمته كمن قتل رجلا في خفية يجب عليه إظهاره ليقتص منه أو يعفى عنه
وعلى هذا يجب عليه الحد فيما بينه وبين الله تعالى وفيه احتمال للإمام ومال إليه الغزالي أنه لا يجب الإظهار لأنه إيذاء فيبعد إيجابه وعلى هذا لا يحكم بوجوب الحد ما لم يوجد الإيذاء التام والأول أصح
ولو قال لزوجته لم أجدك عذراء أو وجدت معك رجلا فليس بصريح على المشهور
وحكي عن القديم أنه صريح ولو قاله لأجنبية فليس بصريح قطعا لأنه قد يريد زوجها
ولو قال زنيت مع فلان فصريح في حقها دونه
وأما التعريض فكقوله يا ابن الحلال وأما أنا فلست بزان وأمي ليست بزانية وما أحسن إسمك في الجيران وشبهها فهذا كله ليس بقذف وإن نواه لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي ولا دلالة له هنا في اللفظ ولا احتمال وما يفهم منه مستنده قرائن الأحوال هذا هو الأصح

وقيل هو كناية لحصول الفهم والإيذاء وبه قال الشيخ أبو حامد وجماع وسواء عندنا حالة الغضب وغيرها

فرع النسبة إلى سائر الكبائر غير الزنى والإيذاء وبسائر الوجوه لا يتعلق به حد ويجب

وكذا لو قرطبه أو ديثه أو قال لها زنيت بفلانة أو زنت بك أو أصابتك فلانة ونسبها إلى إتيان المرأة المرأة
فصل قال لزوجته أو أجنبية زنيت بك فهو مقر على نفسه بالزنا
فعليه حد الزنا والقذف ويقدم حد القذف فإن رجع سقط حد الزنا دون القذف
ولو قالت إمرأة لزوجها أو أجنبي زنيت بك فكذلك عليها حد الزنا وحد قذفه هذا هو المعروف في المذهب
ورأى الإمام أن لا يجعل هذا صريحا لاحتمال كون المخاطب مكرها وهذا أقوى ويؤيده أنه لو قال لها زنيت مع فلان كان قذفا لها دون فلان
فرع قال لزوجته زنيت فقالت زنيت بك أو بك زنيت فهو قاذف
ليست مصرحة بقذف فإن أرادت حقيقة الزنا وأنهما زنيا قبل النكاح فهي مقرة بالزنا وقاذفة له ويسقط حق القذف عنه لإقرارها ولكن يعزر كذا حكاه الصيدلاني عن القفال وإن أرادت أنها هي التي زنت وهو لم يزن كأنها قالت زنيت به قبل النكاح وهو مجنون أو نائم أو وطئني بشبهة وأنا عالمة

سقط عنه حد القذف وثبت عليها حد الزنا لإقرارها ولا تكون قاذفة له فإن كذبها وقال بل أردت قذفي صدقت بيمينها فإن نكلت فحلفت فله حد القذف فإن قالت أردت أني لم أزن لأنه لم يجامعني غيره ولا جامعني هو إلا في النكاح فإن كان ذلك زنا فهو زان أيضا أو قالت أردت أني لم أزن كما لم يزن هو فليست قاذفة فتصدق بيمينها فإذا حلفت فلا حد عليها وعليه حد القذف وإن نكلت حلف واستحق حد القذف ولو قالت لزوجها يا زاني فقال زنيت بك ففي جوابه مثل هذا التفصيل ولو قال لأجنبية يا زانية أو أنت زانية فقالت زنيت بك فقد أطلق البغوي أن ذلك إقرار منها بالزنا وقذف له
ومقتضى ما ذكرناه من إرادة نفي الزنا عنه وعنها أن تكون الأجنبية كالزوجة

فرع قال يا زانية فقالت أنت أزنى مني لم تكن قاذفة له
القذف فلو قالت زنيت وأنت أزنى مني أو قالت ابتداء أنا زانية وأنت أزنى مني فهي قاذفة له ومقرة بالزنا ويسقط حد القذف عن الرجل
ولو قالت ابتداء أنت أزنى مني ففي كونها قاذفة وجهان حكاهما ابن كج
فرع قال له أنت أزنى مني أو أزنى من الناس أو يا
بقذف إلا أن يريده
قلت هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب وخالفهم صاحب الحاوي فقال بعد حكايته نص الشافعي والأصحاب الصحيح عندي أنه قذف صريح ثم استدل له
وأما الجمهور فقالوا هذا ظاهره نسبة الناس كلهم إلى الزنا وأنه أكثر زنا

منهم وهذا متيقن بطلانه قالوا ولو فسر وقال أردت أن الناس كلهم زناة وهو أزنى منهم فليس بقذف لتحقق كذبه
ولو قال أردت أنه أزنى من زناتهم فهو قذف له
والله أعلم
ولو قال أنت أزنى من فلان فالصحيح أنه ليس بقذف إلا أن يريده
وعن الداركي أنه قذف لهما جميعا
ولو قال زنا فلان وأنت أزنى منه فهو صريح في قذفهما
وعن ابن سلمة وابن القطان أنه ليس بقذف للمخاطب والصحيح الأول
وكذا لو قال في الناس زناة وأنت أزنى منهم أو أنت أزنى زناة الناس
ولو قال الناس كلهم زناة وأنت أزنى منهم قال الأئمة لا يكون قاذفا له لعلمنا بكذبه
قالوا وكذا لو قال أنت أزنى من أهل بغداد إلا أن يريد أنت أزنى من زناة أهل بغداد
ولو قال أنت أزنى من فلان ولم يصرح في لفظه بزنا فلان لكنه كان ثبت زناه بالبينة أو الإقرار فإن كان القائل جاهلا به فليس بقاذف ويصدق بيمينه في كونه جاهلا ويجيء فيه وجه الداركي
وإن كان عالما به فهو قاذف لهما جميعا فيحد للمخاطب ويعزر لفلان ويجيء في قذف المخاطب وجه ابن سلمة وابن القطان

فرع قال لزوجته يا زانية فقالت بل أنت زان فكل واحد قاذف
ويسقط حد القذف عنه باللعان ولا يسقط عنها إلا بإقراره أو ببينة
وإذا تقاذف شخصان حد كل واحد منهما لصاحبه ولا يتقاصان لأن التقاص إنما يكون إذا اتحدت الصفات وألم الضربات يختلف
فرع قال لرجل زنيت بكسر التاء أو للمرأة زنيت بفتحها فهو قذف

ولو قال له يا زانية أو لها يا زان أو يا زاني فهو قذف على المشهور وحكي قول قديم

فرع قال زنأت في الجبل بالهمز فليس بقذف إلا أن يريده لأن
الصعود ويصدق بيمينه في أنه لم يرد القذف فإن نكل حلف المدعي واستحق حد القذف
ولو قال زنأت في البيت فالصحيح أنه قذف لأنه لا يستعمل بمعنى الصعود في البيت ونحوه
قلت هذه عبارة البغوي
وقال غيره إن لم يكن للبيت درج يصعد إليه فيها فقذف قطعا وإن كان فوجهان
والله أعلم
ولو قال زنأت أو يا زانىء بالهمز واقتصر عليه ففيه أوجه
أصحها ليس بقذف إلا أن يريده وبه قال القفال والقاضي أبو الطيب
والثاني أنه قذف
وعن الداركي أن أبا أحمد الجرجاني نسبة إلى نصه في الجامع الكبير
والثالث إن أحسن العربية فليس بقذف بلا نية وإلا فقذف
ولو قال زنيت في الجبل وصرح بالياء فالأصح أنه قذف
وقيل لا وقيل قذف من عارف اللغة دون غيره
قلت ولو قال لها يازانية في الجبل بالياء فقد نص الشافعي رحمه الله في كتاب اللعان من الأم أنه كناية وبهذا جزم ابن القاص في التلخيص ونقل الفوراني أن الشافعي رضي الله عنه نص أنه قذف وتابعه عليه الغزالي في الوسيط وصاحب العدة ولم أر هذا النقل لغير الفوراني ومتابعيه ولم ينقله إمام الحرمين فليعتمد ما رأيته في الأم فإن ثبت هذا كان قولا آخر ونقل صاحب الحاوي أن قوله زنأت في الجبل صريح من جاهل العربية والصحيح أنه كناية منه ومن غيره كما سبق
والله أعلم

فصل من صرائح القذف
أن يقول زنا فرجك أو ذكرك أو قبلك أو دبرك
ولو قال لها زنيت في قبلك فقذف
وإن قاله لرجل فكناية لأن زناه بقبله لا فيه ذكره البغوي
ولو قال زنى يدك أو رجلك أو عينك أو يداك أو عيناك فكناية على المذهب وبه قطع الجمهور
وقيل وجهان
ثانيهما أنه صريح
وقيل إن قال يداك أو عيناك فكناية قطعا لمطابقة لفظ الحديث وإلا فوجهان
ولو قال زنا بدنك فصريح على الأصح كقوله زنيت
قلت قال في البيان لو قال للخنثى زنا ذكرك وفرجك فصريح وإن ذكر أحدهما فالذي يقتضي المذهب أنه كإضافته إلى اليد
ولو قال لإمرأة وطئك رجلان في حالة واحدة قال صاحب الحاوي يعزر ولا حد لاستحالته وخروجه من القذف إلى الكذب الصريح فيعزر للأذى ولا يلاعن
والله أعلم
فصل قال لإبنه اللاحق به ظاهرا لست ابني أو لست مني فالنص
قاذفا لأمه إلا أن يريد القذف
ولو قال لأجنبي لست ابن فلان فالنص أنه قاذف لأمه وفيه طرق المذهب تقرير النصين لأن الأب يحتاج إلى تأديبه وهذا ضرب منه بخلاف الأجنبي
والثاني فيهما قولان
أحدهما صريح فيهما
والثاني وأقيسهما كناية
والثالث قاله أبو إسحق ليس بصريح فيهما قطعا وتأويل النص على ما إذا نواه
والرابع قاله ابن الوكيل

صريح فيهما قطعا وتأول ما ذكره في حق الولد فعلى المذهب إذ قال لست ابني نستفسره فإن قال أردت أنه من زنا فقاذف وإن قال لا يشبهني خلقا وخلقا صدق بيمينه إن طلبتها فإن نكل حلفت واستحقت حد القذف وله أن يلاعن لإسقاطه على الصحيح
وقيل لا يلاعن لإنكاره القذف
وإن قال أردت أنه من وطء شبهة فلا قذف فإن ادعت إرادته القذف حلف على ما سبق والولد لاحق به إن لم يعين الوطء بالشبهة أو عينه ولم تصدقه ولم يقبل الولد وإن صدق وادعى الولد عرض على القائف فإن ألحقه به لحقه وإلا لحق بالزوج
وإن قال أردت أنه من زوج كان قبلي فليس بقاذف سواء عرف لها زوج أم لا كذا قاله السرخسي
وأما الولد فإن لم يعرف لها زوج قبله لم يقبل قوله بل يلحقه وإن عرف فسنذكر إن شاء الله تعالى في كتاب العدة أن الولد بمن يلحق فإذا لحقه فإنما ينفى عنه باللعان وإذا لم يعرف وقت نكاح الأول والثاني لم يلحق به لأن الولادة على فراشه والإمكان لم يتحقق إلا أن يقيم بنية أنها ولدته في نكاحه لزمان الإمكان وتقبل فيه شهادة النساء المتمحضات فإن لم تكن بنية فلها تحليفه فإن نكل فعلى ما سنذكره في الصورة الأخرى إن شاء الله تعالى
وإن قال أردت أنها لم تلده بل هو لقيط أو مستعار فلا قذف والقول قوله في نفي الولادة وعليها البينة فإن لم يكن بينة فهل يعرض معها على

القائف وجهان مذكوران في موضعهما فإن قلنا نعم فألحقه القائف بها لحق بالزوج واحتاج في النفي إلى اللعان
وإن قلنا لا يعرض أو لم يلحقه بها أو لم يكن قائف أو أشكل عليه حلف الزوج أنه لا يعلم أنها ولدته
فإن حلف انتفى وفي لحوقه بها الوجهان المذكوران في كتاب اللقيط في أن ذات الزوج هل يلحقها الولد بالإستلحاق وإن نكل الزوج فالنص أنه ترد اليمين عليها ونص فيما إذا أتت بولد لأكثر من أربع سنين وادعت أن الزوج كان راجعها أو وطئها بالشبهة وأن الولد منه وأنكر ونكل عن اليمين أنه لا ترد اليمين على المرأة فمن الأصحاب من جعلهما على قولين ومنهم من قرر النصين وفرق بأن الفراش قائم في الصورة الأولى فيقوى به جانبها والمذهب هنا ثبوت الرد فإذا قلنا به فحلفت لحقه الولد وإن نكلت فهل توقف اليمين حتى يبلغ الصبي ويحلف وجهان
فإن قلنا توقف فحلف بعد بلوغه لحق به وإن نكل أو قلنا لا توقف انتفى عنه وفي لحوقه بها الخلاف السابق

فرع قال لمنفي باللعان لست ابن فلان يعني الملاعن فليس بصريح في
قذف أمه لأنه محتمل فيسأل فإن قال أردت تصديق الملاعن في أن أمه زانية فهو قاذف وإن أراد أن الملاعن نفاه أو أنه منفي شرعا أو لا يشبهه خلقا وخلقا صدق بيمينه فإذا حلف قال القفال يعزر للإيذاء وإن نكل حلفت الأم أنه أراد قذفها واستحقت الحد عليه
قلت قد قاله أيضا جماعة غير القفال
والله أعلم
ولو استلحقه النافي ثم قال له رجل لست ابن فلان فهو كما لو قاله لغير

المنفي والمذهب أنه قذف صريح كما سبق
وقد يقال إذا كان أحد التفاسير المقبولة أن الملاعن نفاه فالإستلحاق بعد النفي لا ينافي كونه نفاه فلا يبعد أن لا يجعل صريحا ويقبل التفسير به
قلت هذا الذي أورده الرافعي حسن من وجه ضعيف من وجه فحسنه في قبول التفسير وضعفه في قوله ليس بصريح والراجح فيه ما قاله صاحب الحاوي فقال هو قذف عند الإطلاق فنحده من غير أن نسأله ما أراد
فإن ادعى احتمالا ممكنا كقوله لم يكن ابنه حين نفاه قبل قوله بيمينه ولا حد
قال والفرق بين هذا وبين ما قبل الإستلحاق فإنا لا نحده هناك حتى نسأله لأن لفظه كناية فلا يتعلق به حد إلا بالنية وهنا ظاهر لفظه القذف فحد بالظاهر إلا أن يذكر محتملا
والله أعلم

فرع قال لقرشي لست من قريش أو يا نبطي أو قال لتركي
بالعكس وقال أردت أنه لا يشبه من ينتسب إليه في الأخلاق أو أنه تركي الدار واللسان صدق بيمينه فإن ادعت أم المقول له أنه أراد قذفها ونكل القاذف وحلفت هي وجب لها الحد أو التعزير وإن أراد القذف فمطلقه محمول على أم المقول له
فإن قال أردت أن واحدة من جداته زنت نظر إن عينها فعليه الحد أو التعزير وإن قال أردت جدة لا بعينها في الجاهلية أو الإسلام فلا حد عليه كما لو قال أحد أبويك زان أو في السكة زان ولم يعين ولكن يعزر للأذى فإن كذبته أم المقول له فلها تحليفه هكذا أطلقه الغزالي والبغوي والأئمة وفي التجربة للروياني أنه لو قال لعلوي لست ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال أردت لست من صلبه

بل بينك وبينه آباء لم يصدق بل القول قول من يتعلق به القذف أنك أردت قذفي فإن نكل حلف القائل ويعزر
ومقتضى هذا أن لا يصدق القائل أردت جدة من جدات المقول له مهما نازعته أمه بل تصدق هي لأن المطلق محمول عليها والسابق إلى الفهم قذفها فإن نكلت حلف القائل وبرىء
قلت وإذا قال لم أرد شيئا فلا حد فإن اتهمه الخصم حلفه كما سبق
والله أعلم
الطرف الثاني في أحكام القذف
فإن كان المقذوف محصنا فعلى القاذف الحد وإلا فالتعزير
وشروط الإحصان العقل والبلوغ والحرية والإسلام والعفة عن الزنا
فلو قذف مجنونا أو صبيا أو عبدا أو كافرا لم يحد لكن يعزر للإيذاء
وتبطل العفة بكل وطء يوجب الحد ومنه ما إذا وطىء جارية زوجته أو جارية أحد أبويه أو نكح محرما له أو وطىء المرتهن المرهونة عالما بالتحريم وكذا لو أولج في دبر ثم نقل البغوي أنه تبطل حصانة الفاعل دون المفعول به لأن الإحصان لا يحصل بالتمكين في الدبر فكذا لا تبطل به الحصانة ورأى هو أن تبطل حصانتهما جميعا لوجوب الحد عليهما
قلت إبطال حصانتهما هو الراجح وأي عفة وحرمة لمن مكن من دبره مختارا عالما بالتحريم
والله أعلم
وأما الوطء الذي لا حد فيه فللأصحاب في ترتيب صوره وضبطه طرق أشهرها أنه ينظر أجرى ذلك في ملك نكاح أو يمين أم في غير ملك القسم الأول المملوك وهو ضربان
أحدهما محرم حرمة مؤبدة كمن وطىء مملوكته التي هي أخته أو عمته

برضاع أو نسب عالما بالتحريم
فإن قلنا يوجب الحد بطلت حصانته وإلا فتبطل أيضا على الأصح لدلالته على عدم عفته بل هذا أفحش من الزنا بأجنبية ولو وطىء زوجته في دبرها بطلت حصانته على الأصح
الضرب الثاني ما يحرم غير مؤبد وهو نوعان
أحدهما ما له حظ من الدوام كوطء زوجته المعتدة عن شبهة غيره وأمته المعتدة أو المزوجة أو المرتدة أو المجوسية وأمته في مدة الإستبراء فلا تبطل حصانتها على الأصح لقيام الملك وعدم تأبد الحرمة وعدم دلالته الظاهرة على قلة المبالاة بالزنا
النوع الثاني ما حرم لعارض سريع الزوال كوطء زوجته وأمته في الحيض أو النفاس أو الإحرام أو الإعتكاف أو المظاهر منها قبل التكفير فلا تبطل الحصانة على المذهب
وقيل على الوجهين
القسم الثاني الوطء الجاري في غير ملك كوطء الشبهة وجارية الإبن
وفي النكاح الفاسد كالنكاح بلا ولي ولا شهود
وفي الإحرام ونكاح المتعة والشغار ووطء المكاتبة والرجعية في العدة ففي بطلان حصانته وجهان
قال الشيخ أبو حامد أصحهما لا تبطل واختار أبو إسحق البطلان
قال الروياني هو أقرب
وأما وطء المشتركة فقال الداركي هو على الوجهين وأشار صاحب الشامل وجماعة إلى القطع بأنه كوطء الزوجة في الحيض هذا أحد الطرق
والطريق الثاني أن في سقوط الحصانة بوطء المملوكة المحرمة برضاع أو نسب وجهين
وفي المشتركة وجارية الإبن وجهان وأولى ببقاء الحصانة
وفي المنكوحة بلا ولي وجهان وأولى بالبقاء للإختلاف في إباحته وفي الوطء

بالشبهة وجهان وأولى بالبقاء لأنه ليس بحرام ووجه إسقاطها إشعاره بترك التحفظ
وفي الوطء الجاري في الجنون والصبي على صورة الزنا وجهان وأولى بالبقاء لعدم التكليف وهو الأصح
والطريق الثالث لا تبطل الحصانة بالوطء في ملك أو مع عذر كالشبهة وتبطل بما خلا عن المعنيين كوطء جارية الإبن وأحد الشريكين
والرابع تبطل الحصانة بكل وطء حرام كالحائض دون ما لا يحرم كالوطء بشبهة فإنه لا يوصف بالحرمة
والخامس كل وطء تعلق به حد مع العلم بحاله يسقط الحصانة وما لا حد فيه مع العلم لا يسقطها كوطء جارية الإبن والمشتركة
قلت قد جمع إمام الحرمين هذا الخلاف المنتشر مختصرا فقال ينتظم منه ستة أوجه
أحدها لا تسقط الحصانة إلا ما يوجب الحد
والثاني يسقطها هذا ووطء ذوات المحارم بالملك وهذا هو الأصح عند الرافعي في المحرر وهو المختار
والثالث يسقطها هذا ووطء الأب والشريك
والرابع هذا والوطء في نكاح فاسد
والخامس هذا ووطء الشبهة من مكلف
والسادس هذا ووطء الصبي والمجنون ويجيء فيه سابع وهو هذا والوطء المحرم في الحيض وغيره ولا فرق في النكاح الفاسد بين العالم بتحريمه والجاهل قاله البغوي وينبغي أن يكون الجاهل كالواطىء بشبهة
والله أعلم

فرع قال البغوي الكافر إذا كان قريب عهد بالإسلام فغصب إمرأة
ظانا حلها لا تبطل حصانته ويشبه أن يجيء فيه الخلاف في وطء الشبهة
قلت لا بد من مجيء الخلاف
والله أعلم
فرع مقدمات الزنا كالقبلة واللمس وغيرهما لا تؤثر في الحصانة بحال

قلت ومما يتعلق بهذا لو اشترى جارية فوطئها فخرجت مستحقة ففي بطلان حصانته وجهان في الإبانة و المهذب وهو من أقسام الشبهة فيكون الراجح بقاء الحصانة
ولو نكح مجوسي أمة ووطئها ثم أسلم قال البغوي لا تبطل حصانته وقال الفوراني تبطل والأول أفقه لأنه لا يعتقد تحريمه
ولو أكره على الوطء ففي بطلان حصانته وجهان حكاهما الفوراني والمختار أنها لا تبطل لأنه لا يعد تاركا للإحتياط
والله أعلم
فرع قذف عفيفا في الظاهر فزنا المقذوف قبل أن يحد القاذف سقط
عن القاذف على المشهور وفيه قول قديم وهو مذهب المزني ولو ارتد المقذوف قبل الحد لم يسقط على الصحيح فعلى المشهور لو قذف زوجته ثم زنت سقط الحد عنه واللعان فإن كان هناك ولد وأراد نفيه فله اللعان ولو سرق المقذوف أو قتل قبل استيفائه الحد لم يسقط على المذهب وعن ابن القطان حكاية وجهين فيه

فرع من زنا مرة وهو عبد أو كافر أو عدل عفيف
ثم أعتق العبد وأسلم الكافر وتاب الآخر وحسنت أحوالهم لم تعد حصانتهم ولم يحد قاذفهم سواء قذفهم بذلك الزنا أو بزنا بعده وفيما بعده
احتمال
ولو جرت صورة الزنا من صبي أو مجنون لم تسقط حصانته فمن قذفه بعد الكمال حد لأن فعلهما ليس زنا لعدم التكليف
فرع قذف زوجته أو غيرها وعجز عن إقامة البينة على زنا المقذوف
له تحليفه أنه لم يزن فيه قولان ويقال وجهان
الموافق لجواب الأكثرين له تحليفه قالوا ولا تسمع الدعوى بالزنا والتحليف على نفيه إلا في هذه المسألة
قلت العجز عن البينة ليس بشرط بل متى طلب يمينه جاء الخلاف قال البغوي ولو قذف ميتا وطلب وارثه الحد وطلب القاذف يمينه انه لا يعلم مورثه زنى نص الشافعي رحمه الله أنه يحلفه قال وفيه الخلاف المذكور
والله أعلم
فرع هل على الحاكم البحث عن إحصان المقذوف ليقيم الحد على القاذف
كما عليه البحث عن عدالة الشهود ليحكم بشهادتهم وجهان
قال أبو إسحق نعم وأصحهما عند الأصحاب لا لأن القاذف عاص فغلظ عليه بإقامة الحد بظاهر الإحصان والمشهود عليه لم يوجد منه ما يقتضي التغليظ
فصل حد القذف وتعزيره حق آدمي يورث عنه ويسقط بعفوه

ولو قال لغيره

اقذفني فقذفه فوجهان
قال الأكثرون لا يجب كما لو قال اقطع يدي فقطعه لا شىء عليه
والثاني يجب لأن القطع مباح في الجملة فقد يكون مستحق القطع
وأما القذف فلا يباح وإن كان المقذوف زانيا
وفيمن يرث حد القذف أوجه
أصحها جميع الورثة كالمال والقصاص
والثاني جميعهم غير الزوجين
والثالث رجال العصبات فقط لأنه لدفع العار كولاية التزويج
والرابع رجال العصبة سوى البنين كالتزويج
فإن قلنا يرث الزوجان فأنشأ قذف ميت ففي إرثهما وجهان لانقطاع الوصلة حالة القذف وإذا ورثنا الإبن قدم على سائر العصبات ولو لم يكن للمقذوف وارث خاص فهل يقيم السلطان الحد قولان كما في القصاص وكما لو قذف ميتا لا وارث له أظهرهما يقيمه

فرع لو عفا بعض مستحقي حد القذف الموروث عن حقه وهو من
فثلاثة أوجه
أصحها يجوز لمن بقي استيفاء جميع الحد لأن الحد يثبت لهم ولكل واحد منهم كولاية التزويج وحق الشفعة
والثاني يسقط جميع الحد كالقصاص وهو ضعيف إذ لا بدل هنا بخلاف القصاص والثالث يسقط نصيب العافي ويستوفي الباقي لأنه متوزع بخلاف القصاص فعلى هذا يسقط السوط الذي يقع فيه شركة
فرع قذف رجل مورثه ومات المقذوف سقط عنه الحد إن كان حائز
لأن القذف لا يمنع الإرث بخلاف القتل
ولو قذف أباه فمات الأب وترك القاذف وإبنا آخر
فإن قلنا إذا عفا بعض المستحقين كان للآخر استيفاء الجميع فللإبن الآخر استيفاء الحد بتمامه وإن قلنا يسقط الجميع فكذا هنا وإن قلنا يسقط نصيب العافي فللإبن الآخر استيفاء نصف الحد

فرع لو جن المقذوف بعد ثبوت حقه لم يكن لوليه استيفاء
حتى يفيق فيستوفي أو يموت فيورث
وكذا لو قذف المجنون أو الصغير ووجب التعزير لم يكن لوليهما التعزير بل يجب الصبر
فرع إذا قذف العبد ووجب التعزير فالطلب والعفو له لا للسيد لأن
عرضه له لا للسيد حتى لو قذف السيد عبده كان له رفعه إلى الحاكم ليعزره هذا هو الصحيح
وقيل ليس له طلب التعزير من سيده بل يقال له لا تعد فإن عاد عزر كما يعزر لو كلفه مرة بعد مرة من الخدمة ما لا يحتمله حاله
فلو مات العبد وقد استحق تعزيرا على غير سيده فأوجه
أصحها يستوفيه سيده لأنها عقوبة وجبت بالقذف فلم تسقط بالموت كالحد
قال الأصحاب وليس ذلك على سبيل الإرث ولكنه أخص الناس به فما ثبت له في حياته يكون لسيده بعد موته بحق الملك كمال المكاتب
والثاني يستوفيه أقاربه لأن العار إنما يعود عليهم
والثالث يستوفيه السلطان كحر لا وارث له
والرابع يسقط التعزير وبالله التوفيق
الباب الثاني في قذف الزوجة
خاصة الزوج كالأجنبي في صريح القذف وكنايته وفي أنه يلزمه بقذفها الحد إن كانت محصنة والتعزير إن كانت غير محصنة إلا أن الزوج يختص بأنه قد يباح له القذف وقد يجب عليه وبأن الأجنبي لا يتخلص من العقوبة إلا ببينة على زنا المقذوف أو بإقرار المقذوف
وللزوج طريق ثالث إلى الخلاص وهو

اللعان
وكما تندفع عنه عقوبة القذف باللعان يجب عليها به حد الزنا ولها دفعه بلعانها

فصل متى تيقن الزوج أنها زنت بأن رآها تزني جاز له قذفها
ظن زناها ظنا مؤكدا بأن أقرت به ووقع في قلبه صدقها أو سمعه ممن يثق به
قال ابن كج والإمام سواء كان القائل من أهل الشهادة أم لا واستفاض بين الناس أن فلانا يزني بها ولم يخبره أحد عن عيان لكن انضمت إلى الإستفاضة قرينة الفاحشة بأن رآه معها في خلوة أو رآه يخرج من عندها فيجوز له القذف وإنما يجوز في صورة الإستفاضة
إذا انضمت اليها القرنية
وعن الداركي أنه يجوز بمجرد الأستفاضة
وعن ابن أبي هريرة يجوز بمجرد القرينة والصحيح الأول لكن قال الإمام الذي أراه أنه لو رآها معه مرات كثيرة في محل الريبة كان ذلك كالإستفاضة مع الرؤية مرة وكذا لو رآها معه تحت شعار على هيئة منكرة وتابعه على هذا الغزالي وغيره
ثم ما لم يكن هناك ولد لايجب على الزوج القذف بل يجوز أن يستر عليها ويفارقها بغير اللعان إن شاء ولو أمسكها لم يحرم
قلت قال أصحابنا إذا لم يكن ولد فالأولى أن لا يلاعن بل يطلقها إن كرهها
والله أعلم
وإن كان هناك ولد يتيقن أنه ليس منه وجب عليه نفيه باللعان هكذا قطع به الأصحاب وفيه وجه حكاه الروياني عن جماعة أنه لا يجب النفي والصحيح الأول
قال البغوي وغيره فإن تيقن مع ذلك أنها زنت قذفها ولاعن وإلا فلا يقذفها لجواز أن يكون الولد من زوج قبله أو من وطء شبهة
قال الأئمة وإنما يحصل اليقين إذا لم يطأها أصلا أو وطئها وأتت بولد لأكثر من

أربع سنين من وقت الوطء أو لأقل من ستة أشهر
ولو وطئها وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر ولدون أربع سنين فإن لم يستبرئها بحيضة أو استبرأها فأتت بولد لدون ستة أشهر من وقت الإستبراء لم يحل له النفي ولا اعتبار بريبة يجدها في نفسه أو شبهة تخيل له فسادا وإن استبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر من الإستبراء فثلاثة أوجه
أحدها يجوز النفي لأن الإستبراء أمارة ظاهرة على أنه ليس منه والمستحب أن لا ينفيه لأن الحامل قد ترى الدم
والثاني إن رأى بعد الإستبراء القرينة المبيحة للقذف جاز النفي بل لزمه وإن لم ير شيئا لم يجز
والثالث يجوز النفي سواء وجدت قرينة وأمارة أم لا ولا يجب بحال للإحتمال
وأصح هذه الأوجه الثاني صححه الغزالي وبه قطع العراقيون وبالأول قطع البغوي
قلت جعل الرافعي الأوجه فيما إذا أتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من وقت الإستبراء وكذا فعل القاضي حسين والإمام والبغوي والمتولي
والصحيح ما قاله المحاملي وصاحبا المهذب و العدة وآخرون أن الإعتبار في ستة الأشهر من حين زنى الزاني بها لأن مستند اللعان زناه فإذا ولدت لدون ستة أشهر من زنا ولأكثر من سنة من الإستبراء تيقنا أنه ليس من ذلك الزنا فيصير وجوده كعدمه ولا يجوز النفي وهذا أوضح
والله أعلم
ولو كان الزوج يطأ ويعزل فالصحيح الذي قطع به صاحبا المهذب و التهذيب وغيرهما أنه لا يجوز النفي بذلك فقد سبق الماء وجعله الغزالي مجوزا للنفي
ولو جامع في الدبر أو فيما دون الفرج فله النفي على الأصح

فرع لو أتت بولد لا يشبهه نظر إن خالفه في نقص وكمال
وقبح ونحوها حرم النفي وإن ولدت أسود وهما أبيضان أو عكسه فإن لم ينضم

إليه قرينة الزنا حرم النفي وإن انضمت أو كان يتهمها برجل فأتت بولد على لون ذلك الرجل جاز النفي على الأصح عند البندنيجي والروياني وغيرهما
وصحح الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب المنع
قلت المنع أصح وممن صححه غير المذكورين صاحبا الحاوي و العدة
والله أعلم
قال الإمام ولا يؤثر الإختلاف في الألوان المتقاربة كالأدمة والسمرة والشقرة والقرينة من البياض

فرع متى نفى الولد ولاعن حكم بنفوذه في الظاهر ولا يكلف بيان
الذي بنى النفي عليه لكن يجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى رعاية الأسباب المذكورة وبناء النفي على ما يجوز البناء عليه كما سبق
فصل لا يلحق الولد بالزوج إذا لم يتحقق إمكان الوطء فإذا نكح
في المجلس أو غاب عنها غيبة بعيدة لا يحتمل وصول أحدهما إلى الآخر وأتت بولد لأكثر من أربع سنين من وقت الغيبة أو جرى العقد والزوجان متباعدان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب وأتت بولد لستة أشهر من حين العقد ففي كل هذه الصور ينتفي الولد بغير لعان
فرع إذا أتت بولد يمكن أن يكون منه لكنه رآها تزني واحتمل
من

الزنا فليس له نفيه
وهل له القذف واللعان حكى الإمام عن العراقيين والقاضي أنه ليس له ذلك قال والقياس جوازه لجواز القذف إذا تيقن الزنا ولا ولد انتقاما منها فحصل وجهان الصحيح المنع لأن اللعان حجة ضرورية إنما يصار إليها لدفع النسب أو قطع النكاح حيث لا ولد خوفا من أن يحدث ولد على الفراش الملطخ وقد حصل الولد هنا فلم يبق فائدة ولأن في إثبات زناها تعيير الولد وإطلاق الألسنة فيه ولا يحتمل ذلك لغرض الإنتقام مع إمكان الفراق بالطلاق
قلت هذا النقل عن العراقيين مطلقا غير مقبول على الإطلاق فقد قال صاحب المهذب إن غلب على ظنه أنه ليس منه بأن علم أنه كان يعزل عنها أو رأى فيه شبه الزاني لزمه نفيه باللعان يعني بعد قذفها وإن لم يغلب على ظنه لم ينفه
وقال صاحب الحاوي إذا وطئها ولم يستبرئها ورآها تزني فهو بالخيار بين اللعان بعد القذف أو بالإمساك
فأما نفي الولد فإن غلب على ظنه أنه ليس منه نفاه وإن غلب على ظنه أنه منه لم يجز نفيه وإن لم يظن أحد الأمرين جاز أن يغلب حكم الشبه وهذا هو القياس الجاري على قاعدة الباب
والله أعلم

الباب الثالث في ثمرة اللعان
وشروطه وصفته وأحكامه فيه أطراف
الأول في ثمرات اللعان وهي نفي النسب وقطع النكاح وتحريمها مؤبدا ودفع المحذور الذي يلحقه بالقذف وإثبات حد الزنا عليها
قلت ومن الثمرات سقوط حد قذف الزاني بها عن الزوج إن سماه في

لعانه وكذا إن لم يسمه على خلاف فيه
ومنها سقوط حصانتها في حق الزوج إن لم تلاعن هي كما سيأتي إن شاء الله تعالى
ومنها تشطير الصداق قبل الدخول
ومنها استباحة نكاح أختها وأربع سواها في عدتها
والله أعلم
ولا يشترط لجواز اللعان تعلق جميع ثمراته به بل منها ما يستقل بإفادة حق جوازه ومنها خلافه فنفي النسب هو المقصود الأصلي فيجوز اللعان له وحده
وإن كان لا ينقطع به نكاح ولا يسقط به عقوبة بأن كان أبانها أو عفت عن العقوبة أو أقام بينة بزناها
وأما دفع عقوبة القذف فيجوز اللعان لمجرد دفع الحد وإن لم يكن نكاح ولا نسب فإن كان الواجب التعزير فالتعزير المشروع عند القذف نوعان
تعزير تكذيب وهو المشروع في حق القاذف الكاذب ظاهرا بأن قذف زوجته الذمية أو الرقيقة أو الصغيرة التي يوطأ مثلها وتعزير تأديب وهو أن يكون كذبه معلوما أو صدقه ظاهرا فيعزر لا تكذيبا له بل تأديبا لئلا يعود إلى السب والإيذاء بأن قذف زوجته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها أو قذف الكبيرة بزنا ثبت بالبينة أو بإقرارها فلا يحد لسقوط حصانتها ويعزر تأديبا للإيذاء بتحديد ذكر الفاحشة
فأما النوع الأول فيستوفى بطلبها وله إسقاطه باللعان على الصحيح
وأما النوع الثاني فلا يلاعن لدفع تعزير التي لا يوطأ مثلها وإن كبرت وطالبت لأنه لا يعزر للقذف
فإنه أتى بمحال لا يلحقها به عار وإنما يعزر منعا له من الإيذاء والخوض في الباطل
وفيه وجه سيعود إن شاء الله تعالى
وإن قذف الكبيرة بزنا ثبت ببينة أو إقرارها قال الشافعي رضي الله عنه في

رواية المزني عزر إن طلبت ذلك ولم يلتعن وفي رواية الربيع يعزر إن طلبت ذلك إن لم يلتعن
وللأصحاب طرق أشهرها قولان
أظهرهما لا يلاعن والطريق الثاني وهو الأصح وبه قال أبو إسحق والقاضي أبو حامد لا يلاعن قطعا ورد رواية الربيع
والثالث يلاعن قطعا وتأول رواية المزني
والرابع إن قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجية وأثبته ببينة ثم قذفها به لم يلاعن وإن قذفها بزنا في الزوجية وأثبته ببينة ثم قذفها به لاعن وحمل النصين عليهما ثم ظاهر نصه في الروايتين أنه لا يعزر إلا بطلبها
وحكى الإمام وجها أنه يعزره السلطان سياسة وإن لم تطلب كما يعزر من يقول الناس زناة والصحيح الأول
قال الإمام وليس هذا موضع الخلاف إنما موضعه ما إذا أضاف الزنى إلى حالة لا تحتمل الوطء بأن قال زنيت وأنت بنت شهر لأن المحال لا يتأدى منه
قلت وفي المسألة طريق خامس اختاره صاحب الحاوي وحكاه الشاشي إن كان ثم ولد لاعن وإلا فلا وحمل النصين عليهما
والله أعلم

فرع قد سبق أن حد القذف يستوفى بطلب المقذوف وفي التعزير هذا
السابق قبل الفرع ثم ما كان من حد أو تعزير معلقا بطلب شخص سقط بعفوه إذا كان أهلا للعفو
فلو قذف زوجته فعفت عن الحد ولا ولد فليس له اللعان على الصحيح لعدم الضرورة ويجري الخلاف فيما لو ثبت زناها ببينة أو صدقته ولا ولد فلو سكت فلم تطلب الحد ولم تعف فليس له اللعان على الأصح عند الجمهور لما ذكرنا
ولو قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة فقيل له اللعان في الحال ليسقط التعزير والأصح انتظار بلوغها وعقلها وطلبها التعزير
ولو قذفها عاقلة فجنت أو في جنونها بزنا أضافه إلى حالة

الإفاقة فعليه الحد
وهل له اللعان في الحال أم ينتظر الإفاقة فيه الوجهان
وفي كل هذه الصور لو كان هناك ولد وأراد نفيه باللعان كان له ذلك قطعا
قلت وكل موضع لاعن لنفي النسب أو غيره وهي مجنونة فقد حقق زناها ولزمها الحد لكن لا تحد في جنونها فإذا أفاقت حدت إن لم تلاعن ذكره المحاملي في المجموع
والله أعلم

فرع زنا بك ممسوح أو صبي ابن شهر أو قال لرتقاء أو
حد ويعزر للإيذاء ولا يلاعن على الصحيح وكذا لو قال لممسوح زنيت أو لبالغ زنيت وأنت رضيع في المهد فلا حد ويعزر
الطرف الثاني في صفة الملاعن وله شرطان
الأول أهلية اليمين لأن المعروف عند أصحابنا أن اللعان يمين مؤكدة بلفظ الشهادة
وقيل هو يمين فيها شوب الشهادة فلا يصح لعان الصبي ولا المجنون ولا يقتضي قذفهما لعانا بعد كمالهما ولا عقوبة لكن يعزر المميز على القذف
فإن لم يتفق تعزيره حتى بلغ قال القفال يسقط لأنه كان للزجر عن سوء الأدب وقد حدث زاجر أقوى منه وهو التكليف ويصح لعان الذمي والرقيق والمحدود في القذف ويصح اللعان عن الذمية والرقيقة والمحدودة في القذف
فرع قذف زوجته الذمية وترافعا إلينا ولاعن الزوج نص الشافعي رحمه الله

فإن رضيت حكمنا في حقها بما نحكم به في حق المسلمة
وللأصحاب طريقان الصحيح منهما أن المسألة على القولين في الذميين إذا ترافعا إلينا هل يجب الحكم بينهما وقد سبقا في نكاح المشرك إن أوجبنا الحكم حددناها إن لم تلاعن ولا يعتبر رضاها وإن لم نوجبه لم نحدها حتى ترضى بحكمنا وعلى هذا الطريق سواء كان الزوج مسلما أو ذميا والطريق الثاني لا يجري عليها الحكم حتى ترضى قطعا
ولو قذفها زوجها الذمي وترافعا ولم يرض الزوج بحكمنا وطلبته المرأة فهل يجبر الزوج على اللعان ويعزر إن لم يلاعن أم يتوقف ذلك على رضاه فيه القولان في وجوب الحكم بينهم ولا يجيء الطريق الثاني
ولو قذفها زوجها المسلم ولاعن فذاك وإن امتنع وطلبت التعزير استوفاه الحاكم
ثم الواجب على الذمي في قذف الذمية التعزير إن كان مثلها كما أن الواجب بقذف الرقيقة التعزير وإن قذفها رقيق
الشرط الثاني الزوجية فلا لعان لأجنبي فلو طلقها رجعية بعد أن قذفها أو قذفها في عدة الرجعة فله أن يلاعنها كما يطلقها ويظاهر ويؤلي
ويصح لعانه في الحال وتترتب أحكامه
ولو ارتد بعد الدخول ثم قذفها وأسلم في العدة فله اللعان ولو لاعن في الردة ثم أسلم في العدة وقع اللعان في النكاح فيصح ويقع موقعه لأن الكافر يصح لعانه وإن أصر حتى مضت العدة تبينا وقوعه في حال البينونة فإن كان ولد ونفاه باللعان نفذ وإلا تبينا فساده ولا يندفع حد القذف عنه على الأصح وبه أجاب ابن الحداد

فرع وطىء إمرأة في نكاح فاسد أو شبهة بأن ظنها زوجته أو
قذفها

وأراد اللعان فإن كان هناك ولد منفصل فله اللعان فينتفي به النسب بلا خلاف ويسقط به حد القذف على الصحيح تبعا وقيل لا يسقط لعدم الزوجية وانتفاء الضرورة إذ كان يمكنه أن يقول ليس الولد مني ولا يقذفها وتتأبد الحرمة بهذا اللعان على الأصح
قلت فإذا قلنا بالضعيف إنه لا تتأبد الحرمة فهل يستبيحها بلا محلل أم يفتقر إلى محلل كالطلاق الثلاث وجهان في الحاوي الصحيح لا يفتقر
والله أعلم
ولا يلزمها حد الزنا ولا يلاعن معارضة للعانه على الأصح
وقيل يلزمها وتلاعن لإسقاطه وإن كان هناك حمل فهل هو كالمنفصل في اللعان فيه خلاف نذكره قريبا إن شاء الله تعالى فيما إذا أبان زوجته ثم قذفها وإن لم يكن ولد ولا حمل فلا لعان كالأجنبي
ولو قذف في نكاح يعتقد صحته ولاعن على ذلك الإعتقاد ثم بان فساده ولا ولد لم يسقط عنه الحد على الأصح فعلى هذا لا يثبت شىء من أحكام اللعان

فرع قذف زوجته ثم أبانها فله أن يلاعن لنفي الولد ولإسقاط عقوبة
القذف وإن لم يكن ولد إذا طلبتها لأن القذف وجد في الزوجية فإن عفت فلا لعان وكذا إن لم تطلب على الأصح وإذا لاعن لزمها الحد ولها إسقاطه باللعان
وفي تأبد الحرمة بلعانه الوجهان كالنكاح الفاسد لوقوعه خارج النكاح

فرع أبانها بخلع أو بالطلاق الثلاث أو بفسخ أو كانت رجعية
بانقضاء العدة ثم قذفها بزنا مطلق أو مضاف إلى حال النكاح فإن كان ولد يلحقه بحكم النكاح السابق فله اللعان ويسقط به عنه الحد
قال البغوي ويلزمها حد الزنا إن أضاف الزنا إلى حالة النكاح ولها إسقاطه باللعان فإن لم يضف لم يلزمها
وفي تأبد الحرمة ومعارضتها باللعان الخلاف السابق والخلاف في المعارضة جار في كل لعان بمجرد نفي الولد كما لو أقام بينة بزناها أو أقرت
وإن كان حمل فهل له اللعان قبل انفصاله فيه نصان رواهما المزني في المختصرو الجامع فقال أبو إسحق لا يلاعن قطعا إذ قد لا يكون ولد وتأول النص الآخر
والصحيح أن المسألة على قولين
أحدهما هذا وأظهرهما عند الأكثرين يلاعن كما لو كان في صلب النكاح
فعلى هذا لو لاعن فبان أن لا حمل تبينا فساد اللعان وإن لم يكن ولد ولا حمل لم يلاعن على الصحيح وقيل له اللعان إن أضاف الزنا إلى حالة النكاح
فرع قذف زوجته بزنا أضافه إلى ما قبل النكاح فإن لم يكن
يلاعن وإن كان فوجهان
أحدهما لا يلاعن لأنه مقصر بالتاريخ وكان حقه أن يطلق القذف
فعلى هذا له أن ينشىء قذفا ويلاعن لنفي النسب فإن لم يفعل حد وبهذا قال أبو إسحق وصححه الشيخ أبو حامد وجماعة
والثاني وبه قال أبو علي بن أبي هريرة والطبري وصححه القاضي أبو الطيب والإمام والروياني وغيرهم له اللعان فعلى هذا يسقط الحد بلعانه وهل عليها حد الزنا بلعانه وجهان
وهل لها معارضته باللعان فيه الوجهان السابقان
قلت صحح في المحرر قول أبي إسحق وهو أقوى
والله أعلم

فصل قذفها ولاعنها ثم قذفت
فلها حالان
أحدهما أن لا يلاعن معارضة للعانه وحدت حد الزنا فالقذف الثاني إن كان من الزوج نظر إن قذفها بذلك الزنا أو أطلق لم يلزمه إلا التعزير لأنا صدقناه في ذلك الزنا وإنما يعزر للإيذاء
وإن قذفها بزنا آخر فوجهان
أحدهما يحد كما لم يلاعن
وأصحهما يعزر فقط لأن لعانه في حقه كالبينة وليس له أن يلاعن لدفع التعزير لأنه قذف بعد البينونة وإن قذفها أجنبي بذلك الزنا حد على الأصح
وقيل يعزر وإن قذفها بغيره حد على المذهب
وقيل فيه الوجهان
الحال الثاني أن يلاعن فإن قذفها الزوج بذلك الزنا أو أطلق عزر فقط وإن قذفها بزنا آخر فالمذهب أنه يحد وقيل يعزر على قول قديم وقيل هو وجه وهذا الخلاف جار سواء قذفها بزنا آخر بعد اللعان أو قبله وسواء قلنا يحد أو يعزر فليس له اللعان لأنها بائن ولا ولد
وإن قذفها أجنبي حد سواء قذفها بذاك الزنا أو غيره
وقيل إن قذفها بذاك الزنا عزر والصحيح الأول
وسواء في الزوج والأجنبي كان ولد فنفاه باللعان وبقي أو مات أو لم يكن هذا كله إذا قذفها ولاعن ثم قذف أما إذا قذفها ولم يلاعن فحد للقذف ثم قذفها بذلك الزنا فلا يحد لأنه ظهر كذبه بالحد الأول ويعزر تأديبا للإيذاء
وقد سبق أنه لا يلاعن لإسقاط مثل هذا التعزير على الصحيح
وإن قذفها بزنا آخر فوجهان
قال البغوي أصحهما يعزر
وقال أبو الفرج الزاز أصحهما يحد لأن كذبه في الأول لا يوجب كذبه في الثاني فوجب الحد لدفع العار
وهل يلاعن لإسقاط الحد أو التعزير وجهان
أصحهما لا لظهور كذبه بالحد
وإن قذفها أجنبي بذلك الزنا أو غيره حد

فرع قذف زوجته أو غيرها مرتين فصاعدا فإن أراد زنا واحدا
حد واحد لأنه لم يقذف إلا بفاحشة واحدة فإن حد مرة فأعاد عزر للإيذاء ولا يحد لظهور كذبه
وإن قذف بزنا آخر كقوله زنيت بفلان ثم قال زنيت بآخر فقولان
الجديد وأحد قولي القديم يجب حد واحد
والقديم الآخر يتعدد الحد
ورأى ابن كج القطع بحد واحد فإذا قلنا حد واحد فقذف فحد ثم قذف ثانيا فهل يحد ثانيا أم يعزر لظهور كذبه بالحد الأول وجهان أو قولان
قال ابن كج الصحيح منهما التعزير
ولو قذف زوجته مرتين فصاعدا بزنيتين ففي التعداد والإتحاد هذا الخلاف فإن قلنا بالإتحاد كفى لعان واحد وإن قلنا بالتعدد فوجهان
أحدهما يتعدد اللعان بحسب تعدد الحد وأصحهما يكفي لعان واحد لأنه يمين وإذا كان الحقان لواحد كفى يمين إلا أنه يقول في اللعان أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنيتين
وإن سمى الزانيين ذكرهما في اللعان فلو وقع أحد القذفين في الزوجية والآخر خارجها فله صورتان
إحداهما أن يقذف أجنبية ثم يتزوجها قبل أن يحد ثم يقذفها
فينظر إن قذفها بالزنا الأول لم يجب إلا حد وليس له إسقاطه باللعان وإن قذفها بزنا آخر ففي تعدد الحد واتحاده طريقان
أحدهما على القولين فيما إذا قذف زوجته أو أجنبيا بزنيتين
والثاني القطع بالتعدد لاختلاف موجبهما لأن الثاني يسقط باللعان بخلاف الأول فصارا كحدين مختلفين ولا تداخل مع الإختلاف وهذا الطريق أرجح عند القاضي أبي الطيب وبه قطع الشيخ أبو حامد ومتابعوه
ورجح آخرون طريقة القولين قالوا وموجب القذفين الحد ولا اختلاف فيه وإنما الإختلاف في طريق الخلاص منه فإن قلنا بالإتحاد فإن لم يلاعن حد لهما حدا واحدا وإن لاعن الثاني حد للأول وإن حد للأول قبل أن يلاعن

سقط اللعان للثاني إلا أن يكون هناك ولد فيلاعن لنفيه فإن لم يكن فعلى الخلاف في أنه هل يجوز اللعان لمجرد غرض قطع النكاح وإلصاق العار بها وقد سبق أن قلنا بالتعدد فإن طالبت أولا للقذف الأول فأقام بينة بزناها سقط الحدان لأنه ثبت أنها غير محصنة وإن لم يقم حد
ثم إذا طالبت للثاني فأقام بينة أو لاعن سقط عنه الحد الثاني وإلا حد ثانيا وإن طالبت أولا بالثاني فأقام بينة سقط الحدان وإلا فإن لاعن سقط الحد الثاني دون الأول وإن لم يلاعن حد للثاني ثم يجد للأول
وإن طالبت بهما جميعا حد للأول لسبق وجوبه ثم للثاني إن لم يلاعن
وإن حد في القذف الأول ثم قذفها في النكاح ولم يلاعن حد ثانيا على الصحيح وقال ابن الحداد لا يحد للثاني
قال الشيخ أبو علي لم يرض هذا أحد من أصحابنا وقالوا يحد ثانيا إذا لم يلتعن تفريعا على قول التعدد قالوا ولا فرق بين أن يقذف في النكاح بعد أن يحد للأول أو قبله في أنه يحد الثاني إذا لم يلتعن لكن إذا كان قبله حد لكل واحد منهما

فرع قذف زوجته ثم أبانها بلا لعان ثم قذفها بزنا آخر فإن
ثم نكحها ففي حده للثاني قولان كما لو قذف أجنبية فحد ثم قذفها ثانيا وإن لم تطلب حد القذف الأول حتى أبانها فإن لاعن للأول فقيل يحد للأول
وقيل قولان وإن لم يلاعن فقيل يحد حدين وبه قال ابن الحداد
وقيل قولان
أحدهما هذا
والثاني حد واحد
فرع قذف زوجته البكر فلم تطالبه حتى فارقها ونكحت غيره ووطئها وصارت
محصنة وقذفها الثاني ثم طالبتهما فلاعن كل واحد منهما وامتنعت هي من اللعان فقد ثبت عليها بلعان الأول زنا بكر وبلعان الثاني زنا محصنة وفيما عليها

وجهان
أحدهما الرجم فقط لأن شأن الحدود التداخل
وأصحهما وبه قال ابن الحداد يلزمها الجلد ثم الرجم
قال الشيخ أبو علي هذا ظاهر المذهب لأن التداخل إنما يكون عند الإتفاق وقال وعلى هذا لو زنا العبد ثم عتق فزنى قبل الإحصان فقيل عليه خمسون جلدة لزناه في الرق ومائة لزناه في الحرية لاختلاف الحدين والأصح أنه يجلد مائة فقط ويدخل الأقل في الأكثر لاتحاد الجنس وعلى هذا لو زنا وهو حر بكر فجلد خمسين وترك لعذر فزنا مرة أخرى جلد مائة وتدخل الخمسون الباقية فيها
ولو قذف شخصين محصنا وغيره بكلمة وقلنا باتحاد الحد دخل التعزير في الحد
وفي هذا نظر لاختلاف جنس الحد والتعزير
ولو كانت في المسألة الأولى بكر في لعان الزوجين فالصحيح أن عليها حدا واحدا كما لو ثبت زنيان أحدهما ببينة والآخر بإقرار أو كلاهما بالبينة
قال ابن الحداد عليها حدان لأن لعان كل واحد حجة في حقه فصارا كجنسين

فصل إذا لحقه نسب بملك يمين في مستولدة أو أمة موطوءة لم
باللعان على الأظهر وقيل لا ينتفي قطعا لإمكان نفيه بدعوى الإستبراء وسيأتي في آخر الإستبراء بيانه مع بيان أن الأمة متى تصير فراشا لسيدها حتى يلحقه ولدها إن شاء الله تعالى
ولو اشترى زوجته فانفسخ النكاح ثم ولدت فإن كان لدون ستة أشهر من يوم الشراء فهو لاحق به بحكم النكاح وله نفيه باللعان ويكون اللعان

بعد الإنفساخ كهو بعد البينونة بالطلاق وإن ولدته لستة أشهر فصاعدا من يوم الشراء فإن لم يطأها بعد الشراء أو وطئها وولدته لدون ستة أشهر من يوم الوطء نظر إن كان لأربع سنين فأقل من وقت الشراء فالحكم كذلك وإن كان لأكثر من أربع سنين فهو منفي عنه بغير لعان
فإن وطئها بعد الشراء وأتت به لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطء ولدون أربع سنين من وقت الشراء فإن لم يدع الإستبراء بعد الوطء لحقه الولد بملك اليمين وهل له نفيه باللعان فيه الطريقان
وإن ادعى الإستبراء بعده فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإستبراء فالحكم كذلك وتلغو دعوى الإستبراء وإن كان لستة أشهر فأكثر من وقت الإستبراء لم يلحقه الولد بحكم الملك على الأصح وسنعيده في آخر باب الإستبراء إن شاء الله تعالى ولا يلحقه أيضا بملك النكاح لانقطاع فراش النكاح بفراش الملك وقيل يلحقه بملك النكاح ولا ينتفي إلا بلعان لوجود الإمكان وامتناع الإلحاق بالملك وهذا شاذ وقد يعبر عن هذه الأحوال فيقال إن احتمل كونه من النكاح فقط لحق به النكاح وإن احتمل بالملك فقط لحق به وكذا إن احتملها على الصحيح
وإن لم يحتمل واحد منهما فلا إلحاق ومتى وقع اللعان بعد الشراء فهل يؤيد التحريم وجهان كما لو وقع بعد البينونة
وإن قلنا لا يؤبده فهي حلال له بملك اليمين وإن قلنا يؤبده ففي حلها ( له ) بملك اليمين خلاف مبني على أنه لو لاعن زوجته الأمة ثم اشتراها هل له وطؤها بملك اليمين فيه طريقان أحدهما على وجهين كالمطلقة ثلاثا إذا اشتراها
والثاني لا تحل قطعا لغلظ تحريمه
الطرف الثالث في سبب اللعان وهو القذف أو نفي الولد فمتى نسبها إلى وطء حرام من جانبها أو جانب الزاني فقد قذفها
وإن نسبها إلى زنا هي عليه مكرهة أو جاهلة أو نائمة فلا حد لها ويجب لها التعزير على الأصح

لأن فيه عارا وإيذاء فإن كان ولد لاعن لنفيه وإلا فيلاعن أيضا على المذهب
ولو عين الزاني فقال زنا بك فلان وأنت مكرهة أو قال قهرك فلان فزنا بك لزمه الحد لقذفه وله إسقاطه باللعان بخلاف ما لو قذف زوجته وأجنبية بكلمة فإنه لا يتمكن من إسقاط حد الأجنبية باللعان لأن فعلها ينفك عن فعل الأجنبية ولا ينفك عن فعل الزاني بها
ولو قال لزوجته وطئت بشبهة ففي وجوب التعزير عليه لها الوجهان فيما لو نسبها إلى الزنا مكرهة وإن لم يكن ولد فله اللعان لنفي التعزير إن أوجبناه وإلا فلا وإن كان ولد فطريقان
أحدهما في جواز اللعان وجهان
أصحها الجواز إلا أنه إذا لم يلاعن لحقه الولد ولم يلاعن للقذف
والطريق الثاني وهو المذهب وبه قال الأكثرون أنه إن لم يعين الواطىء بالشبهة أو عين فلم يصدقه لحق الولد بالنكاح وله نفيه باللعان وإن صدقه وادعى الولد عرض على القافة
فإن ألحقه بذلك المعين لحقه ولا لعان وإلا فيلحق الزوج وليس له نفيه باللعان لأنه كان له طريق آخر ينتفي به وهو أن يلحقه القافة بذلك المعين وإنما ينفى باللعان من لا يمكن نفيه بطريق آخر فإن لم يكن قائف ترك حتى يبلغ الصبي فينتسب إلى أحدهما فإن انتسب إلى ذلك المعين انقطع نسبه عن الزوج بلا لعان وإن انتسب إلى الزوج فله نفيه باللعان لأنه لا يمكن نفيه بغير اللعان هكذا ذكره البغوي وغيره
ولو قال زنيت بفلان وهو غير زان بل ظنك زوجته فهو قاذف لها فله إسقاط الحد باللعان والولد المنسوب إلى ذلك الواطىء منسوب إلى وطء شبهة فإن صدقه فلان عرض على القائف كما ذكرناه ولو اقتصر على قوله ليس هذا الولد مني فعن صاحب التقريب حكاية تردد في جواز اللعان وقطع

الجمهور بأنه لا يلتفت إلى ذلك ويلحق الولد بالفراش إلا أن يسند النفي إلى سبب معين ويلاعن

فرع لا يشترط لجواز اللعان أن يقول عن القذف رأيتها تزني بل
قال زنيت أو يا زانية أو قال وهي غائبة فلانة زانية جاز اللعان ولا يشترط أيضا أن يدعي استبراءها بعد الوطء
قال الأصحاب ولو أقر بوطئها في الطهر الذي قذفها بالزنا فيه جاز له أن يلاعن وينفي النسب قال في البسيط ولعل هذا في الحكم الظاهر فأما بينه وبين الله تعالى فلا يحل له النفي مع تعارض الإحتمال ويجوز أن يعول الزوج فيه على أمر يختص بمعرفته كعزل أو قرينة حال
فصل إذا قذف زوجته برجل معين فسيأتي الكلام في أنه يلزمه حد
حدان إن شاء الله تعالى فإن ذكر الرجل في لعانه بأن قال أشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان سقط حقه كما سقط حقها سواء أوجبنا حدا أم حدين حتى لو قذفها بجماعة وذكرهم سقط حق الجميع وإن لم يذكر الرجل في لعانه لم يسقط حقه على الأظهر فعلى هذا إن أراد إسقاطه فطريقه أن يعيد اللعان ويذكره ولو امتنع الزوج من اللعان ولا بينة فحد بطلبها ثم جاء الرجل يطلب الحد فإن قلنا الواجب حد واحد فقد استوفى وإن قلنا حدان استوفي منه حد آخر وله إسقاطه باللعان ولو ابتدأ رجل بطلب حقه فهل له أن يلاعن له وجهان وقد يبنيان على خلاف في أن حقه

يثبت أصلا أم تابعا لحقها وإن عفا الرجل عن حقه أو عفت هي فللآخر منهما المطالبة سواء قلنا الواجب حد أم حدان وله إسقاطه باللعان
وعن ابن القطان إذا قلنا حقه تابع فلا حد ولا لعان والصحيح الأول وبمثله أجاب ابن الصباغ فيما لو لم يذكر الرجل في لعانها وقلنا لا يسقط حقه فطالب بحقه وامتنع الزوج عن إعادة اللعان فلا يجد سواء قلنا يجب لهما حد أم حدان لأن الحد لا يتبعض ولا يجب باللعان حد الزنا على الرجل المرمي به بحال
وإذا لاعن لإسقاط حد المرمي به قال البغوي قيل يتأبد التحريم ويحتمل خلافه

فرع قذف إمرأته عند الحاكم بزيد أو قذف أجنبي أجنبيا والمقذوف غائب
ففيه ثلاث طرق
أحدها يستحب للحاكم أن يبعث إلى المقذوف فيخبره بالحال ليطالب بحقه إن شاء وبهذا قال الشيخ أبو حامد
والطريق الثاني وبه قال الأكثرون يجب ذلك على الحاكم
والثالث نقل أبو الفرج السرخسي أن الشافعي رحمه الله نص على أنه يجب ذلك على الحاكم ونص أنه لو أقر عنده رجل بدين لزيد لا يجب عليه إعلامه
وأن للأصحاب في النصين ثلاث طرق
أحدها تنزيل النصين على حالين إن كان من له الحق حاضرا عالما بالحال فلا حاجة إلى إخباره في النوعين وإن كان غائبا أو غافلا عما جرى وجب إعلامه لئلا يضيع حقه
والثاني تقرير النصين على ظاهرهما لأن الإمام يتعلق به استيفاء الحد بخلاف المال
والثالث جعلهما على قولين بالنفل والتخريج وكيفما كان فالمذهب وجوب إخبار المقذوف

وأما قوله في مختصر المزني وليس للإمام إذا رمي رجل بزنى أن يبعث إليه يسأله عن ذلك فمتأول
قيل المراد لا يسأله هل زنيت وقيل المراد إذا لم يكن الرامي أو المرمي معينا بأن قال رجل عند الحاكم الناس يقولون زنا فلان أو قال زنا في هذه المحلة رجل أو رمى بحجر فقال من رماني به فهو زان وهو لا يدري من رماه به
قال ابن سلمة المراد إذا رماه تعريضا لا تصريحا وعن ابن سريج المراد إذا قذف زوجته بمعين ولاعن فلا حاجة إلى إعلامه سواء ذكره في اللعان أم لا وقلنا يسقط حده له أو لا يسقط وقال أبو إسحق لا يخبره وإن لم يلاعن لأن الزوجة ستطالب ومطالبتها تكفي عن مطالبته بخلاف ما لو قذف أجنبيا

فصل إذا قذف جماعة فهم ضربان

أحدهما أن يتمحضوا أجانب أو زوجات والثاني أن يكونوا من الصيفين الأول المتمحضون فإما أن يقذفهم بكلمات وإما بكلمة فهما حالان
الأول أن يقذف كل واحد بكلمة فعليه لكل واحد حد وإن كن زوجات أفرد كل واحد بلعان ويكون اللعان على ترتيب قذفهن فلو لاعن عنهن لعانا واحدا لم يكف عن الجميع لكن إن سماهن حسب عن التي سماها أولا وإن أشار إليهن فقط لم يعتد به عن واحدة منهن
الحال الثاني أن يقذفهم بكلمة كقوله زنيتم أو أنتم زناة فقولان
الجديد أن لكل واحد حدا والقديم لا يجب إلا حد واحد فعلى هذا إن حضر واحد وطلب الحد حد له وسقط حق الباقين
ولو قال يا ابن الزانيين فهو قذف لأبوي المخاطب بكلمة ففيه القولان وإن قال لنسوته الأربع زنيتن فالحد على القولين فإن أراد اللعان

فإن قلنا يتعدد الحد تعدد اللعان وإن قلنا يتحد الحد ففي اللعان وجهان أصحهما يتعدد لأن اللعان يمين والأيمان المتعلقة بحقوق جماعة لا تتداخل
والثاني يكفي لعان يجمعهن فيه بالإسم أو بالإشارة إن اكتفينا بها وإذا قلنا بالتعدد فرضين بلعان واحد لم ينفع كما لو رضي المدعون بيمين واحدة ثم يلاعن عنهن على الترتيب الذي يتفقن عليه فإن تنازعن في الإبتداء أقرع بينهن فإن قدم الحاكم واحدة قال الشافعي رضي الله عنه رجوت أن لا يأثم
ونقل القاضي أبو الطيب أن ذلك فيما إذا لم يقصد تفضيل بعضهن ويجنب الميل وإن قلنا بالإتحاد فذلك إذا توافقن على الطلب أو لم نشترط طلبهن أما إذا شرطناه وانفرد بعضهن بالطلب فلاعن ثم طلب الباقيات احتاج إلى اللعان وحصل التعدد
وإذا لاعن عنهن لزمهن الحد فمن لاعنت سقط عنها الحد ومن امتنعت حدت وإذا امتنع من اللعان كفاه حد واحد على قولنا بالإتحاد وجميع ما ذكرناه هو فيمن قذف جماعة بكلمة ولم يقيد بزنا واحد
فإن قيد بأن قال لزوجته أو أجنبية زنيت بفلان فطريقان
أصحهما طرد القولين في تعدد الحد واتحاده
والثاني القطع بالإتحاد لأنه رماهما بفاحشة واحدة
الضرب الثاني أن يكونوا من الصنفين بأن قذف زوجته وأجنبية نظر إن كان بكلمتين فعليه حدان فإن لاعن عن زوجته سقط حدها وبقي حد الأجنبية
ولو قال لزوجته يا زانية بنت الزانية أو زنيت وزنت أمك فعليه حدان لهما فإن حضرتا معا وطلبتا الحدين فثلاثة أوجه
أصحهما وهو المنصوص يبدأ بحد الأم لأن حقها أقوى فإنه لا يسقط باللعان
والثاني يبدأ بالبنت لسبقها
والثالث يقرع
ولو قال لأجنبية يازانية بنت الزانية قدمت البنت على الأصح
وقيل يقرع
ولو قال لأم زوجته يا زانية أم

الزانية قدمت الأم على الأصح
وقيل يقرع
ولو قذف زوجته وأجنبية بكلمة كقوله زنيتما أو أنتما زانيتان ولم يلاعن للزوجة ففي تعدد الحد واتحاده طريقان
أصحهما فيه القولان السابقان
والثاني القطع بالتعدد لاختلافهما في الحكم فإن حد الزوجة يسقط باللعان دون الآخر فإن قلنا بالإتحاد فجاءت الأجنبية مطالبة فحد لها سقط الحد واللعان في الزوجة إلا أن يكون ولد يريد نفيه
وإن لاعن للزوجة حد للأجنبية وإن عفت إحداهما حد للأخرى إذا طلبت بلا خلاف ذكره البغوي وغيره
وحكي وجه شاذ أن قوله يا زانية بنت الزانية كقوله أنتما زانيتان ومتى وجد حدان لواحد أو جماعة وأقيم أحدهما أمهل إلى أن يبرأ جلده ثم يقام الثاني

فصل ادعت أن زوجها قذفها فله في الجواب أحوال

أحدها أن تسكت فيقيم عليه بينة فله أن يلاعن ويقول في لعانه أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما أثبتت علي من رميي إياها بالزنا
الحال الثاني أن يقول في الجواب لا يلزمني الحد فيقيم عليه بالبينة فله اللعان أيضا
الثالث أن ينكر القذف فيقيم عليه بينة ثم يريد اللعان فإن أول إنكاره وقال أردت أن ما رميتها به ليس بقذف باطل بل هو صدق أو أنشأ في الحال قذفا آخر فله اللعان لأن من كرر القذف كفاه لعان واحد
وإن لم يذكر تأويلا ولا أنشأ فله اللعان أيضا على الصحيح وبه قال الأكثرون وهو ظاهر النص لاحتمال التأويل المذكور
الرابع أن يقول ما قذفتك وما زنيت فإذا قامت بينة حد ولا لعان لأنه شهد بعفتها فكيف يحقق زناها بلعانه وليس له إقامة البينة على

زناه والحالة هذه لأنه يكذب الشهود بقوله وما زنيت
ولو أنشأ والحالة هذه قذفا فعن القاضي حسين إطلاق القول بجواز اللعان
قال الإمام والغزالي هذا محمول على ما إذا مضى بعد الدعوى والجواب زمن يمكن تقدير الزنا فيه وإلا فيؤاخذ بإقراره ببراءتها ولا يمكن من اللعان
وإذا لاعن ففي سقوط حد القذف الذي قامت به البينة وجهان ومقتضى كلام الغزالي في الوجيز القطع بسقوطه

فرع لو امتنع الزوج من اللعان فعرض الحد أو استوفى منه بعض
ثم بدا له أن يلاعن مكن وإذا لاعن سقط عنه ما بقي من الحد كما لو بدا له أن يقيم فيه البينة وكذا المرأة إذا امتنعت من اللعان ثم عادت إليه مكنت منه وسقط عنها ما بقي من الحد
ولو أقيم عليه الحد بتمامه ثم أراد اللعان فالمذهب أنه إن كان ولد منه لاعن لنفيه وإلا فلا
فصل قال لزوجته زنيت وأنت صغيرة فقد أطلق الغزالي والبغوي أن عليه
التعزير وله إسقاطه باللعان على الصحيح وفصل الجمهور فقالوا يؤمر ببيان الصغر فإن ذكر سنا لا يحتمل الوطء كثلاث سنين أو أربع فليس بقذف ويعزر للسب والإيذاء ولا لعان كما سبق أن مثل هذا لا لعان فيه
وإن ذكر سنا يحتمله كعشر سنين فهو قذف وعليه التعزير وله إسقاطه باللعان
ولو قال زنيت وأنت مجنونة أو مشركة أو أمة فإن عرفت لها هذه الأحوال أو ثبتت ببينة أو إقرار فلا حد وعليه التعزير وله إسقاطه

باللعان وإن عرف ولادتها على الإسلام والحرية وسلامة عقلها وجب الحد على الصحيح وقيل التعزير لأنها إذا لم يكن لها تلك الحالة كان قوله كذبا ومحالا كقوله زنيت وأنت رتقاء وإن لم يعلن حالها واختلفا فأيهما يصدق بيمينه قولان
أظهرهما هي فإن نكلت حلف ووجب التعزير
والثاني هو فإن نكل حلفت وحد ويجيء القولان فيما لو قال الزوج أنت أمة في الحال فقالت بل حرة ولا يجيئان فيما لو قال أنت كافرة في الحال فقالت بل مسلمة لأنها إذا قالت أنا مسلمة حكم بإسلامها
ولو قالت أردت بقولك لي زنيت وأنت صغيرة قذفي في الحال ووصفي بالصغر في الحال ولم ترد القذف بزنا في الصغر أو قال زنيت وأنت مجنونة أو كافرة فأقرت بتلك الحال وقالت أردت القذف في الحال فعن الشيخ أبي حامد أن القول قولها واستبعده ابن الصباغ وغيره
ولو أطلق النسبة إلى الزنا ثم قال أردت في الصغر أو الجنون أو الكفر أو الرق لم يقبل منه على المذهب وبه قطع الجمهور سواء عهد لها ذلك الحال أم لا
فإن قال هي تعلم أني أردت هذا حلفت على نفي العلم وحد لها
وقال السرخسي إن عهد تلك الحال قبل وعزر وإلا فقولان
الطرف الرابع في كيفية اللعان وفيه فصول
الأول في كلمات اللعان وهي خمس أن يقول الزوج أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي من الزنا ويسميها ويرفع في نسبها بحيث تتميز إن كانت غائبة عن المجلس
وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه يرفع في نسبها بحيث تتميز عن سائر زوجاته إن كان في نكاحه غيرها فقد يشعر هذا بالإستغناء بقوله فيما رميت به زوجتي عن الإسم والنسب إذا لم يكن

تحته غيرها
فإن كانت المرأة حاضرة عنده أشار إليها وهل يحتاج مع الإشارة إلى التسمية وجهان
أصحهما لا كسائر العقود والفسوخ
والثاني نعم لأن اللعان مبني على الإحتياط والتغليظ وقد يقال في هذا التوجيه لا يكتفي في الحاضرة بالتسمية ورفع النسب حتى تضم إليهما الإشارة ثم يقول في الخامسة إن علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ويعرفها في الغيبة والحضور كما في الكلمات الأربع وإن كان ولد ينفيه ذكره في الكلمات الخمس فيقول وإن الولد الذي ولدته أو هذا الولد من الزنا وليس هو مني
وإن قال هو من زنا واقتصر عليه كفى على الأصح ولو اقتصر على قوله ليس مني لم يكف على الصحيح لاحتمال إرادة عدم الشبه ولو أغفل ذكر الولد في بعض الكلمات احتاج إلى إعادة اللعان لنفيه ولا تحتاج المرأة إلى إعادة لعانها على لعانها على المذهب
وحكى السرخسي تخريج قول فيه
وصفة لعان المرأة أن تقول أربع مرات أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتقول في الخامسة علي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به والقول في تعريفه غائبا وحاضرا كما ذكرنا في جانبها ولا تحتاج هي إلى ذكر الولد لأن لعانها لا يؤثر فيه
ولو تعرضت له لم يضر وفي جمع الجوامع للقاضي الروياني أن القفال حكى وجها ضعيفا أنها تذكره فتقول هذا الولد ولده ليستوي اللعانان

فرع لا يثبت شىء من أحكام اللعان إلا إذا تمت الكلمات الخمس
حكم حاكم بالفرقة بأكثر كلمات اللعان لم ينفذ حكمه لأن حكمه غير جائز بالإجماع فلا ينفذ كسائر الأحكام الباطلة

فرع لو قال بدل كلمة الشهادة أحلف بالله أو أقسم أو
إني لمن الصادقين أو قال بالله إني لمن الصادقين من غير زيادة أو أبدل لفظ اللعن بالإبعاد أو لفظ الغضب بالسخط أو الغضب باللعن أو عكسه لم يصح على الأصح في جميع ذلك
وقيل لا يصح قطعا في إبدال الغضب باللعن ولا في الإقتصار على بالله إني لمن الصادقين
ويشترط تأخير لفظتي اللعن والغضب عن الكلمات الأربع على الأصح ويشترط الموالاة بين الكلمات الخمس على الأصح فيؤثر الفصل الطويل
فرع يشترط في لعان الرجل والمرأة أن يأمر الحاكم به فيقول للملاعن
قل أشهد بالله إني لمن الصادقين


إلى آخرها
فرع يشترط كون لعانها بعد لعان الرجل

فرع إن لم يكن للأخرس إشارة مفهومة ولا كتابة لم يصح قذفه
ولا سائر تصرفاته
وإن كان له إشارة مفهومة أو كتابة صح قذفه ولعانه كالبيع والنكاح والطلاق وغيرها ثم المفهوم من كلام الأكثرين وفي الشامل وغيره التصريح به أنه يصح لعانه بالإشارة وحدها وبالكناية وحدها وذكر المتولي أنه إذا لاعن بالإشارة أشار بكلمة الشهادة أربع مرات ثم بكلمة اللعن وإن لاعن بالكتابة كتب كلمة الشهادة وكلمة اللعن ويشير إلى كلمة الشهادة أربع مرات ولا يكلف أن يكتب أربع مرات وهذا الطريق الآخر

جمع بين الإشارة والكتابة وهو جائز ولكن مقتضى التصحيح بالكتابة المجردة تكرير كتابة كلمة الشهادة
وأما قول الغزالي في الوجيز عليه أن يكتب مع الإشارة أو يورد اللفظ عليه ناطق فيشير بالإجابة فلم يقله أحد من الأصحاب وإنما قال الإمام لو قال به قائل لكان قريبا وحكاه في البسيط عن بعض الأصحاب ولا يعرف عن غيره
ولو لاعن الأخرس بالإشارة ثم عاد نطقه وقال لم أرد اللعان بإشارتي قبل قوله فيما عليه فيلحقه النسب والحد ولا يقبل فيما له فلا ترتفع الفرقة والتحريم المؤبد وله أن يلاعن في الحال لإسقاط الحد وله اللعان لنفي الولد إن لم يفت زمن النفي
ولو قال لم أرد القذف أصلا لم يقبل قوله ولو قذف ناطق ثم عجز عن الكلام لمرض أو غيره فإن لم يرج زوال ما به فهو كالأخرس وإن رجي فثلاثة أوجه
أحدها لا ينتظر بل يلاعن بالإشارة لحصول العجز وربما مات فلحقه نسب باطل
والثاني ينتظر وإن طالت مدته
وأصحهما ينتظر ثلاثة أيام فقط
ونقل الإمام أن الأئمة صححوه
وعلى هذا فالوجه أن يقال إن كان يرجى زواله إلى ثلاثة أيام ينتظر وإلا فلا ينتظر أصلا

فرع من لا يحسن العربية يلاعن بلسانه ويراعي ترجمة الشهادة واللعن والغضب
لسان شاء فيه وجهان
أصحهما الثاني
وإذا لاعن بغير العربية فإن كان القاضي يحسن تلك اللغة فلا حاجة إلى مترجم ويستحب أن يحضره أربعة ممن يحسنها وإن لم يحسنها فلا بد من مترجمين ويكفيان في جانب المرأة فإنها تلاعن لنفي الزنا لا لإثباته
وفي جانب الرجل طريقان
أصحهما القطع بالإكتفاء باثنين وبه قال أبو إسحق وابن سلمة
والثاني على قولين بناء على الإقرار بالزنا يثبت بشاهدين أم يشترط أربعة والأظهر ثبوته بشاهدين

الفصل الثاني في التغليظات
فمنها التغليظ بالزمان بأن يكون بعد صلاة العصر فإن لم يكن طلب أكيد فليؤخر إلى عصر يوم الجمعة ذكره القفال وغيره
ومنها التغليظ بالمكان بأن يلاعن في أشرف مواضع البلد فإن كان بمكة فبين الركن الأسود والمقام
وقد يقال بين البيت والمقام وهما متقاربان وقال القفال في الحجر
وفي المدينة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بيت المقدس عند الصخرة وفي سائر البلاد في الجامع عند المنبر
وقيل لا يعتبر كونه عند المنبر ويلاعن بين أهل الذمة في الموضع الذي يعظمونه وهو الكنيسة لليهود والبيعة للنصارى وهل يأتي الحاكم بيت النار في لعان المجوس وجهان
أصحهما نعم
وقال القفال لا بل يلاعن بينهما في المسجد أو مجلس الحكم ولا يأتي بيت الأصنام في لعان الوثنيين لأنه لا أصل له في الحرمة واعتقادهم غير معتبر بخلاف المجوس بل يلاعن بينهم في مجلس الحكم
وصورته أن يدخلوا دارنا بأمان أو هدنة وإذا كان الزوج مسلما وهي ذمية لاعن هو في المسجد وهي في الموضع الذي تعظمه
فإن قالت ألاعن في المسجد ورضي به الزوج جاز وكذا يجوز أن يتلاعن الذميان في المسجد إلا المسجد الحرام
ومنها التغليظ بحضور جماعة من أعيان البلد وصلحائه فإن ذلك أعظم وأقلهم أربعة
ومنها التغليظ باللفظ وسيأتي بيانه في الدعوى والبينات إن شاء الله تعالى
ثم في وجوب التغليظ في هذه الأمور واستحبابه طرق والمذهب الإستحباب في الجميع

فرع من لا ينتحل دينا كالدهري والزنديق هل يغلظ عليه بهذه الأمور
وجهان

أصحهما لا وبه قال الأكثرون وهو المنصوص ويلاعن في مجلس الحكم لأنه لا يعظم بقعة ولا زمانا فلا ينزجر
ويستحسن أن يقال له في التحليف قل بالله الذي خلقك ورزقك لأنه وإن غلا في كفره فيجد نفسه مذعنة لخالق ومدبر

فرع الحائض تلاعن بباب المسجد ويخرج الحاكم إليها أو يبعث نائبا
والمشرك والمشركة يمكنان من اللعان في المسجد مع الحيض والجنابة على الأصح
فرع اللعان يحتاج فيه إلى حضور الحاكم فلو حكم الزوجان فيه رجلا
فإن قلنا لا يجوز التحكيم في المال لم يجز في اللعان وإلا فوجهان
وقطع المتولي بأنه لا يصح التحكيم إذا كان هناك ولد إلا أن يكون بالغا ويرضى بحكمه
قال ولو قذف العبد زوجته وطلبت الحد ففي تولي السيد اللعان خلاف بناء على إقامته الحد على عبده وسماع البينة إن جوزناها تولى اللعان وزوج الأمة إذا قذفها ولاعن هل يتولى سيدها لعانها فيه هذا الخلاف
الفصل الثالث في السنن
منها أن يخوفهما القاضي بالله تعالى ويعظهما ويقول عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ويقرأ عليهما { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية
ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب فهل منكما من تائب
وإذا فرغ من الكلمات الأربع بالغ في تخويفه وتحذيره وأمر رجلا أن يضع يده على فيه لعله ينزجر وتضع إمرأة يدها على المرأة إذا بلغت كلمة الغضب فإن أبيا إلا المضي لقنهما الخامسة

ومنها أن يتلاعنا من قيام ومنها إذا كان بالمدينة فقد ذكرنا أنه يلاعن عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لفظ الشافعي في المختصر وقال في موضع يلاعن على المنبر وللأصحاب في صعود الملاعن المنبر أوجه
أصحها يصعد والثاني لا والثالث إن كثر القوم صعده ليروه وإلا فعنده
وطرد المتولي الخلاف في صعود المنبر في غير المدينة
الطرف الخامس في أحكام اللعان
قد سبق أكثرها في ضمن ما تقدم
واعلم أن الزوج لا يجبر على اللعان بعد القذف بل له الإمتناع وعليه حد القذف كالأجنبي وكذا المرأة لا تجبر على اللعان بعد لعانه ويتعلق بلعان الزوج خمسة أحكام
أحدها حصول الفرقة ظاهرا وباطنا سواء صدقت أم صدق
وقيل إن صدقت لم تحصل باطنا والصحيح الأول وهي فرقة فسخ
الثاني تأبد التحريم
الثالث سقوط حد القذف عنه
الرابع وجوب الزنا عليها
الخامس انتفاء النسب إذا نفاه باللعان
قلت وقد سبقت أحكام أخر في أول الباب
والله أعلم
ثم هذه الأحكام تتعلق بمجرد لعان الزوج ولا يتوقف شىء منها على لعانها ولا قضاء القاضي ولا يتعلق من هذه الأحكام بإقامة البينة على زناها إلا دفع حد القذف عنه وثبوت حد الزنا عليها ولا يتعلق بلعان المرأة إلا سقوط حد الزنا عنها
ولو أقام بينة بزناها لم تلاعن لدفع الحد لأن اللعان حجة ضعيفة فلا تقاوم البينة

فصل في نفي الولد فيه مسائل

إحداها إنما تحتاج إلى نفي الولد إذا لحقه وذلك عند الإمكان فإن لم

يمكن كونه منه انتفى بلا لعان ولعدم الإمكان صور
منها أن تلد لستة أشهر أو أقل من وقت العقد
ومنها أن تطول المسافة كالمشرقي مع المغربية وقد سبق بيانه مع صور أخرى ووراءها صورتان
إحداها أول زمان إمكان إحبال الصبي هل هو نصف السنة التاسعة أم كمالها أم نصف العاشرة أم كمالها فيه أربعة أوجه
أصحها الثاني
فإذا ولدت زوجته لستة أشهر وساعة تسع الوطء بعد زمن الإمكان لحقه الولد ( 212 ) وإلا فينتفي بلا لعان وإذا حكمنا بثبوت النسب بالإمكان لم نحكم بالبلوغ بذلك لأن النسب ثبت بالإحتمال بخلاف البلوغ لكن لو قال أنا بالغ بالإحتلام فله اللعان
ولو قال أنا صبي لم يصح
فإن قال بعد ذلك أنا بالغ قبل قوله ويمكن من اللعان
وفي وجه لا يقبل قوله أنا بالغ بعد قوله أنا صبي للتهمة
الصورة الثانية من لم يسلم ذكره وأنثياه له أحوال
أحدها أن يكون ممسوحا فاقد الذكر والأنثيين فينتفي عنه الولد بلا لعان لأنه لا ينزل وفي قول يلحقه
وحكي هذا عن الإصطخري والقاضي حسين والصيدلاني
والصحيح المشهور الأول
الثاني أن يكون باقي الأنثيين دون الذكر فيلحقه قطعا
الثالث عكسه فيلحقه أيضا على الأصح
وقيل لا وقيل إن قال أهل الخبرة لا يولد له لم يلحقه وإلا فيلحقه
ومتى بقي قدر الحشفة من الذكر فهو كالذكر السليم
المسألة الثانية ذكرنا فيما لو أبان زوجته ثم قذفها وهناك حمل وأراد اللعان لنفيه أنه يجوز على الأظهر وأنه قيل لا يجوز قطعا
فلو لاعن لنفي الحمل في صلب النكاح جاز على المذهب
وقيل على القولين ولو استلحق الحمل لحقه ولم يكن له نفيه بعد ذلك

الثالثة ولدت زوجته توأمين فنفى أحدهما أو نفاهما ثم استلحق أحدهما لحقه الولدان
ولو أتت بولد فنفاه بعد الولادة باللعان ثم ولدت آخر فقد يكون بينهما دون ستة أشهر وقد يكون ستة فأكثر
فإن كان دونها فهما حمل واحد فإن نفى الثاني بلعان آخر انتفى أيضا والأصح أنه لا يحتاج في اللعان الثاني إلى ذكر الولد الأول وأن المرأة لا تحتاج إلى إعادة لعانها وإن لم تنف الثاني بل استلحقه أو سكت عن نفيه مع إمكانه لحقاه جميعا
فإن استلحقه لزمه لها حد القذف كما لو كذب نفسه
وإن سكت فلحقه لم يلزمه الحد لأنه لم يناقض قوله الأول واللحوق حكم الشرع
ولو قذفها ثم لاعن في البينونة وأتت بولد آخر قبل ستة أشهر فسواء استلحق الثاني صريحا أو سكت عن نفيه فلحقاه لزمه الحد
والفرق أن اللعان بعد البينونة لا يكون إلا لنفي النسب
فإذا لحق النسب لم يبق للعان حكم فحد
وفي صلب النكاح له أحكام
فإذا لحق النسب لا يرتفع فلم يحد
فأما إذا كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فالثاني حمل آخر
فإن نفاه باللعان انتفى أيضا
وإن استلحقه أو سكت عن نفيه لحقه ولا يمنع من ذلك كونها بانت باللعان لاحتمال أنه وطئها بعد وضع الأول فعلقت قبل اللعان فتكون حاملا حال البينونة فتصير كالمطلقة ثلاثا
إذا ولدت لدون أربع سنين من وقت الطلاق ثبت نسبه للمطلق لاحتمال كونها حاملا وقت الطلاق ولا يلزم من لحوق الثاني لحوق الأول لأنهما حملان فلا يلحقه الأول وهذا الذي ذكرناه من لحوق الثاني إذا لم ينفه هو الصواب وبه قطع الأصحاب
وقال في المهذب ينتفي الثاني بلا لعان

لحدوثه بعد الفراش وهذا ليس وجها بل الظاهر أنه سهو وتوجيهه ممنوع
وجميع ما ذكرناه إذا لاعن عن الولد المنفصل ثم أتت بآخر فلو لاعن عن حمل في نكاح أو بعد البينونة إذا جوزناه فولدت ولدا ثم ولدت آخر فإن لم يكن بينهما ستة أشهر فالثاني منفي أيضا لأنه لاعن عن الحمل والحمل إسم لجميع ما في البطن
وإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فالأول منفي باللعان وينتفي الثاني بلا لعان لأن النكاح ارتفع باللعان وانقضت العدة بوضع الأول وتحققنا براءة الرحم قطعا
قال الشيخ أبو حامد وكذا الحكم لو طلقها أو مات عنها فانقضت عدتها بوضع الحمل ثم ولدت لستة أشهر من وقت الوضع لا يلحقه الولد الثاني
قال ابن الصباغ ولا ينظر إلى احتمال حدوثه من وطئه بشبهة لأن ذلك لا يكفي للحوق لأنه بعد البينونة كسائر الأجانب فلا بد من اعترافه بوطء الشبهة وادعائه الولد
وعن القفال أنه إذا لم يلاعن لنفي الولد الثاني يلحقه كما قلنا في الولد المنفصل
قال الروياني هذا غلط لم يذكره غيره
المسألة الرابعة كما يجوز نفي الولد في حياته يجوز بعد موته سواء خلف الولد ولدا بأن كان الزوج غائبا فكبر المولود وتزوج وولد له أو لم يخلفه
ولو مات أحد التوأمين قبل اللعان فله أن يلاعن وينفي الحي والميت جميعا

ولو نفى ولدا باللعان ثم مات الولد فاستلحقه بعد موته لحقه وورث ماله وديته إن قتل سواء خلف ولدا أم لا احتياطا للنسب
ولو نفاه بعد الموت ثم استلحقه لحقه على الأصح احتياطا للنسب وثبت الإرث فإن قسمت تركته نقصت القسمة
الخامسة إذا أتت زوجته بولد فأقر بنسبه لم يكن له نفيه بعد ذلك وإن لم يقر بنسبه وأراد نفيه فهل يكون نفيه على الفور أم يتمادى ثلاثة أيام أم أبدا ولا يسقط إلا بالإسقاط فيه ثلاثة أقوال
أظهرها الأول وهو الجديد وقال الشافعي رحمه الله في بعض كتبه له نفيه بعد يوم أو يومين

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28