كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

فصل إذا كان لزيد عليك مائة
ولك على عمرو مائة فوجد زيد منك ما يجوز له قبض مالك على عمرو فله صورتان
إحداها أن تقول لزيد وكلتك لتقبضه لي وقال بل أحلتني عليه ( 212 ) فينظر إن اختلفتما في أصل اللفظ فزعمت الوكالة بلفظها وزعم زيد الحوالة بلفظها فالقول قولك مع يمينك عملا بالأصل
وإن اتفقتما على جريان لفظ الحوالة وزعمت أنك أردت به تسليطه بالوكالة فوجهان
أصحهما القول قولك وبه قال أكثر الأصحاب
وقال ابن سريج القول قول زيد مع يمينه
وقطع به القاضي حسين
قال الأئمة وموضع الوجهين أن يكون اللفظ الجاري بينكما أحلتك بمائة على عمرو
فأما إذا قلت بالمائة التي لك علي على عمرو فهذا لا يحتمل إلا حقيقة الحوالة فالقول قول زيد قطعا
فإن قلنا القول قول زيد فحلف ثبتت الحوالة وبرئت
وإن قلنا القول قولك في الصورة الأولى أو الثانية على الأصح فحلفت نظر هل قبض زيد من عمرو أم لا فإن قبض برئت ذمة عمرو لدفعه إلى وكيل أو محتال
وفي وجه لا يبرأ في صورة اتفاقكما على لفظ الحوالة
والصحيح الأول
ثم ينظر فإن كان المقبوض باقيا لزمه تسليمه إليك
وهل له مطالبتك بحقه وجهان
أحدهما لا لإعترافه ببراءتك بدعوى الحوالة
وأصحهما نعم لأنه إن كان وكيلا فظاهر
وإن كان محتالا فقد استرجعت منه ظلما فلا يضيع حقه والوجهان في الرجوع ظاهرا
فأما بينه وبين الله تعالى فإنه إذا لم يصل إلى حقه عندك فله إمساك المأخوذ لأنه ظفر بجنس حقه من مالك وأنت ظالمه
وإن كان المقبوض تالفا فقد قطع الأكثرون بأنه لا يضمن إذا لم

يكن التلف بتفريط لأنه وكيل في زعمك والوكيل أمين وليس له مطالبتك لأنه استوفى بزعمه
وقال في التهذيب يضمن لأنه ثبتت وكالته
والوكيل إذا أخذ المال لنفسه ضمن
أما إذا لم يقبض زيد من عمرو فليس له القبض بعد حلفك لأن الحوالة اندفعت وصار معزولا عن الوكالة بانكاره ولك مطالبة عمرو بحقك
وهل لزيد مطالبتك بحقه فيه الوجهان فيما إذا قبض وسلم إليك قال صاحبالبيان ينبغي أن لا يطالبك هنا قطعا لإعترافه بأن حقه على عمرو وأن ما قبضته أنت من عمرو ليس حقا له بخلاف ما إذا قبض فإن حقه تعين في المقبوض فإذا أخذته أخذت ماله
الصورة الثانية أن تقول لزيد أحلتك على عمرو فيقول بل وكلتني بقبض ما عليه وحقي باق
ويظهر تصوير هذا الخلاف عند إفلاس عمرو
فينظر إن اختلفتما في أصل اللفظ فالقول قول زيد مع يمينه
وإن اتفقتما على لفظ الحوالة جرى الوجهان السابقان في الصورة الأولى على عكس ما سبق
فعلى قول ابن سريج القول قولك مع اليمين وعلى قول الأكثرين القول قول زيد مع يمينه
فإن قلنا قولك فحلفت برئت من دين زيد ولزيد مطالبة عمرو إما بالوكالة وإما بالحوالة وما يأخذه يكون له لأنك تقول إنه حقه وعلى زعمه هو لك وحقه عليك فيأخذه بحقه
وحيث قلنا القول قول زيد فحلف فإن لم يكن قبض المال من عمرو فليس له قبضه لأن قولك ما وكلتك يتضمن عزله إن كان وكيلا وله مطالبتك بحقه
وهل لك الرجوع إلى عمرو وجهان
لأنك اعترفت بتحول ما عليه إلى زيد
ووجه الرجوع وهو اختيار ابن كج أن زيدا إن كان وكيلا فلم يقبض فبقي حقك
وإن كان محتالا فقد ظلمك بأخذه

منك وما على عمرو حقه فلك أخذه عوضا عما ظلمك به
وإن قبض المال من عمرو فقد برئت ذمة عمرو
ثم إن كان المقبوض باقيا فقد حكى الغزالي وجهين
أحدهما يطالبك بحقه ويرد المقبوض عليك
والثاني وهو الصحيح أنه يملكه الآن وإن لم يملكه عند القبض لأنه من جنس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه
ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق بل له أن يرده ويطالب ببدل حقه وله أن يأخذه بحقه
وإن تلف بتفريط فلك عليه الضمان وله عليك حقه
وربما يقع التقاص
وإن لم يكن منه تفريط فلا ضمان لأنه وكيل أمين
وفي وجه ضعيف يضمن لأن الأصل فيما يتلف في يد الإنسان من ملك غيره الضمان ولا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة ليبقى حقه تصديقه في إثبات الوكالة ليسقط عنه الضمان

فصل في مسائل منثورة الأولى لو أحلت زيدا على عمرو ثم أحال
زيدا على بكر ثم أحاله بكر على آخر جاز وقد تعدد المحال عليهم دون المحتال
هنا ولو أحلت زيدا على عمرو ثم أحال زيد بكرا على عمرو ثم أحال بكر آخر على عمرو جاز التعدد هنا في المحتالين دون المحال عليه
ولو أحلت زيدا على عمرو ثم ثبت لعمرو عليك مثل ذلك الدين فأحال زيدا عليك جاز
الثانية لك على رجلين مائة على كل واحد خمسون وكل واحد ضامن عن صاحبه فأحالك احدهما بالمائة على إنسان برئا جميعا
وإن أحلت على أحدهما بالمائة برىء الثاني لأن الحوالة كالقبض
وإن أحلت عليهما على أن يأخذ المحتال من كل واحد خمسين جاز ويبرأ كل واحد عما ضمن
وإن أحلت عليهما

على أن يأخذ المائة من أيهما شاء فعن ابن سريج في صحته وجهان
وجه المنع أنه لم يكن له إلا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة صفة
الثالثة لك على رجل مال فطالبته فقال أحلت فلانا علي وفلان غائب فأنكرت فالقول قولك مع يمينك
فلو أقام بينة سمعت وسقطت مطالبتك له
وهل تثبت به الحوالة في حق الغائب حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إذا قدم وجهان
قلت

كتاب الضمان
هو صحيح بالاجماع وفيه بابان
الأول في أركانه وهي خمسة
الأول المضمون عنه
ولا يشترط رضاه بالاتفاق لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز فضمانه أولى وكما يصح الضمان عن الميت اتفاقا سواء خلف وفاء أم لا
ولا يشترط معرفة المضمون عنه على الأصح
قلت وسواء كان المضمون عنه حرا أم عبدا أم معسرا
والله أعلم
الركن الثاني المضمون له ويشترط معرفته على الأصح
وعلى هذا لا يشترط رضاه على الأصح وقول الأكثرين فان شرطناه لم يشترط قبوله لفظا على الأصح فإن شرطناه فليكن بينه وبين الضمان ما بين الإيجاب والقبول في سائر العقود
وإن لم نشترطه جاز أن يتقدم الرضى على الضمان
فإن تأخر عنه فهو إجارة إن جوزنا وقف العقود قاله الإمام وفرع على قولنا لا يشترط رضاه فقال إذا ضمن بغير رضاه نظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه فالمضمون له بالخيار إن شاء طالب الضامن وإن شاء تركه
وإن ضمن بإذنه فحيث قلنا يرجع الضامن على المضمون عنه يجبر المضمون له على قبوله لأن ما يؤديه في حكم ملك المضمون عنه
وإن قلنا لا يرجع فهو كما لو قال لغيره أد ديني ولم يشترط الرجوع وقلنا لا يرجع
وهل لمستحق الدين والحالة هذه أن يمتنع من القبول وجهان بناء على أن المؤدى يقع فداء أم موهوبا لمن عليه الدين إن قلنا بالثاني لم يكن له الامتناع وهو الأشهر فحصل في معرفة المضمون عنه

وله أوجه
أصحها يشترط معرفة المضمون له فقط
والثاني يشترط معرفتهما
والثالث لا
ورابع حكاه الإمام يشترط معرفة المضمون عنه فقط وهو غريب ضعيف
قلت وإذا شرطنا قبول المضمون له فللضامن الرجوع عن الضمان قبل قبوله قاله في الحاوي لأنه لم يتم الضمان فأشبه البيع
والله أعلم
الركن الثالث الضامن
وشرطه صحة العبارة وأهلية التبرع
أما صحة العبارة فيخرج عنه الصغير والمجنون والمبرسم الذي يهذي فلا يصح ضمانهم
ولو ضمن إنسان ثم قال كنت صبيا يوم الضمان وكان محتملا قبل قوله مع يمينه
وكذا لو قال كنت مجنونا وقد عرف له جنون سابق أو أقام به بينة وإلا فالقول قول المضمون له مع يمينه
وفي ضمان السكران الخلاف المذكور في تصرفاته
قلت هذا في السكران بمعصية
فأما السكران بمباح فكالمجنون
والله أعلم
وأما الأخرس فإن لم يكن له إشارة مفهومة ولا كتابة لم نعرف أنه ضمن حتى نصحح أو نبطل وإن كانت له إشارة مفهومة صح ضمانه بها كبيعه وسائر تصرفاته
وفي وجه لا يصح ضمانه إذ لا ضرورة إليه بخلاف سائر التصرفات
ولو ضمن بالكتابة فوجهان سواء أحسن الاشارة أم لا
أصحهما الصحة وذلك عند القرينة المشعرة ويجري الوجهان في الناطق وفي سائر التصرفات
وأما أهلية التبرع فلا يصح ضمان المحجور عليه لسفه وإن أذن الولي لأنه تبرع وتبرعه لا يصح بإذن الولي
كذا قال الإمام والغزالي إن الضمان تبرع وإنما يظهر هذا حيث لا رجوع
وأما حيث ثبت الرجوع فهو قرض محض
ويدل عليه نص الشافعي رضي

الله عنه أنه لو ضمن في مرض موته بغير إذن المضمون عنه حسب من ثلثه
وإن ضمن باذنه فمن رأس المال لأن للورثة الرجوع على الأصيل وهو وإن لم يكن تبرعا فلا يصح من السفيه كالبيع وسائر التصرفات المالية
فان أذن فيه الولي فليكن كما لو كان في البيع
قلت الذي قاله الامام هو الصواب
وقد صرح الأصحاب بأنه لا يصح ضمانه من غير فرق بين الاذن وعدمه
وقول الرافعي إنه ليس تبرعا فاسد فإنه لو سلم أنه كالقرض كان القرض تبرعا
وقوله إذا أذن الولي كان كالبيع يعني فيجري فيه الوجهان فاسد أيضا فان البيع إنما صح على وجه لأنه لا يأذن إلا فيما فيه ربح أو مصلحة والضمان غرر كله بلا مصلحة
وأما ضمان المريض فقال صاحب الحاوي هو معتبر من الثلث لأنه تبرع
فان كان عليه دين مستغرق فالضمان باطل
وإن خرج بعضه من الثلث صح فيه
فلو ضمن في مرضه ثم أقر بدين مستغرق قدم الدين ولا يؤثر تأخر الاقرار به
والله أعلم
وأما المحجور عليه لفلس فضمانه كشرائه

فرع ضمان المرأة صحيح مزوجة كانت أو غيرها ولا حاجة إلى إذن
كسائر تصرفاتها
فرع في ضمان العبد بغير إذن سيده مأذونا كان أو غيره وجهان

أحدهما صحيح

يتبع به إذا عتق إذ لا ضرر على سيده كما لو أقر باتلاف مال وكذبه السيد
وأصحهما لا يصح
وإن ضمن بإذن سيده صح
ثم إن قال اقضه مما تكسبه أو قال للمأذون اقضه مما في يدك قضى منه
وإن عين مالا وأمر بالقضاء منه فكمثل
وإن اقتصر على الإذن في الضمان فإن لم يكن مأذونا ففيه أوجه أصحها يتعلق بما يكسبه بعد الإذن كالمهر
والثاني يكون في ذمته إلى أن يعتق لأنه أذن في الالتزام دون الأداء
والثالث يتعلق برقبته
وإن كان مأذونا له في التجارة فهل يتعلق بذمته أم بما يكسبه بعد أم به وبما في يده من الربح الحاصل أم بهما وبرأس المال فيه أوجه أصحها آخرها
وحيث قلنا يؤدي مما في يده فلو كان عليه ديون ففيه أوجه عن ابن سريج أحدها يشارك المضمون له الغرماء كسائر الديون
والثاني لا يتعلق الضمان بما في يده أصلا لأنه كالمرهون بحقوق الغرماء
والثالث يتعلق بما فضل عن حقوقهم رعاية للجانبين
قلت أصحها الثالث
والله أعلم
وهذا إذا لم يحجر القاضي عليه
فإن حجر باستدعاء الغرماء لم يتعلق الضمان بما في يده قطعا
وأم الولد والمدبر كالقن في الضمان وكذا من بعضه حر إن لم يكن بينه وبين سيده مهاياة أو كانت وضمن في نوبة السيد
فإن ضمن في نوبته صح قطعا
ويجوز إن ضمن في نوبته أن يخرج على الخلاف في المؤن والإكساب النادرة هل تدخل في المهاياة والمكاتب بلا إذن كالقن وبالاذن قالوا هو على القولين في تبرعاته

فرع ضمن عبد باذن سيده وأدى في حال رقه فحق الرجوع

وإن أدى بعد عتقه فالرجوع للعبد على الأصح
ولو ضمن العبد لسيده عن أجنبي لم يصح لأنه يؤدي من كسبه وهو لسيده ولو ضمن لأجنبي عن سيده فإن لم يأذن السيد فهو كما لو ضمن عن أجنبي
وإن أذن صح
ثم إن أدى قبل عتقه فلا رجوع وبعده وجهان بناء على ما لو أجره ثم أعتقه في المدة هل يرجع بأجرة المثل لما بقي قلت لو ثبت على عبد دين بالمعاملة فضمنه سيده صح كالأجنبي
ولو ضمن السيد لعبده دينا على أجنبي فإن لم يكن على العبد دين من التجارة فالضمان باطل
وإلا فوجهان قاله في الحاوي
والله أعلم
الركن الرابع الحق المضمون وشرطه ثلاث صفات كونه ثابتا لازما معلوما
الصفة الأولى الثبوت وفيها مسائل
إحداها إذا ضمن ما لم يجب وسيجب بقرض أو بيع وشبههما فطريقان
أحدهما القطع بالبطلان لأنها وثيقة فلا تسبق وجوب الحق كالشهادة
وأشهرهما على قولين
الجديد البطلان
والقديم الصحة لأن الحاجة قد تدعو إليه
ونقل الإمام فروعا على القديم
أحدها إذا قال ضمنت لك ثمن ما تبيع فلانا فباع شيئا بعد شىء كان ضامنا للجميع لأن ما من أدوات الشرط فتقتضي التعميم بخلاف ما إذا قال إذا بعت فلانا فأنا ضامن لا يكون ضامنا إلا ثمن ما باعه أولا لان إذا ليست من أدوات الشرط
والثاني إن شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدين فهنا أولى
وإلا فوجهان
وكذا معرفة المضمون عنه

والثالث لا يطالب الضامن ما لم يجب الدين على الأصيل وليس له الرجوع بعد لزومه
وأما قبله فعن ابن سريج أن له الرجوع
وقال غيره لا لأن وضعه على اللزوم
وأما إذا قلنا بالجديد فقال أقرض فلانا كذا وعلي ضمانة فأقرضه فالصحيح أنه لا يجوز وجوزه ابن سريج
المسألة الثانية ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة صحيح سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين
وكذا ضمان الأدم ونفقة الخادم وسائر المؤن
ولو ضمن نفقة اليوم فكمثل لأنها تجب بطلوع الفجر
وفي ضمان نفقة الغد والشهر المستقبل قولان بناء على أن النفقة تجب بالعقد أم بالتمكين إن قلنا بالأول وهو القديم صح وإن قلنا بالثاني وهو الجديد الأظهر فلا هكذا نقله عامة الأصحاب
وأشار الإمام إلى أنه على قولين مع قولنا ضمان ما لم يجب باطل لأن سبب وجوب النفقة ناجز وهو النكاح
فإن جوزنا ضمن نفقة المستقبل فله شرطان
أحدهما أن يقدر مدة
فإن أطلق لم يصح فيما بعد الغد وفيه وجهان كما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم هل يصح في الشهر الأول الشرط الثاني أن يكون المضمون نفقة المعسر وإن كان المضمون عنه موسرا لأنه ربما أعسر
وفي التتمة وجه أنه يجوز ضمان نفقة الموسر والمتوسط لأن الظاهر استمرار حاله

فرع لا يجوز ضمان نفقة القريب لمدة مستقبلة

وفي نفقة يومه وجهان لأن سبيلها سبيل البر والصلة
ولهذا تسقط بمضي الزمان وبضيافة الغير
المسألة الثالثة باع شيئا فخرج مستحقا لزمه رد الثمن ولا حاجة فيه إلى شرط والتزام

قال القفال ومن الحماقة اشتراط ذلك في القبالات
وإن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقا فهذا ضمان العهدة ويسمى ضمان الدرك
أما ضمان العهدة فقال في التتمة إنما سمي به لالتزامه ما في عهدة البائع رده والدرك لالتزامه الغرم عند إدراك المستحق عين ماله
وفي صحة هذا الضمان طريقان
أحدهما يصح قطعا
وأصحهما على قولين
أظهرهما الصحة للحاجة إليه
والثاني البطلان
فإن صححنا فذلك إذا ضمن بعد قبض الثمن
فأما قبله فوجهان
أصحهما
المنع لأنه إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع ولا يوجد ذلك قبل القبض
والثاني الصحة لأنه قد تدعو إليه حاجة بأن لا يسلم الثمن إلا بعده

فرع كما يصح ضمان العهدة للمشتري يصح ضمان نقص الصنجة للبائع بأن
جاء المشتري بصنجة ووزن بها الثمن فاتهمه البائع فيها فضمن ضامن نقصها إن نقصت
وكذا ضمان رداءة الثمن إذا شك البائع هل المقبوض من النوع الذي يستحقه فإذا خرج ناقصا أو رديئا طالب البائع الضامن بالنقص وبالنوع المستحق إذا رد المقبوض على المشتري
ولو اختلف البائع والمشتري في نقص الصنجة صدق البائع بيمينه
فإذا حلف طالب المشتري بالنقص ولا يطالب الضامن على الأصح لأن الأصل براءته
ولو اختلف البائع والضامن في نقصها فالمصدق الضامن على الأصح لأن الأصل براءته بخلاف المشتري فان ذمته كانت مشغولة
فرع لو ضمن عهدة الثمن إن خرج المبيع معيبا ورده أو بان
بغير

الاستحقاق كفوات شرط معتبر في البيع أو اقتران شرط مفسد فوجهان
أصحهما الصحة
وهو الذي ذكره العراقيون للحاجة
والثاني المنع لندور الحاجة ولأنه في المعيب ضمان ما لم يجب
فإن قلنا يصح إذا ضمن صريحا فحكى الإمام والغزالي وجهين في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة

فرع في مسائل تتعلق بضمان الدرك إحداها من ألفاظ هذا الضمان أن
يقول للمشتري ضمنت لك عهدته أو دركه أو خلاصك منه
ولو قال ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح لأنه لا يستقل بتخليصه إذا استحق
ولو ضمن عهدة الثمن وخلاص المبيع معا لم يصح ضمان الخلاص
وفي العهدة قولا الصفقة
ولو شرط في البيع كفيلا بخلاص المبيع بطل بخلاف ما لو شرط كفيلا بالثمن
الثانية يشترط أن يكون قدر الثمن معلوما للضامن
فان لم يكن فهو كما لو لم يكن قدر الثمن في المرابحة معلوما
الثالثة يجوز ضمان المسلم فيه للمسلم إليه لو خرج رأس المال مستحقا بعد تسليم المسلم فيه ولا يجوز قبله على الأصح
ولا يجوز ضمان رأس المال للمسلم لو خرج المسلم فيه مستحقا لأن المسلم فيه في الذمة والاستحقاق لا يتصور فيه وإنما يتصور في المقبوض وحينئذ يطالبه المسلم بمثله لا برأس المال
الرابعة إذا ظهر الاستحقاق فالمشتري يطالب من شاء من البائع والضامن
ولا فرق في الاستحقاق بين أن يخرج مستحقا أو كان شقصا ثبت فيه شفعة ببيع سابق فأخذه الشفيع بذلك البيع ولو بان فساد البيع بشرط أو غيره ففي

مطالبته الضامن وجهان
أحدهما نعم كالاستحقاق
والثاني لا للاستغناء عنه بامكان حبس المبيع حتى يسترد الثمن
ولو خرج المبيع معيبا فرده المشتري ففي مطالبته الضامن بالثمن وجهان وأولى بأن لا يطالب لأن الرد هنا بسبب حادث وهو مختار فيه فأشبه الفسخ بخيار شرط أو مجلس أو تقايل هذا إذا كان العيب مقرونا بالعقد
أما إذا حدث في يد البائع بعد العقد ففي التتمة أنه لا يطالب الضامن بالثمن وجها واحدا لأنه لم يكن سبب رد الثمن مقرونا بالعقد ولم يكن من البائع تفريط فيه
وفي العيب الموجود عند العقد سبب الرد موجود عند العقد والبائع مفرط بالاخفاء فالتحق بالاستحقاق على رأي
قلت أصح الوجهين الأولين لا يطالب
ولو خرج المبيع معيبا وقد حدث عند المشتري عيب ففي رجوعه بالأرش على الضامن الوجهان
والله أعلم
ولو تلف المبيع قبل القبض بعد قبض الثمن وانفسخ العقد هل يطالب الضامن بالثمن إن قلنا ينفسخ من أصله فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق
وإن قلنا من حينه فكالرد بالعيب
ولو خرج بعض المبيع مستحقا ففي صحة البيع في الباقي قولا الصفقة وإن قلنا يصح وأجاز المشتري فإن قلنا يجيز بجميع الثمن لم يطالب الضامن بشىء
وإن قلنا بالقسط طالبه بقسط المستحق من الثمن
وإن فسخ طالبه بالقسط ومطالبته بحصة الباقي من الثمن كمطالبته عند الفسخ بالعيب
وإن قلنا لا يصح ففي مطالبته بالثمن طريقان
أحدهما أنه كما لو بان فساد العقد بشرط ونحوه والثاني القطع بتوجه المطالبة لاستناد الفساد إلى الاستحقاق هذا كله إذا كانت صيغة الضمان كما ذكرنا في المسألة الأولى
أما إذا عين جهة الاستحقاق فقال ضمنت لك الثمن متى خرج المبيع مستحقا فلا

يطالب بجهة أخرى
وكذا لو عين جهة غير الاستحقاق لم يطالب عند الاستحقاق
الخامسة اشترى أرضا وبنى فيها أو غرس ثم خرجت مستحقة فقلع المستحق البناء والغراس فهل يجب ارش النقص على البائع وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا وجهان
الأصح المنصوص وجوبه
فعلى هذا لو ضمنه ضامن نظر إن كان قبل ظهور الاستحقاق أو بعده وقبل القلع لم يصح
وإن كان بعدهما صح إن كان قدره معلوما
ولو ضمن رجل عهدة الأرض وارش نقص البناء والغراس في عقد واحد لم يصح في الارش وفي العهدة قولا الصفقة
ولو كان المبيع بشرط أن يعطيه كفيلا بهما فهو كما لو شرط في البيع رهنا فاسدا
وقال جماعة من الأصحاب ضمان نقص البناء والغراس كما لا يصح من غير البائع لا يصح من البائع وهذا إن أريد به أنه لغو
كما لو ضمن العهدة لوجوب الارش عليه من غير التزام فهو جار على ظاهر المذهب
وإلا فهو ذهاب منهم إلى أنه لا ارش عليه
الصفة الثانية اللزوم
والديون الثابتة ضربان
أحدهما ما لا يصير إلى اللزوم بحال وهو نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها على الصحيح
ولو ضمن رجل عن المكاتب غير النجوم فان ضمن لأجنبي صح
وإذا غرم رجع على المكاتب إن ضمنه باذنه
وإن ضمنه لسيده نبني على أن ذلك الدين هل يسقط بعجزه وفيه وجهان
إن قلنا نعم وهو الأصح لم يصح كضمان النجوم الضرب الثاني ماله مصير إلى اللزوم
فان كان لازما في حال الضمان صح ضمانه سواء كان مستقرا أم لا كالمهر قبل الدخول والثمن قبل قبض المبيع

ولا نظر إلى احتمال سقوطه كما لا نظر إلى احتمال سقوط المستقر بالابراء والرد بالعيب وشبههما
وإن لم يكن لازما حال الضمان فهو نوعان
أحدهما الأصل في وضعه اللزوم كالثمن في مدة الخيار وفي ضمانه وجهان
أصحهما الصحة
قال في التتمة هذا الخلاف إذا كان الخيار للمشتري أو لهما
أما إذا كان للبائع فقط فيصح قطعا لأن الدين لازم في حق من عليه
وأشار الإمام إلى أن تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع
أما إذا منعه فهو ضمان ما لم يجب
النوع الثاني ما الأصل في وضعه الجواز كالجعل في الجعالة وفيه وجهان كما سبق في الرهن به وموضع الوجهين بعد الشروع في العمل وقبل تمامه كما سبق هناك
وضمان مال المسابقة إن جعلناها إجارة صح وإلا فكالجعل
الصفة الثالثة العلم وفيه صور
احداها ضمان المجهول فيه طريقان كضمان ما لم يجب
فان صححناه فشرطه أن يمكن الاحاطة به بأن يقول أنا ضامن ثمن ما بعته فلانا وهو جاهل به لأن معرفته متيسرة
أما إذا قال ضمنت لك شيئا مما لك على فلان فباطل قطعا
والقولان في صحة ضمان المجهول يجريان في صحة الابراء عنه
وذكروا للخلاف في الابراء مأخذين
أحدهما الخلاف في صحة شرط البراءة عن العيوب فإن العيوب مجهولة الأنواع والاقدار
والثاني أن الابراء هل هو اسقاط كالاعتاق أم تمليك المديون ما في ذمته ثم إذا ملكه سقط وفيه رأيان
إن قلنا اسقاط صح الابراء عن المجهول
وإلا فلا وهو الأظهر
ويتخرج على هذا الأصل مسائل
منها لو عرف المبرىء قدر الدين ولم يعرفه المبرأ
إن قلنا اسقاط صح وإلا فيشترط علمه كالمتهب
ومنها لو كان له دين على هذا ودين على هذا فقال أبرأت أحدكما
إن قلنا اسقاط صح وأخذ بالبيان
وإلا فلا كما لو كان

له في يد كل واحد عبد فقال ملكت أحدكما العبد الذي في يده
ومنها لو كان لأبيه دين على رجل فأبرأه منه وهو لا يعلم موت الأب إن قلنا إسقاط صح كما لو قال لعبد أبيه أعتقك وهو لا يعلم موت الأب
إن قلنا تمليك فهو على الخلاف فيما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي فبان ميتا
ومنها أنه لا يحتاج إلى القبول إن جعلناه اسقاطا وإن جعلناه تمليكا لم يحتج إليه على الصحيح المنصوص
فإن اعتبرنا القبول ارتد بالرد وإلا فوجهان
قلت أصحهما لا يرتد
والله أعلم
وهذه المسائل ذكرها في التتمة مع أخوات لها
واحتج للتمليك بأنه لو قال للمديون ملكتك ما في ذمتك صح وبرئت ذمته من غير نية وقرينة ولولا أنه تمليك لافتقر إلى نية أو قرينة كما إذا قال لعبده ملكتك رقبتك أو لزوجته ملكتك نفسك فإنه يحتاج إلى النية

فرع لو اغتابه فقال اغتبتك فاجعلني في حل ففعل وهو لا يدري
به فوجهان
أحدهما يبرأ لأنه اسقاط محض كمن قطع عضوا من عبد ثم عفا سيده عن القصاص وهو لا يعلم عين المقطوع فإنه يصح
والثاني لا لأن المقصود رضاه ولا يمكن الرضى بالمجهول ويخالف القصاص فإنه مبني على التغليب والسراية بخلاف اسقاط المظالم
قلت أصحهما
الصورة الثانية ضمان أروش الجنايات صحيح إن كان دراهم أو دنانير
وفي ضمان إبل الدية إذا لم نجوز ضمان المجهول وجهان
ويقال قولان
أصحهما الصحة

وقيل يصح قطعا كما يصح الابراء عنها
وإذا دفع الحيوان وكان الضمان يقتضي الرجوع فهل يرجع بالحيوان أم بالقيمة قال الإمام لا يبعد أن يجرى فيه الخلاف المذكور في إقراض الحيوان
ولا يجوز ضمان الدية عن العاقلة قبل تمام السنة لأنها غير ثابتة بعد
الصورة الثالثة إذا منعنا ضمان المجهول فقال ضمنت مما لك على فلان من درهم إلى عشرة فوجهان
وقيل قولان
أصحهما الصحة لانتفاء الغرر فعلى هذا يلزمه عشرة على الأصح
وقيل ثمانية
وقيل تسعة
قلت الأصح تسعة وسنوضحه في الاقرار إن شاء الله تعالى
والله أعلم
وإن قال ضمنت لك ما بين درهم وعشرة فإن عرف أن دينه لا ينقص عن عشرة صح وكان ضامنا لثمانية
وإلا ففي صحته في الثمانية القولان أو الوجهان
ولو قال ضمنت لك الدراهم التي لك على فلان وهو لا يعرف مبلغها فهل يصح الضمان في ثلاثة لدخولها في اللفظ على كل حال كما لو أجر كل شهر بدرهم فهل يصح في الشهر الأول وهذه المسائل بعينها جارية في الإبراء

فرع يصح ضمان الزكاة عمن هي عليه على الصحيح

وقيل لا لأنها حق لله تعالى ككفالة بدن الشاهد لأداء الشهادة
فعلى الصحيح يعتبر الاذن عند الاداء على الأصح
فرع يجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمة كالأموال

فصل في كفالة البدن
ويسمى أيضا كفالة الوجه وهي صحيحة على المشهور
وقيل تصح قطعا فتجوز ببدن من عليه مال ولا يشترط العلم بقدره على الأصح
والثاني يشترط بناء على أنه لو مات غرم الكفيل المال
ويشترط أن يكون المال مما يصح ضمانه
فلو تكفل ببدن مكاتب للنجوم التي عليه لم يصح
فإن كان عليه عقوبة فإن كانت لآدمي كالقصاص وحد القذف صحت الكفالة على الأظهر
وقيل لا تصح قطعا
وإن كانت حدا لله تعالى لم تصح على المذهب
وقيل قولان
وضبط الإمام والغزالي من تكفل ببدنه فقالا حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه فكل من يلزمه حضور مجلس الحكم عند الاستعداء أو يستحق إحضاره تجوز الكفالة ببدنه فيخرج على هذا الضابط صور منها الكفالة ببدن امرأة يدعي رجل زوجيتها صحيحة
وكذلك الكفالة بها لمن تثبت زوجيته
قال في التتمة والظاهر أن حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن من ادعي عليه القصاص لأن المستحق عليها لا يقبل النيابة
ومنها لو تكفل ببدن عبد آبق لمالكه قال ابن سريج يصح ويلزمه السعي في رده
ويجىء فيه مثل ما حكينا في الزوجة
ومنها الميت قد يستحق إحضاره ليقيم الشهود الشهادة على صورته إذا تحملوها كذلك ولم يعرفوا اسمه ونسبه
وإذا كان كذلك صحت الكفالة ببدنه
ومنها الصبي والمجنون قد يستحق إحضارهما لاقامة الشهادة على صورتها في الاتلاف وغيره فتجوز الكفالة فيهما
ثم إن كفل بإذن وليها فله مطالبة الولي بإحضارهما عند الحاجة وإن كفل بغير إذنه فهو كالكفالة ببدن العاقل البالغ بغير إذنه
ومنها قال الإمام لو تكفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة

فالكفالة باطلة لأن من بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد للخصومات والكفيل فرع المكفول به
وإذا لم يجب حضوره لا يمكن إيجاب الاحضار على الكفيل
وهذا الذي قاله تفريع على أنه لا يلزم إحضار من هو على مسافة القصر وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى

فرع الحق الذي تجوز بسببه الكفالة إن ثبت على المكفول ببدنه بإقرار
أو بينة فذاك
وإن لم يثبت لكنه ادعى عليه فلم ينكر وسكت صحت الكفالة أيضا
وإن أنكر فوجهان
أحدهما أنها باطلة
لأن الأصل البراءة والكفالة بمن لا حق عليه باطلة
وأصحهما الصحة لأن الحضور مستحق
ومعظم الكفالات إنما تقع قبل ثبوت الحق
فرع تجوز الكفالة ببدن الغائب والمحبوس وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يجوز للمعسر ضمان المال

فرع يشترط كون المكفول ببدنه معينا

فلو قال كفلت بدن أحد هذين لم يصح كما لو ضمن أحد الدينين

فصل في ضمان الأعيان
فإذا ضمن عينا لمالكها وهي في يد غيره نظر إن كانت مضمونة عليه كالمغصوب والمستعار والمستام والأمانات إذا خان فيها فله صورتان
إحداهما يضمن رد أعيانها
فالمذهب الذي عليه الجمهور أنه على قولي كفالة البدن
وقيل يصح قطعا
والفرق أن حضور الخصم ليس مقصودا في نفسه وإنما هو ذريعة إلى تحصيل المال فالتزام المقصود أولى
فإن صححنا فردها بريء من الضمان
وإن تلفت وتعذر الرد فهل عليه قيمتها وجهان كما لو مات المكفول ببدنه
فان أوجبنا فهل يجب في المغصوب أكثر القيم أم قيمته يوم التلف لأن الكفيل لم يكن متعديا وجهان
قلت الثاني أقوى
والله أعلم
ولو ضمن تسليم المبيع وهو بعد في يد البائع جرى الخلاف في الضمان
فإن صححناه وتلف انفسخ البيع
فان لم يدفع المشتري الثمن لم يطالب الضامن بشىء
وإن كان دفعه عاد الوجهان في أن الضامن هل يغرم فان غرمناه فهل يغرم الثمن أم أقل الأمرين من الثمن وقيمة المبيع وجهان
أصحهما أولهما
الصورة الثانية أن يضمن قيمتها لو تلفت
قال البغوي يبنى على أن المكفول ببدنه لو مات هل يغرم الكفيل الدين إن قلنا نعم صح ضمان القيمة لو تلف العين
وإلا فلا وهو الصحيح لهذا ولأن القيمة قبل تلف العين غير واجبة
أما إذا لم تكن العين مضمونة على من هي في يده كالوديعة والمال في يد الشريك والوكيل والوصي فلا يصح ضمانها قطعا لأنها غير مضمونة

الرد أيضا وإنما يجب على الأمين التخلية فقط
ولو تكفل ببدن العبد الجاني جناية توجب المال فهو كضمان العين
ومنهم من قطع بالمنع
والفرق أن العين المضمونة مستحقة ونفس العبد ليست مستحقة وإنما المقصود تحصيل الأرش من بدله وبدله مجهول

فرع باع شيئا بثوب أو بدراهم معينة فضمن قيمته فهو كما لو
في الذمة وضمن العهدة
فرع رهن ثوبا ولم يسلمه فضمن رجل تسليمه لم يصح لأنه ضمان
بلازم
فرع في مسائل من الكفالة إحداها إذا عين في الكفالة مكانا للتسليم
تعين
وإن أطلق فالمذهب أنها تصح ويجب التسليم في مكان الكفالة
وقيل هو كما لو أطلق السلم
وإذا أتى الكفيل بالمكفول به في غير الموضع المستحق جاز قبوله وله أن يمتنع إن كان فيه غرض بأن كان قد عين مجلس الحكم أو موضعا يجد فيه من يعينه على خصمه
فان لم يختلف الغرض فالظاهر أنه يلزمه قبوله
فان امتنع رفعه إلى الحاكم ليقبض عنه
فان لم يكن حاكم أشهد شاهدين أنه سلمه إليه
الثانية يخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه في المكان الذي وجب فيه التسليم

سواء طلبه المستحق أم أباه بشرط أن لا يكون هناك حائل كيد سلطان ومتغلب وحبس بغير حق ينتفع بتسليمه
وحبس الحاكم بالحق لا يمنع صحة التسليم لامكان إحضاره ومطالبته بالحق
ولو حضر المكفول به وقال سلمت نفسي إليك عن جهة الكفيل بريء الكفيل كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين
ولو لم يسلم نفسه عن جهة الكفيل لم يبرأ الكفيل لأنه لم يسلمه إليه هو ولا احد عن جهته حتى قال القاضي حسين لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم وادعى عليه لم يبرأ الكفيل
وكذلك لو سلمه أجنبي لا عن جهة الكفيل
وإن سلمه عن جهة الكفيل فإن كان باذنه فهو كما لو سلمه الكفيل
وإن كان بغير إذنه فليس على المكفول به قبوله لكن لو قبل برىء الكفيل
ولو كفل رجل لرجلين فسلم إلى أحدهما لم يبرأ من حق الآخر
ولو كفل رجلان لرجل فسلم أحدهما قال في التهذيب إن كفلاه على الترتيب وقع تسليمه عن المسلم دون صاحبه سواء قال سلمت عن صاحبي أم لم يقل
وإن كفلاه معا فوجهان
قال المزني يبرأ أيضا صاحبه كما لو دفع أحد الضامنين الدين
وقال ابن سريج والأكثرون لا يبرأ كما لو كان بالدين رهنان فانفك أحدهما لا ينفك الآخر ويخالف قضاء الدين فإنه يبرىء الأصيل وإذا برىء برىء كل ضامن
ولو كانت المسألة بحالها وكفل كل واحد من الكفيلين بدن صاحبه ثم أحضر أحدهما المكفول به وسلمه فعلى قول المزني يبرأ كل واحد عن الكفالة الأولى وعن كفالة صاحبه
وعلى قول ابن سريج يبرأ المسلم عن الكفالتين ويبرأ صاحبه عن كفالته دون الكفالة الأولى
الثالثة كمايخرج الكفيل عن العهدة بالتسليم يبرأ أيضا إذا أبرأه المكفول له
ولو قال المكفول له لا حق لي قبل المكفول به أو عليه فوجهان

أحدهما يبرأ الأصيل والكفيل
والثاني يرجع
فإن فسر بنفي الدين فذاك
وإن فسر بنفي الوديعة والشركة ونحوهما قبل قوله فإن كذباه حلف
الرابعة إذا غاب المكفول ببدنه نظر إن غاب غيبة منقطعة والمراد بها أن لا يعرف موضعه وينقطع خبره فلا يكلف الكفيل إحضاره
وإن عرف موضعه فإن كان دون مسافة القصر لزمه إحضاره لكن يمهل مدة الذهاب والاياب ليحضره
فإن مضت المدة ولم يحضره حبس
وإن كان على مسافة القصر فوجهان
أصحهما يلزمه إحضاره
والثاني لا يطالب به
ولو كان غائبا حال الكفالة فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة
الخامسة إذا مات المكفول به ففي انقطاع طلب الاحضار عن الكفيل وجهان
أصحهما لا ينقطع بل عليه إحضاره ما لم يدفن إذا أراد المكفول له إقامة البينة على صورته كما لو تكفل ابتداء ببدن الميت
والثاني ينقطع
وهل يطالب الكفيل بمال وجهان
أصحهما لا لأنه لم يلتزمه
كما لو ضمن المسلم فيه فانقطع فإنه لا يطالب برد رأس المال
والثاني يطالب وبه وقال ابن سريج لأنه وثيقة كالرهن
وعلى هذا هل يطالب بالدين أم بأقل الأمرين من الدين ودية المكفول به وجهان بناء على القولين في أن السيد يفدي الجاني بالأرش أم بأقل الأمرين من الأرش وقيمة العبد قلت المختار المطالبة بالدين فإن الدية غير مستحقة بخلاف قيمة العبد
قال صاحب الحاوي ولو مات الكفيل فعلى مذهب الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم بطلت الكفالة ولا شىء في تركته
وعلى قول ابن سريج ينبغي أن لا تبطل لأنها عنده قد تفضي إلى مال بتعلق بالتركة لكن لم أر له فيه نصا
ولو مات المكفول له بقي الحق لوارثه
فإن كان له غرماء وورثة وأوصى إلى زيد بإخراج ثلثه لم يبرأ الكفيل إلا بالتسليم إلى الورثة والغرماء والوصي
فلو سلم

إلى الورثة والغرماء والموصى لهم دون الوصي ففي براءته وجهان حكاهما ابن سريج
والله أعلم
السادسة لو هرب المكفول به إلى حيث لا يعلم أو توارى ففي مطالبة الكفيل بالمال خلاف مرتب على الموت وأولى بأن لا يطالب إذ لم نأيس من إحضاره
السابعة إذا تكفل وشرط أنه إن عجز عن تسليمه غرم الدين
فان قلنا يغرم عند الاطلاق صح وإلا فالكفالة باطلة
الثامنة يشترط رضى المكفول ببدنه على الصحيح ولا يشترط رضى المكفول له على الصحيح
فاذا كفل بغير رضى المكفول به فأراد إحضاره لطلب المكفول له نظر إن قال أحضر خصمي فللكفيل مطالبته بالحضور وعليه الاجابة لا بسبب الكفالة بل لأنه وكله في إحضاره
وإن لم يقل ذلك بل قال أخرج عن حقي فهل له مطالبة المكفول به وجهان
أحدهما لا كما لو ضمن عنه بغير إذنه مالا وطالب المضمون له الضامن فإنه لا يطالب المضمون عنه
وذكروا على هذا أنه يحبس واستبعده الأئمة لأنه حبس على ما لا يقدر عليه
والثاني نعم لأن المطالبة بالخروج عن العهدة تتضمن التوكيل في الاحضار
التاسعة لو تكفل ببدن الكفيل كفيل ثم كفيل ثم كذلك آخرون بلا حصر جاز لأنه تكفل بمن عليه حق لازم وقياسا على ضمان المال
ثم إذا برىء واحد برىء من بعده دون من قبله
العاشرة في موت المكفول له ثلاثة أوجه أصحها بقاء الكفالة وقيام

وارثه مقامه كما لو ضمن له المال والثاني تبطل لأنها ضعيفة
والثالث إن كان عليه دين أو له وصي بقيت وإلا فلا لان الوصي نائبه والدين لا بد منه
الركن الخامس الصيغة وفيه مسائل
الأولى لا بد من صبغة دالة على التزام كقوله ضمنت لك مالك على فلان أو تكفلت ببدن فلان أو أنا باحضار هذا المال أو هذا الشخص كفيل أو ضامن أو زعيم أو حميل أو قبيل
وفي البيان وجه أن لفظ القبيل ليس بصريح ويطرد هذا الوجه في الحميل وما ليس بمشهور في العقد
ولو قال خل عن فلان والدين الذي لك عليه عندي فليس بصريح في الضمان
ولو قال دين فلان إلي فوجهان
قلت أقواهما ليس بصريح
والله أعلم
ولو قال أؤدي المال أو احضر الشخص فهذا ليس بالتزام وإنما هو وعد
ولو تكفل فأبراه المستحق ثم وجده ملازما للخصم فقال خله وأنا على ما كنت عليه من الكفالة صار كفيلا
الثانية لو شرط الضامن أو الكفيل الخيار لنفسه لم يصح الضمان
فلو شرط للمضمون له لم يضر لان الخيار في المطالبة والابراء له أبدا
الثالثة لو علق الضمان بوقت أو غيره فقال إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت أو إن لم يؤد مالك غدا فأنا ضامن لم يصح على المذهب كما لا يصح مؤقتا كقوله أنا ضامن إلى شهر فاذا مضى ولم أغرم فأنا بريء
وعن ابن سريج أنه إذا جاز على القديم ضمان المجهول وما لم يجب جاز التعليق
قال الإمام ويجيء

في تعليق الإبراء القولان لأنه اسقاط فإذا قلنا بالقديم فقال إذا بعت عبدك بألف فأنا ضامن لثمن فباعه بألفين قال ابن سريج لا يكون ضامنا لشىء
وفي وجه يصير ضامنا لألف
ولو باعه بخمسمائة ففي كونه ضامنا لها الوجهان
ولو قال إذا أقرضته عشرة فأنا ضامن لها فأقرضه خمسة عشر فهو ضامن للعشرة على الوجهين لان من أقرض خمسة عشر فقد أقرض عشرة والبيع بخمسة عشر ليس بيعا بعشرة
وإن أقرضه خمسة فعن ابن سريج تسليم كونه ضامنا لها
قال الإمام وهو خلاف قياسه لان الشرط لم يتحقق
ولو علق كفالة البدن بمجيء الشهر فإن جوزنا تعليق المال فهي أولى وإلا فوجهان كالخلاف في تعليق الوكالة والفرق أن الكفالة مبنية على المصلحة والحاجة
ولو علقها بحصاد الزرع فوجهان مرتبان وأولى بالمنع لانضمام الجهالة
وإن علقها بقدوم زيد فأولى بالمنع للجهل بأصل حصول القدوم فإن جوزنا فوجد الشرط المعلق عليه صار كفيلا
الرابعة لو وقت كفالة البدن فقال أنا كفيل به إلى شهر فإذا مضى برئت فوجهان وقيل قولان
أصحهما البطلان كضمان المال
ولو نجز الكفالة وشرط التأخير في الاحضار شهرا جاز للحاجة كمثله في الوكالة وتوقف فيه الإمام وجعل الغزالي في الوسيط هذا التوقف وجها
فإذا صححنا فأحضره قبل المدة وسلمه وامتنع المكفول له من قبوله نظر هل له غرض في الامتناع بأن كانت بينته غائبة أو دينه مؤجلا أم لا وحكم القسمين على ما سبق فيمن سلمه في غير المكان المعين
ولو شرط لاحضاره أجلا مجهولا كالحصاد ففي صحة الكفالة وجهان
أصحهما المنع
الخامسة لو ضمن الدين الحال حالا أو أطلق لزمه حالا وإن ضمن المؤجل

مؤجلا بأجل أو أطلق لزمه لأجله
وإن ضمن الحال مؤجلا بأجل معلوم فوجهان
أحدهما لا يصح الضمان للاختلاف
وأصحهما الصحة للحاجة وعلى هذا فالمذهب ثبوت الأجل فلا يطالب إلا كما التزم وبهذا قطع الجمهور
وشذ إمام الحرمين فادعى إجماع الأصحاب على أن الأجل لا يثبت وأن في فساد الضمان لفساده وجهين
أصحهما الفساد
أما لو ضمن المؤجل حالا والتزم التبرع بالتعجيل مضموما إلى التبرع بأصل الضمان فوجهان كعكسه أصحهما الصحة
وعلى هذا هل يلزمه الوفاء بالتعجيل وجهان
أصحهما لا كما لو التزم الأصيل التعجيل
وعلى هذا هل يثبت الأجل في حقه مقصودا أم تبعا فيه وجهان
وفائدتهما فيما لو مات الأصيل والحالة هذه
ولو ضمن المؤجل إلى شهرين مؤجلا إلى شهر فهو كضمان المؤجل حالا
السادسة لو تكفل ببدن رجل أو نفسه أو جسمه أو روحه صح
وإن تكفل بعضو منه فأربعة أوجه
أحدها أنه باطل كالبيع والاجارة بخلاف العتق والطلاق لأن لهما قوة وسراية وبهذا قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
واختاره ابن الصباغ
الثاني يصح
والثالث إن كان عضوا لا يبقى البدن دونه كالرأس والقلب والكبد والدماغ صح
وإن بقي دونه كالرجل واليد لم يصح
وقال في التهذيب هذا أصح
والرابع ما عبر به عن جميع البدن كالرأس والرقبة يصح
وما لا كاليد والرجل فلا
قال القفال هذا أصح
وللوجه حكم سائر الأعضاء كذا قاله الجمهور
وقال الإمام يصح قطعا لشهرة هذا العقد بكفالة الوجه
وأما الجزء الشائع كالنصف والثلث فكالجزء الذي لا يبقى البدن دونه فيكون فيه وجهان

قلت قطع صاحب الحاوي بصحة الكفالة فيما لو كفل برأسه أو وجهه أو عينه أو قلبه وفؤاده وغيرها مما لا يحيى دونه أو جزء شائع
والله أعلم

فرع في مسائل تتعلق بالباب إحداها ضمن عن رجل ألفا وشرط للمضمون
له أن يعطيه كل شهر درهما ولا يحسبه من الضمان فالشرط باطل
وفي بطلان الضمان وجهان
قلت أصحهما البطلان
والله أعلم
الثانية ضمن أو كفل ثم ادعى أنه لم يكن على المضمون عنه والمكفول حق فالقول قول المضمون له
وهل يحلف أم يقبل بلا يمين وجهان عن ابن سريج
فإن قلنا بالأول فنكل حلف الضامن وسقطت عنه المطالبة
ولو أقر أنه ضمن أو كفل بشرط الخيار وأنكر المضمون له الشرط بني ذلك على تبعيض الإقرار
إن قلنا لا يبعض فالقول قول الضامن مع يمينه
وإن بعضناه فقول المضمون له
الثالثة قال الكفيل برىء المكفول وأنكر المكفول له قبل إنكاره بيمينه
فإن نكل فحلف الكفيل برىء ولا يبرأ المكفول
الرابعة قال تكفلت ببدن زيد فإن أحضرته وإلا فأنا كفيل ببدن عمرو لم يصح
ولو قال للمكفول له أبرىء الكفيل وأنا كفيل المكفول قال الأكثرون لا يصح
وقال ابن سريج يصح

الخامسة الكفالة ببدن الأجير المعين صحيحة على الصحيح
ومن قال بتغريم الكفيل عند موت الأصيل لم يصححها لأنه إذا مات انفسخ العقد وسقط الحق
قلت الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح من الأحكام وهي ثلاثة
الأول أن تتجدد للمضمون له مطالبة الضامن ولا تنقطع مطالبته عن المضمون عنه بل له مطالبتهما جميعا ومطالبة أيهما شاء
قلت وله مطالبة أحدهما ببعضه والآخر بباقيه
والله أعلم
فلو ضمن بشرط براءة الأصيل لم يصح على الأصح لأنه ينافي مقتضاه
والثاني يصح الضمان والشرط
والثالث يصح الضمان فقط
فإن صححناهما برىء الأصيل ورجع الضامن عليه في الحال إن ضمن بإذنه لأنه حصل براءته كما لو أدى
ومهما أبرأ مستحق الدين الأصيل برىء ( الضامن ) لسقوط الحق كما لو أدى الأصيل الدين أو أحال مستحقه على إنسان أو أحال المستحق غريمه عليه
وكذا يبرأ ببراءته ضامن الضامن
ولو أبرأ الضامن ولم يبرأ الأصيل لكن يبرأ ضامن الضامن
ولو أبرأ لا تلغى ضامن الضامن لم يبرأ ضامن

فرع ضمن دينا مؤجلا فمات الأصيل حل عليه الدين ولم يحل
على الصحيح
وقال ابن القطان يحل لأنه فرعه فعلى الصحيح لو أخر المستحق المطالبة كان للضامن أن يطالبه بأخذ حقه من تركة الأصيل أو إبرائه لأنه قد تهلك التركة فلا يجد مرجعا إذا غرم
وفي وجه ضعيف ليس له هذه المطالبة
ولو مات الضامن حل عليه الدين
فإن أخذ المستحق المال من تركته لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه قبل حلول الأجل وفي وجه شاذ لا يحل بموت الضامن
الحكم الثاني في مطالبة الضامن المضمون عنه بالأداء ومداره على وجهين خرجهما ابن سريج رحمه الله في أن مجرد الضمان يوجب حقا للضامن على الأصيل ويثبت علقة بينهما أم لا فإذا طالب المضمون له الضامن بالمال فله مطالبة الأصيل بتخليصه إن ضمن بإذنه
وفي وجه شاذ ليس له وليس له مطالبته قبل أن يطالب على الأصح
وهل للضامن تغريم الأصيل قبل أن يغرم حيث يثبت له الرجوع وجهان بناء على التخريج المذكور
وليكن الوجهان تفريعا على أن ما يأخذه عوضا عما يقضي به دين الأصيل يملكه
وفيه وجهان بناء على التخريج
ولو دفعه الأصيل ابتداء بلا مطالبة فإن قلنا يملكه فله التصرف فيه كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجلة لكن لا يستقر ملكه عليه بل عليه رده
ولو هلك عنده ضمنه كالمقبوض بشراء فاسد
ولو دفعه إليه وقال اقض ما ضمنت عني فهو وكيل الأصيل والمال أمانة في يده
ولو حبس المضمون له الضامن فهل له حبس الأصيل وجهان بناء على التخريج
إن أثبتنا العلقة بينهما
فنعم وإلا فلا وهو الأصح
ولو أبرأ الضامن الأصيل عما سيغرم إن أثبتنا العلقة صح الإبراء وإلا فعلى الخلاف في الإبراء عما لم يجب ووجد سبب وجوبه
ولو صالح الضامن الأصيل عن

العشرة التي سيغرمها على خمسة إن أثبتناها في الحال صح الصلح وكأنه أخذ عوض بعض الحق وأبرأ عن الباقي وإلا فلا يصح
ولو ضمن عن الأصيل ضامن للضامن ففي صحته الوجهان
وكذا لو رهن الأصيل عند الضامن شيئا بما ضمن
والأصح في الجميع المنع
ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الأصيل ضامنا بما ضمن ففي صحة الشرط الوجهان
فإن صححنا فوفى وإلا فللضامن فسخ الضمان
وإن أفسدناه فسد به الضمان على الأصح
الحكم الثالث الرجوع
أما غير الضامن إذا أدى دين غيره بغير إذنه فلا رجوع لأنه متبرع
وإن أدى بإذنه رجع إن شرط الرجوع قطعا
وكذا إن أطلق على الأصح
وفي وجه ثالث إن كان حالهما يقتضي الرجوع رجع وإلا فلا كنظيره من الهبة
وأما الضامن فله أربعة أحوال
الأول يضمن بإذن ويؤدي بإذن فيرجع سواء شرط الرجوع أم لا
قال الإمام ويحتمل أن ينزل منزلة الاذن في الاداء بلا ضمان حتى يقال إن شرط الرجوع رجع وإلا فعلى الخلاف
وفي كلام صاحب التقريب رمز إليه
الحال الثاني أن يضمن ويؤدي بلا إذن فلا رجوع
الثالث يضمن بغير إذن ويؤدي بالاذن فلا رجوع على الأصح
فلو أذن في الاداء بشرط الرجوع ففيه احتمالان للإمام أحدهما يرجع كما لو أذن في الاداء بهذا الشرط من غير ضمان
والثاني لا لأن الأداء مستحق بالضمان والمستحق بلا عوض لا يجوز مقابلته بعوض كسائر الحقوق الواجبة
قلت الاحتمال الأول أصح
والله أعلم
الرابع يضمن بالإذن ويؤدي بلا إذن فأوجه
الأصح المنصوص يرجع
والثاني لا
والثالث إن أدى من غير مطالبة أو بمطالبة ولكن أمكنه استئذان الأصل لم يرجع وإلا فيرجع

فرع حوالة الضامن المضمون له على إنسان وقبوله حوالة المضمون له
عليه ومصالحتهما عن الدين على عوض وصيرورة الدين ميراثا للضامن كالاداء في ثبوت الرجوع وعدمه
فصل في كيفية الرجوع فإن كان ما دفعه إلى رب الدين من
وعلى صفته رجع به
وإن اختلف الجنس فالكلام في المأذون في الاداء بلا ضمان ثم في الضامن
أما الأول فالمأذون بشرط الرجوع أو دونه إن أثبتناه لو صالح على غير الجنس ففي رجوعه أوجه
أصحها يرجع
والثاني لا
والثالث إن قال أد ديني أو ما علي رجع وإن قال أد ما علي من الدنانير مثلا فلا رجوع
وإذا قلنا يرجع رجع بما سنذكر في الضامن إن شاء الله تعالى
وأما الضامن إذا صالح على غير الجنس فيرجع بلا خلاف لأن بالضمان ثبت المال في ذمته كثبوته في ذمة الأصيل والمصالحة معاملة مبنية عليه
ثم ينظر فإن كانت قيمة المصالح عليه أكثر من قدر الدين لم يرجع بالزيادة
وإن لم تكن أكثر كمن صالح عن ألف بعبد يساوي تسعمائة فوجهان
وقيل قولان
أصحهما يرجع بتسعمائة
والثاني بالألف
ولو باعه العبد بألف ثم تقاصا رجع ( بالألف ) بلا خلاف
ولو قال بعتك العبد بما ضمنته لك عن فلان ففي صحة البيع وجهان
فإن صححنا فهل يرجع بما ضمنه أم بالأقل مما ضمنه ومن قيمة العبد وجهان
قلت المختار الصحة وأنه يرجع بما ضمنه
والله أعلم

أما إذا اختلفت الصفة فإن كان المؤدى خيرا بأن أدى الصحاح عن المكسرة لم يرجع بالصحاح
وإن كان بالعكس ففيه الخلاف المذكور في خلاف الجنس
وعن الشيخ أبي محمد القطع بالرجوع

فرع في مسائل تتعلق بالرجوع إحداها ضمن عشرة وأدى خمسة وأبرأه رب
المال عن الباقي لم يرجع إلا بالخمسة المغرومة وتبقى الخمسة الأخرى على الأصيل
ولو صالحه من العشرة على خمسة لم يرجع إلا بالخمسة أيضا لكن يبرأ الضامن والأصيل عن الباقي
الثانية ضمن ذمي لذمي دينا على مسلم ثم تصالحا على خمر فهل يبرأ المسلم لأن المصالحة بين ذميين أم لا كما لو دفع الخمر بنفسه وجهان
فإن قلنا بالأول ففي رجوع الضامن على المسلم وجهان لأن ما أدي ليس بمال إلا أنه أسقط الدين
قلت الأصح لا يبرأ ولا يرجع
والله أعلم
الثالثة ضمن عن الضامن آخر وأدى الثاني فرجوعه على الأول كرجوع الأول على الأصيل فيراعى الاذن وعدمه
وإذا لم يثبت له الرجوع على الأول لم يثبت بأدائه للأول الرجوع على الأصيل إذا وجد شرطه فلو أراد الثاني أن يرجع على الأصيل ويترك الأول نظر إن كان الأصيل قال له اضمن عن ضامني ففي رجوعه عليه وجهان
كما لو قال لإنسان أد ديني وليس كما لو قال أد دين فلان حيث لا يرجع قطعا على الآمر لأن الحق لم يتعلق بذمته
وإن لم يقل له اضمن عن ضامني فإن كان الحال لا يقتضي رجوع الأول على الأصيل لم يرجع الثاني عليه

وإن اقتضاه فكذلك على الأصح لأنه لم يضمن عن الأصيل
ولو أن الثاني ضمن عن الاصيل أيضا فلا رجوع لأحد الضامنين على الآخر وإنما الرجوع للمؤدي على الاصيل
ولو ضمن عن الأول والاصيل معا فأدى فله أن يرجع على أيهما شاء وأن يرجع على هذا بالبعض وعلى ذاك بالبعض ثم للأول الرجوع على الاصيل بما غرم بشرطه
الرابعة على زيد عشرة ضمنها اثنان كل واحد خمسة وضمن كل واحد عن الآخر فلرب المال مطالبة كل واحد منهما بالعشرة نصفها عن الاصيل ونصفها عن الآخر فإن أدى أحدهما العشرة رجع بالنصف على الاصيل وبالنصف على صاحبه
وهل له الرجوع بالجميع على الاصيل إذا كان لصاحبه الرجوع عليه لو غرم فيه الوجهان
وإن لم يؤد إلا خمسة نظر هل أداها عن الأصيل أو عن صاحبه أو عنهما ويثبت الرجوع بحسبه
الخامسة ضمن الثمن فهلك المبيع له أو وجد به عيبا فرده أو ضمن الصداق فارتدت المرأة قبل الدخول أو فسخت بعيب نظر إن كان ذلك قبل أن يؤدي الضامن برىء الضامن والأصيل
وإن كان بعده فإن كان بحيث يثبت الرجوع رجع بالمغروم على الأصيل وضمن رب الدين للأصيل ما أخذ إن كان هالكا
وإن كان باقيا رده بعينة
وهل له إمساكه ورد بدله فيه الخلاف المذكور فيما إذا رد المبيع بعيب وعين دراهمه عند البائع فأراد إمساكها ورد مثلها والاصح المنع
وإنما يغرم للأصيل دون الضامن لان في ضمن الاداء عنه إقراضه وتمليكه إياه
وإن كان بحيث لا يثبت للضامن الرجوع فلا شىء له على الاصيل ويلزم المضمون له رد ما أخذ
وعلى من يرد فيه الخلاف فيمن تبرع بالصداق وطلق الزوج قبل الدخول وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى
السادسة أدى الضامن الدين ثم وهبه رب الدين له ففي رجوعه على الأصيل وجهان بناء على القولين فيما لو وهبت الصداق للزوج ثم طلقها قبل الدخول

قلت الأصح الرجوع
والله أعلم
السابعة لرجل على رجلين عشرة وضمن كل واحد ما على الآخر فلرب الدين أن يطالبهما ومن شاء منهما بالعشرة فإن أداها أحدهما برئا جميعا وللمؤدي الرجوع بخمسة على صاحبه إن وجد شرط الرجوع
وإن أدى كل واحد خمسة عما عليه فلا رجوع
وإن أدى عن الآخر جاء خلاف التقاص
وإن أدى أحدهما خمسة ولم يؤد الآخر شيئا فإن أداها عن نفسه برىء مما عليه وبقي على صاحبه ما كان عليه والمؤدي ضامن له
وإن أداها عن صاحبه رجع بها عليه وبقي عليه ما كان عليه وصاحبه ضامن له
وإن أداها عنهما فلكل نصف حكمه
وإن أدى ولم يقصد شيئا فهل يقسط عليهما أو يقال اصرف إلى ما شئت وجهان سبق نظيرهما في آخر الرهن
ومن فوائدهما أن يكون بنصيب أحدهما رهن
فإن قلنا له صرفه فصرفه إلى ما به الرهن انفك وإلا فلا
ولو قال المؤدي أديت عما علي فقال القابض بل عن صاحبك صدق المؤدي بيمينه
فإذا حلف برىء مما عليه لكن لرب الدين مطالبته بخمسة على الصحيح لأن عليه خمسة أخرى إما بالأصالة وإما بالضمان
وفي وجه لا مطالبة له لانه إن طالبه عن الاصالة فالشرع يصدق المؤدي في البراءة منها
وإن طالبه بالضمان فرب الدين معترف بأنه أدى عنه
وإن أبرأ رب الدين أحدهما عن جميع العشرة برىء أصلا وضمانا وبرىء الآخر من الضمان دون الاصل
وإن أبرأ أحدهما عن خمسة نظر إن أبرأ عن الاصل برىء عنه وبرىء صاحبه عن ضمانه وهي عليه ضمانة ما على صاحبه
وإن أبرأه عن الضمان وبرىء عنه وبقي عليه الأصيل وبقي على صاحبه الأصل والضمان وإن أبرأه عن الخمسة من الجهتين جميعا سقط عنه نصف الاصل ونصف الضمان وعن صاحبه نصف الضمان ( وبقي عليه الأصل ونصف

الضمان ) فيطالبه بسبعة ونصف ويطالب المبرأ بخمسة
وإن لم ينو عند الابراء شيئا فهل يحمل على النصف أم يخير ليصرف إلى ما شاء فيه الوجهان
ولو قال أبرأت عن الضمان فقال المبرأ بل عن الأصل فالقول قول المبرىء
الثامنة ادعى أن له على زيد وعلى غائب ألفا باعهما به عبدا قبضاه أو عن جهة أخرى وأن كل واحد منهما ضمن ما على الآخر وأقام بذلك بينة فأخذ الألف من زيد نص أنه يرجع على الغائب بنصف الألف
قال الجمهور هذا إذا لم يكن وجد من زيد تكذيب للبينة
فان كان لم يرجع لأنه مظلوم بزعمه فلا يطالب غير ظالمه وهذا هو الأصح
وقال ابن خيران يرجع وإن صرح بالتكذيب لأن البينة أبطلت حكم إنكاره

فرع جميع ما سبق من رجوع المأذون له في الاداء والضامن على
مفروض فيما إذا أشهد على الاداء رجلين أو رجلا وامرأتين
فلو أشهد واحدا اعتمادا على أنه يحلف معه أو أشهد مستورين فبانا فاسقين كفى ذلك على الأصح
ولا يكفي إشهاد من يعلم سفره عن قرب لأنه لا يفضي إلى المقصود
أما إذا أدى بلا إشهاد وأنكر رب المال فإن أدى في غيبة الأصيل فمقصر فلا يرجع إن كذبه الأصيل قطعا وكذا إن صدقه على الأصح
وهل يحلف الأصيل إذا كذبه قال في التتمة يبنى على أنه لو صدقه هل يرجع عليه إن قلنا نعم حلفه على نفي العلم بالاداء وإلا بني على أن النكول ورد اليمين كالاقرار أم كالبينة إن قلنا كالاقرار لم يحلفه لأن غايته أن ينكل فيحلف الضامن فيكون كتصديقه

وذلك لا يفيد الرجوع
وإن قلنا كالبينة حلفه طمعا في أن ينكل ويحلف فيكون كالبينة
ولو كذبه الأصيل وصدقه رب المال رجع على الأصح لسقوط المطالبة فإنه أقوى من البينة
وأما إذا أدى بحضور الاصيل فيرجع على الصحيح المنصوص
ولو توافق الأصيل والضامن على أنه أشهد ولكن مات الشهود أو غابوا ثبت الرجوع على الصحيح
وقيل لا وهو شاذ ضعيف
ولو قال الضامن أشهدت وماتوا وأنكر الأصيل الاشهاد فهل القول قول الأصيل لأن الاصل عدم الاشهاد أو قول الضامن لأن الاصل عدم التقصير وجهان
أصحهما الأول
ولو قال أشهدت فلانا وفلانا فكذباه فهو كما لو لم يشهد
ولو قالا لا ندري وربما نسينا ففيه تردد للإمام
ومتى لم تقم بينة بالأداء وحلف رب المال بقيت مطالبته بحالها
فإن أخذ المال من الأصيل فذاك
وإن أخذ من الكفيل مرة أخرى فقيل لا يرجع بشىء والأصح أنه يرجع
وهل يرجع بالمغروم أولا لانه مظلوم بالثاني أم بالثاني لانه المسقط للمطالبة وجهان
قلت ينبغي أن يرجع بأقلهما
فان كان الأول فهو يزعم أنه مظلوم بالثاني
وإن كان الثاني فهو المبرىء فهو المبرىء ولان الاصل براءة ذمة الاصيل من الزائد
والله أعلم

فصل الضمان في مرض الموت إذا كان بحيث يثبت الرجوع ووجد الضامن
مرجعا فهو محسوب من رأس المال
وإن لم يثبت الرجوع أو لم يجد مرجعا لموت الأصيل معسرا فمن الثلث
ومتى وفت تركة الاصيل بثلثي الدين فلا دور لان صاحب الحق إن أخذه من ورثة الضامن رجعوا بثلثيه في تركة الاصيل
وإن أخذ تركة

الأصيل وبقي شىء أخذه من تركة الضامن ويقع تبرعا لأن ورثة الضامن لا يجدون مرجعا
وإن لم تف التركة بالثلثين فقد يقع الدور كمريض ضمن تسعين ومات وليس له إلا تسعون ومات الأصيل وليس له إلا خمسة وأربعون فرب المال بالخيار إن شاء أخذ تركة الأصيل كلها ولا دور حينئذ ويطالب ورثة الضامن بثلاثين ويقع تبرعا إذ لم يبق للأصيل تركة يرجع فيها وإن أراد الاخذ من تركة الضامن لزم الدور لان ما يغرمه ورثة الضامن يرجع إليهم بعضه لان المغروم صار دينا لهم على الاصيل فيتضاربون به مع رب المال في تركة الاصيل ويلزم من رجوع بعضه زيادة التركة ومن زيادة التركة زيادة المغروم ومن زيادة المغروم زيادة الراجع
وطريق استخراجه أن يقال يأخذ رب المال من ورثة الضامن شيئا ويرجع إليهم مثل نصفه لان تركة الأصيل نصف تركة الضامن فيبقى عندهم تسعون إلا نصف شىء وهو يعدل مثلي ما تلف بالضمان والتالف نصف شىء ومثلا شىء فاذا تسعون إلا نصف شىء يعدل شيئا
وإذا جبرنا وقابلنا عدلت تسعون شيئا ونصفا فيكون الشىء ستين فبان أن المأخوذ ستون وحينئذ يكون الستون دينا لهم على الاصيل وقد بقي لرب المال ثلاثون فيتضاربون في تركته بسهمين وسهم وتركته خمسة وأربعون يأخذ منها الورثة ثلاثين ورب الدين خمسة عشر ويتعطل باقي دينه وهو خمسة عشر ويكون الحاصل للورثة ستين ثلاثين بقيت عندهم وثلاثين أخذوها من تركة الاصيل وذلك مثلا ما تلف ووقع تبرعا وهو ثلاثون
ولو كانت المسألة بحالها لكن تركة الأصيل ثلاثون فيأخذ رب الدين شيئا ويرجع إلى ورثة الضامن مثل ثلثه لان تركة الاصيل ثلث تركة الضامن فيبقى عندهم تسعون ناقصة ثلثي شىء تعدل

مثلي التالف بالضمان وهو ثلثا شىء فمثلاه شىء وثلث
فإذن تسعون إلا ثلث شىء يعدل شيئا وثلثا فإذا جبرنا وقابلنا عدلت تسعون شيئين فيكون الشىء خمسة وأربعين وذلك ما أخذه رب الدين وصار دينا لورثة الضامن على الاصيل وبقي لرب الدين عليه خمسة وأربعون أيضا فيتضاربون في تركته بسهم وسهم فتجعل بينهما مناصفة
ولو كانت تركة الاصيل ستين فلا دور بل لرب الدين أخذ تركة الضامن كلها ثم هم يأخذون تركة الأصيل كلها بحق الرجوع ويقع الباقي تبرعا
قلت وهذه مسائل منثورة تتعلق بالضمان
وترك بياضا في الأصل

كتاب الشركة
كل حق ثابت بين شخصين فصاعدا على الشيوع يقال هو مشترك
وذلك ينقسم إلى ما لا يتعلق بمال كالقصاص وحد القذف ومنفعة كلب الصيد ونحوه وإلى متعلق بمال وذلك إما عين مال ومنفعته كما لو غنموا مالا أو ورثوه أو اشتروه
وإما مجرد منفعة كما لو استأجروا عبدا أو وصي لهم بمنفعته
وإما مجرد العين كما لو ورثوا عبدا موصى بمنافعه
وإما حق يتوصل به إلى مال كالشفعة الثابتة لجماعة
والشركة قد تحدث بلا اختيار كالارث
وباختيار كالشراء وهذا مقصود الكتاب
والشركة أربعة أنواع
الأول شركة العنان ولها ثلاثة أركان
الأول العاقدان والمعتبر فيهما أهلية التوكيل والتوكل
وتكره مشاركة الذمي ومن لا يحترز من الربا ونحوه
الثاني الصيغة ولا بد من لفظ يدل على الإذن في التجارة والتصرف
فإن أذن كل واحد لصاحبه صريحا فذاك
فلو قالا اشتركنا واقتصرا عليه لم يكف ذلك لتسلطهما على التصرف من الجانبين على الأصح عند الأكثرين
ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف في الجميع ولم يأذن الآخر تصرف المأذون في جميع المال ولم يتصرف الآخر إلا في نصيبه وكذا لو أذن لصاحبه في التصرف في الجميع وقال أنا لا أتصرف إلا في نصيبي
ولو شرط أحدهما على الآخر أن لا يتصرف

في نصيبه لم يصح العقد لما فيه من الحجر على المالك في ملكه
ثم ينظر في المأذون فيه فان عين جنسا لم يتصرف المأذون في نصيب الإذن في غير ذلك الجنس
وإن قال تصرف واتجر فيما شئت من أجناس المال جاز على الصحيح
وفي وجه لا بد من التعيين
قلت ولو أطلق الاذن ولم يتعرض لما يتصرف فيه جاز على الأصح كالقراض
والله أعلم
الثالث المال المعقود عليه وفيه مسائل
الأولى تجوز الشركة في النقدين قطعا ولا تجوز في المتقومات قطعا
وفي المثليات قولان
ويقال وجهان أظهرهما الجواز
والمراد بالنقدين الدراهم والدنانير المضروبة
أما التبر والحلي والسبائك فأطلقوا منع الشركة فيها
ويجوز أن يبنى على أن التبر مثلي أم لا وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الغصب
فإن جعلناه متقوما لم تجز الشركة
وإلا فعلى الخلاف في المثلي
وأما الدراهم المغشوشة فقال الروياني لا تصح الشركة فيها
وحكى في التتمة في صحة القراض عليها خلافا مبنيا على جواز المعاملة بها إن جوزناها فقد ألحقنا المغشوش بالخالص وإلا فلا
فإذا جاء في القراض خلاف ففي الشركة أولى
وقال صاحب العدة الفتوى جواز الشركة فيها إن استمر في البلد رواجها
قلت هذا المنقول عن العدة هو الأصح
وأما قوله أطلقوا منع الشركة في التبر إلى آخره فعجب فإن صاحب التتمة حكى في انعقاد الشركة على التبر والنقرة وجهين كالمثلي
والمراد بصاحب العدة هنا أبو المكارم الروياني
والله أعلم

ثم ما ذكرناه في المسألة من منع الشركة وجوازها المراد به إذا أخرج هذا قدرا من ماله وذاك قدرا وجعلاهما رأس مال
وتتصور الشركة على غير هذا الوجه في جميع الأموال كما سنذكره إن شاء الله تعالى
المسألة الثانية إذا أخرج كل واحد قدرا من المال الذي تجوز الشركة فيه وأراد الشركة اشترط خلط المالين خلطا لا يمكن معه التمييز
فإن لم يفعلا فتلف مال أحدهما قبل التصرف تلف على صاحبه فقط وتعذر إثبات الشركة في الباقي فلا تصح الشركة إن اختلف الجنس كالدراهم والدنانير أو الصفة كاختلاف السكة وكالصحاح والمكسرة أو المثقوبة وكالعتيقة والجديدة والبيضاء والسوداء
وفي البيض والسود وجه عن الاصطخري
وإذا جوزنا الشركة في المثليات وجب تساويهما جنسا ووصفا فلا يكفي خلط حنطة حمراء ببيضاء لامكان التمييز وإن كان فيه عسر
وفي وجه يكفي لأنه يعد خلطا
وينبغي أن يتقدم الخلط على العقد فإن تأخر حكى في التتمة وجهين
أصحهما المنع إذ لا اشتراك حال العقد
والثاني الجواز إن وقع في مجلس العقد لأنه كالعقد
فان تأخر عنه لم يجز على الوجهين
ومال الإمام إلى جوازه لأن الشركة توكيل وتوكل
لكن لو قيد الاذن بالتصرف في المال المفرد فلا بد من تجديد الاذن
ولو ورثوا عروضا أو اشتروها فقد ملكوها شائعة وذلك أبلغ من الخلط
فإذا انضم إليه الاذن في التصرف تم العقد
ولهذا قال المزني والأصحاب الحيلة في الشركة في العروض المتقومة أن يبيع كل واحد نصف عرضه بنصف عرض صاحبه سواء تجانس العرضان أو اختلفا ليصير كل واحد منهما مشتركا بينهما فيتقابضان ويأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف
وقال في التتمة يصير العرضان مشتركين ويملكان التصرف فيهما بالاذن لكن لا تثبت أحكام الشركة في الثمن حتى يستأنفا عقدا وهو ناض ومقتضى إطلاق

الجمهور ثبوت الشركة وأحكامها مطلقا وهو الصحيح
ولو لم يتبايعا العرضين لكن باعاهما بعرض أو نقد ففي صحة البيع قولان سبقا
فان صححناها كان الثمن مشتركا بينهما على التساوي أو التفاضل بحسب قيمة العرضين فيأذن كل واحد لصاحبه في التصرف
قلت وإذا باع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض صاحبه فهل يشترط علمهما بقيمة العرضين وجهان حكاهما في الحاوي
والصحيح لا يشترط
ومن الحيل في هذا أن يبيع كل واحد بعض عرضه لصاحبه بثمن في ذمته ثم يتقاصا
والله أعلم
الثالثة الصحيح أنه لا يشترط تساوي المالين في القدر بل تثبت الشركة مع التفاوت على نسبة المالين وقال الانماطي يشترط وهو ضعيف
وهل يشترط العلم حالة العقد بقدر النصيبين بأن يعرفا أن المال بينهما نصفان أو على نسبة أخرى وجهان
أصحهما لا يشترط إذا أمكن معرفته من بعد
ومأخذ الخلاف أنه إذا كان بينهما مال مشترك وكل واحد يجهل حصته فاذن كل واحد لصاحبه في التصرف في كل المال أو في نصيبه هل يصح الاذن وجهان
أحدهما لا لجهلهما
وأصحهما نعم لأن الحق لا يعدوهما
وعلى هذا تكون الاثمان بينهما مبهمة كالمثمنات

فرع لو كان لهما ثوبان اشتبها لم يكف ذلك لعقد الشركة فان
متميزان لكن اشتبها

فرع قال أصحابنا العراقيون وغيرهم إذا جوزنا الشركة في المثليات فإن استوت القيمتان كانا شريكين

وإن اختلفتا بأن كان لأحدهما قفيز قيمته مائة وللآخر قفيز بقيمة خمسون فهما شريكان مثالثة وهذا مبني على قطع النظر في المثلي عن تساوي الاجزاء في القيمة
فرع لأحدهما دراهم وللآخر دنانير واشتريا شيئا بهما فطريقه أن يقوم ما
على التساوي وإلا فعلى الاختلاف
النوع الثاني شركة الابدان وهو أن يشترك الدلالان أو الحمالان أو غيرهما من أهل الحرف على ما يكسبان ليكون بينهما متساويا أو متفاضلا وهي باطلة سواء اتفقا في الصنعة أو اختلفا كالخياط والنجار لأن كل واحد متميز ببدنه ومنافعه فاختص بفوائده كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فإنه لا يصح
وفي وجه ضعيف يصح سواء اتفقت الصنعة أم لا
قلت هذا الوجه حكاه صاحب الشامل وغيره قولا
والله أعلم
فإذا أبطلنا فاكتسبا نظر إن انفردا فلكل كسبه وإلا فيقسم الحاصل على قدر أجرة المثل لا بحسب الشرط
النوع الثالث شركة المفاوضة وهي أن يشتركا ليكون بينهما ما يكسبان

ويربحان ويلزمان من غرم ويحصل من غنم
وهي باطلة
فلو استعملا لفظ المفاوضة وأرادا شركة العنان جاز نص عليه
وهذا يقوي تصحيح العقود بالكنايات
النوع الرابع شركة الوجوه وقد فسرت بصور
أشهرها أن يشترك وجيهان عند الناس ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد يكون بينهما فيبيعانه ويؤديان الاثمان فما فضل فهو بينهما
الثانية أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل ويشترطا أن يكون ربحه بينهما
والثالثة أن يشتري وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما
وبهذا الثالث فسرها ابن كج والإمام
ويقرب منه ما ذكره الغزالي وهو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعض الربح وهي في الصور كلها باطلة إذ ليس بينهما مال مشترك يرجع إليه عند القسمة
ثم ما يشتريه أحدهما في الصورة الأولى والثانية فهو له يختص بربحه وخسرانه ولا يشاركه فيه الآخر إلا إذا صرح بالاذن في الشراء بشرط التوكيل في الشراء وقصد المشتري موكله
وأما الصورة الثالثة فليست بشركة في الحقيقة بل قراض فاسد لاستبداد المالك باليد
فان لم يكن المال نقدا زاد للفساد وجه آخر

فرع في مسائل تتعلق بما سبق وهي منصوصة في البويطي

إحداها لو أخذ جملا لرجل وراوية لآخر وتشاركوا على أن يستقي الآخذ

الماء والحاصل بينهم فهو باطل
فلو استقى فلمن يكون الماء نقل صاحب التلخيص وآخرون فيه اختلاف قول وضعف الجمهور هذه الطريقة وصوبوا تفصيلا ذكره ابن سريج وهو أنه إن كان الماء مملوكا للمستقي أو مباحا لكن قصد به نفسه فهو له وعليه لكل واحد من صاحبيه أجرة المثل
وإن قصد الشركة فهو على الخلاف في جواز النيابة في تملك المباحات
فان منعناها فهو للمستقي وعليه الاجرة لهما
وإن جوزناها وهو الأصح فالماء بينهم
وفي كيفية الشركة وجهان
أحدهما تقسم بينهم على نسبة أجور أمثالهم وبهذا قطع الشيخ أبو حامد وحكي عن نصه في البويطي
وأصحهما عند الشيخ أبي علي وبه قطع القفال أنه يقسم بينهم بالسوية إتباعا لقصده فعلى هذا يرجع المستقي على كل واحد من صاحبيه بثلث أجره منفعنه إذ لم يصل إليه منها إلا الثلث ويرجع كل واحد من صاحبيه بثلثي أجرة ماله على صاحبه وعلى المستقي
وعلى الوجه الأول لا تراجع بينهم أصلا
الثانية استأجر رجل الراوية من صاحبها والجمل من صاحبه واستأجر أيضا المستقي لاستقاء الماء وهو مباح نظر إن أفرد كل واحد بعقد صح والماء للمستأجر وإن جمع الجميع في عقد ففي صحة الاجارة قولان
كمن اشترى عينين لرجلين بثمن واحد فإن صححنا وزعت الاجرة المسماة على أجور الامثال وإلا فلكل واحد عليه أجرة المثل ويكون الماء للمستأجر صححنا الاجارة أم أفسدناها لأنا وإن أفسدناها فمنافعهم مضمونة بالاجرة قاله الإمام
وإن نوى المستقي نفسه وفرعنا على فساد الاجارة فعن الشيخ أبي علي أنه أيضا للمستأجر وتوقف فيه الإمام لأن منفعته غير مستحقة للمستأجر وقد قصد نفسه فليكن الحاصل له
وموضع القولين إذا وردت الاجارة على عين المستقي والجمل والراوية فأما إذا ألزم ذممهم فتصح الاجارة قطعا

الثالثة اشترك أربعة لأحدهم بيت رحى ولآخر حجر الرحى ولآخر بغل يديره والرابع يعمل في الرحى على أن الحاصل من أجرة الطحن بينهم فهو فاسد
ثم إن استأجر مالك الحنطة العامل والآلات من مالكيها وأفرد كل واحد بعقد لزمه ما سمى لكل واحد وإن جمعهم في عقد فان لزم ذممهم الطحن صح العقد وكانت الاجرة المسماة بينهم أرباعا ويتراجعون بأجرة المثل لأن المنفعة المملوكة لكل واحد منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمى وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه فيأخذ منهم ثلاثة أرباع أجرة المثل
وإن استأجر عين العامل وأعيان الآلات ففيه القولان السابقان
فان أفسدنا الاجارة فلكل واحد أجرة مثله
وإن صححناها وزع المسمى عليهم ويكون التراجع بينهم على ما سبق
وإن ألزم مالك الحنطة ذمة العامل الطحن لزمه وعليه إذا استعمل ما لأصحابه أجرة المثل إلا أن يستأجر منهم إجارة صحيحة فعليه المسمى
الرابعة لواحد بذر ولآخر أرض ولآخر آلة الحرث اشتركوا مع رابع ليعمل وتكون الغلة بينهم فالزرع لصاحب البذر وعليه لأصحابه أجرة المثل
قال في التتمة فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل منه شىء فلا شىء لهم لأنهم لم يحصلوا له شيئا
ولا يخفى عدول هذا عن القياس الظاهر
قلت الذي قاله في التتمة هو الصواب
والله أعلم

فصل في حكم الشركة الصحيحة لها أحكام

أحدها إذا وجد الاذن من الطرفين تسلط كل واحد منهما على التصرف

وتصرف الشريك كتصرف الوكيل لا ببيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا يبيع ولا يشتري بغبن فاحش إلا باذن الشريك
فإن باع بالغبن الفاحش لم يصح في نصيب شريكه
وفي نصيبه قولا تفريق الصفقة
فإن لم نفرقها بقي المبيع على ملكهما والشركة بحالها
وإن فرقناها انفسخت الشركة في المبيع وصار مشتركا بين المشتري والشريك
وإن اشترى بالغبن نظر إن اشترى بعين مال الشركة فهو كما لو باع
وإن اشترى في الذمة لم يقع للشريك وعليه وزن الثمن من خالص ماله

فرع ليس لأحدهما أن يسافر بمال الشركة ولا أن يبعضه من غير
صاحبه
فإن فعل ضمن
الحكم الثاني لكل واحد فسخ الشركة متى شاء كالوكالة
فلو قال أحدهما للآخر عزلتك عن التصرف أو لا تتصرف في نصيبي انعزل المخاطب ولا ينعزل العازل عن التصرف في نصيب المعزول
ولو قال فسخت الشركة انفسخ القعد قطعا
والمذهب أنهما ينعزلان عن التصرف
وقال في التتمة في بقاء تصرفهما وجهان إن كانا صرحا في عقد الشركة بالاذن
ووجه البقاء استمراره حتى يأتي بصريح العزل
فرع تنفسخ الشركة بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه كالوكالة

ثم في صورة الموت إن لم يكن دين ولا وصية فللوارث الخيار بين القسمة وتقرير الشركة

إن كان رشيدا فان كان موليا عليه لصغره أو جنونه فعل وليه ما فيه حظه من الأمرين
وإنما تتقرر الشركة بعقد مستأنف فان كان على الميت دين فليس للوارث تقرير الشركة إلا بعد قضاء الدين
وإن كان هناك وصية لمعين فهو كأحد الورثة
فان كان غير معين كالفقراء لم يصح تقرير الشركة حتى تخرج الوصية
ثم هو كما لو لم تكن وصية
الحكم الثالث أن الربح بينهما على قدر المالين شرط ذلك أم لا تساويا في العمل أم تفاوتا
فان شرطا التساوي في الربح مع التفاوت في المال أو التفاوت في الربح مع التساوي في المال فسدت الشركة على المذهب وبه قطع الأصحاب
وحكى الإمام وجها خر أنها لا تفسد ويوزع الربح على قدر المالين
ولعل الخلاف راجع إلى الاصطلاح فأطلق الجمهور لفظ الفساد وامتنع منه بعضهم لبقاء أكثر الأحكام
فلو اختص أحدهما بزيادة عمل وشرط له زيادة ربح فوجهان
أحدهما صحة الشرط ويكون الزائد على حصة ملكه في مقابلة العمل ويتركب العقد من شركة وقراض
وأصحهما المنع كما لو شرط التفاوت في الخسران فانه يلغو ويوزع الخسران على المال ولا يصح جعله قراضا فإن هناك يقع العمل مختصا بمال المالك وهنا بملكيهما
ومتى فسد الشرط لم يؤثر في فساد التصرف لوجود الاذن ويكون الربح على نسبة المالين ويرجع كل واحد على صاحبه بأجرة مثل عمله في ماله
فان تساويا في المال والعمل فنصف عمل كل واحد يقع في مقابلة ماله فلا أجرة فيه ونصفه في مال صاحبه ويستحق صاحبه مثل بدله عليه فيقع في التقاص
وإن تفاوتا في العمل مع استواء المال فساوى عمل أحدهما مائتين والآخر مائة
فان كان عمل من شرط له الزيادة أكثر فنصف عمله مائة ونصف عمل صاحبه خمسون فيبقى له بعد التقاص خمسون
وإن كان عمل صاحبه أكثر ففي رجوعه بخمسين على من شرط له الزيادة وجهان

أحدهما الرجوع كما لو فسد القراض
وأصحهما المنع
ويجري الوجهان فيما لو فسدت الشركة واختص أحدهما بأصل التصرف والعمل هل يرجع بنصف أجرة عمله على الآخر أما إذا تفاوتا في المال فكان لأحدهما ألف وللآخر ألفان وتفاوتا في العمل فعمل صاحب الأكثر أكثر بأن يساوي عمله مائتين وعمل الآخر مائة فثلثا عمله في ماله وثلثه في مال صاحبه وعمل صاحبه بالعكس فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين على الأقل ولصاحب الأقل ثلثا المائة على صاحب الأكثر وقدرهما متفق فيقع في التقاص
وإن كان عمل صاحب الأقل أكثر والتفاوت كما صورنا فثلث عمل صاحب الأقل في ماله وثلثاه في مال صاحبه وثلثا عمل صاحب الأكثر في ماله وثلثه في مال شريكه فيبقى لصاحب الأقل على الأكثر مائة بعد التقاص
ولو تساويا في العمل فلصاحب الأقل ثلثا المائة على صاحب الأكثر ولصاحب الأكثر ثلث المائة عليه فثلث تقاص ويبقى لصاحب الأقل ثلث المائة

فرع ما ذكرناه من حكم الفساد عند تغيير نسبة الربح يجري في
اسباب فساد الشركة
لكن قال الإمام لو لم يكن بين المالين شيوع وخلط فلا شركة هنا على التحقيق بل ثمن كل مال يختص بمالكه ولا يقع مشتركا
والكلام في الصحة والفساد إنما يكون بعد حصول نفس الشركة
وإن جرى توكيل من الجانبين لم يخف حكمه
فرع إذا جوزنا شرط زيادة ربح لمن اختص بزيادة عمل فلم يشترطاه
اشترطا

توزيع الربح على قدر المالين بل أطلقا فذكر صاحب التقريب والشيخ أبو محمد خلافا في أن الربح يوزع على المالين وتكون زياد العمل تبرعا أم تثبت للزيادة أجرة تخريجا مما إذا استعمل صانعا ولم يذكر أجرة
ثم إذا شرطا زيادة ربح لمن زاد عمله هل يشترط استقلاله باليد كالقراض أم لا كسائر الشرك وجهان
وكذا لو اشترطا انفراد أحدهما بالعمل
والخلاف في جواز اشتراط زيادة الربح لمن زاد عمله جار فيما إذا شرط انفراد أحدهما بالتصرف وجعل له زيادة ربح
وقيل يجوز هنا ولا يجوز إذا اشتركا في أصل العمل لأنه لا يدرى أن الربح بأي عمل حصل
الحكم الرابع أن يد كل منهما يد أمانة كالمودع
فإذا ادعى رد المال إلى شريكه أو تلفا أو خسرانا صدق
فإن اسند التلف إلى سبب ظاهر طولب بالبينة على السبب
فإذا أقامها صدق في الهلاك به
ولو ادعى أحدهما خيانة صاحبه لم يسمع حتى يبين قدر ما خان به
فإذا بين فالقول قول المنكر مع يمينه
ولو كان في يد أحدهما مال فقال هو لي صدق بيمينه
ولو اشترى شيئا وقال اشتريته لنفسي وقال الآخر بل للشركة أو عكسه فالقول قول المشتري لأنه أعلم بقصده
ولو قال صاحب اليد اقتسمنا وهذا نصيبي وقال الآخر هو مشترك فالقول قول الثاني
ولو كان في أيديهما أو في يد أحدهما مال وقال كل واحد هذا نصيبي من المشترك وأنت أخذت نصيبك حلفا وجعل المال بينهما
فإن نكل أحدهما قضي للحالف

فرع بينهما عبد باعه أحدهما بإذن شريكه وأذن له في قبض الثمن
قلنا

للوكيل بالبيع قبض الثمن ثم اختلف الشريكان في قبض الثمن فذلك يتصور على وجهين
أحدهما أن يقول الشريك للبائع قبضت كل الثمن فسلم إلي نصيبي ويوافقه المشتري على أن البائع قبض وينكر البائع فيبرأ المشتري عن نصيب الذي لم يبع لإعترافه ببراءته
ثم هنا خصومة بين البائع والمشتري وخصومة بين الشريكين وربما تقدمت الأولى على الثانية وربما تأخرت
فإن تقدمت نظر إن قامت للمشتري بينه على الاداء اندفعت عنه مطالبة البائع
فإن شهد له الشريك لم يقبل في نصيبه
وفي نصيب البائع القولان في تبعيض الشهادة
وإن لم يقم بينة فالقول قول البائع بيمينه أنه لم يقبض
فإن حلف أخذ نصيبه من المشتري ولا يشاركه الذي لم يبع فيه لأنه يزعم أن ما يأخذه الآن ظلم
وإن نكل وحلف المشتري انقطعت عنه المطالبة
وإن نكل المشتري أيضا فوجهان
قال ابن القطان لا يلزمه نصيب البائع لأنا لا نقضي بالنكول
والصحيح أنه يلزمه لأنه ليس قضاء بالنكول بل مؤاخذة باعترافه بلزوم المال بالشراء
فإذا انقضت خصومه البائع والمشتري فطلب الشريك حصته من البائع لزعمه أنه قبض الثمن فالقول قول البائع بيمينه أنه لم يقبض إلا نصيبه بعد الخصومة
فإن نكل البائع حلف الشريك وأخذ منه نصيبه ولا يرجع به البائع على المشتري لأنه يزعم أن شريكه ظلمه ولا يمنع البائع من الحلف نكوله على اليمين في الخصومة مع المشتري لأنها خصومة أخرى مع آخر
إما إذا تقدمت خصومة الشريكين فأدعى الذي لم يبع على البائع قبض الثمن وطلب حقه فعليه البينة ولا تقبل شهادة المشتري له
فإن لم تكن بينة حلف البائع فإن نكل حلف المشتري وأخذ نصيبه من البائع
فإذا انقضت خصومة الشريكين فطالب البائع المشتري بحقه أخذه بيمينه
فإن نكل حلف المشتري وبرىء
ولا يمنع البائع من الحلف وطلب حقه من المشتري تكوله في الخصومة الأولى مع شريكه
وفي وجه

يمنعه وهو ضعيف باتفاق الأصحاب
وعلى ضعفه قال الإمام القياس طرده فيما إذا تقدمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشتري
حتى يقال تثبت للشريك مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومة
الوجه الثاني أن يقول البائع للشريك قبضت الثمن كله وصدقه المشتري وأنكر الشريك فله حالان
أحدهما أن يكون الشريك مأذونا من جهة البائع في قبض الثمن فيبرأ المشتري من نصيب البائع لإعترافه بأن وكيله قبضه
ثم تتصور خصومتان كما سبق فإن تخاصم الشريك والمشتري فالقول قول الشريك فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلم له المأخوذ
وإن تخاصم البائع والشريك حلف الشريك
فإن نكل حلف البائع وأخذ حقه منه ولا رجوع له على المشتري
وكل هذا كما سبق في النزاع الأول
ولو شهد البائع للمشتري لم يقبل لأنه يشهد لنفسه
الحال الثاني أن يكون غير مأذون فلا تبرأ ذمة المشتري عن شىء من الثمن
ثم يكون البائع مأذونا من جهة الشريك في القبض وتارة لا
فإن كان فله مطالبة المشتري بنصيبه وليس له مطالبة بنصيب الشريك لأنه لما أقر بقبض الشريك نصيب نفسه صار معزولا
ثم إذا تخاصم الشريك والمشتري فعلى المشتري البينة بالقبض
فإن لم تكن فالقول قول الشريك
فإذا حلف ففيمن يأخذ حقه منه وجهان
أحدهما قال المزني وابن القاص وآخرون إن شاء أخذ تمام حقه من المشتري وإن شاء شارك البائع في المأخوذ وأخذ الباقي من المشتري لأن الصفقة واحدة فكل جزء من الثمن شائع بينهما
فإذا شارك لم يبق للبائع إلا ربع الثمن
وقال ابن سريج وغيره ليس له إلا الأخذ من المشتري ولا يشارك البائع فيما أخذه لأن البائع انعزل عن الوكالة بإقرار أن

الشريك أخذ حقه فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه فقط
وهذا الوجه استحسنه الشيخان أبو حامد وأبو علي
ولو شهد البائع للمشتري على الشريك بقبض الثمن فعلى قول المزني لا تقبل شهادته لأنه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه
وعلى ما ذكره ابن سريج تقبل
القسم الثاني أن لا يكون البائع مأذونا في القبض قال العراقيون للبائع مطالبة المشتري بحقه وما يأخذه يسلم له وتقبل شهادته للمشتري على الشريك
ويجيء وجه في مشاركة صاحبه وفي قبول الشهادة
وحكى الحناطي وجها أن أحد الوارثين لو قبض من الدين قدر حصته لم يشاركه الآخر إلا أن يأذن له المديون في الرجوع عليه أو لا يجد مالا سواه
والصحيح المشاركة مطلقا
ولو ملكا عبدا فباعاه صفقة فهل ينفرد أحدهما بقبض حصته من الثمن وجهان
أحدهما لا
فلو قبض شيئا شاركه الآخر كالميراث
وأرجحهما نعم كما لو انفرد بالبيع

فرع بينهما عبد فغصب غاصب نصيب أحدهما بأن نزل نفسه منزلته فأزال
يده ولم يزل يد صاحبه يصح من الذي لم يغصب نصيبه بيعه ولا يصح من الآخر بيع نصيبه إلا للغاصب أو لقادر على أخذه من الغاصب
فلو باع الغاصب والذي لم يغصب نصيبه جميع العبد صفقة واحدة بطل في نصيب الغاصب وصح في نصيب المالك ولا يخرج على تفريق الصفقة لأن الصفقة تتعدد بتعدد البائع
وقيل يبنى نصيب المالك على أن أحد الشريكين إذا باع نصف العبد مطلقا ينصرف إلى نصيبه
أم يشيع فيه وجهان مذكوران في كتاب العتق
فإن قلنا

ينصرف إلى نصيبه صح وإلا فيبطل في ثلاثة أرباع العبد
وفي ربعه قولا تفريق الصفقة
ولا ينظر إلى هذا البناء إذا باع المالكان معا وأطلقا
ولا يجعل كما لو أطلق كل واحد بيع نصف العبد لأن هناك تناول العقد الصحيح جميع العبد
وهذان الفرعان غير مختصين بباب الشركة لكن ذكرهما الأصحاب هنا
قلت هذه مسائل منثورة
إحداها يستحب اشتراك المسافرين في الزاد مجلسا مجلسا نص عليه أصحابنا وصحت فيه الأحاديث ( والله أعلم )
وترك بياضا في الأصل

- أ -

كتاب الوكالة
فيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في أركانها
وهي أربعة
الأول ما فيه التوكيل
وله شروط
الأول أن يكون مملوكا له
فلو وكله في طلاق من سينكحها أو بيع عبد سيملكه أو إعتاق من سيملكه أو قضاء دين سيلزمه أو تزويج بنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها وما أشبه ذلك لم يصح على الأصح
الشرط الثاني أن يكون قابلا للنيابة
والذي يفرض فيه النيابة أنواع
منها العبادات
والأصل امتناع النيابة فيها
ويستثنى الحج والزكاة والكفارات والصدقات وذبح الهدي والأضحية وركعتا الطواف من الأجير
وفيهما كلام يأتي في الوصايا إن شاء الله تعالى
وفي صوم الولي عن الميت خلاف سبق في موضعه
وألحق بالعبادات الشهادات والأيمان
ومن الأيمان الايلاء واللعان والقسامة فلا يصح التوكيل في شىء منها قطعا ولا في الظهار على الأصح
وفي معنى الأيمان النذور وتعليق الطلاق والعتق وكذا التدبير على المذهب
وقيل إن قلنا إنه وصية جاز
ومنها المعاملات فيجوز التوكيل في طرفي البيع بأنواعه كالسلم والصرف والتولية وغيرها وفي الرهن والهبة والصلح والابراء والحوالة والضمان والكفالة والشركة والمضاربة والإجارة والجعالة والمساقاة والايداع والإعارة والأخذ بالشفعة والوقف والوصية وقبولها
وفي وجه شاذ لا يجوز التوكيل في الوصية لأنها قربة
ويجوز التوكيل في طرفي

- ب - النكاح والخلع وفي تنجيز الطلاق والاعناق والكتابة ونحوها
ويجوز في الرجعة على الأصح
ولو أسلم على أكثر من أربع نسوة فوكل بالإختيار أو طلق إحدى امرأتيه أو أعتق أحد عبديه ووكل بالتعبين لم يصح
قلت لو أشار إلى واحدة وقال وكلتك في تعيين هذه للطلاق أو النكاح أو أشار إلى أربع من المسلمات فقال وكلتك في تعيين النكاح فيهن فهو كالتوكيل في الرجعة فيصح على الصحيح قاله في التتمة
والله أعلم
ويجوز التوكيل في الإقالة وسائر الفسوخ لكن ما هو على الفور قد يكون التأخير بالتوكيل فيه تقصيرا
وفي التوكيل في خيار الرؤية خلاف سبق
ويجوز التوكيل في قبض الأموال مضمونة كانت أو غيرها وفي قبض الديون وإقباضها ومنها الجزية يجوز في قبضها وإقباضها
وفي وجه يمتنع توكيل الذمي مسلما فيها
قلت قال أصحابنا ويجوز توكيل أصناف الزكاة في قبضها لهم
والله أعلم
ومنها المعاصي كالقتل والسرقة والغصب والقذف فلا مدخل للتوكيل فيها بل أحكامها تثبت في حق مرتكبها لأن كل شخص بعينه مقصود بالإمتناع منها

فرع في التوكيل في تملك المباحات كاحياء الموات والاحتطاب والاصطياد

أصحهما الجواز
فيحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل له لأنه أحد أسباب الملك فأشبه الشراء

قلت هكذا حكاهما وجهين تقليدا لبعض الخراسانيين وهما قولان مشهوران
والله أعلم
ولو استأجره ليحتطب له أو ليستقي قال في التهذيب هو على الوجهين
وبالمنع أجاب ابن كج
وقطع الإمام بالجواز وقاس عليه وجه جواز التوكيل
قلت الأصح قوله في التهذيب
وسلك الجرجاني في كتابه التحرير طريقة أخرى فقال يجوز التوكيل في الإحتطاب ونحوه بأجرة وفي جوازه بغيرها وجهان
ولا يجوز في إحياء الموات بلا أجرة ويجوز بأجرة على الأصح
والله أعلم

فرع التوكيل بالإقرار صورته أن يقول وكلتك لتقر عني لفلان بكذا

أصحهما عند الأكثرين لا يصح لأنه خبر فأشبه الشهادة
فعلى هذا هل يجعل مقرا بنفس التوكيل وجهان
أحدهما نعم قاله ابن القاص واختاره الإمام
وأصحهما عند البغوي لا كما أن التوكيل بالإبراء لا يكون إبراء
قلت قول ابن القاص أصح عند الأكثرين
وإذا صححنا التوكيل لم يلزمه شىء قبل إقرار التوكيل على الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي الحاوي والمستظهري وجه أنه يلزمه بنفس التوكيل
والله أعلم
وإذا صححنا التوكيل فينبغي أن يبين الوكيل جنس المقر به وقدره
فلو قال أقر عني لفلان بشىء فأقر أخذ الوكيل بتفسيره
ولو اقتصر على قوله

أقر عني لفلان فوجهان
أحدهما هو كقوله أقر عني بشىء
وأصحهما لا يلزمه شىء بحال لاحتمال أنه يريد الاقرار بعلم أو شجاعة لا بمال
قلت ولو قال أقر عني لفلان بألف له علي فهو إقرار بلا خلاف صرح به الجرجاني وغيره
والله أعلم

فرع للمدعي والمدعى عليه التوكيل في الخصومة رضي الخصم أم لم يرض
وليس لصاحبه الامتناع من مخاصمة الوكيل سواء كان للموكل عذر أم لا وسواء كان المطلوب بالتوكيل في الخصومة مالا أو عقوبة لآدمي كالقصاص وحد القذف
وأما حدود الله تعالى فلا يجوز التوكيل في إثباتها لأنها مبنية على الدرء
فرع يجوز التوكيل في استيفاء حدود الله تعالى للإمام وللسيد في حد مملوكه ويجوز

وفي غيبته طرق
أشهرها على قولين
أظهرهما الجواز
والطريق الثاني الجواز قطعا
والثالث المنع قطعا
قلت قال ابن الصباغ ولا يصح التوكيل في الالتقاط قطعا كما لا يجوز في الإغتنام
فإن التقط أو غنم كان له دون الموكل
قال صاحب البيان ينبغي أن يكون الالتقاط على الخلاف في تملك المباحات
وما قاله ابن الصباغ أقوى
ولو اصطرف رجلان فأراد أحدهما أن يفارق المجلس قبل القبض فوكل وكيلا

في ملازمة المجلس لم يصح وينفسخ العقد بمفارقة الموكل لأن التنفيذ منوط بملازمة العاقد
فلو مات العاقد فهل يقوم وارثه مقامه في القبض ليبقى العقد فيه وجهان حكاهما الإمام والغزالي في البسيط بناء على بقاء خيار المجلس
والله أعلم
الشرط الثالث أن يكون ما وكل فيه معلوما من بعض الوجوه بحيث لا يعظم الغرر
وسواء كانت الوكالة عامة أو خاصة
أما العامة ففيها طريقة لإمام الحرمين والغزالي وطريقة للأصحاب
فأما طريقتهما فقالا لو قال وكلتك في كل قليل وكثير فباطلة
وإن ذكر الأمور المتعلقة به مفصلة فقال وكلتك في بيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي صح توكيله
ولو قال وكلتك في كل أمر هو إلي مما يقبل التوكيل ولم يفصل أجناس التصرفات فوجهان
أصحهما البطلان
وأما طريقة سائر الأصحاب فقالوا لو قال وكلتك في كل قليل وكثير أو في كل أموري أو في جميع حقوقي أو في كل قليل وكثير من أموري أو فوضت إليك جميع الأشياء أو أنت وكيلي فتصرف في مالي كيف شئت لم تصح الوكالة
قالوا ولو قال وكلتك في بيع أموالي أو استيفاء ديوني أو استرداد ودائعي أو إعتاق عبيدي صحت وهذه الطريقة هي الصحيحة نقلا ومعنى وقد نص ( عليها ) الشافعي رضي الله عنه
وأما الوكالة الخاصة ففيها صور
إحداها لو وكله في بيع جميع أمواله أو قضاء ديونه واستيفائها صح قطعا
ولا يشترط كون أمواله معلومة على الصحيح
وكلام البغوي يقتضي اشتراطه
وفي فتاوى القفال لو قال وكلتك في استيفاء ديوني على الناس جاز

وإن كان لا يعرف من عليه الدين وأنه واحد أو جماعة كثيرة وأي جنس ذلك الدين
أما إذا قال بع بعض مالي أو طائفة منه أو سهما فلا يصح لجهالته من الجملة
وكأن الشرط أن يكون الموكل فيه معلوما أو يسهل علمه
ولو قال بع ما شئت من مالي أو اقبض ما شئت من ديوني جاز ذكراه في المهذب والتهذيب
وفي الحلية ما يخالفه فإنه قال لو قال بع من رأيت من عبيدي لم يصح حتى يميز
قلت هذا المذكور عن المهذب هو الصحيح المعروف
قال في التهذيب ولا يجوز أن يبيع الكل إلا أن يقبض الكل
وأما قول صاحب الحلية ففي البيان أيضا عن ابن الصباغ نحوه فإنه قال لو قال بع ما تراه من مالي لم يجز
ولو قال ما تراه من عبيدي جاز وكلاهما شاذ ضعيف
وهذا النقل عن الحلية إن كان المراد به الحلية للروياني فغلط فإن الذي في حلية الروياني لو قال بع من عبيدي هؤلاء الثلاثة من رأيت جاز ولا يبيع الجميع لأن من للتبعيض
ولو وكله أن يزوجه من شاء جاز ذكره القاضي أبو حامد وهذا لفظ الروياني في الحلية بحروفه
وقد صرح إمام الحرمين والغزالي في البسيط بأنه إذا قال بع من شئت من عبيدي لا يبيع جميعهم لأن من للتبعيض
فلو باعهم إلا واحدا جاز قال أصحابنا لو قال بع هذا العبد أو هذا لم يصح
ولو وكله ليهب من ماله ما يرى قال في الحاوي لا يصح
وقياس ما سبق أنه يصح
والله أعلم
الثانية التوكيل في الشراء
ولا يكفي فيه أن يقول اشتر لي شيئا أو حيوانا أو رقيقا بل يشترط أن يبين أنه عبد أو أمة
والنوع كالتركي والهندي وغيرهما
ولا يشترط

استقصاء أوصاف السلم ولا ما يقرب منها بلا خلاف
فإن اختلفت أصناف نوع اختلافا ظاهرا قال الشيخ أبو محمد لا بد من التعرض للصنف
وأما الثمن فلا يشترط بيان قدره على الأصح
وعلى الثاني يشترط بيان قدره أو غايته بأن يقول من مائة إلى ألف
وحكى صاحب التقريب وجها أنه يصح التوكيل بشراء عبد مطلقا وهذا الوجه ضعيف جدا
وإذا طرد في قوله اشتر شيئا كان أبعد
قلت ذكر في البسيط ترددا في قوله اشتر شيئا تفريعا على هذا الوجه
والله أعلم
ولو قال اشتر لي عبدا كما تشاء فقيل يصح كما لو قال في القراض اشتر من شئت من العبيد
والصحيح الذي عليه الأكثرون لا يصح
والفرق أن المقصود هناك الربح والعامل أعرف به
ولو وكله في شراء دار يشترط ذكر المحلة والسكة
وفي الحانوت يذكر السوق وعلى هذا القياس
قلت وفي ذكر الثمن الوجهان
والله أعلم
الثالثة التوكيل في الإبراء يشترط فيه علم الموكل إذا قلنا بالأظهر إنه لا يصح الإبراء عن المجهول كما سبق في كتاب الضمان
ولا يشترط علم الوكيل على الأصح وبه قطع القاضي والغزالي
وفي المهذب والتهذيب اشتراط علمه بجنسه وقدره كما لو قال ( بع ) بما باع به فلان فرسه فإنه يشترط لصحة البيع علم الوكيل دون الموكل
ولا يشترط في الابراء علم من عليه الحق على الصحيح والخلاف فيه مبني على ما سبق أن الابراء إسقاط أو تمليك
فإن قلنا تمليك اشترط علمه كالمتهب وإلا فلا
ثم إن كانت صيغته أبرىء فلانا عن ديني أبرأه عن جميعه
وإن قال عن شىء منه أبرأه عن قليل منه
وإن قال عما شئت أبرأه عما شاء وأبقى شيئا

قلت قوله أبرئه عن قليل منه يعني أقل ما ينطلق عليه اسم الشىء كذا صرح به في التتمة وهو واضح
ولو قال أبرئه عن جميعه فأبرأ عن بعضه جاز بخلاف ما لو باع بعض ما أمره ببيعه
والله أعلم
الرابعة قال وكلتك في مخاصمة خصماي وأطلق صح على الأصح وصار وكيلا في جميع الخصومات
وقيل يشترط تعيين من يخاصمه لاختلاف الغرض به
الركن الثاني الموكل
تشترط فيه صحة مباشرته بملك أو ولاية فيخرج منه الصبي والمجنون والمغمى عليه والنائم والمرأة في التزويج والفاسق في تزويج بنته إذا لم نجعله وليا
وأما السكران فتوكيله كسائر تصرفاته ويدخل فيه توكيل الأب والجد في التزويج والمال
وأما الأخ والعم وغيرهما مما لا يجبر ففي توكيلهم في التزويج وجهان يذكران في النكاح إن شاء الله تعالى
وأما الوكيل في البيع ونحوه فلا يملك التوكيل إلا إذا أذن له الموكل أو دلت عليه قرينة
وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى
وفي معناه توكيل العبد المأذون
وأما المحجور عليه بسفه أو فلس أو رق فيجوز توكيله فيما يستقل به من التصرفات ولا يجوز فيما لا يستقل به إلا بعد إذن الولي والمولى والغريم
ومن جوز التوكيل في بيع عبد سيملكه فقياسه جواز توكيل المحجور عليه فيما سيأذن فيه الولي ولم يتعرض له
قلت قد يمكن الفرق بأن الخلل هناك في عبارة المحجور عليه
والله أعلم
ويستثنى مما سبق بيع الأعمى وشراؤه
فإنه يصح التوكيل فيه وإن لم يصح من الأعمى للضرورة

قلت قال في الحاوي للأب والوصي والقيم أن يوكل في بيع مال الطفل إن شاء عن نفسه وإن شاء عن الطفل
وفي جوازه عن الطفل نظر
والله أعلم
الركن الثالث الوكيل
وشرطه صحة مباشرته ذلك الشىء لنفسه بأن يكون صحيح العبارة فيه فلا يصح توكيل الصبي والمجنون في التصرفات
وفي جواز اعتماد قول الصبي في الإذن في دخول الدار والملك عند إيصاله الهدية وجهان وسبقا في البيع
فإن جوزناه فهو وكالة من الآذن والمهدي
وعلى هذا لو وكل الصبي فيه غيره فالقياس تخريجه على الخلاف
والتفصيل في أن الوكيل هل يوكل فإن جاز صار الصبي أهلا للتوكيل ولا يصح كون المرأة والمحرم وكيلين في النكاح
وفي توكيل العبد في الشراء ونحوه وجهان سبقا في باب مداينة العبيد
وفي توكيله في قبول النكاح بغير إذن سيده وجهان
أصحهما الجواز
قلت وفي توكيله فيه بإذن السيد أيضا وجهان في الشامل والبيان وقطعا بالمنع بغير إذنه والمختار الجواز مطلقا
والله أعلم
وفي توكيله في الإيجاب وجهان
أصحهما المنع لأنه لا يزوج بنته فبنت غيره أولى كذا صححه الجمهور وقطع به جماعة
وتوكيل المحجوز عليه لسفه في طرفي النكاح كتوكيل العبد
والفاسق في الإيجاب إذا سلبناه الولاية كالعبد وفي القبول يصح قطعا
والمحجوز عليه لفلس يوكل فيما لا يلزم ذمته عهدة قطعا وفيما يلزمها أيضا على الأصح كما يصح شراؤه على الصحيح

فرع يصح توكيل المرأة في طلاق غيرها على الأصح كما يصح
إليها طلاق نفسها
قال في التتمة ولا يصح توكيلها في رجعة نفسها ولا رجعة غيرها لأن الفرج لا يستباح بقول النساء
ولا يصح توكيلها في الاختيار في النكاح إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة
وفي الاختيار للفراق وجهان لأنه يتضمن اختيار الأربع للنكاح
قلت الأصح لا يصح
والله أعلم
فرع توكيل المرتد في التصرفات المالية يبنى على بقاء ملكه وزواله
إن أبقيناه صح وإن قطعناه فلا وإن وقفناه فكذا التوكيل
ولو وكل ثم ارتد ففي انقطاع التوكيل الأقوال الثلاثة
ولو وكل رجل مرتدا أو ارتد الوكيل لم يقدح في الوكالة لأن الخلاف في تصرفه لنفسه لا لغيره كذا نقل الأصحاب عن ابن سريج
وفي التتمة أنه مبني على أنه يصير محجورا عليه إن قلنا نعم انعزل وإلا فلا
قلت ولو وكل المسلم كافرا ليقبل له نكاح مسلمة لا يصح
ولو وكله في قبول كتابية صح
وإن وكله في طلاق مسلمة فوجهان لأنه لا يملك طلاق مسلمة لكن يملك طلاقا في الجملة
وللمكاتب أن يوكل غيره في البيع والشراء وسائر التصرفات التي تصح منه ولا يملك التوكيل في التبرع بغير إذن سيده
وبإذنه قولان بناء على صحته بإذنه
ولو وكل رجل مكاتبا بجعل يفي بأجرته جاز
وبغير جعل له حكم تبرعه
والله أعلم

الركن الرابع الصيغة
فيه مسائل
الأولى لا بد من جهة الموكل من لفظ دال على الرضى كقوله وكلتك في كذا أو فوضته إليك أو أنبتك فيه وما أشبهه
ومثله بع أو أعتق ونحوهما
وأما القبول فيطلق بمعنيين
أحدهما الرضى والرغبة فيما فوض إليه ونقيضه الرد
والثاني اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات
ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الأول
حتى لو رد فقال لا أقبل أو لا أفعل بطلت الوكالة
فلو رد ثم ندم وأراد أن يفعل لم يجز بل لا بد من إذن جديد لأن الوكالة جائزة ترتفع في الدوام بالفسخ فارتدادها بالرد في الابتداء أولى
وأما المعنى الثاني وهو القبول لفظا ففيه أوجه
أصحها لا يشترط
والثاني يشترط
والثالث إن أتى بصيغة عقد ك وكلتك وفوضت إليك اشترط
وإن أتى بصيغة أمر نحو بع واشتر لم يشترط
فإن شرطنا القبول لفظا فهل يشترط على الفور كالبيع أم في المجلس وإن طال أم يجوز أبدا وإن فارق المجلس كالوصية فيه أوجه الصحيح الثالث
وأما القبول بالمعنى الأول فلا يشترط فيه التعجيل بحال بلا خلاف
وإذا لم نشرط القبول فوكله والوكيل لا يعلم ثبتت وكالته على الأصح
فعلى هذا لو تصرف الوكيل قبل العلم بالوكالة ثم بان وكيلا ففي صحة تصرفه الخلاف السابق فيمن باع مال أبيه يظنه حيا فبان ميتا
وإن لم نثبت الوكالة فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر وجهان

فرع حيث لا نشترط القبول تكفي الكتابة والرسالة ونجعله مأذونا في

وحيث شرطنا فحكمه كما لو كتب بالبيع وقطع الروياني في الوكالة بالجواز

قلت قطع الماوردي أيضا وكثيرون بالجواز وهو الصواب
والله أعلم

فرع إذا شرطنا القبول فقال وكلني في كذا فقال وكلتك فهل يكفي
لا بد من قبول بعده فيه الخلاف السابق في البيع ونحوه
ثم قيل الوكالة أحوج إلى الاشتراط لأنها ضعيفة ولو قيل عكسه لأن الوكالة يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع لكان أقرب
المسألة الثانية إذا علق الوكالة بشرط فقال إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فقد وكلتك في كذا أو أنت وكيلي لم يصح على الأصح
فلو نجز الوكالة وشرط للتصرف شرطا بأن قال وكلتك الآن في بيع هذا العبد ولكن لا تبعه حتى يجيء رأس الشهر صح التوكيل بلا خلاف ولا يبيعه إلا إذا حصل الشرط
وإذا أفسدنا الوكالة بالتعليق فتصرف الوكيل بعد حصول الشرط صح تصرفه على الأصح لحصول الاذن
وإن كان العقد فاسدا كما لو شرط للوكيل جعلا مجهولا بأن قال بع كذا ولك عشر ثمنه تفسد الوكالة ويصح البيع
فعلى هذا فائدة فساد الوكالة سقوط الجعل المسمى إن كان والرجوع إلى أجرة المثل كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق ويوجب مهر المثل ولا يؤثر في صحة النكاح
فرع لو قال وكلتك ومتى عزلتك فأنت وكيلي ففي صحة الوكالة في

وجهان
أصحهما الصحة
فإذا قلنا بالصحة أو كان قوله متى عزلتك مفصولا عن الوكالة فعزله نظر إن لم يعلم به الوكيل واعتبرنا علمه في نفوذ العزل فهو على وكالته
وإن لم نعتبره أو كان عالما به ففي عوده وكيلا بعد العزل وجهان بناء على تعليق الوكالة لأنه علق الوكالة ثانيا على العزل أصحهما المنع
فإن قلنا يعود نظر في اللفظ الموصول بالعزل
فإن كان قال إذا عزلتك أو مهما أو متى لم يقتض ذلك عود الوكالة إلا مرة واحدة
وإن قال كلما عزلتك اقتضى العود مرة بعد مرة أبدا لأن كلما للتكرار
فإن أراد أن لا يعود وكيلا فطريقه أن يوكل غيره في عزله فينعزل لأن المعلق عليه عزل نفسه
فإن كان قال كلما عزلتك أو عزلك أحد عني فطريقه أن يقول كلما عدت وكيلا فأنت معزول
فإذا عزله ينعزل لتقاوم التوكيل والعزل واعتضاد العزل بالأصل وهو الحجر في حق الغير
والخلاف في قبول الوكالة التعليق جار في أن العزل هل يقبله ولكن بالترتيب والعزل أولى بقبوله لأنه لا يشترط فيه قبول قطعا
وتصحيح إدارة الوكالة والعزل جميعا مبني على قبولهما التعليق
قال الإمام وإذا نفذنا العزل وقلنا تعود الوكالة فلا شك أن العزل ينفذ في وقت وإن لطف ثم ترتب عليه الوكالة
فلو صادف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف ففي نفوذ تصرفه وجهان
المسألة الثالثة تصح الوكالة الموقتة كقولك وكلتك إلى شهر رمضان

الباب الثاني في أحكام الوكالة الصحيحة
وهي أربعة
الأول صحة تصرف الوكيل إذا وافق والموافقة والمخالفة تعرفان بالنظر

فرع إلى اللفظ تارة وبالقرائن أخرى

فإن القرينة قد تقوى فيترك لها إطلاق اللفظ
ولهذا لو أمره في الصيف بشراء الجمد لا يشتريه في الشتاء
وقد يتعادل اللفظ والقرينة ويحصل من تعادلهما خلاف في المسألة
وهذا القول الجملي نوضحه بصور تعرف بها أخواتها
إحداها وكله في بيع شىء وأطلق لا يصح بيعه بغير نقد البلد ولا بثمن مؤجل ولا بغبن فاحش على المشهور
وفي قول يصح كل ذلك موقوفا على إجازة الموكل وهذا هو القول المنقول في بيع الفضولي والصواب الأول وعليه التفريع
فلو كان في البلد نقدان لزمه البيع بأغلبهما
فإن استويا في المعاملة باع بأنفعهما للموكل
فإن استويا تخير فيهما على الصحيح
وفي وجه لا يصح الوكيل حتى يبين
ثم إذا باع الوكيل على أحد الأوصاف الممنوعة لم يصر ضامنا للمبيع ما لم يسلمه إلى المشتري
فإذا سلم ضمن
ثم القول فيه إذا كان المبيع باقيا أوتالفا
وفي كيفية تغريم الموكل الوكيل والمشتري على ما بيناه فيما إذا باع العدل الرهن بغبن فاحش أو بغير نقد البلد أو بنسيئة
فأما بيع الوكيل بغبن يسير فجائز
واليسير هو الذي يتغابن الناس به ويحتملونه غالبا
وبيع ما يساوي عشرة بتسعة متحمل
وبثمانية غير متحمل قال الروياني ويختلف القدر المتحمل باختلاف أجناس الثياب من الثياب والعبيد والعقار وغيرها
فرع لا يجوز للوكيل أن يقتصر على البيع بثمن المثل وهناك طالب

فلو باع

بثمن المثل ثم حضر المجلس طالب بزيادة فالحكم على ما سبق في عدل الرهن

فرع لو قال الموكل بعه بكم شئت فله البيع بالغبن الفاحش ولا
بالنسيئة ولا بغير نقد البلد
ولو قال بما شئت فله البيع بغير النقد ولا يجوز بالغبن ولا بالنسيئة
ولو قال كيف شئت فله البيع بالنسيئة
ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد وعن القاضي حسين جواز الجميع
ولو قال بعه بما عز وهان قال في التتمة هو كقوله بكم شئت
وقال العبادي له البيع بالعرض والغبن ولا يجوز بالنسيئة وهو الأولى
فرع الوكيل بالبيع مطلقا هل يجوز بيعه لأبيه وابنه وسائر أصوله

أصحهما الجواز كما لو باع صديقه وكالعم يزوج موليته لابنه البالغ إذا أطلقت الاذن وقلنا لا يشترط تعيين الزوج فإنه يصح قطعا
ويجري الوجهان في البيع للزوج والزوجة إذا قلنا لا تقبل شهادته له أو فيما لو باع لمكاتبه والوجهان في الفروع المستقلين
أما ابنه الصغير فلا يصح البيع له مطلقا
وكذا لا يبيع من نفسه على الصحيح المعروف
وعن الاصطخري جوازه
فعلى الصحيح لو صرح في الاذن في بيعه لنفسه فوجهان
قال ابن سريج يصح
وقال الأكثرون لا يصح
ولو أذن في بيعه لابنه الصغير قال في التتمة هو على هذا الخلاف

وقال البغوي وجب أن يجوز
ويجري الوجهان فيما لو وكله في الهبة لنفسه أو تزويج بنته لنفسه
وفي تولي ابن العم طرفي النكاح أن يتزوج بنت عمه بإذنها وهو وليها والنكاح أولى بالمنع
وفيما لو وكل مستحق الدين المدين باستيفائه من نفسه أو وكل مستحق القصاص الجاني باستيفائه من نفسه في النفس أوالطرف أو وكل الإمام السارق في قطع يده أو وكل الزاني ليجلد نفسه
والصحيح المنع في كل ذلك وطردوهما في الوكيل في الخصومة من الجانبين والأصح المنع
فعلى هذا يتخير ويخاصم لأيهما شاء
ولو توكل في طرفي النكاح أو البيع فعلى الوجهين
وقيل بالمنع قطعا
ولو وكل من عليه الدين في إبراء نفسه فقيل على الوجهين
وقيل يجوز قطعا وهو بناء على اشتراط القبول في الإبراء
فإن اشترطناه جرى الوجهان وإلا فيجوز قطعا كما لو وكل من عليه القصاص في العفو والعبد في إعتاق نفسه
والوكيل في الشراء كالوكيل في البيع في أنه لا يشتري من نفسه ولا مال ابنه الصغير
وفي ابنه الكبير الوجهان في سائر الصور
قلت وإذا وكل الابن الكبير أباه في بيع لم يجز أن يبيع لنفسه على الأصح
وحكى في الحاوي وجها أنه يجوز تغليبا للأبوة كما لو كان في حجره
والله أعلم

فرع إذا أذن في البيع مؤجلا نظر

إن قدر الأجل صح التوكيل
وإن أطلق فوجهان
أحدهما لا يصح لاختلاف الغرض
وأصحهما يصح
وفيما يحمل عليه أوجه
أصحها أنه ينظر إلى المتعارف في مثله
فإن لم يكن فيه عرف راعى الأنفع
والثاني
له التأجيل إلى ما شاء
والثالث إلى سنة

الصورة الثانية في قبض الثمن وإقباض المبيع
فإذا وكله بالبيع مطلقا فهل يملك الوكيل قبض الثمن وجهان
أحدهما لا لأنه لم يأذن فيه وقد يرضاه للبيع ولا يرضاه لقبض الثمن
وأصحهما نعم لأنه من توابع البيع ومقتضياته
وهل يملك تسليم المبيع إذا كان معه أشار كثيرون إلى الجزم بجوازه
وقال الشيخ أبو علي هو على الوجهين في قبض الثمن
ولو صرح بهما لم يملك التسليم ما لم يقبض الثمن وعلى هذا جرى صاحب التهذيب وغيره
قلت الأصح جواز تسليمه ولكن بعد قبض الثمن
فهذا هو الراجح في الدليل وفي النقل أيضا وقد صححه الرافعي في المحرر
والله أعلم
والوكيل في الصرف يملك القبض والاقباض بلا خلاف لأنه شرط في صحة العقد وكذلك في السلم يدفع وكيل المسلم رأس المال ويقبضه وكيل المسلم إليه قطعا

فرع إذا باع الوكيل بمؤجل حيث يجوز سلم المبيع على المذهب إذ
حبس بالمؤجل ويجيء وجه مما ذكره أبو علي أنه لا يسلم إذ لم يفوض إليه
ثم إذا حل الأجل لا يملك الوكيل قبض الثمن إلا بإذن مستأنف
وإذا باع بحال وجوزنا قبض الثمن لم يسلم المبيع حتى يقبضه كما لو أذن فيهما صريحا وله مطالبة المشتري بتسليم الثمن
وإذا لم نجوز له القبض فلا تجوز له المطالبة وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال
ولو منعه من قبض الثمن لم يجز قبضه قطعا
ولو منعه

من تسليم المبيع فكذلك عند الشيخ أبي علي
وقال آخرون هذا الشرط فاسد فإن التسليم مستحق بالعقد
وفي فساد الوكالة به وجهان
أحدهما تفسد ويسقط الجعل المسمى فيرجع بأجرة المثل
والصواب أن يقال المسألة مبنية على أن في صورة الاطلاق هل للوكيل التسليم أم لا إن قلنا لا فعند المنع أولى وإن قلنا نعم فذلك من توابع العقد وتتماته لا لأن تسليمه مستحق بالعقد فإن المستحق هو التسليم لا تسليمه بعينه والممنوع منه تسليمه
فلو قال امنع المبيع منه فهذا شرط فاسد لأن منع الحق عمن يستحق وإثبات يده عليه حرام
وفرق بين قوله لا تسلمه إليه وقوله أمسكه أو امنعه

فرع الوكيل بالشراء إن لم يسلم الموكل إليه الثمن واشترى في الذمة
فسيأتي الكلام في أن المطالبة بالثمن على من تتوجه في الحكم ( من الباب ) الثاني إن شاء الله تعالى
وإن سلمه إليه واشترى بعينه أو في الذمة فهل يملك تسليم الثمن وقبض المبيع بمجرد الإذن في الشراء قال في التتمة والتهذيب فيه الخلاف السابق في وكيل البائع وجزم الغزالي بالجواز فإن العرف يقتضيه
قلت الصحيح القطع بالجواز وهو الذي جزم به صاحب الحاوي والأكثرون
وقال صاحب الشامل يسلم الثمن قطعا ويقبض المبيع على الأصح ففرق بينهما
والله أعلم
فرع إذا سلم المشتري الثمن إلى الموكل أو الوكيل حيث يجوز قبضه
لزم الوكيل

تسليم المبيع وإن لم يأذن الموكل فيه لأن الثمن إذا قبض صار دفع المبيع مستحقا وللمشتري الانفراد بأخذه
فإن أخذه المشتري فذاك وإن سلمه الوكيل فالأمر محمول على أخذ المشتري فلا حكم للتسليم

فرع ذكرنا أن الوكيل لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن

فلو فعل غرم للموكل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواء أو كان الثمن أكثر
فإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبن محتمل فهل يغرم جميع القيمة أم يحط قدر الغبن وجهان
أصحهما أولهما
فإن باعه بغبن فاحش بإذن الموكل فقياس الوجه الثاني أن لا يغرم إلا قدر الثمن ثم إذا قبض الوكيل الثمن بعدما غرم دفعه إلى الموكل واسترد المغروم
فرع الوكيل باستيفاء الحق هل يثبته أو باثباته هل يستوفيه عينا

أصحها لا
والثاني نعم
والثالث يثبت ولا يستوفي
فلو كان الحق قصاصا أو حدا لم يستوفه على المذهب
وقال ابن خيران على الوجهين
الصورة الثالثة في شرائه المعيب
فللوكيل بالشراء حالان
أحدهما أن يوكل في شراء موصوف فلا يشتري إلا سليما فإن اشترى معيبا نظر إن كان مع العيب يساوي ما اشتراه به فإن جهل العيب وقع عن الموكل وإن علمه فأوجه
أصحها لا يقع عنه لأن الاطلاق يقتضي سليما
والثاني يقع
والثالث إن كان عبدا يجزىء في الكفارة وقع عنه وإلا فلا إلا أن

يكون كافرا فإنه يجوز للوكيل شراؤه
وإن لم يساو ما اشتراه ( به ) فإن علم لم يقع عن الموكل وإن جهل وقع عنه على الأصح عند الأكثرين كما لو اشتراه بنفسه جاهلا
وحيث قلنا بوقوعه عن الموكل فإن كان جاهلا فللموكل الرد قطعا وكذا للوكيل على الصحيح
وعن ابن سريج أنه لا ينفرد بالرد
وإن كان الوكيل عالما فلا رد له وللموكل الرد على الأصح
فعلى هذا هل ينتقل الملك إلى الوكيل أم ينفسخ العقد من أصله وجهان
فمن قال بالانتقال كأنه يقول ينعقد موقوفا حتى يتبين الحال وإلا فيستحيل ارتداد الملك من الموكل إلى الوكيل قاله الإمام
وهذا الخلاف تفريع على وقوعه للموكل مع علم الوكيل وهو خلاف ظاهر المذهب
الحال الثاني أن يكون وكيلا في شراء معين
فإن لم ينفرد الوكيل في الحال الأول بالرد فهنا أولى وإلا فوجهان
الأصح المنصوص الجواز لأن الظاهر أنه يريده بشرط السلامة
ولم يذكروا في هذا الحال متى يقع عن الموكل ومتى لا يقع والقياس أنه كما سبق في الحال الأول
لكن لو كان المبيع معيبا يساوي ما اشتراه به وهو عالم فايقاعه عن الموكل هنا أولى لجواز تعلق الغرض بعينه
وكل ما ذكرناه في الحالين فيما إذا اشترى في الذمة
أما إذا اشترى بعين مال الموكل فحيث قلنا هناك لا يقع عن الموكل لا يصح هنا أصلا
وحيث قلنا يقع فكذا هنا وليس للوكيل الرد على الأصح
ومتى ثبت الرد للوكيل في صورة الشراء في الذمة فاطلع الموكل على العيب قبل اطلاع الوكيل أو بعده ورضيه سقط خيار الوكيل ولا يسقط خيار الموكل بتأخير الوكيل وتقصيره
وإذا أخر الوكيل الرد أو صرح بالزام العقد فهل له العود إلى الرد لأن أصل الحق باق وهو نائب أم لا لأنه بالتأخير كالعازل نفسه عن الرد وجهان
أصحهما الثاني
فإذا قلنا به وأثبتنا له العود ولم يعد فاطلع الموكل عليه وأراد الرد فله ذلك إن سماه الوكيل في الشراء أو نواه وصدقه

البائع وإلا فوجهان
أحدهما يرده على الوكيل ويلزمه المبيع لأنه اشترى في الذمة ما لم يأذن فيه الموكل
فانصرف إليه
وبهذا قطعا في التهذيب والتتمة
والثاني وبه قطع الشيخ أبو حامد وأصحابه أن المبيع للموكل وقد فات الرد لتفريط الوكيل
ويضمن الوكيل وفيما يضمنه وجهان
قال أبو يحيى البلخي يضمن قدر نقص قيمته من الثمن
فلو كانت القيمة تسعين والثمن مائة رجع بعشرة
فإن تساويا فلا رجوع
وقال الأكثرون يرجع بارش العيب من الثمن
قلت المذكور عن التهذيب والتتمة أصح وقد نقله صاحب المهذب عن نص الشافعي رضي الله عنه
والله أعلم

فرع لو أراد الوكيل الرد بالعيب فقال البائع أخر حتى يحضر الموكل
لم يلزمه إجابته
وإذا رد فحضر الموكل ورضيه احتاج إلى استئناف الشراء
ولو أخر كما التمس البائع فحضر الموكل ولم يرضه قال البغوي المبيع للوكيل ولا رد لتأخيره مع الإمكان
وقيل له الرد لأنه لم يرض بالعيب
ولقائل أن يقول للبغوي أنت وسائر الأصحاب متفقون على أنه إذا رضي الوكيل بالعيب ثم حضر الموكل وأراد الرد فله ذلك إن كان الوكيل سماه أو نواه وهنا الوكيل والموكل والبائع متصادقون على أن الشراء وقع للموكل ومن ضرورة ذلك أن يكون سماه أو نواه فوجب أن يقال المبيع للموكل وله الرد
فرع إذا أراد الوكيل الرد فقال البائع قد عرفه الموكل ورضيه ولا
رد لك

نظر إن لم يحتمل بلوغ الخبر إليه لم يلتفت إلى قوله وإن احتمل وأنكر الوكيل حلف على نفي العلم برضى الموكل
وفي وجه ضعيف لا يحلف
فإن عرضنا اليمين على الوكيل فحلف رده
فإن حضر الموكل فصدق البائع فعن ابن سريح أن له استرداد المبيع من البائع لموافقته إياه على الرضى قبل الرد
وعن القاضي حسين لا يسترد وينفذ فسخ الوكيل
قلت المنقول عن ابن سريج أصح وبه قطع صاحبا الشامل والبيان
والله أعلم
وإذا نكل الوكيل حلف البائع وسقط رد الوكيل
ثم إذا حضر الموكل وصدق البائع فذاك
وإن كذبه قال في التهذيب يلزم العقد الوكيل ولا رد له لابطال الحق بالنكول
وفيه الاشكال السابق في الفرع قبله

فرع الوكيل بالبيع إذا باع فوجد المشتري بالمبيع عيبا رده عليه إن
وإن شاء رد على الموكل
وهل للوكيل حط بعض الثمن للعيب فيه قولان
قلت ينبغي أن يكون أصحهما عدم الحط
والله أعلم
ولو زعم الموكل حدوث العيب في يد المشتري وصدق الوكيل المشتري رد على الوكيل ولم يرد الوكيل على الموكل

فرع سيأتي في كتاب القراض إن شاء الله تعالى أن الوكيل
هل يشتري من يعتق على الموكل فإن قلنا يشتريه فكان معيبا فللوكيل رده لأنه لا يعتق على الموكل قبل رضاه بالعيب ذكره في التهذيب
الصورة الرابعة في توكيل الوكيل فإن سكت الموكل عنه نظر إن كان أمرا يتأتى له الاتيان به لم يجز أن يوكل فيه
وإن لم يتأت منه لكونه لا يحسنه أو لا يليق بمنصبه فله التوكيل على الصحيح لأن المقصود من مثله الاستنابة
وفي وجه لا يوكل لقصور اللفظ
ولو كثرت التصرفات الموكل فيها ولم يمكنه الإتيان بجميعها لكثرتها فالمذهب أنه يوكل فيما يزيد على الممكن ولا يوكل في الممكن
وفي وجه يوكل في الجميع
وقيل لا يوكل في الممكن
وفي الباقي وجهان
وقيل في الجميع وجهان
وإن أذن له في التوكيل فله أحوال
الأول إذا قال وكل عن نفسك ففعل انعزل الثاني بعزل الأول إياه وبموته وجنونه على الصحيح في الجميع لأنه نائبه
ولو عزل الموكل الأول انعزل
وفي انعزال الثاني بإنعزاله هذا الخلاف
ولو عزل الموكل الثاني انعزل على الأصح كما ينعزل بموته وجنونه
والثاني لا لأنه ليس وكيلا من جهته
والذي يجمع هذه الاختلافات أن الوكيل الثاني هل هو وكيل الوكيل الأول كما لو صرح به أم وكيل الموكل ويكون تقديره أقم غيرك مقام نفسك والأصح أنه وكيل الوكيل الأول
الحال الثاني أن يقول وكل عني فالثاني وكيل الموكل وله عزل أيهما شاء وليس لأحدهما عزل الآخر ولا ينعزل أحدهما بانعزال الآخر

الحال الثالث إذا قال وكلتك في كذا وأذنت لك أن توكل فيه ولم يقل عنك ولا عني فهذا كالصورة الأولى أم كالثانية وجهان
أصحهما الثاني
وإذا جوزنا له أن يوكل في صورة سكوت الموكل فينبغي أن يوكل عن موكله
فلو وكل عن نفسه فوجهان
قلت أصحهما لا يجوز
والله أعلم

فرع حيث ملك الوكيل أن يوكل فشرطه أن يوكل أمينا إلا أن
غيره
ولو وكل أمينا ثم فسق هل له عزله وجهان
قلت أقيسهما المنع
والله أعلم
فرع لو وكله في تصرف وقال افعل فيه ما شئت لم يكن
على الأصح
قلت لو قال كل ما تصنعه فهو جائز فهو كقوله افعل ما شئت
والله أعلم
الصورة الخامسة في امتثال تقييد الموكل
والصور المذكورة من أول الباب إلى هنا مفروضة في التوكيل المطلق ومن هنا إلى آخره في التوكيل المقرون بتقييد
وحاصله أنه يجب مراعاة تقييد الموكل ورعاية المفهوم منه بحسب العرف وفيه مسائل

إحداها إذا عين الموكل شخصا بأن قال بع لزيد
أو ( عين ) وقتا بأن قال بع يوم الجمعة لم يجز أن يبيع لغير زيد ولا قبل الجمعة ولا بعده
قلت هكذا قال الأصحاب في البيع قبل الجمعة وبعده إنه لا يصح
قالوا وكذا حكم العتق لا يجوز قبل الجمعة بعده
وأما الطلاق فنقل صاحبا الشامل والبيان عن الداركي أنه قال إن طلقها قبل الجمعة لا يقع وإن طلقها بعده يقع لأنها إذا كانت مطلقة يوم الجمعة كانت مطلقة يوم السبت بخلاف الخميس
ولم أر هذا لغيره وفيه نظر
والله أعلم
لو عين مكانا من سوق ونحوها نظر إن كان له في ذلك المكان غرض ظاهر بأن كان الراغبون فيه أكثر أو النقد فيه أجود لم يجز البيع في غيره
وإلا فوجهان
أحدهما يجوز وبه قال القاضي أبو حامد وقطع به الغزالي
وأصحهما عند ابن القطان والبغوي المنع
قلت قطع بالجواز أيضا صاحبا التنبيه والتتمة وغيرهما لكن الأصح على الجملة المنع وهو الذي صححه الماوردي والرافعي في المحرر
قلت هذا إذا لم يقدر الثمن
فإن قال بع في سوق كذا بمائة فباع بمائة في غيرها جاز صرح به صاحبا الشامل والتتمة وغيرهما
والله أعلم
ولو نهاه صريحا عن البيع في غيره امتنع قطعا
ولو قال بع في بلد كذا قال ابن كج هو كقوله بع في سوق كذا حتى لو باع في بلد آخر جاء فيه التفصيل المذكور وهذا صحيح لكنه يصير ضامنا بالنقل من ذلك البلد ويكون الثمن مضمونا في يده
بل لو أطلق التوكيل في البيع في بلد فليبع فيه
فإن نقل ضمن

المسألة الثانية قال بع بمائة درهم لم يبع بدونها وله البيع بأكثر
والمقصود بالتقدير أن لا ينقص فيهما من العرف
وفي وجه شاذ حكاه العبادي لا يجوز البيع بأكثر من مائة
والصحيح المعروف الأول
ولو نهاه عن الزيادة صريحا لم يزد قطعا
قلت حكي في النهاية والبسيط عن صاحب التقريب أنه لو قال بع بمائة ولا تزد فزاد أو اشتر هذا العبد بمائة ولا تنقص فنقص ففي صحته وجهان
قالا والوجه أن يقال إن أتى بما هو نص في المنع لم ينفذ لمخالفته وإن احتمل أنه يريد لا تتعب نفسك في طلب الزيادة والنقص اتجه التنفيذ
والله أعلم
وهل له البيع بمائة وهناك راغب بزيادة على المائة فيه وجهان
قلت أصحهما المنع لأنه مأمور بالإحتياط والغبطة
والله أعلم
قال الأصحاب ولو كان المشتري معينا فإن قال بعه لزيد بمائة لم يجز أن يبيع بأكثر منها قطعا لأنه ربما قصد إرفافه

فرع لو قال بع ثوبي ولا تبعه بأكثر من مائة لم يبعه
ويبيع بها وبما دونها ما لم ينقص عن ثمن المثل
ولو قال بعه بمائة ولا تبعه بمائة وخمسين فليس له بيعه بمائة وخمسين ويجوز بما دون ذلك ما لم ينقص عن مائة ولا يجوز بما زاد على مائة وخمسين على الأصح

فرع الشراء كالبيع فيما سبق

فإذا قال اشتر بمائة فله الشراء بأقل إلا أن ينهاه ولا يشتري بما فوقها
ولو قال اشتر بمائة ولا تشتر بخمسين فله الشراء بالمائة وبما بينها وبين خمسين ولا يجوز بخمسين
وفيما دونها الوجهان
قلت قال أصحابنا لو قال اشتر عبد فلان بمائة فاشتراه بأقل منها صح وهذا يخالف ما سبق في قوله بعه لزيد بمائة
قال صاحب الحاوي والفرق أنه في البيع ممنوع من قبض ما زاد على المائة فلا يجوز قبض ما نهي عنه
وفي الشراء مأمور بدفع مائة ودفع الوكيل بعض المأمور به جائز
والله أعلم
المسألة الثالثة لو قال بعه إلى أجل وبين قدره أو قلنا لا حاجة إلى بيانه وحملناه على المعتاد فخالف وباع حالا نظر إن باعه بقيمته حالا لم يصح لأنه أقل مما أمره به
وإن باعه حالا بقيمته إلى ذلك الأجل نظر إن كان في وقت لا يؤمن النهب والسرقة أو كان لحفظه مؤنة في الحال لم يصح أيضا
وإن لم يكن شىء من ذلك صح على الأصح
ولا فرق فيما ذكرنا بين ثمن المثل عند الاطلاق وبين ما قدره من الثمن بأن قال بع بمائة نسيئة فباع بمائة نقدا
ولو قال بع بكذا إلى شهرين فباع به إلى شهر ففيه الوجهان
ولو قال اشتر حالا فاشتراه مؤجلا بقيمته مؤجلا لم يصح للموكل لأنه أكثر وإن اشتراه بقيمته حالا فوجهان كما في طرف البيع
قال صاحب التتمة هذا إذا قلنا إن مستحق الدين المؤجل إذا عجل حقه يلزمه القبول
وأما إذا قلنا لا يلزمه فلا يصح الشراء هنا للموكل بحال
وذكر هو وغيره تخريجا

على المسألة التي نحن فيها أن الوكيل بالشراء مطلقا لو اشترى نسيئة بثمن مثله نقدا جاز لأنه زاد خيرا وللموكل تفريغ ذمته بالتعجيل
قلت هذا المنقول أولا عن التتمة قد عكسه صاحب الشامل فقال هذا الخلاف حيث لا يجبر صاحب الدين على قبول تعجيله وحيث يجبر يصح الشراء قطعا
وهذا الذي قاله أصح وأفقه وأقرب إلى تعليل الأصحاب
والله أعلم
فرع لو دفع ( إليه ) دينارا وقال اشتر به شاة ووصفها فاشترى به

بتلك الصفة نظر إن لم تساو واحدة منهما دينارا لم يصح الشراء للموكل وإن زادت قيمتهما جميعا على الدينار لفوات ما وكل فيه
وإن ساوت كل واحدة دينارا فقولان
أظهرهما صحة الشراء وحصول الملك فيهما للموكل لأنه حصل غرضه وزاد خيرا
والثاني لا تقع الشاتان للموكل لأنه لم يأذن فيهما بل ينظر إن اشتراهما في الذمة فللموكل واحدة بنصف دينار والأخرى للوكيل ويرد على الموكل نصف دينار
وللموكل أن ينتزع الثانية منه ويقرر العقد فيهما لأنه عقد العقد له
وفي قول شاذ لا يصح الشراء للموكل في واحدة منهما بل يقعان للوكيل
وإن اشتراهما بعين الدينار فقد اشترى شاة باذنه وشاة بلا إذنه فيبنى على وقف العقود
فإن قلنا لا توقف على الإجازة بطل العقد في شاة
وفي الأخرى قولا ( تفريق ) الصفقة
وإن قلنا توقف فإن شاء الموكل أخذهما بالدينار وإن شاء اقتصر على واحدة ورد الأخرى على البائع
وهذا القول مشكل لأن تعين الشاة للموكل أو لإبطال العقد فيها ليس بأولى من تعين الأخرى والتخيير

يشبه بيع شاة من شاتين وهو باطل
فإذا صححنا الشراء فيهما للموكل فباع الوكيل إحداهما بغير إذن الموكل ففي صحة بيعه قولان
وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى شاة بدينار وباعها بدينارين
وقيل هذا الخلاف هو القولان في بيع الفضولي فعلى الجديد يلغو وعلى القديم ينعقد موقوفا على إجازة الموكل
قلت الأظهر أنه لا يصح بيعه
قال أصحابنا ولو اشترى به شاتين تساوي إحداهما دينارا والأخرى بعض دينار فطريقان
الأصح منهما عند القاضي أبي الطيب والأصحاب صحة البيع فيهما جميعا ويكون كما لو ساوت كل واحدة دينارا على ما سبق
فعلى الأظهر يلزم البيع فيهما جميعا للموكل وبه قطع المحاملي وغيره
والطريق الثاني لا يصح في حق الموكل واحدة منهما
فعلى الأظهر لو باع الوكيل التي تساوي دينارا لم يصح قطعا وإن باع الأخرى فعلى الخلاف
وإن قلنا للوكيل إحداهما كان له التي لا تساوي دينارا بحصتها وللموكل انتزاعها كما سبق
والله أعلم

فرع قال بع عبدي بمائة درهم فباعه بمائة وعبد أو وثوب يساوي
فعن ابن سريج أنه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين وأولى بالمنع لأنه عدل عن الجنس
فإن أبطلنا فهل يبطل في القدر المقابل لغير الجنس وهو النصف أم في الجميع قولان
فإن قلنا في ذلك القدر قال في التتمة لا خيار له لأنه إذا رضي ببيع الجميع بمائة فالبعض أولى
وأما المشتري فإن لم يعلم أنه وكيل بالبيع بدراهم فله الخيار وإن علم فوجهان لشروعه في العقد مع العلم بأن بعض المعقود عليه لا يسلم له

قلت ولو باعه بمائة درهم ودينار ففي التتمة والتهذيب أنه على الخلاف في مائة وثوب
وقطع صاحب الشامل بالصحة لأنه من جنس الأثمان وينبغي أن يكون الأصح في الجميع الصحة
والله أعلم

فرع لو قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يصح لأنه
به وفيه احتمال ذكره ابن كج والغزالي في الوجيز
وعلى هذا الاحتمال البيع بعرض يساوي ألف دينار يشبه أن يكون كالبيع بألف دينار
الصورة السادسة في الوكالة في الخصومة وفيها مسائل
إحداها الوكيل بالخصومة من جهة المدعي يدعي ويقيم البينة ويسعى في تعديلها ويحلف ويطلب الحكم والقضاء ويفعل ما هو وسيلة إلى الاثبات
والوكيل من جهة المدعى عليه ينكر ويطعن في الشهود ويسعى في الدفع بما أمكنه
الثانية هل يشترط في التوكيل في الخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو مال أو عين أو دين أو أرش جناية أو بدل مال حكى العبادي فيه وجهين كالوجهين في بيان من يخاصمه
الثالثة لو أقر وكيل المدعي بالقبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة على مال أو بأن الحق مؤجل أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي لم يقبل سواء أقر في مجلس الحكم أم في غيره كما لا يصح إبراؤه ومصالحته لأن اسم الخصومة لا يتناولهما فكذا الاقرار
ثم وكيل المدعي إذا أقر بالقبض أو الإبراء انعزل وكذا وكيل المدعى عليه إذا أقر بالحق انعزل لأنه بعد

الاقرار ظالم في الخصومة
وأطلق ابن كج وجهين في بطلان وكالته بالاقرار
قلت ولو أبرأ وكيل المدعي خصمه لم ينعزل لأن إبراءه باطل ولا يتضمن اعترافا بأن المدعي ظالم الاقرار وكذا فرق صاحب الحاوي وغيره
والله أعلم

فرع نقل في النهاية أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه لا
تعديله بينة المدعي لأنه كالإقرار في كونه قاطعا للخصومة وليس للوكيل قطع الخصومة بالإختيار
الرابعة تقبل شهادة الوكيل على موكله وتقبل لموكله في غير ما توكل فيه
وإن شهد بما توكل فيه نظر إن شهد قبل العزل أو بعده وقد خاصم فيه لم يقبل للتهمة
وإن كان بعده ولم يخاصم قبلت على الأصح
هذه هي الطريقة الصحيحة المشهورة
وقال الإمام قياس المراوزة أن يعكس فيقال إن لم يخاصم قبلت وإلا فوجهان
قال وهذا التفصيل إذا جرى الأمر على تواصل
فإن طال الفصل فالوجه القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه
الخامسة لو وكل رجلين بالخصومة ولم يصرح باستقلال كل واحد منهما فوجهان
الأصح لا يستقل واحد منهما بل يتشاوران ويتباصران
كما لو وكلهما في بيع أو طلاق أو غيرهما أو وصى إليهما
ولو وكل رجلين في حفظ متاع فالأصح أنه لا ينفرد واحد منهما بحفظه بل يحفظانه في حرز بينهما
والثاني ينفرد
فإن قبل القسمة قسم ليحفظ كل واحد بعضه

السادسة ادعى عند القاضي أنه وكيل زيد فإن كان المقصود بالخصومة حاضرا وصدقه ثبتت الوكالة وله مخاصمته وإن كذبه أقام البينة على الوكالة
ولا يشترط في إقامة البينة تقدم دعوى حق الموكل على الخصم
وإن كان غائبا وأقام الوكيل بينة بالوكالة سمعها القاضي وأثبتها
ولا يعتبر حضور الخصم في إثبات الوكالة خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه حيث ( قال ) لا تسمع البينة إلا في وجه الخصم
قال الإمام وهو بناء على مذهبه في امتناع القضاء على الغائب
ثم حكى الإمام عن القاضي حسين أنه لا بد ( و ) أن ينصب القاضي مسخرا ينوب عن الغائب ليقيم المدعي البينة في وجهه
قال الإمام وهذا بعيد لا أعرف له أصلا مع ما فيه من مخالفة الأصحاب
وحكى عنه أيضا أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القضاء وكيلا بالخصومة اختص التوكيل بالمخاصمة في ذلك المجلس
قال الإمام والذي نعرفه للأصحاب أنه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ولا نعرف للقضاة العرف الذي ادعاه
السابعة وكل رجلا عند القاضي بالخصومة عنه وطلب حقوقه فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضرا في المجلس اعتمادا على العيان
فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه اعتمادا على اسم ونسب يذكره فلا بد من إقامة بينة على أن فلان ابن فلان وكله أو على أن الذي وكله هو فلان بن فلان ذكره أصحابنا العراقيون والشيخ أبو عاصم العبادي
وعبارة العبادي إنه لا بد وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضي ويثق بهما
ثم إن الامام حكى عن القاضي حسين رحمهما الله أن عادة الحكام التساهل في هذه البينة والاكتفاء بالعدالة الظاهرة وترك البحث والاستزكاء تسهيلا على الغرباء
وقال القاضي أبو سعد ابن أبي يوسف

في شرح مختصر العبادي يمكن أن يكتفى بمعرف واحد إذا كان موثوقا به كما قال الشيخ أبو محمد إن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها يحصل يمعرف واحد لأنه إخبار لا شهادة
قلت وإذا ادعى على وكيل مالا وأقام بينة وقضى بها الحاكم ثم حضر الغائب وأنكر الوكالة أو ادعى عزله لم يكن له أثر لأن الحكم على الغائب جائز
قال في التتمة وإذا اعترف الخصم عند القاضي بأنه وكيل جاز له المحاكمة قطعا
وفي وجوبها عليه الخلاف فيما إذا اعترف بأنه وكيل في قبض الدين هل يلزمه دفعه إليه أم لا يجب حتى يقيم بينة والله أعلم
الصورة السابعة وكله في الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو ووجبت الدية كما لو فعله الموكل بنفسه
فلو صالح على خنزير فهو لغو على الأصح فيبقى القصاص لأنه غير مأذون فيه
والثاني أنه كالعفو على خمر
وعلى هذا لو صالح على الدية أو على ما يصلح عوضا جاز
ولو جرت هذه المخالفة بين الموجب والقابل في الصلح لغا قطعا لعدم انتظام الخطاب
ولو وكله في خلع زوجته على خمر فخالعها على خمر أو خنزير فعلى ما سبق في الصلح عن الدم

فرع وكله في بيع أو شراء فاسد لم يملك فاسدا ولا صحيحا

الصورة الثامنة في مخالفته فإذا سلم إليه ألفا وقال اشتر بعينه ثوبا فاشترى في الذمة لينقذ الألف لم يصح للموكل
ولو قال اشتر في الذمة وسلم

الألف في ثمنه فاشترى بعينه لم يصح على الأصح
ولو سلمه إليه وقال اشتر ثوبا ولم يقل بعينه ولا في الذمة فوجهان
أحدهما أنه كقوله اشتر بعينه لأن قرينة التسليم تشعر به
وأصحهما أن الوكيل يتخير بين الشراء بعينه أو في الذمة لأن الاسم يتناولهما
قلت وإذا قال اشتر في الذمة وسلمه فيه فاشترى للموكل في الذمة ونقد الوكيل الثمن من ماله برىء الموكل من الثمن ولا يرجع عليه الوكيل بشىء لأنه متبرع بقضاء دينه ويلزمه رد الألف المعينة إلى الموكل صرح به الماوردي وغيره وهو ظاهر
والله أعلم

فصل في حكم البيع والشراء المخالفين أمر الموكل أما البيع فإذا قال بع هذا العبد فباع

وأما الشراء فإن وقع بعين مال الموكل فباطل
وإن وقع في الذمة نظر إن لم يسم الموكل وقع عن الوكيل وكذا إن سماه على الأصح
وتلغو التسمية لأن تسمية الموكل غير معتبرة في الشراء فإذا سماه ولم يكن صرفه إليه صار كأنه لم يسمه
والثاني العقد باطل
فإذا قلنا بالأصح فذلك إذا قال بعتك فقال اشتريت لموكلي فلان
فأما إذا قال البائع بعت فلانا فقال الوكيل اشتريته له فالمذهب بطلان العقد لأنه لم تجر بينهما مخاطبة
ويخالف النكاح حيث يصح من الولي ووكيل الزوج على هذه الصيغة بل لا يصح إلا كذلك لأن للبيع أحكاما تتعلق بالمجلس كالخيار وغيره وتلك الأحكام إنما يمكن اعتبارها بالمتعاقدين فاعتبر جريان

المخاطبة بينهما والنكاح سفارة محضة
ثم ما ذكرناه في هذا الفصل تفريع على الجديد وهو منع وقف العقود وإلغاء تصرف الفضولي
وأما على القديم فالوكيل كأجنبي فيقف الشراء في الذمة على إجازته
فإن أجاز وقع عنه وإلا فعن الوكيل وكذا الشراء بعين ماله وبيع العبد الآخر ينعقدان موقوفين على هذا القول كما ذكرنا في بابه

فرع وكيل المتهب في القبول يجب أن يسمي موكله وإلا فيقع عنه
الخطاب معه ولا ينصرف بالنية إلى الموكل لأن الواهب قد يقصد بتبرعه المخاطب وليس كل أحد يسمح بالتبرع عليه بخلاف الشراء فإن المقصود منه حصول العوض
قلت قال في البيان لو وكله أن يزوج بنته زيدا فزوجها وكيل زيد لزيد صح
ولو وكله في بيع عبده لزيد فباعه لوكيل زيد لم يصح
والفرق أن النكاح لا يقبل نقل الملك والبيع يقبله
ولهذا يقول وكيل النكاح زوج موكلي ولا يقول زوجني لموكلي
وفي البيع يقول بعني لموكلي ( ولا يقول بع موكلي )
والله أعلم
الحكم الثاني للوكالة حكم الامانة
فيد الوكيل يد أمانة فلا يضمن ما تلف في يده بلا تفريط سواء كان بجعل أو متبرعا فإن تعدى بأن ركب الدابة أو لبس الثوب ضمن قطعا ولا ينعزل عن المذهب بل يصح تصرفه

وإذا باع وسلم المبيع زال عنه الضمان لأنه أخرجه من يده بإذن المالك
وفي زوال الضمان بمجرد البيع وجهان
أحدهما نعم لزوال ملك الموكل
وأصحهما لا لأنه يرتفع العقد بتلفه قبل القبض
وأما الثمن الذي يقبضه فلا يكون مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه
ولو رد عليه المبيع بعيب عاد الضمان

فرع لو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها شيئا فتصرف فيها على
يكون قرضا عليه صار ضامنا
وليس له أن يشتري للموكل بدراهم نفسه ولا في الذمة فلو حصل كان ما اشتراه لنفسه دون موكله
ولو عادت الدراهم التي تصرف فيها إليه فاشترى بها للموكل فهو على الخلاف في انعزاله بالتعدي
فعلى المذهب لا ينعزل فيصح شراؤه ولا يكون ما اشتراه مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه
فلو رد ما اشتراه بعيب واسترد الثمن عاد مضمونا عليه
فرع متى طالب الموكل الوكيل برد ماله لزمه أن يخلي بينه وبينه
امتنع صار ضامنا كالمودع
الحكم الثالث في العهدة فيه مسائل
إحداها الوكيل بالشراء إذا اشترى لموكله ما وكله في شرائه فلمن يقع الملك وجهان
أحدهما للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن الخطاب جرى معه
وأحكام العقد تتعلق به
والصحيح أنه يقع أولا للموكل كما لو اشترى الأب للطفل فإنه يقع للطفل ابتداء ولأنه لو وقع للوكيل لعتق عليه أبوه إذا اشتراه لموكله فلا يعتق قطعا

الثانية أحكام العقد في البيع والشراء تتعلق بالوكيل دون الموكل حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع دون الموكل وتلزم بمفارقة الوكيل المجلس دون الموكل وكذا تسليم رأس المال في السلم والتقابض حيث يشترط يعتبران قبل مفارقة الوكيل
والفسخ بخيار المجلس وخيار الرؤية إن أثبتناه يثبت للوكيل دون الموكل حتى لو أراد الموكل الاجازة كان للوكيل الفسخ ذكره في التتمة
الثالثة إذا اشترى الوكيل بثمن معين طالبه به البائع إن كان في يده وإلا فلا
وإن اشترى في الذمة فإن كان الموكل قد سلم إليه ما يصرفه في الثمن طالبه البائع وإلا فإن أنكر البائع كونه وكيلا أو قال لا أدري هل هو وكيل أم لا طالبه به
وإن اعترف بوكالته فهل يطالب به الموكل فقط أم الوكيل فقط أم يطالب أيهما شاء فيه أوجه
أصحها الثالث
فإن قلنا بالثاني فهل للوكيل مطالبة الموكل قبل أن يغرم فيه وجهان
أصحهما المنع
وإذا غرم الوكيل للبائع رجع على الموكل ولا يشترط لثبوت الرجوع اشتراط الرجوع على المذهب
وإذا قلنا بالثالث فالوكيل كالضامن والموكل كالمضمون عنه فيرجع الوكيل إذا غرم
والقول في اعتبار شرط الرجوع وفي أنه هل يطالبه بتخليصه قبل الغرم كما سبق في الضمان
وفرع ابن سريج على الأوجه فقال لو سلم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمة ففعل ثم ردها البائع بعيب فإن قلنا بالوجه الأول أو الثالث لزم الوكيل تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكل وليس له إمساكها ودفع بدلها
وإن قلنا بالثاني فله ذلك لأن ما دفعه الموكل إليه على هذا الوجه أقرضه إياه ليبرىء ذمته
فإن عاد فهو ملكه
وللمستقرض إمساك ما استقرضه ورد مثله
ولك أن تقول لا خلاف أن للوكيل أن يرجع على الموكل في الجملة وإنما الكلام في أنه متى يرجع وبأي

شىء يرجع فإذا كان كذلك اتجه أن يكون تسليم الدراهم دفعا لمؤنة التراجع لا إقراضا
الرابعة الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن إما بإذن صريح وإما بمقتضى البيع
إذا قلنا به فتلف المقبوض في يده ثم خرج المبيع مستحقا والمشتري معترف بالوكالة فهل يرجع بالثمن على الوكيل لحصول التلف عنده أم على الموكل لأنه سفيره ويده يده أم على من شاء منهما فيه الأوجه السابقة
فإن قلنا على الموكل أو الوكيل فغرم لا يرجع أحدهما على صاحبه
وإن قلنا يغرم أيهما شاء فثلاثة أوجه
أصحها وأشهرها أنه إن غرم الموكل لم يرجع على الوكيل وإن غرم الوكيل رجع على الموكل
والثاني يرجع الموكل دون الوكيل لحصول التلف في يده
والثالث لا يرجع واحد منهما
والذي يفتى به من هذه الاختلافات أن المشتري يغرم من شاء منهما والقرار على الموكل
ولذلك اقتصرنا على هذا الجواب في بدل الرهن وإن كان يطرد فيه الخلاف
الخامسة الوكيل بالشراء إذا قبض المبيع وتلف في يده ثم بان مستحقا فللمستحق مطالبة البائع بقيمة المبيع أو مثله لأنه غاصب
وفي مطالبته الوكيل أو الموكل الأوجه الثلاثة
قال الإمام والأقيس في المسألتين أنه لا رجوع إلا على الوكيل لحصول التلف في يده وبظهور الاستحقاق بان أن لا عقد وصار الوكيل قابضا ملك غيره بلا حق
ويجري الخلاف في القرار في هذه الصورة
السادسة الوكيل بالبيع إذا باع بثمن في الذمة واستوفاه ودفعه إلى الموكل وخرج مستحقا أو معيبا فرده فللموكل أن يطالب المشتري بالثمن وله أن يغرم الوكيل لأنه صار مسلما للمبيع قبل أخذ عوضه
وفيما يغرمه وجهان
أحدهما

قيمة العين لأنه فوتها
والثاني الثمن لأن حقه انتقل إليه
فإن قلنا بالأول فأخذ منه القيمة طالب الوكيل المشتري بالثمن
فإذا أخذه دفعه إلى الموكل واسترد القيمة
السابعة دفع إليه دراهم ليشتري عبدا بعينها ففعل فتلفت في يده قبل التسليم انفسخ البيع ولا شىء على الوكيل
وإن تلفت قبل الشراء ارتفعت الوكالة
ولو قال اشتر في الذمة واصرفها إلى الثمن فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء لم ينفسخ العقد
ولكن هل ينقلب إلى الوكيل ويلزمه الثمن أم يبقى للموكل
وعليه مثل الدراهم أم يقال للموكل إن أردته فادفع مثل تلك الدراهم وإلا فيقع عن الوكيل وعليه الثمن فيه ثلاثة أوجه
ولو تلفت قبل الشراء لم ينعزل
فإن اشترى للموكل فهل يقع له أم للوكيل فيه الوجهان الأولان من هذه الثلاثة
قلت هكذا ذكره صاحب التهذيب وقطع في الحاوي بأنه إذا قال اشتر في الذمة أو بعينها فتلفت انفسخت الوكالة وانعزل فإذا اشترى بعده وقع للوكيل قطعا
والله أعلم

فرع إذا اشترى الوكيل شراء فاسدا وقبض وتلف المبيع في يده أو
تسليمه إلى الموكل فللمالك مطالبته بالضمان ثم هو يرجع على الموكل
فرع لو أرسل رسولا ليستقرض له فاقترض فهو كوكيل المشتري

وفي مطالبته

ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن
والمذهب أنه يطالب وأنه إذا غرم رجع على الموكل
الحكم الرابع الجواز من الجانبين فلكل واحد منهما العزل
ولاتفاعها أسباب
الأول أن يعزله الموكل بقوله عزلته أو رفعت الوكالة أو فسختها أو أبطلتها أو أخرجته عنها فينعزل سواء ابتدأ توكيله أو وكله بسؤال الخصم بأن سألت زوجها أن يوكل في الطلاق أو الخلع أو المرتهن الراهن أن يوكل ببيع الرهن أو سأله خصمه أن يوكل في الخصومة
وهل ينعزل قبل بلوغ العزل إليه قولان
أظهرهما ينعزل
فإن قلنا لا ينعزل حتى يبلغه الخبر فالمعتبر خبر من تقبل روايته دون الصبي والفاسق
وإذا قلنا ينعزل فينبغي للموكل أن يشهد على العزل لأن قوله بعد تصرف الوكيل كنت عزلته لا يقبل
الثاني إذا قال الوكيل عزلت نفسي أو أخرجتها عن الوكالة أو رددتها انعزل قطعا كذا قاله الأصحاب
وقال بعض المتأخرين إن كانت صيغة الموكل بع واعتق ونحوهما من صيغ الأمر لم ينعزل برد الوكالة وعزله نفسه لأن ذلك إذن وإباحه فأشبه ما لو أباحه الطعام لا يرتد برد المباح له ولا يشترط في انعزاله بعزل نفسه حصول علم الموكل
الثالث ينعزل الوكيل بخروجه أو خروج الموكل عن أهلية تلك التصرفات بالموت أو الجنون
وفي وجه لا ينعزل بجنون لا يمتد بحيث تتعطل المهمات
ويخرج إلى نصب قوام
والإغماء كالجنون على الأصح
والثاني لا ينعزل به واختاره الإمام والغزالي في الوسيط لأن المغمى عليه لا يلتحق بمن تولى عليه
والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل والموكل بمن تولى عليه
وفي معنى الجنون الحجر عليه بسفه أو فلس في كل تصرف لا ينفذ منهما
وكذا لو طرأ الرق

بأن وكل حربيا ثم استرق
وإذا جن الموكل انعزل الوكيل في الحال وإن لم يبلغه الخبر قطعا بخلاف العزل
الرابع خروج محل التصرف عن ملك الموكل بأن باع ( الموكل ) ما وكله في بيعه أو أعتقه
فلو وكله ببيعه
ثم آجره قال في التتمة ينعزل لان الإجارة إن منعت البيع لم يبق مالكا للتصرف وإلا فهي علامة الندم لأن من يريد البيع لا يؤاجر لقلة الرغبات
وتزويج الجارية عزل
وفي طحن الحنطة وجهان
وجه الانعزال بطلان اسم الحنطة
وأما العرض على البيع وتوكيل وكيل آخر فليس بعزل قطعا
الخامس لو وكل عبده في بيع أو تصرف آخر ثم أعتقه أو باعه ففي انعزاله أوجه
ثالثها أنه إن كانت الصيغة وكلتك بقي الاذن
وإن كانت بع أو نحوه ارتفع
والكتابة كالبيع
وعبد غيره كعبده
وإذا حكمنا ببقاء الاذن في صورة البيع لزمه استئذان المشتري لأن منافعه صارت له
فلو لم يستأذن نفذ تصرفه لبقاء الاذن وإن عصى قال الإمام وفيه احتمال
قلت لم يصحح الرافعي شيئا من الخلاف في انعزاله ولم يصححه الجمهور
وقد صحح صاحب الحاوي والجرجاني في المعاياة انعزاله
وقطع به الجرجاني في كتابه التحرير
وأما عبد غيره فطرد الرافعي فيه الوجهين متابعة لصاحب التهذيب
ولكن المذهب والذي جزم به الأكثرون القطع ببقائه
قال صاحب البيان والخلاف في عبد غيره هو فيما إذا أمره السيد ليتوكل لغيره
فأما إن قال إن شئت فتوكل لفلان وإلا فلا تتوكل ثم أعتقه أو باعه فلا ينعزل قطعا كالأجنبي
والله أعلم
السادس لو جحد الوكيل الوكالة هل يكون ذلك عزلا فيه أوجه أصحها ثالثها إن كان لنسيان أو غرض في الاخفاء لم يكن عزلا وإن تعمد

ولا عرض في الاخفاء انعزل
ولو أنكر الموكل التوكيل ففي انعزاله الأوجه
قلت ومن فروع هذه لو وكل رجلين فعزل أحدهما لا بعينه فوجهان في الحاوي والمستظهري أصحهما لاينفذ تصرف واحد منهما حتى يميز للشك في أهليته
والثاني لكل التصرف لأن الأصل بقاء تصرفه
والله أعلم

فرع متى قلنا الوكالة جائزة أردنا الخالية عن الجعل

فأما إذا شرط ( فيها ) جعل معلوم واجتمعت شرائط الاجارة وعقد بلفظ الإجارة فهي لازمة
وإن عقد بلفظ الوكالة أمكن تخريجه على أن الاعتبار بصيغ العقود أم بمعانيها فصل في مسائل منثورة إحداها وكله ببيع فباع ورد عليه المبيع بعيب أو أمره بشرط الخيار فشرطه ففسخ البيع لم يكن له بيعه ثانيا
الثانية قال بع نصيبي من كذا أو قاسم شركائي أو خذ بالشفعة فأنكر الخصم ملكه هل له الاثبات يخرج على الوجهين في أن الوكيل بالاستيفاء هل يثبت الثالثة قال بع بشرط الخيار فباع مطلقا لم يصح
ولو أمره بالبيع وأطلق لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشتري وكذا ليس للوكيل بالشراء شرط الخيار للبائع
وفي شرطهما الخيار لأنفسهما أو للموكل وجهان
قلت أصحهما الجواز وبه قطع في التتمة
والله أعلم

الرابعة أمره بشراء عبد أو بيع عبد لا يجوز العقد على بعضه لضرر التبعيض ولو فرضت فيه غبطة
وفيه وجه شاذ ضعيف
ولو قال اشتره بهذا الثوب فاشتراه بنصف الثوب صح
الخامسة قال بع هؤلاء العبيد أو اشتر لي خمسة أعبد ووصفهم فله الجمع والتفريق إذ لا ضرر
ولو قال اشترهم صفقة ففرق لم يصح للموكل
فلو اشترى خمسة من مالكين لاحدهما ثلاثة وللآخر اثنان دفعة وصححنا مثل هذا العقد ففي وقوع شرائهم عن الموكل وجهان
أحدهما الصحة لأنه ملكهم دفعة
وأصحهما المنع لأنه إذا تعدد البائع لم تكن الصفقة واحدة
السادسة قال بع هؤلاء الأعبد الثلاثة بألف لم يبع واحدا منهم بدون ألف
ولو باعه بألف صح
ثم هل يبيع الآخرين فيه وجهان
أصحهما نعم
ولو قال بع من عبيدي من شئت أبقى بعضهم ولو واحدا
السابعة وكله باستيفاء دينه على زيد فمات زيد نظر إن قال وكلتك بطلب حقي من زبد لم يطالب الورثة
وإن قال بطلب حقي الذي على زيد طالبهم
قلت ولو لم يمت جاز له القبض من وكيله قطعا كيف كان قاله في الشامل وغيره
والله أعلم
الثامنة أمره بالبيع مؤجلا لا يلزمه المطالبة بعد الأجل ولكن عليه بيان الغريم
وكذلك لو قال ادفع هذا الذهب إلى صائغ فقال دفعته فطالبه الموكل ببيانه فقال القفال يلزمه البيان
فلو امتنع صار متعديا حتى لو بينه بعد ذلك وكان تلف في يد الصائغ يلزمه الضمان
قال القفال والأصحاب يقولون لا يلزمه البيان

قلت هذا المنقول عن الأصحاب ضعيف أو خطأ
والله أعلم
التاسعة قال لرجل بع عبدك لفلان بألف وأنا أدفعه إليك فباعه له قال ابن سريج يستحق البائع الألف على الآمر دون المشتري
فإذا غرم الآمر رجع على المشتري
قلت هذا كله مشكل مخالف للقواعد من وجهين وهما لزوم الألف للآمر ورجوعه بها بغير إذن المشتري
ومن قضى دين غيره بلا إذن لا يرجع قطعا كما سبق في الضمان
وقد قال أصحابنا لو قال بع عبدك لفلان بألف علي لم يصح التزامه
فالصواب أنه لا يلزم الآمر شىء لأنه ضمان ما لم يجب ولا جرى سبب وجوبه
ثم رأيت صاحب الحاوي رحمه الله أوضح المسألة فقال لو قال لرجل بع عبدك هذا على زيد بألف درهم وهي علي دونه فله حالان
أحدهما أن يكون هذا الآمر هو المتولي للعقد فيصح ويكون مشتريا لغيره بثمن في ذمته فيعتبر حال زيد المشتري له
فإن كان موليا عليه أو أذن فيه كان الشراء له والثمن على العاقد الضامن
وإن كان غير مولى عليه ولا أذن كان المشترى للعاقد يعني على الأصح فيما لو قال اشتره لزيد وليس وكيلا له وعلى وجه بيعه باطل
الحال الثاني أن يكون زيد هو العاقد فوجهان
أحدهما يصح ويكون العبد لزيد بلا ثمن والثمن على الضامن الآمر قاله ابن سريج
والثاني قال وهو الصحيح أن البيع باطل لأن عقد البيع ما أوجب تمليك المبيع عوضا على المالك وهذا مفقود هنا فيبطل
فعلى هذا لو قال بع عبدك على زيد بألف درهم وخمسمائة علي ففعل فعند ابن سريج العقد صحيح وعلى المشتري

ألف وعلى الآمر خمسمائة وعلى الصحيح العقد باطل هذا كلام صاحب الحاوي وهو واضح حسن
وعجب من الإمام الرافعي اقتصاره على ما حكاه عن ابن سريج وإهماله بيان المذهب الصحيح
ثم حكايته عن ابن سريج مخالفة في الرجوع ما ذكرنا
والله أعلم
العاشرة قال اشتر لي عبد فلان بثوبك هذا أو بدراهمك ففعل حصل الملك للآمر ورجع عليه المأمور بالقيمة أو المثل
وفي وجه ضعيف لا يرجع إلا أن يشرطا الرجوع
الحادية عشرة متى قبض وكيل المشتري المبيع وغرم الثمن من ماله لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكل له
وفي وجه ضعيف له ذلك
الثانية عشرة وكله عمرو باستيفاء دينه من زيد فقال زيد خذ هذه العشرة واقض بها دين عمرو فأخذها صار وكيلا لزيد في قضاء دينه حتى يجوز لزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل
ولو تلفت عند الوكيل بقي الدين على زيد
ولو قال زيد خذها عن الدين الذي تطالبني به لعمرو فأخذها كان قبضا لعمرو وبرىء زيد وليس له الإسترداد
ولو قال خذها قضاء لدين فلان فهذا محتمل للحالين
فلو تنازع عمرو وزيد فالقول قول زيد بيمينه
قلت المختار في هذه الصورة أنه عند الاطلاق إقباض بوكالة عمرو
والله أعلم
الثالثة عشرة دفع إليه دراهم ليتصدق بها فتصدق ونوى نفسه لغت نيته ووقعت الصدقة للآمر
الرابعة عشرة وكل عبدا ليشتري له نفسه أو مولى خر من مولاه

صح على الأصح
فعلى هذا قال صاحب التقريب يجب أن يصرح بذكر الموكل فيقول اشتريت نفسي منك لموكلي فلان وإلا فقوله اشتريت نفسي صريح في اقتضاء العتق فلا يندفع بمجرد النية
ولو قال العبد لرجل اشتر لي نفسي من سيدي ففعل صح
قال صاحب التقريب ويشترط التصريح بالإضافة إلى العبد فلو أطلق وقع الشراء للوكيل لأن البائع لا يرضى بعقد يتضمن الإعتاق قبل توفية الثمن
الخامسة عشرة قال لرجل أسلم لي في كذا وأد رأس المال من مالك ثم ارجع علي قال ابن سريج يصح ويكون رأس المال قرضا على الآمر
وقيل لا يصح لأن الاقراض لا يتم إلا بالاقباض ولم يوجد من المستقرض قبض
قلت الأصح عند الشيخ أبي حامد وصاحب العدة أنه لا يصح
قال الشيخ أبو حامد هذا الذي قاله أبو العباس سهو منه
قال وقد نص الشافعي رضي الله عنه في كتاب الصرف أن ذلك لا يجوز
والله أعلم
السادسة عشرة لو أبرأ وكيل المسلم المسلم إليه لم يلزم إبراؤه الموكل
لكن المسلم إليه لو قال لا أعلمك وكيلا وإنما التزمت لك شيئا وأبرأتني منه نفذ في الظاهر ويتعطل بفعله حق المسلم
وفي وجوب الضمان عليه قولا الغرم بالحيلولة
والأظهر وجوبه لكن لا يغرم مثل المسلم ( فيه ) ولا قيمته كي لا يكون اعتياضا عن السلم وإنما يغرم رأس المال كذا حكاه الإمام عن العراقيين واستحسنه
ورأيت في تعليق الشيخ أبي حامد أنه يغرم للموكل مثل المسلم فيه
السابعة عشرة قال اشتر لي طعاما نص الشافعي رضي الله عنه على

أنه يحمل على الحنطة اعتبارا بعرفهم
قال الروياني وعلى هذا لو كان بطبرستان لم يصح التوكيل لأنه لاعرف فيه لهذا اللفظ عندهم
الثامنة عشرة قال وكلتك بابراء غرمائي لم يملك الوكيل إبراء نفسه
فإن قال وإن شئت فأبرىء نفسك فعلى الخلاف في توكيل المديون بإبراء نفسه
ولو قال فرق ثلثي على الفقراء وإن شئت أن تضعه في نفسك فافعل فعلى الخلاف فيمن أذن له في البيع لنفسه
التاسعة عشرة قال بع هذا ثم هذا لزمه رعاية الترتيب قاله القفال
العشرون جعل للوكيل جلا فباع استحقه وإن تلف الثمن في يده لأن استحقاقه بالعمل وقد عمل قلت ومن مسائل الباب فروع
أحدها قال في الحاوي لو شهد لزيد شاهدان عند الحاكم أن عمرا وكله فإن وقع في نفس زيد صدقهما جاز العمل بالوكالة
ولو رد الحاكم شهادتهما لم يمنعه ذلك من العمل بها لأن قبولها عند زيد خبر وعند الحاكم شهادة
وإن لم يصدقهما لم يجز ( له ) العمل بها ولا يغني قبول الحاكم شهادتهما عن تصديقه
الثاني قال في الحاوي إذا سأل الوكيل موكله أن يشهد على نفسه بتوكيله فإن كانت الوكالة فيما لو جحده الموكل ضمنه الوكيل كالبيع والشراء وقبض المال وقضاء الدين لزمه
وإن كانت فيما لا يضمنه الوكيل كاثبات الحق بطلب الشفعة ومقاسمة الشريك لم يلزمه
الثالث قال في البيان لو قال اشتر لي جارية أطؤها ووصفها وبين ثمنها فاشترى من تحرم عليه أو أخت من يطؤها لم يلزم الموكل لأنه غير المأذون فيه

الرابع وكله أن يتزوج امرأة ففي اشتراط تعيينها وجهان في البيان وغيره الأصح أو الصحيح الاشتراط
والله أعلم

الباب الثالث في الاختلاف
وهو ثلاثة أضرب
الأول في أصل العقد
فإذا اختلفا في أصل الوكالة أو كيفيتها أو قدر ما يشترى به فقال وكلتني في بيع كله أو بيع نسيئة أو بعشرة فقال بل في بيع بعضه أو بحال أو بخمسة فالقول قول الموكل
فرع أذن في شراء جارية فاشتراها الوكيل بعشرين وقال أذنت لي في
العشرين وقال الموكل بل في عشرة وحلفناه فحلف فينظر في الشراء أكان بعين مال الموكل أم في الذمة فإن كان بعينه فإن ذكر في العقد أن المال لفلان وأن الشراء له فهو باطل
وإن لم يذكر في العقد وقال بعد الشراء إنما اشتريت له فإن صدقه البائع فالعقد باطل فإذا بطل فالجارية للبائع وعليه رد ما أخذ
وإن كذبه البائع وقال إنما اشتريت لنفسك والمال لك حلف على نفي العلم بالوكالة وحكم بصحة الشراء للوكيل في الظاهر وسلم الثمن المعين إلى البائع وغرم الوكيل مثله للموكل
وإن كان الشراء في الذمة نظر إن لم يسم الموكل بل نواه كانت الجارية للوكيل بالشراء له ظاهرا وإن سماه فإن صدقه البائع

بطل الشراء لاتفاقهما على أنه للغير
وإن كذبه وقال أنت مبطل تسميته لزم الشراء للوكيل
وهل يكون كما لو اقتصر على النية أم يبطل الشراء وجهان سبق نظائرهما
أصحهما صحته ووقوعه للوكيل
وحيث صححنا الشراء وجعلنا الجارية للوكيل ظاهرا وهو يزعم أنها للموكل قال المزني و الشافعي رضي الله عنه يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالآمر للمأمور فيقول إن كنت أمرته أن يشتريها بعشرين فقد بعته إياها بعشرين
فيقول الآخر قبلت ليحل له الفرج
قال أصحابنا إن أطلق الموكل وقال بعتكها بعشرين
فقال المشتري اشتريت صارت الجارية له ظاهرا وباطنا
وإن علق كما ذكره المزني فوجهان
أحدهما لا يصح للتعليق
قالوا والتعليق فيما حكاه المزمي من كلام الحاكم لا من كلام الموكل
وأصحهما الصحة لأنه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط فلا يضر التعرض له
وسواء أطلق البيع أو علقه لا نجعل ذلك إقرارا بما قاله الوكيل
وإن امتنع الموكل من الاجابة أو لم يرفق به الحاكم نظر إن كان الوكيل كاذبا لم يحل له وطؤها ولا التصرف فيها ببيع ولا غيره إن كان الشراء بعين مال الموكل لأن الجارية للبائع
وإن كان في الذمة ثبت الحل لوقوع الشراء للوكيل لكونه مخالفا للموكل
وذكر في التتمة أنه إذا كان كاذبا والشراء بعين مال الموكل فللوكيل بيعها بنفسه أو بالحاكم لأن البائع يكون أخذ مال الموكل بغير استحقاق وقد غرم الوكيل للموكل وكان له أن يقول للبائع رد مال الموكل لكن تعذر ذلك باليمين فله أخذ حقه من الجارية التي هي ملكه

وإن كان الوكيل صادقا ففيه أوجه
أحدها يحل للوكيل ظاهرا وباطنا فيحل له الوطء وكل تصرف حكي عن الاصطخري وهو بناء على أن الملك يقع للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل
فإذا تعذر نقله بقي له
ومنهم من خص هذا الوجه بما إذا اشترى في الذمة وإليه مال الإمام
والوجه الثاني إن ترك الوكيل مخاصمة الموكل فالجارية له ظاهرا وباطنا وكأنه كذب نفسه وإلا فلا
والثالث وهو الأصح أنه لا يملكها باطنا بل هي للموكل وللوكيل عليه الثمن فهو كمن له على رجل دين لا يؤديه فظفر بغير جنس حقه ففي جواز بيعه وأخذ الحق من ثمنه خلاف
الأصح الجواز
ثم هل يباشر البيع بنفسه أم يرفع الأمر إلى القاضي ليبيع فيه خلاف
والأصح هنا ( له ) البيع بنفسه لأن القاضي لا يجيبه إلى البيع
وإذا قلنا ليس له أخذ حقه من ثمنها فهل يوقف في يده حتى يظهر مالكها ويأخذها الحاكم ويحفظها وجهان
يأتي نظائرهما إن شاء الله تعالى

فرع لو اشترى جارية فقال الموكل إنما وكلتك بشراء غيرها وحلف عليه
بقيت الجارية في يد الوكيل والحكم على ما ذكرناه في الصورة السابقة فيتلطف الحاكم ويرفق

فرع باع الوكيل مؤجلا ثم ادعى أنه مأذون له فيه فقال
أذنت لك إلا في حال فالقول قول الموكل
ثم لا يخلو إما أن ينكر المشتري الوكالة أو يعترف بها
الحال الأول أن ينكر فالموكل يحتاج إلى البينة
فإن لم تكن فالقول قول المشتري مع يمينه على نفي العلم بالوكالة فإن حلف قرر المبيع في يده وإلا فترد العين على الموكل
فإن حلف حكم ببطلان البيع وإلا فهو كما لو حلف المشتري
ونكول الموكل عن يمين الرد في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف على الوكيل
وإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله إن كان مثليا ولا يطالب الوكيل المشتري حتى يحل الأجل مؤاخذة له بمقتضى تصرفه فإذا حل نظر إن رجع عن قوله الأول وصدق الموكل لم يأخذ من المشتري إلا أقل الأمرين من الثمن والقيمة
وإن لم يرجع بل أصر على قوله طالبه بالثمن بتمامه
فإن كان مثل القيمة أو أقل فذاك
وإن كان أكثر فالزيادة في يده للموكل بزعمه والموكل ينكرها فهل يحفظها أم يلزمه دفعها إلى القاضي فيه خلاف مذكور في مواضع ثم إن كان ما أخذه من جنس حقه فذاك وإلا فعلى الخلاف السابق كذا قاله الجمهور وهو المذهب
وقال الإمام والغزالي يقطع هنا بأخذه لأن المالك في غير الجنس يدعيه لنفسه والموكل هنا لا يدعي الثمن فأولى مصارفه التسليم إلى الوكيل الغارم
الحال الثاني أن يعترف المشتري بالوكالة فينظر إن صدق الموكل فالبيع

باطل وعليه رد المبيع
فإن تلف فالموكل بالخيار إن شاء غرم الوكيل لتعديه وإن شاء غرم المشتري
وقرار الضمان على المشتري لحصول الهلاك في يده ويرجع بالثمن الذي دفعه على الوكيل
وإن صدق الوكيل فالقول قول الموكل مع يمينه فإن حلف أخذ العين
وإن نكل حلف المشتري وبقيت له
الموضع الثاني في المأذون فيه إذا وكله في بيع أو هبة أو صلح أو طلاق أو إعتاق أو إبراء فقال تصرفت كما أذنت وقال الموكل لم تتصرف بعد نظر إن جرى هذا الاختلاف بعد انعزال الوكيل لم يقبل قوله إلا ببينة لأنه غير مالك للتصرف حينئذ
وإن جرى قبل الانعزال فهل القول قول الموكل أم الوكيل قولان
أظهرهما عند الأكثرين الأول وهو نصه في مواضع
وقيل ما يستقل به الوكيل كالطلاق والإعتاق والإبراء يقبل قوله فيه بيمينه وما لا كالبيع فلا
ولو صدق الموكل الوكيل في البيع ونحوه لكن قال عزلتك قبل التصرف وقال الوكيل بل بعد التصرف فهو كما لو قال الزوج راجعتك قبل انقضاء العدة فقالت انقضت عدتي قبل الرجعة
ولو قال الموكل باع الوكيل فقال لم أبع
فإن صدق المشتري الموكل حكم بإنتقال الملك إليه وإلا فالقول قوله

فرع دعوى الوكيل تلف المال مقبولة بيمينه قطعا وكذا دعواه الرد إن
الرهن
وكل ما ذكرناه هنا وهناك إذا ادعى الرد على من ائتمنه
فإن ادعى الرد على غيره لم يقبل وسيأتي إيضاحه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى
ومن ذلك أن يدعي الوكيل الرد على رسول المالك لاسترداد ما عنده وينكر الرسول فالقول

قول الرسول بلا خلاف ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه
وقيل يلزمه لأنه معترف بالرسالة ويد رسوله يده فكأنه ادعى الرد عليه
الموضع الثالث في القبض فإذا وكله بقبض دين فقال قبضته وأنكر الموكل نظر إن قال قبضته وهو باق في يدي فخذه لزمه أخذه ولا معنى لهذا الاختلاف
وإن قال قبضته وتلف في يدي فالقول قول الموكل مع يمينه على نفي العلم بقبض الوكيل لأن الأصل بقاء حقه هذا هو المذهب
وقيل بطرد الخلاف في اختلافهما في البيع ونحوه
فعلى المذهب إذا حلف الموكل أخذ حقه ممن كان عليه ولا رجوع له على الوكيل لاعترافه بأنه مظلوم
ولو وكله في البيع وقبض الثمن أو في البيع مطلقا وجوزنا له قبض الثمن فاتفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن فقال الوكيل قبضته وتلف في يدي أو دفعته إليك وأنكر الموكل ففي المصدق منهما طريقان
أحدهما على الخلاف السابق في البيع ونحوه
وأصحهما أنهما إن اختلفا قبل تسليم المبيع فالقول قول الموكل وإن كان بعد تسليمه فوجهان
أحدهما قول الموكل
وأصحهما قول الوكيل وبه قال ابن الحداد لأن الموكل يدعي تقصيره وخيانته بالتسليم بلا قبض والأصل عدمه
وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقا
فإذا أذن في التسليم قبل قبض الثمن أو في البيع بمؤجل وفي القبض بعد الأجل لم يكن خائنا بالتسليم بلا قبض كالاختلاف قبل التسليم فإذا صدقنا الوكيل فحلف ففي براءة المشتري وجهان
أصحهما عند الإمام يبرأ
وأصحهما عند البغوي لا
فعلى الأول إذا حلف وبرىء المشتري ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا فإن رده على الموكل وغرمه الثمن لم يكن له الرجوع على الوكيل لاعترافه بأن الوكيل لم يأخذ شيئا
وإن رده على الوكيل وغرمه لم يرجع على الموكل والقول قوله بيمينه أنه لم يأخذ منه شيئا ولا يلزم من

تصديقنا للوكيل في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقا على غيره
ولو خرج المبيع مستحقا رجع المشتري بالثمن على الوكيل لأنه دفعه إليه ولا رجوع له على الموكل لما سبق
ولو اتفقا على قبض الوكيل الثمن وقال الوكيل دفعته إليك وقال الموكل بل هو باق عندك فهو كما لو اختلفا في رد المال المسلم إليه
والمذهب أن القول قول الموكل
ولو قال الموكل قبضت الثمن فادفعه إلي فقال الوكيل لم أقبضه بعد فالقول قول الوكيل مع يمينه وليس للموكل طلبه من المشتري لاعترافه بقبض وكيله لكن لو سلم الوكيل المبيع حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن فهو متعد فللموكل أن يغرمه قيمة المبيع

فصل دفع إليه مالا ووكله بقضاء دينه به ثم قال الوكيل قضيت
رب الدين صدق رب الدين بيمينه فإذا حلف طالب الموكل بحقه وليس له مطالبة الوكيل
وهل يقبل قول الوكيل على الموكل قولان
أظهرهما لا
والثاني نعم بيمينه
فعلى الأظهر ينظر إن ترك الاشهاد على الدفع فإن دفع بحضرة الموكل فلا رجوع للموكل عليه على الأصح
وإن دفع في غيبته رجع وسواء صدقه الموكل في الدفع أم لا على الصحيح
وفي وجه لا يرجع إذا صدقه
فلو قال دفعت بحضرتك صدق الموكل بيمينه
وإن كان قد أشهد لكن مات الشهود أو جنوا أو غابوا فلا رجوع
وإن أشهد واحدا أو مستورين فبانا فاسقين فوجهان
وكل ذلك على ما ذكرناه في رجوع الضامن على الأصيل
ولو أمره بالايداع ففي لزوم الاشهاد وجهان مذكوران في الوديعة

فصل إذا ادعى قيم اليتيم
أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ لم يقبل إلا ببينة على الصحيح
فصل إذا طالب المالك من في يده المال بالرد فقال لا أرد
عليك نظر إن كان ممن يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل فأوجه
أصحها ليس له ذلك
والثاني بلى
والثالث إن كان التوقف إلى الاشهاد يؤخر التسليم فليس له وإلا فله
وإن كان ممن لا يقبل قوله كالغاصب فإن كان عليه بينة بالأخذ فله الامتناع وإلا فوجهان
صحح البغوي الامتناع وقطع العراقيون بعدمه لأنه يمكنه أن يقول ليس له عندي شىء ويحلف والمديون في هذا الحكم كمن لا يقبل قوله في رد الاعيان
فصل إذا كان عليه دين لزيد أو عين في يده فقال رجل
منك فأقبضنيه فله حالان
أحدهما أن يصدقه في دعوى الوكالة فله دفعه إليه
فإن دفع فحضر زيد وأنكر الوكالة فالقول قوله بيمينه
فإذا حلف فإن كان الحق عينا أخذها فإن تلفت فله تغريم من شاء منهما ولا رجوع للغارم على الآخر لأنه مظلوم بزعمه فلا يؤاخذ غير ظالمه
قال في التتمة هذا إذا تلفت بلا تفريط وإن تلفت بتفريط القابض نظر إن غرم القابض فلا رجوع
وإن غرم الدافع رجع لأن القابض وكيل عنده والوكيل يضمن بالتفريط وزيد ظالمه بأخذ القيمة

منه وماله في ذمة القابض فيستوفيه بحقه
وإن كان الحق دينا فله مطالبة الدافع بحقه
وإذا غرمه قال المتولي إن كان المدفوع باقيا فله استرداده وإن كان ذلك لزيد في زعمه لأنه ظالمه بتغريمه وقد ظفر بماله
وإن كان تالفا فإن فرط فيه غرمه وإلا فلا
وهل لزيد مطالبة القابض نظر إن تلف المدفوع عنده فلا وكذا إن كان باقيا على الأصح وبه قال الأكثرون لأن الآخذ فضولي بزعمه والمأخوذ ليس حقه وإنما هو مال المديون
وقال أبو اسحاق والشيخ أبو حامد له مطالبته لأنه في معنى وكيله بالدفع إليه
فعلى هذا إذا أخذه برىء الدافع هذا كله في جواز الدفع إذا صدقه في الوكالة وهل يلزم الدفع أم له الامتناع إلى قيام البينة نص هنا أن له الامتناع
ونص فيما لو أقر بدين أو عين لزيد وأنه مات وهذا وارثه أنه يلزمه الدفع بلا بينة فقيل قولان فيهما
والمذهب تقرير النصين
الحال الثاني أن لا يصدقه فلا يكلف الرفع إليه
فإن دفع ثم حضر زيد وحلف على نفي الوكالة غرم الدافع وكان له أن يرجع على القابض دينا كان أو عينا لأنه لم يصرح بصدقه
ولو أنكر الوكالة أو الحق وكان الوكيل مأذونا له في إقامة البينة أو قلنا الوكيل بالقبض مطلقا له إقامة البينة أقامها وأخذ الحق
فإن لم تكن بينة فهل له التحليف يبنى على أنه لو صدقه هل يلزمه الدفع إن قلنا نعم حلفه وإلا فيبنى على أن النكول مع يمين الرد كالبينة أم كالاقرار وإن قلنا بالأول حلفه وإلا فلا

فرع جاء رجل وقال لمن عليه الدين أحالني به مالكه فصدقه
وقلنا إذا صدق

مدعي الوكالة لا يلزمه الدفع فهنا وجهان
أصحهما يلزمه كالوارث
ولو كذبه ولم تكن بينة هل له تحليفه إن ألزمناه الدفع فنعم وإلا فكما سبق
ولو قال مات فلان وله عندي كذا وهذا وصيه فهو كقوله وارثه
فلو قال مات وقد أوصى به لهذا الرجل فكاقراره بالحوالة

فرع إذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي أو لم نوجب فدفع ثم
حياة المستحق وغرم الدافع فله الرجوع على المدفوع إليه
ولو جحد الحوالة فكجحد الوكالة
فصل إذا ادعى على رجل أنه دفع إليه متاعا ليبيعه ويقبض ثمنه
برده أو قال بعته وقبضت ثمنه فسلمه إلي فأنكر المدعي عليه فأقام المدعي بينة بما ادعى فادعى المدعى عليه أنه كان تلف أو رد نظر في صيغة جحوده فإن قال ما لك عندي شىء أو لا يلزمني تسليم شىء إليك قبل قوله في الرد والتلف
وإن أقام بينة سمعت إذ لا تناقض بين كلاميه
وإذا كانت صيغته ما وكلتني أو ما دفعت إلي شيئا أو ما قبضت فإن ادعى التلف أو الرد قبل الجحود لم يقبل لمناقضته ولزمه الضمان
وإن أقام بينة بما ادعاه فوجهان
أصحهما تسمع دعواه وبينته
وأصحهما عند الإمام والغزالي لا تسمع
ولو ادعى أنه رد بعد الجحود لم يصدق لمصيره خائنا
فلو أقام بينة سمعت على المذهب وهو المعروف لأن غايته أن يكون كالغاصب ومعلوم أنه تسمع بينته بالرد
وقال الإمام فيه الوجهان للتناقض

وهو حسن
ولو ادعى التلف بعد الجحود صدق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة برد العين ولكن يلزمه الضمان لخيانته كما إذا ادعى الغاصب التلف

فصل إذا ادعى عليه خيانة لم تسمع حتى يبين ما خان به
بعشرة وما دفعت إلي إلا خمسة
فصل وكل بقبض دين أو استرداد وديعة فقال المديون والمودع دفعت وصدقه
الموكل وأنكر الوكيل هل يغرم الدافع بترك الاشهاد وجهان كما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الاشهاد
قلت الأصح أنه لا يغرم
والله أعلم
فصل من قال أنا وكيل في النكاح أو البيع وصدقه من يعامله

فلو قال الوكيل بعد العقد لم أكن مأذونا فيه لم يلتفت إليه ولم يحكم ببطلان العقد وكذا لو صدقه المشتري لأن فيه حقا للموكل إلا أن يقيم المشتري بينة على إقراره بأنه لم يكن مأذونا في ذلك التصرف

كتاب الإقرار
هو إخبار عن حق سابق وفيه أربعة أبواب
الأول في أركانه وهي أربعة
الأول المقر وهو مطلق ومحجور عليه
فالمطلق يصح إقراره
قال الغزالي يصح إقراره بكل ما يقدر على إنشائه وهذا الضبط تستثنى منه صور
منها لو قال الوكيل تصرفت كما أذنت فقال الموكل لم تتصرف لم يقبل إقرار الوكيل على أحد القولين مع قدرته على الإنشاء
وكذا لو قال استوفيت ما أمرتني باستيفائه ونازعه كما سبق
ومنها إنشاء نكاح الثيب إلى وليها فاقراره غير مقبول ويمكن أن يزاد في الضبط فيقال ينفذ إقراره في التصرفات المتعلقة به التي يستقل بانشائها
أو يقال ما يقدر على إنشائه يؤاخذ المقر بموجب إقراره ولا يلزمه نفوذه في حق الغير فتخرج عنه المسائل
وأما المحجور فقد ذكرنا أقسامه في كتاب الحجر
فمنه الصبي وإقراره باطل لكن يصح إقراره بالوصية والتدبير إذا صححناهما منه
ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام أو ادعت أنها بلغت بالحيض في وقت إمكانهما صدقا
فإن فرض ذلك في خصومة لم يحلفا لأنه لا يعرف إلا من جهتهما فأشبه إذا علق العتق بمشيئة غيره فقال شئت صدق بلا يمين هكذا قاله الشيخ أبو زيد والإمام والغزالي
قال الإمام فلو بلغ مبلغا يتيقن بلوغه فالظاهر أنه لا يحلف أيضا على أنه كان بالغا لأنا إذا حكمنا بمقتضى قوله فقد أنهينا الخصومة منتهاها فلا عود إلى التحليف
وفي التهذيب وغيره أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنه احتلم حلف وأخذ

السهم
فإن لم يحلف ففي إعطائه وجهان
ولو ادعى البلوغ بالسن طولب بالبينة لامكانها
فلو كان غريبا خامل الذكر فهل يطالب بالبينة لامكانها من جنس المدعي أم يلحق بالاحتلام أم ينظر إلى الانبات لتعذر معرفة التاريخ كما في صبيان الكفار فيه ثلاثة احتمالات للإمام
أصحها أولها
قلت ولو أقر بعد بلوغه ورشده أنه أتلف في صباه مالا لزمه الآن قطعا كما لو قامت به بينة ذكره ابن كج
والله أعلم
ومنه المجنون وهو مسلوب العبارة إنشاءا وإقرارا في كل شىء بلا استثناء
وفي السكران خلاف وتفصيل مشهور نذكره في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى
قلت والمغمى عليه ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كشرب الدواء ونحوه أو أكره على شرب الخمر لا يصح إقرارهم
والله أعلم
ومنه حجر المبذر والمفلس وقد سبق حكمهما في بابيهما
ويقبل إقرار المحجور عليه للفلس بالنكاح دون المحجور عليه لسفه اعتبارا للاقرار بالانشاء
قال الإمام وإقرار السفيهة بأنها منكوحة فلان كاقرار الرشيدة إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانبها وفيه احتمال بسبب ضعف قولها وعقلها

فصل ومن المحجور عليه الرقيق

والذي يقر به ضربان
أحدهما يوجب العقوبة كالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما يوجب القصاص في النفس أو الطرف فيقبل إقراره به وتقام عليه عقوبته

خلافا للمزني
وإذا أقر بسرقة توجب القطع قبل في القطع
وأما المال فإن كان تالفا فقولان
أحدهما يقبل ويتعلق الضمان برقبته
وأظهرهما لا يقبل ويتعلق الضمان بذمته إلا أن يصدقه السيد فيقبل
وإن كان باقيا نظر إن كان في يد السيد لم ينتزع منه إلا بتصديقه
وإن كان في يد العبد فطريقان
أحدهما أن في انتزاعه القولين في التالف
فإن قلنا لا ينتزع ثبت بدله في ذمته
والطريق الثاني لا ينتزع قطعا لأن يده كيد سيده
وقيل إن كان المال في يد العبد قبل إقراره وإلا فلا
وإذا اختصرت قلت في قوله أربعة أقوال
أظهرها لا يقبل
والثاني يقبل
والثالث يقبل إن كان المال باقيا
والرابع عكسه
وإذا أقر بسرقة توجب القطع ثم رجع كان كاقراره بسرقة لا توجب القطع وسنذكرها في الضرب الثاني إن شاء الله تعالى
ولو أقر بالقصاص على نفسه فعفا المستحق على مال أو عفا مطلقا وقلنا إنه يوجب المال فوجهان
أصحهما عند البغوي أنه يتعلق برقبته

وإن كذبه السيد لأنه إنما أقر بالعقوبة وإنما وجب المال بالعفو
والثاني أن الحكم كذلك إن قلنا موجب العمد القصاص فإن قلنا موجبه أحد الأمرين ففي ثبوت المال قولان كالاقرار بالسرقة الموجبة للقطع
الضرب الثاني ما لا يوجب عقوبة فإذا أقر بدين جناية كغصب أو سرقة لا توجب قطعا أو إتلاف وصدقه السيد تعلق برقبته فيباع فيه إلا أن يفديه السيد وإذا بيع فبقي شىء من الدين فهل يتبع به إذا عتق فيه قولان مذكوران في كتاب الجنايات
قلت أظهرهما وهو الجديد لا يتبع
والله أعلم
وإن كذبه السيد لم يتعلق برقبته لكن يتعلق بذمته يتبع به إذا عتق ولا يخرج عن القولين فيما إذا بيع في الدين وبقي شىء لأنه إذا ثبت التعلق بالرقبة فكأن الحق انحصر فيها
وقيل بطردهما لأن الزائد على القيمة لا يتعلق بالرقبة كما أن أصل الحق هنا غير متعلق بها
ولو أقر بدين معاملة فإن لم يكن مأذونا له في التجارة لم يقبل إقراره على السيد بل يتعلق المقر به بذمته يطالب به إذا عتق سواء صدقه السيد أم لا
وإن كان مأذونا فيها قبل وأدى من كسبه وما في يده إلا إذا كان مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض
ولو أطلق المأذون الإقرار بالدين ولم يعين جهته لم ينزل على دين المعاملة على الأصح لاحتمال أنه باتلاف ولا فرق في دين الاتلاف بين المأذون وغيره
ولو حجر عليه فأقر بعد الحجر بدين معاملة إضافة إلى حال الاذن لم تقبل إضافته على الأصح

فرع من نصفه حر لو أقر بدين جناية لم يقبل فيما يتعلق
أن يصدقه ويقبل في نصفه
وعليه قضاؤه مما في يده
ولو أقر بدين معاملة فمتى صححنا تصرفه قبلنا اقراره عليه وقضيناه مما في يده
ومتى لم نصححه فإقراره كإقرار العبد
فرع إقرار السيد على عبده بما يوجب عقوبة مردود وبدين الجناية مقبول
إلا أنه إذا بيع فيه وبقي شىء لم يطالب به بعد العتق إلا أن يصدقه
وكذا إقراره بدين المعاملة لا يقبل على العبد

قلت قال ابن كج لو عتق ثم أقر بأنه أتلف مالا لرجل قبل العتق لم يلزم السيد ويطالب به العبد
ولو قامت بينة بأنه كان جنى لزم السيد أقل الأمرين من أرش جنايته وقيمته
قال البغوي كل ما قبل إقرار العبد فيه كالعقوبات فالدعوى فيه تكون على العبد
وما لا يقبل المال المتعلق برقبته إذا صدقه السيد فالدعوى على السيد
فإن ادعى في هذا على العبد إن كان له بينة سمعت وإلا فإن قلنا اليمين المردودة كالبينة سمعت رجاء نكوله
وإن قلنا كالإقرار فلا
ولو ادعى على العبد دين معاملة متعلق بالذمة وله بينة ففي سماعها وجهان كالدين المؤجل
والله أعلم

فصل ومن المحجور عليهم المريض مرض الموت وفيه مسائل

إحداها يصح إقراره بالنكاح بموجبات العقوبات وبالدين والعين للأجنبي وفي إقراره للوارث بالمال طريقان
أحدهما يقبل قطعا
وأصحهما عند الجمهور على قولين
أظهرهما القبول
واختار الروياني مذهب مالك رضي الله عنه وهو أنه إن كان متهما لم يقبل إقراره وإلا فيقبل ويجتهد الحاكم في ذلك
فإن قلنا لا يقبل فهل الاعتبار في كونه وارثا بحال الموت أم بحال الاقرار فيه وجهان
وقيل قولان
أظهرهما وأشهرهما وهو الجديد بحال الموت كالوصية
ولو أقر في مرضه أنه كان وهب وارثه وأقبضه في الصحة أشار الإمام إلى طريقين
أحدهما القطع بالمنع لأنه عاجز عن انشائه
والثاني أنه على القولين في الإقرار للوارث ورجح الغزالي المنع واختار القاضي حسين القبول

قلت القبول أرجح
والله أعلم
ولو أقر لوارثه وأجنبي معا وقلنا لا يقبل للوارث قبل في نصفه للأجنبي على الأظهر
الثانية لو أقر في صحته بدين لرجل وفي مرضه بدين لآخر فهما سواء كما لو ثبتا بالبينة وكما لو أقر بهما في الصحة أو المرض
قلت وحكى في البيان قولا شاذا أن دين الصحة يقدم
والله أعلم
ولو أقر في صحته أو مرضه بدين ثم مات فأقر ورثته عليه بدين لآخر فوجهان
أصحهما يتساويان فيتضاربان في التركة لأن الوارث يقوم مقامه فصار كمن أقر بدينين
والثاني يقدم ما أقر به المورث لأنه بالموت تعلق بالتركة ويجري الوجهان فيما لو ثبت الأول ببينة ثم أقر وارثه وفيما لو أقر الوارث بدين على الميت ثم أقر لآخر بدين آخر وسواء كان الدين الأول مستغرقا للتركة أم لا
ولو ثبت عليه دين في حياته أو موته ثم تردت بهيمة في بئر كان حفرها بمحل عدوان ففي مزاحمة صاحب البهيمة رب الدين القديم الخلاف السابق فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه قاله في التتمة
الثالثة مات وخلف ألف درهم فادعى رجل أنه أوصى له بثلث ماله فصدقه الوارث ثم جاء آخر فادعى عليه ألف درهم دينا فصدقه الوارث قيل يصرف الثلث إلى الوصية لتقدمها
وقيل يقدم الدين على الوصية كما هو المعروف فيهما
ولو صدق مدعي دين أولا قدم قطعا
ولو صدق المدعيين معا قال الأكثرون يقسم الألف بينهما أرباعا لأنا نحتاج إلى الألف للدين وإلى ثلث المال للوصية فيخص الوصية ثلث عائل وهو الربع
وقال الصيدلاني تسقط الوصية ويقدم الدين

كما لو ثبتا بالبينة وهذا هو الصواب سواء قدمنا عند ترتب الاقرارين الأول منهما أو سوينا
الرابعة أقر المريض بعين مال لانسان ثم أقر لآخر بدين مستغرق أو غير مستغرق سلمت العين للأول ولا شىء للثاني لأن المقر مات ولا يعرف له مال
ولو أقر بالدين أولا ثم أقر بالعين فوجهان
أصحهما أنه كما لو أقر بالعين أولا لأن الاقرار في الدين لا يتضمن حجرا في العين ألا ترى أنه ينفذ تصرفه فيها
والثاني يتزاحمان لتعارض القوة فيهما
قلت لو أقر المريض أنه أعتق عبدا في صحته وعليه دين يستغرق تركته نفذ عتقه لأن الإقرار ليس تبرعا بل إخبار عن حق سابق
ولو ملك أخاه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته وهو أقرب عصبته نفذ عتقه
وهل يرث يبنى على الإقرار للوارث
إن صححناه ورث وإلا فلا لأن توريثه يقتضي إبطال حريته فيذهب الارث
والله أعلم

فرع يشترط في صحة الإقرار الاختيار فإقرار المكره باطل كسائر تصرفه
قلت ولو ضرب ليقر فأقر في حال الضرب لم يصح
وإن ضرب ليصدق في القضية قال الماوردي في الأحكام السلطانية إن أقر في حال الضرب ترك ضربه واستعيد إقراره فإن أقر بعد الضرب عمل به ولو لم يستعده وعمل

بالإقرار حال الضرب جاز مع الكراهة هذا كلام الماوردي
وقبول إقراره حال الضرب مشكل لأنه قريب من المكره ولكنه ليس مكرها فإن المكره هو من أكره على شىء واحد وهنا إنما ضرب ليصدق ولا ينحصر الصدق في الإقرار
وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر
والله أعلم
الركن الثاني المقر له وله ثلاثة شروط
أحدها أهلية استحقاق الحق المقر به
فلو قال لهذا الحمار أو لدابة فلان علي ألف فهو لغو ولو قال لفلان علي ألف بسببها صح على الصحيح ولزمه حملا على أنه جنى عليها أو اكتراها
وقيل لا يلزمه لأن الغالب لزوم المال بالمعاملة ولا يتصور ذلك
ولو قال لعبد فلان علي أو عندي ألف صح وكان إقرارا لسيده والإضافة فيه كالإضافة في الهبة وسائر الانشاءات

فرع قال لحمل فلانة علي أو عندي ألف فله ثلاثة أحوال
أحدها أن يسند إلى جهة صحيحة كقوله ورثه من أبيه أو وصى به له فلان فيعتبر إقراره
ثم إن انفصل ميتا فلا حق له ويكون لورثة من قال أنه ورثه منه أو للموصي أو ورثته في صورة الوصية
وإن انفصل حيا فإن كان لدون ستة أشهر من حين الإقرار استحقه
وإن انفصل لأكثر من أربع سنين فلا لتيقن عدمه وإن انفصل لستة أشهر فأكثر ولدون أربع سنين فإن كانت مستفرشة لم يستحق وإلا فقولان
قلت أظهرهما الاستحقاق
والله أعلم

وإذا ثبت الاستحقاق فإن ولدت ذكرا فهو له
أو ذكرين فأكثر فلهم بالسوية وإن ولدت انثى فهو لها إن أسنده إلى وصية
وإن أسنده إلى إرث من أبيها فلها نصفه
وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية وأثلاثا إن أسنده إلى الارث
هذا إذا اقتضت جهة الوراثة ما ذكرنا فإن اقتضت التسوية كولدي أم سوي بينهما في الثلث
قال الإمام ولو أطلق الارث سألناه عن الجهة وحكمنا بمقتضاها
قلت وهذا المحكي عن الإمام قاله أيضا ابن الصباغ
وقال الشيخ أبو حامد يكون بينهما بالسوية
وإن تعذرت مراجعة المقر فينبغي القطع بالتسوية بينهما
والله أعلم
الحال الثاني أن يطلق الإقرار فيصح على الأظهر ويحمل على الجهة الممكنة في حقه
الثالث أن يسند إلى جهة باطلة كقوله أقرضنيه أو باعني به شيئا فإن أبطلنا المطلق فذا أولى وإلا فطريقان
أصحهما القطع بالصحة
والثاني على القولين في تعقيب الإقرار بما يرفعه
قلت الأصح في هذا الحال البطلان وبه قطع الرافعي في المحرر
والله أعلم
وإذا صححنا الإقرار في الحالين الآخرين فانفصل ميتا فلا شىء له ويسأل المقر عن جهة إقراره من الارث والوصية ويعمل بمقتضاها
قال الإمام وليس لهذا السؤال والبحث طالب معين وكان القاضي يسأل حسبة ليصل الحق ( إلى ) مستحقه
فإن مات قبل البيان فكمن أقر لانسان فرده
وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه يطالب ورثته كنفسه
وإن انفصل حيا للمدة المعتبرة فالكل له ذكرا كان أو

أنثى
وإن انفصل ذكر وأنثى فهو لهما بالسوية
ومتى انفصل حي وميت فالميت كالمعدوم وينظر في الحي كما ذكرنا

فرع أقر لإنسان بحمل جارية أو بهيمة ففيه التفصيل المذكور في الإقرار
للحمل
فإن قال إنه أوصى له ( به ) صح وينظر كم بين انفصاله وبين يوم الإقرار من المدة على ما سبق
وفي حمل البهيمة يرجع إلى أهل الخبرة
وإن أطلق أو اسند إلى جهة باطلة ففيه الخلاف المذكور
ولو أقر بالحمل لرجل وبالأم لآخر فإن جوزنا الإقرار بالحمل صح الإقراران وإلا فقال البغوي هما جميعا للآخر وهذا بناء على أن الإقرار بالحامل إقرار بالحمل وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى
فرع أقر لمسجد أو مقبرة أو نحوهما بمال واسنده إلى جهة صحيحة
وقف عليه صح
وإن أطلق فوجهان تخريجا من القولين في الحمل وعلى قياسه ما إذا اسند إلى جهة باطلة
الشرط الثاني عدم تكذيبه فيشترط لصحة الإقرار عدم تكذيب المقر له وإن كنا لا نشترط قبوله لفظا
فإن كذبه نظر إن كان المقر به مالا ففيما يفعل به أوجه
أصحها يترك في يد المقر
والثاني ينتزعه الحاكم ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه
فإن رأى استحفاظ صاحب اليد فهو كما لو استحفظ

عدلا آخر
والثالث يجبر المقر له على القبول والقبض وهو بعيد
قال الشيخ أبو محمد موضع الخلاف ما إذا قال المقر هذا المال لفلان فكذبه
فأما إذا قال للقاضي إن في يدي مالا لا أعرف مالكه فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه
وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه هنا أيضا
ولو رجع المقر له عن الإنكار وصدق المقر فقد حكى الإمام والغزالي القطع بقبوله وتسليم المال إليه
والأصح ما ذكره المتولي وغيره أنه مفرع على الخلاف
فإن قلنا يترك في يد المقر فقد حكمنا ببطلان الإقرار فلا يصرف إلى المقر له إلا بإقرار جديد
وإن قلنا ينتزعه الحاكم ويحفظه لم يسلم إليه أيضا
بل لو أقام بينة بأنه ملكه لم تسمع وإنما يسلم إليه إذا قلنا بالوجه الثالث البعيد فحصل أن المذهب عدم تسليمه إليه
ولو رجع المقر في حال إنكار المقر له وقال غلطت أو تعمدت الكذب فإن قلنا ينتزعه الحاكم لم يقبل
وإن قلنا يترك في يده فوجهان
أصحهما عند الجمهور يقبل
وأصحهما عند الإمام والغزالي لا يقبل
وجميع ما ذكرناه في الإقرار بثوب ونحوه
فلو أقر له بعبده فأنكره فوجهان
أحدهما يحكم يعتقه لأنهما لا يدعيانه كاللقيط إذا قال بعد بلوغه أنا عبد لزيد فأنكر زيد يحكم بحريته
وأصحهما لا يعتق لأنه محكوم برقه فلا يرفع إلا بيقين بخلاف اللقيط فإنه محكوم بحريته بالدار فعلى هذا حكمه كالثوب ونحوه على ما مضى
أما إذا كان المقر به قصاصا أو حد قذف فكذبه المقر له فيسقط وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع وأنكر رب المال السرقة فلا قطع
وفي المال ما سبق
ولو أقرت بالنكاح وأنكر سقط حكم الإقرار في حقه

فرع في يده عبدان فقال أحدهما لزيد ثم عين أحدهما فقال زيد
عبدي الآخر فهو مكذب للمقر في المعين ومدع في الآخر

فرع ادعى على رجل ألفا من ثمن مبيع فقال قد أقبضتك
بينة على إقراره بالقبض يوم كذا فأقام المدعي بينة على إقرار المشتري بعد بينته بأنه ما أقبضه الثمن سمعت وألزم المشتري الثمن لأنه وإن قامت البينة على إقرار البائع بالقبض فقد قامت أيضا على أن صاحبه كذبه فيبطل حكم الإقرار وبقي الثمن على المشتري
الشرط الثالث أن يكون معينا نوع تعيين بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب
فلو قال لإنسان أو واحد من بني آدم أو من أهل البلد علي ألف ففي صحته وجهان بناء على ما لو أقر بمعين فكذبه هل ينتزع من يده إن قلنا نعم لأنه مال ضائع فكذا هنا فيصح الإقرار وإن قلنا لا لم يصح وهو الصحيح
قال المتولي فلو جاء واحد فقال أنا الذي أردتني ولي عليك ألف فالقول قول المقر بيمينه في نفي الارادة ونفي الألف
الركن الثالث المقر به
ويجوز الإقرار بالمجهول فإن كان ما يقر به عينا فشرطه أن لا يكون مملوكا للمقر حين يقر لأن الإقرار ليس إزالة ملك وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للمقر له
فلو قال داري هذه أو ثوبي الذي أملكه لزيد فهو متناقض وهو محمول على الوعد بالهبة ولو قال مسكني هذا لزيد كان إقرارا لأنه قد يسكن ملك غيره
ولو شهدت بينة أن الدار الفلانية أقر زيد بأنها ملك عمرو وكانت ملك زيد إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة نص عليه
ولو قال هي لزيد وكانت ملكي ( إلى ) وقت الإقرار فاقراره نافذ
والذي ذكره بعده مناقض لأوله فيلغو كما لو قال هي له وليست له وهذا في الأعيان وكذا في الديون إذا كان له على غيره في الظاهر دين من قرض أو أجرة أو

ثمن فقال ديني الذي على زيد لعمرو فهو باطل
ولو قال الدين الذي على زيد هو لعمرو واسمي في الكتاب عارية فهو إقرار صحيح فلعله كان وكيلا عنه في الإقراض والإجارة والبيع
ثم عمرو يدعي المال على زيد لنفسه فإن أنكر فهو بالخيار بين أن يقيم البينة على دين المقر على زيد ثم على إقراره له بما على زيد وبين أن يقيم البينة أولا على الإقرار ثم على الدين كذا ذكره القفال

فرع استثنى صاحب التلخيص ثلاثة ديون ومنع الإقرار بها أحدها الصداق في ذمة الزوج لا تقر

والثاني بدل الخلع في ذمة الزوجة لا يقر به الزوج
والثالث أرش الجناية لا يقر به المجني عليه
فإن كانت الجناية على عبد أو مال آخر جاز له أن يقر به للغير لاحتمال كونه له يوم الجناية
قال الأئمة هذه الديون وإن لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداءا وتقديرا للوكالة فيجوز انتقالها بالحوالة وكذلك بالبيع على قول فيصح الاقرار بها عند احتمال جريان ناقل
وحملوا ما ذكره صاحب التلخيص على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها بحيث لا يحتمل جريان ناقل لكن سائر الديون أيضا كذلك فلا يصح الاستثناء بل الأعيان أيضا بهذه المثابة
حتى لو أعتق عبده ثم أقر له السيد أو غيره عقيب الاعتاق بدين أو غيره لم يصح لأن أهلية الملك لم تثبت له إلا في الحال ولم يجر بينهما ما يوجب المال
وقال أبو العباس الجرجاني في الديون الثلاثة إن اسند الإقرار بها إلى جهة حوالة أو بيع إن جوزناه صح وإلا فعلى قولين كما لو أقر للحمل وأطلق

فصل يشترط في الحكم بثبوت ملك المقر له
أن يكون المقر به تحت يد المقر وتصرفه
فإن لم يكن لم يحكم به في الحال بل يكون ذلك دعوى أو شهادة ولا تلغية من كل وجه بل لو حصل المقر به يوما في يد المقر لزمه تسليمه إليه
ولو قال العبد الذي في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا ثم حصل العبد في يده يؤمر ببيعه في دين عمرو
ولو أقر بحرية عبد في يد رجل أو شهد بحريته فلم تقبل شهادته ثم اشتراه صح تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع وهو البائع ويحكم بحريته وترفع يده عنه
ثم لاقراره صيغتان
إحداهما أن يقول إنك أعتقته وتسترقه ظلما قال الأصحاب فيكون هذا العقد من جانب البائع بيعا قطعا وفي جانب المشتري وجهان أحدهما شراء
وأصحهما افتداء لاعترافه بحريته
وحكى الإمام والغزالي فيه ثلاثة أوجه
أصحها بيع من البائع وافتداء من المقر
والثاني بيع منهما
والثالث فداء منهما
وهذا الثالث فاسد في جهة البائع
وكيف يصح أخذه المال ليفدي من يسترقه ولو قيل فيه المعنيان وأيهما أغلب فيه الخلاف لكان قريبا والمعتمد ما ذكرنا عن الأصحاب
ويثبت للبائع فيهذا العقد خيار المجلس والشرط بناء على ظاهر المذهب أنه بيع من جانبه
ولو كان البيع بثمن معين فخرج معيبا ورده كان له استرداد العبد بخلاف ما لو باع عبدا فأعتقه المشتري ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده حيث لا يسترد العبد بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك
وأما المقر المشتري فإن جعلناه شراء في حقه فله الخيار
وإن قلنا فداء فلا
وعلى الوجهين لا رد له لو خرج العبد معيبا لكن له أخذ الأرش على قولنا شراء وليس له على الافتداء وذكر الإمام أنه إذا لم يثبت الخيار للمشتري ففي ثبوته للبائع

وجهان لأن هذا الخيار لا يكاد يتبعض
والمذهب على الجملة ثبوثه للبائع دون المشتري
وأما ولاؤه فموقوف
فإن مات وخلف مالا ولا وارث له بغير الولاء نظر إن صدق البائع المشتري اخذه ورد الثمن
وإن كذبه وأصر على كلامه الأول فظاهر النص أن الميراث يوقف كما وقف الولاء
واعترض عليه المزني فقال للمشتري أخذ قدر الثمن مما تركه
فإن فضل شىء كان الفاضل موقوفا لأن المشتري إما كاذب فالميت رقيق له وجميع أكسابه له وإما صادق فالاكساب للبائع إرثا بالولاء وقد ظلمه بأخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظفر بماله كان له أخذ قدر الثمن
واختلف الأصحاب فذهبت طائفة إلى ظاهر النص وتخطئه المزني قالوا لأنه لو أخذه لأنه كسب مملوكه فقد نفاه بإقراره أو بجهة الظفر بمال ظالمه فقد بذله تقربا إلى الله تعالى باستنقاذ حر فلا يرجع فيه كالصدقة ولأنه لا يدري بأي جهة يأخذه فيوقف إلى ظهور جهته
وذهب ابن سريج وأبو اسحاق والجمهور إلى أن المذهب ما قاله المزني
وقال ابن سريج وغيره وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه في غير هذا الموضع
وحملوا ما ذكره هنا على أن ما يأخذه بجهة الولاء يكون موقوفا وقف الولاء وهو ما زاد على قدر الثمن
فأما المستحق بكل حال فلا معنى للوقف فيه
قالوا ويجوز الرجوع في المبذول فدية وقربة كمن فدى اسيرا ثم استولى المسلمون على الكفار ووجد الفادي عين ماله أخذه
وأما اختلاف الجهة فلا يمنع الأخذ بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق
الصيغة الثانية يقول هو حر الأصل أو أعتق قبل أن تشتريه فإذا اشتراه فهو افتداء من جهته بلا خلاف
وأما إذا مات وخلف مالا ولا وارث له بغير الولاء فماله لبيت المال وليس للمشتري أخذ شىء منه لأن المال بزعمه ليس للبائع حتى يأخذه عوضا عن الثمن
ولو مات العبد قبل أن يقبضه المشتري

لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن لأنه لا حرية في زعمه وقد تلف المبيع قبل القبض

فرع لو أقر بحرية عبد ثم استأجره لم يحل له استخدامه وللمكري
بالأجرة
ولو أقر بحرية جارية لزيد ثم قبل نكاحها ( منه ) لم يحل ( له ) وطؤها ولزيد مطالبته بمهرها
قلت ينبغي أن يقال إن أقر أن زيدا أعتقها ولم يكن لها عصبة صح تزويجه لأنه إما مالك وإما مولى حرة
والله أعلم
فرع قال هذا العبد الذي في يدك غصبته من زيد ثم اشتراه
صحة العقد وجهان حكاهما الإمام
أصحهما الصحة كما لو أقر بحريته ثم اشتراه
والثاني المنع لأن التصحيح هناك للافتداء والانقاذ من الرق ولا يتجه مثله في تخليص عبد الغير
فرع أقر بعبد في يده لزيد فقال العبد بل أنا ملك عمرو
زيد لأنه في يد من يسترقه لا في نفسه
فلو أعتقه زيد لم يكن لعمرو تسلم رقبته ولا التصرف فيها لما فيه من إبطال ولاء زيد
وهل له أخذ أكسابه وجهان
وجه المنع أن الاكساب فرع الرق ولم يثبت

الركن الرابع الصيغة وفيه مسائل
إحداها قول القائل لفلان كذا صبغة إقرار
وقوله لفلان علي أو في ذمتي إقرار بالدين ظاهرا
وقوله عندي أو معي إقرار بالعين
وقوله له قبلي كذا قال في التهذيب هو دين ويشبه أن يكون صالحا للدين والعين جميعا
قلت قوله إقرار بالعين معناه أنه يحمل عند الاطلاق على أن ذلك عين مودعة له عنده قاله البغوي
قال حتى لو ادعى بعد الإقرار أنها كانت وديعة تلفت أو رددتها قبل قوله بيمينه بخلاف ما إذا قلنا إنه دين فإنه لو فسره بالوديعة لم يقبل
وإذا ادعى التلف لم ينفعه بل يلزمه الضمان
والله أعلم
الثانية إذا قال رجل لك علي ألف فقال في جوابه زن أو خذ أو استوف أو اتزن لم يكن إقرارا لأنه ليس بالتزام ولأنه قد يذكر للاستهزاء
وفي وجه اتزن إقرار وهو شاذ
ولو قال خذه أو زنه أو اختم عليه أو شده في هميانك أو اجعله في كيسك أو اختم عليه فليس بإقرار على الصحيح وقال الزبيري إقرار
قلت ولو قال وهي صحاح فهو كقوله زنه
والله أعلم
ولو قال في الجواب بلى أو نعم أو أجل أو صدقت فهو إقرار
قالوا ولو قال لعمري فإقرار
ولعل العرف يختلف فيه
ولو قال أنا مقر به أو

بما تدعيه أو لست منكرا له فهو إقرار له
ولو قال أنا مقر ولم يقل به أو لست منكرا أو أنا أقر فليس بإقرار
ولو قال أنا أقر لك به فوجهان
نسب الإمام كونه إقرارا إلى الأكثرين
وفيه نظر لأن العراقيين والقاضي حسين والروياني قطعوا بأنه ليس باقرار ولا يحكى الوجه الآخر إلا نادرا
ويتأيد كونه إقرارا بأنهم اتفقوا على أنه لو قال لا أنكر ما تدعيه كان إقرارا ولم يحملوه على الوعد بالاقرار
ولو قال لا أنكر أن يكون محقا فليس باقرار لجواز أن يريد في شىء آخر
فلو قال فيما يدعيه فهو إقرار
ولو قال لا أقر به ولا أنكره فهو كسكوته فيجعل منكرا وتعرض عليه اليمين
ولو قال أبرأتني منه أو قضيته فإقرار وعليه بينة القضاء والابراء
وفي وجه أبرأتني منه ليس بإقرار وليس بشىء
ولو قال أقررت بأنك أبرأتني واستوفيت مني فليس باقرار
ولو قال في الجواب لعل أو عسى أو أظن أو أحسب أو أقدر فليس بإقرار

فرع اللفظ وإن كان صريحا في التصديق فقد تنضم إليه قرائن تصرفه
عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب
ومن جملتها الأداء والابراء وتحريك الرأس الدال على شدة التعجب والإنكار فيشبه أن يحمل قول الأصحاب إن صدقت وما في معناها إقرار على غير هذه الحالة
فأما إذا اجتمعت القرائن فلا تجعل إقرارا
ويقال فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال لي عليك ألف

فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء لك علي ألف فإن المتولي حكى فيه وجهين
المسألة الثالثة إذا قال أليس لي عليك ألف فقال بلى كان إقرارا
وإن قال نعم فوجهان
وقطع البغوي وغيره بأنه ليس بإقرار كما هو مقتضاه في اللغة
وقطع الشيخ أبو محمد والمتولي بأنه إقرار وصححه الإمام والغزالي لأن الاقرار يحمل على مفهوم أهل العرف لا على دقائق العربية
قلت هذا الثاني هو الأصح وصححه الرافعي في المحرر
والله أعلم
ولو قال هل لي عليك ألف فقال نعم فاقرار
الرابعة إذا قال اشتر مني عبدي هذا فقال نعم فهو إقرار منه للقائل كما لو قال أعتق عبدي هذا فقال نعم
ويمكن أن يجيء فيه خلاف مما سبق في الصلح كقوله بعنيه
ولو قال اشتر مني هذا العبد ولم يقل عبدي فالتصديق بنعم يقتضي الاعتراف بأنه يملك بيعه لا أنه يملك العبد
ولو ادعى عليه عبدا فقال اشتريته من وكيلك فلان فهو إقرار له ويحلف المدعي أنه ما وكل فلانا في بيع
الخامسة لو قال له علي ألف في علمي أو فيما أعلم أو أشهد فهي إقرار
السادسة قال كان علي ألف أو كانت هذه الدار في السنة الماضية له فهل هو إقرار في الحال عملا بالاستصحاب أم لا لأنه غير معترف في الحال وجهان
قلت ينبغي أن يكون أصحهما الثاني وقد أشار إلى تصحيحه الجرجاني
والله أعلم
ويقرب منه الخلاف فيما لو قال هذه داري أسكنت فيها فلانا ثم أخرجته

منها فهو إقرار باليد على الأصح لأنه اعترف بثبوتها وادعى زوالها
وقال أبو علي الزجاجي ليس باقرار لأنه لم يعترف بيد فلان إلا من جهته
ولو قال ملكتها من زيد فهو إقرار بملكها لزيد ودعوى انتقالها منه فإن لم يصدقه زيد لزمه ردها إليه
قلت ولو قال ملكتها على يد زيد لم يكن إقرارا له بها لأن معناه كان زيد وكيلا قاله البغوي
والله أعلم
السابعة قال اقض الألف الذي لي عليك فقال نعم فإقرار على المذهب وتردد فيه بعضهم
وإن قال أعط غدا أو ابعث من يأخذه أو أمهلني يوما أو أمهلني حتى أصرف الدراهم أو أفتح الصندوق أو اقعد حتى تأخذ أو لا أجد اليوم أو لا تدم المطالبة أو ما أكثر ما تتقاضى أو والله لأقضينك فجميع هذه الصور إقرار عند أبي حنيفة رضي الله عنه
وأما أصحابنا فمختلفون في ذلك والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر
ومثله أسرج دابة فلان هذه فقال نعم
أو أخبرني زيد أن لي عليك ألفا فقال نعم أو متى تقضي حقي فقال غدا
الثامنة قال له رجل غصت ثوبي
فقال ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك فليس بإقرار
ولو قال ما لزيد علي أكثر من مائة درهم فليس بإقرار على الأصح
وقيل تلزم المائة
ولو قال معسر لزيد علي ألف إن رزقني الله تعالى مالا فقيل ليس بإقرار للتعليق وقيل إقرار وذلك بيان لوقت الأداء
والأصح أنه يستفسر فإن فسر بالتأجيل صح وإن فسر بالتعليق لنا

قلت وإن تعذر استفساره قال في العدة الأصح أنه إقرار
والله أعلم
التاسعة شهد عليه شاهد فقال هو صادق أو عدل فليس بإقرار
وإن قال صادق فيما شهد به أو عدل فيه كان إقرارا قاله في التهذيب
قلت في لزومه بقوله عدل نظر
والله أعلم
وإن قال إن شهد علي فلان وفلان أو شاهدان بكذا فهما صادقان فهو إقرار على الأظهر وإن لم يشهدا
وإن قال إن شهدا صدقتهما فليس بإقرار قطعا
قلت في البيان أنه لو قال لي عليك ألف درهم فقال لزيد علي أكثر مما لك لا شىء عليه لواحد منهما
ولو قال لي مخرج من دعواك فليس بإقرار
قال ولو قال لي عليك ألف أقرضتكه فقال والله لا اقترضت منك غيره أو كم تمن به قال الصميري هو إقرار
وإن قال ما أعجب هذا أو نتحاسب فليس بإقرار
وإن كتب لزيد علي ألف درهم ثم قال للشهود اشهدوا علي بما فيه فليس بإقرار كما لو كتب عليه غيره فقال اشهدوا بما كتب
وقد وافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه على الثانية دون الأولى
ووافق أيضا على ما لو كتب ذلك على الأرض
ولو قال له علي ألف إن مت فليس بإقرار كما لو قال إن قدم زيد
ووافق أبو حنيفة رضي الله عنه على الثانية دون الأولى
ولو قال له علي ألف إلا أن يبدو لي فوجهان حكاهما في العدة والبيان ولعل الأصح أنه إقرار
والله أعلم

العاشرة إقرار أهل كل لغة بلغتهم وغير لغتهم إذا عرفوها صحيح
ولو أقر عجمي بالعربية وقال لم أفهم معناه بل لقنت فتلقنت صدق بيمينه إن كان ممن يجوز أن لا يعرفه وكذا الحكم في جميع العقود والحلول
الحادية عشرة لو أقر ثم قال كنت يوم الإقرار صغيرا وهو محتمل صدق بيمينه لأن الأصل الصغر
وكذا لو قال كنت مجنونا وقد عهد له جنون
ولو قال كنت مكرها وهناك أمارة الاكراه من حبس أو موكل عليه فكذلك
فإن لم تكن أمارة لم يقبل قوله
والأمارة إنما تثبت باعتراف المقر له أو بالبينة وإنما يؤثر إذا كان الاقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل
أما إذا كان في حبس زيد فلا يقدح ذلك في الإقرار لعمرو
الثانية عشرة إذا شهد الشهود وتعرضوا لبلوغه وصحة عقله واختياره فادعى المقر خلافه لم يقبل لما فيه من تكذيب الشهود ولا يشترط في الشهادة التعرض للبلوغ والعقل والطواعية والحرية والرشد
ويكتفى بأن الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح
وفي قول يشترط التعرض لحرية مجهول الحرية
وخرج منه اشتراط التعرض لسائر الشروط والمذهب الصحيح الأول
قال الأصحاب وما يكتب في الوثائق أنه أقر طائعا في صحة عقله وبلوغه احتياط
ولو تقيدت شهادة الاقرار بكونه طائعا وأقام ( الشهود ) عليه بينة بكونه كان مكرها قدمت بينة الإكراه ولا تقبل الشهادة على الإكراه مطلقا بل لا بد من التفصيل

الباب الثاني في الإقرار بالمجمل
يصح الإقرار بالمجمل وهو المجهول للحاجة
وسواء أقر به ابتداء أو جوابا عن دعوى معلومة بأن قال لي عليك ألف فقال لك علي شىء
والألفاظ التي تقع فيها الجهالة لا تنحصر
وبين الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم ما كثر استعماله ليعرف ويقاس عليه غيره وألفاظ الباب سبعة أضرب
الضرب الأول شىء
فإذا قال له علي شىء طلبنا تفسيره
فإن فسره بما يتمول قبل كثر أم قل كرغيف وفلس وتمرة حيث يكون لها قيمة
وإن فسره بما لا يتمول لكنه من جنس ما يتمول كحبة حنظة أو شعير أو قمع باذنجانة فوجهان
أحدهما لا يقبل تفسيره لأنه لا يصح التزامه كما لا تصح الدعوى به
وأصحهما القبول لأنه شىء يحرم أخذه ويجب على آخذه رده وقولهم لا تصح الدعوى به ممنوع
والتمرة أو الزبيبة حيث لا قيمة لها على الوجهين
وقيل يقبل قطعا
وإن لم يكن من جنس ما يتمول فإما أن يجوز اقتناؤه لمنفعته وإما لا
فالأول كالكلب المعلم والسرجين وجلد الميتة القابل للدباغ والكلب القابل للتعليم والخمر المحترمة فيقبل التفسير به على الأصح
وأما الثاني فكالخنزير وجلد الكلب والكلب الذي لا نفع فيه والخمر غير المحترمة فلا يقبل تفسيرة به على الأصح
ولو فسره بوديعة قبل على الصحيح لأن عليه ردها عند الطلب وقد يتعدى فتصير مضمونة وقيل لا لأنها في يده

لا عليه
ولو فسر بحق الشفعة قبل
ولو فسره برد السلام والعيادة لم يقبل
قال البغوي ولو قال له حق قبل تفسيره بهما وفيه نظر
قلت ولو فسر الشىء بحد قذق قبل على الأصح
والله أعلم

فرع لو قال غصبت منه شيئا قبل تفسيره ما يقبل في الصور
إذا احتمله اللفظ احترازا من الوديعة وحق الشفعة ويقبل بالخمر والخنزير نص عليه في الأم لأن الغصب لا يشعر بالتزام وثبوت مال وإنما يقتضي الأخذ بخلاف قوله علي
ولو قال له عندي شىء وفسر بخمر أو خنزير قبل على الصحيح
قلت قال أصحابنا لو قال غصبتك أو غصبتك ما تعلم لم يلزمه شىء لأنه قد يغصبه نفسه فيحبسه
ولو قال غصبتك شيئا ثم قال أردت نفسك لم يقبل
والله أعلم
فصل إذا أقر بمجمل إما شىء وإما غيره مما سنذكره إن شاء
وطالبناه بالتفسير فامتنع فأربعة أوجه
أصحها نحبسه كحبسنا من امتنع من أداء الحق لأن التفسير واجب عليه
والثاني لا يحبس بل ينظر إن وقع الاقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع من التفسير جعل منكرا وتعرض اليمين عليه
فإن أصر جعل ناكلا وحلف المدعي
وإن أقر ابتداءا قلنا للمقر له ادع عليه حقك فإذا ادعى وأقر بما ادعاه أو أنكر أجرينا عليه حكمه
وإن قال لا أدري

جعلناه منكرا فإن أصر جعلناه ناكلا لأنه إذا أمكن حصول الغرض بلا حبس لا يحبس
والثالث إن أقر بغصب وامتنع من بيان المغصوب حبس
وإن أقر بدين مبهم فالحكم كما ذكرنا في الوجه الثاني
والرابع إن قال علي شىء وامتنع من التفسير لم يحبس
وإن قال علي ثوب أو فضة ولم يبين حبس قاله أبو عاصم العبادي وأشار في شرح كلامه إلى أن الفرق مبني على قبول تفسير الشىء بالخمر ونحوه فإنه لا يتوجه بذلك مطالبة وحبس

فرع إذا فسر المبهم بتفسير صحيح وصدقه المقر له فذاك وإلا فليبين
جنس الحق وقدره وليدعه والقول قول المقر في نفيه
ثم إن كان من جنسه بأن فسر بمائة درهم وقال المقر له لي عليك مائتان فإن صدقه على إرادة المائة فهي ثابتة باتفاقهما ويحلف المقر على نفي الزيادة
وإن قال أراد به المائتين حلف المقر أنه ما أراد المائتين وأنه ليس عليه إلا مائة ويجمع بينهما بيمين واحدة على الصحيح
وقال ابن المرزبان لا بد من يمينين
فلو نكل حلف المقر له على استحقاق المائتين ولا يحلف على الارادة لأنه لا اطلاع له عليها بخلاف ما إذا مات المقر وفسر الوارث فادعى المقر له زيادة فيحلف الوارث على نفي إرادة المورث لأنه قد يطلع من حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره
قال البغوي ومثله لو أوصى بمجمل ومات ففسره الوارث وزعم الموصى له أنه أكثر يحلف الوارث على نفي العلم باستحقاق الزيادة ولا يتعرض للارادة
والفرق أن الإقرار إخبار عن حق سابق وقد يطلع عليه والوصية إنشاء أمر على الجهالة وبيانه إذا مات ( الموصي ) إلى الوارث
وأما إذا كان ما ادعاه من غير جنس ما فسر به المقر فينظر إن صدقه في الارادة فقال هو ثابت لي عليه ولي عليه مع ذلك كذا ثبت المتفق

عليه والقول قول المقر في نفي غيره
وإن صدقه في الارادة وقال ليس لي عليه ما فسر ( به ) إنما لي عليه كذا بطل حكم الإقرار برده وكان مدعيا عليه في غيره
وإن كذبه في دعوى الارادة وقال إنما أراد ما ادعيته حلف المقر على نفي الارادة وبقي ما يدعيه
ثم إن كذبه في استحقاق المقر به بطل الإقرار فيه وإلا فيثبت
ولو اقتصر المقر له على دعوى الارادة وقال ما أردت بكلامك ما فسرته به وإنما أردت كذا إما من جنس المقر به وإما من غيره لم يسمع منه لأن الإقرار والارادة لا يثبتان حقا له بل الإقرار إخبار عن سابق فعليه أن يدعي الحق نفسه
قال الإمام وفيه وجه ضعيف أنه تقبل دعوى الارادة المجردة وهو كالخلاف في أن من ادعى على خصمه أنه أقر له بألف درهم هل تسمع أم عليه أن يدعي نفس الألف أما إذا ضم إلى الارادة دعوى الاستحقاق فيحلف المقر على نفيهما على التفصيل المذكور
واتفقت الطرق عليه

فرع مات المبهم قبل التفسير طولب به الوارث

فإن امتنع فقولان
أحدهما يوقف مما ترك أقل ما يتمول
وأظهرهما يوقف الجميع لأنه مرتهن بالدين
الضرب الثاني مال
فإذا قال له علي مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول ولا يقبل بما ليس بمال كالكلب وجلد الميتة قال الإمام والوجه القبول بالتمرة الواحدة حيث يكثر لأنه مال وإن لم يتمول في ذلك الموضع هكذا ذكره العراقيون وقالوا كل متمول مال ولا ينعكس
وتلتحق حبة الحنطة بالتمرة
وفي قبول التفسير بالمستولدة وجهان
أصحهما القبول
وإن فسره بوقف عليه

فيشبه أن يخرج على الخلاف في الملك في رقبة

الوقف هل هو للموقوف عليه
فرع إذا قال له علي مال عظيم أو كثير أو كبير أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأي مال قبل في تفسيره بأقل ما يتمول لأنه يحتمل أن يريد عظيم خطره بكفر مستحله وإثم غاصبه وقد قال الشافعي رضي الله عنه أصل ما أبني عليه الإقرار أن لا ألزم إلا اليقين
وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة
وحكي وجه غريب أنه يجب أن يزيد تفسير مال عظيم على تفسير مطلق المال ليكون لوصفه بالعظم فائدة
ولو قال مال حقير أو قليل أو خسيس أو طفيف أو تافه أو نزر أو يسير فهو كقوله مال
وتحمل هذه الصفات على احتقار الناس إياه أو على أنه فان
فرع قال لزيد علي مال أكثر من مال فلان يقبل تفسيره بأقل
وإن كثر مال فلان لأنه يحتمل أنه أكثر لكونه حلالا وذلك حرام أو نحوه
قلت وسواء علم مال فلان أم لم يعلم
والله أعلم
وكما أن القدر مبهم فكذلك الجنس والنوع
ولو قال له علي من الذهب أكثر من مال فلان عددا والأبهام في الجنس والنوع
ولو قال له علي من الذهب أكثر من مال فلان فالابهام في القدر والنوع
ولو قال من صحاح الذهب فالابهام في القدر وحده
ولو قال لزيد علي ( مال ) أكثر مما شهد به الشهود على فلان

قبل في تفسيره بأقل متمول لاحتمال أن يعتقدهم شهود زور ويقصد أن القليل الحلال أكثر بركة من كثير يؤخذ بالباطل
ولو قال أكثر مما قضى به القاضي على فلان فوجهان
أحدهما يلزم القدر المقضي به لأن قضاء القاضي محمول على الحق
وأصحهما أنه كالشهادة فيقبل أقل متمول لأنه قد يقضي بشهادة كاذبين
ولو قال لزيد علي أكثر مما في يد فلان قبل أقل متمول
ولو قال له علي أكثر مما في يد فلان من الدراهم لم يلزمه التفسير بجنس الدراهم لكن يلزم بذلك العدد من أي جنس فسر وزيادة أقل متمول كذا قاله في التهذيب وهو مخالف ما سبق من وجهين
أحدهما إلزام ذلك العدد
والثاني إلزام زيادة لأن التأويل الذي ذكرناه للأكثرية بنفيهما جميعا
ولو قال له علي من الدراهم أكثر مما في يد فلان من الدراهم وكان في يد فلان ثلاثة دراهم قال البغوي يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة أقل ما يتمول
والأصح ما نقله الإمام أنه لا يلزمه زيادة حملا للاكثر على ما سبق
وحكى عن شيخه أنه لو فسره بما دون الثلاثة قبل أيضا
ولو كان في يده عشرة دراهم وقال المقر لم أعلم وظننتها ثلاثة قبل قوله بيمينه
الضرب الثالث كذا
فإذا قال لزيد علي كذا فهو كقوله له شىء
ولو قال كذا كذا فهوكقوله كذا والتكرار للتأكيد
ولو قال كذا وكذا لزمه التفسير بشيئين متفقين أو مختلفين بحيث يقبل كل واحد منهما في تفسير كذا
وهكذا الحكم فيما لو قال علي شىء شىء أو شىء وشىء
ولو قال كذا درهم يلزمه درهم فقط وكان الدرهم تفسير ما أبهمه
وفي وجه لأبي اسحق يلزمه عشرون درهما إن كان يعرف العربية لأنه أول اسم مفرد ينتصب الدرهم المفسر بعده
والصحيح المعروف هو الأول
وأجاب الأصحاب بأن في تفسير المبهم لا ينظر إلى الاعراب
ولهذا لو قال علي كذا درهم

صحيح لا يلزمه مائة درهم بالاتفاق وإن كان ذلك مقتضاه بالعربية
ولو قال كذا درهم من غير صفة الصحة لزمه أيضا درهم على الصحيح
وقيل بعض درهم
ولو قال كذا درهم بالرفع لزمه درهم بلا خلاف
ولو قال كذا درهم ووقف عليه ساكنا فكالمخفوض
ولو قال كذا كذا درهما لزمه درهم فقط على الصحيح
وقال أبو إسحق يلزمه أحد عشر درهما إن عرف العربية
ولو قال كذا كذا درهم أو درهم لزمه درهم فقط
ويجيء في المخفوض الوجه السابق ببعض درهم
ولو قال كذا وكذا درهما لزمه درهمان على المذهب
وفي قول درهم
وفي قول درهم وشىء
وفي وجه لأبي إسحق أحد وعشرون درهما إن عرف العربية
ولو قال كذا وكذا درهم بالرفع لزمه درهم فقط على المذهب
وقيل قولان
ثانيهما درهمان
ولو قال كذا وكذا درهم بالخفض لزمه درهم فقط
ويمكن أن يخرج مما سبق أنه يلزمه شىء وبعض درهم أو لا يلزمه إلا بعض درهم
ولو قال كذا وكذا وكذا درهما فإن قلنا إذا كرر مرتين يلزمه درهمان لزمه هنا ثلاثة
وإن قلنا درهم فكذا هنا

فصل قال له علي ألف ودرهم أو ودراهم أو ألف وثوب أو
تفسيره بغير جنس ما عطف عليه
ولو قال له خمسة عشر درهما فكلها دراهم
ولو قال خمسة وعشرون درهما فكلها دراهم على الصحيح وقال ابن خيران والاصطخري العشرون دراهم والخمسة مجملة تفسرها
وعلى هذا الخلاف قوله مائة وخمسة وعشرون درهما وقوله ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما وكذا قوله ألف وثلاثة أثواب وقوله مائة وأربعة دنانير وقوله مائة ونصف درهم
ولو قال درهم ونصف أو عشرة دراهم

ونصف فالكل دراهم على الصحيح الذي قاله الأكثرون لأنه المعروف في الاستعمال
وقال الاصطخري وجماعة النصف مجملة
ولو قال نصف ودرهم فالنصف مجمل
ولو قال مائة وقفيز حنطة فالمائة مجملة يخلاف قوله مائة وثلاثة دراهم لأن الدراهم تصلح تفسيرا للكل والحنطة لا تصلح تفسيرا للمائة لأنه لا يصح أن يقال مائة حنطة
ولو قال علي ألف درهم برفعهما وتنوينهما فسر الألف بما لا ينقص قيمته عن درهم كأنه قال الألف مما قيمة الألف منه درهم
الضرب الرابع درهم
قد ذكرنا في الزكاة أن دراهم الاسلام المعتبر بها نصب الزكاة والديات وغيرها كل عشرة منها سبعة مثاقيل وكل درهم ستة دوانيق
ونزيد الآن أن الدانق ثمان حبات وخمسا حبة فيكون الدرهم خمسين حبة وخمسي حبة والمراد حبة الشعير المتوسطة التي لم تقشر لكن قطع من طرفيها ما دق وطال والدينار اثنان وسبعون حبة منها هكذا نقل عن رواية أبي القاسم بن سلام وحكاه الخطابي عن ابن سريج
وفي الحلية للروياني أن الدانق ثمان حبات فيكون الدرهم ثمانية وأربعين حبة
فإذا قال له علي درهم أو ألف درهم ثم قال هي ناقصة نظر إن كان في بلد دراهمه تامة وذكره متصلا قبل على المذهب كما لو استثنى
وقال ابن خيران في قبوله قولان بناء على تبعيض الإقرار
وإن كان ذكره منفصلا لم يقبل ولزمه دراهم الاسلام إلا أن يصدقه المقر له لأن لفظ الدرهم صريح فيه وضعا وعرفا
واختار الروياني أنه يقبل لأن اللفظ يحتمله والأصل براءة ذمته وحكاه عن جماعة من الأصحاب وهو شاذ
وإن كان في بلد دراهمه ناقصة قبل إن ذكره متصلا قطعا وكذا إن ذكره منفصلا على الأصح المنصوص
ويجري هذا الخلاف فيمن أقر

في بلد وزن دراهمه أكثر من دراهم الاسلام مثل غزنة هل يحمل على دراهم البلد أو الإسلام فإن قلنا بالأول فقال عنيت دراهم الإسلام منفصلا لم يقبل
وإن كان متصلا فعلى الطريقين
والمذهب القبول

فرع الدرهم عند الاطلاق إنما يستعمل في النقرة

فلو أقر بدراهم وفسرها بفلوس لم يقبل وإن فسرها بمغشوشة فكالتفسير بالناقصة لأن نقرتها تنقص عن التامة فيعود فيه التفصيل في الناقصة
ولو فسر بجنس رديء من الفضة أو قال أردت من سكة كذا وهي جارية في ذلك البلد قبل كما لو قال له علي ثوب ثم فسره برديء أو بما لا يعتاد أهل البلد لبسه بخلاف ما لو فسر بناقصة لأنه يرفع شيئا مما أقر به ويخالف البيع فإنه يحمل على سكة البلد لأنه إنشاء معاملة
والغالب أن المعاملة في كل بلد بما يروج فيه
والإقرار إخبار عن حق سابق وربما ثبت في ذمته ببلد آخر فوجب قبول تفسيره
وقال المزني لا يقبل تفسيره بغير سكة البلد ووافقه غيره من أصحابنا
فرع إذا قال له علي درهم أو دريهمات أو درهم صغير أو
ففيه اختلاف كثير
والأصح أنه كقوله درهم أو دراهم فيعود في تفسيره بالنقص التفصيل السابق وليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان لأن لفظ الدراهم صريح

في الوزن والوصف بالصغير يجوز أن يكون في الشكل ويجوز بالاضافة إلى غيرها
وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه يلزمه من الدراهم الطبرية وهي أربعة دوانيق
ولم يفرقوا بين بلد وبلد لأن ذلك المتيقن
ولو قال درهم كبير فالمذهب أنه كقوله درهم
وقال البغوي إن كان في بلد أوزانهم ناقصة أو تامة لزمه درهم الاسلام
وإن كانت أوزانهم زائدة لزمه من نقد البلد
وفي إلزامه نقد البلد إشكال

فرع إذا قال علي دراهم لزمه ثلاثة ولا يقبل تفسيره بأقل منها

ولو قال دراهم عظيمة أو كثيرة فثلاثة ويجيء فيه الوجه السابق في مال عظيم ولو قال علي أقل أعداد الدراهم لزمه درهمان
ولو قال مائة درهم عدد لزمه مائة درهم بوزن الاسلام صحاح
قال في التهذيب ولا يشترط أن يكون كل واحد ستة دوانيق وكذلك في البيع
ولا يقبل مائة بالعدد ناقصة الوزن إلا أن يكون نقد البلد عددية ناقصة فظاهر المذهب القبول
ولو قال علي مائة عدد من الدراهم اعتبر العدد دون الوزن
فصل قال علي من درهم إلى عشرة لزمه تسعة على الأصح عند
والغزالي
وقيل عشرة وصححه البغوي
وقيل ثمانية كما لو قال بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار لا يدخل الجداران في البيع
واحتج الشيخ أبو حامد للأول بأنه لو قال لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة تدخل الأولى في الإقرار دون

الأخيرة
وفيما قاله نظر وينبغي أن لا تدخل الأولى أيضا كقوله بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار
ولو قال ما بين درهم إلى عشرة فالصحيح المشهور أنه يلزمه ثمانية وهو نصه
وقيل تسعة ونقله في المفتاح عن نصه
وقيل عشرة حكاه أبو خلف السلمي عن القفال
ولم يفرقوا بين قوله ما بين درهم إلى عشرة وقوله ما بين درهم وعشرة
وربما سووا بينهما
ويجوز أن يفرق فيقطع بالثمانية في الصيغة الأخيرة
قلت القطع بالثمانية هو الصواب وقول الإمام الرافعي رحمه الله لم يفرقوا غير مقبول فقد فرق القاضي أبو الطيب في تعليقه فقطع بالثمانية في قوله ما بين درهم وعشرة
وذكر الأوجه فيما بين درهم إلى عشرة
والله أعلم

فصل قال له علي درهم في عشرة إن أراد الظرف لزمه درهم

وإن أراد الحساب فعشرة
وإن أراد بفي مع لزمه أحد عشر
وإن أطلق فدرهم
وحكي قول في مثله في الطلاق أنه يحمل على الحساب وهو جار هنا
الضرب الخامس الظرف
الأصل في هذا أن الإقرار بالظروف ليس إقرارا بالمظروف
وكذا عكسه ودليله البناء على اليقين
أما إذا قال له عندي زيت في جرة أو سيف في غمد أو ثوب في منديل أو تمر في جراب أو لبن في كوز أو طعام في سفينة أو غصبته زيتا في جرة فهو مقر بالمظروف فقط
ولو قال له عندي غمد فيه سيف وجرة فيها زيت وجراب فيه تمر وسفينة فيها طعام فاقرار بالظرف فقط
ولو قال فرس في إصطبل أو حمار

على ظهره إكاف أو دابة عليها سرج أو زمام وعبد على رأسه عمامة أو في وسطه منطقة أو في رجله خف أو عليه قميص فاقرار بالدابة والعبد فقط
ولو قال عمامة على رأس عبد أو سرج على ظهر دابة فاقرار بالعمامة والسرج فقط
وقال صاحب التلخيص إذا قال عبد على رأسه عمامة أو في رجله خف فاقرار بهما مع العبد
وجمهور الأصحاب على ما سبق
ولو قال دابة مسروجة أو دار مفروشة لم يكن مقرا بالسرج والفرش بخلاف ما لو قال بسرجها وبفرشها وبخلاف ما لو قال ثوب مطرز لأن الطراز جزء من الثوب
وقيل إن ركب فيه بعد النسج فعلى وجهين مذكورين في أخوات المسألة
ولو قال في خاتم فإقرار بالفص فقط ولو قال خاتم فيه ففي كونه مقرا أيضا بالفص وجهان
قال البغوي
أصحهما المنع
ولو اقتصر على قوله عندي له خاتم
ثم قال بعد ذلك ما أردت الفص لم يقبل منه على المذهب بل يلزمه الخاتم بفصه لأن الخاتم تناولهما فلا يقبل رجوعه عن بعض ما تناوله الإقرار وحكى الغزالي فيه وجهين
ولو قال حمل في ببطن جارية لم يكن مقرا بالجارية
وكذا بطن نعل في حافر دابة وعروة على قميقمة
ولو قال جارية في بطنها حمل ودابة في حافرها نعل وقمقمة عليها عروة فوجهان
كقوله خاتم في
ولو قال هذه الجارية لفلان وكانت حاملا لم يدخل الحمل في الإقرار على الأصح لأنه إخبار فكان على حسب إرادة المخبر بخلاف البيع فإن الحمل يدخل فيه
ولو قال له هذه الجارية إلا حملها لم يدخل الحمل قطعا
ولو قال ثمرة على شجرة لم يكن مقرا بالشجرة
ولو قال شجرة عليها ثمرة بني على أن الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة وهي لا تدخل بعد التأبير على الصحيح ولا قبله على الأصح وبه قطع البغوي لأن الاسم لا يتناولها لغة بخلاف البيع فإنه ينزل على المعتاد وذكر القفال وغيره في ضبط الباب أن ما دخل تحت البيع المطلق دخل تحت الإقرار وما لا فلا

وما ذكرنا في المسائل يقتضي أن يقال في الضبط ما لا يتبع في البيع ولا يتناوله الاسم لم يدخل وما يتبع ويتناوله الاسم دخل وما يتبع ولم يتناوله الاسم فوجهان

فصل إذا قال له علي ألف في هذا الكيس لزمه سواء كان
لم يكن فيه شىء أصلا لأن قوله علي يقتضي اللزوم ولا يكون مقرا بالكيس كما سبق
فإن كان فيه دون الألف فوجهان
قال أبو زيد لا يلزمه إلا ذلك القدر
وقال القفال يلزمه الاتمام وهذا أصح
ولو قال علي الألف الذي في هذا الكيس وكان فيه دون الألف لم يلزمه الاتمام على الصحيح
وإن لم يكن فيه شىء فوجهان
ويقال قولان بناء على ما لو حلف ليشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه هل تنعقد يمينه ويحنث أم لا قلت ينبغي أن يكون الراجح أنه لا يلزمه لأنه لم يعترف بشىء في ذمته
والله أعلم
فصل لو قال لفلان في هذا العبد ألف درهم فهذا لفظ مجمل
قال أردت أنه جني عليه أو على ماله جناية أرشها ألف قبل ويعلق الأرش برقبته
وإن قال أردت أنه رهن عنده بألف علي فوجهان
أحدهما لا يقبل لأن اللفظ يقتضي كون العبد محلا للألف ومحل الدين الذمة لا المرهون
فعلى هذا إذا نازعه المقر له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير وطالبناه للإقرار المجمل

بتفسير صالح
وأصحهما القبول لأن الدين وإن كان في الذمة فله تعلق ظاهر بالمرهون
وإن قال أردت أنه وزن في ثمنه ألفا قيل له هل وزنت في ثمنه شيئا فإن قال لا فالعبد كله للمقر له
وإن قال نعم سئل عن كيفية الشراء أكان دفعة واحدة أم لا فإن قال دفعة سئل ما قدر ما وزن فإن قال وزنت ألفا أيضا فالعبد بينهما نصفان
وإن قال ألفين فله ثلثا العبد وللمقر له ثلاثة
وعلى هذا القياس ولا نظر إلى قيمة العبد
وإن قال اشتريناه دفعتين ووزن هو في ثمن عشره مثلا ألفا واشتريت أنا تسعة أعشاره بألف قبل قوله لأنه محتمل
وإن قال أردت أنه أوصي له من ثمنه بألف قبل وبيع ودفع إليه من ثمنه ألف وليس له دفع الألف من ماله
ولو قال دفع إلي الألف لأشتري له العبد ففعلت فإن صدقه المقر له فالعبد له
وإن كذبه فقد رد إقراره بالعبد وعليه رد الألف الذي أخذ
وإن قال أردت أنه أقرضني ألفا فصرفته إلى ثمنه قبل ولزمه الألف
وتوجيه الخلاف إذا أقر برهنه يقتضي عوده هنا
ولو قال له من هذا العبد ألف درهم فهو كقوله في هذا العبد
ولو قال من ثمن هذا العبد فكذلك قاله في التهذيب
وجميع ما ذكرناه في هذا الفصل هو فيما إذا اقتصر على قوله ( له ) في هذا العبد ولم يقل علي فإن قال علي كان التزاما بكل حال كما سنذكره إن شاء الله تعالى في آخر الفصل الذي بعد هذا

فرع قال له علي درهم في دينار فهو كقوله له ألف في

فإن نوى نفي مع لزماه

قلت وإن لم ينو شيئا لزمه درهم فقط
والله أعلم

فصل قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر لو قال له في
ألف درهم كان مقرا على أبيه بدين
ولو قال له في ميراثي من أبي ألف درهم كان هبة إلا أن يريد إقرارا
قال الأصحاب النصان على ظاهرهما
وعن صاحب التقريب إشارة إلى التسوية كأنه نقل وخرج
والمذهب الفرق
ومثله لو قال له في هذه الدار نصفها فهو إقرار
ولو قال في داري نصفها فهو وعد هبة نص عليهما
ولو قال له في مالي ألف درهم كان إقرارا
ولو قال له من مالي ألف درهم كان وعد هبة نص عليهما
واختلف الأصحاب في قوله له في مالي ألف فقيل قولان
أحدهما هو وعد هبة
والثاني إقرار
وقيل هبة قطعا
وحملوا النص على خطأ الناسخ وربما أولوه على ما لو أتى بصيغة التزام فقال علي في مالي فإنه إقرار كما سنذكره إن شاء الله تعالى
وإذا أثبتنا الخلاف فعن الشيخ أبي علي طرده فيما إذا قال في داري نصفها
وامتنع من طرده فيما إذا قال في ميراثي من أبي
وعن صاحب التقريب وغيره طرده فيه بطريق الأولى لأن قوله في ميراثي من أبي أولى بأن يجعل إقرارا من قوله في مالي أو في داري لأن التركة مملوكة للورثة مع تعلق الدين بها فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدين بخلاف المال والدار
وأما فرقه في النص الأخير بين في ومن فمن الأصحاب من قال لا فرق ولم يثبت هذا النص أو أولوه ومنهم من فرق بأن في يقتضي كون مال المقر ظرفا لمال المقر له وقوله من ما لي يقتضي التبعيض وهو ظاهر في الوعد بأنه

يقطع له شيئا من ماله
وإذا فرقنا بينهما لزمه مثله في الميراث قطعا
والمذهب أنه لا فرق بينهما وأن الحكم في قوله في مالي كما ذكرنا أولا في ميراثي
واستبعد الإمام تخريج الخلاف في قوله له في داري نصفها لأنه إذا أضاف الكل إلى نفسه لم ينتظم منه الإقرار ببعضه كما لا ينتظم الإقرار بكله في قوله داري لفلان وخصص طريقة الخلاف بما إذا لم يكن المقر به جزءا من مسمى ما أضافه إلى نفسه كقوله في مالي ألف أو في داري ألف
وحيث قلنا في هذه الصور إنه وعد هبة لا إقرار فذلك إذا لم يذكر كلمة الالتزام فأما إذا ذكرها بأن قال علي ألف درهم في هذا المال أو في مالي أو في ميراثي من أبي أو في ميراث أبي أو في داري أو في عبدي أو هذا العبد فهو إقرار بكل حال
ولو قال له في ميراثي من أبي أو في مالي بحق لزمني
أو بحق ثابت وما أشبهه فهو إقرار بكل حال كما لو قال علي ذكره ابن القاص والشيخ أبو حامد وغيرهما
واعلم أن مقتضى قولنا في قوله علي في هذا المال أو في هذا العبد ألف درهم هو إقرار أنه يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفا بخلاف ما إذا قال له علي ألف في هذا الكيس وكان فيه دون الألف فإن فيه خلافا سبق فإن ظرفية العبد للدراهم ليست كظرفية الكيس لها لكن لو قال له في هذا العبد ألف من غير كلمة علي وفسره بأنه أوصى له بألف من ثمنه فلم يبلغ ثمنه ألفا لم يجب عليه تتميم الألف بحال
قلت الضرب السادس التأكيد والعطف ونحوهما
وفيه مسائل
إحداها قال علي درهم درهم درهم لزمه درهم فقط وكذا لو كرره هكذا ألف مرة فأكثر
ولو قال درهم ودرهم أو درهم ثم درهم لزمه

درهمان للمغايرة
ولو قال درهم ودرهم ودرهم لزمه بالأول والثاني درهمان
وأما الثالث فإن أراد به درهما آخر لزمه وإن قال أردت به تأكيد الثاني قبل ولزمه درهمان فقط
وإن قال أردت به تأكيد الأول لم يقبل على الأصح فيلزمه ثلاثة
وإن أطلق لزمه ثلاثة على المذهب وبه قطع الأكثرون
وقال ابن خيران فيه قولان كالطلاق ثانيهما درهمان
فعلى المذهب لو كرره عشر مرات فأكثر لزمه بعدد ما كرر
ولو قال علي درهم ثم درهم ثم درهم فهو كقوله درهم ودرهم ودرهم
ولو قال درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة بكل حال
الثانية قال علي درهم مع درهم أو معه درهم أو فوق درهم أو فوقه درهم ( أو تحت درهم ) أو تحته درهم أو علي درهم أو عليه درهم فالمذهب والمنصوص والذي قطع به الأكثرون أنه يلزمه درهم
وقيل قولان
ثانيهما درهم
وقال الداركي مع الهاء درهمان وبحذفها درهم
ولو قال له علي درهم قبل درهم أو قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان على المذهب والمنصوص وبه قطع الأكثرون
وقيل قولان
ثانيهما درهم
وقال ابن خيران وغيره مع الهاء درهمان
وبحذفها درهم
الثالثة قال له علي أو عندي درهم فدرهم إن أراد العطف لزمه درهمان وإلا فالنص لزوم درهم ( فقط )
ونص في أنت طالق فطالق أنه طلقتان
وقال ابن خيران فيهما قولان
أحدهما درهمان وطلقتان
والثاني درهم وطلقة
والمذهب الذي قطع به الأكثرون تقرير النصين
ولو قال درهم فقفيز حنطة فهل يلزمه درهم فقط أم يلزمانه جميعا فيه هذا الخلاف
وذكر أبو العباس الروياني

أن قياس ما ذكرنا في الطلاق أنه إذا قال بعتك بدرهم فدرهم يكون بائعا بدرهمين لأنه إنشاء لا إخبار
الرابعة إذا قال علي درهم بل درهم لزمه درهم فقط
ولو قال درهم لا بل درهم ولكن درهم فكذلك
ولو قال درهم لا بل درهمان أو قفيز حنطة لا بل قفيزان لزمه درهمان أو قفيزان فقط
هذا إذا لم يعين
فأما إن قال له عندي هذا القفيز بل هذان القفيزان فيلزمه الثلاثة لأن المعين لا يدخل في المعين
وكذا لو اختلف جنس الأول والثاني مع عدم التعيين بأن قال درهم بل ديناران أو قفيز حنطة بل قفيزا شعير لزمه الدرهم والديناران وقفيز الحنطة وقفيزا الشعير
ولو قال درهمان بل درهم أو عشرة بل تسعة لزمه الدرهمان والعشرة لأن الرجوع عن الأكثر لا يقبل ويدخل فيه الأقل
ولو قال دينار بل ديناران بل ثلاثة لزمه ثلاثة
ولو قال دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان لزمه ديناران وقفيزان
ولو قال دينار وديناران بل قفيز وقفيزان لزمه ثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة وقس عليه ما شئت
الضرب السابع التكرار
القول الجملي فيه أن تكرر الإقرار لا يقتضي تكرر المقر به لأن الإقرار إخبار وتعدد الخبر لا يقتضي تعدد المخبر عنه فينزل على واحد إلا إذا عرض ما يمنع من ذلك فيحكم بالمغايرة
فإذا أقر لزيد يوم السبت بألف ويوم الأحد بألف لزمه ألف فقط سواء وقع الإقراران في مجلس أو مجلسين وسواء كتب به صحا وأشهد عليه شهودا على التعاقب أو كتب صحا بألف وأشهد عليه ثم كتب صكا ( بألف ) وأشهد عليه
ولو أقر في يوم بألف وفي آخر بخمسمائة دخل الأقل في الأكثر
ولو أقر يوم السبت بألف من ثمن عبد ويوم الأحد بألف من ثمن جارية أو قال مرة صحاح ومرة مكسرة لزمه ألفان
وكذا لو قال قبضت منه يوم السبت عشرة ثم قال

قبضت منه يوم الأحد عشرة أو طلقها يوم السبت طلقة ثم قال طلقتها يوم الأحد طلقتين تعدد
ولو قال يوم السبت طلقتها طلقة ثم أقر يوم الأحد بطلقتين لم يلزم إلا طلقتان
ولو أضاف أحد الاقرارين إلى سبب أو وصف الدراهم بصفة وأطلق الإقرار الآخر نزل المطلق على المضاف لامكانه

فرع لو شهد عدل أنه أقر يوم السبت بألف أو بغصب دار
أقر يوم الأحد بألف أو بغصب تلك الدار لفقنا الشهادتين واعتبرنا الألف والغصب لأن الإقرار لا يوجب حقا بنفسه وإنما هو إخبار عن ثابت فينظر إلى المخبر عنه وإلى اتفاقهما على الاخبار عنه
وكذا لو شهد أحدهما على إقراره بألف بالعربية والآخر على إقراره بألف بالعجمية
ولو شهد عدل أنه طلقها يوم السبت وآخر أنه طلقها يوم الأحد لم يثبت بشهادتهما شىء لأنهما لا يتفقان على شىء وليس هو إخبارا حتى ينظر إلى المقصود المخبر عنه
وقيل في الإقرارين والطلاقين قولان بالنقل والتخريج
قال الإمام أما التخريج من الطلاق إلى الإقرار فقريب في المعنى وإن بعد في النقل لأن الشاهدين لم يشهدا على شىء واحد بل شهد هذا على إقرار وذاك على إقرار آخر
والمقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثق وأما التخريج من الإقرار إلى الطلاق فبعيد نقلا ومعنى لأن من طلق اليوم ثم طلق غدا والمرأة رجعية وزعم أنه أراد طلقة واحدة لم يقبل منه فكيف يجمع بين شهادة شاهد على طلاق اليوم وشاهد على طلاق الغد ويجري التخريج على ضعفه في سائر الانشاءات وفي الافعال كالقتل والقبض وغيرهما
والمذهب

الأول حتى لو شهد أحدهما أنه قذف يوم السبت بالعربية والآخر أنه قذف يوم الأحد بالعجمية لم يثبت بشهادتهما شىء
ولو شهد أحدهما على إقراره أنه يوم السبت قذفه أو قذفه بالعربية والآخر على إقراره أنه يوم الأحد قذفه بالعجمية لم يلفق أيضا لأن المقر به شيئان مختلفان
ولو شهد عدل بألف من ثمن مبيع وآخر بألف من قرض أو شهد أحدهما بألف اقترضه يوم السبت وآخر بألف اقترضه يوم الأحد لم يثبت بشهادتهما شىء لكن للمشهود له أن يعين أحدهما ويستأنف الدعوى به ويحلف مع الذي يشهد به وله أن يدعيهما ويحلف مع كل واحد من الشاهدين
ولو كانت الشهادة على الإقرار فشهد أحدهما أنه أقر بألف من ثمن مبيع وشهد الآخر أنه أقر بألف من قرض لم يثبت الألف أيضا على الصحيح
ولو أدعى ألفا فشهد أحدهما أنه ضمن الألف والآخر أنه ضمن خمسمائة ففي ثبوت خمسمائة قولان وهذا قريب من التخريج في الانشاءات أو هو هو
ولو شهد أحد شاهدي المدعى عليه أن المدعي استوفى الدين والآخر أنه أبرأه لم يلفق على المذهب
ولو شهد الثاني أنه برىء إليه منه قال أبو عاصم العبادي يلفق
وقيل بخلافه

فرع ادعى ألفين وشهد له عدل بألفين وآخر بألف ثبت الألف وله
يحلف مع الشاهد بألفين ويأخذ ألفين
وكذا الحكم لو كانت الشهادتان على الاقرار
ولو شهد أحدهما بثلاثين والآخر بعشرين ثبتت العشرون كالألف مع الألفين
وفي وجه ضعيف لا تثبت لأن لفظ الثلاثين لا يشمل العشرين

ولفظ الالفين يشمل الألف فربما سمع أحدهما الألف وغفل عن آخره
ولو ادعى ألفا فشهد له عدل بألف وآخر بألفين فالثاني شهد بالزيادة قبل أن يستشهد
وفي مصيره بذلك مجروحا وجهان
إن لم يصر مجروحا فشهادته بالزيادة مردودة
وفي الباقي قولا تبعيض الشهادة وقطع بعضهم بثبوت الألف وخص الخلاف في التبعيض بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضي الرد كما إذا شهد لنفسه ولغيره
فأما إذا زاد على المدعى به فقوله في الزيادة ليس شهادة بل هو كما لو أتى بالشهادة في غير مجلس الحكم
وإن قلنا يصير مجروحا قال البغوي يحلف مع شاهد الألف ويأخذه
وقال الإمام إنه على هذا الوجه إنما يصير مجروحا في الزيادة فأما الألف المدعى به فلا حرج في الشهادة عليه لكن إذا ردت الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدعى به على قولي التبعيض
فإن لم نبعضها فأعاد الشهادة بالالف قبلت لموافقتها الدعوى ولا يحتاج إلى إعادة الدعوى على الأصح

فصل في مسائل منثورة إحداها أقر بجميع ما في يده وينسب إليه

فلو تنازعا في شىء هل كان في يده حينئذ فالقول قول المقر وعلى الآخر البينة
ولو قال ليس لي مما في يدي إلا ألف صح وعمل بمقتضاه
ولو قال لا حق لي في شىء مما في يد فلان ثم ادعى شيئا وقال لم أعلم كونه في يده يوم الإقرار صدق بيمينه

الثانية قال لفلان علي درهم أو دينار لزمه أحدهما وطولب بتعيينه
وقيل لا يلزمه شىء وهو ضعيف جدا
الثالثة قال له علي ألف أو على زيد أو على عمرو لم يلزمه شىء
وكذا لو قال على سبيل الإقرار أنت طالق أو لا وإن ذكره في معرض الإنشاء طلقت كما لو قال أنت طالق طلاقا لا يقع عليك
الرابعة قال لزيد علي ألف درهم وإلا فلعمرو علي ألف دينار لزمه ألف درهم لزيد وكلامه الآخر للتأكيد
الخامسة الإقرار المطلق ملزم ويؤاخذ به المقر على الصحيح المعروف
وخرج وجه أنه لا يلزم حتى يسأل المقر عن سبب اللزوم لأن الأصل براءة الذمة والإقرار ليس موجبا في نفسه وأسباب الوجوب مختلف فيها
وربما ظن ما ليس بموجب موجبا وهذا كما أن الجرح المطلق لا يقبل وكما لو أقر بأن فلانا وارثه لا يقبل حتى يبين جهة الارث
السادسة قال وهبت لك كذا وخرجت منه إليك فالاصح أن لا يكون مقرا بالاقباض لجواز أن يريد الخروج منه بالهبة
وقال القفال والشاش هو إقرار بالإقباض لأنه نسب إلى نفسه ما يشعر بالاقباض بعد العقد المفروغ منه
السابعة أقر الأب بعين مال لابنه فيمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع ويمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع وهو الهبة فهل له الرجوع وجهان
أحدهما نعم وبه أفتى القاضيان أبو الطيب والماوردي تنزيلا ( للإقرار ) على أضعف الملكين وأدنى السببين كما ينزل على أقل المقدارين
والثاني لا قاله أبو عاصم العبادي لأن الأصل بقاء الملك للمقر له
ويمكن أن يتوسط فيقال إن أقر بانتقال الملك منه إلى الأبن فالأمر على ما قال القاضيان وإن أقر بالملك المطلق فالأمر كما قال العبادي

بالثامنة أقر في صك بأنه لا دعوى له على زيد ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب ثم قال إنما أردت به في عمامته وقميصه لا في داره وبستانه
قال القاضي أبو سعد بن أبي يوسف هذا موضع تردد والقياس قبوله لأن غايته تخصيص عموم وهو محتمل
قلت هذا ضعيف وفاسد
والصواب أنه لا يقبل في ظاهر الحكم لكن المختار أن له تحليف المقر له أنه لا يعلم أنه قصد ذلك ولعل هذا مراد القاضي
والله أعلم

فصل المقر به المجهول قد يعرف بغير تفسير المقر بأن يحيله على
وهو ضربان
أحدهما أن يقول له علي من الدراهم بوزن هذه الصنجة أو بعدد المكتوب في كتاب كذا أو بقدر ما باع به زيد عبده وما أشبه ذلك فيرجع إلى ما أحال عليه
الضرب الثاني أن يذكر ما يمكن استخراجه بالحساب فمن أمثلته لزيد علي ألف إلا نصف ما لابنيه علي ولابنيه علي ألف إلا ثلث ما لزيد علي
ولمعرفته طرق
أحدها أن تجعل لزيد شيئا وتقول للابنين ألف إلا ثلث شىء فيأخذ نصفه وهو خمسمائة إلا سدس شىء وتسقطه من الألف يبقى خمسمائة وسدس

شىء وذلك يعدل الشىء المفروض لزيد لأنه جعل له ألفا إلا نصف ما لابنيه فيسقط سدس شىء بسدس شىء تبقى خمسة أسداس شىء في مقابلة خمسمائة فيكون الشىء التام ستمائة وهي ما لزيد
فإذا أخذت ثلثها وهو مائتان وأسقطته من الألف بقي ثمانمائة وهي ما أقر به للابنين
الثاني أن تجعل لزيد ثلاثة أشياء لاستثناء الثلث منه وتسقط ثلثها من الألف المضاف إلى الابنين فيكون لهما ألف ينقص شيئا ثم يأخذ نصفه وهو خمسمائة تنقص نصف شىء وتزيده على ما فرضناه لزيد وهو ثلاثة أشياء يكون خمسمائة وشيئين ونصف شىء وذلك يعدل ألف درهم يسقط خمسمائة بخمسمائة تبقى خمسمائة في مقابلة شيئين ونصف شىء فيكون الشىء مائتين وقد كان لزيد ثلاثة أشياء فهو إذا ستمائة
الثالث أن تقول استثني من أحد الاقرارين النصف ومن الآخر الثلث فتضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر فيكون ستة ثم تضرب في الجزء المستثنى من الإقرارين وكلاهما واحد فتضرب واحدا في واحد يكون واحدا ينقصه من الستة تبقى خمسة تحفظها وتسميها المقسوم عليه ثم تضرب ما تبقى من مخرج كل واحد من الجزئين بعد إسقاطه في مخرج الثاني وذلك بأن تضرب ما بقي من مخرج النصف بعد النصف وهو واحد في مخرج الثلث وهو ثلاثة تحصل ثلاثة تضربها في الألف المذكور في الإقرار يكون ثلاثة آلاف تقسمها على العدد المقسوم عليه وهو خمسة يخرج نصيب الواحد ستمائة فهي ما لزيد وتضرب ما تبقى من مخرج الثلث بعد الثلث وهو اثنان في مخرج النصف وهو اثنان يكون أربعة تضربها في الألف يكون أربعة آلاف تقسمها على الخمسة تخرج ثمانمائة فهي ما للابنين
ولو قال لزيد علي عشرة إلا ثلثي ما لعمرو ولعمرو عشرة إلا

ثلاثة أرباع ما لزيد تضرب المخرج في المخرج تكون اثني عشر ثم تضرب أحد الجزئين في الآخر وهو اثنان في ثلاثة تكون ستة تسقطها من اثني عشر تبقى ستة ثم تضرب الباقي من مخرج الثلث بعد إخراج الثلثين وهو واحد في أربعة ثم تضربها في العشرة المذكورة في الإقرار تكون أربعين تقسمها على الستة فتكون ستة وثلثين وذلك ما أقر به لزيد ثم تضرب واحدا وهو الباقي من مخرج الربع بعد إخراج الأرباع الثلاثة في ثلاثة تكون ثلاثة تضربها في العشرة يكون ثلثين تقسمها على الستة تكون خمسة وهو ما أقر به لعمرو
ولعلم أن الطريقين الأولين ضربان مجربان في أمثال هذه الصور بأسرها
وأما الطريق الثالث فإنه لا يطرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الإقرارين
ولو قال لزيد عشرة إلا نصف ما لعمرو ولعمرو ستة إلا ربع ما لزيد كان مقرا لزيد بثمانية ولعمرو بأربعة
ولو قال لزيد عشرة إلا نصف ما لعمرو ولعمرو عشرة إلا ربع ما لزيد كان مقرا لزيد بخمسة وخمسة أسباع ولعمرو بثمانية وأربعة أسباع
ويتصور صدور كل إقرار من شخص بأن يدعي على زيد وعمرو مالا فيقول زيد لك علي عشرة إلا نصف مالك على عمرو ويقول عمرو لك علي عشرة إلا ثلث مالك على زيد وطريق الحساب لا يختلف

الباب الثالث في تعقيب الإقرار
بما يغيره هو استثناء وغيره
فالثاني ينقسم إلى ما يرفعه بالكلية وإلى غيره والأول ينقسم إلى ما لا ينتظم لفظا فيلغو وإلى ما ينتظم فإن كان مفصولا لم يقبل وإن كان موصولا ففيه خلاف
والثاني إن كان مفصولا لا يقبل أيضا وإن كان موصولا ففيه خلاف بالترتيب هذا حاصل الباب
وإذا مرت بك مسائله عرفت من أي قبيل هي
وأما الاستثناء فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى وفيه مسائل

إحداها قال لفلان علي ألف من ثمن خمر أو كلب أو خنزير فإن وقع قوله من ثمن خمر مفصولا عن قوله له ألف لم يقبل ولزمه الألف
وإن كان موصولا فقولان
أحدهما يقبل ولا يلزمه شىء لأن الكل كلام واحد فيعتبر جملة ولا يبعض فعلى هذا للمقر له تحليفه إن كان من ثمن خمر
وأظهرهما عند العراقيين وغيرهم لا يقبل ويلزمه الألف ويبعض إقراره فيعتبر أوله ويلغى آخره لأنه وصل به ما يرفعه فأشبه قوله ألف لا يلزمني
فعلى هذا لو قال المقر كان من ثمن خمر وظننته يلزمني فله تحليف المقر له على نفيه
ويجري القولان فيما إذا وصل بإقراره ما ينتظم لفظه في العادة ولكنه يبطل حكمه شرعا بأن أضاف المقر به إلى بيع فاسد كالبيع بثمن مجهول وخيار مجهول
أو قال تكفلت ببدن فلان بشرط الخيار أو ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار وما أشبه ذلك قال الإمام وكنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزم وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب
أما إذا قدم الخمر فقال له من ثمن خمر علي الألف لا يلزمه شىء قطعا بكل حال
الثانية قال علي ألف من ثمن عبد لم أقبضه إذا سلمه سلمت الألف فطريقان
أحدهما طرد القولين
ففي قول يقبل ولا يطالب بالألف إلا بعد تسليم العبد
وفي قول يؤاخذ بأول الإقرار
والطريق الثاني وهو الأصح القطع بالقبول لأن المذكور آخرا هنا لا يرفع الأول بخلاف ثمن الخمر
وعلى هذا لو قال علي ألف من ثمن عبد فقط ثم قال مفصولا عنه لم أقبض ذلك العبد قبل أيضا لأنه علق الإقرار بالعبد والأصل عدم قبضه
ولو اقتصر على قوله لفلان علي ألف ثم قال مفصولا هو ثمن عبد لم أقبضه لم يقبل
ولا فرق عندنا بين أن يقول علي ألف من ثمن هذا العبد أو من ثمن عبد

الثالثة قال علي ألف قضيته ففي قبوله القولان
وقيل لا يقبل قطعا
ولو قال كان لفلان علي ألف قضيته قبل عند الجمهور
وقيل على الطريقين
الرابعة قال علي ألف لا يلزمني أو علي ألف أو لا لزمه الألف لأنه غير منتظم
قلت هكذا رأيته في نسخ ( من ) كتاب الإمام الرافعي علي الألف أو لا وهو غلط
وقد صرح به صرح به صاحبا التهذيب والبيان بأنه لا يلزمه في هذه الصورة شىء كما لو قال أنت طالق أو لا فإنه لم يجزم بالالتزام وما يبعد أن يكون الذي في كتاب الرافعي تصحيفا من النساخ أو تغييرا مما في التهذيب فقد قال في التهذيب لو قال علي ألف لا فهو إقرار وهذا صحيح وقرنه في التهذيب بقوله بألف لا يلزمني وهو نظيره
ومعظم نقل الرافعي من التهذيب والنهاية وكيف كان فالصواب الذي يقطع به أنه إذا قال ألف أو لا فلا شىء عليه
والله أعلم
الخامسة قال له علي ( ألف ) إن شاء الله لم يلزمه شىء على المذهب وبه قطع الجمهور
وقيل على القولين
ولو قال علي ألف إن شئت أو إن شاء فلان فلا شىء عليه على المذهب
قال الإمام والوجه طرد القولين
ولو قال علي ألف إذا جاء رأس الشهر أو إذا قدم زيد أطلق جماعة أنه لا شىء عليه لأن الشرط لا أثر له في إيجاب المال والواقع لا يعلق بشرط
وذكر الإمام وغيره أنه على القولين
وكيف كان فالمذهب أنه لا شىء عليه
وهذا إذا أطلق أو قال قصدت التعليق
فإن قصد التأجيل فسنذكره إن شاء الله تعالى
ولو قدم التعليق فقال إن جاء رأس الشهر فعلي ألف لم يلزمه قطعا لأنه لم توجد صيغة التزام جازمة
فإن قال أردت التأجيل برأس الشهر قبل
وفي التتمة

وجه أن مطلقه محمول على التأجيل برأس الشهر وهو غريب وبه قطع فيما إذا قال علي ألف إذا جاء رأس الشهر
السادسة قال علي ألف مؤجل إلى وقت كذا فإن ذكر الأجل مفصولا لم يقبل
وإن وصله قبل على المذهب
وقيل قولان
وإذا لم يقبل فالقول قول المقر له بيمينه في نفي الأجل
ثم موضع الخلاف أن يقر مطلقا أو مسندا إلى سبب يقبل التعجيل والتأجيل
أما إذا أسند إلى ما لا يقبل الأجل فقال أقرضنيه مؤجلا فيلغو ذكر الأجل قطعا
وإن أسند إلى ما يلازمه الأجل كالدية على العاقلة فإن ذكره في صدر إقراره بأن قال قتل أخي زيدا خطأ ولزمني من ديته كذا مؤجلا إلى سنة انتهاؤها كذا قبل قطعا
ولو قال علي كذا من جهة تحمل العقل مؤجلا إلى كذا فقولان
وقيل يقبل قطعا

فرع قال بعتك أمس كذا فلم تقبل فقال بل قبلت فعلى قولي
إن بعضناه صدق بيمينه في قوله قبلت
وكذا لو قال لعبده أعتقتك على ألف فلم تقبل أو لامرأته خالعتك على ألف فلم تقبلي فقالا قبلنا
فرع إذا قال له أريد أن أقر الآن بما ليس علي لفلان

أو قال ما طلقت امرأتي وأريد أن أقر بطلاقها قد طلقت امرأتي ثلاثا قال الشيخ أبو عاصم لا يصح إقراره ولا شىء عليه
وقال صاحب التتمة الصحيح أنه يلزمه كقوله علي ألف لا يلزمني

السابعة قال لزيد علي ألف وزعم أنه وديعة فله حالان
الأول أن يذكره منفصلا بأن أتى بألف بعد إقراره وقال أردت هذا وهو وديعة عندي وقال المقر له هو وديعة ولي عليك ألف آخر دينا وهو الذي أردته بإقرارك فهل القول قول المقر له أو المقر فيه قولان
أظهرهما الثاني وقيل به قطعا لأن قوله علي يحتمل أن يريد به عندي ويحتمل إني تعديت فيها فصارت مضمونة علي أو علي حفظها
ولو قال علي ألف في ذمتي أو دينا ثم جاء بألف وفسر كما ذكرنا لم يقبل على المذهب والقول قول المقر له بيمينه لأن العين لاتثبت في الذمة
وقيل في قبوله وجهان
ثم قال الإمام إذا قبلنا التفسير بالوديعة قال الأصحاب الألف مضمونة وليس بأمانة لأن قوله علي تتضمن الالتزام
فإن ادعى تلف الالف الذي يزعم أنه وديعة لم يسقط عنه الضمان وإن ادعى رده لم يقبل لأنه ضامن وإنما يصدق الأمين
وهذا الذي قاله الإمام مشكل دليلا ونقلا
أما الدليل فلأن لفظه علي كما يجوز أن يراد بها مصيرها مضمونة لتعديه فيجوز أن يريد وجوب حفظها ويجوز أن يريد عندي كما سبق وهذان لا ينافيان الامانة
وأما النقل فمقتضى كلام غيره أنه إذا ادعى تلفه بعد الإقرار صدق وقد صرح به صاحب الشامل في موضعين من الباب
الحال الثاني أن يذكره متصلا فيقول لفلان علي ألف وديعة فيقبل على المذهب
وقال أبو إسحق على قولين كقوله ألف قضيته
وإذا قبلنا فأتى بألف وقال هو هذا قنع به فإن لم يأت بشىء وادعى التلف أو الرد قبل على الأصح
وأما إذا قال له معي أو عندي ألف فهو مشعر بالأمانة فيصدق

في قوله إنه كان وديعة وفي دعوى التلف والرد
ولو قال له عندي ألف درهم مضاربة دينا أو وديعة دينا فهو مضمون عليه ولا يقبل قوله في دعوى الرد والتلف نص عليه
ووجهوه بأن كونه دينا عبارة عن كونه مضمونا
فإن قال أردت أنه دفعة إلي مضاربة أو وديعة بشرط الضمان لم يقبل قوله لأن شرط الأمانة لا يوجب الضمان هذا إذا فسر منفصلا
فإن فسره متصلا ففيه قولا تبعيض الإقرار
ولو قال له عندي ألف عارية فهو مضمون عليه صححنا إعارة الدراهم أو أفسدناها لأن الفاسد كالصحيح في الضمان
ولو قال دفع إلي ألفا ثم فسره بوديعة وادعى تلفها في يده صدق بيمينه
وكذا لو قال أخذت منه ألفا
وقال القفال في أخذت لو ادعى المأخوذ منه أنه غصبه صدق بيمينه في الغصب
والصحيح أنه كقوله دفع إلي
الثامنة قال هذه الدار لك عارية فهو إقرار بالاعارة وله الرجوع
وقال صاحب التقريب قوله لك إقرار بالملك فذكر العارية بعده ينافيه فيكون على قولي تبعيض الإقرار
والمذهب الأول
ولو قال هذه الدار لك هبة عارية باضافة الهبة إلى العارية أو هبة سكنى فهو كما لو قال لك عارية بلا فرق
التاسعة الإقرار بالهبة لا يتضمن الإقرار بقبضها على المذهب وبه قطع الجمهور
وفي الشامل فيه خلاف إذا كانت العين في يد الموهوب له وقال أقبضتني
ولو قال وهبته وخرجت إليه منه فقد سبق أن الأصح أنه ليس بإقرار بالقبض وكذا لو قال وهبت له وملكها قاله البغوي
ولو أقر بالقبض ثم ذكر لإقراره تأويلا أو لم يذكر فهو كما ذكرنا في الرهن إذا قال رهنت وأقبضت ثم عاد فأنكر

العاشرة لو أقر ببيع أو هبة وقبض ثم قال كان ذلك فاسدا أو أقررت لظني الصحة لم يصدق لكن له تحليف المقر له فإن نكل حلف المقر وحكم ببطلان البيع والهبة
ولو أقر باتلاف مال ( على إنسان ) وأشهد عليه ثم قال كنت عازما على الاتلاف فقدمت الاشهاد على الاتلاف لم يلتفت إليه بخلاف ما لو أشهد عليه بدين ثم قال كنت عازما على أن استقرض منه فقدمت الشهادة على الاستقراض قبل للتحليف لأن هذا معتاد بخلاف ذاك
الحادية عشرة أقر عجمي بالعربية وقال لم أفهم معناه لكن لقنت صدق بيمينه إن كان ممن يجوز أن لا يعرفه
وكذا الحكم في جميع العقود والحلول
ولو ادعى أنه أقر وهو صبي أو مجنون أو مكره فقد سبق بيانه مع ما يتعلق به في آخر الباب الأول
الثانية عشرة قال غصبت هذه الدار من زيد بل من عمرو أو قال غصبتها من زيد وغصبها زيد من عمرو أو قال هذه الدار لزيد بل لعمرو سلمت الدار إلى زيد
وفي غرمه لعمرو قولان
أظهرهما عند الأكثرين يغرم
وفي الصورة الثالثة طريقة جازمة بأن لا غرم لأنه لم يقر بجناية في ملك الغير بخلاف الاوليين
ثم قيل القولان فيما إذا انتزعها الحاكم من يده وسلمها إلى زيد
فأما إذا سلمها بنفسه فيغرم قطعا
وقيل القولان في الحالين
قلت الأصح طردهما في الحالين قاله أصحابنا
ويجري الخلاف سواء وإلى بين الإقرار لهما أم فصل بفصل قصير أو طويل
والله أعلم

فرع باع عينا وأقبضها واستوفى الثمن ثم قال كنت بعتها لفلان
غصبتها منه لم يقبل قوله على المشتري
وفي غرمه للمقر إليه طريقان
أحدهما طرد القولين
وأصحهما القطع بالغرم لأنه فوت بتصرفه وتسليمه
ويبنى على هذا الخلاف أن مدعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري إن قلنا لو أقر غرم القيمة فله دعواها وإلا فلا
ولو كان في يد إنسان عين فانتزعها مدع بيمينه بعد نكول صاحب اليد ثم جاء آخر يدعيها هل له طلب القيمة من الأول إن قلنا النكول ورد اليمين كالبينة فلا كما لو انتزع بالبينة
وإن قلنا كالإقرار ففي سماع دعوى الثاني عليه بالقيمة الخلاف
فرع قال غصبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو سلمت إلى زيد
اعترف له باليد
والظاهر أنه محق فيها ثم تكون الخصومة في الدار بين زيد وعمرو ولا تقبل شهادة المقر لعمرو لأنه غاصب
وفي غرامة المقر لعمرو طريقان
أحدهما طرد القولين
وأصحهما القطع بأن لا غرم لأنه لا منافاة هنا بين الإقرارين لجواز أن يكون الملك لعمرو ويكون في يد زيد باجارة أو رهن أو وصية بالمنافع فيكون الآخذ غاصبا منه
وفي المسألة الأولى الإقراران متنافيان
ولو أخر ذكر الغصب فقال هذه الدار ملكها عمرو وغصبتها من زيد فوجهان
أصحهما كالصورة الاولى لعدم التنافي فتسلم إلى زيد ولا يغرم لعمرو
والثاني لا يقبل إقراره باليد بعد الملك فتسلم إلى عمرو
وفي غرمه لزيد القولان هكذا أطلقوه

وفيه مباحثة لأنا إذا غرمنا المقر في الصورة السابقة للثاني فانما نغرمه القيمة لأنه أقر له بالملك وهنا جعلناه مقرا باليد دون الملك فلا وجه لتغريمه بل القياس أن يسأل عن يده أكانت باجارة أو رهن أو غيرهما فإن كانت باجارة غرم قيمة المنفعة وإن كانت رهنا غرم قيمة المرهون ليتوثق به زيد وكأنه أتلف المرهون
ثم إن استوفى الدين من موضع آخر ردت القيمة عليه

فرع قال غصبت هذه العين من أحدكما طولب بالتعيين فإذا عين أحدهما
سلمت إليه
وهل للثاني تحليفه يبنى على أنه لو أقر للثاني هل يغرم ( له ) إن قلنا لا فلا وإلا فنعم لأنه ربما يقر له إذا عرضت اليمين فيغرمه فعلى هذا إذا نكل ردت اليمين على الثاني فإذا حلف فليس له إلا القيمة
وقيل إن قلنا النكول ورد اليمين كالإقرار فالجواب كذلك
وإن قلنا كالبينة نزعت الدار من الأول وسلمت إلى الثاني ولا غرم عليه للأول
وعلى هذا فله التحليف وإن قلنا لا يغرم القيمة لو أقر للثاني طمعا في أن ينكل فيحلف المدعي ويأخذ العين
أما إذا قال المقر لا أدري من أيكما غصبت وأصر عليه فإن صدقاه فالعين موقوفة بينهما حتى تبين المالك أو يصطلحا
وكذا إن كذباه وحلف لهما على نفي العلم هذا هو المذهب
قلت ولو أقر أن الدار التي في تركة مورثه لزيد بل لعمرو سلمت إلى زيد وفي غرمه لعمرو طريقان في الشامل والبيان وغيرهما
أحدهما

القولان
والثاني القطع بأن لا غرم
والفرق أنه هنا معذور لعدم كمال اطلاعه
والله أعلم

فصل في الإستثناء وهو جائز في الإقرار والطلاق وغيرهما بشرط أن يكون متصلا وأن لا يكون مستغرقا

فإن سكت بعد الإقرار أو تكلم بكلام أجنبي عما هو فيه ثم استثنى لم ينفعه
قلت هكذا قال أصحابنا إن تخلل الكلام الأجنبي يبطل الاستثناء
وقال صاحبا العدة والبيان إذا قال علي ألف أستغفر الله الأمانة صح الاستثناء عندنا خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه
ودليلنا أنه فصل يسير فصار كقوله علي ألف يا فلان الامانة وهذا الذي نقلاه فيه نظر
والله أعلم
ولو استغرق فقال علي عشرة إلا عشرة لم يصح وعليه عشرة ويجوز استثناء الأكثر فإذا قال علي عشرة إلا تسعة أو سوى تسعة لزمه درهم
فرع الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات

فلو قال علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية لزمه تسعة
ولو قال علي عشرة إلا ثمانية إلا سبعة

إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهم لزمه خمسة
وطريق هذا وما أشبهه أن يجمع الاثبات ويجمع النفي ويسقط النفي من الاثبات فما بقي فهو الواجب
فالأعداد المثبتة هنا ثلاثون والمنفية خمسة وعشرون
ثم معرفة المثبت أن العدد المذكور أولا إن كان شفعا فالاشفاع مثبتة والاوتار منفية
وإن كان وترا فبالعكس وشرطه أن تكون الأعداد المذكورة على التوالي المعتاد إذ يتلو كل شفع وترا وبالعكس

فرع قال ليس لفلان علي شىء إلا خمسة لزمه خمسة

ولو قال ليس علي عشرة إلا خمسة لم يلزمه شىء على الصحيح الذي قاله الأكثرون لأن العشرة إلا خمسة خمسة فكأنه قال ليس علي خمسة
وفي وجه يلزمه خمسة حكاه في النهاية بناء على أن الاستثناء من النفي إثبات
فرع إذا أتى باستثناء بعد استثناء والثاني مستغرق صح الأول وبطل

مثاله علي عشرة إلا خمسة إلا عشرة أو ( عشرة ) إلا خمسة إلا خمسة لزمه خمسة
وإن كان الأول مستغرقا دون الثاني كقوله عشرة إلا عشرة إلا أربعة فأوجه
أحدها يلزمه عشرة ويبطل الاستثناء الأول لاستغراقه ويبطل الثاني لأنه من باطل والثاني يلزمه أربعة ويصح الاستثناءان لأن الكلام إنما يتم بآخره
قال في الشامل وهذا أقيس
والثالث يلزمه ستة لأن الاستثناء الأول باطل والثاني يرجع إلى الكلام
ولو قال عشرة إلا عشرة إلا خمسة لزمه على

الوجه الأول عشرة وعلى الآخرين خمسة
هذا إذا لم يكن في الاستثناءين عطف فإن كان بأن قال عشرة إلا خمسة وإلا ثلاثة أو عشرة إلا خمسة وثلاثة فهما جميعا مستثنيان من العشرة فلا يلزمه إلا درهمان قطعا فإن كان العددان لو جمعا استغرقا بأن قال عشرة إلا سبعة وثلاثة فهل يلزمه عشرة لكون الواو تجمعهما فيقتضي الاستغراق أم يختص الثاني بالبطلان فيلزمه ثلاثة لأن الأول صح استثناؤه وجهان
أصحهما الثاني
وفي وجه ثالث يفرق بين قوله عشرة إلا سبعة وثلاثة وبين قوله عشرة إلا سبعة وإلا ثلاثة ويقطع في الصورة الثانية بالبطلان
ومهما ( كان ) في المستثنى أو المستثنى منه عددان معطوف أحدهما على الآخر ففي الجمع بينهما وجهان كما في الصورة السابقة
أصحهما وهو المنصوص في الطلاق وبه قطع الأكثرون لا يجمع
مثاله علي درهمان ودرهم إلا درهما إن لم نجمع لزمه ثلاثة وإلا درهمان
ولو قال ثلاثة إلا درهمين ودرهما فإن لم نجمع لزمه درهم وصح استثناء الدرهمين
وإن جمعنا فثلاثة ويصير مستغرقا
ولو قال ثلاثة إلا درهما ودرهمين فإن لم نجمع لزمه درهمان وصح استثناء الدرهمين
وإن جمعنا فثلاثة
ولو قال درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ودرهما ودرهما لزمه ثلاثة على الوجهين
وحكم هذه الصورة في الطلاق حكمها في الإقرار

فرع قال علي عشرة إلا خمسة أو ستة قال المتولي يلزمه أربعة
الدرهم الزائد مشكوك فيه فصار كقوله علي خمسة أو ستة فإنه يلزمه خمسة
ويمكن أن يقال يلزمه خمسة لأنه أثبت عشرة واستثنى خمسة وشككنا في استثناء الدرهم السادس

قلت الصواب قول المتولي لأن المختار أن الاستثناء بيان ما لم يرد بأول الكلام لأنه إبطال ما أثبت
والله أعلم

فرع قال علي درهم غير دانق فمقتضى النحو وبه قال أصحابنا أنه
نصب غير فعليه خمسة دوانق لأنه استثناء وإلا فعليه درهم تام إذ المعنى درهم لا دانق
وقال الأكثرون السابق إلى فهم أهل العرف منه الاستثناء فيحمل عليه وإن أخطأ في الاعراب
فرع الاستثناء من غير الجنس صحيح كقوله ألف درهم إلا ثوبا أو
ثم عليه أن يبين ثوبا لا يستغرق قيمته الألف
فإن استغرق فالتفسير لغو
وفي الاستثناء وجهان
أصحهما يبطل ويلزمه الألف لأنه بين ما أراد بالاستثناء فكأنه يلفظ به وهو مستغرق
والثاني لا يبطل لأنه صحيح من حيث اللفظ
وإنما الخلل في تفسيره فيقال فسره بتفسير صحيح
فرع يصح استثناء المجمل من المجمل والمجمل من المفصل وبالعكس

فالأول

كقوله ألف إلا شيئا فيبين الاف جنس أولا ثم يفسر الشىء بما لا يستغرق الألف الذي بينه
والثاني كقوله عشرة دراهم إلا شيئا يفسر الشىء بما لا يستغرق العشرة
والثالث كقوله شىء إلا درهما يفسر الشىء بما يزيد على درهم وإن قل
وكذا لو قال ألف إلا درهما ولا يلزمه أن يكون الألف دراهم
ومهما بطل التفسير في هذه الصور ففي بطلان الاستثناء الوجهان
وإن اتفق لفظ المستثنى والمستثنى منه
كقوله شىء إلا شيئا أو قال مال إلا مالا حكى الإمام عن القاضي فيه وجهين
أحدهما يبطل الاستثناء كقوله عشرة إلا عشرة
والثاني لا لوقوعه ( على ) القليل والكثير فلا يمتنع حمل الثاني على أقل متمول ويحمل الأول على الزائد على أقل متمول
قال الإمام وفي هذا التردد غفلة لأنا إن ألغينا الاستثناء اكتفينا بأقل متمول
وإن صححناه ألزمناه أيضا أقل متمول فيتفق الوجهان
ويمكن أن يقال حاصل الجواب لا يختلف لكن فيه فائدة لأنا إن أبطلنا طالبناه بتفسير الأول فقط
وإن صححنا طالبناه بتفسيرهما وله آثار الامتناع من التفسير وكون التفسير الثاني غير صالح للاستثناء من الأول وما أشبه ذلك

فرع الاستثناء من المعين صحيح كقوله هذه الدار لزيد إلا هذا البيت
أو هذا القميص إلا كمه أو هذه الدراهم إلا هذه الدراهم أو هذا القطيع إلا هذه الشاة أو هذا الخاتم إلا هذا الفص ونظائره
وفي وجه شاذ لا يصح لأن الاستثناء المعتاد إنما يكون من المطلق لا من المعين والأول هو الصحيح المنصوص وعليه التفريع
ولو قال هؤلاء العبيد لفلان إلا واحدا صح ورجع

إليه في التعيين
فإن ماتوا إلا واحدا فقال هو الذي أردت بالاستثناء قبل قوله بيمينه على الصحيح لأنه محتمل
وقيل لا يقبل للتهمة وهو شاذ متفق على ضعفه
ولو قال غصبتهم إلا واحدا فماتوا إلا واحدا
فقال هو المستثنى قبل بلا خلاف
وكذا لو قتلوا في الصورة الأولى إلا واحدا لأن حقه ثبت في القيمة
ولو قال هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لي وهذا الخاتم له وفصه لي قبل لأنه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ فكان كالاستثناء

فصل في مسائل تتعلق بالإقرار وإن كان بعضها أجنبيا إحداها في يده
جارية فقال رجل بعتكها بكذا وسلمتها فأد الثمن
فقال بل زوجتنيها بصداق كذا وهو علي فله حالان
أحدهما أن يجري التنازع قبل أن يولدها صاحب اليد فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعى عليه فإن حلفا سقطت دعوى الثمن والنكاح ولا مهر سواء دخل بها صاحب اليد أم لا لأنه وإن أقر بالمهر لمن كان مالكا فهو منكر له وتعود الجارية إلى المالك
ثم أحد الوجهين أنها تعود إليه كعود المبيع إلى البائع لإفلاس المشتري بالثمن
والثاني تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه وهو يستحق عليه الثمن وقد ظفر بغير جنس حقه
فعلى هذا يبيعها ويستوفي حقه من ثمنها
فإن فضل شىء فهو لصاحب اليد ولا يحل له وطؤها
وعلى الأول يحل وطؤها والتصرف ولا بد من التلفظ بالفسخ
وإن حلف أحدهما فقط نظر إن حلف مدعي الثمن على نفي التزويج ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء حلف المدعي اليمين المردودة على الشراء ووجب الثمن
وإن حلف صاحب اليد على نفي

الشراء ونكل الآخر عن اليمين على نفي التزويج حلف صاحب اليد اليمين المردودة على النكاح وحكم له بالنكاح وبأن رقبتها للآخر
ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو غيره حلت للسيد في الظاهر
وكذا في الباطن إن كان كاذبا
وعن القاضي حسين أنه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفي والاثبات
والصحيح الأول
الحال الثاني أن يولدها صاحب اليد فالولد حر والجارية أم ولد له باعتراف المالك القديم وهو يدعي الثمن فيحلف صاحب اليد على نفيه
فإن حلف على نفي الشراء سقط عنه الثمن المدعى
وهل يرجع المالك عليه بشىء وجهان
أحدهما يرجع بأقل الأمرين من الثمن والمهر لأنه يدعي الثمن وصاحب اليد مقر له بالمهر فالاقل منهما متفق عليه والثاني لا يرجع بشىء لأن صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه والمهر الذي يقر به لا يدعيه الآخر فلا يمكن من المطالبة
وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفي الزوجية بعدما حلف على نفي الشراء وجهان
أحدهما لا لأنه لو ادعى ملكها وتزويجها بعد اعترافه بأنها أم ولد للآخر لم يقبل فكيف يحلف على ما لو أقر به لم يقبل والثاني نعم طمعا في أن ينكل فيحلف ويثبت له النكاح
ولو نكل صاحب اليد ( عن اليمين ) على نفي الشراء حلف المالك القديم اليمين المردودة
وعلى كل حال فالجارية مقررة في يد صاحب اليد فإنها أم ولده أو زوجته وله وطؤها في الباطن
وفي الحل ظاهرا وجهان
أصحهما تحل
ووجه المنع أنه لا يدري أيطأ زوجته أم مملوكته وإذا اختلفت الجهة وجب الاحتياط للبضع ونفقتها على صاحب اليد إن جوزنا له الوطء وإلا فقولان
أحدهما على المالك القديم لأنها كانت عليه
وأظهرهما أنها في كسب الجارية
فإن لم يكن كسب ففي بيت المال
ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ماتت قنة وللمالك القديم أخذ القيمة

مما تركته من أكسابها وما فضل فموقوف لا يدعيه أحد
وإن ماتت بعد موت المستولد ماتت حرة ومالها لوارثها بالنسب
فإن لم يكن فهو موقوف لأن الولاء لا يدعيه واحد منهما وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها لأن الثمن بزعمه على المستولد وهي قد عتقت بموته فلا يؤدي دينه مما جمعته بعد الحرية
هذا كله فيما إذا أصر على كلاميهما
أما إذا رجع المالك القديم وصدق صاحب اليد فلا يقبل في رد حرية الولد وثبوت الاستيلاد وتكون أكسابها له ما دام المستولد حيا
فإذا مات عتقت وكانت أكسابها لها
ولو رجع المستولد وصدق المالك القديم لزمه الثمن وكان ولاؤها له
المسألة الثانية إقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول
فلو أقر بعضهم بدين وأنكر بعضهم فقولان
القديم أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به وإلا فيصرف جميع حصته إليه لأنه إنما يستحق بعد قضاء الدين
والجديد أنه لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة
فعلى الجديد لو مات المنكر وورثه المقر فهل يلزمه الآن جميع الدين المقر به وجهان
أصحهما نعم لحصول جميع التركة في يده
ويتفرع على القولين فرعان
أحدهما لو شهد بعض الورثة بدين على المورث
إن قلنا لا يلزمه بالإقرار إلا حصته قبلت شهادته وإلا فلا لأنه متهم
وسواء كانت الشهادة بعد الإقرار أو قبله
الثاني كيس في يد رجلين فيه ألف
قال أحدهما لثالث لك نصف ما في هذا الكيس فهل يحمل إقراره على النصف المضاف إليه أم على نصف ما في يده وهو الربع وجهان بناء على القولين
قلت أفقههما الأول
والله أعلم

المسألة الثالثة مات عن ابنين فأقر أحدهما بأن أباه أوصى لزيد بعشرة فهو كما ( لو ) أقر عليه بدين فعلى القديم تتعلق كل العشرة بثلث نصيبه
وعلى الجديد يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه
ولو أقر أحدهما أنه أوصى بربع ماله وأنكر الآخر فعلى المقر أن يدفع إلى الموصى له ربع ما في يده
ولو أقر أنه أوصى بعين من أعيان أمواله نظر إن لم يقسما التركة فنصيب المقر من تلك العين يصرف إلى الموصى له والباقي للمنكر
وإن اقتسماهما نظر إن كانت تلك العين في يد المقر لزمه دفعها إلى الموصى له وإن كانت في يد المنكر فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر لأنه فوته عليه بالقسمة
ولو شهد المقر للموصى له قبلت شهادته ويغرم للمشهود عليه نصف قيمة العين كما لو خرج بعض أعيان التركة مستحقا
الرابعة قال لعبده أعتقتك على ألف فطالبه بالألف فأنكر العبد وحلف سقطت دعوى المال وحكم بعتق العبد لإقراره وكذا لو قال بعتك نفسك إذا صححنا هذا التصرف وهو الصحيح
ولو قال لولد عبده بعتك والدك بكذا فأنكر فكذلك لإعترافه بمصيره حرا بالملك
الخامسة قال لفلان عندي خاتم ثم جاء بخاتم فقال هو هذا الذي أقررت به فنص في موضع أنه يقبل منه ذلك وعليه تسليمه إلى المقر له
وقال في موضع آخر لا يلزم التسليم
قال الأصحاب الأول محمول على ما إذا صدقه المقر له
والثاني على ما إذا قال الذي أقررت به غيره وليس هذا لي فلا يسلم ما جاء به إليه
والقول قول المقر في نفي غيره
السادسة قال لي عليك ألف ضمنته فقال ما ضمنت شيئا ولكن لك علي ألف من قيمة متلف لزم الألف الأصح
قلت ومما يتعلق بالباب ما ذكره القاضي أبو الطيب في آخر كتاب الغصب

ولو أقر بدار مبهمة ولم يعينها حتى مات قام وارثه مقامه في التعيين
فإن عينها فذاك وإن لم يعين طولب بالتعيين فإن امتنع كان للمقر له أن يعين
فإن عين وصدقه الوارث فذاك وإلا فله أن يحلف أنها ليست المقر بها فإن حلف طولب بالتعيين فإن امتنع حبس حتى يعين
قال القاضي أيضا في اخر الغصب لو باع دارا ثم ادعى أنها كانت لغيره باعها بغير إذنه وهي ملكه إلى الآن وكذبه المشتري وأراد أن يقيم بينة بذلك فإن قال بعتك ملكي أو داري أو نحو ذلك مما يقتضي أنها ملكه لم تسمع دعواه وإلا سمعت
قال الشاشي لو قال غصبت داره ثم قال أردت دارة الشمس والقمر لم يقبل على الصحيح
ولو باع شيئا بشرط الخيار ثم ادعاه رجل فأقر البائع في مدة الخيار أنه ملك المدعي صح إقراره وانفسخ البيع لأن له الفسخ بخلاف ما لو أقر بعد لزوم البيع فإنه لا يقبل لعجزه عن الفسخ
ولو أقر بثياب بدنه لزيد قال القاضي حسين في الفتاوى يدخل فيه الطيلسان والدواج وكل ما يلبسه
ولا يدخل فيه الخف والمراد بالدواج اللحاف
ومقتضى كلام القاضي هذا أنه يدخل فيه الفروة فإنها مما يلبسه ولا شك في دخولها
وإنما نبهت عليه لئلا يتشكك فيها
وكذلك الحكم لو أوصى بثياب بدنه
ولو كتب على قرطاس لفلان علي كذا لم يكن إقرارا وكذا الاشهاد عليه لا يكون إلا بالتلفظ قاله القاضي حسين
والله أعلم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28