كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

واجعل التركة أحدا وعشرين
وإن جعلت له ثلاثة فاجعل لكل ابن أربعة واجعل التركة خمسة عشر
ومنها الوصية بجزء شائع وبدرهم
فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله وبدرهم فيخرج سدس التركة ودرهم ويقسم الباقي بين الورثة
وبطريق الجبر تأخذ مالا وتسقط منه سدسه ودرهما يبقى خمسة أسداس مال إلا درهما تعدل ثلاثة أنصباء فتجبر وتقابل فخمسة أسداس المال تعدل ثلاثة أنصباء ودرهما فتكمل أجزاء المال بأن تزيد عليها مثل خمسها وتزيد على العديل خمسة فمال يعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أخماس نصيب ودرهما وخمس درهم فاضرب الأنصباء الثلاثة وأخماس النصيب في عدد يبلغ الحاصل منه مزيدا عليه الدرهم والخمس عددا صحيحا وذلك بأن تضربها في ثلاثة فيحصل عشرة دراهم وأربعة أخماس درهم حذا زدت عليها الدرهم والخمس بلغ اثني عشر درهما منها تصح القسمة لصاحب السدس والدرهم ثلاثة ولكل ابن ثلاثة
ومنها الوصية بجزء شائع مع استثناء درهم
فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله إلا درهما فخذ مالا وأسقط منه سدسه واسترجع من السدس درهما يحصل معك خمسة أسداس مال ودرهم تعدل ثلاثة أنصباء فتكمل أجزاء المال بأن تزيد عليها خمسها وتزيد الخمس على كل ما في المعادلة فمال ودرهم وخمس درهم تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أخماس نصيب فتضرب هذه الأنصباء والأخماس في عدد إذا نقص من الحاصل من الضرب درهم وخمس كان الباقي عددا صحيحا وهو سبعة فإذا ضربت سبعة في ثلاثة وثلاثة أخماس حصل خمسة وعشرون وخمس فإذا نقص منها درهم وخمس بقي أربعة وعشرون منها تصح المسألة للموصى له سدسها يسترجع منه درهم يبقى أحد وعشرون للبنين

ومنها الوصية بالنصيب وبجزء وبدرهم أو دراهم أو مع استثناء درهم أو دراهم
مثاله خمسة بنين وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم ودرهم ولعمرو بثلث ما بقي من ثلثه ودرهم تأخذ ثلث مال وتسقط منه نصيبا ودرهما يبقى ثلث مال إلا نصيبا ودرهما تسقط لعمرو من هذا الباقي ثلثه ودرهما يبقى تسعا مال إلا ثلثي نصيب وإلا درهما وثلثي درهم تزيده على ثلثي المال يكون ثمانية أتساع مال إلا ثلثي نصيب وإلا درهما وثلثي درهم تعدل خمسة أنصباء فتجبر وتقابل فثمانية أتساع مال تعدل خمسة أنصباء وثلثي نصيب ودرهما وثلثي درهم تكمل أجزاء المال بأن تزيد عليها ثمنها وتزيد على كل ما في المعادلة ثمنه فمال يعدل ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب ودرهما وسبعة أثمان درهم فتطلب عددا إذا ضرب في ستة وثلاثة أثمان يكون الحاصل منه مزيدا عليه درهم وسبعة أثمان عددا صحيحا وهو ثلاثة إذا ضربتها بستة وثلاثة أثمان حصل تسعة وعشرون إذا زيد عليه درهم وسبعة أثمان كان أحدا وعشرين فمنه القسمة والنصيب ثلاثة تضرب الأنصباء في الثلاثة تأخذ ثلث المال وهو سبعة فتدفع منها إلى زيد أربعة بالنصيب والدرهم يبقى ثلاثة تدفع ثلثها ودرهما إلى عمرو يبقى درهم تزيده على ثلثي المال يكون خمسة عشر للبنين الخمسة

مسألة ستة بنين وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم ولعمرو بسدس مال إلا
درهما تأخذ مالا وتسقط منه نصيجا لوصية زيد وسدسه إلا درهما لوصية عمرو يبقى خمسة أسداس مال ودرهم إلا نصيبا تعدق ستة أنصباء فتجبر وتقابل وتكمل أجزاء المال بزيادة خمسها وتزيد على ما في المعادلة خمسة فمال ودرهم وخمس درهم تعدل ثمانية أنصباء وخمسي نصيب فتضرب الأنصباء الثمانية والخمسين في عدد إذا نقص مما يحصل من الضرب درهم وخم كان الباقي عددا صحيحا

وهو ثلاثة إذا ضربتها في ثمانية وخمسين حصل خمسة وعشرون وخمس درهم إذا نقص منه درهم وخمس بقي أربعة وعشرون منها القسمة والنصيب ثلاثة فتعطي عمرا السدس إلا درهما وهو ثلاثة وزيدا ثلاثة يبقى ثمانية عشر للبنين الستة

مسألة ابنان وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما ولعمرو بمل ما تبقى من
النصف وبدرهم والتركة عشرون درهما تأجذ نصف التركة عشرة وتسقط منه نصيبا لزيد يبقى عشرة إلا نصيبا تسقط من هذا الباقي نصفه ودرهما لعمرو وهو ستة إلا نصف نصيب يبقى من العشرة أربعة إلا نصف نصيب تزيدها على نصف المال تبلغ أربعة عشر درهما إلا نصف نصيب تعدل نصيبي الابن تجبر وتقابل فأربعة عشر تعدل نصيبين ونصف نصيب تبسطها أنصافا فالمال ثمانية وعشرون والنصيب خمسة تقسم المال على النصيب يخرج من القسمة خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم فهو النصيب تأخذ عشرة وتدفع إلى زيد منها خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم يبقى أربعة دراهم وخمسان تدفعها نصفها ودرهما آخر إلى عمرو يبقى من العشرة درهم وخمس تزيده على العشرة الأخرى يكون أحد عشر وخمسا للابنين لكل ابن خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم
فصل في نوادر الفصول المتقدمة مسألة ثلاثة بنين وبنت أوصى لزيد بمثل
وربع ما أوصى به لزيد فتجعل وصية زيد عددا له ربع يكون أربعة دنانير ووصية عمرو عددا له ثلث وليكن ثلاثة دراهم وتعلم أنك إذا نقصت من وصية زيد ثلث وصية عمرو وهو درهم

بقي أربعة دنانير إلا درهما وذلك نصيب البنت لأن جملة وصية زيد مثل نصيب البنت وثلث وصية عمرو وإذا نقصت من وصية عمرو ربع وصية زيد وهو دينار بقي ثلاثة دراهم إلا دينارا وهو نصيب الابن وإذا بان أن نصيب البنت أربعة دنانير إلا درهما ونصيب الابن ثلاثة دراهم إلا دينارا قابلت بين الجملتين وضعفت نصيب البنت ليعادل نصيب الابن وضعفه ثمانية دنانير إلا درهمين تعدل ثلاثة دراهم إلا دينارا فتجبر كل واحد من الاستثناءين وتقابل فتسعة دنانير تقابل خمسة دراهم فالدينار خمسة أسهم والدرهم تسعة أسهم وكانت وصية زيد أربعة دنانير فهي إذا عشرون ووصية عمرو ثلاثة دراهم فهي إذا سبعة وعشرون ونصيب كل ابن اثنان وعشرون لأنه ثلاثة دراهم وهي سبعة وعشرون إلا دينارا وهو خمسة ونصيب البنت أحد عشر لأنه أربعة دنانير وهو عشرون إلا درهما وهو تسعة فوصية زيد مثل نصيب البنت وهو أحد عشر ومثل ثلث وصية عمرو وهو تسعة ووصية عمرو مثل نصيب ابن وهو اثنان وعشرون مثل ربع وصية زيد وهو خمسة

مسألة ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص من أحدهم
بالوصية فتقول لو لم يكن وصية لكان لكل ابن ثلث المال وقد انتقص منه بالوصية شىء فثلث المال نصيب وشىء والمال كله ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء يعطى الموصى له نصيبا إلا شيئا يبقى نصيبان وأربعة أشياء تعدل ثلاثة أنصباء تسقط نصيبين بنصيبين يبقى نصيب يعدل أربعة أشياء والتركة ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء فهي إذا خمسة عشر سهما والوصية نصيب إلا شيئا وهي ثلاثة أسهم يبقى اثنا عشر سهما للبنين وقد أخذ الموصى له مثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص بالوصية وهو

سهم من خمسة عشر لأنه لولا الوصية لكان لكل واحد منهم خمسة من خمسة عشر

مسألة ثلاثة بنين وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى
ماله بعد الوصايا كلها ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من ماله بعد الوصايا ولثالث بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما يبقى بعد الوصايا فتعلم أن الباقي من المال بعد الوصايا كلها ثلاثة أنصباء فوصية زيد نصيب إلا ربع ثلاثة أنصباء وهو ثلاثة أرباع نصيب تبقى وصيته بربع نصيب ووصية عمرو بنصيب إلا خمس ثلاثة أنصباء وهو ثلاثة أخماس نصيب تبقى وصيته بخمسي نصيب ووصية الثالث بنصيب إلا سدس ثلاثة أنصباء وهو نصف نصيب فجملة الوصايا ربع نصيب وخمسا نصيب ونصف نصيب فهي نصيب وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب فيبقى مال إلا نصيبا وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب وذلك يعدل ثلاثة أنصباء فتجبر وتقابل فمال يعدل أربعة أنصباء وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب فتبسطها بأجزاء عشرين وتقلب الاسم فالمال ثلاثة وثمانون والنصيب عشرون تلقي الوصايا كلها وهي ثلاثة وعشرون يبقى ستون للبنين ولزيد نصيب إلا ربع ما تبقى من المال بعد الوصايا وهو خمسة عشر فله خمسة ولعمرو نصيب إلا خمس ما تبقى بعد الوصايا وهو اثنا عشر فله ثمانية وللثالث نصيب إلا سدس ما تبقى بعد الوصايا وهو عشرة فله عشرة
مسألة خمسة بنين فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من
بعد الوصية وإلا ثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية فتجعل الوصية شيئا والباقي أنصباء الورثة فالمال شىء وثلاثة أنصباء فتسقط الوصية وتأخذ سدس الباقي وهو نصف نصيب فتحفظه ثم تأخذ ثلث المال وهو نصيب وثلث شىء فتسقط

منه الوصية وهي شىء يبقى نصف نصيب إلا ثلثي شىء تأخذ ثلثه وهو ثلث نصيب إلا تسعي شىء وهو المستثنى من النصيب فتضمه إلى نصف النصيب المحفوظ يصير خمسة أسداس نصيب إلا تسعي شىء وهو المستثنى من النصيب فتضمه إلى الوصية وهي شىء ليكمل النصيب فيبلغ خمسة أسداس نصيب وسبعة أتساع شىء وذلك يعدل نصيبا تسقط خمسة أسداس نصيب بمثلها يبقى سدس نصيب في معادلة سبعة أتساع شىء فالنصيب الكامل يعدل أربعة أشياء وثلثي شىء تبسطها أثلاثا وتقلب الإسم فالنصيب أربعة عشر والشىء ثلاثة والمال كله خمسة وأربعون لأنه ثلاثة أنصباء وشىء تلقي الوصية من المال يبقى اثنان وأربعون تأخذ سدسها سبعة وتحفظها ثم تلقي الوصية من ثلث المال أيضا وهو خمسة عشر يبقى اثنا عشر تأخذ ثلثها وهو أربعة وتضمها إلى السبعة المحفوظة تبلغ أحد عشر تلقيها من النصيب يبقى ثلاثة

مسألة ثلاثة بنين وبنت وأوصى لزيد بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما
به لعمرو ولعمرو بمثل نصيب أحد البنين إلا ربع ما أوصى به لزيد فتجعل وصية زيد عددا له ربع وليكن أربعة دنانير ووصية عمرو عددا له ثلث وليكن ثلاثة دراهم
فإذا أخذت ثلث وصية عمرو وضممته إلى وصية زيد صار أربعة دنانير ودرهما وذلك مثل نصيب البنت فنصيب كل ابن ضعفه وهو ثمانية دنانير ودرهمان
وإذا أسقطت من ذلك ربع وصيته زيد وهو دينار بقي سبعة دنانير ودرهمان وهي وصية عمرو وتقابل بها الدراهم التي جعلناها وصية أولا فتسقط درهمين بمثلها يبقى سبعة دنانير في مقابلة درهم واحد فالدينار واحد والدرهم سبعة كانت وصية زيد أربعة دنانير فهي إذا أربعة وكانت وصية عمرو ثلاثة دراهم فهي إذا أحد وعشرون ونصيب البنت أربعة دنانير ودرهم فهو أحد عشر

ونصيب كل ابن اثنان وعشرون فما أخذه زيد مثل نصيب البنت إلا ثلث وصية عمرو وما أخذه عمرو مثل نصيب ابن إلا ربع وصية زيد

مسألة ابن وبنت وأوصى بوصية إذا زدت عليها أربعة دراهم كانت مثل
نصيب البنت
وإذا زدت عليها تسعة كانت مثل نصيب الإبن فاجعلنصيب البنت شيئا وأربعة دراهم ونصيب الإبن شيئا وتسعة دراهم ثم تضعف نصيب البنت يصير شيئين وثمانية دراهم وذلك يعدل نصيب الإبن فتسقط شيئا بشىء وثمانية دراهم بثمانية يبقى شىء يعدل درهما وهو الوصية
فإذا زدت درهما على أربعة صارت خمسة وهي نصيب البنت وإذا زدت درهما على تسعة صارت عشرة وهي نصيب الإبن وجملة التركة ستة عشر
مسألة إبنان وبنت وأوصى لكل واحد من زيد وعمرو بوصية إذا زدت
وصية زيد أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت وإذا زدت على وصية عمرو تسعة دراهم كانت مثل نصيب ابن والوصيتان معا عشرون كم كانت التركة وكم كانت الأنصباء وكل وصية فاجعل نصيب البنت شيئا يكون نصيب الإبن شيئين وتكون وصية زيد شيئا إلا أربعة دراهم ووصية عمرو شيئين إلا تسعة فالوصيتان ثلاثة أشياء إلا ثلاثة عشر درهما وذلك يعدل عشرين درهما فتجبر وتقابل فثلاثة أشياء تعدل ثلاثة وثلاثين فيكون الشىء أحد عشر فهو نصيب البنت ونصيب كل ابن اثنان وعشرون
فإذا نقصت من أحد عشر أربعة بقي سبعة فهي وصية زيد وإذا نقصت من اثنين وعشرين تسعة بقي ثلاثة عشر فهي وصية عمرو فالوصيتان معا عشرون والتركة خمسة وسبعون
مسألة ثلاثة بنين وأوصى لزيد وعمرو وبكر بوصايا هي مثل نصيب ابن
ووصية زيد وعمرو معا أكثر من وصية بكر بثلاثة دراهم ووصية عمرو وبكر

معا أكثر من وصية زيد بسبعة دراهم ووصية زيد وبكر معا أكثر من وصية عمرو بإثني عشر درهما كم التركة وكم كل وصية فاجعل نصيب كل ابن شيئا تكون الوصايا كلها شيئا تسقط منه فضل وصية زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة دراهم يبقى شىء إلا ثلاثة دراهم تأخذ نصفه وهو نصف شىء إلا درهما ونصفا فهو وصية بكر ثم تسقط منه فضل وصية عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة يبقى شىء إلا سبعة دراهم تأخذ نصفه وهو نصف شىء إلا ثلاثة دراهم ونصف درهم فهو وصية زيد ثم تسقط منه فضل وصية زيد وبكر على وصية عمرو وهو اثني عشر يبقى شىء إلا اثني عشر تأخذ نصفه وهو نصف شىء إلا ستة فهي وصية عمرو وجميعها عند الضم شىء ونصف شىء إلا أحد عشر درهما وذلك يعدل شيئا فتجبر وتقابل فشىء ونصف شىء يعدل شيئا وأحد عشر تسقط الشىء بالشىء فالنصف يعدل أحد عشر والشىء الكامل يعدل اثنين وعشرين فعرفت أن نصيب كل ابن اثنان وعشرون وكذلك جميع الوصايا
فإذا أردت معرفة كل وصية فأسقط من مبلغ الجميع فضل وصيتي زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة تبقى تسعة عشر تأخذ نصفها وهو تسعة ونصف فهي وصية بكر ثم أسقط منه فضل وصيتي عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة يبقى خمسة عشر تأخذ نصفها وهو سبعة ونصف فهي وصية زيد ثم أسقط منه فضل وصيتي زيد وبكر على وصية عمرو وهو اثنا عشر يبقى عشرة تأخذ نصفها خمسة فهي وصية عمرو وجملتها اثنان وعشرون
ولما كانت الوصايا في هذه الصورة ثلاثا وكانت كل اثنتين منها تفضل الثالثة بعدد كانت كل مفضولة نصف الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل
ولو كانت الوصايا أربعا وكل ثلاث تفضل الرابعة بعدد كانت المفضولة ثلث الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل
ولو كانت خمسا وكل أربع منها تفضل الخامسة بعدد

كانت المفضولة ربع الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل وعلى هذا القياس

مسألة إبنان وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما ولعمرو بثلث ما تبقى من
النصف وبدرهم وترك ثلاثين درهما فتجعل الوصيتين شيئا وتلقيه من التركة يبقى ثلاثون درهما إلا شيئا لكل ابن خمسة عشر إلا نصف شىء فهو النصيب ثم تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر فتسقط منه نصيبا وهو خمسة عشر إلا نصف شىء يبقى نصف شىء تأخذ لعمرو ثلاثة وهو سدس شىء وتضم إليه درهما فالوصيتان معا ستة عشر إلا ثلث شىء وذلك يعدل شيئا فتجبر وتقابل فستة عشر درهما تعدل شيئا وثلث شىء فالشىء يعدل اثني عشر درهما وهي تعدل جملة الوصيتين يبقى ثمانية عشر للإبنين تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر درهما تسقط منه نصيبا وهو تسعة تدفعه إلى زيد يبقى ستة تأخذ ثلثها ودرهما لعمرو يبقى ثلاثة تزيدها على النصف الآخر تصير ثمانية عشر لكل ابن تسعة
الطرف الرابع في المسائل الدورية من سائر التصرفات الشرعية
ولنوردها على ترتيب أبوابها في الفقه
فمنها البيع وقد ذكرنا في تفريق الصفقة مسائل منه منها باع مريض قفيزا جيدا قيمته عشرون بقفيز قيمته عشرة وذكرنا أن هذا البيع باطل في قول فتبطل المحاباة التي في ضمنه
وفي قول يصح البيع في بعض القفيز ببعض القفيز واستخرجنا بالجبران ذلك البعض هو الثلثان
ولو باع كرا قيمته خمسون بكر قيمته ثلاثون وله سواه عشرة دراهم صح البيع في جميع الكر لأنه رجع إليه ثلاثون وعنده عشرة فيبقى لورثته أربعون ولم يحاب إلا بعشرين
ولو كانت قيمة كر المريض خمسين والذي يقابله خمسة عشر

وله عشرة فتقول صح البيع في شىء من الكر الجيد وقابله من الثمن ثلاثة أعشار ذلك الشىء فبقيت المحاباة وسبعة أعشار شىء ومع الورثة عشرة دراهم وهي عشرا كر فيجتمع معهم كر وعشرا كر إلا سبعة أعشار شىء وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شىء وأربعة أعشار شىء لأن المحاباة سبعة أعشار شىء فتجبر وتقابل فكر وعشرا كر تعدل شيئين وعشر شىء تبسطها أعشارا فيكون الكر أحدا وعشرين والشىء اثني عشر فيصح البيع في اثني عشر جزءا من أحد وعشرين جزءا من الكر وذلك أربعة أسباعه بأربعة أسباع الكر الرديء وهي بالقيمة ثلاثة أعشار المبيع من الجيد فتجعل الكر عددا له سبع وعشر وأقله سبعون فيصح البيع في أربعة أسباعه وهي أربعون بثلاثة أعشار الأربعين وهي اثنا عشر فبقيت المحاباة بثمانية وعشرين ومع الورثة مما بطل البيع فيه ثلاثون وعشرا كر وهما أربعة عشر بأجزاء السبعين فيجتمع معهم ستة وخمسون ضعف المحاباة وبطريق النسبة والتقدير نقول ثلثا الكر والعشرة المتروكة عشرون والمحاباة بخمسة وثلاثين والعشرون أربعة أسباع الخمسة والثلاثين فيصح البيع في أربعة أسباع الكر

مسألة باع كرا قيمته مائة بكر قيمته خمسون وعليه عشرة دراهم دينا
فيحط العشرة من ماله ويقدر كأنه لا يملك إلا تسعين وثلثها ثلاثون والمحاباة بخمسين والثلاثون ثلاثة أخماس الخمسين فيصح البيع في ثلاثة أخماس الجيد بثلاثة أخماس الرديء فيخرج من ملكه ستون ويعود إليه ثلاثون ويبقى مما بطل فيه ثلاثون وذلك ضعف المحاباة

فرع إذا كان على المريض دين وله مال سوى ما باع
فإن تساويا فكأنه لا دين ولا تركة وإن زاد أحدهما اعتبرنا الزائد على ما ذكرناه
فرع هذا المذكور هو في بيع الجنس بجنسه الربوي

فلو باع كر حنطة قيمته عشرون بكر شعير قيمته عشرة فإن قلنا يصح البيع في بعض بقسطه من الثمن فهو كبيع الحنطة الجيدة بالرديئة فيصح البيع في ثلثي الحنطة بثلثي الشعير
وإن قلنا يصح فيما يحتمله الثلث وفيما يوازي الثمن بجميع الثمن صح البيع في خمسة أسداس الحنطة بجميع الشعير لأنه يصح في قدر الثلث وفيما يوازي الشعير بالقيمة وهو النصف ولا بأس بالمفاضلة في الكيل
فصل في بيع المريض بالمحاباة مع حدوث زيادة أو نقص أما الزيادة
فالإعتبار في القدر الذي يصح فيه البيع بيوم البيع وزيادة المشتري غير محسوبة عليه
والاعتبار في القدر الذي يبطل فيه البيع ويبقى للورثة بيوم الموت ولا فرق بين أن تكون الزيادة بمجرد ارتفاع السوق أو بصفة تزيد في القيمة
فإذا باع عبدا قيمته عشرون بعشرة ثم بلغت قيمته أربعين وصححنا البيع في بعضه على ما بيناه في تفريق الصفقة فإن صححناه في بعضه بكل

الثمن فللمشتري بالعشرة نصف العبد وهي قيمته يوم الشراء يبقى نصف العبد وقيمته يوم الموت عشرون يضمه إلى الثمن يبلغ ثلاثين فله من ذلك شىء بالمحاباة وشىء يتبع المحاباة بسبب زيادة القيمة غير محسوب عليه يبقى ثلاثون درهما إلا شيئين تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان فتجبر وتقابل فثلاثون درهما تعدل أربعة أشياء فالشىء ربع الثلاثين وهو سبعة دراهم ونصف وهذا ما يجوز التبرع فيه وهو ثلاثة أثمان العبد يوم البيع فيضم إلى النصف الذي ملكه المشتري بالثمن فيحصل له بالثمن والتبرع سبعة أثمان العبد يبقى للورثة ثمنه وهو خمسة يوم الموت والثمن وهو عشرة وهما ضعف المحاباة
وإن صححنا البيع في بعضه بقسطه من الثمن فنقول يصح البيع في شىء من العبد بنصف شىء من الثمن فتكون المحاباة بنصف شىء ويبطل البيع في عبد إلا شىء وقيمته عند الموت أربعون درهما إلا شيئين
وإنما استثنى شيئين لأن الإستثناء يزيد بحسب زيادة المستثنى منه فيضم إليه الثمن وهو نصف شىء يبقى أربعون إلا شيئا ونصف شىء وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شىء فتجبر وتقابل أربعون تعدل شيئين ونصف شىء فالشىء خمسا الأربعين وهما ستة عشر وهي أربعة أخماس العبد يوم البيع فللمشتري أربعة أخماس العبد بأربعة أخماس الثمن وهي ثمانية فتكون المحاباة بثمانية وللورثة أربعة أخماس الثمن وهي ثمانية وخمس العبد وقيمته يوم الموت ثمانية فالمبلغ ستة عشر ضعف المحاباة ولا اعتبار بالزيادة الحادثة بعد موت المريض بل وجودها كعدمها
وأما النقص فإما أن يحدث في يد المشتري وإما في يد البائع المريض
القسم الأول إذا حدث النقص في يد المشتري فإما أن يحدث قبل موت البائع وإما بعده

فالحالة الأولى مثالها أن يبيع عبدا قيمته عشرون بعشرة ثم تعود قيمته إلى عشرة ثم يموت البائع فإن صححنا البيع في بعض العبد بجميع الثمن قلنا ملك المشتري نصف العبد بالعشرة ونضم نصفه الآخر يوم الموت وهو خمسة إلى الثمن يبلغ خمسة عشر للمشتري شىء من ذلك المحاباة وذلك الشىء محسوب عليه بشيئين لأن النقص بالقسط محسوب على المتبرع عليه فيبقى للورثة خمسة عشر إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب عليه من المحاباة وهو أربعة أشياء فتجبر وتقابل فخمسة عشر تعدل خمسة أشياء فالشىء ثلاثة وهي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت
وإذا انضم إليها النصف الذي ملكه بالثمن وهو خمسة يوم الموت كان المبلغ ثمانية وهي أربعة أخماس العبد يوم الموت فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهو ستة عشر بجميع الثمن وهو عشرة يبقى التبرع بستة وللورثة خمس العبد وهو درهمان والثمن وهو عشرة فالجملة اثنا عشر ضعف المحاباة
وإن صححنا البيع في بعضه بالقسط قلنا يصح البيع في شىء من العبد بنصف شىء من الثمن ويبط في عبد ناقص بشىء وقيمته يوم الموت عشرة إلا نصف شىء فتضم الحاصل من الثمن وهو نصف شىء إليه فيكون عشرة دراهم بلا استثناء وهي تعدل ضعف المحاباة وهي شىء فالشىء عشرة دراهم وهي نصف العبد يوم البيع فيصح البيع في نصفه وهو عشرة بنصف الثمن وهو خمسة فالمحاباة بخمسة دراهم وللورثة نصف العبد يوم الموت وهو خمسة ونصف الثمن وهو خمسة وجملتها ضعف المحاباة
وفقه هذه الحالة أن ما صح فيه البيع فحصته من النقص محسوبة على المشتري لأنه مضمون عليه بالقبض
وما بطل فيه البيع فحصته من النقص غير مضمونة على المشتري لأنه أمانة في يده لأنه لم يتعد بإثبات اليد عليه ولا قبضه لمنفعة نفسه
واستدرك إمام الحرمين فقال إن كان النقص بانخفاض السوق فهذا صحيح لأن نقص السوق لا يضمن باليد مع بقاء العين
فإن كان

النقص في نفس العبد فيحتمل أن يقال إنه مضمون على المشتري لأنه مقبوض على حكم البيع
حتى لو برأ المريض كان البيع لازما في الجميع
فعلى هذا يصير المشتري غارما لقدر من النقصان مع الثمن ويختلف القدر الخارج بالحساب
الحالة الثانية أن يحدث النقص بعد موت البائع فظاهر ما ذكره الأستاذ أبو منصور أنه كما لم حدث قبل الموت حتى يكون القدر المبيع هنا كالقدر المبيع فيما إذا حدث قبل موته
قال الإمام وهذا خطأ إن أراد هذا الظاهر لأن النظر في التركة وحساب الثلث والثلثين إلى حالة الموت ولا معنى لاعتبار النقص بعده كما لا تعتبر الزيادة
القسم الثاني إذا حدث النقص في يد البائع بأن باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة ولم يسلمه حتى عادت قيمته إلى عشرة ذكر الأستاذ أنه يصح البيع في جميعه لأن التبرع إنما يتم بالتسليم وقد بان قبل التسليم أنه لا تبرع
قال وكذا لو عادت قيمته إلى خمسة عشر لأن التبرع يكون بخمسة والثلث واف بها
واعترض الإمام بأن التبرع الواقع في ضمن البيع لا يتوقف نفوذه وانتقال الملك فيه على التسليم فوجب أن ينظر إلى وقت انتقال الملك وأن لا يفرق بين النقص قبل القبض وبعده وهذه الإعتراضات بينة

فرع الحادث في يد المشتري إن كان بانخفاض السوق لم يدفع خيار
بتبعض الصفقة عليه
وإن كان لمعنى في نفس المبيع فقد شبهوه بالعيب الحادث مع الاطلاع على العيب القديم

فصل محاباة المشتري
تعتبر من الثلث كمحاباة البائع
فإذا اشترى مريض عبدا قيمته عشرة بعشرين لا يملك غيرها فثلث ماله ستة وثلثان والمحاباة عشرة والستة والثلثان ثلثا العشرة فيصح الشراء في ثلثي العبد وهو ستة وثلثان بثلثي الثمن وهو ثلاثة عشر وثلث يبقى مع الورثة ثلث الثمن وهو ستة وثلثان وثلثا العبد وهو ستة وثلثان وذلك ضعف المحاباة
هذا إن أجاز البائع البيع وله أن يفسخ ويسترد العبد لتبعض الصفقة عليه
ولو اشترى عبدا قيمته عشرة بعشرين فزادت قيمة العبد في يده أو في يد البائع فصارت خمسة عشر فقد زادت خمسة في تركته
فإن قلنا يصح الشراء في بعض ما حابى فيه بجميع ما يقابله فتضم الخمسة الزائدة إلى الثمن فيصير جميع التركة خمسة وعشرين وثلثها ثمانية وثلث فيقال للبائع ثلث ماله ثمانية وثلث وقد حاباك بعشرة فإما أن تفسخ البيع وتسترد العبد وإما أن ترد ما زاد على الثلث وهو درهم وثلثان
فإن رد فمع الورثة العبد وقيمته يوم الموت خمسة عشر ومعهم درهم وثلثان والجملة ضعف المحاباة
وإن قلنا يصح الشراء في بعضه ببعض ما يقابله قلنا يصح الشراء في شىء من العبد بشيئين من الثمن فتكون المحاباة بشىء يبقى عشرون درهما إلا شيئين تضم إليها المشترى من العبد وكان شيئا فصار شيئان ونصف شىء تبلغ عشرين إلا نصف شىء وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شيئان فتجبر وتقابل فالعشرون تعدل شيئين ونصف شىء فالشىء ثمانية وهي خمسا العشرين وأربعة أخماس العبد فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهي ثمانية بأربعة أخماس وهي ستة عشر فتكون محاباة المشتري بثمانية يبقى للورثة خمس الثمن وهي أربعة وأربعة أخماس العبد وهي اثنا عشر يوم الموت فالجملة ستة عشر ضعف المحاباة
ولو اشترى كما ذكرنا

ثم نقص العبد في يد المريض فعادت قيمته إلى خمسة فإن قلنا بالأول من القولين فقد كانت تركته عشرين وصارت بالآخرة خمسة عشر وثلثها خمسة فيقال للبائع إما أن ترد على الورثة خمسة ليكون معهم العبد وهو خمسة والدراهم الخمسة فيكون لهم ضعف الخمسة وإما أن تفسخ البيع وترد الثمن بتمامه وتسترد العبد ناقصا ولا ضمان
وإن قلنا بالتقسيط فقال الأستاذ أبو منصور يضمن المشتري قسط ما بطل فيه البيع من النقصان وينقص ذلك من التركة كدين يلزم قضاؤه
قال الإمام هذا رجوع إلى ما قدمناه أن المأخوذ على أنه مبيع يكون مضمونا عليه ومناقض لما ذكر الأستاذ أن مالا يصح فيه البيع أمانة في يد المشتري ثم حسابه أن يقال صح الشراء في شىء من العبد بشيئين من الثمن وبطل في عبد ناقص بشىء قيمته بالتراجع خمسة دراهم إلا نصف شىء فينقص القدر الذي نقص من التركة يبقى خمسة عشر درهما إلا شيئا ونصف شىء تضم إليه الشىء المشترى من العبد وقد رجع إلى نصف فيكون الحاصل خمسة عشر درهما إلا شيئا تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان فتجبر وتقابل فخمسة عشر تعدل ثلاثة أشياء فالشىء ثلث الخمسة عشر وهو نصف العبد فيصح الشراء في نصف العبد بنصف الثمن فتكون المحاباة بخمسة يبقى للورثة نصف الثمن وهو عشرة ونصف العبد وهو اثنان ونصف تسقط من المبلغ قسط ما بطل العقد فيه من النقصان وهو اثنان ونصف يبقى في أيديهم عشرة ضعف المحاباة

فرع اشترى مريض عبدا يساوي عشرة بعشرين وله ثلاثون درهما وقبض العبد
وأعتقه فالمحاباة بعشرة وهي ثلث ماله قال ابن الحداد إن كان ذلك قبل توفية

الثمن على البائع نفذ العتق وبطلت المحاباة والبائع يأخذ قدر قيمة العبد بلا زيادة لأن المحاباة في الشراء كالهبة فإذا لم تكن مقبوضة حتى جاء ما هو أقوى منها وهو العتق أبطلها
وإن كان بعد توفية الثمن بطل العتق لأن المحاباة المقبوضة استغرقت الثلث
قال الشيخ أبو علي قد أكثر ابن الحداد التبجح بهذه المسألة وهو غالظ فيها عند الأصحاب كلهم وقالوا لا فرق في المحاباة بين أن تكون مقبوضة أو لا تكون لأنها متعلقها بالمعاوضة والمعاوضات تلزم بنفس العقد ولهذا يتمكن الواهب من إبطال الهبة قبل القبض ولا يتمكن من إبطال المحاباة والحكم في الحالتين تصحيح المحاباة المتقدمة وإبطال العتق المتأخر
قال وأما قوله يأخذ البائع قيمة العبد بلا زيادة فهذا لا يجوز أن يلزم ويكلف به لأنه لم يزل ملكه إلا بعشرين لكن يخير بين ما ذكره وبين أن يفسخ البيع ويبطل العتق

فرع باع مريض قفيز حنطة قيمته خمسة عشر لأخيه يقفيز قيمته خمسة
فمات أخوه قبله وخلف بنتا وأخاه البائع ثم مات البائع ولا مال لهما سوى القفيزين صح البيع في شىء من القفيز الجيد ويرجع بالعوض ثلث شىء يبقى معه قفيز إلا ثلثي شىء فالمحاباة بثلثي شىء ويحصل مع المشتري شىء من القفيز الجيد والباقي من قفيزه وهو قيمة القفيز الجيد ثلث قفيز إلا ثلث شىء فهما معا ثلث قفيز وثلثا شىء يرجع نصفه بالإرث إلى البائع وهو سدس قفيز وثلث شىء فتزيده على ما كان للبائع فالمبلغ قفيز وسدس قفيز إلا ثلث شىء وهذا يعدل ضعف المحاباة وهو شىء وثلث شىء فتجبر وتقابل فقفيز وسدس قفيز تعدل شيئا وثلثا شىء فتبسطهما أسداسا وتقلب الإسم فالقفيز

عشرة والشىء سبعة فيصح البيع في سبعة أعشار الجيد وهي عشرة ونصف بسبعة أعشار الرديء وهو ثلاثة ونصف فتكون المحاباة بسبعة يبقى مع البائع من قفيزه أربعة ونصف وقد أخذ بالعوض ثلاثة دراهم ونصفا فالمجموع ثمانية وللمشتري من قفيزه درهم ونصف ومن القفيز الجيد عشرة ونصف تكون اثني عشر درهما يرجع نصفه إلى البائع وهو ستة يبلغ ما عنده أربعة عشر وهو ضعف المحاباة
ولو كان القفيز الرديء نصف قيمة الجيد والجيد يساوي عشرين صح البيع في الجميع لأنه تكون المحاباة بعشرة فيبقى عنده عشرة ويرجع إليه بالإرث عشرة

فرع باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة فاكتسب العبد عشرين في يد
البائع أو في يد المشتري ثم مات المريض فإن ترك عشرة سوى ثمن العبد نفذ البيع في جميع العبد وكان الكسب للمشتري وإن لم يملك شيئا آخر بطل البيع في بعض العبد لأن المحاباة لم تخرج من الثلث
ثم حكى الإمام عن الأستاذ أن جميع الكسب للمشتري لأنه حصل في ملكه ثم عرض الفسخ والرد كاطلاع المشتري على عيب قديم فإنه يرد ويبقى له الكسب قال وهذا زلل عظيم بل الوجه القطع بأن الكسب يتبعض بتبعض العبد كما في العتق وليس هذا فسخا وردا للبيع في بعض العبد بل يتبين صحة البيع وحصول الملك للمشتري في بعض العبد دون بعضه وهذا حق لكن الأستاذ لم يقل هذا عن نفسه حتى يشنع عليه وإنما نقله عن ابن سريج وأكثر الأصحاب ثم حكى عن بعضهم أن الكسب كالزيادة الحادثة في قيمته
وعلى هذا فحكمه التبعيض كالزيادة
ولو اشترى المريض عبدا قيمته عشرة بعشرين ( فاكتسب ) فالكسب كالزيادة في القيمة لكن التركة تزداد به وحكم الزيادة ما سبق

فرع اشترى مريض عبدا بعشرة وترك سواه بعشرين وأوصى لزيد بعشرة
وجد بالعبد عيبا ينقصه خمسة فاختار إمساكه جاز وكأنه حاباه بخمسة والمحاباة مقدمة على الوصية وللموصى له باقي الثلث وهو خمسة
وإن وجد الورثة العبد معيبا وأمسكوه فلزيد العشرة وما نقص بالعيب كأنهم أتلفوه لأنهم لو شاؤوا لفسخوا أو استردوا الثمن
ولو اشترى عبدا بثلاثين فأعتقه وخلف ستين درهما ثم وجد الورثة به عيبا ينقصه خمسة دراهم رجعوا على البائع بالأرش
ولو وهبه وأقبضه لم يرجعوا به لأنه ربما عاد إليهم فيردونه
هذا جواب الأستاذ وفيه وجه مشروح في موضعه
ولو لم يخلف غير العبد وكان قد أعتقه عتق منه خمساه وهو عشرة دراهم ويرجع الورثة بالأرش وهو خمسة على البائع ولهم مع ذلك ثلاثة أخماس العبد وهي خمسة عشرة فيكون عشرين ضعف المجاباة
قال الأستاذ وللبائع أن يأخذ ثلاثة أخماس العبد ويرد ثلاثة أخماس الثمن ويغرم أرش خمسيه وهو درهمان
ولو كان قد وهبه وأقبضه بدل الإعتاق فالخمسة الناقصة تحسب من الثلث لأن المريض هو الذي فوت الرجوع بالأرش بما أنشأ من الهبة وللموهوب له خمسه وهو خمسة وللورثة أربعة أخماسه وهي عشرون
فرع ترك عبدا قيمته ثلاثون وأوصى ببيعه لزيد بعشرة فثلث ماله عشرة
وأوصى بالمحاباة بعشرين فإن لم تجز الورثة بيع منه على قول ثلثا العبد بجميع العشرة لتحصل له المحاباة بقدر الثلث وللورثة ضعفه
وعلى قول التقسيط يباع منه نصف العبد بنصف الثمن
ولو أوصى مع ذلك بثلث ماله لعمرو فالثلث بينهما على ثلاثة لزيد سهمان ولعمرو سهم

فصل ومن التصرفات الدورية السلم

فإذا أسلم المريض عشرة في قدر من الحنطة مؤجلا يساوي عشرة ومات قبل حلول الأجل فللوارث الخيار
فإن أجاز فالسلم بحاله
وإن قالوا لا نرضى بالأجل في محل حقنا وهو الثلثان فلهم ذلك كما ذكرنا في بيع الأعيان بثمن مؤجل وحينئذ فالمسلم إليه بالخيار إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال بتمامه وإن شاء رد ثلثي رأس المال وفسخ العقد في الثلثين وبقي الثلث عليه مؤجلا وإن شاء عجل ثلثي ما عليه ويبقى الثلث عليه مؤجلا وأيهما اختار سقط حق الورثة من الفسخ
ولو أسلم عشرة في قدر يساوي ثلاثين فللورثة الخيار أيضا مع الغبطة بسبب الأجل وللمسلم إليه الخيار كما ذكرنا ويكفيه أن يجعل مما عليه ثلثي العشرة وذلك تسعا ما عليه من الحنطة ويكون الباقي عليه إلى انقضاء الأجل
ولو أسلم الثلاثين في قدر يساوي عشرة فللورثة الإعتراض هنا بسبب الأجل وبسبب التبرع
فإذا لم يجيزوا فالمسلم إليه بالخيار إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال وإن شاء فسخه في الثلاثين ورد ثلثي رأس المال ويكون الباقي عليه إلى أجله فإن شاء عجل ما عليه مع ما زاد من المحاباة على الثلث ولا يكفيه تعجيل ما عليه هنا لأنه لا يحصل للورثة ثلثا المال ولو عجل نصف ما عليه مع نصف رأس المال وفسخ السلم في النصف كفى
ولو أسلم مريض إلى رجلين ثلاثين درهما في قفيز من الحنطة قيمته عشرة إلى أجل ولم يجز الورثة واختار المسلم إليهما إمضاء السلم فيما يجوز فيه السلم فإن قلنا يصح العقد

في بعض ما حابى فيه بقسطه صح لهما السلم في نصف المسلم فيه وقيمته خمسة دراهم بنصف رأس المال وهو خمسة عشر فتكون المحاباة بعشرة وللورثة نصف المسلم فيه وهو خمسة ونصف رأس المال وهو خمسة عشر وذلك ضعف المحاباة
وإن قلنا يصح العقد في بعض ما حابى به بجميع الثمن فإذا أمضيا العقد صح السلم في جميع القفيز بثلثي رأس المال فيؤديان القفيز ويردان عشرة دراهم

فصل ومنها الضمان والإقرار والشفعة

وقد ذكرنا مثال الدور فيها في أبوابها
ومن صوره في الإقرار قال زيد لعمرو علي عشرة إلا نصف ما على بكر وقال بكر لعمرو علي عشرة إلا نصف ما على زيد فعلى كل واحد من زيد وبكر عشرة إلا شيئا تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة إلا نصف شىء وذلك يعدل الشىء الناقص من العشرة فخمسة إلا نصف شىء تعدل شيئا فتجبر وتقابل فخمسة تعدل شيئا ونصفا فالشىء ثلثا الخمسة وهو ثلاثة وثلث فهي الشىء تسقطها من العشرة يبقى ستة وثلثان فهي الواجب على كل واحد منمما
وو قال كل واحد منهما عشرة إلا ربع ما على الآخر قلنا على كل واحد عشرة إلا شيئا تأخذ ربع ما على أحدهما وهو درهمان ونصف إلا ربع شىء وذلك يعدل الشىء الناقص فتجبر وتقابل فيقع درهمان ونصف في معادلة شىء وربع شىء فالشىء درهمان تسقطهما من العشرة يبقى ثمانية فهي الواجب على كل واحد منهما
ولو قال كل واحد عشرة ونصف ما على الآخر قلنا على كل واحد عشرة وشىء تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة ونصف شىء وذلك يعدل الشىء الزائد على العشرة فتسقط نصف شىء بنصف شىء يبقى نصف شىء في معادلة خمسة دراهم

فالشىء عشرة دراهم فعلى كل واحد عشرون
ولو قال كل واحد عشرة وثلث ما على الآخر فيزاد على العشرة نصفها تبلغ خمسة عشر فهي الواجب على كل منهما
ولو قال وربع ما على الآخر فيزاد على العشرة ثلثها فعلى كل واحد ثلاثة عشر وثلث وعلى هذا التنزيل

فصل ومنها الهبة فإذا وهب مريض عبدا ثم رجع العبد أو بعضه
بهبة أو غيرها دارت المسألة لأن التركة تزيد بقدر الراجع
وإذا زادت زاد الثلث
وإذا زاد الثلث زاد الراجع فزادت التركة فإذ وهب مريض لزيد عبدا وأقبضه ثم وهبه زيد للأول وهو مريض أيضا وماتا ولا مال لهما سوى العبد فبالجبر نقول صحت هبة الأول في شىء من العبد فبقي عبد إلا شيئا وصحت هبة زيد في ثلث ذلك الشىء فيرجع إلى الأول ثلث شىء فيكون معه عبد إلا ثلثي شىء وذلك يعدل ضعف ما صحت هبته فيه وهو شيئان فبعد الجبر عبد يعدل شيئين وثلثي شىء تبسطها أثلاثا وتقلب الإسم فالعبد ثمانية والشىء ثلاثة فتصح هبة الأول في ثلاثة أثمان العبد وتبطل في الباقي وتصح هبة زيد في ثمن من الأثمان الثلاثة فيبقى مع ورثة زيد ثمنان وهما ضعف هبته ومع ورثة الأول ستة أثمان العبد وذلك ضعف هبته
وبطريق السهام تطلب عددا له ثلث ولثلثه ثلث بسبب الهبتين وأقله تسعة فتصح هبة الأول في ثلاثة ويرجع من الثلاثة سهم وهو سهم الدور تسقطه من التسعة يبقى ثمانية تصح الهبة في ثلاثة منها كما سبق
ولو وهب زيد لمريض ثالث وأقبه ثم وهب الثالث الأول صحت هبة الأول في شىء من العبد وهبة زيد

في ثلث ذلك الشىء وهبة الثالث في ثلث ثلثه وهو تسع فيرجع إليه تسع ذلك الشىء يبقى معه عبد إلا ثمانية أتساع شىء تعدل شيئين فبعد الجبر عبد يعدل شيئين وثمانية أتساع شىء فتبسطها أتساعا وتقلب الإسم فالعبد ستة وعشرون والشىء تسعة فتصح هبة الأول في تسعة أجزاء من ستة وعشرين جزءا من العبد وهبة زيد في ثلاثة منها يبقى مع ورثته ستة هي ضعف هبته وهبة الثالث في واحد يبقى مع ورثته سهمان وينضم جزء إلى ما بقي مع ورثة الأول تكون ثمانية عشر هي ضعف ما صحت فيه هبته
وبالسهام تطلب عددا له ثلث ولثلثه ثلث ولثلث ثلثه ثلث وأقله سبعة وعشرون يسقط منه سهم الدور يبقى ستة وعشرون على ما ذكرنا

مسألة كان للواهب تركة سوى العبد بأن وهب لزيد عبدا قيمته مائة
وأقبضه ثم وهبه زيد وهو مريض أيضا للأول ثم ماتا وللأول خمسون سوى العبد فبطريق الدينار والدرهم تقول العبد دينار ودرهم تصح هبة الأول في درهم ويرجع إليه بهبة زيد ثلث درهم يبقى معه من العبد دينار ومما سواه نصف دينار ونصف درهم فإنه مثل نصف العبد ومما رجع إليه ثلث درهم فالمبلغ دينار ونصف دينار وخمسة أسداس درهم وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو درهمان تسقط خمسة أسداس بخمسة أسداس درهم يبقى دينار ونصف دينار في معادلة درهم وسدس درهم تبسطها أسداسا وتقلب الإسم فالدرهم تسعة والدينار سبعة وكان العدد درهما ودينارا فهو إذا ستة عشر تصح الهبة في تسعة منها ويرجع إليه بهبة زيد ثلاثة ومعه تركة مثل نصف العبد فالمبلغ ثمانية عشر ضعف التسعة
ولو كان على الواهب الأول دين ولا تركة سوى العبد فإن كان الدين مثل العبد أو أكثر فالهبة باطلة
وإن كان أقل بأن وهب عبدا قيمته مائة وعليه عشرون دينا صحت هبة الأول في شىء ويرجع إلية ثلث شىء فيبقى عبد إلا ثلثي شىء يعدل شيئين فبعد الجبر أربعة أخماس عبد تعدل شيئين وثلثي شىء فتبسطهما بأجزاء

الثلث والخمس بأن تضربهما في خمسة عشر وتقلب الإسم فالعبد أربعون والشىء اثنا عشر تصح هبة الأول في اثني عشر من أربعين من العبد ويعود إليه أربعة يبقى اثنان وثلاثون يقضى منها الدين وهو ثمانية أجزاء مثل خمس العبد يبقى أربعة وعشرون ضعف الهبة
ولو كان للمريض الثاني تركة سوى العبد بأن كان العبد مائة وللثاني خمسون سواه ووهب جميع ماله فتصح هبة الأول في شىء من العبد ويكون مع الثاني نصف عبد وشىء يرجع ثلثه إلى الأول وهو سدس عبد وثلث شىء فيجتمع عنده عبد وسدس عبد إلا ثلثي شىء يعدل شيئين فبعد الجبر عبد وسدس عبد يعدل شيئين وثلثي شىء فتبسطهما أسداسا وتقلب الإسم فالعبد ستة عشر والشىء سبعة ومع الثاني نصف عبد وهو ثمانية مع الشىء وهو سبعة فالمبلغ خمسة عشر ويرجع إلى الأول من هبته خمسة فيصير معه أربعة عشر ضعف الهبة

مسألة وهب مريض عبدا قيمته مائة فمات في يد المتهب ثم مات
ولا مال له فعن ابن سريج وجهان
أحدهما تصح الهبة في جميع العبد لأنه لم يبق شىء يورث فتكون هبته كهبة الصحيح
وأصحهما أنها باطلة لأنها في معنى الوصية
فإن أبطلناها ففي وجوب الضمان على المتهب وجهان
أحدهما نعم لأنه قبضه لنفسه فأشبه المستعير
وأصحهما لا بخلاف المستعير فإنه قبض ليرد
فإن أوجبنا الضمان قال الأستاذ يضمن ثلثي قيمته لورثة الواهب وقياس بطلان الهبة أن يضمن جميع القيمة
ولو اكتسب العبد في يد المتهب مائة ثم مات فإن صححنا الهبة في الجميع فالكسب للمتهب
وإن أبطلناها في الجميع إذا لم يكن كسب فهنا تصح الهبة في شىء من العبد ويكون للمتهب شىء من الكسب غير محسوب عليه من الوصية وللورثة باقي الكسب وهو مائة إلا شيئا تعدل شيئين فبعد الجبر والمقابلة مائة تعدل ثلاثة أشياء فالشىء ثلث المائة فتصح

الهبة في ثلث العبد وتبطل في ثلثه ولورثة الواهب ثلثا كسبه وذلك ضعف ما صحت فيه الهبة ولم يحسب ثلثا العبد على ورثة الواهب لأنه تلف قبل موت الواهب وحسبنا على المتهب ما تلف من وصيته لأنه تلف تحت يده

مسألة وهب لأخيه مالا لا مال له سواه فمات الأخ قبله وخلف
و أخاه الواهب ثم مات الواهب فتصح الهبة في شىء من العبد ويرجع بالميراث نصفه فالباقي عبد إلا نصف شىء وذلك يعدل شيئين فتجبر وتقابل فعبد يعدل شيئين ونصف شىء فالشىء خمسا العبد فتصح الهبة في خمسيه وتبطل في ثلاثة أخماسه ويرجع بالميراث أحد الخمسين فيحصل للورثة أربعة أخماسه وهي ضعف ما صحت فيه الهبة
مسألة أخ وأخت مريضان وهب كل للآخر عبدا لا يملك سواه وهما
القيمة ثم مات الأخ وخلف بنتين والأخت الواهبة أو ماتت الأخت وخلفت زوجا والأخ الواهب فإن ماتت الأخت أولا صارت هبتها للأخ وصية للوارث
وأما هبة الأخ فتصح في شىء ويرجع إليه بالإرث نصف شىء مع نصف العبد الذي كان لها فيجتمع لورثته عبد ونصف عبد إلا نصف شىء وذلك يعدل شيئين فبعد الجبر عبد ونصف عبد تعدل شيئين ونصف شىء فتبسطها أنصافا وتقلب الإسم فالعبد خمسة والشىء ثلاثة تصح الهبة في ثلاثة أخماس العبد ويرجع إليه بالإرث نصفها ونصف العبد الذي لها وهو أربعة أخماس فيضم إلى الخمسين الباقيين له يكون ستة أجزاء ضعف الهبة
وإن مات الأخ أولا صارت هبته للأخت وصية لوارث وتصح هبة الأخت في شىء من العبد ويرجع إليها ثلثها مع ثلث العبد الذي كان له فيجتمع لورثتها عبد وثلث عبد إلا ثلثي شىء يعدل شيئين فبعد الجبر عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شىء فتبسطها أثلاثا وتقلب الإسم فالعبد ثمانية والشىء أربعة وهي نصفها تصح الهبة في نصف العبد وينضم إليه

ماله وهو عبد فالمبلغ عبد ونصف يعود ثلثه إلى الأخت وهو نصف عبد فيجتمع لورثتها عبد ضعف الهبة
ولو عمي موتهما ولم يرث أحدهما الآخر صحت هبة كل واحد في نصف عبده

مسألة وهب لزوجته مائة لا يملك غيرها وأقبضها فأوصت هي بثلث مالها
ثم ماتت قبل الزوج صحت هبته في شىء من المائة وصحت وصيتها في ثلث ذلك الشىء ويرجع إلى الزوج بالإرث نصف ذلك الباقي وهو ثلث شىء فيحصل عند الزوج مائة إلا ثلثي شىء وذلك يعدل شيئين فبعد الجبر مائة تعدل شيئين وثلثي شىء فتبسطهما أثلاثا وتقلب الاسم فالمائة ثمانية والشىء ثلاثة فتصح الهبة في ثلاثة أثمان المائة وتصح الوصية في ثمن ويرجع بالإرث ثمن إلى الزوج فيحصل عند ورثته ستة أثمان وهو ضعف الهبة
مسألة وهب مريض لمريض عبدا وأقبضه ثم وهبه الثاني للأول وأقبضه ولا
من أربعة وعشرين لورثة الواهب الأول ثلثاه ولورثة الثاني ربعه ويعتق منه باقي الثلث وهو نصف سدسه قال الأستاذ هذا خطأ عند حذاق الأصحاب والعتق باطل لأنه قدم الهبة على العتق وهي تستغرق الثلث
وإذا بطل العتق صحت هبة الأول في ثلاثة أثمان العبد ويرجع إليه بالهبة الثانية ثمنه فيجتمع مع ورثته ستة أثمانه وهي ضعف الهبة
وصوب الإمام ابن سريج فقال إذا اجتمع للأول ستة أثمانه ثم أعتق فتنفيذ العتق في تمام الثلث لا ينقص حق ورثته من الثلثين ولا حق الموهوب له فيتعين المصير إليه وحينئذ لا بد من تعديل الثلث والثلثين ورعاية الأثمان فتضرب ثلاثة في ثمانية تبلغ أربعة وعشرين كما ذكره
فلو أعتقه قبل هبة الثاني ثم وهبه الثاني لغا العتق إذ لم يصادف محلا إلا أن يحتمل الوقف

فرع زيادة الموهوب ونقصه كزيادة العبد المعتق ونقصه لكن ما يحسب
هناك للعبد المعتق أو عليه يحسب هنا على ورثة الواهب وسنوضحه في العتق إن شاء الله تعالى
مسألة وهب مريض لأخيه عبدا ثم وهبه المتهب نصفه وهو صحيح ومات
المريض وخلف بنتا وأخاه الواهب فقولان
أظهرهما عند الأستاذ أن هبة الثاني تنحصر فيما ملكه بهبة الأول وتصح في جميعه وحسابه أن هبة المريض تصح في شىء ويرجع إليه بهبة الثاني ذلك الشىء كله فمعه عبد يعدل شيئين فالشىء نصف عبد فتصح الهبة في نصف العبد ثم يرجع إليه فيكون لورثته عبد تام ضعف الهبة
والقول الثاني أنها تشيع لمصادفتها ما ملكه وغيره فتصح في نصف ما ملك
وحسابه أن هبة المريض تصح في شىء من العبد ويرجع بهبة الثاني نصف ذلك الشىء ثم يرجع بالإرث نصف ما بقي وهما ثلاثة أرباع شىء يبقى عبد إلا ربع شىء يعدل شيئين فبعد الجبر عبد يعدل شيئين وربع شىء فتبسطها أرباعا وتقلب الإسم فالعبد تسعة والشىء أربعة فتصح الهبة في أربعة أتساع العبد ويرجع إليه بالهبة تسعان وبالإرث تسع آخر فيجتمع لورثته ثمانية أتساع ضعف الهبة
فرع فيما إذا وطئت الموهوبة وطءا يوجب المهر إن وطئها أجنبي بشبهة
قبل موت الواهب فالمهر كالكسب يقسم على ما تصح

فيه الهبة وعلى ما لا تصح فحصة ما تصح هبته لا تحسب على المتهب وحصة ما لا تصح تحسب على ورثة الواهب
وإن وطئها الواهب في يد المتهب ومهرها مثل قيمتها صحت الهبة في شىء ويستحق المتهب على الواهب مثل ذلك الشىء من المهر فيقضى مما بقي يبقى جارية إلا شيئين تعدل شيئين فبعد الجبر جارية تعدل أربعة أشياء فالشىء ربع الجارية تصح الهبة في ربع الجارية ويثبت على الواهب مثل ربعها يقضى من الجارية يبقى مع الورثة نصفها وهو ضعف الموهوب
وإن وطئها المتهب ومهرها مثل قيمتها صحت الهبة في شىء وتبطل في جارية سوى شىء وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو جارية إلا شيئا فيحصل له جاريتان إلا شيئين يعدلان شيئين فبعد الجبر جاريتان تعدلان أربعة أشياء فالشىء نصف جارية فتصح الهبة في نصفها ويستحق بالوطء مثل نصفها فيحصل للورثة جارية تامة وهي ضعف الموهوب
وإن كان مهرها نصف قيمتها صحت الهبة في شىء وبطلت في جارية سوى شىء ويستحق الواهب على المتهب مثل نصف ما بطلت فيه الهبة وهو نصف جارية إلا نصف شىء فيجتمع عند الواهب جارية ونصف إلا شيئا ونصف شىء يعدل شيئين فبعد الجبر جارية ونصف تعدل ثلاثة أشياء ونصف شىء فتبسطها أنصافا وتقلب الإسم فالجارية سبعة والشىء ثلاثة تصح الهبة في ثلاثة أسباع الجارية وتبطل في أربعة أسباعها ويغرم المتهب من مهرها مثل سبعي قيمتها فيجتمع مع ورثة الواهب ستة أسباعها ضعف الموهوب
وإن وطئها الواهب والمتهب ومهرها مثل قيمتها صحت الهبة في شىء وثبت للمتهب على الواهب مثل ذلك الشىء يبقى جارية إلا شيئين وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو جارية إلا شيئا فتضم إلى ما بقي للواهب تبلغ جاريتين إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين فبعد الجبر جاريتان تعدلان خمسة أشياء فالشىء خمس الجاريتين وهو خمسا جارية فتصح الهبة في خمسيها ويثبت للمتهب على

الواهب خمسان آخران فالمبلغ أربعة أخماس ثم يسترجع الواهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو ثلاثة أخماس فيجتمع لورثته أربعة أخماس وهو ضعف الموهوب
ولو كان مهرها مثل نصف قيمتها صحت الهبة في ثلاثة أثمانها وبطلت في خمسة أثمانها ويثبت للمتهب على الواهب ثمن ونصف ثمن فيجتمع له أربعة أثمان ونصف ثمن ثم يسترجع الواهب نصف ما بطلت فيه الهبة وهو ثمنان ونصف فيجتمع لورثته ستة أثمان وهو ضعف الموهوب

فصل ومنها الصداق والخلع وقد سبق أن المريض إذا نكح بمهر المثل
جعل من رأس المال
وإن نكح بأكثر فالزيادة من الثلث
فإن كانت وارثة فالتبرع على وارث وذكرنا أنه إن ماتت الزوجة قبله وورثها الزوج وقع الدور فيتخرج على هذا مسائل
إحداها أصدقها مائة ومهر مثلها أربعون فماتت قبله ولا مال لهما سوى الصداق فلها أربعون من رأس المال ولها شىء بالمحاباة يبقى مع الزوج ستون إلا شيئا ويرجع إليه بالإرث نصف ما للمرأة وهو عشرون ونصف شىء فالمبلغ ثمانون إلا نصف شىء يعدل شيئين ضعف المحاباة فبعد الجبر تعدل ثمانون شيئين ونصف شىء فالشىء خمسا الثمانين وهو اثنان وثلاثون فلها اثنان وسبعون أربعون مهر والباقي محاباة يبقى مع الزوج ثمانية وعشرون ويرجع إليه بالإرث ستة وثلاثون فيجتمع لورثته أربعة وستون ضعف المحاباة
فإن كان لها ولد فالراجع إليه بالإرث ربع مالها وهو عشرة وربع شىء فيحصل للزوج سبعون

إلا ثلاثة أرباع شىء وذلك يعدل شيئين فبعد الجبر تعدل سبعون شيئين وثلاثة أرباع شىء تبسطهما أرباعا فتكون الدراهم مائتين وثمانين والأشياء أحد عشر تقسم الدراهم على الأشياء يخرج من القسمة خمسة وعشرون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم فهذا قدر المحاباة فلها بالمهر والمحاباة خمسة وستون درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم يرجع إلى الزوج ربع ذلك وهو ستة عشر درهما وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم وذلك ضعف المحاباة
( المسألة ) الثانية أعتق مريض جارية ونكحها على مهر مسمى نظر إن لم يملك غيرها فالنكاح باطل لأنه لا ينفذ عتق جميعها والنكاح والملك لا يجتمعان
ثم إن لم يدخل بها فلا مهر
وإن دخل فهو وطء شبهة فلها من المهر بقسط ما عتق منها ويقع فيه الدور
فإذا كانت قيمتها مائة والمهر خمسين عتق منها شىء ولها بالمهر نصف شىء لأن المهر نصف القيمة يبقى جارية إلا شيئا ونصف شىء يعدل شيئين فبعد الجبر جارية تعدل ثلاثة أشياء ونصف شىء فالشىء سبعا الجارية فينفذ العتق في سبعيها ويبطل في خمسة أسباعها فيصرف سبع منها إلى مهر السبعين يبقى للورثة أربعة أسباعها ضعف ما عتق ثم السبع المصروف إلى المهر إن رضيت به بدلا عما لها من المهر فذاك ويعتق عليها حين ملكته لا بالإعتاق الأول وإن أبت بيع سبعها في مهرها
هذا إذا لم يملك غيرها
فإن ملك وكانت الجارية قدر الثلث بأن خلف مائتين سواها فإن لم يدخل بها فلا مهر لأنها لو استحقت مهرا للحق التركة دين فلا تخرج كلها من الثلث ولبطل النكاح وسقط المهر وإن دخل بها قال الشيخ أبو علي لها الخيار فإن عفت عن مهرها عتقت وصح النكاح وإلا فلها ذلك ويتبين أن جميعها لم يعتق وأن النكاح فاسد ولها مهرها ما عتق منها
فيقال عتق شىء ولها بالمهر نصف شىء يبقى للورثة ثلثمائة إلا شيئا ونصف شىء يعدل شيئين

فبعد الجبر ثلثمائة تعدل ثلاثة أشياء ونصف شىء فمائة تعدل شيئا وسدس شىء تبسطها أسداسا وتقلب الاسم فالشىء ستة والمائة سبعة فالشىء ستة أسباع الجارية
( المسألة ) الثالثة قد علم أن خلع المريض بأقل من مهر المثل لا يعتبر من الثلث وأن المريضة لو نكحت بأقل من مهر المثل جاز ولا اعتراض للورثة إذا لم يكن الزوج وارثا وأن المريضة لو اختلعت بأكثر من مهر المثل اعتبرت الزيادة من الثلث
فإذا نكح مريض امرأة بمائة ومهرها أربعون درهما ثم خالعته في مرضها بمائة وماتا من مرضهما ولا مال لهما إلا المائة فاما أن يكون الخلع قبل الدخول وإما بعده
الحالة الأولى بعده فللمرأة أربعون من رأس المال وله شىء بالمحاباة ثم يرجع إلى الزوج أربعون بالخلع وله ثلث شىء بالمحاباة فيحصل لورثة الزوج مائة إلا ثلثي شىء تعدل شيئين فبعد الجبر مائة تعدل شيئين وثلثي شىء فالشىء ثلاثة أثمان المائة وهو سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم وهي المحاباة فللمرأة بالمهر والمحاباة سبعة وسبعون درهما ونصف درهم ثم يأخذ الزوج من ذلك أربعين درهما بعوض الخلع وبالمحاباة ثلث الباقي وهو اثنا عشر ونصف وكان بقي له اثنان وعشرون ونصف فالمبلغ خمسة وسبعون ضعف المحاباة
هذا إذا جرى الخلع بمائة في ذمتها فلو جرى بعين المائة التي أصدقها فقد خالعها على مملوك وغير مملوك
قال الأستاذ تفريعا على أن المسمى يسقط ويرجع إلى مهر المثل لها أربعون من رأس المال وشىء بالمحاباة وللزوج عليها أربعون بالخلع ولا شىء له بالمحاباة لأن المسمى إذا بطل بطل ما في ضمنه من المحاباة فيكون لورثة الزوج مائة إلا شيئا يعدل شيئين فبعد الجبر يتبين أن المسمى ثلث المائة فلها بالمهر والمحاباة ثلاثة وسبعون

درهما وثلث درهم يأخذ الزوج من ذلك أربعين يجتمع لورثته ستة وستون وثلثان ضعف المحاباة
الحالة الثانية إذا جرى الخلع قبل الدخول فيتشطر الصداق والحاصل للمرأة نصف مهر المثل من رأس المال وهو عشرون درهما وشىء بالمحاباة للزوج من ذلك أربعون مهر المثل يبقى شىء إلا عشرين درهما له ثلاثة بالمحاباة وهو ثلث شىء إلا ستة دراهم وثلثي درهم يبقى لورثتها ثلثا شىء إلا ثلاثة عشر درهما وثلث درهم فيجتمع لورثة الزوج مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلثي شىء وذلك يعدل ضعف المحاباة شيئين فبعد الجبر مائة وثلاثة عشر وثلث تعدل شيئين وثلثي شىء فالشىء ثلاثة أثمان هذا المبلغ وهي اثنان وأربعون درهما ونصف درهم وهي المحاباة فللمرأة المحاباة ونصف المهر اثنان وستون درهما ونصف درهم يبقى للزوج سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم ويأخذ مما صار لها بعوض الخلع أربعين ويأخذ أيضا ثلث الباقي وهو سبعة دراهم ونصف فالمبلغ خمسة وثمانون ضعف المحاباة
هذا كلام الأستاذ واعترض الإمام بأن مهر المثل مع المحاباة الصداق فوجب أن يرجع إلى الزوج نصف الجميع وعلى هذا طريق الحساب أن يقال لها من رأس المال أربعون وبالمحاباة شىء يبقى للزوج ستون إلا شيئا ويرجع إليه نصف ما ملكته صداقا وهو عشرون ونصف شىء فللزوج ثمانون إلا نصف شىء ثم تأخذ مما بقي لها أربعين يبقى نصف شىء إلا عشرين درهما تأخذ بالمحاباة ثلث هذا الباقي وهو سدس شىء إلا ستة دراهم وثلثي درهم فيجتمع لورثته مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلث شىء يعدل شيئين فبعد الجبر يتبين أن الشىء ثلاثة أسباع مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم وهو ثمانية وأربعون درهما وأربعة أسباع درهم يبقى للزوج أحد عشر درهما وثلاثة أسباع ويرجع بالشطر أربعة وأربعون درهما وسبعان ويأخذ من الشطر

الآخر قدر مهر المثل وهو أربعون وثلث الباقي وهو درهم وثلاثة أسباع فالمبلغ سبعة وتسعون درهما وسبع درهم وذلك ضعف المحاباة يبقى لورثة المرأة درهمان وستة أسباع درهم
وعلى قول الاستاذ يبقى لهم خمسة عشر ثم لا فرق في المسألة بين موته أولا وعكسه وموتهما معا لانقطاع الإرث بالخلع والدور إنما يقع في جانبه دونها إذ لا يعود إليها شىء مما يخرج منها

فصل ومنها الجنابات فإذا جنى عبد على حر خطأ وعفا المجني عليه
لم يكن العفو وصية لقاتل لأن فائدته تعود إلى السيد فإن أجاز الورثة فذاك وإلا نفذ في الثلث وانفك ثلث العبد عن تعلق أرش الجناية
وأشار الإمام إلى وجه أنه لا ينفك كما أنه لا ينفك شىء من المرهون ما بقي شىء من الدين
والصحيح الأول
ثم السيد بالخيار بين أن يسلم ثلثيه للبيع وبين أن يفديه
فإن سلمه فلا دور بل يباع ويؤخى من ثمنه ثلثا الأرش أو ما تيسر
وإن فداه فيفدي الثلثين بثلثي الأرش كم كان أم بالأقل من ثلثي القيمة وثلثي الدية فيه قولان
فإن كان الفداء بثلثي القيمة فلا دور وإن كان بالدية فيقع الدور فيقطع بالحساب
مثاله قيمة العبد ثلثمائة وقومنا الابل فكانت ألفا ومائتين فيصح العفو في شىء من العبد ويبطل في عبد ناقص بشىء يفديه السيد بأربعة أمثاله لأن الدية أربعة أمثاله وأربعة أمثاله أربعة أعبد إلا أربعة أشياء فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء وذلك يعدل شيئين فتجبر وتقابل فأربعة أعبد تعدل ستة أشياء فتقلب الاسم وتقول العبد ستة والشىء أربعة وهي ثلثا الستة فيصح العفو في ثلثي العبد وهو مائتان ويفدي السيد ثلثه بثلث الدية وهو أربعمائة فيحصل لورثة العافي ضعف المائتين
هذا إذا لم يترك

العافي سوى ما يستحقه من الدية
فإن ترك مالا نظر إن كانت القيمة أقل من الدية وكان ما تركه ضعف القيمة صح العفو في جميع العبد
وإن كان ما تركه دون ضعف القيمة ضمت التركة إلى قيمة العبد وصح العفو في ثلث الجملة من العبد
وإن كانت القيمة أكثر من الدية جمع بين التركة والدية وصح العفو في ثلث الجملة من الدية
فروع أحدها لو لم يترك سوى ما يستحق من الدية وعليه مائتان دينا وسلمه للبيع واختار الفداء وقلنا الفداء بأقل الأمرين سقط الدين من قيمة العبد يبقى مائة للسيد ثلثها وهو تسع العبد فيصح العفو في تسعه ويباع ثمانية أتساعه أو يفديها السيد بثمانية أتساع قيمته وهو مائتان وستة وستون درهما وثلثان يقضى منها دينه يبقى ستة وستون وثلثان ضعف ما صح فيه العفو
وإن قلنا بالدية صح العفو في شىء وفدى السيد الباقي بأربعة أمثاله وهي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء تحط منها قدر الدين وهو ثلثا عبد يبقى ثلاثة أعبد وثلث عبد إلا أربعة أشياء تعدل شيئين فتجبر وتقابل وتبسطها أثلاثا وتقلب الاسم فالعبد ثمانية عشر والشىء عشرة وهو خمسة أتساعها فيصح العفو في خمسة أتساع العبد وهي مائة وستة وستون درهما وثلثان ويفدي السيد باقيه وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم بأربعة أمثاله وهي خمسمائة وثلاثة وثلاثون يقضى منها الدين يبقى ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم ضعف ما صح العفو فيه
( الفرع ) الثاني جنى عبدان خطأ على حر فعفا عنهما ومات ولا مال له سوى الدية فإن اختار السيدان تسليمهما أو اختارا الفداء وقلنا الفداء بأقل الامرين

صح العفو في ثلث كل عبد وبيع ثلثاه أو فدى سيده ثلثيه بثلثي القيمة
وإن قلنا الفداء بالدية وكانت قيمة كل عبد ثلثمائة وقيمة الدية ألفا ومائتين صح العفو في شىء من كل عبد وفدى سيده باقيه بضعفه لأن نصف الدية هو الذي تعلق بكل عبد ونصف الدية ضعف كل عبد فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء وذلك يعدل ضعف ما جاز العفو فيه وهو أربعة أشياء فبعد الجبر أربعة أعبد تعدل ثمانية أشياء فتقلب الاسم وتجعل العبد ثمانية والشىء أربعة وهو نصفها فيصح العفو في نصف كل عبد ويفدي كل سيد نصف عبده بعبد فيحصل للورثة عبدان ضعف ما صح العفو فيه
( الفرع ) الثالث قتل عبد حرين خطأ تعلقت برقبته الديتان
فإن سلمه سيده بيع ووزع عليهما
وإن فداه وقلنا الفداء بالقيمة وزعت القيمة
وإن قلنا بالدية فداه بالديتين
فإن عفا أحدهما في مرضه قال ابن سريج يدفع إلى ورثة العافي ثلثا نصفه وإلى ورثة الذي لم يعف جميع النصف كأن كل واحد متعلق بنصف منه فينفذ عفو العافي في ثلث محل حقه
قال الاستاذ هذا لا
يستقيم على أصل الشافعي رضي الله عنه بل الديتان متعلقتان بجميع العبد فإذا عفا أحدهما سقط ثلث الدية فورثته وورثة الآخر يتضاربون هؤلاء بثلثي دية مورثهم وهؤلاء بكل دية مورثهم

فصل ومنها العتق فإذا أعتق مريض عبدا فاكتسب مالا قبل موت المعتق
وزع الكسب على ما يعتق وما يرق وحصة العتق لا تحسب عليه وحصة مارق تزاد في التركة وإذا زادت التركة زاد ما عتق فتزيد حصته من الكسب وإن زادت

حصة ما عتق نقصت التركة فينقص ما عتق فيزيد المال فيزيد ما عتق وهكذا تدور زيادته على نقصه ونقصه على زيادته فيقطع الدور بالطرق الحسابية وفيه مسائل

مسألة اكتسب العبد مثل قيمته فيعتق منه شىء ويتبعه من الكسب شىء
غير محسوب عليه يبقى للورثة عبدان إلا شيئين وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان فبعد الجبر عبدان يعدلان أربعة أشياء فتقلب الاسم فالعبد أربعة والشىء اثنان والاثنان ضعف الأربعة فعلمنا أنه يعتق من العبد نصفه ويتبعه نصف الكسب غير محسوب عليه يبقى للورثة نصف العبد ونصف الكسب وذلك ضعف ما عتق
وبطريق السهام تأخذ للعتق سهما ولما يتبعه من الكسب سهما وتأخذ للورثة ضعف ما أخذت للعتق وهو سهمان يجتمع أربعة أسهم ثم تأخذ الرقبة والكسب وهما مثلان فتقسمهما على الأربعة يخرج من القسمة نصف فعلمنا أن الذي عتق نصف الرقبة
ولو اكتسب العبد وقيمته تسعون مثل قيمته ومثل نصفها عتق منه شىء وتبعه من الكسب شىء ونصف غير محسوب عليه يبقى للورثة عبدان ونصف إلا شيئين ونصف شىء يعدل شيئين فبعد الجبر عبدان ونصف يعدل أربعة أشياء ونصف شىء فتبسطها أنصافا وتقلب الاسم فالعبد تسعة والشىء خمسة فيعتق منه خمسة أتساعه وقيمتها خمسون ويتبعها خمسة أتساع الكسب وهي خمسة وسبعون يبقى للورثة أربعة أتساع العبد وهي أربعون وهي أربعة أتساع الكسب وهي ستون وهما مائة ضعف ما عتق
ولو كانت الصورة الثانية بحالها وعلى السيد مثل قيمة العبد دينا عتق منه شىء وتبعه من الكسب شىء ونصف يبقى عند الورثة عبدان ونصف عبد إلا شيئين ونصف شىء

تسقط منه عبدا للدين يبقى عبد ونصف إلا شيئين ونصف يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان فبعد الجبر عبد ونصف تعدل أربعة أشياء ونصف شىء تبسطها أنصافا وتقلب الاسم فالعبد تسعة والشىء ثلاثة يعتق من العبد ثلاثة أتساعه ويتبعه من الكسب ثلاثة أتساعه يقضى الدين من الباقي يبقى مع الورثة ضعف ما عتق
ولو كانت بحالها إلا أنه لا دين على السيد وله سوى العبد وكسبه تسعون عتق منه شىء وتبعه من الكسب شىء ونصف يبقى مع الورثة عبدان ونصف إلا شيئين ونصف شىء ومعهم مثل قيمة العبد فيجتمع معهم ثلاثة أعبد ونصف عبد إلا شيئين ونصف شىء يعدل شيئين فبعد الجبر ثلاثة أعبد ونصف عبد تعدل أربعة أشياء ونصف شىء تبسطها أنصافا وتقلب الاسم فالعبد تسعة والشىء سبعة فيعتق منه سبعة أتساعه وهو سبعون ويتبعه من الكسب سبعة أتساعه وهو مائة وخمسة يبقى للورثة تسعاه عشرون وتسعا الكسب ثلاثون ومعهم تسعون أيضا فالمبلغ مائة وأربعون ضعف ما عتق

فرع متى ترك السيد ضعف قيمة العبد عتق كله وتبعه كسبه ولا

وإذا كان عليه دين وله سوى العبد وكسبه مال قوبل بذلك المال
فان تساويا فكأن لا دين ولا مال وإن زاد الدين فكأن القدر هو الدين
وإن زاد المال فكأن القدر الزائد هو المتروك

فرع الموهوب للعبد وأرش الجناية عليه كالكسب

فرع قيمته تسعون واكتسب بعد العتق تسعين فاستقرضها السيد منه وأتلفها ثم
للورثة عبد إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق فبعد الجبر عبد يعدل أربعة أشياء فتقلب الاسم وتقول عتق منه ربعه ويتبعه ربعه كربع كسبه يبقى للورثة نصفه وهو ضعف ما عتق ثم ربع الكسب الذي هو دين إن أداه الورثة من عندهم جاز واستمر ملكهم على ثلاثة أرباعه وملك هو ما سلموه إليه بربعه الحر وإن تراضوا هم والعبد على أن تكون رقبته بدلا عن ربع الكسب جاز وعتق ربعه على نفسه
قال ابن سريج ويكون ولاء هذا الربع لبيت المال
وقال غيره لاولاء عليه
وإن أراد الورثة بيعه لغيره وقال العبد أخذه بدلا عن الدين فقد ذكر الاستاذ أنه أحق بنفسه من الأجانب
قال الإمام هذا محمول على الأولوية دون الاستحقاق
فرع مات العبد المعتق قبل موت السيد فهل يموت حرا أم رقيقا
حرا وثلثاه رقيقا فيه ثلاثة أوجه قال الاستاذ والصحيح هو الأول
فإن كان العبد اكتسب ضعف قيمته ولم يخلف إلا السيد مات حرا بلا خلاف لأن السيد

يرث هنا بالولاء كسبه فيحصل لورثته ضعف العبد
وإن كان الكسب مثل قيمته فإن قلنا لو لم يخلف كسبا لمات حرا فهنا أولى وإن قلنا يموت رقيقا فهنا لا يرث جميعه لأنه خلف شيئا ولا يعتق جميعه لأن الكسب ليس ضعفه
فإن قلنا من بعضه حر يورث عتق نصفه وكان جميع كسبه لسيده نصفه بالملك ونصفه بالارث بالولاء فيحصل لورثته ضعف ما عتق
وإن قلنا لا يورث قال الإمام يعتق منه شىء ويتبعه من الكسب شىء يصرف ذلك الشىء إلى بيت المال فيبقى عبد ناقص بشىء يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان فبعد الجبر عبد يعدل ثلاثة أشياء فالشىء ثلث العبد فيعتق ثلثه ويتبعه من الكسب ثلثه يبقى للسيد ثلثا كسبه بالملك وهو ضعف ما عتق
ولو كان الكسب ضعف القيمة وخلف العتيق مع السيد بنتا فإن قلنا لو لم يخلف بنتا لمات حرا فكذا هنا والكسب بين البنت والسيد سواء
وإن قلنا يموت رقيقا
فإن قلنا من بعضه حر يورث عتق منه شىء ويتبعه من الكسب شيئان ترث البنت أحدهما والسيد الثاني فيحصل لورثة السيد ضعف العبد إلا شيئا وذلك يعدل شيئين فبعد الجبر عبدان يعدلان ثلاثة أشياء والشىء ثلث العبدين وهو ثلثا عبد فيعتق من العبد ثلثاه ويتبعه ثلثا الكسب ثم يرجع أحدهما إلى السيد بالارث فيحصل لورثة السيد ثلثا الكسب وهو ضعف ما عتق
وإن قلنا من بعضه حر لا يورث لم ترث البنت لأنها لو ورثت لما خرج جميعه من الثلث وإذا لم يعتق كله لا يورث فيؤدي توريثها إلى منع توريثها وهذه من الدوريات الحكمية وإذا لم ترث كأنه لم يخلف إلا السيد فيموت حرا وجميع الكسب للسيد كما سبق
ولو لم يمت العتيق لكن كان له ابن حر فمات قبل موت السيد وترك أضعاف قيمة أبيه وليس له إلا أبوه وسيد أبيه فلا يرث منه أبوه لأنه لو ورث لاستغرق ولم يحصل للسيد شىء وحينئذ فلا يعتق جميعه فلا يرث
وإذا لم يرث حكم بحريته وورث السيد مال ابنه

بالولاء
ولو كانت تركة الابن مثل قيمة العتيق عتق منه شىء وثبت للسيد الولاء على الابن بقدر ما عتق فيرث من تركته شيئا ولا يرث أبوه فيحصل لورثة السيد عبد إلا شيئا والشىء الذي ورثه السيد بالولاء فيتم لهم عبد لأن تركته مثل العبد وذلك يعدل شيئين فالشىء نصف العبد فيعتق نصفه ويكون للورثة نصفه ونصف تركة ابنه وهما ضعف ما عتق منه

مسألة من الأصول المقررة أن المريض إذا أعتق عبيدا لا مال له
معا أقرع بينهم
وإن أعتقهم على الترتيب بدىء بالأول فالأول
فإن زاد الأول على الثلث عتق منه قدر الثلث
فلو أعتق عبدا فاكتسب مثل قيمته ثم أعتق آخر ولا مال له سواهما وهما متساويا القيمة عتق من الأول شىء وتبعه من كسبه شىء غير محسوب عليه يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء فالشىء ثلاثة أرباع العبد فيعتق من الأول ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه يبقى عبد ونصف وهما ضعف ما عتق
ولو اكتسب الثاني مثل القيمة دون الأول عتق الأول وبقي الثاني وكسبه للورثة
وإن اكتسب كل واحد قدر قيمته عتق وتبعه كسبه وبقي الثاني وكسبه للورثة
وإن اكتسب الأول مثل قيمتهما عتق منه شىء وتبعه من الكسب شيئان يبقى للورثة أربعة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين فبعد الجبر يكون الشيء خمس أربعة أعبد وهو أربعة أخماس عبد يعتق من الأول أربعة أخماسه ويتبعه أربعة أخماس كسبه يبقى للورثة خمسه وخمس كسبه والعبد الآخر
وإن اكتسب الثاني مثل قيمتهما عتق الأول ومن الثاني شيء ويتبعه من الكسب شيئان يبقى للورثة من الثاني وكسبه ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو عبدان وشيئان لأن الذي عتق عبد وشىء فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل عبدين وخمسة

أشياء تسقط عبدين بعبدين يبقى عبد في معادلة خمسة أشياء فالشىء خمس عبد فالذي عتق من الثاني خمسه وكذا الحكم لو اكتسب كل واحد منهما مثل قيمتهما
أما إذا أعتق العبدين معا فيقرع بينهما فمن خرجت قرعته فكأن السيد قدمه
والحساب في الصور كما ذكرنا
ولو أعتق المريض ثلاثة أعبد معا لا يملك غيرهم فاكتسب أحدهم قبل موته كقيمته وقيمهم متساوية أقرع بينهم بسهم عتق وسهمي رق فإن خرج سهم العتق على المكتسب عتق وتبعه كسبه وبقي الآخران للورثة
وإن خرج لأحد الآخرين عتق ثم تعاد القرعة لاستكمال الثلث فإن خرج للآخر عتق ثلثه وبقي ثلثاه مع المكتسب وكسبه للورثة ولا دور
وإن خرج سهم العتق والقرعة الثانية للمكتسب دخل الدور فتقول يعتق منه شىء ويتبعه من الكسب شىء يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين يعدل ضعف ما عتق وهو عبدان وشيئان فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل عبدين وأربعة أشياء تسقط عبدين بعبدين يبقى عبد في معادلة أربعة أشياء فالشىء ربع العبد فيعتق منه ربعه ويتبعه ربع كسبه يبقى للورثة ثلاثة أرباعه وثلاثة أرباع كسبه والعبد الآخر وذلك عبدان ونصف وهو ضعف ما عتق
ولو كانت الصورة بحالها على السيد دين كقيمة أحدهم أقرع بين العبيد بسهم دين وسهمي تركة ولسهم الدين حالان
أحدهما أن يخرج لأحد اللذين لم يكتسبا فيباع في الدين ثم يقرع بين الآخرين لاعتاق الثلث بعد قضاء الدين بسهم عتق وسهم رق فإن خرج سهم العتق للذي لم يكتسب عتق وبقي المكتسب وكسبه للورثة
وإن خرج للمكتسب دخل الدور فيعتق منه شىء ويتبعه من الكسب شىء يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين تعدل شيئين
فبعد الجبر ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء فالشىء ربع العبيد وهو ثلاثة أرباع عبد

الحال الثاني أن يخرج سهم الدين للمكتسب فيباع منه ومن كسبه بقدر الدين والدين مثل نصفهما فيباع في الدين نصف رقبته ونصف كسبه ثم يقرع بين باقيه وبين الآخرين بسهم عتق وسهمي رق
فإن خرج سهم العتق لأحد الآخرين عتق وبقي الآخر ونصف المكتسب وكسبه للورثة
وإن خرج للمكتسب عتق نصفه الباقي وتبعه الكسب غير محسوب ثم تعاد القرعة بين الآخرين لاستكمال الثلث فأيهما خرج عليه عتق ثلثه فيكون جميع ما عتق خمسة أسداس عبد يبقى للورثة عبد وثلثا عبد ضعف ما عتق
ولو كانت الصورة بحالها إلا أن قيمة أحدهم مائة والثاني مائتين والثالث ثلثمائة وأكتسب كل عبد كقيمته أقرع فإن خرج سهم العتق على الأعلى عتق وتبعه كسبه وبقي الآخران وكسبهما للورثة وذلك ضعف الأعلى وإن خرج على الأدنى عتق وتبعه كسبه وتعاد القرعة لاستكمال الثلث
فإن خرج العتق للأوسط عتق وتبعه كسبه وبقي الأعلى وكسبه للورثة وذلك ضعف العتيقين وإن خرج للأعلى عتق منه شىء وتبعه من كسبه مثله يبقى للورثة باقيه وباقي كسبه والعبد الأوسط وكسبه وجملة ذلك ألف إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق وهو مائتان وشيئان فبعد الجبر ألف تعدل مائتين وأربعة أشياء تسقط مائتين بمائتين يبقى ثمانمائة تعدل أربعة أشياء فالشىء مائتان وذلك ثلثا الأعلى فيعتق منه ثلثاه ويتبعه ثلثا كسبه يبقى للورثة ثلثه وثلث كسبه والأوسط وكسبه وذلك ستمائة ضعف الأدنى وما عتق من الأعلى
وإن خرج على الأوسط عتق وتبعه كسبه وتعاد القرعة فإن خرج للأدنى عتق وتبعه كسبه وبقي الأعلى وكسبه للورثة وإن خرج للأعلى عتق ثلثه وتبعه ثلث كسبه وباقيه مع الأدنى للورثة

مسألة إذا زادت قيمة العتيق
قبل موت سيده دارت المسألة لأن الزيادة كالكسب فقسط ما عتق لا يحسب على العبد وقسط مارق تزيد به التركة وكذا نقصان القيمة يوزع فقسط ما عتق يحسب على العبد كأنه قبضه وأتلفه وقسط مارق كأنه تلف من مال السيد
فإذا نقص المال نقص ما يعتق واحتيج إلى الحساب
مثال الزيادة أعتق عبدا قيمته مائة لا يملك غيرها فصارت قيمته قبل موت سيده مائة وخمسين تقول عتق منه شىء وذلك الشىء محسوب بثلثي شىء يبقى مع الورثة عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب على العبد وهو شىء وثلث شىء فبعد الجبر عبد يعدل شيئين وثلث شىء فتبسطها أثلاثا وتقلب الاسم فالعبد سبعة والشىء ثلاثة فيعتق ثلاثة أسباعه وقيمتها يوم الموت أربعة وستون وسبعان والمحسوب عليه منها قيمة يوم الاعتاق وهو اثنان وأربعون وستة أسباع يبقى للورثة أربعة أسباع العبد وقيمتها خمسة وثمانون وخمسة أسباع وهي ضعف المحسوب على العبد
ومثال النقص قيمته مائة صارت خمسين يعتق منه شىء وهو محسوب عليه بشيئين فالباقي وهو عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب وهو أربعة أشياء فبعد الجبر عبد يعدل خمسة أشياء فالشىء خمس العبد فيعتق خمسه وقيمته يوم الموت عشرة ويحسب عليه بعشرين لأن قيمته يوم الموت عشرون يبقى للورثة أربعة أخماسه وقيمتها أربعون ضعف المحاباة
فصل ومنها الكتابة فإذا كاتب في مرضه عبدا لا يملك غيره ولم
شيئا من النجوم في حياة سيده فثلثه مكاتب
فإذا أدى نجوم الثلث عتق
وهل يزاد في الكتابة

لكون التركة زادت بما أدى فيه خلاف مذكور في باب الكتابة فإن زيدت فطريق الحساب أن الكتابة تصح في شىء من العبد ويؤدي المكاتب عنه شيئا والفرض فيما إذا كانت النجوم مثل القيمة فيحصل للورثة من الرقبة ومال الكتابة مثل عبد وذلك يعدل ضعف ما صحت فيه الكتابة وهو شيئان فالشىء نصف العبد فإذا أدى نجوم النصف عتق نصفه واسترد من الورثة كسب سدسه فيحصل للورثة نصف الرقبة ونصف النجوم وذلك ضعف ما صحت فيه الكتابة
ولو كاتب في الصحة ثم أعتقه في المرض أو أبرأه عن النجوم نظر إن عجز نفسه عتق ثلثه ورق ثلثاه
وإن استدام الكتابة فإن كانت النجوم مثل القيمة فوجهان
أصحهما يعتق ثلثه وتبقى الكتابة في ثلثيه
والثاني لا يعتق ثلثه حتى يسلم الثلثان للرثة إما بالعجز وإما بأداء نجوم الثلثين
وإن كان بين النجوم والقيمة تفاوت فقد سبق أن المعتبر من الثلث أقل الأمرين فإن كانت النجوم أقل عتق ثلثه وسقط ثلث النجوم ويبقى للورثة ثلثا النجوم إن أدى وإلا فثلثا الرقبة
وإن كانت الرقبة أقل بأن كانت مائة والنجوم مائتين حصل الدور فيقال عتق شىء وسقط من النجوم شيئان يبقى للورثة من النجوم مائتا درهم إلا شيئين وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان فيعد الجبر مائتان تعدلان أربعة أشياء فالشىء ربع المائتين وهو نصف العبد فعلمنا أن الذي عتق نصف العبد وأنه يسقط نصف النجوم
قال الاستاذ فإن عجل ما عليه من النجوم عتق نصفه وإن لم يؤد شيئا لم يحكم بعتق شىء
ثم كلما أدى شيئا حكم بعتق نصف ما أدى حتى يؤدي نصف الكتابة ويستوفي وصيته

فصل في مسائل يتولد الدور فيها من أصلين
مسألة أعتق مريض عبدا لا يملك غيره ثم قتله السيد فهل ينفذ العتق في جميعه إذ لا تركة أم لا يعتق شىء منه لأنه لا يبقى للورثة ضعف المحكوم بعتقه فيه خلاف سبق في نظائره
قال الأستاذ قياس مذهب الشافعي رحمه الله هو الثاني فإن ترك السيد مولا إذا قضيت الدية منه كان الباقي ضعف قيمته فهو حر وإن ترك من المال دون ذلك عتق بعضه ولزم السيد قسط ما عتق من الدية ولا يرث السيد من ديته لأنه قاتل بل إن كان له وارث أقرب من سيده فهي له وإلا فلأقرب عصبات السيد
مثاله قيمته مائة وقيمة إبل الدية ثلثمائة ولو ترك السيد ثلثمائة فتقول عتق شىء وعلى السيد من الدية ثلاثة أمثاله وباقي العبد الذي بطل العتق فيه قد أتلفه بالقتل فلم يترك إلا ثلثمائة وهي مثل ثلاثة أعبد يقضى منها ما وجب من الدية ويبقى ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو شيئان فتجبر وتقابل فثلاثة أعبد تعدل خمسة أشياء فتقلب الاسم فالعبد خمسة والشىء ثلاثة يعتق منه ثلاثة أخماسه وهو ستون ويجب عليه ثلاثة أخماس الدية وهي مائة وثمانون يبقى مائة وعشرون ضعف ما عتق
مسألة أعتق المريض عبدا فجنى العبد على أجنبي بقطع أو قتل ولا
للسيد غيره فإن كان أرش الجناية مثل قيمته فأكثر لم يعتق منه شىء لأن الأرش دين فيقدم على الوصية
وإن كان دونها بأن كانت قيمته مائة والأرش خمسة وسبعين عتق شىء ورق الباقي والأرش يتوزع عليهما فحصة ما عتق يتعلق بذمة العبد وحصة مارق تؤدى منه إن أراد السيد التسليم والأرش ثلاثة أرباع القيمة فعلى

السيد تسليم ثلاثة أرباع مارق وهو ثلاثة أرباع عبد إلا ثلاثة أرباع شىء يبقى مع ورثته ربع عبد إلا ربع شىء يعدل شيئين فبعد الجبر ربع عبد يعدل شيئين وربع شىء فتبسطها أرباعا وتقلب الاسم فالعبد تسعة والشىء واحد فيعتق منه سبعة ويرق الباقي فيسلم في الجناية ثلاثة أرباعه وهي ستة أتساع يبقى مع الورثة تسعان ضعف ما عتق
الطرف الخامس في مسائل العين والدين
مقصوده أن يخلف الميت عينا ودينا على بعض الورثة أو على أجنبي فنصيب الوارث بعض ما عليه بالارث أو الأجنبي بعض ما عليه بوصية
وأول ما نقدمه أن الميت إذا لم يخلف إلا دينا على بعض الورثة برىء من عليه من حصته ولا تتوقف براءته على توفير حصة الباقين لأن الملك جالارث لا يتأخر والإنسان لا يستحق على نفسه شيئا
ولو خلف عينا ودينا على بعض الورثة نظر إن كان الدين من غير جنس العين أو من غير نوعه قسمت العين بين الورثة فما أصاب من لا دين عليه دفع إليه وما أصاب المدين دفع إليه إن كان مقرا مليئا
وإن كان جاحدا أو معسرا فالآخر مستحق ظفر بغير جنس حقه
وحكمه مذكور في موضعه
وإن كان الدين من نوع العين بأن خلف عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه الحائزين قال الأستاذ يأخذ من لا دين عليه العشرة نصفها إرثا ونصفها قصاصا بما يصيبه من الدين
وفي كيفية القصاص الخلاف المعروف
قال الإمام هذا بعيد والخلاف إنما هو في تقاص الدينين لا في تقاص الدين والعين بل المذهب أن الارث يثبت شائعا في العين والدين وليس لمن لا دين عليه الاستبداد بالعشرة إن كان المدين مقرا مليئا فإن تراضيا أنشآ عقدا وإن كان جاحدا أو معسرا فله أن يأخذها على قصد التملك لأنه ظفر بجنس حقه المتعذر تحصيله
ولو خلف دينا وعينا وأوصى بالدين لإنسان وهو ثلث ماله أو أقل

فحقه منحصر فيه فما نض دفع إليه
ولو أوصى بثلث الدين فوجهان
أحدهما أن ما نض منه يضم إلى العين
فإن كان مانض ثلث الجميع أو أقل دفع إلى الموصى له
وأصحهما أنه كلما نض منه شىء دفع ثلثه إلى الموصى له وثلثاه إلى الورثة لأن الوصية شائعة في الدين
إذا تقرر هذا فالدين المخلف مع العين من جنسه ونوعه إما أن يكون على وارث وإما على أجنبي وإما عليهما
أما القسم الأول على وارث فنصيبه من جملة التركة إما أن يكون مثل ما عليه من الدين وإما أكثر وإما أقل
الحالة الأولى أن يكون مثله فتصحح المسألة ويطرح مما صحت منه نصيب المدين وتقسم العين على سهام الباقين ولا يدفع إلى المدين شىء ولا يؤخذ منه شىء
مثاله زوج وثلاثة بنين وترك خمسة دينا على ابن وخمسة عشر عينا فجملة التركة عشرون نصيب كل ابن خمسة وما على المدين مثل نصيبه فتصحح المسألة من أربعة ويطرح منها نصيب ابن يبقى ثلاثة تقسم العين عليها نصيب كل واحد خمسة ونصيب المدين يقع قصاصا كذا أطلقوه
قال الإمام هذا محمول على ما إذا رضي المدين بذلك أو كان جاحدا أو معسرا
وعلى هذا ينزل الجواب المطلق في جميع هذه المسائل
الحالة الثانية أن يكون نصيبه أكثر مما عليه فتقسم التركة بينهم فما أصاب المدين طرح منه ما عليه ويعطى الباقي من العين
الثالثة أن يكون نصيبه أقل فيطرح من المسألة نصيبه وتقسم العين على الباقي فما خرج من القسمة يضرب في نصيب المدين الذي طرح فما بلغ فهو

الذي حيي من الدين والمراد بهذه اللفظة أن ما يقع في مقابلة العين من الدين كالمستوفى بالمقاصة فكأنه حيي من الدين ولولا المقاصة فالدين على المفلس ميت فائت ثم الباقي من الدين بعد الذي حيي يسقط منه شىء ويبقى شىء يؤديه المدين إلى سائر الورثة
وطريق معرفة الساقط والباقي أن تقسم كل التركة بين الورثة فما أصاب المدين طرح مما عليه من الدين فما بقي فهو الذي يؤديه المدين فيقسمه سائر الورثة على ما بقي من سهام الفريضة بعد إسقاط نصيب المدين
مثاله الدين في الصورة المذكورة ثمانية والعين اثنا عشر فسهام الفريضة أربعة يطرح منها نصيب المديون وتقسم العين على الباقي يخرج من القسمة أربعة تضربها في نصيب المدين وهو واحد يكون أربعة فذلك هو الذي حيي من الدين يبقى منه أربعة تأخذ منه نصيب المدين من التركة وهو خمسة تطرحها مما عليه يبقى ثلاثة فالثلاثة هي التي تبقى من الدين ويسقط واحد وتلك الثلاثة مقسومة على سهامهم مما صحت منه المسألة وهي ثلاثة
هذا إذا لم يكن وصية فإن كانت بأن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما وأوصى بثلث ماله لزيد فوجهان
أصحهما وينسب إلى ابن سريج وبه قطع الجمهور أننا ننظر إلى الفريضة الجامعة للوصية والميراث وهي ثلاثة للموصى له سهم ولكل ابن سهم فيأخذ المدين سهمه مما عليه ويقتسم الابن الآخر وزيد العين نصفين وقد حيي من الدين خمسة يبقى خمسة للمدين ثلاثة يبقى ثلاثة وثلث إذا أداها اقتسمها الابن الآخر وزيد نصفين
والوجه الثاني وينسب إلى أبي ثور يأخذ الموصى له ثلث العين والابن

الذي لا دين عليه يأخذ ثلثا إرثا والثلث قصاصا فيبرأ المدين من ثلثي الدين بالارث والمقاصة يبقى عليه ثلث الدين يأخذه الموصى له
القسم الثاني أن يكون الدين على أجنبي فينظر إن لم يكن وصية اشتركت الورثة في العين والدين وإن كانت فاما أن يكون لغير المدين وإما له وإما لهما
فإن كانت لغيره بأن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على زيد وأوصى لعمرو بثلث ماله فالابنان وعمرو يقتسمون العين أثلاثا وكلما حصل من الدين شىء اقتسموه كذلك
ولو قيد الوصية بثلث الدين اقتسم الابنان العين
وأما الدين فقد ذكرنا فيه وجهين
أحدهما أن الحاصل منه الدين يضم إلى العين ويدفع ثلث الدين مما حصل إلى زيد ويسمى وجه الحصر لأنه حصر حق الموصى له فيما يتنجز من الدين
وأصحهما أن ما يحصل من الدين يدفع إلى زيد ثلثه ويسمى وجه الشيوع
وإن كانت الوصية للمدين نظر فيما يستحقه بالوصية أهو مثل الدين أم أقل أم أكثر ويقاس بما ذكرنا فيما إذا كان الدين على وارث
وإن كانت الوصية لهما بأن أوصى والصورة ما سبق لعمرو بثلث العين ولزيد بما عليه ورد الابنان الوصيتين إلى الثلث فيكون الثلث بينهما على أربعة لعمرو سهم ولزيد ثلاثة فعلى قول ابن سريج الفريضة الجامعة من اثني عشر للوصيتين أربعة وللابنين ثمانية فيقتسم عمرو والابنان العين على قدر سهامهم وهي تسعة لعمرو سهم وتسع ولكل ابن أربعة وأربعة أتساع ويبرأ زيد من ثلاثة أرباع الثلث وهي خمسة دراهم يبقى عليه خمسة كلما أدى شيئا كان بين عمرو والابنين على تسعة فيحصل لعمرو خمسة أتساع درهم فيتم له ربع الثلث وهو درهم وثلثان وللابنين الباقي
ثم ليكن المصروف إلى عمرو عند خروج الدين من نفس العين إن كانت باقية
وعلى الوجه المنسوب إلى أبي ثور لعمرو ربع الثلث

وهو درهم وثلثان يأخذه من العين والباقي من العين للابنين فيبرأ الغريم من خمسة يبقى عليه خمسة إذا أداها اقتسمها الابنان
ولو خلف ابنين وعشرين درهما عينا وعشرة دينا على رجل وأوصى للغريم بما عليه ولزيد بعشرة من العين ولم يجز الابنان ما زاد على الثلث فيجعل الثلث بينهما نصفين
ثم عن ابن سريج رحمه الله وجهان
أصحهما أن الفريضة الجامعة من ستة للوصيتين اثنان وللابنين أربعة فلزيد من العشرين أربعة ولكل ابن ثمانية ويبرأ الغريم عن نصف الثلث وهو خمسة يبقى عليه خمسة إذا حصل منها شىء جعل بينهم أخماسا حتى يتم لزيد خمسة ولكل ابن عشرة
والثاني أنه يدفع إلى زيد من العين نصف وصيته وهو خمسة ويبرأ الغريم من نصف ما عليه وهو خمسة وللابنين باقي العين خمسة عشر ويقتصان باقي الدين وهو خمسة
قال الإمام هذا الوجه على ضعفه يجري فيما سبق
القسم الثالث أن يكون الدين على وارث وأجنبي بأن ترك ابنين وعشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما وعشرة دينا على أجنبي وأوصى بثلث ماله فعلى قياس ابن سريج والجمهور الفريضة الجامعة من ثلاثة يجعل سهم المدين ما عليه ويقتسم الابن الآخر والموصى له العين نصفين وما حصل مما على الأجنبي اقتسماه نصفين
وعلى الوجه الثاني يأخذ الموصى له ثلث العين والباقي للابن الذي لا دين عليه ويبرأ الابن المدين مما عليه وإذا حصل ما على الأجنبي أخذ الموصى له ثلثيه والابن الذي لا دين عليه ثلثه وبالله التوفيق

الباب الثالث في الرجوع عن الوصية
يجوز الرجوع عن الوصية وعن بعضها كمن أوصى بعبد ثم رجع عن نصفه ويجوز الرجوع في كل تبرع معلق بالموت كقوله إذا مت فلفلان كذا أو فادفعوا إليه أو فاعتقوا عبدي أو فهو وقف
وفي الرجوع عن التدبير صريحا خلاف يذكر في بابه إن شاء الله تعالى ولا يصح الرجوع عن التبرعات المنجزة في مرض الموت
فصل يحصل الرجوع بطرق منها أن يقول نقضت وصيتي أو أبطلتها أو
أو رفعتها أو فسختها أو رجعت عنها
ولو سئل عن الوصية فأنكرها فهو رجوع
ولو قال لا أدري فليس برجوع
ولو قال هو حرام على الموصى له فرجوع على المذهب
ولو قال هذا لوارثي بعد موتي أو هو ميراث عني فرجوع
ولو قال هو تركتي فليس برجوع على الأصح
ومنها إزالة الملك عن الموصى به ببيع أو إعتاق أو صداق أو جعله أجرة أو عوض خلع فهو رجوع
والهبة مع الاقباض رجوع ودونه أيضا على الأصح
والرهن كالهبة
وقيل ليس برجوع لأنه لا يزيل الملك فأشبه الاستخدام
والكتابة رجوع والتدبير رجوع على المذهب وقيل إن جعلناه وصية فهو كما لو أوصى به لزيد ثم عمرو فيكون نصفه مدبرا
ولو أوصى بالبيع أو غيره مما هو رجوع فالصحيح المنصوص أنه رجوع وقيل هو كما لو أوصى لزيد ثم عمرو
وذكر صاحب المعتمد

الوجهين فيما لو أوصى بعبد لرجل ثم أوصى بعتقه ففي وجه يعتق وتبطل الوصية الأولى
وفي وجه يعتق نصفه ويدفع إلى الموصى له نصفه
ولو أوصى بعتقه ثم أوصى به لرجل فالقياس أنه يصرف إلى الموصى له على الأول وأن ينصف على الثاني لكنه قال أحدهما يتعين العتق وتبطل الوصية الثانية
والثاني التنصيف والتوكيل بالتصرفات المذكورة كالوصية بها والاستيلاد رجوع
ولو أقر بأن العبد الموصى به مغصوب أو حر الأصل أو قال كنت أعتقته قال الاستاذ أبو منصور تبطل الوصية وذكر أنه لو باعه ثم فسخ بخيار المجلس فإن قلنا الملك يزول بنفس العقد حصل الرجوع
وإن قلنا يحصل بانقطاع الخيار فلا ولك أن تقول هو على كل حال أقوى من الرهن والهبة قبل القبض
فإذا كان الأصح فيهما حصول الرجوع فهنا أولى وتعليق العتق رجوع قاله العبادي في الرقم ويشبه أن يجيء فيه الخلاف فيما لا يزيل الملك

فرع أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو فوجهان

أحدهما أنه رجوع عن الأولى فتصح وصية عمرو كما لو وهب لزيد مالا ثم وهبه قبل القبض لعمرو
والصحيح المنصوص أنه ليس برجوع لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما كما لو قال دفعة واحدة أوصيت لكما قال الأصحاب ولو قال أوصيت به لكما فرد أحدهما لم يكن للآخر إلا نصفه لأنه لم يوجب له إلا النصف
ولو أوصى به لزيد ثم أوصى به لعمرو فرد أحدهما كان للآخر الجميع
ولو أوصى به لاحدهما ثم أوصى

بنصفه للآخر فإن قبلاه فثلثاه للأول وثلثه للثاني
وإن رد الأول فنصفه للثاني
وإن رد الثاني فكله للأول

فرع قال الذي أوصيت به لزيد قد أوصيت به لعمرو أو قال
لك بالعبد الذي أوصيت به لزيد فهو رجوع على الصحيح لاشعاره به
وقيل ليس برجوع كالصورة السابقة
والفرق على الصحيح أن هناك يجوز أنه نسي الوصية الأولى فاستصحبناها بقدر الامكان وهنا بخلافه
ولو أوصى ببيعه وصرف ثمنه إلى الفقراء ثم قال بيعوه واصرفوا ثمنه إلى الرقاب جعل الثمن بين الجهتين لأن الوصيتين متفقتان على البيع وأن الزحمة في الثمن
ولو أوصى له بدار أو بخاتم ثم أوصى بأبنية الدار أو بفص الخاتم لآخر فالدار والخاتم للأول والابنية والفص بينهما تفريعا على الصحيح المنصوص
ولو أوصى له بدار ثم أوصى لآخر بسكناها أو بعبد ثم أوصى بخدمته لآخر نقل الاستاذ أبو منصور أن الرقبة للأول والمنفعة للثاني وكان يحتمل أن يشتركا في المنفعة كالابنية والفص
فرع هذا كله في الوصية بمعين فاذا أوصى بثلث ماله ثم تصرف
ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرهما لم يكن رجوعا
وكذلك لو هلك جميع ماله لم تبطل الوصية لأن ثلث المال مطلقا لا يختص بما عنده من المال حال الوصية بل المعتبر ما يملكه عند الموت زاد أم نقص أم تبدل

فرع التوسل إلى أمر يحصل به الرجوع كالعرض على البيع والهبة
رجوع على الأصح
ويجري الوجهان في مجرد الايجاب في الرهن والهبة والبيع
فرع أوصى بحنطة فطحنها أو جعلها سويقا أو بذرها أو بدقيق فعجنه
بطلت الوصية وكان ما أتى به رجوعا لمعنيين
أحدهما زوال الاسم
والثاني إشعاره باعراضه عن الوصية
ونسب الشيخ أبو حامد المعنى الأول إلى الشافعي رحمه الله والثاني إلى أبي اسحاق
فلو حصلت هذه الأحوال بغير إذن الموصي فقياس المعنى الأول بطلان الوصية وقياس الثاني بقاؤها ونقل بعضهم وجهين في بعضها والباقي ملحق به وألحقوا بهذه الصور ما إذا أوصى بشاة فذبحها أو بعجين فخبزه لكن خبز العجين ينبغي أن لا يلحق بعجن الدقيق فإن العجين يفسد لو ترك فلعله قصد إصلاحه وحفظه على الموصى له وألحق العبادي في الرقم بها ما إذا أوصى بجلد فدبغه أو بيض فأحضنه دجاجة ولك أن تقول قياس المعنى الأول أن لا يكون الدبغ رجوعا لبقاء الاسم وكذا الاحضان إلى أن يتفرخ
ولو أوصى بخبز فجعله فتيتا فرجوع على الأصح كما لو ثرده
ويجري الوجهان فيما لو أوصى بلحم ثم قدده
ولو طبخه أو شواه فرجوع قطعا
ولو أوصى برطب فتمره فوجهان
الأشبه أنه ليس برجوع وكذا تقديد اللحم إذا تعرض للفساد
ولو أوصى بقطن فغزله فرجوع أو بغزل فنسجه فرجوع على الصحيح
ولو حشا بالقطن فراشا أو جبة فرجوع على الأصح

فرع أوصى بدار فهدمها حتى بطل اسم الدار فهو رجوع في
وكذا في العرصة على الأصح
ولو انهدمت بطلت الوصية في النقض على الصحيح لزوال اسم الدار وتبقى في العرصة على الصحيح لأنه لم يوجد منه فعل
وإن كان الانهدام بحيث لا يبطل اسم الدار بقيت الوصية فيما بقي بحاله
وفي المنفصل وجهان
وإذا قلنا في الانهدام تبطل الوصية في النقض فكان الانهدام بعد الموت وقبل القبول فطريقان
أحدهما تخريجه على أقوال الملك
وأصحهما القطع بأنه للموصى له لأن الوصية تستقر بالموت وكان اسم الدار باقيا يومئذ
فرع أوصى بثوب فقطعه قميصا أو صبغه فرجوع على الأصح وغسله ليس

ولو قصره وقلنا القصارة أثر فكالغسل
وإن قلنا عين فكالصبغ
ولو أوصى بثوب مقطوع فخاطه فليس برجوع واتخاذ الباب من الخشب الموصى به كاتخاذ القميص من الثوب
فرع أوصى بشىء ثم نقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد
على الأصح ويشبه أن يكون الخلاف مخصوصا بما إذا أشعر التبعيد بتغير القصد
فأما إذا أوصى صحيح البدن بدابة ثم أركبها غلامه أو حمل عليها إلى مكان بعيد فلا إشعار

فرع أوصى بصاع حنطة بعينه ثم خلطه بحنطة فرجوع

قال أبو زيد إن خلطه بأجود فرجوع وإلا فلا
والأول هو الصحيح المنصوص
ولو أوصى بصاع من صبرة ثم خلطها بمثلها فليس برجوع لأن الموصى به كان مخلوطا شائعا فلا تضر زيادة الخلط
وإن خلط بأجود فرجوع وبالأردإ ليس برجوع على الأصح
ولو اختلطت بنفسها بالأجود فعلى الخلاف السابق في نظائره
وإذا أبقينا الوصية فالزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة فتدخل في الوصية
ولو أوصى بصاع من حنطة ولم يعين الصاع ولا وصف الحنطة فلا أثر للخلط ويعطيه الوارث مما شاء من حنطة التركة
ولو وصفها وقال من حنطتي الفلانية فالوصف مرعي
فإن بطل بالخلط بطلت الوصية
وإن قال من مالي حصله الوارث
فرع أوصى بمنفعة عبد أو دار سنة ثم أجر الموصى به سنة
مات بعد انقضاء مدة الإجارة فالوصية بحالها
وإن مات قبله فوجهان
أصحهما أنه إن انقضت مدة الإجارة قبل سنة من يوم الموت كانت المنفعة بقية السنة للموصى له وتبطل الوصية فيما مضى
وإن انقضت بعد سنة من يوم الموت بطلت الوصية لأن المستحق للموصى له منفعة السنة الأولى فإذا انصرفت إلى جهة بطلت الوصية
والثاني أنه يستأنف للموصى له سنة من يوم انقضاء الإجارة فإن كان الموصي قيد وصيته بالسنة الأولى وجب أنه لا يجيء الخلاف
ولو لم يسلم الوارث حتى انقضت سنة بلا عذر فمقتضى الوجه الأول أنه يغرم قيمة المنفعة ومقتضى الثاني تسليم سنة أخرى

فرع تزويج العبد والأمة الموصى بهما وإجارتهما وختانهما وتعليمهما والاعارة والإذن في
ليس برجوع ووطء الجارية مع العزل ليس برجوع وكذا مع الإنزال على الصحيح وقول الأكثرين
وقال ابن الحداد رجوع
فرع أوصى بعرصة ثم زرعها فليس برجوع كلبس الثوب

ولو بنى فيها أو غرس فرجوع على الأصح
فإن لم نجعله رجوعا فموضع البناء والغراس هل هو كالبياض المتخلل حتى يأخذه الموصى له إن زال البناء والغراس يوما أم تبطل الوصية فيه تبعا للبناء فيه وجهان
ومطلق عمارة الدار ليس برجوع
فإن بطل الاسم بأن جعلها خانا فرجوع
وإن لم يبطل ولكن أحدث فيها بناء وبابا من عنده فعلى الوجهين فيما لو بنى في الأرض
فإن لم نجعله رجوعا فالبناء الجديد لا يدخل في الوصية على الصحيح
فصل أوصى بمائة معينة ثم بمائة معينة فله المائتان

وإن أطلق إحداهما حملت المطلقة على المعينة وكذا لو أطلقها لم يكن له إلا مائة
ولو أوصى بخمسين ثم بمائة فله مائة
ولو أوصى بمائة ثم بخمسين فوجهان
أصحهما ليس له إلا خمسون
والثاني له مائة وخمسون

الباب الرابع في الأوصياء
الوصاية مستحبة في رد المظالم وقضاء الديون وتنفيذ الوصايا وأمور الأطفال
قلت هي في رد المظالم وقضاء الديون التي يعجز عنها في الحال واجبة
فإن لم يوص إلى أحد نصب القاضي من يقوم بها
وأغرب الأستاذ أبو منصور فحكى وجها أنه إذا كان في الورثة رشيد قام بهذه الأمور وإن لم ينصبه القاضي
وللوصاية أركان وأحكام
أما أركانها فأربعة
( الركن ) الأول الوصي وله خمسة شروط وهي التكليف والحرية والاسلام والعدالة والكفاية في التصرفات
فالصبي والمجنون ومن بعضه رقيق والمكاتب والمدبر وأم الولد لا تصح الوصية إليهم
وفي مستولدته مدبره خلاف مبني على أن صفات الوصي تعتبر حالة الوصاية والموت أم حالة الموت ولا ججوز وصاية مسلم إلى ذمي ويجوز عكسه وتجوز وصاية الذمي إلى الذمي على الأصح بشرط العدالة في دينه ولا تجوز إلى فاسق ولا إلى عاجز عن التصرف لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو غيرهما هذا هو الصحيح
وربما دل كلام بعض الأصحاب على أن هذا الشرط الأخير غير معتبر
وتجوز الوصاية إلى أعمى على الأصح
وقيل لا فتكون الشروط ستة
وزاد الروياني وآخرون شرطا سابعا وهو أن لا يكون الوصي عدوا للطفل الذي يفوض أمره إليه وحصروا الشروط كلها بلفظ مختصر فقالوا ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل
وكل ما اعتبر من الشروط ففي وقت اعتباره ثلاثة أوجه
أصحها يعتبر حاله عند الموت
والثاني عند الوصاية والموت جميعا
والثالث يعتبر في الحالتين وفيما بينهما

فرع لا يشترط في الوصي الذكورة بل يجوز التفويض إلى المرأة
حصلت الشروط في أم الأطفال فهي أولى من غيرها
وحكى الحناطي وجها أنه لا تجوز الوصاية إليها لأنها ولاية ومقتضاه الطرد في جميع النساء
فرع إذا تغير حال الوصي فإن كان قبل موت الموصي بني على
متى تعتبر وإن تغير بعد موته نظر إن فسق إما بتعد في المال وإما بسبب آخر بطلت ولايته
وقيل لا تبطل حتى يعزله الحاكم والصحيح الأول وبه قطع الجمهور وفي معناه قيم القاضي
وفي بطلان ولاية القاضي بالفسق وجهان
أصحهما البطلان
والثاني لا كالإمام الأعظم
والأب والجد إذا فسقا انتزع الحاكم مال الطفل منهما
ولا تبطل ولاية الامام الأعظم بالفسق لتعلق المصالح الكلية بولايته بل تجوز ولاية الفاسق ابتداء إذا دعت إليها ضرورة لكن لو أمكن الاستبدال به إذا فسق من غير فتنة استبدل
وفيه وجه أنها تبطل أيضا وبه قطع الماوردي في الأحكام السلطانية والصحيح الأول
وإذا تاب الفاسق وصلحت حاله فهل تعود ولايته أما الوصي والقيم فلا تعود ولايتهما على الصحيح
والأب والجد تعود ولايتهما والقاضي كالوصي
وإذا كان الوصي قد أتلف مالا لم يبرأ عن ضمانه حتى يدفعه إلى الحاكم ثم يرده الحاكم إليه إن ولاه
فإن كان أبا قبض المضمون من نفسه لولده وليس من التعدي أكل الأب والوصي مال الطفل لضرورة لكن إذا وجب الضمان فطريق البراءة ما ذكرنا

فرع تصرفات الوصي بعد الانعزال باطلة

قال القفال لكن رد المغصوب والعواري والودائع وقضاء الديون من جنسها في التركة لا ينقض لأن أخذ المستحق فيها كاف
فرع إذا جن الموصي أو أغمي عليه أقام الحاكم غيره مقامه
فإن أفاق فهل يبقى على ولايته كالاب والجد والإمام الأعظم إذا أفاقوا أم تبطل لأنه يلي بالتفويض كالتوكيل بخلاف الاب وبخلاف الإمام للمصلحة الكلية فيه وجهان
أصحهما الثاني ويجريان في القاضي إذا أفاق
وإذا أفاق الإمام الأعظم بعدما ولي غيره فالولاية للثاني إلا أن تثور فتنة فهي للأول ذكره البغوي
فرع لو اختلت كفاية الوصي بأن ضعف عن الكتابة والحساب أو ساء
لكبر أو مرض ضم القاضي إليه من يعينه ويرشده
ولو عرض ذلك لقيم القاضي عزله لأنه الذي ولاه
الركن الثاني الموصي فإن كانت الوصاية في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا صحت من كل حر مكلف
وإن كانت في أمور الأطفال اشترط مع ذلك أن يكون للموصي ولاية على الموصى في حقه من الصبيان والمجانين اتتداء من الشرع لا بتفويض وفيه مسائل

إحداها أن الوصي هل يوصي فيه صور
إحداها ليس للموصي في الوصاية المطلقة أن يوصي
الثانية قال أوصيت إليك إلى أن يبلغ ابني فلان أو يقدم من سفره فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي
أو قال أوصيت إليك سنة وبعدها وصيي فلان فالمذهب صحته وبه قطع الجمهور وتحتمل الوصية التعليق كما تحتمل الجهالات والأخطار
وحكى الحناطي وآخرون فيه خلافا كتعليق الوكالة وبالمنع أجاب الروياني فقال لو قال إذا مت فقد أوصيت إليك لا يجوز بخلاف قوله أوصيت إليك إذا مت
ولو قال أوصيت إليك فإذا حضرك الموت فقد أوصيت إلى من أوصيت إليه أو فوصيك وصيي فباطلة على الأظهر
وقيل قطعا
وقيل صحيحة قطعا
الثالثة أوصى إلى زيد وأذن له في الوصاية نظر إن لم يعين بل قال أوص بتركتي إلى من شئت فأوصى بها إلى شخص صح على الأظهر
وقيل قطعا
وإن عين فقال أوص بها إلى فلان فكذلك
وقيل تصح قطعا لأنه قطع اجتهاده فصار كقوله أوصيت بعده إلى فلان

فرع لو أطلق فقال أوص إلى من شئت أو إلى فلان ولم
فهل يحمل على الوصاية عنه حتى يجيء فيه الخلاف أم يقطع بأنه لا يوصي عنه فيه وجهان حكاهما البغوي وقال الأصح الثاني
المسألة الثانية لا يجوز نصب وصي على الاولاد البالغين العقلاء لأنه لا يلي أمرهم
وأما المجانين فتجوز الوصاية في أمرهم كالصبيان وله نصب الوصي لقضاء

الدين والوصايا
وإذا نصبه لذلك لم يتمكن من إلزام الورثة تسليم التركة لتباع في الدين بل لهم إمساكها وقضاء الدين من مالهم
فلو امتنعوا من التسليم والقضاء من عندهم ألزمهم أحد الامرين
هذا إذا أطلق الوصاية بقضاء الدين
فإن قال ادفع هذا العبد إليه عوضا عن دينه فينبغي أن لا يكون للورثة إمساكه لأن في أعيان الأموال أغراضا
ولو قال بعه واقض الدين من ثمنه فيجوز أن لا يكون لهم الامساك أيضا لأنه قد يكون أطيب
المسألة الثالثة لا يجوز للأب نصب الوصي في حياة الجد على الصحيح لأن ولايته ثابتة شرعا كولاية التزويج
هذا في أمر الأطفال فأما في قضاء الديون والوصايا فله ذلك ويكون الوصي أولى من الجد
ولو لم ينصب وصيا فأبوه أولى بقضاء الدين وأمر الأطفال والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا كذا نقله البغوي وغيره
الرابعة ليس لغير الأب والجد الوصاية في أمر الأطفال ولا للأم إلا على قول الاصطخري في أنها تلي فتوصي
الركن الثالث الموصى فيه وهو التصرفات المالية المباحة فيدخل فيه الوصاية بقضاء الديون وتنفذ في الوصايا وأمور الأطفال ولا تجوز في تزويج الأطفال ولا في معصية كبناء كنيسة وكتب التوراة
وذكر طائفة منهم الإمام أن الوصاية لا تجري في رد المغصوب والودائع ولا في الوصية بعين لمعين لأنها مستحقة بأعيانها فيأخذها أصحابها وإنما يوصي فيما يحتاج إلى نظر واجتهاد كالوصية للفقراء وهذا الذي قالوه موضع توقف نقلا ومعني
أما النقل فما سيأتي في بقية الباب وفي كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى حيث قالوا إن أوصى إلى فاسق ضمن
وأما المعنى فلأنه قد يخاف خيانة الوارث

الركن الرابع الصيغة فلا بد في الوصاية من الايجاب بأن يقول أوصيت إليك أو فوضت أو أقمتك مقامي ونحو ذلك ويجوز فيها التوقيت كما سبق من جواز التعليق وذلك كقوله أوصيت إليك سنة أو إلى أن يبلغ ابني فلان أو أوصى إلى زوجته إلى أن تتزوج
وأما القبول فالمذهب اشتراطه وأشار بعضهم إلى خلاف فيه
وهل يقوم عمل الوصي مقام لفظ قبوله وجهان
وكل هذا مأخوذ من الوكالة ولا يشترط القبول في حياة الموصي
فلو قيل في حياته لم يعتد به على الأصح
كما لو أوصى بمال يشترط القبول بعد الموت
وقيل يعتد به كما لو وكله بعمل يتأخر يصح القبول في الحال
والرد في حياة الوصي على هذين الوجهين
فعلى الأول لو رد في حياته ثم قبل بعد موته جاز ولو رد بعد الموت لغت الوصاية

فرع إن فصل فقال أوصيت إليك في قضاء ديوني وتنفيذ وصاياتي والتصرف
في أموال أطفالي والقيام بمصالحهم أو ذكر بعض هذه الأعمال فذاك وإن اقتصر على قوله أوصيت إليك أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي ولم يذكر التصرف فثلاثة أوجه
أصحها له التصرف والحفظ اعتمادا على العرف
والثاني ليس له إلا الحفظ تنزيلا على الأقل
والثالث لا تصح الوصاية حتى يبين ما فوضه إليه
ولو اقتصر على قوله أوصيت إليك فباطلة قطعا

فرع لو اعتقل لسانه فأوصى بالاشارة المفهمة أو قرىء عليه كتاب
فأشار برأسه أن نعم صحت الوصاية كالأخرس
فرع أوصى إليه في تصرف لا يتعداه

فرع يجوز أن يوصي إلى اثنين فصاعدا وأن يوصي إلى واحد وينصب
مشرفا ولا يتصرف الوصي إلا بإذنه
ثم إذا أوصى إلى اثنين إن كانت في رد الودائع أو الغصوب والعواري وتنفيذ الوصية المعينة وقضاء الدين الذي في التركة من جنسه فلكل منهما الانفراد به لأن صاحب الحق مستقل في هذه الصور بالأخذ
هكذا نقل البغوي وغيره وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بجريان الوصاية في رد الغصوب والعواري خلاف ما قالته تلك الطائفة
ثم وقوع المدفوع موقعه وعدم الرد والنقص عند انفراد أحدهما بين لكن تجويز الانفراد ليس ببين فإن تصرفهما في هذه الأموال مستفاد بالوصاية فليكن بحسبها ولتجيء فيه الأحوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في سائر التصرفات وستجد في كلام الأصحاب ما هو كالصريح فيما ذكرتي
وإن كانت الوصاية في تفرقة الثلث وأمور الأطفال والتصرف في أموالهم فلها أحوال

أحدها أن يثبت الاستقلال لكل واحد فيقول أوصيت إليكما أو إلى كل منكما أو يقول كل واحد واحد منكما وصيي في كذا قال أبو الفرج الزاز أو يقول أنتما وصياي في كذا فلكل منهما الانفراد بالتصرف
وإذا مات أحدهما أو جن أو فسق أو لم يقبل الوصاية كان للآخر الانفراد
وإن ضعف نظر أحدهما فللآخر الانفراد وللحاكم أن يضم إلى ضعيف النظر من يعينه
الثاني أن يشترط اجتماعهما على التصرف فليس لواحد منهما الانفراد
فإن انفرد لم ينفذ البيع والشذاء والاعتاق ويضمن ما أنفق
فإن مات أحدهما أو جن أو فسق أو غاب أو لم يقبل الوصية نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرف مع الآخر
وهل له إثبات الاستبداد للآخر وجهان
أصحهما لا
ولو ماتا جميعا فهل للحاكم نصب واحد أم لا بد من اثنين فيه الوجهان
قال إمام الحرمين وليس المراد من اجتماعهما على التصرف تلفظهما بصيغ العقود معا بل المراد صدوره عن رأيهما ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما
الثالث أن يطلق قوله أوصيت إليكما فهو كالتقييد بالاجتماع لأنه المتيقن

فصل قال أوصيت إلى زيد ثم قال أوصيت إلى عمرو لم يكن
ثم إن قبلا فهما شريكان وليس لاحدهما الانفراد بالتصرف على الصحيح وبه قطع المتولي
وقال البغوي ينفرد وهو ضعيف
ولو قبل أحدهما فقط انفرد بالتصرف
ولو قال لعمرو ما أوصيت به إلى زيد قد أوصيت به إليك فهو رجوع
ولو قال لزيد ضممت إليك عمرا أو قال لعمرو ضممتك إلى زيد فإن قبل عمرو دون زيد لم ينفرد بالتصرف بل يضم القاضي إليه أمينا وينبغي أن يجيء

في استقلاله الوجهان
وإن قبل زيد دون عمرو فالذي ذكره الغزالي والمتولي أنه ينفرد بالتصرف وفيه نظر وإن قبلا جميعا فقال الغزالي هما شريكان ويشبه أن يقال زيد وصيي وعمرو مشرف

فرع أوصى إلى شخصين فاختلفا في التصرف نظر إن كانا مستقلين وقال
كل واحد أنا أتصرف حكى الشيخ أبو حامد أنه يقسم فيتصرف كل واحد في نصفه فإن كان مما لا ينقسم ترك بينهما حتى يتصرفا فيه
وقال غيره لا حاصل لهذا الاختلاف ومن سبق نفذ تصرفه
وإن لم يكونا مستقلين أمرهما الحاكم بما رآه مصلحة
فإن امتنع أحدهما ضم القاضي إلى الآخر أمينا
وإن امتنعا أقام مقامهما أمينين ولا ينعزلان بالاختلاف بل الآخران نائبان عنهما
وإن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء عين القاضي من يراه
وإن اختلفا في الحفظ قسم ولكل واحد التصرف فيما في يده ويد صاحبه
وقيل إن لم يكونا مستقلين لم ينفرد أحدهما بحفظ شىء
والصحيح المنصوص الذي عليه الجمهور أنه لا فرق
ثم إذا قسم وتنازعا في عين النصف المحفوظ أقرع على الأصح
وقيل يعين القاضي
هذا إذا كان المتاع منقسما وإلا فيحفظانه معا بجعله في بيت يقفلانه أو برضاهما بنائب يحفظه من جهتهما وإلا فيتولى القاضي حفظه وكذا لو كان منقسما وقلنا لا ينقسم عند عدم الاستقلال
ثم ذكر البغوي أن هذا التفصيل فيما إذا جعل إليهما التصرف واختلفا في الحفظ إلى التصرف
فأما إذا جعل الحفظ إلى اثنين فلا ينفرد أحدهما بحال

فصل في أحكام الوصاية
فمنها الجواز فللموصي الرجوع متى شاء وللموصي عزل نفسه متى شاء
قلت إلا أن يتعين عليه أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره
والله أعلم
ومنها أن الوصي يقضي الديون التي على الصبي من الغرامات والزكوات وكفارة القتل
وفي الكفارة وجه لأنها ليست على الفور وينفق عليه وعلى من عليه نفقته ولينفق بالمعروف وهو ترك الاسراف والتقتير
فان أسرف ضمن الزيادة ويشتري له الخادم عند الحاجة إذا كان مثله يخدم
فرع إذا بلغ الصبي ونازعه في أصل الانفاق صدق الوصي بيمينه
ولو قال أسرفت في الانفاق فإن كان بعد تعيينهما قدرا نظر فيه وصدق من يقتضي الحال تصديقه
وإن لم يعينا فالمصدق الوصي على المذهب وبه قطع الجمهور وحكى البغوي عن بعضهم فيه وجهين وهذا على غرابته يجيء في أصل الانفاق
فرع ادعى أن الوصي خان في بيع ماله فباعه بلا حاجة ولا
خلاف قدمناه في باب الحجر
والمذهب أن القول قول المدعي

فرع تنازعا في تاريخ موت أبيه فقال من خمس سنين فقال
واتفقا على إنفاقه من يوم الموت لم يقبل قول الوصي على الأصح
فرع ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ لا يقبل بغير بينة على

فرع يقبل قول الوصي في التلف بالغصب والسرقة

فرع قيم الحاكم كالوصي فيما ذكرناه والمجنون بعد إفاقته كالصبي

فصل إذا بلغ الصبي مجنونا أو سفيها استمرت ولاية الصبي كما سبق
في باب الحجر

ثم إن رأى أن يدفع إلى المبذر نفقة أسبوع أسبوع فعل فإن لم يثق به دفعها إليه يوما يوما ويكسوه كسوة مثله فإن كان يخرقها هدده فإن لم يمتنع اقتصر في البيت على إزار
وإذا خرج كساه وجعل عليه رقيبا

فصل ليس له تزويج الأطفال وإن ذكره الموصي ولا بيع مال الصبي
ولا عكسه ولا بيع مال صبي لصبي وتجوز شهادة الوصي على الاطفال ولا تجوز شهادته لهم بمال وإن كان وصيا في تفرقة الثلث فقط لأنه يثبت لنفسه ولاية ويجوز لمن هو وصي في مال معين أن يشهد بغيره
فصل في مسائل منثورة يجوز للوصي أن يوكل فيما لم تجر العادة
لمثله ولا يجوز أن يبيع شيئا من مال كبار الورثة بغير إذنهم
وإذا أوصى بثلث ماله وليس له إلا عبد لم يبع الوصي إلا ثلثه
ولو كان الوصي والصبي شريكين لم يستقل بالقسمة سواء قلنا هي بيع أو إفراز
وفي فتاوى القفال ليس له خلط حنطته بحنطة الصبي ولا دراهمه بدراهمه وقول الله تعالى { وإن تخالطوهم } محمول على ما لا بد منه للارفاق وهو خلط الدقيق بالدقيق واللحم باللحم للطبخ ونحوه ولا يلزم الوصي الاشهاد في بيع مال اليتيم على الأصح
وفي الجرجانيات لأبي العباس الروياني وجهان في أن الولي لو فسق قبل انبرام البيع هل يبطل البيع ووجهان في أن الوصاية هل تنعقد بلفظ الولاية كقوله وليتك كذا بعد موتي ويجوز للوصي

أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يتصرف في البلد ويجوز إلى من يسافر به إذا جوزنا المسافرة به عند أمن الطريق وهو الأصح كما سبق في الحجر ولو أوصى إلى الله تعالى وإلى زيد فقياس ما سبق فيما إذا أوصى لله تعالى ولزيد مجيء وجهين
أحدهما أن الوصاية إلى زيد
والثاني إلى زيد والحاكم
ولو أوصى بشىء لرجل لم يذكره وقال قد سميته لوصيي فللورثة أن لا يصدقوه
وفي شرح أدب القاضي لأبي عاصم العبادي أنه لو قال سميته لوصيي زيد وعمرو فعينا رجلا استحقه
وإن اختلفا في التعيين فهل تبطل الوصية أم يحلف كل منهما مع شاهده قولان
وفي الزيادات لأبي عاصم أنه لو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال فله أن يؤدي شيئا لتخليصه والله يعلم المفسد من المصلح
وفي فتاوى القفال أنه لو أوصى إلى رجل فقال بع أرضي الفلانية واشتر من ثمنها رقبة فاعتقها عني وأحج عني واشتر مائة رطل خبز فأطعمها الفقراء فباع الأرض بعشرة وكان لا توجد رقبة إلا بعشرة ولا يحج إلا بعشرة ولا يباع الخبز بأقل من خمسة فتوزع العشرة عليها خمسة أسهم ولا يحصل الاعتاق والحج بحصتهما فيضم إلى حصة الخبز تمام الخمسة فينفذ فيه الوصية ويرد الباقي على الورثة كما لو أوصى لكل واحد من زيد وعمرو بعشرة وكان ثلاثة عشر فرد أحدهما دفعت العشرة إلى الآخر
ولو قال اشتر من ثلثي رقبة فاعتقها وأحج عني واحتاج كل منهما إلى عشرة فإن قلنا يقدم العتق صرفت العشرة إليه وإلا فينبغي أن يقرع بينهما ولا يوزع إذ لو وزع لم يحصل واحد منهما وبالله التوفيق

كتاب الوديعة
هي المال الموضوع عند أجنبي ليحفظه
واستودعته الوديعة استحفظته إياها
ومن أودع وديعة يعجز عن حفظها حرم عليه قبولها وإن كان قادرا لكن لا يثق بأمانة نفسه فهل يحرم قبولها أم يكره وجهان
وإن قدر ووثق بأمانة نفسه استحب القبول
فإن لم يكن هناك غيره فقد أطلق مطلقون أنه يتعين عليه القبول وهو محمول على ما بينه السرخسي في الأمالي وهو أنه يجب أصل القبول دون أن يتلف منفعة نفسه وحرزه في الحفظ من غير عوض
فرع لا يصح إيداع الخمر ونحوها

فصل الايداع توكيل خاص وأركانه كأركانها أربعة الحفظ والعاقدان والصيغة

فلا بد من صيغة من المودع دالة على الاستحفاظ كقوله استودعتك هذا المال أو أودعتك أو استحفظتك أو أنبتك في حفظه أو احفظه أو هو وديعة عندك أو ما في معناها
وفي اشتراط القبول باللفظ ثلاثة أوجه
أصحها لا يشترط بل يكفي القبض في العقار والمنقول
والثاني يشترط
والثالث يشترط

إن كان بصيغة عقد كأودعتك ولا يشترط إن قال احفظه أو هو وديعة عندك
ولو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا فقطع الروياني في الحلية بالجواز والقياس تخريجه على الخلاف في تعليق الوكالة
ولو جاء بماله ووضعه بين يدي غيره ولم يتلفظ بشىء لم يحصل الايداع
فلو قبضه الموضوع عنده ضمنه
وكذا لو كان قد قال قبل ذلك أريد أن أودعك ثم جاء بالمال فإن قال هذا وديعتي عندك أو احفظه ووضعه بين يديه فإن أخذه الموضوع عنده تمت الوديعة إن لم يشترط القبول لفظا
وإن لم يأخذه نظر إن لم يتلفظ لم يكن وديعة حتى لو ذهب وتركه فلا ضمان عليه لكن يأثم إن كان ذهابه بعدما غاب المالك
وإن قال قبلت أو ضعه فوضعه كان إيداعا كما لو قبضه بيده كذا قال البغوي
وقال المتولي لا يكون وديعة ما لم يقبضه
وفي فتاوى الغزالي أنه إن كان الموضع في يده فقال ضعه دخل المال في يده لحصوله في الموضع الذي هو في يده
وإن لم يكن بأن قال انظر إلى متاعي في دكاني فقال نعم لم يكن وديعة
وعلى الأول لو ذهب الموضوع عنده وتركه فإن كان المالك حاضرا بعد فهو رد للوديعة
وإن غاب المالك ضمنه

فصل لا يصح الايداع إلا من جائز التصرف

فلو أودع صبي أو مجنون مالا لم يقبله فإن قبله ضمنه ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى الناظر في أمره
لكن لو خاف هلاكه في يده فأخذه على وجه الحسبة صونا له لم يضمنه على الاصح
ولا يصح الايداع إلا عند جائز التصرف فلو أودع مالا عند صبي فتلف لم يضمنه إذ ليس عليه حفظه فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ فتلف
وإن أتلفه الصبي

فقولان
ويقال وجهان
أحدهما لا ضمان لان المالك سلطه عليه فصار كما لو باعه أو أقرضه وأقبضه فأتلفه فلا ضمان قطعا
وأظهرهما يضمن كما لو أتلف مال غيره من غير استحفاظ
ولا تسليط على الاتلاف هنا بخلاف البيع والقرض
ولو أودع ماله عند عبد فتلف عنده فلا ضمان
وإن أتلفه فهل يتعلق الضمان برقبته كما لو أتلف ابتداء أم بذمته كما لو باعه فيه الخلاف المذكور في الصبي
وإيداع السفيه والايداع عنده كايداع الصبي والايداع عنده

فرع استنبطوه من الخلاف المذكور في الصبي والعبد أصلا في الباب وهو
ولم يتعلق برقبة العبد
وإق قلنا إذن فبالعكس
وخرجوا عليه ولد الجارية المودعة ونتاج البهيمة
إن قلنا عقد فالولد وديعة كالام وإلا فليس بوديعة بل أمانة شرعية في يده يجب ردها في الحال حتى لو لم يؤد مع التمكن ضمن على الأصح كذا قاله البغوي
وقال المتولي إن قلنا عقد لم يكن وديعة بل أمانة اعتبارا بعقد الرهن والإجارة وإلا فهل يتعدى حكم الأم إلى الولد كالأضحية أم لا كالعارية وجهان والموافق لاطلاق الجمهور كون الوديعة عقدا
فصل في أحكام الوديعة هي ثلاثة

أحدها الجواز من الجانبين وتنفسخ بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه

ولو عزل المودع نفسه ففي انعزاله وجهان بناء على أن الوديعة إذن أم عقد إن قلنا إذن فالعزل لغو كما لو أذن للضيفان في أكل طعامه فقال بعضهم عزلت نفسي يلغو قوله وله الأكل بالإذن السابق
فعلى هذا تبقى الوديعة بحالها
وإن قلنا عقد انفسخت وبقي المال في يده أمانة شرعية كالريح تطير الثوب إلى داره فعليه الرد عند التمكن وإن لم يطلب على الأصح
فإن لم يفعل ضمن
( الحكم ) الثاني أنها أمانة فلا يضمن إلا عند التقصير وأسباب التقصير تسعة
أحدها أن يودعها المودع عند غيره بلا عذر من غير إذن المالك فيضمن سواء أودع عند عبده وزوجته وابنه أو أجنبي
والكلام في تضمين المالك المودع الثاني قد سبق في بابي الرهن والغصب
وإن أودعها عند القاضي فوجهان سواء كان المالك حاضرا أو غائبا أصحهما عند الجمهور يضمن
فإن جوزنا الدفع إلى القاضي لم يجب عليه القبول إن كان المالك حاضرا والدفع عليه متيسرا وإن لم يكن كذلك لزمه القبول على الأصح لأنه نائب الغائبين
وإذا حمل الغاصب المغصوب إلى القاضي ففي وجوب القبول الوجهان لكن هذا أولى بالمنع ليبقى مضمونا للمالك
ومن عليه دين لو حمله إلى القاضي نظر إن كان بحيث لا يجب على المالك قبوله فالقاضي أولى وإلا فوجهان وأولى بالمنع وهو الأصح لأن الدين في الذمة لا يتعرض للتلف وإذا تعين تعرض له
وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا استحفظ غيره وأزال يده ونظره عن الوديعة
أما إذا استعان به في حملها إلى الحرز فلا بأس كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها
قال القفال وكذا لو كانت خزانته وخزانة ابنه واحدة فدفعها إلى ابنه ليضعها في الخزانة
وذكر الامام أن المودع إذا أراد الخروج لحاجاته فاستحفظ من يثق به من متصليه وكان يلاحظ المخزن في عوداته فلا بأس
وإن فوض الحفظ إلى بعضهم ولم يلاحظ الوديعة

أصلا ففيه تردد
وإن كان المخزن خارجا عن داره التي يأوي إليها وكان لا يلاحظه فالظاهر تضمينه

فرع هذا الذي ذكرناه إذا لم يكن عذر

فإن كان بأن أراد سفرا فينبغي أن يردها إلى مالكها أو وكيله
فإن تعذر وصوله إليهما دفعها إلى القاضي وعليه قبولها
فإن لم يجد قاضيا دفعها إلى أمين ولا يكلف تأخير السفر
فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو أمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله ضمن ويجيء في هذا الخلاف السابق
وإن دفع إلى أمين مع القدرة على الحاكم ضمن على المذهب
ولو دفن الوديعة عند سفره ضمن إن دفنها في غير حرزه أو في حرز ولم يعلم بها أمينا أو أعلمه جيث لا يجوز الايداع عند الأمين أو حيث يجوز إلا أن الذي أعلمه لا يسكن الموضع
فإن سكنه لم يضمن على الأصح
كذا فصله الجمهور وجعل الإمام في معنى السكنى أن يراقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس
وقيل إن الاعلام كالايداع سواء سكن الموضع أم لا
ونقل صاحب المعتمد وغيره وجهين في أن سبيل هذا الإعلام سبيل الإشهاد أم الإئتمان أصحهما الثاني
فعلى الأول لا بد من إعلام رجلين أو رجل وامرأتين
وكما يجوز الايداع بعذر السفر كما تبين فكذا سائر الاعذار كما إذا وقع في البقعة حريق أو نهب أو غارة أو خاف الغرق وليكن في معناها إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزا ينقلها إليه
السبب الثاني السفر بها فإذا أودع حاضرا لم يجز أن يسافر بها فإن فعل ضمن
وقي لا يضمن إذا كان الطريق امنا أو سافر في البحر والغالب فيه

السلامة والصحيح الأول
ولو سافر بها لعذر بأن جلا أهل البلد أو وقع حريق أو غارة فلا ضمان بشرط أن يعجز عن ردها إلى المالك ووكيله والحاكم وعن ايداع أمين ويلزمه السفر بها في هذه الحالة وإلا فهو مضيع
ولو عزم على السفر في وقت السلامة وعجز عن المالك ووكيله والحاكم والأمين فسافر بها لم يضمن على الأصح عند الجمهور لئلا ينقطع عن مصالحه وينفر الناس عن قبول الودائع
وشرط الجواز أن يكون الطريق امنا وإلا فيضمن وهذا ظاهر في مسألة الوجهين
فأما عند الحريق ونحوه فكان يجوز أن يقال إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر فله السفر بها
قال في الرقم وإذا كان الطريق آمنا فحدث خوف أقام
ولو هجم قطاع الطريق فألقى المال في مضيعة إخفاء له فضاع ضمن

فرع إذا أودع مسافرا فسافر بالوديعة أو منتجعا فانتجع بها فلا ضمان
لأن المالك رضي حين أودعه
السبب الثالث ترك الايصاء فاذا مرض المودع مرضا مخوفا أو حبس للقتل لزمه أن يوصي بها
فإن سكت عنها ضمن لأنه عرضها للفوات إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه والمراد بالوصية الإعلام والأمر بالرد من غير أن يخرجها من يده وهو مخير في هذه الحالة بين الإيداع والإقتصار على الإعلام والأمر بالرد
ثم يشترط في الوصية بها أمور
أحدها أن يعجز عن الرد إلى المالك أو وكيله وحينئذ يودع عند الحاكم أو يوصي إليه
فإن عجز
فيودع عند أمين أو يوصي إليه
كذا رتب الجمهور

كما إذا أراد السفر
وفي التهذيب أنه يكفيه الوصية وإن أمكن الرد إلى المالك لأنه لا يدري متى يموت
الثاني أن يوصي إلى أمين
فإذا أوصى إلى فاسق كان كما لو لم يوص فيضمن ولا بأس بأن يوصي إلى بعض ورثته وكذد الايداع حيث يجوز أن يودع أمينا
الثالث أن يبين الوديعة ويميزها عن غيرها بإشارة إليها أو ببيان جنسها وصفتها
فلو لم يبين الجنس بل قال عندي وديعة فهو كما لو لم يوص

فرع لو ذكر الجنس فقال عندي ثوب لفلان نظر إن لم يوجد
ثوب فهل يضمن وجهان
أصحهما عند جماهير الأصحاب يضمن لتقصيره في البيان فيضارب صاحب الوديعة بقيمتها مع الغرماء
وإن وجد في تركته أثواب ضمن قطعا لأنه إذا لم يميز فكأنه خلط الوديعة
وإن وجد ثوب واحد ضمن أيضا على الأصح ولا يدفع إليه الثوب الموجود
وقيل يتعين الثوب الموجود وبه قطع البغوي والمتولي
وفي أصل المسألة وجه أنه إنما يضمن إذا قال عندي ثوب لفلان وذكر معه ما يقتضي الضمان
فأما إذا اقتصر عليه فلا ضمان
فرع قال الإمام إذا لم يوص أصلا فادعى صاحب الوديعة أنه قصر
الورثة لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير فالظاهر براءة الذمة

فرع جميع ما ذكرناه إذا تمكن من الإيداع أو الوصية فإن
بأن قتل غيلة أو مات فجأة فلا ضمان
فرع إذا مات ولم يذكر أن عنده وديعة فوجد في تركته كيس
غير مختوم مكتوب عليه وديعة فلان أو وجد في جريدته لفلان عندي كذا وديعة لم يلزم الورثة التسليم بهذا لاحتمال أنه كتب هو أو غيره تلبيسا أو اشترى الكيس وعليه الكتابة فلم يمحها أو رد الوديعة بعد كتابتها في الجريدة ولم يمحها وإنما يلزم التسليم بإقراره أو إقرار المورث ووصية أو بينة
السبب الرابع نقلها فإذا أودعه في قرية فنقل الوديعة إلى قرية أخرى فإن كان بينهما مسافة القصر ضمن وكذا إن كان بينهما ما يسمى سفرا على الصحيح
وإن لم يسم سفرا ضمن إن كان فيها خوف أو كانت المنقول عنها أحرز وإلا فلا على الأصح
وحيث منعنا النقل فذاك إذا لم يكن ضرورة
فإن وقعت ضرورة فكما ذكرنا في المسافرة
وإذا أراد الإنتقال بلا ضرورة فالطريق ما سبق فيما إذا أراد السفر
والنقل من محلة إلى محلة أو من دار إلى دار كالنقل من قرية إلى قرية متصلتي العمارة فإن كانت المنقول عنها أحرز ضمن وإلا فلا
ولو نقل من بيت إلى بيت في دار واحدة أو خان واحد فلا ضمان
وإن كان الأول أحرز منهما كان الثاني حرزا أيضا قاله البغوي
وجميع مسائل

الفصل فيما إذا أطلق الإيداع فأما إذا أمر بالحفظ في موضع معين فسنذكره إن شاء الله تعالى
السبب الخامس التقصير في دفع المهلكات فيجب على المودع دفع المهلكات على المعتاد
فلو أودعه فله أحوال
أحدها أن يأمره بالعلف والسقي فعليه رعاية المأمور
فإن امتنع حتى مضت مدة يموت مثلها في مثلها فإن ماتت ضمنها وإلا فقد دخلت في ضمانه
وإن نقصت ضمن نصفها
وتختلف المدة بإختلاف الحيوانات
وإن ماتت قبل مضي هذه المدة لم يضمن إن لم يكن بها جوع وعطش سابق
وإن كان وهو عالم به ضمن وإلا فلا على الأصح
فإن ضمناه فيضمن الجميع أم بالقسط وجهان كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط
الثانية أن ينهاه عن العلف والسقي فيعصي إن ضيعها لحرمة الروح
والصحيح الذي قاله الجمهور أنه لا ضمان وضمنه الاصطخري
الثالثة أن لا يأمره ولا ينهاه فيلزم القيام بهما لأنه التزم حفظها
ثم الكلام في أمرين
أحدهما المودع لا يلزمه العلف من ماله فإن دفع إليه المالك علفها فذاك
ولو قال اعلفها من مالك فهو كقوله اقض ديني
والأصح الرجوع عليه
فإن لم يذكر شيئا راجع المالك أو وكيله ليستردها أو يعطي علفها
فإن لم يظفر بهما رفع الأمر إلى الحاكم ليقترض عليه أو يبيع جزءا منها أو يؤجرها ويصرف الأجرة في مؤنتها
والقول فيه وفي تفاريعه كما سبق في هرب الجمال وعلف الضالة ونفقة اللقيط ونحوها

الأمر الثاني إن علفها وسقاها في داره أو اصطبله حيث تعلف وتسقى دوابه
فقد وفى بالحفظ
وإن أخرجها من الموضع فإن كان يفعل كذلك مع دوابه لضيق وغيره فلا ضمان
وإن كان ليسقي دوابه فيه فقد قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وإن أخرجها إلى غير داره وهو يسقي في داره ضمن
وقال الاصطخري بظاهره وأطلق وجوب الضمان
وقالت طائفة
هذا إذا كان الموضع أحرز
فإن تساويا فلا ضمان
وقال أبو إسحق واخرون هذا إذا كان في الإخراج خوف
فإن لم يكن لم يضمن لإطراد العادة وهذا هو الأصح
ثم إن تولى السقي والعلف بنفسه أو أمر به صاحبه وغلامه وهو حاضر لم تزل يده فذاك وإن بعثها على يد صاحبه ليسقيها أو أمره بعلفها وأخرجها من يده فإن لم يكن صاحبها أمينا ضمن وإلا فلا على الأصح للعادة
قال في الوسيط والوجهان فيمن يتولى بنفسه في العادة فأما غيره فلا يضمن قطعا

فرع إذا كان النهي عن العلف لعلة تقتضيه كالقولنج فعلفها قبل زوال
العلة فماتت ضمن
فرع العبد المودوع كالبهيمة في الأحوال المذكورة

ولو أودعه نخيلا فوجهان
أحدهما سقيها كسقي الدابة
والثاني لا يضمن بترك السقي إذا لم يأمره به

فرع ثياب الصوف التي يفسدها الدود يجب على المودع نشرها وتعريضها
للريح
بل يلزمه لبسها إذا لم يندفع إلا بأن تلبس وتعبق بها رائحة الآدمي فإن لم يفعل ففسدت ضمن سواء أمره المالك أو سكت
فإن نهاه عنه فامتنع حتى فسدت كره ولا يضمن
وأشار في التتمة إلى أنه يجيء فيه وجه الاصطخري
ولو كان الثوب في صندوق مقفل ففتح القفل ليخرجه وينشره قال البغوي لا يضمن على الأصح
هذا كله إذا علم المودع
فإن لم يعلم بأن كان في صندوق أو كيس مشدود ولم يعلمه المالك فلا ضمان
السبب السادس الانتفاع
فالتعدي باستعمال الوديعة والإنتفاع بها كلبس الثوب وركوب الدابة خيانة مضمنة
فإن كان هناك عذر بأن لبس لدفع الدود كما سبق أو ركب الدابة حيث يجوز إخراجها للسقي وكانت لا تنقاد إلا بالركوب فلا ضمان
وإن انقادت من غير ركوب فركب ضمن
ولو أخذ الدراهم ليصرفها إلى حاجته أو الثوب ليلبسه أو أخرج الدابة ليركبها ثم لم يستعمل ضمن لأن الإخراج على هذا القصد خيانة
ولو نوى الأخذ لنفسه فلم يأخذ لم يضمن على الصحيح وقول الأكثرين وضمنه ابن سريج
ويجري الخلاف فيما لو نوى أن لا يرد الوديعة بعد طلب المالك
وقيل يضمن هنا قطعا لأنه يصير ممسكا لنفسه قاله القاضي أبو حامد والماوردي
ويجري الوجهان فيما إذا كان الثوب في صندوق غير مقفل فرفع رأسه ليأخذ الثوب ويلبسه ثم بدا له
ولو كان الصندوق مقفلا والكيس مختوما ففتح القفل وفض الختم ولم يأخذ ما فيه فوجهان
أحدهما لا يضمن ما فيه وانما يضمن الختم الذي تصرف فيه
وأصحهما يضمن ما فيه لأنه هتك الحرز
وعلى هذا ففي ضمان الكيس والصندوق وجهان لأنه لم يقصد الخيانة في الظرف

ولو خرق الكيس نظر إن كان الخرق تحت موضع الختم فهو كفض الختم
وإن كاق فوقه لم يضمن إلا نقصان الخرق
ولو أودعه شيئا مدفونا فنبشه فهو كفض الختم
ولا يلتحق بالفض وفتح القفل حل الخيط الذي يشد به رأس الكيس أو رزمة الثياب لأن القصد منه المنع من الانتشار لا أن يكون مكتوما عنه
وعن الحاوي وجهان فيما إذا كانت عنده دراهم فوزنها أودعها أو ثياب فذرعها ليعرف طولها أنه هل يضمن ويشبه أن يجيء هذا الخلاف في حل الشد
قلت ليس هو مثله
والله أعلم

فرع إذا صارت الوديعة مضمونة على المودع بانتفاع أو إخراج من الحرز
أو غيرهما من وجوه التقصير ثم ترك الخيانة ورد الوديعة إلى مكانها لم يبرأ ولم تعد أمانته
فلو ردها إلى المالك ثم أودعه ثانيا فلا شك في عود أمانته
فلو لم يردها بل أحدث له المالك استئمانا فقال أذنت لك في حفظها أو أودعتكها أو استأمنتك أو أبرأتك من الضمان فوجهان
ويجوز أن يقال قولان
أصحهما يصير أمينا ويبرأ
ولو قال في الابتداء أودعتك فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينا لي فخان ثم ترك الخيانة قال المتولي لا يعود أمينا بلا خلاف لأنه إسقاط ما لم يجب وتعليق للوديعة
فرع قال خذ هذه وديعة يوما وغير وديعة يوما فهو وديعة أبدا

ولو قال

وديعة يوما وعارية يوما فهو وديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني ثم لا تعود وديعة أبدا حكاه الروياني في كتابه البحر عن اتفاق الأصحاب

فصل إذا خلط الوديعة بمال نفسه وفقد التمييز ضمن وإن خلطها بمال
آخر للمالك ضمن أيضا على الأصح لأنه خيانة
ولو أودعه دراهم فأنفق منها درهما ثم رد مثله إلى موضعه لا يبرأ من ضمانه ولا يملكه المالك إلا بالدفع إليه ثم إن كان المردود غير متميز عن الباقي صار الجميع مضمونا لخلطه الوديعة بمال نفسه
فإن تميز فالباقي غير مضمون وإن لم ينفق الدرهم المأخوذ ورده بعينه لم يبرأ من ضمان ذلك الدرهم ولا يصير الباقي مضمونا عليه إن تميز ذلك الدرهم عن غيره وإلا فوجهان
ويقال قولان
أحدهما يصير الباقي مضمونا لخلطه المضمون بغيره
وأصحهما لا لأن هذا الخلط كان حاصلا قبل الأخذ
فعلى هذا لو كانت الجملة عشرة فتلفت لم يلزمه إلا درهم ولو تلفت خمسة لزمه نصف درهم
هذا كله إذا لم يكن على الدراهم ختم ولا قفل أو كان وقلنا مجرد الفتح والفض لا يقتضي الضمان
أما إذا قلنا يقتضيه وهو الأصح فبالفض والفتح يضمن الجميع
فرع إذا أتلف بعض الوديعة ولم يكن له اتصال بالباقي كأحد الثوبين
لم يضمن إلا المتلف
وإن كان له اتصال كتحريق الثوب وقطع طرف العبد والبهيمة نظر إن كان عاملا فهو جان على الكل فيضمن الجميع
وإن كان مخطئا ضمن المتلف ولا يضمن الباقي على الأصح

السبب السابع المخالفة في الحفظ
فإذا أمره بحفظها على وجه مخصوص فعدل إلى وجه آخر وتلفت فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول إليها ضمن وكانت المخالفة تقصيرا
وإن تلفت بسبب آخر فلا ضمان
هذه جملة السبب ولتفصيلها صور
إحداها أودعه مالا في صندوق وقال لا ترقد فرقد عليه نظر إن خالف بالرقود بأن انكسر رأس الصندوق بثقله أو تلف ما فيه ضمن وإلا فإن كان في بيت محرز أو في صحراء فأخذه لص فلا ضمان على الصحيح لأنه زاده خيرا
وإن كان في صحراء وأخذه لص من جانب الصندوق ضمن على الأصح
وإنما يظهر هذا إذا سرق من جانب لو لم يرقد عليه لرقد هناك وقد تعرض بعضهم لهذا القيد
ولو قال لا تقفل عليه فأقفل أو لا تقفل إلا قفلا فأقفل قفلين أو لا تغلق باب البيت فأغلقه فلا ضمان على الصحيح
ولو أمره بدفنها في بيته وقال لا تبن فبنى فهو كما لو قال لا ترقد عليه فرقد ثم هو عند الاسترداد منقوص غير مغروم على المالك كما لو نقل الوديعة عند الضرورة لا يرجع بالاجرة على المالك لأنه متطوع نص عليه في عيون المسائل
( الصورة ) الثانية أودعه دراهم أو غيرها وقال اربطها في كمك فأمسكها نقل المزني أنه لا ضمان
ونقل الربيع أنه يضمن
وللأصحاب ثلاثة طرق
أحدها إطلاق قولين
والثاني أنه إن لم يربطها في الكم واقتصر على الإمساك ضمن وإن أمسك باليد بعد الربط لم يضمن والثالث وهو أصحها إن تلفت بأخذ غاصب فلا ضمان لان اليد أحرز بالنسبة إليه
وإن سقطت بنوم أو نسيان ضمن لإنها

لو كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب فالتلف حصل بالمخالفة
ولفظ النص في عيون المسائل مصرح بهذا التفصيل
ولو لم يربطها في الكم وجعلها في جيبه لم يضمن لأنه أحرز إلا إذا كان واسعا غير مزرور
وفي وجه ضعيف يضمن بالعكس يضمن قطعا
أما إذا امتثل فربطها في كمه فلا يكلف معه الإمساك باليد ثم ينظر إن جعل الخيط الرابط خارج الكم فأخذها الطرار ضمن لأن فيه إظهار الوديعة وتنبيه الطرار لأنه أسهل عليه في قطعه وحله
وإن ضاع بالإسترسال وانحلال العقدة لم يضمن إذا كان قد احتاط في الربط لأنها إذا انحلت بقيت الدراهم في الكم
وإن جعل الخيط الرابط داخل الكم انعكس الحكم
فإن أخذها الطرار لم يضمن
وإن ضاعت بالإسترسال ضمن لأن العقدة إذا انحلت تناثرت الدراهم هكذا قاله الأصحاب وهو مشكل لأن المأمور به مطلق الربط
فإذا أتى به وجب أن لا ينظر إلى جهات التلف بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف

فرع لو أودعه دراهم في سوق أو طريق ولم يقل اربطها في
في يدك فربطها في الكم وأمسكها باليد فقد بالغ في الحفظ
وكذا لو جعلها في جيبه وهو ضيق أو واسع مزرور
فإن كان واسعا غير مزرور ضمن لسهولة تناولها باليد
ولو أمسكها بيده ولم يربطها لم يضمن إن تلفت بأخذ غاصب ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم
فلو ربطها ولم يمسكها بيده فقياس ما سبق أن ينظر إلى كيفية الربط وجهة التلف
ولو وضعها في الكم ولم يربطها فسقطت فان كانت خفيفة لا يشعر بها ضمن لتفريطه في الاحراز وإن كانت ثقيلة يشعر بها

لم يضمن ذكره في المهذب وقياس هذا يلزم طرده فيما سبق من صور الاسترسال كلها
ولو وضعها في كور عمامته ولم يشد ضمن

فرع أودعه في سوق وقال احفظها في بيتك فينبغي أن يمضي إلى
ويحفظها فيه
فإن أخر من غير عذر ضمن
وإن أودعه في البيت وقال احفظها في البيت فربطها في الكم وخرج بها صارت مضمونة عليه
وكذا لو لم يخرج بها وربطها في الكم مع إمكان إحرازها في الصندوق ونحوه وإن كان ذلك لقفل تعذر فتحه ونحوه
لم يضمن
قال في المعتمد وإن شدها في عضده وخرج بها فإن كان الشد مما يلي الأضلاع لم يضمن لأنه أحرز من البيت وإن كان من الجانب الآخر ضمن لأن البيت أحرز منه
وفي تقييدهم الصورة بما إذا قال احفظها في البيت إشعار بأنه لو أودعه في البيت ولم يقل شيئا يجوز له أن يخرج بها مربوطة ويشبه أن يكون الرجوع إلى العادة
الصورة الثالثة إذا عين للوديعة مكانا فقال احفظها في هذا البيت أو في هذه الدار فأما أن يقتصر عليه وإما أن ينهاه مع ذلك عن النقل فإن اقتصر عليه فنقلها إلى ما دونه في الحرز ضمن على الصحيح وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها
وإن نقلها إلى بيت مثل الأول لم يضمن إلا أن يتلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه فيضمن لأن التلف حصل بالمخالفة
والسرقة من المنقول إليه كالإنهدام قاله البغوي والمتولي
وفي كلام الغزالي ما يقتضي إلحاق السرقة والغصب بالموت وكذا صرح به بعضهم
وإن نهاه فقال احفظ في هذا البيت ولا تنقلها فإن نقلها من غير ضرورة ضمن لصريح المخالفة من غير حاجة سواء كان

المنقول إليه أحرز أو لم يكن
قال الاصطخري إن كان أحرز من الأول أو مثله لم يضمن والصحيح الأول
وإن نقل لضرورة غارة أو غرق أو حريق أو غلبة لصوص لم يضمن وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها
ولا بأس بكونه دون الأول إذا لم يجد أحرز منه
ولو ترك النقل والحالة هذه ضمن على الأصح لأن الظاهر أنه أراد بالنهي تحصيل الاحتياط
ولو قال لا تنقلها وإن حدثت ضرورة فإن لم ينقلها لم يضمن على الصحيح كما لو قال أتلف مالي فأتلفه لا يضمن وإن نقل لم يضمن على الأصح لأنه قصد الصيانة
وحيث قلنا لا يجوز النقل إلا لضرورة فاختلفا في وقوعها فإن عرف هناك ما يدعيه المودع صدق بيمينه وإلا طولب بالبينة فإن لم تكن بينة صدق المالك بيمينه
وحكى أبو الفرج الزاز وجها أن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين ثم ذكر الأئمة أن جميع هذا فيما إذا كان البيت أو الدار المعينة للمودع
أما إذا كان للمالك فليس للمودع إخراجها من ملكه بحال إلا أن تقع ضرورة
الصورة الرابعة إذا نقلها من ظرف إلى ظرف كخريطة إلى خريطة وصندوق إلى صندوق فالمتلخص من كلام الأصحاب على اضطرابه أنه إن لم يجر فتح قفل ولا فض ختم ولا خلط ولم يعين المالك ظرفا فلا ضمان لمجرد النقل سواء كانت الصناديق للمودع أو للمالك
وإذا كانت للمالك فحصولها في يد المودع قد يكون بجهة كونها وديعة أيضا
إما فارغة وإما مشغولة بالوديعة وقد تكون بجهة العارية
وإن جرى شىء من ذلك فالفض والفتح والخلط سبق أنها مضمنة
وإن عين ظرفا نظر إن كانت الظروف للمالك فوجهان
أحدهما يضمن
وأصحهما لا لأنهما وديعتان وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والأخرى في آخر
فعلى هذا إن نقل إلى ما دون الأول ضمن وإلا فلا
وإن كانت الظروف للمودع فهي كالبيوت بلا خلاف

الصورة الخامسة قال احفظ وديعتي في هذا البيت ولا تدخل إليها أحدا أو لا تستعن على حفظها بالحارسين فخالف فإن حصل التلف بسبب المخالفة بأن سرقها الذين أدخلهم أو الحارسون ضمن
وإن سرق غيرهم أو وقع حريق فلا ضمان
( الصورة ) السادسة أودعه خاتما وقال اجعله في خنصرك فجعله في بنصره فهو أحرز لكن لو انكسر لغلظها أو جعله في الأنملة العليا ضمن
وإن قال اجعله في البنصر فجعله في الخنصر فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر فالذي فعله أحرز ولا ضمان
وإن كان ينتهي إليه ضمن
وإن أودعه الخاتم ولم يقل شيئا فإن جعله في غير الخنصر لم يضمن الا أن غير الخنصر في حق المرأة كالخنصر
وإن جعله في الخنصر ففيه احتمالان عن القاضي حسين وغيره
أحدهما يضمن لأنه استعمال
والثاني إن قصد الحفظ لم يضمن
وإن قصد الاستعمال ضمن وفي الرقم للعبادي أنه إن جعل فصه إلى ظهر الكف ضمن
وإلا فلا
قلت المختار أنه يضمن مطلقا إلا إذا قصد الحفظ
والله أعلم
( الصورة ) السابعة أودعه وقال لا تخبر بها فخالف فسرقها من أخبره أو من أخبره من أخبره ضمن
ولو تلفت بسبب آخر لم يضمن
وقال العبادي لو سأله رجل فقال هل عندك لفلان وديعة فأخبره ضمن لأن كتمها من حفظها
السبب الثامن التضييع لأن المودع مأمور بحفظها في حرز مثلها بالتحرز عن أسباب التلف
فلو أخر إحرازها مع التمكن أو جعلها في مضيعها أو في غير حرز مثلها ضمن
ولو جعلها في أحرز من حرز مثلها ثم نقلها إلى حرز مثلها فلا ضمان
ثم هنا صور

( الصورة ) الأولى إذا أعلم بالوديعة من يصادر المالك ويأخذ أمواله ضمنها
بخلاف ما إذا أعلمه غير المودع لأنه لم يلتزم الحفظ
ولو أعلم المودع اللصوص بالوديعة فسرقوها إن عين الموضع ضمن وإلا فلا
كذا فصله البغوي
( الصورة ) الثانية ضيع بالنسيان ضمن على الأصح ويؤيده نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل أنه لو أودعه إناء من قوارير فأخذه المودع بيده ليحرزه في منزله فأصابه شىء من غير فعله فانكسر لم يضمن ولو أصابه بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصل إلى البيت أو بعدما وصله فهو ضامن
والخطأ والنسيان يجريان مجرى واحدا ولأنهم قالوا لو انتفع بوديعة ثم ادعى غلطا وقال ظننته ملكي لا يصدق مع أنه احتمال قريب فدل على أن الغلط لا يدفع الضمان
( الصورة ) الثالثة إذا أخذ الظالم الوديعة قهرا فلا ضمان على المودع كما لو سرقت منه
وإن أكرهه حتى يسلمها بنفسه فللمالك مطالبة الظالم بالضمان ولا رجوع له إذا غرم وله أيضا مطالبة المودع على الأصح ثم يرجع على الظالم وهما كالوجهين في أن المكره على إتلاف مال الغير هل يطالب ومهما طالبه الظالم بالوديعة لزمه دفعه بالانكار والإخفاء والإمتناع ما قدر
فإن ترك الدفع مع القدرة ضمن
وإن أنكر فحلفه جاز له أن يحلف لمصلحة حفظ الوديعة ثم تلزمه الكفارة على المذهب
وإن أكرهه على الحلف بطلاق أو عتاق فحاصله التخيير بين الحلف وبين الإعتراف والتسليم
فإن اعترف وسلم ضمن على المذهب لأنه فدى زوجته بالوديعة
وإن حلف بالطلاق طلقت زوجته على المذهب لأنه فدى الوديعة بزوجته
السبب التاسع الجحود
فإذا قال المودع لا وديعة لأحد عندي إما ابتداء وإما جوابا لسؤال غير المالك فلا ضمان سواء جرى ذلك بحضرة المالك أو في غيبته لأن إخفاءها أبلغ في حفظها
وإن طلبها المالك فجحدها فهو خائن ضامن

وإن لم يطلبها بل قال لي عندك وديعة فسكت لم يضمن
وإن أنكر لم يضمن أيضا على الأصح لأنه قد يكون في الإخفاء غرض صحيح بخلاف ما بعد الطلب
فلو جحد ثم قال كنت غلطت أو نسيت لم يبرأ إلا أن يصدقه المالك

فرع من أنكر وديعة ادعيت صدق بيمينه

فلو أقام المدعي بينة بالإبداع أو اعترف بها المدعى عليه طولب بها
فإن ادعى ردها أو تلفها قبل الجحود أو بعده نظر في صيغة جحوده
فإن أنكر أصل الإيداع لم تقبل دعواه الرد لتناقض كلامه وظهور خيانته
وأما في دعوى التلف فيصدق لكنه كالغاصب فيضمن
وهل يتمكن من تحليف المالك وهل تسمع بينته على ما يدعيه من الرد أو التلف وجهان
أصحهما نعم لاحتمال أنه نسي فصار كمن ادعى وقال لا بينة لي ثم جاء ببينة تسمع
فعلى هذا لو قامت بينة بالرد أو الهلاك قبل الجحود سقطت المطالبة
وإن قامت بالهلاك بعد الجحود ضمن لخيانته
وقد حكينا في ألفاظ المرابحة إذا قال اشتريت بمائة ثم قال بمائة وخمسين أن الأصحاب فرقوا بين أن لا يذكر وجها محتملا في الغلط وبين أن يذكره ولم يتعرضوا لمثله هنا والتسوية بينهما متجهة
وإن كانت صيغة جحوده لا يلزمني تسليم شىء إليك أو مالك عندي وديعة أو شىء صدق في دعوى الرد والتلف لأنها لا تناقض كلامه الأول
فإن اعترف بأنه كان باقيا يوم الجحود لم يصدق في دعوى الرد إلا ببينة
وإن ادعى الهلاك فكالغاصب إذا ادعاه
والمذهب أنه يصدق بيمينه ويضمن
الحكم الثالث من أحكام الوديعة ردها عند بقائها فإذا كانت الوديعة باقية لزم المودع ردها إذا طلبها المالك وليس المراد أنه يجب عليه مباشرة الرد وتحمل

مؤنته بل ذلك على المالك وإنما على المودع رفع اليد والتخلية بين المالك وماله فإن أخر من غير عذر دخلت الوديعة في ضمانه
وإن كان هناك عذر يعسر قطعه بأن طالبه في جنح الليل والوديعة في خزانة لا يتأتى فتح بابها في الوقت أو كان مشغولا بصلاة أو قضاء الحاجة أو في حمام أو على طعام فأخر حتى يفرغ أو كان ملازما لغريم يخاف هربه أو كان المطر واقعا والوديعة في البيت فأخر حتى ينقطع ويرجع إلى البيت وما أشبه ذلك فله التأخير قطعا
فلو تلفت الوديعة في تلك الحال فقطع المتولي بأنه لا ضمان لعدم تقصيره وهذا مقتضى كلام البغوي أيضا
ولفظ الغزالي في الوسيط يشعر بتفصيل وهو أنه إن كان التأخير لتعذر الوصول إلى الوديعة فلا ضمان
وإن كان لعسر يلحقه أو غرض يفوته ضمن
قلت الراجح أنه لا يضمن مطلقا وصرح به كثيرون
والله أعلم

فرع قال المودع لا أرد حتى تشهد أنك قبضتها فهل له ذلك
أوجه سبق ذكرها في كتاب الوكالة ووجه رابع أنه إن كان المالك أشهد بالوديعة عند دفعها فله ذلك وإلا فلا
فرع يشترط كون المردود عليه أهلا للقبض

فلو حجر عليه بسفه أو كان نائما فوضعها في يده لم يجز

فرع أودعه جماعة مالا وذكر أنه مشترك بينهم ثم جاء بعضهم
لم يكن للمودع القسمة ولا تسليم الجميع بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه
فرع قال له ردها على فلان وكيلي فطلب الوكيل فلم يرد فهو
طلب المالك فلم يرد لكن له التأخير ليشهد المدفوع إليه على القبض لأنه لو أنكر صدق بيمينه
وإن لم يطلب الوكيل فإن لم يتمكن من الرد لم تصر مضمونة وإلا فوجهان لأنه لما أمره بالدفع إلى وكيله عزله فيصير ما في يده كالأمانة الشرعية مثل الثوب تطيره الريح إلى داره
وفيها وجهان
أحدهما تمتد إلى المطالبة
وأصحهما تنتهي بالتمكن من الرد
قال ابن كج ويجري الوجهان فيمن وجد ضالة وهو يعرف مالكها
وذكر إمام الحرمين في الأساليب أنه لو قال رد الوديعة على من قدرت عليه من وكلائي هؤلاء ولا تؤخر فقدر على الرد على بعضهم وأخر ليرد على غيره فهو ضامن عاص بالتأخير وأنه لو لم يقل ولا تؤخر يضمن بالتأخير وفي العصيان وجهان
وإنه لو قال ردها على من شئت منهم فلم يرد على واحد ليرد على آخر لا يعصي وفي الضمان وجهان
فرع هل يجب على المودع الإشهاد عند الدفع إلى الوكيل وجهان جاريان
فيما لو دفع إليه مالا ابتداء وأمره بايداعه أصحهما عند البغوي يجب كما لو أمره بقضاء

دينه يلزمه الإشهاد وأصحهما عند الغزالي لا لأن قول المودع مقبول في الرد والتلف فلا يغني الإشهاد لأن الودائع حقها الإخفاء بخلاف قضاء الدين
فإذا قلنا يجب فالحكم كما ذكرناه في كتاب الوكالة أنه إن دفع في غيبة الموكل من غير إشهاد ضمن
وإن دفع بحضرته لم يضمن على الأصح

فصل طالبه المالك بردها فادعى التلف بسبب خفي كالسرقة صدق بيمينه
وإن ادعاه بسبب ظاهر كالحريق والغارة والسيل فإن لم يعرف ما ادعاه بتلك البقعة لم يقبل قوله في الهلاك به
وإن عرف بالمشاهدة أو الاستفاضة نظر إن عرف عمومه صدق بلا يمين
وإن لم يعرف عمومه واحتمل أنه لم يصب الوديعة صدق باليمين
وإن لم يذكر سبب التلف صدق بيمينه ولا يكلف بيان سببه
وإذا نكل المودع عن اليمين حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق وعد المتولي موت الحيوان والغصب من الأسباب الظاهرة
وفي التهذيب إلحاق الغصب والسرقة وهو الأقرب
فصل إذا ادعى رد الوديعة على الذي ائتمنه وهو المالك صدق بيمينه

فإن مات قبل الحلف ناب عنه وارثه وانقطعت المطالبة بحلفه
وإن ادعى الرد على غير من ائتمنه لم يقبل إلا ببينة
وتفصيله بصور
إحداها إذا مات المالك لزم المودع الرد على ورثته
حتى لو تلف في يده

بعد التمكن من الرد ضمن على الأصح
فإن لم يجد الورثة رد إلى الحاكم
وقيد في العدة هذا الجواب بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة أما إذا علموا فلا يجب الرد إلا بعد طلبهم
ولو طالبه الوارث فقال رددته على المالك أو تلف في يدي في حياته صدق بيمينه
وإن قال رددته عليك فأنكر فالمصدق الوارث
وإن قال تلف في يدي قبل تمكني من الرد فهل المصدق الوارث كدعوى الرد أم المودع لأن الأصل براءته وجهان
قلت ينبغي أن يكون الثاني أصح
والله أعلم
( الصورة ) الثانية مات المودع فعلى وارثه ردها
فإن تلفت في يده بعد التمكن ضمن على الأصح
فإن كان المالك غائبا سلمها إلى الحاكم
فلو تنازعا فقال وارث المودع رد عليك مورثي أو تلفت في يده قال المتولي لم يقبل إلا ببينة
وقال البغوي يصدق بيمينه وهو الوجه لأن الأصل عدم حصولها في يده
ولو قال رددتها عليك فالمصدق المالك
ولو قال تلفت في يدي قبل التمكن فعلى الوجهين
( الصورة ) الثالثة لو قال من طيرت الريح ثوبا إلى داره رددت على المالك وادعاه الملتقط لم يصدق إلا ببينة
( الصورة ) الرابعة إذا أراد المودع سفرا فأودعها أمينا فادعى الأمين تلفها صدق
وإن ادعى الرد المالك لم يقبل لأنه لم يأتمنه
وإن ادعى الرد على المودع صدق لأنه أمينه
كذا ذكره الغزالي والمتولي وهذا ذهاب إلى أن للمودع إذا عاد من السفر أن يستردها وبه صرح العبادي وغيره
وحكي عن الإمام أن اللائق بمذهب الشافعي رحمه الله منعه من الاسترداد بخلاف المودع يسترد من الغاصب

على وجه لأنه من الحفظ المأمور به
ولو كان المالك عين أمينا فقال إذا سافرت فاجعلها عند فلان ففعل فالحكم بالعكس إن ادعى الرد على المالك صدق
وإن ادعاه على المودع الأول لم يصدق
( الصورة ) الخامسة قال المودع للمالك أودعتها عند وكيلك فلان بأمرك فللمالك أحوال
أحدها ينكر الإذن فيصدق بيمينه
فإذا حلف نظر إن كان فلان مقرا بالقبض والوديعة باقية ردها على المالك
فإن غاب المدفوع إليه فللمالك تغريم المودع
فإذا قدم أخذها وردها على المالك واسترد البدل
وإن كانت تالفة فللمالك تغريم أيهم شاء وليس لمن غرم الرجوع على صاحبه لزعمه أن المالك ظالم بما أخذ
وإن كان فلان منكرا صدق بيمينه واختص الغرم بالمودع
( الحالة ) الثانية يعترف بالإذن وينكر الدفع فوجهان
أحدهما يصدق المودع وتجعل دعوى الرد على وكيل المالك كدعواه على المالك
وأصحهما تصديق المالك لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه
ولو وافق فلان المودع وقال تلفت في يدي لم يقبل قوله على المالك بل يحلف المالك ويغرم المودع
( الحالة ) الثالثة يعترف بالإذن والدفع معا لكنه يقول لم تشهد والمدفوع إليه منكر فيبنى على وجوب الإشهاد على الإيداع
فإن لم نوجبه فليس له تغريمه
وإن أوجبناه فعلى الخلاف السابق في الوكالة في نظير هذه الصورة
ولو اتفقوا جميعا على الدفع إلى الأمين وادعى الأمين ردها على المالك أو تلفها في يده صدق بيمينه
هذا إذا عين المالك الأمين أما لو قال أودعها أمينا ولم يعينه فادعى الأمين التلف صدق
وإن ادعى الرد على المالك فالمصدق المالك لأنه لم يأتمنه كذا ذكروه
ولو قيل أمين أمينه أمينه كما تقول على رأي وكيل وكيل وكيله لم يبعد

قلت بل هو بعيد والفرق ظاهر

فصل في يده مال جاء رجلان ادعى كل أنه مودعه فجوابه يفرض

إحداها أن يكذبهما ويقول المال لي فيحلف لكل أنه لا يلزمه تسليمه إليه
( الصيغة ) الثانية أن يقر لأحدهما بعينه فيعطاه وهل يحلف للآخر يبنى على أنه لو أقر لزيد بشىء ثم أقر به لعمرو هل يغرم لعمرو إن قلنا لا فلا
وإن قلنا نعم عرضت اليمين عليه
فإن حلف سقطت دعوى الآخر
وإن نكل حلف الآخر
ثم هل يوقف المال بينهما إلى أن يصطلحا أم يقسم بينهما كما لو أقر لهما أم يغرم المدعى عليه القيمة له فيه ثلاثة أوجه عن ابن سريج قال ابن الصباغ المذهب هو الثالث
( الصيغة ) الثالثة قال هو لكما فهو كمال في يد شخصين يتداعيانه
فإن حلف أحدهما قضي له ولا خصومة للآخر مع المودع لنكوله
وإن نكلا أو حلفا جعل بينهما وحكم كل واحد منهما في النصف الآخر كالحكم في الجميع في حق غير المقر له وقد بيناه
( الصيغة ) الرابعة قال هو لأحدكما وقد نسيت عينه فإن ضمنا المودع بالنسيان فهو ضامن وإلا نظر إن صدقاه فلا خصومة لهما معه وإنما الخصومة بينهما
فإن اصطلحا في شىء فذاك وإلا فيجعل المال كأنه في أيديهما يتداعيانه هذا هو الصحيح
وقيل هو كمال في يد ثالث يتداعيانه لأنه لم يثبت لأحدهما يد
فعلى الأول لو أقام كل واحد منهما بينة أو حلفا أو نكلا فهو بينهما
وإن

أقام أحدهما بينة أو حلف ونكل صاحبه قضي له
وعلى الثاني لو أقام كل بينة فعلى الخلاف في تعارض البينتين
وإن نكلا أو حلفا وقف المال بينهما
وسواء قلنا بالأول أم بالثاني هل يترك المال في يد المدعى عليه إلى أن تنفصل خصومتهما أم ينزع منه فيه قولان
أظهرهما الثاني وبه قطع البغوي وغيره
قال المتولي والقولان فيما إذا طلب أحدهما الإنتزاع والآخر الترك أما إذا اتفقا على أحد الأمرين فيتبع الحاكم رأيهما
أما إذا كذباه في دعوى النسيان وادعيا علمه فهو المصدق بيمينه ويكفيه يمين واحدة على نفي العلم لأن المدعى شىء واحد وهو علمه
وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدعه الخصمان وجهان
ثم إذا حلف فالحكم كما إذا صدقاه في النسيان
وقيل ينتزع المال من يده هنا وإن لم ينتزع هناك لأنه خائن عندهما بدعوى النسيان وإن نكل ردت اليمين عليهما
فإن نكلا فالمال مقسوم بينهما أو موقوف حتى يصطلحا على ما سبق
وإن حلف أحدهما فقط قضي له
وإن حلفا فقولان
ويقال وجهان
أحدهما يوقف حتى يصطلحا
وأظهرهما يقسم لأنه في أيديهما
وعلى هذا يغرم القيمة وتقسم بينهما أيضا لأن كل واحد منهما أثبت بيمين الرد كل العين ولم يأخذ إلا نصفها
هذا هو الصحيح الأشهر فيما إذا نكل المودع
وقيل لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا
وقيل لا ترد اليمين عليهما بنكوله بل يوقف بناء على أنهما لو حلفا وقف المال بينهما فلا معنى لعرض اليمين
وإذا رددنا اليمين فهل يقرع بينهما أم يبدأ الحاكم بمن رأى وجهان أصحهما الثاني حكاه السرخسي في الأمالي
وإذا حلفا وقسم بينهما العين والقيمة فإن لم ينازع أحدهما الآخر فلا كلام
وإن نازعه وأقام أحدهما البينة أن جميع العين له سلمناها إليه ورددنا القيمة إلى المودع
وإن لم يكن بينة ونكل صاحبه عن اليمين فحلف واستحق العين رد نصف القيمة

الذي أخذه ولا يرد الناكل ما أخذه لأنه استحقه بيمينه على المودع ولم يعد إليه المبدل ونكوله كان مع صاحبه لا مع المودع
وصرح في الوسيط بأن الناكل لا يرد سواء سلمت العين بالبينة أو باليمين

فرع ادعى اثنان غصب مال في يده كل يقول غصبته مني فقال
أحدكما ولا أعرفه حلف لكل منهما على البت أنه لم يغصبه
فإذا حلف لأحدهما تعين المغصوب للثاني فلا يحلف له
( الحالة ) الخامسة قال هو وديعة عندي ولا أدري أهو لكما أم لأحدكما أم لغيركما وادعيا علمه فحلف على نفي علمه ترك في يده حتى تقوم بينة وليس لأحدهما تحليف الآخر لأنه لم يثبت لواحد منهما يد ولا استحقاق بخلاف الصورة السابقة
فصل في مسائل منثورة إحداها تعدى في الوديعة ثم بقيت في يده
لزمه أجرة مثلها
( المسألة ) الثانية في فتاوى القفال أنه لو ترك حماره في صحن خان وقال للخاني احفظه كيلا يخرج فكان الخاني ينظره فخرج في بعض غفلاته فلا ضمان لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد
( المسألة ) الثالثة المودع إذا وقع في خزانته حريق فبادر إلى نقل الامتعة وقدم أمتعته

على الوديعة فاحترقت الوديعة لم يضمن كما لو لم يكن فيها إلا ودائع فأخذ في نقلها فاحترق ما تأخر نقله
( المسألة ) الرابعة لو ادعى ابن المالك موت أبيه وعلم المودع بذلك وطلب الوديعة فله تحليف المودع على نفي العلم
فإن نكل حلف المدعي
( المسألة ) الخامسة مات المالك وطلب الوارث الوديعة فامتنع المودع ليفحص هل في التركة وصية فهو متعد ضامن
( المسألة ) السادسة من وجد لقطة وعلم مالكها فلم يخبره حتى تلفت ضمن وكذا قيم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يخبر الحاكم حتى تلف المال في يده ضمن وهذا كما قدمنا أنه يجب الرد عند التمكن أو هو هو
( المسألة ) السابعة من صور تعدي الامناء أن لا يبيع قيم الصبي أوراق فرصاده حتى يمضي وقتها فيلزمه الضمان وليس من التعدي أن يؤخر لتوقع زيادة فيتفق رخص وكذا قيم المسجد في أشجاره وهذا شبيه بتعريض الثوب الذي يفسده الدود للريح وهذه المسائل سوى الأولى في فتاوى القفال
( المسألة ) الثامنة بعث رسولا إلى حانوته ودفع خاتمه معه علامة وقال رده علي إذا قبضت المأمور بقبضه فقبضه ولم يرد الخاتم ووضعه في حرزه فلا ضمان ذكره العبادي في الزيادات كأن المعنى أنه ليس عليه الرد ولا مؤنته وإنما التخلية
( المسألة ) التاسعة في فتاوى القاضي حسين أن الثياب في مسلخ الحمام إذا سرقت والحمامي جالس في مكانه مستيقظ فلا ضمان عليه
وإن نام أو قام من مكانه ولا نائب له هناك ضمن
ويجب على الحمامي الحفظ إذا استحفظ
وإن لم يستحفظ حكى القاضي عن الأصحاب أنه لا يجب عليه الحفظ قال وعندي يجب للعادة

( المسألة ) العاشرة عن بعضهم لو أودعه قبالة وقال له لا تدفعها إلى زيد حتى يعطيك دينارا فدفعها إليه قبل أن يعطيه فعليه قيمة القبالة مكتوبة الكاغد وأجرة الوراق
قلت ومن مسائل الباب قال أصحابنا لو أكرهه على قبول وديعة وحفظها فأخذها لم تكن مضمونة عليه كما لو قبضها مختارا وأولى
ولو تعين عليه قبول وديعة فلم يقبلها وتلفت فهو عاص ولا ضمان لأنه لم يلتزم الحفظ
والله أعلم

كتاب قسم الفيء والغنيمة
المال المأخوذ من الكفار منقسم إلى ما يحصل بغير قتال وإيجاف خيل وركاب وإلى حاصل بذلك ويسمى الأول فيئا
والثاني غنيمة
ثم ذكر المسعودي وطائفة أن اسم كل واحد من المالين يقع على الآخر إذا أفرد بالذكر فاذا جمع بينهما افترقا كاسمي الفقير والمسكين
وقال الشيخ أبو حاتم القزويني وغيره اسم الفيء يشمل المالين واسم الغنيمة لا يتناول الأول
وفي لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر ما يشعر به
وبيان قيمة المالين يقع في بابين
الباب الأول في الفيء
فمنه ما جلا عنه الكفار خوفا من المسلمين إذا سمعوا خبرهم أو لضر أصابهم وجزية أهل الذمة وما صولح عليه أهل بلد من الكفار وعشور تجاراتهم المشروطة عليهم إذا دخلوا دار الاسلام ومال من مات أو قتل على الردة ومال من مات من أهل الذمة عندنا ولا وارث له وكل ذلك مخمس على ما سنفصله إن شاء الله تعالى
هذا هو المذهب
وحكي عن القديم أن مال المرتد لا يخمس
فقيل يختص هذا القول بالمرتد ويخمس ما سواه قطعا لأن المرتد يستصحب به حكم الإسلام كما يؤمر بقضاء الصلوات وتلزمه الحدود
وقيل ما تركوه خوفا من المسلمين يخمس قطعا وفيما سواه يطرد القول القديم وبهذا الطريق قال الأكثرون
ومنهم من طرد في جميع مال الفيء قولين
الجديد يخمس كالغنيمة
والقديم المنع لأنه لم يقاتل عليه كما لو صولحوا على الضيافة فإنه لا حق لأهل الخمس في مال الضيافة بل يختص به الطارقون
قال البغوي وحيث قلنا لا يخمس

فحكم جميع المال حكم الأخماس الأربعة على قولنا بالتخميس وفي مصرفها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى
قال الروياني في الحلية لو صالحونا على مال عند القتال فهو غنيمة

فصل مال الفيء يقسم خمسة أسهم فأربعة يأتي بيان مصرفها والخمس الآخر
يقسم على خمسة أسهم متساوية
أحدها السهم المضاف إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله ومصالحه وما فضل جعله في السلاح عدة في سبيل الله تعالى وفي سائر المصالح
وأما بعده صلى الله عليه وسلم فيصرف هذا السهم في مصالح المسلمين كسد الثغور وعمارة الحصون والقناطر والمساجد وأرزاق القضاة والأئمة ويقدم الأهم فالأهم
ونقل الشافعي رحمه الله عن بعض العلماء أن هذا السهم يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى فذكر أبو الفرج الزاز أن بعض الأصحاب جعل هذا قولا للشافعي لأنه استحسنه
وحكى في الوسيط وجها أن هذا السهم يصرف إلى الإمام لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذان النقلان شاذان مردودان
السهم الثاني لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب يشترك فيه فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم بشرط كون الانتساب بالآباء فلا يعطى أولاد البنات
قلت وحكى ابن المنذر وابن كج وجها في اختصاصه بفقرائهم وهو شاذ متروك
والله أعلم

ولا يفضل أحد منهم على أحد إلا بالذكورة فللذكر سهمان وللأنثى سهم
وقال المزني يسوى بينهما
وقال القاضي حسين المدلي بجهتين يفضل على المدلي بجهة

فرع يعم بالعطاء الحاضر في موضع حصول الفيء والغائب عنه على الصحيح

وقال أبو إسحق ما حصل في إقليم دفع إلى من فيه لمشقة النقل
واحتجوا للصحيح بظاهر الآية وبالقياس على الإرث
وأما المشقة فيأمر الإمام أمناءه في كل أقليم بضبط من فيه ولا يلزمه نقل ما في كل إقليم إلى جميع الأقاليم بل الحاصل في كل إقليم يضبط يفرق على ساكنيه
فإن لم يكن في بعضها شىء أو لم يف بمن فيه نقل قدر الحاجة
قال الإمام ولو كان الحاصل قدرا لو وزع لم يسد مسدا قدم الأحوج ولا يستوعب للضرورة
السهم الثالث لليتامى
واليتيم الصغير الذي لا أب له قيل ولا جد
ويشترط فيه الفقر على المشهور
وقيل على الصحيح
السهم الرابع والخامس المساكين وابن السبيل وقد سبق بيانهما في الزكاة
فرع في تعميم اليتامى والمساكين وابن السبيل وتخصيص الحاصل في كل إقليم

فرع سبق في باب الوصية أن عند الانفراد يدخل الفقراء في
وعكسه ولفظ المساكين هنا مفرد فيدخل فيه الفقراء وحينئذ مقتضى القول بوجوب تعميم مساكين الاقليم أو العالم تناول الفقراء أيضا وهذا مقتضى كلام بعضهم
ومنهم من يقول يجوز الصرف إلى الفقراء لأنهم أشد حاجة وهذا لا يقتضي تناولهم
قلت الصحيح الأول وأنهما داخلان في الاسم
وممن صرح به القاضي أبو الطيب في تعليقه
والله أعلم
فرع يجوز أن يفاوت بين اليتامى وكذا في المساكين وأبناء السبيل لأن هؤلاء
يستحقون بالقرابة
فرع لا يشترط أن يكون هؤلاء الأصناف الثلاثة من المرتزقة على الصحيح
المعروف
وعن القفال اختصاصه بيتامى المرتزقه وذكر الماوردي مثله في المساكين وأبناء السبيل

فرع إذا فقد بعض الأصناف وزع نصيبه على الباقين كالزكاة إلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه للمصالح كما ذكرنا
فرع لا يجوز الصرف إلى كافر

فرع لا يجوز الاقتصار على إعطاء ثلاثة من اليتامى ولا من المساكين
ولا من أبناء السبيل كما قلنا في الزكاة إذا فرقها الإمام
قلت لا يجوز دفع شىء من سهم ذوي القربى إلى مواليهم قال صاحب التلخيص لو ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل قبل بلا بينة ولا يقبل اليتم والقرابة إلا ببينة
والله أعلم
فصل وأما أربعة أخماس الفيء ففي مصرفها ثلاثة أقوال أظهرها أنها

والثاني للمصالح
والثالث أنها تقسم كما يقسم الخمس فيقسم جميع الفيء على الخمسة الذين ذكرناهم وهذا غريب
فعلى الثاني نبدأ بالأهم

فالأهم
وأهمها تعهد المرتزقة
وكذا حكم خمس الخمس
فالقولان الأولان متفقان على أن المصرف المرتزقة وإنما يختلفان فيما فضل عنهم

فرع وللامام في القسمة على المرتزقة وظائف

إحداها يضع ديوانا
قال في الشامل وهو الدفتر الذي يثبت فيه الاسماء
فيحصي المرتزقة بأسمائهم وينصب لكل قبيلة أو عدد يراه عريفا ليعرض عليه أحوالهم ويجمعهم عند الحاجة ويثبت فيه قدر أرزاقهم
قلت نصب العريف مستحب
والله أعلم
الثانية يعطي كل شخص قدر حاجته فيعرف حاله وعدد من في نفقته وقدر نفقتهم وكسوتهم وسائر مؤنتهم ويراعي الزمان والمكان وما يعرض من رخص وغلاء وحال الشخص في مروءته وضدها وعادة البلد في المطاعم فيكفيه المؤونات ليتفرغ للجهاد فيعطيه لأولاده الذين هم في نفقته أطفالا كانوا أو كبارا وكلما زادت الحاجة بالكبر زاد في حصته
وهل يدفع إليه ما يتعهد منه الأولاد أم يتولى الإمام تعهدهم بنفسه أو بنائب له فيه قولان
أظهرهما الأول
وحكى الحناطي وأبو الفرج الزاز وجها أنه لا يعطي الأولاد شيئا لأنهم لا يقاتلون وهذا شاذ ضعيف وإذا كان له عبد يقتنيه للزينة أو للتجارة لم يعط له
وإن كان يقاتل معه أو يحتاج إليه في الغزو لسياسة الدواب ونحوها أعطي له وكذا لو كان له عبد يخدمه وهو ممن يخدم بل لو لم يكن له عبد واحتاج إليه أعطاه الإمام عبدا ولا يعطي إلا لعبد واحد
وفي الزوجات يعطي للجماعة

وإذا نكح جديدة زاد في العطاء لأن نهايتهن أربع والعبيد لا حصر لهم وكأن هذا في عبيد الخدمة
فأما الذين يتعلق بهم مصلحة الجهاد فينبغي أن يعطي لهم وإن كثروا
قلت كذا هو منقول وإنما يقتصر في عبيد الخدمة على واحد إذا حصلت به الكفاية
فأما من لا تحصل كفايته إلا بخدمة عبيد فيعطي لمن يحتاج إليه ويختلف باختلاف الأشخاص
والله أعلم
والوجه الشاذ في الأولاد يجري في الزوجات والعبيد

فرع يعطى المرتزق مؤنة فرسه بل يعطى الفرس إذا كان يقاتل فارسا
ولا فرس له ولا يعطى للدواب التي يتخذها زينة ونحوها
فرع يعطى كل منهم بقدر حاجتهم ولا يفضل أحد منهم بشرف نسب
في الإسلام أو الهجرة وسائر الخصال المرضية بل يستوون كالارث والغنيمة
وفي وجه يفضل إذا اتسع المال
الثالثة يستحب أن يقدم في الاعطاء وفي إثبات الاسم في الديوان قريشا على سائر الناس وهم ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
قال الأستاذ أبو منصور هذا قول أكثر النسابين

وبه قال الشافعي وأصحابه وهو أصح ما قيل
وقيل هم ولد إلياس
وقيل ولد مضر
وقيل ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة
ثم يقدم من قريش الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن ملك بن النضر بن كنانة فيقدم بني هاشم وبني المطلب على سائر قريش ثم بني عبد شمس وبني نوفل أخوي هاشم ويقدم منهما بني عبد شمس لأنه أخو هاشم لأبويه ونوفل أخوه لأبيه ثم بني عبد العزى وبني عبد الدار ابني قصي يقدم منهما بني عبد العزى لأنهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خديجة رضي الله عنها بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ثم بني زهرة بن كلاب أخي قصي ثم بني تيم وبني مخزوم أخوي كلاب ويقدم منهما بني تيم لمكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بني جمح وبني سهم وهما من ولد هصيص بن كعب وبني عدي ابن كعب وهصيص وعدي أخوا مرة بن كعب وقدم عمر رضي الله عنه من هؤلاء القبائل الثلاث بني جمح وسوى بين بني سهم وبني عدي كما يسوى بين بني هاشم وبني المطلب
قال الشافعي رحمه الله وقدم المهدي أمير المؤمنين في زمانه بني عدي على بني جمح وبني سهم لمكان عمر رضي الله عنه والذي فعله عمر رضي الله عنه كان تواضعا منه
ثم يقدم بني عامر بن لؤي ثم بني الحارث بن فهر
فإذا فرغ من قريش بدأ بالأنصار ثم يعطي سائر العرب
هكذا رتب الأصحاب وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله
وفي أمالي السرخسي أن هذا محمول على الذين هم أبعد من الأنصار فأما سائر العرب الذين هم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار فيقدمون عليهم
ومتى استوى اثنان في القرب قدم أسنهما
فإن استويا في السن فأقدمهما إسلاما وهجرة

قلت قد عكس أقضى القضاة الماوردي هذا فقال في الاحكام السلطانية يقدم بالسابقة في الاسلام
فإن تقاربا فيه قدم بالدين
فإن تقاربا فيه قدم بالسن فإن تقاربا قدم بالشجاعة
فإن تقاربا فيه فولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة أو برأيه واجتهاده وهذا الذي قاله هو المختار
والله أعلم
ثم بعد العرب يعطى العجم
وفي المهذب والتهذيب أن التقديم فيهم بالسن والفضائل ولا يقدم بعضهم على بعض بالنسب وفيه كلامان
أحدهما أن العجم قد يعرف نسبهم فينبغي أن يعتبر فيمن عرف نسبه القرب والبعد أيضا
الثاني أنا قدمنا في صفة الأئمة في الصلاة عن إمام الحرمين أن الظاهر رعاية كل نسب يعتبر في الكفاءة في النكاح وسنذكر إن شاء الله تعالى أن نسب العجم مرعي في الكفاءة على خلاف فيه فليكن كذلك هنا
قلت قد أشار الماوردي إلى اعتبار نسب العجم فقال إن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب جمعهم بالأجناس كالترك والهند وبالبلدان
ثم إن كانت لهم سابقة في الإسلام ترتبوا عليها وإلا فبالأقرب من ولي الأمر
فإن تساووا فبالسبق إلى طاعته
والله أعلم
قال الأئمة وجميع الترتيب المذكور في هذه الوظيفة مستحب لا مستحق
الرابعة لا يثبت في الديوان اسم صبي ولا مجنون ولا امرأة ولا عبد ولا ضعيف لا يصلح للغزو كالاعمى والزمن وإنما هم تبع للمقاتل إذا كانوا في عياله يعطى لهم كما سبق وإنما يثبت في الديوان الرجال المكلفين المستعدين للغزو وإذا طرأ على المقاتل مرض أو جنون فإن رجي زواله أعطي ولم يسقط اسمه

وإلا أسقط اسمه
وفي إعطائه الخلاف الآتي في زوجة المقاتل بعد موته وأولى بالاعطاء
قلت ترك من شروط من يثبته في الديوان الاسلام وذكر الماوردي في الأحكام السلطانية شرطا اخر وهو أن يكون فيه إقدام على القتال ومعرفة به
فإن اختل ذلك لم يجز إثباته لعجزه عما هو مرصد له
قال ولا يجوز إثبات الأقطع ويجوز إثبات الأعرج إن كان فارسا
وإن كان راجلا فلا
ويجوز إثبات الأخرس والأصم
قال وإذا كتبه في الديوان فإن كان مشهور الاسم لم يحسن تحليته
وإن كان مغمورا وصف وحلي فيذكر سنه وقده ولونه وحلي وجهه بحيث يتميز عن غيره
والله أعلم

فرع من مات من المرتزقة هل ينقطع رزق زوجته وأولاده لزوال المتبوع
أم يستمر ترغيبا للمجاهدين قولان
وقيل وجهان
أظهرهما الثاني
فعلى هذا ترزق الزوجة إلى أن تتزوج والأولاد إلى أن يبلغوا ويستقلوا بالكسب أو يرغبوا في الجهاد فيثبت اسمهم في الديوان
ومن بلغ منهم وهو أعمى أو زمن رزق على هذا القول كما كان يرزق قبل البلوغ هذا في ذكور الأولاد
وأما الاناث فمقتضى كلامه في الوسيط أنهن يرزقن إلى أن يتزوجن
الخامسة يفرق الأرزاق في كل عام مرة ويجعل له وقتا معلوما لا يختلف
وإذا رأى مصلحة أن يفرق مشاهرة ونحوها فعل
وإذا اقتصر في السنة على مرة فيشبه أن يقال يجتهد فما اقتضته الحال وتمكن فيه من الاعطاء

في أول السنة أو اخرها فعله وعلى هذا ينزل قوله في الوجيز يفرق في أول كل سنة وقول الآخرين يفرق في آخر كل سنة

فرع إذا مات واحد من المرتزقة بعد جمع المال وانقضاء الحول صرف
نصيبه إلى ورثته ولا يسقط هذا الحق بالاعراض عنه على الظاهر كذا قاله الإمام
وإن مات بعد جمع المال وقبل تمام الحول فقولان
ويقال وجهان
أظهرهما يصرف قسط ما مضى إلى ورثته كالاجرة
والثاني لا شىء لهم كالجعل في الجعالة لا يستحق قبل تمام العمل
وإن مات قبل جمع المال وبعد الحول فظاهر النص أنه لا شىء للورثة وبه قال القاضي أبو الطيب وآخرون وبه قطع البغوي
وقال الشيخ أبو حامد يصرف نصيبه مما سيحصل إلى ورثته
وإن مات قبل جمع المال وقبل انقضاء الحول فإن قلنا إذا مات بعد الحول لا يستحق فهنا أولى وإلا ففي قسط ما مضى الخلاف فيما إذا مات قبل الحول وبعد جمع المال
هذا كله إذا كان العطاء مرة في السنة
فإن رأى الاعطاء في السنة مرتين فصاعدا فالاعتبار بمضي المدة المضروبة
فصل جميع ما ذكرناه في المنقولات من أموال الفيء

فأما الدور والارض فقد قال الشافعي رضي الله عنه هي وقف للمسلمين تستغل وتقسم غلتها في كل عام كذلك أبدا
هذا نصه
فأما أربعة أخماس الفيء فمن الأصحاب من يقول الحكم بأنها وقف مفرع على أنها للمصالح فأما إن جعلناها للمرتزقة فتقسم بينهم كالمنقولات

وكالغنيمة
والأصح جريان هذا الحكم سواء قلنا للمصالح أو للمرتزقة لتبقى الرقبة مؤبدة وينتفع بغلتها المستحق كل عام بخلاف المنقولات فإنها معرضة للهلاك والغنيمة بعيدة عن نظر الإمام واجتهاده لتأكد حق الغانمين
فإذا قلنا بالوقف فوجهان
أحدهما المراد به التوقف عن قسمة الرقبة دون الوقف الشرعي
وأصحهما أن المراد الوقف الشرعي للمصلحة
فعلى هذا وجهان
أحدهما يصير وقفا بنفس الحصول كما يرق النساء والصبيان بالاسر
وأصحهما لا لكن الإمام يقفها
وإن رأى قسمتها أو بيعها وقسمة ثمنها فله ذلك
وقول الشافعي رحمه الله هي وقف أي تجعل وقفا
وأما خمسه فسهم المصالح لا سبيل إلى قسمته بل يوقف وتصرف غلته في المصالح أو يباع ويصرف ثمنه إليها والوقف أولى ويجيء الوجه السابق أنه يصير وقفا بنفس الحصول
وسهم ذوي القربى فيه الخلاف المذكور في الاخماس الاربعة تفريعا على أنها للمرتزقة
وسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل يرتب على سهم ذوي القربى
إن قلنا إنه وقف فهنا أولى ولأن ذوي القربى متعينون وإلا فالأصح أنه وقف
وقيل لا
وإذا تأملت هذه الاختلافات في الأخماس الأربعة ثم في الخمس علمت أن المذهب أن الجميع وقف وهو الموافق لنص الشافعي رضي الله عنه

فصل إذا زادت الأخماس الأربعة على حاجات المرتزقة فإن قلنا إنها للمرتزقة وهو

وفي جواز صرف شىء منه إلى إصلاح الحصون وإلى الكراع والسلاح ليكون عدة لهم وجهان
أصحهما نعم
فإن قلنا إنها للمصالح صرف الفاضل إلى باقي المصالح كاصلاح الحصون

والكراع والسلاح
وإن فضل شىء ففي جواز صرفه إليهم وجهان
ويجوز صرفه إليهم عن كفاية السنة القابلة بلا خلاف

فصل في مسائل منثورة إحداها جاء رجل فطلب إثبات اسمه في الديوان
أجابه الإمام إن وجد في المال سعة وفي الطالب أهلية وإلا فلا
( المسألة ) الثانية لا يحبس شىء من مال الفيء خوفا أن ينزل بالمسلمين نازلة بل يفرغ الجميع في الوقت المعين
ثم إن نزلت نازلة فعلى جميع المسلمين القيام بأمرها
فإن غشيهم العدو فعلى جميعهم أن ينفروا
( المسألة ) الثالثة قال الشافعي رضي عنه يرزق من مال الفيء الحكام وولاة الأحداث والصلاة وكل من قام بأمر الفيء من وال وكاتب وجندي لا يستغني أهل الفيء عنهم
والمراد بالحكام الذين يحكمون بين أهل الفيء في مغزاهم
وولاة الأحداث قيل هم الذين يعلمون أحداث أهل الفيء الفروسية والرمي وقيل هم الذين ينصبون في الأطراف لتولية القضاة وسعاة الصدقات وعزلهم وتجهيز الجيوش إلى الثغور وحفظ البلاد من أهل الفساد ونحوها من الأحداث
وولاة الصلاة الذين يقيمون لهم الجمعات والجماعات وكذلك يرزق عرفاء أهل الفيء
وإذا وجد من يتطوع بهذه الأعمال لم يرزق عليها غيره
( المسألة ) الرابعة يجوز أن يكون عامل الفيء من ذوي القربى
قال الماوردي رحمه الله عامل الفيء إن ولي وضع أموال الفيء وتقديرها وتقريرها اشترط كونه مسلما حرا مجتهدا عارفا بالحساب والمساحة
وإن ولي جباية أمواله بعد تقريرها سقط

الشرط الثالث
وإن ولي جباية نوع خاص من الفيء نظر إن لم يستغن فيه عن استنابة اشترط إسلامه وحريته واطلاعه بشرط ماولي من حساب ومساحة لما فيه من معنى الولاية
وإن استغنى عن الاستنابة جاز أن يكون عبدا لأنه كالرسول المأمور
وأما تولية الذمي فإن كانت جباية من أهل الذمة كالجزية وعشر التجار جازت
وإن كانت من المسلمين ففي جوازها وجهان
قلت الأصح المنع
والله أعلم
وإذا فسدت ولاية العامل وقبض المال مع فسادها برىء الدافع لبقاء الإذن
فلو نهي عن القبض بعد فسادها لم يبرأ الدافع إليه إن علم النهي وإن جهله فوجهان كالوكيل
قلت قال الماوردي إذا تأخر العطاء عن المثبتين في الديوان عند استحقاقهم وكان المال حاصلا فلهم المطالبة كالديون
وإن أعوز بيت المال كانت أرزاقهم دينا على بيت المال وليس لهم مطالبة ولي الأمر به
قال وإذا أراد ولي الأمر إسقاط بعضهم لسبب جاز وبغير سبب لا يجوز
وإذا أراد بعضهم إخراج نفسه من الديوان جاز إن استغنى عنه ولا يجوز مع الحاجة إلا أن يكون معذورا
قال وإذا جرد الجيش للقتال فامتنعوا وهم أكفاء من حاربهم سقطت أرزاقهم
وإن ضعفوا عنه لم تسقط
وإذا جرد أحدهم لسفر أعطي نفقة سفره إن لم يدخل في تقدير عطائه ولم يعط إن دخل فيه
وإذا تلف سلاحه في الحرب أعطي عوضه إن لم يدخل في تقدير عطائه إلا فلا
والله أعلم

الباب الثاني في الغنيمة
وقد ذكرنا أنها المال الذي يأخذه المسلمون من الكفار بايجاف الخيل والركاب
قال البغوي سواء ما أخذناه من أيديهم قهرا وما استولينا عليه بعدما هزمناهم في القتال وتركوه
وحل الغنيمة مختص بهذه الأمة زادها الله شرفا وكانت في أول الاسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يصنع فيها ما يشاء وعليه يحمل إعطاؤه صلى الله عليه وسلم من لم يشهد بدرا ثم نسخ ذلك فجعل خمسها مقسوما خمسة أسهم كالفيء قال الله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وجعل أربعة أخماسها للغانمين
ويعرض في أموال الغنيمة النفل والرضخ والسلب والقسمة ويحصل بيانها في أربعة أطراف
الأول النفل بفتح النون والفاء وهو زيادة مال على سهم الغنيمة يشرطه الإمام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة في العدو أو توقع ظفر أو دفع شر وذلك كالتقدم على طليعة أو التهجم على قلعة أو الدلالة عليها وكحفظ مكمن وتجسس حال وشبهها
وإنما ينفل إذا مست حاجة لكثرة العدو وقلة المسلمين واقتضى الحال بعث السرايا وحفظ المكامن ولذلك نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات دون بعض
ثم الكلام فيمن شرط له وفي محل المشروط وقدره

أما الأول فيجوز كونه شخصا معينا وجماعة ويجوز أن يطلق فيقول من فعل كذا فله كذا
وأما محله فيجوز أن يشرط النفل من مال المصالح المرصدة ببيت المال وحينئذ يشترط كونه معلوما ويجوز أن يشرطه مما سيغنم ويؤخذ من الكفار في هذا القتال وحينئذ يذكر جزءا كثلث أو ربع وغيرهما ويحتمل الجهالة للحاجة
وإذا نفل من الغنيم فمم ينفل فيه أوجه ويقال أقوال
أصحها من خمس خمسها
والثاني من أصلها
والثالث من أربعة أخماسها
وأما قدره فليس له حد مضبوط فيجتهد الإمام ويجعله بقدر العمل وخطره وقد صح في كتاب الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث وفي رواية الترمذي القفول بدل الرجعة وقيل البدأة السرية الأولى والرجعة الثانية
وقال الجمهور البدأة السرية التي يبعثها الإمام قبل دخوله دار الحرب مقدمة له والرجعة التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش إلى دار الإسلام
ونقص البدأة لأنهم مستريحون لم يطل بهم السفر ولأن الكفار في غفلة ولأن الإمام من ورائهم يستظهرون به والرجعة بخلافهم في كل ذلك
واختلفوا في المراد بالحديث بحسب اختلافهم في محل النفل فقيل المراد ثلث خمس الخمس أو ربعه
وقيل ثلث الجميع أو ربعه
وقيل ثلث أربعة أخماسها أو ربعها
وقيل المراد أنه يزاد نصيب كل شخص من الغنيمة مثل ثلثه أو ربعه ويجوز الزيادة على الثلث والنقص عن الربع بالاجتهاد

فرع إذا قال الامير من أخذ شيئا فهو له لم يصح

فرع من ظهر منه في الحرب مبارزة وحسن إقدام وأثر محمود أعطي
وزيد من سهم المصالح ما يليق بالحال
الطرف الثاني في الرضخ
فالصبي والعبد والمرأة والخنثى والزمن والذمي لا يسهم لهم لكن يرضخ لهم وهذا الرضخ مستحق على المشهور
وفي قول مستحب
ويجتهد الإمام في قدره ولا يبلغ به سهم راجل إن كان من يرضخ له راجلا
وإن كان فارسا فوجهان بناء على أنه هل يجوز أن يبلغ تعزير الحر حد العبيد وبالمنع قطع الماوردي
وسواء حضر العبد بإذن سيده والصبي بإذن وليه والمرأة بإذن زوجها أم بغير إذنهم
وإن حضر الذمي بغير إذن الإمام لم يستحق شيئا على الصحيح بل يعزره الإمام آن ذلك
وإن حضر بإذنه فإن كان استأجره فله الأجرة فقط وإلا فله الرضخ على الصحيح
وقيل لا شىء له
وقيل إن قاتل استحق وإلا فلا
وإذا حضر نساء أهل الذمة بإذن الإمام فلهن الرضخ على الأصح
فرع يفاوت الإمام بين أهل الرضخ بحسب نفعهم فيرجح المقاتل ومن قتاله

أكثر على غيره والفارس على الراجل والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطاش على التي تحفظ الرجال بخلاف سهم الغنيمة فإنه يستوي فيه المقاتل وغيره لأنه منصوص عليه
والرضخ بالاجتهاد كدية الحر وقيمة العبد

فرع في محل الرضخ للعبيد والصبيان والنساء ثلاثة أقوال

أظهرها من أربعة أخماس الغنيمة
والثاني من أصلها
والثالث من خمس الخمس وأهل الذمة كالعبيد على المذهب
وقيل يرضخ لهم من خمس الخمس قطعا
وحيث رضخنا من أصل الغنيمة يبدأ به كالسلب ثم يقسم الباقي خمسا وأربعة أخماس
فرع إذا انفرد العبيد والنساء والصبيان بغزوة وغنموا خمست

وفي الباقي أوجه
أصحها يقسم بينهم كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من تسوية وتفضيل
والثاني يقسم كالغنيمة للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم
والثالث يرضخ لهم منه ويجعل الباقي لبيت المال
وخصص البغوي هذا الخلاف بالصبيان والنساء وقطع في العبيد بكونه لسادتهم وحكى أنه لو سبى مراهقون أو مجانين صغارا حكم باسلامهم تبعا لهم
أما إذا كان مع أهل الرضخ واحد من أهل الكمال فيرضخ لهم والباقي لذلك الواحد

فرع لا يخمس ما أخذه الذميون من أهل الحرب لان الخمس
المسلمين كالزكاة
فرع من قاتل من أهل الكمال أكثر من غيره رضخ له مع
المسعودي والبغوي ومنهم من ينازع كلامه فيه
وقيل يزاد من سهم المصالح ما يليق بالحال
فرع لو زال نقص أهل الرضخ فعتق العبد وأسلم الكافر وبلغ الصبي
انقضاء دار الحرب أسهم لهم
وإن كان بعد انقضائها فقد أطلق الماوردي أنه ليس لهم إلا الرضخ وينبغي أن يجيء فيما بين انقضاء الحرب وحيازة المال الخلاف الآتي فيمن حضر في هذا الحال
الطرف الثالث في السلب
هو للقتال والكلام في سبب استحقاقه ومستحقه ونفسه وكيفية إخراجه من الغنيمة
أما سبب استحقاقه فقال في الوسيط في ضبطه هو ركوب الغرر في قهر كافر مقبل على القتال بما يكفي شره بالكلية وفيه قيود
أحدها ركوب الغرر
فلو رمى من حصن أو من وراء الصف كافرا وقتله لم يستحق سلبه وكذا لو رمى من صف المسلمين إلى صف الكفار فقتل رجلا

( القيد ) الثاني إقبال الكافر على القتال وليس المراد اشتغاله بالقتال حين قتله لأنهما لو تقاتلا زمانا ثم هرب فقتله المسلم في إدباره قال الأصحاب استحق سلبه
ولا يشترط أيضا أن تكون مقاتلته مع قاتله بل لو قصد كافر مسلما فجاء مسلم آخر من ورائه فقتله استحق سلبه بل المرعي ما ذكره أصحابنا العراقيون أن يقتله مقبلا أو مدبرا والحرب قائمة فأما إذا انهزم جيش الكفار فاتبعهم فقتل كافرا فلا يستحق سلبه لأن بهزيمتهم اندفع شرهم وما دامت الحرب قائمة فالشر متوقع والمولي لا تؤمن كرته
ولو قتل كافرا وهو أسير في يده أو نائم أو مشغول بأكل أو نحوه أو مثخن زائل الامتناع لم يستحق سلبه
القيد الثالث قهره بما يكفي شره بالكلية بقتل أو إثخان أو إزالة امتناع بأن يعميه أو يقطع يديه ورجليه
ولا يلحق به قطع يد أو رجل
فلو قطع يديه أو رجليه أو يدا ورجلا فهو إثخان على الأظهر وهو رواية المزني وبه قطع جماعة
ولو اشترك جماعة في قتله أو إثخانه فالسلب لهم
وفي وجه أنه لو وقع بين جماعة لا يرجى نجاته منهم لم يختص قاتله بسلبه لأنه زال شره بالوقوع بينهم
قال أبو الفرج الزاز لو أمسكه واحد وقتله آخر فالسلب بينهما لاندفاع شره بهما وكأن هذا فيما إذا منعه الهرب ولم يضبطه
فأما الامساك الضابط فإنه أسر وقتل الاسير لا يستحق به السلب
ولو أثخنه فقتله اخر فالسلب للمثخن
ولو جرحه فلم يثخنه فقتله آخر فالسلب للثاني
ولو أسره ففي استحقاقه سلبه قولان
أحدهما لا لأنه لم يدفع كل شره
وأظهرهما نعم لأنه أصعب من القتل وأبلغ في القهر ولأن الإمام يتمكن فيه من القتل وغيره
ثم الإمام يتخير في الأسير الذي ليس من الذرية بين القتل والاسترقاق والمن والفداء كما يأتي إن شاء الله تعالى
فإن ارقه فهل لمن أسره رقبته

أو فاداه هل له مال الفداء اطرد فيه القولان
وقيل وجهان
ويشبه أن يكون الأظهر هنا المنع لأن اسم السلب لا يقع عليه

فرع لو كان الكافر المقتول امرأة أو صبيا إن كان لا يقاتل
سلبه لأن قتله حرام
وإن كان يقاتل استحق سلبه على الأصح والعبد كالصبي
وقيل بالاستحقاق قطعا
فصل فأما استحقاق السلب فكل من يستحق سهم الغنيمة يستحق السلب
والمذهب أن العبد والمرأة والصبي يستحقونه ولا يستحقه الذمي على المذهب وإذا قلنا لا تستحق المرأة فكان القاتل خنثى وقف السلب حتى يتبين
وإذا حضر الذمي بغير إذن الإمام فلا سلب له قطعا ولا سلب للمخذل قطعا
والتاجر إذا قلنا لا سهم له كالصبي
فصل وأما نفس السلب فما عليه من ثياب بدنه والخف والرانين وما
من الات الحرب كالدرع والمغفر والسلاح ومركوبه الذي يقاتل عليه وما عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها وكذا لو كان ممسكا عنانه وهو يقاتل راجلا

وفيما عليه من الزينة كالطوق والسوار والمنطقة والخاتم والهميان وما فيه من النفقة فقولان
ويقال وجهان
أحدهما ليست سلبا كثيابه وأمتعته المخلفة في خيمته
وأظهرهما أنها سلب لأنها مسلوبة
والجنيبة التي تقاد بين يديه فيها هذا الخلاف
وقيل بالمنع
والأصح أنها سلب صححه الروياني وغيره
قال أبو الفرج الزاز فعلى هذا لا يستحق إلا جنيبة واحدة فعلى هذا يبقى النظر إذا قاد جنائب في أن السلب أيتها يرجع إلى تعيين الإمام أم يقرع قلت تخصيص أبي الفرج بجنيبه فيه نظر
وإذا قيل به فينبغي أن يختار القاتل جنيبة قتيله فهذا هو المختار بل الصواب بخلاف ما أبداه الرافعي
والله أعلم
والحقيبة المشدودة على فرسه وما فيها من الدراهم والامتعة ليست سلبا على المذهب
وقيل كالمنطقة

فصل وأما كيفية إخراج السلب ففي تخميسه قولان

المشهور لا يخمس
والثاني يخمس فيدفع خمسه لأهل الخمس وباقيه للقاتل ثم يقسم باقي الغنيمة
فرع لا فرق في استحقاق السلب بين أن يقتل كافرا مبارزة وبين
ينغمر في

صف العدو فيقتله ولا بين أن يقول الإمام من قتل فله السلب وبين أن لا يقول
الطرف الرابع في قسمة الغنيمة
من أحكام قسمتها ما يتعلق بهذا الموضع ومنها ما يتعلق بكتاب السير
فمما يتعلق بهذا الباب أنه إذا أراد الإمام أو أمير الجيش القسمة بدأ بالسلب فأعطاه للقاتل تفريعا على المشهور أن السلب لا يخمس ثم يخرج المؤن اللازمة كأجرة حمال وحافظ وغيرها ثم يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية ويأخذ خمس رقاع فيكتب على واحدة لله تعالى أو للمصالح وعلى أربع لغانمين ويدرجها في بنادق متساوية ويجففها ويخرج لكل قسم رقعة فما خرج عليه سهم الله تعالى جعله بين أهل الخمس على خمسة أسهم ومنه يكون النفل على الأصح ويقسم الباقي على الغانمين ويقدم القسمة بين الغانمين على قسمة الخمس لأنهم حاضرون محصورون ومنها يكون الرضخ على الأظهر
وسواء في القسمة المنقول والعقار لعموم الآية
ولا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب
قلت هذه العبارة ناقصة فالصواب أن يقال يستحب قسمتها في دار الحرب كما قاله أصحابنا بل قد ذكر صاحب المهذب وغيره أنه يكره تأخيرها إلى دار الاسلام من غير عذر
والله أعلم

فصل فيمن يستحق السهم
من شهد الوقعة بنية الجهاد استحقه قاتل أو لم يقاتل إذا كان ممن يسهم له ويتعلق بهذا الأصل صور
إحداها من حضر قبل انقضاء القتال استحق
وإن حضر بعد حيازة المال فلا وإن حضر بعد انقضائه وقبل حيازة المال فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما لا يستحق
والثاني بلى
وقيل إن خيف رجعة الكفار استحق
وإلا فلا
ولو أقاموا على حصن وأشرفوا على فتحه فلحق مدد قبل الفتح شاركوهم
وإن فتحوا ودخلوا آمنين ثم جاء المدد لم يشاركوهم
( الصورة ) الثانية غاب في أثناء القتال منهزما ولم يعد حتى انقضى القتال فلا حق له
وإن عاد قبل انقضائه استحق من المحوز بعد عوده دون المحوز قبل عوده كذا ذكره البغوي وقياسه أن يقال فيمن حضر قبل انقضاء القتال لا حق له في المحوز قبل حضوره
كذا نقله أبو الفرج الزاز عن بعض الأصحاب وإن كنا أطلقناه في الصورة السابقة
قلت هذا الذي نقله أبو الفرج متعين وكلام من أطلقه محمول عليه
والله أعلم
وإن ولى متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة استحق على تفصيل مذكور في كتاب السير ومن هرب ثم ادعى أنه كان متحرفا أو متحيزا قال الغزالي يصدق بيمينه
وقال البغوي إن لم يعد إلا بعد انقضاء القتال لم يصدق لأن الظاهر خلافه
وإن عاد قبله صدق بيمينه
فإن حلف استحق من الجميع
وإن نكل لم يستحق إلا من المحوز بعد عوده

قلت الذي قاله البغوي أرجح
والله أعلم
( الصورة ) الثالثة مات بعضهم قبل الشروع في القتال فلا حقله
ولو مات فرسه أو سرق أو عار أو خرج من يده ببيع أو هبة ونحوهما لم يستحق سهم الفرس
وفيما إذا عار وجه ضعيف
ولو مات رجل بعد انقضاء الحرب وحيازة المال انتقل حقه إلى ورثته
ولو مات فرسه في هذه الحال استحق سهم الفرس
ولو مات الرجل بعد انقضاء الحرب وقبل الحيازة انتقل حقه إلى ورثته على الأصح
ولو مات فرسه في هذا الحال استحق سهم الفرس على الأصح
ولو مات في أثناء القتال سقط حقه على المنصوص
ونص في موت الفرس في هذا الحال أنه يستحق سهم الفرس
وللأصحاب طرق
أصحها تقرير النصين لأن الفارس متبوع والفارس تابع
وقيل قولان فيهما
وقيل إن حيز المال بقتال جديد فلا استحقاق فيهما
وإن أفضى ذلك القتال إلى الحيازة استحق فيهما
( الصورة ) الرابعة إذا شهد الوقعة صحيحا ثم مرض مرضا لا يمنع القتال كالحمى الخفيفة والصداع أو مرضا يرجى زواله لم يبطل حقه
وإن كان غير ذلك كالزمانة والفالج ففي بطلان حقه قولان أو وجهان
أظهرهما لا يبطل
ولو خرج في الحرب استحق على المذهب
ثم الأكثرون أطلقوا القول في رجاء الزوال وعدمه
وحكي عن بعض أصحاب الإمام أن المعتبر رجاء الزوال قبل انجلاء القتال
وإذا لم يستحق المريض رضخ له
والمرض بعد انقضاء القتال وقبل حيازة المال على الخلاف السابق
( الصورة ) الخامسة المخذل للجيش يمنع الخروج مع الناس وحضور الصف
فإن حضر لم يعط سهما ولا رضخا
ولا يلحق الفاسق بالمخذل على الصحيح وقيل يلحق لأنه لا يؤمن تخذيله

قلت كذا قطع الجمهور أن المخذل لا رضخ له
وقال الجرجاني في التحرير إن حضر بإذن الإمام رضخ له
والله أعلم

فصل بعث الإمام أو أمير الجيش سرية إلى دار الحرب وهو مقيم
فغنمت لم يشاركها الإمام ومن معه من الجيش
قلت سواء كانت دار الحرب قريبة من الإمام أم لا
حتى لو بعث سرية وقصد الخروج وراءها فغنمت السرية قبل خروجه لم يشاركها وإن قربت دار الحرب لأن الغنيمة للمجاهدين وقبل الخروج ليسوا مجاهدين
والله أعلم
ولو بعث سريتين إلى جهتين لم تشارك إحداهما الاخرى
فلو أوغلتا في ديار الكفار والتقتا في موضع اشتركتا فيما غنمتا بعد الاجتماع
ولو بعثهما إلى جهة واحدة فإن أمر عليهما أميرا واحدا أو كانت إحداهما قريبة من الاخرى بحيث تكون كل واحدة عونا للأخرى اشتركتا وإلا فلا
ولو دخل الإمام أو الامير دار الحرب وبعث سرية في ناحية فغنمت شاركهم جيش الإمام
ولو غنم الجيش شاركته السرية لاستظهار كل بالآخر
ولو بعث سريتين إلى جهة اشترك الجميع فيما يغنم كل منهم
ولو بعثهما إلى جهتين فكذلك على الصحيح
وقيل لا شركة بين السريتين هنا
ثم ذكر ابن كج والإمام أن شرط الاشتراك أن يكونوا بالقرب مترصدين للنصرة
وحد القرب أن يبلغهم الغوث والمدد منهم إن احتاجوا ولم يتعرض أكثر الأصحاب لهذا واكتفوا باجتماعهم في دار الحرب

قلت هذا المنقول عن الأكثرين هو الأصح أو الصحيح
والله أعلم
فعلى الأول لو كانت إحداهما قريبة والاخرى بعيدة اختصت القريبة بالمشاركة

فرع بعث الإمام جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه شاركهم على الأصح وبه
قال الداركي لأنه فارقهم لمصلحتهم وخاطر بما هو أعظم من شهود الوقعة
فصل إذا شهد الأجير مع المستأجر الوقعة نظر إن كانت الاجارة لعمل
في الذمة بغير تعيين مدة كخياطة ثوب وبناء حائط استحق السهم قطعا
وإن تعلقت بمدة معينة بأن استأجره لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة شهرا فنقل الغزالي والبغوي أنه إن لم يقاتل فلا سهم له وإن قاتل فثلاثة أقوؤل
وأطلق المسعودي وآخرون الأقوال من غير فرق بين أن يقاتل أو لا
وكذلك أطلقها الشافعي رضي الله عنه في المختصر
أظهرها له السهم لحضور الوقعة
والثاني لا
وعلى هذين يستحق الاجرة بمقتضى الاجارة
والثالث يخير بين الاجرة والسهم
فإن اختار الاجرة فلا سهم
وإن اختار السهم فلا أجرة
قال صاحب الافصاح هذا الثالث هو فيما إذا استأجر الامام لسقي الغزاة وحفظ دوابهم من سهم الغزاة من الصدقات فيخيره الإمام إما أجير آحاد الناس فلا يجيء فيه هذا القول لأن الاجارة لازمة إلا أن يكون الجاري بينهما صورة جعالة
وقال الأكثرون

يجري القول الثالث في كل أجير كما أطلقه الشافعي رحمه الله لأن لزوم الإجارة لا يختلف
ثم على الثالث إذا اختار السهم ففيما يسقط من الاجرة وجهان
أحدهما قسطها من وقت دخول دار الحرب
وأصحهما من وقت شهود الوقعة
وأما وقت تخييره فنقل في الشامل عن الأصحاب أنهم قالوا يخير إما قبل القتال وإما بعده
فيقال قبله إن أردت القتال فاطرح الأجرة وإن أردت الأجرة فاطرح الجهاد
ويقال بعده إن كنت قصدت الجهاد فلا أجرة لك وإن كنت قصدت الأجرة فخذها ولا سهم لك
والمراد أنه يحصل الغرض بكل واحد منهما إلا أنه يخير في الحالتين جميعا

فرع إذا أسهمنا للأجير فله السلب إذا قتل

وإن لم نسهم فوجهان
وعلى هذا يرضخ له على الصحيح كالعبد
وقيل لا لأنه لم يسهم له وهو من أهله بخلاف العبد
فرع هذا المذكور في الاجير لغير الجهاد

فأما الاجير للجهاد ففي صحة استئجار الذمي والمسلم كلام يأتي في السير إن شاء الله تعالى
فإن صحت الإجارة فله الأجرة ولا سهم ولا رضخ وإلا فلا أجرة
وفي سهم الغنيمة وجهان
أحدهما يستحقه لشهوده الوقعة
والثاني المنع وبه قطع البغوي قاتل أم لا لأنه أعرض عنه بالاجارة

فصل تجار العسكر وأهل الحرف
كالخياطين والسراجين والبزازين والبقالين وكل من خرج لغرض تجارة أو معاملة إذا شهدوا الوقعة ففي استحقاقهم السهم طرق
المذهب أنهم إن قاتلوا استحقوا وإلا فلا وهو ظاهر نصه في المختصر
وقيل بالاستحقاق مطلقا وهو الأصح عند الروياني وبالمنع مطلقا
وإذا لم نسهم لهم فلهم الرضخ على الأصح
فصل إذا أفلت أسير من الكفار وشهد الوقعة مع المسلمين فإن كان
هذا الجيش استحق السهم قاتل أم لا وإن أسر من جيش آخر فهل يستحق لشهوده الوقعة أم لا لعدم قصده الجهاد قولان
ثم قيل بطرد القولين قاتل أم لا
والمذهب والمنصوص في المختصر أنهما إذا لم يقاتل فإن قاتل استحق قطعا
هذا إذا أفلت قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة
فإن أفلت بعد الحرب وقبل الحيازة فعلى ما سبق في لحوق المدد
وإن أفلت بعد الحيازة قال في الشامل إن قلنا تملك الغنيمة بالحيازة فلا سهم له وإلا فهو كما لو أفلت قبل الحيازة ولم يقاتل
وإذا لم يسهم له ففي الرضخ الخلاف السابق
فصل أسلم كافر والتحق بجيش الاسلام فشهد الوقعة يسهم له إن قاتل
قطعا

وكذا إن لم يقاتل على الصحيح لأنه قصد إعلاء كلمة الاسلام وشهد الوقعة
وفي الرقم للعبادي أنه لا يستحق

فصل سبق أن الغنيمة يبدأ منها بالسلب والمؤن ثم يقسم الباقي خمسة
أقسام ويجعل أربعة أخماسها للغانمين فيسوى بينهم في ذلك ولا يفضل بعضهم إلا بشيئين
أحدهما النقصان المقتضي للرضخ تفريعا على الأظهر أنه من أربعة أخماسها
والثاني أن الفارس يفضل على الراجل فيعطى الفارس ثلاثة أسهم سهمين لفرسه وسهما له ويعطى الراجل سهما
ويتعلق بهذا الأصل مسائل
إحداها راكب البعير والفيل والحمار والبغل لا يلحق بالفارس لكن يعطى الراكب سهمه ويرضخ لهذه الدواب ويكون رضخ الفيل أكثر من رضخ البغل ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار ولا يبلغ رضخها سهم فرس ويرضخ للصبي والذمي الفارسين أكثر مما يرضخ لو كانا راجلين
( المسألة ) الثانية سواء في الخيل العتيق وهو الذي أبواه عربيان والبرذون وهو الذي أبواه أعجميان والهجين وهو الذي أبوه عربي وأمه عجمية والمقرف وهو الذي أبوه عجمي وأمه عربية لأن الكر والفر يقع منها كلها ولا يضر تفاوتها كالرجال
وقي قول شاذ لا يسهم للبرذون بل يرضخ له
( المسألة ) الثالثة ليتعهد الإمام الخيل إذا أراد دخول دار الحرب فلا يدخل إلا فرسا شديدا ولا يدخل حطما وهو الكسير ولا قحما وهو الهرم ولا ضرعا وهو الصغير الضعيف ولا أعجف رازحا
والاعجف المهزول
والرازح هو بين الهزال

قلت القحم بفتح القاف وإسكان الحاء المهملة والضرع بفتح الضاد المعجمة وفتح الراء أيضا والرازح بالراء وبعد الالف زاي مكسورة ثم حاء مهملة وضبطت هذه الالفاظ لأنها في كلام الشافعي وكتب الاصحاب رحمهم الله ورأيت من صحفها فأردت السلامة
والله أعلم
فلو أدخل بعضهم شيئا منها نظر إن نهى الإمام عن إدخاله وبلغه النهي لم يسهم لفرسه وإن لم ينه أو لم يبلغه النهي فقولان
أحدهما يسهم له كالشيخ الضعيف
وأظهرهما لا لأنه لا فائدة فيه بل هو كل بخلاف الشيخ فإنه ينتفع برأيه ودعائه
وقال الشيخ أبو إسحق لا خلاف في المسألة بل القول الأول محمول على ما إذا أمكن القتال عليه والثاني إذا لم يمكن
( المسألة ) الرابعة من حضر بفرسين لم يسهم إلا لواحد على المذهب وبه قطع الجمهور
وحكى بعضهم قولا أنه يسهم لفرسين ولا يزاد
( المسألة ) الخامسة يسهم للفرس المستعار والمستأجر فيكون السهم للمستعير والمستأجر
وحكي وجه أنه للمعير
وأما الفرس المغصوب
فالمذهب أنه يسهم له ويكون سهمه للغاصب
وقيل للمغصوب منه
وقيل لا يسهم له لأن إحضاره حرام فهو كالمعدوم
( المسألة ) السادسة إذا كان القتال في ماء أو حصن وقد أحضر فرسه أسهم لفرسه لأنه قد يحتاج إلى الركوب نص عليه وحمله ابن كج على ما إذا كانوا بالقرب من الساحل واحتمل أنه يخرج ويركب
فإن لم يحتمل الحال الخروج فلا معنى لاعطاء سهم الفرس
( المسألة ) السابعة حضر اثنان بفرس مشترك بينهما فهل يعطى كل منهما سهم فرس

لأن معه فرسا قد يركبه أم يعطيان سهم فرس واحد مناصفة أم لا يعطيان للفرس شيئا لأنه لم يحضر واحد منهما بفرس تام فيه أوجه
قلت لعل الأصح المناصفة
والله أعلم
ولو ركب اثنان فرسا وشهدا الوقعة فهل لهما سنة أسهم لأنهما فارسان أم سهمان لأنهما راجلان لتعذر الكر والفر أم أربعة أسهم سهمان لهما وسهمان للفرس فيه ثلاثة أوجه وبالله التوفيق
قلت اختار ابن كج في التجريد وجها رابعا حسنا أنه إن كان فيه قوة الكر والفر مع ركوبهما فأربعة أسهم وإلا فسهمان
ومن مسائل الباب لو دخل دار الحرب راجلا ثم حصل فرسا ببيع أو إعارة أو غيرهما وحضر به الحرب أسهم له
قال صاحب العدة ولو حضر فارسا فضاع فرسه فأخذه رجل وقاتل عليه فأسهم المقاتل له وللفرس كان سهما الفرس لمالكه لأنه شهد الوقعة وفرسه حاضر ولم يوجد منه اختيار إزالة يد فصار كما لو كان معه ولم يقاتل عليه ويفارق المغصوب حيث قلنا سهم الفرس للغاصب على المذهب لأن المالك لم يشهد الوقعة
ومنها الأعمى والزمن ومقطوع اليدين والرجلين المذهب أنه لا يسهم لهم لكن يرضخ
وحكى الجرجاني في استحقاقهم السهم قولين
ولو شرط الإمام للجيش أن لا يخمس عليهم فشرطه باطل ويجب تخميس ما غنموا وسواء شرط ذلك لضرورة أم لا
وحكى ابن كج وجها أنه

إن شرطه لضرورة لم يخمس وهذا شاذ باطل
ولو غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنمت خمس على المذهب وبه قطع الجمهور
وحكى ابن كج وجها أنه لا يخمس وهو باطل
ولو كان معه فرس فلم يركبه ولم يعلم به قال ابن كج لم يسهم له بلا خلاف
قال ولو علم به ولم يركبه بحال فلا سهم له
قال وعندي يسهم له إذا كان يمكنه ركوبه ولم يحتج إليه
والله أعلم

كتاب النكاح
وفيه أبواب
الباب الأول في خصائص رسول الله
صلى الله عليه وسلم في النكاح وغيره
قال الأئمة هي أربعة أضرب
أحدها ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الواجبات والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم
قلت قال إمام الحرمين هنا قال بعض علمائنا الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة بسبعين درجة واستأنسوا فيه بحديث
والله أعلم
فمن ذلك صلاة الضحى ومنه الأضحية والوتر والتهجد والسواك والمشاورة على الصحيح في الخمسة
والأرجح أن الوتر غير التهجد
قلت جمهور الأصحاب على أن التهجد كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم
قال القفال وهو أن يصلي في الليل وإن قل
وحكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رحمه الله نص على أنه نسخ وجوبه في حقه صلى الله عليه وسلم كما نسخ في حق غيره وهذا هو الأصح أو الصحيح
وفي

صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه
والله أعلم
وكان عليه صلى الله عليه وسلم إذا رأى منكرا أن يغيره لأن الله تعالى وعده بالعصمة
قلت قد يقال هذا ليس من الخصائص بل كل مكلف تمكن من إزالته لزمه تغييره ويجاب عنه بأن المراد أنه لا يسقط عنه للخوف فإنه معصوم بخلاف غيره
والله أعلم
وكان عليه صلى الله عليه وسلم مصابرة العدو وإن كثر عددهم
وكان عليه صلى الله عليه وسلم قضاء دين من مات من المسلمين معسرا
وقيل كان يقضيه تكرما
وفي وجوب قضاء دين المعسر على الإمام من مال المصالح وجهان
وقيل كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول لبيك إن العيش عيش الآخرة
وأما في النكاح فأوجب الله سبحانه وتعالى عليه صلى الله عليه وسلم تخيير نسائه بين مفارقته واختياره
وحكى الحناطي وجها أن هذا التخيير كان مستحبا والصحيح الأول
ولما خيرهن اخترنه والدار الآخرة فحرم الله تعالى عليه صلى الله عليه وسلم التزويج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن فقال تعالى { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } ثم نسخ ذلك لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بترك التزويج عليهن بقوله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن }

وهل حرم عليه صلى الله عليه وسلم طلاقهن بعدما اخترنه فيه أوجه
أصحهما لا والثاني نعم
والثالث يحرم عقيب اختيارهن ولا يحرم إن انفصل
ولو فرض أن واحدة منهن اختارت الدنيا فهل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار وجهان
أصحهما لا
وهل كان جوابهن مشروطا بالفور وجهان
أصحهما لا
فإن قلنا بالفور فهل كان يمتد بامتداد المجلس أم المعتبر ما يعد جوابا في العرف وجهان
وهل كان قولها اخترت نفسي صريحا في الفراق فيه وجهان
وهل كان يحل له صلى الله عليه وسلم التزويج بها بعد الفراق وجهان
الضرب الثاني ما اختص به من المحرمات وهي قسمان
أحدهما المحرمات في غير النكاح فمنها الزكاة وكذا الصدقة على الأظهر
وأما الأكل متكئا وأكل الثوم والبصل والكراث فكانت مكروهة له صلى الله عليه وسلم على الأصح
وقيل محرمة
ومما عد من المحرمات الخط والشعر وإنما يتجه القول بتحريمها ممن يقول إنه صلى الله عليه وسلم كان يحسنهما
وقد اختلف فيه فقيل كان يحسنهما لكنه يمتنع منهما والأصح أنه كان لا يحسنهما
قلت ولا يمتنع تحريمهما وإن لم يحسنهما
والمراد تحريم التوصل إليهما
والله أعلم
وكان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتل وقيل كان مكروها لا محرما
والصحيح الأول
وقيل بناء عليه أنه كان لا يبتدىء تطوعا إلا لزمه إتمامه
وكان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم مد العين إلى ما متع به الناس ويحرم عليه خائنة

الأعين وهي الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهره ويشعر به الحال
وقال صاحب التلخيص ولم يكن له أن يخدع في الحرب وخالفه الجمهور
وفي الجرجانيات ذكر وجهين في أنه هل كان يجوز له أن يصلي على من عليه دين وهل كان يجوز أ يصلي مع وجود الضامن قلت الصواب الجزم بجوازه مع الضامن ثم نسخ التحريم فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له ويوفيه من عنده
والأحاديث الصحيحة مصرحة بما ذكرته
والله أعلم
القسم الثاني المحرمات المتعلقة بالنكاح
فمنها إمساك من كرهت نكاحه على الصحيح
وقيل إنما كان يفارقها تكرما
ومنها نكاح الكتابية على الأصح وبه قال ابن سريج والقاضي أبو حامد والإصطخري
وقال أبو إسحق ليس بحرام ويجري الوجهان في التسري بالأمة الكتابية ونكاح الأمة المسلمة لكن الأصح في التسري بالكتابية الحل
وفي نكاح المسلمة التحريم
قالوا ولو قدر نكاح أمة كان ولده منها حرا على الصحيح مع تجويزنا جريان الرق على العرب
وفي لزوم قيمة هذا الولد وجهان
قال أبو عاصم نعم
وقال القاضي حسين لا بخلاف ولد المغرور بحرية أمه لأنه فوت الرق بظنه وهنا الرق متعذر
وأما الأمة الكتابية فكان نكاحها محرما عليه على المذهب
وطرد الحناطي فيه الوجهين

الضرب الثالث التخفيفات والمباحات
وما أبيح له صلى الله عليه وسلم دون غيره قسمان
أحدهما متعلق بغير النكاح فمنه الوصال في الصوم واصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها ويقال لذلك المختار الصفي والصفية والجمع الصفايا
ومنه خمس خمس الفيء والغنيمة وأربعة أخماس الفيء ودخول مكة بغير إحرام نقله صاحب التلخيص وغيره
ومنه أنه لا يورث ماله
ثم حكى الإمام وجهين
أحدهما أن ما تركه باق على ملكه ينفق منه على أهله كما كان ينفق في حياته
قال وهذا هو الصحيح
والثاني أن سبيل ما خلفه سبيل الصدقات وبهذا قطع أبو العباس الروياني في الجرجانيات
ثم حكى وجهين في أنه هل يصير وقفا على ورثته وأنه إذا صار وقفا هل هو للواقف لقوله صلى الله عليه وسلم ما تركنا صدقة وجهان
قلت كل هذا ضعيف والصواب الجزم بأنه زال ملكه صلى الله عليه وسلم وأن ما تركه فهو صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة
وكيف يصح غير ما ذكرته مع قول صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه فهو صدقة فهذا نص على زوال الملك
والله أعلم
وهذه الخصلة عدها الغزالي من هذا الضرب وعدها الأكثرون من الضرب الرابع
ومنه أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يقضي بعلمه وفي غيره خلاف
وأن يحكم لنفسه ولولده على المذهب وأن يشهد لنفسه ولولده وأن يقبل شهادة من يشهد له

وأن يحمي الموات لنفسه وأن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهمد إذا احتاج إليهما وعلى صاحبهما البذل ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }
قلت ومثله ما ذكره الفوراني وابراهيم المروذي وغيرهما أنه لو قصده ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه صلى الله عليه وسلم
والله أعلم
وكان لا ينتقض وضوؤه صلى الله عليه وسلم بالنوم مضطجعا وحكى أبو العباس فيه وجها غريبا ضعيفا وحكى وجهين فيانتقاض طهره باللمس
قلت المذهب الجزم بانتقاضه باللمس
والله أعلم
وحكى أيضا صاحب التلخيص أنه كان يحل له صلى الله عليه وسلم دخول المسجد جنبا ولم يسلمه القفال له بل قال لا أظنه صحيحا
قلت هذا الذي قاله صاحب التلخيص قد يحتج له بما رواه الترمذي عن عطية عن أبي سعيد ( الخدري ) رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك قال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
قال الترمذي قال ضرار بن صرد معناه لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك وهذا التأويل الذي قاله ضرار غير مقبول
وقال إمام الحرمين هذا الذي قاله صاحب التلخيص هوس لا يدرى من أين قاله وإلى أي أصل أسنده
قال فالوجه القطع بتخطئته وهذا كلام من لم يعلم الحديث المذكور لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية فإنه ضعيف عند جمهور المحدثين لكن قد حسنه الترمذي فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه

كما نقرر لأهل هذا الفن فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص
واعلم أن معظم هذه المباحات لم يفعلها صلى الله عليه وسلم وإن كانت مباحة له
القسم الثاني المتعلق بالنكاح فمنه الزيادة على أربع نسوة
والأصح أنه لم يكن منحصرا في تسع وقطع بعضهم بهذا وينحصر طلاقه صلى الله عليه وسلم في الثلاث وينعقد نكاحه بلفظ الهبة صلى الله عليه وسلم على الأصح فيهما
وإذا انعقد بلفظ الهبة لم يجب مهر بالعقد ولا بالدخول ويشترط لفظ النكاح من جهته صلى الله عليه وسلم على الأصح
قال الأصحاب وينعقد نكاحه صلى الله عليه وسلم بمعنى الهبة حتى لا يجب المهر ابتداء ولا انتهاء وفي المجرد للحناطي وغيره وجه غريب أنه يجب المهر
ومنه أنه صلى الله عليه وسلم لو رغب في نكاح امرأة فإن كانت خلية لزمها الإجابة على الصحيح ويحرم على غيره خطبتها
وإن كانت مزوجة وجب على زوجها طلاقها لينكحها على الصحيح
ومنه انعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم بغير ولي ولا شهود وفي حال الإحرام

على الأصح في الجميع
وفي وجوب القسم بين زوجاته وجهان
قال الإصطخري لا
والأصح عند الشيخ أبي حامد والعراقيين والبغوي الوجوب وأكثر هذه المسائل وأخواتها تتخرج على أصل اختلف فيه الأصحاب وهو أن النكاح في حقه صلى الله عليه وسلم هل هو كالتسري في حقنا إن قلنا نعم لم ينحصر عدد المنكوحات والطلاق وانعقد بالهبة ومعناها وبلا ولي وشهود وفي الإحرام ولم يجب القسم وإلا انعكس الحكم
وكان له صلى الله عليه وسلم تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها ولا إذن وليها وتزوجها لنفسه وتولي الطرفين بغير إذنها ولا إذن وليها
قال الحناطي ويحتمل أنه إنما كان يحل بإذنها وكان يحل له نكاح المعتدة على أحد الوجهين
قلت هذا الوجه حكاه البغوي وهو غلط لم يذكره جمهور الأصحاب وغلطوا من ذكره
بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره
والله أعلم
وهل كان يلزمه نفقة زوجاته فيه وجهان بناء على المهر
قلت الصحيح الوجوب
والله أعلم
وكانت المرأة تحل له صلى الله عليه وسلم بتزويج الله تعالى لقوله في قصة زينب امرأة زيد { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } وقيل بل نكحها بنفسه
ومعنى الآية أحللنا لك نكاحها
وهل كان يحل له الجمع يبن امرأة وعمتها أو خالتها وجهان باء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ولم يكن يحل الجمع بينها وبين أختها وأمها وبنتها على المذهب
وحكى الحناطي فيه وجهين وأعتق صلى الله عليه وسلم صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها
فقيل معناه أعتقها وشرط أن ينكحها فلزمها

الوفاء بخلاف غيره
وقيل جعل نفس العتق صداقا وجاز ذلك بخلاف غيره
قلت وقيل معناه أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا في ما بعد وهذا أصح
والله أعلم
الضرب الرابع ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والإكرام فمنه أن زوجاته اللاتي توفي عنهن رضي الله عنهن محرمات على غيره أبدا وفيمن فارقها في الحياة أوجه
قال ابن أبي هريرة يحرم وهو المنصوص في أحكام القرآن لقول الله تعالى { وأزواجه أمهاتهم }
والثاني يحل
والثالث يحرم الدخول بها فقط
قال الشيخ أبو حامد هو الصحيح
قلت الأول أرجح
والله أعلم
فإن حرمنا ففي أمة يفارقها بالموت أو غيره بعد وطئها وجهان
ولو فرض أن بعض المخيرات اختارت الفراق ففي حلها لغيره طريقان
قال العراقيون فيها الأوجه وقطع أبو يعقوب الأبيوردي وآخرون بالحل لتحصل فائدة التخيير وهو التمكن من زينة الدنيا وهذا اختيار الإمام والغزالي
ومنه أن أزواجه أمهات المؤمنين سواء من ماتت تحته صلى الله عليه وسلم ومن مات عنها وهي تحته وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن لا في النظر والخلوة ولا يقال بناتهن أخوات المؤمنين ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم
وحكى أبو الفرج الزاز وجها أنه يطلق إسم الأخوة على بناتهن وإسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن لثبوت حرمة الأمومة لهن وهذا ظاهر لفظ المختصر
قلت قال البغوي كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء روي ذلك

عن عائشة رضي الله عنها وهذا جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال
وحكى الماوردي في تفسيره خلافا في كونهن أمهات المؤمنات وهو خارج على مذهب من أذخلهن في خطاب الرجال
قال البغوي وكان النبي صلى الله عليه وسلم أبا للرجال والنساء جميعا
وقال الواحدي من أصحابنا قال بعض أصحابنا لا يجوز أن يقال هو أبو المؤمنين لقول الله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } قال نص الشافعي على أنه يجوز أن يقال هو أبو المؤمنين أي في الحرمة
ومعنى الآية ليس أحد من رجالكم ولد صلبه
وجلله أعلم
ومنه تفضيل زوجاته على سائر النساء وجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا ولا يحل أن يسألهن أحد شيئا إلا من وراء حجاب ويجوز أن يسأل غيرهن مشافهة
قلت وأفضل زوجاته صلى الله عليه وسلم خديجة وعائشة رضي الله عنهما قال المتولي واختلفوا أيتهما أفضل
والله أعلم
ومنه في غير النكاح أنه خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأمته خير الأمم وشريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع وكتابه معجز محفوظ عن التحريف والتبديل وأقيم بعده حجة على الناس ومعجزات سائر الأنبياء

انقرضت ونصر بالرعب مسيرة شهر وجعلت له الأرض مسجدا وترابها طهورا وأحلت له الغنائم ويشفع في أهل الكبائر
قلت هذه العبارة ناقصة أو باطلة فإن شفاعته صلى الله عليه وسلم التي اختص بها ليست الشفاعة في مطلق أهل الكبائر فإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة شفاعات خمسا
أولاهن الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الأنبياء
كما ثبت في الحديث الصحيح حديث الشفاعة
والثانية في جماعة فيدخلون الجنة بغير حساب
والثالثة في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها
والرابعة في ناس دخلوا النار فيخرجون
والخامسة في رفع درجات ناس في الجنة وقد أوضحت ذلك ( كله ) في كتاب الإيمان من أول شرح صحيح مسلم رحمه الله والشفاعة المختصة به صلى الله عليه وسلم هي الأولى والثانية ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة أيضا
والله أعلم
وبعث صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وهو سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع ومشفع وأول من يقرع باب الجنة وهو أكثر الأنبياء أتباعا وأمته معصومة لا تجتمع على ضلالة وصفوفهم كصفوف الملائكة
وكان لا ينام قلبه ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما وإن لم يكن عذر وفي حق غيره ثواب القاعد النصف

قلت هذا قد قاله صاحب التلخيص وتابعه البغوي وأنكره القفال وقال لا يعرف هذا بل هو كغيره والمختار الأول لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي جالسا فقلت حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحدكم رواه مسلم في صحيحه
والله أعلم
ويخاطبه صلى الله عليه وسلم المصلي بقوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ولا يخاطب سائر الناس ولا يجوز لأحد رفع صوته فوق صوته ولا أن يناديه من وراء الحجرات ولا أن يناديه باسمه فيقول يا محمد بل يقول يا رسول الله يا نبي الله ويجب على المصلي إذا دعاه أن يجيبه ولاتبطل صلاته
وحكى أبو العباس الروياني وجها أنه لا يجب وتبطل به الصلاة وكان يتبرك ويستشفى ببوله ودمه ومن زنا بحضرته أو استهان به كفر
قلت في الزنا نظر
والله أعلم
وأولاد بناته ينسبون إليه وأولاد بنات غيره لا ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها

قلت كذا قال صاحب التلخيص وأنكره القفال وقال لا اختصاص في انتساب أولاد البنات
والله أعلم
وقال صلى الله عليه وسلم كل سبي ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبيي ونسبي قيل معناه أن أمته ينتسبون إليه يوم القيامة وأمم سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم
وقيل ينتفع يومئذ بالنسبة إليه ولا ينتفع بسائر الأنساب
وقال صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي وقال الشافعي رضي الله عنه ليس لأحد أن يكتني بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدا أم لا ومنهم من حمله على كراهة الجمع بين الاسم والكنية وجوز الإفراد ويشبه أن يكون هذا أصح لأن الناس ما زالوا يكتنون به في جميع الأعصار من غير إنكار
قلت هذا الذي تأوله الرافعي واستبدل به فيهما ضعيف وهذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب
أحدها مذهب الشافعي وهو ما ذكره
والثاني مذهب مالك أنه يجوز التكني بأبي القاسم لمن إسمه محمد ولغيره
والثالث يجوز لمن إسمه محمد دون غيره
ومن جوز مطلقا جعل النهي مختصا بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يستدل له بما ثبت في الحديث من سبب النهي وأن اليهود تكنوا به وكانوا ينادون يا أبا القاسم فإذا التفت النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لم نعنك إظهارا للإيذاء وقد زال ذلك

المعنى وهذا المذهب أقرب وقد أوضحته مع ما يتعلق به في كتاب الأذكار وكتاب الأسماء
وما يتعلق بهذا الضرب أن شعره صلى الله عليه وسلم طاهر على المذهب وإن نجسنا شعر غيره وأن بوله ودمه وسائر فضلاته طاهرة على أحد الوجهين كما سبق وأن الهدية له حلال بخلاف غيره من الحكام وولاة الأمور من رعاياهم
وأعطي جوامع الكلم
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم ما ذكره صاحب التلخيص والقفال قالا كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي ولا تسقط عنه الصلاة ولا غيرها
وفاته صلى الله عليه وسلم ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر ثم واظب عليهما بعد العصر
وفي اختصاصه بهذه المداومة وجهان
أصحهما الإختصاص
ومنها أنه لا يجوز الجنون على الأنبياء بخلاف الإغماء
واختلفوا في جواز الإحتلام والأشهر امتناعه
ومنها أنه من رآه صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه حقا
وأن الشيطان لا يتمثل في صورته ولكن لا يعمل بما يسمعه الرائي منه في المنام مما يتعلق بالأحكام لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤية فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه
ومنها أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء للحديث الصحيح في ذلك

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث إن كذبا علي ليس ككذب على أحد
فالكذب عمدا عليه من الكبائر ولا يكفر فاعله على الصحيح وقول الجمهور
وقال الشيخ أبو محمد هو كفر
ولنختم الباب بكلامين
أحدهما قال إمام الحرمين قال المحققون ذكر الإختلاف في مسائل الخصائص خبط غير مفيد فإنه لا يتعلق به حكم ناجز تمس إليه حاجة وإنما يجري الخلاف فيا لا نجد بدا من إثبات حكم فيه فإن الأقيسة لا مجال لها والأحكام الخاصة تتبع فيها النصوص وما لا نص فيه فتقدير اختيار فيه هجوم على الغيب من غير فائدة
والكلام الثاني قال الصيمري منع أبو علي بن خيران الكلام في الخصائص لأنه أمر انقضى فلا معنى للكلام فيه
وقال سائر أصحابنا لا بأس به وهو الصحيح لما فيه من زيادة العلم فهذا كلام الأصحاب والصواب الجزم بجواز ذلك بل باستحبابه
بل لو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث الصحيح فعمل به أخذا بأصل التأسي فوجب بيانها

لتعرف فلا يعمل بها وأي فائدة أهم من هذه وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما لا فائد فيه اليوم فقليل لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب ومعرفة الأدلة وتحقيق الشىء على ما هو عليه
والله أعلم

الباب الثاني في مقدمات النكاح
وفيه فصول
الفصل الأول فيمن يستحب له النكاح الناس ضربان تائق إلى النكاح وغيره
فالتائق إن وجد أهبة النكاح استحب له سواء كان مقبلا على العبادة أم لا
وإن لم يجدها فالأولى أن لا يتزوج ويكسر شهوته بالصوم فإن لم تنكسر به لم يكسرها بالكافور ونحوه بل يتزوج
وأما غير التائق فإن لم يجد أهبة أو كان به مرض أو عجز بجب أو تعنين أو كبر كره له النكاح لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة
وإن وجد الأهبة ولم يكن به علة لم يكره له النكاح لكن التخلي للعبادة أفضل
فإن لم يكن مشتغلا بالعبادة فوجهان حكاهما ابن القطان وغيره وأصحهما النكاح أفضل كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش
والثاني تركه أفضل لما فيه من الخطر بالقيام بواجبه
وحكي وجه أن النكاح أفضل من التخلي للعبادة
وفي شرح مختصر الجويني وجه أنه إن خاف الزنا وجب عليه النكاح
وقال القاضي أبو سعد الهروي ذهب بعض أصحابنا بالعراق إلى أن النكاح فرض كفاية حتى لو امتنع منه أهل قطر أجبروا عليه

قلت الوجه المحكي عن شرح الجويني لا يحتم النكاح بل يخير بينه وبين التسري ومعناه ظاهر
والله أعلم
الفصل الثاني إذا أراد النكاح فالبكر أولى من الثيب إذا لم يكن عذر والولود أولى والنسيبة أولى والتي ليست بقرابة قريبة أولى وذات الدين أولى
قلت وبعد الدين ذات الجمال والعقل أولى وقرابته غير القريبة أولى من الأجنبية والمستحب أن لا يزيد على امرأة من غير حاجة ظاهرة ويستحب أن لا يتزوج من معها ولد من غيره لغير مصلحة قاله المتولي
وإنما قيدت لغير المصلحة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة رضي الله عنها ومعها ولد أبي سلمة رضي الله عنهم
قال أصحابنا ويستحب أن يتزوج في شوال للحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ( في ذلك )
والمستحب أن لا يتزوجها إلا بعد بلوغها نص عليه الشافعي رضي الله عنه وهذا إذا لم يكن حاجة أو مصلحة
والله أعلم

فرع إذا رغب في نكاحها استحب أن ينظر إليها لئلا يندم
وفي وجه لا يستحب

هذا النظر بل هو مباح
والصحيح الأول للأحاديث
ويجوز تكرير هذا النظر ليتبين هيئتها وسواء النظر بإذنها وبغير إذنها
فإن لم يتيسر النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له والمرأة أيضا تنظر إلى الرجل إذا إرادت تزوجه فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهرا وبطنا ولا ينظر إلى غير ذلك
وحكى الحناطي وجهين في المفصل الذي بين الكف والمعصم
وفي شرح مختصر الجويني وجه أنه ينظر إليها نظر الرجل إلى الرجل
والصحيح الأول
قال الإمام ويباح هذا النظر وإن خاف الفتنة لغرض التزوج ووقت هذا النظر بعد العزم على نكاحها وقبل الخطبة لئلا يتركها بعد الخطبة فيؤذيها هذا هو الصحيح
وقيل ينظر حين تأذن في عقد النكاح
وقيل عند ركون كل واحد منهما إلى صاحبه وذلك حين تحرم الخطبة على الخطبة

قلت وإذا نظر فلم تعجبه فليسكت ولا يقل لا أريدها لأنه إيذاء
والله أعلم
الفصل الثالث في أحكام النظر
جرت العادة بذكره هنا وله حالان
أحدهما آن لا تمس الحاجة إليه
والثاني أن تمس
والحال الأول أربعة أضرب نظر الرجل إلى المرأة وعكسه والرجل إلى الرجل والمرأة إلى المرأة
الضرب الأل نظر الرجل إلى المرأة فيحرم نظره إلى عورتها مطلقا وإلى وجهها وكفيها إن خاف فتنة
وإن لم يخف فوجهان قال أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمون لا يحرم لقول الله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } وهو مفسر بالوجه والكفين لكن يكره قاله الشيخ أبو حامد وغيره
والثاني يحرم قاله الإصطخري وأبو علي الطبري واختاره الشيخ أبو محمد والإمام وبه قطع صاحب المهذب والروياني ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات وبأن النظر مظنة الفتنة وهو محرك للشهوة فاللائق بمحاسن الشرع سد الباب فيه والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية
ثم المراد بالكف اليد من رؤوس الأصابع إلى المعصم
وفي وجه يختص الحكم بالراحة
وأما أخمصا القدمين فعلى الخلاف السابق في ستر العورة
وصوتها ليس بعورة على الأصح لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة
وإذا قرع بابها فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم بل تغلظ صوتها
قلت هذا الذي ذكره من تغليظ صوتها كذا قاله أصحابنا
قال إبراهيم المروذي طريقها أن تأخذ ظهر كفها بفيها وتجيب كذلك
والله أعلم

هذا كله إذا كان الناظر بالغا فحلا والمنظور إليها حرة كبيرة أجنبية
ثم الكلام في ست صور
إحداها الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء لا حجاب منه
وفي المراهق وجهان
أحدهما له النظر كما له الدخول بلا استئذان إلا في الأوقات الثلاثة فعلى هذا نظره كنظر المحارم البالغين
وأصحهما أن نظره كنظر البالغ إلى الأجنبية لظهوره على العورات
ونزل الإمام أمر الصبي ثلاث درجات
إحداها أن لا يبلغ أن يحكي ما يرى
والثانية يبلغه ولايكون فيه ثوران شهوة وتشوف
والثالثة أن يكون فيه ذلك
فالأول حضوره كغيبته ويجوز التكشف له من كل وجه
والثاني كالمحرم
والثالث كالبالغ
واعلم أن الصبي لا تكليف عليه وإذا جعلناه كالبالغ فمعناه يلزم المنظور إليها الإحتجاب منه كما يلزمها الإحتجاب من المجنون قطعا
قلت وإذا جعلنا الصبي كالبالغ لزم الولي أن يمنعه النظر كما يلزم أن يمنعه الزنا وسائر المحرمات
والله أعلم
الصورة الثانية في الممسوح وجهان
قال الأكثرون نظره إلى الأجنبية كنظر الفحل إلى المحارم وعليه يحمل قول الله تعالى { أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال }
والثاني أنه كالفحل مع الأجنبية لأنه يحل له نكاحها

قلت والمختار في تفسير غير أولي الإربة أنه المغفل في عقله الذي لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن كذا قاله ابن عباس وغيره
والله أعلم
وأما المجبوب الذي بقي أنثياه والخصي الذي بقي ذكره والعنين والمخنث وهو المشبه بالنساء والشيخ الهم فكالفحل كذا أطلق الأكثرون
وقال في الشامل لا يحل للخصي النظر إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته وكذا المخنث
وأطلق أبو مخلد البصري المتأخر في الخصي والمخنث وجهين
قلت هذا المذكور عن الشامل قاله شيخه القاضي أبو الطيب وصرح بأن الشيخ الذي ذهبت شهوته يجوز له ذلك لقوله تعالى { أو التابعين غير أولي الإربة }
والله أعلم
الصورة الثالثة مملوك المرأة محرم لها على الأصح ( عند الأكثرين )
قلت وهو المنصوص وظاهر الكتاب والسنة وإن كان فيه نظر من حيث المعنى قال القاضي حسين فإن كاتبته فليس بمحرم
والله أعلم
الصورة الرابعة إذا كان المنظور إليها أمة فثلاثة أوجه
أصحها فيما ذكره البغوي والروياني يحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة ولا يحرم ما سواه لكن يكره
والثاني يحرم ما لا يبدو حال المهنة دون غيره
والثالث أنها كالحرة وهذا غريب لا يكاد يوجد لغير الغزالي
قلت قد صرح صاحب البيان وغيره بأن الأمة كالحرة وهو مقتضى إطلاق كثيرين وهو أرجح دليلا
والله أعلم

الصورة الخامسة في النظر إلى الصبية وجهان
أحدهما المنع
والأصح الجواز ولا فرق بين عورتها وغيرها لكن لا ينظر إلى الفرج
قلت جزم الرافعي بأنه لا ينظر إلى فرج الصغيرة
ونقل صاحب العدة الإتفاق على هذا وليس كذلك بل قطع القاضي حسين في تعليقه بجواز النظر إلى فرج الصغيرة التي لا تشتهى والصغير وقطع به في الصغير إبرهيم المروذي
وذكر المتولي فيه وجهين وقال الصحيح الجواز لتسامح الناس بذلك قديما وحديثا وأن إباحة ذلك تبقى إلى بلوغه سن التمييز ومصيره بحيث يمكنه ستر عورته عن الناس
والله أعلم
وأما العجوز فألحقها الغزالي بالشابة لأن الشهوة لا تنضبط وهي محل الوطء
وقال الروياني إذا بلغت مبلغا يؤمن الإفتتان بالنظر إليها جاز النظر إلى وجهها وكفيها لقول الله تعالى { والقواعد من النساء }
الصورة السادسة المحرم لا ينظر إلى ما بين السرة والركبة وله النظر إلى ما سواه على المذهب
وفي وجه أنه يباح ما يبدو عند المهنة
وهل الثدي زمن الإرضاع مما يبدو وجهان
وسواء المحرم بالنسب والمصاهرة والرضاع وقيل لا ينظر بالمصاهرة والرضاع إلا إلى البادي في المهنة
والصحيح الأول
قلت ويجوز للمحرم الخلوة والمسافرة بها
والله أعلم
الضرب الثاني نظر الرجل إلى الرجل وهو جائز في جميع البدن إلا ما بين السرة والركبة لكن يحرم النظر إلى الأمرد وغيره بالشهوة وكذا النظر إلى المحارم وسائر المذكورات في الضرب السابق بالشهوة حرام قطعا
ولا يحرم

النظر إلى الأمرد بغير شهوة إن لم يخف فتنة وإن خافها حرم على الصحيح وقول الأكثرين
قلت أطلق صاحب المهذب وغيره أنه يحرم النظر إلى الأمرد لغير حاجة ونقله الداركي عن نص الشافعي رحمه الله
والله أعلم
الضرب الثالث نظر المرأة إلى المرأة كالرجل إلى الرجل إلا في شيئين
أحدهما حكى الإمام وجها أنها كالمحرم وهو شاذ ضعيف
الثاني في نظر الذمية إلى المسلمة وجهان
أصحهما عند الغزالي كالمسلمة
وأصحهما عند البغوي المنع
فعلى هذا لا تدخل الذمية الحمام مع المسلمات وما الذي تراه من المسلمة قال الإمام هي كالرجل الأجنبي
وقيل ترى ما يبدو في المهنة وهذا أشبه
قلت ما صححه البغوي هو الأصح أو الصحيح وسائر الكافرات كالذمية في هذا ذكره صاحب البيان
والله أعلم
الضرب الرابع نظر المرأة إلى الرجل وفيه أوجه
أصحها لها النظر إلى جميع بدنه إلا ما بين السرة والركبة
والثاني لها نظر ما يبدو منه في المهنة فقط
والثالث لا ترى منه إلا ما يرى منها
قلت هذا الثالث هو الأصح عند جماعة وبه قطع صاحب المهذب وغيره لقول الله تعالى { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } ولقوله صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما أليس تبصرانه الحديث وهو حديث حسن
والله أعلم

وأما نظرها إلى محرمها فلا يحرم إلا ما بين السرة والركبة على المذهب وبه قطع المحقون
وقيل هو كنظره إليها ويحرم عليها النظر إلى الرجل عند خوف الفتنة قطعا
وحديث أفعمياوان يحمل على هذا أو على الإحتياط

فرع ما لا يجوز النظر إليه متصلا كالذكر وساعد الحرة وشعر رأسها
وشعر عانة الرجل وما أشبهها يحرم النظر إليه بعد الإنفصال على الأصح
وقيل لا وقال الإمام احتمالا لنفسه إن لم يتميز المبان من المرأة بصورته وشكله عما للرجل كالقلامة والشعر والجلدة لم يحرم
وإن تميز حرم
قلت ما ذكره الإمام ضعيف إذ لا أثر للتمييز مع العلم بأنه جزء يحرم نظره
وعلى الأصح يحرم النظر إلى قلامة رجلها دون قلامة يدها ويده ورجله
والله أعلم

وينبغي لمن حلق عانته أن يواري الشعر لئلا ينظر إليه أحد
وفي فتاوى البغوي أنه لو أبين شعر الأمة أو ظفرها ثم عتقت ينبغي أن يجوز النظر إليه وإن قلنا إن المبان كالمتصل لأنه حين انفصل لم يكن عورة والعتق لا يتعدى إلى المنفصل

فرع يجوز للزوج النظر إلى جميع بدن زوجته غير الفرج

وفي الفرج وجهان
أحدهما يحرم
وأصحهما لا لكن يكره
وباطن الفرج أشد كراهة ويكره للإنسان نظره إلى فرج نفسه بلا حاجة ونظر السيد إلى أمته التي يجوز استمتاعه بها كنظر الزوج إلى زوجته سواء كانت قنة أو مدبرة أو مستولدة أو عرض مانع قريب الزوال كالحيض والرهن فإن كان مرتدة أو مجوسية أو وثنية أو مزوجة أو مكاتبة أو مشتركة بينه وبين غيره حرم نظره إلى ما بين السرة والركبة ولا يحرم ما زاد على الصحيح
وزوجته المعتدة عن وطء أجنبي بشبهة كالمكاتبة
ونظر الزوجة إلى زوجها كنظره إليها
وقيل يجوز نظرها إلى فرجه قطعا
قلت ونظرها إلى سيدها كنظره إليها
والله أعلم
فرع حيث حرم النظر حرم المس بطريق الأولى لأنه أبلغ لذة فيحرم
الرجل دلك فخذ رجل بلا حائل
فإن كان ذلك فوق إزار جاز إذا لم يخف فتنة

وقد يحرم المس دون النظر فيحرم مس وجه الأجنبية وإن جاز النظر ومس كل ما جاز النظر إليه من المحارم والإماء بل لا يجوز للرجل مس بطن أمه ولا ظهرها ولا أن يغمز ساقها ولا رجلها ولا أن يقبل وجهها حكاه العبادي عن القفال
قال وكذا لا يجوز للرجل أن يأمر ابنته أو أخته بغمز رجله
وعن القاضي حسين أنه كان يقول العجائز اللاتي يكحلن الرجال يوم عاشوراء مرتكبات للحرام

فرع لا يجوز أن يضاجع الرجل الرجل ولا المرأة المرأة وإن كان
واحد في جانب من الفراش وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه وأخته وأخيه في المضجع
فرع يستحب مصافحة الرجل الرجل والمرأة المرأة

قال البغوي وتكره المعانقة والتقبيل إلا تقبيل الولد شفقة
وقال أبو عبد الله الزبيري لا بأس أن يقبل الرجل رأس الرجل وما بين عينيه عند قدومه من سفره أو تباعد لقائه
قلت المختار أن تقبيل يد غيره إن كان لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته ونحو ذلك من الأمور الدينية فهو مستحب
وإن كان لغناه ودنياه وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فمكروه
وقال المتولي في باب صلاة الجمعة لا يجوز
وتقبيل الصغار شفقة سنة سواء ولده وولد غيره إذا لم يكن بشهوة
والسنة معانقة القادم من سفر وتقبيله
ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح ويكره حني الظهر في كل حال لكل أحد ولا بأس بالقيام لأهل الفضل

بل هو مستحب للإحترام لا للرياء والإعظام وقد ثبتت أحاديث صحيحة بكل ما ذكرته وقد أوضحتها مبسوطة في كتاب السلام من كتاب الأذكار وهو مما لا يستغني متدين عن مثله وفي كتاب الترخيص في القيام
والله أعلم

فرع الخنثى المشكل فيه وجهان

أصحهما الأخذ بالأشد فيجعل مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة
والثاني الجواز قاله القفال استصحابا لحكم الصغر
قلت قطع الفوراني والمتولي بالثاني وإبرهيم المروذي ونقله المروذي عن القاضي
والله أعلم
الحال الثاني إذا احتاج إلى النظر وذلك في صور
منها أن يريد نكاحها فله النظر كما سبق
ومنها أن يريد شراء جارية وقد سبق في البيع
ومنها إذا عامل امرأة ببيع أو غيره أو تحمل شهادة عليها جاز النظر إلى وجهها فقط ليعرفها
وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة كلفت الكشف عن وجهها عند الأداء
فإن امتنعت أمرت امرأة بكشفه
ومنها يجوز النظر والمس للفصد والحجامة ومعالجة العلة وليكن ذلك بحضور محرم أو زوج ويشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا أن لا يكون هناك امرأة تعالج وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل أن لا يكون هناك رجل يعالج كذا قاله أبو عبد الله الزبيري والروياني وعن ابن القاص خلافه

قلت الأول أصح وبه قطع القاضي حسين والمتولي
قالا أيضا ولا يكون ذميا مع وجود مسلم
والله أعلم
ثم أصل الحاجة كاف في النظر إلى الوجه واليدين وفي النظر إلى سائر الأعضاء يعتبر تأكد الحاجة وضبطه الإمام فقال ما يجوز الإنتقال من الماء إلى التيمم وفاقا أو خلافا كشدة الضنى وما في معناها يجوز النظر بسببه وفي النظر إلى السوأتين يعتبر مزيد تأكد قال الغزالي وذلك بأن تكون الحاجة بحيث لا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة ويعذر في العادة
ومنها يجوز للرجال النظر إلى فرج الزانيين لتحمل شهادة الزنا وإلى فرج المرأة للشهادة على الولادة وإلى ثدي المرضعة للشهادة على الرضاع هذا هو الصحيح
وقال الإصطخري لا يجوز كل ذلك
وقيل يجوز في الزنا دون غيره
وقيل عكسه
الفصل الرابع في الخطبة بكسر الخاء قال الغزالي هي مستحبة ويمكن أن يحتج له بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وما جرى عليه الناس ولكن لا ذكر للإستحباب في كتب الأصحاب وإنما ذكروا الجواز
ثم المرأة إن كانت خلية عن النكاح والعدة جازت خطبتها تعريضا وتصريحا وإن كان معتدة حرم التصريح بخطبتها مطلقا
وأما التعريض فيحرم في عدة الرجعية ولا يحرم في عدة الوفاة
وقيل إن كانت عدة الوفاة بالحمل لم تخطب خوفا من تكلف إلقاء ولدها
والصحيح الأول
والبائن بطلاق أو فسخ يحل التعريض بخطبتها على الأظهر
والتي لا تحل لمن منه العدة بلعان أو رضاع أو طلاق الثلاث كالمعتدة عن الوفاة
وقيل كالفسخ
ثم سواء كانت العدة في هذه الصور بالأقراء أم بالأشهر
وقيل إن كانت بالأقراء حرم قطعا
والصحيح وبه قطع الجمهور أن لا فرق

وفي المعتدة عن وطء بشبهة طريقان
المذهب القطع بالجواز
والثاني طرد الخلاف
والتصريح كقوله أريد نكاحك أو إذا انقضت عدتك نكحتك
والتعريض بما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها كقوله رب راغب فيك من يجد مثلك أنت جميلة إذا حللت فآذنيني لا تبقين أيما لست بمرغوب عنك إن شاء الله لسائق إليك خيرا ونحو ذلك وحكم جواب المرأة في هذه الصور تصريحا وتعريضا حكم الخطبة
وجميع ما ذكرناه فيما إذا خطبها غير صاحب العدة
فأما صاحبها الذي يحل له نكاحها فله التصريح بخطبتها

فرع تحرم الخطبة على خطبة غيره بعد صريح الإجابة إلا إذا أذن
أو رك
وصريح الإجابة أن تقول أجبتك إلى ذلك أو تأذن لوليها ( في ) أن يزوجها إياه وهي معتبرة الإذن
فلو لم تصرح بالإجابة لكن وجد ما يشعر بها كقولها لا رغبة عنك فقولان
القديم تحريم الخطبة
والجديد الجواز
ولو ردته فللغر خطبتها قطعا
ولو لم يوجد إجابة ولا رد فقيل يجوز قطعا
وقيل بالقولين
والمعتبر رد الولي وإجابته إن كانت مجبرة وإلا فردها وإجابتها وفي الأمة رد السيد وإجابته وفي المجنونة رد السلطان وإجابته
ثم المفهوم من إطلاق الأكثرين أن سكوت الولي عن الجواب فيه الخلاف المذكور وخص بعضهم الخلاف بسكوتها وقال سكوت الولي لا يمنع قطعا
وعن الداركي أن الخلاف في سكوت البكر ولا يمنع سكوت الثيب بحال

فرع يجوز الهجوم على الخطبة لمن لم يدر أخطبت أم لا

خاطبها أم رد لأن الأصل الإباحة
فرع سواء فيما ذكرناه الخاطب المسلم والذمي إذا كانت كتابية

وقيل يختص المنع بالخطبة على خطبة المسلم
قلت قال الصيمري لو خطب خمس نسوة دفعة فأذن لم يحل لأحد خطبة واحدة منهن حتى يتركها الأول أو يعقد على أربع فتحل الخامسة
وإن خطب كل واحدة وحدها فأذن حلت الخامسة دون غيرها
هذا كلامه والمختار تحريم الجميع إذ قد يرغب في الخامسة
قال أصحابنا ويكره التعريض بالجماع للمخطوبة ولا يكره التعريض والتصريح به لزوجته وأمته
والله أعلم
فرع يجوز الصدق في ذكر مساوىء الخاطب ليحذر وكذا من أراد نصيحة
غيره ليحترز عن مشاركته ونحوها وليس هذا من الغيبة المحرمة

قلت الغيبة تباح بستة أسباب قد أوضحتها بدلائلها وما يتعلق بها وطرق مخارجها في آخر كتاب الأذكار
أحدها التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه ممن ظلمه فيقول ظلمني فلان وفعل بي كذا
الثاني الإستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك
الثالث الإستفتاء
بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له ذلك أم لا وما طريقي في الخلاص ( منه ) ودفع ظلمه عني ونحو ذلك
وكذا قوله زوجتي تفعل معي كذا وزوجي يضربني ويقول لي كذا فهذا جائز للحاجة
والأحوط أن يقول ما تقول في رجل أو زوج أو والد من أمره كذا ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند في الصحيحين إن أبا سفيان شحيح


الحديث
الرابع تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه
منها جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونا للشريعة
ومنها الاخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته

ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا تذكره للمشتري إذا لم يعلمه نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد
ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة
ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو فسقه فتذكره لمن عليه ولاية ليستبدل به أو يعرف حاله فلا يعتبر به أو يلزمه الإستقامة
الخامس أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر
السادس التعريف فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى
هذا مختصر ما تباح به الغيبة
والله أعلم
الفصل الخامس في الخطبة بضم الخاء
يستحب لمن يخطب امرأة أن يقدم بين يدي خطبته خطبة فيحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصي بتقوى الله تعالى ثم يقول جئتكم راغبا في كريمتكم ويخطب الولي كذلك ثم يقول لست بمرغوب عنك أو نحو ذلك
وتستحب الخطبة أيضا عند العقد ويحصل الإستحباب سواء خطب الولي أو الزوج أو أجنبي
وإذا قال الولي

الحمد لله والصلاة على رسول الله زوجتك فقال الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها فوجهان
أحدهما لا يصح النكاح للفصل والصحيح صحته وبه قطع الجمهور وقالوا للنكاح خطبتان مسنونتان إحداهما تتقدم العقد والثانية تتخلله وهي أن يقول الولي بسم الله والصلاة على رسول الله أوصيكم بتقوى الله تعالى زوجتك فلانة ثم يقول الزوج مثل ذلك ثم يقول قبلت
ثم قال الأصحاب موضع الوجهين إذا لم يطل الذكر بينهما فإن طال فالعقد باطل قطعا
ولو تخلل كلام يسير لا يتعلق به العقد ولا
يستحب فيه بطل العقد على الأصح
واستحب الشافعي رحمه الله أن يقول الولي زوجتكها على ما أمر الله العظيم من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
وهذا إن ذكراه قبل العقد فذاك
وإن قيد الولي الإيجاب به وقبل الزوج مطلقا أو ذاكرا له فوجهان
أحدهما يبطل النكاح واختاره الشيخ أبو محمد لأنه شرط الطلاق على أحد التقديرين
وأصحهما الصحة لأن كل زوج مأخوذ به بمقتضى الشرع فهو ذكر لمقتضى العقد
وفصل الإمام فقال إن أجرياه شرطا ملزما فالوجه البطلجن
وإن قصدا الوعظ دون الإلزام لم يضر
وإن أطلقا احتمل واحتمل وقرينة الحال تقتضي الوعظ

فرع يستحب الدعاء لزوجين بعد العقد فيقال بارك الله لك وبارك عليك
وجمع بينكما في خير

قلت ويكره أن يقال بالرفاء والبنين لحديث ورد بالنهي عنه ولأنه من ألفاظ الجاهلية
ومما يتعلق بآداب العقد أنه يستحب إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين وأن ينوي بالنكاح المقاصد الشرعية كإقامة السنة وصيانة دينه وغيرهما ويستحب للولي عرض موليته على أهل الفضل والصلاح لحديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين
والله أعلم

الباب الثالث في أركان النكاح
وهي أربعة
الركن الأول الصيغة إيجابا وقبولا فيقول الولي زوجتك أو أنكحتك ويقول الزوج تزوجت أو نكحت أو قبلت تزويجها أو نكاحها
أو يقول الزوج أولا تزوجتها أو نكحتها فيقول الولي زوجتك أو أنكحتك ولا ينعقد بغير لفظ التزويج والإنكاح
وفي انعقاده بمعنى اللفظين بالعجمية من العاقدين أو أحدهما أوجه
أصحها الإنعقاد
والثالث إن لم يحسن العربية انعقد وإلا فلا
وإذا صححناه فذاك إذا فهم كل منهما كلام الآخر
فإن لم يفهم فأخبره ثقة عن معنى لفظه ففي الصحة وجهان
ولا يشترط اتفاق اللفظين منهما

فلو قال زوجتك فقال الزوج نكحت أو قال أنكحتك فقال تزوجت صح ولا ينعقد بالكناية

فرع إذا قال زوجتكها فليقل قبلت نكاحها أو تزويجها أو قبلت هذا
النكاح فإن اقتصر على قبلت لم ينعقد على الأظهر
وقيل قطعا
وقيل ينعقد قطعا
وإن قال قبلت النكاح أو قبلتها فخلاف مرتب وأولى بالصحة
ولو قال زوجني أو أنكحني فقال الولي قد فعلت ذلك أو نعم أو قال الولي زوجتكها أو أنكحتكها أقبلت فقال نعم أو قال نعم من غير قول الولي أقبلت فقيل بالمنع قطعا
وقيل بطرد الخلاف وهو أقيس
وفي نظائر هذه الصور من البيع ينعقد البيع
وكذا لو قال بعتك كذا فقال قبلت ينعقد على الصحيح
وحكى الحناطي فيه وجها
فرع إذا كتب بالنكاح إلى غائب أو حاضر لم يصح

وقيل يصح في الغائب وليس بشىء لأنه كناية ولا ينعقد بالكنايات
ولو خاطب غائبا بلسانه فقال زوجتك بنتي ثم كتب فبلغه الكتاب أو لم يبلغه وبلغه الخبر فقال قبلت نكاحها لم يصح على الصحيح
وإذا صححنا في المسألتين فشرطه القبول في مجلس بلوغ الخبر وأن يقع بحضرة شاهدي الإيجاب

قلت لا يكفي القبول في المجلس بل يشترط الفور
والله أعلم

فرع إذا استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة لم يكف الكتاب بل
اللفظ على المذهب وحكى الحناطي وجهين وليس للمكتوب إليه اعتماد الخط على الصحيح
فرع إذا قال ( للولي ) زوجني قال الولي زوجتك
فإن قال الزوج بعده قبلت صح النكاح قطعا وإلا فالمذهب والنص صحته أيضا
وقيل بطرد الخلاف السابق في البيع في مثله
والخلع والصلح عن الدم والإعتاق على مال ينعقد بالإستيجاب والإيجاب على المذهب وبه قطع الجمهور
فإذا قالت طلقني أو خالعني على ألف فأجابها الزوج طلقت ولزمها الألف ولا حاجة إلى قبول بعده
وكذا لو قال العبد لسيده أعتقني على كذا فأجابه إليه أو قال من عليه القصاص صالحني على كذا فقال المستحق صالحتك عليه
وقيل بطرد الطريقين في كل هذه العقود كالنكاح
وأما الكتابة فكالعتق وقيل كالنكاح
هذا كله إذا كانت صيغته زوجني أو خالعني وأعتقني ونحوها
فلو قال الزوج قل زوجتكها قال الشيخ أبو محمد ليس هو باستيجاب لأنه استدعى اللفظ دون التزويج فإذا تلفظ اقتضى القبول
ولو قال الولي أولا

تزوج ابنتي فقال تزوجت فهو كما لو قال الزوج زوجني فقال الولي زوجتك هكذا قالوه
وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع ويمكن أن يقال بمثله هنا
ولو قال أتزوجني ابنتك فقال الولي زوجتك لم ينعقد إلا أن يقول الخاطب بعده تزوجت وكذا لو قال الولي أتتزوج بنتي أو تزوجتها فقال تزوجت لا ينعقد إلا أن يقول الولي بعده زوجتك لأنه استفهام
ولو قال المتوسط للولي زوجته ابنتك فقال زوجت ثم أقبل على الزوج فقال قبلت نكاحها فقال قبلته صح على الأصح لوجود الإيجاب والقبول مترابطين ومنعه القفال لعدم التخاطب

فرع تشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول على ما سبق في البيع
ونقل القاضي أبو سعد الهروي أن أصحابنا العراقيين اكتفوا بوقوع القبول في مجلس الإيجاب
قلت الصحيح اشتراط القبول على الفور فلا يضر الفصل اليسير ويضر الطويل وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول فهذا هو المعروف في طريقتي العراق وخراسان
وما ادعاه الهروي عن العراقيين جملة لا يقبل والمشاهدة تدفعه والدليل يبطله فلا اغترار به
والله أعلم
فرع إذا وجد أحد شقي العقد من أحد العاقدين فلا بد من
حتى يوجد الشق الآخر فلو رجع عنه لغا العقد
وكذا لو أوجب ثم جن

أو أغمي عليه لغا إيجابه وامتنع القبول
وكذا لو أذنت المرأة في تزويجها حيث يعتبر إذنها ثم أغمي عليها قبل العقد بطل إذنها

فصل النكاح لا يقبل التعليق كقوله إذا جاء رأس الشهر فقد زوجتك

فلو أخبر بمولود فقال لجليسه إن كانت بنتا فقد زوجتكها أو قال إن كانت بنتي طلقها زوجها أو مات عنها وانقضت عدتها فقد زوجتكها أو لو كان تحته أربع نسوة فقال له رجل إن كانت ماتت إحداهن فقد زوجتك بنتي أو قال إن مات أبي وورثت هذه الجارية فقد زوجتكها وبان الأمر كما قدر لم يصح النكاح على المذهب وبه قطع الأكثرون
وقيل وجهان كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا
قال البغوي ولو بشر ببنت فقال إن صدق المخبر فقد زوجتكها صح ولا يكون ذلك تعليقا بل هو تحقيق كقوله إن كنت زوجتي فأنت طالق وتكون إن بمعنى إذ
قال وكذا لو أخبر من له أربع نسوة بموت إحداهن فقال لرجل إن صدق المخبر فقد تزوجت بنتك فقال ذلك الرجل زوجتكها صح وهذا الذي قاله البغوي يجب أن يكون مفروضا فيما إذا تيقن صدق المخبر وإلا فلفظ إن للتعليق
فرع قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون بضع
صداقا للأخرى فقبل الآخر أو قال زوجتك بنتي وتزوجت بنتك أو أختك

على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للأخرى فقال المخاطب تزوجت وزوجت على ما ذكرت فهذا نكاح الشغار وهو باطل للحديث الصحيح ولمعنى الإشتراك في البضع
وقال القفال للتعليق والتوقف
ولو قال كل واحد زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وقبل الآخر ولم يجعلا البضع صداقا فوجهان
أصحهما الصحة لأنه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد وذلك لا يفسد النكاح
فعلى هذا يصح النكاحئن ولكل واحدة مهر المثل
والثاني لا يصح لمعنى التعليق والتوقف
وخص الإمام الوجهين بما إذا كانت الصيغة هذه ولم يذكرا مهرا وقطع بالصحة فيما لو قال زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك وفيما قاله نظر
فعلى الوجه الأول لو قال زوجتك على أن تزوجني بنتك وبضع بنتك صداق لبنتي فقبل صح الأول وبطل الثاني
ولو قال وبضع بنتي صداق لبنتك بطل الأول وصح الثاني وهذا نظر إلى معنى التشريك
ولو سميا لهما أو لأحداهما مهرا مع جعل البضع صداقا بأن قال زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك بألف وبضع كل واحدة صداق للأخرى أو قال على أن تزوجني بنتك وبضع كل واحدة صداق للأخرى أو قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة وألف درهم صداقا للأخرى فوجهان
أحدهما وهو ظاهر نصه في المختصر الصحة
وأصحهما البطلان وهو نصه في الإملاء

فرع قال زوجتك بنتي بمتعة جاريتك صح النكاح وفسد الصداق
ولو قال زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك قال ابن الصباغ صح النكاحان لأنه لا تشريك فيما يرد عليه عقد النكاح ويفسد الصداق ويجب لكل واحدة مهر المثل ويجيء على معنى التعليق والتوقف أن يحكم ببطلان النكاحين
ولو طلق امرأته على أن يزوجه صاحبه بنته ويكون بضع امرأته صداقا لها وزوجه صاحبه على ذلك فهل يبطل النكاح أم يصح ويفسد الصداق وجهان حكاهما ابن كج عن ابن القطان
قلت أفقههما الثاني
والله أعلم
ولو طلق امرأته على أن يعتق صاحبه عبده ويكون طلاق امرأته عوضا عن عتقه قال الحناطي يقع الطلاق ولا رجوع بالمهر على أحد
وفي عتق العبد وجهان
إن عتق فلا رجوع بقيمته وقال ابن كج عندي يقع الطلاق ويحصل العتق ويرجع المطلق على المعتق بمهر امرأته والمعتق على المطلق بقيمة عبده
فصل النكاح الموقت باطل سواء قيده بمدة مجهولة أو معلومة وهو نكاح
المتعة
وإذا وطىء في نكاح المتعة جاهلا بفساده فلا حد
وإن علم فلا حد أيضا على المذهب
وحيث لا حد يجب المهر والعدة ويثبت النسب
ولو قال نكحتها متعة ولم يزد على هذا حكى الحناطي في صحة النكاح وجهين

قلت الأصح البطلان
والله أعلم
الركن الثاني المنكوحة ويشترط خلوها من موانع النكاح
والكلام في الموانع مبسوط في مواضعها لا سيما باب الموانع فيقتصر هنا على عد تراجمها
فمن الموانع أن تكون منكوحة أو معتدة عن غيره أو مطلقته بالثلاث ما لم تحلل أو ملاعنته أو مرتدة أو مجوسية أو وثنية أو زنديقة أو كتابية دخلت في دينهم بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعد تبديلهم على الأظهر أو تكون أمة والناكح حر واجد طول حرة أو غير خائف عنتا أو يكون بعضها أو كلها ملكا للناكح أو تكون محرما له أو خامسة أو يكون في نكاحه أختها وغيرها ممن لا يجمع بينها و بينها أو تكون محرمة بحج أو عمرة و ثيبا صغيرة أو تكون يتيمة لا جد لها

فصل يشترط في كل واحد من الزوجين أن يكون معينا

فلو قال زوجتك إحدى بنتي أو زوجت بنتي أحدكما أو أحد ابنيك لم يصح
ولو كان له بنت واحدة فقال زوجتك بنتي صح وإن لم يسمها
ولو كانت حاضرة فقال زوجتك هذه أو كانت في الدار فقال زوجتك التي في الدار وليس فيها غيرها صح
ولو كان له بنت واحدة فقال زوجتك بنتي فلانة وسماها بغير إسمها صح النكاح على الأصح لأن البنتية صفة لازمة مميزة فاعتبرت ولغا الإسم كما لو أشار إليها وسماها بغير إسمها فإنه يصح قطعا
وقد يمنع هذه الصورة القائل الآخر والأصح

الصحة فيهما حتى لو قال زوجتك هذا الغلام وأشار إلى بنته نقل الروياني عن الأصحاب صحة النكاح تعويلا على الإشارة
ولو قال بعتك داري هذه وحددها وغلط في حدودها صح البيع بخلاف ما لو قال بعتك الدار التي في المحلة الفلانية وحددها وغلط لأن التعويل هنا على الإشارة
ولو قال بعتك داري ولم يقل هذه وحددها وغلط ولم يكن له دار سواها وجب أن يصح تفريعا على الأصح في قوله زوجتك بنتي فلانة وغلط في اسمها
وأما إذا كان إسم بنته ( الواحدة ) فاطمة فقال زوجتك فاطمة ولم يقل بنتي فلا يصح النكاح لكثرة الفواطم لكن ( لو ) نواها صح
كذا قال به العراقيون والبغوي واعترض ابن الصباغ بأن الشهادة شرط والشهود لا يطلعون على النية وهذا قوي ولهذا الأصل منعنا النكاح بالكنايات
ولو كان له بنتان فصاعدا اشترط تمييز المنكوحة بإسم أو إشارة أو صفة كقوله فاطمة أو هذه أو الكبرى
قال المكتفون بالنية أو بأن ينويا واحدة بعينها وإن لم يجر لفظ مميز
ولو قال بنتي الكبرى وسماها بإسم الصغرى صح النكاح على الكبرى على الوصف
ويجيء على قياس الوجه المذكور في الواحدة أن يبطل النكاح
وإذا لم يتعرض للكبر والصغر بل قال زوجتك بنتي فلانة وذكر إسم الكبيرة وقصد تزويجه الصغيرة أو بالعكس وقصد الزوج التي قصدها الولي صح النكاح على التي قصداها ولغت التسمية
وفي الإعتماد على النية الإشكال السابق
ولو قال الزوج قصدنا الكبيرة فالنكاح في الظاهر منعقد على الكبيرة
وإن صدق الولي

في أنه قصد الصغيرة لم يصح لأنه قبل غير ما أوجب هكذا ذكره العراقيون والبغوي المعتبرون للنية وهذا يخالف مسألة منقولة وهي أن زيدا خطب إلى قوم وعمرا إلى آخرين ثم جاء زيد إلى الآخرين وعمرو إلى الأولين وزوج كل فريق من جاءه قال ابن القطان وقعت في أيام أبي السائب ببغداد فأفتى الفقهاء بصحة النكاحين ومعلوم أن كل ولي أوجب لغير من قبل
قلت ليست هذه المسألة مثلها والفرق أظهر من أن يذكر
ومن فروع المسألة زوج رجل رجلا إحدى بنتيه فمات الأب وادعت كل واحدة عليه أنها زوجته أو ادعى هو على إحداهما وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الباب الثاني عشر
والله أعلم
الركن الثالث الشهادة فلا ينعقد النكاح إلا بحضرة رجلين مسلمين مكلفين حرين عدلين سميعين بصيرين متيقظين عارفين لسان المتعاقدين
وقيل يصح بالأعميين وحكى أبو الحسن العبادي رحمه الله وجها أنه ينعقد بمن لا يعرف لسان المتعاقدين لأنه ينقله إلى الحاكم
وأما المغفل الذي لا يضبط فلا ينعقد به وينعقد بمن يحفظ وينسى عن قريب
وفي الأخرس وذي الحرفة الدنية والصباغ والصائغ وجهان
وفي عدوي الزوجين أو أحدهما أوجه
أصحها عند البغوي وهو المنصوص في الأم الإنعقاد
والثالث ينعقد بعدوي أحدهما دون عدويهما واختاره العراقيون

وفي ابنيهما وابني أحدهما وابنه وابنها هذه الأوجه
وقيل يختص الخلاف بهذه الصورة وينعقد في العدوين قطعا لأن العداوة في تزول
وقيل ينعقد بابنيها وعدويه دون ابنيه وعدويها لأنه محتاج إلى الإثبات دونها ويجري الخلاف في جده وجدها وأبيه مع جدها
وأما أبوها فولي عاقد فلا يكون شاهدا
ولو وكل لم ينعقد بحضوره لأن الوكيل نائبه وكذا لو وكل غير الأب وحضر مع شاهد آخر لم ينعقد
قال البغوي في الفتاوى لو كان لها إخوة فزوج أحدهم وحضر آخران منهم شاهدين ففي صحة النكاح جوابان
وجه المنع أن الشرع جعل المباشر نائبا عن الباقين فيما توجه عليهم
قلت الراجح منهما الصحة
قال أصحابنا وينعقد بحضرة ابنيه مع ابنيها أو عدويه مع عدويها بلا خلاف لإمكان إثبات شقته
والله أعلم

فرع ينعقد النكاح بشهادة المستورين على الصحيح

وقال الإصطخري لا
والمستور من عرفت عدالته ظاهرا لا باطنا
وقال البغوي لا ينعقد بمن لا تعرف عدالته ظاهرا وهذا كأنه مصور فيمن لا يعرف إسلامه وإلا فظاهر من حال المسلم الإحتراز من أسباب الفسق
قلت الحق قول البغوي وأن مراده من لا يعرف ظاهره بالعدالة وقد صرح

البغوي بهذا وقاله شيخه القاضي حسين ونقله إبرهيم المروذي عن القاضي ولم يذكر غيره
والله أعلم
ولا ينعقد بمن لا يظهر إسلامه وحريته بأن يكون في موضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والأحرار بالعبيد ولا غالب
وتردد الشيخ أبو محمد في مستور الحرية والصحيح الأول بل لا يكتفى بظاهر الإسلام والحرية بالدار حتى يعرف حاله فيهما باطنا
هذا مقتضى كلام البغوي وغيره وفرقوا بأن الحرية يسهل الوقوف عليها بخلاف العدالة والفسق
ولو أخبر عدل بفسق المستور فهل يزول الستر فلا ينعقد بحضوره وإن زال فيسلك به مسلك الرواية أم يقال هو شهادة فلا يقدح إلا قول من يجرح عند القاضي تردد فيهما الإمام
قلت لو ترافع الزوجان إلى حاكم وأقرا بنكاح عقد بمستورين واختصما في حق زوجته كنفقة ونحوها حكم بينهما ولا ينظر في حال الشاهدين إلا أن يعلم فسقهما فلا يحكم
فإن جحد أحدهما النكاح فأقام المدعي مستورين لم يحكم بصحته ولا فساده بل يتوقف حتى يعلم باطنهما ذكره الشيخ أبو حامد وغيره
والله أعلم

فرع لو بان الشاهد فاسقا حال العقد فالنكاح باطل على المذهب كما
لو بان كافرا أو عبدا وإنما يتبين الفسق ببينة أو بتصادق الزوجين أنهما كانا فاسقين ولم نعلمهما أونسينا فسقهما
فأما لو قالا علمنا ( فسقهما ) حينئذ أو علمه أحدنا فقال الإمام نتبين البطلان بلا خلاف لأنهما لم يكونا مستورين عند الزوجين وعليهما التعويل

ولا اعتبار بقول الشاهدين كنا فاسقين يومئذ كما لا اعتبار بقولهما كنا فاسقين بعد الحكم بشهادتهما وكذا لو تقار الزوجان أن النكاح وقع في الإحرام أو العدة أو الردة نتبين بطلانه ولا مهر إلا إذا كان دخل بها فيجب مهر المثل
فلو نكحها بعد ذلك ملك ثلاث طلقات
ولو اعترف الزوج بشىء من ذلك وأنكرت لم يقبل قوله عليها في المهر فيجب نصف المسمى إن كان قبل الدخول وكله إن كان بعده ويفرق بينهما بقوله
وفي سبيل هذا التفريق خلاف
قال أصحاب القفال هو طلقة بائنة فلو نكحها يوما عادت بطلقتين
قالوا وهذا مأخوذ من نص الشافعي رضي الله عنه أنه لو نكح أمة ثم قال نكحتها وأنا واجد طول حرة بانت بطلقة
وعن الشيخ أبي حامد والعراقيين أنها فرقة فسخ لا تنقص عدد الطلاق كما لو أقر الزوج بالرضاع
وإلى هذا مال الإمام والغزالي وهؤلاء أنكروا نصه في مسألة الأمة ولإنكاره وجه ظاهر لأنه نص في عيون المسائل أنه إذا نكح أمة ثم قال نكحتها وأنا أجد طولا فصدقه مولاها فسخ النكاح بلا مهر فإن كان دخل فعليه مهر مثلها
وإن كذبه فسخ النكاح بإقراره ولم يصدق على المهر دخل أم لم يدخل
هذا لفظه وهو يوافق قول العراقيين
قلت الأصح أو الصحيح قول العراقيين
وحكى العراقيون وجها أنه يقبل قوله في المهر فلا يلزمه
وعلى هذا قالوا إن كان اعترافه قبل الدخول فلا شىء عليه
وإن كان بعده فعليه أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ولا خلاف أنها إذا ماتت لا يرثها
وإن مات قبلها فإن قلنا القول قوله ولم يكن حلف فيحلف وارثه لا يعلمه تزوجها بشهادة عدلين ولا إرث لها
وإن قلنا القول قولها حلفت أنه عقد بعدلين وورثت
ولو قالت عقدنا بفاسقين فقال بل بعدلين
فأيهما يقبل وجهان
الأصح قوله
فإن مات لم ترثه وإن مات

أو طلقها قبل الدخول فلا مهر لإنكارها وبعد الدخول لها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل
والله أعلم

فرع إستتابة المستورين قبل القد إحتياط واستظهار وتوبة المعلن بالفسق حينئذ هل تلحقه

والأصح المنع
فإن ألحقنا فعاد إلى فجوره على قرب قال الإمام فالظاهر أن تلك التوبة تكون ساقطة قال وفيه احتمال
فرع الإحتياط الاشهاد على رضى المرأة حيث يشترط رضاها لكنه ليس

قلت ومن مسائل الفصل أنه لا يشترط إحضار الشاهدين بل إذا حضرا بأنفسهما وسمعا الإيجاب والقبول صح وإن لم يسمعا الصداق
ولو عقد بشهادة خنثيين ثم بانا رجلين قال القاضي أبو الفتوح احتمل أن يكون في انعقاده وجهان بناء على ما لو صلى رجل خلفه فبان رجلا
هذا كلامه
والإنعقاد هنا هو الأصح لأن عدم جزم النية يؤثر في الصلاة
والله أعلم

الركن الرابع العاقدان وهما الموجب والقابل
فالقابل هو الزوج ومن ينوب عنه
والموجب هو الولي أو وكيله ولا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجابا و قبولا
فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بغير إذنه ولا غيرها لا بولاية ولا وكالة ( ولا يقبل النكاح لا بولاية ولا وكالة )
ولو وكل بنته بأن توكل رجلا بتزويجها فوكلت نظر إن قال وكلي عن نفسك لم يصح
وإن قال وكلي عني أو أطلق فوجهان

فرع روى يونس بن عبد الأعلى أن الشافعي رضي الله عنه قال
في الرفقة امرأة لا ولي لها فولت أمرها رجلا حتى يزوجها جاز وليس هذا قولا في صحة النكاح بلا ولي لأن أبا عاصم العبادي حكى هذا النص في طبقات الفقهاء ثم ذكر أن من أصحابنا من أنكره ومنهم من قبله وقال إنه تحكيم والمحكم قام مقام الحاكم
قلت ذكر صاحب الحاوي فيما إذا كانت امرأة في موضع ليس فيه ولي ولا حاكم ثلاثة أوجه
أحدها لا تزوج
والثاني تزوج نفسها للضرورة
والثالث تولي أمرها رجلا يزوجها
وحكى الشاشي أن صاحب المهذب كان يقول في هذا تحكم فقيها مجتهدا وهذا الذي ذكره في التحكيم صحيح بناء على الأظهر في جواه في النكاح ولكن شرط الحكم أن يكون صالحا للقضاء وهذا يعتبر في مثل هذه الحال
فالذي نختاره صحة النكاح إذا ولت أمرها عدلا وإن لم يكن مجتهدا وهو ظاهر نصه الذي نقله يونس وهو ثقة
والله أعلم

فرع إذا وطىء في نكاح بلا ولي وجب مهر المثل ولا
يعتقد تحريمه أو إباحته باجتهاد أو تقليد أو حسبان مجرد لشبهة اختلاف العلماء ولكن معتقد التحريم يعزر
وقال الإصطخري وأبو بكر الفارسي والصيرفي يحد معتقد التحريم ولا مهر وهو ضعيف
ولو رفع النكاح بلا ولي إلى قاض يصححه فحكم بصحته ثم رفع إلينا لم ننقض قضاءه على الصحيح
وقال الإصطخري ننقضه ولو طلق فيل لم يقع فلو طلق ثلاثا لم يفتقر إلى محلل
وقال أبو إسحق يقع ويفتقر إلى محلل احتياطا للإبضاع وهذا كوجهين ذكرهما أبو الحسن العبادي عن القفال أنها إذا زوجت نفسها هل للولي أن يزوجها قبل تفريق القاضي بينهما قال وبالمنع أجاب القفال الشاشي لأنها في حكم الفراش وهو تخريج ابن سريج
فرع إذا أقرت حرة مكلفة بالنكاح فقولان

الجديد الأظهر يقبل إقرارها مع تصديق الزوج بلا بينة لأن النكاح حقهما فثبت بتصادقهما كالبيع وغيره ولا فرق على هذا بين البكر والثيب ولا بين الغريبين والبلديين
والقديم أنهما إن كانا غريبين ثبت النكاح وإلا طولبا بالبينة لسهولتها عليهما وللاحتياط فعلى الجديد هل يكفي إطلاق الإقرار أم يشترط أن يفصل فيقول زوجني به وليي بحضرة شاهدين عدلين ورضاي إن كانت معتبرة الرضى وجهان
أصحهما الثاني
ثم إذا أقرت وكذبها الولي فثلاثة أوجه
أصحها يحكم بقولها لأنها

تقر على نفسها قاله ابن الحداد والشيخ أبو علي
والثاني لا لأنها كالمقرة على الولي قاله القفال والثالث يفرق بين العفيفة والفاسقة قاله القاضي حسين
ولا فرق في هذا الخلاف بين أن تفصل الإقرار وتضيف التزويج إلى الولي فيكذبها وبين أن تطلق إذا قبلنا الإقرار المطلق فقال الولي لا ولي لك غيري وما زوجتك
ويجري الخلاف أيضا في تكذيب الشاهدين إذا كانت قد عينتهما
والأصح أنه لا يقدح تكذيبهما لاحتمال النسيان والكذب
فإن قلنا تكذيب الولي يمنع قبول إقرارها فكان غائبا لم ينتظر حضوره بل تسلم إلى الزوج في الحال للضرورة فإن عاد وكذبها فهل يحال بينهما لزوال الضرورة أم يستدام وجهان رجح الغزالي الأول وغيره الثاني
وإذا قلنا بالقديم فجرى الإقرار في الغربة ثم رجعا إلى الوطن ففي الحوالة بينهما الوجهان
قال الإمام ولا شك أنه لو قضى قاض بالإقرار لم ينقض

فرع أقر الولي بإنكاحها إن كان له إنشاء النكاح المقر به عند
بغير رضاها قبل إقراره لقدرته على الإنشاء
وحكى الحناطي وجها أنه لا يقبل حتى توافقه البالغة
والصحيح الأول
وإن لم يكن له الإنشاء بغير رضاها لكونه غير مجبر أو الحال غير حال الإجبار أو الزوج ليس بكفء لم يقبل إقراره
ولو قال وهي ثيب كنت زوجتها في بكارتها لم يقبل واعتبر وقت الإقرار كذا أطلقه الإمام وهو الظاهر
ويمكن جعله على الخلاف فيما لو أقر مريض لوارثه بهبة في الصحة

فرع أقرت لزوج وأقر وليها المقبول إقراره لآخر فهل المقبول إقراره
أم إقرارها فيه وجهان حكاهما أبو الحسن العبادي والحليمي عن القفال الشاشي والجودني
فرع قال الخاطب لولي المرأة زوجت نفسي بنتك فقبل قال المتولي يبنى
انعقاد النكاح على أن كل واحد من الزوجين معقود عليه لأن بقاءهما شرط لبقاء العقد كالعوضين في البيع أم المعقود عليه المرأة فقط لأن العوض من جهته المهر لا نفسه ولأنه لا حجر عليه في نكاح غيرها معها فيه خلاف
فعلى الثاني لا ينعقد
وعلى الأول وجهان
قال أبو عاصم وأبو سهل الأبيوردي ينعقد كما لو أضاف إليها ومنعه القاضي حسين لأنه غير معهود
الباب الرابع في بيان الأولياء وأحكامهم
وفيه ثمانية أطراف
الطرف الأول في أسباب الولاية وهي أربعة
السبب الأول الأبوة وفي معناها الجدودة وهي أقوى الأسباب لكمال الشفقة فللأب تزويج البكر الصغيرة والكبيرة بغير إذنها ويستحب استئذان

البالغة
ولو أجبرها صح النكاح
فلو كان بين الأب وبينها عداوة ظاهرة قال ابن كج ليس له إجبارها وكذا نقله الحناطي عن ابن المرزبان قال ويحتمل جوازه
فأما الثيب فلا يزوجها الأب إلا بإذنها في حال البلوغ والجد كالأب في كل هذا وحكى الحناطي قولا أن الجد لا يجبر البكر البالغة واختاره ابن القاص وأبو الطيب بن سلمة والمشهور الأول
وسواء حصلت الثيوبة بوطء محترم أو زنا
وحكي عن القديم أن المصابة بالزنا كالبكر
والمذهب الأول ولو زالت بكارتها بسقطة أو أصبع أو حدة الطمث أو طول التعنيس أو وطئت في دبرها فبكر على الصحيح
ولو وطئت مجنونة أو مكرهة أو نائمة فثيب على الصحيح
ولو خطب البكر رجل فمنعها أبوها فذهبت وزوجت نفسها به ثم زوجها الأب غيره بغير إذنها إن كان الأول لم يطأها صح تزويج الأب وإلا فلا لأنها ثيب بوطء شبهة
قلت إنما يصح تزويج الأب إذا لم يكن حكم بصحة نكاحها بنفسها حنفي ونحوه
والله أعلم

فرع إذا التمست البكر البالغة التزويج وقد خطبها كفء لزم الأب والجد
إجابتها فإن امتنع زوجها السلطان
وفي وجه لا تلزمه الإجابة ولا يأثم بالإمتناع لأن الغرض يحصل بتزويج السلطان وهو ضعيف
ولو التمست صغيرة بلغت إمكان الشهوة قال بعضهم لزمه إجابتها

قلت هذا ضعيف
والله أعلم

فرع عينت كفئا وأراد الأب تزويجها بكفء آخر كان له ذلك على

قلت قال الشافعي رضي الله عنه أستحب للأب أن لا يزوج البكر حتى تبلغ ويستأذنها
قال الصيمري فإن قاربت البلوغ وأراد تزويجها استحب أن يرسل إليها ثقات ينظرن ما في نفسها
قال الصيمري ولو خلقت المرأة بلا بكارة فهي بكر
ولو ادعت البكارة أو الثيوبة فقطع الصيمري وصاحب الحاوي بأن القول قولها ولا يكشف حالها لأنها أعلم
قال صاحب الحاوي ولا تسأل عن الوطء ولا يشترط أن يكون لها زوج
قال الشاشي وفي هذا نظر لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها فله أن يسألها
فإن اتهمها حلفها
والله أعلم
السبب الثاني عصوبة من على حاشية النسب كالأخ والعم وبنيهما فلا تزوج بها الصغيرة بكرا كانت أو ثيبأ
وأما البالغة فإن كانت ثيبا فلهم تزويجها بإذنها الصريح
وإن زوجت بغير رضاها لم ينعقد
وإن كانت بكرا فلهم تزويجها إذا استأذنوها
وهل يكفي سكوتها أم يشترط صريح نطقها وجهان
أصحهما الأول
وحكي وجه أنه لا حاجة للإستئذان أصلا بل إذا عقد بين يديها ولم تنكر كان رضى
والصحيح الاشتراط
وإذا اكتفينا بالسكوت حصل الرضى ضحكت أم بكت إلا إذا بكت مع الصياح وضرب الخد فلا يكون رضى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28