كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

ثم بعد الصلاتين يذهبون إلى الموقف
والسنة أن يقفوا عند الصخرات ويستقبلوا الكعبة والوقوف راكبا أفضل على الأظهر
والثاني هو والماشي سواء ويذكروا الله تعالى ويدعوه حتى تغرب الشمس ويكثروا التهليل فإذا غربت الشمس دفعوا من عرفات منصرفين إلى مزدلفة ويؤخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة ويذهبوا بسكينة ووقار
فمن وجد فرجة أسرع
فإذا وصلوا المزدلفة مع بهم الإمام المغرب والعشاء
وحكم الأذان والإقامة سبق في باب الأذان
ولو انفرد بعضهم بالجمع بعرفة أو بمزدلفة أو صلى إحدى الصلاتين مع الإمام والأخرى وحده جاز
ويجوز أن يصل المغرب بعرفة وفي الطريق
قال الشافعي رضي الله عنه ولا يتنفلون بين الصلاتين إذ جمعوا ولا على إثرهما
فأما بينهما فلمراعاة الموالاة
وأما على إثرهما فقال ابن كج لا يتنفل الإمام لأنه متبوع
فلو اشتغل بالنفل لاقتدى به الناس وانقطعوا عن المناسك
وأما المأموم ففيه وجهان
أحدهما لا يتنفل كالإمام
والثاني الأمر واسع له لأنه غير متبوع
هذا في النافلة دون الرواتب
ثم أكثر الأصحاب أطلقوا القول بتأخير الصلاتين إلى المزدلفة
وقيل يؤخرهما ما لم يخش فوت وقت الاختيار للعشاء
فإن خافه لم يؤخر بل يجمع بالناس في الطريق
والسنة أن ينصرفوا من عرفة إلى المزدلفة عن طريق المأزمين وهو الطريق بين الجبلين

فرع من مكة إلى منى فرسخان

ومزدلفة متوسطة بين منى وعرفات منها إلى كل واحدة منهما فرسخ
قلت المختار أن المسافة بين مكة ومنى فرسخ فقط
كذا قاله جمهور العلماء المحققين منهم الأزرقي وغيره ممن لا يحصى
والله أعلم
فرع في بيان الوقوف بعرفة المعتبر فيه الحضور بعرفة لحظة بشرط كونه
أهلا للعبادة سواء حضرها ووقف أو مر بها
وفي وجه لا يكفي المرور المجرد وهو شاذ
ولو حضر بها ولم يعلم أنها عرفة أو حضر مغمى عليه أو نائما أو دخلها قبل وقت الوقوف ونام حتى خرج الوقت أجزأه على الصحيح
وفي الجميع وجه أنه لا يجزئه قال في التتمة هو مبني على أن كل ركن من أركان الحج يجب إفراده بالنية
قلت الأصح عند الجمهور لا يصح وقوف مغمى عليه
والله أعلم
ولو حضر في طلب غريم أو دابة شاردة أجزأه قطعا قال الإمام ولم يذكروا فيه الخلاف السابق في صرف الطواف إلى جهة أخرى
ولعل الفرق أن الطواف قربة مستقلة قال ولا يمتنع طرد الخلاف
ولو حضر مجنون لم يجزئه قال في التتمة لكن يقع نفلا كحج الصبي الذي لا يميز
ومنهم من طرد في الجنون الوجه المنقول في الإغماء

فرع في أي موضع وقف من عرفة أجزأه

وأما حد عرفة فقال الشافعي رحمة الله عليه هي ما جاوز حد عرنة بضم العين وفتح الراء وبعدها نون إلى الجبال المقابلة مما يلي بساتين ابن عامر وليس وادي عرنة من عرفات وهو على منقطع عرفات مما يلي منى ومسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم صدره من عرنة وآخره من عرفات
ويميز بينهما صخرات كبار فرشت هناك فمن وقف في صدره فليس بواقف في عرفات
قال في التهذيب وهناك يقف الإمام للخطبة والصلاة
وأما نمرة فقال صاحب الشامل وطائفة هي من عرفات
وقال الأكثرون ليست من عرفات بل بقربها وجبل الرحمة في وسط عرصة عرفات وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده معروف
قلت الصواب أن نمرة ليست من عرفات
وأما مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقد قال الشافعي رحمه الله إنه ليس من عرفة فلعله زيد بعده في آخره
وبين هذا المسجد وموقف النبي صلى الله عليه وسلم بالصخرات نحو ميل
قال إمام الحرمين ويطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفة
والله أعلم

فرع وقت الوقوف من زوال الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر
ولنا وجه أنه يشترط كون الوقوف بعد الزوال وبعد مضي زمان إمكان صلاة الظهر وهذا شاذ ضعيف جدا
فلو اقتصر على الوقوف ليلا صح حجه على المذهب وبه قطع الجمهور
وقيل في صحته قولان
ولو اقتصر على الوقوف نهارا وأفاض قبل الغروب
صح وقوفه بلا خلاف
ثم إن عاد إلى عرفة وبقي بها حتى غربت الشمس فلا دم
وإن لم يعد حتى طلع الفجر أراق دما
وهل هو واجب أو مستحب فيه ثلاثة طرق
أصحها على قولين
أظهرهما مستحب
والثاني واجب
والطريق الثاني مستحب قطعا
والثالث إن أفاض مع الإمام فمعذور وإلا فعلى القولين
وإذا قلنا بالوجوب فعاد ليلا فلا دم على الأصح
فرع إذا غلط الحجاج فوقفوا في غير يوم عرفة فإما أن يغلطوا
وإما بالتقديم
الحال الأول إن غلطوا بالتأخير فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجة أجزأهم وتم حجهم ولا قضاء
هذا إذا كان الحجيج على العادة
فإن قلوا أو جاءت شرذمة يوم النحر فظنت أنه يوم عرفة وأن الناس قد أفاضوا فوجهان
أحدهما يدركون ولا قضاء
وأصحهما لا يدركون فيجب القضاء
وإذا لم يجب القضاء فلا فرق بين أن تبين الحال بعد يوم الوقوف أو في حال الوقوف

فلو بان قبل الزوال فوقفوا بعده قال في التهذيب المذهب أنه لا يجزئهم لأنهم وقفوا على يقين الفوات وهذا غير مسلم لأن عامة الأصحاب قالوا لو قامت بينة برؤية الهلال ليلة العاشر وهم بمكة لا يتمكنون من الوقوف بالليل وقفوا من الغد وحسب لهم كما لو قامت البينة بعد الغروب اليوم الثلاثين من رمضان على رؤية الهلال ليلة الثلاثين نص على أنهم يصلون من الغد العيد
فإذا لم يحكم بالفوات لقيام البينة ليلة العاشر لزم مثله في اليوم العاشر
هذا إذا شهد واحد أو عدد برؤية هلال ذي الحجة فردت شهادتهم فيلزم الشهود الوقوف في التاسع عندهم وإن كان الناس يقفون بعدهم
أما إذا غلطوا فوقفوا في الحادي عشر فلا يجزئهم بحال
الحال الثاني أن يغلطوا بالتقديم فيقفوا في الثمن
فإن بان الحال قبل فوات وقت الوقوف لزمهم الوقوف في وقته
وإن بان بعده فوجهان
أحدهما لا قضاء
وأصحهما عند الأكثرين وجوب القضاء
ولو غلطوا في المكان فوقفوا في غير عرفة لم يصح حجهم بحال
قلت ومما يتعلق بالوقوف أنه يستحب أن يرفع يديه في الدعاء بحيث لا تجاوزان رأسه ولا يفرط في الجهر في الدعاء فإنه مكروه وأن يقف متطهرا
والله أعلم

فصل في المبيت بالمزدلفة
وما يتعلق به المزدلفة ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر
وقد سبق أنهم يفيضون

من عرفة بعد الغروب فيأتون مزدلفة فيجمعون الصلاتين
وينبغي أن يبيتوا بها وهذا المبيت ليس بركن
قال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وأبو بكر بن خزيمة من أصحابنا هو ركن
والصحيح الأول
ثم المبيت نسك
فإن دفع بعد منتصف الليل لعذر أو لغيره أو دفع قبل نصف الليل وعاد قبل طلوع الفجر فلا شىء عليه
وإن ترك المبيت من أصله أو دفع قبل نصف الليل ولم يعد أراق دما
وهل هو واجب أم مستحب فيه طرق
أصحها على قولين كالإفاضة من عرفة قبل الغروب
والثاني القطع بالإيجاب
والثالث بالاستحباب
قلت لو لم يحضر مزدلفة في النصف الأول وحضرها ساعة في النصف الثاني حصل المبيت نص عليه في الأم وفي قول ضعيف نص عليه في الإملاء والقديم يحصل بساعة بين نصف الليل وطلوع الشمس
وفي قول يشترط معظم الليل
والأظهر وجوب الدم بترك المبيت
والله أعلم
والأولى تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منى
وأما غيرهم فيمكثون حتى يصلوا الصبح بها ويغلسون بالصبح
والتغليس هنا أشد استحبابا من باقي الأيام

فرع يستحب أن يأخذوا حصى الجمار من المزدلفة

ولو أخذوا من موضع آخر جاز لكن يكره من المسجد والحش والمرمى
وقد قدر المأخوذ وجهان
أحدهما سبعون حصاة لرمي يوم النحر والتشريق قاله في المفتاح وهو ظاهر نصه

في المختصر
والثاني سبع حصيات لرمي يوم النحر فقط وبهذا قال الجمهور ونقلوه عن نصه وجعلوه بيانا لما أطلقه في المختصر
وجمع بعضهم بينهما فقال يستحب الأخذ للجميع لكن ليوم النحر أشد
ثم قال الجمهور يتزودوا الحصى بالليل
وفي التهذيب يتزودوها بعد صلاة الصبح

فصل في الدفع إلى منى وما يتعلق به ثم بعد صلاة الصبح
منى
فإذا انتهوا إلى قزح وهو جبل مزدلفة وقفوا فذكروا الله تعالى ودعوا إلى الإسفار مستقبلين الكعبة
ولو وقفوا في موضع آخر من المزدلفة حصل أصل هذه السنة لكن أفضله ما ذكرناه
ولو فاتت هذه السنة لم تجبر بدم كسائر الهيئات
فإذا أسفروا ساروا إلى منى وعليهم السكينة ومن وجد فرجة أسرع
فإذا بلغوا وادي محسر استحب للراكب تحريك دابته وللماشي الإسراع قدر رمية حجر
وفي وجه لا يسرع الماشي وهو ضعيف شاذ
ثم يسيرون وعليهم السكينة ويصلون منى بعد طلوع الشمس فيرمون سبع حصيات إلى جمرة العقبة وهي أسفل الجبل مرتفعة عن الجادة على يمين السائر إلى مكة ولا ينزل الراكبون حتى يرموا
والسنة أن يكبر مع كل حصاة ويقطع التلبية إذ بدأ بالرمي
وقال القفال إذا رحلوا من مزدلفة خلطوا التلبية بالتكبير في مسيرهم
فإذا افتتحوا الرمي محضوا التكبير
قال الإمام ولم أر هذا لغيره
فإذا رمى نحر إن كان معه هدي ثم حلق أو قصر
فإذا فرغ منه دخل مكة وطاف طواف

الإفاضة وهو الركن
وسعى بعده أن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ثم يعود إلى منى للمبيت بها والرمي أيام التشريق
ويستحب أن يعود إليها قبل أن يصلي الظهر

فرع الحلق في وقته في الحج والعمرة فيه قولان

أحدهما أنه استباحة محظور وليس بنسك
وأظهرهما أنه نسك وهو ركن لا يجبر بالدم
حتى لو كانت برأسه علة لا يمكنه بسببها التعرض للشعر صبر إلى الإمكان ولا يفدي بخلاف من لا شعر على رأسه فإنه لا يؤمر بالحلق بعد نباته لأن النسك حلق شعر يشتمل الإحرام عليه
ويقوم التقصير مقام الحلق لكن الحلق أفضل
والمرأة لا تؤمر بالحلق بل تقصر
ويستحب أن يكون تقصيرها بقدر أنملة من جميع جوانب رأسها
ويختص الحلق والتقصير بشعر الرأس
ويستحب أن يبدأ بحلق الشق الأيمن ثم الأيسر وأن يستقبل القبلة وأن يدفن شعره
والأفضل أن يحلق أو يقصر جميع الرأس
وأقل ما يجزىء حلق ثلاث شعرات أو تقصيرها
ولنا وجه بعيد أن الفدية تكمل في الشعرة الواحدة في الحلق المحظور وذلك الوجه عائد في حصول النسك بحلق الشعة الواحدة
ولو حلق ثلاث شعرات في دفعات أو أخذ من شعرة واحدة شيئا ثم عاد ثانيا فأخذ منها ثم عاد ثالثا وأخذ منها فإن كملنا الفدية بها لو كان محظورا حصل به النسك وإلا فلا
وإذا قصر فسواء أخذ مما يحاذي الرأس أو مما استرسل عنه وفي وجه شاذ لا يجزىء المسترسل
ولا يتعين للحلق والتقصير آلة بل حكم

النتف والإحراق والأخذ بالموسى أو النورة أو المقصدين واحد
ومن لا شعر على رأسه لا شىء عليه
ويستحب له إمرار الموسى على رأسه
قال الشافعي رحمه الله ولو أخذ من شاربه أو شعر لحيته شيئا كان أحب إلي
وجميع ما ذكرناه فيمن لم يلتزم الحلق
أما من نذر الحلق في وقته يلزمه ولا يجزئه التقصير ولا النتف والإحراق
وفي استئصال الشعر بالمقصين وإمرار الموسى من غير استئصال تردد للإمام
والظاهر المنع لعدم اسم الحلق
ولو لبد رأسه في الإحرام فهل هو كالنذر قولان
الجديد لا
وفي وجه غريب لا يلزم الحلق بالنذر إذا لم نجعله نسكا

فرع وقت حلق المعتمر إذا فرغ من السعي

فلو جامع بعد السعي وقبل الحلق فسدت عمرته إذا قلنا الحلق نسك لوقوع جماعه قبل التحلل
فصل أعمال الحج يوم النحر أربعة
كما سبق وهي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف وهذا يسمى طواف الإفاضة والزيارة والركن وقد يسمى أيضا طواف الصدر والأشهر أن طواف الصدر طواف الوداع
وترتيب الأربعة على ما ذكرناه ليس بواجب بل مسنون
فلو طاف قبل أن يرمي أو ذبح في وقته قبل أن يرمي فلا بأس ولا فدية
ولو حلق قبل الرمي والطواف
فإن قلنا الحلق استباحة محظور لزمه الفدية وإلا فلا على الصحيح
وإذا أتى بالطواف قبل الرمي أو بالحلق وقلنا نسك قطع التلبية

بشروعه فيه لأنه أخذ في أسباب التحلل
وكذا المعتمر يقطع التلبية بأخذه في الطواف
ويستحب في هذه الأعمال أن يرمي بعد طلوع الشمس ثم يأتي بباقيها فيقطع الطواف في ضحوة ويدخل وقت جميعها بانتصاف ليلة النحر
ومتى يخرج أما الرمي فيمتد إلى غروب الشمس يوم النحر
وهل يمتد تلك الليلة فيه وجهان
أصحهما لا
وأما الذبح فالهدي لا يختص بزمن لكن يختص بالحرم
بخلاف الضحايا فإنها تختص بالعيد وأيام التشريق ولا تختص بالحرم
قلت كذا جزم الإمام الرافعي هنا بأن الهدايا لا تختص بزمن
والصحيح أنها كالأضحية تختص بالعيد والتشريق
وقد ذكره هو على الصواب في باب الهدي وسيأتي بيانه فيه إن شاء الله تعالى قريبا
والله أعلم
وأما الحلق والطواف فلا يتوقت أحدهما لكن ينبغي أن يطوف قبل خروجه من مكة
فإن طاف للوداع وخرج وقع عن طواف الإفاضة وإن خرج ولم يطف أصلا لم تحل له النساء وإن طال الزمان
ثم مقتضى كلام الأصحاب لا يتوقت آخر الطواف وأنه لا يصير قضاء
وفي التتمة أنه إذا تأخر عن أيام التشريق صار قضاء

فرع للحج تحللان وللعمرة تحلل واحد

قال الأصحاب لأن الحج يطول زمنه وتكثر أعماله
بخلاف العمرة فأبيح بعض محرماته في وقت وبعضها في وقت
ثم أسباب تحلل الحج الرمي والطواف والحلق إن قلنا هو نسك وإلا فالرمي والطواف
إن قلنا ليس بنسك حصل التحلل الأول بأحدهما والتحلل الثاني بالآخر وإلا حصل التحلل الأول باثنين من الثلاثة إما الرمي

والحلق وإما الحلق والطواف وإما الرمي والطواف وحصل التحلل الثاني بالثالث
ولا بد من السعي مع الطواف وإن لم يكن سعى
هذا الذي ذكرنا هو المذهب المعروف الذي قطع به معظم الأصحاب
وفي وجه اللاصطخري دخول وقت الرمي كالرمي في حصول التحلل
ووجه للداركي أنا إن جعلنا الحلق نسكا حصل التحللان جميعا بالحلق مع الطواف أو بالطواف والرمي ولا يحصل بالرمي والحلق إلا أحدهما
ووجه أنه يحصل التحلل الأول بالرمي فقط أو الطواف فقط وإن قلنا الحلق نسك
ولو فاته الرمي فهل يتوقف تحلله على الإتيان ببدله فيه ثلاثة أوجه
أصحها نعم
والثالث إن افتدى بالدم توقف
وإن افتدى بالصوم فلا لطول زمنه
وأما العمرة فتحللها بالطواف والسعي ويضم إليهما الحلق إن قلنا نسك
ويحل بالتحلل الأول في الحج اللبس والقلم وستر الرأس والحلق إن لم نجعله نسكا
ولا يحل الجماع إلا بالتحللين بلا خلاف
والمستحب أن لا يطأ حتى يرمي في أيام التشريق
وفي عقد النكاح والمباشرة فيما سوى الفرج كالقبلة والملامسة قولان
أظهرهما عند الأكثرين لا يحل إلا بالتحللين وأظهرهما عند صاحب المهذب وطائفة يحل بالأول ويحل الصيد بالأول على الأظهر باتفاقهم
والمذهب حل الطيب بالأول بل هو مستحب بين التحللين

فصل مبيت أربع ليال نسك في الحج
ليلة النحر بمزدلفة وليالي التشريق بمنى
لكن الليلة الثالثة إنما تكون نسكا لمن لم ينفر النفر الأول
وفي قدر الواجب من المبيت قولان حكاهما الإمام عن نقل شيخه وصاحب التقريب
أظهرهما معظم الليل
والثاني المعتبر كونه حاضرا حال طلوع الفجر

قلت المذهب ما نص عليه الشافعي رحمه الله في الأم وغيره أن الواجب في مبيت المزدلفة ساعة في النصف الثاني من الليل وقد سبق بيانه قريبا
والله أعلم
ثم هذا المبيت مجبور بالدم
وهل هو واجب أم مستحب أما ليلة المزدلفة فسبق حكمه
وأما الباقي فقولان
أظهرهما الاستحباب
والثاني الإيجاب
وقيل مستحب قطعا
قلت الأظهر الإيجاب
والله أعلم
ثم إن ترك ليلة مزدلفة وحدها أراق دما
وإن ترك الليالي الثلاث فكذلك على المذهب
وحكى صاحب التقريب قولا أن في كل ليلة دما وهو شاذ
وإن ترك ليلة فأقوال أظهرها تجبر بمد
والثاني بدرهم
والثالث بثلث دم
وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس
وإن ترك الليالي الأربع فقولان
أظهرهما دمان دم للمزدلفة ودم للباقي
والثاني دم للجميع
هذا في حق من كان بمنى وقت الغروب
فإن لم يكن حينئذ ولم يبت وأفردنا المزدلفة بدم فوجهان لأنه لم يترك إلا ليلتين
أحدهما مدان أو درهمان أو ثلثا دم
والثاني دم كامل لتركه جنس المبيت بمنى وهذا أصح وهو جار فيما لو ترك ليلتين من الثلاث دون المزدلفة
هذا كله في غير المعذور
أما من ترك مبيت مزدلفة أو منى لعذر فلا دم عليه
وهم أصناف منهم رعاء الإبل وأهل سقاية العباس فلهم إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالي التشريق وللصنفين جميعا أن يدعوا رمي يوم ويقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمي ذلك اليوم وليس لهم أن يدعوا رمي يومين متواليين
فإن تركوا رمي اليوم الثاني بأن نفروا اليوم الأول بعد الرمي عادوا في اليوم الثالث
وإن تركوا رمي اليوم الأول بأن نفروا يوم النحر بعد الرمي عادوا في الثاني
ثم

لهم أن ينفروا مع الناس هذا هو الصحيح
وفي وجه ليس لهم ذلك
وإذا غربت الشمس والرعاء بمنى لزمهم المبيت تلك الليلة والرمي من الغد ولأهل السقاية أن ينفروا بعد الغروب على الصحيح لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي
ورخصة أهل السقاية لا تختص بالعباسية على الصحيح
وفي وجه تختص بهم وفي وجه تختص ببني هاشم
ولو أحدثت سقاية الحاج فللمقيم بسببها ترك المبيت قاله في التهذيب
وقال ابن كج وغيره ليس له
قلت الأصح قوله في التهذيب
والله أعلم
ومن المعذورين من انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن مبيت المزدلفة فلا شىء عليه وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون
ولو أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للإفاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت قال القفال لا شىء عليه لاشتغاله بالطواف
وقال الإمام وفيه احتمال
ومن المعذورين من له مال يخاف ضياعه
ولو اشتغل بالمبيت أو له مريض يحتاج إلى تعهده أو يطلب آبقا أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته ففي هؤلاء وجهان
الصحيح المنصوص أنه لا شىء عليهم بترك المبيت ولهم أن ينفروا بعد الغروب

فصل فيما يتعلق بالرمي
إذا فرغ الحجاج من طواف الإفاضة عادوا إلى منى وصلوا بها الظهر ويخطب الإمام بها بعد الظهر خطبة ويعلمهم فيها سنة الرمي والإفاضة ليتدارك من أخل بشىء منها ويعلمهم رمي أيام التشريق وحكم المبيت والرخصة

للمعذورين
وفي وجه تكون هذه الخطبة بمكة
والصحيح أنها بمنى
ويخطب بهم في الثاني من أيام التشريق
ويعلمهم جواز النفر فيه
ويودعهم ويأمرهم بختم الحج بطاعة الله تعالى
واعلم أن مجموع الرمي سبعون حصاة
لجمرة العقبة يوم النحر سبعة
ولكل يوم من أيام التشريق إحدى وعشرين إلى الجمرات الثلاث لكل جمرة سبع
ومن أراد النفر في اليوم الثاني قبل غروب الشمس فله ذلك ويسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي الغد ولا دم عليه
ومن لم ينفر حتى غربت الشمس لزمه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها
ولو ارتحل فغربت الشمس قبل انفصاله من منى فله النفر ولو غربت وهو في شغل الارتحال أو نفر قبل الغروب فعاد لشغل قبل الغروب أو بعده جاز النفر على الأصح
قلت فلو تبرع في هذه الحالة بالمبيت لم يلزمه الرمي في الغد نص عليه الشافعي رحمه الله
والله أعلم
ومن نفر وقد بقي معه شىء من الحصى التي تزودها طرحها أو دفعها إلى غيره
قال الأئمة ولم يؤثر شىء فيما يعتاده الناس من دفنها
أما وقت رمي يوم النحر فسبق وأما أيام التشريق فيدخل بزوال الشمس ويبقى إلى غروبها
وهل يمتد إلى الفجر أما في اليوم الثالث فلا لخروج وقت المناسك وأما اليومان فوجهان
أصحهما لا يمتد

فرع اليوم الأول من أيام التشريق يسمى يوم القر بفتح القاف
الراء لأنهم قارون بمنى
واليوم الثاني النفر الأول
والثالث النفر الثاني
فإذا ترك رمي يوم القر عمدا أو سهوا هل يتداركه في اليوم الثاني أو الثالث أو ترك رمي الثاني أو رمي اليومين الأولين هل يتدارك في الثالث قولان
أظهرهما نعم
فإن قلنا لا يتدارك في بقية الأيام فهل يتدارك في الليلة الواقعة بعده من ليالي التشريق وجهان تفريعا على الأصح أن وقته لا يمتد تلك الليلة
وإن قلنا بالتدارك فتدارك فهل هو أداء أم قضاء قولان
أظهرهما أداء كأهل السقاية والرعاء
فإن قلنا أداء فجملة أيام منى في حكم الوقت الواحد فكل يوم للقدر المأمور به وقت اختيار كأوقات الاختيار للصلوات
ويجوز تقديم رمي يوم التدارك على الزوال
ونقل الإمام أن على هذا القول لا يمتنع تقديم رمي يوم إلى يوم لكن يجوز أن يقال إن وقته يتسع من جهة الآخر دون الأول فلا يجوز التقديم
قلت الصواب الجزم بمنع التقديم وبه قطع الجمهور تصريحا ومفهوما
والله أعلم
وإذا قلنا جنه قضاء فتوزيع الأقدار المعينة على الأيام مستحق ولا سبيل إلى تقديم رمي يوم إلى يوم ولا إلى تقديمه على الزوال
وهل يجوز بالليل وجهان
أصحهما نعم لأن القضاء لا يتوقت
والثاني لا لأن الرمي عبادة النهار كالصوم
وهل يجب الترتيب بين الرمي المتروك ورمي يوم

التدارك قولان ويقال وجهان
أظهرهما نعم كالترتيب في المكان وهما مبنيان على أن المتدارك قضاء أم أداء إن قلنا أداء وجب الترتيب وإلا فلا
فإن لم نوجب الترتيب فهل يجب على أهل العذر كالرعاء وجهان
قال المتولي نظيره أن من فاتته الظهر لا يلزمه ترتيب بينها وبين العصر
ولو أخرها للجمع فوجهان
ولو رمى إلى الجمرات كلها عن اليوم قبل أن يرمي إليها عن أمسه أجزأه إن لم نوجب الترتيب وإلا فوجهان
أصحهما يجزئه ويقع عن القضاء
والثاني لا يجزئه أصلا
قال الإمام ولو صرف الرمي إلى غير النسك بأن رمى إلى شخص أو دابة في الجمرة ففي انصرافه عن النسك الخلاف المذكور في صرف الطواف
فإن لم ينصرف وقع عن أمسه ولغا قصده
وإن انصرف فإن شرطنا الترتيب لم يجزئه أصلا وإلا أجزأه عن يومه
ولو رمى إلى كل جمرة أربع عشرة حصاة سبعا عن أمسه وسبعا عن يومه جاز إن لم نعتبر الترتيب وإلا فلا
وهو نصه في المختصر
هذا كله في رمي اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق
أما إذا ترك رمي يوم النحر ففي تداركه في أيام التشريق طريقان
أصحهما أنه على القولين
والثاني القطع بعدم التدارك للمغايرة بين الرميين قدرا ووقتا وحكما فإن رمي النحر يؤثر في التحلل

فرع يشترط في رمي التشريق الترتيب في المكان بأن يرمي الجمرة التي
تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة
ولا يعتد برمي الثانية قبل تمام الأولى ولا بالثالثة قبل تمام الأوليين
ولو ترك حصاة ولم يدر من أين تركها جعلها من الأولى فرمى إليها حصاة وأعاد الأخريين
وفي اشتراط الموالاة بين رمي الجمرات ورميات الجمرة الواحدة الخلاف السابق في الطواف

فرع السنة أن يرفع يده عند الرمي وأن يرمي أيام التشريق
القبلة ويوم النحر مستدبرها وأن يكون نازلا في رمي اليومين الأولين وراكبا في اليوم الأخير فيرمي وينفر عقيبه
كما أنه يوم النحر يرمي ثم ينزل هكذا قاله الجمهور
ونص عليه في الإملاء
وفي التتمة أن الصحيح ترك الركوب في الأيام الثلاثة
قلت هذا الذي في التتمة ليس بشىء والصواب ما تقدم
وأما جزم الرافعي بأنه يستدبر القبلة يوم النحر فهو وجه قاله الشيخ أبو حامد وغيره
ولنا وجه أنه يستقبلها
والصحيح أنه يجمل القبلة على يساره وعرفات على يمينه ويستقبل الجمرة فقد ثبتت فيه السنة الصحيحة
والله أعلم
والسنة إذا رمى الأولى أن يتقدم قليلا بحيث لا يبلغه حصى الرامين فيقف مستقبلا القبلة ويدعو ويذكر الله تعالى طويلا قدر سورة ( البقرة ) وإذا رمى الجمرة الثانية فعل مثل ذلك ولا يقف إذا رمى الثالثة
فرع لو ترك رمي بعض الأيام وقلنا يتدارك فتدارك فلا دم عليه
المشهور
وفي قول يجب دم مع التدارك كمن أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر يقضي ويفدي
ولو نفر يوم النحر أو يوم القر قبل أن يرمي ثم عاد

ورمى قبل الغروب أجزأه ولا دم
ولو فرض ذلك يوم النفر الأول فكذا على الأصح
والثاني يلزمه الدم لأن النفر في هذا اليوم جائز في الجملة فإذا نفر فيه خرج عن الحج فلا يسقط الدم بعوده
وحيث قلنا لا يتدارك أو قلنا به فلم يتدارك وجب الدم وكم قدره فيه صور
فإن ترك رمي يوم النحر وأيام التشريق والصورة فيمن توجه عليه رمي اليوم الثالث فثلاثة أقوال أحدها دم
والثاني دمان
والثالث أربعة دماء وهذا الأخير أظهرها عند صاحب التهذيب
لكن مقتضى كلام الجمهور ترجيح الأول
ولو ترك رمي يوم النحر أو يوما من التشريق وجب دم
وإن ترك رمي بعض يوم من التشريق ففيه طريقان
أحدهما الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث فلا يكمل الدم في بعضها
بل إن ترك جمرة ففيها الأقوال الثلاثة فيمن حلق شعرة
أظهرها مد
والثاني درهم
والثالث ثلث دم
وإن ترك جمرتين فعلى هذا القياس
وعلى هذا لو ترك حصاة من جمرة قال صاحب التقريب إن قلنا في الجمرة ثلث دم ففي الحصاة جزء من أحد وعشرين جزءا من دم وإن قلنا في الجمرة مد أو درهم فيحتمل أن نوجب سبع مد أو سبع درهم ويحتمل أن لا نبعضهما
الطريق الثاني يكمل الدم في وظيفة الجمرة الواحدة كما يكمل في جمرة النحر
وفي الحصاة والحصاتين الأقوال الثلاثة وهذا الخلاف في الحصاة أو الحصاتين من آخر أيام التشريق
فأما لو تركها من الجمرة الأخيرة يوم القر أو النفر الأول ولم ينفر فإن قلنا لا يجب الترتيب بين التدارك ورمي الوقت صح رميه لكنه ترك حصاة ففيه الخلاف وإلا ففيه الخلاف السابق في أن الرمي بنية اليوم هل يقع عن الماضي إن قلنا نعم تم المتروك بما أتى به في اليوم الذي بعده لكنه يكون

تاركا للجمرة الأولى والثانية في ذلك اليوم فعليه دم
وإن قلنا لا كان تاركا رمي حصاة ووظيفة يوم فعليه دم إن لم نفرد كل يوم بدم وإلا فعليه لوظيفة اليوم دم
وفي ما يجب لترك الحصاة الخلاف
وإن تركها من إحدى الجمرتين الأوليين من أول يوم كان فعليه دم لأن ما بعدهد غير صحيح لوجوب الترتيب في المكان
هذا كله إذا ترك بعض يوم من التشريق فإن ترك بعض رمي النحر فقد ألحقه في التهذيب بما إذا ترك من الجمرة الأخيرة من اليوم الأخير
وقال في التتمة يلزمه دم ولو ترك حصاة لأنها من أسباب التحلل فإذا ترك شيئا منها لم يتحلل إلا ببدل كامل
وحكى في النهاية وجها غريبا ضعيفا أن الدم يكمل في حصاة واحدة مطلقا

فرع قال في التتمة لو ترك ثلاث حصيات من جملة الأيام لم
أخذ بالأسوإ وهو أنه ترك حصاة من يوم النحر وحصاة من الجمرة الأولى يوم القر وحصاة من الجمرة الثانية يوم النفر الأول
فإن لم نحسب ما يرميه بنية وظيفة اليوم عن الفائت فالحاصل ست حصيات من رمي يوم النحر سواء شرطنا الترتيب بين التدارك ورمي الوقت أم لا
وإن حسبناه فالحاصل رمي يوم النحر وأحد أيام التشريق لا غير سواء شرطنا الترتيب أم لا ودليله يعرف مما سبق من الأصول

فرع في بيان ما يرمى شرطه كونه حجرا فيجزىء المرمر والبيرام
وسائر أنواع الحجر
ويجزىء حجر النورة قبل أن يطبح ويصير نورة
وأما حجر الحديد فتردد فيه الشيخ أبو محمد
والمذهب جوازه لأنه حجر في الحال إلا أن فيه حديدا كامنا يستخرج بالعلاج وفي ما تتخذ منه الفصوص كالفيروزج والياقوت والعقيق والزمرد والبلور والزبرجد وجهان
أصحهما الإجزاء لأنها أحجار
ولا يجزىء اللؤلؤ وما ليس بحجر من طبقات الأرض كالنورة والزرنيخ والإثمد والمدر والجص والجواهر المنطبعة كالتبرين وغيرهما
والسنة أن يرمي بمثل حصى الخذف وهو دون الأنملة طولا وعرضا في قدر الباقلاء يضعه على بطن الإبهام ويرميه برأس السبابة
ولو رمى بأصغر من ذلك أو أكبر كره وأجزأه
ويستحب أن يكون الحجر طاهرا
قلت جزم الإمام الرفاعي رحمه الله بأن يرميه على هيأة الخذف فيضعه على بطن الإبهام وهذا وجه ضعيف
والصحيح المختار أن يرميه على غير هيأة الخذف
والله أعلم
فرع في حقيقة الرمي الواجب ما يقع عليه اسم الرمي

فلو وضع الحجر في المرمى لم يعتد

به على الصحيح
ويشترط قصد المرمى
فلو رمى في الهواء فوقع في المرمى لم يعتد به
ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى فلا يضر تدحرجه وخروجه بعد الوقوع لكن ينبغي أن يقع فيه
فإن شك في وقوعه فيه فقولان
الجديد لا يجزئه
ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة
فلو وقف في الطرف ورمى إلى الطرف الآخر جاز
ولو انصدمت الحصاة المرمية بالأرض خارج الجمرة أو بمحمل في الطريق أو عنق بعير أو ثوب إنسان ثم ارتدت فوقعت في المرمى اعتد بها لحصولها في المرمى بفعله من غير معاونة
ولو حرك صاحب المحمل المحمل فنفضها أو صاحب الثوب أو تحرك البعير فدفعها فوقعت في المرمى لم يعتد بها
ولو وقعت على المحمل أو عنق البعير ثم تدحرجت إلى المرمى ففي الاعتداد بها وجهان
لعل أشبههما المنع لاحتمال تأثرها به
ولو وقعت في غير المرمى ثم تدحرجت إلى المرمى أو ردتها الريح إليه فوجهان
قال في التهذيب أصحهما الإجزاء لحصولها فيه لا بفعل غيره
ولا يجزىء الرمى عن القوس ولا الدفع بالرجل
ويستحب أن يرمي الحصيات في سبع دفعات
فلو رمى حصاتين أو سبعا دفعة فإن وقعن في الرمى معا حسبت واحدة فقط وإن ترتبت في الوقوع حسبت واحدة على الصحيح
ولو أتبع حجرا حجرا
ووقعت الأولى قبل الثانية فرميتان
وإن تساوتا أو وقعت الثانية قبل الأولى فرميتان على الأصح
ولو رمى بحجر قد رمى به غيره أو رمى هو به إلى جمرة أخرى أو إلى هذه الجمرة في يوم آخر جاز
وإن رمى به هو تلك الجمرة في ذلك اليوم فوجهان
أصحهما الجواز كما لو دفع إلى فقير مدا في كفارة ثم اشتراه ودفعه إلى آخر وعلى هذا تتأدى جميع الرميات بحصاة واحدة

فرع العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس يستنيب من يرمي

ويستحب أن يناول النائب الحصى إن قدر ويكبر هو
وإنما تجوز النيابة لعاجز بعلة لا يرجى زوالها قبل خروج وقت الرمي ولا يمنع الزوال بعده
ولا يصح رمي النائب عن المستنيب إلا بعد رميه عن نفسه فلو خالف وقع عن نفسه كأصل الحج
ولو أغمي عليه ولم يأذن لغيره في الرمي عنه لم يجز الرمي عنه
وإن أذن جاز الرمي عنه على الصحيح
قلت شرطه أن يكون أذن قبل الإغماء في حال تصح الاستنابة فيه صرح به الماوردي وآخرون ونقله الروياني عن الأصحاب
والله أعلم
وإذا رمى النائب ثم زال عذر المستنيب والوقت باق فالمذهب أنه ليس عليه إعادة الرمي وبهذا قطع الأكثرون
وفي التهذيب أنه على القولين فيما إذا حج المعضوب عن نفسه ثم برىء
فصل ثم إذا فرغ الحاج من رمى اليوم الثالث من أيام التشريق
أن يأتي المحصب فينزل به ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به ليلة الرابع عشر
ولو ترك النزول به فلا شىء عليه
وحد المحصب ما بين الجبلين إلى المقبرة

فصل في طواف الوداع
قولان
أظهرهما يجب
والثاني يستحب
وقيل يستحب قطعا
فإن تركه جبره بدم
فإن قلنا إنه واجب كان جبره واجبا وإلا مستحبا
والمذهب أن طواف القدوم لا يجبر
وعن صاحب التقريب أنه كالوداع في وجوب الجبر وهو شاذ
وإذا خرج بلا وداع وقلنا يجب الدم فعاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم
وإن عاد بعد بلوغها فوجهان
أصحهما لا يسقط ولا يجب العود في الحالة الثانية
وأما الأولى فستأتي إن شاء الله تعالى
وليس على الحائض طواف وداع
فلو طهرت قبل مفارقة خطة مكة لزمها العود والطواف
وإن طهرت بعد بلوغها مسافة القصر فلا
وإن لم تبلغ مسافة القصر فنص أنه لا يلزمها العود ونص أن المقصر بالترك يلزمه العود
فالمذهب الفرق كما نص عليه
وقيل فيهما قولان
فإن قلنا لا يلزم العود فالنظر إلى نفس مكة أو الحرم وجهان
أصحهما مكة
ثم إن أوجبنا العود فعاد وطاف سقط الدم وإن لم يعد لم يسقط
وإن لم نوجبه فلم يعد فلا دم على الحائض ويجب على المقصر
فرع ينبغي أن يقع طواف الوداع بعد جميع الأشغال ويعقبه الخروج بلا
مكث
فإن مكث نظر إن كان لغير عذر أو لشغل غير أسباب الخروج كشراء متاع

أو قضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض فعليه إعادة الطواف
وإن اشتغل بأسباب الخروج كشراء الزاد وشد الرحل ونحوهما فهل يحتاج إلى إعادته فيه طريقان
قطع الجمهور بأنه لا يحتاج
وفي النهاية وجهان
قلت لو أقيمت الصلاة فصلاها لم يعده
والله أعلم

فرع حكم طواف الوداع حكم سائر أنواع الطواف في الأركان والشرائط
وفيه وجه لأبي يعقوب الأبيوردي أنه يصح بلا طهارة وتجبر الطهارة بالدم
فرع هل طواف الوداع من جملة المناسك فيه خلاف قال الإمام والغزالي
هو من المناسك وليس على الخارج من مكة وداع لخروجه منها
وقال صاحبا التتمة و التهذيب وغيرهما ليس طواف الوداع من المناسك بل يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيا أو أفقيا وهذا أصح تعظيما لحرم وتشبيها لاقتضاء خروجه الوداع باقتضاء دخوله الإحرام ولأنهم اتفقوا على أن المكي إذا حج وهو على أنه يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع وكذا الأفقي إذا حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه ولو كان من جملة المناسك لعم الحجيج
قلت ومما يستدل به من السنة لكونه ليس من المناسك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء

نسكه ثلاثا ووجه الدلالة أن طواف الوداع يكون عند الرجوع فسماه قبله قاضيا للمناسك وحقيقته أن يكون قضاها كلها
والله أعلم

فرع استحب الشافعي رحمه الله للحاج إذا طاف للوداع أن يقف بحذاء
الملتزم بين الركن والباب ويقول اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى وإلا فالآن قبل أن تنأى عن بيتك داري هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني قال وما زاد فحسن وقد زيد فيه واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وينصرف
وينبغي أن يتبع نظره البيت ما أمكنه ويستحب أن يشرب من زمزم وأن يزور بعد الفراغ قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت يستحب للحاج دخول البيت حافيا ما لم يؤذ أو يتأذ بزحام أو غيره
ويستحب أن يصلي فيه ويدعو في جوانبه وأن يكثر الاعتمار والطواف تطوعا قال صاحب الحاوي الطواف أفضل من الصلاة
وظاهر عبارة صاحب المهذب وآخرين في قولهم أفضل عبادات البدن الصلاة أنها أفضل

منه ولا ينكر هذا
ويقال الطواف صلاة لأن الصلاة عند الإطلاق لا تنصرف إليه لا سيما في كتب المصنفين الموضوعة للإيضاح وهذا أقوى في الدليل
والله أعلم

فصل أعمال الحج ثلاثة أقسام أركان وأبعاض وهيآت

فالأركان خمسة الإحرام والوقوف والطواف والسعي والحلق إن قلنا هو نسك
وهذه هي أركان العمرة سوى الوقوف ولا مدخل للجبران في الأركان
والترتيب يعتبر في معظمها فلا بد من تقديم الإحرام والوقوف على الطواف والحلق
ولا بد من تأخير السعي عن طواف
وينبغي أن يعد الترتيب من الأركان كما عدوه من أركان الصلاة والوضوء
ولا يقدح في ذلك عدم الترتيب بين الطواف والحلق كما لا يقدح عدم الترتيب بين القيام والقراءة في الصلاة
وأما الأبعاض فمجاوزة الميقات قبل الإحرام والرمى مجبوران بالدم قطعا
وفي الجمع بين الليل والنهار بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى وطواف الوداع قولان
أحدهما الإيجاب فيكون من الإبعاض المجبورة بالدم وجوبا
والثاني الاستحباب فيكون من الهيآت وما سواها هيآت وتقدم وجه ضعيف وجوب جبر طواف القدوم
باب حج الصبي
ومن في معناه حج الصبي صحيح فإن كان مميزا أحرم بإذن وليه
فإن استقل فوجهان
أصحهما لا يصح
والثاني يصح ولوليه تحليله
ولو أحرم عنه وليه فإن قلنا

يصح استقلاله لم يصح وإلا فوجهان
أصحهما يصح
وإن لم يكن مميزا أحرم عنه وليه سواء كان حلالا أو محرما حج عن نفسه أم لا
ولا يشترط حضور الصبي ومواجهته على الأصح
والمجنون كصبي لا يميز يحرم عنه وليه
وفيه وجه غريب ضعيف أنه لا يجوز الإحرام عنه إذ ليس له أهلية العبادات
والمغمى عليه لا يحرم عنه غيره
وأما الولي الذي يحرم عن الصبي أو يأذن له فالأب يتولى ذلك وكذا الجد وإن علا عند عدم الأب ولا يتولاه عند وجود الأب على الصحيح
وفي الوصي والقيم طريقان
قطع العراقيون بالجواز وقال آخرون وجهان
أرجحهما عند الإمام المنع
وفي الأخ والعم وجهان
أصحهما المنع
وفي الأم طريقان
أحدهما القطع بالجواز
وأصحهما وبه قال الأكثرون أنه مبني على ولايتها التصرف في ماله
فعلى قول الأصطخري تليه
وعلى قول الجمهور لا تلي
قلت ولو أذن الأب لمن يحرم عن الصبي ففي صحته وجهان حكاهما الروياني
الصحيح صحته وبه قطع الدارمي
والله أعلم

فصل متى صار الصبي محرما بإحرامه أو بإحرام وليه فعل ما قدر
بنفسه وفعل به الولي ما عجز عنه
فإن قدر على الطواف علمه فطاف وإلا طيف به على ما سبق
والسعي كالطواف
ويصلي عنه وليه ركعتي الطواف إن لم يكن مميزا وإلا صلاهما بنفسه على الصحيح
وفي الوجه الضعيف لا بد أن يصليهما الولي بكل حال
ويشترط إحضاره عرفة ولا يكفي حضور غيره عنه
وكذا يحضر المزدلفة والمواقف
ويناول الأحجار فيرميها إن قدر

وإلا رمي عنه من لا رمي عليه
ويستحب أن يضعها في يده أولا ثم يأخذها فيرمي
قلت لو أركبه الولي دابة وهو غير مميز فطافت به قال الروياني لم يصح إلا أن يكون الولي سائقا أو قائدا
والله أعلم

فصل القدر الزائد من النفقة بسبب السفر هل في مال الصبي أو
وجهان
ويقال قولان
أصحهما في مال الولي
فعلى هذا لو أحرم بغير إذنه وصححناه حلله
فإن لم يفعل أنفق عليه
فصل يمنع الصبي المحرم من محظورات الإحرام

فلو تطيب أو لبس ناسيا فلا فدية عليه
وإن كان عامدا فقد بنوه على أصل مذكور في الجنايات وهو أن عمده عمد أو خطأ إن قلنا خطأ فلا
وإن قلنا عمد وهو الأظهر وجبت
قال الإمام وبهذا قطع المحققون لأن عمده في العبادات كعمد البالغ ألا ترى أنه إذا تعمد الكلام بطلت صلاته أو الأكل بطل صومه ونقل الداركي قولا فارقا بين أن يكون الصبي ممن يلتذ بالطيب واللباس أم لا ولو حلق أو قلم أو قتل صيدا وقلنا عمد هذه الأفعال وسهوها سواء وجبت الفدية وإلا فهي كالطيب واللباس
ومتى وجبت الفدية فهي على الولي أم في مال الصبي قولان
أظهرهما في مال الولي هذا إذا أحرم بإذنه
فإن أحرم بغير إذنه وجوزناه فالفدية في مال الصبي بلا خلاف قاله في التتمة
وفي وجه

إن أحرم به الأب أو الجد ففي مال الصبي
وإن أحرم به غيرهما فعليه
ومتى وجبت في مال الصبي إن كانت
مرتبة فحكمها حكم كفارة القتل وإلا فهل يجزىء أن يفتدي بالصوم في حال الصبي وجهان مبنيان على صحة قضائه الحج الفاسد في الصبي وليس للولي والحالة هذه أن يفدي عنه بالمال لأنه غير متعين

فرع لو جامع الصبي ناسيا أو عامدا وقلنا عمده خطأ ففي فساد
قولان كالبالغ إذا جامع ناسيا أظهرهما لا يفسد
وإن قلنا عمده عمد فسد حجه
وإذا فسد هل عليه القضاء قولان
أظهرهما نعم لأنه إحرام صحيح فوجب فإفساده القضاء كحج التطوع
فعلى هذا هل يجزئه القضاء في حال الصبي قولان
ويقال وجهان
أظهرهما نعم اعتبارا بالأداء
والثاني لا لأنه ليس أهلا لأداء فرض الحج
فعلى هذا إذا بلغ نظر في الحجة التي أفسدها فإن كانت بحيث لو سلمت من الفساد أجزأته عن حجة الإسلام بأن بلغ قبل فوات الوقوف تأدت حجة الإسلام بالقضاء وإلا فلا وعليه أن يبدأ بحجة الإسلام ثم يقضي
فإن نوى القضاء أولا انصرف إلى حجة الإسلام
وإذا جوزنا القضاء في حال الصبي فشرع فيه وبلغ قبل الوقوف انصرف إلى حجة الإسلام وعليه القضاء
ومهما فسد حجه وأوجبنا القضاء وجبت الكفارة أيضا وإلا ففي الكفارة وجهان
أصحهما الوجوب
وإذا وجبت ففي مال الصبي أو الولي فيه الخلاف السابق

فرع حكم المجنون حكم الصبي الذي لا يميز في جميع المذكور

ولو خرج الولي بالمجنون بعد استقرار فرض الحج عليه وأنفق من ماله نظر إن لم ينفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر
وإن أفاق وأحرم وحج فلا غرم لأنه قضى ما عليه
وتشترط إفاقته عند الإحرام والوقوف والطواف والسعي
ولم يتعرضوا لحالة الحلق
وقياس كونه نسكا اشترط الإفاقة فيه كسائر الأركان
فصل لو بلغ الصبي في أثناء الحج
نظر إن بلغ بعد خروج بعرفة لم يجزئه عن حجة الإسلام
ولو بلغ بعد الوقوف وقبل خروج وقته ولم يعد إلى الموقف لم يجزئه عن حجة الإسلام على الصحيح
ولو عاد فوقف في الوقت أو بلغ قبل وقت الوقوف أو في حال الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام لكن يجب إعادة السعي إن كان سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ على الأصح ويخالف الإحرام فإنه مستدام في حال البلوغ
وإذا وقع حجه عن الإسلام فهل يلزمه الدم فيه طريقان
أصحهما على قولين
أظهرهما لا إذ لا إساءة
والثاني نعم لفوات الإحرام الكامل من الميقات
والطريق الثاني القطع بأن لا دم
والخلاف فيمن لم يعد بعد البلوغ إلى الميقات فإن عاد فلا دم على الصحيح والطواف في العمرة كالوقوف في الحج
فإذا بلغ قبله أجزأته عمرته عن عمرة الإسلام
وعتق العبد في أثناء الحج والعمرة كبلوغ الصبي في أثنائهما

فرع ذمي أتى الميقات يريد النسك فأحرم منه لم ينعقد إحرامه
أسلم قبل فوات الوقوف ولزمه الحج فله أن يحج من سنته وله التأخير لأن الحج على التراخي
فإن حج من سنته وعاد إلى الميقات فأحرم منه أو عاد محرما فلا دم عليه
وإن لم يعد لزمه دم كالمسلم إذا جاوزه بقصد النسك
وقال المزني لا دم
فصل إذا طيب الولي الصبي أو ألبسه أو حلق رأسه
نظر إن الصبي فطريقان
أصحهما أنه كمباشرة الصبي ذلك فيكون فيمن تجب عليه الفدية القولان المتقدمان
والثاني القطع بأنها على الولي
ولو طيبه لا لحاجة فالفدية عليه وكذا لو طيبه أجنبي
وهل يكون الصبي طريقا فيه وجهان
قلت أصحهما لا يكون
والله أعلم

باب محرمات الإحرام
وهي سبعة أنواع
الأول اللبس
أما رأس الرجل فلا يجوز ستره لا بمخيط كالقلنسوة ولا بغيره كالعمامة والإزار والخرقة وكل ما يعد ساترا
فإن ستر لزمه الفدية
ولو توسد وسادة أو وضع يده على رأسه أو انغمس في ماء أو استظل بمحمل أو هودج فلا بأس سواء مس المحمل رأسه أم لا
وقال في التتمة إذا مس المحمل رأسه وجبت الفدية
ولم أر هذا لغيره وهو ضعيف
ولو وضع على رأسه زنببيلا أو حملا فلا فدية على المذهب
وقيل قولان
ولو صلى رأسه بطين أو حناء أو مرهم أو نحوهما فإن كان رقيقا لا يستر فلا فدية
وإن كان ثخينا ساترا وجبت على الأصح
ولا يشترط لوجوب الفدية ستر جميع الرأس كما لا يشترط في فدية الحلق الاستيعاب بل تجب بستر قدر يقصد ستره لغرض كشد عصابة أو إلصاق لصوق لشجة ونحوها وكذا ضبطه الإمام والغزالي
واتفق الأصحاب على أنه لو شد خيطا على رأسه لم يضر ولا فدية
وهذا ينقض ما ضبطا به فإن ستر المقدار الذي يحويه شد الخيط قد يقصد لمنع الشعر من الانتشار وغيره
فالوجه الضبط بتسميته ساترا كل الرأس أو بعضه
قلت تجب الفدية بتغطية البياض الذي وراء الأذن قاله الروياني وغيره وهو ظاهر
ولو غطى رأسه بكف غيره فالمذهب أنه لا فدية ككف نفسه
وفي الحاوي و البحر وجهان لجواز السجود على كف غيره
والله أعلم

أما غير الرأس فيجوز ستره
لكن لا يجوز لبس القميص ولا السراويل والتبان والخف ونحوها
فإن لبس شيئا من هذا مختارا لزمه الفدية قصر الزمان أم طال ولو لبس القباء لزمه الفدية سواء أخرج يده من الكمين أم لا
وفيه وجه قاله في الحاوي أنه إن كان من أقبية خراسان ضيق الأكمام قصير الذيل لزمت الفدية وإن لم يدخل يده في الكم
وإن كان من أقبية العراق واسع الكم طويل الذيل لم يجب حتى يدخل يديه في كميه
والصحيح المعروف ما سبق
ولو ألقى على نفسه قباء أو فرجيه وهو مضطجع
قال الإمام إن أخذ من بدنه ما إذا قام عد لابسه لزمه الفدية
وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد أمر فلا
والليس مرعي في وجوب الفدية على ما يعتاد في كل ملبوس
فلو ارتدى بقميص أو قباء أو التحف بها أو اتزر بسراويل فلا فدية
كما لو اتزر بإزار لفقه من رقاع
ولا يتوقف التحريم والفدية في الملبوس على المخيط بل لا فرق بين المخيط والمنسوج كالزرد والمعقود كجبة اللبد والملفق بعضه ببعض سواء المتخذ من القطن والجلد وغيرهما
ويجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطا وأن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيها التكة وأن يشد طرف إزاره في طرف ردائه ولا يعقد رداءه وله أن يغرزه في طرف إزاره
ولو اتخذ لردائه شرجا وعرى وربط الشرج بالعرى وجبت الفدية على الأصح
قلت المذهب والمنصوص أنه لا يجوز عقد الرداء وكذا لا يجوز خله بخلال أو مسلة ولا ربط طرفه إلى طرفه بخيط ونحوه
والله أعلم
ولو شق الإزار نصفين ولف على كل ساق نصفا وعقده فالذي نقله الأصحاب وجوب الفدية لأنه كالسراويل
وقال إمام الحرمين لا فدية لمجرد

اللف والعقد وإنما تجب إن كانت خياطة أو شرجا وعرى
وله أن يشتمل بالإزار والرداء طاقين وثلاثة وأكثر بلا خلاف
وله أن يتقلد المصحف والسيف ويشد الهميان والمنطقة على وسطه
أما المرأة فالوجه في حقها كرأس الرجل
وتستر جميع رأسها وسائر بدنها بالمخيط كالقميص والسراويل والخف وتستر من الوجه القدر اليسير الذي يلي الرأس إذ لا يمكن استيعاب ستر الرأس إلا به
والمحافظة على ستر الرأس بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك الجزء من الوجه
ولها أن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة ونحوها سواء فعلته لحاجة من حر أو برد أو فتنة ونحوها أم لغير حاجة
فإن وقعت الخشبة فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها ورفعته في الحال فلا فدية
وإن كا عمدا أو استدامته لزمتها الفدية
وإذا ستر الخنثى المشكل رأسه فقط أو وجهه فقط فلا فدية وإن سترهما وجبت

فرع يحرم على الرجل لبس القفازين وفي تحريمه على المرأة قولان
أظهرهما عند الأكثرين يحرم نص عليه في الأم و الإملاء وتجب به الفدية
والثاني لا يحرم فلا فدية
ولو اختضبت ولفت على يديها خرقة فوق الخضاب أو لفتها بلا خضاب فالمذهب أنه لا فدية
وقيل قولان كالقفازين
وقال الشيخ أبو حامد إن لم تشد الخرقة فلا فدية وإلا فالقولان
فإن أوجبنا الفدية فهل تجب بمجرد الحناء فيه ما سبق في الرجل إذا خضب رأسه بالحناء
ولو اتخذ الرجل لساعده أو لعضو آخر شيئا مخيطا أو للحيته خريطة يغلفها بها إذا خضبها فهل يلحق بالقفازين فيه تردد عن الشيخ أبي محمد
والأصح

الإلحاق وبه قطع كثيرون
ووجه المنع أن المقصود اجتناب الملابس المعتادة وهذا ليس بمعتاد

فرع أما المعذور ففيه صور

إحداها لو احتاج الرجل إلى ستر الرأس أو لبس المخيط لعذر كحر أو برد أو مداواة أو احتاجت المرأة إلى ستر الوجه جاز ووجبت الفدية الثانية لو لم يجد الرجل الرداء لم يجز لبس القميص بل يرتدي به
ولو لم يجد الإزار ووجد السراويل نظر إن لم يتأت منه إزار لصغره أو لفقد آلة الخياطة أو لخوف التخلف عن القافلة فله لبسه ولا فدية
وإن تأتى فلبسه على حاله فلا فدية أيضا على الأصح
وإذا لبسه في الحالتين ثم وجد الإزار وجب نزعه
فإن أخر وجبت الفدية
الثالثة لو لم يجد نعلين لبس المكعب أو قطع الخف أسفل من الكعب ولبسه
ولا يجوز لبس المكعب والخف المقطوع مع وجود التعين على الأصح
فعلى هذا لو لبس المقطوع لفقد النعلين ثم وجدهما وجب نزعه
فإن أخر وجبت الفدية
وإذا جاز لبس الخف المقطوع لم يضر استتار ظهر القدم بما بقي منه
والمراد بفقد الإزار والنعل أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده وإما لعدم بذل مالكه وإما لعجزه عن ثمنه أو أجرته
ولو بيع بغبن أو نسيئة أو وهب له لم يلزمه قبوله
وإن أعير وجب قبوله
النوع الثاني التطيب فتجب الفدية باستعمال الطيب قصدا
فأما الطيب فالمعتبر فيه أن يكون معظم الغرض منه التطيب واتخاذ الطيب منه أو يظهر

فيه هذا الغرض
فالمسك والكافور والعود والعنبر والصندل طيب
وأما ما له رائحة طيبة من نبات الأرض فأنواع
منها ما يطلب للتطيب واتخاذ الطيب منه كالورد والياسمين والزعفران والخيري والورس فكله طيب
وحكي وجه شاذ في الورد والياسمين والخيري
ومنها ما يطلب للأكل أو للتداوي غالبا كالقرنفل والدارصيني والسنبل وسائر الأبازير الطيبة والتفاح والسفرجل والبطيخ والأترج والنارنج ولا فدية في شىء منها
ومنها ما يتطيب به ولا يؤخذ منه الطيب كالنرجس والريحان الفارسي وهو الضيمران والمرزنجوش ونحوها ففيها قولان
القديم لا فدية
والجديد وجوبها
وأما البنفسج فالمذهب أنه طيب
وقيل لا
وقيل قولان
والنيلوفر كالنرجس
وقيل طيب قطعا
ومنها ما ينبت بنفسه كالشيخ والقيصوم والشقائق وفي معناها نور الأشجار كالتفاح والكمثرى وغيرهما وكذا العصفر والحناء ولا فدية في شىء من هذا
وحكى بعض الأصحاب وجها أنه تعتبر عادة كل ناجية فيما يتخذ طيبا وهذا غلط نبهنا عليه
فرع الأدهان ضربان
دهن ليس بطيب كالزيت والشيرج وسيأتي فق النوع الثالث إن شاء الله تعالى
ودهن هو طيب فمنه دهن الورد والمذهب وجوب الفدية فيه وبه قطع الجمهور
وقيل وجهان
ومنه دهن البنفسج فإن لم نوجب الفدية في نفس البنفسج فدهنه أولى وإلا فكدهن الورد
ثم اتفقوا على

أن ما طرح فيه الورد والبنفسج فهو دهنهما
ولو طرحا على السمسم فأخذ رائحة ثم استخرج منه الدهن قال الجمهور لا يتعلق به فدية وخالفهم الشيخ أبو محمد
ومنه ألبان ودهنه أطلق الجمهور أن كل واحد منهما طيب
ونقل الإمام عن نص الشافعي رحمه الله أنهما ليس بطيب وتابعه الغزالي ويشبه أن لا يكون خلافا محققا بل هما محمولان على توسط حكاه صاحبا المهذب و التهذيب وهو أن دهن ألبان المنشوش وهو المغلي في الطيب طيب وغير المنشوش ليس بطيب
قلت وفي كون دهن الأترج طيبا وجهان حكاهما الماوردى والروياني
وقطع الدارمي بأنه طيب
والله أعلم

فرع ولو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر أو استعمل مخلوطا
لا بجهة الأكل نظر إن استهلك الطيب فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون فلا فدية
وإن ظهرت هذه الصفات أو بقيت الرائحة فقط وجبت الفدية
وإن بقي اللون وحده فقولان
أظهرهما لا فدية
وقيل لا فدية قطعا
وإن بقي الطعم فقط فكالرائحة على الأصح
وقيل كاللون
ولو أكل الخلنجين المربى بالورد نظر في استهلاك الورد فيه عدمه وخرج على هذا التفصيل
قلت قال صاحب الحاوي والروياني لو أكل العود فلا فدية عليه لأنه لا يكون متطيبا به إلا بأن يتبخر به بخلاف المسك
والله أعلم

فرع لو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيب لمرور الزمان أو
وغيره فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت رائحته حرم استعماله
وإن بقي اللون لم يحرم على الأصح
ولو انغمر شىء من الطيب في غيره كماء ورد انمحق في ماء كثير لم تجب الفدية باستعماله على الأصح
فلو انغمرت الرائحة وبقي اللون أو الطعم ففيه الخلاف السابق
فرع في بيان الاستعمال هو أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على
المعتاد في ذلك الطيب
فلو طيب جزءا من بدنه بغالية أو مسك مسحوق أو ماء ورد لزمه الفدية سواء الإلصاق بظاهر البدن أو باطنه بأن أكله أو احتقن به أو استعط
وقيل لا فدية في الحقنة والسعوط
ولو عبق به الريح دون العين بأن جلس في دكان عطار أو عند الكعبة وهي تبخر أو في بيت تبخر ساكنوه فلا فدية
ثم إن لم يقصد الموضع لاشتمام الرائحة لم يكره وإلا كره على الأظهر
وقال القاضي حسين يكره قطعا
والقولان في وجوب الفدية والمذهب الأول ولو احتوى على مجمرة فتبخر بالعود بدنه أو ثيابه لزمه الفدية
فلو مس طيبا فلم يعلق به شىء من عينه لكن عبقت به الرائحة

فلا فدية على الأظهر
ولو شد المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه أو وضعته المرأة في جيبها أو لبست الحلي المحشو بشىء منها وجبت الفدية لأنه استعماله
قلت ولو شد العود فلا فدية لأنه لا يعد تطيببا بخلاف شد المسك
والله أعلم
ولو شم الورد فقد تطيب
ولو شم ماء الورد فلا بل استعماله أن يصبه على بدنه أو ثوبه
ولو حمل مسكا أو طيبا غيره في كيس أو خرقة مشدودة أو قارورة مصممة الرأس أو حمل الورد في ظرف فلا فدية نص عليه في الأم
وفي وجه شاذ أنه إن كان يشم قصدا لزمه الفدية
ولو حمل مسكا في فأرة غير مشقوقة فلا فدية على الأصح
ولو كانت الفأرة مشقوقة أو القارورة مفتوحة الرأس قال الأصحاب وجبت الفدية وفيه نظر لأنه لا يعد تطيبا
ولو جلس على فراش مطيب أو أرض مطيبة أو نام عليها مفضيا ببدنه أو ملبوسه إليها لزمه الفدية
فلو فرش فوقه ثوبا ثم جلس عليه أو نام لم تجب الفدية
لكن إن كان الثوب رقيقا كره
ولو داس بنعله طيبا لزمه الفدية

فرع في بيان القصر فلو تطيب ناسيا لإحرامه أو جاهلا بتحريم الطيب
فلا فدية
وقال المزني تجب ولو علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية
ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيبا فلا فدية على المذهب وبه قطع الجمهور
وقيل وجهان
ولو مس طيبا رطبا وهو يظنه يابسا لا يعلق به شىء منه ففي وجوب الفدية

قولان
رجح الإمام وغيره الوجوب
ورجحت طائفة عدم الوجوب وذكر صاحب التقريب أنه القول الجديد
ومتى لصق الطيب بدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا أو ألقته الريح عليه لزمه أن يبادر إلى غسله أو ينحيه أو يعالجه بما يقطع ريحه
والأولى أن يأمر غيره بإزالته فإن باشره بنفسه لم يضر فإن أخر إزالته مع الإمكان فعليه الفدية فإن كان زمنا لا يقدر على الإزالة فلا فدية كمن أكره على التطيب قاله في التهذيب
قلت ولو لصق به طيب يوجب الفدية لزمه أيضا المبادرة إلى إزالته
والله أعلم
النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية قد سبق أن الدهن مطيب وغيره
فالمطيب سبق
وأما غيره كالزيت والشيرج والسمن والزبد ودهن الجوز واللوز فيحرم استعماله في الرأس واللحية
فلو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه
أو أمرد فدهن ذقنه فلا فدية
وإن كان محلوق الرأس وجبت الفدية على لأصح
ويجوز استعمال هذا الدهن في سائر البدن شعره وبشره ويجوز أكله
ولو كان على رأسه شجة فجعل هذا الدهن في داخلها فلا فدية

فرع للمحرم أن يغتسل ويدخل الحمام ويزيل الوسخ عن نفسه ولا كراهة
في ذلك على المشهور وبه قطع الجمهور
وقيل يكره على القديم
وله غسل رأسه بالسدر والخطمي لكن المستحب أن لا يفعله
ولم يذكر الجمهور كراهته وحكى الحناطي كراهته على القديم
وإذا غسله فينبغي أن يرفق لئلا ينتف شعره

فرع يحرم الاكتحال بما فيه طيب ويجوز بما لا طيب فيه

ثم نقل المزني أنه لا بأس به
وفي الإملاء أنه يكره
وتوسط قوم فقالوا إن لم يكن فيه زينة كالتوتياء الأبيض لم يكره
وإن كان فيه زينة كالإثمد كره إلا لحاجة الرمد ونحوه
فرع نقل الإمام عن الشافعي رحمه الله اختلاف قول في وجوب الفدية
إذا خضب الرجل لحيته وعن الأصحاب طرقا في مأخذه
أحدها التردد في أن الحناء طيب أم لا وهذا غريب ضعيف
والأصحاب قاطعون بأنه ليس بطيب كما سبق
الثاني أن من يخضب قد يتخذ لموضع الخضاب غلافا يحيط به فهل يلحق بالملبوس المعتاد وقد سبق الخلاف فيه
الثالث وهو الصحيح أن الخضاب تزيين للشعر فتردد القول في إلحاقه بالدهن
والمذهب أنه لا يلتحق ولا تجب الفدية في خضاب اللحية
قال الإمام فعلى المأخذ الأول لا شىء على المرأة إذا خضبت يدها بعد الإحرام
وعلى الثاني والثالث يجري التردد
وقد سبق بيان خضاب يدها وشعر الرجل

فرع للمحرم أن يفتصد ويحتجم ما لم يقطع شعرا

ولا بأس بنظره في المرآة
ونقل أن الشافعي رحمه الله كرهه في بعض كتبه
قلت المشهور من القولين أنه لا يكره
ويجوز للمحرم إنشاد الشعر الذي يجوز للحلال إنشاده
والسنة أن يلبد رأسه عند إرادة الإحرام وهو أن يعقص شعره ويضرب عليه الخطمي أو الصمغ أو غيرهما لدفع القمل وغيره
وقد صحت في استحبابه الأحاديث واتفق أصحابنا عليه وصرحوا باستحبابه ونقله صاحب البحر أيضا عن الأصحاب
والله أعلم
النوع الرابع الحلق والقلم فتحرم إزالة الشعر قبل وقت التحلل وتجب فيه الفدية سواء فيه شعر الرأس والبدن وسواء الإزالة بالحلق أو التقصير أو النتف أو الإحراق أو غيرها
وإزالة الظفر كإزالة الشعر سواء قلمه أو كسره أو قطعه
ولو قطع يده أو بعض أصابعه وعليها شعر أو ظفر فلا فدية لأنهما تابعان غير مقصودين
ولو كشط جلدة الرأس فلا فدية والشعر تابع
وشبهوه بما إذا أرضعت امرأته الكبيرة الصغيرة بطل النكاح ولزمها مهر الصغيرة
ولو قتلتها فلا مهر عليها لاندراج البضع في القتل
ولو مشط لحيته فنتف شعرا فعليه الفدية
فإن شك هل كان منسلا أو انتتف بالمشط فلا فدية على الصحيح
وقيل الأظهر

فرع سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الدماء أن فدية
لها خصال
إحداها إراقة دم فلا يتوقف وجوب كمال الدم على حلق جميع الرأس ولا على قلم جميع الأظفار بالإجماع بل يكمل الدم في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار سواء كانت من أظفار اليد أو الرجل أو منهما
هذا إذا أزالها دفعة في مكان
فإن فرق زمانا أو مكانا فسيأتي بعد النوع السابع إن شاء الله تعالى
فإن حلق شعرة أو شعرتين فأقوال
أظهرها وهو نصه في أكثر كتبه أن في الشعرة مدا من طعام وفي شعرتين مدين
والثاني في شعرة درهم وفي شعرتين درهمان
والثالث في شعرة ثلث دم وفي شعرتين ثلثاه
والرابع في الشعرة الواحدة دم كامل
والظفر كالشعرة والظفران كالشعرتين
ولو قلم دون المعتاد فكتقصير الشعر
ولو أخذ من بعض جوانبه ولم يستوعب رأس الظفر فإن قلنا في الظفر الواحد دم أو درهم وجب بقسطه
وإن قلنا مد لم يبعض
فرع هذا الذي سبق في الحلق لغير عذر

فأما الحلق لعذر فلا إثم فيه
وأما الفدية ففيها صور
إحداها لو كثر القمل في رأسه أو كان به جراحة أحوجه أذاها إلى الحلق أو تأذى بالحر لكثرة شعره فله الحلق وعليه الفدية

الثانية لو نبتت شعرة أو شعرات داخل جفنه وتأذى بها قلعها ولا فدية على المذهب
وقيل وجهان
ولو طال شعر حاجبه أو رأسه وغطى عينه قطع قدر المغطى ولا فدية
وكذا لو انكسر بعض ظفره وتأذى به قطع المنكسر ولا يقطع معه من الصحيح شيئا
الثالثة ذكرنا أن النسيان يسقط الفدية في الطيب واللباس وكذا حكم ما عدا الوطء من الاستمتاعات كالقبلة واللمس بشهوة
وفي وطء الناسي خلاف يأتي إن شاء الله تعالى
وهل تجب الفدية بالحلق والقلم ناسيا وجهان
أصحهما تجب وهو المنصوص
والثاني مخرج في أحد قولين له في المغمى عليه إذا حلق والمجنون
والصبي الذي لا يميز كمغمى عليه
ولو قتل الصيد ناسيا قال الأكثرون فيه القولان كالحلق
وقيل تجب قطعا

فرع للمحرم حلق شعر الحلال

ولو حلق المحرم أو الحلال شعر المحرم أثم
فإن حلق بإذنه فالفدية على المحلوق وإلا فإن كان نائما أو مكرها أو مغمى عليه فقولان
أظهرهما الفدية على الحالق والثاني على المحلوق
فعلى الأول لو امتنع الحالق من الفدية مع قدرته فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها وجهان أصحهما وبغير إذنه لا يجوز على الأصح كما لو أخرجها أجنبي بغير إذنه
وإن قلنا الفدية على المحلوق نظر إن فدى بالهدي أو الإطعام رجع بأقل الأمرين من الاطعام وقيمة الشاة على الحالق
وإن فدى بالصوم فأوجه
أصحها لا يرجع
والثاني يرجع بثلاثة أمداد من طعام لأنها بدل صومه
والثالث يرجع بما يرجع به لو فدى بالهدي أو الإطعام
وإذا قلنا يرجع

فإنما يرجع بعد الإخراج على الأصح
وعلى الثاني له أن يأخذ منه ثم يخرج
وهل للحالق أن يفدي على هذا القول أما بالصوم فلا وأما بغيره فنعم لكن بإذن المحلوق
وإن لم يكن نائما ولا مكرها ولا مغمى عليه لكنه سكت فلم يمنعه من الحلق فوجهان
وقيل قولان
أصحهما هو كما لو حلق بإذنه والثاني كما لو حلقه نائما
ولو أمر حلال حلالا بحلق شعر محرم نائم فالفدية على الآمر إن لم يعرف الحالق الحال وإلا فعليه على الأصح
قلت ولو طارت نار إلى شعره فأحرقته قال الروياني إن لم يمكنه إطفاؤها فلا شىء عليه وإلا فهو كمن حلق رأسه وهو ساكت
والله أعلم
النوع الخامس الجماع
وهو مفسد للحج إن وقع قبل التحللين سواء قبل الوقوف وبعده
وإن وقع بينهما لم يفسد على المذهب وحكي وجه أنه يفسد
وقول قديم أنه يخرج إلى أدنى الحل ويجدد منه إحرجما ويأتي بعمل عمرة
وتفسد العمرة أيضا بالجماع قبل التحلل
فإن قلنا الحلق نسك فهو مما يقف التحلل عليه وإلا فلا
واللواط كالجماع
وكذا إتيان البهيمة على الصحيح

فرع ما سوى الحج والعمرة من العبادات لا حرمة لها بعد الفساد

ويخرج منها بالفساد
وأما الحج والعمرة فيجب المضي في فاسدهما وهو إتمام ما كان يعمله لولا الفساد

فرع يجب على مفسد الحج بالجماع بدنة

وعلى مفسد العمرة أيضا بدنة على الصحيح و على الثاني شاة
ولو جامع بين التحللين وقلنا لا يفسد لزمه شاة على الأظهر وبدنة على الثاني
وفيه وجه أنه لا شىء عليه وهو شاذ منكر
ولو أفسد حجه بالجماع ثم جامع ثانيا ففيه خلاف تجمعه أقوال
أظهرها يجب بالجماع الثاني شاة
والثاني بدنة
والثالث لا شىء فيه
والرابع إن كان كفر عن الأول فدى الثاني وإلا فلا
والخامس إن طال الزمان بين الجماعين أو اختلف المجلس فدى عن الثاني وإلا فلا
فرع يجب على مفسد الحج القضاء بالاتفاق سواء كان الحج فرضا أو
ويقع القصاء عن المفسد
فإن كان فرضا وقع عنه وإن كان تطوعا فعنه
ولو أفسد القضاء بالجماع لزمه الكفارة ولزمه قضاء واحد
ويتصور القضاء في عام الإفساد بأن يحصر بعد الإفساد ويتعذر عليه المضي في الفاسد فيتحلل ثم يزول الحصر والوقت باق فيشتغل بالقضاء
وفي وقت القضاء وجهان
أصحهما على الفور
والثاني على التراخي
فإن كان أحرم في الأداء قبل الميقات من دويرة أهله أو غيرها لزمه أن يحرم في القضاء من ذلك الموضع
فإن جاوزه غير محرم لزمه دم
كالميقات الشرعي
وإن كان أحرم من الميقات أحرم منه في القضاء
وإن كان أحرم بعد مجاوزة الميقات نظر إن جاوزه مسيئا لزمه في القضاء الإحرام من الميقات الشرعي وليس له أن يسيء ثانيا
وهذا

معنى قول الأصحاب يحرم في القضاء من أغلظ الموضعين من الميقات أو من حيث أحرم في الأداء
وإن جاوزه غير مسيء بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم أفسد فوجهان
أصحهما وبه قطع صاحب التهذيب وغيره أن عليه أن يحرم في القضاء من الميقات الشرعي
والثاني له أن يحرم من ذلك الموضع ليسلك بالقضاء مسلك الأداء
ولهذا لو اعتمر من الميقات ثم أحرم بالحج من مكة وأفسده كفاه في القضاء أن يحرم من نفس مكة
ولو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنى الحل ثم أفسدها كفاه أن يحرم في قضائها من أدنى الحل
والوجهان فيمن لم يرجع إلى الميقات
أما لو رجع ثم عاد فلا بد من الإحرام من الميقات
ولا يجب أن يحرم بالقضاء في الزمن الذي أحرم منه بالأداء بل له التأخير عنه بخلاف المكان
والفرق أن اعتناء الشرع بالميقات المكاني أكمل فإن مكان الإحرام يتعين بالنذر وزمانه لا يتعين
حتى لو نذر الإحرام في شوال له تأخيره
وأظن أن هذا الاستشهاد لا يخلو من نزاع
قلت ولا يلزمه في القضاء أن يسلك الطريق الذي سلكه في الأداء بلا خلاف لكن يشترط إذا سلك غيره أن يحرم من قدر مسافة الإحرام في الأداء
والله أعلم

فرع لو كانت المرأة محرمة أيضا نظر إن جامعها مكرهة أو نائمة
يفسد حجها
وإن كانت طائعة عالمة فسد
وحينئذ هل يجب على كل واحد منهما بدنة أم يجب على الزوج فقط بدنة عن نفسه أم عليه بدنة عنه وعنها فيه ثلاثة أقوال كالصوم
وقطع قاطعون بإلزامها البدنة
وإذا خرجت الزوجة للقضاء

فهل يلزم الزوج ما زاد من النفقة بسبب السفر وجهان
أصحهما يلزمه
وإذا خرجا للقضاء معا استحب أن يفترقا من حين الإحرام
فإذا وصلا إلى الموضع الذي أصابها فيه فقولان
قال في الجديد لا تجب المفارقة
وقال في القديم تجب

فرع ذكرنا في كون القضاء على الفور وجهين

قال القفال هما جاريان في كل كفارة وجبت بعدوان لأنالكفارة في وضع الشرع على التراخي كالحج
والكفارة بلا عدوان على التراخي قطعا
وأجرى الإمام الخلاف في المتعدي بترك الصوم
وقد سبق في كتاب الصوم انقسام قضاء الصوم إلى الفور والتراخي
قال الإمام والمتعدي بترك الصلاة لزمه قضاؤها على الفور بلا خلاف
وذكر غيره وجهين
أصحهما هذا
والثاني أنها على التراخي
وربما رجحه العراقيون
وأما غير المتعدي فالمذهب أنه لا يلزمه القضاء على الفور وبهذا قطع الأصحاب
وفي التهذيب وجه أنه يلزمه على الفور لقوله صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها
فرع يجوز للمفرد بأحد النسكين إذا أفسده أن يقضيه مع الآخر قارنا
وأن يتمتع
ويجوز للمتمتع والقارن القضاء على سبيل الإفراد
ولا يسقط دم القران بالقضاء على سبيل الإفراد
وإذا جامع القارن قبل التحلل الأول فسد نسكاه وعليه بدنة واحدة لاتحاد الإحرام ويلزمه دم القران مع البدنة على المذهب

وبه قطع الجمهور
وقيل وجهان
ثم إذا اشتغل بقضائهما فإن قرن أو تمتع فعليه دم آخر وإلا فقد أشار الشيخ أبو علي إلى خلاف فيه ومال إلى أنه لا يجب شىء آخر
قلت المذهب وجوب دم آخر إذا أفرد في القضاء وبه قطع الجمهور
وممن قطع به الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي والقاضي أبو الطيب في كتابيه والمتولي وخلائق آخرون وهو مراد الإمام الرافعي بقوله في أوائل هذا الفرع لا يسقط دم القران لكنه ناقضه بهذه الحكاية عن أبي علي
والله أعلم
وإن جامع بعد التحلل الأول لم يسقط واحد من نسكيه سواء كان أتى بأعمال العمرة أم لا
وفيه وجه قاله الأودني أنه إذا لم يأت بشىء من أعمال العمرة كسدت عمرته
وهذا شاذ ضعيف لأن العمرة في القران تتبع الحج
ولهذا يحل للقارن معظم مخطورات الإحرام بعد التحلل الأول وإن لم يأت بأعمال العمرة ولو قدم القارن مكة وطاف وسعى ثم جامع بطل نسكاه وإن كان بعد أعمال العمرة

فرع إذا فات القارن الحج لفوات الوقوف فهل يحكم بفوات عمرته قولان

أظهرهما نعم تبعا للحج كما تفسد بفساده
والثاني لا لأنه يتحلل بعملها
فإن قلنا بفواتها فعليه دم واحد للفوات ولا يسقط دم القران
وإذا قضاهما فالحكم على ما ذكرناه في قضائهما عند الإفساد
إن قرن أو تمتع فعليه الدم وإلا فعلى الخلاف

فرع جميع ما ذكرناه هو في جماع العامد العالم بالتحريم
فأما إذا جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم فقولان
الأظهر الجديد لا يفسد
والقديم يفسد
ولو أكره على الوطء فقيل وجهان بناء على الناسي وقيل يفسد قطعا بناء على أن إكراه الرجل على الوطء ممتنع
ولو أحرم عاقلا ثم جن فجامع فيه القولان في الناسي
فرع لو أحرم مجامعا

فأوجه
أحدها ينعقد صحيحا
فإن نزع في الحال فذاك وإلا فسد نسكه وعليه البدنة والمضي في فاسده والقضاء
والثاني ينعقد فاسدا وعليه القضاء والمضي في فاسده سواء مكث أو نزع
ولا تجب البدنة إن نزع في الحال وإن مكث وجبت شاة في قول وبدنة في قول كما سبق في نظائره
والجالث لا ينعقد أصلا كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث
قلت هذا الثالث أصحها
والله أعلم
فصل إذا ارتد في أثناء حجه أو عمرته فوجهان

أصحهما يفسد كالصوم والصلاة
والثاني لا يفسد لكن لا يعتد بالمفعول في الردة
ولا فرق على

الوجهين بين طول زمنها وقصره
فإذا قلنا بالفساد فوجهان
أصحهما يبطل النسك من أصله ولا يمضي فيه لا في الردة ولا بعد الإسلام
والثاني أنه كالإفساد بجماع فيمضي في فاسده إن أسلم لكن لا كفارة
النوع السادس مقدمات الجماع
فيحرم على المحرم المباشرة بشهوة كالمفاخذة والقبلة واللمس باليد بشهوة قبل التحلل الأول
وفي حكمها بين التحللين ما سبق من الخلاف
ومتى ثبت التحريم فباشر عمدا لزمه الفدية
وإن كان ناسيا فلا شىء عليه بلا خلاف لأنه استمتاع محض
ولا يفسد شىء منها نسكه ولا يوجب الفدية بحال وإن كان عمدا سواء أنزل أم لا
والاستمناء باليد يوجب الفدية على الأصح
ولو باشر دون الفرج ثم جامع هل تدخل الشاة في البدنة أم تجبان معا وجهان
قلت الأصح تدخل
ولا يحرم اللمس بغير شهوة
وأما قوله في الوسيط و الوجيز تحرم كل مباشرة تنقض الوضوء فشاذ بل غلط
والله أعلم

فرع لا ينعقد نكاح المحرم ولا إنكاحه ولا نكاح المحرمة

والمستحب ترك الخطبة للمحرم والمحرمة
وتمام هذه المسألة في كتاب النكاح
النوع السابع الاصطياد
فيحرم عليه كل صيد مأكول أو في أصله مأكول ليس مائيا وحشيا كان أو في أصله وحشي
ولا فرق بين المستأنس وغيره ولا بين المملوك وغيره
ويجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيا ومذبوحا لمالكه إذا رده إليه مذبوحا

قلت قال أصحابنا هذا إذا قلنا ذبيحة المحرم حلال فإن قلنا ميتة لزمه له كل القيمة
وقد ذكره الرافعي بعد هذا بقليل
وقال الماوردي وغيره وإذا قلنا ميتة فالجلد للمالك
والله أعلم
وقال المزني لا جزاء في المملوك
ولو توحش حيوان إنسي لم يحرم لأنه ليس بصيد
ويحرم التعرض لأجزاء الصيد بالجرح والقطع
ولو جرحه فنقصت قيمته فسيأتي بيان ما يجب بنقصه إن شاء الله تعالى
وإن برأ ولم يبق نقص ولا أثر فهل يلزمه شىء وجهان كالوجهين في جراحة الآدمي إذا اندملت ولم يبق نقص ولا شين ويجريان فيما لو نتف ريشه فعاد كما كان
وبيض الطائر المأكول مضمون بقيمته فإن كانت مذرة فلا شىء عليه بكسرها إلا بيضة النعامة ففيها قيمتها لأن قشرها قد ينتفع به
ولو نفر صيدا عن بيضته التي حضنها ففسدت لزمه قيمتها
ولو أخذ بيض دجاجة فأحضنه صيدا ففسد بيض الصيد أو لم يحضنه ضمنه لأن الظاهر أن فساد بيضه بسبب ضم بيض الدجاجة إليه
ولو أخذ بيض صيد وأحضنه دجاجة فهو في ضمانة حتى يخرج الفرخ ويسعى
فلو خرج ومات قبل الامتناع لزمه مثله من النعم
ولو كسر بيضة فيها فرخ له روح فطار وسلم فلا شىء عليه
وإن مات فعليه مثله من النعم ولو حلب لبن صيد ضمنه قاله كثيرون من أصحابنا العراقيين وغيرهم
وقال الروياني لا يضمن

فصل ما ليس بمأكول من الدواب والطيور ضربان

ما ليس له أصل مأكول وما أحد أصليه مأكول

فالأول لا يحرم التعرض له بالإحرام ولا جزاء على المحرم بقتله ثم من هذا الضرب ما يستحب قتله للمحرم وغيره وهي المؤذيات كالحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحدأة والذئب والأسد والنمر والدب والنسر والعقاب والبرغوث والبق والزنبور
ولو ظهر القمل على بدن المحرم أو ثيابه لم يكره تنحيته
ولو قتله لم يلزمه شىء
ويكره له أن يفلي رأسه ولحيته
فإن فعل فأخرج منهما قملة وقتلها تصدق ولو بلقمة نص عليه الشافعي رحمه الله
قال الأكثرون هذا التصدق مستحب
وقيل واجب لما فيه من إزالة الأذى عن الرأس

قلت قال الشافعي رحمه الله تعالى وللصئبان حكم القمل وهو بيض القمل
والله أعلم ومنه ما فيه منفعة ومضرة كالفهد والصقر والبازي فلا يستحب قتلها لنفعها ولا يكره لضررها
ومنه ما لا يظهر فيه منفعة ولا ضرر كالخنافس والجعلان والسرطان والرخم والكلب الذي ليس بعقور فيكره قتلها
ولا يجوز قتل النمل والنحل والخطاف والضفدع
وفي وجوب الجزاء بقتل الهدهد والصرد خلاف مبني على الخلاف في جواز أكلهما
قلت قوله إن الكلب الذي ليس بعقور يكره قتله مراده كراهة تنزيه
وفي كلام غيره ما يقتضي التحريم
والمراد الكلب الذي لا منفعة فيه مباحة
فأما ما فيه منفعة مباحة فلا يجوز قتله بلا شك سواء في هذا الكلب الأسود وغيره
والأمر بقتل الكلاب منسوخ
والله أعلم
الضرب الثاني ما أحد أصليه مأكول كالمتولد بين الذئب والضبع وبين حماري الوحش والإنس فيحرم التعرض له ويجب الجزاء فيه
قلت قال الشافعي رحمه الله فإن شك في شىء من هذا فلم يدر أخالطه وحشي مأكول أم لا استحب فداؤه
والله أعلم

فرع الحيوان الإنسي كالنعم والخيل والدجاج يجوز للمحرم ذبحها ولا جزاء
والمتولد بين الإنسي والوحشي كالمتولد بين الظبي والشاة أو بين اليعقوب والدجاجة يجب فيه الجزاء كالمتولد بين المأكول وغيره
فرع صيد البحر حلال للمحرم وهو ما لا يعيش إلا في البحر

أما ما يعيش في البر والبحر فحرام كالبري
وأما الطيور المائية التي تغوص في الماء وتخرج فبرية
والجراد بري على المشهور
فصل جهات ضمان الصيد ثلاث

المباشرة والتسبب واليد
فالمباشرة معروفة
وأما التسبب فموضع ضبطه كتاب الجنايات
ويذكر هنا صور
إحداها لو نصب الحلال شبكة في الحرم أو نصبها المحرم حيث كان فتعقل بها صيد وهلك فعليه الضمان سواء نصبها في ملكه أو غيره

قلت ولو نصب الشبكة أو الأحبولة وهو حلال ثم أحرم فوقع بها صيد لم يلزمه شىء ذكره القفال وصاحب البحر وغيرهما
وهو معنى نص الشافعي رحمه الله تعالى
والله أعلم
الثانية لو أرسل كلبا أو حل رباطه ولم يرسله فأتلف صيدا لزمه ضمانه
ولو انحل الرباط لتقصيره فيه ضمن على المذهب هذا إذا كان هناك صيد
فإن لم يكن فأرسل الكلب أو حل رباطه فظهر صيد ضمنه أيضا على الأصح
قلت قال القاضي أبو حامد وغيره يكره للمحرم حمل البازي وكل صائد
فإن حمله فأرسله على صيد فلم يقتله فلا جزاء لكن يأثم
ولو انفلت بنفسه فقتله
فلا ضمان
والله أعلم
الثالثة لو نفر المحرم صيدا فعثر وهلك به أو أخذه سبع أو انصدم بشجرة أو جبل لزمه الضمان سواء قصده تنفيره أم لا ويكون ف عهدة التنفير حتى يعود الصيد إلى عادته في السكون
فإن هلك بعد ذلك فلا ضمان
ولو هلك قبل سكون النفار بآفة سماوية فلا ضمان على الأصح إذ لم يتلف بسببه ولا في يده
ووجه الثاني استدامة أثر النفار
الرابعة لو حفر المحرم بئرا حيث كان أو حفرها حلال في الحرم في محل عدوان فهلك فيها صيد لزمه الضمان
ولو حفرها في ملكه أو في موات فثلاثة أوجه
أصحها يضمن في الحرم دون الإحرام
قلت وقيل إن حفرها للصيد ضمن وإلا فلا واختاره صاحب الحاوي
والله أعلم

فرع لو دل الحلال محرما على صيد فقتله وجب الجزاء على
ضمان على الحلال سواء كان في يده أم لا لكنه يأثم
ولو دل المحرم حلالا على صيد فقتله فإن كان في يد المحرم لزمه الجزاء لأنه ترك حفظه وهو واجب فصار كالمودع إذا دل السارق وإلا فلا جزاء على واحد منهما
ولو أمسك محرم صيدا حتى قتله غيره فإن كان القاتل حلالا وجب الجزاء على المحرم وهل يرجع به على الحلال وجهان
قال الشيخ أبو حامد لا لأنه غير حرام عليه
وقال القاضي أبو الطيب نعم وبه قطع في التهذيب كما لو غصب شيئا فأتلفه إنسان في يده قلت الأصح الأول لأنه غير مضمون في حقه بخلاف المغصوب
والله أعلم
وإن كان محرما أيضا فوجهان
أصحهما الجزاء كله على القاتل
والثاني عليهما نصفين
وقال صاحب العدة الأصح أن الممسك يضمنه باليد والقاتل بالإتلاف
فإن أخرج الممسك الضمان رجع به على المتلف إن أخرج المتلف لم يرجع على الممسك
قلت قال صاحب البحر لو رمى حلال صيدا ثم أحرم ثم أصابه ضمنه على الأصح
ولو رمى محرم ثم تحلل بأن قصر شعره ثم أصابه فوجهان
ولو رمى صيدا فنفذ منه إلى صيد آخر فقتلهما ضمنهما
والله أعلم

الجهة الثالثة اليد
فيحرم على المحرم إثبات اليد على الصيد ابتداء ولا يحصل به الملك وإذا أخذه ضمنه كالغاصب
بل لو حصل التلف بسبب في يده بأن كان راكب دابة فتلف صيد بعضها أو رفسها أو بالت في الطرق فزلق به صيد فهلك لزمه الضمان
ولو انفلت بعيره فأتلف صيدا فلا شىء عليه
نص على هذا كله
ولو تقدم ابتداء اليد على الإحرام بأن كان في يده صيد مملوك له لزمه إرساله على الأظهر
والثاني لا يلزمه
وقيل لا يلزمه قطعا بل يستحب
فإن لم نوجب الإرسال فهو لى ملكه له بيعه وهبته لكن لا يجوز له قتله
فإن قتله لزمه الجزاء
كما لو قتل عبده تلزمه الكفارة
ولو أرسله غيره أو قتله لزمه قيمته للمالك ولا شىء على المالك
وإن أوجبنا الإرسال فهل يزول ملكه عنه قولان
أظهرهما يزول
فعلى هذا لو أرسله غيره أو قتله فلا شىء عليه
ولو أرسله المحرم فأخذه غيره ملكه
ولو لم يرسله حتى تحلل لزمه إرساله على الأصح المنصوص
وحكى الإمام على هذا القول وجهين في أنه يزول ملكه بنفس الإحرام أم الإحرام يوجب عليه الإرسال فإذا أرسل زال حينئذ وأولهما أشبه بكلام الجمهور
وإن قلنا لا يزول ملكه فليس لغيره أخذه فلو أخذه لم يملكه
ولو قتله ضمنه
وعلى القولين لو مات في يده بعد إمكان الإرسال لزمه الجزاء لأنهما مفرعان على وجوب الإرسال وهو مقصر بالإمساك
ولو مات الصيد قبل إمكان الإرسال وجب الجزاء على الأصح
ولا يجب تقديم الإرسال على الإحرام بلا خلاف

فرع لو اشترى المحرم صيدا أو اتهبه أو أوصي له به
على ما سبق
فإن قلنا يزول ملكه عن الصيد بالإحرام لم يملكه بهذه الأسباب وإلا ففي صحة الشراء والهبة قولان كشراء الكافر عبدا مسلما فإن لم نصحح هذه العقود فليس له القبض
فإن قبض فهلك في يده لزمه الجزاء ولزمه القيمة للبائع
فإن رده عليه سقطت القيمة ولم يسقط ضمان الجزاء إلا بالإرسال
وإذا أرسل كان كمن اشترى عبدا مرتدا فقتل في يده
وفيمن يتلف من ضمانه خلاف موضعه كتاب البيع
قلت كذا ذكر الإمام الرافعي هنا أنه إذا هلك في يده ضمنه بالقيمة للآدمي مع الجزاء وهذا في الشراء صحيح أما في الهبة فلا يضمن القيمة على الأصح لأن العقد الفاسد كالصحيح في الضمان والهبة غير مضمونة وقد ذكر الرافعي هذا الخلاف في كتاب الهبة وسيأتي إن شاء الله تعالى
والله أعلم
فرع لو مات للمحرم قريب يملك صيدا ورثه على المذهب

وقيل هو كالشراء
فإن قلنا يرث قال الإمام والغزالي يزول ملكه عقب ثبوته بناء على أن الملك زول عن الصيد بالإحرام
وفي التهذيب وغيره خلافه
لأنهم قالوا إذا ورثه لزمه إرساله
فإن باعه صح بيعه ولا يسقط عنه ضمان الجزاء
حتى لو مات في يد المشتري وجب الجزاء على البائع
وإنما يسقط عنه إذا

أرسله المشتري
وإن قلنا لا يرث فالملك في الصيد لباقي الورثة
وإحرامه بالنسبة إلى الصيد مانع من موانع الإرث كذا قاله في التتمة
وقال الشيخ أبو القاسم الكرخي على هذا الوجه إنه أحق به فيوقف حتى يتحلل فيتملكه
قلت هذا المنقول عن أبي القاسم الكرخي هو الصحيح بل الصواب المعروف على المذهب وبه قطع الأصحاب في الطريقين
فممن صرح به الشيخ أبو حامد والدارمي وأبو علي البندنيجي والمحاملي في كتابيه والقاضي أبو الطيب في المجرد وصاحب الحاوي والقاضي حسين وصاحبا العدة و البيان
قال الدارمي فإن مات الوارث قبل تحلله قام وارثه مقامه
والله أعلم

فرع لو اشترى صيدا فوجده معيبا وقد أحرم البائع فإن قلنا يملك
بالإرث رده عليه وإلا فوجهان لأن منع الرد إضرار بالمشتري
ولو باع صيدا وهو حلال فأحرم ثم أفلس المشتري بالثمن لم يكن له الرجوع على الأصح كالشراء بخلاف الإرث فإنه قهري
فرع لو استعار المحرم صيدا أو أودع عنده كان مضمونا عليه بالجزاء
وليس له التعرض له
فإن أرسله سقط عنه الجزاء وضمن القيمة للمالك
فإن رد إلى المالك لم يسقط عنه الجزاء ما لم يرسله المالك

قلت نقل صاحب البيان في باب العارية عن الشيخ أبي حامد أن المحرم إذا استودع صيدا لحلال فتلف في يده لم يلزمه الجزاء لأنه لم يمسكه لنفسه
والله أعلم

فرع حيث صار الصيد مضمونا على المحرم بالجزاء فإن قتله حلال في
يده فالجزاء على المحرم
وإن قتله محرم آخر فهل الجزاء عليهما أم على القاتل ومن في يده طريق فيه وجهان
قلت أصحهما الثاني
والله أعلم
فرع لو خلص المحرم صيدا من سبع أو هرة أو نحوهما
ويتعهده فمات في يده لم يضمن على الأظهر
فرع الناسي كالعامد في وجوب الجزاء ولا أثم

وقيل في وجوب الجزاء عليه قولان
والمذهب الوجوب
ولو أحرم ثم جن فقتل صيدا ففي وجوب الجزاء قولان نص عليهما

قلت أظهرهما لا تجب
والله أعلم

فرع لو صال صيد على محرم أو في الحرم فقتله دفعا فلا
إنسان صيدا وصال على محرم ولا يمكنه دفعه إلا بقتل الصيد فقتله فالمذهب وجوب الجزاء على المحرم وبه قطع الأكثرون لأن الأذى ليس من الصيد
وحكى الإمام أن القفال ذكر فيه وجهين
أحدهما الضمان على الراكب ولا يطالب به المحرم
والثاني يطالب المحرم ويرجع بما غرم على الراكب
فرع لو ذبح صيدا في مخمصة وأكله ضمن لأنه أهلكه لمنفعته من
إيذاء من الصيد
ولو أكره محرم على قتل صيد فقتله فوجهان
أحدهما الجزاء على الآمر
والثاني على المحرم ويرجع به على الآمر سواء صيد الحرم أو الإحرام
قلت الثاني أصح
والله أعلم
فرع ذكرنا أن الجراد وبيضه مضمونان بالقيمة

فلو وطئه عامدا أو جاهلا ضمن
ولو عم المسالك ولم يجد بدا من وطئه فوطئه فالأظهر أنه لا ضمان
وقيل

لا ضمان قطعا ولو باض صيد في فراشه ولم يمكنه رفعه إلا بالتعرض للبيض ففسد بذلك ففيه هذا الخلاف

فرع إذا ذبح المحرم صيدا لم يحل له الأكل منه

وهل يحل لغيره أم يكون ميتة فيه قولان
الجديد أنه ميتة
فعلى هذا إن كان مملوكا وجب مع الجزاء قيمته للمالك
والقديم لا يكون ميتة فيحل لغيره
فإن كان مملوكا لزمه مع الجزاء ما بين قيمته مذبوحا وحيا
وهل يحل له بعد زوال الإحرام وجهان
أصحهما لا
وفي صيد الحرم إذا ذبح طريقان
أصحهما طرد القولين
والثاني القطع بالمنع لأنه محرم على جميع الناس وفي جميع الأحوال
قلت قال صاحب البحر قال أصحابنا إذا كسر بيض صيد فحكم البيض حكم الصيد إذا ذبحه فيحرم عليه قطعا
وفي غيره القولان
وكذا إذا كسره في الحرم
قال أصحابنا وكذا لو قتل المحرم الجراد قال وقيل يحل البيض لغيره قطعا بخلاف الصيد المذبوح على أحد القولين لأن إباحته تقف على الزكاة بخلاف البيض
وعلى هذا لو بلعه إنسان قبل كسره لم يحرم
وهذا اختيار الشيخ أبي حامد والقاضي الطبري
قال الروياني وهو الصحيح
والله أعلم

فصل في بيان الجزاء

الصيد ضربان مثلي وهو ما له مثل من النعم وغير مثلي
فالمثلي جزاؤه على التخيير والتعديل فيتخير بين أن يذبح مثله فيتصدق به على مساكين الحرم إما بأن يفرق اللحم عليهم وإما بأن يملكهم جملته مذبوحا
ولا يجوز أن يدفعه حيا وبين أن يقوم المثل دراهم
ثم لا يجوز أن يتصدق بالدراهم لكن إن شاء اشترى بها طعاما وتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يوما حيث كان
وأما غير المثلي ففيه قيمته ولا يتصدق بها دراهم بل يجعلها طعاما ثم إن شاء تصدق به وإن شاء صام عن كل مد يوما
فان انكسر مد في الضربين صام يوما
فحصل من هذا أنه في المثلي مخير بين الحيوان والطعام والصيام وفي غيره مخير بين الطعام والصوم هذا هو المذهب والمقطوع به في كتب الشافعي والأصحاب
وروى أبو ثور قولا أنها على الترتيب
وإذا لم يكن الصيد مثليا فالمعتبر قيمته بمحل الإتلاف وإلا فقيمته بمكة ويومئذ لأن محل ذبحه مكة
فإذا عدل عن ذبحه وجبت قمته بمحل الذبح
هذا نصه في المسألتين وهو المذهب
وقيل فيهما قولان
وحيث اعتبرنا محل الإتلاف فللإمام احتمالان في أنه يعتبر في العدول إلى الطعام سعر الطعام في ذلك المكان أم سعره بمكة والظاهر منهما الثاني

فرع في بيان المثلي اعلم أن المثل ليس معتبرا على التحقيق
على التقريب
وليس معتبرا في القيمة بل في الصورة والخلقة
والكلام في الدواب ثم الطيور
أما الدواب فما ورد فيه نص أو حكم فيه صحابيان أو عدلان من التابعين أو من بعدهم من النعم أنه مثل الصيد المقتول اتبع ولا حاجة إلى تحكيم غيرهم
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش وحكمت الصحابة رضي الله عنهم في النعامة ببدنه وفي حمار الوحش وبقرته ببقرة وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة
وعن عثمان رضي الله عنه أنه حكم في أم حبين بحلان
وعن عطاء ومجاهد أنهما حكما في الوبر بشاة
قال الشافعي رحمه الله تعالى إن كانت العرب تأكله ففيه جفرة لأنه ليس أكبر بدنا منها
وعن عطاء في الثعلب شاة
وعن عمر رضي الله عنه في الضب جدي
وعن بعضهم في الإبل بقرة
أما العناق فالأنثى من المعز من حين تولد إلى حين ترعى
والجفرة الأنثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها فتأخذ في الرعي وذلك بعد أربعة أشهر
والذكر جفر هذا معناها في اللغة
لكن يجب أن يكون المراد بالجفر هنا ما دون العناق فإن الأرنب خير من اليربوع
أما أم حبين فدابة على خلقة الحرباء عظيمة البطن
وفي حل أكلها خلاف مذكور في الأطعمة
ووجوب الجزاء يخرج على الخلاف
وأما الحلان ويقال الحلام
فقيل هو الجدي
وقيل الخروف

ووقع في بعض كتب الأصحاب في الظبي كبش
وفي الغزال عنز
وكذا قاله أبو القاسم الكرخي وزعم أن الظبي ذكر الغزلان وأن الأنثى غزال
قال الإمام هذا وهم بل الصحيح أن في الظبي عنزا وهو شديد الشبه بها فإنه أجرد الشعر متقلص الذنب
وأما الغزال فولد الظبي فجب فيه ما يجب في الصغار
قلت قول الإمام هو الصواب
قال أهل اللغة الغزال ولد الظبية إلى حين يقوى ويطلع قرناه ثم هي ظبية والذكر ظبي
والله أعلم
هذا بيان ما فيه حكم
أما ما لانقل فيه عن السلف فيرجع فيه إلى قول عدلين فقيهين فطنين
وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد أحد الحكمين أو يكون قاتلاه الحكمين نظر إن كان القتل عدوانا فلا لأنه يفسق
وإن كان خطأ أو مضطرا إليه جاز على الأصح ولو حكم عدلان أن له مثلا وعدلان أن لا مثل له فهو مثلي
قلت ولو حكم عدلان بمثل وعدلان بمثل آخر فوجهان في الحاوي و البحر
أصحهما يتخير
والثاني يلزمه الأخذ بأعظمهما وهما مبنيان على اختلاف المفتيين
والله أعلم
وأما الطيور فحمام وغيره
فالحمامة فيها شاة وغيرها إن كان أصغر منها جثة كالزرزور والصعوة والبلبل والقبرة والوطواط ففيه القيمة
وإن كان أكبر من الحمام أو مثله فقولان
الجديد وأحد قولي القديم الواجب القيمة
والثاني شاة والمراد بالحمام كل ما عب في الماء وهو أن يشربه جرعا وغير الحمام يشرب قطر قطرة
وكذا نص الشافعي رضي الله عنه في عيون المسائل ولا حاجة في وصف الحمام إلى ذكر الهدير مع العب فإنهما متلازمان
ولهذا اقتصر الشافعي رضي الله عنه على العب ويدخل في اسم الحمام اليمام التي تألف البيوت والقمري والفاختة والدبسي والقطاة

فرع يفدى الكبير من الصيد بالكبير من مثله من النعم والصغير
والمريض بالمريض والمعيب بالمعيب إذا اتحد جنس العيب كالعور والعور
وإن اختلف كالعور والجرب فلا
وإن كان عور أحدهما في اليمين والآخر في اليسار ففي إجزائه وجهان
الصحيح الإجزاء وبه قطع العراقيون لتقاربهما
ولو قابل المريض بالصحيح أو المعيب بالسليم فهو أفضل
وإن فدى الذكر بالأنثى فطرق
أصحها على قولين
أظهرهما الإجزاء
والطريق الثاني القطع بالجواز
والثالث إن أراد الذبح لم يجز
وإن أراد التقويم جاز لأن قيمة الأنثى أكثر ولحم الذكر أطيب
والرابع إن لم تلد الأنثى جاز وإلا فلا
فإن جوزنا الأنثى فهل هي أفضل فيه وجهان
قلت أصحهما تفضيل الذكر للخروج من الخلاف
والله أعلم
وإن فدى الأنثى بالذكر فوجهان
وقيل قولان قلت أصحهما الإجزاء وصححه البندنيجي
والله أعلم
فإذا تأملت ما ذكرنا من كلام الأصحاب وجدتهم طاردين الخلاف مع نقص اللحم
وقال الإمام الخلاف فيما إذا لم ينقص اللحم في القيمة ولا في الطيب فإن كان واحد من هذين النقصين لم يجز بلا خلاف

فرع لو قتل صيدا حاملا قابلناه بمثله حاملا

ولا يذبح الحامل بل يقوم لمثل حاملا ويتصدق بقيمته طعاما
وفيه وجه أنه يجوز ذبح حائل نفيسة بقيمة حامل وسط ويجعل التفاوت بينهما كالتفاوت بين الذكر والأنثى ولو ضرب بطن صيد حامل فألقى جنبنا ميتا نظر إن ماتت الأم أيضا فهو كقتل الحامل وإلا ضمن ما نقصت الأم ولا يضمن الجنين بخلاف جنين الأمة يضمن بعشر قيمة الأم لأن الحمل يزيد في قيمة البهائم وينقص الآدميات فلا يمكن اعتبار التفاوت في الآدميات وإن ألقت جنينا حيا ثم ماتا ضمن كل واحد منهما بانفراده
وإن مات الولد وعاشت الأم ضمن الولد بانفراد وضمن نقص الأم
فرع قال الشافعي رحمه الله في المختصر إن جرح ظبيا نقص عشر
فعليه عشر قيمة شاة
وقال المزني تخريجا عليه عشر شاة
قال جمهور الأصحاب الحكم ما قاله المزني وإنما ذكر الشافعي القيمة لأنه قد لا يجد شريكا في ذبح شاة فأرشده إلى ما هو أسهل فإن جزاء الصيد على التخيير
فعلى هذا هو مخير إن شاء أخرج العشر وإن شاء صرف قيمته في طعام وتصدق به وإن شاح صام عن كل مد يوما
ومنهم من جرى على ظاهر النص وقال الواجب عشر القيمة
وجعل في المسألة قولين المنصوص وتخريج المزني
فعلى هذا إذا قلنا بالمنصوص فأوجه أصحها تتعين الصدقة بالدراهم
والثاني لا تجزئه الدراهم بل يتصدق بالطعام أو يصوم

والثالث يتخير بين عشر المثل وبين إخراج الدراهم
والرابع إن وجد شريكا في الدم أخرجه ولم تجزئه الدراهم وإلا أجزأته
هذا في الصيد المثلي
وأما غير المثلي فالواجب ما نقص من قيمته قطعا
قلت لو قتل نعامة فأراد أن يعدل عن البدنة إلى بقرة أو سبع شياه لم يجز على الأصح ذكره في البحر
والله أعلم

فرع لو جرح صيدا فاندمل جرحه وصار زمنا فوجهان

أصحهما يلزمه جزاء كامل كما لو أزمن عبدا لزمه كل قيمته
والثاني أرش النقص
وعلى هذا يجب قسط من المثل أو من قيمة المثل فيه الخلاف السابق في الفرع قبله
ولو جاء محرم آخر فقتله بعد الاندمال أو قبله فعليه جزاؤه زمنا ويبقي الجزاء على الأول بحاله
وقيل إن أوجبنا جزاء كاملا عاد هنا إلى قدر النقص لأنه يبعد إيجاب جزاءين لمتلف واحد
ولو عاد المزمن فقتله نظر إن قتله قبل الاندمال لزمه جزاء واحد
كما لو قطع يدي رجل ثم قتله فعليه دية
وفي وجه أن أرش الطرف ينفرد عن دية النفس فيجيء مثله هنا
وإن قتله بعد الاندمال أفرد كل واحد بحكمه
ففي القتل جزاؤه زمنا وفيما يجب بالإزمان الخلاف السابق
وإذا أوجبنا بالإزمان جزاءا كاملا وكان للصيد امتناعان كالنعامة تمتنع بالعدو وبالجناح فأبطل أحد امتناعيه فوجهان
أحدهما يتعدد الجزاء لتعدد الامتناع
وأصحهما لا لاتحاد الممتنع
وعلى هذا فما الواجب قال الإمام الغالب على الظن أنه يعتبر ما نقص لأن امتناع النعامة في الحقيقة واحد إلا أنه يتعلق بالرجل والجناح فالزائل بعض الامتناع

فرع جرح صيدا فغاب ثم وجد ميتا ولم يدر أمات بجراحته
يلزمه جزاء كامل أم أرش الجرح فقط قولان
قلت أظهرهما الثاني
والله أعلم
فرع إذا اشترك محرمون في قتل صيد حرمي أو غيره لزمهم جزاء

ولو قتل القارن صيدا لزمه جزاء واحد
وكذا لو ارتكب محظورا آخر فعليه فدية واحدة
ولو اشترك محرم وحلال في قتل صيد لزم المحرم نصف الجزاء ولا شىء على الحلال
فرع قد سبق أنه يحرم على المحرم أكل الصيد الذي ذبحه وكذا
عليه أكل ما اصطاده له حلال أو بإعانته أو بدلالته بلا خلاف
فإن أكل منه فقولان
الجديد لا جزاء عليه
والقديم يلزمه القيمة بقدر ما أكل
ولو أكل المحرم ما ذبحه بنفسه لم يلزمه لأكله بعد الذبح شىء آخر بلا خلاف كما لا يلزمه في أكل صيد المحرم بعد الذبح شىء آخر

فرع يجوز للمحرم أكل صيد ذبحه الحلال إذا لم صده له
أو إعانته ولا جزاء عليه قطعا
فصل صيد حرم مكة حرام على المحرم والحلال

وبيان المحرم منه وما يجب به الجزاء وقدر الجزاء يقاس بما سبق في صيد الإحرام
ولو أدخل حلال الحرم صيدا مملوكا كان له إمساكه وذبحه والتصرف فيه كيف شاء كالنعم لأنه صيد حل
ولو رمى من الحل صيدا في الحرم أو من الحرم صيدا في الحل أو أرسل كلبا في الصورتين أو رمى صيدا بعضه في الحل وبعضه في الحرم والاعتبار بقوائمه لا بالرأس أو رمى حلال إلى صيد فأحرم قبل أن يصيبه أو رمى محرم إليه فتحلل قبل أن يصيبه لزمه الضمان في كل ذلك
قلت هذا الذي ذكره فيما إذا كان بعضه في الحرم هو الأصح
وذكر الجرجاني في المعاياة فيه ثلاثة أوجه
أحدها لا يضمنه لأنه لم يكمل حرميا
والثاني إن كان أكثره في الحرم ضمنه وإن كان أكثره في الحل فلا
والثالث إن كان خارجا من الحرم إلى الحل ضمنه وإن كان عكسه فلا
والله أعلم

ولو رمى من الحل صيدا في الحل فقطع السهم في مروره هواء الحرم فوجهان
أحدهما لا يضمن كما لو أرسل كلبا في الحل على صيد في الحل فتخطى طرف الحرم فإنه لا يضمن
وأصحهما يضمن بخلاف الكلب لأن للكلب اختيارا بخلاف السهم
ولهذا قال الأصحاب لو رمى صيدا في الحل فعدا الصيد فدخل الحرم فأصابه السهم وجب الضمان
وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب
ولو رمى صيدا في الحل فلم يصبه وأصاب صيدا في الحرم وجب الضمان
وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب
ثم في مسألة إرسال الكلب وتخطيه طرف الحرم إنما لا يجب الضمان إذا كان للصيد مفر آخر
فأما إذا تعين دخوله الحرم عند الهرب فيجب الضمان قطعا سواء كان المرسل عالما بالحال أو جاهلا غير أنه لا يأثم الجاهل

فرع لو أخذ حمامة في الحل أو أتلفها فهلك فرخها في الحرم
يضمنها
ولو أخذ الحمامة من الحرم أو قتلها فهلك فرخها في الحل ضمن الحمامة والفرخ جميعا كما لو رمى من الحرم إلى الحل
ولو نفر صيدا حرميا عامدا أو غير عامد تعرض للضمان
حتى لو مات بسبب التنفير بصدمة أو أخذ سبع لزمه الضمان
وكذا لو دخل الحل فقتله حلال فعلى المنفر الضمان
بخلاف ما لو قتله محرم فإن الجزاء عليه تقديما للمباشرة

فرع لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا لزمه الضمان

وقال صاحب المهذب يحتمل أن لا يلزمه
فصل قطع نبات الحرم حرام كاصطياد صيده

وهل يتعلق به الضمان قولان
أظهرهما نعم
والقديم لا
ثم النبات شجر وغيره
أما الشجر فيحرم التعرض بالقلع والقطع لكل شجر رطب غير مؤذ حرمي
فيخرج بقيد الرطب اليابس فلا شىء في قطعه كما لو قد صيدا ميتا نصفين
وبقيد غير مؤذ العوسج وكل شجرة ذات شوك فإنها كالحيوان المؤذي فلا يتعلق بقطعها ضمان على الصحيح الذي قطع به الجمهور
وفي وجه اختاره صاحب التتمة أنها مضمونة لإطلاق الخبر ويخالف الحيوان فإنه يقصد بالأذية
ويخرج بقيد الحرمي أشجار الحل فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحل محافظة على حرمتها
ولو نقل فعليه ردها بخلاف ما لو نقل من بقعة من الحرم إلى أخرى لا يؤمر بالرد
وسواء نقل أشجار الحرم أو أغصانها إلى الحل أو إلى الحرم ينظر إن يبست لزمه الجزاء
وإن نبتت في الموضع المنقول إليه فلا جزاء عليه
فلو قلعها قالع لزمه الجزاء إبقاء لحرمة الحرم
ولو قلع شجرة من الحل وغرسها في الحرم فنبتت لم يثبت لها حكم الحرم بخلاف الصيد يدخل الحرم فيجب الجزاء بالتعرض له لأن الصيد ليس بأصل ثابت فاعتبر مكانه
والشجر أصل ثابت فله حكم منبته

حتى لو كان أصل الشجرة في الحرم وأغصانها في الحل فقطع من أغصانها شيئا وجب الضمان للغصن
ولو كان عليه صيد فأخذه فلا ضمان
وعكسه لو كان أصلها في الحل وأغصانها في الحرم فقطع غصنا منها فلا شىء عليه
ولو كان عليه صيد فأخذه لزمه ضمانه
قلت قال صاحب البحر لو كان بعض أصل الشجرة في الحل وبعضه في الحرم فلجميعها حكم الحرم
قال بعض أصحابنا لو انتشرت أغصان الشجرة الحرمية ومنعت الناس الطريق أو آذتهم جاز قطع المؤذي منها
والله أعلم

فرع إذا أخذ غصنا من شجرة حرمية ولم يخلف فعليه ضمان النقصان
سبيل جرح الصيد
وإن أخلف في تلك السنة لكون الغصن لطيفا كالسواك وغيره فلا ضمان
وإذا أوجبنا الضمان فنبت وكان المقطوع مثله ففي سقوط الضمان قولان كالقولين في السن إذا نبت بعد القلع
فرع يجوز أخذ أوراق الأشجار لكن لا يخبطها مخافة من أن يصيب

فرع يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة وإن شاء ببدنة وما دونها بشاة والمضمونة

بشاة ما كانت قريبة من سبع الكبيرة فإن صغرت جدا فالواجب القيمة
ثم ذلك كله على التعديل والتخيير كالصيد

فرع هل يعم التحريم والضمان من الأشجار ما ينبت بنفسه وما يستنبت
أم يختص بالضرب الأول فيه طريقان
أصحهما على قولين
أظهرهما عند العراقيين والأكثرين من غيرهم التعميم
والثاني التخصيص وبه قطع الإمام والغزالي
والطريق الثاني القطع بالتعميم
فإذا قلنا بالتخصيص زاد قيد آخر وهو كون الشجر مما ينبت بنفسه
وعلى هذا يحرم الأراك والطرفاء وغيرهما من أشجار البوادي
وأدرج الإمام فيه العوسج لكنه ذو شوك وقد سبق بيانه
ولا تحرم المستنبتات مثمرة كانت كالنخل والعنب أو غير مثمرة كالخلاف
وعلى هذا القول لو نبت ما يستنبت أو عكسه فالصحيح الذي قاله الجمهور أن الاعتبار بالجنس فيجب الضمان في الثاني دون الأول
وقيل الاعتبار بالقصد فينعكس
أما غير الأشجار فكلأ الحرم يحرم قطعه
فإن قلعه لزمه القيمة إن لم يخلف
فإن أخلف فلا قيمة قطعا لأن الغالب هنا الإخلاف كسن الصبي
فلو كان يابسا فلا شىء في قطعه كما سبق في الشجر
فلو قلعه لزمه الضمان لأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا ذكره في التهذيب
ويجوز تسريح البهائم في حشيشه لترعى
ولو أخذ الحشيش لعلف البهائم جاز على الأصح
ويستثنى من المنع الإذخر فإنه يجوز لحاجة السقوف وغيرها للحديث الصحيح

ولو احتيج إلى شىء من نبات الحرم للدواء جاز قطعه على الأصح

فرع يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع ولا يكره
ماء زمزم
قال الشيخ أبو الفضل بن عبدان ولا يجوز قطع شىء من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما تفعله العامة يشترونه من بني شيبة وربما وضعوه في أوراق المصاحف
ومن حمل منه شيئا لزمه رده
قلت الأصح أنه لا يجوز إخراج تراب الحرم ولا أحجاره إلى الحل
ويكره إدخال تراب الحل وأحجاره الحرم
وبهذا قطع صاحب المهذب والمحققون من أصحابنا
وأما ستر الكعبة فقد قال الحليمي رحمه الله أيطا لا ينبغي أن يؤخذ منها شىء
وقال صاحب التلخيص لا يجوز بيع أستار الكعبة
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله بعد أن ذكر قول ابن عبدان والحليمي الأمر فيها إلى الإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء واحتج بما رواه الأزرقي صاحب كتاب مكة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كروة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج
وهذا الذي اختاره الشيخ حسن متعين لئلا يتلف بالبلى وبه قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم قالوا ويلبسها من صارت إليه من جنب وحائض وغيرهما
ولا يجوز أخذ طيب الكعبة فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه
والله أعلم
فصل لا يتعرض لصيد حرم المدينة وشجره وهو حرام على المذهب
وحكي قول

ووجه أنه مكروه
فإذا حرمناه ففي الضمان قولان
الجديد لا يضمن
والقديم يضمن
وفي ضمانه وجهان
أحدهما كحرم مكة
وأصحهما أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر
وفي المراد بالسلب وجهان
الصحيح وبه قطع الأكثرون كسلب القتيل من الكفار
والثاني ثيابه فقط
وفي مصرفه أوجه
الصحيح أنه للسالب كالقتيل
والثاني لفقراء المدينة
والثالث لبيت المال
واعلم أن ظاهر الحديث وكلام الأئمة أنه يسلب إذا اصطاد ولا يشترط الإتلاف
وقال إمام الحرمين لا أدري أيسلب إذا أرسل الصيد أم لا يسلب حتى يتلفه قلت ذكر صاحب البحر وجهين في أنه هل يترك للمسلوب من ثيابه ما يستر عورته واختار أنه يترك وهو قول صاحب الحاوي وهو الأصوب
والله أعلم

فصل وج واد بصحراء الطائف وصيده حرام على المذهب

وقيل في تحريمه وكراهته خلاف
فعلى التحريم قيل حكمه في الضمان كحرم المدينة
والصحيح الذي قطع به صاحب التلخيص والأكثرون أنه لا ضم فيه قطعا
فصل النقيع
بالنون وقيل بالباء ليس بحرم ولكن حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة ونعم الجزية فلا يحرم صيده لكن لا تملك أشجاره ولا حشيشه

وفي وجوب ضمانهما على متلفهما وجهان
أحدهما لا كصيده
وأصحهما يجب لأنه ممنوع بخلاف الصيد
فعلى هذا ضمانهما بالقيمة ومصرفهما مصرف نعم الجزية والصدقة
قلت ينبغي أن يكون مصرفه بيت المال
والله أعلم

فصل المحظورات تنقسم إلى استهلاك كالحلق وإلى استمتاع كالطيب

وإذا باشر محظورين
فله أحوال
أحدها أن يكون أحدهما استهلاكا والآخر استمتاعا فينظر إن لم يستند إلى سبب واحد كحلق الرأس ولبس القميص تعددت الفدية كالحدود المختلفة
وإن استند إلى سبب كمن أصابت رأسه شجة واحتاج إلى حلق جوانبها وسترها بضماد فيه طيب تعددت أيضا على الأصح
والثاني تتداخل
الحال الثاني أن يكونا استهلاكا وهذا ثلاثة أضرب
أحدها أن يكون مما يقابل بمثله وهو الصيود فتعدد الفدية سواء فدى عن الأول أم لا اتحد المكان أو اختلف وإلى بينهما أو فرق كضمان المتلفات
الضرب الثاني أن يكون أحدهما مما يقابل بمثله والآخر ليس مقابلا كالصيد والحلق فحكمه حكم الضرب الأول بلا خلاف
الضرب الثالث أن لا يقابل واحد منهما فينظر إن اختلف نوعهما كالحلق والقلم تعددت سواء فرق أو والى في مكان أو مكانين بفعلين أم بفعل كمن لبس ثوبا مطيبا فإنه يلزمه فديتان
وفي هذه الصورة وجه ضعيف أنه فدية واحدة

قلت الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أن من لبس ثوبا مطيبا وطلى رأسه بطيب ستره بكفيه فعليه فدية واحدة لاتحاد الفعل وتبعية الطيب
والله أعلم
وإن اتحد النوع بأن حلق فقط فقد سبق أن حلق ثلاث شعرات فيه فدية كاملة
ولو حلق جميع الرأس دفعة في مكان واحد ففديه فقط
ولو حلق شعر رأسه وبدنه متواصلا ففدية على الصحيح
وقال الأنماطي فديتان
ولو حلق رأسه في مكانين أو مكان في زمانين متفرقين فالمذهب التعدد
وقيل هو كما لو اتحد نوع الاستمتاع واختلف المكان أو الزمان وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أمكنة أو ثلاثة أزمنة متفرقة فإن قلنا كل شعرة تقابل بثلث دم فلا فرق بين حلقها دفعة أو دفعات
وإن قلنا الشعرة بمد أو درهم والشعرتان بمدين أو درهمين بني على الخلاف الذي ذكرناه الآن
فإن لم نعدد الفدية فيما إذا حلق افرأس في دفعات ولم نجعل لتفرق الزمان أثرا فالواجب دم
وإن عددنا وجعلنا التفريق مؤثرا قطعنا حكم كل شعرة عن الأخريين وأوجبنا ثلاثة أمداد في قول وثلاثة دراهم في قول
الحال الثالث أن يكون استمتاعا
فإن اتحد النوع بأن تطيب بأنواع من الطيب أو ليس أنواعا كالعمامة والقميص والسراويل والخف أو نوعا واحدا مرة بعد أخرى نظر إن فعل ذلك في مكان على التوالي لم تتعدد الفدية ولا يقدح في التوالي طول الزمان في مضاعفة القمص وتكوير العمامة
وإن فعل ذلك في مكانين أو مكان وتخلل زمان نظر إن لم يتخلل التكفير فقولان
الجديد يجب للثاني فدية أخرى
والقديم يتداخل
فإن قلنا بالجديد فجمعهما سبب واحد بأن تطيب أو لبس مرارا لمرض واحد فوجهان

أصحهما التعدد
وإن تحلل وجبت فدية أخرى بلا خلاف
فإن كان نوى بما أخرجه الماضي والمستقبل جميعا بني على جواز تقديم الكفارة على الحنث المحظور
إن قلنا لا يجوز فلا أثر لهذه النية
وإن جوزناه فوجهان
أحدهما أن الفدية كالكفارة في جواز التقديم فلا يلزمه للثاني شىء
والثاني المنع
أما إذا اختلف النوع بأن لبس وتطيب فالأصح التعدد وإن اتحد الزمان والمكان والسبب
والثاني التداخل
والثالث إن اتحد السبب تداخل وإلا فلا
هذا كله في غير الجماع فإن تكرر الجماع فقد سبق حكمه
قلت لا يتعدد الجزاء بتعدد جهة التحريم إذا اتحد الفعل كما سبق في محرم قتل صيدا حرميا وأكله لزمه جزاء واحد
ولو باشر امرأته مباشرة توجب شاة لو انفردت ثم جامعها ففي وجه يكفيه البدنة عنهما
ووجه تجب شاة وبدنة
ووجه إن قصد بالمباشرة الشروع في الجماع فبدنة وإلا فشاة وبدنة
ووجه إن طال الفصل فشاة وبدنة وإلا فبدنة
والأول أصح
والله أعلم

باب موانع إتمام الحج
بعد الشروع فيه هي ستة نواع
الأول الإحصار فإذا أحصر العدو المحرمين عن المضي في الحج من جميع الطرق كان لهم أن يتحللوا
فإن كان الوقت واسعا فالأفضل أن لا يعجل التحلل فربما زال المنع فأتم الحج
وإن كان الوقت ضيقا فالأفضل تعجيل التحلل لئلا يفوت الحج
ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الإحصار
ولو

منعوا ولم يتمكنوا من المضي إلا ببذل مال فلهم التحلل ولا يبذلون المال وإن قل بل يكره البذل إن كان الطالبون كفارا لما فيه من الصغار
وإن احتاجوا إلى قتال ليسيروا نظر إن كان المانعون مسلمين فلهم التحلل ولا يلزمهم القتال وإن قدروا عليه
وإن كانوا كفارا فقيل يلزمهم قتالهم إن لم يزد عدد الكفار على الضعف
وقال إمام الحرمين هذا الإطلاق ليس بمرضي بل شرطه وجدانهم السلاح وأهبة القتال
فإن وجدوا فلا سبيل إلى التحلل
والصحيح الذي قاله الأكثرون أنه لا يجب القتال وإن كان في مقابلة كل مسلم أكثر من كافرين لكن إن كان بالمسلمين قوة فالأولى أن يقاتلوهم نصرة للإسلام وإتماما للحج
وإن كان بالمسلمين ضعف فالأولى أن يتحللوا وعلى كل حال لو قاتلوا فلهم لبس الدروع والمغافر وعليهم الفدية كمن لبس لحر أو برد

فرع ما ذكرناه من جواز التحلل بلا خلاف هو فيما إذا منعوا
دون الرجوع
فأما لو أحاط بهم العدو من الجوانب كلها فوجهان
وقيل قولان
أصحهما جواز التحلل أيضا
والثاني لا إذ لا يحصل به أمن
فصل ليس للمحرم التحلل بعذر المرض بل يصبر حتى يبرأ

فإن كان محرما بعمرة أتمها
وإن كان بحج وفاته تحلل بعمل عمرة لأنه لا يستفيد بالتحلل زوال المرض بخلاف المحصر
هذا إذا لم يشرط التحلل بالمرض
فإن شرط أنه إذا مرض تحلل فطريقان
قال الجمهور يصح الشرط

في القديم
وفي الجديد قولان
أظهرهما الصحة
والثاني المنع
والطريق الثاني قاله الشيخ أبو حامد وغيره القطع بالصحة لصحة الحديث فيه ولو شرط التحليل لغرض اخر كضلال الطريق
وفراغ النفقة والخطأ في العدد فهو كالمرض على المذهب
وقييل لا يصح قطعا وحيث صححنا الشرط فتحلل فإن كان اشترط التحلل بالهدي لزمه الهدي
وإن كان شرط التحلل بلا هدي لم يلزمه الهدي
وإن أطلق لم يلزمه على الأصح
ولو شرط أن يقلب حجه عمرة عند المرض فهو أولى بالصحة من شرط التحلل ونص عليه
ولو قال إذا مرضت فأنا حلال فيصير حلالا بنفس المرض أم لا بد من التحلل فيه وجهان
المنصوص الأول فصل يلزم من تحلل بالإحصار دم شاة إن لم يكن سبق منه شرط
فإن كان شرط عند إحرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط في إسقاط الدم طريقان
أحدهما على وجهين كما سبق فيمن تحلل بشرط المرض
وأصحهما القطع بأنه لا يؤثر لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط فشرطه لاغ

فرع اختلف القول في أن دم الإحصار هل له بدل وما بدله
أم التخيير وسيأتي إيضاح هذا كله في الباب الآتي إن شاء الله تعالى

فإن قلنا لا بدل وكان واجدا لدم ذبحه ونوى التحلل عنده
وإنما اشترطت النية لأن الذبح قد كون للتحلل ولغيره فيشترط قصد صارف
وإن لم يجد الهدي لإعساره أو غير ذلك فهل يتحلل في الحال أم يتوقف التحلل على وجوده قولان
أظهرهما التحلل في الحال ولا بد من نية التحلل
وهل يجب الحلق إن قلنا هو نسك فنعم وإلا فلا
والحاصل أنا إن اعتبرنا الذبح والحلق مع النية فالتحلل بالثلاثة
وإن لم نعتبر الذبح حصل بالنية مع الحلق على الأظهر وبالنية وحدها على الآخر وهو قولنا الحلق ليس بنسك
وإن قلنا لدم الإحصار بدل فإن كان يطعم توقف التحلل عليه كتوقفه على الذبح
وإن كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف
ومنع التوقف هنا أولى للمشقة في الصبر على الإحرام لطول مدة الصوم

فرع لا يشترط بعث دم الإحصار إلى الحرم بل يذبحه حيث أحصر
وكذا ما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار وما معه من هدي ويفرق لحومها على مساكين ذلك الموضع
هذا إن صد عن الحرم
فإن صد عن البيت دون أطراف الحرم فهل له الذبح في الحل وجهان
أصحهما الجواز
المانع الثاني الحصر الخاص الذي يتفق لواحد أو شرذمة من الرفقة
فينظر إن لم يكن المحرم معذورا فيه كمن حبس في دين يتمكن من أدائه فليس له التحلل بل عليه أن يؤدي ويمضي في حجه
فإن فاته الحج في الحبس لزمه أن يسير إلى مكة ويتحلل بعمل عمرة
وإن كان معذورا كمن حبسه السلطان ظلما أو بدين لا يتمكن من أدائه جاز له التحلل على المذهب وبه قطع العراقيون وقال المراوزة في جواز التحلل قولان
أظهرهما الجواز

المانع الثالث الرق
فإحرام العبد ينعقد بإذن سيده وبغير إذنه
فإن أحرم بإذنه لم يكن له تحليله سواء بقي نسكه صحيحا أو أفسده
ولو باعه والحالة هذه لم يكن للمشتري تحليله وله الخيار إن جهل إحرامه فإن أحرم بغير إذنه فالأولى أن يأذن له في إتمام نسكه
فإن حلله جاز على المذهب وبه قطع الجمهور
وحكى ابن كج وجها أنه ليس له تحليله لأنه يلزمه بالشروع تخريجا من أحد القولين في الزوجة إذا أحرمت بحج التطوع وهذا شاذ منكر
قلت قال الجرجاني في المعاياة ولو باعه والحالة هذه فللمشتري تحليله كالبائع ولا خيار له
والله أعلم
ولو أذن له في الإحرام فله الرجوع قبل الإحرام
فإن رجع ولم يعلم العبد فأحرم فله تحليله على الأصح
ولو أذن له في العمرة فأحرم بالحج فله تحليله ولو كان بالعكس لم يكن له تحليله
قاله في التهذيب
وظني أنه لا يسلم عن الخلاف
قلت ذكر الدارمي في الصورتين وجهين لكن الأصح قول صاحب التهذيب
والله أعلم
ولو أذن له في التمتع فله منعه من الحج بعد تحلله من العمرة وليس له تحليله عن العمرة ولا عن الحج بعد الشروع
ولو أذن في الحج أو التمتع فقرن لم يجز تحليله
ولو أذن أن يحرم في ذي القعدة فأحرم في شوال فله تحليله قبل دخول ذي القعدة وبعد دخوله فلا
وإذا أفسد العبد حجه بالجماع لزمه القضاء
وهل يجزئه القضاء في الرق فيه قولان كما سبق في الصبي
فإن قلنا يجزىء لم يلزم السيد أن يأذن له فيه إن كان إحرامه الأول من غير إذنه وكذا إن كان بإذنه على الأصح
وكل دم لزمه بفعل محظور كاللباس والصيد أو بالفوات لم يلزمه السيد بحال سواء أحرم بإذنه أم بغير إذنه

ثم العبد لا ملك له حتى يتحلل بذبح
فإن ملكه السيد فعلى القديم يملك فيلزم إخراجه
وعلى الجديد لا يملك ففرضه الصوم وللسيد منعه منه في حال الرق إن كان أحرم بغير إذنه وكذا بإذنه على الأصح لأنه لم يأذن في موجبه
ولو قرن أو تمتع بغير إذن سيده فحكم دم القران والتمتع حكم دماء المحظورات
وإن قرن أو تمتع بإذنه فهل يجب الدم على السيد الجديد أنه لا يجب
وفي القديم قولان بخلاف ما لو أذن له في النكاح فإن السيد يكون ضامنا للمهر على القديم قولا واحدا لأنه لا بدل للمهر وللدم بدل وهو الصوم والعبد من أهله
وعلى هذا لو أحرم بإذن السيد فأحصر وتحلل فإن قلنا لا بدل لدم الإحصار صار السيد ضامنا على القديم قولا واحدا
وإن قلنا له بدل ففي صيرورته ضامنا له في القديم قولان
وإذا لم نوجب الدم على السيد فالواجب على العبد الصوم وليس لسيده منعه منه على الأصح لإذنه في سببه
ولو ملك السيد هديا وقلنا يملكه أراقه وإلا لم تجز إراقته
ولو أراقه السيد عنه فهو على هذين القولين
ولو أراق عنه بعد موته جاز قولا واحدا لأنه حصل اليأس من تكفيره
والتمليك بعد الموت ليس بشرط
ولهذا لو تصدق عن ميت جاز
ولو عتق العبد قبل صومه ووجد هديا فعليه الهدي إن اعتبرنا في الكفارة حال الأداء أو الأغلظ
وإن اعتبرنا حال الوجوب فله الصوم
وهل له الهدي قولان

فرع حيث جوزنا للسيد تحليله أردنا أنه يأمره بالتحلل لا أنه يستقل
بما يحصل

به التحلل إذ غايته أن يستخدمه ويمنعه المضي ويأمره بفعل المحظورات أو يفعلها به ولا يرتفع الإحرام بشىء من هذا
وإذا جاز للعبد تحليله جاز للعبد التحلل
ثم إن ملكه السيد هديا وقلنا يملك ذبح ونوى التحلل أو حلق ونوى التحلل وإلا فطريقان
أحدهما أنه كالحر فيتوقف تحلله على وجود الهدي إن قلنا لا بدل لدم الإحصار أو على الصوم إن قلنا له بدل
كل هذا على أحد القولين
وعلى أظهرهما لا يتوقف بل يكفيه نية التحلل والحلق إن قلنا نسك
والطريق الثاني القطع بهذا القول الثاني
وهذا الطريق هو الأصح عند الأصحاب لعظم المشقة في انتظار العتق ولأن منافعه لسيده وقد يستعمله في محظورات الإحرام

فرع أم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة ومن بعضه حر كالقن
ولو أحرم المكاتب بغير إذن المولى فقيل في جواز تحليله قولان كمنعه من سفر التجارة
وقيل له تحليله قطعا لأن للسيد منفعة في سفر التجارة
فرع ينعقد نذر الحج من العبد وإن لم يأذن له السيد على
في ذمته
فلو أتى به في حال الرق هل يجزئه وجهان
قلت الأصح
يجزئه
والله أعلم
المانع الرابع الزوجية
يستحب للمرأة أن لا تحرم بغير إذن زوجها

ويستحب له الحج بها
فلو أرادت أداء فرض حجها فللزوج منعها على الأظهر
والثاني ليس له بل لها أن تحرم بغير إذنه
ومنهم من قطع بهذا والمذهب الأول
ولو أحرمت بغير إذنه إن قلنا ليس له منعها لم يملك تحليلها وإلا فيملكه على الأظهر
وأما حج التطوع فله منعها منه
فإن أحرمت به فله تحليلها على المذهب وقييل قولان
وحيث قلنا يحللها
فمعناه يأمرها به كما سبق في العبد
وتحللها كتحلل الحر المحصر سواء
ولو لم تتحلل فللزوج أن يستمتع بها والإثم عليها كذا حكاه الإمام عن الصيدلاني ثم توقف فيه الإمام

فرع لو كانت مطلقة فعليه حبسها للعدة وليس لها التحلل إلا أن
رجعية فيراجعها ويحللها
فرع الأم المزوجة ليس لها الإحرام إلا بإذن الزوج والسيد جميعا
المانع الخامس منع الأبوين فمن له أبوان أو أحدهما يستحب أن لا يحج إلا بإذنهما أو بإذنه
ولكل منهما منعه من الإحرام بالتطوع على المذهب
وحكي فيه وجه شاذ
وهل لهما تحليله قولان سبق نظيرهما
وأما حج الفرض فليس لهما منعه من الإحرام به على المذهب وبه قطع الجمهور
وقيل قولان كالزوجة فإن أحرم به فلا منع بحال وحكي فيه وجه شاذ منكر

المانع السادس الدين
فمن عليه دين حال وهو موسر يجوز لمستحق الدين منعه من الخروج وحبسه
فإن أحرم فليس له التحلل كما سبق بل عليه قضاء الدين والمضي فيه
وإن كان معسرا فلا مطالبة ولا منع وكذا لا منع لو كان الدين مؤجلا لكن يستحب أن لا يخرج حتى يوكل من يقضي الدين عند حلوله

فصل إذا تحلل المحصر
فإن كان نسكه تطوعا فلا قضاء وإلا فإن مستقرا كحجة الإسلام في السنة الأولى من سني الإمكان فلا حج عليه إلا أن تجتمع شروط الاستطاعة بعد ذلك
وإن كان مستقرا كحجة الإسلام فيما بعد السنة الأولى من سني الإمكان وكالقضاء والنذر فهو باق في ذمته
ثم ما ذكرناه من نفي القضاء هو في الحصر العام
فأما الخاص فالأصح أنه كالعام
وقيل يجب فيه القضاء
فرع لو صد عن طريق وهناك طريق آخر نظر إن تمكن من
شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه سواء طال هذا الطريق أم قصر سواء رجا الإدراك أم خاف الفوات أم تيقنه بأن أحصر في ذي الحجة وهو بالعراق مثلا فيجب المضي والتحلل بعمل عمرة ولا يجوز التحلل بحال وإذا سلكه كما أمرناه ففاته الحج لطول الطريق الثاني أو خشونته أو غيرهما مما يحصل الفوات بسببه لم يلزمه القضاء على الأظهر لأنه

محصر ولعدم تقصيره
والثاني يلزمه كما لو سلكه ابتداء ففاته بضلال الطريق ونحوه
ولو استوى الطريقان من كل وجه وجب القضاء قطعا لأنه فوات محض
وإن لم يتمكن من سلوك الطريق الآخر فهو كالصد المطلق
ولو أحصر فصابر الإحرام متوقعا زواله ففاته الحج والإحصار دائم تحلل بعمل عمرة وفي القضاء طريقان
أصحهما طرد القولين فيمن فاته لطول الطريق الثاني
والطريق الثاني القطع بوجوب القضاء فإنه تسبب بالمصابرة في الفوات

فرع لا فرق في جواز التحلل بالإحصار بين أن يتفق قبل الوقوف
بعده ولا بين الإحصار عن البيت فقط أو عن الموقف فقط أو عنهما
ثم إن كان قبل الوقوف وأقام على إحرامه إلى أن فاته الحج فإن أمكنه التحلل بالطواف والسعي لزمه وعليه القضاء والهدي للفوات
وإن لم يزل الحصر تحلل بالهدي وعليه مع القضاء هديان
أحدهما للفوات والآخر للتحلل
وإن كان الإحصار بعد الوقوف فإن تحلل فذاك
وهل يجوز البناء لو انكشف الإحصار فيه الخلاف السابق
الجديد لا يجوز
والقديم يجوز
ويحرم إحراما ناقصا ويأتي ببقية الأعمال
وعلى هذا لو لم يبن مع الإمكان وجب القضاء
وقيل فيه وجهان
وإن لم يتحلل حتى فاته الرمي والمبيت فهو فيما يرجع إلى وجوب الدم لفواتهما كغير المحصر
وبماذا يتحلل بني على أن الحلق نسك أم لا وأن فوات زمن الرمي كالرمي أم لا وقد سبق بيانهما
فإن قلنا فوات وقت الرمي كالرمي وقلنا الحلق نسك حلق وتحلل التحلل الأول
وإن قلنا ليس بنسك حصل التحلل الأول بمضى زمن الرمي وعلى التقديرين فالطواف باق عليه
فمتى أمكنه طاف فيتم حجه
ثم إذا تحلل بالإحصار الواقع بعد

الوقوف فالمذهب أنه لا قضاء عليه وبه قطع العراقيون
وحكى صاحب التقريب في وجوب القضاء قولين وطردهما في كل صورة أتى فيها بعد الإحرام بنسك لتأكد الإحرام بذلك النسك
ولو صد عن عرفات ولم يصد عن مكة فيدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة
وفي وجوب القضاء قولان سبقا

فصل في حكم فوات الحج
فواته بفوات الوقوف وإذا فات تحلل بالطواف والسعى والحلق والطواف لا بد منه قطعا
وكذا السعي على المذهب إن لم يكن سعي عقيب طواف القدوم
وفي قول لا حاجة إلى السعي
ومنهم من أنكر هذا القول
وأما الحلق فيجب إن قلنا هو نسك وإلا فلا
ولا يجب الرمي والمبيت بمنى وإن بقي وقتهما
وقال المزني والاصطخري يجب
ثم إذا تحلل بأعمال العمرة لا ينقلب حجه عمرة ولا يجزئه عن عمرة الإسلام
وفي وجه ينقلب عمرة وهو شاذ
ثم من فاته الحج إن كان حجه فرضا فهو باق في ذمته كما كان
وإن كان تطوعا لزمه قضاؤه كما لو أفسده
وفي وجوب الفور في القضاء الخلاف السابق في الإفساد
ولا يلزمه قضاء عمرة مع الحج عندنا ويلزم مع القضاء للفوات دم واحد وفيه قول مخرج أنه يلزمه دمان
أحدهما للفوات
والآخر لأنه في معنى المتمتع من حيث أنه تحلل بين النسكين
ولا فرق بين أن يكون سبب الفوات مما يعذر فيه كالنوم أم فيه تقصير

باب الدماء
الدماء الواجبة في المناسك سواء تعلقت بترك واجب أو ارتكاب منهي إذا أطلقناها أردنا شاة
فإن كان الواجب غيرها كالبدنة في الجماع نصصنا عليها
ولا يجزىء فيها جميعها إلا ما يجزىء في الأضحية إلا في جزاء الصيد فيجب المثل في الصغير صغير وفي الكبير كبير
وكل من لزمه شاة جاز له ذبح بقرة أو بدنة مكانها إلا في جزاء الصيد
وإذا ذبح بدنة أو بقرة مكان الشاة فهل الجميع فرض حتى لا يجوز أكل شىء منها أم الفرض سبعها حتى يجوز له أكل الباقي فيه وجهان
قلت الأصح أنه سبعها صححه صاحب البحر وغيره
والله أعلم
ولو ذبح بدنة ونوى التصدق بسبعها عن الشاة الواجبة عليه وأكل الباقي جاز
وله أن ينحر البدنة عن سبع شياه لزمته
ولو اشترك جماعة في ذبح بدنة أو بقرة وأراد بعضهم الهدي وبعضهم الأضحية وبعضهم اللخم جاز ولا يجوز أن يشترك اثنان في شاتين لإمكان الانفراد
فصل في كيفية وجوب الدماء وما يقوم مقامها
وفيه نظران
أحدهما النظر في أي دم يجب على الترتيب وأي دم يجب على التخيير

وهاتان الصفتان متقابلتان فمعنى الترتيب أن يتعين عليه الذبح ولا يجوز العدول إلى غيره إلا إذا عجز عنه
ومعنى التخيير أنه يجوز العدول إلى غيره مع القدرة
والنظر الثاني في أنه أي دم يجب على سبيل التقدير وأي دم يجب على سبيل التعديل وهاتان الصفتان متقابلتان
فمعنى التقدير أن الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيبا أو تخييرا بقدر لا يزيد ولا ينقص
ومعنى التعديل أنه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة
فكل دم بحسب الصفات المذكورة لا خلو من أحد أربعة أوجه
أحدها الترتيب والتقدير
والثاني الترتيب والتعديل
والثالث التخيير والتقدير
والرابع التخيير والتعديل
وتفصيلها بثمانية أنواع
أحدها دم التمتع وهو دم ترتيب وتقدير كما ورد به نص القرآن العزيز
وقد سبق شرحه وذكرنا أن دم القران في معناه
وفي دم الفوات طريقان
أصحهما وبه قطع الجمهور أنه كدم التمتع في الترتيب والتقدير وسائر الأحكام
والثاني على قولين
أحدهما هذا
والثاني أنه كدم الجماع في الأحكام إلا أن هذا شاة والجماع بدنة لاشترك الصورتين في وجوب القضاء
الثاني جزاء الصيد وهو دم تخيير وتعديل ويختلف بكون الصيد مثليا أو غيره وسبق إيضاحه
وجزاء شجر الحرم كجزاء الصيد
وسبق حكاية قول عن رواية أبي ثور أن دم الصيد على الترتيب وهو شاذ
الثالث دم الحلق والقلم وهو دم تخيير وتقدير
فإذا حلق جميع شعره أو ثلاث شعرات يخير بين أن يذبح شاة وبين أن يتصدق بثلاثة آصع من طعام على ستة مساكين وبين أن يصوم ثلاثة أيام
وإذا تصدق بالآصع وجب أن يعطي كل مسكين نصف صاع
هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور
وحكى في العدة وجها أنه لا يتقدر ما يعطى كل مسكين

الرابع الدم المنوط بترك المأمورات كالإحرام من الميقات والرمي والمبيت بمزدلفة ليلة النحر وبمنى ليالي التشريق والدفع من عرفة قبل الغروب وطواف الوداع
وفي هذا الدم أربعة أوجه
أصحها وبه قطع العراقيون وكثيرون من غيرهم أنه كدم التمتع في الترتيب والتقدير
فإن عجز عن الدم صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله
والثاني أنه ترتيب وتعديل لأن التعديل هو القياس وإنما يصار إلى التقدير بتوقيف
فعلى هذا يلزمه ذبح شاة
فإن عجز قومها دراهم واشترى بها طعاما وتصدق به
فإن عجز صام عن كل مد يوما
وإذا ترك حصاة فقد ذكرنا أقوالا في أن الواجب مد أو درهم أو ثلث شاة فإن عجز فالطعام ثم الصوم على ما يقتضيه التعديل بالقيمة
والثالث أنه دم ترتيب
فإن عجز لزمه صوم الحلق
والرابع دم تخيير وتعديل كجزاء الصيد وهذان الوجهان شاذان ضعيفان
الخامس دم الاستمتاع كالتطيب والادهان واللبس ومقدمات الجماع فيه أربعة أوجه
الأصح أنه دم تخيير وتقدير كالحلق لاشتراكهما في الترفه
والثاني تخيير وتعديل كالصيد
والثالث ترتيب وتعديل
والرابع ترتيب وتقدير كالتمتع
السادس دم الجماع وفيه طرق للأصحاب واختلاف منتشر المذهب منه أنه دم ترتيب وتعديل فيجب بدنة
فإن عجز عنها فبقرة
فإن عجز فسبعة من الغنم
فإن عجز قوم البدنة بدراهم والدراهم بطعام ثم يتصدق به
فإن عجز صام عن كل مد يوما
وقيل إذا عجز عن الغنم قوم البدنة وصام
فإن عجز أطعم فيقدم الصيام على الإطعام ككفارة القتل ونحوها وقيل لا مدخل للإطعام والصيام هنا بل إذا عجز عن الغنم ثبت الهدي في ذمته إلى أن يجد تخريجا من أحد القولين في دم الإحصار
ولنا قول وقيل وجه أنه يتخير بين البدنة والبقرة والغنم
فإن عجز عنها فالإطعام

ثم الصوم
وقيل يتخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم والإطعام والصيام
السابع دم الجماع الثاني أو الجماع بين التحللين
وقد سبق الخلاف أن واجبهما بدنة أم شاة إن قلنا بدنة فهي في الكيفية كالجماع الأول قبل التحللين وإلا فكمقدمات الجماع
الثامن دم الإحصار فمن تحلل بالإحصار فعليه شاة ولا عدول عنها إذا وجدها
وإن لم جدها فهل له بدل قولان
أظهرهما نعم كسائر الدماء
والثاني لا إذ لم يذكر في القرآن بدله بخلاف غيره
فإن قلنا بالبدل ففيه أقوال
أحدها بدله الإطعام بالتعديل
فإن عجز صام عن كل مد يوما
وقيل يتخير على هذا بين صوم الحلق وإطعامه
والقول الثاني بدله الإطعام فقط وفيه وجهان
أحدهما ثلاثة آصع كالحلق
والثاني يطعم ما يقتضيه التعديل
والقول الثالث بدله الصوم فقط وفيه ثلاثة أقوال
أحدها عشرة أيام
والثاني ثلاثة
والثالث بالتعديل عن كل مد يوما
ولا مدخل للطعام على هذا القول غير أنه يعتبر به قدر الصيام
والمذهب على الجملة الترتيب والتعديل

فصل في بان زمان إراقة الدماء ومكانها
أما الزمان فالدماء الواجبة في يوم النحر وغيره
وإنما تختص بيوم النحر والتشريق الضحايا ثم ما سوى دم الفوات يراق في النسك الذي هو فيه
وأما دم الفوات فيجوز تأخيره إلى سنة القضاء
وهل تجوز إراقته في سنة الفوات قولان

أظهرهما لا بل يجب تأخيره إلى سنة القضاء
والثاني نعم كدماء الإفساد
فعلى هذا وقت الوجوب سنة الفوات
وإن قلنا بالأظهر ففي وقت الوجوب وجهان
أصحهما وقته إذا أحرم بالقضاء كما يجب دم التمتع بالإحرام بالحج
ولهذا نقول لو ذبح قبل تحلله من الفائت لم يجزه على الصحيح كما لو ذبح المتمتع قبل الفراغ من العمرة هذا إذا كفر بالدم أما إذا كفر بالصوم فإن قلنا وقت الوجوب أن يحرم بالقضاء لم يقدم صوم الثلاثة على القضاء ويصوم السبعة إذا رجع وإن قلنا تجب بالفوات ففي جواز صوم الثلاثة في حجة الفوات وجهان
ووجه المنع أنه إحرام ناقص
وأما المكان فالدماء الواجبة على المحرم ضربان
واجب على المحصر بالإحصار أو بفعل محظور
وقد سبق بيانه في الإحصار
وواجب على غيره فيختص بالحرم ويجب تفريق لحمه على مساكين الحرم سواء الغرباء الطارئون والمستوطنون لكن الصرف إلى المستوطنين أفضل
وهل يختص ذبحه بالحرم قولان
أظهرهما نعم
فلو ذبح في طرف الحل لم يجزه
والثاني يجوز ذبحه خارج الحرم بشرط أن ينقل ويفرق في الحرم قبل تغير اللحم وسواء في هذا كله دم التمتع والقران وسائر ما يجب بسبب في الحل أو الحرم أو بسبب مباح كالحلق للأدنى أو بسبب محرم
وفي القديم قولان
ما أنشىء بسببه في الحل يجوز ذبحه وتفرقته في الحل كدم الإحصار
وفي وجه ما وجب بسبب مباح لا يختص ذبحه وتفرقته بالحرم
ووجه أنه لو حلق قبل وصوله الحرم وذبح وفرق حيث حلق جاز
وكل هذا شاذ ضعيف
وأفضل الحرم للذبح في حق الحاج منى
وفي حق المعتمر المروة لأنهما محل تحللهما
وكذا حكم ما يسوقانه من الهدي

قلت قال القاضي حسين في الفتاوي ولو لم يجد في الحرم مسكينا لم يجز نقل الدم إلى موضع آخر سواء جوزنا نقل الزكاة أم لا لأنه وجب لمساكين الحرم كمن نذر الصدقة على مساكين بلد فلم يجدهم يصبر إلى أن يجدهم ولا يجوز نقلها ويخالف الزكاة على قول لأنه ليس فيها نص صريح بتخصيص البلد بها بخلاف هذا
والله أعلم

فرع لو كان يتصدق بالإطعام بدلا عن الذبح وجب تخصيصه بمساكين الحرم
بخلاف الصوم يأتي به حيث شاء إذ لا غرض للمساكين فيه
قلت قال صاحب البحر أقل ما يجزىء أن يدفع الواجب إلى ثلاثة من مساكين الحرم إن قدر
فإن دفع إلى اثنين مع قدرته على ثالث ضمن
وفي قدر الضمان وجهان
أحدهما الثلث والثاني أقل ما يقع عليه الاسم وتلزمه النية عند التفرقة قال فإن فرق الطعام فهل يتعين لكل مسكين مد كالكفارة أم لا وجهان
الأصح لا يتقيد بل تجوز الزيادة على مد والنقص منه
والثاني لا يجوز أقل منه ولا أكثر
والله أعلم
لو ذبح الهدي في الحرم فسرق منه لم يجزئه عما في ذمته وعليه إعادة الذبح وله شراء اللحم والتصدق به بدل الذبح
وفي وجه ضعيف يكفيه التصدق بالقيمة

فصل الأيام المعلومات
هن العشر الأول من ذي الحجة آخرها يوم النحر
والأيام المعدودات أيام التشريق
باب الهدي
يستحب لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي إليها شيئا من النعم ولا يجب ذلك إلا بالنذر
وإذا ساق هديا تطوعا أو منذورا فإن كان بدنة أو بقرة استحب أن يقلدها نعلين وليكن لهما قيمة ليتصدق بهما وأن يشعرها أيضا والإشعار الإعلام
والمراد هنا أن يضرب صفحة سنامها الأيمن بحديدة وهي مستقبلة القبلة فيدميها ويلطخها بالدم ليعلم من رآها أنها هدي فلا يتعرض لها
وإن ساق غنما استحب تقليدها بخرب القرب وهي عراها وآذانها لا بالنعل ولا يشعرها

قلت وفي الأفضل مما يقدم من الإشعار والتقليد وجهان
أحدهما يقدم الإشعار وقد صح فيه حديث في صحيح مسلم والثاني يقدم التقليد وهو المنصوص
وصح ذلك من فعل ابن عمر رضي الله عنهما
قال صاحب البحر وإن قرن هديين في حبل أشعر أحدهما في سنامه الأيمن والآخر في الأيسر ليشاهدا وفيما قاله احتمال
والله أعلم
وإذا قلد النعم وأشعرها لم تصر هديا واجبا على المشهور كما لو كتب الوقف على باب داره
وإذا عطب الهدي في الطريق فإن كان تطوعا فعل به ما شاء من بيع أو أكل وغيرهما
وإن كان واجبا لزمه ذبحه
فلو تركه حتى هلك ضمنه
وإذا ذبحه غمس النعل التي قلده في دمه وضرب بها سنامه وتركه ليعلم من مر به أنه هدي فيأكل منه
وهل تتوقف الإباحة على قوله

أبحته لمن يأكل منه قولان
أظهرهما لا تتوقف لأنه بالنذر زال ملكه وصار للمساكين
ولا يجوز للمهدي ولا لأغنياء الرفقة الأكل منه قطعا ولا لفقراء الرفقة على الصحيح
قلت الأصح الذي يقتضيه ظاهر الحديث وقول الأصحاب أن المراد بالرفقة جميع القافلة
وحكى الروياني في البحر وجها استحسنه أنهم الذين يخالطونه في الأكل وغيره دون باقي القافلة
والله أعلم
وفي وقت ذبح الهدي وجهان
الصحيح أنه يختص بيوم النحر وأيام التشريق كالأضحية
وبهذا قطع العراقيون وغيرهم
والثاني لا يختص بزمن كدماء الجبران
فعلى الأول لو أخر الذبح حتى مضت مدة هذه الأيام فإن كان الهدي واجبا ذبحه قضاء وإن كان تطوعا فقد فات
فإن ذبحه قال الشافعي رحمه الله كان شاة لحم
قلت وإذا عطب هدي التطوع فذبحه قال صاحب الشامل وغيره لا يصير مباحا للفقراء إلا بلفظه وهو أن يقول أبحته للفقراء أو المساكين
قال ويجوز لمن سمعه الأكل
وفي غيره قولان
قال في الإملاء لا يحل حتى يعلم الإذن
وقال في القديم و الأم يحل وهو الأظهر
والله أعلم

كتاب الضحايا
اعلم أن الإمام الرافعي رحمه الله ذكر كتاب الضحايا والصيد والذبائح والعقيقة والأطعمة والنذور في أواخر الكتاب بعد المسابقة
وهناك ذكرها المزني وأكثر الأصحاب
وذكرها طائفة منهم هنا وهذا أنسب فاخترته
والله أعلم
التضحية سنة مؤكدة وشعار ظاهر ينبغي لمن قدر أن يحافظ عليها
وإذا التزمها بالنذر لزمته
ولو اشترى بدنة أو شاة تصلح للضحية بنية التضحية أو الهدي لم تصر بمجرد الشراء ضحية ولا هديا
وفي تتمة التتمة وجه أنها تصير وهو غلط حصل عن غفلة
وموضع الوجه النية في دوام الملك كما سيأتي إن شاء الله تعالى
قال صاحب البحر لو قال إن اشتريت شاة فلله علي أن أجعلها نذرا فهو نذر مضمون في الذمة
فإذا اشترى شاة فعليه أن يجعلها ضحية ولا تصير بالشراء ضحية فلو عين فقال إن اشتريت هذه الشاة فعلي أن أجعلها ضحية فوجهان
أحدهما لا يلزمه جعلها ضحية تغليبا لحكم التعيين وقد أوجبها قبل الملك
والثاني يلزم تغليبا للنذر

فصل للتضحية شروط وأحكام
أما الشروط فأربعة
أحدها أن يكون المذبوح من النعم وهي الإبل والبقر والغنم سواء الذكر والأنثى وكل هذا مجمع عليه
ولا يجزىء من الضأن إلا الجذع أو الجذعة ولا من الإبل والبقر والمعز إلا الثني أو الثنية
وفي وجه يجزىء الجذع من المعز وهو شاذ
ثم الجذع ما استكمل سنة على الأصح
وقيل ما استكملت ستة أشهر
وقيل ثمانية
فعلى الأول قال أبو الحسن العبادي لو أجذع قبل تمام السنة كان مجزئا كما لو تمت السنة قبل أن يجذع
ويكون ذلك كالبلوغ بالسن أو الاحتلام فإنه يكفي فيه أحدهما وبهذا صرح صاحب التهذيب فقال الجذعة ما استكملت سنة أو أجذعت قبلها أي أسقطت سنها
وأما الثني من الإبل فهو ما استكمل خمس سنين وطعن في السادسة
وروى حرملة عن الشافعي رحمه الله أنه الذي استكمل ستا ودخل في السابعة
قال الروياني وليس ذلك قولا آخر وإن توهمه بعض أصحابنا ولكنه إخبار عن نهاية سن الثني
وما ذكره الجمهور بيان ابتداء سنه
وأما الثني من البقر فما استكمل سنتين ودخل في الثالثة
وروى حرملة أنه ما استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة
والمشهور المعروف هو الأول
وأما الثني من المعز فالأصح أنه الذي استكمل سنتين ودخل في الثالثة
وقيل ما استكمل سنة

فصل في صفتها

وفيه مسائل
إحداها المريضة إن كان مرضها يسيرا لم يمنع الإجزاء وإن كان بينا يظهر بسببه الهزال وفساد اللحم منع الإجزاء وهذا هو المذهب
وحكى ابن كج قولا أن المرض لا يمنع بحال وأن المرض المذكور في الحديث المراد به الجرب
وحكي وجه أن المرض يمنع الإجزاء وإن كان يسيرا وحكاه في الحاوي قولا قديما
وحكي وجه في الهيام خاصة أنه يمنع الإجزاء وهو من أمراض الماشية وهو أن يشتد عطشها فلا تروى من الماء
قلت هو بضم الهاء قال أهل اللغة هو داء يأخذها فتهيم في الأرض لا ترعى
وناقة هيماء بفتح الهاء والمد
والله أعلم
الثانية الجرب يمنع الإجزاء كثيره وقليله كذا قاله الجمهور ونص عليه في الجديد لأنه يفسد اللحم والودك
وفي وجه لا يمنع إلا كثيره كالمرض واختاره الإمام والغزالي
والصحيح الأول وسواء في المرض والجرب ما يرجى زواله وما لا يرجى
الثالثة العرجاء إن اشتد عرجها بحيث تسبقها الماشية إلى الكلأ الطيب

وتتخلف عن القطيع لم تجزىء
وإن كان يسيرا لا يخلفها عن الماشية لم يضر
فلو انكسر بعض قوائمها فكانت تزحف بثلاث لم تجزىء
ولو أضجعها ليضحي بها وهي سليمة فاضطربت وانكسرت رجلها أو عرجت تحت السكين لم تجزئه على الأصح لأنها عرجاء عند الذبح فأشبه ما لو انكسرت رجل شاة فبادر إلى التضحية بها فإنها لا تجزىء
الرابعة لا تجزىء العمياء ولا العوراء التي ذهبت حدقتها وكذا إن بقيت حدقتها على الأصح
وتجزىء العشواء على الأصح وهي التي تبصر بالنهار دون الليل لأنها تبصر وقت الرعى
وأما العمش وضعف بصر العينين جميعا فقطع الجمهور بأنه لا يمنع
وقال الروياني إن غطى بياض أذهب أكثره منع وإن أذهب أقله لم يمنع على الصحيح
الخامسة العجفاء التي ذهب مخها من شدة هزالها لا تجزىء وإن كان بها بعض الهزال ولم يذهب مخها أجزأت كذا أطلقه كثيرون
وقال في الحاوي إن كان خلقيا فالحكم كذلك وإن كان لمرض منع لأنه داء
وقال إمام الحرمين كما لا يعتبر السمن البالغ للإجزاء لا يعتبر العجف البالغ للمنع
وأقرب معتبر أن يقال إن كان لا ترغب في لحمها الطبقة العالية من طلبة اللحم في سني الرخاء منعت
السادسة ورد النهي عن الثولاء وهي المجنونة التي تستدير في الرعي ولا ترعى إلا قليلا فتهزل
السابعة يجزىء الفحل وإن كثر نزوانه والأنثى وإن كثرت ولادتها وإن لم يطلب لحمها إلا إذا انتهيا إلى العجف البين
الثامنة لا تجزىء مقطوعة الأذن فإن قطع بعضها نظر فإن لم يبن منها شىء

بل شق طرفها وبقي متدليا لم يمنع على الأصح وقال القفال يمنع
وإن أبين فإن كان كثيرا بالإضافة إلى الأذن منع قطعا وإن كان يسيرا منع أيضا على الأصح لفوات جزء مأكول
وقال الإمام وأقرب ضبط بين الكثير واليسير أنه إن لاح النقص من البعد فكثير وإلا فقليل
التاسعة لا يمنع الكي في الأذن وغيرها على المذهب وقيل وجهان لتصلب الموضع وتجزىء صغيرة الأذن ولا تجزىء التي لم يخلق لها أذن
العاشرة لا تجزىء التي أخذ الذئب مقدارا بينا من فخذها بالإضافة إليه ولا يمنع قطع الفلقة اليسيرة من عضو كبير ولو قطع الذئب أو غيره أليتها أو ضرعها لم تجزىء على المذهب وتجزىءالتي خلقت بلا ضرع أو بلا ألية على الأصح كما يجزىء الذكر من المعز بخلاف التي لم يخلق لها أذن لأن الأذن عضو لازم غالبا
والذنب كالألية وقطع بعض الألية أو الضرع كقطع كله ولا تجوز مقطوعة بعض اللسان
الحادية عشرة يجزىء الموجوء والخصي كذا قطع به الأصحاب وهو الصواب
وشذ ابن كج فحكى في الخصي قولين وجعل المنع الجديد
الثانية عشرة تجزىء التي لا قرن لها والتي انكسر قرنها سواء دمي قرنها بالانكس أم لا
قال القفال إلا أن يؤثر ألم الانكسار في اللحم فيكون كالجرب وغيره وذات القرن أفضل
الثالثة عشرة تجزىء التي ذهب بعض أسنانها فإن انكسر أو تناثر جميع أسنانها فقد أطلق صاحب التهذيب وجماعة أنها لا تجزىء وقال الإمام قال المحققون تجزىء
وقيل لا تجزىء
وقال بعضهم إن كان ذلك لمرض أو كان يؤثر في الاعتلاف وينقص اللحم منع وإلا فلا وهذا حسن ولكنه يؤثر بلا شك فيرجع الكلام إلى المنع المطلق

قلت الأصح المنع
وفي الحديث نهي عن المشيعة
قال في البيان هي المتأخرة عن الغنم فإن كان ذلك لهزال أو علة منع لأنها عجفاء وإن كان عادة وكسلا لم يمنع
والله أعلم

فرع في صفة الكمال فيه مسائل

إحداها يستحب للتضحية الأسمن الأكمل حتى أن التضحية بشاة سمينة أفضل من شاتين دونها
قال الشافعي رحمه الله تعالى استكثار القيمة في الأضحية أحب من استكثار العدد وفي العتق عكسه لأن المقصود هنا اللحم
والسمين أكثر وأطيب والمقصود في العتق التخليص من الرق وتخليص عدد أولى من واحد وكثرة اللحم أفضل من كثرة الشحم إلا أن يكون لحما رديئا
الثانية أفضلها البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز
وسبع من الغنم أفضل من بدنة أو بقرة على الأصح
وقيل البدنة أو البقرة أفضل لكثرة اللحم والتضحية بشاة أفضل من المشاركة في بدنة
الثالثة أفضلها البيضاء ثم العفراء وهي التي لا يصفو بياضها ثم السوداء
الرابعة التضحية بالذكر أفضل من الأنثى على المذهب وهو نصه في البويطي
وحكي عن نص الشافعي رحمه الله أن الأنثى أفضل فقيل ليس مراده تفضيل الأنثى في الأضحية وإنما أراد تفضيلها في جزاء الصيد إذا قومت لإخراج الطعام فالأنثى أكثر قيمة
وقيل المراد أن أنثى لم تلد أفضل من الذكر إذا كثر نزوانه فإن فرضنا ذكرا لم ينز وأنثى لم تلد فهو أفضل منها

فصل الشاة الواحدة لا يضحى بها إلا عن واحد
لكن إذا ضحى بها واحد من أهل بيت تأدى الشعار والسنة لجميعهم وعلى هذا حمل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبش وقال اللهم تقبل من محمد وآل محمد
وكما أن الفرض ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية فقد ذكروا أن التضحية كذلك وأن التضحية مسنونة لكل أهل بيت
قلت وقد حمل جماعة الحديث على الإشراك في الثواب وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
والله أعلم
فرع البدنة تجزىء عن سبعة وكذا البقرة سواء كانوا أهل بيت أو
سواء كانوا متقربين بقربة متفقة أو مختلفة واجبة أم مستحبة أم كان بعضهم يريد اللحم
وإذا اشتركوا فالمذهب أن قسمة لحمها تبنى على أن القسمة بيع أم إفراز إن قلنا إفراز جازت
وإن قلنا بيع فبيع اللحم الرطب بمثله لا يجوز فالطريق أن يدفع المتقربون نصيبهم إلى الفقراء مشاعا ثم يشتريها منهم من يريد اللحم بدراهم أو يبيع مريد اللحم نصيبه للمتقربين بدراهم
وإن شاءوا جعلوا اللحم إجزاء باسم كل واحد جزء ثم يبيع صاحب الجزء نصيبه من باقي الأجزاء بدراهم ويشتري من أصحابه نصيبهم في ذلك الجزء بالدراهم ثم يتقاصون
وقال صاحب التلخيص تصح القسمة قطعا للحاجه
وكما يجوز تضحية سبعة ببدنة

أو بقرة يجوز أن يقصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي ويجوز أن ينحر الواحد البدنة أو البقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة كالتمتع والقران والفوات ومباشرة محظورات الإحرام ونذر التصدق بشاة والتضحية بشاة لكن في جزاء الصيد تراعى المماثلة ومشابهة الصورة فلا تجزىء البدنة عن سبعة من الظباء
ولو وجب شاتان على رجلين في قتل صيدين لم يجز أن يذبحا عنهما بدنة ويجوز أن يذبح الواحد بدنة أو بقرة سبعها عن شاة لزمته ويأكل الباقي كمشاركة من يريد اللحم
ولو جعل جميع البدنة أو البقرة مكان الشاة فهل يكون الجميع واجبا حتى لا يجوز أكل شىء منه أم الواجب السبع فقط حتى يجوز الأكل من الباقي فيه وجهان كالوجهين في ماسح جميع رأسه في الوضوء هل يقع جميعه فرضا أم الفرض ما يقع عليه الاسم قلت قيل الوجهان في المسح فيما إذا مسح دفعة واحدة فإن مسح شيئا فشيئا فالثاني سنة قطعا وقيل الوجهان في الحالين ومثلهما إذا طول الركوع والسجود والقيام زيادة على الواجب وفائدته في زيادة الثواب في الواجب والأرجح في الجميع أن الزيادة تقع تطوعا
والله أعلم
ولو اشترك رجلان في شاتين لم تجزئهما على الأصح ولا يجزىء بعض شاة بلا خلاف بكل حال
الشرط الثاني الوقت
فيدخل وقت التضحية إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفات على المذهب
وفي وجه تعتبر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبته
وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ب ق و { اقتربت الساعة } وخب خطبة متوسطة
وقالت المراوزة الخلاف في طول الصلاة فقط والخطبة مخففة قطعا فإنه السنة
قال الإمام وما أرى من يعتبر ركعتين خفيفتين يكتفي بأقل ما يجزىء وظاهر

كلام صاحب الشامل خلافه
وفي وجه يكفي مضي ما يسع ركعتين بعد خروج وقت الكراهة ولا تعتبر الخطبتان
ويخرج وقت التضحية بغروب الشمس في اليوم الثالث من أيام التشريق
ويجوز ليلا ونهارا لكن تكره التضحية والذبح مطلقا في الليل فإن ذبح قبل الوقت لم تكن أضحية فإن لم يضح حتى خرج الوقت فاتت فإن ضحى في السنة الثانية في الوقت وقع عن الوقت لا عن الماضي وهذا كله في أضحية التطوع فأما المنذورة ففي توقيتها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى
الشرط الثالث أهلية الذابح
وفيه مسائل إحداها يستحب أن يذبح ضحيته وهديه بنفسه
وله أن يوكل في ذبحها من تحل ذبيحته والأولى أن يوكل مسلما فقيها لعلمه بشروطها
ولا يجوز توكيل المجوسي والوثني بخلاف الكتابي
وإذا وكل فيستحب أن يحضر الذبح
ويكره توكيل الصبي في ذبحها
وفي كراهة توكيل الحائض وجهان
قلت الأصح لا يكره لأنه لم يصح فيه نهي
والله أعلم
والحائض أولى من الصبي والصبي المسلم أولى من الكتابي
الثانية النية شرط في التضحية
وهل يجوز تقديمها على الذبح أم يجب أن تكون مقرونة به وجهان
أصحهما الجواز
ولو قال جعلت هذه الشاة ضحية فهل يكفيه التعيين والقصد عن نية الذبح وجهان
أصحهما عند الأكثرين لا يكفيه لأن التضحية قربة في نفسها فوجبت النية فيها واختار الإمام والغزالي الاكتفاء
ولو التزم ضحية في ذمته ثم عين شاة عما في ذمته بني على الخلاف في أن المعينة هل تتعين عن المطلقة في الذمة إن قلنا لا فلا بد من النية عند الذبح وإلا فعلى الوجهين ولو وكل ونوى عند

ذبح الوكيل كفى ولا حاجة إلى نية الوكيل بل لو لم يعلم أنه مضح لم يضر
وإن نوى عند الدفع إلى الوكيل فقط فعلى الوجهين في تقديم النية
ويجوز أن يفوض النية إلى الوكيل إن كان مسلما وإن كان كتابيا فلا
الثالثة العبد القن والمدبر والمستولدة لا يجوز لهم التضحية إن قلنا بالمشهور إنهم لا يملكون بالتمليك فإن أذن السيد وقعت التضحية عن السيد
فإن قلنا يملكون لم يجز تضحيتهم بغير إذنه لأن له حق الانتزاع
فإن أذن وقعت عنهم كما لو أذن لهم في التصدق وليس له الرجوع بعد الذبح ولا بعد جعلها ضحية
والمكاتب لا تجوز تضحيته بغير إذن السيد فإن أذن فعلى القولين في تبرعه بإذنه
ومن بعضه رقيق له أن يضحي بما ملكه بحريته ولا يحتاج إلى إذن
الرابعة لو ضحى عن الغير بغير إذنه لم يقع عنه
وفي التضحية عن الميت كلام يأتي في الوصية إن شاء الله تعالى
قلت إذا ضحى عن غيره بلا إذن فإن كانت الشاة معينة بالنذر وقعت عن المضحي وإلا فلا كذا قاله صاحب العدة وغيره
وأطلق الشيخ إبرهيم المروروذي أنها تقع عن المضحي قال هو وصاحب العدة لو أشرك غيره في ثواب أضحيته وذبح عن نفسه جاز قالا وعليه يحمل الحديث المتقدم اللهم تقبل من محمد وآل محمد
والله أعلم
الشرط الرابع الذبح
فالذبح الذي يباح به الحيوان المقدور عليه إنسيا كان أو وحشيا ضحية كان أو غيرها هو التذفيف بقطع جميع الحلقوم والمريء من حيوان فيه حياة مستقرة بآلة ليست عظما ولا ظفرا فهذه قيود
أما القطع فاحتراز مما لو اختطف رأس عصفور أو غيره بيده أو ببندقة فإنه ميتة
وأما الحلقوم

فهو مجرى النفس خروجا ودخولا والمريء مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم وراءهما عرقان في صفحتي العنق يحيطان بالحلقوم وقيل بالمريء ويقال لهما الودجان ويقال للحلقوم والمريء معهما الأوداج
ولا بد من قطع الحلقوم والمريء على الصحيح المنصوص
وقال الاصطخري يكفي أحدهما لأن الحياة لا تبقى بعده
قال الأصحاب هذا خلاف نص الشافعي رحمه الله وخلاف مقصود الذكاة وهو الإزهاق بما يوحي لا يعذب
ويستحب معهما قطع الودجين لأنه أوحى والغالب أنهما ينقطعان بقطع الحلقوم والمريء فإن تركهما جاز
ولو ترك من الحلقوم أو المريء شيئا يسيرا أو مات الحيوان فهو ميتة
وكذا لو انتهى إلى حركة المذبوح فقطع المتروك فميته
وفي الحاوي وجه إن بقي اليسير فلا يضر واختاره الروياني في الحلية والصحيح الأول
ولو قطع من القفا حتى وصل الحلقوم والمريء عصى لزيادة الإيلام
ثم ينظر إن وصل إلى الحلقوم والمريء وقد انتهى إلى حركة المذبوح لم يحل بقطع الحلقوم والمريء بعد ذلك وإن وصلهما وفيه حياة مستقرة فقطعهما حل كما لو قطع يده ثم ذكاه
قال الإمام ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المريء ولكن لما قطعه مع بعض الحلقوم انتهى إلى حركة المذبوح لما ناله بسبب قطع القفا فهو حلال لأن أقصى ما وقع التعبد به أن يكون فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المذبح
والقطع من صفحة العنق كالقطع من القفا
ولو أدخل السكين في أذن الثعلب ليقطع المريء والحلقوم من داخل الجلد ففيه هذا التفصيل
ولو أمر السكين ملصقا باللحيين فوق الحلقوم والمريء وأبان الرأس فليس هو بذبح لأنه لم يقطع الحلقوم والمريء
وأما كون التذفيف حاصلا بقطع الحلقوم والمريء ففيه مسألتان
إحداهما لو أخذ الذابح في قطع الحلقوم والمريء وأخذ آخر في نزع حشوته أو نخس خاصرته لم يحل لأن التذفيف لم يتمخض بالحلقوم والمريء
وسواء كان ما يجري به قطع الحلقوم مما يذفف لو انفرد أو كان يعين على

التذفيف
ولو اقترن قطع الحلقوم بقطع رقبة الشاة من قفاها بأن كان يجري سكينا من القفا وسكينا من الحلقوم حتى التقتا فهي ميتة بخلاف ما إذا تقدم قطع القفا وبقيت الحياة مستقرة إلى وصول السكين المذبح
المسألة الثانية يجب أن يسرع الذابح في القطع ولا يتأنى بحيث يظهر انتهاء الشاة قبل استتمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح وهذا قد يخالف ما سبق أن المتعبد به كون الحياة مستقرة عند الابتداء فيشبه أن المقصود هنا إذا تبين مصيره إلى حركة المذبوح وهناك إذا لم يتحقق الحال
قلت هذا الذي قاله الإمام الرافعي خلاف ما سبق تصريح الإمام به بل الجواب أن هذا مقصر في الثاني فلم تحل ذبيحته بخلاف الأول فإنه لا تقصير ولو لم يحلله أدى إلى حرج
والله أعلم
وأما كون الحيوان عند القطع فيه حياة مستقرة ففيه مسائل
إحداها لو جرح السبع صيدا أو شاة أو انهدم سقف على بهيمة أو جرحت هرة حمامة ثم أدركت حية فذبحت فإن كان فيها حياة مستقرة حلت وإن تيقن هلاكها بعد يوم ويومين وإن لم يكن فيها حياة مستقرة لم تحل هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور
وحكي قول أنها تحل في الحالين وقول أنها لا تحل فيهما وهذا بخلاف الشاة إذا مرضت فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت فإنها تحل قطعا لأنه لم يوجد سبب يحال الهلاك عليه
ولو أكلت الشاة نباتا مضرا فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت قال القاضي حسين مرة فيها وجهان وجزم مرة بالتحريم لأنه وجد سبب يحال الهلال عليه فصار كجرح السبع
ثم كون الحيوان منتهيا إلى حركة المذبوح أو فيه حياة مستقرة تارة يستيقن وتارة يظن بعلامات وقرائن لا تضبطها العبارة وشبهوه بعلامات الخجل والغضب ونحوهما
ومن أمارات بقاء الحياة المستقرة الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمريء وانفجار الدم

وتدفقه
قال الإمام ومنهم من قال كل واحد منهما يكفي دليلا على بقاء الحياة المستقرة
قال والأصح أن كلا منهما لا يكفي لأنهما قد يحصلان بعد الانتهاء إلى حركة المذبوح لكن قد ينضم إلى أحدهما أو كليهما قرائن أو أمارات أخر تفيد الظن أو اليقين فيجب النظر والاجتهاد
قلت اختار المزني وطوائف من الأصحاب الاكتفاء بالحركة الشديدة وهو الأصح
والله أعلم
وإذا شككنا في الحياة المستقرة ولم يترجح في ظننا شىء فوجهان
أصحهما التحريم للشك في المبيح
وأما كون الآلة ليست عظما فمعناه أنه يجوز بكل قاطع إلا الظفر والعظم سواء من الآدمي وغيره المتصل والمنفصل
وحكي وجه في عظم الحيوان المأكول وهو شاذ وستأتي هذه المسألة مستوفاة في الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى

فصل في سنن الذبح وآدابه سواء ذبح الأضحية وغيرها

إحداها تحديد الشفرة
الثانية إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا ليكون أوحى وأسهل
الثالثة استقبال الذابح القبلة وتوجيه الذبيحة إليها وذلك في الهدي والأضحية أشد استحبابا لأن الاستقبال مستحب في القربات
وفي كيفية توجيهها ثلاثة أوجه
أصحها يوجه مذبحها إلى القبلة ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضا الاستقبال
والثاني يوجهها بجميع بدنها
والثالث يوجه قوائمها

الرابعة التسمية مستحبة عند الذبح والرمي إلى الصيد وإرسال الكلب
فلو تركها عمدا أو سهوا حلت الذبيحة لكن تركها عمدا مكروه على الصحيح
وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه يأثم به
وهل يتأدى الاستحباب بالتسمية عند عض الكلب وإصابة السهم وجهان
أصحهما نعم
وهذا الخلاف في كمال الاستحباب
فأما إذا ترك التسمية عند الإرسال فيستحب أن يتداركها عند الإصابة قطعا كمن ترك التسمية في أول الوضوء والأكل يستحب أن يسمي في أثنائهما
ولا يجوز أن يقول الذابح والصائد باسم محمد ولا باسم الله واسم محمد بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه واليمين باسمه والسجود له ولا يشاركه في ذلك مخلوق
وذكر في الوسيط أنه لا يجوز أن يقول باسم الله ومحمد رسول الله لأنه تشريك
قال ولو قال بسم الله ومحمد رسول الله بالرفع فلا بأس
ويناسب هذه المسائل ما حكاه في الشامل وغيره عن نص الشافعي رحمه الله أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى كالمسيح لم تحل
وفي كتاب القاضي ابن كج أن اليهودي لو ذبح لموسى والنصراني لعيسى صلى الله عليهما وسلم أو للصليب حرمت ذبيحته وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو للرسول صلى الله عليه وسلم فيقوى أن يقال يحرم لأنه ذبح لغير الله تعالى
قال وخرج أبو الحسين وجها آخر أنها تحل لأن المسلم يذبح لله تعالى ولا يعتقد في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعتقده النصراني في عيسى
قال وإذا ذبح للصنم لم تؤكل ذبيحته سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا
وفي تعليقة للشيخ إبراهيم المروروذي رحمه الله أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله تعالى
واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود له وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة لم تحل ذبيحته وكان فعله كفرا

كمن سجد لغيره سجد عبادة وكذا لو ذبح له ولغيره على هذا الوجه فأما إذا ذبح لغيره لا على هذا الوجه بأن ضحى أو ذبح للكعبة تعظيما لها لأنها بيت الله تعالى أو الرسول لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يجوز أن يمنع حل الذبيحة وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل أهديت للحرم أو للكعبة ومن هذا القبيل الذبح عند استقبال السلطان فإنه استبشار بقدومه نازل منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب الكفر وكذا السجود للغير تذللا وخضوعا
وعلى هذا إذا قال الذابح باسم الله وباسم محمد وأراد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد فينبغي أن لا يحرم
وقول من قال لا يجوز ذلك يمكن أن يحمل على أن اللفظة مكروهة لأن المكروه يصح نفي الحواز والإباحة المطلقة عنه
ووقعت منازعة بين جماعة ممن لقيناهم من فقهاء قزوين في أن من ذبح باسم الله واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تحل ذبيحته وهل يكفر بذلك وأفضت تلك المنازعة إلى فتنة والصواب ما بيناه
وتستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح نص عليه في الأم قال ابن أبي هريرة لا تستحب ولا تكره
قلت أتقن الإمام الرافعي رحمه الله هذا الفصل ومما يؤيد ما قاله ما ذكره الشيخ إبراهيم المروروذي في تعليقه قال وحكى صاحب التقريب عن الشافعي رحمه الله أن النصراني إذا سمى غير الله تعالى كالمسيح لم تحل ذبيحته قال صاحب التقريب معناه أنه يذبحها له فأما إن ذكر المسيح على معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجائز
قال وقال الحليمي تحل مطلقا وإن سمى المسيح
والله أعلم
الخامسة المستحب في الإبل النحر وهو قطع اللبة أسفل العنق وفي البقر والغنم

الذبح وهو قطع الحلق أعلى العنق
والمعتبر في الموضعين قطع الحلقوم والمريء
فلو ذبح الإبل ونحر البقر والغنم حل ولكن ترك المستحب وفي كراهته قولان المشهور لا يكره
السادسة يستحب أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم معقول الركبة وإلا فباركا وأن تضجع البقرة والشاة على جنبها الأيسر وتترك رجلها اليمنى وتشد قوائمها الثلاث
السابعة إذا قطع الحلقوم المريء فالمستحب أن يمسك ولا يبين رأسه في الحال ولا يزيد في القطع ولا يبادر إلى سلخ الجلد ولا يكسر الفقار ولا يقطع عضوا ولا يحرك الذبيحة ولا ينقلها إلى مكان قبل يترك جميع ذلك حتى تفارق الروح ولا يمسكها بعد الذبح مانعا لها من الاضطراب
والأولى أن تساق إلى المذبح برفق وتضجع برفق ويعرض عليها الماء قبل الذبح ولا يحد الشفرة قبالتها ولا يذبح بعضها قبالة بعض
الثامنة يستحب عند التضحية أن يقول اللهم منك وإليك تقبل مني
وفي الحاوي وجه ضعيف أنه لا يستحب
ولو قال تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك ومحمد عبدك ورسولك صلى الله عليهما لم يكره ولم يستحب كذا نقله في البحر عن الأصحاب
قال في الحاوي يختار في الأضحية أن يكبر الله تعالى قبل التسمية وبعدها ثلاثا فيقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

فصل قدمنا أن النية شرط في التضحية وأن الشاة إذا جعلها أضحية
يكفيه ذلك عن تجديد النية عند الذبح وجهان
الأصح لا يكفيه
فإن

قلنا يكفيه استحب التجديد
ومهما كان في ملكه بدنة أو شاة فقال جعلت هذا ضحية أو هذه ضحية أو علي أن أضحي بها صارت ضحية معينة
وكذا لو قال جعلت هذه هديا أو هذا هدي أو علي أن أهدي هذه صار هديا
وشرط بعضهم أن يقول مع ذلك لله تعالى والمذهب أنه ليس بشرط
وقد صرح الأصحاب بزوال الملك عن الهدي والأضحية المعينين كما سيأتي تفريعه إن شاء الله تعالى
وكذا لو نذر أن يتصدق بمال معين زال ملكه عنه بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه لا يزول ملكه عنه ما لم يعتقه لأن الملك في الهدي والأضحية والمال المعين ينتقل إلى المساكين وفي العبد لا ينتقل الملك إليه بل ينفك الملك بالكلية
أما إذا نوى جعل هذه الشاة هديا أو أضحية ولم يتلفظ بشىء فالمشهور الجديد أنها لا تصير
وقال في القديم تصير واختاره ابن سريح والاصطخري
وعلى هذا فيما يصير به هديا أو أضحية أوجه
أحدها بمجرد النية كما يدخل في الصوم بالنية وبهذا قال ابن سريج
والثاني بالنية والتقليد أو الإشعار لتنضم الدلالة الظاهرة إلى النية قاله الاصطخري
والثالث بالنية والذبح لأن المقصود به كالقبض في الهبة
والرابع بالنية والسوق إلى المذبح
ولو لزمه هدي أو أضحية بالنذر فقال عينت هذه الشاة لنذري أو جعلتها عن نذري أو قال لله علي أن أضحي بها عما في ذمتي ففي تعينها وجهان الصحيح التعين وبه قطع الأكثرون
وحكى الإمام هذا الخلاف في صور رتب بعضها على بعض فلنوردها بزوائد
فلو قال ابتداء علي التضحية بهذه البدنة أو الشاة لزمه التضحية قطعا وتتعين تلك الشاة على الصجيح
ولو قال علي أن أعتق هذا العبد لزمه العتق وفي تعيين هذا العبد وجهان مرتبان على الخلاف في مثل هذه الصورة من الأضحية والعبد أولى بالتعيين لأنه ذو حق في العتق بخلاف الأضحية
فلو نذر إعتاق عبد ثم عين عبدا عما التزم فالخلاف مرتب على الخلاف في مثله في الأضحية
ولو قال جعلت هذا

العبد عتيقا لم يخف حكمه ولو قال جعلت هذا المال أو هذه الدراهم صدقة تعينت على الأصح كشاة الأضحية وعلى الثاني لا إذ لا فائدة في تعيين الدراهم لتساويها بخلاف الشاة
ولو قال عينت هذه الدراهم عما في ذمتي من زكاة أو نذر لغا التعيين باتفاق أصحاب كذا نقله الإمام لأن التعيين في الدراهم ضعيف وتعيين ما في الذمة ضعيف فيجتمع سببا ضعف
قال وقد يقاس بتعيين الدراهم كديون الآدميين وقال لا تخلو الصورة عن احتمال

فرع سبق بيان وقت ضحية التطوع فلو أراد التطوع بالذبح وتفريق اللحم
بعد أيام التشريق لم يحصل له أضحية ولا ثوابها لكن يحصل ثواب صدقة
ولو قال جعلت هذه الشاة ضحية فوقتها وقت المتطوع بها
ولو قال لله علي أن أضحي بشاة فهل تتوقت بذلك الوقت وجهان
أحدهما لا لأنها في الذمة كدماء الجبران
وأصحهما نعم لأنه التزم ضحية في الذمة والضحية مؤقتة وهذا موافق نقل الروياني عن الأصحاب أنه لا تجوز التضحية بعد أيام التشريق إلا واحدة وهي التي أوجبها في أيام التشريق أو قبلها ولم يذبحها حتى فات الوقت فإنه يذبحها قضاء
فإن قلنا لا تتوقت فالتزم بالنذر ضحية ثم عين واحدة عن نذره وقلنا إنها تتعين فهل تتوقت التضحية بها وجهان
أصحهما لا

فصل من أراد التضحية
فدخل عليه عشر ذي الحجة كره أن يحلق شعره أو يقلم ظفره حتى يضحي
وفيه وجه أنه يحرم حكاه صاحب الرقم وهو شاذ
والحكمة فيه أن يبقى كامل الأجزاء لتعتق من النار وقيل للتشبيه بالمحرم وهو ضعيف فإنه لا يترك الطيب ولبس المخيط وغيرهما
وحكي وجه أن الحلق والقلم لا يكرهان إلا إذا دخل العشر واشترى ضحية أو عين شاة من مواشيه للتضحية
وحكي قول أنه لا يكره القلم
قلت قال الشيخ إبراهيم المروروذي في تعليقه حكم سائر أجزاء البدن كالشعر
والله أعلم
فصل وأما أحكام الأضحية فثلاثة أنواع

الأول فيما يتعلق بتلفها وإتلافها وفيه مسائل
إحداها الأضحية المعينة والهدي المعين يزول ملك المتقرب عنهما بالنذر فلا ينفذ تصرفه فيهما ببيع ولا هبة ولا إبدال بمثلهما ولا بخير منهما
وحكي وجه أنه لا يزول ملكه حتى يذبح ويتصدق باللحم كما لو قال لله علي أن أعتق هذا العبد لا يزول ملكه عنه إلا بإعتاق
والصحيح الأول
والفرق ما سبق
ولو نذر إعتاق عبد بعينه لم يجز بيعه وإبداله وإن لم يزل الملك عنه
ولو خالف فباع الأضحية أو الهدي المعين استرد إن كانت العين باقية ويرد

الثمن
فإن أتلفها المشتري أو تلفت عنده لزمه قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف ويشترى الناذر بتلك القيمة مثل التالفة جنسا ونوعا وسنا
فإن لم يجد بالقيمة المثل لغلاء حدث ضم إليها من ماله تمام الثمن
وهذا معنى قول الأصحاب يضمن ما باع بأكثر الأمرين من قيمته ومثله وإن كانت القيمة أكثر من ثمن المثل لرخص حدث فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في نظيره
ثم إن اشترى المثل بعين القيمة صار المشترى ضحية بنفس الشراء
وإن اشتراه في الذمة ونوى عند الشراء أنها أضحية فكذلك وإلا فليجعله بعد الشراء ضحية
المسألة الثانية كما لا يصح بيع الأضحية المعينة لا يصح إجارتها ويجور إعارتها لأنها إرفاق فلو أجرها فركبها المستأجر فتلفت لزم المؤجر قيمتها والمستأجر الأجرة
وفي الأجرة وجهان
أصحهما أجرة المثل
والثاني الأكثر من أجرة المثل والمسمى
ثم هل يكون مصرفها مصرف الضحايا أم الفقراء فقط وجهان
قلت أصحهما الأول
والله أعلم
الثالثة إذا قال جعلت هذه البدنة أو هذه الشاة ضحية أو نذر أن يضحي ببدنة أو شاة عينها فماتت قبل يوم النحر أو سرقت قبل تمكنه من ذبحها يوم النحر فلا شىء عليه
وكذا الهدي المعين إذا تلف قبل بلوغ المنسك أو بعده قبل التمكن من ذبحه
الرابعة إذا كان في ذمته دم عن تمتع أو قران
أو أضحية أو هدي عن نذر مطلق ثم عين بدنة أو شاة عما في ذمته فقد سبق خلاف في تعيينه والأصح التعيين
وحينئذ المذهب زوال الملك عنها كالمعينة ابتداء

لكن لو تلفت ففي وجوب الإبدال طريقان
قطع الجمهور بالوجوب لأن ما التزمه ثبت في ذمته والمعين وإن زال الملك عنه فهو مضمون عليه كما لو كان له دين على رجل فاشترى منه سلعة بذلك الدين فتلفت السلعة قبل القبض في يد بائعها فإنه ينفسخ البيع ويعود الدين كما كان فكذا هنا يبطل التعيين ويعود ما في ذمته كما كان
والطريق الثاني فيه وجهان نقلهما الإمام
أحدهما لا يجب الإبدال لأنها متعينة فهي كما لو قال جعلت هذه أضحية
الخامسة إذا أتلفها أجنبي لزمه القيمة بأخذها المضحي ويشترى بها مثل الأولى فإن لم يجد بها مثلها اشترى دونها بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه فقتل فإنه يأخذ القيمة لنفسه ولا يلزمه أن يشترى بها عبدا يعتقه لأن ملكه هنا لم يزل عنه ومستحق العتق هو العبد وقد هلك ومستحقو الأضحية باقون
فإن لم يجد بالقيمة ما يصلح للهدي والأضحية ففي الحاوي أنه يلزم المضحي أن يضم من عنده إلى القيمة ما يحصل به أضحية لأنه التزمها
ومن قال بهذا يمكن أن يطرده في اللف
وهذا الذي في الحاوي شاذ
والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا شىء عليه لعدم تقصيره
فعلى هذا إن أمكن أن يشترى بها شقص هدي أو أضحية ففيه ثلاثة أوجه
الأصح أنه يلزمه شراؤه والذبح مع الشريك ولا يجوز إخراج القيمة كأصل الأضحية والثاني يجوز إخراج القيمة دراهم
فعلى هذا أطلق مطلقون أنه يتصدق بها
وقال الإمام يصرفها مصرف الضحايا حتى لو أراد أن يتخذ منه خاتما يقتنيه ولا يبيعه فله ذلك وهذا أوجه
ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق بل المراد أن لا يجب شقص ويجوز إخراج الدراهم وقد يتساهل في ذكر المصرف في مثل هذا

قلت هذا الذي حكاه عن الإمام من جواز اتخاذ الخاتم تفريع على جواز الأكل من الأضحية الواجية
والله أعلم
والوجه الثالث يشترى بها لحما ويتصدق به
وأما إذا لم يمكن أن يشترى بها شقص لقلتها ففيه الوجه الثاني والثالث
ورتب صاحب الحاوي هذه الصور ترتيبا حسنا فقال إن كان المتلف ثنية ضأن مثلا ولم يمكن أن يشترى بالقيمة مثلها وأمكن شراء جذعة ضأن وثنية معز تعين الأول رعاية للنوع وإن أمكن ثنية معز ودون جذعة ضأن تعين الأول لأن الثاني لا يصلح للضحية وإن أمكن دون الجذعة وشراء سهم في ضحية تعين الأول لأن التضحية لا تحصل بواحد منهما وفي الأول إراقة دم كامل
وإن أمكن شراء لحم وشراء سهم تعين الأول لأن فيه شركة في إراقة دم
وإن لم يمكن إلا شراء اللحم وتفرقة الدراهم تعين الأول لأنه مقصود الأضحية
السادسة إذا أتلفها المضحي فوجهان
أحدهما يلزمه قيمتها يوم الإتلاف كالأجنبي
وأصحهما يلزمه أكثر الأمرين من قيمتها وتحصيل مثلها كما لو باع الأضحية المعينة وتلفت عند المشتري
فعلى هذا لو كانت قيمتها يوم الإتلاف أكثر وأمكن شراء مثل الأولى ببعضها اشترى بها كريمة أو شاتين فصاعدا
فإن لم توجد كريمة وفضل ما لا يفي بأخرى فعلى ما ذكرنا فيما إذا أتلفها أجنبي ولم تف القيمة بشاة
وهنا وجه آخر أن له صرف ما فضل عن شاة إلى غير المثل لأن الزيادة بعد حصول المثل كابتداء تضحية
ووجه أنه يملك ما فضل
السابعة إذا تمكن من ذبح الهدي بعد بلوغه المنسك أو من ذبح الأضحية يوم النحر فلم يذبح حتى هلك فهو كالإتلاف لتقصيره بتأخيره
الثامنة استحب الشافعي رحمه الله أن يتصدق بالفاضل الذي لا يبلغ شاة

أخرى ولا يأكل منه شيئا
وفي معناه البدل الذي يذبحه
وفي وجه لأبي علي الطبري لا يجوز أكله منه لتعديه بالإتلاف
التاسعة إذا جعل شاته أضحية أو نذر أن يضحي بمعينة ثم ذبحها قبل يوم النحر لزمه التصدق بلحمها ولا يجوز له أكل شىء منه ويلزمه ذبح مثلها يوم التحر بدلا عنها
وكذا لو ذبح الهدي المعين قبل بلوغ المنسك تصدق بلحمه وعليه البدل
ولو باع الهدي أو الأضحية المعينين فذبحها المشتري واللحم باق أخذه البائع وتصدق به وعلى المشترى أرش ما نقص بالذبح ويضم البائع إليه ما يشترى به البدل
وفي وجه لا يغرم المشتري شيئا لأن البائع سلطه
والصحيح الأول
ولو ذبح أجنبي الأضحية المعينة قبل يوم النحر لزمه ما نقص من القيمة بسبب الذبح
ويشبه أن يجيء خلاف في أن اللحم يصرف إلى مصارف الضحايا أم ينفك عن حكم الأضحية ويعود ملكه كما سنذكر مثله إن شاء الله تعالى فيما لو ذبح الأجنبي يوم النحر وقلنا لا يقع ضحية ثم ما حصل من الأرش من اللحم إن عاد ملكا له اشترى به أضحية يذبحها يوم النحر
ولو نذر أضحية ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي قبل يوم النحر أخذ اللحم ونقصان الذبح وملك الجميع وبقي الأصل في ذمته
العاشرة لو ذبح أجنبي أضحية معينة ابتداء في وقت التضحية أو هديا معينا بعد بلوغه المنسك فالمشهور أنه يقع الموقع فيأخذ صاحب الأضحية لحمها ويفرقه لأنه مستحق الصرف إلى هذه الجهة فلا يشترط فعله كرد الوديعة ولأن ذبحها لا يفتقر إلى النية
فإذا فعله غيره أجزأ كإزالة النجاسة
وحكي قول عن القديم أن لصاحب الأضحية أن يجعلها عن الذابح ويغرمه القيمة بكمالها بناء على وقف العقود
فإذا قلنا بالمشهور فهل على الذابح أرش ما نقص بالذبح فيه طريقان
أحدهما على قولين
وقيل وجهين
أحدهما لا لأنه لم يفوت مقصودا بل خفف مؤنة الذبح
وأصحهما وهو المنصوص وهو

الطريق الثاني وبه قطع الجمهور نعم لأن إراقة الدم مقصودة وقد فوتها فصار كما لو شد قوائم شاته ليذبحها فجاء آخر فذبحها بغير إذنه فإنه يلزمه أرش النقص
وقال الماوردي عندي أنه إذا ذبحها وفي الوقت سعة لزمه الأرش وإن لم يبق إلا ما يسع ذبحها فذبحها فلا أرش لتعين الوقت
وإذا أوجبنا الأرش فهل هو للمضحي لأنه ليس من عين الأضحية ولا حق للمساكين في غيرها أم للمساكين لأنه بدل نقصها وليس للمضحي إلا الأكل أم سلك به مسلك الضحايا فيه أوجه
أصحها الثالث
فعلى هذا يشترى به شاة
فإن لم تتيسر عاد الخلاف السابق أنه يشترى به جزء ضحية أو لحم أو يفرق نفسه هذا كله إذا ذبح الأجنبي واللحم باق فإن أكله أو فرقه في مصارف الضحية وتعذر استرداده فهو كالإتلاف بغير ذبح لأن تعيين المصروف إليه إلى المضحي فعليه الضمان والمالك يشترى بما يأخذه أضحية
وفي وجه تقع التفرقة عن المالك كالذبح
والصحيح الأول
وفي الضمان الواجب قولان
المشهور واختيار الجمهور أنه يضمن قيمتها عند الذبح كما لو أتلفها بلا ذبح
والثاني يضمن الأكثر من قيمتها وقيمة اللحم لأنه فرق اللحم متعديا
وقيل يغرم أرش الذبح وقيمة اللحم وقد يزيد الأرش مع قيمة اللحم على قيمة الشاة وقد ينقص وقد يتساويان
ولا اختصاص لهذا الخلاف بصورة الضحية بل يطرد في كل من ذبح شاة إنسان ثم أتلف لحمها
هذا كله تفريع على أن الشاة التي ذبحها الأجنبي تقع ضحية
فإن قلنا لا تقع فليس على الذابح إلا أرش النقص
وفي حكم اللحم وجهان
أحدهما أنه مستحق لجهة الأضحية
والثاني يكون ملكا له
ولو التزم ضحية أو هديا بالنذر ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي يوم النحر أو في الحرم فالقول في وقوعها عن صاحبها وفي أخذه اللحم وتصدقه به وفي غرامة الذابح أرش ما نقص بالذبح على ما ذكرنا إذا كانت معينة في الابتداء
فإن كان اللحم تالفا قال صاحب التهذيب وغيره يأخذ القيمة

ويملكها ويبقى الأصل في ذمته
وفي هذا اللفظ ما يبين أن قولنا في صورة الإتلاف يأخذ القيمة ويشترى بها مثل الأول يريد به أن يشترى بقدرها فإن نفس المأخوذ ملكه فله إمساكه
النوع الثاني من أحكام الأضحية في عيبها
وفيه مسائل
إحداها لو قال جعلت هذه الشاة ضحية أو نذر التضحية بشاة معينة فحدث بها قبل وقت التضحية عيب يمنع ابتداء التضحية لم يلزمه شىء بسببه كتلفها
ولا تنفك هي عن حكم الأضحية بل تجزئه عن التضحية ويذبحها في وقتها
وفي وجه لا تجزئه بل عليه التضحية بسليمة وهو شاذ ضعيف
فعلى الصحيح لو خالف فذبحها قبل يوم النحر تصدق باللحم ويلزمه أيضا التصدق بقيمتها ولا يلزمه أن يشتري بها ضحية أخرى لأنها بدل حيوان لا يجوز التضحية به ابتداءا
ولو تعيبت يوم النحر قبل التمكن من الذبح ذبحها وتصدق بلحمها وإن تعيبت بعد التمكن ذبحها وتصدق بلحمها وعليه ذبح بدلها وتقصيره بالتأخير كالتعييب
الثانية لو لزم ذمته ضحية بنذرر أو هدي عن قران أو تمتع أو نذر فعين شاة عما في ذمته فحدث بها عيب قبل وقت التضحية أو قبل بلوغ المنسك جرى الخلاف السابق في أنها هل تتعين إن قلنا لا فلا أثر لتعيينها
وإن قلنا تتعين وهو الأصح فهل عليه ذبح سليمة فيه طريقان
وقيل وجهان
وقطع الجمهور بالوجوب لأن الواجب في ذمته سليم فلا يتأدى بمعيب
وهل تنفك تلك المعينة عن الاستحقاق وجهان
أحدهما يلزمه ذبحها والتصدق بلحمها لأنه التزمها بالتعيين
وأصحهما وهو المنصوص لا تلزمه بل له تملكها وبيعها لأنه لم يلتزم التصدق بها ابتداء إنما عينها لأداء ما عليه وإنما يتأدى بها بشرط السلامة
ويقرب الوجهان من وجهين فيمن عين أفضل مما عليه ثم تعيب هل يلزمه رعاية تلك الزيادة في البدل ففي وجه يلزم لالتزامه تلك الزيادة بالتعيين
والأصح لا يلزم كما لو التزم معيبة ابتداء فهلكت بغير تعد منه

الثالثة إذا تعيب الهدي بعد بلوغ المنسك فوجهان
أحدهما يجزىء ذبحه لأنه لما وصل موضع الذبح صار كالحاصل في يد المساكين ويكون كمن دفع الزكاة إلى الإمام فتلفت في يده فإنه يقع زكاة
وأصحهما لا يجزىء لأنه في ضمانه ما لم يذبح
وقال في التهذيب إنتعيب بعد بلوغ المنسك والتمكن من الذبح فالأصل في ذمته وهل يتملك المعين أم يلزمه ذبحه فيه الخلاف
وإن تعيب قبل التمكن فوجهان
أصحهما أنه كذلك
والثاني يكفيه ذبح المعيب والتصدق به
ويقرب من الوجهين الأولين الوجهان السابقان فيمن شد قوائم الشاة للتضحية فاضطربت وانكسرت رجلها
ورأى الإمام تخصيصهما بمن عين عن نذر في الذمة والقطع بعدم الإجزاء إن كانت تطوعا
قلت قال صاحب البحر لو مات أو سرق بعد وصوله الحرم أجزأه على الوجه الأول
والله أعلم
الرابعة لو قال لمعيبة بعور ونحوه جعلت هذه ضحية أو نذر أن يضحي بها ابتداء وجب ذبحها لالتزامه كمن أعتق عن كفارته معيبا يعتق ويثاب عليه وإن كان لا يجزىء عن الكفارة ويكون ذبحها قربة وتفرقة لحمها صدقة ولا تجزىء عن الهدايا والضحايا المشروعة لأن السلامة معتبرة فيها
وهل يختص ذبحها بيوم النحر وتجري مجرى الضحايا في المصرف وجهان
أحدهما لا لأنها ليست أضحية بل شاة لحم
وأصحهما نعم لأنه أوجبها باسم الأضحية ولا محمل لكلامه إلا هذا
فعلى هذا لو ذبحها قبل يوم النحر تصدق بلحمها ولا يأكل منه شيئا وعليه قيمتها يتصدق بها ولا يشتري أخرى لأن المعيب لا يثبت في الذمة قاله في التهذيب
ولو أشار إلى ظبية وقال جعلت هذه ضحية فهو لاغ
ولو أشار إلى فصيل أو سخلة وقال هذه أضحية فهل هو كالظبية أم كالمعيب وجهان
أصحهما الثاني
وإذا أوجبه معيبا ثم زال العيب

فهل يجزىء ذبحه عن الأضحية وجهان
أصحهما لا لأنه زال ملكه عنه وهو ناقص فلا يؤثر الكمال بعده كمن أعتق أعمى عن كفارته ثم عاد بصره
والثاني يجوز لكماله وقت الذبح وحكى هذا قولا قديما
الخامسة لو كان في ذمته أضحية أو هدي بنذر أو غيره فعين معينة عما عليه لم تتعين ولا تبرأ ذمته بذبحها
وهل يلزمه بالتعيين ذبح المعينة نظر إن قال عينت هذه عما في ذمتي لم يلزمه وإن قال لله علي أن أضحي بهذه عما في ذمتي أو أهدي هذه أو قال لله علي ذبحها عن الواجب في ذمتي لزمه على الأصح كالتزامه ابتداء ذبح معيبة ويكون كإعتاقه الأعمى عن الكفارة ينفذ ولا يجزىء
فعلى هذا هل يختص ذبحها بوقت التضحية إن كانت ضحية فيه الوجهان السابقان
ولو زال عيب المعينة المعيبة قبل ذبحها فهل تحصل البراءة فيه الوجهان السابقان
السادسة هذا الذي سبق كله فيما إذا تعيبت لا بفعله
فلو تعيبت المعينة ابتداء أو عما في الذمة بفعله لزمه ذبح صحيحة
وفي انفكاك المعيبة عن حكم الالتزام الخلاف السابق
السابعة لو ذبح الأضحية المنذورة يوم النحر أو الهدي المنذور بعد بلوغ المنسك ولم يفرق لحمه حتى فسد لزمه قيمة اللحم ويتصدق بها ولا يلزمه شراء أخرى لأنه حصلت إراقة الدم
وكذا لو غصب اللحم غاصب وتلف عنده أو أتلفه متلف يأخذ القيمة ويتصدق بها
الثامنة لو نذر التضحية بمعيبة غير معينة كقوله لله علي أن أضحي بشاة عرجاء فثلاثة أوجه أصحها فيما يقتضيه كلام الغزالي يلزمه ما التزم
والثاني يلزمه صحيحة
والثالث لا يلزمه شىء
ويشبه أن يكون الحكم في لزوم ذبحها والتصدق بلحمها وفي أنها ليست من الضحايا وفي أن

مصرفها هل هو مصرف الضحايا على ما سبق فيمن قال جعلت هذه المعيبة ضحية
ولو التزم التضحية بظبية أو فصيل ففيه الترتيب الذي تقدم في المعينة
ويشبه أن يجيء الخلاف في قوله لله على أن أضحي بظبية وإن لم يذكر خلاف في قوله جعلت هذه الظبية ضحية
النوع الثالث في ضلالها وفيه مسائل
إحداها إذا ضل هديه أو ضحيته المتطوع بها لم يلزمه شىء
قلت لكن يستحب ذبحها إذا وجدها والتصدق بها
ممن نص عليه القاضي أبو حامد
فإن ذبحها بعد أيام التشريق كانت شاة لحم يتصدق بها
والله أعلم
الثانية الهدي الملتزم معينا يتعين ابتداءا إذا ضل بغير تقصيره لم يلزمه ضمانه فإن وجده ذبحه
والأضحية إن وجدها في وقت التضحية ذبحها وإن وجدها بعد الوقت فله ذبحها قضاء ولا يلزمه الصبر إلى قابل
وإذا ذبحها صرف لحمها مصارف الضحايا
وفي وجه لابن أبي هريرة يصرفه إلى المساكين فقط ولا يأكل ولا يدخر وهو شاذ ضعيف
الثالثة مهما كان الضلال بغير تقصيره لم يلزمه الطلب إن كان فيه مؤنة فإن لم تكن لزمه
وإن كان بتقصيره لزمه الطلب
فإن لم يجد لزمه الضمان
فإن علم أنه لا يجدها في أيام التشريق لزمه ذبح بدلها في أيام التشريق
وتأخير الذبح إلى مضي أيام التشريق بلا عذر تقصير يوجب الضمان
وإن مضى بعض أيام التشريق ثم ضلت فهل هو تقصير وجهان
قلت الأرجح أنه ليس بتقصير كمن مات في أثناء وقت الصلاة الموسع لا يأثم على الأصح
والله أعلم
الرابعة إذا عين هديا أو أضحية عما في ذمته فضلت المعينة قال الإمام

هو كما لو تلفت هذه المعينة
وفي وجوب البدل وجهان
وذكرنا هناك حال هذا الخلاف وما في إطلاق لفظ البدل من التوسع
وقال الجمهور يلزم إخراج البدل الملتزم
فإن ذبح واحدة عما عليه ثم وجد الضالة فهل يلزم ذبحها وجهان
وقيل قولان
أصحهما في التهذيب لا يلزمه بل يتملكها كما سبق فيما لو تعيبت
والثاني يلزمه وقطع به في الشامل لإزالة ملكه بالتعيين ولم يخرج عن صفة الإجزاء بخلاف المعيبة
فلو عين عن الضالة واحدة ثم وجدها قبل ذبح البدل فأربعة أوجه
أحدها يلزمه ذبحهما معا
والثاني يلزمه ذبح البدل فقط
والثالث ذبح الأول فقط
والرابع يتخير فيهما
قلت الأصح الثالث
والله أعلم

فصل لو عين شاة عن أضحية في ذمته وقلنا تتعين فضحى بأخرى
ذمته قال الإمام يخرج على أن المعينة لو تلفت هل تبرأ ذمته إن قلنا نعم لم تقع الثانية عما عليه كما لو قال جعلت هذه أضحية ثم ذبح بدلها
وإن قلنا لا وهو الأصح ففي وقوع الثانية ما عليه تردد
فإن قلنا تقع عنه فهل تنفك الأولى عن الاستحقاق فيه الخلاف السابق
فرع لو عين من عليه كفارة عبدا عنها ففي تعيينه خلاف وقطع
أبو حامد بالتعيين

قلت الأصح التعيين
والله أعلم
فإن تعيب المعين لزمه إعتاق سليم
ولو مات المعين بقيت ذمته مشغولة بالكفارة
وإن أعتق عبدا أجزأ عن كفارته مع التمكن من إعتاق المعين فالظاهر براءة ذمته
قوله الظاهر أي من الوجهين
النوع الرابع في الأكل من الأضحية والهدي وفيه فصلان
الأول في الأكل من الواجب فكل هدي وجب ابتداء من غير التزام كدم التمتع والقران وجبرانات الحج لا يجوز الأكل منه
فلو أكل منه غرم ولا تجب إراقة الدم ثانيا
وفيما يغرمه أوجه
أصحها وهو نصه في القديم يغرم قيمة اللحم كما لو أتلفه غيره
والثاني يلزمه مثل ذلك اللحم
والثالث يلزمه شراء شقص من حيوان مثله ويشارك في ذبحه لأن ما أكله بطل حكم إراقة الدم فيه فصار كما لو ذبحه وأكل الجميع فإنه يلزمه دم آخر
وأما الملتزم بالنذر من الضحايا والهدايا فإن عين بالنذر عما في ذمته من دم حلق وتطيب أو غيرهما شاة لم يجز له الأكل منها كما لو ذبح شاة بهذه النية بغير نذر وكالزكاة
وإن نذر نذر مجازاة كتعليقه التزام الهدي أو الأضحية بشفاء المريض ونحوه لم يجز الأكل أيضا كجزاء الصيد
ومقتضى كلامهم أنه لا فرق بين كون الملتزم معينا أو مرسلا في الذمة ثم يذبح عنه
فإن أطلق الالتزام فلم يعلقه بشىء وقلنا بالمذهب إنه يلزمه الوفاء فإن كان الملتزم معينا بأن قال لله علي أن أضحي بهذه أو أهدي هذه ففي جواز الأكل منها قولان ووجه أو ثلاث أوجه
الثالثة يجوز الأكل من الأضحية دون الهدي حملا لكل واحد على المعهود الشرعي
ومن هذا القبيل ما إذا قال جعلت هذه الشاة ضحية من غير تقدم التزام
أما إذا التزم في الذمة ثم عين شاة عما عليه فإن لم نجوز الأكل في المعينة ابتداء فهنا أولى وإلا فقولان أو وجهان

هكذا فصل حكم الأكل في الملتزم كثيرون من المعتبرين وهو المذهب
وأطلق جماعة وجهين ولم يفرقوا بين نذر المجازاة وغيره ولا بين الملتزم المعين والمرسل وبالمنع قال أبو إسحق
قال المحاملي وهو المذهب والجواز اختيار القفال والإمام
قال في العدة وهو المذهب
ويشبه أن يتوسط فيرجح في المعين الجواز وفي المرسل المنع سواء عينه عنه ثم ذبح أو ذبح بلا تعيين لأنه عن دين في الذمة فأشبه الجبرانات
وإلى هذا ذهب صاحب الحاوي وهو مقتضى سياق الشيخ أبي علي
وحيث منعنا الأكل في المنذور فأكل ففيما يغرمه الأوجه الثلاثة السابقة في الجبرانات
وحيث جوزنا ففي قدر ما يأكله القولان في أضحية التطوع
هكذا قاله في التهذيب
ولك أن تقول ذاك الخلاف في قدر المستحب أكله ولا يبعد أن يقال لا يستحب الأكل وأقل ما في تركه الخروج من الخلاف
الفصل الثاني في الأكل من الأضحية والهدي المتطوع بهما
وليس له أن يتلف منهما شيئا بل يأكل ويطعم ولا يجوز بيع شىء منهما ولا أن يعطي الجزار شيئا منهما أجرة له بل مؤنة الذبح على المضحي والمهدي كمؤنة الحصاد
ويجوز أن يعطيه منهما شيئا لفقره جو يطعمه إن كان غنيا
ولا يجوز تمليك الأغنياء منهما وإن جاز إطعامهم
ويجوز تمليك الفقراء منهما ليتصرفوا فيه بالبيع وغيره
بل لو أصلح الطعام ودعا إليه الفقراء قال الإمام الذي ينقدح عندي إذا أوجبنا التصدق بشىء أنه لا بد من التمليك كما في الكفارات وكذا صرح به الروياني فقال لا يجوز أن يدعو الفقراء ليأكلوه مطبوخا لأن حقهم في تملكه فإن دفع مطبوخا لم يجز بل يفرقه نيئا فإن المطبوخ كالخبز في الفطرة
وهل يشترط التصدق بشىء منهما أم يجوز أكل الجميع وجهان
أحدهما يجوز أكل الجميع قاله ابن سريج وابن القاص والاصطخري وابن الوكيل وحكاه ابن القاص عن نصه
قالوا ويحصل

الثواب بإراقة الدم بنية القربة وأصحهما يجب التصدق بقدر ينطلق عليه الاسم لأن المقصود إرفاق المساكين
فعلى هذا إن أكل الجميع لزمه ضمان ما ينطلق عليه الاسم وفي قول أو وجه يضمن القدر الذي يستحب أن لا ينقص في التصدق عنه وسيأتي فيه قولان هل هو النصف أم الثلث وحكى ابن كج والماوردي وجها أنه يضمن الجميع بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها لأنه بأكله الكل عدل عن حكم الضحية فكأنه أتلفها
وينسب هذا إلى أبي إسحق وابن أبي هريرة
وعلى هذا يذبح البدل في وقت التضحية
فإن أخره أيام التشريق ففي إجزائه وجهان
وفي جواز الأكل من البدل وجهان
وهذا الوجه المذكور عن ابن كج وما تفرع عليه شاذ ضعيف
والمعروف ما سبق من الخلاف
ثم ما يضمنه على الخلاف السابق لا يتصدق به ورقا
وهل يلزمه صرفه إلى شقص أضحية أم يكفي صرفه إلى اللحم وتفرقته وجهان
وعلى الوجهين يجوز تأخير الذبح والتفريق عن أيام التشريق لأن الشقص ليس بأضحية فلا يعتبر فيه وقتها ولا يجوز أن يأكل منه

فرع الأفضل والأحسن في هدي التطوع وأضحيته التصدق بالجميع إلا لقمة أو لقما يتبرك بأكلها فإنها مسنونة

وحكى في الحاوي عن أبي الطيب بن سلمة أنه لا يجوز التصدق بالجميع بل يجب أكل شىء
وفي القدر الذي يستحب أن لا نقص التصدق عنه قولان
القديم يأكل النصف ويتصدق بالنصف واختلفوا في التعيين عن الجديد
فنقل جماعة عنه أنه يأكل الثلث ويتصدق بالثلثين
ونقل آخرون عنه أنه يأكل الثلث ويهدي إلى الأغنياء الثلث ويتصدق بالثلث
وكذا حكاه الشيخ أبو حامد ثم قال ولو تصدق بالثلثين كان أحب
ويشبه أن

لا يكون اختلاف في الحقيقة لكن من اقتصر على التصدق بالثلثين ذكر الأفضل أو توسع فعد الهدية صدقة
والمفهوم من كلام الأصحاب أن الهدية لا تغني عن التصدق بشىء إذا أوجبناه وأنها لا تحسب من القدر الذي يستحب التصدق به ويجوز صرف القدر الذي لا بد منه إلى مسكين واحد بخلاف الزكاة

فرع يجوز أن يدخر من لحم الأضحية وكان ادخارها فوق ثلاثة أيام
نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن فيه
قال الجمهور كان نهي تحريم
وقال أبو علي الطبري يحتمل التنزيه
وذكروا على الأول وجهين في أن النهي كان عاما ثم نسخ أم كان مخصوصا بحالة الضيق الواقع في تلك السنة فلما زالت انتهى التحريم ووجهين على الثاني في أنه لو حدث مثل ذلك في زماننا وبلادنا هل يحكم به والصواب المعروف أنه لا يحرم اليوم بحال
وإذا أراد الادخار فالمستحب أن يكون من نصيب الأكل لا من نصيب الصدقة والهدية
وأما قول الغزالي في الوجيز يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث فبعيد منكر نقلا ومعنى فإنه لا يكاد يوجد في كتاب متقدم ولا متأخر والمعروف الصواب ما قدمناه
قلت قال الشافعي رحمه الله في المبسوط أحب أن لا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث أن يهدي الثلث ويتصدق بالثلث هذا نصه بحروفه وقد نقله أيضا القاضي أبو حامد في جامعه ولم يذكر غيره
وهذا تصريح بالصواب ورد لما قاله الغزالي
والله أعلم
النوع الخامس الانتفاع بها وما في معناه أو يخالفه وفيه مسائل

إحداها لا يجوز بيع جلد الأضحية ولا جعله أجرة للجزار وإن كانت تطوعا بل يتصدق به المضحي أو يتخذ منه ما ينتفع بعينه من خف أو نعل أو دلو أو فرو أو يعيره لغيره ولا يؤجره
وحكى صاحب التقريب قولا غربيا أنه يجوز بيع الجلد ويصرف ثمنه مصرف الأضحية وحكي وجه أنه لا يجوز أن ينفرد بالانتفاع بالجلد لأنه نوع يخالف الانتفاع باللحم فيجب التشريك فيه كالانتفاع باللحم
والمشهور الأول
ولا فرق في تحريم البيع بين بيعه بشىء ينتفع به في البيت وغيره
الثانية التصدق بالجلد لا يكفي إذا أوجبنا التصدق بشىء من الأضحية والقرن كالجلد
الثالثة لا يجز صوفها إن كان في بقائه مصلحة لدفع حر أو برد أو كان وقت الذبح قريبا ولم يضر بقاؤه وإلا فيجزه وله الانتفاع به
والأفضل التصدق
وفي التتمة أن صوف الهدي يستصحبه ويتصدق به على مساكين الحرم كالولد
الرابعة إذا ولدت الأضحية أو الهدي المتطوع بهما فهو ملكه كالأم
ولو ولدت المعينة بالنذر ابتداء تبعها الولد سواء كانت حاملا عند التعيين أم حملت بعده
فإن ماتت الأم بقي الولد أضحية كولد المدبرة لا يرتفع تدبيره بموتها
ولو عينها بالنذ على ما في ذمته فالصحيح أن حكم ولدها كولد المعينة بالنذر ابتداء
وفي وجه لا يتبعها بل هو ملك للمضحي أو المهدي لأن ملك الفقراء غير مستقر في هذه فإنها لو عابت عادت إلى ملكه
وفي وجه يتبعها ما دامت حية
فإن ماتت لم يبق حكم الأضحية في الولد
والصحيح بقاؤه والخلاف جار في ولد الأمة المبيعة إذا ماتت في يد البائع
وإذا لم يطق ولد الهدي المشي يحمل على أمه أو غيرها ليبلغ الحرم
ثم إذا ذبح الأم والولد ففي تفرقة لحمهما أوجه
أحدها لكل واحد منهما حكم ضحية فيتصدق من كل

واحد بشىء لأنهما ضحيتان
والثاني يكفي التصدق من أحدهما لأنه بعضها
والثالث لا بد من التصدق من لحم الأم لأنها الأصل وهذا هو الأصح عند الغزالي
وقال الروياني الأول أصح ويشترك الوجهان الأخيران في جواز أكل جميع الولد
ولو ذبحها فوجد في بطنها جنينا فيحتمل أن يطرد فيه هذا الخلاف ويحتمل القطع بأنه بعضها
قلت ينبغي أن يبنى على الخلاف المعروف في أن الحمل له حكم وقسط من الثمن أم لا إن قلنا لا فهو بعض كيدها وإلا فالظاهر طرد الخلاف ويحتمل القطع بأنه بعض
والأصح على الجملح أنه يجوز أكل جميعه
والله أعلم
الخامسة لبن الأضحية والهدي لا يحلب إن كان قدر كفاية ولدها
فإن حلبه فنقص الولد ضمن النقص
وإن فضل عن ري الولد حلب
ثم قال الجمهور له شربه لأنه يشق نقله ولأنه يستخلف بخلاف الولد
وفي وجه لا يجوز شربه
وقال صاحب التتمة إن لم نجوز أكل لحمها لم يشربه
وينقل لبن الهدي إلى مكة إن تيسر أو أمكن تجفيفه وإلا فيتصدق به على الفقراء هناك
وإن جوزنا اللحم شربه
السادسة يجوز ركوبهما وإركابهما بالعارية والحمل عليهما من غير إجحاف
فإن نقصا بذلك ضمن
ولا تجوز إجارتهما
السابعة لو اشترى شاة فجعلها ضحية ثم وجد بها عيبا قديما لم يجز ردها لزوال الملك عنها كمن اشترى عبدا فأعتقه ثم علم به عيبا لكن يرجع على البائع بالأرش
وفيما يفعل به وجهان
أحدهما يصرف مصرف الأضحية فينظر أيمكنه أن يشتري به ضحية أو جزءا أم لا ويعود فيه ما سبق في نظائره وفرقوا بينه وبين أرش العيب بعد إعتاق

العبد فإنه للذي أعتقه بأن المقصود من العتق تكميل الأحكام والعيب لا يؤثر فيه
والمقصود من الأضحية اللحم ولحم المعيب ناقص
والوجه الثاني أنه للمضحي لا يلزمه صرفه للأضحية لأن الأرش بسبب سابق للتعيين
وبالوجه الأول قاله الأكثرون لكن الثاني أقوى ونسبه الإمام إلى المراوزة وقال لا يصح غيره وإليه ذهب ابن الصباغ والغزالي والروياني
قلت قد نقل في الشامل هذا الثاني عن أصحابنا مطلقا ولم يحك فيه خلافا فهو الصحيح
والله أعلم

فصل في مسائل منثورة إحداها قال ابن المرزبان من أكل بعض لحم
وتصدق ببعضها هل يثاب على الكل أو على ما تصدق به وجهان كالوجهين فيمن نوى صوم التطوع ضحوة هل يثاب من أول النهار أم من وقته وينبغي أن يقال له ثواب التضحية بالكل والتصدق بالبعض
قلت هذا الذي قاله الرافعي هو الصواب الذي تشهد به الأحاديث والقواعد
وممن جزم به تصريحا الشيخ الصالح إبرهيم المروروذي
والله أعلم
الثانية في جواز الصرف من الأضحية إلى المكاتب وجهان في وجه يجوز كالزكاة
قلت الأصح الجواز
ودلله أعلم
الثالثة قال ابن كج من ذبح شاة وقال أذبح لرضى فلان حلت الذبيحة لأنه لا يتقرب إليه بخلاف من تقرب بالذبح إلى الصنم
وذكر

الروياني أن من ذبح للجن وقصد به التقرب إلى الله تعالى ليصرف شرهم عنه فهو حلال وإن قصد الذبح لهم فحرام
الرابعة قال في البحر قال أبو إسحق من نذر الأضحية في عام فأجر عصى ويقضي كمن أخر الصلاة
الخامسة قال الروياني من ضحى بعدد فرقه على أيام الذبح فإن كان شاتين ذبح شاة في اليوم الأول والأخرى في آخر الأيام
قلت هذا الذي قاله وإن كان أرفق بالمساكين إلا أنه خلاف السنة فقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم واحد مائة بدنة أهداها فالسنة التعجيل والمسارعة إلى الخيرات والمبادرة بالصالحات إلا ما ثبت خلافه
والله أعلم
السادسة محل التضحية بلد المضحي بخلاف الهدي
وفي نقل الأضحية وجهان تخريجا من نقل الزكاة
السابعة الأفضل أن يضحي في بيته بمشهد أهله
وفي الحاوي أنه يختار للإمام أن يضحي للمسلمين كافة من بيت المال ببدنة ينحرها في المصلى
فإن لم يتيسر فشاة وأنه يتولى النحر بنفسه وإن ضحى من ماله ضحى حيث شاء
قلت قال الشافعي رحمه الله في البويطي الأضحية سنة على كل من وجد السبيل من المسلمين من أهل المدائن والقرى والحاضر والمسافر والحاج من أهل مني وغيرهم من كان معه هدي ومن لم يكن
هذا نصه بحروفه
وفيه رد على ما حكاه العبدري في كتابه الكفاية أن الأضحية سنة إلا في حق الحاج بمنى فإنه لا أضحية عليهم لأن ما ينحر بمنى هدي وكما لا يخاطب الحاج في منى بصلاة العيد فكذا الأضحية
وهذا الذي قاله فاسد مخالف للنص الذي ذكرته

وقد صرح القاضي أبو حامد في جامعه وغيره من أصحابنا بأن أهل منى كغيرهم في الأضحية وثبت في صحيحي البخاري و مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى في منى عن نسائه بالبقر
والله أعلم

باب العقيقة
هي سنة والمستحب ذبحها يوم السابع من يوم الولادة ويحسب من السبعة يوم الولادة على الأصح
قلت وإن ولد ليلا حسب اليوم الذي يلي تلك الليلة قطعا نص عليه في البويطي ونص أنه لا يحسب اليوم الذي ولد في أثنائه
والله أعلم
ويجزىء ذبحها قبل فراغ السبعة ولا يحسب قبق الولادة بل تكون شاة لحم
ولا تفوت بتأخيرها عن السبعة لكن الاختيار أن لا تؤخر إلى البلوغ
قال أبو عبد الله البوشنجي من أصحابنا إن لم تذبح في السابع ذبحت في الرابع عشر وإلا ففي الحادي والعشرين
وقيل إذا تكررت السبعة ثلاث مرات فات وقت الاختيار
فإن أخرت حتى بلغ سقط حكمها في حق غير المولود وهو مخير في العقيقة عن نفسه
واستحسن القفال والشاشي أن يفعلها
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق عن نفسه بعد النبوة
ونقلوا عن نصه في البويطي أنه لا يفعل ذلك واستغربوه
قلت قد رأيت نصه في نفس كتاب البويطي قال ولا يعق عن كبير
هذا لفظه وليس مخالفا لما سبق لأن معناه لا يعق عن غيره وليس فيه نفي عقه عن نفسه
والله أعلم

فصل إنما يعق عن المولود

من تلزمه نفقته
وأما عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما فمؤول
قلت تأويله أنه صلى الله عليه وسلم أمر أباهما بذلك أو أعطى أبويهما ما عق به لأن أبويهما كانا عند ذلك معسرين فيكونان في نفقة جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم
وإن أيسر بعدها أو بعد مدة النفاس فهي ساقطة عنه ولا يعق عن المولود من ماله فلو كان المنفق عاجزا عن العقيقة فأيسر في السبعة استحب له العق
وإن أيسر في مدة النفاس ففيه احتمالان للأصحاب لبقاء أثر الولادة
فصل العقيقة جذعة ضأن أو ثنية معز كالأضحية

وفي الحاوي أنه يجزىء ما دونهما ويشترط سلامتهما من العيب المانع في الأضحية
وفي العدة إشارة إلى وجه مسامح قال بعض الأصحاب الغنم أفضل من الإبل والبقر والصحيح خلافه كالأضحية
وينبغي أن تتأدى السنة بسبع بدنة أو بقرة
فصل حكم العقيقة في التصدق منها والأكل والهدية والادخار وقدر المأكول وامتناع

وقيل إن جوزنا دون الجذعة لم يجب التصدق منها وجاز تخصيص الأغنياء بها

فصل ينوي عند ذبحها أنها عقيقة

لكن إن جعلها عقيقة من قبل ففي الحاجة إلى النية عند الذبح ما ذكرنا في الأضحية
فصل يستحب أن لا يتصدق بلحمها نيئا بل يطبخه

وفي الحاوي أنا إذا لم نجوز ما دون الجذعة والثنية وجب التصدق بلحمها نيئا
وكذا قال الإمام إن أوجبنا التصدق بمقدار وجب تمليكه وهو نيء
والصحيح الأول
وفيما يطبخه به وجهان
أحدهما بحموضة ونقله في التهذيب عن النص
وأصحهما بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاق المولود
وعلى هذا لو طبخ بحامض ففي كراهته وجهان
أصحهما لا يكره
ويستحب أن لا يكسر عظام العقيقة ما أمكن فإن كسر لم يكره على الأصح
والتصدق بلحمها ومرقها على المساكين بالبعث إليهم أفضل من الدعوة إليها
ولو دعا إليها قوما فلا بأس
فصل يعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان ويحصل أصل السنة بواحدة

ويستحب أن تكون الشاتان متساويتين وأن يكون ذبح العقيقة في صدر النهار وأن يعق عمن مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح
وقيل يسقط بالموت
وأن يقول الذابح بعد التسمية اللهم لك وإليك عقيقة فلان
ويكره لطخ رأس الصبي بدم العقيقة ولا بأس بلطخه بالزعفران والخلوق
وقيل باستحبابه

فصل ستحب أن يسمى المولود في اليوم السابع ولا بأس بأن يسمى

واستحب بعضهم أن لا يفعله ولا يترك تسمية السقط ولا من مات قبل تمام السبعة ولتكن التسمية باسم حسن وتكره الأسماء القبيحة وما يتطير بنفيه كنافع ويسار وأفلح ونجيح وبركة
فصل يستحب أن يحلق رأس المولود يوم السابع ويتصدق بوزن شعره ذهبا

فإن لم يتيسر ففضة سواء فيه الذكر والأنثى
قال في التهذيب يحلق بعد الذبح
والذي رجحه الروياني ونقله عن النص أنه يكون قبل الذبح
قلت وبهذا قطع المحاملي في المقنع وبالأول قطع صاحب المهذب والجرجاني في التحرير وفي الحديث إشارة إليه فهو أرجح
والله أعلم

فصل يستحب أن يؤذن من ولد له ولد
في أذنه
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا ولد له ولد أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى واستحبه بعض أصحابنا
ويستحب أن يقول في أذنه { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } وأن يحنكه بتمر بأن يمضغه ويدلك به حنكه فإن لم يكن تمر حنكه بشىء آخر حلو وأن يهنأ الوالد بالمولود ويستحب أن يعطي القابلة رجل العقيقة
فصل في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا فرع ولا

فالفرع بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها
والعتيرة بفتح العين المهملة ذبيحة كانوا يذبحونها في الشر الأول من رجب
ويسمونها الرجبية أيضا
وذكر ابن كج وغيره فيهما وجهين
أحدهما تكرهان للخبر
والثاني لا كراهة فيهما والمنع راجع إلى ما كانوا يفعلونه وهو الذبح لآلهتهم أو أن المقصود نفي الوجوب أو أنهما ليستا كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم
فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة
وحكي أن الشافعي رحمه الله قال إن تيسر ذلك كل شهر كان حسنا
قلت هذا النص للشافعي رحمه الله في سنن حرملة والحديث المذكور في أول الفصل في صحيح البخاري وغيره وفي سنن أبي داود وغيره حديث آخر

يقتضي الترخيص فيهما بل ظاهره الندب فالوجه الثاني يوافقه وهو الراجح
واعلم أن الإمام الرافعي رحمه الله ترك مسائل مهمة تتعلق بالباب
إحداها يكره القزع وهو حلق بعض الرأس سواء كان متفرقا أو من موضع واحد لحديث الصحيحين بالنهي عنه
وقد اختلف في حقيقة القزع والصحيح ما ذكرته
وأما حلق جميع الرأس فلا بأس به لمن لا يخف عليه تعاهده ولا بأس بتركه لمن خف عليه
الثانية يستحب فرق شعر الرأس
الثالثة يستحب الادهان غبا أي وقتا بعد وقت بحيث يجف الأول
الرابعة يستحب الاكتحال وترا
والصحيح في معناه ثلاثا في كل عين
والخامسة تقليم الأظفار وإزالة شعر العانة بحلق أو نتف أو قص أو نورة أو غيرها والحلق أفضل
ويستحب إزالة شعر الإبط بأحذ هذه الأمور والنتف أفضل لمن قوي عليه
ويستحب قص الشارب بحيث يبين طرف الشفة بيانا ظاهرا
ويبدأ في هذه كلها باليمين ولا يؤخرها عن وقت الحاجة ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يوما للحديث في صحيح مسلم بالنهي عن ذلك
السادسة من السنة غسل البراجم وهي عقد الأصابع ومفاصلها ويلتحق بها إزالة ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وصماخها وفي الأنف وسائر البدن
السابعة خضاب الشعر الشائب بحمرة أو صفرة سنة وبالسواد حرام
وقيل مكروه
وأما خضاب اليدين والرجلين فمستحب في حق النساء كما سبق في باب الإحرام وحرام في حق الرجال إلا لعذر
الثامنة يستحب ترجيل الشعر وتسريح اللحية ويكره نتف الشيب
التاسعة ذكر الغزالي وغيره في اللحية عشر خصال مكروهة خضابها

بالسواد إلا للجهاد وتبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة ونتفها أول طلوعها إيثارا للمرودة وحسن الصورة ونتف الشيب وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسنا والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك وتركها شعثة إظهارا لقلة المبالاة بنفسه والنظر في بياضها وسوادها إعجابا وافتخارا ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب
العاشرة في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن وإذا سمي إنسان باسم قبيح فالسنة تغييره
وينبغي للولد والتلميذ والغلام أن لا يسمي أباه ومعلمه وسيده باسمه
ويستحب تكنية أهل الفضل من الرجال والنساء سواء كان له ولد أم لا وسواء كني بولده أم بغيره
ولا بأس بكنية الصغيرة وإذا كني من له أولاد فالسنة أن يكنى بأكبرهم ونص الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز التكني بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدا أم غيره للحديث الصحيح في ذلك وسنوضحه في أول النكاح إن شاء الله تعالى
ولا بأس بمخاطبة الكافر والمبتدع والفاسق بكنيته إذا لم يعرف بغيرها أو خيف من ذكره باسمه فتنة وإلا فينبغي أن لا يزيد على الاسم
والأدب أن لا يذكر الإنسان كنيته في كتابه ولا غيره إلا أن لا يعرف بغيرها أو كانت أشهر من اسمه
ولا بأس بترخيم الاسم إذا لم يتأذ صاحبه ولا بتلقيب الإنسان بلقب لا يكره
واتفقوا على تحريم تلقيبه بما يكرهه سواء كان صفة له كالأعمش والأعرج أو لأبيه أو لأمه أو غير ذلك
ويجوز ذكره بذلك للتعريف لمن لا يعرفه بغيره ناويا التعريف فقط
وثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الباب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا وأوكوا قربكم واذكروا

اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا وأطفئوا مصابيحكم وفي رواية لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء وفي رواية لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون
فهذه سنن ينبغي المحافظة عليها و جنح الليل بضم الجيم وكسرها ظلامه
وقوله صلى الله عليه وسلم تعرضوا عليها شيئا بضم الراء على المشهور
وقيل بكسرها أي تجعلوه عرضا
وقوله صلى الله عليه وسلم لا ترسلوا فواشيكم هي بالفاء جمع فاشية وهو كل ما ينشر من المال كالبهائم وغيرها وفحمة العشاء ظلمتها
والله أعلم

كتاب الصيد والذبائح
الحيوان المأكول إنما يصير مذكى بأحد طريقين
أحدهما الذبح في الحلق واللبة وذلك في الحيوان المقدور عليه
والثاني العقر المزهق في أي موضع كان وذلك في غير المقدور عليه
ثم الذبح والعقر أربعة أركان
الأول الذابح والعاقر يشترط كونه مسلما أو كتابيا
وتحل ذبيحة الكتابي سواء فيه ما يستحله الكتابي وما لا
وحقيقة الكتابي تأتي في كتاب النكاح إن شاء الله
تعالى
وفي ذبيحة المتولد بين الكتابي والمجوسية قولان كمناكحته والمناكحة والذبيحة لا يفترقان إلا أن الأمة الكتابية تحل ذبيحتها دون مناكحتها
ولو صاد مجوسي سمكة حلت لأن ميتتها حلال
وكما تحرم ذبيحة المجوسي والوثني والمرتد وغيرهم ممن لا كتاب له يحرم صيده بسهم أو كلب
ويحرم ما يشارك فيه مسلما
فلو أمرا سكينا على حلق شاة أو قطع هذا بعض الحلقوم وهذا بعضه أو قتلا صيدا بسهم أو كلب فهو حرام
ولو رميا سهمين أو أرسلا كلبين فإن سبق سهم المسلم أو كلبه فقتل الصيد أو أنهاه إلى حركة المذبوح حل كما لو ذبح مسلم شاة ثم قدها المجوسي
وإن سبق ما أرسله المجوسي أو جرحاه معا أو مرتبا ولم يذفف واحد منهما فهلك بهما أو لم يعلم أيهما قتله فحرام
وقال صاحب البحر متى اشتركا في إمساكه وعقره أو في أحدهما وانفرد واحد بالآخر أو انفرد كل واحد بأحدهما فحرام
ولو كان لمسلم كلبان معلم وغيره

أو معلمان ذهب أحدهما بلا إرسال فقتلا صيدا فكاشتراك كلبي المسلم والمجوسي
ولو هرب الصيد من كلب المسلم فعارضه كلب مجوسي فرده عليه فقتله كلب المسلم حل كما لو ذبح المسلم شاة أمسكها مجوسي
ولو جرحه مسلم أولا ثم قتله مجوسي أو جرحه جرحا غير مذفف ومات بالجرحين فحرام
فلو كان المسلم أثخنه بجراحته فقد ملكه
ويلزم المجوسي قيمته له لأنه أفسده بجعله ميتة
ويحل ما اصطاده المسلم بكلب المجوسي كالذبح بسكينه
قلت لو أكره مجوسي مسلما على ذبح شاة أو محرم حلالا على ذبح صيد فذبح حل ذكره الشيخ إبرهيم المروزي في مسألة الإكراه على القتل
والله أعلم

فرع تحل ذبيحة الصبي المميز على الصحيح وفي غير المميز والمجنون

أحدهما الحل كمن قطع حلق شاة يظنه خشبة
والثاني المنع كنائم بيده سكين وقعت على حلقوم شاة
وصحح الإمام والغزالي وجماعة الثاني
وقطع الشيخ أبو حامد وصاحب المهذب بالحل
قلت الأظهر الحل
والله أعلم
قال صاحب التهذيب فإن كان للمجنون أدنى تمييز وللسكران قصد حل قطعا
وتحل ذبيحة الأعمى قطعا لكن تكره
وفي صيده بالكلب والرمي وجهان
أصحهما لا يحل
ومنهم من قطع به
وقيل عكسه
والأشبه أن الخلاف مخصص بما إذا أخبره بصير الصيد فأرسل السهم أو الكلب
وكذا

صورها في التهذيب وأطلق الوجهين جماعة ويجريان في اصطياد الصبي والمجنون بالكلب والسهم
وقيل يختصان بالكلب وقطع بالحل في السهم كالذبح

فرع الأخرس إن كان له إشارة مفهومة حلت ذبيحته وإلا فكالمجنون قاله
في التهذيب ولتكن سائر تصرفاته على هذا القياس
قلت الأصح الجزم بحل ذبيحة الأخرس الذي لا يفهم وبه قطع الأكثرون
والله أعلم
الركن الثاني الذبيح
الحيوان ثلاثة أقسام
الأول ما لا يؤكل
والثاني مأكول يحل ميته
والثالث مأكول لايحل ميته
فالأول ذبحه كموته
والثاني كالسمك والجراد ولا حاجة إلى ذبحه
وهل يحل أكل السمك الصغار إذا شويت ولم يشق جوفها ويخرج ما فيه فيه وجهان
وجه الجواز عسر تتبعها وعلى المسامحة بها جرى الأولون
قال الروياني بهذا أفتي ورجيعها طاهر عندي وهو اختيار القفال
ولو وجدت سمكة في جوف سمكة فهي حلال كما لو ماتت حتف أنفها بخلاف ما لو ابتلعت طائرا فوجد ميتا في جوفها لا يحل
ولو تقطعت السمكة في جوف سمكة وتغير لونها لم تحل على الأصح لأنها كالروث والقيء
ويكره ذبح السمك إلا أن يكون كبيرا يطول بقاؤه فيستحب ذبحه على الأصح إراحة له
وقيل يستحب تركه ليموت بنفسه
ولو ابتلع سمكة حية أو قطع فلقة منها لم يحرم على الأصح لكن يكره
قلت وطردوا الوجهين في الجراد
ولو ذبح مجوسي سمكة حلت
ولو

قلى السمك قبل موته فطرحه في الزيت المغلي وهو يضطرب قال الشيخ أبو حامد لا يحل فعله لأنه تعذيب
وهذا تفريع على اختياره في ابتلاع السمكة حية أنه حرام
وعلى إباحة ذلك يباح هذا
والله أعلم
أما القسم الثالث فضربان مقدور على ذبحه ومتوحش
فالمقدور عليه لا يحل إلا بالذبح في الحلق واللبة كما سبق في كتاب الأضحية وسواء الإنسي والوحشي إذا ظفر به
وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه مذبح ما دام متوحشا
فلو رماه بسهم أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا من بدنه ومات حل بالإجماع
ولو توحش إنسي بأن ند بعير أو شردت شاة فهو كالصيد يحل بالرمي إلى غير مذبحه وبإرسال الكلب عليه
ولو تردى بعير في بئر ولم يمكن قطع حلقومه فهو كالبعير الناد في حله بالرمي
وهل يحل بإرسال الكلب وجهان
أصحهما عند صاحب البحر التحريم واختار البصريون الحل
قلت الأصح تحريمه
وصححه أيضا الشاشي
والله أعلم
وليس المراد بالتوحش مجرد الإفلات بل متى تيسر اللحوق بعدو أو استعانة بمن مسك الدابة فليس ذلك توحشا ولا يحل إلا بالذبح في المذبح
ولو تحقق الشرود وحصل العجز في الحال فقد أطلق الأصحاب أن البعير كالصيد لأنه قد يريد الذبح في الحال فتكليفه الصبر إلى القدر يشق عليه
قال الإمام والظاهر عندي أنه لا يلحق بالصيد بذلك لأنها حالة عارضة قريبة الزوال لكن لو كان الصبر والطلب يؤدي إلى مهلكة أو مسبعة فهو حينئذ كالصيد
وإن كان يؤدي إلى موضع لصوص وغصاب مترصدين فوجهان
والفرق أن تصرفهم وإتلافهم متدارك بالضمان
والمذهب ما قدمناه عن الأصحاب
ثم في كيفية الجرح المفيد للحل في الناد والمتردي وجهان
أصحهما وبه أجاب الأكثرون يكفي

جرح يفضي إلى الزهوق كيف كان
والثاني لا بد من جرح مذفف واختاره القفال والإمام

فصل إذا أرسل سلاحا كسهم وسيف وغيرهما أو كلبا معلما على صيد
ثم أدرك الصيد حيا نظر إن لم يبق فيه حياة مستقرة بأن كان قطع حلقومه ومريه أو أجافه أو خرق أمعاءه فيستحب أن يمر السكين على حلقه ليريحه
فإن لم يفعل وتركه حتى مات فهو حلال كما لو ذبح شاة فاضطربت أو عدت
وإن بقيت فيه حياة مستقرة فله حالان
أحدهما أن يتعذر ذبحه بغير تقصير من صائده حتى يموت فهو حلال أيضا للعذر
والثاني أن لا يتعذر ذبحه فتركه حتى مات أو تعذر بتقصيره فمات فهو حرام كما لو تردى بعير فلم يذبحه حتى مات
فمن صور الحال الأول أن يشغل بأخذ الآلة وسل السكين فيموت قبل إمكان ذبحه
ومنها أن يمتنع بما فيه من بقية قوة ويموت قبل قدرته عليه
ومنها أن لا يجد من الزمان ما يمكن الذبح فيه
ومن صور الثاني أن لا يكون معه آلة ذبح أو تضيع آلته منه فلو نشبت في الغمد فلم يتمكن من إخراجها حتى مات فهو حرام على الصحيح لأن حقه أن يستصحب غمدا يواتيه
وقال أبو علي بن أبي هريرة والطبري يحل
ولو غصبت الآلة فالصيد حرام على الأصح
والثاني تحل كما لو لم يصل إلى الصيد لسبع حائل حتى مات قال الروياني ولو اشتغل بطلب المذبح فلم يجده حتى مات فهو حلال لأنه لا بد منه بخلاف ما لو اشتغل بتحديد السكين

لأنه يمكن تقديمه
ولو كان يمر ظهر السكين على حلقه غلطا فمات فحرام لأنه تقصير
ولو وقع الصيد منكسا واحتاج إلى قلبه ليقدر على الذبح فمات أو اشتغل بتوجيهه إلى القبلة فمات فحلال
ولو شك بعد موت الصيد هل تمكن من ذكاته فيحرم أم لم يتمكن فيحل فقولان
أظهرهما يحل
وهل يشترط العدو إلى الصيد إذا أصابه السهم أو الكلب وجهان
أحدهما نعم لأنه المعتاد في هذه الحالة لكن لا يكلف المبالغة بحيث يفضي إلى ضرر ظاهر
وأصحهما لا بل يكفي المشي
وعلى هذا فالصحيح الذي قطع به الصيدلاني وصاحب التهذيب وغيرهما أنه لو كان يمشي على هينته فأدركه ميتا حل وإن كان لو أسرع لأدركه حيا
وقال الإمام عندي أنه لا بد من الإسراع قليلا لأن الماشي على هينته خارج عن عادة الطلب
فإن شرطنا العدو فتركه فصادف الصيد ميتا ولم يدر أمات في الزمن الذي يسع العدو أم بعده فينبغي أن يكون على القولين فيما إذا شك في التمكن من الذكاة

فرع لو رمى صيدا فقده قطعتين متساويتين أو متفاوتتين فهما حلال
ولو أبان منه بسيف أو غيره عضوا كيد ورجل نظر إن أبانه بجراحة مذففة ومات في الحال حل العضو وباقي البدن
وإن لم يذففه فأدركه وذبحه أو جرحه جرحا آخر مذففا فالعضو حرام لأنه أبين من حي وباقي البدن حلال
وإن أثبته بالجراحة الأولى فقد صار مقدورا عليه فتعين ذبحه ولا تجزىء سائر الجراحات
ولو مات من تلك الجراحة بعد مضي زمن ولم يتمكن من ذبحه حل باقي البدن ولم يحل العضو على الأصح لأنه أبين من حي فهو كمن قطع ألية شاة ثم ذبحها لا تحل الألية قطعا
والثاني تحل لأن الجرح كالذبح

للجملة فتبعها العضو
وإن جرحه جراحة أخرى والحالة هذه فإن كانت مذففة فالصيد حلال والعضو حرام وإلا فالصيد حلال أيضا والعضو حرام على الصحيح لأن الإبانة لم تتجرد ذكاة للصيد
الركن الثالث آلة الذبح والاصطياد هي ثلاثة أقسام
الأول المحددات الجارحة بحدها من الحديد كالسيف والسكين والسهم والرمح أو من الرصاص أو من النحاس أو الذهب أو الخشب المحدد أو القصب أو الزجاج أو الحجر فيحصل الذبح بجميعها ويحل الصيد المقتول بها إلا الظفر والسن وسائر العظام فإنه لا يحل بها سواء عظم الآدمي وغيره المتصل والمنفصل
وفي وجه أن عظم المأكول تحصل الذكاة به وهو شاذ ضعيف
ولو ركب عظما على سهم وجعله نصلا له فقتل به صيدا لم يحل على المشهور
القسم الثاني الآلات المثقلات إذا أثرت بثقلها دقا أو خنقا لم يحل الحيوان وكذا المحدد إذا قتل بثقله بل لا بد من الجرح
فيحرم الطير إذا مات ببندقة رمي بها خدشته أم لا قطعت رأسه أم لا
ولو وقع صيد في بئر محفورة له فمات بالانصدام أو الخنق بأحبولة منصوبة له أو كان رأس الحبل بيده فجره ومات الصيد أو مات بسهم لا نصل فيه ولا حد له أو بثقل السيف أو مات الطير الضعيف بإصابة عرض السهم أو قتل بسوط أو عصا فكله حرام
ولو ذبح بحديدة لا تقطع لم يحل لأن القطع هنا بقوة الذابح وشدة الاعتماد لا بالآلة
ولو خسق فيه العصا ونحوه حكى الروياني أنه إن كان محددا يمور مور السلاح فهو حلال
وإن كان لا يمور إلا مستكرها نظر إن كان العود خفيفا قريبا من السهم حل
وإن كان ثقيلا لم يحل

فرع إذا لم يجرح الكلب الصيد لكن تحامل عليه فقتله بضغطته
الأظهر
فرع إذا مات الصيد بشيئين محرم ومبيح بأن مات بسهم وبندقة أصاباه
من رام أو راميين أو صيب الصيد طرف من النصل فيجرحه ويؤثر فيه عرض السهم في مروره فيموت منهما أو يرمي إلى صيد سهما فيقع على طرف سطح ثم يسقط منه أو على جبل فيتدهور منه أو يقع في ماء أو على شجر فينصدم بأغصانه أو يقع على محدد من سكين وغيره فكل هذ حرام
ولو تدحرج المجروح من الجبل من جنب إلى جنب حل ولا يضر ذلك لأنه لا يؤثر في التلف
وإن أصاب السهم الطائر في الهواء فوقع على الأرض ومات حل سواء مات قبل وصوله الأرض أو بعده لأنه لا بد من الوقوع فعفي عنه كما لو كان الصيد قائما فأصابه السهم ووقع على جنبه وانصدم بالأرض ومات فإنه يحل
ولو زحف على قليلا بعد إصابة السهم فهو كالوقوع على الأرض فيحل
ولو لم يجرحه السهم في الهواء لكن كسر جناحه فوقع ومات فحرام لأنه لم يصبه جرح يحال الموت عليه
ولو كان الجرح خفيفا لا يؤثر مثله لكن عطل جناحه فسقط ومات فحرام
ولو جرحه السهم في الهواء فوقع في بئر إن كان فيها ماء فقد سبق بيانه وإلا فهو حلال وقعر البئر كالأرض
والمراد إذا لم تصادمه جدران البئر
ولو كان الطائر على شجرة فأصابه السهم فوقع على الأرض ومات

حل
وإن وقع على غصن ثم على الأرض لم يحل
وليس الانصدام بالأغصان أو بأحرف الجبل عند التدهور من أعلاه كالانصدام بالأرض فإن ذلك الانصدام ليس بلازم ولا غالب والانصدام بالأرض لازم
وللإمام احتمال في الصورتين لكثرة وقوع الطير على الشجر والانصدام بطرف الجبل إذا كان الصيد فيه

فرع إذا رمي طير الماء إن كان على وجه الماء فأصابه ومات
له كالأرض
وإن كان خارج الماء ووقع فيه بعد إصابة السهم ففي حله وجهان ذكرهما في الحاوي
وقطع في التهذيب بالتحريم
وفي شرح مختصر الجويني بالحل
فلو كان الطائر في هواء البحر قال في التهذيب إن كان الرامي في البر لم يحل
وإن كان في السفينة في البحر حل
فرع جميع ما ذكرنا فيما إذا لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى
المذبوح
فإن انتهى إليها بقطع الحلقوم والمريء أو غيره فقد تمت ذكاته ولا أثر لما يعرض بعده
فرع لو أرسل كلب في عنقه قلادة محددة فجرح الصيد بها حل
أرسل سهما قاله في التهذيب
وقد يفرق بأنه قصد بالسهم الصيد ولم يقصده بالقلادة

القسم الثالث الجوارح فيجوز الاصطياد بجوارح السباع كالكلب والفهد والنمر وغيرها
وبجوارح الطير كالبازي والشاهين والصقر
وفي وجه يحكى عن أبي بكر الفارسي لا يجوز الاصطياد بالكلب الأسود وهو شاذ ضعيف
والمراد بجواز الاصطياد بها أن ما أخذته وجرحته وأدركه صاحبها ميتا أو في حركة المذبوح حل أكله
ويقوم إرسال الصائد وجرح الجارح في أي موضع كان مقام الذبح في المقدور عليه
وأما الاصطياد بمعنى إثبات الملك فلا يختص بل يحصل بأي طريق تيسر
ثم يشترط لحل ما قتله الجوارح كون الجارح معلما
فإن لم يكن معلما لم يحل ما قتله
فإن أدرك وفيه حياة مستقرة ذكاه كغيره
ويشترط في كون الكلب معلما أربعة أمور
أحدها أن ينزجر بزجر صاحبه كذا أطلقه الجمهور وهو المذهب
وقال الإمام يعتبر ذلك في ابتداء الأمر
فأما إذا انطلق واشتد عدوه ففي اشتراطه وجهان
أصحهما يشترط
الثاني أن يسترسل بإرساله
ومعناه أنه إذا أغري بالصيد هاج
الثالث أن يمسك الصيد فيحبسه على صاحبه ولا يخليه
الرابع أن لا يأكل منه على المشهور
وفي قول شاذ لا يضر الأكل
هذا حكم الكلب وما في معناه من جوارح السباع
وذكر الإمام أن ظاهر المذهب أنه يشترط أيضا أن ينطلق بإطلاق صاحبه وأنه لو انطلق بنفسه لم يكن معلما
ورآه الإمام مشكلا من حيث أن الكلب على أي صفة كان إذا رأى صيدا بالقرب منه وهو على كلب الجوع يبعد انكفافه
وأما جوارح الطير فيشترط فيها أن تهيج عند الإغراء أيضا
ويشترط ترك أكلها من الصيد أيضا على الأظهر
قال الإمام ولا يطمع في انزجارها بعد الطيران ويبعد أيضا اشتراط انكفافها في أول الأمر

ثم في الفصل مسائل
إحداها الأمور المشترطة في التعليم يشترط تكررها ليغلب على الظن تأدب الجارحة
والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح على الصحيح الذي اقتضاه كلام الجمهور
وقيل يشترط تكرره ثلاث مرات
وقيل مرتين
الثانية إذا ظهر أنه معلم ثم أكل من صيد قبل قتله أو بعده ففي حل ذلك الصيد قولان
أظهرهما لا يحل
قال الإمام وددت لو فصل فاصل بين أن ينكف زمانا ثم يأكل وبين أن يأكل بنفس الأخذ لكن لم يتعرضوا له
قلت فصل الجرجاني وغيره فقالوا إن أكل عقيب القتل ففيه القولان وإلا فيحل قطعا
والله أعلم
فإذا قلنا بالتحريم فلا بد من استئناف التعليم ولا ينعطف التحريم على ما اصطاده من قبل
فإذا قلنا بالحل فتكرر أكله وصار عادة له حرم الصيد الذي أكل منه بلا خلاف
وفي تحريم الصيود التي أكل منها من قبل وجهان وقد ترجح منهما التحريم
قال في التهذيب إذا أكل من الصيد الثاني حرم وفي الأول الوجهان
وإذا أكل من الثالث حرم وفيما قبله الوجهان
وهذا ذهاب إلى أن الأكل مرتين يخرجه عن كونه معلما
وقد ذكرنا خلافا في تكرر الصفات التي يصير بها معلما ويجوز أن يفرق بينهما بأن أثر التعليم في الحل وأثر الأكل في التحريم فعملنا بالاحتياط فيهما
وعلى هذا لو عرفنا كونه معلما لم ينعطف الحل على ما سبق بلا خلاف
وفي انعطاف التحريم الخلاف المذكور
ولو لعق الكلب الدم لم يضر على الفذهب
وأشار الإمام إلى وجه ضعيف
ولو أكل حشوة الصيد فطريقان
أصحهما على قولي اللحم
والثاني القطع بالحل لأنها غير مقصودة كالدم
ولو لم يسترسل عند الإرسال أو لم ينزجر عند الزجر فينبغي أن يكون في تحريم الصيد وخروجه عن كونه معلما

الخلاف في الأكل قال القفال لو أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع وصار يقاتل دونه فهو كالأكل
وجوارح الطير إذا أكلت منه وقلنا يشترط في التعليم تركها الأكل فطريقان
أصحهما طرد القولين كالكلب
والثاني القطع بالحل
الثالثة معض الكلب من الصيد نجس يجب غسله سبعا مع التعفير كغيره
فإذا غسل حل أكله هذا هو المذهب
وقيل إنه طاهر
وقيل نجس يعفى عنه ويحل أكله بلا غسل
وقيل نجس لا يطهر بالغسل بل يجب تقوير ذلك الموضع وطرحه لأنه يتشرب لعابه فلا يتخلله الماء
قال الإمام وهذا القائل يطرد ما ذكره في كل لحم وما في معناه بعضه الكلب بخلاف موضع يناله لعابه بغير عض
وقيل إن أصاب ناب الكلب عرقا نضاخا بالدم سرى حكم النجاسة إلى جميع الصيد ولم يحل أكله
قال الإمام هذا غلط لأن النجاسة وإن اتصلت بالدم فالعرق وعاء حاجز بينه وبين اللحم ثم الدم إذا كان يفور امتنع غوص النجاسة فيه كالماء المتصعد من فواره إذا وقعت نجاسة على أعلاه لم ينجس ما تحته

فرع ذكرنا أن النمر والفهد كالكلب في حل ما قتلاه

وهكذا نص عليه الشافعي والأصحاب
وذكر الإمام أن الفهد يبعد فيه التعلم لأنفته وعدم انقياده
فإن تصور تعلمه على ندور فهو كالكلب
وهذا الذي قاله لا يخالف ما قاله الشافعي والأصحاب
وفي كلام الغزالي ما يوهم خلاف هذا وهو محمول على ما ذكره الإمام فلا خلاف فيه

الركن الرابع نفس الذبح وعقر الصيد
أما نفس الذبح فسبق في باب الأضحية
وأما العقر الذي يبيح الصيد بلا ذكاة فهو الجرح المقصود المزهق الوارد على حيوان وحشي
أما الجرح فيخرج عنه الخنق والوقذ ونحوهما
وأما القصد فله ثلاث مراتب
الأولى قصد أصل الفعل الجارح
فلو كان في يده سكين فسقط فانجرح به صيد ومات أو نصب سكينا أو منجلا أو حديدة فانعقر به صيد ومات أو كان في يده سكين فاحتكت بها شاة فانقطع حلقومها أو وقعت على حلقها فقطعته فهي حرام
وحكي وجه عن أبي إسحق أنه تحل الشاة في صورة وقوع السكين من يده ولا شك أن الصيد في معناها وهذا الوجه شاذ ضعيف
ولو كان في يده حديدة فحركها وحكت الشاة أيضا حلقها بالحديدة فحصل انقطاع حلقها بالحركتين فهي حرام

فرع إذا استرسل الكلب المعلم بنفسه فقتل صيدا فهو حرام

فلو أكل منه لم يقدح ذلك في كونه معلما بلا خلاف وإنما يعتبر الإمساك إذا أرسله صاحبه
ولو زجره صاحبه لما استرسل فانزجر ووقف ثم أغراه فاسترسل وقتل الصيد حل بلا خلاف
وإن لم ينزجر ومضى على وجهه لم يحل سواء زاد عدوه وحدته أم لا
فلو لم يزجره بل أغراه فإن لم يزد عدوه فحرام
وكذا إن زاد على الأصح
فإن كان الإغراء وزيادة العدو بعد ما زجره فلم ينزجر فعلى الوجهين وأولى بالتحريم وبه قطع العراقيون
ولو أرسل مسلم كلبا فأغراه مجوسى فازداد عدوه فإن قلنا في الصورة السابقة لا ينفأما ينقطع

الاسترسال ولا يؤثر الإغراء حل هنا
ولا يؤثر إغراء المجوسي
وإن قطعناه وأحلنا على الإغراء لم يحل هنا كذا ذكر الجمهور هذا البناء
وقطع في التهذيب بالتحريم
واختاره القاضي أبو الطيب لأنه قطع للأول أو مشاركة وكلاهما يحرمه
ولو أرسل مجوسي كلبا فأغراه مسلم فازداد عدوه فوجهان بناء على عكس ما تقدم ومنهم من قطع بالتحريم
ولو أرسل مسلم كلبه فزجره فضولي فانزجر ثم أغراه فاسترسل فأخذ صيدا فلمن يكون الصيد وجهان
أصحهما للغاصب
ولو زجره فلم ينزجر فأغراه أو لم يزجره بل أغراه وزاد عدوه وقلنا الصيد للغاصب خرج على الخلاف في أن الإغراء يوسف يقطع حكم الابتداء أم لا إن قلنا لا وهو الأصح فالصيد لصاحب الكلب وإلا فللغاصب الفضولي
قال الإمام ولا يمتنع تخريج وجه باشتراكهما

فرع لو أصاب السهم الصيد بإعانة الريح وكان يقصر عنه لولا الريح
حل قطعا لأنه لا يمكن الاحتراز عن هبوبها هكذا صرح به الأصحاب كلهم وأبدى الإمام فيه ترددا
ولو أصاب الأرض أو انصدم بحائط ثم ازدلف وأصاب الصيد أو أصاب حجرا فنبا عنه وأصاب الصيد أو نفذ فيه إلى الصيد أو كان الرامي في نزع القوس فانقطع الوتر وصدم الفوق فارتمى السهم وأصاب الصيد حل على الأصح
المرتبة الثانية قصد جنس الحيوان فلو أرسل سهما في الهواء أو فضاء من الأرض لاختبار قوته أو رمى إلى هدف فاعترض صيد فأصابه وقتله وكان لا يخطر له الصيد أو كان يراه ولكن رمى إلى الهدف
أو ذئب

ولا يقصد الصيد فأصابه لم يحل على الأصح المنصوص لعدم قصده
ولو كان يجيل سيفه فأصاب عنق شاة وقطع الحلقوم والمريء من غير علم بالحال فقطع الإمام وغيره بأنها ميتة قد يجيء في هذا الخلاف وأيضا الوجه المنقول فيما لو وقع السكين من يده
ولو أرسل كلبا حيث لا صيد فاعترض صيد فقتله لم يحل على المذهب
وفي الكافي للروياني وغيره فيه وجهان ولو رمى ما ظنه حجرا أو جرثومة أو آدميا معصوما أو غير معصوم أو خنزيرا أو حيوانا آخر محرما فكان صيدا فقتله أو ظنه صيدا غير مأكول فكان مأكولا أو قطع في ظلمة ما ظنه ثوبا فكان حلق شاة فانقطع الحلقوم والمريء أو أرسل كلبا إلى شاخص يظنه حجرا فكان صيدا أو لم يغلب على ظنه شىء من ذلك أو ذبح في ظلمة حيوانا يظنه محرما فبان أنه ذبح شاة حل جميع ذلك على الصحيح
ولو رمى إلى شاته الربيطة سهما جارحا فأصاب الحلقوم والمريء وفاقا وقطعهما ففي حل الشاة مع القدرة على ذبحها احتمال للإمام وقال ويجوز أن يفرق بين أن يقصد المذبح بسهمه وبين أن يقصد الشاة فيصيب المذبح
قلت الأرجح الحل
والله أعلم
المرتبة الثالثة قصد عين الحيوان فإذا رمى صيدا يراه أو لا يراه لكن يحس به في ظلمة أو من وراء حجاب بأن كان بين أشجار ملتفة وقصده حل فإن لم يعلم به بأن رمى وهو لا يرجو صيدا فأصاب صيدا ففيه الخلاف السابق في المرتبة الثانية
وإن كان يتوقع صيدا فبنى الرمي عليه بأن رمى في ظلمة وقال ربما أصبت صيدا فأصابه فأوجه
أصحها التحريم
والثاني يحل
والثالث إن توقعه بظن غالب حل وإن كان مجرد تجويز حرم
ولو رمى إلى سرب من الظباء أو أرسل كلبا فأصاب واحدة منها فهي حلال

قطعا
ولو قصد منها ظبية بالرمي فأصاب غيرها فأوجه
أصحها الحل مطلقا
والثاني التحريم
والثالث إن كان حالة الرمي يرى المصاب حل وإلا فلا
والرابع إن كان المصاب من السرب الذي رآه ورماه حل وإلا فلا
ومنهم من قطع بالحل وسواء عدل السهم عن الجهة التي قصدها إلى غيرها أم لا
ولو رمى شاخصا يعتقده حجرا وكان حجرا فأصاب ظبية لم تحل على الأصح وبه قطع الصيدلاني وغيره
وإن كان الشاخص صيدا ومال السهم عنه وأصاب صيدا آخر ففيه الوجهان وأولى بالحل
ولو رمى شاخصا ظنه خنزيرا وكان خنزيرا أو صيدا فلم يصبه وأصاب ظبية لم يحل على الأصح فيهما لأنه قصد محرما
والخلاف فيما إذا كان خنزيرا أضعف
ولو رمى شاخصا ظنه صيدا فبان حجرا أو خنزيرا أو أصاب السهم صيدا قال في التهذيب إن اعتبرنا ظنه فيما إذا رمى ما ظنه حجرا فكان صيدا وأصاب السهم صيدا آخر وقلنا بالتحريم فهنا يحل الصيد الذي أصابه
وإن اعتبرنا الحقيقة وقلنا بالحل هناك حرم هنا
وأما إذا أرسل كلبا على صيد فقتل صيدا أخر فينظر إن لم يعدل عن جهة الإرسال بل كان فيها صيود فأخذ غير ما أغراه عليه حل على الصحيح كما في السهم وإن عدل إلى جهة أخرى فأوجه
أصحها الحل لأنه تعسر تكليفه ترك العدول ولأن الصيد لو عدل فتبعه حل قطعا
والثاني يحرم
والثالث وهو اختيار صاحب الحاوي إن خرج عادلا عن الجهة حرم وإن خرج إليها ففاته الصيد فعدل إلى غيرها وصاد حل لأنه يدل على حذقه حيث لم يرجع خائبا
وقطع الإمام بالتحريم إذا عدل وظهر من عدوله واختياره بأن امتد في جهة الإرسال زمانا ثم ثار صيد آخر فاستدبر المرسل إليه وقصد الآخر
وأما كون الجرح مزهقا فيخرج منه ما لو مات بصدمة أو افتراس سبع أو أعان ذلك الجرح غيره على ما بينا في نظائره فلا يحل
ولو غاب عنه الكلب والصيد ثم وجده ميتا لم يحل على الصحيح لاحتمال موته بسبب آخر ولا أثر لتضمخه بدمه فربما جرحه الكلب وأصابته جراحة أخرى
وإن جرحه

فغاب ثم أدركه ميتا فإن انتهى إلى حركة المذبوح بالجرح حل ولا أثر لغيبته
وإن لم ينته فإن وجد في ماء أو وجد عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى لم يحل
وإن لم يكن عليه أثر آخر فثلاث طرق
أحدها يحل قطعا
والثاني يحرم قطعا
وأصحها على قولين
أظهرهما عند الجمهور من العراقيين وغيرهم التحريم
وأظهرهما عند صاحب التهذيب التحليل وتسمى هذه مسألة الإنماء
قلت الحل أصح دليلا
وصححه أيضا الغزالي في الإحياء وثبتت فيه الأحاديث الصحيحة ولم يثبت في التحريم شىء وعلق الشافعي الحل على صحة الحديث
والله أعلم

فصل تستحب التسمية عند الذبح و عند إرسال الكلب والسهم

وقد سبق بيان ذلك وما يتفرع عليه في باب الأضحية
فصل في بيان ما يملك به الصيد يملك بطرق

منها أن يضبطه بيده ولا يعتبر قصد التملك في أخذه بيده حتى لو أخذ صيدا لينظر إليه ملكه
ولو سعى خلف صي فوقف الصيد للإعياء لم يملكه حتى يأخذه بيده

ومنها أن يجرحه جراحة مذففة أو يرميه فيثخنه ويزمنه فيملكه وكذا إن كان طائرا فكسر جناحه فعجز عن الطيران والعدو جميعا
ويكفي للتملك إبطال شدة العدو وصيرورته بحيث يسهل لحاقه
ولو جرحه فعطش فثبت لم يملكه إن كان العطش لعدم الماء
وإن كان لعجزه عن الوصول إلى الماء ملكه لأن عجزه بالجراحة
ومنها وقوعه في شبكة منصوبة له
فلو طرده طارد فوقع في الشبكة فهو لصاحب الشبكة لا للطارد
وفي الحاوي أنه لو وقع في شبكة ثم تقطعت فأفلت الصيد فإن كان ذلك بقطع الصيد الواقع عاد مباحا فيملكه من صاده وإلا فهو باق على ملك صاحب الشبكة فلا يملكه غيره
وقال الغزالي في الوسيط في باب النثر لو وقع في شبكته فأفلت لم يزل ملكه على الصحيح
ومنها إذا أرسل كلبا فأثبت صيدا ملكه فلو أرسل سبعا آخر فعقره وأثبته قال في الحاوي إن كان له يد على السبع ملكه كإرسال الكلب وإلا فلا
وإن أفلت الصيد بعد ما أخذه الكلب ففي البحر أن بعض الأصحاب قال إن كان ذلك قبل أن يدركه صاحبه لم يملكه وإلا فوجهان لأنه لم يقبضه ولا زال امتناعه
قلت أصحهما لا يملكه
والله أعلم
ومنها إذا ألجأه إلى مضيق لا يقدر على الانفلات منه ملكه
وذلك بأن يدخله بيتا ونحوه
وقد يرجع جميز هذا إلى شىء واحد فيقال سبب ملك الصيد إبطال امتناعه وحصول الاستيلاء عليه وذلك يحصل بالطرق المذكورة

فرع لو توحل صيد بمزرعته وصار مقدورا عليه فوجهان

أحدهما يملكه كما لو وقع في شبكته
وأصحهما لا لأن لا يقصد بسقي الأرض الاصطياد
قال الإمام الخلاف فيما إذا لم يكن سقى الأرض بما يقصد به توحل الصيود فإن كان يقصد فهو كنصب الشبكة
ولم يتعرض الروياني لمزرعة الشخص بل قال لو توحل وهو في طلبه لم يملكه لأن الطين ليس من فعله
فلو كان هو أرسل الماء في الأرض ملكه لأن الوحل حصل بفعله فهو كالشبكة
ويشبه أن يرجع هذا إلى ما ذكره الإمام من قصد الاصطياد بالسقي
ولو وقع صيد في أرضه وصار مقدورا عليه أو عشش طائر فيها وباض وفرخ وحصلت القدرة على البيض والفرخ لم يملكه على الأصح وبه قطع في التهذيب وقال لو حفر حفرة لا للصيد فوقع فيها صيد لم يملكه
وإن حفر للصيد ملك ما وقع فيه
ولو أغلق باب الدار لئلا يخرج ملكه قال الإمام قال الأصحاب إذا قلنا لا يملكه صاحب الدار فهو أولى بتملكه وليس لغيره أن يدخل ملكه ويأخذه
فإن فعل فهل يملكه وجهان كمن تحجر مواتا وأحياه غيره هل يملكه وهذه الصورة أولى بثبوت الملك لأن التحجر للإحياء ولا يقصد ببناء الدار تملك الصيد الواقع فيها
ولو قصد ببناء الدار تعشيش الطائر فعشش فيها طير أو وقعت الشبكة من يده بغير قصد فتعقل بها صيد فوجهان لأنه وجد في الأولى قصد لكنه ضعيف
وفي الثانية حصل استيلاء بملكه لكن بلا قصد
والأصح أنه يملك في الأولى
دون الثانية

فرع لو اضطر سمكة إلى بركة صغيرة أو حوض صغير على
كما سبق فيمن ألجأ صيدا إلى مضيق
والصغير ما يسهل أخذها منه
فلو دخلت بنفسها عاد الخلاف فيما إذا دخل الصيد ملكه
فإن قلنا بالأصح إنه لا يملك بالدخول فسد منافذ البركة ملكها لأنه تسبب إلى ضبطها
ولو اضطرها إلى بركة واسعة يعسر أخذ السمكة منها أو دخلتها السمكة فسد منافذها لم يملكها لكن يثبت له اختصاص كالمتحجر
فرع لو دخل بستان غيره وصاد فيه طائرا ملكه الصائد بلا خلاف

فصل من ملك صيدا ثم أفلت منه لم يزل ملكه عنه
ومن أخذه لزمه رده إليه وسواء كان يدور في البلد وحوله أو التحق بالوحوش
ولو أرسله مالكه لم يزل عنه ملكه على الأصح المنصوص كما لو سيب دابته ولا يجوز ذلك لأنه يشبه سوائب الجاهلية لأنه قد يختلط بالمباح فيصاد
وقيل يزول
وقيل إن قصد بإرساله التقرب إلى الله تعالى زال وإلا فلا
فإن قلنا يزول عاد مباحا فمن صاده ملكه وإن قلنا لا يزول لم يجز لغيره أن يصيده إذا عرفه
فإن قال عند الإرسال أبحته لمن أخذه حصلت الإباحة

ولا ضمان على من أكله لكن لا ينفذ تصرفه فيه
وإذا قلنا بالوجه الثالث فأرسله تقربا إلى الله تعالى فهل يحل اصطياده لرجوعه إلى الإباحة أم لا كالعبد المعتق وجهان
قلت الأصح الحل لئلا يصير في معنى سوائب الجاهلية
والله أعلم
ولو ألقى كسرة خبز معرضا فهل يملكها من أخذها فيه وجهان مرتبان على إرسال الصيد
وأولى بأن لا يملك بل تبقى على ملك الملقي لأن سبب الملك في الصيد اليد وقد أزالها
قال الإمام هذا الخلاف في زوال الملك وما فعله إباحة للطاعم في ظاهر المذهب لأن القرائن الظاهرة تكفي الإباحة
هذا لفظ الإمام ويوضحه ما نقل عن الصالحين من التقاط السنابل
قلت الأصح أنه يملك الكسرة والسنابل ونحوها ويصح تصرفه فيها بالبيع وغيره وهذا ظاهر أحوال السلف ولم يحك أنهم منعوا من أخذ شيئا من ذلك من التصرف فيه
والله أعلم

فرع لو أعرض عن جلد ميتة فأخذ غيره ودبغه ملكه على المذهب
لم يكن مملوكا للأول وإنما كان له اختصاص ضعيف زال بالإعراض
فرع من صاد صيدا عليه أثر ملك بأن كان موسوما أو مقرطا

أو مقصوص الجناح لم يملكه لأنه يدل على أنه كان مملوكا فأفلت ولا ينظر إلى احتمال أنه صاده محرم ففعل به ذلك ثم أرسله فإنه تقدير بعيد

فرع لو صاد سمكة في جوفها درة مثقوبة لم يملك الدرة بل

وإن كانت غير مثقوبة فهي له مع السمكة
ولو اشترى سمكة فوجد في جوفها ذرة غير مثقوبة فهي للمشتري
وإن كانت مثقوبة فهي للبائع إن ادعاها كذا قال في التهذيب
ويشبه أن يقال الدرة لصائد السمكة كالكنز الموجود في الأرض يكون لمحييها
فصل إذا تحول بعض حمام برجه إلى برج غيره

فإن كان المتحول ملكا للأول لم يزل ملكه عنه ويلزم الثاني رده
فإن حصل بينهما بيض أو فرخ فهو تبع للأنثى دون الذكر
ولو ادعى تحول حمامه إلى برج غيره لم يصدق إلا ببينة والورع أن يصدقه إلا أن يعلم كذبه
وإن كان المتحول مباحا دخل برج الأول فعلى الخلاف السابق في دخول الصيد ملكه
فإن قلنا بالأصح إنه لا يملكه فللثاني أن يتملكه ومن دخل برجه حمام وشك هل هو مباح أم مملوك فهو أولى به وله التصرف فيه لأن الظاهر أنه مباح
ولو تحقق أنه اختلط بملكه ملك غيره وعسر التمييز ففي التهذيب أنه لو اختلطت حمامة واحدة بحماماته فله أن يأكل بالاجتهاد واحدة واحدة حتى تبقى واحدة
كما لو اختلطت ثمرة الغير بثمره
والذي حكاه الروياني أنه ليس له أن يأكل واحدة منها حتى يصالح

ذلك الغير أو يقاسمه
ولهذا قال بعض مشايخنا ينبغي للمتقي أن يجتنب طير البروج وأن يجتنب بناءها
ونقل الإمام وغيره أنه ليس لواحد منهما التصرف في شىء منها ببيع أو هبة لثالث لأنه لا يتحقق الملك
ولو باع أحدهما أو وهب للآخر صح على الأصح وتحتمل الجهالة للضرورة
ولو باعا الحمام المختلط كله أو بعضه لثالث ولا يعلم كل واحد منهما عين ماله فإن كان الأعداد معلومة كمائتين ومائة والقيمة متساوية ووزعا الثمن على أعدادهما صح البيع باتفاق الأصحاب وإن جهلا العدد لم يصح لأنه لا يعلم كل واحد حصته من الثمن
فالطريق أن يقول كل واحد بعتك الحمام الذي لي في هذا البرج بكذا فيكون الثمن معلوما
ويحتمل الجهل في المبيع للضرورة
قال في الوسيط لو تصالحا على شىء صح البيع واحتمل الجهل بقدر المبيع ويقرب من هذا ما أطلق في مقاسمتهما
واعلم أن الضرورة قد تجوز المسامحة ببعض الشروط المعتبرة في العقود كالكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار يصح اصطلاحهن على القسمة بالتساوي أو بالتفاوت مع الجهل بالاستحقاق فيجوز أن تصح القسمة هنا أيضا بحسب تراضيهما ويجوز أن يقال إذا قال كل منهما بعت مالي من حمام هذا البرج بكذا والأعداد مجهولة يصح أيضا مع الجهل بما يستحق كل واحد منهما والمقصود أن ينفصل الأمر بحسب ما يتراضيان عليه ولو باع أحدهما جميع حمام البرج بإذن الآخر فيكون أصيلا في البعض ووكيلا في البعض جاز ثم يقتسمان الثمن

فرع لو اختلطت حمامة مملوكة أو حمامات بحمامات مباحة محصورة لم
يجز الاصطياد منها
ولو اختلطت بحمام ناحية جاز الاصطياد في الناحية
ولا يتغير حكم ما لا يحصر في العادة باختلاط ما يحصر به
وإن اختلط حمام أبراج مملوكة لا يكاد يحصر بحمام بلدة أخرى مباحة ففي جواز الاصطياد منها وجهان
أصحهما يجوز وإليه ميل معظم الأصحاب
قلت من أهم ما يجب معرفته ضبط العدد المحصور فإنه يتكرر في أبواب الفقه وقل من بينه قال الغزالي في الإحياء في كتاب الحلال والحرام تحديد هذا غير ممكن وإنما يضبط بالتقريب
قال فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد يعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر كالألف ونحوه فهو غير محصور
وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن
وما وقع فيه الشك استفتي فيه القلب
والله أعلم
فرع إذا انثالت حنطته على حنطة غيره أو انصب مائعه في مائعه
قدرهما فليكن الحكم فيهما على ما ذكرنا في الحمام المختلط

فرع لو ملك الماء بالاستقاء ثم انصب في نهر لم يزل
يمنع الناس من الاستقاء وهو في حكم اختلاط المحصور بغير محصور
قلت ولو اختلط درهم حرام أو درهم بدراهمه ولم تتميز أو دهن بدهن أو نحو ذلك قال الغزالي في الإحياء وغيره من أصحابنا طريقه أن يفصل قدر الحرام فيصرفه إلى الجهة التي يحب صرفه إليها ويبقى الباقي له يتصرف فيه بما أراد
والله أعلم
فصل في الاشتراك والازدحام على الصيد وله أربعة أحوال

الأول أن يتعاقب جرحان من اثنين
فالأول منهما إن لم يكن مذففا ولا مزمنا بل بقي على امتناعه وكان الثاني مذففا أو مزمنا فالصيد للثاني ولا شىء على الأول بجراحته
وإن كان جرح الأول مذففا فالصيد للأول وعلى الثاني أرش ما نقص من لحمه وجلده
وإن كان جرح الأول مزمنا فله الصيد به وينظر في الثاني فإن ذفف بقطع الحلقوم والمريء فهو حلال للأول وعلى الثاني ما بين قيمته مذبوحا ومزمنا
قال الإمام وإنما يظهر التفاوت إذا كان فيه حياة مستقرة فإن كان متألما بحيث لو لم يذبح لهلك فما عندي أنه ينقص منه بالذبح شىء
وإن ذفف الثاني لا بقطع الحلقوم والمريء أو لم يذفف ومات بالجرحين

فهو ميتة
وكذا الحكم لو رمى إلى صيد فأزمنه ثم رمى إليه ثانيا وذفف لا بقطع المذبح ويجب على الثاني كمال قيمة الصيد مجروحا إن ذفف
فإن جرح بلا تذفيف ومات بالجرحين ففيما يجب عليه كلام له مقدمة نذكرها أولا وهي إذا جنى رجل على عبد أو بهيمة أو صيد مملوك قيمته عشرة دنانير جراحة أرشها دينار ثم جرحه آخر جراحة أرشها دينار أيضا فمات بالجرحين ففيما يلزم الجارحين أوجه
أحدها يجب على الأول خمسة دنانير وعلى الثاني أربعة ونصف لأن الجرحين سريا وصارا قتلا فلزم كل واحد نصف قيمته يوم جنايته قاله ابن سريج وضعفه الأئمة لأن فيه ضياع نصف دينار على المالك
والثاني قاله المزني وأبو إسحق والقفال يلزم كل واحد خمسة
وعلى هذا لو نقصت جناية الأول دينارا والثاني دينارين لزم الأول أربعة ونصف والثاني خمسة ونصف ولو نقصت جناية الأول دينارين والثاني دينارا انعكس فيلزم الأول خمسة ونصف والثاني أربعة ونصف
وضعفوا هذا الوجه لأنه سوى بينهما مع اختلاف قيمته حال جنايتهما
والوجه الثالث حكاه الإمام عن القفال أيضا يلزم الأول خمسة ونصف والثاني خمسة لأن جناية كل واحد نقصت دينارا ثم سرتا والأرش يسقط إذا صارت الجناية نفسا فيسقط عن كل واحد نصف الأرش لأن الموجود منه نصف القتل
واعترض عليه بأن فيه زيادة الواجب على المتلف
وأجاب القفال بأن الجناية قد تنجر إلى إيجاب زيادة كمن قطع يدي عبد فقتله آخر وأجيب عنه بأن قاطع اليدين لا شركة له في القتل والقتل يقطع أثر القتل ويقع موقع الاندمال وهنا بخلافه
والوجه الرابع قال أبو الطيب بن سلمة يلزم كل واحد نصف قيمته يوم جنايته ونصف الأرش لكن لا يزيد الواجب على القيمة فيجمع ما لزمهما تقديرا وهو عشرة ونصف ويقسم القيمة وهي عشرة على العشرة والنصف ليراعي التفاوت بينهما فتبسط أنصافا فتكون أحدا وعشرين فيلزم الأول

أحد عشر جزءا من أحد وعشرين جزءا من شرة ويلزم الثاني عشرة من أحد وعشرين من عشرة وفيه ضعف لإفراد أرش الجناية عن بدل النفس
والوجه الخامس عن صاحب التقريب وغيره واختاره الإمام والغزالي يلزم الأول خمسة ونصف والثاني أربعة ونصف لأن الأول لو انفرد بالجرح والسراية لزمه العشرة فلا يسقط عنه إلا ما يلزم الثاني والثاني إنما جنى على نصف ما يساوي تسعة وفيه ضعف أيضا
والوجه السادس قاله ابن خيران واختاره صاحب الإفصاح وأطبق العراقيون على ترجيحه أنه يجمع بين القيمتين فيكون تسعة عشر فيقسم عليه ما فوتا وهو عشرة فيكون على الأول عشرة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة وعلى الثاني تسعة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة
أما إذا كان الجناة ثلاثة وأرش كل جناية دينار والقيمة عشرة فعلى طريقة المزني يلزم كل واحد منهم ثلاثة وثلث
وعلى الوجه الثالث يلزم الأول أربعة منها ثلاثة وثلث هي ثلث القيمة وثلثان وهما ثلثا الأرش
ويلزم الثاني ثلاثة وثلثان ثلاثة منها ثلث القيمة يوم جنايته وثلثان هما ثلث الأرش ويلزم الثالث ثلاثة منها ديناران وثلث هي ثث القيمة يوم جنايته وثلثان هما ثلثا الأرش فالجملة عشرة وثلثان
وعلى الوجه الرابع توزع العشرة على عشرة وثلثين
وعلى الخامس يلزم الأول أربعة وثلث والثاني ثلاثة والثالث ديناران وثلثان
وعلى السادس تجمع القيم فتكون سبعة وعشرين فتقسم العشرة عليها
أما إذا جرح مالك العبد أو الصيد جراحة وأجنبي أخرى فينظر في جناية المالك أهي الأولى أم الثانية وتخرج على الأوجه فتسقط حصته وتجب حصة الأجنبي
وعن القاضي أبي حامد أن المذكور في الجنايتين على العبد هو فيما إذا لم يكن للجناية أرش مقدر فإن كان فليس العبد فيها كالبهيمة والصيد المملوك حتى لو جنى على عبد غيره جناية ليس لها أرش مقدر وقيمته مائة فنقصته الجناية عشرة ثم جنى آخر جناية لا أرش لها فنقصت عشرة أيضا ومات العبد

منهما فعلى الأول خمسة وخمسون وعلى الثاني خمسون يدفع منها خمسة إلى الأول
قال فلو قطع رجل يد عبد قيمته مائة ثم قطع آخر يده الأخرى لزم الأول نصف أرش اليد وهو خمسة وعشرون ونصف قيمته يوم جنايته وهو خمسون ولزم الثاني نصف أرش اليد وهو خمسة وعشرون ونصف القيمة يوم جنايته وهو أربعون فالجملة مائة وأربعون جميعها للسيد لأن الجناية التي لها أرش مقدر يجوز أن يزيد واجبها على قيمة العبد كما لو قطع يديه فقتله آخر
هذا بيان المقدمة ونعود إلى مسألة الصيد فنقول إذا جرح الثاني جراحة غير مذففه ومات الصيد بالجرحين نظر إن مات قبل أن يتمكن الأول من ذبحه لزم الثاني تمام قيمته مزمنا لأنه صار ميتة بفعله بخلاف ما لو جرح شاة نفسه وجرحها آخر وماتت فإنه لا يجب على الثاني إلا نصف القيمة لأن كل واحد من الجرحين هناك حرام والهلاك حصل بهما وهنا فعل الأول اكتساب وذكاة
ثم مقتضى كلامهم أن يقال إذا كان الصيد يساوي عشرة غير مزمن وتسعة مزمنا لزم الثاني تسعة
واستدرك صاحب التقريب فقال فعل الأول وإن لم يكن إفسادا فيؤثر في الذبح وحصول الزهوق قطعا فينبغي أن يعتبر فيقال إذا كان غير مزمن يساوي عشرة ومزمنا تسعة ومذبوحا ثمانية لزمه ثمانية ونصف فإن الدرهم أثر في فواته الفعلان فيوزع عليهما
قال الإمام وللنظر في هذا مجال ويجوز أن يقال المفسد يقطع أثر فعلي الأول من كل وجه
والأصح ما ذكره صاحب التقريب
وإن تمكن من ذبحه فذبحه لزم الثاني أرش جراحته إن نقص بها وإن لم يذبحه وتركه حتى مات فوجهان
أحدهما لا شىء على الثاني سوى أرش النقص لأن الأول مقصر بترك الذبح
وأصحهما يضمن زيادة على الأرش ولا يكون تركه الذبح مسقطا للضمان كما لو جرح رجل شاته فلم يذبحها مع التمكن لا يسقط الضمان
فعلى هذا فيما يضمن وجهان قال الاصطخري كمال قيمته مزمنا كما لو ذفف بخلاف ما إذا جرح

عبده أو شاته وجرحه غيره أيضا لأن كل واحد من الفعل هناك إفساد والتحريم حصل بهما وهنا الأول إصلاح
والأصح وقول جمهور الأصحاب لا يضمن جميع القيمة بل هو كمن جرح عبده وجرحه غيره لأن الموت حصل بهما وكلاهما إفساد
أما الثاني فظاهر
وأما الأول فلأن ترك الذبح مع التمكن يجعل الجرح وسرايته إفسادا
ولهذا لو لم يوجد الجرح الثاني فترك الذبح كان الصيد ميتة
فعلى هذا تجيء الأوجه في كيفية التوزيع على الجرحين فحصة الأول تسقط وحصة الثاني تجب
الحال الثاني إذا وقع الجرحان معا نظر إن تساويا في سبب الملك فالصيد بينهما وذلك بأن يكون كل واحد مذففا أو مزمنا لو انفرد أو أحدهما مزمنا والآخر مذففا وسواء تفاوت الجرحان صغيرا وكبيرا أو تساويا أو كانا في المذبح أو غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره
وإن كان أحدهما مذففا أو مزمنا لو انفرد والآخر غير مؤثر فالصيد لمن ذفف أو أزمن ولا ضمان على الثاني لأنه لم يجرح ملك الغير
ولو احتمل أن يكون الإزمان بهما أو بأحدهما فالصيد بينهما في ظاهر الحكم ويستحب أن يستحل كل واحد الآخر تورعا
ولو علمنا أن أحدهما مذفف وشككنا هل للآخر أثر في الإزمان والتذفيف أم لا قال القفال هو بينهما
فقيل له لو جرح رجل جراحة مذففة وجرحه أخر جراحة لا ندري أهي مذففة أم لا فمات فقال يجب القصاص عليهما
قال الإمام هذا بعيد والوجه تخصيص القصاص بصاحب المذففة
وفي الصيد يسلم نصفه لمن جرحه مذففا ويوقف نصفه بينهما إلى التصالح أو تبين الحال
فإن لم يتوقع بيان جعل النصف الآخر بينهما نصفين
الحال الثالث إذا ترتب الجرحان وأحدهما مزمن لو انفرد والآخر مذفف وارد على المذبح ولم يعرف السابق فالصيد حلال
فإن اختلفا وادعى كل واحد أنه جرحه أولا وأزمنه وأنه له فلكل واحد تحليف الآخر
فإن حلفا

فالصيد بينهما ولا شىء لأحدهما على الآخر
فإن حلف أحدهما فقط فالصيد له وله على الناكل أرش ما نقص بالذبح
ولو ترتبا وأحدهما مزمن والآخر مذفف في غير المذبح ولم يعرف السابق فالمذهب أن الصيد حرام لاحتمال تقدم الإزمان فلا يحل بعده إلا بقطع الحلقوم والمريء
وقيل فيه قولان كمسألة الإنماء السابقة
ووجه الشبه اجتماع المبيح والمحرم
والفرق على المذهب أنه يقدم هناك جرح يحال عليه
فإن ادعى كل وإحد أنه أزمنه أولا وأن الآخر أفسده فلكل واحد تحليف الآخر
فإن حلفا فذاك
وإن حلف أحدهما لزم الناكل قيمته مزمنا
ولو قال الجارح أولا أزمنته أنا ثم أفسدته بقتلك فعليك القيمة
وقال الثاني لم تزمنه بل كان على امتناعه إلى أن رميته فأزمنته أو ذففته
فإن اتفقا على عين جراحة الأول وعلمنا أنه لا يبقى امتناع معها ككسر جناحه وكسر رجل الممتنع بعدوه فالقول قول الأول بلا يمين وإلا فقول الثاني لأن الأصل بقاء الامتناع
فإن حلف فالصيد له ولا شىء عليه للأول وإن نكل حلف الأول واستحق قيمته مجروحا بالجراحة الأولى ولا يحل الصيد لأنه ميتة بزعمه
وهل للثاني أكله وجهان
قال القاضي الطبري لا لأن إلزامه القيمة حكم بأنه ميتة
وقيل نعم لأن النكول في خصومة الآدمي لا تغير الحكم فيما بينه وبين الله تعالى
ولو علمنا أن الجراحة المذففة سابقة على التي لو انفردت لكانت مزمنة فالصيد حلال
فإن قال كل واحد أنا ذففته فلكل تحليف الآخر
فإن حلفا كان بينهما
وإن حلف أحدهما فالصيد له وعلى الآخر ضمان ما نقص

فرع قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر لو رماه الأول والثاني
ولم

يدر أجعله الأول ممتنعا أم لا جعلناه بينهما نصفين
واعترض عليه فقيل ينبغي أن يحرم هذا الصيد لاجتماع ما يقتضي الإباحة والتحريم
وبتقدير الحل ينبغي أن لا يكون بينهما بل لمن أثبته
واختلف في الجواب فقيل النص محمول على ما إذا أصاب المذبح فيحل سواء أصابه الأول أو الثاني أو على ما إذا رمياه ولم يمت ثم أدركه أحدهما فذكاه ثم اختلفا فيه
وإنما كان بينهما لأنه في أيديهما
وقد يجعل الشىء لاثنين وإن كنا نعلمه في الباطن لأحدهما كمن مات عن ابنين مسلم ونصراني وادعى كل واحد أنه مات على دينه
وحمل أبو إسحق النص على ظاهره فقال إذا رمياه مات ولم يدر أثبته الأول أم الثاني كان الأصل بقاؤه على امتناعه إلى أن عقره الثاني فيكون عقره ذكاة ويكون بينهما لاحتمال الإثبات من كليهما ولا مزية
وقيل في حله قولان كمسألة الإنماء
الحال الرابع إذا ترتب الجرحان وحصل الإزمان بمجموعهما وكل واحد لو انفرد لم يزمن فالأصح عند الجمهور أن الصيد للثاني
وقيل بينهما ورجحه الإمام والغزالي فإن قلنا إنه للثاني أو كان الجرح الثاني مزمنا لو انفرد فلا شىء على الأول بسبب جرحه
فلو عاد بعد إزمان الثاني وجرحه جراحة أخرى نظر إن أصاب المذبح فهو حلال وعليه للثاني ما نقص من قيمته بالذبح وإلا حرم وعليه إن ذفف قيمته مجروحا بجراحته الأولى وجراحة الثاني وكذا إن لم يذفف ولم يتمكن الثاني من ذبحه فإن تمكن وترك الذبح عاد الخلاف السابق فعلى أحد الوجهين ليس على الأول إلا أرش الجراحة الثانية لتقصير المالك وعلى أصحهما لا يقصر الضمان عليه
وعلى هذا ففي وجه عليه نصف القيمة
وخرجه جماعة على الخلاف فيمن جرح عبدا مرتدا فأسلم فجرحه سيده ثم عاد الأول وجرحه ثانية ومات منهما وفيما يلزمه وجهان
أحدهما ثلث القيمة
والثاني ربعها قاله القفال
فعلى هذا يجب هنا ربع القيمة
وعن

صاحب التقريب أنه تعود في التوزيع الأوجه السابقة
واختار الغزالي وجوب تمام القيمة
والمذهب التوزيع كما سبق

فرع الاعتبار في الترتيب والمعية بالإصابة لا بابتداء الرمي

فصل في مسائل منثورة إحداها وقع بعيران في بئر أحدهما فوق الآخر
فطعن الأعلى فمات الأسفل بثقله حرم الأسفل
فإن نفذت الطعنة فأصابته أيضا حلا جميعا
فإن شك هل مات بالثقل أو الطعنة النافذة وقد علم أنها أصابته قبل مفارقة الروح حل
وإن شك هل أصابته قبل مفارقة الروح أم بعدها قال صاحب التهذيب في الفتاوى يحتمل وجهين بناء على العبد الغائب المنقطع خبره هل يجزىء إعتاقه عن الكفارة
الثانية رمى غير مقدور عليه فصار مقدورا عليه ثم أصاب غير المذبح لم يحل
ولو رمى مقدورا عليه فصار غير مقدور عليه فأصاب مذبحه حل
الثالثة أرسل سهمين فأصابا معا حل
وإن أصاب أحدهما بعد الآخر
فإن أزمنه الأول ولم يصب الثاني المذبح لم يحل
وإن أصابه حل وإن لم يزمنه الأول وقتله الثاني حل
وكذا لو أرسل كلبين فأزمنه الأول وقتله الثاني لم يحل قطع المذبح أم لا وكذا لو أرسل سهما وكلبا إن أزمنه السهم

ثم أصابه الكلب لم يحل
وإن أزمنه الكلب ثم أصاب السهم المذبح حل
الرابعة صيد دخل دار إنسان وقلنا بالصحيح إنه لا يملكه فأغلق أجنبي الباب لا يملكه صاحب الدار ولا الأجنبي لأنه متعد لم يحصل الصيد في يده بخلاف ما لو غصب شبكة واصطاد بها
الخامسة لو أخذ الكلب المعلم صيدا بغير إرسال ثم أخذه أجنبي من فيه ملكه الآخذ على الصحيح كما لو أخذ فرخ طائر من شجرته
وغير المعلم إذا أرسله صاحبه فأخذ صيدا فأخذه غيره من فيه وهو حي وجب أن يكون للمرسل ويكون إرساله كنصب شبكة تعقل بها الصيد
ويحتمل خلافه لأن للكلب اختيارا
السادسة تعقل الصيد بالشبكة ثم قلعها وذهب بها فأخذه إنسان نظر إن كان يعدو ويمتنع مع الشبكة ملكه الآخذ وإن كان ثقل الشبكة يبطل امتناعه بحيث يتيسر أخذه فهو لصاحب الشبكة لا يملكه غيره
السابعة إذا أرسل كلبه فحبس صيدا فلما انتهى إليه أفلت فهل يملكه من أخذه أم هو ملك الأول بالحبس وجهان
قلت أصحهما يملكه الآخذ
والله أعلم
الثامنة رجلان أقام كل واحد منهما بينة أنه اصطاد هذا الصيد ففيه القولان في تعارض البينتين
التاسعة رجل في يده صيد فقال آخر أنا اصطدته فقال صاحب اليد لا علم لي بذلك
قال ابن كج لا يقنع منه بهذا الجواب بل يدعيه لنفسه أو يسلمه إلى مدعيه

قلت لو أخبر فاسق أو كتابي أنه ذكى هذه الشاة قبلناه لأنه من أهله ذكره في التتمة
ولو وجد شاة مذبوحة ولم يدر أذبحها مسلم أو كتابي أم مجوسي فإن كان في البلد مجوس ومسلمون لم يحل للشك في الذكاة المبيحة
والله أعلم

كتاب الأطعمة
فيه بابان
الباب الأول في حال الاختيار
قال الأصحاب ما يتأتى أكله من الجماد والحيوان لا يمكن حصر أنواعه لكن الأصل في الجميع الحل إلا ما يستثنيه أحد أصول
الأول نص الكتاب أو السنة على تحريمه كالخنزير والخمر والنبيذ والميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والنطيحة والحمر الأهلية
ويحل الحمار الوحشي والخيل والمتولد بينهما
وتحرم البغال وسائر ما يتولد من مأكول وغيره سواء كان الحرام من أصليه الذكر أو الأنثى
ويحرم أكل كل ذي ناب من السبا وذي مخلب من الطائر
والمراد ما يعدو على الحيوان ويتقوى بنابه فيحرم الكلب والأسد والذئب والنمر والدب والفهد والقرد والفيل والببر
قلت هو الببر بباءين موحدتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وهو حيوان معروف يعادي الأسد ويقال له الفرانق بضم الفاء وكسر النون
والله أعلم
واختار أبو عبد الله البوشنجي من أصحابنا مذهب مالك فقال يحل الفيل

وقال لا يعدو من الفيلة إلا الفحل المغتلم كالإبل
والصحيح تحريمه
ويحرم من الطير البازي والشاهين والنسر والصقر والعقاب وجميع جوارح الطير

فرع يحل الضب والضبع والثعلب والأرنب واليربوع

ويحرم ابن آوي وابن مقرض على الأصح عند الأكثرين وبه قطع المراوزة
ويحل الوبر والدلدل على الأصح المنصوص
والهرة الأهلية حرام على الصحيح وقال البوشنجي حلال
والوحشية حرام على الأصح وقال الخضري حلال
ويحل السمور والسنجاب والفنك والقماقم والحواصل على الأصح المنصوص
الثاني الأمر بقتله
قال أصحابنا ما أمر بقتله من الحيوان فهو حرام كالحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة وكل سبع ضار ويدخل في هذا الأسد والذئب وغيرهما مما سبق
وقد يكون للشىء سببان أو أسباب تقتضي تحريمه
فرع تحرم البغاثة والرخمة

وأما الغراب فأنواع
منها الأبقع وهو فاسق محرم بلا خلاف
ومنها الأسود الكبير ويقال له الغداف الكبير ويقال الغراب الجبلي لأنه يسكن الجبال وهو حرام على الأصح وبه قطع جماعة
ومنها غراب الزرع وهو أسود صغير يقال له الزاغ وقد يكون محمر المنقار والرجلين وهو حلال على الأصح

ومنها غراب آخر صغير أسود أو رمادي اللون
وقد يقال له الغداف الصغير وهو حرام على الأصح وكذا العقعق
الثالث ما نهي عن قتله فهو حرام فيحرم النمل والنحل والخطاف والصرد والهدهد على الصحيح في الجميع
ويحرم الخفاش قطعا وقد يجري فيه الخلاف
ويحرم اللقلق على الأصح

فرع كل ذات طوق من الطير حلال واسم الحمام يقع على جميعها
في القمري والدبسي واليمام والفواخت
وأدرج في هذا القسم الورشان والقطا والحجل وكلها من الطيبات
وما على شكل العصفور في حده فهو حلال ويدخل في ذلك الصعوة والزرزور والنغر والبلبل وتحل الحمرة والعندليب على الصحيح فيهما
وتحل النعامة والدجاج والكركي والحبارى
وفي البغبغاء والطاووس وجهان
قال في التهذيب أصحهما التحريم
والشقراق
قال في التهذيب حلال
وقال الصيمري حرام
قال أبو عاصم يحرم ملاعب ظله وهو طائر يسبح في الجو مرارا كأنه ينصب على طائر
قال والبوم حرام كالرخم
والضوع حرام
وفي قول حلال
وهذا يقتضي أن الضوع غير البوم لكن في الصحاح أن الضوع طائر من طير الليل من جنس الهام
وقال المفضل هو ذكر البوم
فعلى هذا إن كان في الضوع قول لزم إجزاؤه في البوم لأن الذكر والأنثى من الجنس الواحد لا يفترقان

قلت الضوع بضاد معجمة مضمومة وواو مفتوحة وعين مهملة والأشهر أنه من جنس الهام
والله أعلم
قال أبو عاصم النهاس حرام كالسباع التي تنهس
واللقاط حلال إلا ما استثناه النص وأحل البوشنجي اللقاط بلا استثناء
قال وما تقوت بالطاهرات فحلال إلا ما استثناه النص وما تقوت بالنجس فحرام

فرع أطلق مطلقون القول بحل طير الماء فكلها حلال إلا اللقلق ففيه
خلاف سبق
وحكي عن الصيمري أنه لا يؤكل لحم طير الماء الأبيض لخبث لحمها
فصل الحيوان الذي لا يهلكه الماء ضربان

أحدهما ما يعيش فيه وإذا أخرج منه كان عيشه عيش المذبوح كالسمك بأنواعه فهو حلال
ولا حاجة إلى ذبحه كما سبق وسواء مات بسبب ظاهر كضغطة أو صدمة أو انحسار ماء أو ضرب من الصياد أو مات حتف أنفه
وأما ما ليس على صورة السموك المشهورة ففيه ثلاثة أوجه
ويقال ثلاثة أقوال
أصحها يحل مطلقا وهو المنصوص في الأم وفي رواية المزني واختلاف العراقيين لأن الأصح أن اسم السمك يقع على جميعها

والثاني يحرم
والثالث ما يؤكل نظيره في البر كالبقر والشاء فحلال وما لا كخنزير الما في كلبه فحرام
فعلى هذا ما لا نظير له حلال
قلت وعلى هذا لا يحل ما أشبه الحمار وإن كان في البر حمار الوحش المأكول صرح به صاحبا الشامل و التهذيب وغيرهما
والله أعلم
وإذا أبحنا الجميع فهل تشترط الذكاة أم تحل ميتته وجهان
ويقال قولان
أصحهما تحل ميتته
الضرب الثاني ما يعيش في الماء وفي البر أيضا فمنه طير الماء كالبط والأوز ونحوهما وهي حلال كما سبق ولا تحل ميتتها قطعا
وعد الشيخ أبو حامد والإمام وصاحب التهذيب من هذا الضرب الضفدع والسرطان وهما محرمان على المشهور
وذوات السموم حرام قطعا
ويحرم التمساح على الصحيح والسلحفاة على الأصح
واعلم أن جماعة استثنوا الضفدع من الحيوانات التي لا تعيش إلا في الماء تفريعا على الأصح وهو حل الجميع
وكذا استثنوايوسف الحيات والعقارب
ومقتضى هذا الاستثناء أنها لا تعيش إلا في الماء
ويمكن أن يكون منها نوع كذا ونوع كذا
واستثنى القاضي الطبري النسناس على ذلك الوجه أيضا
وامتنع الروياني وغيره من مساعدته
قلت ساعده الشيخ أبو حامد
والله أعلم
الأصل الرابع المستخبثات من الأصول المعتبرة في الباب في التحليل والتحريم للاستطابة والاستخباث
ورآه الشافعي رحمه الله تعالى الأصل الأعظم الأعم ولذلك افتتح به الباب والمعتمد فيه قوله تعالى { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات }

وليس المراد بالطيب هنا الحلال
ثم قال الأئمة ويبعد الرجوع في ذلك إلى طبقات الناس وتنزيل كل قوم على ما يستطيبونه أو يستخبثونه لأنه يوجب اختلاف الأحكام في الحلال والحرام وذلك يخالف موضوع الشرع فرأوا العرب أولى الأمم بأن يؤخذ باستطابتهم واستخباثهم لأنهم المخاطبون أولا وهم جيل لا تغلب عليهم العيافة الناشئة من التنعم فيضيقوا المطاعم على الناس
وإنما يرجع من العرب إلى سكان البلاد والقرى دون أجلاف البوادي الذين يتناولون ما دب ودرج من غير تمييز
وتعتبر عادة أهل اليسار والثروة دون المحتاجين وتعتبر حالة الخصب والرفاهية دون الجدب والشدة
وذكر جماعة أن الاعتبار بعادة العرب الذي كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الخطاب لهم
ويشبه أن يقال يرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه فإن استطابته العرب أو سمته باسم حيوان حلال فهو حلال
وإن استخبثته أو سمته باسم محرم فحرام
فإن استطابته طائفة واستخبثته أخرى اتبعنا الأكثرين
فأن استويا قال صاحب الحاوي وأبو الحسن العبادي تتبع قريش لأنهم قطب العرب
فإن اختلفت قريش ولا ترجيح أو شكوا فلم يحكموا بشىء أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب اعتبرناه بأقرب الحيوان شبها به
والشبه تارة يكون في الصورة وتارة في طبع الحيوان من الصيانة والعدوان وتارة في طعم اللحم
فإن استوى الشبهان أو لم نجد ما يشبهه فوجهان
أصحهما الحل
قال الإمام وإليه ميل الشافعي رحمه الله تعالى
واعلم أنه إنما يراجع العرب في حيوان لم يرد فيه نص بتحليل ولا تحريم ولا أمر بقتله ولا نهي عنه
فإن وجد شىء من هذه الأصول اعتمدناه ولم نراجعهم قطعا
فمن ذلك أن الحشرات كلها مستخبثة ما يدرج منها وما يطير
فمنها ذوات السموم والإبر
ومنها الوزغ وأنواعها كحرباء الظهيرة والعظاء وهي ملساء تشبه سام

أبرص وهي أحسن منه الواحدة عظاة وعظاية فكل هذا حرام
ويحرم الذر والفأر والذباب والخنفساء والقراد والجعلان وبنات وردان وحمار قبان والديدان
وفي دود الخل والفاكهة وجه
وتحرم اللحكاء وهي دويبة تغوص في الرمل إذا رأت إنسانا
ويستثنى من الحشرات اليربوع والضب وكذا أم حبين فإنها حلال على الاصح
ويستثنى من ذوات الابر الجراد فإنه حلال قطعا وكذا القنفذ على الأصح
والصرارة حرام على الأصح كالخنفساء

فصل إذا وجدنا حيوانا لا يمكن معرفة حكمه من كتاب ولا سنة
ولا استخباث ولا غير ذلك مما تقدم من الأصول وثبت تحريمه في شرع من قبلنا فهل يستصحب تحريمه قولان
الأظهر لا يستصحب وهو مقتضى كلام عامة الأصحاب فإن استصحبناه فشرطه أن يثبت تحريمه في شرعهم بالكتاب أو السنة أو يشهد به عدلان أسلما منهم يعرفان المبدل من غيره
قال في الحاوي فعلى هذا لو اختلفوا اعتبر حكمه في أقرب الشرائع إلى الإسلام وهي النصرانية
فإن اختلفوا عاد الوجهان عند تعارض الأشباه
فصل يحرم أكل نجس العين والمتنجس كالدبس والخل واللبن والدهن

وسبق في كتاب الطهارة وجه أن الدهن يطهر بالغسل فعلى هذا إذا غسل حل

فرع يكره أكل لحم الجلالة كراهة تنزيه على الأصح الذي ذكره
منهم العراقيون والروياني وغيرهم وقال أبو إسحق والقفال كراهة تحريم
ورجحه الإمام والغزالي والبغوي
والجلالة هي التي تأكل العذرة والنجاسات وسواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج
ثم قيل إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة
وإن كان الظاهر أكثر فلا
والصحيح أنه لا اعتبار بالكثرة بل بالرائحة والنتن
فإن وجد في عرقها وغيره ريح النجاسة فجلالة وإلا فلا
وقيل الخلاف فيما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو قربت الرائحة من الرائحة
فإن قلت الرائحة الموجودة لم تضر
ولو حبست بعد ظهور النتن وعلفت طاهرا فزالت الرائحة ثم ذبحت فلا كراهة فيها
ولو لم تعلف لم يزل المنع يغسل اللحم بعد الذبح ولا بالطبخ وإن زالت الرائحة به وكذا لو زالت بمرور الزمان عند صاحب التهذيب
وقيل خلافه
وكما يمنع لحمها يمنع لبنها وبيضها ويكره الركوب عليها إذا لم يكن بينها وبين الراكب حائل
ثم قال الصيدلاني وغيره إذا حرمنا لحمها فهو نجس ويطهر جلدها بالدباغ وهذا يقتضي نجاسة الجلد أيضا
وهو نجس إن ظهرت الرائحة فيه وكذا إن لم تظهر على الأصح كاللحم
ثم ظهور النتن وإن حرمنا به اللحم ونجسناه فلا نجعله موجبا لنجاسة الحيوان في حياته بل إذا حكمنا بالتحريم كان كما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده بالذكاة ويطهر بالدباغ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28