كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

من بعض ما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف إلى اليوم فلم نعلم أحدا من سلف الأمة يقتدى به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله تعالى عليه فلا ترد شهادة أحد بشىء من التأويل كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال المال والدم
هذا نصه بحروفه وفيه التصريح بما ذكرنا وبيانما ذكرناه في تأويل تكفير القائل بخلق القرآن ولكن قاذف عائشة رضي الله عنها كافر فلا تقبل شهادته
ولنا وجه أن الخطابي لا تقبل شهادته وإن بين ما يقطع لاحتمال اعتماده وقول صاحبه
والله أعلم
السبب الرابع الغفلة وكثرة الغلط ولا تقبل شهادة المغفل الذي لا يحفظ ولا يضبط فإن شهد مفسرا وبين وقت التحمل ومكانه فزالت الريبة عن شهادته قبلت ولا تقبل شهادة من كثر غلطه ونسيانه وأما الغلط اليسير فلا يقدح في الشهادة لأنه لا يسلم منه أحد قال الإمام ومعظم شهادات العوام يشوبها جهل وغرة فيحوج إلى الاستفصال كما سبق في آداب القضاء
السبب الخامس أن يدفع بالشهادة عن نفسه عار الكذب فإن شهد فاسق ورد القاضي شهادته ثم تاب بشرط التوبة فشهادته المستأنفة مقبولة بعد ذلك ولو أعاد تلك الشهادة التي ردت لم تقبل وقال المزني تقبل
ولو شهد كافر أو عبد أو صبي فردت شهادته ثم كمل فأعادها قبلت لعدم تهمتهم بدفع العار بخلاف الفاسق فإن كان يخفي فسقه والرد يظهره فيسعى في دفع العار بإعادة الشهادة فلو كان معلنا بفسقه حين شهد ففي قبول شهادته

المعادة بعد التوبة وجهان أصحهما عند الأكثرين لا يقبل أيضا وإنما يجيء الوجهان إذا أصغى القاضي إلى شهادته مع ظهور فسقه ثم ردها
وفي الإصغاء وجهان أصحهما وبه قال الشيخ أبو محمد واستحسنه الإمام لا يصغي كشهادة العبد والصبي
ولو كان الكافر يستتر بكفره وردت شهادته ثم أسلم وأعادها لم تقبل على الأصح ولو ردت شهادته لعداوة فزالت وأعادها لم تقبل على الأصح ويجريان فيما لو شهد لمكاتبه بمال أو لعبده بنكاح فردت فأعادها بعد عتقهما وأجاب ابن القاص هنا بالقبول ويجريان فيما لو شهد اثنان من الشفعاء بعفو شفيع ثالث قبل عفوهما فردت شهادتهما ثم عفوا وأعاداها وفيما شهد اثنان لمورثهما بجراحة غير مندملة فردت ثم أعادها بعد الاندمال ولو شهد فرعان على شهادة أصل فردت شهادتهما لفسق الأصل فقد صارت شهادة مردودة
فلو تاب وشهد بنفسه وأعاد الفرعان شهادتهما على شهادته أو شهد على شهادته فرعان آخران لم تقبل ولو ردت شهادة الفرعين لفسقهما لم تتأثر به شهادة الأصل
السبب السادس الحرص على الشهادة بالمبادرة اعلم أن الحقوق ضربان ضرب لا تجوز المبادرة إلى الشهادة عليه وضرب يجوز وتسمى الشهادة على هذا الثاني على وجه المبادرة شهادة حسبة فحيث لا يجوز فالمبادر متهم فلا تقبل شهادته والمبادرة أن يشهد من غير تقدم دعوى فإن شهد بعد دعوى قبل أن يستشهد ردت شهادته أيضا على الأصح للتهمة وإذا رددناها ففي مصيره مجروحا وجهان الأصح لا وبه قطع أبو عاصم وظاهر هذا كون الخلاف في سقوط عدالته مطلقا ويؤيده أن القاضي أبا سعد الهروي قال الوجهان مبنيان على أن المبادرة من الصغائر أم من الكبائر لكن منهم من

يفهم كلامه اختصاص الخلاف برد تلك الشهادة وحدها إذا أعادها فقد قال البغوي وإذا قلنا يصير مجروحا لا يشترط استبراء حاله حتى لو شهد في حادثة أخرى تقبل فأشعر كلامه باختصار الخلاف

فرع تقبل شهادة من احتبى وجلس في زاوية محتبيا لتحمل الشهادة ولا
تحمل على الحرص لأن الحاجة قد تدعو إليه وحكى الفوراني قولا قديما أنها لا تقبل وهو شاذ قال وعلى المشهور يستحب أن يخبر الخصم أني شهدت عليك لئلا يبادر إلى تكذيبه فيعزره القاضي
ولو قال رجلان لثالث توسط بيننا لنتحاسب ونتصادق فلا تشهد علينا بما يجري فهذا شرط باطل وعليه أن يشهد
الضرب الثاني ما تقبل فيه شهادة الحسبة وهو ما تمحض حقا لله تعالى أو كان له فيه حق متأكد لا يتأثر برضى الآدمي فمنه الطلاق وأما الخلع فأطلق البغوي المنع فيه وقال الإمام يقبل في الفراق دون المال قال ولا أبعد ثبوته تبعا ولا إثبات الفراق دون البينونة ومنه العتق والاستيلاد دون التدبير ويقبل في العتق بالتدبير ولا يقبل في الكتابة فإن أدى النجم الأخير شهد بالعتق
وفي شراء القريب وجهان أحدهما تقبل شهادة الحسبة فيه لحق الله تعالى وأصحهما لا لأنهم يشهدون بالملك
ومنه العفو عن القصاص والصحيح قبولها فيه ومنه الوصية والوقف إذا كانا لجهة عامة فإن كان لجهة خاصة فالأصح المنع ونقله الإمام عن الجمهور لتعلقه بحظوظ خاصة ومنه تحريم الرضاع والنسب وفي النسب وجه ومنه بقاء العدة وانقضاؤها وتحريم المصاهرة وكذا الزكوات والكفارات

والبلوغ والإسلام والكفر والحدود التي هي حقوق لله تعالى كالزنى وقطع الطريق وكذا السرقة على الصحيح لكن الأفضل في الحدود الستر
ومنه الإحصان والتعديل
وأما ما هو حق آدمي كالقصاص وحد القذف والبيوع والأقارير فلا تقبل فيه شهادة الحسبة فإن لم يعلم صاحب الحق بالحق أخبره الشاهد حتى يدعي ويستشهده فليشهد وقيل تقبل شهادة الحسبة في الدماء خاصة وقيل تقبل في الأموال أيضا وقيل تقبل إن لم يعلم المستحق بالحق والصحيح المنع مطلقا

فرع ما قبلت فيه شهادة الحسبة هل يسمع فيه دعوى الحسبة وجهان
لا وبه قطع القفال في الفتاوى لأن الثبوت بالبينة وهي غنية عن الدعوى
وقال القاضي حسين تسمع لأن البينة قد لا تساعد وقد يراد استخراج الحق بإقرار المدعى عليه
فرع شهود الحسبة يجيئون إلى القاضي ويقولون نشهد على فلان بكذا فأحضره
أنه لو جاء رجلان وشهدا بأن فلانا أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا وهو يريد أن ينكحها وأنه لو شهد اثنان بطلاق وقضى القاضي بشهادتهما ثم جاء آخران يشهدان بأخوة بين المتناكحين لم تقبل هذه الشهادة إذ لا فائدة لها في الحال ولا بكونهما قد يتناكحان بعد وان الشهادة على أنه أعتق عبده إنما

تسمع إذا كان المشهود عليه يسترقه وهذه الصورة تفهمك أن شهادة الحسبة إنما تسمع عند الحاجة
ولو جاء عبدان لرجل فقالا إن سيدنا أعتق أحدنا وقامت بينة بما يقولان سمعت وإن كانت الدعوى فاسدة لأن البينة على العتق مستغنية عن تقدم الدعوى

فصل شهادة الأخرس إن لم يعقل الإشارة مردودة وكذا إن عقلها على
الأصح عند الأكثرين فعلى هذا يعتبر في الشاهد سوى الشروط الستة كونه ناطقا وذكر الصيمري أنه لا تقبل شهادة محجور عليه بالسفه فإن كان كذلك زاد شرط ثامن
فصل في أمور لا تمنع الشهادة

وفيها خلاف لبعض العلماء
منها شهادة البدوي على القروي وعكسه مقبولة وكذا شهادة المحدود في القذف وغيره بعد التوبة مقبولة في جنس ما حد وفي غيره وتقبل شهادة ولد الزنى ويجوز أن يكون قاضيا
فصل في التوبة
قد سبق أن من لا تقبل شهادته لمعصية تقبل إذا تاب وظهر إعراضه عما كان عليه قال الأصحاب التوبة تنقسم إلى توبة بين العبد وبين الله تعالى وهي التي يسقط بها الإثم وإلى توبة في الظاهر وهي تتعلق بها عود الشهادة والولايات أما الأولى فهي أن يندم على فعل ويترك فعله في الحال ويعزم أن لا يعود إليه ثم إن كانت المعصية لا يتعلق بها حق مالي لله تعالى ولا للعباد كقبلة الأجنبية ومباشرتها فيما دون الفرج فلا شىء عليه سوى ذلك وإن

تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت ويغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل المستحق فيبرئه ويجب أن يعلم المستحق إن لم يعلم به وأن يوصله إليه إن كان غائبا إن كان غصبه منه هناك فإن مات سلمه إلى وارثه فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره دفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته فإن تعذر تصدق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ذكره العبادي في الرقم والغزالي في غير كتبه الفقهية
وإن كان معسرا نوى الغرامة إذا قدر فإن مات قبل القدرة فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة
قلت ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة وإن مات معسرا عاجزا إذا كان عاصيا بالتزامها فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات أو أتلف شيئا خطأ وعجز عن غرامته حتى مات فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه والمرجو أن الله تعالى يعوض صاحب الحق وقد أشار إلى هذا إمام الحرمين في أول كتاب النكاح وتباح الاستدانة لحاجة في غير معصية ولا سرف إذا كان يرجو الوفاء من جهة أو سبب ظاهر
والله أعلم
وإن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي فإن كان حدا لله تعالى بأن زنى أو شرب فإن لم يظهر عليه فله أن يظهره ويقر به ليقام عليه الحد ويجوز أن يستر على نفسه وهو الأفضل فإن ظهر فقد فات

الستر فيأتي الإمام ليقيم عليه الحد قال ابن الصباغ إلا إذا تقادم عليه العهد وقلنا يسقط الحد
وإن كان حقا للعباد كالقصاص وحد القذف فيأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء فإن لم يعلم المستحق وجب في القصاص أن يعلمه فيقول أنا الذي قتلت أباك ولزمني القصاص فإن شئت فاقتص وإن شئت فاعف
وفي حد القذف سبق في كتب اللعان خلاف في وجوب إعلامه وقطع العبادي وغيره هنا بأنه يجب إعلامه كالقصاص
وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار وإن بلغته أو طرد طارد قياس القصاص والقذف فيها فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة استغفر الله تعالى ولا اعتبار بتحليل الورثة هكذا ذكره الحناطي وغيره قال العبادي والحسد كالغيبة وهو أن يهوى زوال نعمة الغير ويسر ببليته فيأتي المحسود ويخبره بما أضمره ويستحله ويسأل الله تعالى أن يزيل عنه هذه الخصلة وفي وجوب الإخبار عن مجرد الإضمار بعيد
قلت المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود بل لا يستحب ولو قيل يكره لم يبعد
وهل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة أم يشترط معرفتها للعافي فيه وجهان سبقا في كتاب الصلح
والله أعلم

فرع لو قصر فيما عليه من دين ومظلمة ومات المستحق واستحقه وارث
بعد وارث ثم مات ولم يوفهم فمن يستحق المطالبة به في الآخرة فيه أوجه أرجحها وبه أفتى الحناطي أنه صاحب الحق أولا والثاني أنه آخر من مات من ورثته أو ورثة ورثته وإن نزلوا والثالث

ذكره العبادي في الرقم أنه يكتب الأجر لكل وارث مدة حياته ثم بعده لمن بعده ولو دفع إلى بعض الوارثين عند انتهاء الاستحقاق إليه خرج عن مظلمة الجميع فيما سوف ومطل
وأما التوبة في الظاهر فالمعاصي تنقسم إلى فعلية وقولية أما الفعلية كالزنى والسرقة والشرب فإظهار التوبة منها لا يكفي في قبول الشهادة وعود الولاية بل يختبر مدة يغلب على الظن فيها أنه قد أصلح عمله وسريرته وأنه صادق في توبته وفي تقدير هذه المدة أوجه الأكثرون أنها سنة والثاني ستة أشهر ونسبوه إلى النص والثالث لا يتقدر بمدة إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقه ويختلف ذلك بالأشخاص وأمارات الصدق وهذا اختيار الإمام والعبادي والغزالي
وأما القولية فمنها القذف ويشترط في التوبة منه القول كما أن التوبة من الردة بكلمتي الشهادة
قال الشافعي رحمه الله التوبة منه إكذابه نفسه فأخذ الاصطخري بظاهره وشرط أن يقول كذبت فيما قذفت ولا أعود إلى مثله
وقال الجمهور لا يكلف أن يقول كذبت فربما كان صادقا فكيف نأمره بالكذب ولكن يقول القذف باطل وإني نادم على ما فعلت ولا أعود إليه أو يقول ما كنت محقا في قذفي وقد تبت منه ونحو ذلك
وسواء في هذا القذف على سبيل السب والإيذاء والقذف على صورة الشهادة إذا لم يتم عدد الشهود إن قلنا بوجوب الحد على من شهد فإن لم نوجب فلا حاجة بالشاهد إلى التوبة
ويشبه أن يشترط في هذا الإكذاب كونه عند القاضي
ثم إذا تاب بالقول فهل يستبرىء المدة المذكورة إذا كان عدلا قبل القذف ينظر إن

كان القذف على صورة الشهادة لم يشترط على المذهب وإن كان قذف سب وإيذاء اشترط على المذهب
واعلم أن اشتراط التوبة بالقول في القذف مشكل وإلحاقه بالردة ضعيف فإن إشتراط كلمتي الشهادة مطرد في الردة القولية والفعلية كإلقاء المصحف في القاذورات ثم مقتضى ما ذكروه في القذف أن يشترط التوبة بالقول في سائر المعاصي القولية كشهادة الزور والغيبة والنميمة وقد صرح صاحب المهذب بذلك في شهادة الزور فقال التوبة منها أن يقول كذبت فيما فعلت ولا أعود إلى مثله
فروع لو قذف وأتى ببينة على زنى المقذوف فوجهان حكاهما الإمام أحدهما لا تقبل شهادته لأنه ليس له أن يقذف ثم يقيم البينة بل كان ينبغي أن يجيء مجيء الشهود والصحيح القبول لأن صدقه قد تحقق بالبينة وكذا الحكم لو اعترف المقذوف وكذا لو قذف زوجته ولاعن وسواء في رد الشهادة وكيفية التوبة قذف محصنا أو غيره حتى لو قذف عبد نفسه ردت شهادته ويكفي تحريم القذف سببا للرد وشاهد الزور يستبرىء كسائر الفسقة فإذا ظهر صلاحه قبلت شهادته في غير تلك الواقعة ومن غلط في شهادة لا يشترط استبراؤه وتقبل شهادته في غير واقعة الغلط ولا تقبل فيها
قلت التوبة من أصول الإسلام المهمة وقواعد الدين وأول منازل السالكين قال الله تعالى { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون } فالتوبة من المعصية واجبة على الفور بالاتفاق وقد تقدمت صفتها وتصح التوبة من ذنب وإن كان ملابسا ذنبا آخر مصرا عليه ولو تاب من ذنب ثم فعله مرة أخرى لم تبطل التوبة بل هو مطالب بالذنب

الثاني دون الأول
ولو تكررت التوبة ومعاودة الذنب صحت هذا مذهب الحق في المسلمين خلافا للمعتزلة
قال إمام الحرمين في الإرشاد والقتل الموجب للقود تصح التوبة منه قبل تسليم القاتل نفسه ليقتص منه فإذا ندم صحت توبته في حق الله تعالى وكان منعه القصاص من مستحقه معصية مجددة ولا يقدح في التوبة بل يقتضي توبة منها ومن تاب عن معصية ثم ذكرها قال الإمام القاضي أبو بكر بن الباقلاني رحمه الله يجب عليه تجديد الندم عليها كلما ذكرها إذ لو لم يندم لكان مستهينا بها وذلك ينافي الندم
واختار إمام الحرمين أنه لا يجب ولا يلزم من ذكرها بلا ندم الاستهانة بل قد يذكر ويعرض عنها
قال القاضي وإذا لم يجدد التوبة كان ذلك معصية جديدة والتوبة الأولى صحيحة لأن العبادة الماضية لا ينقضها شىء بعد فراغها قال فيجب تجديد توبة عن تلك المعصية وتجب توبة من ترك التوبة إذا حكمنا بوجوبها
قال الإمام وإذا أسلم الكافر فليس إسلامه توبة عن كفره وإنما توبته ندمه على كفره ولا يتصور أن يؤمن ولا يندم على كفره بل تجب مقارنة الإيمان للندم على الكفر ثم وزر الكفر يسقط بالإيمان والندم على الكفر بالإجماع هذا مقطوع وما سواه من ضروب التوبة فقبوله مظنون غير مقطوع به وقد أجمعت الأمة على أن الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره صحت توبته وإن استدام معاصي أخر هذا كلام الإمام وهذا الذي قاله ان القبول مظنون هو الصحيح
وقال جماعة من متكلمي أصحابنا هو مقطوع
والله أعلم

فصل إذا حكم القاضي بشهادة اثنين
ثم بان له أنهما كانا عبدين أو كافرين أو صبيين أو امرأتين نقض حكمه لأنه تيقن الخطأ كما لو حكم باجتهاده فوجد النص خلافه ولو بان ذلك لقاض آخر نقضه أيضا
فإن قيل قد اختلف العلماء في شهادة العبد فكيف نقض الحكم في محل الاختلاف والاجتهاد فالجواب أن الصورة مفروضة فيمن لا يعتقد الحكم بشهادة العبد وحكم بشهادة من ظنهما حرين ولا اعتداد بمثل هذا الحكم ولأنه حكم يخالف القياس الجلي لأن العبد ناقص في الولايات وسائر الأحكام فكذا الشهادة
وإن بان أنه حكم بشهادة فاسقين نقض حكمه على الأظهر وقيل قطعا
ولو شهد عدلان ثم فسقا قبل أن نحكم بشهادتهما لم نحكم بها قطعا لأن الفسق يخفى غالبا فربما كانا فاسقين عند الشهادة
ولو ارتدا قبل الحكم لم يحكم على الصحيح لأنها توقع ريبة وقيل لا يؤثر حدوثها بعد شهادتهما
وقال الداركي إن ارتد إلى كفر يستسر أهله به فكالفسق وإلا فلا يؤثر
ولو شهدا في حد أو مال ثم ماتا أو جنا أو عميا أو خرسا لم يمنع حدوث هذه الأحوال الحكم بشهادتهما لأنها لا توهم ريبة فيما مضى
ويجوز وقوع التعديل بعد حدوثها
ولو فسق الشاهدان أو ارتدا بعد الحكم بشهادتهما وقبل الاستيفاء فهو كرجوع الشاهدين بعد الحكم وقبل الاستيفاء وفيه خلاف وتفصيل سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى والمذهب أنه لا يؤثر في المال بل يستوفى
فرع قال القاضي بعد الحكم بشهادة شاهدين قد بان لي أنهما كانا

فاسقين ولم تظهر بينة بفسقهما قال الغزالي في الفتاوي إذا لم يتهم في قضائه بعلمه مكن من ذلك أيضا قال ولو قال أكرهني السلطان على الحكم بقولهما وكنت أعرف فسقهما قبل قوله من غير بينة الإكراه ولو بان بالبينة أن الشاهدين كانا والدين للمشهود له أو ولدين أو عدوين للمشهود عليه نقض الحكم وبالله التوفيق

الباب الثاني في العدد والذكورة
قول الشاهد الواحد لا يكفي الحكم به إلا في هلال رمضان على الأظهر وأما القضاء بشاهد ويمين وإن قلنا على وجه إن القضاء بالشاهد فليس فيه اكتفاء بشاهد بل يشترط معه اليمين
ثم الشهادات ثلاثة أضرب الأول الشهادة على الزنى فلا تثبت إلا بأربعة رجال وتثبت الشهادة على الإقرار بالزنى برجلين على الأظهر وفي قول يشترط أربعة ولا يثبت اللواط وإتيان البهيمة إلا بأربعة على المذهب ويثبت القذف بشاهدين على المشهور ونقل أبو عاصم قولا قريبا في اشتراط أربعة
فرع سبق في السرقة أنه يشترط في الشهادة على الزنى أن يذكروا
زنى بها وأن يذكروا الزنى مفسرا فيقولون رأينا أدخل ذكره أو قدر الحشفة منه في فرج فلانة على سبيل الزنى
ولا يكفي إطلاقه الزنى فقد يظنون المفاخذة زنى وقد تكون الموطوءة جارية ابنه أو مشتركة بينه وبين غيره بخلاف ما لو ادعت وطء شبهة وطلبت المهر فإنه يكفي الشهادة على الوطء ولا يشترط قولهم رأينا ذلك منه في ذلك منها لأن المقصود هناك المال فلم يلزم هذا الاحتياط وقد

وقع في كلام الغزالي وغيره أن الشاهد يقول رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة وهذا التشبيه زيادة بيان وليس بشرط صرح به القاضي أبو سعد

فرع هل يجوز النظر إلى الفرج لتحمل شهادة الزنى أو ولادة أو
باطن أم لا وإنما يشهد عليه عند وقوع النظر إليه اتفاقا فيه أوجه سبقت في أول النكاح الأصح المنصوص الجواز والثاني المنع والثالث المنع في الزنى دون غيره والرابع عكسه
الضرب الثاني ما ليس بمال ولا يقصد منه مال فإن كان عقوبة لم تثبت إلا برجلين سواء فيه حق الله تعالى كحد الشرب وقطع الطريق وقتل الردة وحق العباد كالقصاص في النفس أو الطرف وحد القذف
والتعزير كالحد ولا مدخل لشهادة النساء فيها
وإن كان غير عقوبة فهو نوعان أحدهما يطلع عليه الرجال غالبا فلا يقبل فيه إلا رجلان وذلك كالنكاح والرجعة والطلاق والعتاق والإسلام والردة والبلوغ والإيلاء والظهار والإعسار والموت والخلع من جانب المرأة والولاء وانقضاء العدة وجرح الشهود وتعديلهم والعفو عن القصاص والإحصان والكفالة والشهادة برؤية هلال غير رمضان والشهادة على الشهادة والقضاء والولاية إن اشترطنا فيهما الشهادة والتدبير والاستيلاد وكذا الكتابة على الصحيح وقيل تثبت الكتابة برجل وامرأتين ومنه الوكالة والوصاية وإن كانتا من المال لأنهما ولاية وسلطنة
ومنه القراض وكذا الشركة على الأصح وقيل تثبت برجل وامرأتين
النوع الثاني ما لا يطلع عليه الرجال وتختص النساء بمعرفته غالبا فيقبل فيه شهادتهن منفردات وذلك كالولادة والبكارة والثيابة والرتق والقرن والحيض والرضاع

وعيب المرأة من برص وغيره تحت الإزار حرة كانت أو أمة وكذا استهلال الولد على المشهور فكل هذا النوع لا يقبل فيه إلا أربع نسوة أو رجلين أو رجل وامرأتين قال البغوي والعيب في وجه الحرة وكفيها لا يثبت إلا برجلين وفي وجه الأمة وما يبدو منها في المهنة يثبت برجل وامرأتين لأن المقصود منه المال
قال والجراحة على فرج المرأة لا يلحق بالعيب لأن جنس الجراحة مما يطلع عليه الرجل غالبا هكذا قاله لكن جنس العيب مما يطلع عليه الرجال غالبا لكن لا يطلعون على العيب الخاص وكذا هذه الجراحة
قلت الصواب إلحاق الجراحة على فرجها بالعيوب تحت الثياب وعجب من البغوي كونه ذكر خلاف هذا وتعلق بمجرد الاسم
والله أعلم
الضرب الثالث ما هو مال أو المقصود منه مال كالأعيان والديون والعقود المالية فيثبت برجلين وبرجل وامرأتين ولا يثبت بنسوة منفردات فمن هذا الضرب البيع والإقالة والإجارة والرد بالعيب والحوالة والضمان والصلح والقرض والشفعة والمسابقة وخيول المسابقة والغصب والإيلاء والوصية بمال والمهر في النكاح ووطء الشبهة والجنايات التي لا توجب إلا المال كقتل الخطأ وقتل الصبي والمجنون وقتل الحر العبد والمسلم الذمي والوالد الولد والسرقة التي لا قطع فيها وكذا حقوق الأموال والعقود كالخيار وشرط الرهن والأجل و في الأجل وجه لأنه ضرب سلطنة ومنه قبض الأموال منها نجوم الكتابة وفي النجم الأخير وجه ضعيف أنه يشترط له رجلان لتعلق العتق به ومنه الرهن والإبراء على الصحيح

فيهما ومنه طاعة الزوجة لاستحقاق النفقة وقتل الكافر لاستحقاق السلب وإدمان الصيد لتملكه وعجز المكاتب عن النجوم ومنه الوقف وفي ثبوته برجل وامرأتين ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الباب الرابع في ثبوته بشاهد ويمين
ولو مات سيد المدبر فادعى الوارث أنه كان رجع عن التدبير وقلنا يجوز الرجوع ثبت برجل وامرأتين
ولو ادعى رق شخص أو ادعى جارية في يد غيره أنها أم ولد ثبت برجل وامرأتين ولو توافق الزوجان على الطلاق وقال الزوج طلقتك على كذا وقالت بل مجانا ثبتت دعواه برجل وامرأتين وكذا لو فالعبده أعتقتك بكذا فقال مجانا
ولو توافقا على النكاح واختلفا في قدر المهر أو صفته أو على الخلع واختلفا في قدر العوض أو صفته ثبت برجل وامرأتين وكذا لو توافق السيد والعبد على الكتابة واختلفا في قدر النجوم أو صفتها والإقرار بكل ما يثبت برجلين يثبت برجل وامرأتين وفسخ العقود المالية يثبت برجل وامرأتين وفسخ الطلاق لا يثبت إلا برجلين

فرع الخنثى المشكل كالمرأة في الشهادة

فرع لو شهد بالسرقة رجل وامرأتان ثبت المال وإن لم يثبت القطع
قول أنه لا يثبت المال كما لو شهد بقتل العمد رجل وامرأتان فإنه لا يثبت الدية كما لا يثبت القصاص والمشهور الأول
ولو شهد رجل وامرأتان على صداق في نكاح ثبت الصداق لأنه المقصود
ولو علق طلاق امرأته أو عتق عبده على الولادة فشهد بالولادة أربع

نسوة ثبتت الولادة دون الطلاق والعتق وكذا لو علقهما على الغصب والإتلاف فشهد بهما رجل وامرأتان ثبت الغصب والإتلاف ولا يقع الطلاق والعتق كما سبق في كتاب الصوم أنا إذا أثبتنا هلال رمضان بعدل لا يحكم بوقوع الطلاق والعتق المعلقين برمضان ولا بحلول الدين المؤجل به هذا إذا تقدم التعليق فلو ثبت الغصب أولا برجل وامرأتين وحكم الحاكم به ثم جرى التعليق فقال لها إن كنت غصبت فأنت طالق وقد ثبت غصبها برجل وامرأتين وقع الطلاق هكذا قاله ابن سريج وجمهور الأصحاب وقياسه أن يكون الحكم هكذا في التعليق برمضان وحكى الإمام عن حكاية شيخه وجها أنه لا يقع

فصل إذا ادعى على إنسان مالا وشهد له به اثنان نظر إن
وطلب المدعي الحيلولة بينهما وبين المدعى عليه إلى أن يزكى الشاهدان أجيب إليه على الأصح وقيل لا يجاب وقيل يجاب إن كان المال مما يخاف تلفه أو تعيبه وإن كان عقارا ونحوه فلا وإن كان المدعى دينا لم يستوف قبل التزكية وقيل يستوفى ويوقف حكاه ابن القطان والصحيح الأول فلو طلب المدعي أن يحجر على المدعى عليه نقل الإمام عن الجمهور أنه لا يجيبه وعن القاضي حسين أنه إن كان يتهمه بحيلة حجر عليه لئلا يضيع ماله بالتصرفات والأقارير ولم يتعرض عامة الأصحاب للحجر لكن قالوا هل يحبس المدعى عليه إذا كان المدعى دينا فيه وجهان قال البغوي أصحهما نعم

فإن قلنا لا فللمدعي ملازمته إلى أن يعطيه كفيلا وأجرة من يبعثه القاضي معهما للتكفيل على المدعى وإن كان المدعى قصاصا أو حد قذف حبس المشهود عليه لأن الحق متعلق ببدنه فيحتاط له
قلت قال البغوي سواء قذف زوجته أو أجنبيا
والله أعلم
ولا يحبس في حدود الله تعالى وأما في دعوى النكاح فتعدل المرأة عند امرأة ثقة وتمنع من الانتشار والخروج وفيه وجه ضعيف فعلى هذا الوجه هل يؤخذ منها كفيل وجهان قال القاضي أبو سعد فإن كانت المرأة مزوجة لم يمنع منها زوجها قبل التعديل لأنه ليس مدعى عليه ولو شهد اثنان لعبد بأن سيده أعتقه وطلب العبد الحيلولة قبل التزكية أجله القاضي وحال بينه وبين سيده ويؤجره وينفق عليه فما فضل فموقوف بينه وبين السيد فإن لم يكن له كسب أنفق عليه من بيت المال ثم يرجع على سيده إن بان جرح الشهود واستمر الرق وكذا الأعيان المنتزعة يؤجرها وهل تتوقف الحيلولة على طلب العبد وجهان الأصح لا بل إذا رأى الحاكم الحيلولة فعلها وفي الأمة تتحتم الحيلولة احتياطا للبضع وكذا لو ادعت المرأة الطلاق وأقامت شاهدين فرق الحاكم بينهما قبل التزكية والوجهان في اشتراط طلب العبد للحيلولة جاريان في انتزاع العين المدعاة ويقرب منها وجهان حكاهما ابن كج في أن إجارة العبد هل تفتقر إلى طلب السيد أو العبد أم يؤجره بغير طلبهما والثاني أقرب إلى ظاهر النص هذا كله إذا أقام المدعي شاهدين فلو أقام شاهدا وطلب الانتزاع قبل أن يأتي بآخر هل يجاب قولان أظهرهما عند الجمهور لا لأن الشاهد وحده ليس بحجة وفي الشاهدين تمت

الحجة وهل يحبس المدعى عليه في القصاص والقذف بشاهد فيه القولان ويجري فيه الخلاف في دعوى النكاح تعديلا ثم تكفيلا إن لم يعدل وفي دعوى العتق والطلاق هل يحال فيه القولان ثم ذكر العراقيون والروياني أن الحيلولة والحبس قبل التعديل يتعينان إلى ظهور الأمر للقاضي بالتزكية أو الجرح ولا تقدر له مدة والحيلولة والحبس بشاهد إذا قلنا به لا يزادان على ثلاثة أيام وعن أبي إسحق أنه لا حيلولة ولا حبس إذا كان الشاهد الآخر غائبا لا يحضر إلا بعد ثلاثة أيام وإنما محل القولين إذا كان قريبا والمذهب ما سبق

فرع قال البغوي إذا حال القاضي بين العبد وسيده أو انتزع العين
المدعاة بعد شهادة الشاهدين وقبل التزكية لم ينفذ تصرف المتداعيين فيه لكن لو أقر أحدهما بالموقوف لآخر أو أوصى به أو دبره أو أعتقه انتظرنا ما يستقر عليه الأمر آخرا وحكى القاضي أبو سعد وجهين في نفوذ تصرفه وصوره فيما إذا حجر القاضي على المشهود عليه في المشهود به فإن أراد بالحجر الحيلولة حصل الخلاف وإن أراد التلفظ بالحجر أشعر ذلك باشتراط الحجر القولي في امتناع التصرف قال وإذا قامت البينة وحصل التعديل والقاضي ينظر في وجه الحكم فينبغي أن يحجر عليه في مدة النظر فإن حجر لم ينفذ تصرفه قال البغوي وقبل الحيلولة والانتزاع لا ينفذ تصرف المدعي وينفذ تصرف المدعى عليه إن قلنا إن طلب المدعي شرط في الوقف وإلا فوجهان

فرع الثمرة والغلة الحادثان بعد شهادة الشاهدين وقبل التعديل تكون للمدعي
أرخ الثاني ما شهد به بيوم الأول أولا أو بما قبله فإن استخدم السيد العبد المدعي للعتق بين شهادة الأول والثاني على قولنا لا يحال بينهما وشهد الثاني هكذا لزمه أجرة المثل وبالله التوفيق
الباب الثالث في مستند علم الشاهد
وحكم تحمل الشهادة وأدائها فيه ثلاثة أطراف
الأول فيما يحتاج إلى الإبصار والأصل في الشهادة البناء على العلم واليقين لكن من الحقوق ما لا يحصل اليقين فيه فأقيم الظن المؤكد فيه مقام اليقين وجوزت الشهادة بناء على ذلك الظن كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقد قسم الشافعي والأصحاب رحمهم الله المشهود به ثلاثة أقسام أحدها ما يكفي فيه السماع ولا يحتاج إلى الإبصار وموضع بيانه الطرف الثاني
الثاني ما يكفي فيه الإبصار وهو الأفعال كالزنى والشرب والغصب والإتلاف والولادة والرضاع والاصطياد والاحياء وكون المال في يد الشخص فيشترط فيها الرؤية المتعلقة بها وبفاعلها فلا يجوز بناء الشهادة فيها على السماع من الغير وتقبل فيها شهادة الأصم
الثالث ما يحتاج إلى السمع والبصر معا كالأقوال فلا بد من سماعها ومشاهدة قائلها وذلك كالنكاح والطلاق والبيع وجميع العقود والفسوخ والإقرار بها فلا يقبل فيها شهادة الأصم الذي

لا يسمع شيئا ولا تقبل شهادة الأعمى فيما يحتاج إلى الإبصار ولا يصح منه التحمل اعتمادا على الصوت فإن الأصوات تتشابه ويتطرق إليها التخييل والتلبيس مع أنه لا ضرورة إلى شهادته للإستغناء بالبصراء بخلاف الوطء فإن له أن يطأ زوجته اعتمادا على صوتها بالإجماع للضرورة ولأن الوطء يجوز بالظن ولا تقبل شهادته على زوجته التي يطأها كما لا تقبل على الأجانب لأن الوطء ضرورة وقد سبق وجه أن العمى لا يقدح في القضاء وهو مع ضعفه جار في الشهادة والصواب المنع ويستثنى عن هذا صورة الضبطة وهي أن يضع رجل فمه على أذنه ويد الأعمى على رأسه فينظر إن سمعه يقر بطلاق أو عتق أو لرجل معروف الاسم والنسب بمال ويتعلق به الأعمى ولا يزال يضبطه حتى يشهد بما سمع منه عند القاضي فيقبل هذه الشهادة على الصحيح لحصول العلم وقيل لا يقبل سدا للباب مع عسر ذلك وتقبل رواية الأعمى ما سمعه حال العمى على الصحيح وبه قطع الجمهور إذا حصل الظن الغالب بضبطه واختار الإمام المنع فأما ما سمعه قبل العمى فتقبل روايته في العمى بلا خلاف ولو تحمل شهادة تحتاج إلى البصر وهو بصير ثم عمي نظر إن تحمل على رجل معروف الاسم والنسب يقر لرجل بهذه الصفة فله أن يشهد بعدما عمي ويقبل لحصول العلم وكذا لو عمي ويد المقر في يده فشهد عليه لمعروف الاسم والنسب
وإن لم يكن كذلك لم تقبل شهادته ويجوز الاعتماد على ترجمة الأعمى على الأصح ولو عمي القاضي بعد سماع البينة وتعديلها ففي نفوذ قضائه في تلك

الواقعة وجهان أحدهما لا لانعزاله بالعمى كما لو انعزل بسبب آخر وأصحهما نعم إن لم يحتج إلى الإشارة كما لو تحمل الشهادة وهو بصير ثم عمي وأما شهادة الأعمى فيما يثبت بالاستفاضة فسيأتي في الطرف الثاني إن شاء الله تعالى

فصل إذا شاهد فعل إنسان أو سمع قوله فإن كان يعرفه بعينه
ونسبه شهد عليه عند حضوره بالإشارة إليه وعند غيبته وموته باسمه ونسبه فإن كان يعرفه باسمه واسم أبيه دون جده قال الغزالي يقتصر عليه في الشهادة فإن عرفه القاضي بذلك جاز وكان يحتمل أن يقال هذه شهادة على مجهول فلا تصح كما سبق في القضاء على الغائب أن القاضي لو لم يكتب إلا أني حكمت على محمد بن أحمد فالحكم باطل
وقد ذكر الشيخ أبو الفرج أنه إذا لم يعرف نسبه قدر ما يحتاج إلى رفعه لا يحل له أن يشهد إلا بما عرف لكن الشهادة والحالة هذه لا تفيد وقال الإمام لو لم يعرفه إلا باسمه لم يتعرض لاسم أبيه لكن الشهادة على مجرد الاسم قد لا تنفع في الغيبة وبالجملة لا يشهد بما لا معرفة له به
ولو سمع اثنين يشهدان أن فلانا وكل هذا الرجل في بيع داره وأقر الوكيل بالبيع شهد على إقراره بالبيع ولم يشهد بالوكالة
وكتب القفال في مثله أنه يشهد على شاهدي الوكالة وكأنهما أشهداه على شهادتهما ولو حضر عقد نكاح زعم الموجب أنه ولي المخطوبة أو وكيل وليها وهو لا يعرفه وليا ولا وكيلا أو عرف الولاية أو الوكالة ولم يعرف رضى المرأة وهي ممن يعتبر رضاها لم يشهد على أنها زوجته لكن يشهد أن

فلانا أنكح فلانة فلانا وقيل فلان فإن لم يعرف المرأة بنسبها لم يشهد إلا أن فلانا قال زوجت فلانة فلانا وإن كان يعرف المشهود عليه بعينه دون اسمه ونسبه شهد عليه حاضرا لا غائبا فإن مات أحضر ليشاهد صورته ويشهد على عينه فإن دفن لم ينبش وقد تعذرت الشهادة عليه هكذا قاله القاضي حسين وتابعه الإمام والغزالي لكن استثنى الغزالي ما إذا اشتدت الحاجة إليه ولم يطل العهد بحيث يتغير منظره وهذا احتمال ذكره الإمام ثم قال والأظهر ما ذكره القاضي
وإن لم يعرف اسمه ونسبه لم يكن له أن يعتمد قوله إنه فلان ابن فلان لكن لو تحمل الشهادة وهو لا يعرف اسمه ونسبه ثم سمع الناس يقولون إنه فلان ابن فلان واستفاض ذلك فله أن يشهد في غيبته على اسمه ونسبه كما لو عرفهما عند التحمل
ولو قال له عدلان عند التحمل أو بعده هو فلان ابن فلان قال الشيخ أبو حامد له أن يعتمدهما ويشهد على اسمه ونسبه وهذا مبني على جواز الشهادة على النسب من عدلين وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى

فرع كما أن المشهود عليه تارة تقع الشهادة على عينه وتارة على
ونسبه فكذلك المشهود له فتارة يشهد أنه أقر لهذا وتارة لفلان ابن فلان وكذا عند غيبة المشهود له وإذا شهد الشاهدان أن لهذا على فلان ابن فلان الفلاني كذا فقال الخصم لست فلان ابن فلان الفلاني ففي فتاوى القفال أن على المدعي بينة أن اسمه فلان ونسبه ما ذكراه فإن لم يكن بينة حلفه فإن نكل حلف واستحق وإن سلم ذلك الاسم والنسب فادعى أن هناك من يشاركه فيهما لم يقبل منه حتى يقيم البينة على ما يدعيه فإن أقامها احتاج إلى اثبات

زيادة يمتاز بها المدعى عليه على الآخر وهذا كما سبق في كتاب القاضي إذا بلغ المكتوب إليه وأحضر من زعم المدعي أنه المحكوم عليه ولتكن الصورة فيما إذا ادعى أنه يستحق على هذا الحاضر كذا واسمه ونسبه كذا أو أنه يستحق على من اسمه ونسبه كذا وهو هذا الحاضر وأقام البينة بالاستحقاق على فلان ابن فلان فيستفيد بها مطالبة الحاضر إن اعترف أنه فلان ابن فلان أو يقيم بينة أخرى على الأمم والنسب إن أمكن ثم يطالبه وإلا فكيف يدعي على فلان ابن فلان من غير أن يربط الدعوى بحاضر وفي الفتاوى أيضا أنه لو أحضر رجلا عند القاضي وقال إن هذا أقر لفلان ابن فلان بكذا وأنا ذلك المقر له فقال الرجل نعم أقررت لكن هنا أو بموضع آخر رجل آخر بهذا الاسم والنسب وإنما أقررت له لزمه إقامة البينة على ما يدعيه فإذا أقامها سئل ذلك الآخر فإن صدقه دفع المقر به إليه ويحلف الأول على أنه لا شىء له عليه وإن كذبه فهو للمدعي وإن قال هناك رجل آخر بهذا الاسم والنسب وأنا أقررت لأحدهما لا أعلم عينه وأقام البينة برجل آخر سئل ذلك الآخر فإن قال لا شىء لي عليه فينبغي أن يجب عليه التسليم إلى الأول كما لو كانت عنده وديعة فقال هي لأحدكما ولا أدري أنها لأيكما فقال أحدهما ليست لي فإنها تكون للآخر وإن صدقه الآخر فهو كما في صورة الوديعة إذا قال كل واحد هي لي وقد حكينا في الوكالة فيما لو وكل رجلا بالخصومة بناء على اسم ونسب ذكره أنه لا بد من بينة على أنه وكيله فلان ابن فلان أو على أن الذي وكله عند القاضي هو فلان ابن فلان وحكينا عن القاضي حسين أن هذه المسألة يكتفي القضاة فيها بالعدالة الظاهرة ويتساهلون

في البحث والاستزكاء
وعن القاضي أبي سعد الهروي أنه يكتفى فيها بمعرف واحد وكل واحد من هذين الكلامين ينبغي أن يعود هنا حيث احتيج إلى إثبات كونه فلان ابن فلان

فصل المرأة المتنقبة لا يجوز الشهادة عليها اعتمادا على الصوت كما لا
أو من وراء حائل صفيق والحائل الرقيق لا يمنع على الأصح
وإذا لم يجز التحمل بالصوت فإن عرفها متنقبة باسمها ونسبها أو بعينها لا غير جاز التحمل ولا يضر النقاب ويشهد عند الأداء بما يعلم فإن لم يعرفها فلتكشف عن وجهها ليراها الشاهد ويضبط حليتها وصورتها ليتمكن من الشهادة عليها عند الحاجة إلى الأداء وتكشف وجهها حينئذ
ولا يجوز التحمل بتعريف عدل أو عدلين انها فلانة بنت فلان فإن قال عدلان يشهدان هذه فلانة بنت فلان تقر بكذا فهما شاهدا الأصل والذي يسمع منهما شاهد فرع يشهد على شهادتهما عند اجتماع الشروط
ولو سمعه من عدل واحد شهد على شهادته والشهادة على الشهادة والحالة هذه تكون على الاسم والنسب دون العين هذا ما ذكره أكثر المتكلمين في المسألة وفي وجه ثان عن الشيخ أبي محمد أنه يكيفه لتحمل الشهادة عليها معرف واحد سلوكا به مسلك الإخبار وبهذا قال جماعة من المتأخرين منهم القاضي شريح الروياني ووجه ثالث أنه يجوز التحمل إذا سمع من عدلين أنها فلانة بنت فلان ويشهد على اسمها ونسبها عند الغيبة وهذا ما سبق عن الشيخ أبي حامد بناء على أنه تجوز الشهادة على النسب بالسماع من عدلين ووجه عن الاصطخري أنه إذا كان يعرف نسب امرأة ولا يعرف

عينها فدخل دارها وفيها نسوة سواها فقال لابنها الصغير أيتهن أمك أو لجاريتها أيتهن سيدتك فأشارا إلى امرأة فسمع إقرارها جاز له أن يشهد أن فلانة بنت فلان أقرت بكذا حكاه ابن كج عنه ولم يجعل قول شاهدين على قول الاصطخري كإخبار الصغير والجارية وادعى أن ذلك أشد وقعا في القلب وأثبت
ولك أن تقول ينبغي أن لا يتوقف جواز التحمل على كشف الوجه لا على المعرف لأن من أقرت تحت نقاب ورفعت إلى القاضي والمتحمل ملازمها أمكن الشهادة على عينها وقد يحضر قوم يكتفى بإخبارهم في التسامع قبل أن تغيب المرأة إذا لم يشترط في التسامع طول المدة كما سيأتي إن شاء الله تعالى فيخبرون عن اسمها ونسبها فيتمكن من الشهادة على اسمها ونسبها بل ينبغي أن يقال لو شهد اثنان تحملا الشهادة على امرأة لا يعرفانها أن امرأة حضرت يوم كذا مجلس كذا فأقرت لفلان جكذا وشهد عدلان أن المرأة الحاضرة يومئذ في ذلك المكان هي هذه ثبت الحق بالتبيين كما لو قامت بينة أن فلان ابن فلان الفلاني أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان ابن فلان ثبت الحق
وإذا اشتمل التحمل على هذه الفوائد وجب أن يجوز مطلقا ثم إن لم يحصل ما يفيد جواز التحمل على العين أو على الاسم والنسب أو لم ينضم إليه ما يتم به الإثبات فذاك لشىء آخر
ويجوز النظر إلى وجهها لتحمل الشهادة وسماع كلامها وهذا عند الأمن من الفتنة فإن خاف فتنة فقد سبق أنه يحرم النظر إلى وجهها بلا خلاف فيشبه أن يقال لا ينظر الخائف للتحمل لأن في غيره غنية فإن تعين عليه نظر واحترز

فرع إذا قامت بينة على عين رجل أو امرأة بحق وأراد
له القاضي فالتسجيل على العين ممتنع لكن يجوز أن يسجل بالحلية ولا سبيل إلى التسجيل بالاسم والنسب ما لم يثبتا ولا يكفي فيهما قول المدعي ولا إقرار من قامت عليه البينة لأن نسب الشخص لا يجبت بإقراره فلو قامت بينة على نسبه على وجه الحسبة بني على أن شهادة الحسبة هل تقبل في النسب إن قبلناها وهو الصحيح اثبت القاضي النسب وسجل وإن لم نقبلها وهو اختيار القاضي حسين فقال الطريق هنا أن ينصب القاضي من يدعي على فلان ابن فلان دينا أو على فاطمة بنت زيد أو يدعي على زيد ويقول هذه بنته وتركته عندها وينكر المدعي عليه النسب فيقيم المدعي البينة عليه
قال وتجوز هذه الحيلة للحاجة واعترض الإمام بأن الدعوى الباطلة كالعدم فكيف يجوز بناء الشهادة عليها وكيف يأمر القاضي بها
لكن الوجه أن يقال وكلاء المجلس يتفطنون لمثل ذلك فإذا نصبوا مدعيا لم يفحص القاضي ولم يضيق بل يسمع الدعوى والبينة للحاجة
ولو أمر المدعي الذي ثبت له الحق بالبينة أن ينقل الدعوى عن العين إلى الدعوى على بنت زيد لينكر فيقيم البينة على النسب كان أقرب من نصب مدع جديد وأمره بدعوى باطلة
فرع عن فتاوى القفال شهد الشهود على امرأة باسمها ونسبها ولم يتعرضوا
لمعرفة عينها صحت شهادتهم فإن سألهم الحاكم هل تعرفون عينها فلهم أن يسكتوا ولهم أن يقولوا لا يلزمنا الجواب عن هذا
الطرف الثاني فيما تجوز الشهادة فيه بالتسامع وهو الاستفاضة

فمنه النسب فيجوز أن يشهد بالتسامع أن هذا الرجل ابن فلان أو هذه المرأة إذا عرفها بعينها بنت فلان أو أنهما من قبيلة كذا ويثبت النسب من الأم بالتسامع أيضا على الأصح وقيل قطعا كالأب ووجه المنع إمكان رؤية الولادة
ثم ذكر الشافعي والأصحاب رحمهم الله في صفة التسامع أنه ينبغي أن يسمع الشاهد المشهود بنسبه فينسب إلى ذلك الرجل أو القبيلة والناس ينسبونه إليه وهل يعتبر في ذلك التكرر وامتداد مدة السماع قال كثيرون نعم وبهذا أجاب الصيمري وقال آخرون لا بل لو سمع انتساب الشخص وحضر جماعة لا يرتاب في صدقهم فأخبروه بنسبه دفعة واحدة جاز له الشهادة
ورأى ابن كج القطع بهذا وبه أجاب البغوي في انتسابه بنفسه فإن قلنا بالأول فليست المدة مقدرة بسنة على الصحيح ويعتبر مع انتساب الشخص ونسبة الناس أن لا يعارضهما ما يورث تهمة وريبة فلو كان المنسوب إليه حيا وأنكر لم تجز الشهادة وإن كان مجنونا جازت على الصحيح كما لو كان ميتا ولو طعن بعض الناس في ذلك النسب هل يمنع جواز الشهادة وجهان أصحهما نعم لاختلال الظن

فرع يثبت الموت بالاستفاضة على المذهب وبه قطع الأكثرون وقيل وجهان وهل يثبت
وابن القاص وأبو علي بن أبي هريرة والطبري نعم ورجحه ابن الصباغ وقال أبو إسحق لا وبه أفتى القفال وصححه الإمام وأبو الحسن العبادي والروياني قالوا ويستحب

تجديد شهود كتب الوقف إذا خاف انقراض الأصول قال في العدة هذا ظاهر المذهب لكن الفتوى الجواز للحاجة
قلت الجواز أقوى وأصح وهو المختار
والله أعلم

فرع المعتبر في الاستفاضة أوجه أصحها أنه يشترط أن يسمعه من جمع
كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ويؤمن تواطؤهم على الكذب وهذا هو الذي رجحه الماوردي وابن الصباغ والغزالي وهو أشبه بكلام الشافعي رحمه الله والثاني يكفي عدلان اختاره أبو حامد وأبو حاتم ومال إليه الإمام والثالث يكفي خبر واحد إذا سكن القلب إليه حكاه السرخسي وغيره فعلى الأول ينبغي أن لا يشترط العدالة ولا الحرية والذكورة
فرع لو سمع رجلا يقول لآخر هذا ابني وصدقه الآخر أو قال
فلان وصدقه فلان قال كثير من الأصحاب يجوز أن يشهد به على النسب وكذا لو استلحق صبيا أو بالغا وسكت لأن السكوت في النسب كالإقرار
وفي المهذب وجه أنه لا يشهد عند السكوت إلا إذا تكرر عنده الإقرار والسكوت والذي أجاب به الإمام والغزالي أنه لا تجوز الشهادة على النسب بذلك بل يشهد والحالة هذه على الإقرار وهذا قياس ظاهر
فصل الشهادة على الملك تنبني على ثلاثة أمور وهي اليد والتصرف

فأما اليد فلا تفيد بمجردها جواز الشهادة على الملك لكن إذا رأى الشىء في يده جاز أن يشهد له باليد وشرط البغوي لذلك أن يراه في يده مدة طويلة وحكى الإمام قولا أنه لا تجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد والمشهور الأول وأما التصرف المجرد فكاليد المجردة لا يفيد
جواز الشهادة بالملك فإن اجتمع يد وتصرف فإن قصرت المدة فهو كاليد المجردة وإن طالت ففي جواز الشهادة له بالملك وجهان أصحهما الجواز صححه البغوي ونقله الإمام عن اختيار الجمهور وعن الشيخ أبي محمد القطع به فلو انضم إلى اليد والتصرف الاستفاضة ونسبة الناس الملك إليه جازت الشهادة بالملك بلا خلاف ونقل الروياني قولا انه لا تجوز الشهادة على الملك حتى يعرف سببه وهو شاذ ضعيف
وأما الاستفاضة وحدها فهل تجوز الشهادة على الملك بها وجهان أقربهما إلى إطلاق الأكثرين الجواز والظاهر أنه لا يجوز وهو محكي عن نصه في حرملة واختارها القاضي حسين والإمام الغزالي وهو الجواب في الرقم
واعلم أن جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة مشهورة في المذهب فلعل من لا يكتفي به يكتفي بانضمام أحد الأمرين من اليد والتصرف إليه أو يعتبرهما جميعا لكن لا يعتبر طول المدة فيهما وإذا انضما إلى الاستفاضة وإلا فهما كافيان إذا طالت المدة على الأصح ولا يبقى للاستفاضة أثر ويشترط في جواز الشهادة بناء على اليد أو اليد والتصرف أن لا يعرف له منازعا فيه ونقل ابن كج وجهين في أن منازعة من لا حجة معه هل تمنع فرع طول مدة اليد والتصرف يرجع فيه إلى العادة وقيل أقلها سنة

والصحيح الأول وعن الشيخ أبي عاصم أنه إن زادت على عشرة فطويلة وفيما دونها وجهان والقول في عدد المخبرين هنا وامتداد المدة كما سبق في النسب ونقل ابن كج وجهين في أنه هل يشترط أن يقع في قلب السامع صدق المخبرين

فرع ذكر ابن كج أنه تجوز الشهادة على اليد بالاستفاضة وقد ينازع
فيه لإمكان مشاهدة اليد
فرع لا يكفي أن يقول الشاهد سمعت الناس يقولون إنه لفلان وكذا
النسب وإن كانت الشهادة مبنية عليه بل يشترط أن يقول أشهد بأنه له وبأنه ابنه لأن قد يعلم خلاف ما سمعه من الناس لكن عن الشيخ أبي عاصم أنه لو شهد رجل بالملك وآخر بأنه في يده مدة طويلة وتصرف فيه بلا منازع تمت الشهادة
وقال الشارح لكلامه هذا مصير منه إلى الاكتفاء بذكر السبب والصحيح الأول
فرع سواء في الشهادة على الملك بالاستفاضة والتصرف العقار والثوب والعبد وغيرها إذا ميز

فرع التصرف المعتبر في الباب تصرف الملاك من السكنى والدخول والخروج والهدم والبناء
لأنها وإن تكررت قد تصدر ممن استأجر مدة طويلة ومن الموصى له بالمنفعة وليجر هذا الخلاف في الرهن لأنه قد يصدر

من مستعير والأوفق لإطلاق الأصحاب الإكتفاء لأن الغالب صدورها من المالكين ولا يكفي التصرف مدة واحدة لأنه لا يحصل ظنا

فرع لا يثبت الدين بالاستفاضة على الصحيح

فرع في قبول شهادة الأعمى فيما يشهد فيه بالاستفاضة وجهان قال ابن
سريج والجمهور تقبل إلا أن شهادته إنما تقبل إذا لم يحتج إلى تعيين وإشارة بأن يكون الرجل معروفا باسمه ونسبه الأدنى ويحتاج إلى إثبات نسبه الأعلى وصور أيضا في النسب الأدنى بأن يصف الشخص فيقول الرجل الذي اسمه كذا وكنيته كذا ومصلاه ومسكنه كذا هو فلان ابن فلان ثم يقيم المدعي بينة أخرى أنه الذي اسمه كذا وكنيته كذا إلى آخر الصفات وصورته في الملك أن يشهد الأعمى بدار معروفة أنها لفلان ابن فلان ويمكن أن يقال الوجه القائل بأن شهادته لا تقبل مخصوص بما إذا سمع من عدد يمكن اتفاقهم على الكذب فأما إذا حصل السماع من جمع كبير فلا حاجة فيه إلى المشاهدة ومعرفة حال المخبرين
فرع ما جازت الشهادة به اعتمادا على الاستفاضة جاز الحلف عليه اعتمادا
عليها بل أولى لأنه يجوز الحلف على خط الأب دون الشهادة
الطرف الثالث في تحمل الشهادة وأدائها
أما الأداء فواجب في الجملة والكتمان حرام ويجب الأداء على متعين للشهادة متحمل لها قصدا دعي من دون مسافة العدوى عدل لا عذر له فهذه

خمسة قيود
الأول التعيين فإن لم يكن في الواقعة إلا شاهدان بأن لم يتحمل سواهما أو مات الباقون أو جنوا أو فسقوا أو غابوا لزمهما الأداء فلو شهد أحدهما وامتنع الآخر وقال للمدعي احلف مع الشاهد عصا وكذا الشاهدان على رد الوديعة لو امتنعا وقال للمودع احلف على الرد عصيا لأن من مقاصد الإشهاد التورع عن اليمين ولو لم تكن في الواقعة إلا شاهد فإن كان الحق يثبت بشاهد ويمين لزمه الأداء وإلا فلا على الصحيح وحكى ابن كج وجها في لزومه لأنه ينفع في اندفاع بعض تهمة الكذب
وإن كان في الواقعة شهود فالأداء عليهم فرض كفاية إذا فعله اثنان منهم سقط عن الباقين وإن طلب الأداء من اثنين ففي وجوب الإجابة عليهما وجهان وقال ابن القاص قولان أصحهما الوجوب وليس موضع الخلاف ما إذا علمنا من حالهم رغبة أو إباء
القيد الثاني كونه متحملا عن قصد أما من سمع الشىء أو وقع بصره عليه اتفاقا فالأصح الموافق لإطلاق الجمهور أنه يلزمه الأداء أيضا لأنها أمانة وشهادة عنده والثاني لا لعدم التزامه
القيد الثالث أن يدعى لأداء الشهادة من مسافة قريبة ومتى كان القاضي في البلد فالمسافة قريبة وكذا لو دعي إلى مسافة يتمكن المبكر إليها من الرجوع إلى أهله في يومه وإن دعي إلى مسافة القصر لم تجب الإجابة وإن كان بينهما لم تجب أيضا على الأصح وهذا كله تفريع على الصحيح وهو أن الشاهد يلزمه الحضور إلى القاضي لأداء الشهادة وعن القاضي أبي حامد أنه ليس على الشاهد إلا أداء الشهادة إن اجتمع هو والقاضي
القيد الرابع كون الشاهد عدلا فإن كان فاسقا ودعي لأداء الشهادة نظر إن كان فسقه مجمعا عليه ظاهرا أو خفيا حرم عليه أن

يشهد وإن كان مجتهدا فيه كشرب النبيذ لزمه أن يشهد وإن كان القاضي يرى التفسيق به ورد الشهادة لأنه قد يتغير اجتهاده
وفي أمالي السرخسي وجه أنه لا يجب في الفسق المجتهد فيه إذا كان ظاهرا وحكى ابن كج وجها أنه يجب مطلقا في الفسق الخفي وفي الظاهر وجهان والمذهب ما سبق وحكى ابن كج وجهين في أنه هل للشاهد أن يشهد بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده الشاهد كالبيع الذي يترتب عليه شفعة الجوار والشاهد لا يعتقدها
ولو كان أحد الشاهدين عدلا والآخر فاسقا فسقا مجمعا عليه لم يلزم العدل الأداء إن كان الحق لا يثبت بشاهد ويمين
القيد الخامس عدم العذر كالمرض ونحوه فالمريض الذي يشق عليه الحضور لا يكلف أن يحضر بل إما أن يشهد على شهادته وإما أن يبعث القاضي إليه بأن يسمع شهادته والمرأة المخدرة كالمريض وفيها الخلاف السابق في الباب الثالث من أدب القضاء وغير المخدرة يلزمها الحضور والأداء وعلى الزوج أن يأذن لها فيه وحكى الشيخ أبو الفرج وجهين في أنه هل يجب الحضور عند القاضي الجائر والمتعنت لأداء الشهادة لأنه لا يؤمن أن يرد شهادته جورا وتعنتا فيعير بذلك فعلى هذا عدالة القاضي وجمعه الشروط المعتبرة شرط سادس
قلت الراجح الوجوب
والله أعلم
وإذا اجتمعت شروط الوجوب لم يرهق القاضي إرهاقا بل إن كان في صلاة أو حمام أو على طعام فله التأخير إلى أن يفرغ ولا يمهل ثلاثة أيام على المشهور قال ابن كج ولو شهد ورد القاضي شهادته

بعلة الفسق ثم طلب المدعي أن يشهد له عند قاض آخر لزمه الإجابة ولا يلزمه عند ذلك القاضي على الصحيح قال ابن كج ولو دعي لأداء الشهادة عند أمير أو وزير قال ابن القطان لا تلزمه الإجابة وإنما يلزمه عند من له أهلية سماع البينة وهو القاضي قال ابن كج وعندي أنه يلزمه إذا علم أنه يصل به إلى الحق
قلت قول ابن كج أصح
والله أعلم

فرع إذا امتنع الشاهد من أداء الشهادة بعد وجوبه حياء من المشهود
عليه قال القاضي حسين يعصي ولا يجوز للقاضي قبول شهادته في شىء أصلا حتى يتوب ويوافق هذا ما قيل إن المدعي لو قال للقاضي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها فأحضره ليشهد لم يجبه القاضي لأنه فاسق بالامتناع بزعمه فلا ينتفع بشهادته
قلت ينبغي أن يعمل هذا على ما إذا قال هو ممتنع بلا عذر
والله أعلم
فصل وأما تحمل الشهادة ففرض كفاية في عقد النكاح لتوقف الانعقاد عليه فإن امتنع الجميع منه أثموا

ولو طلب من اثنين التحمل وهناك غيرهما لم يتعينا بلا خلاف وأما في التصرفات المالية والأقارير فهل التحمل فرض كفاية أم مستحب وجهان الصحيح الأول وبه قطع العراقيون للحاجة إليها ومنهم من يقتضي كلامه طرد الخلاف في النكاح أيضا وليس بشىء وإذا قلنا بالافتراض فذلك إذا حضر المحمل أما إذا دعي للتحمل فقيل تجب الإجابة أيضا والأصح الذي قاله القاضي أبو حامد والبغوي وأبو الفرج أنه لا يجب إلا أن يكون المحمل معذورا بمرض أو حبس أو كانت امرأة مخدرة إذا

أثبتنا للتخدير أثرا وكذا إذا دعاه القاضي ليشهده على أمر ثبت عنده لزمه الإجابة

فرع إن تطوع الشاهد بتحمل الشهادة وأدائها فقد أحسن وإن طمع في
مال فهو إما رزق من بيت المال وإما من مال المشهود له فأما الرزق من بيت المال فقد ذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وآخرون أن الشاهد ليس له أخذ الرزق من بيت المال لتحمل الشهادة وقيل له ذلك فإن قلنا بالأول فرزقه الإمام من ماله أو واحد من الرعية فالحكم كما ذكرنا في القاضي وأما مال المشهود له فليس للشاهد أخذ أجرة على أداء الشهادة ووجهوه بأنه فرض عليه فلا يستحق عليه عوضا ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله
وأما إتيان القاضي والحضور عنده فإن كان معه في البلد فلا يأخذ شيئا وإن كان نائبه من مسافة العدوى فما فوقها فله طلب نفقة المركوب
قال البغوي وكذا نفقة الطريق وحكى وجهين فيما لو أعطاه شيئا ليصرفه في نفقة الطريق وأجرة المركوب هل له أن يصرفه إلى غرض آخر ويمشي وهما كالوجهين فيما لو أعطى فقيرا شيئا وقال اشتر لك به ثوبا هل له أن يصرفه إلى غير الثوب والأصح الجواز فيهما فهذا ما قيل إن الشاهد يأخذه من المشهود له ولم يتعرض أكثرهم لما سوى هذا لكن في تعليق الشيخ أبي حامد أن الشاهد لو كان فقيرا يكسب قوته يوما يوما وكان في صرف الزمان إلى أداء الشهادة ما يشغله عن كسبه لم يلزمه الأداء إلا إذا بذل له المشهود له قدر كسبه في ذلك الوقت هذا حكم الأداء
فلو طلب الشاهد أجرة لتحمل الشهادة فإن لم يتعين عليه فله ذلك وكذا إن تعين على الأصح قال أبو الفرج هذا إذا دعي ليتحمل فأما إذا أتاه المحمل فليس للتحمل والحالة هذه أجرة وليس

له أن يأخذ شيئا ومقتضى قولنا له طلب الأجرة إذا دعي للتحمل أن يطلب الأجرة إذا دعي للأداء سواء كان القاضي معه في البلد أم لا كما لا فرق في التحمل وأن يكون النظر إلى الأجرة مطلقا لا إلى أجرة المركوب ونفقة الطريق خاصة ثم هو يصرف المأخوذ إلى ما يشاء ولا يمنع ذلك كون الأداء فرضا عليه كما ذكرنا في التحمل مع تعينه على الأصح
قلت هذا الذي أورده الرافعي رحمه الله ضعيف مع أنه خلاف قول الأصحاب كما سبق فإن فرض من يحتاج إلى الركوب في البلد فهو محتمل والوجوب ظاهر حينئذ
والله أعلم

فرع كتابة الصكوك هل هي فرض كفاية أم مستحب وجهان أصحهما الأول
وبه قطع السرخسي فإن قلنا مستحبة أو فرض ولم يتعين لها شخص فله طلب الأجرة
وإن تعين فكذلك على الأصح هذا إذا لم يرزق الكاتب من بيت المال لكتابة الصكوك فإن رزق لذلك فلا أجرة
فصل في آداب التحمل والأداء منقولة من مختصر الصيمري ينبغي للشاهد أن
كما لا يقضي في هذه الأحوال وإذا أتاه من لا تجوز الشهادة عليه كصبي ومجنون لم يلتفت إليه وإن أتي بكتاب أنشىء على خلاف الإجماع فكذلك وتبين فساده وإن أنشىء على مختلف فيه بين العلماء وهو لا يعتقده فهل يعرض عنه أم يشهد ليؤدي ويحكم الحاكم باجتهاده وجهان سبقا وإذا رأى

كلمة مكروهة أو معادة فلا بأس بالضرب عليها لا سيما إذا لم يسبقه بالشهادة أحد وإن أغفل الكاتب ما لا بد منه ألحق به وإن رأى سطرا ناقصا شغله بخط أو خطين وإذا قرأ الكتاب على المتبايعين مثلا وقال عرفتما ما فيه أشهد عليكما به فقالا نعم أو أجل أو بلى كفى للتحمل ولا يكفي أن يقول المحمل الأمر إليك أو إن شئت أو كما ترى أو أستخير الله تعالى وإذا سمع إقرارا بدين أو طلاق أو عتق فله أن يشهد به ولكن لا يقول ولا يكتب أشهدني بذلك ويكتب الشاهد في الكتاب الذي تحمل فيه اسمه واسم أبيه وجده ويجوز أن يترك اسم الجد وأن يتخطى إلى جد أعلى لشهرته به ولا يكتب الكنية إلا أن يكون في الشهود من يشاركه في الاسم والنسب فيميز بالكنية وقد يستحب الاستعانة بما يفيد التذكر كما ذكرناه في الباب الثاني من أدب القضاء وإذا أشهده القاضي على شىء قد سجل به كتب الشهادة على إنفاذ القاضي ما فيه أو حكم بما فيه ولا يكتب الشهادة على إقراره يعني إذا حضر الإنشاء والأولى في كتابة الدين المؤجل أن يقرر صاحب الدين أولا بأن يقول ما الذي لك على هذا فإن قال كذا مؤجلا قرر المدين لأنه لو أقر المدين أولا قد ينكر صاحب الأجل وفي السلم يقرر المسلم أولا خوفا من أن ينكره المسلم لو أقر أولا ويطالبه بالمدفوع إليه
وإذا أتى القاضي شاهد لأداء شهادة أقعده عن يمينه وإن كانت شهادته مثبتة في كتاب أخذه وتأمله فإذا سأله المشهود له استأذن القاضي ليصغي إليه ولو شهد قبل استئذان القاضي وسؤاله صحت على الصحيح

لكن لو شهد قبل استئذانه فقال القاضي كنت ذاهلا لم أسمع لم يعتد بها
والله المستعان

الباب الرابع في الشاهد مع اليمين
يجوز القضاء بشاهد ويمين في الجملة فما ثبت برجل وامرأتين ثبت بشاهد ويمين إلا عيوب النساء وما في معناها وما لا يثبت برجل وامرأتين لا يثبت بشاهد ويمين ولا يقضى بشهادة امرأتين ويمين في الأموال قطعا ولا فيما يثبت بشهادة النسوة منفردات على الأصح
ثم هل القضاء بالشاهد وحده واليمين مؤكدة أم بها وحدها وهو مؤكد أم بهما أوجه أصحها الثالث فلو رجع الشاهد فإن قلنا بالأول غرم أو بالثاني فلا أو بالثالث غرم النصف ثم يحلف المدعي بعد شهادة الشاهد وتعديله وجوز ابن أبي هريرة تقديم اليمين على شهادته كما يجوز تقديم المرأتين على الرجل والصحيح الأول ويجب أن يتعرض الحالف في اليمين لصدق الشاهد فيقول والله إن شاهدي لصادق وإني مستحق لكذا قال الإمام ولو أخر تصديق الشاهد وقدم ذكر الاستحقاق جاز ولم أجد أحدا يضايق فيه
ولو فسق الشاهد بعد القضاء لم ينقض الحكم وإن فسق قبله صار كأن لا شاهد فيحلف المدعى عليه فإن نكل حلف المدعي ولم يعتد بما مضى ولو لم يحلف المدعي مع شاهده وطلب يمين الخصم فله ذلك فإن حلف سقطت الدعوى
قال ابن الصباغ وليس له أن يحلف بعد ذلك مع شاهده بخلاف ما لو أقام بعد يمين المدعى عليه بينة فيسمع وإن نكل المدعى عليه فأراد المدعي يمين الرد مكن منها

على الأظهر ويجري القولان فيما لو ادعى مالا ونكل المدعى عليه ولم يحلف المدعي يمين الرد ثم أقام شاهدا واحدا وأراد أن يحلف معه فإن قلنا ليس له أن يحلف يمين الرد فالمنقول أنه يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر لأن يمينه حق المدعي فلا يتمكن من إسقاطها لكن التقصير منه حيث لم يحلف مع شاهده فينبغي أن لا يحبس المدعى عليه
وقد ذكر ابن الصباغ نحو هذا
ولو أن المدعي بعد امتناعه من الحلف مع شاهده واستحلافه الخصم أراد أن يعود فيحلف مع شاهده نقل المحاملي أنه ليس له ذلك لأن اليمين صارت في جانب صاحبه إلا أن يعود في مجلس آخر ويستأنف الدعوى ويقيم الشاهد فحينئذ يحلف معه

فصل جارية وولدها في يد رجل يسترقهما فقال آخر هذه مستولدتي والولد
مني علقت به في ملكي فإن أقام بذلك شاهدين ثبت ما يدعيه وإن أقام رجلا وامرأتين أو رجلا وحلف معه ثبت الاستيلاد لأن حكم المستولدة حكم المال فيسلم إليه وإذا مات حكم بعتقها بإقراره وهل يحكم له بالولد قولان أظهرهما لا لأنه لا يدعي ملكه بل نسبه وحريته وهما لا يثبتان بهذه الحجة فيبقى الولد في يد صاحب اليد
وهل يثبت نسبه بإقرار المدعي فيه ما ذكرنا في الإقرار واللقيط في استلحاق عبد غيره والثاني نعم تبعا لها فينتزع من المدعى عليه فيكون حرا نسبيا بإقرار المدعي
ولو كان في يد رجل شخص ادعى أنه رقيقه فادعى آخر أنه كان له وأنه أعتقه وأقام شاهدا وحلف أو رجلا وامرأتين نص الشافعي أنه ينتزع منه ويحكم بأنه عتق على المدعي بإقراره فمن الأصحاب من قال في قبول هذه البينة والانتزاع قولان كالصورة السابقة لأنها شهادة

بملك متقدم والمذهب القطع بالعتق بالقبول والانتزاع كما نص عليه والفرق أن المدعي هنا يدعي ملكا وحجته تصلح لإثباته والعتق يترتب عليه بإقراره
ولو قال المدعي في صورة الاستيلاد لصاحب اليد استولدتها أنا في ملكك ثم اشتريتها مع الولد فعتق الولد علي وأقام عليه حجة ناقصة فالعتق الآن مرتب على الملك الذي قامت به الحجة الناقصة فيكون على الطريقين كذا ذكره القفال
هذا كلام الأصحاب في جميع طرقهم في الصورتين وانفرد الإمام والغزالي فحكيا عن الأصحاب والمزني والنص أشياء منكرة محولة عن وجهها وفي المختصر التصريح بخلافها وكذا كتب الأصحاب

فصل ادعى ورثة ميت دينا أو عينا لمورثهم فإنما يحكم على المدعى
عليه إذا ثبت لهم ثلاثة أشياء الموت والوراثة والمال والأول والثاني لا مدخل فيهما للشاهد واليمين بل لا يثبتان إلا بشاهدين أو إقرار المدعى عليه وأما المال فيدخله الشاهد واليمين فإن حضر جميع الورثة وهم كاملون وأقاموا شاهدا وحلفوا معه استحقوا والمأخوذ تركة يقضى منها ديون الميت ووصاياه وإن امتنع جميعهم وعلى الميت دين فهل للغريم أن يحلف ذكرنا في التفليس فيه قولين الجديد الأظهر المنع ويجريان فيما لو كان أوصى لرجل ولم يحلف الورثة هل يحلف الموصى له فإن كانت الوصية بعين وادعاها في يد أجنبي فينبغي أن لا يكون فيه خلاف ويقطع بالجواز فإن حلف بعض الورثة دون بعض أخذ الحالف نصيبه والنص أنه لا يشاركه فيه من لم يحلف ونص في كتاب الصلح أنهما لو ادعيا دارا إرثا فصدق المدعى عليه

أحدهما في نصيبه شاركه المكذب فخرج بعضهم من الصلح هنا قولا أن ما أخذه الحالف يشاركه فيه من لم يحلف لأن الإرث يثبت على الشيوع وقطع الجمهور بأن لا شركة هنا كما نص والفرق من وجهين حكاهما الإمام أحدهما أن صورة الصلح مصورة في عين وأعيان التركة مشتركة بين الورثة والمصدق معترف بأنه من التركة والصورة هنا في دين والدين إنما يتعين بالتعيين والقبض فالذي أخذه الحالف يتعين لنصيبه بالقبض فلم يشاركه الآخر فيه فعلى هذا لو كانت صورة الصلح في دين لم تثبت الشركة
ولو فرض شاهد ويمين بعض الورثة في عين تثبت الشركة
والفرق الثاني وهو الذي ذكره الجمهور أن الثبوت هنا بشاهد ويمين فلو أثبتنا الشركة لملكنا الناكل بيمين غيره وهناك ثبت بإقرار المدعى عليه ثم ترتب عليه إقرار المصدق بأنه إرث فعلى هذا لا فرق بين العين والدين ولا في صورة إقرار المدعى عليه وأشار في الوسيط إلى تخريج خلاف في مسألة الصلح بما نحن فيه ولا يعرف هذا لغيره وهل يقضى من نصيب الحالف جميع الدين أم بالحصة قال في الشامل يبنى على أن الغريم هل يحلف إن قلنا نعم لم يلزمه إلا قضاء حصته وإن قلنا لا بني على أن من يحلف من الورثة هل يشارك الحالف إن قلنا نعم قضى الجميع لأنا أعطيناه حكم التركة وإلا فبالحصة
هذا حكم نصيب الحالف أما من لم يحلف فإن كان حاضرا كامل الحال ونكل عن اليمين ذكر الإمام أن حقه يبطل بالنكول ولو مات لم يكن لوارثه أن يحلف
وفي كتاب ابن كج ما ينازع فيه
قال الإمام ولو أراد وارثه أن يقيم شاهدا آخر ليحلف معه لم يكن له أيضا لكن هل يضم هذا الشاهد إلى الشاهد الأول ليحكم بالبينة فيه احتمالان

جاريان فيما لو أقام مدع شاهدا في خصومة ثم مات فأقام وارثه شاهدا آخر فيجوز أن يقال له البناء عليه ويجوز أن يقال عليه تجديد الدعوى وإقامة البينة وأنه لو أقام الورثة شاهدا وحلف معه بعضهم ومات بعضهم قبل أن يحلف أو ينكل كان لوارثه أن يحلف لكن هل يحتاج إلى إعادة الدعوى والشاهد فيه التردد المذكور والأصح أنه لا يحتاج
وإن كان الذي لم يحلف صبيا أو مجنونا أو غائبا نص الشافعي رحمه الله في المجنون أنه يوقف نصيبه
واختلفوا في معناه فقال أبو إسحق وعامة الأصحاب المراد أنا نمتنع من الحكم في نصيبه ويتوقف حتى يفيق فيحلف أو ينكل ولا يؤخذ نصيبه وقيل أراد أنه يؤخذ نصيبه ويوقف وهذا أحد قوليه أن الحيلولة هل تثبت بشاهد والصبي والغائب كالمجنون
وينبغي أن يكون الحاضر الذي لم يشرع في الخصومة أو لم يشعر بالحال كالمجنون في بقاء حقه بخلاف ما سبق في الناكل فإن قلنا بالصحيح وهو أنه لا يؤخذ نصيب المعذورين فإذا زال عذرهم حلفوا وأخذوا نصيبهم ولا حاجة إلى إعادة الشهادة بخلاف ما لو كانت الدعوى لا عن جهة الإرث بأن قال أوصى لي ولأخي الغائب أو الصبي أبوك بكذا أو اشتريت مع أخي الغائب منك كذا وأقام شاهدا وحلف معه فإنه إذا قدم الغائب وبلغ الصبي يحتاجان إلى تجديد الدعوى وإعادة الشهادة أو شاهد آخر ولا يؤخذ نصيبهما قبل ذلك لأن الدعوى في الميراث عن شخص واحد وهو الميت وكذلك يقضى دينه من المأخوذ وفي غير الميراث الدعوى وألحق الأشخاص

فليس لأحد أن يدعي ويقيم البينة عن غيره بغير إذن أو ولاية
ثم ما ذكرنا في الميراث أنه لا حاجة إلى إعادة الشهادة مفروض فيما إذا لم يتغير حال الشاهد فإن تغير فوجهان أحدهما وبه قال القفال لا يقدح وللصبي والمجنون والغائب إذا زال عذرهم أن يحلفوا لأنه قد اتصل الحكم بشهادته فلا أثر للتغير والثاني وهو اختيار الشيخ أبي علي لا يحلفون لأن الحكم اتصل بشهادته في حق الحالف فقط ولهذا لو رجع الشاهد لم يكن لهم أن يحلفوا ولو مات الغائب أو الصبي فلوارثه أن يحلف ويأخذ حصته فإن كان وارثه هو الحالف لم تحسب يمينه الأولى ولو ادعى شخص على ورثة رجل أن مورثكم أوصى لي ولأخي أو ولأجنبي بكذا وأقام شاهدا وحلف معه وأخذ نصيبه لم يشاركه الآخر فيه بلا خلاف ثم ذكر الشيخ أبو الفرج أن من يحلف من الورثة على دين أو عين للمورث يحلف على الجميع لا على حصته فقط سواء حلف كلهم أو بعضهم وكذا الغريم والموصى له إذا قلنا يحلفان وفي كلام غيره إشعار بخلافه وجميع ما ذكرناه فيما إذا أقام بعض الورثة شاهدا واحدا وحلف معه فأما إذا أقام بعضهم شاهدين فإنه يثبت المدعى كله فإذا حضر الغائب من الورثة أو بلغ صبيهم أو عقل مجنونهم أخذ نصيبه ولا حاجة إلى تجديد الدعوى وإقامة البينة وينتزع القاضي بعد تمام البينة نصيب الصبي والمجنون دينا كان أو عينا ثم يأمر بالتصرف فيه بالغبطة كيلا يضيع عين ماله وأما نصيب الغائب فإن كان عينا انتزعها وكلام الأصحاب يقتضي أن هذا الانتزاع واجب وهو الظاهر لكن سبق في باب الوديعة أن الغاصب لو حمل المغصوب إلى القاضي والمالك غائب ففي وجوب قبوله وجهان فيجوز أن يعود ذلك الخلاف هنا مع قيام البينة وإن

كان المدعى دينا ففي انتزاع نصيب الغائب وجهان جاريان فيمن أقر لغائب بدين وحمله إلى القاضي هل على القاضي أن يستوفيه والأصح في الصورتين عدم الوجوب وحكاه ابن كج في مسألتنا عن النص
واعلم أنه سبق في كتاب الشركة أن أحد الوارثين لا ينفرد بقبض شىء من التركة ولو قبض شاركه الآخر فيه وقالوا هنا يأخذ الحاكم نصيبه كأنهم جعلوا غيبة الشريك عذرا في تمكين الحاضر من الانفراد ولو ادعى على رجل أن أباه أوصى له ولفلان بكذا وأقام شاهدين وفلان غائب أو صبي لم يؤخذ نصيب فلان بحال وإذا حضر وبلغ فعليه إعادة الدعوى والبينة لما ذكرنا أن الدعوى في الإرث لشخص واحد

فرع لو كان للوارث الغائب وكيل وقد أقام الحاضر البينة قال أبو
عاصم يقبض الوكيل نصيب الغائب دون القاضي فإن لم يكن قبض القاضي ويؤجر لئلا تفوت المنافع
فصل هل يثبت الوقف بشاهد ويمين إن قلنا الملك فيه للواقف أو
عليه فنعم وإن قلنا لله تعالى فوجهان أو قولان أحدهما لا وبه قال المزني وأبو إسحق كالعتق والثاني نعم وبه قال ابن سريج وابن سلمة والعراقيون يميلون إلى ترجيح الأول وينسبونه إلى عامة الأصحاب لكن الثاني أقوى في المعنى وهو المنصوص وصححه الإمام والبغوي وغيرهما وجزم به الغزالي
ولو ادعى ورثة ميت على رجل أنه غصب هذه الدار وقالوا كانت

لأبينا وقفها علينا وعلى فلان تثبت دعوى الغصب بشاهد ويمين ويثبت بهما أيضا الوقف إن أثبتناه بشاهد ويمين وإلا فيثبت بإقرارهم
ولو مات عن بنين فادعى ثلاثة منهم أن أباهم وقف عليهم هذه الدار وأنكر سائر الورثة فأقدموا شاهدا ليحلفوا معه تفريعا على ثبوت الوقف بشاهد ويمين فلدعواهم صورتان إحداهما أن يدعوا وقف ترتيب فيقولوا وقف علينا وبعدنا على أولادنا وعلى الفقراء فلهم بعد إقامة البينة ثلاثة أحوال أن يحلفوا جميعا فيثبت الوقف ولا حق لسائر الورثة في الدار فإذا انقرض المدعون أخذ البطن الثاني الدار وقفا وهل يأخذونه بيمين أم بلا يمين وجهان ويقال قولان الأصح عند الجمهور بلا يمين وهو ظاهر نصه في المختصر وإذا انتهى الاستحقاق إلى البطن الثالث والرابع عاد الخلاف فإن قلنا يأخذون بيمين مكان الحق بعد البنين الثلاثة للفقراء نظر إن كانوا محصورين كفقراء قرية ومحلة فكذلك الجواب وإن لم يكونوا محصورين فهل يبطل الوقف وتعود الدار إرثا أم يصرف إليهم بلا يمين أم يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف بناء على تعذر مصرفه كالوقف المنقطع فيه ثلاثة أوجه
قلت الأصح يأخذون بلا يمين وتسقط هنا لتعذرها ولا يبطل الوقف بعد صحته ووجود المصرف بخلاف المنقطع
والله أعلم
ولو مات أحد الحالفين صرف نصيبه إلى الآخرين فإن مات آخر صرف الجميع إلى الثالث لأن استحقاق البطن الثاني إنما هو بعد انقراض الأولين ثم أخذ الآخرين يكون بلا يمين على المذهب وقيل وجهان كالبطن الثاني

الحال الثاني أن ينكلوا جميعا عن اليمين مع الشاهد فالدار تركة يقضى منها الدين والوصية ويقسم الباقي بين الورثة ويكون حصة المدعين وقفا بإقرارهم وحصة سائر الورثة طلقا لهم فإذا مات المدعون لم يصرف نصيبهم إلى أولادهم على سبيل الوقف إلا بيمين على الأصح وقيل يصرف إليهم وقفا بلا يمين ولو أراد الأولاد أن يحلفوا ويأخذوا جميع الدار وقفا فلهم ذلك على الأظهر لأنهم أصحاب حق فإذا أبطل آباؤهم حقهم بالنكول فلهم أن لا يبطلوا حقهم ويجري القولان سواء قلنا لو لم يحلفوا لا يكون شىء منها وقفا أم قلنا حصة الأولين تبقى وقفا وإن لم يحلفوا وهل يجري القولان في حياة الأولين إذا نكلوا وجهان أحدهما نعم لبطلان حقهم وتعذر الصرف إليهم بنكولهم كما لو ماتوا وأصحهما لا لأن استحقاق البطن الثاني شرطه انقراض الأول
الحال الثالث أن يحلف بعضهم دون بعض فإذا حلف واحد ونكل اثنان أخذ الحالف الثلث وقفا وأما الباقي فهو تركة تقضى منها الديون والوصايا فما فضل ففيه وجهان قال في الشامل يقسم بين جميع الورثة فما خص البنين الثلاثة كان وقفا على الناكلين لأن الحالف معترف لهما بذلك والأصح وبه قطع المحاملي والبغوي وغيرهما أنه يقسم بين المنكرين من الورثة واللذين نكلا دون الحالف لأنه مقر بانحصار حقه فيما أخذ ثم حصة الناكلين تكون وقفا بإقرارهما فإذا مات الناكلان والحالف حي فنصيبهما للحالف على ما شرط الواقف بإقرارهما وفي اشتراط يمينه الوجهان فإذا مات الحالف فالاستحقاق للبطن الثاني وفي حلفهم الخلاف السابق وإن كان الحالف ميتا عند موت الناكلين فأراد أولادهما أن يحلفوا فعلى القولين السابقين في أولاد الجميع إذا نكلوا الأظهر لهم الحلف وفي نصيب الحالف الميت

قبلهما ثلاثة أوجه أحدها يصرف إلى الناكلين فعلى هذا في حلفهما الخلاف فإن قلنا يحلفان فنكلا سقط هذا الوجه والثاني يصرف إلى البطن الثاني وهو الأصح عند الجمهور وهو ظاهر إشارته في الأم لأنهما أبطلا حقهما بنكولهما وصارا كالمعدومين
والثالث أنه وقف تعذر مصرفه فعلى هذا هل يبطل أم يبقى وإذا بقي فهل يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف أم كيف حاله فيه خلاف سبق في الوقف بتفريعه والمذهب أنه يبقى وقفا ويصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف فعلى هذا إذا زال التعذر بموت الناكلين صرف إلى البطن الثاني ويجيء في حلف أقرب الناس إذا قلنا يصرف إليهم الخلاف

فرع إذا تصادقت الورثة على أن الدار وقف أبيهم ثبت الوقف ولا
إلى شاهد ويمين
فرع ادعوا على رجل دارا في يده أنه وقفها عليهم أو على
مورثهم وقفها عليهم وأقاموا شاهدا نظر أحلفوا مع شاهدهم أم نكلوا أم حلف بعضهم ونكل بعضهم وتجيء الأحوال الثلاثة كما سبق لكن حيث جعلنا كل المدعى أو بعضه تركة هناك ترك هنا في يد المدعى عليه
الصورة الثانية أن يدعوا وقف تشريك فيقول البنون الثلاثة في المثال المذكور هو وقف علينا وعلى أولادنا وأولاد أولادنا ما تناسلنا

فإذا انقرضنا فعلى الفقراء فأقاموا بذلك شاهدا وإن حلفوا معه أخذوا الدار وقفا ثم إذا حدث لأحدهم ولد فمقتضى الوقف شركته فيوقف ربع الغلة إلى أن يبلغ فيصرف إليه إن حلف ولم يجعلوه على الخلاف في أن البطن الثاني هل يحتاجون إلى يمين إذا حلف البطن الأول بل جزموا باحتياجه إلى اليمين بعد البلوغ إلا السرخسي فحكى فيه وجها
ثم إن الربع الموقوف هل يوقف في يد البنين الثلاثة أم ينتزع ويجعله في يد أمين وجهان أصحهما الثاني فإن نكل بعد بلوغه صرف الموقوف إلى الثلاثة وجعل كأنه لم يولد هذا هو المنصوص وبه قال الجمهور وحكي وجه أو تخريج أن نصيب المولود وقف تعذر مصرفه فيجيء الخلاف السابق لأن الثلاثة معترفون بأنه له فكيف يأخذونه بامتناعه باليمين ولو مات بعد البلوغ والنكول لم يستحقها
فأما رقبة الوقف وغلتها بعد موت الولد فمقتضى الشرط أن يستغرقها الثلاثة الحالفون وليس عليهم تجديد يمين على المذهب وكأن المولود لم يكن
ولو مات أحد الحالفين في صغر الولد وقف من يوم موته للولد ثلث الغلة لأن المستحقين صاروا ثلاثة فإن بلغ وحلف أخذ الربع والثلث الموقوفين وإن نكل صرف الربع إلى الابنين الباقيين وورثة الميت وصرف الثلث إلى الباقين خاصة ويعود فيه التخريج السابق
ولو بلغ الولد مجنونا أدمنا الوقف طمعا في إفاقته فإن ولد له قبل أن يفيق وقف له الخمس وللمولود الخمس من يوم ولادة الولد فإن أفاق المجنون وبلغ ولده وحلفا أخذ المجنون الربع من يوم ولادته إلى يوم ولادة ولده والخمس من يومئذ وأخذ ولده الخمس من يومئذ
ولو مات المجنون في جنونه

بعدما ولد له فالقلة الموقوفة لورثته إذا حلفوا ويوقف لولده من يوم ثبوته ربع الغلة هذا كله إذا حلف المدعون الثلاثة أولا فإن نكلوا عن اليمين مع الشاهد فلمن حدث بعدهم أن يحلف بلا خلاف لأنه شريك الأولين بتلقي الوقف من الواقف لا محالة وإن حلف بعضهم دون بعض أخذ الحالف نصيبه وبقي الباقي على ما كان
وبالله التوفيق

الباب الخامس في الشهادة على الشهادة
هي مقبولة في غير العقوبات كالأموال والأنكحة والبيع وسائر العقود والفسوخ والطلاق والعتاق والرضاع والولادة وعيوب النساء سواء حق الآدمي وحق الله تعالى كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة
وأما العقوبات فالمذهب القبول في القصاص وحد القذف والمنع في حدود الله تعالى
قال ابن القاص والإحصان كالحد
ولو شهد اثنان على شهادة آخرين أن الحاكم حد فلانا قبلت بلا خلاف ذكره ابن الصباغ لأنه حق آدمي فإنه اسقاط حد عنه ثم في الباب أربعة أطراف الأول في تحملها وإنما يجوز التحمل إذا علم أن عند الأصل شهادة جازمة بحق ثابت ولمعرفته أسباب أحدها أن يسترعيه الأصل فيقول أنا شاهد بكذا وأشهدتك على شهادتي أو يقول أشهدك أو أشهد على شهادتي بكذا أو يقول إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد أما إذا سمع انسانا يقول لفلان على فلان كذا أو أشهد أن لفلان على فلان كذا لا على صورة أداء الشهادة فلا يجوز أن يشهد على شهادته لأن الناس قد يتساهلون في إطلاق ذلك

على عدة ونحوها وكذا لو قال عندي شهادة بكذا فلو قال عندي شهادة مجزومة أو شهادة أثبتها أو لا أتمارى فيها وما أشبه ذلك فوجهان أصحهما وأوفقهما لإطلاق الأكثرين المنع أيضا
ويشترط تعرض الأصل للفظ الشهادة فلو قال أعلم أو أخبر أو أستيقن لم يكف كما لو أتى الشاهد عندإقامة الشهادة بهذه الألفاظ فإن القاضي لا يحكم بها قال الإمام وأبعد بعض الأصحاب فأقام اللفظ الذي لا تردد فيه مقام لفظ الشهادة ولا يشترط أن يقول في الاسترعاء أشهدك على شهادتي وعن شهادتي لكنه أتم فقوله أشهدك على شهادتي تحميل وقوله عن شهادتي إذن في الأداء كأنه قال أدها عني ولإذنه أثر ولهذا لو قال بعد التحمل لا تؤد عني امتنع عليه الأداء وقيل يشترط ذلك في الاسترعاء حكاه ابن الصباغ وإذا حصل الإسترعاء لم يختص التحمل بمن استرعاه
السبب الثاني أن يسمعه يشهد عند القاضي أن لفلان على فلان كذا فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه لأنه لا يتصدى لإقامة الشهادة عند القاضي إلا تحقق الوجوب وللقاضي أيضا أن يشهد على شهادته عند قاض آخر والشهادة عند المحكم كالشهادة عند القاضي سواء جوزنا التحكيم أم لا وقال الاصطخري إنما تجوز إذا جوزناه والصحيح الأول لأنه لا يشهد عند المحكم إلا وهو جازم بثبوت المشهود به

السبب الثالث أن يبين سبب الوجوب فيقول أشهد أن لفلان على فلان كذا من ثمن مبيع أو قرض أو أرش جناية فتجوز الشهادة على شهادته وإن لم يشهد عند القاضي ولم يؤخذ منه استرعاء لأن الإسناد إلى السبب يقطع احتمال الوعد والتساهل هذا ما يوجد لعامة الأصحاب ونقل الشيخ أبو حاتم القزويني وجها أن الإسناد إلى السبب لا يكفي للتحمل ووجها أن الشهادة عند القاضي لا تكفي أيضا بل يشترط الاسترعاء والصحيح ما سبق

فرع إذا قال علي لفلان ألف فوجهان قال أبو إسحق لا يجوز
عليه بهذا القدر بل يشترط مع ذلك قرينة تشعر بالوجوب بأن يسنده إلى سبب فيقول من ثمن مبيع أو يسترعيه فيقول فاشهد علي به والثاني وهو الصحيح أن مجرد الإقرار كاف للتحمل بخلاف الشهادة على الشهادة لأن الشهادة يعتبر فيها ما لا يعتبر في الإقرار ولهذا يقبل إقرار الفاسق والمغفل والمجهول دون شهادتهم
فرع الفرع عند أداء الشهادة يبين جهة التحمل فإن استرعاه الأصل قال
وإن لم يسترعه بين أنه شهد عند القاضي أو أنه أسند المشهود به إلى سبب قال الإمام وذلك لأن الغالب على الناس

الجهل بطريق التحمل فإن كان ممن يعلم ووثق به القاضي جاز أن يكتفى بقوله أشهد على شهادة فلان بكذا ويستحب للقاضي أن يسأله بأي سبب ثبت هذا المال وهل أخبرك به الأصل هذا إذا لم يبين السبب
الطرف الثاني في صفات شاهد الأصل وما يطرأ عليه
لا يصح تحمل الشهادة على شهادة فاسق أو كافر أو عبد أو صبي أو عدو لأنهم غير مقبولي الشهادة فلو تحمل والأصل بصفات الشهود ثم طرأ ما يمنع قبولها أو الوصول إليها نظر إن كان الطارىء موتا أو غيبة أو مرضا لم يؤثر وإن عرض فسق أو عداوة أو ردة لم تقبل شهادة الفرع ما دامت هذه الأحوال بالأصل فإن زالت هل يشهد الفرع بالتحمل الأول أم يشترط تحمل جديد وجهان أصحهما الثاني قاله ابن سريج وصححه الإمام
ولو حدث الفسق أو الردة بعد الشهادة وقبل القضاء امتنع القضاء ولو طرأ على الأصل جنون فقيل تبطل شهادة الفرع كالفسق والصحيح الذي قاله الجمهور لا أثر له كالموت لأنه لا يوقع ريبة فيما مضى ويجري الوجهان فيما لو عمي وأولى بأن لا يؤثر لأنه لا يبطل أهلية الشهادة بالكلية
ولو أغمي عليه قال الإمام إن كان غائبا لم يؤثر وإن كان حاضرا لم يشهد الفرع بل ينتظر زواله لأنه قريب الزوال ومقتضى هذا أن يكون الجواز كذلك في كل مرض يتوقع زواله كتوقع زوال الإغماء
قلت ليس كما قال الرافعي رحمه الله بل الصواب أن المرض لا يلحق بالإغماء وإن توقع زواله قريبا لأن المريض أهل للشهادة بخلاف المغمى عليه
والله أعلم
ولا أثر لحدوث شىء من هذه المعاني بعد القضاء وكذا لو شهد الفرع في غيبة الأصل ثم حضر بعد القضاء لم يؤثر وإن حضر

قبله امتنع القضاء لحصول القدرة على الأصل وكذا لو كذب الأصل الفرع قبل القضاء امتنع القضاء والتكذيب بعده لا يؤثر
ولو قضى القاضي بالفرع ثم قامت بينة بأن الأصل كذب الفرع قبل القضاء فالقضاء منقوض ذكره الإمام

فرع هذا الذي سبق حكم صفة الأصل أما الفرع فلو تحمل الشهادة
عبد أو صبي أو فاسق أو أخرس صح تحمله كتحمل الأصل في هذه الأحوال ثم الأداء يكون بعد زوالها
فرع لا تقبل الشهادة على الشهادة إلا من الرجال ولا مدخل للنساء
فيها وإن كانت الأصول أو بعضهم نساء وكانت الشهادة في ولادة أو رضاع أو مال لأن شهادة الفرع تثبت الأصل لا ما شهد به الأصل ونفس الشهادة ليست بمال ويطلع عليها الرجال
وحكى ابن كج وجها في الولادة وهو شاذ
الطرف الثالث في عدد شهود الفرع فإن شهد اثنان على شهادة أصل وآخران على شهادة الثاني فقد تم النصاب ولو شهد فرع على أصل وفرع آخر على شهادة الأصل الثاني لم يصح قطعا ولو شهد فرعان على شهادة الأصلين معا ففي قبوله قولان أظهرهما الجواز وهو الذي رجحه العراقيون والإمام والغزالي والروياني وصاحب العدة وخالفهم البغوي والسرخسي فإن قلنا بالمنع فأقام شاهدين على شهادة الأصلين معا فله أن يحبسهما على أيهما ويحلف معه ولو شهد أربعة على شهادة الأصلين جاز على الصحيح وجميع ما ذكرنا فيما إذا شهد الفروع على شهادة رجلين فإن شهدوا على

شهادة رجل وامرأتين فعلى قول المنع في الاثنين يشترط ستة يشهد كل اثنين منهم على شهادة واحد وعلى الأظهر يكفي اثنان للجميع وعلى ما نقله ابن كج في قبول النساء على النساء في الولادة هل يكفي شهادة أربع على شهادة أربع أم يشترط ست عشرة ليشهد كل أربع على واحدة وجهان
ولو شهد على شهادة الفروع فروع وشرطنا أن يشهد فرعان على كل أصل وجب أن يشهد على شهادة كل فرع من الفروع الأربعة اثنان فيجتمع ثمانية ثم شهادتهم لا تثبت إلا بستة عشر وعلى هذا القياس
وإذا أجرينا الشهادة على الشهادة في حدود الله تعالى فهل تثبت الشهادة على شهود الزنى بأربعة أم يكفي اثنان قولان كالقولين في الإقرار بالزنى فإن اكتفينا باثنين وجوزنا شهادة فرعين على شهادة الأصلين معا كفى اثنان وإن شرطنا لكل أصل اثنين اشترط ثمانية وإن شرطنا في الشهادة على الشهادة في الزنى أربعة فإن جوزنا شهادة فرعين على الأصلين معا كفى أربعة على الأصول الأربعة وإن شرطنا أن يشهد على شهادة كل أصل فرعان اشترطنا هنا ستة عشر كل أربعة على أصل
الطرف الرابع في أن شهادة الفروع متى تسمع
وإنما تسمع إذا تعذر الوصول إلى شهادة الأصل أو تعسر وقيل تقبل شهادة الفرع مع حضور الأصل كالرواية والصحيح الأول لأن باب الرواية واسع ولهذا تقبل من المرأة والعبد والشهادة على الشهادة وجوزت للضرورة ولا ضرورة هنا
فمن وجوه التعذر الموت والعمى ومن التعسر المرض ولا يشترط أن لا يمكنه الحضور وإنما المعتبر أن يناله بالحضور مشقة ظاهرة ويلحق خوف الغريم وسائر ما تترك به الجمعة بالمرض هكذا أطلق الإمام والغزالي وليكن ذلك في الأعذار الخاصة دون ما يعم الأصل والفرع كالمطر والوحل الشديد ولا يكلف

القاضي أن يحضر عند شاهد الأصل أو يبعث نائبه إليه لما فيه من الابتذال
ومنها الغيبة إلى مسافة القصر فإن كانت دون مسافة القصر فمنهم من أطلق وجهين منهم ابن القطان والأصح أنه إن كانت المسافة بحيث لو خرج الأصل بكرة لأداء الشهادة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا لم تسمع شهادة الفرع وتسمى هذه مسافة العدوى وإن كانت بحيث لا يمكنه الرجوع فهو موضع الوجهين وأصحهما تسمع

فصل يجب على الفروع تسمية الأصول وتعريفهم لأنه لا بد من معرفة
عدالتهم ولا تعرف عدالتهم ما لم يعرفوا
ولو وصفوهم بالعدالة ولم يسموهم بأن قالوا نشهد على شهادة عدلين أو عدول لم يكف لأن القاضي قد يعرف جرحهم لو سموهم ولأنه ينسد باب الجرح على الخصم ولا يشترط في شهادة الفرع تزكية شهود الأصل بل لهم إطلاق الشهادة ثم القاضي يبحث عن عدالتهم وحكى البغوي وجها في اشتراطها والصحيح الأول وحكي وجه أنه يشترط أن يقول الفروع أشهدنا على شهادته وكان عدلا إلى اليوم أو إلى أن مات تفريعا على ما سبق أنه لو فسق الأصل ثم تاب لم يكن للفرع أن يشهد على شهادته إلا بإشهاد جديد والصحيح عدم الاشتراط
فإن قلنا بالصحيح إنه لا يشترط في شهادة الفرع تزكية الأصل فلو زكوهم وهم بصفات المزكين فالمذهب وبه قطع الجمهور أنه تقبل تزكيتهم وتثبت عدالتهم والمعروف فيما لو شهد اثنان في واقعة وزكى أحدهما الآخر أنه لا تثبت عدالة الثاني فمنهم من جعلها على وجهين بالتخريج والمذهب الفرق أن تزكية الفروع الأصول من تتمة شهادتهم ولذلك

شرط بعضهم التعرض لها فقبلت وهناك قام الشاهد المزكى بأحد شطري الشهادة فلا يصح قيامه بالثاني ولا يشترط أن يتعرض الفروع في شهادتهم لصدق الأصول لأنهم لا يعرفونه بخلاف ما إذا حلف المدعي مع شاهده حيث يتعرض لصدقه لأنه يعرفه وبالله التوفيق

الباب السادس في الرجوع عن الشهادة
رجوع الشهود عن الشهادة إما أن يقع قبل القضاء بشهادتهم وإما بعده
الحالة الأولى قبله فيمتنع من القضاء ثم إن اعترفوا بتعمد الكذب فهم فسقة يستترون وإن قالوا غلطنا لم يفسقوا لكن لا تقبل تلك الشهادة إن أعادوها وإن كانوا شهدوا بالزنى فرجعوا واعترفوا بالتعمد فسقوا وحدوا حد القذف وإن قالوا غلطنا ففي حد القذف وجهان أحدهما المنع لأنهم معذورون وأصحهما يجب لما فيه من التغيير وكان حقهم أن يثبتوا فعلى هذا ترد شهادتهم وإن قلنا لا حد فلا ترد وإن قال الشهود للقاضي بعد الشهادة توقف في القضاء وجب التوقف فإن قالوا بعد ذلك اقض فنحن على شهادتنا ففي جواز القضاء بشهادتهم وجهان أصحهما الجواز فعلى هذا هل تجب إعادة الشهادة وجهان أصحهما لا لأنهم جزموا بها والشك الطارىء زال
الحالة الثانية إذا رجعوا بعد القضاء فرجوعهم إما قبل الاستيفاء وإما بعده فإن كان قبله نظر إن كانت الشهادة في مال استوفي على الصحيح المنصوص وإن كانت في قصاص أو حد القذف لم يستوف على المذهب لأنها عقوبة تسقط بالشبهة والرجوع شبهة بخلاف المال فإنه لا يتأثر بالشبهة ووجه الجواز أن حقوق الآدميين مبنية على الضيق وإن كانت في حدود الله تعالى لم تستوف

وقيل كالقصاص
وإن كانت في شىء من العقود أمضي على الأصح وقيل النكاح كحد القذف وحيث قلنا بالاستيفاء بعد الرجوع فاستوفى فالحكم كما لو رجعوا بعد الاستيفاء أما إذا رجعوا بعد الاستيفاء فلا ينقض الحكم
ثم قد تكون الشهادة فيما يتعذر تداركه ورده وقد تكون فيما لا يتعذر فهما ضربان الأول المتعذر وهو نوعان أحدهما العقوبات فإذا شهدوا بالقتل فاقتص من المشهود عليه ثم رجعوا وقالوا تعمدنا قتله فعليهم القصاص أو الدية المغلظة موزعة على عدد رؤوسهم كما سبق في الجنايات وكذا الحكم لو شهدوا بالردة فقتل أو بزنى المحصن فرجم أو على بكر فجلد ومات منه أو بسرقة أو قطع فقطع أو بقذف أو شرب فجلد ومات منه ثم رجعوا
ويحدون في شهادة الزنى وحد القذف أولا ثم يقتلون وهل يرجمون أو يقتلون بالسيف فيه احتمالان ذكرهما أبو الحسن العبادي والصحيح الأول
ثم هنا صور إحداها لو رجع القاضي دون الشهود وقال تعمدت لزمه القصاص أو الدية المغلظة وبكمالها ولو رجع القاضي والشهود جميعا لزمهم القصاص وإن قالوا أخطأنا أو عفا على مال فالدية منصفة عليهما نصفها وعليه نصفها هكذا نقله البغوي وغيره وقياسه أن لا تجب كمال الدية عند رجوعه وحده كما لو رجع بعض الشهود ولو رجع ولي الدم وحده لزمه القصاص أو كمال الدية ولو رجع مع الشهود فوجهان أصحهما عند الإمام أن القصاص أو كمال الدية على الولي لأنه المباشر وهم معه كالممسك مع القاتل وأصحهما عند البغوي أنهم معه كالشريك لتعاونهم على القتل لا كالممسك لأنه جعلهم كالمحقين فعلى هذا

على الجميع القصاص أو الدية نصفها على الولي ونصفها على الشهود ولو رجع القاضي معهم فالدية مثلثة ثلثها على القاضي وثلث على الولي وثلث على الشهود وينبغي على هذا الوجه أن لا يجب كمال الدية على الولي إذا رجع وحده
قلت لم يرجح الرافعي واحدا من الوجهين بل حكى اختلاف الإمام والبغوي في الصحيح والأصح ما صححه الإمام وقد سبق في أول كتاب الجنايات من هذا الكتاب القطع به فهو الأصح نقلا ودليلا
والله أعلم
الثانية يتعلق بالمزي الراجع قصاص وضمان فيه أوجه أحدها لا لأنه لم يتعرض للمشهود عليه وإنما أثنى على الشاهد والحكم يقع بالشاهد فكان كالممسك مع القاتل وأصحهما نعم لأنه بالتزكية ألجأ القاضي إلى الحكم المفضي إلى القتل والثالث يتعلق به الضمان دون القصاص قال القفال الخلاف فيما إذا قال المزكيان علمنا كذب الشاهدين فإن قالا علمنا فسقهما فلا شيء عليهما لأنهما قد يكونان صادقين مع الفسق وطرد الإمام الخلاف في الحالين
الثالثة ما ذكرنا من وجوب القصاص على الشهود الراجعين هو فيما إذا قالوا تعمدنا فلو قالوا أخطأنا وكان الجاني أو الزاني غيره فلا قصاص وتجب الدية مخففة وتكون في مالهم لأن إقرارهم لا يلزم العاقلة فإن صدقهم العاقلة فهي على العاقلة
قال الإمام وقد يرى القاضي والحالة هذه تعزيز الشهود لتركهم التحفيظ ولو قال أحد شاهدي القتل تعمدت ولا أدري أتعمد صاحبي أم لا واقتصر على قوله تعمدت وقال صاحبه أخطأت فلا قصاص على

واحد منهما لأن شريك المخطىء لا قصاص عليه وقسط المخطىء من الدية يكون مخففا وقسط المتعمد يكون مغلظا ولو قال كل واحد تعمدت وأخطأ صاحبي فوجهان أحدهما يجب القصاص لاعترافهما بالعمدية وأصحهما المنع ولا خلاف أن الدية تجب عليهما مغلظة
ولو قال أحدهما تعمدت وأخطأ صاحبي أو قال ولا أدري أتعمد صاحبي أم أخطأ وصاحبه غائب أو ميت فلا قصاص ولو قال تعمدت وتعمد صاحبي وصاحبه غائب أو ميت لزمه القصاص
ولو قال تعمدت ولا أعلم حال صاحبي وقال صاحبه مثله أو اقتصر على قوله تعمدت لزمهما القصاص ذكره البغوي وغيره
ولو قال أحدهما تعمدت أنا وصاحبي وقال الآخر أخطأت أو أخطأنا معا فلا قصاص على الثاني ويلزم الأول على الأصح
ولو قال أحدهما تعمدت وتعمد صاحبي وقال صاحبه تعمدت وأخطأ هو وجب القصاص على الأول ولا يجب على الثاني على الصحيح لأنه لم يعترف إلا بشركة مخطىء
ولو رجع أحد الشاهدين وأصر الآخر وقال الراجع تعمدت لزمه القصاص وإن اقتصر على قوله تعمدت فلا
الرابعة ما ذكرنا من وجوب القصاص على الشهود الراجعين فيما إذا قالوا تعمدنا وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا فإن قالوا تعمدنا ولم نعلم أنه يقتل فإن كانوا ممن لا يخفى عليه ذلك وجب القصاص ولا اعتبار بقولهم كمن رمى سهما إلى رجل واعترف بأنه قصده ولكن قال لم أعلم أنه يبلغه وإن كانوا ممن يجوز خفاؤه عليهم

لقرب عهدهم بالإسلام فالذي قال الأصحاب إنه شبه عمد لا يوجب قصاصا ومال الإمام إلى وجوبه وحكى الروياني وجها شاذا مأخوذا مما لو ضرب المريض ضربا يقتل المريض دون الصحيح ولم يعلم مرضه وأما الدية فتجب في مال الشهود مؤجلة في ثلاث سنين إلا أن تصدقهم العاقلة فيجب عليها وقال القفال حالة لتعمدهم والصحيح الأول وبه قطع الجمهور

فرع قال ابن القطان لو رجع الشهود وقال أخطأنا وادعو أن العاقلة
تعرف أنهم أخطؤوا وأن عليهم الدية فأنكرت العاقلة العلم فليس للشهود تحليفهم وأنما يطالب العاقلة إذا قامت البينة قال ابن كج ويحتمل أن لهم تحليفهم لأنهم لو أقروا لغرموا
النوع الثاني غير العقوبات فمنه الأبضاع فإذا شهدوا بطلاق بائن أو رضاع محرم أو لعان أو فسخ بعيب أو غيرها من جهات الفراق وقضى القاضي بشهادتهما ثم رجعا لم يرتفع الفراق لكن يغرمان سواء كان قبل الدخول أو بعده فإن كان بعد الدخول غرما مهر المثل على المشهور وفي قول المسمى وإن كان قبله فهل يغرمان مهر المثل أم نصفه فيه نصان ونص فيما لو أفسدت امرأة نكاحه برضاع أنها تغرم نصف مهر المثل وللأصحاب طرق المذهب وجوب النصف في الرضاع وجميع مهر المثل في الرجوع عن الشهادة وفي قول نصفه وفي قول نصف المسمى وفي قول جميعه وقيل يجب جميع مهر المثل قطعا وقيل نصفه قطعا وقيل إن كان الزوج سلم إليها الصداق غرم الشهود جميع مهر المثل لأنه لا يتمكن من استرداد شيء وإلا فنصفه ولو تزوجها مفوضة وشهدا بالطلاق قبل الدخول والفرض وقضى القاضي بالطلاق والمتعة ثم رجعا فالخلاف في أنهما

يغرمان مهر المثل أو نصفه كما في غير التفويض وفي قول قديم يغرمان المتعة التي غرمها الزوج ولو شهدا بطلاق رجعي ثم رجعا فلا غرم إذا لم يفوتا شيئا فإن لم يراجع حتى انقضت العدة التحق بالبائن ووجب الغرم على الصحيح وقيل لا لتقصيره بترك الرجعة وأطلق ابن كج في وجوب الغرم بالرجوع عن شهادة الطلاق الرجعي وجهين فإن أوجبنا الغرم في الحال فغرموا ثم راجعها الزوج فهل عليه رد ما أخذ فيه احتمالان ذكرهما أو الحسن العبادي
قلت الصواب الجزم بالرد
والله أعلم ولو شهد بطلاق وقضى به ثم رجعا وقامت بينة أنه كان بينه وبين الزوجة رضاع محرم أو شهدا بأنه طلقها اليوم ورجعا ثم قامت بينة أنه كان طلقها ثلاثا أمس فلا شيء عليهما إذ لم يفوتا فإن غرما قبل البينة استرداد ولو شهدا أنها زوجة فلان بألف وحكم بشهادتهما القاضي ثم رجعا قال البغوي لا غرم وقال ابن الصباغ إن كان بعد الدخول غرما ما نقص عن مهر المثل إن كان الألف دونه قال وعلى هذا لو كان قبل الدخول ثم دخل بها ينبغي أن يغرما ما نقص وهذا هو الذي أطلقه ابن كج
ولو شهدا أنه طلقها بألف ومهرها ألفان فقال ابن الحداد والبغوي عليهما ألف وقد وصل إليه من المرأة ألف وقال ابن كج عليهما مهر المثل بعد الدخول ونصفه قبله كما لو يذكرا عوضا وأما الألف فهو محفوظ عند للمرأة لأنها لا تدعيه وإن لم يكن قبضه فهو في يدها

فرع ومن هذا النوع العتق فإذا شهدا بعتق عبد وقضى به
رجعا غرما قيمة العبد ولم يرد العتق سواء كان المشهود بعتقه قنا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد أو معلقا عتقه بصفة ولو شهدا بتدبير عبد أو استيلاد جارية ثم رجعا بعد القضاء لم يغرما في الحال لأن الملك لم يزل فإذا مات غرما بالرجوع السابق وهكذا لو شهدا بتعليق عتق أو طلاق بصفة ثم رجعا وفيهما وجه لأنهما لم يشهدا بما يزيل الملك ولو شهدا بكتابته ثم رجعا وأدى النجوم وعتق ظاهرا ففيم يغرمان وجهان أحدهما كل القيمة والثاني ما بين قيمته والنجوم
ولو شهدا أنه اعتقه على مال هو دون القيمة فالمنقول أنه كما لو شهدا أنه طلقها بألف ومهرها ألفان
فرع ومنه أنه إذا شهدا أنه وقف على مسجد أو جهة عامة
القضاء غرما قيمته ولا يرد الوقف وكذا لو شهدا أنه جعل هذه الشاة أضحية
الضرب الثاني ما لا يتعذر تداركه وهو الأموال أعيانها وديونها فإذا شهدوا لرجل بمال ثم رجعوا بعد دفع المال إليه لم ينقض الحكم ولم يرد المال إلى المدعي عليه هذا هو الصحيح وبه الجمهور وحكى في العدة وجها أنه ينقض ويرد المال وهو شاذ وهل يغرمون قولان أظهرهما عند العراقيين والإمام وغيرهم نعم وقيل لا يغرمون قطعا وقيل يغرمون الدين دون العين والمذهب الغرم مطلقا

فصل شهدوا على أحد الشريكين في عبد
أنه أعتق حصته وهو موسر فقضى القاضي بعتقه والسراية ثم رجعوا لزمهم قيمة نصف المشهود عليه وفي قيمة نصيب الشريك الخلاف في غرم المال شهدو قتل الخطإ إذا رجعوا بعد غرم العاقلة هل يغرمون فيه الخلاف
ولو حكم القاضي بشهادة شهود الفرع
ثم رجعوا غرموا ولو رجع شهود الأصل وقالوا كذبنا غرموا أيضا ولو رجع الأصول والفروع فالغرم على شهود الفرع لأنهم ينكرون إشهاد الأصول ويقولون كذبنا فيما قلنا والحكم وقع بشهادتهم
وحيث وجب على الراجح عقوبة من قصاص أو حد قذف دخل التعزيز فيها وإذا لم تجب عقوبة واعترف بالتعمد عزر
فصل الرجوع المغرم إما أن يوجد والمحكوم بشهادتهم على الحد المعتبر في
القتل بشهادة رجلين ثم رجعا لزمهما الغرم بالسوية وإن رجع أحدهما لزمه النصف وكذا لو رجم في الزنى بشهادة أربعة فرجعوا جميعا فعليهم الدية أرباعا وإن رجع بعضهم فعليه حصته منها وإن زادوا على الحد المعتبر بأن شهد القتل أو الحد ثلاثة أو بالزنى خمسة فإن رجع الجميع فالغرم عليهم بالسوية وإن رجع البعض نظر فإن ثبت على الشهادة الحد المعتبر بأن رجع من الثلاثة في القتل

واحد أو من الخمسة في الزنى واحد فلا غرم على الراجع على الأصح وبه قال ابن سريج والاصطخري وابن الحداد والثاني يغرم بحصته من العدد قال المزني وأبو إسحق
ولا يجب القصاص والحالة هذه بلا خلاف كذا قال البغوي وفي الفروق للشيخ أبي محمد عن القفال أنه يلزمه القصاص إن اعترف بالتعمد أما إذا لم يثبت من العدد المعتبر إلا بعضهم بأن رجع من الثلاثة أو الخمسة اثنان فعلى الوجهين السابقين فإن قلنا لا غرم هناك وزع الغرم الثلاثة أو الخمسة اثنان فعلى الوجهين السابقين فإن قلنا لا غرم هناك وزع الغرم هنا على العدد المعتبر وحصة من نقص من العدد المعتبر توزع على من رجع بالسوية ففي صور الثلاثة يكون نصف الغرم على الراجعين وإن قلنا يغرم هناك وزع هنا على جميع الشهود فعلى الاثنين الراجعين من الثلاثة ثلثا الغرم هذا كله إذا كان جميع الشهود ذكورا أو إناثا بأن كان رضاعا أو نحوه فإن كانوا ذكورا وإناثا نظر إن لم يزيدوا على العدد المعتبر كرجل وامرأتين في رضاع أو مال فإذا رجعوا فعلى الرجل نصف الغرم وعلى كل امرأة ربعه وإن زادوا على العدد فالمشهود به قسمان أحدهما ما يثبت بالنسوة منفردات كالرضاع فإذا شهد به أربع نسوة ورجل ورجعوا فعليه ثلث الغرم وعليهن ثلثاه وإن رجع وحده فلا شيء عليه على الأصح لبقاء الحجة وكذا لو رجع امرأتاه وعلى الثاني عليه أو عليهما ثلث الغرم
ولو شهد رجل وعشر نسوة ثم رجعوا فعليه سدس الغرم وعلى كل واحدة نصف سدسه وإن رجع وحده أو مع ست فما دونهن فلا غرم على الأصح لبقاء الحجة وعلى الثاني يجب على من رجع حصته وإن رجع مع سبع فعلى الأصح عليهم ربع الغرم لبطلان ربع البينة وإن رجع مع ثمان فنصفه ومع تسع ثلاثة أرباعه ويكون على الذكر ضعف ما على المرأة وعلى الثاني عليهم قدر حصتهم لو رجعوا جميعا ولو رجع النسوة وحدهن
فعليهن نصف الغرم على الأصح وخمسة أسداسه في الثاني

القسم الثاني ما لا يثبت بالنسوة منفردات كالمال إذا أوجبنا الغرم فيه بالرجوع فشهد رجل وأربع نسوة ورجعوا فهل على الرجل نصف الغرم أم ثلثه وجهان أصحهما الأول فإن قلنا به فرجع النسوة فعليهن نصف الغرم ولو رجعت امرأتان فلا شيء عليهما على الأصح لبقاء الحجة وعلى قول المزني وأبي إسحق عليهما ربع الغرم
ولو شهد رجل وعشر نسوة ورجعوا فعليه نصف الغرم وعليهن نصفه على الأصح وعلى الثاني عليه سدسه وعليهن الباقي ولو رجع وحده فعليه النصف على الأصح وعلى الآخر إنما عليه السدس ولو رجعن دونه فعليهن النصف في الأصح وفي الآخر خسمة أسداس وإذا علقنا نصف الغرم برجوع الرجل فرجع معه ثمان نسوة فعليه النصف ولا شيء عليهن بناء على أنه لا يثبت بشهادتين إلا نصف الغرم وقد بقي من النساء من يتم به ذلك وعلى قول المزني وأبي إسحق عليهن أربعة أخماس النصف ولو رجع مع تسع نسوة لزمه النصف وعليهن الربع لبقاء الحجة وعلى قول المزني عليه نصف وعليهن تسعة أعشار النصف الآخر وإن رجع ثمان نسوة لا غير فلا شيء عليهن وعلى قوله عليهن أربعة أخماس النصف

فرع هل يتعلق الغرم بشهود الإحصان مع شهود الزنى وبشهود الصفة مع
شهود تعليق الطلاق والعتق وجهان وقيل قولان أصحهما لا وقيل إن شهدوا بالإحصان بعد شهادة الزنى غرموا وإلا فلا فإن غرمناهم فقالوا تعمدنا لزمهم القصاص كشهود

الزنى
وفي كيفية توزيع الغرم عليهم وعلى شهود الزنى وجهان أصحهما اعتبار النصابين فعلى شهود الإحصان ثلث الغرم والآخرين ثلثاه والثاني يوزع نصفين اعتبارا بالجنسين كالقاضي مع الشهود وإذا غرمنا شهود الصفة غرموا النصف قطعا فإذا شهد أربعة بالزنى واثنان بالإحصان ورجعوا كلهم بعد الرجم فإن قلنا بالأصح إن شهود الإحصان لا يغرمون فالضمان على شهود الزنى وإلا فعلى الجميع أثلاثا على الأصح ومناصفة على الآخر وإن رجع واحد من شهود الزنى وواحد من شاهدي الإحصان فإن لم نغرم شهود الإحصان فعلى الرابع من شهود الزنى ربع الغرم وإن غرمناهم فإن نصفنا فعليه ثمن الغرم على الآخر ربع وإن ثلثنا فعلى كل واحد منهما سدسه وإن رجع واحد من أحد الصنفين لا غير ففيما عليه هذا الخلاف ولو شهدا أربعة بالزنى والإحصان جميعا ثم رجع أحدهم فإن لم نغرم شهود الإحصان فعليه ربع الغرم وإن غرمناهم فقد بقي هنا من تقوم به حجة الإحصان فإن غرمنا الرابع مع ثبات من تقوم به الحجة لزمه الربع أيضا كما لو رجعوا كلهم وإن لم نغرمه فلا ضمان عليه بسبب الإحصان وأما بسبب الزنى فإن نصفنا فعليه ثمن الغرم وإن ثلثنا فسدسه وإن رجع ثلاثة وبقي واحدة فقد بطل ثلاثة أرباع حجة الزنى ونصف حجة الإحصان فإن لم نغرم شهود الإحصان لزمهم ثلاثة أرباع الغرم وإن غرمناهم فعلى كل واحد إن نصفنا للرجوع عن الزنى ثمن الغرم وعن الإحصان نصف سدسه بتوزيع نصف غرم الإحصان عليهم وإن ثلثنا فعلى كل واحد للرجوع عن شهادة الزنى سدس الغرم توزيعا للثلثين على الأربعة وعن الإحصان ثلث سدسه توزيعا لنصف غرم الإحصان على الراجعين ولو شهد أربعة بالزنى

واثنان منهم بالإحصان ثم رجعوا بعد الرجم فإن لم نغرم شهود الإحصان في المسائل السابقة فكذا هنا وإن غرمناهم فهل يغرم شاهد الأصل هنا زيادة وجهان فإن قلنا نعم عاد الخلاف فإن نصفنا فعلى اللذين شهدا بالإحصان ثلاثة أرباع الغرم النصف بشهادة الإحصان والربع بالزنى وعلى الآخرين الربع وإن ثلثنا فعلى شاهدي الإحصان ثلثان وعلى الآخرين ثلث وإن رجع واحد منهم فإن لم نغرم شهود الإحصان فعليه ربع الغرم وإن غرمناهم فإن كان الراجع من شاهدي الإحصان فإن نصفناء لزمه ثمن الغرم وإن ثلثنا فالسدس ولو شهد ثمانية بالزنى والإحصان ثم رجع أحدهم فلا غرم على الأصح لبقاء الحجتين وكذا لو رجع ثان وثالث ورابع فإن رجع خامس فقد بطلت حجة الزنى ولم تبطل حجة الزنى ولم تبطل حجة الإحصان فإن لم نغرم شهود الإحصان فعلى الخمسة ربع الغرم لبطلان ربع الحجة وإن غرمناهم فلا غرم هنا لشهادة الإحصان على الأصح لبقاء حجته ويغرم الراجعون ربع غرم الزنى وهو السدس إن ثلثنا والثمن إن نصفنا وإن رجع ستة لزمه نصف غرم الزنى وهو الثلث إن ثلثناه والربع إن نصفناه وإن رجع سبعة بطلت الحجتان ولا يخفى قياسه
شهد أربعة على رجل بأربعمائة ثم رجع أحدهم عن مائة وآخر عن مائتين وثالث عن ثلاثمائة والرابع عن الجميع فالبينة باقية بتمامها في مائتين فالأصح أنه لا يجب غرمهما ويجب عن الأربعة غرم المائة بالرجوع عنها باتفاقهم وعلى الثاني والثالث والرابع ثلاثة أرباع المائة التي اختصوا بالرجوع عنها والوجه الثاني على كل واحد حصته

فيما رجع عنه فعلى الأول ربع المائة وعلى الثاني خمسون وعلى الثالث خمسة وسبعون وعلى الرابع مائة

فصل إذا حكم القاضي بشهادة اثنين ثم بان كونهما كافرين أو عبدين
أو صبيين فقد سبق أنه ينقض حكمه وكذا لو بانا فاسقين على الأظهر قال الإمام ومعنى نقضه أنا نتبين الأمر على خلاف ما ظنه وحكم به فإن كان المشهود به طلاقا أو عتقا أو عقدا فقد بان أنه لا طلاق ولا عتق ولا عقد فإن كانت المرأة ماتت فقد ماتت وهي زوجته وإن مات العبد مات وهو رقيق له ويجب ضمانه وإن كان المشهود به قتلا أو قطعا أو حدا استوفى وتعذر التدارك فضمانه على عاقلة القاضي على الأظهر وفي بيت المال على قول كما سبق في ضمان الولاة
وإنما تعلق الضمان بالقاضي لتفريطه بترك البحث التام على حال الشهود ولا ضمان على المشهود له لأنه يقول استوفيت حقي ولا على الشهود لأنهم ثابتون على شهادتهم زاعمون صدقهم بخلاف الراجعين
وإذا غرمت العاقلة أو بيت المال فهل يثبت الرجوع على الشهود فيه خلاف وتفصيل سبق في باب ضمان الولاة والذي قطع به العراقيون أنه لا ضمان عليهم وقالوا وكذا لا ضمان على المزكين لأن الحكم غير مبني على شهادتهم قال القاضي أبو حامد يرجع الغارم على المزكين ويستقر عليهم الضمان بخلاف الشهود لأنه ثبت عند القاضي أن الأمر على خلاف قول المزكين ولم يثبت أنه خلاف قول الشهود وإلى هذا مال القاضيان أبو الطيب والروياني ومفهوم ما ذكروه أنه يجوز تغريم المزكين أولا ثم لا رجوع

لهم على القاضي وأشار الإمام إلى مثل ذلك في الشهود إذا قلنا بالرجوع عليهم ولا فرق فيما ذكرناه من تعليق الضمان بالقاضي بين أن يكون الحكم في حد الله تعالى أو قصاص وسواء في القصاص استوفاه المدعي أو القاضي بنفسه أو فوض استيفاءه بإذن المدعي إلى شخص وسبق في إذن القاضي الاصطخري أن المدعي إن استوفاه بنفسه فالضمان عليه أنه إنما يعلق الضمان بالقاضي إذا باشر الاستيفاء أو فوضه إلى غيره بإذن المدعي وإن كان المحكوم به مالا فإن كان باقيا عند المحكوم له انتزع وإن كان تالفا أخذ منه ضمانه وقيل إن تلف بآفة سماوية فلا ضمان والصحيح الأول وفرقوا بينه وبين الإتلاف حيث قلنا لا غرم عليه فيه بأن الإتلاف إنما يضمن إذا وقع على وجه التعدي وحكم القاضي أخرجه عن التعدي وأما المال فإذا حصل في يد إنسان بغير حق كان مضمونا وإن لم يوجد منه تعد فإن كان المحكوم له معسرا أو غائبا فللمحكوم عليه مطالبة القاضي ليغرم له من بيت المال في قول ومن خالص ماله في قول لأنه ليس بدل نفس تتعلق بالعاقلة ثم القاضي يرجع على المحكوم له إذا ظفر به موسرا وهل له الرجوع على الشهود جعله الإمام على الخلاف والتفصيل المشار إليهما في الإتلافات ويجيء أن يقال على قياس ما سبق إن المحكوم عليه يتخير في تغريم القاضي وتغريم المحكوم له وبالله التوفيق

كتاب الدعوى والبينات
فيه سبعة أبواب لأن الدعوى تدور على خمسة أشياء الدعوى وجوابها واليمين والبينة والنكول فهذه خمسة والسادسة في مسائل تتعلق بهذة الأصول والسابع في دعوى النسب وإلحاق القائف
الأول في الدعوى وفيه مسائل إحداها في أن المستحق متى يحتاج إلى المرافعة والدعوى كالحق إذا كان عقوبة كالقصاص وحد القذف اشترط رفعه إلى القاضي لعظم خطره وإن كان مالا فهو عين أو دين فإن كان عينا فإن قدر على استردادها من غير تحريك فتنة أشغل به وإلا فلا بد من الرفع
وأما الدين فإن كان من عليه مقرا غير ممتنع من الأداء طالبه ليؤدي وليس له أن يأخذ شيئا من ماله لأن الخيار في تعيين المال المدفوع إلى من عليه فإن خالف وأخذ شيئا من ماله لزمه رده فإن تلف عنده وجب ضمانه فإن اتفقا جاء خلاف التقاص
وإن لم يكن كذلك فإما أن يمكن تحصيل منه بالقاضي وإما أن لا يمكن فإن لم يمكن بأن كان منكرا ولا بينة لصاحب الحق فله أن يأخذ جنس حقه من ماله إن ظفر به ولا يأخد غير الجنس مع ظفره بالجنس وفي التهذيب وجه أنه يجوز وهو ضعيف فإن لم يجد إلا غير الجنس جاز الأخذ على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل قولان وإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن كان مقرا مماطلا أو منكرا عليه وله بينة أو كان يرجو إقراره لو

حضر عند القاضي وعرض عليه اليمين فهل يستقل بالأخذ أم يجب الرفع إلى القاضي وجهان أصحهما جواز الأستقلال قاله أبو إسحق وابن أبي هريرة وصححه القاضيان أبو الطيب والرمياني للحديث الصحيح في قصة هند ولأن في المرافعة مشقة ومؤنة وتضييع زمان
ومتى جاز للمستحق الأخذ فلم يصل إلى المال إلا بكسر الباب ونقب الجدار جاز له ذلك ولا يضمن ما فوته كمن لم يقدر على دفع الصائل إلا بإتلاف ماله فأتلفه لا يضمن وقيل يضمن وهو شاذ ثم إن كان المأخوذ من جنس الحق
فله تملكه وإن كان من غير جنسه لم يكن له التملك وقيل يتملك قدر حقه ويستقل بالمعاوضة للضرورة كما يستقل بالتعيين عند أخذه الجنس والصحيح الأول ثم هل يرفعه إلى القاضي ليبيعه أم يستقل ببيعه وجهان ويقال قولان أصحهما عند الجمهور الاستقلال هذا إن كان القاضي جاهلا بالحال ولا بينة للاخذ فإن كان القاضي عالما فالمذهب أنه لا يبيعه إلا بإذنه فإن أوجبنا الرفع إلى القاضي فهل للقاضي أن يأذن له في بيعه أو يفوضه إلى غيره وجهان أصحهما الأول وفي طريقة عند الرفع وجهان أحدهما يبيعه القاضي بعد إقامة البينة على استحقاق المال وهذا يبطل فائدة تجويز البيع عند العجز عن البينة
والثاني يواطىء رجلا يقر له بالحق

ويمتنع من الأداء ويقر له الأخذ بالمال حتى يبيعه القاضي وهذا إرشاد إلى الكذب من الطرفين ويضعف وجوب الرفع
ثم عند البيع إن كان الحق من جنس نقد البلد بيع المأخوذ به وإن لم يكن بأن ظفر بثوب والدين حنطة بيع الثوب بنقد البلد ثم يشتري به حنطة
وحكى الإمام عن محققي الأصحاب أنه يجوز أن يشتري غير الحنطة بالثوب ولا يوسط النقد بينهما وهل يكون المأخوذ مضمونا على الاخذ حتى لو تلف قبل البيع أو التملك بتلف من ضمانه أم لا وجهان أصحهما نعم وهو الذي ذكره الصيدلاني والإمام والغزالي لأنه أخذه لغرضه كالمستام بل أولى لأن المالك لم يسلطه فعلى هذا ينبغي أن نبادر إلى البيع بحسب الإمكان فإن قصر فنقصت قيمته ضمن النقصان ولو انخفضت القيمة وارتفعت وتلف فهي مضمونة عليه بالأكثر ولو اتفق رد العين لم يضمن نقص القيمة كالغاصب ولو باعه وتملك ثمنه ثم قضى المستحق دينه ففيما علق عن الإمام أنه يجب أن يرد إليه قيمة المأخوذ كما إذا ظفر المالك بغير جنس المغصوب من مال الغاصب فأخذه وباعه ثم رد الغاصب المغصوب فإن على المالك أن يرد قيمة ما أخذه وباعه وينبغي أن لا يرد شيئا ولا يعطي شيئا

فرع ليس له الانتفاع بالعين المأخوذة فإن انتفع لزمه أجرة المثل
فرع لا يأخذ أكثر من حقه إذا أمكنه الاقتصار عليه فإن زاد
مضمونة عليه فإن لم يمكنه بأن لم يظفر إلا بمتاع يزيد قيمته على

قدر حقه فإن قلنا لو كان المأخوذ قدر حقه لا يكون مضمونا فكذا الزيادة وإن قلنا يكون مضمونا لم يضمن الزيادة على الأصح ثم إذا كان المأخوذ أكثر من حقه فإن كان مما يتجزأ باع منه قدر حقه وسعى في رد الباقي إليه بهبة ونحوها وإن كان لا يتجزأ فإن قدر على بيع البعض بما هو حقه باعه وسعى في رد الباقي إليه وإن لم يقدر باع الجميع وأخذ من ثمنه قدر حقه وحفظ الباقي إلى أن يرده

فرع حقه دراهم صحاح فظفر بمكسرة فله أخذها وتملكها بحقه ولو استحق
مكسرة فظفر بصحاح فالمذهب جواز الأخذ لاتحاد الجنس وقيل فيه الخلاف في إختلاف الجنس لاختلاف الغرض وإذا أخذها فليس له تملكها ولا يشتري بها مكسرة لا متفاضلا لما فيه من الربا ولا متساويا لأنه يجحف بالمأخوذ منه لكن يبيع صحاح الدراهم بدنانير ويشتري بها دراهم مكسرة ويتملكها
فرع شخصان ثبت لكل واحد منهما على صاحبه مثل ماله عليه ففي
التقاص أقوال مشهورة في كتاب الكتابة فإن قلنا لا يحصل التقاص فجحد أحدهما الاخر فهل للآخر جحده ليحصل التقاص للضرورة وجهان أصحهما نعم
فرع كما يجوز الأخذ من مال الغريم الجاحد أو المماطل يجوز الأخذمن
مال غريم الغريم بأن يكون لزيد على عمرو دين ولعمرو على

بكر مثله يجوز لزيد أن يأخذ مال بكر بماله على عمر ولا يمنع من ذلك رد عمرو وإقرار بكر ولا جحود بكر استحقاق زيد على عمرو

فرع جحد دينه وله عليه صك بدين آخر قد قبضه وشهود الصك
القبض قال القاضي أبو سعد له أن يدعي ذلك ويقيم البينة ويقبض بدينه الاخر وفي فتاوى القفال أنه ليس له ذلك
قلت الصحيح قول أبي سعد ولو حدثت من المأخوذ زيادة قبل تملكه حيث جوز أو قبل بيعه فهي على ملك المأخوذ منه
والله أعلم المسألة الثانية في حد المدعي والمدعى عليه ويحتاج إلى معرفته لأن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه لقوة جانبه وفيه قولان مستنبطان من اختلاف قول الشافعي رحمة الله عليه في مسألة إسلام الزوجين التي سنذكرها الان إن شاء الله تعالى أظهرها عند الجمهور أن المدعي من يدعي أمرا خفيا يخالف الظاهر والمدعى عليه من يوافق قوله الظاهر والثاني المدعي من لو سكت خلي ولم يطالب بشىء والمدعى عليه من لا يخلى ولا يكفيه السكوت فإذا إدعى زيد دينا في ذمة عمرو أو عينا في يده فأنكر فزيد هو الذي لو سكت ترك وهو الذي يذكر خلاف الظاهر لأن الظاهر براءة ذمة عمرو وفراغ يده من حق غيره وعمرو هو الذي لا يترك ويوافق قوله الظاهر فزيد مدع بمقتضى القولين وعمرو مدعى عليه ولا يختلف موجبهما غالبا وقد يختلف كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول فقال الزوج أسلمنا معا فالنكاح باق وقالت بل على التعاقب ولا نكاح فإن قلنا المدعي من لو سكت ترك فالمرأة مدعية وهو مدعى عليه

لأنه لا يترك لو سكت لأنها تزعم انفساخ النكاح فيحلف ويستمر النكاح وإن قلنا بالأظهر فالزوج مدع لأن ما يزعمه خلاف الظاهر وهي مدعى عليها فتحلف ويرتفع النكاح
ولو قال الزوج أسلمت قبلي فلي النكاح ولا مهر وقالت بل أسلمنا معا وهما بحالهما فقوله في الفراق يلزمه وأما المهر فالقول قوله على الأظهر وعلى الثاني قولها لأنها لا تترك بالسكوت لأن الزوج يزعم سقوط المهر فإذا سكتت ولا بينة جعلت ناكلة وحلف وسقط المهر
قال الأصحاب والأمناء الذين يصدقون في الرد بيمينهم مدعون لأنهم يزعمون الرد الذي هو خلاف الظاهر لكن اكتفي منهم باليمين ولأنهم أثبتوا أيديهم لغرض المالك وقد ائتمنهم فلا يحسن تكليفهم بنية الرد وأما على القول الثاني فهم مدعى عليهم لأن المالك هو الذي لو سكت ترك
قال الروياني وغيره وقد يكون الشخص مدعيا ومدعى عليه في المنازعة الواحدة كما في صورة التحالف هذا كلام الأصحاب وبالله التوفيق

فصل في حد الدعوى الصحيحة وشرطها أن تكون معلومة ملزمة

الأول العلم بالمدعى به فإن كان نقدا إشترط ذكر جنسه ونوعه وقدره قال ابن الصباغ وإن اختلف الصحاح والمكسرة بين أنها صحاح أو مكسرة ومطلق الدينار ينصرف إلى الدينار الشرعي ولا حاجة إلى بيان وزنه وإن كان غير نقد نظر إن كان عينا وهي مما تضبط بالصفة كالحبوب والحيوان والثياب وصفها بصفات السلم ولا يشترط ذكر القيمة في الأصح وإن كانت تالفة كفى الضبط بالصفات إن كانت مثلية ولا يشترط ذكر القيمة وإن كانت متقومة إشترط ذكر القيمة لأنها الواجب عند التلف
وإن ادعى سيفا محلى إشترط ذكر قيمته ويقومه بالذهب إن كان محلى بالفضة وبالفضة

إن كان محلى بالذهب فإن كان محلى بهما قومه بأحدهما للضرورة و في الدراهم والدنانير المغشوشة يدعي مائة درهم من نقد كذا قيمتها كذا دينارا
أو دينارا من نقد كذا قيمته كذا درهما هكذا ذكره الشيخ أبو حامد وغيره وكأنه جواب على أن المغشوش متقوم فإن جعلناه مثليا فينبغي أن لا يشترط التعرض للقيمة وفي العقار يتعرض للناحية والبلدة والمحلة والسكة وتبين الحدود ويستثنى من اشتراط العلم صورا إحداها إنما يعتبر إذا طلب معينا فأما من حضر ليعين ويفرض له القاضي كالمفوضة تطلب الفرض على قولنا لا يجب المهر بالعقد والواهب يطلب الثواب فلا يتصور الإعلام
الثانية قال أدعي أن مورثك أوصى لي بثوب أو بشىء تسمع الدعوى لأن الوصية تحتمل الجهالة فكذا دعواها وألحق ملحقون دعوى الإقرار بالمجهول بدعوى الوصية ومنهم من ينازع كلامه فيه ويصح دعوى الأبراء عن المجهول إن صححنا الإبراء عن المجهول
الثالثة ادعى أن له طريقا في ملك غيره وادعى حق إجراء الماء قال القاضي أبو سعد الأصح أنه لا يحتاج إلى إعلام قدر الطريق والمجرى ويكفي لصحة الدعوى تحديد الأرض التي يدعي فيها الطريق والمجرى وكذا لا تصح الشهادة المرتبة عليها وقال أبو علي الثقفي يشترط إعلام قدر الطريق والمجرى وقال وكذا لو باع بيتا من دار وسمى له طريقا ولم يبين قدره لا يصح قال القاضي وعندي أنه لا يشترط هذا الإعلام في الدعوى لكن يؤخذ على الشهود إعلام الطريق والمسيل بالذرعان لأن الشهادة أعلى شأنا فإنها تستقل بقوة

إيجاب الحكم بخلاف الدعوى ولو أحضر المدعي ورقة وحرر فيها دعواه وقال أدعي ما فيها وأدعي ثوبا بالصفات المكتوبة فيها ففي الاكتفاء به لصحة الدعوى وجهان
الشرط الثاني كونها ملزمة فلو قال وهب لي كذا أو باع لم تسمع دعواه حتى يقول ويلزمه التسليم إلي لأنه قد يهب ويبيع وينقضها قبل القبض هكذا نقله الروياني والغزالي وغيرهما ويقرب منه ما ذكره القاضي أبو سعد أنه يقول في دعوى الدين لي في ذمته كذا وهو ممتنع من الأداء الواجب عليه قال وإنما يتعرض لوجوب الأداء لأن الدين المؤجل لا يجب اداؤه في الحال وكان هذا إذا قصد بالدعوى تحصيل المدعى ويجوز أن يكون المقصود بالدعوى دفع المنازعة ولا يشترط التعرض لوجوب التسليم
قال ابن الصباغ لو قال هذه الدار لي وهو يمنعنيها صحت الدعوى ولا يشترط أن يقول هي في يده لأنه يجوز أن ينازعه وإن لم تكن في يده وإذا ادعى ولم يقل للقاضي مره بالخروج عن حقي أو سله جواب دعواي فهل يطالبه القاضي وجهان قال ابن الصباغ الأصح نعم للعلم بأنه الغرض من الحضور وإنشاء الدعوى قال القاضي أبو سعد الأصح لا لأنه حقه فلا يستوفى إلا باقتراحه كاليمين
قلت الأول أقوى
واللهأعلم فعلى هذا الثاني طلب الجواب شرط آخر في صحة الدعوى وسواء شرطنا هذا الاقتراح أم لم نشرطه فاقترحه فيمكن أن

يقال يغني ذلك عن قوله ويلزمه التسليم إلي وأن من شرطه بناه على أنه لا يشترط الاقتراح المذكور

فرع لا يشترط لصحة الدعوى أن يعرف بينهما مخالطة أو معاملة ولا
فرق فيه بين طبقات الناس فتصح دعوى دنيء على شريف وقال الاصطخري إن شهدت قرائن الحال بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه مثل أن يدعي الدنيء استئجار الأمير أو الفقيه لعلف الدواب أو كنس بيته ومثله دعوى المعروف بالتعنت وجر ذوي الأقدار إلى القضاة وتحليفهم ليفتدوا منه بشىء
فرع ادعى عليه مالا وقام وأقام شاهدين شهدا على إقراره بشىء أو
قالا نعلم أن له عليه مالا ولا نعلم قدره ففي سماع شهادتهما هكذا وجهان حكاهما البغوي وغيره أحدهما نعم ويرجع في التفسير إلى المشهود عليه كما لو أقر بمبهم وأصحهما لا ويجريان فيما لو شهدا بغصب عبد أو ثوب ولم يصفاه
فرع عن فتاوي القفال ادعى دراهم مجهولة لا يسمع القاضي دعواه ويقول
له بين الأقل الذي تتحققه وإن ادعى ثوبا ولم يصفه أيضا لم يصغ إليه بل لو قال هو كرباس ولم يصف أمره أن يأخذ

بالأقل وهذا فيه أرشاد وتلقين ثم الأخذ بالأقل في قدر الدراهم مستقيم لكن الأخذ بالأقل من صفة الثوب عينه لا وجه له المسأله الثالثة إذا قامت بينة على المدعى عليه فطلب من القاضي تحليف المدعي على استحقاق ما ادعاه لم يجبه لأنه تكليف حجة بعد قيام حجة ولأنه كطعن في الشهود وإن ادعى إبراء أو قضاء في الدين أو بيعا أو هبة وإقباضا في العين نظر إن ادعى حدوث شىء من ذلك بعد قيام البينة حلف المدعي على نفي ما يقوله إن مضى زمان إمكانه وإلا فلا يلتفت إلى قوله وإن ادعى أنه جرى قبل شهادة الشهود فإن لم يحكم القاضي بعد حلف المدعي على نفيه وإن حكم لم يحلفه على الأصح ولو قال المدعى عليه الشهود فسقة أو كذبة والمدعي يعلم ذلك فهل له تحليفه على أنه لا يعلم وجهان وطردا في كل صورة ادعى ما لو أقر به الخصم لنفعه ولكن لم يكن المدعى عين حق له بأن قال المدعى عليه إنك أقررت لي بكذا أو قال وقد توجهت عليه الدعوى إن المدعي حلفني مرة وأراد تحليفه أو قذفه فطلب الحد فادعى زنى المقذوف وأراد تحليفه ويشبه أن يكون الأصح أن له التحليف ويؤيده ما سبق من قول الأصحاب إن دعوى الإقرار بالمجهول صحيحة وإن جواب الأكثرين في مسألة القذف التحليف
وإن كان المقذوف ميتا وأراد القاذف تحليف الوارث أنه لا يعلم زنى مورثه حلف وهذه الصورة محكية عن النص لكن ذكر البغوي أن الأصح أنه لا يحلفه إذا ادعى فسق الشهود أو كذبهم وأما تحليف القاضي والشهود فلا يجوز قطعا لارتفاع منصبيهما
المسألة الرابعة قامت بينة على المدعى عليه وادعى أن المدعي

باعه العين المدعاة أو باعها لبائعه أو ادعى أنه أبرأه من الدين المدعى فأنكر فلا يخفى أن القول قول المدعي و أن المدعى عليه مدع فيما ذكره يحتاج إلى بينة فإن استمهل ليأتي بها أمهل ثلاثة أيام على الصحيح وقيل يوم فقط
ولو ادعى الإبراء ولم يأت ببينة وقال حلفوه أنه لم يبرئني حلفناه ولا يكلف توفية الدين أولا وعن القاضي وجه أنه يستوفى منه الدين أولا ثم إن شاء حلفه لأنها دعوى جديدة والصحيح الأول وليس كما لو قال لوكيل المدعي أبرأني موكلك حيث يستوفى الحق منه ولا يؤخر إلى حضور الموكل وحلفه لعظم الضرر في التأخير وهنا الحلف متيسر في الحال
ولو قال إنه أبرأني من هذه الدعوى فهل يحلف المدعي أنه لم يبرئه وجهان اختار القفال والغزالي المنع وادعى الروياني أن المذهب التحليف لأنه لو أقر أنه لا دعوى له عليه برىء

فرع مدعي الدفع إن قال قضيت أو أبرأني فذاك وإن أطلق وقال
دافعة واستفسر لأنه قد يتوهم ما ليس بدافع دافعا إلا أن يعرف معرفته وإن عين جهة ولم يأت ببينة عليها وادعى عند انقضاء مدة المهلة بلا جهة أخرى واستمهل فينبغي أن لا يجاب وإن ادعى في المدة جهة أخرى وجب أن تسمع
الخامسة الدعوى أنواع منها دعوى الدم ويشترط تفصيلها كما سبق في القسامة وأما دعوى النكاح والبيع وسائر العقود فقال الشافعي رحمه الله لو ادعى أنه نكح امرأة لم يقبل منه حتى

يقول نكحتها بولي وشاهدي عدل فمن الأصحاب من اكتفى في دعوى النكاح بالإطلاق ولم يشترط التعرض لهذا التفصيل كما يكتفى في دعوى استحقاق المال بالإطلاق وحملوا النص على الاستحباب والتأكيد وقال أبو علي الطبري إن ادعى ابتداء النكاح وجب التفصيل وإن ادعى دوامه فلا لأن الشروط لا تعتبر في الدوام أخذ عامة الأصحاب بظاهر النص وأوجبوا التفصيل والتعرض للشروط ابتداء ودواما لأن الفروج يحتاط لها كالدماء والوطء المستوفى لا يتدارك كالدم
وأما الجواب عن المال فإن كان المدعى نفس المال فإنما اكتفى بالإطلاق لأن أسبابه لا تنحصر فيشق ضبطها وإن كان عقدا على مال كبيع وإجارة وهبة فثلاثة أوجه أحدها قاله ابن سيريج يشترط التفصيل وذكر الشروط كالنكاح والثاني إن تعلق العقد بجارية اشترط احتياطا للبضع وإلا فلا والثالث وهو أصحها ونقله ابن كج عن النص لا يشترط مطلقا لأن المقصود المال وهو أخف شأنا ولهذا لا يشترط فيها الإشهاد بخلاف النكاح وأما التعرض في دعوى النكاح لعدم مانع النكاح كالردة والعدة والرضاع فلا يشترط على الصحيح لأن الأصل عدمها ولكثرتها فإن شرطنا التفصيل في النكاح فيقول نكحتها بولي وشاهدين ويشترط وصف الولي والشاهدين بالعدالة على الصحيح قياسه وجوب التعرض لسائر الصفات المعتبرة في الأولياء ولا يشترط تعيين الشاهدين والولي والغرض أن يعرف ان النكاح لم يخل عن ولي وشاهدين ويشترط التعرض لرضى المرأة إن كان رضاها شرطا فإن كانت أمة اشترط التعرض للعجز عن الطول ولخوف العنت على الأصح وإن شرطنا التفصيل في دعوى البيع قالوا يقول تعاقدنا بثمن معلوم ونحن جائزا التصرف وتفرقنا عن تراض ويشترط في الشهادة على النكاح

التفصيل إن قلنا باشتراطه في دعوى النكاح وفي فتاوى القفال أنه يشترط أن يقولوا بعد تفصيل النكاح ولا نعلم أنه فارقها أو وهي اليوم زوجته والأقرار بالنكاح يكفي فيه الإطلاق على المذهب لأنها لا تقر إلا عن تحقق وقيل في اشتراط التفصيل فيه الخلاف في الدعوى والشهادة وهو ضعيف ولو شهدوا على إقرارها لم يشترط أن يقولوا ولا نعلم أنه فارقها ولتكن الشهادة على البيع والإقرار إذا أوجبنا التفصيل في البيع على قياس ما ذكرنا في النكاح ونقلوا في اشتراط تقييد النكاح والبيع المدعيين بالصحة وجهين وبالاشتراط أجاب الغزالي في الوجيز وقال في الوسيط الوجه القطع باشتراطه في النكاح وأشار الى أن الوجهين مفرعان على أنه لا يشترط تفصيل الشرائط وإيراد الهروي يقتضي اطرادهما مع اشتراط التفصيل ليتضمن ذكر الصحة نفي المانع واعلم أن دعوى النكاح تارة تكون على المرأة وتارة على وليها المجبر كما سبق في مسألة تزويج الوليين المرأة بشخص وسبق هناك أن الأئمة قالوا لو ادعى كل واحد من الزوجين سبق نكاحه وعلم المرأة به بني على أن إقرارها به هل يقبل إن قلنا لا فلا تسمع دعواهما عليها وإن قلنا نعم وهو الأظهر سمعت وهذا يقتضي كون سماع دعوى النكاح عليها أبدا فيه هذا الخلاف فكأنهم لم يذكروه هنا إقتصارا على الأظهر
المسألة السادسة دعوى المرأة النكاح إن اقترن بها حق من حقوق النكاح كصداق ونفقة وقسم وميراث بعد موته سمعت وإن تمحضت دعوى الزوجية سمعت أيضا على الأصح فان سمعت نظر إن سكت المدعى عليه وأصر على السكوت أقامت البينة عليه وإن أنكر فهل يكون إنكاره طلاقا وجهان أصحهما لا فإن قلنا

هو طلاق سقط ما ادعته ولها أن تنكح زوجا غيره ولو رجع عن الإنكار وقال غلطت في الإنكار لم يقبل رجوعه وإن قلنا ليس إنكاره طلاقا فإنكاره كسكوته فيقيم البينة عليه وإن رجع
قبلنا رجوعه وسلمنا الزوجة إليه وإن لم تكن بينة وحلف الرجل فلا شىء عليه وله أن ينكح أختها وأربعا سواها وليس لها أن تنكح زوجا غيره إذا لم نجعل الإنكار طلاقا
وإن اندفع النكاح ظاهرا حتى يطلقها أو يموت
قال البغوي أو يفسخ بإعساره أو امتناعه إذا جعلنا الامتناع مع القدرة ممكنا من الفسخ وليكن هذا مفرعا على إن لها أن تفسخ بنفسها أما إذا أحوجناها إلى الرفع إلى القاضي فما لم يظهر له النكاح كيف يفسخ أو يأذن في الفسخ وينبغي أن يرفق الحاكم به حتى يقول إن كنت نكحتها فهي طالق ليحل لها النكاح وإن نكل الرجل حلفت هي واستحقت المهر والنفقة

فرع امرأة تحت رجل ادعى آخر أنها زوجته فالصحيح أن هذه الدعوى
لا على الرجل لأن الحرة لا تدخل تحت اليد فلو أقام كل واحد منهما بينة لم يقدم بينة من هي تحته
بل هي كاثنين أقام كل واحد منهما بينة على نكاح خلية فينظر إن كانتا مؤرختين بتاريخ واحد أو مطلقتين فقد تعارضتا ولا يجيء قولا القسمة والقرعة وإن كانتا مؤرختين بتاريخين مختلفين قدمت البينة التي سبق تاريخها بخلاف ما لو كان هذا التعارض في مال فإن في الترجيح بالسبق قولين لأن الانتقال في الأموال غالب دون النكاح ولو

قامت بينة أحدهما على النكاح وبينة الآخر على إقرارها بالنكاح فبينة النكاح أولى كما لو شهدت بينة واحد بأنه غصب منه كذا وبينة الآخر بأنه أقر له به ولو أقرت لأحدهما فعلى ما ذكرنا إذا زوجها وليان لشخصين وادعى كل واحد سبق نكاحه

فرع ادعت ذات ولد أنها منكوحته وأن الولد منه وسمعنا دعوى النكاح
منها فإن أنكر النكاح والنسب فالقول قوله بيمينه وإن قال هذا ولدي من غيرها أو هذا ولدي لم يكن مقرا بالنكاح وإن قال هو ولدي منها وجب المهر وإن أقر بالنكاح فعليه النفقة والمهر والكسوة فإن قال كان نكاح تفويض فلها المطالبة بالفرض إن لم يجر دخول وإن جرى فد وجب المهر بالدخول فلا معنى لإنكاره
المسألة السابعة ادعى رق بالغ فقال البالغ أنا حر الأصل فالقول قوله وعلى المدعي البينة وسواء كان المدعي استخدمه قبل الإنكار وتسلط عليه أم لا وسواء جرى عليه البيع مرارا وتداوله الأيدي أم لا فإن كان اشتراه من غيره وحلف على نفي الرق فهل يرجع المشتري على بائعه بالثمن فيه كلام سنذكره إن شاء الله تعالى في المسألة الرابعة من الباب الثاني
فإن قال البالغ لمن هو في يده إنك أعتقتني أو أعتقني من باعني لك طولب بالبينة ولو ادعى رق صغير فإن لم يكن في يده لم يصدق إلا ببينة وإن كان في يده نظر إن استندت إلى النقاط فكذلك على الأظهر وفي قول تقبل ويحكم له بالرق وإن لم يعرف استنادها إلى الالتقاط صدق وحكم

له كما لو ادعى الملك في دابة أو ثوب في يده فلو كان مميزا فأنكر فالأصح أنه يحكم له برقه ولا أثر لإنكاره والثاني أنه كالبالغ وإذا حكمنا له برقه في الصغير فبلغ وأنكر الرق فالأصح استمرار الرق حتى تقوم بينة بخلافه والثاني يصدق منكر الرق إلا أن تقوم به بينة ولا فرق في جريان الوجهين بين أن يدعي في الصغير ملكه ويستخدمه ثم يبلغ وينكر وبين أن يتجرد الاستخدام إلى البلوغ ثم يدعي ملكه وينكر المستخدم واليد على البالغ المسترق وإن لم يغن عن البينة عند إنكاره فهي غير ساقطة بالكلية بل يجوز اعتمادها في الشراء إن سكت المسترق اكتفاء بأن الظاهر أن الحر لا يسترق وقال الشيخ أبو محمد لا يجوز شراؤه مع سكوته كما لا يجوز مع إنكاره الرق بل يسأل فإن أقر اشتري
الثامنة في سماع الدعوى بدين مؤجل أوجه أصحها لا إذ لا يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال والثاني نعم والثالث تسمع إن كان له نية ليستحل فيأمن غيبتها وموتها وإلا فلا أو في دعوى الأمة الاستيلاد والرقيق التدبير وتعليق العتق بالصفة طريقان أحدهما تقبل لأنها حقوق ناجزة والثاني على الخلاف في الدين المؤجل الاستيلاد أولاهما بالقبول وهذا المذكور في التدبير إذا لم نجوز الرجوع عنه بالقبول فإن جوزناه فإنكاره رجوع يبطل مقصود المدعي
قلت المذهب سماع دعوى الاستيلاد والتدبير وتعليق العتق
والله أعلم

فرع ادعي عليه دين مؤجل قبل المحل فله أن يقول في
دفع شىء إليك الآن ويحلف عليه وهل له أن يقول لا شىء علي مطلقا قال القفال فيه وجهان بناء على أن الدين المؤجل هل يوصف قبل الحلول بالوجوب وفيه وجهان
التاسعة سلم ثوبا أو غيره إلى دلال ليبيعه فجحده وشك في بقاء الثوب فلا يدري أيطالب بالعين أم بالقيمة فقد سبق في أواخر باب القضاء على الغائب وجهان أصحهما له أن يدعي على الشك فيقول لي عنده كذا فإن بقي فعليه رده وإلا فقيمته أو مثله والثاني يشترط في الدعوى الجزم فيفرد لكل واحد من المطالبة دعوى برأسها فإن قلنا بالأول فأنكر المدعى عليه ولا بينة حلف على نفي الجميع وإن نكل وردت اليمين على المدعي فهل يحلف على التردد كما لو ادعى على التردد أم يشترط التعيين وجهان وإن قلنا يفرد لكل مطلب دعوى فادعى ما رآه أقرب ونكل الخصم فنكوله يؤكد ظن المدعي بكذبه فهل له أن يحلف اليمين المردودة بذلك وجهان أصحهما نعم استدلالا بنكوله على كذبه كما يستدل بخط أبيه وأجري الوجهان فيما إذا أنكر المودع التلف وتأكد ظنه بنكول المودع هل يحلف اليمين المردودة وفي فتاوى القفال انه ادعى عليه ثوبا فقال كان في يدي وهلك فأغرم لك القيمة فقال المدعي للحاكم قد أقر بالثوب فحلفه أنه لا يلزمه تسليمه إلي حلفه فإن حلف قنع منه بالقيمة وإن نكل وحلف المدعي على بقاء الثوب طولب بالعين
الباب الثاني في جواب الدعوى
جواب المدعى عليه إقرار أو إنكار فإن سكت وأصر على

السكوت جعل كالمنكر الناكل فترد اليمين على المدعي فهو كالإنكار
والكلام في الإقرار وصيغته على ما سبق في كتاب الإقرار وقول المدعى عليه لي عن دعواك مخرج ليس بإقرار لاحتمال الخروج بالإنكار وكذا قوله لفلان علي أكثر مما لك ليس بإقرار للمخاطب بما دعاه لاحتمال إرادة الاستهزاء
قال القاضي أبو سعد وكذا لو قال لك علي أكثر مما ادعيت لم يكن إقرارا لاحتمال أن يريد
لك من الحق عندي ما يستحق له أكثر مما ادعيت وكما لا يكون قوله لفلان علي أكثر مما لك إقرار للمخاطب لا يكون إقرارا لفلان أيضا لاحتمال أن يريد بالحق الحرمة
فلو قال لفلان علي مال أكثر مما ادعيت فهذا إقرار لفلان إلا أنه يقبل تفسيره بما دونه في القدر تنزيلا على كثرة التركة أو الرغبة كما سبق في الإقرار
ولو قال الحق أحق أن يؤدى فليس بإقرار لأن المعنى حيث يكون حقا فأما أنا فبريء

فصل في مسائل الباب هي ست الأولى ادعى عليه عشرة فقال لا
العشرة فليس بجواب تام بل التام أن يضيف إليه ولا شىء منها أو ولا بعضها وكذا يحلف إن حلف لأن مدعي العشرة مدع لكل جزء منها فاشترط مطابقة الإنكار واليمين دعواه وقال القاضي حسين لا يكلف في الإنكار أن يقول ولا شىء منها وإنما يكلف ذلك في اليمين والصحيح الأول وإذا حلفه القاضي على أنه لا يلزمه العشرة ولا شىء منها فحلف على نفي العشرة واقتصر عليه لم تلزمه العشرة بتمامها لكنه ناكل عما دون العشرة فللمدعي

أن يحلف على استحقاق ما دونها بقليل ويأخذه ولو نكل المدعى عليه عن مطلق اليمين وأراد المدعي أن يحلف على بعض العشرة قال البغوي إن عرض القاضي عليه اليمين على العشرة وعلى كل جزء منها فله أن يحلف على بعضها وإن عرض عليه اليمين على العشرة وحدها لم يكن له الحلف على بعضها بل يستأنف الدعوى للبعض الذي يريد الحلف عليه وحيث جوزنا للمدعي الحلف على بعض المدعى فذلك إذا لم يسنده إلى عقد فإن أسنده بأن قالت المرأة نكحني بخمسين وطالبته به ونكل الزوج لم يمكنها الحلف على أنه نكحها ببعض الخمسين لأنه يناقض ما ادعته أولا
وإذا ادعى أن الدار التي في يدك ملكي يلزمك تسليمها إلي فإذا أنكر المدعى عليه يحلف أنها ليست ملكا له ولا شىء منها ولو ادعى أنه باعه إياها كفاه أن يحلف أنه لم يبعها
الثانية إذا ادعى مالا وأسنده إلى جهة بأن قال أقرضتك كذا وطالبه ببدله أو قال غصبت عبدي فتلف عندك فعليك كذا ضمانا أو مزقت ثوبي فعليك كذا أرشا أو اشتريت منك كذا وأقبضتك ثمنه أو اشتريت مني كذا فعليك ثمنه وطالبه بالمدعى فليس على المدعى عليه أن يتعرض في الجواب لتلك الجهة بل يكفيه أن يقول لا يستحق علي شيئا ولا يلزمني تسليم شىء إليك وكذا يكفيه في جواب طالب الشفعة لا شفعة لك عندي أو لا يلزمني تسليم هذا الشقص إليك لأن المدعي قد يكون صادقا في الإقراض والغصب وغيرهما ويعرض ما يسقط الحق من أداء أو إبراء أو هبة فلو

نفى الإقراض ونحوه كان كاذبا وإن اعترف به وادعى المسقط طولب بالبينة وقد يعجز عنها فدعت الحاجة إلى قبول الجواب المطلق ولو قالت المرأة طلقتني فقال أنت زوجتي كفاه وإذا اقتصر المدعى عليه على الجواب المطلق وأفضى الأمر الى الحلف حلف على ما أجاب ولم يكلف التعرض لنفي الجهة المدعاة ولو حلف على نفي الجهة المدعاة بعد الجواب المطلق جاز ذكره البغوي
ولو تعرض في الجواب للجهة فقال ما بايعتك أو ما أقرضتني أو ما مزقت فالجواب صحيح إن حلف على وفق الجواب فذاك وإن أراد أن يقتصر في الحلف على أنه لا يلزمه شىء فهل يمكن كما لو أجاب كذلك أم لا ليطابق اليمين الإنكار وجهان أصحهما الثاني وهو المنصوص
ولو كان في يده مرهون أو مستأجر وادعاه مالكه كفاه أن يقول لا يلزمني تسليمه ولا يجب التعرض للملك فإن أقام المدعي بينة بالملك نقل في الوسيط عن القاضي أنه يجب عليه تسليمه واعترض عليه بأنه قد يصدق الشهود ولا يجب التسليم لإجارة أو رهن ولو اعترف بالملك وادعى رهنا أو إجارة وكذبه المدعي فمن المصدق منهما وجهان سبقا في باب اختلاف المتراهنين فإن صدقه صاحب اليد فذاك وإن صدق المالك وهو الصحيح احتاج مدعي الرهن أو الإجارة إلى البينة فإن لم توافقه بينة وخاف جحود الراهن لو اعترف له بالملك فما حيلته وجهان قال القفال حيلته تفصيل الجواب فيقول إن ادعيت ملكا مطلقا فلا يلزمني التسليم وإن ادعيت مرهونا عندي فاذكره لأجيب وقال القاضي حسين لا يقبل الجواب المردد بل حيلته أن يجحد ملكه

إن جحد صاحبه الدين والرهن وعلى عكسه لو ادعى المرتهن وخاف الراهن جحود الرهن لو اعترف بالدين فعلى الوجه الأول يفصل فيقول إن ادعيت ألفا لي عندك به كذا رهنا فحتى أجيب وإن ادعيت ألفا فلا يلزمني
وعلى الثاني صارت العين مضمونة عليه بالجحود فلمن عليه الدين أن يجحده ويجعل هذا بذاك ويشترط التساوي والوجه الأول أصح وبه قطع الفوراني وذكر أن المدعى عليه يفصل الجواب أبدا ولا يكون ذلك إقرارا بشىء مثل أن يدعي عليه ألفا فيقول إن ادعيت عن ثمن كذا فحتى أجيب وإن ادعيت عن جهة أخرى فلا يلزمنى

فرع ادعت على رجل ألفا صداقا يكفيه أن يقول لا يلزمني تسليم
إليها قيل للقفال هل للقاضي أن يقول هل هي زوجتك فقال ما للقاضي ولهذا السؤال لكن لو سأل فقال نعم قضى عليه بمهر المثل إلا أن يقيم البينة أنه نكحها بكذا فلا يلزمه أكثر منه
الثالثة إذا ادعى عقارا أو منقولا على إنسان وقال المدعى عليه ليس هو لي نظر أيقتصر عليه أم يضيفه إلى مجهول أم إلى معلوم فإن اقتصر عليه أو أضافه إلى مجهول بأن قال هو لرجل لا أعرفه أو لا أسميه فثلاثة أوجه أحدهما يسلم المال إلى المدعي إذ لا مزاحم له والثاني تنصرف الخصومة عنه وينتزع الحاكم المال من يده فإن أقام المدعي بينة على الاستحقاق أخذه وإلا حفظه إلى أن يظهر مالكه وأصحهما لا ينصرف ولا ينتزع المال من يده فعلى هذا إن أقر بعد ذلك لمعين قبل وانصرفت الخصومة إلى ذلك

المعين وإلا فيقيم المدعي البينة عليه أو يحلفه وهل يمكن من أن يعود فيدعيه لنفسه وجهان
ولو قال في الجواب نصفه لي ولا أدري لمن النصف الآخر ففي النصف الآخر الأوجه الثلاثة وأما إذا أضافه إلى معلوم فالمضاف إليه ضربان أحدهما من تتعذر مخاصمته وتحليفه بأن قال هو وقف على الفقراء أو على المسجد الفلاني أو على ابني الطفل أو هو ملك له فالذي قطع به الغزالي والشيخ أبو الفرج أن الخصومة تنصرف عنه ولا سبيل إلى تحليف الولي ولا طفله ولا تغني إلا البينة قال أبو الفرج وإذا قضى له القاضي بالبينة كتب صورة الحال في السجل ليكون الطفل على حجته إذا بلغ وقال البغوي إذا قال هو لابني الطفل أو وقف عليه لم تسقط الدعوى فإن أقام بينة أخذه وإلا حلف المدعى عليه انه لا يلزمه تسليمه إليه إذا كان هو قيم الطفل
قلت اختار في المحرر قول البغوي
والله أعلم
الضرب الثاني من لا تتعذر مخاصمته وتحليفه كشخص معين وهو نوعان حاضر في البلد وغائب فالحاضر يراجع فإن صدق المدعى عليه انصرفت الخصومة إليه وإن كذبه فأربعة أوجه الثلاثة السابقة في الإقرار ورابعه حكاه ابن الصباغ أنه يقال للمدعى عليه ادعه لنفسك فتكون الخصم أو لمن يصدقك فيكون هو الخصم فإن امتنعت جعلناك ناكلا وحلفنا المدعي
النوع الثاني الغائب فإذا أضاف المدعي إلى غائب ففي انصراف الخصومة عنه أوجه أصحها وبه قال الأكثرون ينصرف والثاني لا والثالث إن قال ليس لي وإنما هو لفلان فلا

فإن قلنا لا ينصرف نظر إن لم يكن للمدعى بينة فله تحليف المدعى عليه على أنه لا يلزمه تسليمه إليه فإن نكل حلف المدعي وأخذ المال من يخه ثم إذا عاد الغائب وصدق المقر رد المال عليه بلا حجة لأن اليد له بإقرار صاحب اليد ثم يستأنف المدعي الخصومة معه وإن أقام المدعي بينة على الحاضر أخذ المال من يده أيضا وهل هو قضاء على الحاضر الذي تجري الخصومة معه أم على الغائب لأن المال بمقتضى الإقرار له وجهان أصحهما الأول ولا يحتاج المدعي مع البينة إلى اليمين ويثبت القاضي في السجل أنه قضي له بالبينة بعد ما أقر المدعى عليه أنه لفلان الغائب ليكون الغائب على حجته وإذا عاد وأقام البينة قضى له لترجح جانبه باليد وإن لم يقمها أقر المال في يد المدعي فإن التمس من القاضي أن يزيد في السجل أن الغائب قدم ولم يأت ببينة أجابه إليه وإن قلنا تنصرف الخصومة عنه فإن لم يكن للمدعي بينة وقف الأمر إلى ان يحضر الغائب وإن كانت له بينة قضى له بالمال وهل هو قضاء على الغائب ويحتاج معه إلى اليمين أم على الحاضر الذي تجري الخصومة معه فلا يحتاج إليها وجهان رجح العراقيون والروياني الثاني ولكن الأول أقوى وأليق بالوجه المفرع عليه واختاره الإمام والغزالي هذا كله إذا لم يقم المدعى عليه بينة أن المال للغائب فإن أقامها نظر إن ادعى أنه وكيل من جهة الغائب وأدبت الوكالة فبينته على أن المال للغائب مسموعة مرجحة على بينة المدعي
وإن لم يثبت الوكالة فذكر الإمام والغزالي فيه ثلاثة أوجه أصحها لا تسمع بينته وبه قال الشيخ أبو محمد لأنه ليس بمالك ولا نائب فعلى هذا الحكم كما لو لم يقم بينة
والثاني تسمع والثالث إن اقتصرت البينة على أنه لفلان الغائب لم وإن تعرضت مع ذلك لكونه في يد المدعى

عليه بعارية أو غيرها سمعت فإن لم يسمعها فادعى لنفسه حقا لازما كرهن وإجارة وتعرضت البينة لذلك ففي السماع وجهان
وإذا سمعنا بينته لصرف اليمين عنه حكم للمدعي ببينته فإن رجع الغائب وأعاد البينة قدمت بينته وإن سمعناها لعلقة الإجارة والرهن فهل تقدم هذه البينة أم بينة المدعي وجهان أصحهما تقديم بينة المدعي ويكون فائدة بينته صرف اليمين عنه هذا ما ذكره الإمام والغزالي والذي يفتى به وهو المفهوم من كلام الأصحاب أن المدعي إذا أضاف المدعى عليه إلى الغائب خصومة معه وأخرى مع الغائب فإذا أقام البينة انصرفت الخصومة عنه لا محالة ولا يجيء فيه الوجهان المذكوران فيما لو اقتصر على الإقرار للغائب وبنوا على انصراف الخصومة عنه أن المدعي لو أقام البينة والحالة هذه فلا بد له من اليمين مع البينة والقضاء قضاء على غائب بلا خلاف وهي بالإضافة إلى الغائب غير مسموعة فلا يحكم للغائب بالملك بالبينة التي أقامها الحاضر على أنه للغائب فإن تعرض الشهود مع ذلك لكونه في رهن الحاضر وإجارته فوجهان أحدهما تسمع هذه البينة للغائب أيضا وترجح بينته على بينة المدعي لقوتها باليد وأصحهما لا تسمع فعلى هذا تعمل بينة المدعي

فرع متى حكمنا بانصراف الخصومة عن المدعى عليه بإقراره لحاضر أو لغائب
أقر له بعد إقراره لغيره هل يغرم القيمة وفيه خلاف سبق في الإقرار إن قلنا نعم حلفه فلعله يقر فيغرم القيمة وإن قلنا لا فإن قلنا النكول ورد اليمين كالإقرار لم يحلفه وإن قلنا كالبينة

حلفه لأنه قد ينكل فيحلف المدعى ويأخذ القيمة وكأن العين تالفة
وهل يسترد العين من المقر له وفاء بتنزيله منزلة البينة وإذا أوجبنا القيمة وأخذها بإقرار المدعى عليه ثانيا أو بيمين المدعي بعد نكوله ثم سلمت له العين ببينة أو يمينه بعد نكول المقر له لزمه رد القيمة لأنه أخذها للحيلولة وقد زالت

فرع ادعى أن هذه الدار وقف علي وقال من هي في يده
وصدقه المقر له انتقلت الخصومة إليه وليس له طلب القيمة من المقر لأنه يدعي الوقف ولا يعتاض عنه كذا قاله البغوي
وكان لا يبعد طلب القيمة لأن الوقف يضمن بالقيمة عند الإتلاف والحيلولة في الحال كالإتلاف
ولو رجع الغائب وكذب المدعى عليه في إقراره فالحكم كما سبق فيمن أضاف إلى جاحد فكذبه ولو أقام المقر له الحاضر أو الغائب بعد الرجوع بينة على الملك لم يكن للمدعي تحليف المقر ليغرمه لأن الملك استقر بالبينة وخرج الإقرار عن أن تكون الحيلولة به
المسألة الرابعة اشترى ثوبا وعبدا من رجل فادعاه آخر نظر إن ساعده المشتري وأقر له بما ادعاه لم يكن له أن يرجع بالثمن على بائعه وإن استحلف فنكل فحلف المدعي وأخذ المال قال الشيخ أبو علي ليس له الرجوع بالثمن أيضا بلا خلاف لتقصيره بالنكول وحلف المدعي بعد نكوله كإقراره ويجوز أن يفرض في هذا الخلاف بناء على أنه كالبينة

قلت هذا ضعيف أو باطل لأن المذهب أنه إنما يكون كالبينة في حق المتنازعين دون غيرهما وكذا نقل الشيخ أبو علي تحرير المذهب الاتفاق على عدم الرجوع
والله أعلم
وإن أثبت المدعي الاستحقاق بالبينة وأخذ المال نظر إن لم يصرح في منازعته للمدعى بأنه كان ملكا لبائعي ولا بأنه ملكي بأن قامت البينة وهو ساكت فله الرجوع بالثمن قطعا وإن صرح بذلك فوجهان أحدهما لا يرجع لأن المدعي ظالم باعترافه وأصحهما الرجوع مهما قال ذلك على وجه الخصومة أو اعتمد ظاهر اليد ثم بان خلاف ذلك بالبينة ويجري الوجهان فيما لو قال في الابتداء بعني هذه الدار فإنها ملكك ثم قامت بينة بالإستحقاق ولا يجريان فيما لو كان الموجود مجرد الشراء وإن كان الشراء إقرارا للبائع بالملك وفرقوا بأن ذلك إقرار تضمنه الشراء فبطل ببطلان المبايعة والإقرار المستقل بخلافه ولو اشترى عبدا في الظاهر فقال أنا حر الأصل فقد سبق أن القول قوله وأن على المشتري البينة على رقه أو على إقراره بالرق له أو للذي باعه إياه فإذا حلف حكم بحريته في الظاهر ثم أطلق ابن الحداد أنه لا يرجع المشتري على البائع بالثمن وفصل أكثرهم فقالوا إن لم يصرح في منازعته بأنه رقيق رجع وإن صرح فعلى الوجهين
فروع من كلام القاضي أبي سعد الهروي أقر المشتري للمدعي بالملك ثم أراد إقامة البينة على أنه للمدعي ليرجع بالثمن على البائع لم يمكن لأنه يثبت الملك لغيره بلا وكالة ولا نيابة كيف والمدعي لو أراد إقامة البينة والحالة هذه لم يلتفت إليه لاستغنائه عن البينة

بالإقرار وله تحليف البائع لأنه ربما أقر فيرجع عليه فإن نكل فهل يحلف المشتري يمين الرد إن قلنا النكول واليمين كالإقرار فنعم وإن قلنا كالبينة فلا
ولو ادعى المسترق المبيع أنه حر الأصل أو اعترف به المشتري ثم أراد المشتري إقامة البينة أنه حر الأصل مكن لأن الحرية حق الله تعالى ولكل أحد إثباتها وإذا ثبتت ثبت الرجوع ولا يكفي في الرجوع بينة بمطلق الحرية لاحتمال أن المشتري هو الذي أعتقه
ولو أقام المشتري بعد ما أقر للمدعي بينة على إقرار البائع بأن المال للمدعي قبلت وثبت الرجوع لأنه إذا بان إقرار البائع من قبل لغا إقرار المشتري ولو أقام مدعي الاستحقاق البينة وأخذ العين ثم قامت بينة بأن البائع كان اشتراها من هذا المدعي سمعت يرد الحكم الأول وتكون العين للمشتري بالمبايعة السابقة

فصل جارية في يد رجل ادعى رجل أنها له فأنكر صاحب اليد
بينة أو حلف بعد نكول المدعى عليه وحكم له بها فأخذها فوطئها ثم قال كذبت في دعواي ويميني والجارية لمن كانت في يده لزمه ردها ومهرها وأرش نقصها إن نقصت ولا يقبل قوله إنها كانت زانية لأنها تنكر ما يقول
وإن أولدها ثم كذب نفسه لم يقبل قوله في إبطال حرية الولد والاستيلاد لأن إقراره لا يلزم غيره ولكن عليه قيمة الولد والأم مع المهر وليس له وطؤها بعد ذلك إلا أن يشتريها منه فإن مات عتقت وولاؤها موقوف فإن وافقته الجارية في الرجوع لم يبطل الاستيلاد على الأصح ولو أن صاحب اليد أنكر وحلف فأولد الجارية ثم عاد وقال كنت مبطلا

في الإنكار والجارية المدعي فالكلام في المهر وقيمة الولد والجارية والاستيلاد على ما سبق في طرف المدعي
المسألة الخامسة ما يقبل إقرار العبد فيه كالحد والقصاص فالدعوى فيه يكون على العبد والجواب بطلب منه وما لا يقبل إقراره فيه وهو الأرش وضمان الأموال فالدعوى فيه تتوجه على السيد لأن الرقبة التي تتعلق بها حق للسيد ولو وجهت الدعوى على العبد فوجهان أحدهما وهو اختيار الإمام والغزالي المنع لأن إقراره به غير مقبول فعلى هذا هل للمدعي تحليفه يبنى على أن الأروش المتعلقة بالرقبة هل تتعلق بالذمة أيضا وفيه قولان سيأتيان في كتاب العتق إن شاء الله تعالى فإن قلنا نعم فلا طلبة في الحال ولا إلزام وإنما هو شىء يتوقع فيما بعد كالدين المؤجل ويجيء الخلاف السابق في سماع الدعوى بالدين المؤجل فإن سمعناها فله تحليف العبد فإن نكل وحلف المدعي اليمين المردودة لم يكن له التعلق بالرقبة لأن اليمين المردودة وإن جعلت كالبينة فلا تؤثر إلا في حق المتداعيين والرقبة حق السيد
وقيل له التعلق بالرقبة إن جعلناها كالبينة والوجه الثاني وهو المقطوع به في التهذيب في باب مداينة العبيد أن الدعوى مسموعة على العبد إن كان للمدعي بينة وكذا إن لم تكن بينة وقلنا اليمين المردودة كالبينة وإن قلنا كالإقرار فلا وفي كل واحد من الوجهين إشكال والمتوجه أن يقال تسمع الدعوى عليه لإثبات الأرش في ذمته تفريعا على الأصلين المذكورين ولا تسمع الدعوى والبينة عليه لتعلقه بالرقبة
المسألة السادسة من ادعى على رجل عينا أو دينا ولم يحلفه وطلب كفيلا منه ليأتي بالبينة لم يلزمه إعطاء كفيل وإن اعتاد القضاة خلافه هذا هو المعروف للأصحاب وقال بعض المتأخرين

الأمر فيه إلى رأي الحاكم وإن أقام شاهدين وطلب كفيلا إلى أن يعدلا فالصحيح أنه يطالب به فإن امتنع حبس لامتناعه لا لثبوت الحق وقال القفال لا يلزمه إعطاء الكفيل لكن للحاكم أن يطالبه إذا رأى اجتهاده إليه وخاف هربه وقد سبق في الضمان قول إن كفالة البدن باطلة وبالله التوفيق

الباب الثالث في اليمين
فيه أطراف الأول في نفس الحلف وصيغ الأيمان مستوفاة في موضعها والمقصود الآن بيان فاعدتين إحداهما أن للتغليظ مدخلا في الأيمان المشروعة في الدعاوى مبالغة في الزجر وفيه مسائل الأولى التغليظ يقع بوجوده أحدها التغليظ اللفظي وهو ضربان أحدهما التعديد وهو مخصوص باللعان والقسامة وواجب فيهما الثاني زيادة الأسماء والصفات بأن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية أو والله الطالب الغالب المدرك المهلك الذي يعلم السر وأخفى وهذا الضرب مستحب فلو اقتصر على الله كفى واستحب الشافعي رحمه الله أن يقرأ على الحالف { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية وأن يحضر المصحف ويوضع في حجر الحالف وذكر بعضهم أنه يحلف قائما زيادة في التغليظ
والوجه

الثاني التغليظ بالمكان والثالث التغليظ بالزمان وهما مفصلان في كتاب اللعان
وهل التغليظ بالمكان مستحب أم واجب لا يعتد بالحلف في غيره قولان أظهرهما الأول وقيل مستحب قطعا والتغليظ بالزمان مستحب وقيل كالمكان ورأى الإمام طرد الخلاف في الضرب الثاني من التغليظ اللفظي ومن وجوه التغليظ المذكورة في اللعان التغليظ بحضور جمع ولم يذكروه هنا ويشبه أن يقال الأيمان المتعلقة بإثبات حد أو دفعه يكون التغليظ فيها بالجمع كما هو في اللعان
قلت الصواب القطع بأنه لا يعتبر هنا
والله أعلم
ثم التغليظ هل يتوقف على طلب الخصم أم يغلظ القاضي وإن لم يطلب الخصم وجهان أصحهما الثاني حكاه ابن كج ويشبه أن يجريا سواء قلنا بالاستحباب أو بالإيجاب
المسألة الثانية يجري التغليظ في دعوى الدم والنكاح والطلاق والرجعة والإيلاء واللعان والعتق والحد والولاء والوكالة والوصاية وكل ما ليس بمال ولا يقصد منه المال حتى يجري في الولادة والرضاع وعيوب النساء وليس قبول شهادة النساء فيها منفردات لقلة خطرها بل لأن الرجال لا يطلعون عليها غالبا وتوقف الإمام في الوكالة وأما الأموال فيجري التغليظ في كثيرها وهو نصاب الزكاة عشرون دينارا أو مائتا درهم وأما قليلها وهو ما دون ذلك فلا تغليظ فيه إلا أن يرى القاضي التغليظ لجرأة الحالف فله التغليظ
وعن ابن القطان وجه غريب أن المال الواجب بجناية عمدا وخطأ يغلظ فيه وإن قل

الثالثة ما جرى فيه التغليظ يستوي فيه يمين المدعى عليه واليمين المردودة واليمين مع الشاهد وقد يقتضي الحال تغليظ اليمين من أحد الطرفين دون الآخر مثل ان ادعى عبد على سيده عتقا أو كتابة فأنكر السيد فإن بلغت قيمته نصابا غلظ عليه وإلا فلا فإن نكل غلظ على العبد بكل حال والوقف من جانب المدعى عليه لا تغليظ فيه إلا إذا بلغ نصابا وكذا من جانب المدعي إن أثبتناه بشاهد ويمين وإن لم نثبته بهما غلظ كالعتق وفي وجه ما غلظ من طرف غلظ من الآخر والصحيح الأول وإذا ادعى الزوج الخلع على مال وأنكرته حصلت البينونة بقوله وتصدق الزوجة في إنكار المال بيمينها وينظر في التغليظ إلى قلة المال وكثرته فإن ردت اليمين وحلف الزوج فكذلك لأن مقصوده المال وإن ادعت هي الخلع وأنكر غلظ عليه لأن مقصوده استدامة النكاح وإن نكل فحلفت غلظ لأن مقصودها الفراق
الرابعة من به مرض أو زمانة لا يغلظ عليه في المكان لعذره وكذا الحائض إذ لا يمكنها اللبث في المسجد والمرأة المخدرة في إحضارها مجلس الحكم خلاف سبق فإن أحضرت فكالرجل في التغليظ وإن قلنا لا تحضر بل يبعث القاضي من يحكم بينها وبين خصمها فإن اقتضى الحال تحليفها فهل يغلظ عليها بالمكان وتكلف حضور الجامع أم لا وجهان أصحهما نعم وبه أجاب الشيخ أبو حامد ومتابعوه والغزالي

فرع من توجهت عليه يمين مغلظة وكان حلف بالطلاق أن لا يحلف
مغلظة فإن قلنا التغليظ واجب غلظ ويحنث وإن امتنع جعل ناكلا وإن قلنا مستحب لم يغلظ

عليه إتلاف ثوب قيمته عشرة فإن قال في الجواب ما أتلفت يحلف
القاعدة الثانية يشترط كون اليمين مطابقة للإنكار فإن ادعى كذلك وإن قال لا يلزمني شىء حلف كذلك ويشترط وقوعها بعد تحليف القاضي فلو حلف قبله لم يعتد به فلو قال الحاكم في تحليفه قل بالله فقال بالرحمن لم يكن مجيبا وكان نكولا
ولو قال قل بالله فقال والله أو تالله فهل هو نكول كالصورة الأولى أم لا لأنه حلف بالاسم الذي حلفه به وجهان ويجريان فيهما لو غلظ عليه باللفظ فامتنع واقتصر على قوله والله وفيما لو أراد التغليظ بالزمان والمكان فامتنع فقال القفال في امتناعه من التغليظ اللفظي الأصح أنه ناكل لأنه ليس له رد اجتهاد القاضي وقطع بعضهم بأنه ناكل في الامتناع من المكاني والزماني دون اللفظي
الطرف الثاني في كيفية الحلف فإن حلف على فعل نفسه حلف على البت سواء كان يثبته أم ينفيه لأنه يعلم حال نفسه وإن حلف على فعل غيره فإن حلف على إثباته حلف على البت وإن حلف على نفيه حلف انه لا يعلمه وقد يختصر فيقال اليمين على البت إلا إذا حلف على نفي فعل غيره فإذا ادعي عليه مال فأنكر حلف على البت وإن حلف على نفيه حلف على البت فإن ادعى إبراء أو قضاء وأنكر المدعي حلف على البت ولو ادعى على وارث على رجل أن لمورثي عليك كذا فقال المدعى عليه أبرأني أو قضيته حلف المدعي على نفي العلم بإبراء المورث وقبضه ولو كان في يده دار فقال رجل غصبها مني أبوك أو بائعك فأنكر حلف على نفي العلم

لغصبه ولو ادعى رجل وارث الميت دينا على الميت لم يكف ذكر الدين ووصفه بل يذكر مع ذلك موت من عليه وأنه حصل في يده من التركة ما يفي بجميعه أو ببعضه وأن يعلم دينه على مورثه وهكذا كل ما يحلف المنكر فيه على العلم يشترط في الدعوى عليه التعرض للعلم فيقول غصب مني مورثك كذا وأنت تعلم أنه غصبه ثم إذا تعرض لجميع ذلك فإن أنكر الوارث الدين حلف على نفي العلم فإن نكل حلف المدعي على البت وإن أنكر موت من عليه فهل يحلف على نفي العلم أم على البت لأن الظاهر اطلاعه عليه أم يفرق بين تعهده حاضرا أم غائبا فيه أوجه أصحها الأول وإن أنكر حصول التركة عنده حلف على البت وإن أنكر الدين وحصول التركة معا وأراد أن يحلف على نفي التركة وحده وأراد المدعي تحليفه على نفي التركة ونفي العلم بالدين جميعا حلف عليهما لأن له غرضا في إثبات الدين فلعله يظفر بوديعة للميت أو دين فيأخذ منه حقه
ولو ادعى على رجل أن عبدك جنى علي بما يوجب كذا وأنكر فهل يحلف على نفي العلم أم على البت وجهان أصحهما الثاني لأن عبده ماله وفعله كفعله ولذلك سمعت الدعوى عليه ولو ادعى أن بهيمتك أتلفت لي زرعا أو غيره حيث يجب الضمان فأنكر حلف على البت لأنه لا ذمة لها والمالك لا يضمن بفعل البهيمة بل بتقصيره في حفظها وهو أمر يتعلق بالحالف ولو نصب البائع وكيلا ليقبض الثمن ويسلم المبيع فقال له المشتري إن موكلك أذن في تسليم المبيع وترك حق الجنس وأنت تعلم فهل يحلف على البت أم على نفي العلم قولان اختيار أبي زيد البت لأنه يثبت لنفسه استحقاق اليد على المبيع
قلت نفي العلم أقوى
والله أعلم

ولو طلب البائع تسليم المبيع فادعى حدوث عجز عنه وقال للمشتري أنت عالم به فأنكر حلف على البت لأنه يستبقي بيمينه وجوب تسليم المبيع إليه ولو مات عن ابن في الظاهر فقال آخر أنا أخوك والميراث بيننا فأنكر حلف على البت لأن الأخوة رابطة بينهما فهو حالف في نفسه هكذا ذكر الصورتين ابن القاص ونازعه آخرون وقالوا يحلف على نفي العلم
قلت نفي العلم هو الصحيح
والله أعلم

فرع ما حلف فيه على البت لا يشترط لجوازه اليقين بل يجوز
على ظن مؤكد يحصل من خطه أو خط أبيه أو نكول خصمه
فرع لو استحلفه القاضي على البت حيث يكون اليمين بنفي العلم فقد
مال عن العدل
فرع النظر في اليمين إلى نية القاضي المستحلف وعقيدته وأما النية والتورية
الفاجرة ولو استثنى أو وصل باللفظ شرطا بقلبه ونيته أو بلسانه ولم يسمعه الحاكم فكذلك وإن سمعه عزره وأعاد اليمين عليه وإن وصله بكلام لم يفهمه القاضي منعه منه وأعاد اليمين

عليه فإن قال كنت أذكر الله تعالى قيل له ليس هذا وقته وأما العقيدة فإذا ادعى حنفي على شافعي شفعة الجار والقاضي يرى إثباتها وأنكر المدعى عليه فليس له أن يحلف عملا باعتقاده بل عليه اتباع القاضي ويلزمه في الظاهر ما ألزمه القاضي وهل يلزمه في الباطن وجهان الصحيح باتفاقهم نعم والثاني لا وعن صاحب التقريب أن القضاء في المجتهد فيه ينفذ في حق المقلد ظاهرا وباطنا ولا ينفذ في حق المجتهد باطنا فلو حلفه المجتهد على حسب اجتهاده لم يأثم
قلت هذا إذا حلفه القاضي أو نائبه أما إذا حلف الإنسان ابتداء أو حلفه غير القاضي من قاهر أو خصم أو غيرهما فالاعتبار بنية الحالف بلا خلاف وينفعه التورية قطعا سواء حلف بالله تعالى أو بطلاق وعتاق وغيرهما صرح به الماوردي ونقله ابن الصباغ عن الأصحاب ذكراه في كتاب الطلاق
والله أعلم
الطرف الثالث في الحالف وهو كل من يتوجه عليه دعوى صحيحة وقيل كل من توجهت عليه دعوى لو أقر لمطلوبها ألزم به فإذا أنكر حلف عليه وقبل منه ويستثنى عن هذا الضبط صور فنذكرها مع ما يدخل فيه ويخرج منه إحداها يجزىء التحليف في النكاح والطلاق والرجعة والفيأة وفي الإيلاء وفي العتق والاستيلاد والولاء والنسب ولا تسمع دعوى في حدود الله تعالى ولا يطلب الجواب لأنها ليست حقا للمدعي فإن تعلق به حق آدمي بأن قذفه فطلب حد القذف فقال القاذف حلفوه انه لم يزن

فالأصح أنه يحلف كما سبق في المسألة الثالثة من الباب الأول فإن حلف أقيم على القاذف وإن نكل وحلف القاذف سقط حد القذف ولا يثبت بحلفه حد الزنى على المقذوف
ولو ادعى سرقة ماله سمعت دعواه للمال وحلف المدعى عليه فإن نكل حلف المدعي واستحق المال ولا يقطع المدعى عليه لأن حدود الله تعالى لا تثبت باليمين المردودة وإذا أقر بما يوجب حدا وادعى شبهة بأن وطىء جارية أبيه وقال ظننتها تحل لي وهو ممن يجوز أن يشتبه عليه مثله حلف وسقط بحلفه الحد ولزم المهر وتسمع الدعوى
ويجري التحليف في القصاص وحد القذف وكذا في الشتم والضرب الموجبين للتعزير
الثانية ادعى على القاضي أنه ظلمه في الحكم أو على الشاهد أنه تعمد الكذب أو الغلط أو ادعى عليه ما يسقط شهادته لم يحلفا لارتفاع منصبهما عن التحليف وقد سبق هذا في الباب الأول وفي أول أدب القضاء ولو ادعى على المعزول أنه حكم أيام قضائه عليه ظلما وأنكر فقد سبق وجهان في أنه يحلف أم يصدق بلا يمين وهو الأصح هذا في دعوى تتعلق بالحكم وأما ما لا يتعلق بالحكم كدعوى مال وغيره فهو كسائر الناس في الخصومات الشرعية يحكم فيها بينه وبين المدعي خليفته أو قاض آخر
الثالثة الصبي إذا ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت الإمكان صدق بلا يمين كما سبق في الإقرار ومن ادعى عليه بشىء فقال أنا صبي بعد وهو محتمل لم يحلف وتوقف الخصومة حتى يبلغ وإن وقع في السبي من أنبت وقال استنبت الشعر بالعلاج وأنا غير

بالغ بني على القولين السابقين في الحجر أن إنبات العانة نفس البلوغ أم علامته إن قلنا بالأول فلا حاصل لكلامه وإن قلنا بالثاني وهو الأظهر فالمنصوص المعروف في المذهب أنه يحلف وهو مشكل من جهة أنه يدعي الصبي وتحليف من يدعى الصبى لا وجه له كما سبق في الإقرار فقال ابن القطان والقفال هذا التحليف احتياط واستظهار ومقتضى كلام الجمهور أنه واجب وصرح به الروياني ونفى الخلاف فيه واعتمدوا في تحليفه الإنبات وقالوا كيف نترك الدليل الظاهر بزعم مجرد فإذا حلف ألحق بالصبيان وحقن دمه وإن نكل فالمنصوص أنه يقتل والثاني يخلى والثالث يحبس حتى يحلف أو يقر والرابع يحبس حتى يتحقق بلوغه ثم يحلف على ما ادعاه من الاستعجال فإن لم يحلف قتلناه
الرابعة ادعى رجل دينا على ميت أو أنه أوصى له بشىء وللميت وصي في قضاء دينه وتنفيذ وصاياه فأنكر فإن كان للمدعي بينة حكم بها وإن لم يكن وأراد تحليف الوصي على نفي العلم لم يمكن لأن مقصود التحليف أن يقر والوصي لا يقبل إقراره بالدين والوصية فلا معنى لتحليفه فلو كان وارثا حلف بحق الوراثة وقيم القاضي كالوصي

فرع على إنسان حق لرجل فطلبه به رجل وزعم أنه وكيل المستحق
يقم بينة وأراد تحليفه على نفي العلم بالوكالة لم يكن له لأنه لو اعترف بالوكالة لم يلزمه تسليم الحق هذا هو المذهب وسبق في الوكالة وجه أنه يلزمه التسليم وعلى هذا له تحليفه وان

له تحليفه وإن لم يلزمه التسليم باعترافه إذا قلنا اليمين المردودة كالبينة

فرع هل للوكيل بالخصومة إقامة بينة على وكالته من غير حضور الخصم
وجهان حكاهما الإمام عن القاضي حسين اشتراطه وغيره منعه وقد سبق في الوكالة أن الإمام حكى عن القاضي حسين أنه إذا كان الخصم غائبا نصب الحاكم مسخرا عنه كان المراد هنا إذا كان حاضرا في البلد وهناك إذا كان غائبا والأصح سماع البينة من غير حاجة إلى حضوره ولا إلى نصب مسخر ولو وكل بالخصومة في مجلس الحكم استغنى عن حجة يقيمها إن كان الخصم حاضرا فإن لم يكن فيبنى على أن القاضي هل يقضي بعلمه الطرف الرابع فائدة اليمين وحكمها وهو انقطاع الخصومة والمطالبة في الحال لا سقوط الحق وبراءة الذمة فلو أقام المدعي بينة بعد حلف المدعى عليه سمعت وقضى بها وكذا لو ردت اليمين على المدعي فنكل ثم أقام بينة وهذا إذا لم يتعرض وقت التحليف للبينة فإن كان قال حينئذ لا بينة لي حاضرة ولا غائبة فهذه الصورة ذكرناها في الطرف الثاني من الباب الثاني من أدب القضاء مضمومة إلى ما لو اقتصر على قوله لا بينة لي وفيهما خلاف والأصح السماع أيضا وذكرنا هناك أنه لو قال لا بينة لي حاضرة ثم أقام بينة سمعت فلعلها حضرت وأنه لو قال لي بينة ولا أقيمها بل أردت يمينه أجابه القاضي وحلف المدعى عليه هذا هو الأصح
وفي فتاوى القفال أنه لا يجيبه بل يقول أحضر البينة

فرع أقام المدعي بدعواه شهودا ثم قال كذب شهودي أو شهدوا
فلا شك في سقوط بينته وامتناع الحكم وفي بطلان دعواه وجهان أحدهما يبطل كما لو كذب نفسه فليس له أن يقيم بعد ذلك بينة أخرى وأصحهما لا لاحتمال كونه محقا في دعواه والشهود مبطلين لشهادتهم بما لا يعلمون وفي مثل هذا قال الله تعالى { والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } وبني على الوجهين ما لو أقام المدعي شهودا فزعم المدعى عليه أن المدعي أقر بأن شهوده كذبة وأقام عليه شاهدا وأراد أن يحلف معه هل يمكن ويحكم بشاهده ويمينه إن قلنا هذا الإقرار لا يبطل أصل الدعوى فلا لأن المقصود حينئذ الطعن في الشهود وإخراج شهادتهم عن أن يحكم بها وجرح الشهود والطعن فيهم لا يثبت بشاهد ويمين وإن كانت الشهادة بمال وإن قلنا يبطلها مكن لأن المقصود حينئذ إسقاط الدعوى بالمال فهو كادعاء الإبراء بشاهد ويمين
فروع في فتاوى القفال وغيره أقام شاهدين في حادثة وكانا استباعا الدار منه بطلت شهادتهما ولو أقام شاهدين بأن هذه الدار ملكه وأقام المشهود عليه شاهدين بأن شاهدي المدعي قالا لا شهادة لنا في ذلك سألهما الحاكم متى قال ذلك شاهدي المدعي فإن قالا قالاه أمس أو من شهر لم تندفع شهادتهما بذلك لأنهما قد لا يكونان شاهدين ثم يصيران
وإن قالا قالا حين تصديا لإقامة الشهادة

اندفعت شهادتهما
ولو أقام المشهود عليه بشاهدين أن المدعي أقر بأن شاهديه شربا الخمر وقت كذا فإن طالت المدة بينه وبين أداء الشهادة لم يقتض ذلك رد الشهادة وإن قصرت ردت شهادتهما وإن شهدا أنه أقر بأنهما شربا الخمر من غير تعيين وقت سئل المدعي عن وقته وحكم بما يقتضيه تعيينه ولو أقام المدعي بينة ثم قال للقاضي لا تحكم بشىء حتى تحلفه بطلت بينته لأنه كالمعترف بأنها مما لا يجوز الحكم بها
قلت هذا مشكل فقد يقصد تحليفه ليقيم البينة ويظهر إقدامه على يمين فاجرة أو غير ذلك من المقاصد التي لا تقتضي قدحا في البينة فينبغي أن لا تبطل البينة
والله أعلم

فصل إذا طلب المدعي يمين المدعى عليه عند الحاكم فقال للحاكم قد
حلفني مرة على هذا بطلبه فليس له تحليفي فإن حفظ القاضي ما قاله لم يحلفه ومنع المدعي مما طلب وإن لم يحفظه حلفه ولا ينفعه إقامة البينة عليه لما سبق أن القاضي متى تذكر حكمه أمضاه وإلا فلا يعتمد بينة وعن ابن القاص جواز سماع البينة فيه حكاه الهروي ومقتضاه الطرد في كل باب وإن قال حلفني عند قاض آخر وأطلق وأراد تحليفه على ذلك فوجهان قال ابن القاص بالمنع إذ لا يؤمن أن يدعي المدعي أنه حلفه على أنه ما حلفه وهكذا فيدور الأمر ولا ينفصل وأصحهما وبه قطع البغوي وغيره يمكن منه لأنه محتمل غير مستبعد ولا يسمع مثل ذلك من المدعي لئلا

يتسلسل فعلى هذا إن كانت له بينة أقامها وتخلص عن الخصومة وإن استمهل ليقيم فقياس البينات الدوافع أن يمهل ثلاثة أيام وعن القاضي حسين أنه لا يمهل أكثر من يوم وإن لم يكن بينة حلف المدعي أنه ما جلفه ثم يطلب المال فإن نكل حلف المدعى عليه وسقطت الدعوى
فلو أراد أن يحلف يمين الأصل لا يمين التحليف المردودة عليه قال البغوي ليس له ذلك إلا بعد استئناف الدعوى لأنها الآن في دعوى أخرى
ولو قال المدعي في جواب المدعى عليه حلفني مرة على أني ما حلفته وأراد تحليفه لم يجب لأنه يؤدي إلى ما لا يتناهى ولو ادعى مالا على رجل فأنكر وحلف ثم قال المدعي بعد أيام حلفت يومئذ لأنك كنت معسرا لا يلزمك تسليم شىء إلي وقد أيسرت الآن فهل يسمع لإمكانه أم لا لئلايتسلسل وجهان
قلت الأصح أنه يسمع إلا إذا تكرر
والله أعلم

فرع إنما يحلف المدعى عليه إذا طلب المدعي يمينه فإن لم يطلب
يقلع عن المخاصمة لم يحلفه القاضي ولو حلف لم يعتد بتلك اليمين وقال القفال الشاشي لا يتوقف التحليف على طلبه والصحيح الأول ولو امتنع من تحليفه بالدعوى السابقة جاز لأنه لم يسقط حقه من اليمين فإن قال أبرأتك عن اليمين سقط حقه من اليمين في هذه الدعوى وله استئناف الدعوى وتحليفه
الباب الرابع في النكول
إذا أنكر المدعى عليه واستحلف فنكل عن اليمين لم يقض عليه بالنكول بل ترد على المدعي فإن حلف قضى له فإن لم يعرف المدعي تحول اليمين إليه بنكول المدعى عليه عرف القاضي وبين أنه إن حلف استحق وإنما يحصل النكول بأن

يعرض القاضي اليمين عليه فيمتنع وفسر العرض بأن يقول قل والله والامتناع بأن يقول لا أحلف أو أنا ناكل قال الإمام قوله قل والله ليس أمرا جازما وإنما المراد بيان وقت اليمين المعتمد بها على المدعي ولو قال أتحلف بالله وقال لا فليس بنكول ولو بدر حين سمع هذه الكلمة وحلف لم يعتد بيمينه لأنه استنجاز لا استحلاف
ولو قال له احلف فقال لا أحلف قال البغوي ليس بنكول وقال الإمام نكول وهو أوضح ولا فرق بين قوله قل بالله وقوله أحلف بالله ولو استحلف فلم يحلف ولا تلفظ بأنه ناكل أو ممتنع فسكوته نكول كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء يجعل كالإنكار ثم ذكر الإمام وغيره أنه إن صرح بالنكول لم يشترط حكم القاضي بأنه ناكل وإن سكت حكم القاضي بأنه ناكل ليرتب عليه رد اليمين وقول القاضي للمدعي احلف نازل منزلة قوله حكمت بأن المدعى عليه ناكل وإنما يحكم بأنه ناكل بالسكوت إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة وغباوة ونحوهما ويستحب للقاضي أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول ولو تفرس فيه سلامة جانب شرح له حكم النكول وإن لم يشرح وحكم بأنه ناكل وقال المدعى عليه لم أعرف النكول ففي نفوذ الحكم احتمالان للإمام أصحهما النفوذ
وكان من حقه أن يسأل ويعرف قبل أن ينكل ولو أراد المدعى عليه بعد الامتناع أن يعود فيحلف نظر إن كان ذلك بعد أن حكم القاضي بأنه ناكل أو قال للمدعي احلف لم يكن له الحلف وإن أقبل عليه ليحلفه ولم يقبل بعد ما حلف فهل هو كما لو قال احلف وجهان وإن لم يجر شىء من ذلك فله

الحلف حتى لو هرب المدعى عليه قبل أن يحكم القاضي بأنه ناكل وقبل أن يعرض اليمين على المدعي لم يكن للمدعى أن يحلف اليمين المردودة وكان للمدعى عليه أن يحلف إذا عاد هكذا أطلق البغوي وغيره ومقتضاه التسوية بين التصريح بالنكول وبين السكوت حتى لا يمتنع من العود إلى اليمين في الحالين إلا بعد الحكم بالنكول أو بعد عرض اليمين على المدعي وفي التصريح احتمال وحيث منعناه العود إلى الحلف فذلك إذا لم يرض به المدعي فإن رضي فله العود إليه على الأصح لأن الحق لا يعدوهما فلو رضي بأن يحلف المدعى عليه والحالة هذه فلم يحلف لم يكن للمدعي أن يعود إلى يمين الرد لأنه أبطل حقه برضاه بيمين المدعى عليه

فرع نقل الروياني أن قول القاضي للمدعي أتحلف أنت كقوله احلف حتى
لا يتمكن المدعى عليه من الحلف بعد ذلك قال وعندي فيه نظر
فصل المدعي إذا ردت اليمين عليه قد يحلف وقد يمتنع فإن حلف
المدعى وهل يمينه بعد نكول المدعى عليه كالبينة أم كإقرار المدعى عليه فيه قولان أظهرهما الثاني ويتفرع عليهما مسائل كثيرة مذكورة في مواضعها
ومنها أن المدعى عليه لو أقام بينة بالأداء أو الإبراء بعد ما حلف المدعي فإن قلنا يمينه كالبينة سمعت بينة المدعى عليه وإن قلنا كالإقرار فلا لكونه مكذبا للبينة بالإقرار

وهل يجب الحق بفراغ المدعي من اليمين المردودة أم لا بد من حكم الحاكم بالحق وجهان حكاهما الهروي الأرجح الأول أما إذا امتنع المدعي من الحلف فيسأله القاضي عن امتناعه فإن لم يتعلل بشىء أو قال لا أريد الحلف فهذا نكول يسقط حقه من اليمين وليس له مطالبة الخصم وملازمته وهل يتمكن من استئناف الدعوى وتحليفه في مجلس آخر فإن نكل حلف المدعي أم لا يتمكن من ذلك ولا ينفعه بعده إلا البينة وجهان الذي ذكره العراقيون والهروي والروياني الأول وبالثاني قال الإمام والغزالي والبغوي وهو أحسن وأصح لئلا تتكرر دعواه في القضية الواحدة وإن ذكر المدعي لامتناعه سببا فقال أريد أن آتي بالبينة أو أسأل الفقهاء أو أنظر في الحساب ترك ولم يبطل حقه من اليمين وهل تقدر مدة الإمهال بثلاثة أيام وجهان أصحهما نعم لئلا تطول مدافعته والثاني لا تقدير لأن اليمين حقه فله تأخيره إلى أن يشاء كالبينة
ولم يذكر الشافعي رحمه الله فيما إذا امتنع المدعى عليه من اليمين أنه يسأل عن سبب امتناظه فقال ابن القاص قياس ما ذكره في امتناع المدعي أن يسأل المدعى عليه عن سبب امتناعه أيضا وامتنع عامة الأصحاب من هذا الإلحاق فارقين بأن امتناع المدعي عليه أثبت للمدعي حق الحلف والحكم بيمينه فلا يؤخر حقه بالسؤال وامتناع المدعي لا يثبت حقا لغيره فلا يضر السؤال
ولو قال المدعى عليه حين استحلف أمهلوني لأنظر في الحساب أو أسأل الفقهاء فهل يمهل ثلاثة أيام أم لا يمهل شيئا إلا برضى المدعي وجهان أصحهما وأشهرهما الثاني لأنه مقهور محمول على الإقرار أو اليمين بخلاف المدعي فإنه مختار في طلب حقه وتأخيره ولو استمهل المدعى عليه

في ابتداء الجواب لينظر في الحساب وذكر الهروي أنه ينظر إلى آخر المجلس إن شاء
ولو علل المدعي امتناعه بعذر كما ذكرنا ثم عاد بعد مدة ليحلف مكن منه وإن لم يتذكر القاضي نكول خصمه أثبته بالبينة وكذا لو أثبت عند قاض آخر نكول خصمه له أن يحلف وكذا لو نكل المدعى عليه في جواب وكيل المدعي ثم حضر الموكل له أن يحلف ولا يحتاج إلى استئناف دعوى ولو أقام المدعي شاهدا ليحلف معه فلم يحلف فهو كما لو ارتدت اليمين إليه فلم يحلف فإن علل امتناعه بعذر عاد الوجهان في أنه على خيرته أبدا أم لا يزاد على ثلاثة أيام وإن لم يعلل بشىء أو صرح بالنكول فقد ذكر الغزالي والبغوي أنه يبطل حقه من الحلف وليس له العود إليه واستمر العراقيون على ما ذكروه هناك قال الأصحاب لو امتنع من الحلف مع شاهده واستحلف الخصم انقلبت اليمين من جانبه إلى جانب صاحبه فليس له أن يعود ويحلف إلا إذا استأنف الدعوى في مجلس آخر وأقام الشاهد فله أن يحلف معه وعلى الأول لا ينفعه إلا بينة كاملة

فصل ما ذكرناه من أنه يرد اليمين على المدعي ولا يقضى على
عليه بالنكول هو الأصل المقرر في المذهب لكن قد يتعذر رد اليمين وحينئذ من الأصحاب من يقول بالقضاء بالنكول وبيانه بصور إحداها طولب صاحب المال بالزكاة فقال بادلت بالنصاب في أثناء الحول أو دفعت الزكاة الى ساع آخر أو غلط الخارص في الخرص أو أصاب الثمر جائحة واتهمه الساعي فيحلف على ما يدعيه إيجابا أو استحبابا على الخلاف السابق في كتاب الزكاة فإن نكل لم يطالب

بشىء إن قلنا بالاستحباب وإن قلنا بالإيجاب فإن انحصر المستحقون في البلد وقلنا بامتناع النقل ردت اليمين عليهم وإلا فيتعذر الرد على الساعي والسلطان وفيما يفعل أوجه أحدها لا يطالب بشىء إذا لم تقم عليه حجة والثاني يحبس حتى يقر فيؤخذ منه أو يحلف فيترك والثالث إن كان صاحب المال على صورة المدعي بأن قال أديت في بلد آخر أو إلى ساع آخر أخذت منه الزكاة وإن كان على صورة المدعى عليه بأن قال ما تم حولي أو الذي في يدي لفلان المكاتب لم يؤخذ منه
والرابع وهو الأصح الأشهر يؤخذ منه الزكاة وكيف سبيله وجهان قال ابن القاص هو حكم بالنكول ورواه عن ابن سريج وسببه الضرورة وقال الجمهور ليس حكما بالنكول لكن مقتضى ملك النصاب ومقتضى الحول الوجوب فإذا لم يثبت دافع أخذنا الزكاة
الثانية إذا مات ذمي في أثناء السنة فهل عليه قسط ما مضى أم لا شىء عليه قولان سبقا فلو غاب ذمي ثم عاد مسلما فقال أسلمت قبل تمام السنة فليس علي جزية أو ليس تمامها وقال عامل الجزية بل أسلمت بعدها فعليك تمام الجزية حلف الذي أسلم استحبابا في وجه وإيجابا في وجه فإن قلنا بالإيجاب فنكل فهل يقضى عليه بالجزية أم لا يطالب بشىء أم يحبس ليقر فيؤخذ منه أو يحلف فيترك فيه أوجه
قال الإمام وقيد ابن القاص بما إذا غاب ثم عاد مسلما وظاهر هذا أنه لو كان عندنا وصادفناه مسلما بعد السنة وادعى أنه أسلم قبل تمامها وكتم إسلامه لم يقبل قوله لأن الظاهر أن من أسلم بدار الإسلام لم يكتمه

الثالثة ولد المرتزقة إذا ادعى البلوغ بالاحتلام وطلب إثبات اسمه في الديوان فوجهان أحدهما يصدقه بلا يمين لأنه إن كان كاذبا فكيف نحلفه وهو صبي وإن كان صادقا وجب تصديقه وأصحهما يحلف عند التهمة فإن نكل لم يثبت اسمه إلى أن يظهر بلوغه ويقرب منه أن من شهد الوقعة من المراهقين إذا ادعى الاحتلام وطلب سهم المقاتلة أعطي إن حلف وإلا فوجهان أحدهما يعطى ثم قيل هو إعطاء لأن احتلامه لا يعرف إلا منه فصدق فيه كما تصدق المرأة في الحيض ويقع الطلاق المعلق عليه وقيل لأن شهود الوقعة تقتضي استحقاقهم السهم وأصحهما لا يعطى قال ابن القاص وهو قضاء بالنكول وقال غيره إنما لم يعط لأن حجته في الإعطاء اليمين ولم توجد
الرابعة مات من لا وارث له فادعى القاضي أو منصوبه دينا له على رجل وجده في تذكرته فأنكر المدعى عليه ونكل فهل يقضى عليه بالنكول ويؤخذ منه المال أم يحبس حتى يقر أو يحلف أم يترك لكن يأثم إن كان معاندا فيه ثلاثة أوجه ويجري فيما لو ادعى ولي صبي ميت على وارثه أنه أوصى بثلثه للفقراء وأنكر الوارث ونكل
ولو ادعى ولي صبي أو مجنون دينا له على رجل فأنكر ونكل ففي رد اليمين على الولي أوجه أحدهما ترد لأنه المستوفي والثاني لا لأن إثبات الحق لغير الحالف بعيد
والثالث إن ادعى ثبوته بسبب باشره بنفسه ردت وإلا فلا وأجري الخلاف فيما لو أقام شاهدا هل يحلف معه وفيما لو ادعي على الولي دين في ذمة

الصبي هل يحلف الولي إذا أنكر
والوصي والقيم في ذلك كالولي ويجري في قيم المسجد والوقف إذا ادعى للمسجد أو للوقف وأنكر المدعى عليه ونكل
وتحليف الولي والصبي سبق لهما ذكر في آخر كتاب الصداق ثم ميل الأكثرين إلى ترجيح المنع من الأوجه الثلاثة ولا بأس بوجه التفصيل وقد رجحه أبو الحسن العبادي وبه أجاب السرخسي في الأمالي فإن منعنا رد اليمين إلى الولي والوصي انتظرنا بلوغ الصبي وإفاقة المجنون وكتب القاضي المحضر بنكول المدعى عليه وتصير اليمين موقوفة على البلوغ والإفاقة ويعود في قيم المسجد والوقف الوجهان في أنه يقضى لا بالنكول أم يحبس ليحلف أو يقر والأصح في مسألة من لا وارث له أن يقضى بالنكول بل يحبس ليحلف أو يقر وإنما حكمنا فيما قبلها من الصور بالمال لأنه سبق أصل يقتضي الوجوب ولم يظهر دافع
ولو ادعى قيم المحجور عليه ونكل المدعى عليه حلف المحجور عليه أنه يلزمه تسليم هذا المال ولكن لا يقول إلي وقيمه يقول في الدعوى يلزمك تسليمه إلي
الخامسة للقاذف أن يحلف المقذوف أنه لم يزن كما سبق فإن نكل فالصحيح الذي قطع به الجمهور أنه يرد اليمين على القاذف فإن حلف اندفع عنه حد القذف وقيل يسقط بنكوله حد القذف ولا يرد اليمين حكاه الهروي

الباب الخامس في البينة
أما صفة الشهود فسبق بيانها في الشهادات والمقصود هنا بيان حكم تعارض البينتين وتعارضهما قد يقع في الأملاك وقد يقع في غيرها كالعقود والموت والوصية ويشتمل الباب على أربعة أطراف

الأول في الأملاك فإذا تعارضتا فيه فإما أن يفقد أسباب الرجحان وإما لا القسم الأول أن يفقد فإما أن يكون المدعى في يد ثالث وإما في أيديهما ولا يدخل في هذا القسم ما إذا كان في يد أحدهما لأن ذلك من أسباب الرجحان
الحالة الأولى إذا ادعى اثنان عينا في يد ثالث فلا يخفى أن المدعى عليه يحلف لكل واحد منهما يمينا إن ادعاها لنفسه ولا بينة لواحد منهما وأنه لو اختص أحدهما ببينة على ما يدعيه قضي له وإن أقام كل واحد بينة تعارضتا وفيهما قولان أظهرهما يسقطان فكأنه لا بينة فيصار إلى التحليف والثاني يستعملان فينتزع العين ممن هي في يده
ثم في كيفية الاستعمال ثلاثة أقوال أحدها تقسم العين المدعاة بينهما والثاني توقف إلى تبين الأمر أو يصطلحا والثالث يقرع فيأخذها من خرجت قرعته وهل يحتاج معها إلى يمين قولان أحدهما لا والقرعة مرجحة لبينته والثاني نعم والقرعة تجعل أحدهما أحق باليمين فعلى هذا يحلف من خرجت قرعته أن شهوده شهدوا بالحق ثم يقضي له ثم قيل القولان في الأصل فيما إذا لم تتكاذب البينتان صريحا فإن تكاذبتا سقطتا قطعا والأشهر طردهما في الحالين وصريح التكاذب أن لا يمكن الجمع بتأويل بأن شهدت إحداهما بقتله في وقت والأخرى بجناية في ذلك الوقت فإن أمكن الجمع بتأويل فليس تكاذبا بأن شهدت هذه أنه ملك زيد وهذه أنه ملك عمرو فإنه يحتمل أن كل واحدة علمت سببا كشراء ووصية واستصحب حكمه أو شهدت هذه بأنه أوصى به لزيد وهذه أنه

أوصى به لعمرو فإنه يحتمل الإيصاء مرتين وقيل القولان إذا لم يمكن الجمع فإن أمكن قسم قطعا وقيل إن لم يمكن سقطتا قطعا وإلا استعملتا قطعا كما في الوصية
وقيل يبقى قول التوقيف وقيل لا تجتمع الأقوال الثلاثة بل موضع القسمة إذا أمكن الجمع والقرعة إذا لم يمكن والمذهب ما سبق فلو تنازعا في زوجية امرأة أقام كل واحد بينة وتعارضتا فقول السقوط بحاله ولا مجال للقسمة ولا للقرعة على الأصح ويجيء الوقف على الصحيح لو أقر صاحب اليد لأحدهما بعدما أقاما البينتين إن قلنا بالسقوط قبل إقراره وحكم به وإن قلنا بالاستعمال فوجهان أحدهما يصير المقر له كصاحب يد فترجح بينته والثاني لا لأن يده بعد البينة مستحقة الإزالة وإن أقر قبل تمام البينتين قبل إقراره قطعا وصار المقر له صاحب يد
الحالة الثانية أن تكون العين في يدهما وادعاها كل واحد فإن أقامتا بينتين فطريقان أحدهما وبه قال الفوراني والغزالي يجيء القولان في السقوط والاستعمال فإن أسقطنا بقي المال في أيديهما كما كان وإن استعملنا فعلى قول القسمة يجعل بينهما ولا يجيء الوقف وفي القرعة وجهان والثاني وبه قال ابن الصباغ والبغوي يجعل المال بينهما لأن بينة كل واحد ترجحت في النصف الذي في يده والحاصل للفتوى من الطريقين بقاء المال في يدهما كما كان ولو شهدت بينة كل واحد له بالنصف الذي في يد صاحبه حكم القاضي لكل منهما بما في يد صاحبه ويكون المال في يدهما أيضا كما كان لكن لا لجهة السقوط ولا بالترجيح باليد ثم قال الأئمة

من أقام البينة أولا وتعرض شهوده للكل لم يضر وإن كان صاحب يد في النصف الذي في يده وقلنا بينة صاحب اليد لا تسمع ابتداء كما سيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى لأن هنا غير مستغن عن البينة للنصف الذي يدعيه ثم إذا أقام الثاني البينة على الكل سمعت وترجحت بينته في النصف الذي في يده فيحتاج الأول إلى إعادة البينة للنصف الذي في يده وقال في الوسيط لا يبعد أن يتساهل في الإعادة وإن كان لأحدهما بينة دون الآخر قضى له بالكل سواء شهد شهوده بالكل أم بالنصف الذي في يد صاحبه وإن لم يكن لواحد منهما بينة فكل واحد مدع في نصف ومدعى عليه في نصف فيحلف كل واحد على نفي ما يدعيه الآخر ولا يتعرض واحد منهما في يمينه لإثبات ما في يده بل يقتصر على أنه لاحق لصاحبه فيما في يده نص عليه وهو المذهب ومنه خلاف سبق في باب التحالف في البيع فإن حلفا أو نكلا ترك المال في يدهما كما كان وإن حلف أحدهما دون الآخر قضى للحالف بالكل ثم إن حلف الذي بدأ القاضي بتحليفه ونكل الآخر بعده حلف الأول اليمين المردودة
وإن نكل الأول ورغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادعاه صاحبه ويمين الإثبات للنصف الذي ادعاه هو فهل يكفيه الآن يمين واحد يجمع فيها النفي والإثبات أم لا بد من يمين للنفي وأخرى للإثبات وجهان أصحهما الأول فيحلف أن الجميع له ولا حق لصاحبه فيه أو يقول لا حق له في النصف الذي يدعيه والنصف الآخر لي

فرع ادعى نصف دار وادعى آخر كلها وأقام كل واحد بينة
يد ثالث تعارضتا في النصف فإن قلنا بالسقوط سقطتا في النصف الذي فيه التعارض وأما النصف الآخر ففيه طريقان قال ابن سريج وأبو اسحاق وغيرهما فيه قولا تبعيض الشهادة فإن بعضناها سلم ذلك النصف لمدعي الكل وإلا بطلت في ذلك النصف أيضا وصار كما لو لم تكن بينة والثاني وبه قال الشيخ أبو حامد وصححه الشيخ أبو علي يسلم إليه النصف قطعا وإن قلنا بالاستعمال سلم النصف لمدعي الكل ويقسم النصف الآخر إن قلنا بالقسمة وإن قلنا بالقرعة أو بالوقف أقرع في النصف أو وقف ولو تداعيا كذلك والدار في يدهما فالقول قول مدعي النصف في النصف الذي في يده فإن أقام مدعي الكل بينة قضي له الكل وإن أقام كل واحد بينة بما يدعيه بقيت الدار في يدهما كما كانت
ولو ادعى أحدهما بالكل والآخر الثلث فإن كان في يد ثالث فعلى قول السقوط تسقطان في الثلث
وهل تبطل بينة الكل في الثلثين فيه الطريقان السابقان وعلى الاستعمال تجري الأقوال الثلاثة وإن كانت في يدهما وأقام كل واحد بينة بما يدعي فلمدعي الثلث الثلث والباقي لمدعي الكل
دار في يد رجل ادعى زيد نصفها فصدقه وعمرو نصفها فكذبه صاحب اليد وزيد معا ولم يدعه أحد منهما لنفسه فالنصف

الذي يدعيه المكذب هل يسلم إليه أم يوقف في يد صاحب اليد أم ينتزعه ويحفظ إلى ظهور مالكه فيه ثلاثة أوجه حكاها الفوراني
قلت أقواها الثالث
والله أعلم

فرع ادعى رجل دارا وآخر ثلثيها وآخر نصفها ورابع ثلثها وهي في
خامس وأقام كل واحد من الأربعة بينة بدعواه فلا تعارض في الثلث الذي يختص مدعي الكل بدعواه وفي الباقي يقع التعارض فالسدس الزائد على النصف يتعارض فيه بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين وفي السدس الزائد على الثلث يتعارض بينهما وبين مدعي النصف وفي الثلث الباقي تتعارض بينات الأربعة فإن قلنا بالسقوط سقطت البينات في الثلثين وأما الثلث ففيه الطريقان في تبعيض الشهادة والمذهب أنه يسلم لمدعي الكل وإن قلنا بالاستعمال فإن قسمنا فالسدس الزائد علي النصف بين مدعي الكل ومدعي الثلثين بالسوية والسدس الزائد على الثلث لهما ولمدعي النصف أثلاثا والثلث الباقي للأربعة أرباعا فيجعل ستة وثلاثين سهما لحاجتنا إلى عدد ينقسم سدسه على اثنين وعلى ثلاثة فيضرب اثنين في ستة ثم في ثلاثة فلمدعي الكل ثلثها وهو اثنا عشر ونصف السدس الزائد على النصف هو ثلاثة وثلث السدس الزائد وهو أثنان وربع الثلث الباقي وهو ثلاثة فالجملة عشرون وهي خمسة أتساع الدار ولمدعي الثلثين ثلاثة من السدس الزائد على النصف وسهمان من السدس الزائد على النصف وسهمان من السدس الزائد على الثلث وثلاثة من الثلث الباقي فالجملة ثمانية هي تسعا الدار ولمدعي النصف سهمان من السدس الزادد على الثلث وثلاثة من الثلث الباقي ولمدعي الثلث ثلاثة

من الثلث الباقي وإن قلنا بالقرعة أقرع ثلاث مرات مرة في السدس الزائد على النصف بين مدعي الكل ومدعي الثلثين وأخرى في السدس الزائد على الثلث بينهما وبين مدعي الكل ومدعي الثلثين وأجري في السدس الزائد الثلث بينهما وبين مدعي النصف وأجري في الثلث بين الأربعة
وإن قلنا بالوقف توقفنا وإن كانت الدار في يد المتداعيين الأربعة وأقام كل واحد بينة جعلت بينهم أرباعا لأن بينة كل واحد ترجح في الربع الذي في يده اليد وإن لم يكن بينة فالقول قول كل واحد في الربع الذي في يده فإذا حلفوا كانت بينهم أرباعا أيضا

فرع دار في يد ثلاثة ادعى أحدهم نصفها وآخر ثلثها وثالث سدسها
بينة جعلت بينهم أثلاثا نص عليه في المختصر واعترض عليه بأن مدعي السدس لا يدعي غيره فكيف يعطى الثلث فاجاب الأصحاب بأن صورة النص فيما إذا ادعى كل واحد منهم استحقاق اليد في جميعها إلا أن الأول يقول النصف ملكي والنصف الآخر لفلان الغائب وهو في يدي عارية أو وريعة والآخران يقولان نحو ذلك فكل واحد منهم صاحب اليد في الثلث وتبقى الدار في أيديهم كما كانت ثم جعل نصف الثلث الذي في يد مدعي السدس لذلك الغائب بحكم الإقرار فأما إذا اقتصر كل واحد منهم على ان لي منها كذا فلا يعطي لمدعي السدس إلا السدس ولا يتحقق بينهم والحال هذه نزاع ولو أقام كل واحد منهم بينة على ما يدعيه لنفسه حكم المدعي الثلث بالثلث لأن له فيه بينة ويدا ولمدعي السدس بالسدس لمثل ذلك وفيما يحكم به لمدعي النصف وجهان أحدهما بالنصف لأن له في الثلث يدا وبينة وفي السدس الباقي بينة

والآخران لا يدعيانه والثاني بالثلث ونصف السدس والأول أصح وبه أجاب ابن كج والقفال ثم مدعي الثلث ومدعي السدس لا يحتاجان إلى إقامة البينة في الابتداء ولكن مدعي النصف يحتاج إلى إقامتها للسدس الزائد على ما في يده ويتصور إقامة البينة من جهتهم فيما إذا أقام مدعي اننصف ثم أقام الآخران على نحو ما ذكرنا في الفرع الأول ويجوز أن يفرض من مدعي السدس أقامة البنية على أن السدس للغائب مع إقامة البنية على أن السدس له بناء على أن المدعى عليه إذا أقر بما في يده للغائب يجوز له إقامة البينة على أنه للغائب وقد سبق بيانه

فرع دار في يد ثلاثة ادعى أحدهم كلها وآخر نصفها والثالث ثلثها
وأقام واحد من الأولين بينة بما ادعاه دون الثالث فلمدعي الكل الثلث بالبينة وباليد ولمدعي النصف كذلك ثم لمدعي الكل أيضا نصف ما في يد الثالث ببينته السليمة عن المعارض وفي النصف الآخر تتعارض بينته وبينة مدعي النصف فإن قلنا بالسقوط فالقول قول الثالث في هذا السدس وفي بطلان البينتين فيما سوى هذا السدس الطريقان السابقان في تبعيض الشهادة وإن قلنا بالاستعمال لم الإقراع والتوقف وإن قلنا بالقسم قسم بينهما هذا السدس بالسوية فيصير لمدعي الكل النصف ونصف السدس ولمدعي النصف الباقي هكذا أورد المسألة الشيخ أبو علي وغيره
القسم الثاني أن تتعارض البينتان وهناك ما يرجح أحدهما فيعمل بالراجحة وللرجحان أسباب أحدها أن تختص إحداهما

بزيادة قوة وفيه صور إحداها لو أقام أحدهما شاهدين والآخر شاهدا وحلف معه فقولان أحدهما يتعادلان وأظهرهما يرجح الشاهدان لأنها حجة بالإجماع وأبعد عن تهمته بالكذب في يمينه فعلى هذا لو كان مع صاحب الشاهد واليمين يد فهل يرجح صاحب اليد أم صاحب الشاهدين أم يتعادلان أوجه أصحها الأول وحكى البغوي الأولين قولين
الثانية لو زاد عدد الشهود في أحد الجانبين أو زاد ورعهم فالمذهب أنه لا ترجيح وقيل قولان وفي الرواية يثبت الترجيح بذلك وقيل هي كالشهادة والمذهب الفرق لأن الشهادة نصابا فيتبع ولا ضبط للرواية فيعمل بأرجح الظنين
الثالثة أقام أحدهما رجلا وامرأتين والآخر رجلين فلا يرجح الرجلان على المذهب وقيل قولان السبب الثاني اليد فإذا ادعى عينا في يد غيره وأقام بينة أنها ملكه وأقام من هي في يده بينة أنها ملكه رجحت بينة من هي في يده على بينة الخارج وهل يشترط في سماع بينة الداخل أن يبين سبب الملك من شراء أو إرث وغيرهما وجهان أحدهما نعم لأنهما ربما اعتمدا ظاهر اليد وأصحهما لا كبينة الخارج فإنها تسمع مطلقة مع احتمال أنهم اعتمدوا يدا سابقة ولا فرق في ترجيح بينة الداخل بين أن يبين الداخل والخارج سبب الملك أو يطلقا ولا بين إسناد البينتين

وإطلاقهما إذا سمعنا بينة الداخل مطلقة
ولو تعرضنا للسبب فلا فرق بين أن يتفق السببان أو يختلفا ولا بين أن يسند الملك إلى شخص بأن يقول كل واحد اشتريته من زيد أو يسند إلى شخصين وفيما إذا أسند إلى شخص واحد أنهما يتساويان لأنهما اتفقا على أن اليد كانت لثالث وكل واحد يدعي الانتقال منه

فرع متى تسمع بينة الداخل لها أربعة أحوال أحدها أن يقيمها قبل
أن يدعى عليه شىء فالصحيح أنها لا تسمع لأن البينة إنما تقام على خصم وقيل تسمع لغرض التسجيل
الثاني يقيمها بعد الدعوى عليه وقبل أن يقيم المدعي بينة فالأصح أنها لا تسمع أيضا لأن الأصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية وقال ابن سريج تسمع بينته لدفع اليمين كالمودع تسمع بينته على الرد والتلف وإن كفته اليمين
الثالث يقيمها بعد أن أقام الخارج البينة لكن قبل أن يعدلها فوجهان أحدهما لا تسمع لأنه مستغن عنها بعد وأصحهما تسمع ويحكم بها لأن يده بعد البينة معرضة للزوال فيحتاج إلى تأكيدها
الرابع يقيمها بعد بينة المدعي وتعديلها فقد أقامها في أوان إقامتها فإن لم يقمها حتى قضى القاضي للمدعي وسلم المال إليه نظر إن لم يسند الملك إلى ما قبل إزالة اليد فهو الآن مدع خارج وإن أسنحه واعتذر بغيبة الشهود ونحوها فهل تسمح بينته وهل تقدم باليد المزالة بالقضاء وجهان أصحهما نعم وينقض القضاء الأول لأنها إنما أزيلت لعدم الحجة وقد ظهرت الحجة فلو أقام البينة بعد الحكم للمدعي وقبل التسليم إليه سمعت بينته وقدمت على الصحيح لبقاء اليد حسا

فرع هل يشترط أن يحلف الداخل مع بينته ليقضى له وجها
لا كما لا يحلف الخارج مع بينته وبنوا الخلاف على خلاف في أن القضاء للداخل باليد أم بالبينة المرجحة باليد إن قلنا باليد حلف وإلا فلا
فرع إذا أطلق الخارج دعوى الملك وأقام بينة وقال الداخل هو ملكي
اشتريته منك وأقام به بينة فالداخل أولى لأن مع بينته زيادة علم وهو الانتقال ولأنه عند الإطلاق مقدم فهنا أولى ولو قال الخارج هو ملكي ورثته من أبي وقال الداخل ملكي اشتريته من أبيك فكذلك الحكم ولو انعكست الصورة فقال الخارج هو ملكي اشتريته منك وأقام بينة وأقام الداخل بينة أنه ملكه فالخارج أولى لزيادة علم بينته ولو قال كل واحد لصاحبه اشتريته منك وأقام به بينة وخفي التاريخ فالداخل أولى ثم في الصورة الأولى وهي أن يطلق الخارج ويقول الداخل اشتريته منك لا تزال يد الداخل قبل إقامته البينة
وقال القاضي حسين تزال ويؤمر بالتسليم إلى المدعي لاعترافه بأنه كان له ثم يثبت ما يدعيه من الشراء والصحيح الأول لأن البينة إذا كانت حاضرة فالتأخير إلى إقامتها سهل فلا معنى للانتزاع والرد فلو زعم أن بينته غائبة لم يتوقف بل يؤمر في الحال بالتسليم ثم إن أثبت ما يدعيه استرد ويجري الخلاف فيما لو ادعى دينا فقال المدعى عليه أبرأني وأراد إقامة البينة لا يكلف توفية الدين على قول الأكثرين وعلى قول القاضي يكلف ثم إن أثبت ما يقول استرد

فصل من أقر بعين لرجل ثم ادعاها
لا تسمع دعواه إلا أن تذكر تلقي الملك منه ولو أخذت منه ببينة ثم ادعاها هل يحتاج إلى ذكر التلقي وجهان أحدهما نعم لأنه صار مؤاخذا بالبينة كما لو أقر وأصحهما لا كالأجنبي ولا خلاف أنه لو ادعى عليه أجنبي وأطلق سمعت
فروع أكثرها عن ابن سريج رحمه الله
أقام الخارج بينة أن هذه العين ملكي غصبها مني الداخل أو قال أجرتها له أو أودعها عنده وأقام الداخل بينة أنها ملكه فهل يقدم الخارج أم الداخل وجهان الأصح الخارج وبه قال ابن سريج وصححه العراقيون وبه أجاب الهروي وخالفهم البغوي فصحح تقديم الداخل فلو لم تكن بينة ونكل الداخل عن اليمين فحلف الخارج وحكم له ثم جاء الداخل ببينة سمعت على الصحيح كما لو أقامها بعد بينة الخارج وقيل لا تسمع بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار ولو تنازعا شاة مذبوحة في يد أحدهما رأسها وجلدها وسواقطها وفي يد الآخر باقيها وأقام كل واحد بينة أن الشاة له قضي لكل واحد بما في يده ولو كان في يد كل واحد شاة فادعى كل واحد أن الشاتين له وأقاما بينتين تعارضتا فلكل واحد التي في يده لاعتقاد بينته باليد
وإن أقام كل واحد بينة أن التي في يد الآخر ملكه قضي لكل واحد بما في يد الآخر
السبب الثالث اشتمال أحدهما على زيادة تاريخ فإذا أرختا نظر إن اتفق تاريخهما فلا ترجيح وإن اختلف بأن شهدت بينة

زيد أنه ملكه منذ سنة وبينة عمرو أنه ملكه منذ سنتين فهل تتعارضان أم يقدم أسبقهما تاريخا طريقان المذهب التقديم ويطرد الخلاف في بينتي شخصين تنازعا نكاح امرأة إذا اختلف تاريخهما وفيما إذا تعارضتا مع اختلاف التاريخ لسبب الملك بأن أقام أحدهما بينة أنه اشتراه من زيد منذ سنة والآخر أنه اشتراه من عمرو منذ سنتين فلو نسبا العقدين إلى شخص واحد فأقام هذا بينة أنه اشتراه من زيد منذ سنة وذاك بينة أنه اشتراه من زيد منذ سنتين فالسابق أولى بلا خلاف وطردوا الخلاف أيضا فيما إذا تنازعا أرضا مزروعة فأقام أحدهما بينة أنها أرضه زرعها والآخر أنها ملكه مطلقا لأن بينة الزرع تثبت الملك من وقت الزراعة
هكذا ذكره البغوي وفيه تصريح بأن سبق التاريخ لا يشترط أن يكون بزمان معلوم حتى لو قامت بينة أنه ملكه منذ سنة وبينة الآخر أنه ملكه من أكثر من سنة كان فيه الخلاف فإن رجحنا بسبق التاريخ حكمنا بها لصاحب السبق وله الأجرة والزيادات الحادثة من يومئذ وإن لم نرجح به ففيه الخلاف السابق في أصل التعارض وإن كانت إحداها مؤرخة والأخرى مطلقة فالمذهب أنهما سواء فتتعارضان وقيل تقدم المؤرخة
ولو تنازعا دابة فأقام أحدهما بينة أنها ملكه والآخر بينة أنها ملكه وهو الذي نتجها قال الأكثرون هو على الخلاف في سبق التاريخ وطردوه في كل بينتين أطلقت إحداهما الملك ونصت الأخرى على سببه من إرث وشراء وغيره وقيل تقدم بينة النتاج قطعا لأنها تثبت ابتداء الملك له والتي سبق تاريخها لا تثبت ابتداء ملكه وهذا التوجيه يقتضي اطراد الطريقين فيما لو تنازعا ثمرة وحنطة

فشهدت إحداهما بأنها حدثت من شجرته أو بذرته ولا يقتضي جريان القطع فيما لو تعرضت إحداهما للشراء وسائر الأسباب لأنها لا توجب ابتداء ملكه ثم المسألة من أصلها مفروضة فيما إذا كان المدعى في يد ثالث فلو كان في يد أحدهما وقامت بينتان مختلفتا التاريخ فإن كانت بينة الداخل أسبق تاريخا قدمت قطعا وإن كانت بينة الخارج أسبق فإن لم نجعل سبق التاريخ مرجحا قدم الداخل وإن جعلناه مرجحا فهل يقدم الداخل أم الخارج أم يتساويان أوجه أصحها الأول

فصل ادعى دارا أو عبدا أو نحوه في يد رجل فشهدت له
في الشهر الماضي أو بالأمس ولم يتعرض للحال نقل المزني والربيع أنها لا تسمع ولا يحكم بها ونقل البويطي أنها تسمع ويحكم بها وقال الجمهور هما قولان أظهرهما المنع والطريق الثاني القطع بالمنع ويجري الخلاف فيما لو ادعى اليد وشهدوا أنه كان في يده أمس فإذا قلنا بالمنع فينبغي للشاهد أن يشهد على الملك في الحال أو يقول كان ملكه ولم يزل أو لا أعلم له مزيلا ولا يجوز أن يشهد بالملك في الحال استصحابا لحكم ما عرفه من قبل كشراء وإرث وغيرهما وإن احتمل زواله فلو صرح في شهادته أنه يعتمد الاستصحاب فوجهان قال الغزالي قال الأصحاب لا يقبل كما لا تقبل شهادة الرضاع على امتصاص الثدي وحركة الحلقوم
وقال القاضي حسين تقبل لأنا نعلم أنه لا مستند له سواه ولو قال لا أدري أزال ملكه أم لا لم يقبل قطعا لأنها صيغة مرتاب بعيدة عن أداء الشهادة ولو شهدت بينة بأنه أقر أمس للمدعي بالملك قبلت الشهادة واستديم حكم الإقرار وإن لم يصرح الشاهد بالملك

في الحال وقيل بطرد القولين والمذهب الأول لئلا تبطل فائدة الأقارير
ولو قال المدعى عليه كان ملكك أمس فوجهان أحدهما لا يؤاخذ به كما لو قامت بينة بأنه كان ملكه أمس وأصحهما وبه قطع ابن الصباغ يؤاخذ فينتزع منه كما لو شهدت البينة أنه أقر أمس والفرق أن الإقرار لا يكون إلا عن تحقيق والشاهد قد يتساهل ويخمن فلو أسند الشهادة إلى تحقيق بأن قال الشاهد هو ملكه بالأمس اشتراه من المدعى عليه بالأمس أو أقر له به المدعى عليه بالأمس قبلت الشهادة ولو قال كان في يدك أمس فهل يؤاخذ بإقراره وجهان حكاهما ابن الصباغ
قلت الأصح المنع
والله أعلم
فإذا عرفت ما يحتاج إليه الشاهد إلى التعرض له على قولنا لا تسمع الشهادة على الملك السابق فكذلك إذا قلنا الشهادة على اليد السابقة لا تسمع فينبغي أن يتعرض الشاهد لزيادة فيقول كان في يد المدعي وأخذه المدعى عليه منه أو غصبه أو قهره عليه أو بعث العبد في شغل فأبق منه فاعترضه هذا وأخذه فحينئذ تقبل الشهاد ويقضى بها للمدعي ويجعل صاحب يد

فرع قد ذكرنا أن الشهود لو قالوا ولا نعلم زوال ملكه قبلت
ثم نقل ابن المنذر أن الشافعي رحمه الله قال يحلف المدعي مع البينة فإن ذكروا مع ذلك أنه غاصب فلا حاجة إلى اليمين قال الهروي هذا غريب
فرع دار في يد رجل ادعاها آخران وأقام أحدهما بينة أنها له

منه المدعى عليه وأقام الآخر بينة أن من في يده أقر بها له فلا منافاة بينهما فثبت الملك والغصب بالبينة الأولى ويلغو إقرار الغاصب لغير المغصوب منه
فصل بينة المدعي لا توجب ثبوت الملك له ولكنها تظهره فيجب أن
الملك سابقا على إقامتها لكن لا يشترط السبق بزمان طويل يكفي لصدق الشهود لحظة لطيفة ولا يقدر ما لا ضرورة إليه فلو أقام بينة بملك دابة أو شجرة لم يستحق النتاج والثمرة الحاصلين قبل إقامة البينة والثمرة الظاهرة عند إقامة البينة تبقى للمدعى عليه وفي الحمل الموجود عند إقامتها وجهان أصحهما يستحقه المدعي تبعا للأم كما في العقود والثاني لا لاحتمال كونه لغير مالك الأم بوصية
ومقتضى هذا الأصل أن من اشترى شيئا فادعاه مدع وأخذه منه بحجة مطلقة لا يرجع على بائعه بالثمن لاحتمال انتقال الملك من المشتري إلى المدعي وتكون المبايعة صحيحة مصادفة محلها لكن الذي أطبق عليه الأصحاب ثبوت الرجوع بل لو باع المشتري أو وهب وانتزع المال من المتهب أو المشتري منه كان للمشتري الأول الرجوع أيضا وسبب الحاجة إليه في عهدة العقود ولأن الأصل أن لا معاملة بين المشتري والمدعي ولا انتقال منه فيستدام الملك المشهود به إلى ما قبل الشراء وعن القاضي حسين وجه أنه لا رجوع إذا كان دعوى المدعي ملكا سابقا وفاء بالأصل المذكور وحمل ما أطلقه

الأصحاب عليه وحكى الهروي وجها أن قيام البينة يقتضي سبق الملك حتى يكون النتاج للمدعي

فرع المشتري من المشتري إذا استحق المال في يده وانتزع منه ولم
يظفر ببائعه هل له أن يطالب الأول بالثمن في فتاوى القاضي حسين الأصح أنه لا يطالبه
فصل ادعى ملكا مطلقا فشهد الشهود بالملك وذكروا سببه لم يضر فلو
أراد المدعي تقديم بينته بذكر السبب بناء على أن ذكر السبب مرجح لم يكف للترجيح تعرضهم للسبب أولا لوقوعه قبل الدعوى والاستشهاد بل يدعى الملك وسببه ثم يعيدون الشهادة فحينئذ ترجح بينته وقيل لا حاجة إلى إعادة البينة وتكفي الشهادة على ما هو المقصود واقعة بعد الدعوى والاستشهاد ولو ادعى الملك وذكر سببه وشهدوا بالملك ولم يذكروا السبب قبلت شهادتهم لأنهم شهدوا بالمقصود ولا تناقض ولو ادعي الملك وسببه وذكر الشهود سببا آخر فالصحيح بطلان شهادتهم للتناقض وقيل تقبل على أصل الملك ويلغو السبب ولو شهد شاهد بألف عن ثمن وآخر بألف عن قرض والدعوى مطلقة فقد سبق في الإقرار أنه لا يثبت بشهادتهما شىء وقياس الوجه الثاني على ضعفه ثبوت الألف

فرع في يده دار حكم له حاكم بملكها فادعى
الله جل ذكره خارج انتقال الملك منه إليه وشهدوا بانتقاله إليه بسبب صحيح ولم يبينوه قال الهروي وقعت هذه المسألة فأفتى فيها فقهاء همدان بسماع الدعوى والحكم بها للخارج كما لو عينوا السبب وكذا أفتى الماوردي والقاضي أبو الطيب قال وميلي إلى أنها لا تسمع ما لم يبينوا وهو طريقة القفال وغيره لأن أسباب الانتقال مختلف فيها بين العلماء فصار كالشهادة بأن فلانا وارث لا يقبل ما لم يبين جهة الإرث
الطرف الثاني في العقود وفيه أربع مسائل الأولى إذا قال المكري أكريتك هذا البيت شهر كذا بعشرة فقال اكتريت جميع الدار بالعشرة فإن لم يكن بينة تحالفا ثم يفسخ العقد أو ينفسخ على ما سبق في باب التحالف وعلى المستأجر أجرة مثل ما سكن في الدار أو البيت فلو أقام أحدهما بينة دون الآخر قضي بالبينة فإن أقاما بينتين فقولان وقيل وجهان أحدهما خرجه ابن سريج تقدم بينة المستأجر لاشتمالهما على زيادة وهي اكتراء جميع الدار وأظهرهما وهو المنصوص يتعارضان فيكون على قولي التعارض وإن قلنا بالسقوط تحالفا وإن قلنا بالاستعمال جازت القرعة على الصحيح وفي اليمين معها الخلاف السابق
وقال ابن سلمة لا يقرع لأن القرعة عند تساوي الجانبين ولا تساوي لأن جانب المكري أقوى لملك الرقبة وأما الوقف والقسمة فلا يجبان هكذا أطبق عليه الأصحاب وفيه إشكال ونقل الماسرجسي قولا أنه تجيء القسمة في الملك والوقف في الأجرة
ولو اختلفا والزيادة في جانب المكري بأن قال أكريتك بعشرين

0 قال بل بعشرة فقول التعارض بحاله وعلى تخريج ابن سريج بينة المكري راجحة للزيادة
ويطرد ما ذكره في اختلاف المتبايعين إذا كان في بينة أحدهما زيادة ولو وجدت الزيادة في الجانبين بأن قال أكريتك هذا البيت بعشرين فقال بل جميع الدار بعشرة فلابن سريج رأيان الصحيح منهما الرجوع إلى التعارض والثاني الأخذ بالزيادة من الجانبين فيجعل جميع مكري بعشرين وهذا فاسد لأنه خلاف قول المتداعيين والشهود ثم قال العراقيون والروياني وغيرهم هذا إذا كانت البينتان مطلقتين أو إحداهما مطلقة أو اتفق تاريخهما فإن اختلف بأن شهدت إحداهما أن كذا مكري من سنة من أول رمضان والأخرى من أول شوال فقولان أظهرهما وبه قطع العراقيون والروياني تقدم أسبقهما تاريخا لأن العقد السابق صحيح ولا مخالفة والثاني تقدم المتأخرة لأن العقد الثاني ناسخ وربما تخللت إقالة قال صاحب التقريب وغيره موضع القولين إذا لم يتفقا على أنه لم يجر إلا عقد فإن اتفقا عليه تعارضتا
المسألة الثانية في يده دار جاء رجلان ادعى كل واحد منهما أني اشتريتها من صاحب اليد بكذا وسلمت الثمن وطالبه بتسليم الدار فإن أقر لأحدهما سلمت الدار إليه وهل يحلف الآخر قال الشيخ أبو الفرج إن قلنا إتلاف البائع كآفة سماوية فلا وإن قلنا كإتلاف الأجنبي وأثبتنا الخيار فأجاز وأراد أن يطلب من البائع قيمتها بني التحليف على الخلاف في أنه لو أقر للثاني بعد الإقرار الأول هل يغرم فيحلف أم لا فلا وقد سبق نظائره وللآخر أن يدعي الثمن فإنه كهلاك المبيع قبل القبض في زعمه وإن

أنكر ما ادعيا ولا بينة حلف لكل واحد يمينا وبقيت الدار في يده وإن أقام أحدهما بينة سلمت الدار إليه وليس للآخر تلحيفه لتغريم العين لأنه لم يفوتها عليه إنما أخذت بالبينة وله دعوى الثمن وإن أقاما بينتين نظر إن كانتا مؤرختين بتاريخ مختلف قدم أسبقهما تاريخا وإن لم تكونا كذلك فله حالان الأولى أن يستمر صاحب اليد على التكذيب فيتعارضان فإن قلنا بالسقوط سقطتا وحلف المدعى عليه لكل واحد منهما كما لو لم يكن بينة وهل لهما استرداد الثمن وجهان أصحهما نعم هذا إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع فإن تعرضت فلا رجوع بالثمن لأن العقد استقر بالقبض وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده وإن قلنا بالاستعمال فالأشهر أنه لا يجيء الوقف والأصح مجيئه فتنزع الدار من يده والثمنان ويوقف الجميع وإن قلنا بالقرعة فمن خرجت قرعته سلمت اليه الدار بالثمن الذي سماه واسترد الآخر الثمن الذي أداه وإن قلنا بالقسمة فلكل واحد منهما نصف الدار بنصف الثمن الذي سماه ولهما خيار الفسخ لأنه لم يسلم جميع المعقود عليه فإن فسخا استردا جميع الثمن المشهود به وإن أجاز استرد كل واحد نصف الثمن المشهود به بناء على الأظهر وهو أن الإجازة بالقسط ويجوز أن يجيز أحدهما ويفسخ الآخر ويسترد جميع الثمن
ثم إن سبقت الإجازة الفسخ رجع المجيز بنصف الثمن وليس له أن يأخذ النصف المردود ويضمه إلى ما عنده لأنه حين أجاز رضي بالنصف وإن سبق الفسخ الإجازة فهل للمجيز أخذ الجميع وجهان أحدهما لا لأنا نفرع على قول القسمة فلا يأخذ إلا ما اقتضته والمردود يعود إلى البائع وأصحهما وبه قطع العراقيون له ذلك لأن

بينته قامت بالجمع وقد زال المزاحم ونقل الربيع قولا ان البيعين مفسوخان وروي باطلان وهو معنى مفسوخان هنا ويعمل بمقتضى قول المدعى عليه وامتنع جماعة من جعله قولا منهم من غلظه ومنهم من قال هو تخريج له
الحالة الثانية أن يصدق صاحب اليد أحدهما فعلى قول السقوط تسلم الدار للمصدق وكأنه أقر له ولا بينة وعلى قول الاستعمال وجهان قال ابن سريج يقدم المصدق وكأنه نقل إليه يده فصار معه يد وبينة والأصح المنع لاتفاق البينتين على إسقاط يده وانتزاع المال منه باتفاق الأقوال واليد المزالة لا يرجح بها فعلى هذا هو كما لو لم يصدق واحد منهما
ثم إن الأصحاب لم يفرقوا فيما إذا لم تكن البينتان مختلفتي التاريخ بين أن يكونا مطلقتين أو متحدتي التاريخ أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة بل صرحوا بالتسوية إلا أن أبا الفرج الزاز استدرك فقال هذا إذا لم يقدم المؤرخة على المطلقة فإن قدمناها قضينا لصاحبها ولا تجيء الأقوال
عن الشيخ أبي عاصم لو تعرضت إحدى البينتين لكون الدار ملك البائع وقت البيع أو لكونها ملك المشتري الآن كانت مقدمة وإن لم يذكرا تاريخا
ولو ذكرت إحداهما نقد الثمن دون الأخرى كانت مقدمة سواء كانت سابقة أم مسبوقة لأن التعرض للنقد

يوجب التسليم والأخرى لا توجب لبقاء حق الحبس للبائع فلا تكفي المطالبة بالتسليم

فرع في يده دار جاء اثنان يدعيانها قال أحدهما اشتريتها من زيد
وهي ملكه وقال الآخر اشتريتها من عمرو وهي ملكه وأقام كل واحد بينة بما يقوله فهما متعارضتان فإن قلنا بالسقوط فكأنه لا بينة ويحلف صاحب اليد لكل واحد يمينا وإن قلنا بالاستعمال ففي مجيء قول الوقف الخلاف السابق ويجيء قولا القرعة والقسمة والتفريع كما سبق وإلا أن على قول القسمة إذا اختار أحدهما فسخ العقد والآخر إجازته لا يكون للمجيز أخذ النصف الآخر سواء تقدم الفسخ أو الإجازة إذا ادعيا الشراء بين شخصين لأن المردود يعود إلى غير من يدعي المجيز الشراء منه فكيف يأخذه وحيث أثبتنا الخيار على قول القسمة فذلك إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع ولا اعترف به المدعي وإلا فإذا جرى القبض استقر العقد وما يحدث بعده ليس على البائع عهدته وإنما شرطنا في صورة الفرع أن يقول كل واحد وهي ملكه لأن من ادعى مالا في يد شخص وقال اشتريته من فلان لم تسمع دعواه حتى يقول اشتريته منه وهو ملكه ويقوم مقامه أن يقول وتسلمته منه أو سلمه إلي لأن الظاهر أنه إنما يسلم ما يملكه وفي دعوى الشراء من صاحب اليد لا يحتاج أن يقول وأنت تملكه ويكتفى بأن اليد تدل على الملك وكذا يشترط أن يقول الشاهد في الشهادة اشتراه من فلان وهو يملكه أو اشتراه وتسلمه منه أو وسلمه إليه
قال الإمام ويجوز أن يقيم شهودا على أنه اشترى من فلان وآخرين

أن فلانا كان يملكه إلى أن باعه لكن هؤلاء شهدوا بالملك والمبيع جميعا فكأن المراد إذا أقام شهودا بالشراء وقت كذا وآخرين أنه كان يملكه إلى ذلك الوقت

فرع أقام أحد المدعيين بينة أنه اشترى الدار من فلان وكان يملكها
وأقام الآخر بينة أنه اشتراها من مقيم البينة الأولى حكم ببينة الثاني ولا يحتاج أن يقول المقيم البينة وأنت تملكها كما لا يحتاج أن يقول لصاحب اليد لأن البينة تدل على الملك كما أن اليد تدل عليه
المسألة الثالثة دار في يده جاء اثنان قال كل منهما بعتك هذه الدار وكانت ملكي بكذا فأد الثمن فإن أقر لهما طولب بالثمنين وإن أقر لأحدهما طولب بالثمن الذي سماه وحلف للآخر وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة حلف لهما يمينين وإن أقام أحدهما بينة قضي له وحلف للآخر وإن أقاما بينتين نظر إن أرختا تاريخين مختلفين لزمه الثمنان لإمكان الجميع وإن اتحد تاريخهما بأن أرختا بطلوع الشمس أو زوالها تعارضتا لامتناع كونه ملكا في وقت واحد لهذا وحده ولذاك وحده فعلى قول السقوط كأنه لا بينة وعلى القرعة يقرع فمن خرجت قرعته قضي له بالثمن الذي شهدت به بينة وللآخر تحليفه بلا خلاف لأنه لو اعترف به بعد ذلك لزمه وعلى القسمة لكل واحد نصف الثمن الذي سماه وكأن الدار لهما وباعاه بثمنين متفقين أو مختلفين وفي مجيء الوقف الخلاف السابق والمذهب مجيئه وإن كانت البينتان مطلقتين أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة فوجهان أصحهما أنهما كمختلفتي التاريخ فيلزمه الثمنان لإمكان الجمع والثاني أنهما كمتحدتي التاريخ لأن الأصل

براءة ذمة المشتري فلا يلزمه إلا اليقين وبهذا قال القاضي أبو حامد وابن القطان فعلى هذا يعود خلاف التعارض وفيه طريق ثان وهو القطع بالوجه الأول وقيل إن شهدت البينتان على الإقباض مع البيع وجب الثمنان قطعا ولو شهدت البينتان على إقرار المدعى عليه بما ادعيا فالصحيح أن الحكم كما لو قامتا على البيعين فينظر أقامتا على الإقرار مطلقا أم على الإقرار بالشراء من زيد في وقت ومن عمرو كذلك وقيل يجب الثمنان وإن كانت الشهادة على الإقرارين مطلقا وما ذكرناه من أنهما إذا أرختا تاريخين مختلفين يلزمه الثمنان يشترط فيه أن يكون بينهما زمن يمكن فيه العقد الأول ثم الانتقال من المشتري الى البائع الثاني ثم العقد الثاني فإن عين الشهود زمنا لا يتأتى فيه ذلك لم يجب الثمنان قال الإمام ولو شهد اثنان أنه باع فلانا في ساعة كذا وشهد آخران أنه كان ساكنا تلك الحالة أو شهد اثنان أنه قبل فلانا ساعة كذا وآخر أنه كان ساكنا تلك الحالة لا يتحرك ولا يعمل شيئا ففي قبول الشهادة الثانية وجهان لأنها شهادة على النفي وإنما تقبل شهادة النفي في المضايق وأحوال الضرورات فإن قبلناها جاز التعارض
قلت الأصح القبول لأن النفي المحصور كالإثبات في إمكان الإحاطة به
والله أعلم

فرع قال الأكثرون صورة المسألة أن يقول كل واحد بعتك كذا

وهكذا لفظ الشافعي رحمه الله في المختصر وقال أبو الفياض لا يشترط ذلك وإذا قلنا بالقسمة عند التعارض فقسم الثمن بلا خيار لصاحب اليد لأنه حصل له تمام البيع ولا غرض له في عين البائع وقال ابن القطان له الخيار فقد يرضى بمعاملة واحد دون اثنين
المسألة الرابعة عبد في يد رجل ادعى أن سيده أعتقه وادعى رجل أنه باعه إياه بكذا وأنكر صاحب اليد ما ادعياه ولا بينة حلف لهما يمينين وإن أقر بالعتق ثبت العتق ولم يكن للمشتري تحليفه وإن قلنا إتلاف البائع كالآفة السماوية لأنه بالإقرار متلف قبل القبض فينفسخ البيع لكن لو ادعى تسليم الثمن حلف له وإن أقر بالبيع قضى به وليس للعبد تحليفه لأنه لو اعترف به لم يقبل ولم يلزمه غرم قال الروياني وليس لنا موضع يقر لأحد المدعيين ولا يحلف للآخر قولا واحدا إلا هذا وإن أقام كل واحد بينة نظر إن اختلف تاريخهما قضى بأسبقهما وإن اتحد تعارضتا وفيهما القولان فإن قلنا بالسقوط فهو كما لو لم يكن وإن قلنا بالاستعمال ففي مجيء قول الوقف الخلاف السابق وإن قلنا بالقرعة قضى لمن خرجت له وإن قلنا بالقسمة عتق نصف العبد ونصفه لمدعي الشراء بنصف الثمن وله الخيار فإن فسخ فالصحيح أنه يعتق النصف الآخر أيضا لأن البينة شهدت بإعتاقه الجميع وإنما لم يحكم بموجبها لزحمة مدعي الشراء وقد زالت وقيل لا يعتق وإن أجاز فإن كان المدعى عليه معسرا لم يسر العتق وإن كان موسرا

فقولان أو وجهان أحدهما لا يسري لأنه عتق قهرا فأشبه ما لو ورث بعض قريبه وأظهرهما يسري لقيام البينة أنه أعتق باختياره وقيل لا يجري قول القسمة هنا تحرزا من تبغيض الحرية وصرح المزني قولا أنه يقدم بينة العتق لأن العبد في يد نفسه وبينة صاحب اليد مقدمة وضعف الأصحاب هذا وامتنعوا من إثباته قولا قالوا وإنما يكون في يد نفسه لو ثبتت حريته ولو كانت البينتان مطلقتين أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة فهو كما لو اتحد تاريخهما هذا هو المذهب وقيل لا يجري هنا قول السقوط لأن صدقهما ممكن بأن باعه صاحب اليد لمدعي الشراء ثم اشتراه منه ثم أعتقه وتصديق صاحب اليد بعد قيام البينتين لا يوجب الرجحان إلا عند ابن سريج كما سبق
الطرف الثالث في التداعي والتعارض في الموت والإرث وفيه مسائل الأولى مات رجل عن اثنين مسلم ونصراني فقال كل منهما مات على ديني فأرثه فللأب حالان الأولى أن يكون معروفا بالتنصر فقال المسلم أسلم ثم مات وقال النصراني مات على ما كان فيصدق النصراني بيمينه لأن الأصل بقاؤه فإن أقاما بينتين نظر إن أطلقتا فقالت إحداهما مات مسلما والأخرى مات نصرانيا قدمت بينة المسلم لأن معها زيادة علم وهو انتقاله من النصرانية فقدمت الناقلة على المستصحبة كما تقدم بينة الجرح

على التعديل وكما لو مات عن ابن وزوجة فقال الابن داره هذه ميراث وقالت أصدقنيها أو باعنيها وأقاما بينتين فبينتها أولى وكما لو ادعى على مجهول أنك عبدي وأقام به بينة وأقام المدعى عليه بينة أنه كان ملكا لفلان وأعتقه تقدم بينة المدعى عليه لعلمها بالانتقال من الرق إلى الحرية وعلى هذا قياس المسائل وإن قيدنا بأنه تكلم في آخر عمره كلمة وأقام المسلم بينة أنها كانت كلمة الإسلام وأقام الآخر بينة بأنها كانت النصرانية تعارضتا فعلى قول السقوط يسقطان ويصير كأن لا بينة فيصدق النصراني بيمينه وإن قلنا بالاستعمال فعلى الوقف يوقف وعلى القرعة يقرع فمن خرجت له فله التركة وعلى القسمة تقسم فيجعل بينهما نصفين كغير الإرث وقال أبو إسحاق لا تجيء القسمة لأنها تكون حتما بالخطأ يقينا لأنه لا يموت مسلما كافرا وفي غير صورة الإرث لا يتحقق الخطأ في القسمة لاحتمال كون المدعى مشتركا بينهما والصحيح الأول وليست القسمة حكما بأنه مات مسلما كافرا بل لأن بينة كل واحد اقتضت كون جميع المال له ومزاحمتها الأخرى فعملنا بكل واحدة بحسب الإمكان قال العراقيون وليست القسمة خطأ يقينا لاحتمال أنه مات نصرانيا فورثاه ثم أسلم أحدهما
ولو قيدت بينة النصراني أن آخر كلامه النصرانية فهو كتقييد البينتين
الحالة الثانية أن لا يكون الأب معروف الدين فإن لم يكن بينة نظر إن كان المال في يد غيرهما فالقول قوله وإن كان في يدهما حلف كل واحد لصاحبه وجعل بينهما وإن كان في يد أحدهما فوجهان أحدهما وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضي حسين وجماعته القول قوله بيمينه والصحيح أنه يجعل بينهما ولا أثر لليد بعد اعترافه بأنه كان للميت
وإن أقاما بينتين تعارضتا سواء أطلقنا

أو قيدنا
ويجيء في القسمة خلاف أبي إسحاق وقيل تقدم بينة الإسلام لأن الظاهر من حال من هو في دار الإسلام
والمذهب الأول
ويصلي على هذا الميت ويدفنه في مقابر المسلمين ويقول أصلي عليه إن كان مسلما

فرع يشترط في بينة النصراني أن يفسر كلمة التنصر بما يختص به
كقولهم ( ثالث ثلاثة ) هل يجب في بينة الإسلام تفسير كلمته لأنهم قد يتوهمون ما ليس بإسلام إسلاما وجهان
وإذا قلنا بالقسمة هل يحلف كل واحد من الاثنين للآخر وجهان الأصح لا
وإذا قلنا بالقسمة فمات عن ابن وبنت فقال ابن سلمة يقسم مناصفة وقال غيره مثالثة والصواب أنهما كرجلين ادعى أحدهما جميع دار والآخر نصفها وأقاما بينتين وقد سبق أن على قول القسمة للأول ثلاثة أرباعها وللآخر ربعها
ثم الموت على كلمة الإسلام يوجب إرث الابن المسلم لكن الموت على التنصر لا يوجب بمجرده إرث النصراني لاحتمال أنه أسلم ثم تنصر وكان التصوير فيما إذا تعرض الشهود لاستمراره على النصرانية حتى مات أو اكتفوا باستصحاب ما عرف من دينه مضموما إلى الموت عليه وإن لم يتعرض له الشهود
فرع مات عن زوجة وأخ مسلمين وأولاد كفرة فقال المسلمان مات

وقال الأولاد مات كافرا فإن كان أصل دينه الكفر صدق الأولاد
وإن أقاموا بينتين فإن أطلقنا قدمت بينة المسلمين وإن قيدنا فعلى الخلاف في التعارض
ويعود خلاف أبي اسحاق في جريان القسمة فإذا رجحنا طائفة قسم المال بينهم كما يقسم لو انفردوا
وإن جعلنا المال بين الطائفتين تفريعا على القسمة فالنصف للزوجة وللأخ والنصف للأولاد وفيما تأخذ الزوجة من النصف وجهان أحدهما ربعه وكأنه جميع التركة وبه قطع السرخسي
والثاني نصفه ليكون لها ربع التركة لأن الأخ معترف به والأولاد لا يحجبونها باتفاقهما وبه قطع الإمام
قلت الأول أصح لأنها معترفة أيضا باستحقاق الأخ ثلاثة أرباع التركة
والله أعلم
المسألة الثانية مات نصراني وله ابنان مسلم ونصراني فقال المسلم أسلمت بعد موت أبينا فالميراث بيننا
وقال النصراني قبله فلا ترثه فلهما ثلاثة أحوال إحداها أن يقتصر على هذا القدر ولا يتعرضا لتاريخ موت الأب ولا لتاريخ إسلام المسلم
والثانية أن يتفقا على وقت موت الأب كرمضان
وقال المسلم أسلمت في شوال وقال النصراني بل أسلمت في شعبان ففي الحالتين إن لم يكن بينة فالقول قول المسلم لأن الأصل بقاؤه على دينه يحلف ويشتركان في المال
وإن أقام أحدهما بينة قضى بها
ولن أقاما

بينتين قدمت بينة النصراني لأنها ناقلة من النصرانية إلى الإسلام في شعبان والأخرى مستصحبة لدينه في شوال فمع الأولى زيادة علم
الحالة الثالثة أن يتفقا على تاريخ إسلام المسلم فإن اتفقا على أنه أسلم في رمضان ولكن ادعى المسلم أن الأب مات في شعبان
وقال النصراني مات في شوال صدق النصراني لأن الأصل بقاء الحياة
وإن أقاما بينتين قدمت بينة المسلم لأنها تنقل من الحياة إلى الموت في شعبان والأخرى تستصحب الحياة إلى شوال
وإن شهدت بينة النصراني في هذه الحالة الثالثة أنهم عاينوه حيا في شوال أو شهدت بينة المسلم في الحالتين الأوليين بأنهم كانوا يسمعون منه كلمة التنصر في نصف شوال مثلا تعارضتا

فرع مات مسلم وله ابنان أسلم أحدهما قبل موت الأب بالاتفاق وقال
الآخر أسلمت أيضا قبله
وقال المتفق على إسلامه بل بعد موته فعلى الأحوال الثلاث فإن اقتصر على ذلك أو اتفقا على أن الأب مات في رمضان
وقال قديم الإسلام لحادث الإسلام أسلمت في شوال
وقال الحادث بل أسلمت في شعبان صدق قديم الإسلام
وإن أقاما بينتين قدمت بينة الحادث
وإن اتفقا أن الحادث أسلم في رمضان وقال قديم الإسلام مات الأب في شعبان
وقال الحادث بل في شوال فالمصدق الحادث والمقدم بينة قديم الإسلام وعلى هذا يقاس نظائر الصورة الأولى وصورة الفرع بأن مات الأب حرا وأحد ابنيه حرا بالاتفاق واختلفا هل عتق الآخر قبل موته أم بعده
ولو اتفقا في صورة الفرع أن أحدهما لم يزل مسلما
وقال الآخر لم أزل مسلما أيضا ونازعه الأول فقال كنت نصرانيا وإنما أسلمت بعد موت الأب فالقول قوله انه لم يزل مسلما لأن ظاهر الدار يشهد

له ولو قال كل واحد منهما لم أزل مسلما وكان صاحبي نصرانيا أسلم بعد موت الأب فوجهان خرجهما القفال
أحدهما لا شىء لهما لأن الأصل عدم الاستحقاق وأصحهما يحلفان ويجعل المال بينهما لأن ظاهر اليد يشهد لكل واحد فيما يقوله في حق نفسه

فرع مات عن أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال الأبوان مات كافرا وقال
ان القول قول الأبوين لأن الولد محكوم بكفره في الابتداء تبعا لهما فيستصحب حتى يعلم خلافه
والثاني يوقف المال حتى ينكشف الأمر أو يصطلحا والتبعية تزول بالبلوغ وحصول الاستقلال
وقيل القول قول الابنين لأن ظاهر الدار الإسلام
قلت الوقف أرجح دليلا ولكن الأصح عند الأصحاب أن القول قول الأبوين وأنكروا على صاحب التنبيه ترجيحه قول الابنين وهو ظاهر الفساد
والله أعلم
فرع له زوجة وابن ماتا فاختلف الزوج وأخو المرأة فقال الزوج ماتت
أولا فورثتها أنا وابني ثم مات الابن فورثته
وقال الأخ مات الابن أولا فورثت منه أختي ثم ماتت فأرث منها فإن لم يكن بينة فالقول قول الأخ في مال أخته وقول الزوج في مال ابنه
فإن حلفا أو نكلا فهي من صور استبهام الموت فلا يورث ميت من ميت بل مال الابن لأبيه ومالها للزوج والأخ
وإن أقاما بينتين

تعارضتا وجرت أقوال التعارض
هذا إذا لم يتفقا على وقت موت أحدهما فإن اتفقا على وقت موت أحدهما واختلفا في أن الآخر مات قبله أم بعده صدق من قال بعده لأن الأصل دوام الحياة
وإن أقاما بينتين قدمت بينة من قال قبله لأن معها زيادة علم

فرع مات عن زوجة وأولاد فقالوا لها كنت أمة فعتقت بعد موته
فأسلمت بعد موته فقالت بل عتقت وأسلمت قبله فهم المصدقون
وإن قالت لم أزل حرة مسلمة فهي المصدقة لأن الظاهر معها
وفي قول تصدق في الحرية دون الإسلام
وخرج قول أن الأولاد يصدقون لأن الأصل عدم وراثتها
المسألة الثالثة سيد قال لعبده إن قتلت فأنت حر وتنازع بعده العبد والوارث وأقام العبد بينة أنه قتل والوارث بينة أنه مات حتف أنفه فقولان أظهرهما تقدم بينة العبد ومنهم من قطع به لأن معها زيادة علم بالقتل
والثاني يتعارضان للمنافاة بينهما
فعلى هذا إن قلنا بالسقوط فكأنه لا بينة فيحلف الوارث ويستمر الرق
وإن قلنا بالقسم عتق نصفه أو بالقرعة إن خرجت له ورق إن خرجت للوارث ولا يخفى الوقف
وإذا قدمنا بينة القتل فلا قصاص لأن الوارث ينكره
وإن قال إن مت في رمضان فعبدي حر وأقام العبد بينة أنه مات في رمضان والوارث بينة أنه مات في شوال فعلى القولين أحدهما التعارض وأظهرهما تقدم بينة العبد لزيادة العلم بحدوث الموت في رمضان
وقال المزني تقدم بينة الوارث لأن معها زيادة علم وهي بقاء الحياة إلى شوال
ومن حقه أن يطرد في نظائره المسألة السابقة واللاحقة
ولو أقام الوارث البينة أنه مات في شعبان فالقياس مجيء الخلاف وانعكاس القول الثاني

وقول المزني
ولو حكم القاضي بشهادة شاهدي رمضان ثم شهد آخر أنه مات في شوال فهل ينقض الحكم ويجعل كما لو شهدت البينتان معا خرجه ابن سريج على قولين كما لو بان فسق الشهود بعد الحكم

فرع قال لسالم إن مت في رمضان فأنت حر ولغانم إن مت
حر وأقام كل واحد بينة تقتضي حريته فقولان أحدهما لا للتعارض والثاني تقدم بينة سالم لأن معها زيادة علم وهي حدوث الموت في رمضان
وقال المزني وابن سريج تقدم بينة غانم
فإن قلنا بالتعارض فعلى السقوط يرق العبدان وعلى القسمة يعتق من كل عبد نصفه ولو قال لسالم إن مت من مرضي فأنت حر وقال لغانم إن برئت منه فأنت حر وأقام سالم بينة بموته وغانم بينة ببرئه فهل تقدم بينة سالم أم غانم أم يتعارضان أوجه أصحهما الثالث فيكون على الخلاف السابق في التعارض
وقيل إذا وجد التعارض في مثل هذا غلبت الحرية
قلت معنى تغليبها أنه لا يحكم بسقوط البينتين
والله أعلم
فصل من ادعى وراثة شخص وطلب تركته أو شيئا منها فليبين جهة
من بنوة أو أخوة وغيرهما
وذكر السرخسي أن المذهب أنه لا يكفي لطلب التركة ذكر الجهة بل يذكر معها الوراثة فيقول أنا أخوه ووارثه وإذا شهد عدلان من أهل الخبرة بباطن حال الميت أن هذا ابنه لا يعرف له وارثا سواه دفعت إليه التركة
وإن شهدا لصاحب فرض دفع إليه فرضه ولا يطالبان بضمين
وذكر الفوراني أنه يشترط

هنا ثلاثة شهود كما ذكره في شهادة الإفلاس
والصحيح المعروف الأول
وإذا لم يكن الشهود من أهل الخبرة أو كانوا من أهلها ولم يقولوا لا نعلم له وارثا سواه فالمشهود له إما أن لا يكون له سهم مقدر وإما أن يكون القسم الأول أن لا يكون فلا يعطى شيئا في الحال بل يبحث القاضي عن حال الميت في البلاد التي سكنها أو طرقها فيكتب إليها الاستكشاف أو يأمر من ينادي فيها إن فلانا مات فإن كان له وارث فليأت القاضي أو ليبعث إليه
فإذا بحث مدة يغلب على الظن في مثلها أنه لو كان له وارث هناك لظهر ولم يظهر دفع المال إلى المشهود له
وحكى السرخسي قولا أنه لا يدفع إليه وقيل إن كان ممن لا يحجب كالابن دفع إليه وإن كان يحجب كالأخ فلا والمذهب الأول
وإن دفع إليه فهل يؤخذ منه ضمين قولان أحدهما يجب وأظهرهما لا يجب لكن يستحب وقيل لا يجب قطعا وقيل إن كان يحجب وجب وإلا فلا وقيل إن كان ثقة موسرا لم يجب وإلا فيجب
القسم الثاني أن يكون له سهم مقدر فإن كان ممن لا يحجب دفع إليه أقل فرضه عائلا من غير بحث فالزوجة تعطى ربع الثمن عائلا لاحتمال أبوين وبنتين وأربع زوجات والزوج يعطى الربع عائلا لاحتمال أبوين وبنتين معه والأب السدس عائلا على تقدير ابوين وبنتين وزوج أو زوجة وللأم السدس عائلا على تقدير أختين لأب وأختين لأم وزوج أو زوجة معها
ولو حضر مع الزوجة ابن أعطيت ربع الثمن غير عائل لأن المسألة لا تعول إذا كان فيها ابن
ثم إذا بحث ولم يظهر غير المشهود له أعطي تمام حقه وفيه وجه أنه لا يعطى تمام حقه إلا أن تقوم بينة بخلاف الأخ فإنه لو لم يعط شيئا لصار محروما بالكلية والصحيح الأول ولا يؤخذ ضمين

للمتيقن وفي أخذه الزيادة الخلاف
وإن كان ممن يحجب لم يعط شيئا قبل البحث وبعد البحث يعطى على الصحيح وفيه الوجه السابق فيمن له سهم مقدر وهو ممن يحجب
ولو قطع الشهود بأنه لا وارث له سواه فقد أخطؤوا بالقطع في غير موضعه ولا تبطل به شهادتهم
ولو قالوا هذا ابنه ولم يذكروا كونه وارثه فقد أطلق البغوي أنه لا يحكم بشهادتهم لأنه قد يكون ابنا غير وارث وجعل العراقيون هذه الصورة كما لو لم يكن الشهود من أهل الخبرة الباطنة أو كانوا ولم يقولوا لا وارث سواه وقالوا ينزع المال من يد من هو في يده بهذه الشهادة ويدفع المال إليه بعد البحث المذكور ونقلوا عن ابن سريج فيما إذا شهدوا بأنه أخوه ولم يذكروا الوراثة أنه لا يعطى شيئا بعد البحث لأن الابن لا يحجب غيره فقرابته مورثة والأخ يحجبه غيره فقراتته غير مورثة بمجردها
وذكر الإمام في الابن ما ذكره العراقيون وحكى في الأخ وجهين فحصل فيهما وجهان

فرع لو قالوا لا نعرف له في البلد وارثا سواه لم يعط
الضمان المذكور حتى يدفع إليه المال
الطرف الرابع في العتق والوصية من الأصول الممهدة أن من أعتق في مرض موته عبدين
كل واحد منهما ثلث ماله على الترتيب ولم تجز الورثة ينحصر العتق في الأول وإن أعتقهما معا وأقرع فإن علم سبق أحدهما ولم يعلم عينه فهل يقرع بينهما أم يعتق من كل واحد نصفه قولان

أظهرهما الثاني ورجح جماعة الأول
ولو علم عين السابق ثم جهلت فقيل بطرد القولين والمذهب القطع بأنه يعتق من كل عبد نصفه
ولو علق عتق عبدين بالموت أو أوصى بعتقهما ومات وكل واحد ثلث ماله أقرع سواء وقع التعليقان أو الوصيتان معا أو مرتبا
ولو قامت بينة أن المريض أعتق سالما وبينة أنه أعتق غانما وكل واحد ثلث ماله فإن أرختا تاريخا مختلفا عتق من أعتقه أولا وإن اتحد تاريخهما أقرع وإن أطلقت إحداهما ففي التهذيب أنه يقرع لاحتمال الترتيب والمعية وقال جماعة منهم الإمام والغزالي احتمال الترتيب أقرب وأغلب من احتمال المعية والسابق منهما غير معلوم
وإذا كان كذلك وتعارضتا وأطلقتا عرفنا أن أحد الصنفين سابق ولم نعرفه بعينه فيجيء القولان في أنه يقرع بينهما أم يعتق من كل عبد نصفه ومن فروع القولين ما لو قامت البينتان كذلك لكن أحد العبدين سدس المال فإن قلنا بالقرعة فخرجت للعبد الخسيس عتق وعتق معه نصف الآخر ليكمل الثلث وإن خرجت للنفيس عتققحده وإن قلنا هناك يعتق من كل واحد نصفه فهاهنا وجهان الصحيح وبه قطع الأكثرون يعتق من كل واحد ثلثاه كما لو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بسدسه أعطى كل واحد ثلثي ما أوصى له به
والثاني يعتق من النفيس ثلاثة أرباعه ومن الخسيس نصفه لأنه إن سبق عتق النفيس عتق كله وإن سبق الخسيس فنصف النفيس بعده حر فأحد نصفيه حر على التقديرين والنزاع في النصف الثاني وهو قدر سدس المال فيقسم بينهما فيعتق من النفيس ربع آخر ومن الخسيس نصفه
ولو قامت بينتان بتعليق عتق عبدين

بالموت أو بالوصية بإعتاقهما وكل واحد ثلث المال ولم تجز الورثة أقرع بينهما سواء أطلقت البينتان أو أرختا لأن المعلقين بالموت كالواقعين معا في المرض
هذا هو المذهب
وقيل قولان أحدهما يقرع والثاني يعتق من كل عبد نصفه

فصل لا فرق في شهود العتق والوصية بين أن يكونوا أجانب أو
المشهود عليه
فلو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق غانم وهو ثلث ماله وشهد وارثان أنه رجع عن تلك الوصية وأوصى بعتق سالم وهو ثلث ماله أيضا قبلت شهادتهما على الرجوع عن الوصية الأولى وتثبت بها الوصية الثانية لأنهما أثبتا للرجوع بدلا يساويه فارتفعت التهمة عنهما ولا نظر إلى تبديل الولاء لأن الثاني قد لا يكون أهدى لجمع المال وقد لا يورث بالولاء ومجرد هذا الاحتمال لو ردت به الشهادة لما قبلت شهادة قريب لمن يرثه
هذا إذا كان الوارثان عدلين فإن كانا فاسقين لم يثبت الرجوع بقولهما فيحكم بعتق غانم بشهادة الأجنبيين ويعتق من سالم قدر ما يحتمله ثلث الباقي من المال بعد غانم وهو الثلثان وكأن غانما هلك أو غصب من التركة
فإن قال الوارثان أوصى بعتق سالم ولم يتعرضا للرجوع عن عتق غانم فالحكم كما سبق فيما لو كانت البينتان أجانب فالمذهب القرعة
وقيل قولان ثانيهما يعتق من كل عبد نصفه
ولو كانت المسألة بحالها لكن سالم سدس المال فالوارثان متهمان برد العتق من الثلث إلى السدس فلا تقبل شهادتهما في الرجوع في النصف الذي لم يثبتا له بدلا
وفي الباقي الخلاف في تبعيض

الشهادة فإن قلنا لا تبعيض وبه أجاب الشافعي رضي الله عنه في هذه المسألة ردت شهادتهما فيه أيضا ويعتق العبدان الأول بشهادة الأجانب والثاني بإقرار الورثة فإن لم يكونا جائزين عتق منه قدر ما يستحقانه فإن قلنا تبعض عتق نصف الأول وكل الثاني
وحكي وجه أن الرجوع لا يتبعض فإذا لم يثبت في البعض لم يثبت في الباقي فتبقى الشهادة بالوصية بعتق العبدين فيقرع كما سبق وهذا الخلاف إذا لم يكن في التركة وصية أخرى
فإن كان أوصى بثلث ماله لرجل وقامت البينتان لغانم وسالم كما ذكرنا قبلت شهادة الورثة بالرجوع عن وصية غانم لأن للورثة رد الزيادة على الثلث فليس في الشهادة على الرجوع تهمة فيجعل الثلث أثلاثا بين الموصى له بالثلث وعتق سالم فيعطى الموصى له ثلث الثلث ويعتق من سالم ثلثاه وهو ثلث الثلث هكذا ذكروه لكن برد الزيادة على الثلث لا يوجب حرمان بعض أصحاب الوصايا بل يوزع عليهم الثلث
وقبول شهادة الثلث توجب إرقاق غانم وحرمانه وهو محل تهمة لتعلق الأغراض بأعيان العبيد
فإن كان الوارثان فاسقين عتق غانم بشهادة الأجنبيين وعتق سالم بإقرارهما
ولو كانت قيمة غانم سدس المال وسالم ثلثه قبل شهادتهما على الرجوع عن وصية غانم وأعتق سالم
فإن كانا فاسقين عتق الأول وعتق من سالم بقدر ثلث الباقي من المال وهو خمسة أسداس سالم وكأن الأول تلف
ولو شهد أجنبيان أنه نجز عتق غانم في المرض ووارثان أنه نجز عتق سالم وكل منهما ثلث المال نظر إن كذب الوارثان الأجنبيين وقالا لم يعتق غانما وإنما عتق سالما عتق العبدان ( فإن ) لم يكونا جائزين عتق من سالم قدر حصتهما واستدرك بعض المتأخرين فقال قياس ما سبق أن لا يعتق من سالم إلا قدر ما يحتمله ثلث الباقي من المال بعد

عتق غانم وكان غانما تلف وهذا حسن
وإن لم يكذباهما بل قالا أعتق سالما ولا يدرى هل أعتق غانما أم لا
فإن كان الوارثان عدلين فالحكم كما سبق فيما لو كان شهود العبدين أجانب وإن كانا فاسقين عتق غانم بشهادة الشهود
وأما سالم فقال الشيخ أبو حامد وتابعه كثيرون يعتق منه نصفه إذا قلنا يعتق من كل واحد نصفه لو كانا عدلين
وقال ابن الصباغ هذا سهو وصوابه أن يعتق خمساه وذكر توجيهه بطريق الجبر
ولو شهد أجنبيان لغانم ووارثان لسالم كما ذكرنا إلا أن سالما سدس المال فإن كذب الوارثان الأجنبيين عتقا جميعا وإن لم يكذباهما فإن كانا عدلين فهو كما لو كان شهود العبدين أجانب وقد سبق بيانه
وإن كانا فاسقين فنقل البغوي أن الأول حر بشهادة الأجنبيين ويقرع بينهما
فإن خرجت القرعة له انحصر العتق فيه وإن خرجت للثاني عتق الأول بالشهادة وعتق من الثاني ثلث ما بقي من المال بإقرار الوارثين قال وقياس هذا أن يقرع أيضا إذا كان كل عبد ثلث المال والوارثان فاسقان وكأن هذا جواب على قول القرعة فيما إذا كان الشهود كلهم أجانب وما نقلناه عن الشيخ أبي حامد وغيره على قول القسمة

فصل شهد اثنان أن فلانا الميت أوصى لزيد بالثلث وآخران أنه أوصى
لبكر بالثلث فالثلث بينهما سواء فإن قال الآخران رجع عن زيد وأوصى لبكر بالثلث سلم له الثلث ويستوي في شهادة الرجوع الوارث والأجنبي إذا جرى ذكر بدل
ولو شهد آخران أنه رجع عن وصية بكر أيضا وأوصى بالثلث لعمرو سلم الثلث له
ولو شهد إثنان أنه أوصى بالثلث لزيد واثنان أنه أوصى لبكر ثم شهد

اثنان أنه رجع عن إحدى الوصيتين فإن عينا المرجوع عنها ثبت الرجوع وكان الثلث كله للآخر
وقال ابن القطان ليس للآخر الا السدس وإنما يكون له الثلث إذا ثبت أن وصيته وقعت بعد الرجوع عن الوصية الأخرى
وإن لم يعينا المرجوع عنها نص في المختصر أن الثلث بينهما
واختلف في وجهه فقال الجمهور إبهام الشهادة بالرجوع يمنع قبولها كما لو شهد أنه أوصى لأحدهما وقال القفال تقبل الشهادة لأن الوصية تحتمل الإبهام ويقسم الرجوع بينهما وكأنه رد وصية كل واحد إلى السدس فتظهر فائدة الخلاف فيما لو شهدت بينة أنه أوصى لزيد بالسدس وأخرى لعمرو بالسدس أيضا وأخرى أنه رجع عن إحدى الوصيتين فعلى قول الأكثرين لا يقبل شهادة الرجوع المبهم ويعطى كل واحد السدس الموصى به وعلى قول القفال تقبل وكأنه رجع عن نصف كل وصية فيعطى كل واحد منهما نصف سدس

الباب السادس في مسائل منثورة
تتعلق بأدب القضاء والشهادات والدعاوي لأنها يتعلق بعضها ببعض يوم الجمعة كغيره في إحضار الخصم مجلس الحكم لكن لا يحضر إذا صعد الخطيب المنبر حتى يفرغ من الصلاة واليهودي يحضر يوم السبت ويكسر عليه سبته
شهد اثنان أنه غصت كذا أو سرقه غدوة وآخران أنه غصبه أو سرقه عشية تعارضتا ولا يحكم بواحدة منهما بخلاف ما لو شهد واحد هكذا وآخر هكذا حيث يحلف مع أحدهما ويأخذ الغرم لأن الواحد ليس بحجة فلا تعارض
شهد واحد على إتلاف ثوب قيمته ربع دينار وآخر على إتلاف

ذلك الثوب بعينه وقال قيمته ثمن دينار يثبت الأقل وللمدعي أن يحلف مع الآخر
ولو شهد بدل الواحد والواحد اثنان واثنان ثبت الأقل أيضا وتعارضتا في الزيادة
ولو شهد اثنان أن وزن الذهب الذي أتلفه نصف دينار وآخران أن وزنه دينار ثبت الدينار لأن مع شاهديه زيادة علم بخلاف الشهادة على القيمة فإن مدركها الاجتهاد وقد يقف شاهد القليل على عيب
ولو ادعى عبدا في يد رجل وأقام بينة أنه ولد أمته لم يقض له بها فقد تلد قبل أن تملكها فإن شهدت أنه ولد أمته ولدته في ملكه فنص أنه يقضى له بهذه البينة وبه قطع الجمهور وخرج ابن سريج قولا لأنها شهادة بملك سابق والمذهب الدول لأن النماء تابع للأصل
ولو شهدوا أن هذه الشاة نتجت في ملكه وهذه الثمرة حصلت في ملكه فهو كقولهم ولدته أمته في ملكه ولا يكفي نتاج شاته وثمر شجرته
ولو شهدوا أن هذا الغزل من غزله أو الفرخ من بيضه والدقيق من حنطته أو الخبز من دقيقه كفى لأن ذلك عين ماله تغيرت صفته بخلاف ولد الجارية والشاة
ولو أقام بينة على رق شخص وأقام المدعى عليه بينة أنه حر الأصل فبينة المدعي أولى لأن معها زيادة علم وهو إثبات الرق
ولو ادعى دينا وشهد به اثنان لكن قال أحدهما متصلا بشهادته إنه قضاه أو أبرىء منه فشهادته باطلة للقضاء وإن ذكره مفصولا عن الشهادة فإن كان بعد الحكم لم يؤثر
وللمدعى عليه أن يحلف معه على القضاء والإبراء وإن كان قبل الحكم سئل متى قضاه فإن قال قبل أن شهدت

فكذلك الجواب عند ابن القاص
وذكر فيما إذا شهد على إقراره بالدين شاهدان ثم عاد أحدهما وقال قضاه أو أبرأه بعد أن شهدت أن شهادته لا تبطل بل يحكم بالدين ويؤخذ إلا أن يحلف المدعى عليه مع شاهد القضاء والإبراء
والفرق أن هناك شهد على نفس الحق والقضاء والإبراء ينافيانه فبطلت الشهادة وهنا شهد على الإقرار والقضاء والإبراء لا ينافيانه فلا تبطل الشهادة
وحكي وجه أن شهادته على نفس الحق لا تبطل أيضا والصحيح الأول ويقرب من هذا الخلاف الخلاف فيما لو ادعى ألفا وشهد له شاهدان بألف مؤجل لكن قال أحدهما قضى منه خمسمائة ففي وجه لا تصح شهادتهما إلا في خمسمائة أن يحلف لباقي الألف مع الشاهد الآخر
وفي وجه تصح شهادتهما على الألف وللمدعى عليه أن يحلف مع شاهد القضاء
وفي وجه ثالث لا يثبت بشهادتهما شىء لأنهما لم يتفقا على ما ادعاه ويقرب منه قولان عن ابن سريج فيما لو شهد اثنان أن فلانا وكل فلانا ثم قال أحدهما عزله بعد أن شهدت ففي قول تبطل شهادته
وفي قول تثبت شهادة الوكالة فيعمل بها والعزل لا يثبت بواحد
ادعى شريكان فأكثر حقا على رجل فأنكر يحلف لكل واحد يمينا فإن رضي بيمين واحدة ففي جوازه وجهان
قلت الأصح المنع
والله أعلم
ولو شهد اثنان أنه أوصى بعتق غانم وهو ثلث ماله فحكم الحاكم بعتقه ثم رجعا عن الشهادة وشهد آخران أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلث ماله ولم يجز الورثة إلا الثلث قال البغوي يقرع بينهما فان خرجت القرعة للأول رق الثاني ويغرم الراجعان قيمة

الأول للورثة
وإن خرجت للثاني عتق ورق الأول ولا غرم على الراجعين لأنهما لم يتلقياه
قال وعندي يعتق الثاني بلا قرعة وعلى الراجعين قيمة الأول للورثة
ولو شهد رجل أنه وكله بكذا وآخر أنه فوضه إليه أو سلطه عليه ثبتت الوكالة
ولو شهد أحدهما أنه قال وكلتك بكذا والآخر أنه أقر بوكالته لم يثبت شىء ولو شهد أحدهما أنه وكله بالبيع والآخر أنه وكله بالبيع وقبض الثمن ثبت البيع
ولو ادعى رجل على رجل أنه اشترى منه هذا العبد ونقده الثمن وأعتقه وأقام به بينة وادعى آخر أنه اشتراه ونقد الثمن وأقام به بينة تعارضتا وذكر العتق لا يقتضي ترجيحا على الصحيح
وقيل يرجح لأن العتق كالقبض نص في الأم أنه لو ادعى دابة في يد غيره وأقام بينة أنها له منذ عشر سنين ونظر الحاكم في سنها فإذا لها ثلاث سنين فقط لم يقبل الشهادة لأنها كذب وأن المسناة الحائلة بين نهر شخص وأرض آخر يجعل بينهما كالجدار الحائل
ولو ادعى مائة درهم على إنسان فقال قبضت خمسين لم يكن مقرا بالمائة وكذا لو قال قضيت منها خمسين
ولو اختلف الزوجان في متاع البيت فإن كان لأحدهما بينة قضى بها وإن لم يكن بينة فما اختص أحدهما باليد عليه حسا أو حكما بأن كان في ملكه فالقول قوله فيه بيمينه وما كان في يدهما حسا أو في البيت الذي يسكنانه فلكل واحد تحليف الآخر فإن حلفا جعل بينهما وإن حلف أحدهما دون الآخر قضي للحالف وسواء دوام النكاح أم بعد الفراق وسواء اختلفا هما أو ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر وسواء ما يصلح للزوج كالسيف والمنطقة أو للزوجة

كالحلي والغزل أولهما
ولو اختلف مالك الدار وساكنها بالإجارة في متاع الدار فالقول قول الساكن فان تنازعا في رف فيها نظر إن كان مسمرا أو مثبتا فالقول قول المالك وإلا فهو بينهما نص عليه
ولو تنازعا أرضا ولأحدهما فيها زرع أو بناء أو غراس فهي في يده أو دابة أو جارية حاملا والحمل لأحدهما بالاتفاق فهي في يده أو دار لأحدهما فيها متاع فهي في يده
فإن لم يكن المتاع إلا في بيت لم يجعل في يده إلا ذلك البيت هكذا ذكروه
ولو تنازعا عبدا ولأحدهما عليه ثياب لم يجعل صاحب يد في العبد لأن منفعة الثوب الملبوس تعود إلى العبد لا إلى المدعي
ولو قال رجل استأجرت هذه الدار من زيد سنة في أول رمضان وقال آخر استأجرتها منه سنة من أول شوال وأقام كل واحد بينة فقولان حكاهما الفوراني المشهور وبه قطع البغوي وغيره تقدم بينة رمضان لسبق تاريخها
والثاني بينة شوال لأنها ناسخة ويحتمل أنهما تقايلا واستأجر الثاني في شوال ويجيء هذا في بينتي البيع على ضعفه
قامت بينة أن هذا ابنه لا يعرف له وارثا سواه وبينة أن هذا الآخر ابنه لا يعرف له وارثا سواه ثبت نسبهما فلعل كل بينة اطلعت على ما لم تطلع عليه الأخرى

فصل فيما جمع من فتاوى القفال وغيره

ان الضيعة إذا صارت معلومة بثلاثة حدود جاز الاقتصار على ذكرها وهذا خلاف ما سبق في باب

القضاء على الغائب من إطلاق ابن القاص
قال القفال لكن لو ذكر الشهود الحدود الأربعة وأخطؤوا في واحد لم تصح شهادتهم فترك الذكر خير من الخطأ لأنهم إذا أخطؤوا لم يكن بتلك الحدود ضيعة في يد المدعى عليه وإذا غلط المدعي فقال المدعى عليه لا
يلزمني تسليم دار بهذه الصفة كان صادقا
وإذا حلف كان بارا
وإن لم ينكر وقال لا أمنعه الدار التي يدعيها سقطت دعوى المدعي فإن ذهب إلى الدار التي في يده ليدخلها فله أن يمنعه ويقول هي غير ما ادعيت فأما إذا أصاب في الحدود فقال لا أمنعك منها فليس له المنع إذا ذهب ليدخلها فإن قال ظننت أنه غلط في الحدود لم يقبل وإن قال إنما قلت لا أمنعك لأن الدار لم تكن في يدي يومئذ وقد صارت في يدي وملكي قبل منه وله المنع إذا حلف
وفيه أن دعوى العبد على سيده أنه أذن له في التجارة لا تسمع إن لم يشتر ولم يبع شيئا
وإن اشترى ثوبا وجاء البائع يطلب الثمن من كسبه فأنكر السيد الإذن فللبائع أن يحلفه على نفي الإذن فإن حلف فللعبد أن يحلفه مرة أخرى ليسقط الثمن عن ذمته
وإن باع العبد عينا للسيد وقبض الثمن وتلف في يده فطلب المشتري تلك العين فقال السيد لم آذن له في البيع حلف فإن حلف حكم ببطلان البيع والعبد يحلفه لإسقاطه الثمن عن ذمته
وأنه لو ادعى ألفا وأقام به شاهدا وأراد أن يحلف معه فأقام المدعى عليه شاهدا بأن المدعي أقر أنه لا حق عليه فللمدعى عليه أن يحلف مع شاهده فإذا حلف سقطت دعوى المدعي وأنه يجوز للمالك أن يدعي على

الغائب وعلى الغاصب من الغاصب فإن ادعى على الأول أنه يلزمه رد الثوب بصفة كذا أو قيمته كذا فليس على الغاصب أن يحلف أنه لا يلزمه لأنه إن قدر على الانتزاع لزمه الانتزاع والرد وإلا فعليه القيمة
وأنهم لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها ولم يقولوا هي الآن ملك المدعي ففي قبول شهادتهم قولان كما لو شهدوا أنه كان ملكه أمس والمفهوم من كلام الجمهور قبولها
وأنه لو ادعى قصاصا فاقتص الحاكم برواية راو روى حديثا يوجب القصاص في الواقعة ثم رجع الراوي وقال كذبت وتعمدت لم يجب القصاص عليه بخلاف الشهادة لأن الرواية لا تختص بالواقعة
وأنه لو غصب المرهون من يد المرتهن قال الراهن في دعواه على الغاصب لي ثوب كنت رهنته عند فلان وغصبته منه ويلزمه الرد إلي
ولو اقتصر على قوله لي عنده ثوب صفته كذا ويلزمه رده إلي جاز ولا بعد في قوله يلزمه رده إلي لأن يد المرتهن يد الراهن
ولهذا لو نازعه رجل في المرهون كان القول قول الراهن وإن كان في يد المرتهن لأن يده يده وأن الغريب إذا دخل بلدا لا يجوز الشهادة بأنه حر الأصل إنما تجوز الشهادة أن فلانا حر الأصل إذا عرف حال أبيه وأمه وعرف النكاح بينهما وتجوز الشهادة به وإن لم يشاهد الولادة كما تجوز الشهادة أنه ابن فلان وأنه لو ادعى دارا في يد رجل وأقام بينة أنه اشتراها منه وأقام صاحب اليد بينة أنه وهبها له ولم يتعرضا لتاريخ تعارضتا
وتظهر فائدة اختلافهما إذا ظهرت مستحقة أو معيبة وأراد الرد واسترداد الثمن
وأنه ادعى دارا في يد شخص وأقام بينة أنها ملكه فادعاها آخر وأقام بينة أنه اشتراها من رجل آخر يوم كذا ولم يقولوا إنه كان يملكها يومئذ لكن

أقام بينة أخرى أنه كان يملكها يومئذ سمعتا وصارتا كبينة فيحصل التعارض بينهما وبين بينة المدعي الأول
وأنه إذا ادعى دارا وأقام بينة أنها ملكه وتسلمها فادعاها آخر بعد مدة يسيرة أو طويلة وأقام بينة أنه اشتراها من المدعى عليه الذي كانت في يده وكان يملكها يومئذ قضي بالدار لهذا الأخير وكان كما لو أقام صاحب اليد البينة قبل الانتزاع منه فإنه لو كان بيده دار فادعى رجل أنه اشتراها من ثالث بعدما اشتراها الثالث من صاحب اليد وأنكر صاحب اليد فله أن يقيم بينة على البيعين وله أن يقيم على هذا بينة وعلى هذا بينة ولا بأس بالتقديم والتأخير
وأن الشهود إذا أرادوا أداء الشهادة بشراء دار تبدلت حدودها بعد الشراء قالوا اشترى دارا من وقت كذا من فلان وهو يملكها وكان يومئذ ينتهي أحد حدودها إلى كذا والباقي إلى كذا ثم المدعي يقيم بينة بكيفية التبدل
وأنه لو ادعى دارا في يد رجل وأقام بينة أنها ملكه فقال القاضي عرفت هذه الدار ملكا لفلان وقد مات وانتقلت إلى وارثه فأقم بينة على ملكك منه فله ذلك وتندفع بينته
وليكن هذا جوابا على أنه يقضي بعلمه
وأنه لو ادعى دارا في يد رجل فقال المدعى عليه ليست الدار في يدي ولا أحول بينك وبينها فقد أسقط الدعوى عن نفسه فيذهب المدعي إلى الدار فإن لم يدفعه أحد فذاك وإن دفع ادعى على الدفع فلو قال المدعي إنه يكذب في قوله ليست في يدي ولا أحول لم يلتفت إليه
وأنه لو باع دارا فقامت بينة الحسبة أن أبا البائع وقفها وهو يملكها على ابنه البائع ثم على أولاده ثم المساكين نزعت من المشتري ويرجع بالثمن على البائع والغلة الحاصلة في حياة البائع تصرف إلى البائع إن كذب نفسه وصدق الشهود فإن أصر على إنكار

الوقت لم تصرف إليه بل توقف فإذا مات صرفت إلى أقرب الناس إلى الواقف
ولو ادعى البائع أنه وقف لم تسمع بينته والتقييد بالبينة يشعر بسماع دعواه وتحليف خصمه
وقال العراقيون تسمع بينته أيضا إذا لم يكن صرح بأنه ملكه بل اقتصر على البيع
وقال الروياني لو باع شيئا ثم قال بعد وأنا لا أملكه ثم ملكته بالإرث من فلان فإن قال حين باع هو ملكي
لم تسمع دعواه ولا بينته وإن لم يقل ذلك بل اقتصر على قول بعتك سمعت دعواه فإن لم يكن له بينة حلف المشتري أنه باعه وهو ملكه قال وقد نص عليه في الأم وغلط من قال غيره وكذا لو ادعى أن المبيع وقف عليه

فصل في فتاوى القاضي حسين رحمه الله أنه لو ادعى عليه عشرة
لا يلزمني تسليم هذا المال اليوم لا يجعل مقرا لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم وإن بينتي الملك والوقف تتعارضان كبينتي الملك
وأنه لو ماتت وخلفت زوجا وأخا وأختان فادعى الزوج أن المتاع كله له جعل نصفين أحدهما للزوج بحكم اليد والثاني للميتة ويحلف الزوج على النصف الذي يجعل له باليد كما لو كانت حية فادعت الكل فإن كان الأخ غائبا والأخت حاضرة حلف لها فإذا حضر حلف له فإن أقامت الأخت بينة أن الكل لها ولأخيها سمعت وثبت حق الأخ
وأن من حبسه القاضي لا يجوز إطلاقه إلا برضى خصمه أو ثبوت إعدامه فإن ثبت أطلقه وإن لم يرض خصمه
وإذا

أطلقه برضى الخصم فأراد إقامة بينة بإعدامه لم تسمع لأنه لا حبس عليه والحالة هذه بخلاف ما إذا استحق حبسه
وأن حق إجراء الماء على سطحه أو أرضه أو طرح الثلج في ملكه يجوز الشهادة به إذا رآه مدة طويلة بلا مانع ولا يكفي قول الشهود رأينا ذلك سنين وإن كان ذلك مستند شهادتهم

فصل سئل الشيخ أبو إسحق الشيرازي رحمه الله عن رجلين تنازعا دارا
فأقام أحدهما بينة أنها ملكه وادعى الآخر أنها وقف عليه ولم يقم بينة فحكم القاضي لمدعي الملك ثم ادعى آخر وقفها فأقام مدعي الملك بينة على حكم القاضي له بالملك وأقام مدعي الوقف بينة بالوقف فرجح الحاكم بينة الملك ذهابا إلى أن الملك الذي حكم به تقدم على الوقف الذي لم يحكم به ثم تنازع مدعي الملك وآخر يدعي وقفيتها فأقام مدعي الملك بينة لحكم الحاكم له بالملك وتقديم جانبه وأقام الآخر بينة بأن الوقف الذي يدعيه قضى بصحته قبل الحكم بالملك وبترجيحه على الوقف هل يرتد حكم الحاكم بذلك فقال نعم يقدم الحكم بالوقف على الحكم بالملك وينقض الحكم بالوقف الحكم بالملك
وسئل عمن اشترى ضيعة وبقيت في يده مدة فخرجت وقفا وانتزعت فقال عليه أجرة المثل للمدة التي كانت في يده
وعن رجل وقف ملكا وأقر أن حاكما حكم بصحته ولم يسم الحاكم ولا عينه ثم رجع عنه ورفع الأمر إلى حاكم يرى جواز الرجوع فهل له الحكم بنفوذ الرجوع قال لا
فصل في فتاوى الغزالي أنه لو ادعى دارا في يد غيره فقال
عليه

اشتريتها من زيد فأقام المدعي على إقرار زيد له بها قبل البيع فأقام المدعى عله بينة على إقرار المدعي لزيد بها قبيل البيع وجهل التاريخ قررت الدار في يد المدعى عليه
وأنه إذا خرج المبيع مستحقا فادعى المشتري على البائع وقال سلمت إليه في مجلس العقد فأنكر وأراد إقامة البينة بأنه لم يقبض منه شيئا في مجلس العقد لم تسمع هذه البينة لأنها تشهد بالنفي وإنما تسمع البينة بالنفي في مواضع الحاجة كالإعسار
وقد يقع التسليم في غفلة ولحظة يسيرة
وأنها إذا ادعت أنه نكحها وطلقها وطلبت نصف المهر أو أنها زوجة فلان الميت وطلبت الإرث فمقصودهم المال فيثبت برجل وامرأتين وبشاهد ويمين

فصل في فتاوى البغوي أنه لو ادعى نكاحها فأقرت بأنها زوجته منذ
سنة ثم أقام آخر بينة أنها زوجته نكحها من شهر حكم للمقر له لأنه ثبت بإقرارها النكاح الأول فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني
وأنه لو تحاكم رجل وامرأة بكر إلى فقيه ليزوجها به وجوزنا التحكيم فيه فقال المحكم حكمتني لأزوجك بهذا فسكتت كان سكوتها إذنا كما لو استأذنها الولي فسكتت
وأنه لو حضر عند القاضي رجل وامرأة واستدعت تزويجها به وقالت كنت زوجة فلان فطلقني أو مات عني لا يزوجها ما لم يقم حجة بالطلاق أو الموت
فصل عن ابن القاص ان من أنكر الحلف بالطلقات الثلاث يحلف أنه
قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ولا هي بائن منه بثلاث
وقال الشيخ أبو زيد يكفيه أنها لم تبن منه بثلاث
ووجه الأول أنه

قد يحلف متأولا على مذهب الحجاج بن أرطاة وتابعيه أن الثلاث لا تقع مجموعة أو على تصحيح الدور
ويجوز أن يقال إن قال لم تبن مني حلف عليه وإن قال لم أحلف بطلاقها حلف عليه
حكى الهروي عن العبادي أن من ادعى عليه وديعة فقال لا يلزمني دفع شىء إليه لا يكون هذا جوابا لأن المودع لا دفع عليه إنما يلزمه التخلية والجواب الصحيح أن ينكر أصل الإيداع أو يقول هلك في يدي أو رددته وهذا يخالف كلام الأصحاب الا تراهم يقولون من جحد الوديعة فقامت بينة بالإيداع فادعى تلفا أو ردا قبل الجحود نظر إن كانت صيغة جحده إنكار أصل الوديعة أم قال لا يلزمني تسليم شىء إليك فإما أن يقدر خلاف أو يؤول ما أطلقوه
قلت الذي قاله ابن القاص صحيح وتأويل كلامهم متعين وهو أنهم أرادوا إذا جرى منه هذا اللفظ فحكمه كذا لأن القاضي يقنع منه بهذا الجواب مع طلب الخصم الجواب
والله أعلم
وأنه إذا أقام بينة بأنه أجير فلان لحفظ سفينته هذه بدينار وأقام صاحب السفينة بينة أنه أجره إياها بدينار تعارضتا وأنه لو شهد عليه اثنان بالقتل في وقت معين وآخران أنه لم يقتل في ذلك الوقت لأنه كان معنا ولم يغب عنا تعارضتا وقد سبق من نظائر هذا ما يخالفه
قلت يعني أن البينة الثانية شهدت بالنفي وقد سبق أن شهادة النفي لا تقبل إلا في مواضع الضرورة كالإعسار
هذا مراد الرافعي هنا وقد تقدم في الفصل السابق عن فتاوى الغزالي ما يوافقه ولكنه ضعيف مردود بل الصواب أن النفي إذا كان في محصور يحصل العلم به قبلت الشهادة به وقد سبق ذكري لهذه المسألة في الشهادات
والله أعلم


وأن من أراد أن يدعي ويقيم البينة من غير أن يعترف للمدعى عليه باليد فطريقه أن يقول الموضع الفلاني ملكي وهذا يمنعني منه تعديا فمره يمكني منه
وأنه لو شهد شاهدان أن الكلب ولغ في هذا الإناء ولم يلغ في ذاك وآخران بضده تعارضتا فلو لم يقولوا لم يلغ في ذلك فالإنآن نجسان وهذا شهادة على إثبات ونفي ويمكن التعارض بلا نفي بأن يعينا وقتا لا يمكن فيه إلا ولوغ واحد
قلت هذه المسألة ذكرتها في كتاب الطهارة مستوفاة مختصرة وفي هذا الذي ذكره العبادي فيها من إثبات التعارض تصريح بقبول شهادة النفي في المحصور كما سبق قريبا
والله أعلم

الباب السابع في دعوى النسب
وإلحاق القائف مقصود الباب الكلام في القائف وشرطه
أما الاستلحاق وشروطه فسبق ذكره في كتاب الإقرار واللقيط
وفي الباب ثلاثة أركان الأول المستلحق وقد سبق في كتاب اللقيط أن المذهب صحة استلحاق العبد والعتيق دون المرأة على الأصح وسبق هناك جمل من أركانه
الركن الثاني الملحق وهو القائف وليكن فيه صفات بعضها واجب قطعا وبعضها مختلف فيه فيشترط فيه أهلية الشهادة فيكون مسلما بالغا عاقلا عدلا والأصح اشتراط حريته وذكورته وأنه يكفي واحد ونص عليه
وقيل يشترط اثنان
وأنه لا يشترط كونه من مدلج بل يجوز من سائر العرب ومن العجم
قال ابن كج ولا يجوز أن يكون أعمى ولا أخرس قال ولو كان ابن أحد المتداعيين فألحقه بغير أبيه قبل وإن ألحقه بأبيه لم يقبل
ولو كان عدو أحدهما فألحقه به قبل
وإن ألحقه بالآخر فلا لأنه

كالشهادة على العدو
ولو كان القاضي قائفا فهل يقضي بعلمه فيه الخلاف في القضاء بعلمه ويشترط كونه مجربا
وكيفية التجربة أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه فإذا أصاب في الكل صار مجربا وقبل قوله بعد ذلك
وهل تختص التجربة بالأم أم يجوز أن يعرض عليه المولود مع أبيه في رجال وجهان الأصح المنصوص الثاني وبه قطع العراقيون وغيرهم لكن العرض مع الأم أولى
وأما تكرار العرض ثلاثا فقد جعله الشيخ أبو حامد وأصحابه شرطا
وقيل يكفي مرة وقال الإمام لا معنى لاعتبار الثلاث بل المعتبر غلبة الظن بأقواله عن خبرة لا عن اتفاق وهذا قد يحصل بدون الثلاثة
وإذا حصلت التجربة اعتمدنا إلحاقه ولا تجدد التجربة لكل إلحاق
الركن الثالث الولد الملحق ويعرض على القائف في موضعين أحدهما أن يتنازع اثنان مولودا مجهولا من لقيط أن غيره فيعرض على القائف كما سبق في اللقيط
والثاني أن يشترك اثنان فأكثر في وطء امرأة فتأتي بولد لزمان يمكن كونه منهما ويدعيه كل منهما فيعرض على القائف
ويتصور الاشتراك في الوطء على الوجه المذكور من وجوه
منها أن يطأها كل منهما بالشبهة بأن يجدها بفراشه فيظنها زوجته أو أمته فلو كانت في نكاح صحيح فوطئت بشبهة فوجهان قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ يلحق الولد بالزوج لأنها فراشه والفراش أقوى من الشبهة كما لو طلقها وانقضت عدتها ونكحت وولدت تلحق بالثاني وإن أمكن كونه من الأول لأنها فراش الثاني والأصح على ما ذكره الروياني وغيره وبه قطع الإمام

أنه يعرض على القائف ويكون لمن ألحقه به بخلاف صورة الاستشهاد لأن العدة أمارة ظاهرة في البراءة عن الأول وهنا بخلافه
ومنها أن يطأ زوجته في نكاح صحيح ثم طلقها فيطأها آخر بشبهة أو في نكاح فاسد بأن ينكحها في العدة جاهلا بها
ومنها أن يطأها اثنان في نكاحين فاسدين وأن يطأ الشريكان المشتركة وأن يطأ أمته ويبيعها فيطأها المشتري ولا يستبرىء واحد منهما
فإذا وطىء اثنان في بعض هذه الصور في طهر فولدته لما بين أربع سنين وستة أشهر من الوطأين وادعياه جميعا عرض على القائف فإن تخلل بين الوطأين حيضة فهي أمارة ظاهرة في حصول البراءة عن الأول فينقطع تعلقه إلا أن يكون الأول زوجا في نكاح صحيح والثاني واطئا بشبهة أو نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء والإمكان حاصل بعد الحيضة
وإن كان الأول زوجا في نكاح فاسد ففي انقطاع تعلقه بتخلل الحيضة قولان أظهرهما الانقطاع لأن المرأة لا تصير فراشا في النكاح الفاسد إلا بحقيقة الوطء وسواء كان المتنازعان والواطئان مسلمين وحرين أو مختلفي الحال

فصل لو استلحق صبيا في يده أولا في يده فبلغ وانتفى منه
نسبه فيه وجهان سبقا في الإقرار واللقيط
فإن استلحق بالغا فأنكر فقد سبق أنه لا يلحقه وإلحاق القائف والحالة هذه ليس بحجة
فلو سكت البالغ فقد ذكر الغزالي أنه يلحقه القائف وهذا لم أجده لغيره إذا لم يكن هناك إلا واحد عليه لكن لو ادعاه اثنان في موضع الاشتباه فسكت عرض على القائف
فلو وافق أحدهما لحقه

ولا يقبل قول القائف بخلافه
ولو ادعى اثنان صبيا مجهولا ففيه تفصيل سبق في اللقيط

فصل ادعى نسب مولود على فراش غيره بسبب وطء شبهة فإن قلنا
لا أثر له إذا كانت المرأة فراشا لزوج والولد ملحق بالزوج لم تسمع دعواه
وإن قلنا له أثر لم يكف اتفاق الزوجين عليه بل لا بد من البينة على الوطء لأن للولد حقا في النسب واتفاقهما ليس حجة عليه فإذا قامت البينة عرض على القائف فإن كان المدعي نسبه بالغا واعترف بجريان وطء الشبهة وجب أن يكفي
وإذا استلحق مجهولا وله زوجة فأنكرت ولادته فهل يلحقها باستلحاقه وجهان الصحيح لا لجواز كونه من وطء شبهة أو زوجة أخرى
ولو استلحق مجهولا وله زوجة فأنكرت ولادته واستلحقته امرأة لها زوج فأنكره فهل أمه الأولى أم الثانية أم يعرض على القائف فيلحقه بإحداهما فيه أوجه
ولو كانت الصورة بحالها وأقام كل واحد بينة فهل بينته أولى من بينتها أم يتعارضان أم يعرض على القائف فإن ألحقه بالرجل لحقه ولحق زوجته وإن ألحقه بالمرأة لحقها دون زوجها فيه أربعة اوجه حكاها الصيدلاني عن ابن سريج
فصل إذا لم يجد قائفا أو تحيرا وألحقه بهما أو نفاه عنهما
حتى يبلغ فإذا بلغ أمر بالانتساب إلى أحدهما بحسب الميل الذي

يجده فإن امتنع حبس ليختار وإذا اختار كان اختياره كإلحاق القائف
وإن قال لا أجد ميلا إلى أحدهما بقي الأمر موقوفا ولا عبرة باختياره قبل البلوغ
وقيل يخير المميز وقد سبق هذا في اللقيط
ولو ألحقه القائف بأحدهما ثم رجع وألحقه بالاخر أو ألحقه بآخر قائف آخر لم يقبل قوله على الصحيح
وقيل إذا ألحقه قائف بهذا وآخر بذاك تعارضا وصار كأن لا قائف
وأنه إذا رجع القائف فإن كان بعد الحكم بقوله لم يلتفت إليه
وإن رجع قبله قبل رجوعه لكن لا يقبل قوله في حق الاخر لسقوط الثقة بقوله ومعرفته

فرع إذا ألحقه بهما قال القفال يستدل بذلك على أنه لا يعرف
فلا يعتد بقوله بعده حتى يمضي زمان يمكن التعلم فيه فيمتحن حينئذ ثم يعتمد
فرع إذا كانا توأمين فألحق القائف أحدهما بأحدهما والاخر بالاخر فهو كما لو ألحق الواحد بهما

فرع إذا انتسب المولود إلى أحدهما ثبت نسبه منه ولا يقبل رجوعه
وإن انتسب إليهما لغا وأمر بالانتساب إلى أحدهما
ولو اختلف التوأمان في الانتساب لم يعتبر قولهما فإن رجع أحدهما إلى قول الاخر قبل
فصل إذا وطئا في طهر فأتت بولد يمكن كونه منهما فادعاه أحدهما

وسكت الاخر أو أنكر فقولان أحدهما يختص بالمدعي كمال في يد اثنين ادعاه أحدهما دون الاخر يجعل له
وأظهرهما يعرض على القائف لأن للولد حقا في النسب فلا يسقط بالإنكار وإن أنكراه معا عرض ولا تضييع لنسبه

فرع نفقة الولد إلى أن يعرض على القائف وفي مدة التوقف إلى
تكون عليهما فإذا ألحق بأحدهما رجع الاخر عليه بما أنفق وهل تجب النفقة في حال الاجتنان يبنى على أن الحمل هل يعلم إن قلنا يعلم فنعم وإلا فلا
فإذا أوجبناها فكان أحدهما زوجا طلق والاخر وطىء بشبهة فإن قلنا النفقة للحامل فهي على المطلق وإن قلنا للحمل فعليهما حتى يظهر الأمر
وإن أوصى للطفل في وقت التوقف فليقبلاها جميعا
فرع إذا مات الولد قبل العرض فإن تغير فقد تعذر العرض وإلا
دفن لم ينبش وإلا فوجهان أصحهما يعرض لأن الشبه لا يزول بالموت
والثاني لا لأن القائف قد يبني على الحركة والكلام ونحوهما مما يبطل بالموت
ولو مات أحد المتداعيين عرض أبوه أو أخوه أو عمه مع الولد ذكره البغوي
فرع من الرعاة من يلتقط السخال في الظلمة ويضعها في وعاء فإذا
ألقى كل سخلة إلى أمها ولا يخطىء لمعرفته
فقال

الاصطخري يعمل بقول هذا الراعي إذا تنازعا سخلة والصحيح المنع وإنما تثبت القيافة في الادمي لشرفه وحفظ نفسه

فرع لو ألحقه قائف بأحدهما بالأشباه الظاهرة وآخر بالاخر بالأشباه الخفية كالخلق وتشاكل
ولو ادعاه مسلم وذمي وأقام أحدهما بينة تبعه نسبا ودينا وإن ألحقه القائف بالذمي تبعه نسبا لا دينا ولا يجعل حضانته للذمي
ولو ادعاه حر وعبد وألحقه القائف بالعبد ثبت النسب وكان حرا لاحتمال أنه ولد من حرة
وبالله التوفيق
كتاب العتق
تظاهرت النصوص والإجماع على أنه قربة ويصح من كل مالك مطلق لا يصادف إعتاقه متعلق حق لازم لغيره فلا يصح إعتاق غير مالك إلا بوكالة أو ولاية ولا إعتاق صبي ومجنون ومحجور عليه بسفه
وفي المحجور لفلس والراهن والعبد الجاني خلاف سبق في التفليس والرهن والبيع والمريض مرض الموت يعتبر إعتاقه من الثلث ولا يصح إعتاق الموقوف عليه الموقوف ويصح إعتاق الذمي والحربي
وإذا أسلم عتيق الكافر فولاؤه ثابت عليه
ويصح العتق بالصريح والكناية أما الصريح فالتحرير والإعتاق صريحان فإذا قال له أنت حر أو محرر أو أحررتك أو أنت عتيق أو معتق أو أعتقتك عتق
وإن لم ينو ولا أثر للخطأ في التذكير والتأنيث بأن يقول للعبد أنت حرة أو للأمة أنت حر
وفك الرقبة صريح على الأصح
والكناية كقوله لا ملك لي عليك أو لا

سبيل أو لا سلطان أو لا يد أو لا أمر أو لا خدمة أو أزلت ملكي عنك أو حرمتك أو أنت سائبة أو أنت لله
وصرائح الطلاق وكناياته كلها كنايات في العتق
وقوله أنت علي كظهر أمي كناية على الأصح لاقتضائه التحريم كقوله حرمتك
ولو قال وهبتك نفسك ونوى العتق عتق
فإن نوى التمليك فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في قوله بعتك نفسك
ولو كانت أمته تسمى قبل جريان الرق عليها حرة فقال لها يا حرة فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم عتقت وإن قصد نداءها لم تعتق على الأصح وقيل تعتق لأنه صريح
ولو كان اسمها في الحال حرة أو اسم العبد حر أو عتيق فإن قصد النداء لم يعتق
وكذا إن أطلق على الأصح
وفي فتاوى الغزالي أنه لو اجتاز بالمكاس فخاف أن يطالبه بالمكس عن عبده فقال إنه حر لبس بعبد وقصد الإخبار لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى وهو كاذب في خبره
ومقتضى هذا أنه لا يقبل ظاهرا وأنه لو قال افرغ من هذا العمل قبل العشاء وأنت حر وقال أردت حر من العمل دين ولا يقبل ظاهرا
وأنه لو زاحمته امرأة في طريق فقال تأخري يا حرة فبانت أمته لم تعتق
ولو قال لعبد يا مولاي فكناية ولو قال له يا سيدي فقال القاضي حسين والغزالي هو لغو
قال الإمام الذي أراه أنه كناية

فرع قال لعبد غيره أنت حر فهذا إقرار بحريته وهو باطل في

فلو ملكه حكمنا بعتقه مؤاخذة له بإقراره
ولو قال لعبد الغير قد أعتقتك قال الغزالي إن ذكره في معرض الإنشاء فلغو

أو في معرض الإقرار فيؤاخذ به إن ملكه
وقال القاضي حسين هو إقرار لأن قد يؤكد معنى المضي في الفعل الماضي
قال الإمام ومقتضى كلامه أن قوله أعتقك بلا قد لا يكون إقرار وإن كانت الصيغة في الوضع للماضي قال وعندي لا فرق بينهما
والوجه أن يراجع ويحكم بموجب قوله فإن لم يفسر ترك وينبغي أن لا فرق بين قوله أنت حر وقوله أعتقتك

فرع يصح تعليق العتق بالصفات والإعتاق على عوض قال ولو قال جعلت
عتقك إليك أو حررتك ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في الحال عتق
ولو قال أعتقتك على كذا فقبل في الحال أو قال العبد اعتقني على كذا فأجابه عتق وعليه ما التزم
ولو قال أعتقتك على كذا إلى شهر فقبل عتق في الحال والعوض مؤجل
ولو أعتقه على خمر أو خنزير عتق وعليه قيمته وكذا لو قال أعتقتك على أن تخدمني ولم يبين مدة أو تخدمني أبدا
ولو قال على أن تخدمني شهرا
أو تعمل لي كذا وبينه فقبل عتق وعليه ما التزم
ولو خدمه نصف شهر ومات فللسيد نصف قيمته في تركته
فروع أكثرها عن ابن سريج رحمه الله
إذا قال أول من دخل الدار من عبيدي أو أي عبد من عبيدي دخل أولا فهو حر فدخل اثنان معا ثم ثالث لم يعتق واحد منهم
أما الثالث فظاهر والاثنان لا يوصف واحد منهما بأنه أول
ولو كان اللفظ والحالة

هذه أول من يدخل وحده عتق الثالث
ولو دخل واحد لا غير فهل يعتق وجهان في تعليق الشيخ أبي حامد أصحهما نعم
ولو قال آخر من يدخل الدار من عبيدي حر فدخل بعضهم بعد بعض لم يحكم بعتق واحد منهم إلى أن يموت السيد فيبين الاخر
ولو قال لعبده إن لم أحج العام فأنت حر فمضى العام واختلفا في أنه حج فأقام العبد بينة أنه كان بالكوفة يوم النحر عتق خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
ولو قال لعبديه إذا جاء الغد فأحدكما حر فجاء الغد عتق أحدهما وعليه التعيين
فلو باع أحدهما أو أعتقه أو مات قبل مجيء الغد وجاء الغد والاخر في ملكه لم يتعين العتق لأنه لا يملك حينئذ إعتاقهما فلا يملك إعتاق أحدهما
ولو باعهما أو أحدهما ثم اشترى من باع وجاء الغد وهما ملكه فعلى الخلاف في عود الحنث
ولو باع نصف أحدهما وجاء الغد وفي ملكه نصفه الاخر فإليه التعيين فإن عين من نصفه له وقع النظر في السراية
ولو قال إذا جاء الغد وأحدكما في ملكي فهو حر فباع أحدهما ثم جاء الغد والاخر في ملكه عتق
وإن باع أحدهما ونصف الاخر وجاء الغد لم يعتق النصف الباقي لأنه لم يبق كل واحد منهما في ملكه

فصل في خصائص العتق التي ينفرد بها عن الطلاق وهي خمس الأولى
فمن أعتق بعض مملوك فإما أن يكون باقيه له أو لغيره
الحالة الأولى أن يكون له فيعتق كله كما في الطلاق سواء الموسر والمعسر
ولو أضاف إلى عضو معين كيد ورجل عتق كله كالطلاق
وفي كيفية التكميل إذا أضاف العتق إلى الجزء الشائع وجهان أحدهما يحصل في الجزء المسمى ثم يسري إلى الباقي


والثاني يقع على الجميع دفعة ويكون إعتاق البعض عبارة عن إعتاق الكل
وإن أضافه إلى جزء معين فوجهان مرتبان وأولى بحصوله دفعة وقد سبق هذا الخلاف بتفاريعه في الطلاق
ولو أعتق أمته الحامل بمملوك له عتق الحمل أيضا لا بالسراية فإن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص بل بطريق التبع كما يتبعها في البيع إلا أن البيع يبطل باستثنائه والعتق لا يبطل لقوته
ولهذا لو استثنى عضوا في البيع بطل بخلاف العتق
ولو أعتق الحمل عتق ولم يعتق الأم على الصحيح لأنها لا تتبعه
وقال الأستاذ أبو إسحق الإسفراييني تعتق بعتقه
ولو كانت الأم لواحد والحمل لاخر لم يعتق واحد منهما بعتق الاخر
ولو قال لأمته إذا ولدت فولدك حر أو كل ولد تلدينه حر فقد ذكرنا في الطلاق أنها إن كانت حاملا عند التعليق عتق الولد وإن كانت حائلا عتق أيضا على الأصح لأنه وإن لم يملك الولد حينئذ فقد ملك الأصل المفيد لملك الولد
ولو قال لأمته الحامل إن كان أول من تلدينه ذكرا فهو حر وإن كانت أنثى فأنت حرة فولدت ذكرا وأنثى فإن ولدت الذكر أولا عتق ورقت الأم والأنثى وإن ولدت الأنثى أولا عتقت الأم والذكر أيضا لكونه في بطن عتيقه وترق الأنثى لأن عتق الأم طرأ بعد مفارقتها
وإن ولدتهما معا فلا عتق إذ لا أول فيهما
ولو لم يعلم هل ولدتهما معا أو مرتبا فلا عتق للشك
وإن علم سبق أحدهما وأشكل فالذكر حر بكل حال والأنثى رقيقة بكل حال والأم مشكوك فيها فيؤمر السيد بالبيان فإن مات قبل البيان فالأصح أنها رقيقة عملا بالأصل
وقال ابن الحداد يقرع

عليها بسهم رق وسهم عتق قال الشيخ أبو علي ما ذكره ابن الحداد غلط عند عامة الأصحاب لأنا شككنا في عتقها والقرعة لا يثبت مشكوكا فيه وإنما يستعمل في تعيين ما تيقنا أصله
قال الشيخ أبو علي هذا كله إذا ولدت في صحة السيد فلو ولدت في مرض موته نظر إن كان الثلث يفي بالجميع لم يختلف الجواب وإن لم يف بأن لم يكن له إلا هذه الأمة وما ولدت أقرع بين الأم والغلام فإن خرجت على الغلام عتق وحده إن خرج من الثلث وإن خرجت على الأم قومت حاملا بالغلام يوم ولدت الجارية إن ولدتها أولا ويعتق منها ومن الغلام قدر الثلث فإن كانت قيمة الجارية مائة وقيمة الأم حاملا بالغلام مائتين فيعتق نصفها ونصف الغلام وهو مائة ويبقى للورثة النصفان وهو مائة والجارية وهي مائة أخرى
الحالة الثانية أن يكون الباقي لغيره فيعتق نصيبه فإن كان موسرا بقيمة باقية لزمه قيمته للشريك وعتق الباقي عليه وولاء جميع العبد له وإن كان معسرا الباقي على ملك الشريك وإنما يثبت التقويم بأربعة شروط
أحدها كون المعتق موسرا وليس معناه أن يعد غنيا بل إذا كان له من المال ما يفي بقيمة نصيب شريكه قوم عليه وإن لم يملك غيره ويصرف إلى هذه الجهة كل ما يباع في الدين فيباع مسكنه وخادمه وكل ما فضل عن قوت يوم وقوت من تلزمه نفقته ودست ثوب يلبسه وسكنى يوم والاعتبار في اليسار بحالة الأعتاق فإن كان معسرا ثم أيسر فلا تقويم
ولو ملك قيمة الباقي لكن عليه دين بقدره قوم عليه على الأظهر واختاره الأكثرون لأنه مالك لما في يده نافذ تصرفه
ولهذا

لو اشترى به عبدا وأعتقه نفذ
والثاني لا يقوم لأنه غير موسر بل لو أبرىء عن الدين لم يقوم عليه أيضا كالمعسر يوسر فعلى الأول يضارب الشريك بقيمة نصيبه مع الغرماء فإن أصابه بالمضاربة ما يفي بقيمة جميع نصيبه فذاك وإلا اقتصر على حصته ويعتق جميع العبد إن قلنا تحصل السراية بنفس الإعتاق وإن قلنا لا تحصل بنفس الإعتاق ضارب الشريك بقيمة باقيه إلى أن يعتق الجميع
ولو كان بين رجلين عبد قيمته عشرون فقال رجل لأحدهما أعتق نصيبك منه عني على هذه العشرة وهو لا يملك غيرها فأجابه عتق نصيبه عن المستدعي ولا سراية لأنه زال ملكه عن العشرة بما جرى وإن قال علي عشرة في ذمتي فإن قلنا الدين يمنع التقويم لم يقوم وإن قلنا لا يمنع فإن قلنا السراية تحصل بنفس الإعتاق عتق جميع العبد ويقسم العشرة بين الشريكين بالسوية وتبقى لكل واحد خمسة في ذمته وإن قلنا لا يحصل بنفس الإعتاق عتق من نصيب الشريك بالسراية حصة الخمسة وهو ربع العبد ويبقى الباقي على الرق وللشريك المستدعي منه خمسة في ذمته
ولو ملك نصفين من عبدين متساويي القيمة فأعتق نصيبه منهما وهو موسر بنصف قيمة أحدهما نظر إن أعتقهما معا عتق نصيبه منهما وسرى إلى نصف نصيب الشريك من كل منهما فيعتق من كل منهما ثلاثة أرباعه وهذا إذا حكمنا بالسراية في الحال
وقلنا اليسار بقيمة بعض النصيب يقتضي السراية بالقسط وإن أعتق مرتبا سرى إلى جميع الأول
ثم إن قلنا الدين يمنع السراية فلا سراية في العبد

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28