كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

فكان فيه زرع موجود ففي جواز المزارعة تبعا وجهان بناء على هذين القولين

فصل إذا كان في الحديقة نوعان من التمر فصاعدا كالصيحاني والعجوة والدقل
فإن علما قدر كل نوع جاز وإن جهله أحدهما لم يجز
ومعرفة كل نوع إنما تكون بالنظر والتخمين دون التحقيق
وإن ساقاه على النصف من الكل جاز وإن جهلا قدر النوعين
ولو ساقاه على أنه إن سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فالنصف لم يصح للجهل
ولو ساقاه على حديقته بالنصف على أن يساقيه على أخرى بالثلث أو على أن يساقيه العامل على حديقته ففاسد
وهل تصح المساقاة الثانية ينظر إن عقدها وفاء بالشرط الأول لم يصح وإلا فيصح وسبق نظيره في الرهن
فرع حديقة بين اثنين مناصفة ساقى أحدهما صاحبه وشرط له ثلثي الثمار
صح وقد شرط له ثلث ثمرته
وإن شرط له ثلث الثمار أو نصفها لم يصح لأنه لم يثبت له عوضا بالمساقاة فإنه يستحق النصف بالملك
وإذا عمل ففي استحقاقه الاجرة الوجهان
ولو شرط له جميع الثمار فسد وفي الأجرة وجهان لأنه لم يعمل له إلا أنه انصرف إليه
والله أعلم قلت أصحهما له الأجرة
والله أعلم

ولو شرط في المساقاة مع الشريك أن يتعاونا على العمل فسدت وإن أثبت له زيادة على النصف كما لو ساقى أجنبيا على هذا الشرط
ثم إن تعاونا واستويا في العمل فلا أجرة لواحد منهما
وإن تفاوتا فإن كان عمل من شرط له الزيادة أكثر استحق على الأجرة بالحصة من عمله
وإن كان عمل الآخر أكثر ففي استحقاقه الأجرة الوجهان
أما لو أعانه من غير شرط فلا يضر
ولو ساقى الشريكان أجنبيا وشرطا له جزءا من ثمرة كل الحديقة ولم يعلم نصيب كل واحد منهما جاز
فإن قالا على أن لك من نصيب أحدنا النصف ومن نصيب الآخر الثلث من غير تعيين لم يصح وإن عينا فإن علم نصيب كل واحد صح وإلا فلا

فرع كانت الحديقة لواحد فساقى اثنين على أن لأحدهما نصف الثمرة وللآخر
الثلث
فرع حديقة بين ستة أسداسا فساقوا رجلا على أن له من نصيب
النصف ومن نصيب الثاني الربع ومن الثالث الثمن ومن الرابع الثلثين ومن الخامس الثلث ومن السادس السدس فحسابه أن مخرج النصف والربع يدخلان في مخرج الثمن ومخرج الثلثين والثلث يدخل في السدس تبقى ستة وثمانية يضرب وفق أحدهما في الآخر تبلغ أربعة وعشرين تضربه في عدد

الشركاء وهو ستة تبلغ مائة وأربعة وأربعين لكل واحد منهم أربعة وعشرون فيأخذ العامل ممن شرط له النصف اثني عشر ومن الثاني ستة ومن الثالث ثلاثة ومن الرابع ستة عشر ومن الخامس ثمانية ومن السادس أربعة فيجتمع له تسعة وأربعون
الركن الرابع العمل ( وشروطه ) قريبة من عمل القراض وإن اختلفا في الجنس
فمنها أن لا يشرط عليه عمل ليس من أعمال المساقاة
ومنها أن يستبد العامل باليد في الحديقة ليتمكن من العمل متى شاء
فلو شرطا كونه في يد المالك أو مشاركته في اليد لم يصح
ولو سلم المفتاح إليه وشرط المالك الدخول عليه جاز على الصحيح
ووجه الثاني أنه إذا دخل كانت الحديقة في يده ويتعوق بحضوره العمل
ومنها أن ينفرد العامل بالعمل
فلو شرطا مشاركة المالك في العمل فسد العقد وإن شرطا أن يعمل معه غلام المالك جاز على المذهب والمنصوص
وقيل وجهان كالقراض
هذا إذا شرطا معاونة الغلام ويكون تحت تدبير العامل
فلو شرطا اشتراكهما في التدبير ويعملان ما اتفقا عليه لم يجز بلا خلاف
وإذا جوزناه في الأول فلا بد من معرفة الغلام بالرؤية أو الوصف
وأما نفقته فإن شرطاها على المالك جاز وإن شرطاها على العامل جاز أيضا على الأصح
وعلى هذا هل يجب تقديرها ليعرف ما يدفع إليه كل يوم من الخبز والأدم أم لا بل يحمل على الوسط المعتاد لأنه يتسامح به وجهان وبالثاني قطع الشيخ أبو حامد
وإن شرطاها في الثمار فقطع البغوي بالمنع لأن ما يبقى مجهول
وقال صاحب الإفصاح يجوز لأنه قد يكون من صلاح المال ويشبه أن يتوسط فيقال إن شرطاها من جزء معلوم بأن شرطا للمالك ثلث الثمار وللعامل ثلثها ويصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام
جاز وكأن المشروط للمالك ثلثاها
وإن شرطاها في الثمار بغير تقدير جزء لم يصح
ولو لم يتعرضا للنفقة أصلا فالمذهب والذي قطع به

الجمهور أنها على المالك
وفي وجه على العامل حكاه في المهذب
ولصاحب الافصاح احتمالان آخران
أحدهما أنها من الثمرة والآخر يفسد العقد ولا يجوز للعامل استعمال الغلام في عمل نفسه
ولو شرط أن يعمل له بطل العقد
ولو كان برسم الحديقة غلمان يعملون فيها لم يدخلوا في مطلق المساقاة
ولو شرط استئجار العامل من يعمل معه من الثمرة بطل العقد
ولو شرط كون أجرة من يعمل معه على المالك بطل على المذهب وبه قطع الأصحاب وشذ الغزالي فذكر في جوازه وجهين

فصل يشترط لصحة المساقاة أن تكون مؤقتة

فإن وقت بالشهور أو السنين العربية فذاك ولو وقت بالرومية وغيرها جاز إذا علماها فإن أطلقا لفظ السنة انصرف إلى العربية
وإن وقت بادراك الثمرة فهل يبطل كالاجارة أم يصح لأنه المقصود وجهان
أصحهما عند الجمهور أولهما وبه قطع البغوي وصحح الغزالي الثاني
فعلى الثاني لو قال ساقيتك سنة وأطلق فهل يحمل على السنة العربية أم سنة الادراك وجهان زعم أبو الفرج السرخسي ( أن ) أصحهما الثاني
فإن قلنا بالأول أو وقت بالزمان فأدركت الثمار والمدة باقية لزم العامل أن يعمل في تلك البقية ولا أجرة له
وإن انقضت المدة وعلى الشجر طلع أو بلح فللعامل نصيبه منها وعلى المالك التعهد إلى الادراك
وإن حدث الطلع بعد المدة فلا حق للعامل فيه
ولو ساقاه أكثر من سنة ففي صحته الأقوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في الاجارة أكثر من سة فإن جوزناه فهل يجب بيان حصة كل سنة أم يكفي قوله ساقيتك على النصف لاستحقاق النصف كل سنة

قولان أو وجهان كالاجارة
وقيل يجب هنا قطعا لكثرة الاختلاف في الثمر بخلاف المنافع فلو فاوت بين الجزء المشروط في السنين لم يصح على المذهب
وقيل قولان كالسلم إلى آجال
ولو ساقاه سنين وشرط له ثمرة سنة بعينها والأشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح
قلت ولو ساقاه تسع سنين وشرط له ثمرة العاشرة لم يصح قطعا وكذا إن شرط له ثمرة التاسعة على الصحيح
والله أعلم الركن الخامس الصيغة ولا تصح المساقاة بدونها على الصحيح
وفيها الوجه المكتفى في العقود بالتراضي والمعاطاة وكذا في القراض وغيره
ثم أشهر الصيغ ساقيتك على هذه النخيل بكذا أو عقدت معك عقد المساقاة
قال الأصحاب وينعقد بكل لفظ يؤدي معناها كقوله سلمت إليك نخيلي لتتعهدها على كذا أو اعمل على هذا النخيل أو تعهد نخيلي بكذا وهذا الذي قالوه يجوز أن يكون تفريعا على أن مثله من العقود ينعقد بالكناية ويجوز أن يكون ذهابا إلى أن هذه الألفاظ صريحة ويعتبر في المساقاة لقبول قطعا ولا يجيء فيها الوجه المذكور في القراض والوكالة للزومهما

فرع لو عقدا بلفظ الاجارة فقال استأجرتك لتتعهد نخيلي بكذا من ثمارها
أو عقدا الاجارة بلفظ المساقاة فوجهان في المسألتين
أحدهما الصحة لما بين البابين من المشابهة واحتمال كل لفظ معنى الآخر
وأصحهما المنع لأن لفظ الاجارة صريح في غير المساقاة فإن أمكن تنفيذه في موضوعه نفذ فيه وإلا فلا وهو

إجارة فاسدة والخلاف راجع إلى أن الاعتبار باللفظ أو المعنى ولو قال ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون أجرة لك فلا بأس لسبق لفظ المسآقاة
هذا إذا قصد بلفظ الاجارة المساقاة أما إذا قصدا الاجارة نفسها فينظر إن لم تكن خرجت الثمرة لم يجز لأن شرط االأجرة أن تكون في الذمة أو موجودة معلومة
وإن كانت خرجت وبدا فيها الصلاح جاز سواء شرط ثمرة نخلة معينة أو جزءا شائعا كذا أطلقوه ولكن يجيء فيه ما سنذكره إن شاء الله تعالى في مسألة قفيز الطحان وأخواتها
وإن لم يبد فيها الصلاح فإن شرط له ثمرة نخيله بعينها جاز بشرط القطع وكذا لو شرط كل الثمار للعامل
وإن شرط جزءا شائعا لم يجز وإن شرط القطع لما سبق في البيع
وإذا عقدا بلفظ المساقاة فالصحيح أنه لا يحتاج إلى تفصيل الأعمال بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب
وقيل يجب تفصيلها
وهذا الخلاف إذا علم المتعاقدان العرف المحمول عليه
فإن جهله أحدهما وجب التفصيل قطعا

الباب الثاني في أحكام المساقاة
ويجمعها حكمان
أحدهما ما يلزم العامل والمالك
والثاني في لزومها
أما الأول فكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها أو صلاح ويتكرر كل سنة فهو على العامل
وإنما اعتبرنا التكرار لأن ما يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة وتكليف العامل مثل هذا إجحاف به
فما يجب عليه السقي وما يتبعه من إصلاح طريق المال والاجاجين التي يقف فيها الماء وتنقية الآبار والأنهار من الحمأة ونحوها
وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي على ما يقتضيه الحال

وفي تنقية النهر وجه ضعيف أنها على المالك
ووجه أنها على من شرطت عليه منهما
فإن لم يذكراها فسد العقد
ومنه تقليب الأرض بالمساحي وكرابها في المزارعة
قال المتولي وكذا تقويتها بالزبل وذلك بحسب العادة
ومنه التلقيح ثم الطلع الذي يلقح به على المالك لأنه عين مال وإنما يكلف العامل العمل
ومنها تنحية الحذيش المضر والقضبان المضرة بالشجر
ومنه تصريف الجريد
والجريد سعف النخل
وحاصل ما قالوه في تفسيره شيئان
أحدهما قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس
والثاني ردها عن وجوه العناقيد بينها لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الادراك
ومنه تعريش شجر العنب حيث جرت العادة به
قال المتولي ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا عن الشمس عند الحاجة
وفي حفظ الثمار وجهان
أحدهما على العامل كحفظ مال القراض
فإن لم يحفظ بنفسه فعليه مؤنة من يحفظه
والثاني على العامل والمالك جميعا بحسب اشتراكهما في الثمار لأن الذي يجب على العامل ما يتعلق بزيادة الثمر وتنميته ويجري الوجهان في حفظ الثمر عن الطيور والزنانير بأن يجعل كل عنقود في قوصرة فيلزم ذلك على العامل على الاصح عند جريان العادة ( به ) وهذه القوصرة على المالك ويلزم العامل جداد الثمرة على الصحيح وبه قطع الأكثرون لأنه من الصلاح
وقيل لا لأنه بعد الفراغ
ويلزمه تجفيف الثمار على الصحيح إذا طردت العادة أو شرطاه
وإذا وجب التجفيف وجب تهيئة موضعه وتسويته ويسمى البيدر والجرين ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس
وأما ما لا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الأصول فهو من وظيفة المالك وذلك كحفر الآبار والأنهار الجديدة والتي انهارت وبناء الحيطان ونصب

الأبواب والدولاب ونحوها
وفي ردم الثلم اليسيرة التي تتفق في الجدران ووضع الشوك على رأس الجدار وجهان كتنقية الأنهار
والأصح اتباع العرف
وأما الآلات التي يتوفر بها العمل كالفأس والمعول والمسحاة والثيران والفدان في المزرعة والثور الذي يدير الدولاب فالصحيح أنها على المالك
وقيل هي على من شرطت عليه ولا يجوز السكوت عنها وبه قال أبو إسحاق وأبو الفرج السرخسي
وخراج الأرض الخراجية على المالك قطعا وكذا كل عين تتلف في العمل فعلى المالك قطعا
ثم كل ما وجب على العامل فله استئجار المالك عليه ويجيء فيه وجه
ولو شرط على المالك في العقد بطل العقد وكذا ما على المالك لو شرط على العامل بطل العقد ولو فعله العامل بلا إذن لم يستحق شيئا وإن فعله بإذن المالك استحق الأجرة
وجميع ما ذكرناه تفريع على الصحيح في أن تفصيل الأعمال لا يجب في العقد
فإن أوجبناه فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيرا مقتضي العقد
الحكم الثاني المساقاة عقد لآزم كالاجارة ويملك العامل حصته من الثمرة بالظهور على المذهب
وقيل قولان كالقراض
والفرق على المذهب أن الربح في القراض وقاية لرأس المال بخلاف الثمر

فرع إذا هرب العامل قبل تمام العمل نظر إن تبرع المالك بالعمل
بمؤنة من يعمل بقي استحقاق العامل بحاله وإلا رفع الأمر إلى الحاكم وأثبت عنده المساقاة ليطلبه الحاكم فإن وجده أجبره على العمل وإلا استأجر عليه من يعمل
ومن أين يستأجر ينظر إن كان للعامل مال فمنه وإلا فإن كان بعد بدو الصلاح

باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة للمالك أو غيره واستأجر بثمنه
وإن كان قبل بدو الصلاح إما قبل خروج الثمرة استقرض عليه من المالك أو غيره أو من بيت المال واستأجر به ثم يقضيه العامل إذا رجع أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح أو الإدراك
ولو وجد يستأجره بأجرة مؤجلة استغنى عن الاقتراض
وإن فعل المالك بنفسه أو أنفق عليه يفعل لم يرجع
وإن لم يمكنه الاشهاد ففي رجوعه وجهان
أصحهما عند الجمهور لا يرجع لأنه عذر نادر
وحكي وجه أنه يرجع وإن تمكن من الاشهاد وهو شاذ
وإن أشهد رجع على الأصح للضرورة
وقيل لا لئلا يصير حاكما لنفيه
ثم الاشهاد المعتبر أن يشهد على العمل أو الاستئجار وأنه بذل ذلك بشرط الرجوع
فأما الإشهاد على العمل أو الاستئجار من غير تعرض للرجوع فهو كترك الإشهاد قال في الشامل
وإذا أنفق المالك بإذن الحاكم ليرجع فوجهان
وجه المنع أنه منهم في حق نفسه
فطريقه أن يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالانفاق
ولو استأجره لباقي العمل فوجهان بناء على ما لو أجر داره ثم استأجرها من المستأجر
ومتى تعذر إتمام العمل بالاستقراض وغيره فإن لم تكن الثمرة خرجت فللمالك فسخ العقد على الصحيح للتعذر والضرورة
وقال ابن أبي هريرة لا يفسخ لكن يطلب الحاكم من يساقي عن العامل فربما فضل له شىء
وإن كانت الثمرة قد خركت فهي مشتركة بينهما
فان بدا صلاحها بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به عامل
وإن لم يبد تعذر بيع نصيبه وحده لأن شرط القطع في المشاع لا يكفي
فإما أن يبيع المالك نصيبه معه ليشرط القطع في الجميع وإما أن يشتري المالك نصيبه فيصح على الأصح

في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح لصاحب الشجرة يكفي عن اشتراط القطع
فإن لم يرغب في بيع ولا شراء وقف الأمر حتى يصطلحا
وهذا كله تفريع على أنه لا يثبت الفسخ بعد خروج الثمرة وهو الصحيح
وقال في المهذب يفسخ وتكون الثمرة بينهما ولا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمرة فائدة
ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة فرعان
أحدهما إذا فسخ غرم المالك للعامل أجرة مثل ما عمل ولا يقال يتوزيع الثمار على أجرة مثل جميع العمل إذ الثمار ليست موجودة عند العقد حتى يقتضي العقد التوزيع فيها
الثاني جاء أجنبي وقال لا تفسخ لأعمل نيابة عن العامل لم يلزم الإجابة لأنه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه
لكن لو عمل نيابة بغير علم المالك وحصلت الثمار سلم للعامل نصيبه منها وكان الاجنبي متبرعا ( عليه ) هكذا قالوه
ولو قيل وجود المتبرع كوجود مقرض حتى لا يجوز الفسخ لكان قريبا
والعجز عن العمل بمرض ونحوه كالهرب

فصل ولو مات مالك الشجر في أثناء المدة لم تنفسخ المساقاة بل
العامل ويأخذ نصيبه
وإن مات العامل فان كانت المساقاة على عينه انفسخت بموته كالاجير ( المعين )
وإن كانت على الذمة فوجهان
أحدهما تنفسخ لانه لا يرضي بيده غيره
والثاني وهو الصحيح وعليه التفريع لا تنفسخ كالاجارة بل ينظر إن خلف تركة تمم وارثه العمل بأن يستأجر من يعمل وإلا فان أتم العمل بنفسه أو استأجر من ماله من يتم فعلى المالك تمكينه إن كان أمينا مهتديا إلى أعمال المساقاة ويسلم له المشروط
وإن أبى لم يجبر عليه على الصحيح
وقيل يجبر لانه خليفته وهو شاذ لان منافعه لنفسه وإنما يجبر على أداء ما على المورث من تركته
لكن لو خلف تركة وامتنع الوارث من الاستئجار منها

استأجر الحاكم
وإن لم يخلف تركه لم يستقرض على الميت بخلاف الحي إذا هرب
ومهما لم يتم العمل فالقول في ثبوت الفسخ وفي الشركة وفصل الأمر إذا خرجت الثمار كما ذكرناه في الهرب
وهذا الذي ذكرناه من أن المساقاة تكون على العين وفي الذمة هو تفريع على جوازها على العين وهو المذهب المقطوع به وتردد فيها بعضهم لما فيها من التضييق

فرع نقل المتولي أنه إذا لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار
بجائحة أو غصب فعلى العامل إتمام العمل وإن تضرر به
كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر خسران ولم ينل إلا التعب
وهذا أصح مما ذكره البغوي أنه إذا تلفت الثمار كلها بالجائحة ينفسخ العقد إلا أن يريد بعد تمام العمل وتكامل الثمار
قال وإن هلك بعضها فللعامل الخيار بين أن يفسخ العقد ولا شىء له وبين أن يجيز ويتم العمل ويأخذ نصيبه
فصل دعوى المالك على العامل السرقة والخيانة في الثمر أو السعف لا تقبل

فاذا حررها وأنكر العامل فالقول قول العامل مع يمينه
فان ثبتت خيانته ببينة أو باقراره أو بيمين المالك بعد نكوله فقيل قولان
أحدهما يستأجر عليه من يعمل عنه
والثاني يضم إليه أمين يشرف عليه
وقال الجمهور هي على حالين إن أمكن حفظه بضم مشرف قنع به وإلا أزيلت يده بالكلية واستؤجر عليه من يعمل
ثم إذا استؤجر عليه فالأجرة

في ماله
وأما أجرة المشرف فعليه أيضا على المذهب وبه قطع الجمهور
وقال المتولي تبنى على مؤنة الحفظ إن جعلناها على العامل فكذا أجرة المشرف وإن جعلناها عليهما فكذا هنا
وقال في الوسيط أجرة المشرف على العامل إن ثبتت خيانته بالبينة أو بإقراره وإلا فعلى المالك
وهذا الذي ذكره مشكل وينبغي إذا لم تثبت خيانته أن لا يتمكن المالك من ضم مشرف إليه لما فيه من إبطال استقلاله باليد

فصل إذا خرجت الأشجار المساقى عليها مستحقة أخذها المالك مع الثمار

وإن جففاها ونقصت قيمتها بالتجفيف استحق الأرش أيضا ويرجع العامل على الغاصب الذي ساقاه بأجرة المثل كما لو استأجر الغاصب من عمل في المغصوب عملا وقيل لا أجرة تخريجا على قولي الغرور وكما لو تلفت بجانحة
والصحيح الأول
وإن أتلفها فللمالك الخيار في نصيب العامل بين أن يطالب بضمانه العامل أو الغاصب
والقرار على العامل على الصحيح
وقيل على الغاصب كما لو أطعمه الطعام المغصوب على قول
وأما نصيب الغاصب فللمالك مطالبته به
وفي مطالبته العامل به وجهان
أصحهما عند الجمهور يطالبه لثبوت يده لم كما يطالب عامل القراض والمودع إذا خرج مستحقا
والثاني لا لأن يده تثبت عليه مقصودة
وعلى الوجهين يخرج ما إذا تلف جميع الثمار قبل القسمة بجائحة أو غصب فان ثبتنا يد العامل عليها فهو مطالب وإلا فلا
ولو تلف شىء من الاشجار ففيه الوجهان
وإذا قلنا يطالب العامل بنصيب

الغاصب ففي رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع
والمذهب القطع بالرجوع

فصل إذا اختلفا في قدر المشروط للعامل ولا بينة تحالفا كما في

وإذا تحالفا وتفاسخا قبل العمل فلا شىء للعامل
وإن كان بعده فله أجرة مثل عمله
وإن كان لاحدهما بينة قضي بها
وإن كان لكل منهما بينة فإن قلنا يتساقطان وهو الأظهر فهو كما لو لم يكن لهما بينة فيتحالفان
وإن قلنا تستعملان فيقرع بينهما
ولا يجيء قولا الوقف والقسمة لان الاختلاف في العقد وهو لا يقسم ولا يوقف
وقيل تجيء القسمة في القدر المختلف فيه فيقسم بينهما نصفين
ولو ساقاه شريكان في الحديقة فقال العامل شرطتما لي نصف الثمر وصدقه أحدهما وقال الآخر بل شرطنا الثلث فنصيب المصدق مقسوم بينه وبين العامل
وأما نصيب المكذب فيتحالفان فيه
ولو شهد المصدق للعامل أو المكذب قبلت شهادته لعدم التهمة
ولو اختلفا في قدر الاشجار المعقود عليها أو في رد شىء من المال أو هلاكه فالحكم كما ذكرناه في القراض
فصل إذا بدا صلاح الثمار فإن وثق المالك بالعامل تركها في يده
الادراك فيقتسمان حينئذ إن جوزناها أو يبيع أحدهما نصيبه للثاني أو يبيعان لثالث
وإن لم يثق به وأراد تضيمنه التمر أو الزبيب بني على أن الخرص عبرة أو تضمين

فان قلنا عبرة لم يجز
وإن قلنا تضمين جاز على الأصح كما في الزكاة
ويجري الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص

فصل إذا انقطع ماء البستان وأمكن رده ففي تكليف المالك السعي فيه
وجهان
أحدهما لا كما لا يكلف الشريك العمارة ولا المكري
والثاني يكلف لانه لا يتمكن من العمل إلا به فأشبه ما لو استأجره لقصاة ثوب بعينه يكلف تسليمه
فعلى هذا لو لم يسع في رده لزمه للعامل أجرة عمله
ولو لم يمكن رد الماء فهو كما لو تلفت الثمار بجائحة
قلت أصحهما لا يكلف
والله أعلم فصل السواقط وهي السعف التي تسقط من النخل يختص بها المالك وما يتبع الثمن فهو بينهما
قال الشيخ أبو حامد ومنه الشماريخ
فصل دفع بهيمة إليه ليعمل عليها وما رزق الله تعالى فهو بينهما
فالعقد فاسد
ولو قال تعهد هذه الغنم بشرط أن درها ونسلها بيننا فباطل أيضا لأن النماء لا يحصل بعمله
ولو قال اعلف هذه من عندك ولك نصف درها ففعل وجب بدل

النصف على صاحب الشاة والقدر المشروط من الدر لصاحب العلف مضمون في يده لحصوله بحكم بيع فاسد والشاة غير مضمونة لأنها غير مقابلة بالعوض
ولو قال خذ هذه واعلفها لتسمن ولك نصفها ففعل فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه دون الباقي

فصل قال المتولي إذا كانت المساقاة في الذمة فللعامل أن يعامل غيره
لينوب عنه
ثم إن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه فذاك وإن شرط له أكثر فعلى الخلاف في تفريق الصفقة
فان جوزناه وجب للزيادة أجرة المثل وإن منعناه فالأجرة للجميع
وإن كانت المساقاة على عينه لم يكن له أن يستنيب ويعامل غيره فلو فعل انفسخت المساقاة بتركه العمل وكانت الثمار كلها للمالك ولا شىء للعامل الاول
وأما الثاني فان علم فساد العقد فلا شىء له وإلا ففي استحقاقه أجرة المثل الخلاف في خروج الثمار مستحقة
فصل بيع الحديقة التي ساقى عليها في المدة يشبه بيع العين المستأجرة
ولم أر له ذكرا لكن في فتاوى البغوي أن المالك إن باعها قبل خروج الثمرة لم يصح لإن للعامل حقا في ثمارها فكأنه استثنى بعض الثمرة
وإن كان بعد خروج الثمرة صح البيع في الاشجار ونصيب المالك من الثمار ولا حاجة إلى شرط القطع لانها مبيعة مع الاصول ويكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع
وإن باع نصيبه من الثمرة وحدها لم يصح للحاجة إلى شرط القطع وتعذره في الشائع
قلت هذا الذي قاله البغوي حسن وهذه المسألة لم يذكرها الرافعي هنا بل في آخر كتاب الاجارة
والله أعلم

باب المزارعة والمخابرة
قال بعض الاصحاب هما بمعنى والصحيح وظاهر نص الشافعي رضي الله عنه أنهما عقدان مختلفان
فالمخابرة هي المعاملة على الارض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل
والمزارعه مثلها إلا أن البذر من المالك
وقد يقال المخابرة اكتراء الارض ببعض ما يخرج منها
والمزارعة اكتراء العامل لزرع الأرض ببعض ما يخرج منها
والمعنى لا يختلف
قلت هذا الذي صححه الإمام الرافعي هو الصواب
وأما قول صاحب البيان قال أكثر أصحابنا هما بمعنى فلا يوافق عليه فنبهت عليه لئلا يغتر به
والله أعلم والمخابرة والمزارعة باطلتان وقال ابن سريج تجوز المزارعة
قلت قد قال بجواز المزارعة والمخابرة من كبار أصحابنا أيضا ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وصنف فيها ابن خزيمة جزءا وبين فيه علل الأحاديث الواردة بالنهي عنها وجمع بين أحاديث الباب ثم تابعه الخطابي وقال ضعف أحمد ابن حنبل حديث النهي وقال هو مضطرب كثير الالوان
قال الخطابي وأبطلها مالك وأبو حنيفة و الشافعي رضي الله عنهم لانهم لم يقفوا على علته قال فالمزارعة جائزة وهي عمل المسلمين في جميع الامصار لا يبطل العمل بها أحد
هذا كلام الخطابي
والمختار جواز المزارعة والمخابرة وتأويل الأحاديث على ما إذا شرط

أحدهما زرع قطعة معينة والآخر أخرى والمعروف في المذهب إبطالهما وعليه تفريع مسائل الباب
والله أعلم فمتى أفردت الارض لمخابرة أو مزارعة بطل العقد
فان كان البذر للمالك فالغلة له وللعامل أجرة مثل عمله وأجرة البقر والآلات إن كانت له
وإن كان البذر للعامل فالغلة له ولمالك الأرض عليه أجرة مثلها
وإن كان لهما فالغلة لهما ولكل واحد على الآخر أجرة مثل ما انصرف من منافعه إلى حصة صاحبه
وإذا أرادا أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع بحيث لا يرجع أحدهما على الآخر بشىء نظر إن كان البذر بينهما والأرض لأحدهما والعمل والآلات للآخر فلهما ثلاث طرق
أحدها قاله الشافعي رضي الله عنه يعير صاحب الأرض للعامل نصفها ويتبرع العامل بمنفعة بدنه وآلاته لأنه مما يختص صاحب الأرض
الثاني قاله المزني يكري صاحب الأرض للعامل نصفها بدينار مثلا ويكتري العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بدينار ويتقاصان
الثالث قاله الأصحاب يكريه نصف أرضه بنصف منافع العامل وآلاته وهذا أحوطها
وإن كان البذر لأحدهما فان كان لصاحب الأرض أقرض نصفه للعامل وأكراه نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع آلاته ولا شىء لأحدهما على الآخر إلا رد العوض
وإن شاء استأجر العامل بنصف البذر ليزرع له

النصف الآخر وأعاره نصف الأرض وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض ليزرع باقي البذر في باقي الأرض
وإن كان الندر للعامل فان شاء أقرض نصفه لصاحب الأرض واكترى منه نصفها بنصف عمله وعمل الآته وإن شاء اكترى نصف الأرض بنصف البذر وتبرع بعمله ومنافع آلاته وإن شاء اكترى منه نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع آلاته
ولا بد في هذه الاجارات من رعاية الشرائط كرؤية الأرض والآلات وتقدير المدة وغيرها
هذا كله إذا أفردت الأرض بالعقد
أما إذا كان النخيل بياض فتجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخيل ويشترط فيه اتحاد العامل فلا يجوز أن يساقي واحدا ويزارع آخر ويشترط أيضا تعذر إفراد النخيل بالسقي والأرض بالعمارة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها فان أمكن الافراد لم تجز المزارعة
واختلفوا في اعتبار أمور
أحدها اتحاد الصفقة فلفظ المعاملة يشمل المزارعة والمساقاة
فلو قال عاملتك على هذا النخيل والبياض بالنصف كفى
وأما لفظ المساقاة والمزارعة فلا يغني أحدهما عن الآخر بليساقي على النخيل ويزارع على البياض وحينئذ إن قدم المساقاة نظر إن أتى بهما على الاتصال فقد اتحدت الصفقة ووجد الشرط وإن فصل بينهما فقيل تصح المزارعة لحصولهما لشخص
والأصح المنع لأنها تبع فلا تفرد كالأجنبي
وإن قدم المزارعة فسدت على الصحيح لأنها تابعة
وقيل تنعقد موقوفة
فان ساقاه بعدها بانت صحتها وإلا فلا
الثاني لو شرط للعامل نصف الثمر وربع الزرع جاز على الأصح
وقيل يشترط التساوي لأن التفضيل يزيل التبعية
الثالث لو كثر البياض المتخلل مع عسر الافراد فقيل يبطل لان الاكثر

متبوع لا تابع
والأصح الجواز للحاجة
ثم النظر في الكثرة إلى زيادة النماء أم إلى مساحة البياض ومغارس الشجر وجهان
قلت أصحهما الثاني
والله أعلم الرابع لو شرطا كون البذر من العامل فهي مخابرة فقيل تجوز تبعا للمساقاة كالمزارعة
والأصح المنع لأن الحديث ورد في المزارعة تبعا في قصة خيبر دون المخابرة ولأن المزارعة أشبه بالمساقاة لانه لا يتوظف على العامل فيهما إلا العمل
فلو شرط أن يكون البذر من المالك والبقر من العامل أو عكسه قال أبو عاصم العبادي فيه وجهان
أصحهما الجواز إذا شرط البذر على المالك لأنه الأصل فكأنه اكترى العامل وبقره قال فان جوزنا فيما إذا شرط البقر على المالك والبذر على العامل نظر فان شرط التبن والحب بينهما جاز وكذا لو شرط الحب بينهما والتبن لاحدهما لاشتراكهما في المقصود
فان شرط التبن لصاحب الثور وهو مالك الارض وشرط الحب للآخر لم يجز لأن المالك هو الأصل فلا يمنع المقصود
وإن شرطا التبن لصاحب البذر وهو العامل فوجهان
وقيل لا يجوز شرط الحب لاحدهما والتبن للآخر أصلا
واعلم أنهم أطلقوا القول في المخابرة بوجوب أجرة مثل الأرض لكن في فتاوى القفال والتهذيب وغيرهما أنه لو دفع أرضا إلى رجل ليغرس أو يبني أو يزرع فيها من عنده على أن يكون بينهما مناصفة فالحاصل للعامل وفيما يلزمه من أجيرة الأرض وجهان
أحدهما نصفها لانه غرس نصف الغرس لصاحب الارض بإذنه فقد رضي ببطلان منفعة النصف
وأصحهما جميعها لانه إنما رضي ليحصل له نصف

الغراس فاذا إطلاقهم في المخابرة تفريع على الاصح
ثم العامل يكلف نقل البناء والغراس إن لم تنقص قيمتهما
وإن نقصت لم يقلع مجانا للاذن بل يتخير مالك الأرض فيهما تخير المعير والزرع يبقى إلى الحصاد
ولو زرع العامل البياض بين النخيل من غير إذن قلع زرعه مجانا
وإذا لم نجوز المساقاة على ما سوى النخيل والعنب من الشجر المثمر منفردا ففي جوازها تبعا للمساقاة كالمزارعة وجهان
قلت أصحهما الجواز
والله أعلم

كتاب الإجارة
فيه ثلاثة أبواب
الأول في أركانها وهي أربعة
( الركن ) الاول العاقدان ويعتبر فيهما العقل والبلوغ كسائر التصرفات
الركن الثاني الصيغة وهي أن يقول أكريتك هذه الدار أو آجرتكها مدة كذا بكذا فيقول على الاتصال ( قبلت أو ) استأجرت أو اكتريت
ولو أضاف إلى المنفعة فقال أجرتك أو أكريتك منافع هذه الدار فوجهان
أصحهما الجواز وبه قطع في الشامل وذكر المنفعة تأكيد كقوله بعتك عين هذه الدار أو رقبتها فانه يصح البيع والثاني المنع وبه قطع الإمام لأن لفظ الاجارة وضع مضافا إلى العين
وإن كان العقد في الذمة فقال ألزمت ذمتك كذا فقيل جاز وأغنى عن لفظ الاجارة والاكراء
وإن تعاقد بصيغة التمليك نظر إن أضاف إلى المنفعة فقال ملكتك منفعتها شهرا جاز على الصحيح ( المعروف ) فان الاجارة تمليك منفعة بعوض
ولو قال بعتك منفعة هذه الدار شهرا فوجهان
قال ابن سريج يجوز لان الاجارة صنف من البيع
والأصح المنع لان البيع موضوع لملك الاعيان فلا يستعمل في المنافع كما لا ينعقد البيع بلفظ الاجارة
وقيل وبالمنع قطعا
الركن الثالث الأجرة
فالاجارة قسمان
واردة على العين كمن استأجر دابة بعينها ليركبها أو يحمل عليها أو شخصا بعينه لخياطة ثوب
وواردة على الذمة كمن أستأجر دابة موصوفة للركوب أو الحمل أو قال ألزمت ذمتك

خياطة هذا الثوب أو بناء الحائط فقبل
وفي قوله استأجرتك لكذا أو لتفعل كذا وجهان
أصحهما أن الحاصل به إجارة عين للإضافة إلى المخاطب كما لو قال استأجرت هذه الدابة
والثاني إجارة ذمة وعلى هذا إنما تكون إجارة عين إذا زاد فقال استأجرت عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا
وإجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين لأنه لا يثبت في الذمة ولهذا لا يجوز السلم في أرض ولا دار

فرع إذا وردت الاجارة على العين لم يجب تسليم الأجرة في المجلس
كما لا يشترط تسليم الثمن في البيع
ثم إن كانت في الذمة فهي كالثمن في الذمة في جواز الاستبدال وفي أنه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم كانت مؤجلة أو منجمة
وإن شرط التعجيل كانت معجلة وإن أطلق فمعجلة وملكها المكري بنفس العقد استحق استيفاءها إذا سلم العين إلى المستأجر
واستدل الأصحاب بأن المنافع موجودة أو ملحقة بالموجود ولهذا صح العقد عليها وجاز أن تكون الأجرة دينا وإلا لكان بيع دين بدين
فرع يشترط العلم بقدر الأجرة ووصفها إذا كانت في الذمة كالثمن في
الذمة فلو قال اعمل كذا لأرضيك أو أعطيك شيئا وما أشبهه فسد العقد وإذا عمل استحق أجرة المثل
ولو استأجره بنفقته أو كسوته فسد
ولو استأجره بقدر من الحنطة أو الشعير وضبطه ضبط السلم جاز
ولو استأجره بأرطال خبز بني على جواز

السلم في الخبز
ولو آجر الدار بعمارتها أو الدابة بعلفها أو الأرض بخراجها ومؤنتها أو بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق من الأجرة لم يصح
ولو أجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها إلى العمارة لم يصح لأن الأجرة الدراهم مع الصرف إلى العمارة وذلك عمل مجهول
ثم إذا صرفها في العمارة رجع بها
ولو أطلق العقد ثم أذن له في الصرف إلى العمارة وتبرع به المستأجر جاز
فإن اختلفا في قدر ما أنفق فقولان في أن القول قول من ولو أعطاه ثوبا وقال إن خطته اليوم فلك درهم أو غدا فنصف فسد العقد ووجبت أجرة المثل متى خاطه
ولو قال إن خطته روميا فلك درهم أو فارسيا فنصف فسد والرومي بغرزتين والفارسي بغرزة

فرع إذا أجلا الأجرة فحلت وقد تغير النقد اعتبر نقد يوم العقد

وفي الجعالة الاعتبار بيوم اللفظ على الأصح وقيل بوقت تمام العمل لأن الاستحقاق يثبت بتمام العمل
فرع هذا الذي سبق إذا كانت الأجرة في الذمة

فلو كانت معينة ملكت في الحال كالمبيع واعتبرت فيها الشرائط المعتبرة في المبيع حتى لو جعل الأجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ لم يجز لأنه لا يعرف صفته في الرقة والثخانة وغيرهما
وهل تغني رؤية الأجرة عن معرفة قدرها فيه طريقان
أحدهما على قولي رأس مال السلم
والثاني القطع بالجواز وهو المذهب

فصل أما الإجارة
الواردة على الذمة فلا يجوز فيها تأجيل الأجرة ولا الإستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الابراء بل يجب التسليم في المجلس كرأس مال السلم لأنه سلم في المنافع فإن كانت الأججرة مشاهدة غير معلومة القدر فعلى القولين في رأس مال السلم
هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم بأن قال أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فإن عقدا بلفظ الاجارة بأن قال استأجرت منك دابة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا فوجهان بنوهما على أن الاعتبار باللفظ أم بالمعنى أصحهما عند العراقيين وأبي علي والبغوي أنه كما لو عقدا بلفظ السلم ورجح بعضهم الآخر
فرع يجوز أن تكون الأجرة منفعة سواء اتفق الجنس كما إذا أجر
بمنفعة دار أو اختلف بأن أجرها بمنفعة عبد
ولا ربا في المنافع أصلا حتى لو أجر دارا بمنفعة دارين أو أجر حلي ذهب بذهب جاز ولا يشترط القبض في المجلس
فصل لا يجوز أن يجعل الأجرة شيئا يحصل بعمل الأجنبي كما لو
السلاخ ينسج الشاة بجلدها أو الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منه أو بالنخالة أو المرضعة بجزء من الرقيق المرتضع بعد الفطام أو قاطف الثمار بجزء

منها بعد القطاف أو لينسخ الثوب بنصفه فكل هذا فاسد وللأجير أجرة مثله
ولو استأجر المرضع بجزء من الرقيق في الحال أو قاطف الثمار بجزء منها على رؤوس الشجر أو كان الرقيق لرجل وامرأة فاستأجرها لترضعه بجزء منه أو بغيره جاز على الصحيح كما لو ساقى شريكه وشرط له زيادة من الثمر يجوز وإن كان يقع عمله في مشترك
وقيل لا يجوز ونقله الإمام والغزالي عن الاصحاب لأن عمل الاجير ينبغي أن يقع في خاص ملك المستأجر وهو ضعيف
قال البغوي لو استأجر شريكه في الحنطة ليطحنها أو الدابة ليتعهدها بدراهم جاز
ولو قال استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي قال المتولي والبغوي يجوز ثم يتقاسمان قبل الطحن فيأخذ الاجرة ويطحن الباقي
قال المتولي وإن شاء طحن الكل والدقيق مشترك بينهما
ومثال هذه المسائل ما إذا استأجره لحمل الشاة المذكاة إلى موضع كذا بجلدها ففاسد أيضا
أما لو استأجره لحمل الميتة بجلدها فباطل لانه نجس
الركن الرابع المنفعة ولها خمسة شروط
أحدها أن تكون متقومة وفيه مسائل
أحدها استئجار تفاحة للشم باطل لانها لا تقصد له فلم يصح كشراء حبة حنطة
فإن كثر التفاح فالوجه الصحة لانهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين
الثانية استئجار الدراهم والدنانير إن أطلقه فباطل وإن صرح بالاستئجار للتزيين فباطل أيضا على الأصح
واستئجار الاطعمة لتزيين الحوانيت باطل على المذهب
وقيل فيه الوجهان
وفي استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها

والوقوف في ظلها وربط الدواب فيها الوجهان
قال بعضهم الاصح هنا الصحة لأنها منافع مهمة بخلاف التزيين
واستئجار الببغاء للاستئناس قال البغوي فيه الوجهان وقطع المتولي بالجواز وكذا في كل ما يستأنس بلونه كالطاووس أو صوته كالعندليب
الثالثة استئجار البياع على كلمة البيع أو كلمة يروج بها السلعة ولا تعب فيها باطل إذ لا قيمة لها
قال الإمام محمد بن يحيى هذا في مبيع مستقر القيمة في البلد كالخبز واللحم
أما الثياب والعبيد وما يختلف قدر الثمن فيه باختلاف المتعاقدين فيختص بيعها من البياع لمزيد منفعة وفائدة فيجوز الاستئجار عليه
ثم إذا لم يجز الإستئجار ولم يتعب البياع فلا شىء له
وإن تعب بكثرة التردد أو كثرة الكلام في أمر المعاملة فله أجرة المثل لا ما تواطأ عليه البياعون
الرابعة استئجار الكلب المعلم للصيد والحراسة باطل على الأصح وقيل يجوز كالفهد والبازي والشبكة للاصطياد والهرة لدفع الفأر
الشرط الثاني أن لا يتضمن استيفاء عين قصدا ومقصوده أن الاجارة عقد تراد به المنافع دون الأعيان هذا هو الأصل إلا أنه قد تستحق بها الأعيان تابعه به لضرورة أو حاجة ماسة فتلحق تلك الأعيان حينئذ بالمنافع وفيه مسائل
إحداها استئجار البستان لثماره والشاة لنتاجها أو صوفها أو لبنها باطل
الثانية الاستئجار لارضاع الطفل جائز ويستحق به ومنفعة عين
فالمنفعة أن تضع الصبي في حجرها وتلقمه الثدي وتعصره بقدر الحاجة
والعين اللبن الذي يمصه الصبي
وإنما جوز لمسيس الحاجة أو الضرورة
وفي الأصل الذي تناوله العقد وجهان
أحدهما اللبن
وأما فعلها فتابع لأن اللبن مقصود لعينه وفعلها طريق إليه
وأصحهما أنه فعلها واللبن مستحق تبعا لقول الله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن }

علق الأجرة بفعل الارضاع لا باللبن ولأن الاجارة موضوعة للمنافع وإنما الأعيان تتبع للضرورة كالبئر تستأجر ليسقتى ماؤها والدار تستأجر وفيها بئر يجوز الاستقاء منها
ثم إن استأجرها للحضانة مع الارضاع جاز وإن استأجر للارضاع ونفى الحضانة فوجهان
أحدهما المنع كاستئجار الشاة لارضاع سخلة
وأصحهما الجواز وبه قطع الأكثرون كما يجوز الاستئجار لمجرد الحضانة
قال الإمام وهذا الخلاف إذا قصر الاجارة على صرف اللبن إلى الصبي وقطع عنه وضعه في حجرها ونحوه فأما الحضانة بالتفسير الذي سنذكره إن شاء الله تعالى فيجوز قطعها عن الارضاع بلا خلاف
الثالثة استئجار الفحل للضراب حكمه ما ذكرناه في كتاب البيع في باب المناهي
الرابعة استئجار القناة للزراعة بمائها جائز لأنا إن قلنا الماء لا يملك فكالشبكة للاصطياد وإلا فالمنافع آبار الماء وقد جوز واستئجار بئر الماء للاستقاء والتي بعدها مستأجرة لاجراء الماء فيها
وقال الروياني إذا اكترى قرار القناة ليكون أحق بمائها جاز في وجه وهو الاختيار
والمعروف منعه
ومقتضى لفظه أن يكون تعريفا على أن الماء لا يملك
الشرط الثالث أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها فاستئجار الآبق والمغصوب والأخرس للتعليم والأعمى لحفظ المتاع إجارة عين ومن لا يحسن

القرآن لتعليمه باطل
فإن وسع عليه وقتا يقدر على التعلم قبل التعليم فباطل أيضا على الأصح لأن المنفعة مستحقة من عينه والعين لا تقبل التأخير
وإذا استأجر أرضا للزراعة اشترط كون الزراعة متيسرة
والأرض أنواع
منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها
ومنها أرض لا ماء لها لكن يكفيها المطر المعتاد والنداوة التي تصيبها من الثلوج المعتادة أو لا يكفيها ذلك لكنها تسقى بماء الثلج والمطر في الجبل والغالب فيها الحصول
ومنها أرض لا ماء لها ولا تكفيها الأمطار المعتادة ولا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل ولكن إن أصابها مطر عظيم أو سيل نادراا أمكن زرعها فالنوع الأول يصح استئجاره قطعا
والثالث لا يصح قطعا
وفي الثاني وجهان
أصحهما الجواز وبه قطع القاضي حسين وابن كج وصاحب المهذب بالمنع أجاب القفال
ومنها أرض على شط النيل والفرات وغيرهما يعلو الماء عليها ثم ينحسر ويكفي ذلك لزراعتها في السنة فإن استأجرها للزراعة بعدما علاها الماء وانحسر صح وإن كان قبل أن يعلوها الماء فإن كان لا يوثق به كالنيل لا ينضبط أمره لم يصح
وإن كان الغالب حصوله فليكن على الخلاف في النوع الثاني
وإن كان موثوقا ( به ) كالمد بالبصرة صح كماء النهر
فإن تردد في وصول الماء إلى تلك الأرض لم يصح لأنه كالنوع الثالث
وإن كان علاها ولم ينحسر فإن كان لا يرجى انحساره أو يشك فيه لم يصح استئجارها لان العجز موجود والقدرة مشكوك فيها
وإن رجي انحساره وقت الزراعة بالعادة صحت الاجارة على المذهب والمنصوص سواء كانت الاجارة لما يمكن زراعته في الماء كالأرز أم لغيره وسواء كان رأى الارض مكشوفة أم هي مرئية الآن لصفاء الماء أم لم يكن

شىء من ذلك
وقيل إن لم تر لم يصح في قول
وقيل لا يصح لغير الأرز ونحوه
وحجة مذهب القياس على ما لو استأجر دارا مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال فإنه يجوز على الصحيح أما إذا لم تكن مؤنة فلأن استتارها بالماء من مصالحها فإنه يقويها ويقطع ئلعروق المنتشرة فأشبه استتار الجوز بقشره
أما إذا كانت الأرض على شط نهر والظاهر أنها تغرق وتنهار في الماء فلا يجوز استئجارها
فإن احتمل ولم يظهر جاز لان الأصل والغالب السلامة
ويجوز أن تخرج حالة الظهور على تقابل الأصل والظاهر
إذا عرفت حكم الانواع فكل أرض لها ماء معلوم واستأجرها للزراعة مع شربها منه فذاك وإن استأجرها للزراعة دون شربها جاز إن تيسر سقيها من ماء آخر وإن أطل دخل فيه الشرب بخلاف ما إذا باعها لا يدخل الشرب لان المنفعة هنا لا تحصل دون الشرب
هذا إذا طردت العادة بالاجارة مع الشرب فإن اضطربت فسيأتي حكمه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى
وكل أرض منعنا استئجارها للزراعة فلو اكتراها لينزل فيها أو يسكنها أو يجمع الحطب فيها أو يربط الدواب جاز
وإن اكتراها مطلقا نظر إن قال أكريتك هذه الأرض البيضاء ولا ماء لها جاز لأنه يعرف بنفي الماء أن الاجارة لغير الزراعة
ثم لو حمل ماء من موضع وزرعها أو زرعها على توقع حصول ماء لم يمنع وليس له البناء والغراس فيها نص عليه
وإن لم يقل لا ماء لها فإن كانت بحيث يطمع في سوق الماء إليها لم يصح العقد لأن الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة فكأنه ذكرها وإن كانت على قلة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها صحح العقد على الأصح اكتفاء بالقرينة وإذا اعتبرنا نفي الماء ففي قيام علم المتعاقدين مقام التصريح بالنفي وجهان
أصحهما المنع لأن العادة في مثلها الاستئجار للزراعة فلا بد من الصرف باللفظ

واعلم أن في المسألة تصريحا بجواز الاستئجار مطلقا من غير بيان جنس المنفعة وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى

فصل قد عرفت انقسام الاجارة إلى واردة على العين وعلى الذمة
أما إجارة العين فلا يصح إيرادها على المستقبل كاجارة الدار السنة المستقبلة والشهر الآتي
وكذا إذا قال أجرتك سنة أولها من غد أو اجرتك هذه الدابة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غدا
ولو قال أجرتك سنة فإذا انقضت فقد أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك شهرا
أما الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما إذا قال ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غدا أو غرة شهر كذا كما لو أسلم مؤجلا وإن أطلق كانت حالة
ولو أجر داره لزيد سنة ثم أجرها لغيره السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى لم يصح
وإن أجرها لزيد نفسه فوجهان
وقيل قولان
أصحهما الجواز لاتصال المدتين
ولو أجرها أولا لزيد سنة ثم أجرها زيد لعمرو ثم أجرها المالك لعمرو السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى ففيه الوجهان ولا يجوز إجارتها لزيد كذا قاله البغوي
وفي فتاوى القفال أنه يجوز أن يؤجرها لزيد ولا يجوز أن يؤجرها لعمرو لأن زيدا هو الذي عاقده فيضم إلى ما استحق بالعقد الأول السنة المستقبلة
قال ولو أجر داره سنة ثم باعها في المدة وجوزناه لم يكن للمشتري أن يؤجرها السنة المستقبلة للمستأجر لانه لم يكن بينهما معاقدة وتردد في أن الوارث هل يتمكن منه إذا مات المكري لان الوارث نائبه

فرع إيجار الدار والحانوت شهرا على أن ينتفع بهما الأيام دون
باطل لان زمان الانتفاع لا يتصل بعضه ببعض فيكون إجارة زمن مستقبل بخلاف مثله في العبد والبهيمة فإنه يجوز لانهما لا يطيقان العمل دائما ويرفهان في الليل على العادة عند إطلاق الاجارة
ولو أجر دابة إلى موضع ليركبها المكري زمانا ثم المكتري زمانا لم يصح لتأخر حق المكتري وتعلق الاجارة بمستقبل
وإن أجره ليركب المكتري بعض الطريق وينزل فيمشي بعضها أو أجر اثنين ليركب هذا زمانا وهذا مثله ففيه أربعة أوجه
أصحها وهو المنصوص في الأم صحت الإجارة في الصورتين سواء وردت الاجارة على الذمة أو العين ويثبت الاستحقاق في الحال ثم يقتسم المكري والمكتري أو ( المكتريان ) ويكون التأخر الواقع من ضرورة القسمة والتسليم فلا يضر
والثاني تصح في الصورة الثانية دون الأولى لاتصال زمن الاجارة في الثانية دون الأولى
والثالث تبطل فيهما لأنها إجارة أزمان متقطعة
والرابع تصح في الصورتين إن كانت مضمونة في الذمة ولا تصح على دابة معينة وهذه المسألة تعرف ب كراء العقب وهو جمع عقبة وهي النوبة
فإذا قلنا بالجواز فإن كان في ذلك الطريق عادة مضبوطة إما بالزمان بأن يركب يوما وينزل يوما وإما بالمسافة بأن يركب فرسخا ويمشي فرسخا حمل العقد عليها وليس لأحدهما أن يطلب الركوب ( ثلاثا ) والنزول ثلاثا ( لما ) في دوام المشي من التعب
وإن لم تكن عادة مضبوطة فلا بد من البيان في الابتداء
وإن اختلفا فيمن يبدأ بالركوب أقرع
ولو أكرى دابة لاثنين ولم يتعرض للتعاقب قال المتولي إن احتملت الدابة ركوب شخصين اجتمعا على الركوب

وإلا فالرجوع إلى المهايأة كما سبق
ولو قال أجرتك نصف الدابة إلى موضع كذا أو أجرتك الدابة لتركبها نصف الطريق صح ويقتسمان بالزمان أو المسافة وهذه إجارة المشاع وهي صحيحة كبيع المشاع
وحكي وجه أن إجارة نصف الدابة لا تصح للتقطع بخلاف إجارة نصف الدار وبخلاف ما إذا أجرهما ليركبا في محمل

فرع لا تصح إجارة ما لا منفعة فيه في الحال ويصير منتفعا
المدة كالجحش لأن الاجارة موضوعة على تعجيل الانتفاع بخلاف المساقاة
فصل العجز الشرعي كالحسي فلا يصح الاستئجار لقلع سن صحيحة أو ( قطع ) يد صحيحة ولا استئجار الحائض لكنس المسجد وخدمته ولا استئجار أحد لتعليم التوراة والانجيل أو السحر أو الفحش أو ختان صغير لا يحتمل ألمه
فرع قلع السن الوجعة إنما يجوز إذا صعب الألم وقال أهل الخبرة
يزيل الألم
وقطع اليد المتأكلة إنما يجوز إذا قال أهل الخبرة إنه نافع ومع ذلك ففيه خلاف وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في باب ضمان الولاة من كتاب الجنايات فحيث لا يجوز القلع أو القطع فالاستئجار له باطل وحيث يجوز يصح الاستئجار

على الأصح
ووجه المنع أنه لا يوثق ببقاء العلب فربما زالت بتعذر الوفاء
وسبيل مثل هذا أن يحصل بالجعالة فيقول اقلع سني هذه ولك كذا
ورأى الإمام تخصيص الوجهين بالقلع لأن زوال الوجع في ذلك الزمن غير بعيد بخلاف الأكلة فإنه غير محتمل في زمن القطع
ويجري الوجهان في الاستئجار للفصد والحجامة وبزغ الدابة لأن هذه الايلامات إنما تباح بالحاجة وقد تزول الحاجة

فرع استأجرها لكنس المسجد فحاضت انفسخ العقد إن أستأجر عينها وعينت

وإن استأجر ( ها ) في الذمة لم ينفسخ لإمكان الكنس بغيرها أو بعد الحيض
وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن فسكن الوجع وبرأ انفسخت الاجارة للتعذر على المذهب وفيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى في القسم الثالث من الباب الثالث
وإن لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من القلع قال في الشامل لا يجبر عليه إلا أنه إذا سلم الأجير نفسه ومضى مدة إمكان العمل وجب على المستأجر الأجرة
ثم ذكر القاضي أبو الطيب أنها لا تستقر حتى لو انقلعت تلك السن انفسخت الاجارة ووجب رد الأجرة كما لو مكنت الزوجة في النكاح ولم يطأ الزوج
ويفارق ما إذا حبس الدابة مدة إمكان السير حيث تستقر عليه الاجرة لتلف المنافع تحت يده
قلت هذا الذي نقله عن صاحب الشامل إلى آخر كلام القاضي أبي الطيب هكذا هو فيالشامل و البيان
فإن قيل قد قال الشيخ نصر المقدسي فيتهذيبه إذا امتنع المستأجر من قلعه لم يكن له فسخ العقد لكن يدفع

الأجرة وله الخيار بين مطالبته بقلعه وبين تركه كما لو استأجره ليخيط له ثوبا
قلنا هذا الذي قاله لايخالف قول صاحب الشامل
والله أعلم فصل يجوز لغير الزوج استئجار الزوجة للارضاع وغيره باذن الزوج ولا يجوز بغير إذنه على الأصح لأن أوقاتها مستغرقة بحقه والثاني يصح وللزوج فسخه حفظا لحقه
ولو أجرت نفسها ولا زوج لها ثم نكحت في المدة فالإجارة بحالها وليس للزوج منعها من توفية ما التزمته كما لو أجرت نفسها باذنه لكن يستمتع بها في أوقات فراغها فإن كانت الاجارة للارضاع فهل لولي الطفل الذي استأجرها لارضاعه منع الزوج من وطئها فيه وجهان
أحدهما نعم لأنه ربما حبلت فينقطع اللبن أو يقل وإلا فيضر بالطفل
والثاني لا وبه قطع العراقيون لأن الحبل متوهم فلا يمنع به الوطء المستحق
فإن منعناه فلا نفقة عليه في تلك المدة
قلت الأصح قول العراقيين
والله أعلم ولو أجر أمته المزوجة جاز ولم يكن للزوج منعها من المستأجر لأن يده يد السيد في الانتفاع
أما الزوج فيجوز استئجاره امرأته إلا إذا استأجرها لارضاع ولده منها ففيه وجهان أحدهما
المنع وبه قطع العراقيون
وأصحهما الجواز كما لو استأجرها بعد البينونة وكما لو استأجرها للطبخ ونحوه
وعلى هذا الخلاف استئجار الوالد ولده للخدمة
وفي عكسه وجهان إن كانت الاجارة على عينه كالوجهين فيما إذا أجر المسلم نفسه لكافر

الشرط الرابع حصول المنفعة للمستأجر وأكثر العناية في هذا الشرط بالقرب وضبطها الإمام فقال هي قسان
أحدهما قرب يتوقف الاعتداد بها على النية
فما لا تدخله النيابة منها لا يجوز الاستئجار عليه وما تدخله النيابة جاز الاستئجار عليه كالحج وتفرقة الزكاة
قال الإمام ومن هذا غسل الميت إذا أوجبنا فيه النية
القسم الثاني ما لا تتوقف صحته على النية وهو نوعان
فرض كفاية وشعار غير فرض
والأول ضربان
أحدهما يختص افتراضه في الأصل بشخص وموضع معين ثم يؤمر به غيره إن عجز كتجهيز الموتى بالتكفين والغسل والحفر وحمل الميت ودفنه فإن هذه المؤن تختص بالتركة
فإن لم تكن فعلى الناس القيام بها
فمثل هذا يجوز الاستئجار عليه لآن الأجير غير مقصود بفعله حتى يقع عنه
ومن هذا تعليم القرآن فإن كل أحد لا يختص بوجوب التعليم وإن كان نشر القرآن وإشاعته من فروض الكفاية وهذا كله إذا لم يتعين واحد لمباشرة هذه الاعمال فإن تعين واحد لتجهيز الميت أو تعليم الفاتحة جاز استئجاره أيضا على الاصح كالمضطر يجب إطعامه ببدله
وقيل لا كفرض العين ابتداء
الضرب الثاني ما يثبت فرضه في الأصل شائعا غير مختص كالجهاد فلا يجوز استئجار المسلم عليه ويجوز استئجار الذمي على الصحيح
النوع الثاني شعار غير فرض كالأذان تفريعا على الأصح
وفي جواز الاستئجار المسلم عليه ثلاثة أوجه ذكرناها في بابه
فإن جوزنا فعلى أي شىء يأخذ الاجرة فيه أوجه
أصحها على جميع الاذان بجميع صفاته ولا يبعد أخذ الاجرة على ذكر الله تعالى كتعليم القرآن وإن اشتمل على قراءة المعلم
والثاني

على رعاية المواقيت
والثالث على رفع الصوت
والرابع على الحيعلتين فإنهما ليستا ذكرا

فرع الاستئجار لامامة الصلوات المفروضة باطل وكذا للتراويح وسائر النوافل على الأصح لانه مصل لنفسه

ومتى صلى اقتدى به من أراد وإن لم ينو الإمامة
وإن توقف على نيته شىء فهو إحراز فضيلة الجماعة وهذه فائدة تختص به
ومن جوزه شبهه بالاذان في الشعار
فرع الاستئجار للقضاء باطل

فرع أطلقوا القول ببطلان الاستئجار للتدريس

وعن الشيخ أبي بكر الطوسي ترديد جواب في الاستئجار لإعادة الدرس
قال الإمام ولو عين شخصا أو جماعة ليعلمهم مسألة أو مسائل مضبوطة فهو جائز والذي أطلقوه محمول على استئجار من يتصدى للتدريس من غير تعيين من يعلمه وما يعلمه لأنه كالجهاد في أنه إقامة مفروض على الكفاية ثابت على الشيوع
وكذلك يمتنع استئجار مقرىء يقرىء على هذه الصورة قال ويحتمل أن يجوز
الشرط الخامس كون المنفعة معلومة العين والقدر والصفة فلا يجوز أن

يقول أجرتك أحدهما
ثم إن لم يكن للعين المعينة إلا منفعة فالإجارة محمولة عليها وإن كان لها منافع وجب البيان
وأما الصفة فإجارة الغائبة فيها الخلاف السابق
وأما القدر فيشترط العلم به سواء فيه إجارة العين والذمة
ثم المنافع تقدر بطريقتين
أحدهما الزمان كاستأجرت الدار للسكنى سنة
والثاني العمل كاستأجرتك لتخيط هذا الثوب
ثم قد يتعين الطريق الأول كاستئجار العقار فإن منفعته لا تنضبط إلا بالزمان وكالارضاع فإن تقدير اللبن لا يمكن ولا سبيل فيه إلا الضبط بالزمان
وقد يسوغ الطريقان كما إذا استأجر عين شخص أو دابة فيمكن أن يقول في الشخص ليعمل لي كذا شهرا وإن يقول ليخيط لي هذا الثوب
وفي الدابة يقول لأتردد عليها في حوائجي اليوم أو يقول لأركبها إلى موضع كذا فأيهما كان كفى لتعريف المقدار
فإن جمع بينهما فقال استأجرتك لتخيط لي هذا القميص اليوم فوجهان
أصحهما بطلان العقد
والثاني صحته وعلى هذا وجهان
أصحهما يستحق الأجرة بأسرعهما فإن انقضى اليوم قبل تمام العمل استحقها فإن تم العمل قبل تمام اليوم استحقها
والثاني الاعتبار بالعمل فإن تم العمل أولا استحقها
وإن تم اليوم أولا وجب إتمامه
وإن قال على أنك إن فرغت قجل تمام اليوم لم تخط غيره بطلت الاجارة لأن زمن العمل يصير مجهولا
فإذا عرفت هذا فالمنافع متعلقة بالأعيان تابعة لها وعدد الأعيان التي يستأجر لها كالمتعذر فعني الأصحاب بثلاثة أنواع تكثر إجارتها ليعرف طريق الضبط بها ثم يقاس عليها غيرها
النوع الأول الآدمي يستأجر لعمل أو صنعة كخياطة فإن كانت الاجارة في الذمة قال ألزمت ذمتك

عمل الخياطة كذا يوما لم يصح لأنه لم يعين خياطا ولا ثوبا
ولو استأجر عينه قال استأجرتك لتخيط هذا الثوب
ولو قال لتخيط لي يوما أو شهرا قال الأكثرون يجوز أيضا
ويشترط أن يبين الثوب وما يريد منه من قميص أو قباء أو سراويل والطول والعرض وأن يبين نوع الخياطة أهي رومية أو فارسية إلا أن تطرد العادة بنوع فيحمل المطلق عليه

فرع من هذا النوع الاستئجار لتعليم القرآن فليعين السورة والآيات التي يعلمها فإن

وقيل لا يشترط تعيين واحد منهما بل يكفي ذكر عشر آيات مثلا
وقيل تشترط السورة دون الآيات
وهل يكفي التقدير بالمدة فيقول لتعلمني شهرا وجهان قطع الإمام والغزالي بالاكتفاء وايراد غيرهما يقتضي المنع
قلت الاكتفاء أصح وأقوى
والله أعلم وفي وجوب تعيين قراءة ابن كثير أو نافع أو غيرهما وجهان
أصحهما لا إذ الامر فيها قريب
قال الإمام وكنت أود أن لا يصح الاستئجار للتعليم حتى يختبر حفظ المتعلم كما لا يصح إيجار الدابة للركوب حتى يعرف حال الراكب لكن ظاهر كلام الاصحاب أنه لا يشترط والحديث الصحيح يدل عليه في الذي تزوج على تعليم ما معه من القرآن وإنما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا كان المتعلم مسلما أو كافرا يرجى إسلامه فإن لم يرج لم يعلم كما لا يباع المصحف لكافر فلا يصح الاستئجار

فرع إذا كان يتعلم الشىء بعد الشىء ثم ينسى فهل على
تعليمه فيه أوجه
أحدها إن تعلم آية ثم نسيها لم يجب تعليمها ثانيا وإن كان دون آية وجب العرف والثاني الاعتبار بالسورة والثالث إن نسي في مجلس التعليم وجب اعادته
وإن نسي بعده فلا
والرابع يرجع فيه الى العزف الغالب وهو الأصح
فرع عن القاضي حسين في الفتاوى أن الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر مدة جائز

واعلم أن عود المنفعة إلى المستأجر شرط فيجب عودها في هذه الاجارة إلى المستأجر أو ميته فالمستأجر لا ينتفع بقراءة غيره
ومعلوم أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة فالوجه تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة
وذكروا له طريقين
أحدهما أن يعقب القراءة بالدعاء للميت لأن الدعاء يلحقه والدعاء بعد القراءة أقرب إجابة وأكثر بركة
والثاني ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي أنه إن نوى القارىء بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه
وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت فينفع الميت
قلت ظاهر كلام القاضي حسين صحة الاجارة مطلقا وهو المختار فإن موضع القراءة موضع بركة وبه تنزل الرحمة وهذا مقصود ينفع الميت
والله أعلم

فصل ومنه الاستئجار للارضاع

ويجب فيه التقدير بالمدة ولا سبيل إلى ضبط مرات الارضاع ولا قدر ما يستوفيه في كل مرة فقد تعرض له الامراض والاسباب الملهية ويجب تعيين الصبي لإختلاف الغرض باختلافه وتعيين موضع الارضاع أهو بيته أم بيتها
فصل ومنه الاستئجار للجج وقد ذكرناه في بابه

فصل ومنه إذا استأجر لحفر نهر أو بئر أو قناة قدر إما
تحفر لي شهرا وإما بالعمل فيقدر الطول والعرض والعمق ويجب معرفة الارض بالمشاهدة لتعرف صلابتها ورخاوتها ويجب عليه إخراج التراب المحفور
فإن انهار شىء من جوانب البئر لم يلزمه إخراجه
وإذا انتهى إلى موضع صلب أو حجارة نظر إن كان يعمل فيه المعول وجب حفره على الأصح وبه قال القاضي أبو الطيب
والثاني لا يجب وبه قال ابن الصباغ لانه خلاف ما اقتضته المشاهدة فعلى هذا له فسخ العقد
وإن لم يعمل فيه المعول أو نبع الماء قبل وصوله إلى موضع المشروط وتعذر الحق انفسخ العقد في الباقي ولا ينفسخ فيما مضى على المذهب فيوزع المسمى على ما عمل وما بقي

فرع إذا استأجر لحفر قبر بين الموضع والطول والعرض والعمق ولا
الاطلاق ولا يجب عليه رد التراب بعد وضع الميت فيه
فصل ومنه إذا استأجر لضرب اللبن قدر بالزمان أو العمل

وإذا قدر بالعمل بين العدد والقالب
فإن كان القالب معروفا فذاك وإلا بين طوله وعرضه وسمكه
وعن القاضي أبي الطيب الاكتفاء بمشاهدة القالب
ويجب بيان الموضع الذي يضرب فيه ولا يجب عليه إقامتها للجفاف
ولو استأجره لطبخ اللبن فطبخ لم يجب عليه الاخراج من الأتون
فصل إذا استأجر للبناء قدر بالزمان أو العمل فإن قدر بالعمل بين
موضعه وطوله وعرضه وسمكه وما يبنى به من اللبن أو الطين أو الآجر
ولو استأجر للتطيين أو التجصيص قدر بالزمان ولا سبيل إلى تقديره بالعمل لأن سمكه لا ينضبط
فصل ومنه إذا استأجر كحالا ليداوي عينه قدره بالمدة دون البرء
فإن برأت

عينه قبل تمامها انفسخ العقد في الباقي ولا يقدر بالعمل لان قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة

فصل ومنه إذا استأجر للرعي وجب بيان المدة وحبس الحيوان ثم يجوز
العقد على قطيع معين ويجوز في الذمة وحينئذ وجهان
أصحهما عند صاحب المهذب يجب بيان العدد
والثاني وبه قطع ابن الصباغ والروياني لا يجب ويحمل على ما جرت العادة أن يرعاه الواحد
قال الروياني وهو مائة رأس من الغنم تقريبا
فإن توالدت حكى ابن الصباغ أنه لا يلزمه رعي أولادها إن ورد العقد على أعيانها
وإن كان في الذمة لزمه
فصل استأجر ناسخا للكتابة بين عدد الأوراق والأسطر في كل صفحة ولم
يتعرضوا للتقدير بالمدة والقياس جوازه وأن يجب ند تقدير العمل بيان قدر الحواشي والقطع الذي يكتب فيه
فصل يجوز الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص ولنقل الميتة إلى المزبلة والخمر
المحرمة كالزمر والنياحة وكما يحرم أخذ الأجرة في هذا يحرم إعطاؤها
وإنما يباح الاعطاء

دون الأخذ في موضع ضرورة كفكاك الاسير وإعطاء الشاعر لئلا يهجو والظالم ليدفع ظلمه والجائر ليحكم بالحق
وهذه الأمثلة مذكورة في باب القضاء
النوع الثاني العقار ويستأجر لأغراض
منها السكنى
فإذا استأجر دارا وجب معرفة موضعها وكيفية أبنيتها وفي الحمام يعرف البيوت والبئر التي يستقي منها ماءه والقدر التي يسخن فيها ومبسط القماش والأتون وهو موضع الوقود وما يجمع الأتون من السرقين ونحوه والموضع الذي يجمع فيه الزبل والوقود ومطرح الرماد والمستنقع الذي يجتمع فيه الماء الخارج من الحمام
وعلى هذا قياس سائر المسكن
وهذا الذي ذكرناه من اشتراط الرؤية في الحمام ونحوه تفريع على منع إجارة الغائب فإن جوزناها لم تعتبر الرؤية بل يكفي الوصف والبيان ولا يدخل الوقود في بيع الحمام وإجارته كما لا تدخل الأزر والأسطال والحبل والدلو
قال في الشامل في رؤية قدر الحمام يكفي رؤية داخلها من الحمام أو ظاهرها من الأتون
والقياس على اعتبار الرؤية أن يشاهد الوجهين إذا أمكن كما تعتبر مشاهدة وجهي الثوب

فرع ذكر في شرح المفتاح أنه لا بد في إجارة الدار من
من الرجال والنساء والصبيان ثم لا منع من دخول زائر وضيف وإن بات فيها ليالي
قلت هذا الاشتراط لا يعرف لغيره
والمختار أنه لا يعتر لكن يسكن فيها من جرت العادة به في مثلها وهذا مقتضى إطلاق الأصحاب فلا عدول عنه
والله أعلم

فرع لا بد من تقدير هذه المنفعة بالمدة وفي
التي يجوز عقد الإجارة عليها ثلاثة أقوال المشهور والذي عليه جمهور الأصحاب أنه يجوز عقد سنين كثيرة بحيث يبقى إليها ذلك الشىء غالبا فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة والدابة تؤجر عشر سنين والثوب سنتين أو سنة على ما يليق به والأرض مائة سنة وأكثر
وقال ابن كج يؤجر العبد إلى تمام مائة وعشرين سنة من عمره
والقول الثاني لا يجوز أكثر من سنة مطلقا
والثالث لا يجوز أكثر من ثلاث سنين
وحكي وجه أنه يجوز أن يؤجرها مدة لا تبقى فيها العين غالبا لأن الاصل الدوام فإن هلكت لعارض فكانهدام الدار ونحوه
وحكم الوقف في مدة الاجارة حكم الطلق
قال المتولي إلا أن الحكام اصطلحوا على منع إجارته أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف وهذا الاصطلاح غير مطرد
وفي أمالي السرخسي أن المذهب منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة لعمارة وغيرها وهو غريب
وإذا جوزنا إجارة أكثر من سنة فهل يجب تقدير حصة كل سنة قولان
أظهرهما لا وتوزع الأجرة على قيمة منافع السنين ومنهم من قطع بهذا
فرع إذا قال أجرتك شهرا أو قال سنة صح على الأصح وحمل
بالعقد
وقيل يشترط أن يقول من الآن
ولو قال أجرتك شهرا من السنة فالعقد باطل قطعا للابهام
ولو قال كل شهر بدرهم من الآن فباطل أيضا على المشهور والصحيح
وقال في الاملاء يصح في الشهر الأول وبه قطع الاصطخري
ولو قال

كل شهر من هذه السنة بدرهم لم يصح على الأصح وصححه ابن سريج في شهر فقط ونقل الإمام عن الأصحاب أنهم قالوا إذا قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم لم يصح البيع لأنه لم يضف إلى جميع الصبرة بخلاف ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم قال وكان ينبغي أن يفرق فيقال إن قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم كان كقوله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ويصح العقد في الجميع
وإن قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم بطل على الاصح وعلى قول ابن سريج يصح في صاع وكذلك يفرق في الاجارة
وقد قال بهذا الشيخ أبو محمد فسوى بين قوله بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وبين قوله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم فصحح البيع في جميع الصبرة باللفظين

فرع مدة الاجارة كأجل المسلم فيه في أن مطلق الشهر والسنة يحمل
على العربي وفي أنه إذا قيد بالعددية أو قال سنة فارسية أو رومية أو شمسية كان الاجل ما ذكره وفي أن العقد إذا انطبق على أول الشهر كان ذلك الشهر وما بعده بالأهلة
وإن لم ينطبق تمم المنكسر بالعدد من الاخير ويحسب الباقي بالاهلة
وفي سائر المسائل المذكورة في السلم وفي التأجيل بالشمسية وجه أنه لا يصح وهو شاذ
فرع قال أجرتك شهرا من هذه السنة فإن لم يكن بقي منها
وإن بقي أكثر من شهر لم يصح قاله المتولي والبغوي

فصل مما تستأجر له الارض والبناء
والغراس والزراعة
فإذا قال أجرتك هذه الارض ولم يذكر البناء ولا غيره وكانت صالحة للجميع لم يصح العقد لان منافع هذه الجهات مختلفة وضررها مختلف فوجب التعيين كما لو أجر بهيمة لا يجوز الاطلاق هكذا ذكره الأصحاب وجعلوه متفقا عليه حتى احتجوا به لأحد الوجهين في إعارة الأرض مطلقا لكن قدمنا في مسألة إجارة الأرض التي لا ماء لها تصريحهم بجواز الاجارة مطلقا ويشبه أن تكون إجارتها مطلقا على وجهين

كاعارتها
والأصح المنع فيهما
وما ذكروه في إجارة الأرض التي لا ماء لها مفرع على الوجه الآخر أو مؤول
قلت المذهب ما نص عليه الأصحاب في المسائل الثلاث فلا تصح الاجارة هنا مطلقا وتصح العارية على وجه لأن أمرها على التوسعة والارفاق فاحتمل فيها هذا النوع من الجهالة كاباحة الطعام بخلاف الاجارة فإنها عقد مغابنة فهذا عمدة الأصحاب
وأما مسألة إجارة الأرض التي لا ماء لها ( فمؤولة )
والله أعلم فرع أجر بيتا أو دارا لا يحتاج إلى ذكر السكنى لأن الدار لا تستأجر إلا للسكنى ووضع المتاع فيها وليس ضررهما بمختلف كذا ذكروه ويجوز أن يمنع فيقال قد تستأجر أيضا ليتخذها مسجدا ولعمل الحدادين والقصارين ولطرح الزبل فيها وهي أكثر ضررا فما جعلوه مبطلا في الأرض موجود هنا
فإن قيل ينزل في الدار على أدنى وجوه الانتفاع وهو السكنى ووضع المتاع لزم أن يقال في الأرض مثله وينزل على الزراعة ومقتضى هذا الاشكال أنه يشترط في استئجار الدار بيان أنه يستأجر للسكنى أو غيرها وقد قال به بعض شارحي المفتاح

فرع قال أجرتك هذه الأرض لتنتفع بها بما شئت صحت الاجارة وله

يصنع ما شاء لرضاه وهذا هو الأصح وبه قطع الإمام والغزالي
وحكى البغوي وجها بالمنع كبيع عبد من عبيده
ولو قال أجرتكها للزراعة ولم يذكر ما يزرع أو للبناء أو للغراس وأطلق صح على الأصح عند الجمهور وبالمنع قال ابن سريج ونقله ابن كج عن النص في الجامع الكبير
ومن جوز قال يزرع ما شاء للاطلاق
وكان يحتمل التنزيل على الأقل
ولو قال أجرتكها لتزرع ما شئت صحت الإجارة ويزرع ما شاء نص عليه
وعن ابن القطان وجه أنها فاسدة كبيع عبد من عبيده
ولو قال أجرتكها لتزرع أو تغرس لم يصح
ولو قال إن شئت فازرعها وإن شئت فاغرسها صح على الأصح ويخير المستأجر
ولو قال أجرتكها فازرعها واغرسها أو لتزرعها وتغرسها ولم يبين القدر فوجهان
أحدهما وبه قال ابن سلمة يصح وينزل على النصف
وعلى هذا فله أن يزرع الجميع لجواز العدول من الغراس إلى الزرع ولا يجوز أن يغرس الجميع
وأصحهما لا يصح وبه قال المزني وابن سريج وأبو إسحاق لعدم البيان بل قال القفال لو قال ازرع النصف واغرس النصف لم يصح لأنه لم يبين المغروس والمزروع فصار كقوله بعتك أحد هذين العبدين بألف والآخر بخمسمائة

فرع يشترط في استئجار الأرض للبناء بيان موضعه وطوله وعرضه وفي بيان قدر ارتفاعه وجهان

أصحهما لا يشترط بخلاف ما إذا استأجر سقفا للبناء
النوع الثالث الدواب وتستأجر لأغراض
منها الركوب وفيه مسائل
إحداها يشترط أن يعرف المؤجر الراكب وطريق معرفته المشاهدة كذا

قاله الجمهور
والأصح أن الوصف التام يكفي عنها
ثم قيل يصفه بالوزن
وقيل بالضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا
الثانية إن كان الراكب مجردا ليس معه ما يركب عليه فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه لكن المؤجر يركبه على ما شاء من سرج وإكاف وزاملة على ما يليق بالدابة
وإن كان يركب على رحل له أو فوق زاملة أو في محمل أو في عمارية أو أراد في غير الابل الركوب على سرج أو إكاف وجب ذكره
وينبغي أن يعرف المؤجر هذه الآلات
فإن شاهدها كفى وإلا فإن كانت سروجهم ومحاملهم وما في معناها على قدر وتقطيع لا يتفاحش فيه التفاوت كفى الاطلاق وحمل على معهودهم
وإن لم يكن معهود مطرد اشترط ذكر وزن السرج والاكاف والزاملة ووصفها
هذا هو الصحيح المعروف
وقال الإمام لم يتعرض أحد من الأصحاب لاشتراط ذكر الوزن في السرج والاكاف لأنه لا يكثر فيهما التفاوت
وأما المحمل أو العمارية ففيهما أوجه
أصحها أن المعتبر فيهما المشاهدة أو الوصف مع الوزن لافادتهما التخمين
والثاني يكفي الوزن
أو الصفة والثالث لا بد من المشاهدة
والرابع إن كانت محامل خفافا كالبغدادية كفى الوصف لتقاربها وإن كانت ثقالا كالخرسانية اشترطت المشاهدة وقال البغوي تمتحن الزاملة باليد لتعرف خفتها وثقلها بخلاف الراكب لا يمتحن بعد المشاهدة
وينبغي أ يكون المحمل والعمارية في ذلك كالزاملة

فرع لا بد في المحمل ونحوه من الوطاء وهو الذي يفرش فيه
وينبغي أن يعرف بالرؤية أو الوصف والغطاء الذي يستظل به ويتوقى من المطر قد يكون

وقد لا يكون فيحتاج إلى شرطه
وإذا شرطه قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ يكفي إطلاقه لتقارب تفاوته ويغطيه بجلد أو كساء أو لبد
وقال ابن كج والمتولي يشترط رؤيته أو وصفه وهو ظاهر النص كالوطاء
لكن إن كان فيه عرف مطرد كفى الاطلاق وقد يكون للمحمل ظرف من لبود أو أدم فهو كالغطاء
الثالثة إذا استأجر للركوب وشرط حمل المعاليق وهي السفرة والاداوة والقدور والقمقمة فإن أراها المؤجر أو وضعها له وذكر وزنها صح وإلا فلا تصح الاجارة على المذهب والمنصوص ومن صحح حمله على الوسط المعتاد
وإن لم يشرط المعاليق لم يستحق حملها على الأصح
وقيل هو كشرطها مطلقا
وهذا المذكور في السفرة والاداوة الخاليتين فإن كان فيهما طعام وماء فسيأتي بيانهما في الباب الثاني إن شاء الله تعالى
الرابعة إن كانت الاجارة على عين الدابة اشترط تعيينها وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في شراء الغائب
وإن كانت في الذمة اشترط ذكر جنسها أهي من الابل أم الخيل أم الحمير والبغال ونوعها كالبخاتي والعراب
ويشترط بيان الذكورة والأنوثة على الأصح لاختلاف الغرض بذلك فإن الأنثى أسهل سيرا والذكر أقوى
ويشترط أن يقول مهملج أو بحر أو قطوف عى الأصح لأن معظم الغرض يتعلق بكيفية السير
الخامسة إذا استأجر دابة للركوب فليبينا قدر السير كل يوم فإذا بينا حملا على المشروط فإن زادا في يوم أو نقصا فلا جبران بل يسيران بعده على الشرط
ولو أراد أحدهما مجاوزة المشروط أو النزول دونه لخوف أو خصب لم يكن له ذلك إلا أن يوافقه صاحبه ذكره البغوي
وكان يجوز أن يجعل الخوف عذرا لمن يحتاط ويلزم الآخر موافقته

قلت هذا الذي قاله البغوي ضعيف وينبغي أن يقال إن غلب على الظن حصول ضرر بسبب الخوف كان عذرا وإلا فلا
ولا يتجه غير هذا التفصيل
والله أعلم فإن لم يبينا قدر السير وأطلقا العقد نظر إن كان في ذلك الطريق منازل مضبوطة صح العقد وحمل عليها وإن لم يكن منازل أو كانت والعادة مختلفة لم يصح العقد حتى يبينا أو يقدر بالزمان
هذا هو الصحيح المعروف الذي اشتملت عليه طرق الأصحاب
وقال أبو إسحق إذا اكترى إلى مكة في زماننا اشترط ذكر المنازل لأن السير في هذه الازمان شديد
وقال القاضي أبو الطيب إن كان الطريق مخوفا لم يجز تقدير السير فيه لأنه لا يتعلق بالاختيار وتابعه الروياني على هذا
ومقتضاه امتناع التقدير بالزمان أيضا وحينئذ يتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوطة إذا كان مخوفا

فرع القول في وقت السير أهو الليل أم النهار وفي موضع النزول
المرحلة أهو نفس القرية أم الصحراء وفي الطريق الذي يسلكه إذا كان للمقصد طريقان على ما ذكرناه في قدر السير في أنه يحمل على المشروط أو المعهود
وقد يختلف المعهود في فصلي الشتاء والصيف وحالتي الأمن والخوف فكل عادة تراعى في وقتها ومتى شرطا خلاف المعهود فهو المتبع لا المعهود

فصل مما تستأجر له الدواب
الحمل عليها فينبغي أن يكون المحمول معلوما فإن كان حاضرا ورآه المؤجر كفى وإلا فلا بد من تقديره بالوزن أو بالكيل إن كان مكيلا والتقدير بالوزن في كل شىء أولى وأحصر ولا بد من ذكر جنسه لاختلاف تأثيره
فلو قال أجرتكها لتحمل عليها مائة رطل مما شئت جاز على الاصح ويكون رضى منه بأضر الاجناس فلا حاجة حينئذ إلى بيان الجنس
وقال صاحب الرقم قال حذاق المراوزة إذا استأجر دابة للحمل مطلقا جاز وجعل راضيا بالاضر وحاصله الاستغناء بالتقدير عن ذكر الجنس
هذا في التقدير بالوزن أما إذا قدر بالكيل فالمفهوم من كلام أبي الفرج السرخسي أنه لا يغني عن ذكر الجنس وإن قال عشرة أقفزة مما شئت لاختلاف الاجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل لكن يجوز أن يجعل ذلك رضى بأثقل الاجناس كما جعل في الوزن رضى بأضر الاجناس
قلت الصواب قول السرخسي والفرق ظاهر فإن اختلاف التأثير بعد الاستواء في الوزن يسير بخلاف الكيل وأين ثقل الملح من ثقل الذرة والله أعلم ولو قال أجرتكها لتحمل عليها ما شئت لم يصح بخلاف إجارة الارض ليزرعها ما شاء لان الدواب لا تطيق كل ما تحمل
فرع ظروف المتاع وحباله إن لم تدخل في الوزن بأن قال مائة

أو كان التقدير بالكيل فلا بد من معرفتها بالرؤية أو الوصف إلا أن يكون هناك غرائر متماثلة اطرد العرف باستعمالها فيحمل مطلق العقد عليها
وإن دخلت في قدر المتاع بأن قال مائة رطل حنطة بظروفها صح العقد
ولو اقتصر على قوله مائة رطل فالأصح أن الظرف من المائة
والثاني أنه وراءها لانه السابق إلى الفهم
فعلى هذا يكون الحكم كما لو قال مائة رطل من الحنطة والمسألة مفرعة على الاكتفاء بالتقدير
وإهمال ذكر الجنس إما مطلقا وإما بأن قال مائة رطل مما شئت

فرع الدابة المستأجرة للحمل إن كانت معينة فعلى ما ذكرناه في الركوب

وإن كانت الإجارة على الذمة لم يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها بخلاف الركوب لان المقصود هنا تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه فلا يختلف الغرض
لكن لو كان المحمول زجاجا أو خزفا وشبههما فلا بد من معرفة حال الدابة ولم ينظروا في سائر المحمولات إلى تعلق الغرض بكيفية سير الدابة بسرعة أو بطء وقوة أو ضعف وتخلفها عن القافلة على بعض التقديرات
ولو قيل به لم يكن بعيدا
والكلام في المعاليق وتقدير السير على ما ذكرناه في الاستئجار للركوب
فرع استأجره لحمل هذه الصبرة إلى موضع كذا كل صاع بدرهم أو
منها بدرهم وما زاد فبحسابه صح العقد كما لو باع كذلك بخلاف ما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم لأن جملة الصبرة معلومة محصورة بخلاف الأشهر
ولو قال

لتحمل صاعا منها بدرهم على أن تحمل كل صاع منها بدرهم أو على أن ما زاد فبحسابه فوجهان
أصحهما المنع لأنه شرط عقد في عقد
والثاني الجواز وتقديره كل صاع بدرهم
ولو قال لتحمل هذه الصبرة وهي عشرة آصع كل صاع بدرهم فإن زادت فبحسابه صح العقد في العشرة دون الزيادة المشكوك فيها
ولو قال لتحمل من هذه الصبرة كل صاع بدرهم لم يصح على المذهب وهو المعروف
وقد سبق في مثله في البيع وجه انه يصح في صاع فيعود هنا

فصل ومن الاغراض سقي الأرض بادارة الدولاب والاستقاء من البئر بالدلو
فإن كانت الاجارة على عين الدابة وجب تعيينها كما في الركوب والحمل
وإن كانت في الذمة لم يجب بيان الدابة ومعرفة جنسها
وعلى التقديرين يعرف المؤجر الدولاب والدلو وموضع البئر وعمقها بالمشاهدة أو الوصف إن كان الوصف يضبطها ويقدر المنفعة إما بالزمان بأن يقول لتسقي بهذا الدلو من البئر اليوم وإما بالعمل بأن يقول لتستقي خمسين دلوا من هذه البئر بهذا الدلو
ولا يجوز التقدير بالأرض بأن يقول لتسقي هذا البستان أو لتسقي جريبا منه
فصل ومنها الحراثة فيجب أن يعرف المؤجر الأرض لاختلافها


وتقدر المنفعة إما بالزمان بأن يقول لتحرث في هذه الأرض الشهر وإما بالعمل بأن يقول لتحرث هذه القطعة أو إلى موضع كذا منها
وقيل لا يجوز تقدير هذه المنفعة بالمدة قاله الشيخ أبو حامد
والصحيح الأول
ولا بد من معرفة الدابة إن كانت إجارة عين
وإن

كانت في الذمة فكذلك إن قدر بالمدة وجوزناه لأن العمل يختلف باختلاف الدابة
وإن قدر بالأرض المحروثة فلا حاجة إلى معرفتها

فصل ومنها الدياس فيعرف المؤجرالجنس الذي يريد دياسه ويقدر المنفعة

والقول في معرفة الدابة على ما ذكرناه في الحراثة
فصل الاستئجار للطحن كالاستئجار للدياس

فصل جملة ما يجب تعريفه في الاجارات مما ذكرناه وما لم نذكره
ما يتفاوت به الغرض ولا يتسامح به في المعاملة يشترط تعريفه
فصل اختلف الأصحاب في أن المعقود عليه في الاجارة ماذا فقال أبو
إسحاق وغيره هو العين ليستوفي منها المنفعة لأن المنفعة معدومة ومورد العقد يجب أن يكون موجودا ولأن اللفظ مضاف إلى العين
ولهذا يقول أجرتك هذه الدار
وقال الجمهور ليست العين معقودا عليها لأن المعقود عليه هو ما يستحق بالعقد ويجوز التصرف فيه وليست العين كذلك
فالمعقود عليه هو المنفعة وبه قال مالك

وأبو حنيفة رضي الله عنهما وعليه ينطبق قول جمهور أصحابنا أن الاجارة تمليك المنافع بعوض ويشبه أن لا يكون هذا خلافا محققا لان الاول لا يقول العين مملوكة بالاجارة كالمبيع
ومن قال بالثاني لا يقطع النظر عن العين

الباب الثاني في حكم الاجارة
الصحيحة فيه طرفان
الطرف الأول فيما يقتضي اللفظ دخوله في العقد وضعا أو عرفا وما يلزم المتكاربين إتماما له ومسائله مقسومة على الانواع الثلاثة المذكورة في شرط العلم بالمنفعة
النوع الأول استئجار الآدمي وفيه فصلان
الفصل الأول الاستئجار للحضانة وحدها وللارضاع وحده جائز وكذا لهما معا كما سبق وذكرنا أن المستحق بالاجارة للارضاع ما هو وأما الحضانة فهي حفظ الصبي وتعهده بغسله وغسل رأسه وثيابه وخرقه وتطهيره من النجاسات ودهنه وكحله وإضجاعه في مهده وربطه وتحريكه في المهد لينام
وإذا أطلق الاستئجار لأحدهما ولم ينف الآخر ففي استتباعه الآخر ثلاثة أوجه
أصحها منع الاستتباع
والثاني إثباته للعادة بتلازمهما
والثالث يستتبع الارضاع الحضانة ولا عكس
فإن أتبعنا فيهما أو شرطهما فانقطع اللبن فثلاثة أوجه مبنية على أن المعقود عليه في هذه الاجارة ماذا أحدها أنه اللبن والحضانة تابعة فعلى هذا ينفسخ العقد بانقطاعه والثاني الحضانة واللبن تابع فعلى هذا لا ينفسخ العقد لكن للمستأجر الخيار لأنه عيب
وأصحهما المعقود عليه كلاهما لأنهما مقصودان
فعلى هذا ينفسخ العقد في الارضاع ويسقط قسطه من الأجرة
وفي الحضانة قولا تفريق الصفقة

ولم يفرقوا في طرد الأوجه بين أن يصرح بالجمع بينهما أو يذكر أحدهما ونحكم باستتباعه الآخر
وحسن أن يفرق فيقال إن صرح فمقصودان قطعا
وإن ذكر أحدهما فهو المقصود والآخر تابع

فرع يلزم المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر به اللبن وللمكتري أن
ذلك
الفصل الثاني إذا استأجر وراقا فعلى من الحبر فيه ثلاثة طرق
أصحها الرجوع إلى العادة
فإن اضطربت وجب البيان وإلا فيبطل العقد
وأشهرها القطع بأنه لا يجب على الوراق
والثالث أنه على الخلاف في أن اللبن هل يتبع الحضانة 0 وإذا أوجبنا على الوراق فهو كاللبن في أنه لا يجب تقديره
وإن صرح باشتراطه عليه فهو كما لو صرح بالارضاع والحضانة
وإذا لم نوجبه عليه فشرط في العقد بطل العقد إن لم يكن معلوما وإلا فطريقان
أحدهما يصح العقد لأن المقصود الكتابة والحبر تابع
والثاني أنه شراء واستئجار وليس الحبر كاللبن لإمكان إفراده بالشراء
وعلى هذا ينظر فإن قال اشتريت منك هذا الحبر على أن تكتب به كذا فهو كشراء الزرع بشرط أن يحصده البائع
وإن قال اشتريت الحبر واستأجرتك لتكتب به كذا بعشرة فهو كقوله اشتريت الزرع واستأجرتك لتحصده بعشرة
وإن قال اشتريت الحبر بدرهم واستأجرتك لتكتب به بعشرة فهو كقوله اشتريت الزرع بعشرة واستأجرتك لتحصده بدرهم وحكم الصور مذكور في البيع
فرع إذا استأجر الخياط والصباغ وملقح النخل والكحال فالقول في الخيط والصبغ

وطلع
هذا هو المذهب وعليه الجمهور وقطع الإمام وشيخه والغزالي بأن الخيط لا يجب على الخياط لأن العادة الغالبة في الخيط خلاف الحبر والصبغ
النوع الثاني العقار وهو صنفان مبني كالدار والحمام وغيره
فالاول فيه مسألتان
إحداهما ما تحتاج إليه الدار المكراة من العمارة وهو ثلاثة أضرب أحدها مرمة لا تحتاج إلى عين جديدة كاقامة جدار مائل وإصلاح منكسر وغلق تعسر فتحه
والثاني ما يحوج إلى عين جديدة كبناء وجذع جديد وتطيين سطح والحاجة في الضربين لخلل عرض في دوام الاجارة
الثالث عمارة يحتاج إليها لخلل قارن العقد بأن أجر دارا ليس لها باب ولا ميزاب
ولا يجب شىء من هذه الأضرب على المستأجر بل هي من وظيفة المؤجر فإن بادر إلى الاصلاح فلا خيار للمستأجر وإلا فله الخيار إذا نقصت المنفعة
حتى لو وكف البيت لترك التطيين قال الأصحاب له الخيار
فإذا انقطع بطل الخيار إلا إذا حدث بسببه نقص
وإنما يثبت الخيار في الضرب الثالث إذا كان جاهلا به في ابتداء الحال
وهل يجبر المؤجر على هذه العمارات قال جماعة منهم المتولي والبغوي لا يجبر في شىء منها لأنه إلزام عين لم يتناولها العقد
وقال الإمام والغزالي والسرخسي يجبر على الضرب الأول ولا يجبر على الثالث قطعا ولا على الثاني على الأصح
وقال القاضي حسين وأبو محمد يجبر توفيرا للمنفعة
ويجري الوجهان فيما إذا غصبت المستأجرة وقدر المالك على الانتزاع
قلت ينبغي أن يكون الصحيح هنا وجوب الانتزاع
والله أعلم ولا شك أنه إذا كان العقد على موصوف في الذمة ولم ينتزع ما سلمه يطالب

ببدله
وحكى الإمام تفريعا على طريقته وجهين في أن الدعامة المانعة من الانهدام إذا احتيج إليها من الضرب الأول أم من الثاني فرع يجب على المكري تسليم مفتاح الدار للتمكن من الانتفاع بخلاف ما إذا كانت العادة فيه الاقفال فإنه لا يجب تسليم القفل لأن الأصل أن لا يدخل المنقولات في العقد الواقع على العقار والمفتاح تابع للغلق
وإذا سلم فهو أمانة في يد المستأجر
فإن ضاع بلا تفريط فلا شىء عليه وإبداله من وظيفة المؤجر وهل يطالب به فيه الخلاف السابق في العمارات
فإن لم يبدله فللمستأجر الخيار
المسألة الثانية تطهير الدار عن الكناسة والأتون عن الرماد في دوام الاجارة على المستأجر لأنهما حصلا بفعله وكسح الثلج عن السطح من وظيفة المؤجر لأنه كعمارة الدار
فإن تركه على السطح وحدث به عيب فللمستأجر الخيار
قال الإمام وهل يجب عليه فيه الخلاف السابق في العمارة
وحكي وجه أنه لا يجب الكسح وإن وجبت العمارة لانها تجب لتعود الدار إلى ما كانت
وأما الثلج في عرصة الدار فإن خف ولم يمنع الانتفاع فهو ملحق بكنس الدار
وإن كثف فكذلك على الأصح وقيل كتنقية البالوعة وفيها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى لأنه يمنع التردد في الدار

فرع يلزم المؤجر تسليم الدار وبالوعتها وحشها فارغان

فإن كان مملوءا فللمستأجر الخيار وكذا مستنقع الحمام وهو الموضع الذي تنصب إليه الغسالة
فلو امتلأت

البالوعة والحش والمستنقع في دوام الاجارة فهل تفريغها على المؤجر تمكينا من الانتفاع بقية المدة أم على المستأجر لحصوله بفعله وجهان
أصحهما الثاني وبه قطع الماوردي وابن الصباغ والمتولي كنقل الكناسات
فإن تعذر الانتفاع فلينق ولا خيار له على الصحيح
ولا يلزم المستأجر التنقية عند انقضاء المدة ولا تفريغ مستنقع الحمام ويلزمه التطهير من الكناسة وفسروها بالقشور وما سقط من الطعام ونحوه دون التراب الدذي بجمع بهبوب الرياح لأنه بغير فعله لكن قد سبق من أن ثلج العرصة لا يلزم المؤجر نقله بل هم كالكناسة مع أنه حصل لا بفعله فيجوز أن يكون التراب أيضا كالكناسة مع أنه حصل لا بفعله
قلت هذا الاحتمال ضعيف
والصواب أنه لا يلزم المستأجر نقل التراب كما قاله الأصحاب وليس المراد بما سبق في ثلج العرصة أنه يلزم المستأجر نقله بل المراد أنه لا يلزم المؤجر فكذا هنا لا يلزم واحدا منهما
والله أعلم قال الإمام والغزالي رماد الأتون كالكناسة فيجب على المستأجر نقله
وفي التهذيب أنه لا يجب لأنه من صورة استيفاء المنفعة بخلاف الكناسة

فرع الدار المستأجرة للسكنى لا يجوز طرح الرماد والتراب في أصل حائطها ولا ربط دابة

وفي جواز طرح ما يسرع ( إليه ) الفساد وجهان
أصحهما الجواز لأنه معتاد
الصنف الثاني الأرض البيضاء
فإذا استأجر أرضا للزراعة ولها شرب معلوم فإن شرط دخوله في العقد أو خروجه اتبع الشرط وإلا فإن اطردت العادة

باتباعه الأرض أو انفراده اتبعت
وإن اضطربت فكانت تكرى وحدها تارة ومع الشرب تارة فأوجه
أصحها لا يجعل الشرب تابعا اقتصارا على مقتضى اللفظ إنما عليه بعرف مطرد
والثاني يجعل تابعا
والثالث يبطل العقد من أصله لأن تعارض المقصودين يوجب جهالة

فصل استأجر أرضا لزرع معين فانقضت المدة ولم يدرك فلعدم الادراك

أحدها التقصير في الزراعة بأن أخرها حتى ضاق الوقت أو أبدل الزرع المعين بما هو أبطا منه أو أكله الجراد ونحوه فزرع ثانيا فللمالك إجباره على قلعه وعلى الزارع تسوية الأرض كالغاصب هذا لفظ البغوي ومقتضى إلحاقه بالغاصب أن يقلع زرعه قبل انقضاء المدة أيضا لكن المتولي وغيره صرحوا بأنه لا يقلع قبل انقضاء المدة لأن منفعة الارض في الحال له
قلت الصواب ما صرح به المتولي وغيره وليس مراد البغوي بالحاقه بالغاصب القلع قبل المدة
والله أعلم فرع للمالك منعه من زراعة ما هو أبطأ إدراكا وهل له منعه من زراعة الزرع المعين ابتداء إذا ضاق الوقت وجهان لانه استحق منفعة الأرض تلك المدة وقد يقصد القصيل
قلت الاصح أنه ليس له منعه
والله أعلم السبب الثاني أن يتأخر الادراك لحر أو برد أو كثرة المطر أو أكل

الجراد رؤوس الزرع فنبت ثانيا فتأخر لذلك فالصحيح أنه لا يجبر على القلع بل على المالك الصبر إلى الادراك مجانا أو بأجرة المثل
وقيل له قلعه مجانا لخروجه عن المدة
السبب الثالث أن يكون الزرع المعين بحيث لا يدرك في المدة بأن استأجر لزراعة الحنطة شهرين
فإن شرطا القلع بعد المدة جاز وكأنه أراد القصيل
ثم لو تراضيا على الابقاء مجانا أو بأجرة المثل جاز فإن شرطا الابقاء فسد العقد للتناقض بينه وبين التوقيت ولجهالة مدة الادراك ويجيء فيه خلاف سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى
وإذا فسد العقد فللمالك منعه من الزراعة لكن لو زرع لم الى يقلع مجانا للاذن بل يأخذ منه أجرة المثل لجميع المدة
وإن أطلقا العقد ولم يتعرضا لقلع ولا إبقاء صح العقد على الأصح
فعلى هذا إن توافقا بعد المدة على إبقائه مجانا أو بأجرة فذاك
وإن أراد المالك إجباره على القلع لم يكن له على الأصح وهو اختيار القفال لأن العادة فيه الابقاء
وعلى هذا فالأصح أن له أجرة المثل للزيادة
وقيل لا لأنه في معنى معير للزيادة
وقال أبو الفرج السرخسي إذا قلنا لا يقلع بعد المدة لزم تصحيح العقد إذا شرط الابقاء بعد المدة وكأنه صرح بمقتضى الاطلاق وهذا حسن
أما إذا استأجر للزراعة مطلقا وقلنا بالأصح وهو صحته فعليه أن يزرع ما يدرك في تلك المدة
فإن زرعه وتأخر إدراكه لتقصير أو لغيره فعلى ما ذكرناه في الزرع المعين
ولو أراد أن يزرع ما لا يدرك في تلك المدة فللمالك منعه
فلو زرع لم يقلع انقضاء المدة
وقال صاحب المهذب يحتمل أن لا يمنع من زرعه كما لا يقلع إذا زرع

فصل استأجر للبناء أو الغراس فإن شرط القلع صح العقد ولزم المستأجر

القلع بعد المدة وليس على المالك أرش النقصان ولا على المستأجر تسوية الأرض ولا أرش نقصها لتراضيهما بالقلع
ولو شرطا الابقاء بعد المدة فوجهان
أحدهما العقد فاسد لجهالة المدة
وهذا أصح عند الإمام والبغوي
والثاني يصح لأن الاطلاق يقتضي الابقاء فلا يضر شرطه وبهذا قطع العراقيون أو جمهورهم ويتأيد به كلام السرخسي في مسألة الزرع
فإن قلنا بالفساد لزم المستأجر أجرة المثل للمدة وما بعدها حكمه ما سنذكره فيما إذا أطلقا العقد
أما إذا أطلقا فالمذهب صحة العقد
وقيل وجهان وليس بشىء ثم ينظر بعد المدة فإن أمكن القلع والرفع بلا نقص فعل وإلا فإن اختار المستأجر القلع فله ذلك لأنه ملكه
وهل عليه تسوية الحفر وأرش نقص الأرض وجهان
الأصح المنصوص يلزمه لتصرفه في أرذ الغير بالقلع بعد خروجها من يده وتصرفه بغير إذن مالكها
فعلى هذا لو قلع قبل المدة لزمه التسوية على الأصح لعدم الاذن
وقيل لا لبقاء الأرض في يده وتصرفه
وإن لم يختر القلع فهل للمؤجر أن يقلعه مجانا فيه طريقان
أحدهما القطع بالمنع
والثاني على وجهين
أصحهما هذا لأنه بناء محترم
والثاني نعم
فإن منعنا فالكلام في أن المؤخر يتخير بين أن يقلع ويغرم أرش النقص مع نقص الثمار إن كان على الشجر ثمر أو يتملكه عليه بالقيمة أو يبقية بأجرة يأخذها أو لا يتخير إلا بين الخصلتين الأوليين من هذه الثلاث على ما ذكرناه إذا رجع المعير عن العارية
وإذا انتهى الامر إلى القلع فمباشرة القلع أو بدل مؤنته هل هي على المؤجر لانه الذي اختاره أم على المستأجر لانه شغل الارض فليفرغها وجهان
أصحهما الثاني
وإذا عين

المؤجر خصلة فامتنع منها المستأجر ففي إجباره ما ذكرناه في إجبار المستعير
فإن أجبرناه كلف تفريغ الارض مجانا وإلا فلا بل هو كما لو امتنع المؤجر من الاختيار وحينئذ هل يبيع الحاكم الأرض بما فيها أم يعرض عنهما فيه خلاف سبق

فرع الاجارة الفاسدة للغراس والبناء كالصحيحة في تخيير المالك ومنع

فصل إذا استأجر لزراعة جنس معين جاز أن يزرعه وما ضرره مثل
أو دونه لا ما فوقه والحنطة فوق ضرر الشعير
وكل واحد من الذرة والارز فوق ضرر الحنطة
وعن البويطي أنه لا يجوز غير زرع المعين فقيل هو قول للشافعي رضي الله عنه
وقيل هو مذهب للبويطي
وكيف كان فالمذهب جوازه
هذا إذا عين جنسا أو نوعا
فلو قال أجرتكها لزرع هذه احنطة ففي صحة العقد وجهان
أحدهما المنع لان تلك الحنطة قد تتلف
والثاني الصحة وهو اختيار ابن كج ولا تتعذر الزراعة بتلف تلك الحنطة
قلت الاصح الصحة لانه لا يتعذر بتلف الحنطة
ولو تعذر لم يكن احتمال التلف مانعا كالاستئجار لارضاع هذا الصبي والحمل على هذه الدابة
والله أعلم

ولو قال لتزرع هذه الحنطة ولا تزرع غيرها فأوجه
أحدها يفسد العقد لأنه ينافي مقتضاه
قال ابن كج والروياني وهذا هو المذهب
والثاني وهو اختيار الإمام صحة العقد وفساد الشرط لأنه شرط لا يتعلق به غرض فهو كقوله أجرتك على أن لا تلبس إلا الحرير
والثالث يصح العقد والشرط لأنه يملك المنفعة من المؤجر فملك بحسب التمليك
قلت الأول أقوى
والله أعلم وعلى هذا قياس طريق أخرى فيه ولو ركبها في إستيفاء سائر المنافع
فإذا استأجر دابة للركوب في طريق لم يركبها في مثل ذلك الطريق
وإذا استأجر لحمل الحديد لم يحمل القطن ولا العكس وإذا استأجر دكانا لصنعة منع مما فوقها في الضرر

فرع إذا تعدى المستأجر للحنطة فزرع الذرة ولم يتخاصما حتى انقضت المدة
والقاضي أبو حامد أن المؤجر بالخيار بين أن يأخذ المسمى وبدل النقصان الزائد بزراعة الذرة ععلى ضرر الحنطة وبين أن يأخذ أجرة المثل لزرع الذرة
وقال كثيرون في المسألة قولان
أحدهما تعيين أجرة المثل للذرة
والثاني تعيين المسمى

وبدل النقص
وقال ابن القطان قولان
أحدهما المسمى وبدل النقص
والثاني التخيير
قلت وهل يصير ضامنا للأرض غاصبا وجهان حكاهما الشاشي في المستظهري أصحهما لا
والله أعلم ولو تخاصما عند إرادته زراعة الذرة منع منها وإن تخاصما بعد زراعتها وقبل حصادها فله قلعها
وإذا قلع فإن تمكن من زراعة الحنطة زرعها وإلا فلا يزرع وعليه الأجرة لجميع المدة لأنه الذي فوت مقصود العقد
ثم إن لم تمض على بقاء الذرة مدة تتأثر الأرض بها فذاك وإن مضت فالمستحق أجرة المثل أم قسطها من المسمى مع بدل النقصان أم يتخير بينهما فيه الطرق السابقة
والطرق جارية فيما إذا استأجر دارا ليسكنها فأسكنها الحدادين أو القصارين أو دابة ليحمل عليها قطنا فحمل بقدره حديدا أو غرفة ليضع فيها مائة رطل حنطة فأبدلها بحديد وكذا كل صورة لا يتميز فيها المستحق عما زاد
فلو تميز بأن استأجر دابة لحمل خمسين رطلا فحمل مائة أو إلى موضع فجاوزه وجب المسمى وأجرة المثل لما زاد قطعا
ولو عدل عن الجنس المشروط إلى غيره بأن استأجر للزرع فغرس أو بنى وجبت أجرة المثل على المذهب
وقيل بطرد الخلاف
وإذا قلنا بالمذهب في أصل المسألة إنه يتخير فاختار المسمى وبدل النقصان الزائد فمثله أجرة مثلها للحنطة خمسون وللذرة سبعون وكان المسمى أربعين فله الأربعون والتفاوت بين الاجرتين وهو عشرون
قلت وإذا حصد المستأجر ما أذن فيه بعد المدة لزمه قلع ما يبقى في الأرض من قصب الزرع وعروقه لأنه عين ماله فلزمه إزالته عن ملك غيره
وممن صرح به صاحب البيان
والله أعلم

النوع الثالث استئجار الدواب وفيه مسائل
المسألة الاولى إذا اكترى للركوب قال الأكثرون على المؤجر الاكاف والبرذعة والحزام والثفر والخطام والبرة لانه لا يتمكن من الركوب دونها
والعرف مطرد بكونها على المؤجر
وفي السرج إذا اكترى الفرس أوجه
ثالثها اتباع العادة
قلت صحح الرافعي في المحرر اتباع العادة
والله أعلم وقال أبو الحسن العبادي في الرقم لا يلزم مكري الدابة إلا تسليمها عارية والآلات كلها على المستأجر
وقال البغوي ما عدا السرج والاكاف والبرذعة فعلى المؤجر
وأما هذه الثلاثة فإن استأجر عين الدابة فهي على المستأجر ويضمن لو ركب بغير إكاف وسرج
وإن كانت على الذمة فعلى المؤجر لانها للتمكين من الانتفاع
أما ما هو للتسهيل على الراكب كالمحمل والمظلة والوطاء والغطاء والحبل الذي يشد به المحمل على البعير والذي يشد به أحد المحملين إلى الآخر ( فعلى المستأجر والعرف مضطرد به وفي المهذب وجه في الحبل الذي يشد به أحدهما إلى الآخر أنه على المستأجر وهو شاذ بعيد مع القطع بأن المحمل وسائر توابعه على المستأجر
وأما شد أحد المحملين إلى الآخر ) فهل هو على المكري كالشد على الحمل أم على المكتري لانه إصلاح ملكه وجهان
قلت أصحهما الاول
وممن صححه صاحب البيان
والله أعلم هذا إذا أطلقا العقد أما إذا قال أكريتك هذه الدابة العارية بلا حزام ولا إكاف ولا غيرهما فلا يلزمه شىء من الآلات

المسألة الثانية إذا اكترى للحمل فالوعاء الذي ينقل فيه المحمول على المستأجر إن وردت الاجارة على عين الدابة
وعلى المؤجر إن ورث على الذمة
والدلو والرشاء في الاستئجار للاستقاء كالوعاء في الحمل فيفرق بين العين والذمة
وعن القاضي حسين أنه إن كان معروفا بالاستقاء بآلات نفسه لزمه الاتيان بها وهذا يجب طرده في الوعاء
ورأى الإمام في إجارة الذمة الفرق بين أن يلتزم الغرض مطلقا ولا يتعرض للدابة فتكون الآلات عليه وبين أن يتعرض لها بالوصف وحينئذ يتبع العادة
فإن اضطربت احتمل واحتمل
وإذا رأينا اتباع العادة فاضطربت فالاصح أنه يشترط لصحة العقد التقييد
قلت الاصح الذي عليه الجمهور ما سبق
والله أعلم فرع مؤنة الدليل وسائق الدابة وقائدها والبذرقة وحفظ المتاع في المنزل كالوعاء
المسألة الثالثة الطعام المحمول ليؤكل في الطريق كسائر المحمولات في اشتراط رؤيته أو تقديره بالوزن على الصحيح
وقيل لا يشترط تقديره ويحمل الامر فيه على العادة
فعلى الصحيح لا يشترط تقدير ما يؤكل منه كل يوم لصحة العقد على الصحيح
وإذا قدره وحمله فإن شرط أنه يبدله كلما نقص أو لا يبدله اتبع الشرط وإلا فإن فني بعضه أو كله بسرقة أو تلف فله الابدال كسائر المحمولات
وإن فني بالاكل فإن فني كله أبدله على الصحيح
وإن فني بعضه أبدله على الاظهر
ويقال الاصح
وموضع الخلاف إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر المنزل الذي هو فيه
أما إذا لم يجده أو وجده بأعلى فله

الابدال قطعا
وإذا قلنا لا يشترط تقدير الزاد وحمل ما يعتاد لمثله لم يبدله حتى يفنى كله وفيه وجه ضعيف
الرابعة إذا اكترى للركوب في الذمة لزم المؤجر الخروج مع الدابة لسوقها وتعهدها وإعانة الراكب فق الركوب والنزول
وتراعى العادة في كيفية الاعانة
فينيخ البعير للمرأة لأنه يصعب عليها النزول والركوب مع قيام البعير وكذا إذا كان الرجل ضعيفا لمرض أو شيخوخة أو كان مفرط السمن أو نضو الخلق ينيخ له البعير ويقرب البغل والحمار من نشز يسهل عليه الركوب والاعتبار في القوة والضعف بحال الركوب لا بحال العقد
وإذا اكترى للحمل في الذمة لزم المؤجر رفع الحمل وحطه وشد المحمل وحله
وفي شد أحد المحملين إلى الآخر وهما بعد على الأرض الوجهان السابقان قريبا
ويقف الدابة لينزل الراكب لما لا يتهيأ عليها كقضاء الحاجة والوضوء وصلاة الفرض
وإذا نزل انتظره المكري ليفرغ منها ولا يلزمه المبالغة في التخفيف ولا القصر ولا الجمع وليس له الابطاء ولا التطويل
قال الروياني وله النزول في أول الوقت لينال فضله ولا يقفها للنوافل والأكل والشرب لإمكانها على الدابة
وإن ورد العقد على دابة بعينها فالذي على المؤجر التخلية بين المستأجر وبينها وليس عليه أن يعينه على الركوب ولا الحمل
هذا هو المذهب وقول الجمهور في نوعي الاجارة
وحكى الإمام مع هذا ثلاثة أوجه
أحدها أنه إن قال في إجارة الذمة ألزمت ذمتك تبليغي موضع كذا لزمه الاعانة
وإن قال ألزمت ذمتك منفعة دابة صفتها كذا لم تلزمه
والثاني تجب الاعانة على الركوب في إجارة العين أيضا
والثالث تجب للحمل في نوعي الاجارة لإطراد العادة بالاعانة على الحط والحمل وإن اضطربت في الركوب
ورفع المحمل وحطه كالحمل

فرع قال الشافعي رضي الله عنه إذا اختلفا في الرحلة هل
ولا مستلقيا
قيل المكبوب أن يجعل مقدم المحمل أو الزاملة أوسع من المؤجر والمستلقي عكسه
وقيل المكبوب بأن يضيق المقدم والمؤخر جميعا والمستلقي أن يوسعهما جميعا
وعلى التفسيرين المكبوب أسهل على الدابة والمستلقي أسهل على الراكب
فإن اختلفا فيهما حملا على الوسط المعتدل وكذا إذا اختلفا في كيفية الجلوس
فرع ليس للمؤجر منع الراكب من النوم في وقته

ويمنعه في غير ذلك الوقت لأن النائم يتقل قاله ابن كج
فرع قد يعتاد النزول والمشي للاراحة فإن شرطا أن ينزل أو لا
اتبع الشرط
قال الإمام ويعرض في شرط النزول إشكال لانقطاع المسابة ويقع في كراء العقب
قال لكن الأصحاب احتملوه للحاجة
وإن أطلقا لم يجب النزول على المرأة والمريض
وفي الرجل القوي وجهان لتعارض اللفظ والعادة
وهكذا حكم النزول عند العقبات الصعاب
قلت قال أصحابنا وفي معنى المرأة والمريض الشيخ العاجز
وينبغي أن يلحق بهم من كانت له وجاهة ظاهرة وشهرة يخل بمروءته في العادة المشي
ثم الكلام مفروض في طريق يعتاد النزول فيه لاراحة الدابة
فإن لم تكن معتادة لم يجب مطلقا ولم نصحح شيئا من الوجهين في الرجل القوي
وينبغي أن يكون الأصح وجوب النزول عند العقبات دون الاراحة
والله أعلم

فرع إذا اكترى دابة إلى بلد فبلغ عمرانه فللمؤجر
دابته ولا يلزمه تبليغه داره
ولو اكترى إلى مكة لم يكن له تتميم الحج عليها
وإن اكتراها للحج ركبها إلى منى ثم عرفات ثم المزدلفة ثم منى مكة لطوف الإفاضة
وهل يركبها إلى مكة راجعا إلى منى للرمي والطواف وجهان
قلت ينبغي أن يكون أصحهما استحقاقه ذلك لأن الحج لم يفرغ وإن كان قد تحلل
ومن مسائل هذا النوع لو طلب أحد المتكاريين مفارقة القافلة بالتقدم أو التأخر لم يكن له إلا برضى صاحبه
والله أعلم فرع إذا اكترى دابة بعينها فتلفت انفسخ العقد وإن وجد بها عيبا فله الخيار
والعيب مثل ان تتعثر في المشي أو لا تبصر في الليل أو يكون بها عرج تتخلف به عن القافلة
ومجرد خشونة المشي ليس بعيب
وإن كانت الاجارة على الذمة وسلم دابة وتلفت لم ينفسخ العقد
وإن وجد بها عيبا لم يكن له الخيار في فسخ العقد ولكن على المؤجر إبدالها
ثم الدابة المسلمة عن الاجارة في الذمة وإن لم ينفسخ العقد بتلفها فإنه ثبت للمستأجر فيها حق الاختصاص حتى يجوز له إجارتها
ولو أراد المؤجر إبدالها فهل له ذلك دون إذن المستأجر وجهان
أصحهما عند الجمهور المنع لما فيها من حق المستأجر
والثاني قاله أبو محمد واختاره الغزالي إن اعتمد باللفظ الدابة بأن قال أجرتك دابة صفتها كذا لم يجز الإبدال
وإن لم يعتمدها بل قال التزمت إركابك ددبة صفتها كذا جاز
ويتفرع على الوجهين

ما إذا أفلس المؤجر بعد تعيين عن إجارة الذمة هل يتقدم المستأجر بمنفعتها على الغرماء وقد ذكرناه في التفليس
والأصح التقدم
ولو أراد المستأجر أن يعتاض عن حقه في إجارة الذمة فإن كان قبل أن يتسلم دابة لم يجز لأنه اعتياض عن المسلم فيه
وإن كان بعد التسليم جاز لأن هذا الاعتياض عن حق في عين هكذا قاله الأئمة
وفيه دليل على أن القبض يفيد تعلق حق المستأجر بالعين فيمتنع الابدال دون رضاه

فصل نذكر فيه قولا جمليا في إبدال متعلقات الإجارة المنفعة المطلوبة في
الاستيفاء فله أن يبدل نفسه بغيره كما يجوز أن يؤجر ما استأجر فإذا استأجر دابة للركوب فله أن يركبها مثل نفسه في الطول والقصر والضخامة والنحافة ومن هو أخف منه
وكذلك يلبس الثوب مثله ويسكن الدار دون القصار والحداد لزيادة الضرر
وكذا إذا استأجر دابة لحمل القطن فله حمل الصوف والوبر
أو لحمل الحديد فله حمل النحاس والرصاص
وإذا استأجر للحمل فأراد إركاب من لا يزيد وزنه على القدر المحمول قال المتولي يرجع إلى أهل الصنعة
فإن قالوا لا يتفاوت الضرر جاز وإن قالوا يتفاوت لم يجز
وكذا لو استأجر للركوب فأراد الحمل
والأصح المنع في الطرفين وهو مقتضى ما في التهذيب
وأما المستوفى منه فهو الدار والدابة المعينة والأجير المعين ولا يجوز إبداله كما لا يبدل المبيع
وأما المستوفى به فهو كالثوب المعين للخياطة والصبي المعين للارضاع والتعليم والأغنام المعينة للرعي
وفي إبداله وجهان
ويقال قولان
أحدهما المنع
وأصحهما عند الإمام والمتولي

الجواز لأنه كالراكب
والخلاف جار في انفساخ الإجارة بتلف هذه الأشياء في المدة وميل العراقيين إلى ترجيح الإنفساخ وقالوا هو المنصوص
والثاني مخرج
وسنزيد المسألة إيضاحا إن شاء الله تعالى في الباب الثالث
ويجري الخلاف فيما إذا لم يلتقم الصبي المعين ثديها فعلى رأي ينفسخ العقد وعلى رأي يبدل

فصل استئجار الثياب للبس والبسط والزلالي للفراش واللحف للإلتحاف جائز

وإذا استأجر ثوبا ليلبسه مدة لم يجز أن ينام فيه بالليل
وهل له النوم فيه ( في ) وقت القيلولة وجهان
أصحهما وبه قطع الأكثرون جوازه للعادة
لكن لو كان المستأجر القميص الفوقاني لزمه نزعه بل يلزمه نزعه في سائر أوقات الخلوة وإنما تلبس ثياب التجمل في الأوقات التي جذت العادة فيها بالتجمل كحالة الخروج إلى السوق ونحوه ودخول الناس عليه ولا يجوز الإتزار بما يستأجر للبس ويجوز الإرتداء به على الأصح
قال المتولي وإذا استأجر للإرتداء لم يجز الإتزار ويجوز التعمم
قلت هذا الذي ذكره الإمام الرافعي في النوم في الثوب هو الذي اطلقه الجمهور إلا قوله هل يجوز النوم في وقت القيلولة فإن الأكثرين قالوا يجوز النوم فيه بالنهار من غير تقييد بالقيلولة ولكن ضبطه الصيمري فقال إن نام ساعة أو ساعتين جاز لأنه متعارف
وإن نام أكثر النهار لم يجز
قالوا وإذا استأجر للبس مطلقا فله لبسه ليلا ونهارا إذا كان مستيقظا قطعا
ولو استأجر للبس ثلاثة أيام ولم يذكر الليالي فالصحيح دخول الليالي
وقيل لا تدخل حكياه في

العدة و البيان
وإذا استأجر يوما كاملا فوقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
وإن قال يوما وأطلق قال الصيمري كان من وقته إلى مثله من الغد
وإن استأجر نهار يوم قال في البيان فيه وجهان حكاهما الصيمري
أحدهما من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
والثاني من طلوع الشمس إلى غروبها
والله أعلم الطرف الثاني في بيان حكم الإجارة في الأمانة والضمان
مال الإجارة تارة يكون في يد المستأجر وتارة في يد الأجير على العمل
وأما المستأجر ففيه مسألتان
إحداهما يده على الدابة والدار المستأجرتين ونحوهما في مدة الاجارة يد أمانة فلا يضمن ما تلف منها بغير تعد وتقصير وهل يضمن ما يتلف في يده بعد مضي المدة يبنى على أنه هل على المستأجر الرد ومؤنته وفيه وجهان
أصحهما عند الغزالي لا وإنما عليه التخلية بين المالك وبينها إذا طلب لأنه أمانة فأشبه الوديعة
وأقربهما إلى كلام الشافعي رضي الله عنه يلزمه الرد ومؤنته وإن لم يطلب المالك لأنه غير مأذون في الإمساك بعد المدة ولأنه أخذ لمنفعة نفسه فأشبه المستعير
قال القاضي أبو الطيب ولو شرط عليه الرد لزمه بلا خلاف ومنعه ابن الصباغ وقال من لا يوجبه عليه ينبغي أن لا يجوز شرطه
فإن قلنا لا يلزمه الرد فلا ضمان
وإن قلنا يلزمه الرد لزمه الضمان إلا أن يكون الإمساك بعذر
قلت صحح الرافعي في المحرر أنه لا ضمان
والله أعلم ويترتب على الوجهين ضمانه أجرة المنافع التي تتلف في يده بعد المدة
فإن ألزمناه الرد ضمناه وإلا فلا

قلت وفي فتاوى الغزالي القطع بأن الإجارة إذا انفسخت بسبب لا يلزم المستأجر ضمان المنافع التالفة عنده لأنه أمين وهذا محمول على ما إذا علم المالك بأنها انفسخت وإلا فيجب أن يعلمه
وإذا لم يعلمه كان مقصرا ضامنا
والله أعلم ولو غصبت الدابة المستأجرة مع دواب الرفقة فذهب بعضهم في الطلب ولم يذهب المستأجر فإن قلنا لا يلزمه الرد فلا ضمان عليه
وإن ألزمناه فإن استرد من ذهب بلا مشقة ولا غرامة ضمن المستأجر المتخلف
وإن لحقه غرامة ومشقة لم يضمن قاله الشيخ أبو عاصم العبادي

فرع لو استأجر قدرا مدة ليطبخ فيها ثم حملها بعد المدة ليردها
الحمار فانكسرت قال أبو عاصم إن كان لا يستقل بحملها فلا ضمان
وإن كان يستقل فعليه الضمان سواء ألزمناه الرد أم لا لأن العادة أن القدر لا ترد بالحمار مع استقلال المستأجر أو حمال بها
المسألة الثانية الدابة المستأجرة للحمل أو الركوب إذا ربطها المستأجر ولم ينتفع بها في المدة فالقول في استقرار الأجرة عليه سيأتي إن شاء الله تعالى ولا ضمان عليه لو ماتت في الإصطبل
فلو انهدم عليها فهلكت به نظر إن كان المعهود في مثل ذلك الوقت لو خرج بها أن يكون في الطريق وجب عليه ضمانها
وإن كان المعهود في مثل ذلك الوقت أن يكون تحت السقف كجنح الليل في الشتاء فلا ضمان

فصل وأما المال في يد الأجير
كالثوب إذا استؤجر لخياطته أو صبغه أو قصارته والعبد إذا استؤجر لتعليمه أو لرضاعه والدابة إذا استؤجر لرياضتها
فإذا تلف والأجير منفرد باليد فهو إما أجير مشترك وإما منفرد
والمشترك هو الذي يتقبل العمل في ذمته كما هو عادة الخياطين والصواغين
فإذا التزم لواحد أمكنه أن يلتزم لغيره مثل ذلك العمل فكأنه مشترك بين الناس
والمنفرد هو الذي أجر نفسه مدة مقدرة لعمل فلا يمكنه تقبل مثل ذلك العمل لغيره في تلك المدة
وقيل المشترك هو الذي شاركه في الرأي فقال اعمل في أي موضع شئت
والمنفرد هو الذي عين عليه العمل وموضعه
أما المشترك فهل يضمن ما تلف في يده بلا تعد ولا تقصير فيه طريقان
أصحهما قولان
أحدهما يضمن كالمستعير والمستام
وأظهرهما لا يضمن كعامل القراض
والثاني لا يضمن قطعا
وأما المنفرد فلا يضمن على المذهب وقطع به جماعة
أما إذا لم يكن الأجير منفردا باليد كما إذا قعد المستأجر عنده حتى عمل أو حمله إلى بيته ليعمل فالمذهب وبه قطع الجمهور لا ضمان لأن المال غير مسلم إليه حقيقة وإنما استعان به المالك كالإستعانة بالوكيل
وعن الإصطخري والطبري طرد القولين
وحيث ضمنا الأجير فالواجب أقصى قيمة من القبض إلى التلف أم قيمة يوم التلف فيه وجهان
قلت أصحهما الثاني
والله أعلم هذا كله إذا لم يتعد الأجير فإن تعدى وجب الضمان قطعا وذلك مثل أن

يسرف على الخبز في الإيقاد ويلصق الخبز قبل وقته أو يتركه في التنور فوق العادة حتى يحترق أو ضرب على التأديب والتعليم الصبي فمات لأن تأديبه بغير الضرب ممكن
ومتى اختلفا في التعدي ومجاوزة الحد عملنا بقول عدلين من أهل الخبرة فإن لم نجدهما فالقول قول الأجير
ومتى تلف المال في يده بعد تعديه فالواجب أقصى قيمة من وقت التعدي إلى التلف إن لم يضمن الأجير
فإن ضمناه فأقصى قيمة من القبض إلى التلف كذا ذكره البغوي وغيره
ويشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا يضمن بأقصى قيمة من القبض إلى التلف
فأما إن قلنا يضمن قيمة يوم التلف فينبغي أن يجب هنا أقصى قيمة من التعدي إلى التلف
قلت هذا الإستدراك الذي ذكره الإمام الرافعي متعين لا بد منه
والله أعلم فرع قال الأصحاب إذا حجمه أو ختنه فتلف إن كان المحجوم والمختون حرا فلا ضمان لأنه لا تثبت اليد عليه
وإن كان عبدا نظر في انفراد الحاجم باليد وعدم انفراده وأنه أجير مشترك أم لا وحكمه ما سبق
والمذهب أنه لا ضمان مطلقا إذا لم يفرط
وكذا البيطار إذا بزغ الدابة فتلفت والراعي المنفرد كذلك فلا ضمان عليهما على المذهب ولو اكتراه ليحفظ متاعه في دكانه فتلف فلا ضمان ( قطعا ) لأن المال في يد المالك

فصل إذا دفع ثوبا إلى قصار ليقصره أو خياط ليخيطه أو جلس

حلاق ليحلق رأسه أو دلاك ليدلكه ففعل ولم يجر بينهما ذكر أجرة ولا نفيها فيه أوجه
أصحها وهو المنصوص لا أجرة له مطلقا لأنه لم يلتزم وصار كما لو قال أطعمني خبزا فأطعمه لا ضمان عليه
والثاني يستحق أجرة المثل
والثالث إن بدأ المعمول له فقال افعل كذا لزمه الأجرة
وإن بدأ العامل فقال أعطني ثوبا لأقصره فلا أجرة
والرابع إن كان العامل معروفا بذلك العمل وأخذ الأجرة ذليه استحق الاجرة للعادة وإلا فلا
ولو دخل سفينة بغير إذن صاحبها وسار إلى الساحل لزمه الأجرة
وإن كان بالاذن ولم يجر ذكر الأجرة فعلى الأوجه
وإذا لم نوجب الاجرة فالثوب أمانة في يد القصار ونحوه
وإن أوجبناها فوجوب الضمان على الخلاف في الأجير المشترك

فرع فيما يأخذه الحمامي أوجه

أحدها أنه ثمن الماء وهو متطوع بحفظ الثياب وإعارة السطل فعلى هذا الثياب غير مضمونة على الحمامي والسطل مضمون على الداخل
والثاني أنه ثمن الماء وأجرة الحمام والسطل
وأصحها أنه أجرة الحمام والسطل والإزار وحفظ الثياب
وأما الماء فغير مضبوط ولا يقابل بعوض
فعلى هذا السطل غير مضمون على الداخل والحمامي أجير مشترك في الثياب فلا يضمن على المذهب كسائر الأجراء وإنما وجبت الأجرة هنا وإن لم يجر لها ذكر ولم يطرد فيه الخلاف لأن الداخل مستوف منفعة الحمام بسكونه وهناك صاحب المنفعة صرفها

فصل إذا عمل الأجير ثم تلفت العين
التي عمل عليها نظر إن لم يكن منفردا باليد بل عمل في ملك المستأجر أو في حضرته لم تسقط أجرته
وإن كان منفردا باليد بأن سلم الثوب إلى قصار فقصره ثم تلف عنده بني على الخلاف السابق في باب التفليس أن القصارة عين أم أثر فإن قلنا أثر لم تسقط الاجرة ثم إن ضمنا الأجير فعليه قيمة ثوب مقصور وإلا فلا شىء عليه
وإن قلنا عين سقطت أجرته وعليه قيمة ثوب غير مقصور إن ضمنا الأجير أو وجد منه تعد وإلا فلا شىء عليه
وإن أتلف أجنبي الثوب المقصور فإن قلنا القصارة أثر فللأجير الأجرة وعلى الأجنبي القيمة
ثم المستأجر على قول تضمين الأجير يتخير بين مطالبة الأجير والأجنبي والقرار على الأجنبي
وإن قلنا عين جاء الخلاف فيما إذا أتلف أجنبي المبيع قبل القبض
فإن قلنا ينفسخ العقد فهو كما لو تلف وإلا فللمستأجر الخيار في فسخ الإجارة وإجازتها
فإن أجاز ولم يضمن الإجير استقرت له الاجرة والمستأجر يغرم الاجنبي قيمة ثوب مقصور
وإن ضمناه فالمستأجر بالخيار إن شاء ضمن الأجنبي قيمة ثوب مقصور وإن شاء ضمن الأجنبي قيمة القصارة والأجير قيمة ثوب غير مقصور ثم الأجير يرجع على الأجنبي
وإن فسخ الإجارة فلا أجرة عليه ويغرم الإجنبي قيمة ثوب غير مقصور
وإن ضمنا الأجير غرم القيمة من شاء منهما والقرار على الأجنبي ويغرم الأجنبي الاجير قيمة القصارة
ولو أتلف الأجير الثوب فإن قلنا القصارة أثر فله الاجرة وعليه قيمة ثوب مقصور
وإن قلنا عين جاء الخلاف في أن إتلاف البائع كالآفة السماوية أم كإتلاف الأجنبي إن قلنا كالآفة فالحكم ما سبق
وإن قلنا كالأجنبي وأثبتنا للمستأجر الخيار فإن فسخ الإجارة سقطت الأجرة وعلى الأجير قيمة ثوب غير مقصور

وإن أجازها استقرت الأجرة وعليه قيمة ثوب مقصور
وصبغ ؤلثوب بصبغ صاحب الثوب كالقصار
وإن استأجره ليصبغ بصبغ من عنده قال المتولي هو جمع بين البيع والإجارة ففيه الخلاف المعروف
وسواء صح أم لم يصح فإذا هلك الثوب عنده سقطت قيمة الصبغ
وسقوط الأجرة على ما ذكرنا في القصارة

فرع سلم ثوبا إلى قصار ليقصره فجحده ثم أتى به مقصورا استحق
إن قصره ثم جحد وإن جحد ثم قصره فوجهان لأنه عمل لنفسه
قلت ينبغي أن يكون أصحهما الفرق بين أن يقصد بعمله لنفسه فلا أجرة أو يقصد عمله عن الإجارة الواجبة فيستحق الأجرة
والله أعلم فصل المستأجر يضمن بالتعدي بأن ضرب الدابة أوكبحها فوق العادة وعادة الضرب تختلف في حق الراكب والرائض والراعي فكل يراعى فيه عادة أمثاله ويحتمل في الأجير للرياضة والرعي ما لا يحتمل في المستأجر للركوب
وأما الضرب المعتاد إذا أفضى إلى تلف فلا يوجب ضمانا ويخالف ضرب الزوج زوجته فإنه مضمن لأنه يمكن تأديبها بغير الضرب
ولو نام بالليل في الثوب الذي استأجره أو نقل فيه التراب أو ألبسه عصارا أو دباغا أو غيرهما ممن هو دون حاله أو أسكن الدار قصارا أو حدادا أو غيرهما ممن هو أشد ضررا منه أو أركب

الدابة أثقل منه وجب الضمان وقراره على الثاني إن كان عالما وإلا فعلى الأول
وإن أركبها مثله فجاوز العادة في الضرب فالضمان على الثاني دون الأول لأنه لم يتعد
ولو اكترى لمائة رطل حديد فحمل مائة من القطن أو التبن أو بالعكس أو مائة رطل حنطة فحمل مائة رطل شعير أو عكسه ضمن لأن الشعير أخف ومأخذه من ظهر الدابة أكثر والحنطة يجتمع ثقلها في موضع واحد وكذا القطن والحديد
ولو اكترى لعشرة أقفزة حنطة فحمل عشرة شعيرا لم يضمن لأن قدرهما في الحجم سواء والشعير أخف وبالعكس يضمن
ولو اكترى ليركب بسرج فركب بلا شىء أو عكسه ضمن لأن الأول أضر بالدابة والثاني زيادة على المشروط
ولو اكترى ليحمل عليها بالأكاف فحمل بالسرج ضمن لأنه أشق عليها وبالعكس لا يضمن إلا أن يكون أثقل ولو اكترى ليركب بالسرج فركب بالأكاف ضمن وبالعكس لا يضمن إلا أن يكون أثقل وقس على هذا أشباهه

فرع لو اكترى دابة لحمل مقدار سمياه فكان المحمول أكثر نظر إن
الزيادة بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين من ذلك المبلغ فلا عبرة بها وإن كانت أكثر بأن كان المشروط عشرة آصع والمحمول أحد عشر فللمسألة ثلاثة أحوال
أحدها إذا كال المستأجر الطعام وحمله هو عليها فعليه أجرة المثل لما زاد على المشهور وفي قول عليه أجرة المثل للجميع
وفي قول يتخير بين المسمى وما دخل الدابة من نقص وبين أجرة المثل
وفي قول يتخير بين المسمى وأجرة المثل للزيادة وبين أجرة المثل للجميع
فلو تلفت البهيمة بالحمل فإن انفراد المستأجر جاليد ولم يكن معها صاحبها فعليه ضمانها لأنه صار غاصبا وإن كان معها صاحبها فهل

يلزمه كل القيمة أم نصفها أم قسط الزيادة من جملة القيمة فيه أقوال
أظهرها الثالث ورجحه الامام وغيره
وعن الشيخ أبي محمد أن الثاني أظهر
ولو تلفت الدابة بسبب غير الحمل ضمن الحال الثاني إذا كال المؤجر وحمله على البهيمة فلا أجرة لما زاد سواء غلط أو تعمد وسواء جهل المستأجر الزيادة أو علمها وسكت لانه لم يأذن في نقل الزيادة فلا يجب عليه ضمان البهيمة وله مطالبة المؤجر برد الزيادة إلى الموضع المنقول منه وليس للمؤجر أن يردها دون رضاه
فلو لم يعلم المستأجر حتى عاد إلى البلد المنقول منه فله مطالبة المؤجر بردها
والأظهر أو الأصح أن له مطالبته ببدلها في الحال كما لو أبق المغصوب من يد الغاصب
والثاني لا يطالبه ببدلها لأن عين ماله باقية وردها مقدور عليه
فإذا قلنا بالأول فعرم البدل فإذا ردها إلى ذلك البلد استرد البدل وردها إليه
أما لو كال المؤجر وحمله المستأجر على البهيمة قال المتولي إن كان المؤجر عالما بالزيادة فهو كما لو كال بنفسه وحمل

لانه لما علم بالزيادة كان من حقه أن لا يحملها
وإن كان جاهلا فوجهان مأخوذان مما لو قدم الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلا هل يبرأ من الضمان الحال الثالث إذا كال أجنبي وحمل بلا إذن فعليه أجرة الزيادة للمؤجر وعليه الرد إلى الموضع المنقول منه إن طالبه المستأجر وضمان البهيمة على ما ذكرناه في حق المستأجر
وان تولى الحمل بعد كيل الأجنبي أحد المتكاريين نظر أعالم هو أم جاهل ويقاس بما ذكرناه
هذا كله إذا اتفقا على الزيادة وعلى أنها للمستأجر فإن اختلفا في أصل الزيادة أو قدرها فالقول قول المنكر
وإن ادعى المؤجر أن الزيادة له والدابة في يده فالقول قوله
وإن لم يدعها واحد منهما تركت في يد من هي في يده حتى يظهر مستحقها ولا يلزم المستأجر أجرتها

فرع لو وجد المحمول على الدابة دون المشروط نظر إن كان النقص
ما يقع من التفاوت بين الكيلين فلا عبرة به وإن كان أكثر قال المتولي إن كال المؤجر حط من الأجرة بقسطه إن لم يعلم المستأجر
فإن علم فإن كانت الإجارة في الذمة فكذلك لأنه لم يف بالمشروط
وإن كانت إجارة عين فالحكم كما لو كال المستأجر بنفسه ونقص فلا يحط شىء من الأجرة لأن التمكين من الاستيفاء قد حصل وذلك كاف في تقرر الأجرة
فرع إكترى إثنان دابة وركباها فارتدفهما ثالث بغير إذنهما فتلفت ففيما يلزم المرتدف

ثلاثة أوجه
أحدها نصف القيمة
والثاني ثلثها
والثالث تقسط على أوزانهم فيلزمه حصة وزنه
قلت أصحها الثاني
قال الشيخ أبو حامد وغيره لو سخر رجلا مع بهيمته فتلفت البهيمة في يد صاحبها لم يضمنها المسخر لانها في يد صاحبها
والله أعلم فصل إذا دفع ثوبا إلى خياط ليقطعه ويخيطه فخاطه قباء ثم اختلفا فقال الخياط أمرتني بقباء وقال بل أمرتك بقميص أو سود الثوب بصبغ وقال هكذا أمرتني فقال بل أمرتك بصبغة أحمر ففيه خمسة طرق
أصحها وبه قال الأكثرون في المسألة قولان
أظهرهما عند الجمهور أن القول قول المالك
والثاني القول قول الخياط والصباغ
والطريق الثاني فيه ثلاثة أقوال
هذان والثالث أنهما يتحالفان
والطريق الثالث قولان
تصديق المالك والتحالف
والرابع القطع بالتحالف قاله أبو علي الطبري وصاحب التقريب والشيخ أبو حامد
والخامس عن ابن سريج إن جرى بينهما عقد تعين التحالف وإلا فالقولان الأولان
فإن قلنا القول قول الخياط فإذا حلف لا أرش عليه قطعا ولا أجرة له على الأصح
والثاني يجب له المسمى إتماما لتصديقه
والثالث أجرة المثل
فإذا قلنا لا أجرة له بيمينه فله أن يدعي الأجرة على المالك ويحلفه فإن نكل ففي تجديد اليمين عليه وجهان

قلت ينبغي أن يكون أصحهما التجديد وهذه قضية مسأنفة
والله أعلم وإن قلنا القول قول المالك
فإذا حلف فلا أجرة عليه ويلزم الخياط أرش النقص على المذهب
وقيل فيه وجهان كما في وجوب الأجرة تفريعا على تصديق الخياط
والفرق على المذهب أن القطع يوجب الضمان إلا أن يكون بإذن وهو غير موجب إلا بإذن
ثم في الأرش الواجب وجهان
أحدهما ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا
والثاني ما بين قيمته مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء
وعلى هذا إن لم ينقص فلا شىء عليه
وعلى الثاني في استحقاقه الأجرة للقدر الذي يصلح للقميص من القطع وجهان
قال ابن أبي هريرة نعم وبه قطع البغوي وضعفه ابن الصباغ لأنه لم يقطعه للقميص
قلت المنع أصح ونقله صاحب البيان عن نص الشافعي رضي الله عنه
والله أعلم وإذا قلنا يتحالفان فحلفا فلا أجرة للخياط قطعا ولا أرش عليه على الأظهر
وإذا أراد الخياط نزع الخيط لم يمكن منه حيث حكمنا ( له ) بالأجرة سواء كان الخيط للمالك أو من عنده لأنه تابع للخياطة
وحيث قلنا لا أجرة فله نزع خيطه كالصبغ
وحينئذ لو أراد المالك أن يشد بخيطه خيطا ليدخل في الدروز إذا خرج الأول لم يكن له إلا برضى الخياط
وأما كيفية اليمين فقال في الشامل إن صدقنا الخياط حلف بالله ما أذنت لي في قطعه قميصا ولقد أذنت لي في قطعه قباء قال وإن صدقنا المالك كفاه عندي أن يحلف ما أذنت له في قطعه ولا حاجة إلى التعرض لأن وجوب الغرم وسقوط الأجرة يقتضيهما نفي الإذن في القباء
وإن قلنا بالتحالف جمع كل واحد في يمينه بين النفي والإثبات كما سبق في البيع

( قال ابن كج والكلام في البداءة بمن هو كما سبق في البيع ) والمالك هنا في رتبة البائع
قلت وقال الشيخ أبو حامد إذا صدقنا الخياط حلف لقد أذنت لي في قطعه قباء فقط
فإن لم نثبت للخياط أجرة فهذا أصح من قول صاحب الشامل لأن هذا القدر كاف في نفي الغرم عنه وإن اثبتناها فقول صاحب الشامل هو الصواب
والله أعلم فرع قال للخياط إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه فلم يكفه ضمن الأرش لأن الإذن مشروط بما لم يوجد
وإن قال هل يكفيني قميصا فقال نعم فقال أقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمن لأن الإذن مطلق

فصل اختلاف المتكاريين في الأجرة أو المدة أو قدر المنفعة هل هي
عشرة فراسخ أم خمسة أم كل الدار أم بيت منها يوجب التحالف فاذا تحالفا فسخ العقد وعلى المستأجر أجرة المثل لما استوفاه

الباب الثالث في الطوارىء الموجبة للفسخ
فالفسخ والانفساخ يثبت بخلل يعرض في المعقود عليه وهو ثلاثة أقسام
إحداها ما ينقص المنفعة
ومتى ظهر بالمستأجرة نقص تتفاوت به الأجرة فهو عيب مثبت للفسخ وذلك كمرض العبد والدابة وانقطاع ماء البئر وتغيره بحيث يمنع إلشرب وانكسار دعائم الدار واعوجاجها وانهدام بعض جدرانها لكن لو بادر المؤجر إلى الاصلاح وكان قابلا للإصلاح في الحال سقط خيار المستأجر كما سبق
وسواء كان العيب سابقا للعقد أو القبض أو حادثا في يد المستأجر
ثم إن ظهر العيب قبل مضي مدة لها أجرة فإن شاء فسخ ولا شىء عليه وإن شاء أجاز بجميع الأجرة
وإن ظهر في أثناء المدة فالوجه ما ذكره المتولي وهو انه إن أراد الفسخ في جميع المدة فهو كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما ثم وجد بالباقي عيبا وأراد الفسخ فيهما
وإن أراد الفسخ فيما بقي من المدة فهو كما لو أراد الفسخ في العبد الباقي وحده وحكمهما مذكور في البيع
وأطلق الجمهور القول بأن له الفسخ ولم يذكروا هذا التفصيل
ومتى امتنع الفسخ فله الارش فيعرف أجرة مثله سليما ومعيبا ويعرف التفاوت بينهما
هذا كله في إجارة العين
أما إذا وجد في إجارة الذمة بالدابة المسلمة عيبا فلا فسخ بل يردها ويلزم المؤجر إبدالها
فصل لا تنفسخ الإجارة بالأعذار سواء كانت إجارة عين أو ذمة وذلك
كما إذا

استأجر دابة للسفر عليها فمرض أو حانوتا لحرفة فندم أو هلكت آلات تلك الحرفة أو حماما فتعذر الوقود وكذا لو كان العذر للمؤجر بأن مرض وعجز عن الخروج مع الدابة أو أكرى داره وأهله مسافرون فعادوا واحتاج إلى الدار أو تأهل فلا فسخ في شىء منها إذ لا خلل في المعقود عليه
ولو اكترى أرضا للزراعة فزرعها فهلك الزرع بجائحة من سيل أو شدة حر أو برد أو كثرة مطر ونحوها فليس له الفسخ ولا حط شىء من الأجرة لان الجائحة لحقت زرع المستأجر لا منفعة الأرض فصار كما لو اكترى دكانا لبيع البز فاحترق بزه لا تنفسخ الإجارة
فلو فسدت الأرض بجائحة أبطلت قوة الإنبات في مدة الإجارة انفسخت الإجارة في المدة الباقية
ثم إن كان فساد الأرض بعد فساد الزرع فهل يسترد شيئا من الأجرة فيه احتمالان للإمام
أصحهما عند الغزالي المنع لانه لو بقيت صلاحية الأرض لم يكن للمستأجر فيها نفع بعد فوات الزرع
والثاني وبه قطع بعض أصحاب الإمام يسترد لان بقاء الأرض على صفتها مطلوب
فاذا زال ثبت الإنفساخ
وإن كان فساد الزرع بعد فساد الأرض فأصح الاحتمالين بالاتفاق الاسترداد
القسم الثاني فوات المنفعة بالكلية حسا فمن صوره موت الدابة والاجير المعين فإن كان قبل القبض أو عقبه قبل مضي مدة لمثلها أجرة انفسخ العقد
وإن كان في خلال المدة انفسخ العقد في الباقي وفي الماضي الطريقان فيما إذا اشترى عبدين فقبض أحدهما وتلف الثاني قبل القبض هل ينفسخ البيع في المقبوض فإن قلنا ينفسخ في الماضي سقط المسمى ووجب أجرة المثل لما مضى
وإن قلنا

لا ينفسخ فيه فهل له خيار الفسخ وجهان
أصحهما عند الإمام والبغوي لا لأن منافعه استهلكت
والثاني نعم وبه قطع ابن الصباغ وآرون لأن جميع المعقود عليه لم يسلم
فإن قلنا له الفسخ ففسخ رجع إلى أجرة المثل
وإن قلنا لا فسخ أو أجاز وجب قسط ما مضى من المسمى والتوزيع على قيمة المنفعة وهي أجرة المثل لا على نفس الزمان وذلك يختلف فربما تزيد أجرة شهر على أجرة شهرين لكثرة الرغبات في ذلك الشهر
وإن كدنت مدة الاجارة سنة ومضى نصفها وأجرة المثل فيه مثلا أجرة المثل في النصف الباقي وجب من المسمى ثلثاه
وإن كانت بالعكس فثلثه
وإذا أثبتنا الخيار بعيب ففسخ العقد في المستقبل ففي الإنفساخ في الماضي الطريقان
فإن لم ينفسخ فطريق التوزيع ما بيناه
وإن أجازه فعليه الأجرة المسماة بتمامها كما لو رضي بعيب المبيع لزمه جميع الثمن
وسواء حصل التلف بآفة سماوية أم بفعل المستأجر بل لو قتل العبد أو الدابة المعينة كان حكم الإنفساخ والأجرة ما ذكرناه ويلزمه قيمة ما أتلف
وعن ابن أبي هريرة أنه تستقر عليه الأجرة المسماة بالإتلاف كما يستقر الثمن على المشتري بإتلافه
والصحيح الأول لأن البيع ورد على العين فإذا أتلفها صار قابضا والإجارة واردة على المنافع ومنافع الزمن المستقبل معدومة لا يتصور ورود الإتلاف عليها وعلى هذا لو عيب المستأجر الدار أو جرح العبد فهو كالتعيب بآفة سماوية في ثبوت الخيار

فرع نص أن انهدام الدار يقتضي الإنفساخ ونص فيما إذا اكترى أرضا

للزراعة ولها ماء معتاد فإنقطع أن له فسخ العقد وفيهما ثلاثة طرق
أحدها تقرير النصين لأن الدار لم تبق دارا والأرض بقيت أرضا ولأن الارض يمكن زراعتها بالأمطار
والثاني القطع بعدم الإنفساخ
وأصحها قولان في المسألتين
أظهرهما في الانهدام الانفساخ وفي انقطاع الماء ثبوت الخيار وإنما يثبت الخيار إذا انقطعت الزراعة
فإن قال المؤجر أنا أسوق إليها ماء من موضع آخر سقط الخيار كما لو بادر إلى إصلاح الدار
فإن قلنا بالانفساخ فالحكم كموت العبد وإلا فله الفسخ في المدة الباقية
وفي الماضي الوجهان
فإن منعناه فعليه قسط ما مضى من المسمى وإن أجاز لزمه المسمى كله وقيل يحط للانهدام وانقطاع الماء ما يخصه

فرع لو غصب العبد المستأجر أو أبق أو ندت الدابة فإن كانت
في الذمة فعلى المؤجر الإبدال
فإن امتنع استؤجر عليه
وإن كانت إجارة عين أو غصبت الدار المستأجرة فللمستأجر الخيار
فإن كان ذلك في أثناء المدة فإن اختار الفسخ فسخ في الباقي
وفي الماضي الخلاف السابق
وإن لم يفسخ وكان قد استأجر مدة معلومة فانقضت بني على الخلاف فيما إذا أتلف أجنبي المبيع قبل القبض هل ينفسخ البيع أم لا إن قلنا ينفسخ فكذلك الإجارة ويسترد الأجرة
وإن قلنا لا ينفسخ فكذلك الإجارة ويتخير بين أن يفسخ ويسترد الأجرة وبين أن يجيز ويطالب الغاصب بأجرة المثل
والذي نص عليه

الشافعي رضي الله عنه والأصحاب انفساخ الإجارة وإن كان البناء المذكور يقتضي ترجيح عدم الانفساخ لكن المذهب الانفساخ
وعلى هذا لو عاد إلى يده وقد بقي بعض المدة فللمستأجر أن ينتفع به في الباقي وتسقط حصة المدة الماضية إلا إذا قلنا إن الانفساخ في بعض المدة يوجب الانفساخ في الباقي فليس له الانتفاع في بقية المدة
وإن كان استأجره لعمل معلوم فله أن يستعمله فيه متى قدر عليه
وإذا بادر المؤجر إلى الانتزاع من الغاصب ولم تتعطل منفعة على المستأجر سقط خياره كما سبق في إصلاح الدار

فرع إذا أقر المؤجر بالمستأجرة للغاصب من المستأجر أو لغيره ففي

أظهرهما القبول
فإن قبلناه ففي بطلان حق المستأجر من المنفعة أوجه
أصحها لا يبطل
والثاني يبطل
والثالث إن كانت العين في يد المستأجر تركت في يده إلى انقضاء المدة
وإن كانت في يد المقر له لم تنزع منه فإن قلنا بالبطلان فهل يحلف المؤجر فيه الخلاف المذكور في أن المرتهن هل يحلف الراهن إذا أقر بالمرهون وقبلناه فرع للمؤجر مخاصمة من غصب المستأجرة أو سرقها وليس للمستأجر المخاصمة على الأصح المنصوص كالمودع والمستعير ويجري الوجهان في أن المرتهن هل يخاصم لأن له حقا

فصل الثوب المعين للخياطة
إذا تلف ففي انفساخ العقد خلاف سبق
الأصح عند الإمام وجماعة لا ينفسخ وعن العراقيين والشيخ أبي علي أنه ينفسخ لتعلقه بذلك الثوب وبه قطع ابن الحداد وفيما إذا اكترى دواب في الذمة لحمل خمسة أعبد معينين فمات إثنان منهم وحمل ثلاثة فقال له ثلاثة أخماس الكراء وسقط خمساه والصورة فيما إذا تساوت أوزانهم ويشهد له نص الشافعي رضي الله عنه حيث قال إذا نكحها على خياطة ثوب معين فتلف قبل الخياطة لها مهر المثل
قال الشيخ أبو علي والخلاف فيما إذا ألزم ذمته خياطة ثوب بعينه أو حمل متاع بعينه أو عبد فإن العقد وإن كان في الذمة فمتعلق بعين الثوب والمتاع
أما إذا استأجر دابة بعينها مدة لركوب أو حمل متاع فهلكا فلا ينفسخ العقد بل يجوز إبدال الراكب والمتاع بلا خلاف
فإن قلنا لا ينفسخ فأتى بثوب مثله فذاك
وإن لم يأت لعجزه أو امتنع مع القدرة حتى مضت مدة إمكان العمل ففي استقرار الأجرة وجهان
قلت أصحهما لا تستقر
والله أعلم فإن قلنا تستقر فللمستأجر فسخ العقد على الأصح لأنه ربما لا يجد ثوبا آخر أو لا يريد قطعه
فرع موت الصبي المعين للتعليم كتلف الثوب المعين للخياطة وكذا الصبي المعين للإرضاع إن لم يكن

فإن كان ولدها فخلاف مرتب وأولى بالانفساخ

لأن درور اللبن على ولدها أكثر من الأجنبي فلا يمكن إقامة غيره مقامه

فرع لو بدأ له في قطع الثوب المعين وهو باق قال الإمام
لا يجب عليه الإتيان به لكن تستقر عليه الأجرة إذا سلم الأجير نفسه ومضى مدة إمكان العمل إن قلنا تستقر الأجرة بتسليم الأجير نفسه وليس للأجير فسخ الإجارة وإن قلنا لا تستقر فله فسخها وليس للمستأجر الفسخ بحال لأن الإجارة لا تنفسخ بالأعذار
فصل لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقدين بل إن مات المستأجر قام وارثه
في استيفاء المنفعة مقامه
وإن مات المؤجر ترك المال عند المستأجر إلى انقضاء مدة الإجارة فإن كانت الإجارة على الذمة فما التزمه دين عليه
فإن كان في التركة وفاء استؤجر منها لتوفيته وإلا فالواراث بالخيار إن شاء وفاه واستحق الأجرة وإن أعرض فللمستأجر فسخ الإجارة
ولو أوصى بداره لزيد مدة عمر زيد فقبل الوصية وأجرها زيد مدة ثم مات في خلالها انفسخت الإجارة لانتهاء حقه بموته
فصل إذا أكرى جمالا فهرب فتارة يهرب بها وتارة يهرب ويتركها عند
المستأجر فإن هرب بها نظر فإن كانت الإجارة في الذمة إكترى الحاكم عليه من ماله
فإن لم يجد له

مالا اقترض عليه من بيت المال أو من المستأجر أو غيره واكترى عليه
قال في الشامل ولا يجوز أن يكل أمر الإكتراء إلى المستأجر لأنه يصير وكيلا في حق نفسه
وإن تعذر الإكتراء عليه فللمستأجر الفسخ كما لو انقطع المسلم فيه عند المحل
فإن فسخ فالأجرة دين في ذمة الجمال وإن لم يفسخ فله مطالبة الجمال إذا عاد بما التزمه
وإن كانت إجارة عين فللمستأجر فسخ العقد كما أذا ندت الدابة
وأما إذا تركها عند المستأجر فإن تبرع بالإنفاق عليها فذاك وإلا راجع الحاكم لينفق عليها وعلى من يقوم بتعهدها من مال المؤجر إن وجده وإلا استقرض عليه كما ذكرنا ثم إن وثق بالمستأجر سلم إليه ما اقترضه لينفق عليها وإلا دفعه إلى من يثق به
وإذا لم يجد مالا آخر باع منها بقدر الحاجة لينفق عليها من ثمنه ولا يخرج على الخلاف في بيع المستأجرة لأنه محل ضرورة ويبقى في يد المستأجر إلى انتهاء المدة
ولو لم يقترض الحاكم من المستأجر ولكن أذن له في الإنفاق ليرجع جاز على الأظهر كما لو اقترض منه ثم دفعه إليه
والثاني المنع ويجعل متبرعا
وعلى الأول لو اختلفا في قدر ما أنفق فالصحيح أن القول قول المنفق
وقيل قول الجمال
قلت قال أصحابنا إنما يقبل قول المستأجر إذا ادعى نفقة مثله في العادة
والله أعلم ولو أنفق المستأجر بغير إذن الحاكم مع إمكانه لم يرجع
وإن لم يكن حاكم فعلى ما ذكرناه في عامل المساقاة إذا هرب
قال الإمام ولو كان هناك حاكم وعسر إثبات الواقعة عنده فهو كما إذا لم يكن حاكم
وإذا أثبتنا الرجوع فيما إذا أنفق بغير مراجعة الحاكم فاختلفا في قدره فالقول قول الجمال لأن إنفاقه لم يستند إلى ائتمان من جهة الحاكم قال وفيه احتمال لأن الشرع سلطة عليه

وإذا انقضت مدة الإجارة ولم يعد الجمال باع الحاكم منها ما يقضي بثمنه ما اقترضه وحفظ باقيها
وإن رأى بيعها لئلا تأكل نفسها فعل

فصل إذا اكترى دابة أو دارا مدة وقبضها وأمسكها حتى مضت المدة
الإجارة واستقرت الأجرة سواء انتفع بها في المدة أم لا وليس له الإنتفاع بعد المدة فإن فعل لزمه أجرة المثل مع المسمى
ولو ضبضت المنفعة بالعمل دون المدة بأن استأجر دابة ليركبها إلى بلد أو ليحمل عليها إلى موضع معلوم وقبضها وأمسكها عنده حتى مضت مدة يمكن فيها السير إليه استقرت عليه الأجرة أيضا وسواء تخلف المستأجر لعذر أم لغيره حتى لو تخلف لخوف الطريق أو عدم الرفقة استقرت الأجرة عليه لأن المنافع تلفت في يده ولأنه يمكنه السفر عليها إلى بلد آخر واستعمالها في البلد تلك وليس للمستأجر فسخ العقد بهذا السبب ولا أن يلزم المؤجر استرداد الدابة إلى تيسر الخروج هذا في إجارة العين فإن كانت على الذمة وسلم دابة بالوصف المشروط فمضت المدة عند المستأجر استقرت الأجرة أيضا لتعين حقه بالتسليم وحصول التمكن
ولو كانت الإجارة فاسدة استقرت فيها أجرة المثل بما يستقر به المسمى في الإجارة الصحيحة سواء انتفع أم لا وسواء كانت أجرة المثل أقل من المسمى أو أكثر
فرع أجر الحر نفسه لعمل معلوم وسلم نفسه فلم يستعمله المستأجر حتى
مضت

المدة أو مدة يمكن فيها ذلك العمل استقرت الأجرة على الأصح ويجري الخلاف فيما إذا ألزم ذمة الحر عملا فسلم نفسه مدة إمكان ذلك العمل ولم يستعمله وطرد المتولي الخلاف فيما إذا التزم الحر عملا في الذمة وسلم عبده ليستعمله فلم يستعمله ووجهه بما يقتضي إثبات خلاف في كل إجارة على الذمة
ثم إن قلنا لا تستقر فللأجير أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على الاستعمال

فرع أكرى عينا مدة ولم يسلمها حتى مضت المدة انفسخت الإجارة لفوات
المعقود عليه فلو استوفى منفعة المدة فطريقان
أحدهما أنه كاتلاف البائع المبيع قبل القبض
والثاني القطع بالانفساخ
ولو أمسكها بعض المدة ثم سلمها انفسخت الإجارة في المدة التي تلفت منافعها
وفي الباقي الخلاف فيما إذا تلف بعض المبيع قبل القبض فإن قلنا لا ينفسخ فللمستأجر الخيار ولا يبدل زمان بزمان
ولو لم تكن المدة مقدرة واستأجر دابة للركوب إلى بلد فلم يسلمها حتى مضت مدة يمكن فيها المضي إليه فوجهان أحدهما تنفسخ الإجارة وهو اختيار الإمام
وأصحهما وبه قطع الأكثرون لا تنفسخ لأن هذه الإجارة متعلقة بالمنفعة لا بالزمان ولم يتعذر استيفاؤها
فعلى هذا قال الأصحاب لا خيار للمستأجر كما لا خيار للمشتري إذا امتنع البائع من تسليم المبيع مدة ثم سلمه
وشذ الغزالي فقال في الوسيط له الخيار لتأخر حقه
والمعروف ما سبق
ولو كانت الإجارة في الذمة ولم يسلم ما تستوفى المنفعة منه حتى مضت مدة يمكن فيها تحصيل تلك المنفعة فلا فسخ ولا انفساخ بحال لأنه دين تأخر إيفاؤه
القسم الثالث فوات المنفعة شرعا كفواتها حسا في اقتضاء الانفساخ لتعذر

الاستيفاء فإذا استؤجر لقلع سن وجعة أو يد متأكلة أو لاستيفاء قصاص في نفس أو طرف فالإجارة صحيحة على الأصح كما سبق فإذا زال الوجع أو عفي عن القصاص فقد أطلق الجمهور أن الإجارة تنفسخ وفيه كلامان
أحدهما أن المنفعة في هذه الإجارة مضبوطة بالعمل دون الزمان وهو غير مأيوس منه لاحتمال عود الوجع فليكن زوال الوجع كغصب المستأجرة حتى يثبت خيار الفسخ دون الإنفساخ
والثاني حكى الشيخ أبو محمد وجها أن الإجارة لا تنفسخ بل يستعمل الأجير في قلع مسمار أو وتد ويراعى تداني العملين وهذا ضعيف والقوي ما قيل أن الحكم بالانفساخ جواب على أن المستوفى به لا يبدل فإن جوزناه أمره بقلع سن وجعة لغيره

فصل إذا آجر الوقف البطن الأول ثم مات في أثناء المدة فوجهان

أحدهما تبقى الإجارة بحالها كما لو آجر ملكه فمات
وأصحهما المنع لأن المنافع بعد موته لغيره ولا ولاية له عليه ولا نيابة ثم عبارة الجمهور بالانفساخ وعدمه ففي وجه ينفسخ
وفي وجه لا ينفسخ واستبعدها الصيدلاني والإمام وطائفة لأن الانفساخ يشعر بسبق الإنعقاد وجعلوا الخلاف في أنا هل نتبين البطلان لأنا تبينا أنه تصرف في غير ملكه ثم إن أبقينا الإجارة فحصة المدة الباقية من الأجرة تكون للبطن الثاني فإن أتلفها الأول فهي دين في تركته وليس كما لو أجر ملكه ومات في المدة حيث تكون جميع الأجرة تركة تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه لأن التصرف ورد على خالص ملكه والباقي له بعد الإجارة رقبة مسلوبة المنفعة في تلك المدة فتنتقل خلى الوارث كذلك
وإن قلنا لا تبقى الإجارة فهل

تبطل فيما مضى قال ابن الصباغ يبنى على الخلاف في تفريق الصفقة
فإن قلنا لا تفرق كان للبطن الأول أجرة المثل لما مضى
أما إذا أجر الوقف متولية فموته لا يؤثر في الإجارة على الصحيح لأنه ناظر للجميع
وقيل تبطل الإجارة كما سيأتي في ولي الصبي إن شاء الله تعالى

فرع للولي إجارة الطفل وماله أبا كان أو وصيا أو قيما إذا
فيها لكن لا يجاوز مدة بلوغه بالسن
فلو أجره مدة يبلغ في أثنائها بأن كان ابن سبع سنين فأجره عشر سنين فطريقان
قال الجمهور يبطل فيما يزيد على مدة البلوغ وفيما لا يزيد قولا تفريق الصفقة
والثاني القطع بالبطلان في الجميع وهو الأصح عند البغوي
قلت واختاره أيضا ابن الصباغ
والله أعلم ويجوز أن يؤجره مدة لا يبلغ فيها بالسن وإن احتمل بلوغه بالاحتلام لأن الأصل بقاء الصبا فلو انفق في الاحتلام في اثنائها فوجهان اصحهما عند الصاحب ولأن المهذب والروياني بقاء الإجارة
وأصحهما عند الإمام والمتولي لا تبقى
قلت صحح الرافعي في المحرر الثاني
والله أعلم ثم التعبير عن هذا بالانفساخ أو تبين البطلان كما ذكرنا في مسألة الوقف
وإذا قلنا لا تبقى الإجارة جاء فيما مضى خلاف تفريق الصفقة
وإذا قلنا تبقى فهل له خيار الفسخ إذا بلغ وجهان
أصحهما لا كما لو زوجها ثم بلغت

فرع أجر الولي مال المجنون فأفاق في أثناء المدة فهو كبلوغ
بالإحتلام
فصل لو أجر عبده ثم أعتقه نفذ لأن إعتاق المغصوب والآبق نافذ
أولى ولا تنفسخ الإجارة على الصحيح ولا خيار للعبد على الأصح ولا يرجع على السيد بأجرة المثل للمدة الواقعة بعد العتق على الأظهر الجديد
وقيل على الأصح
فإن قلنا يرجع فنفقته في تلك المدة على نفسه لأنه مالك لمنفعة نفسه
وإن قلنا لا يرجع فهل هي على سيده لإدامة حبسه أم في بيت المال لأنه حر عاجز وجهان
أصحهما الثاني
قلت فإن قلنا النفقة على السيد فوجهان
أحدهما تجب بالغة ما بلغت
وأصحهما يجب أقل الأمرين من أجرة مثله وكفايته
والله أعلم ولو ظهر بالعبد عيب بعد العتق وفسخ المستأجر الإجارة فالمنافع للعتيق إن قلنا يرجع بمنافعه على السيد وإلا فهل هي له أم للسيد وجهان
قلت الأصح كونها للعتيق
والله أعلم ولو أجر عبده ومات وأعتقه الوارث في المدة ففي انفساخ الإجارة ما سبق
فإن قلنا لا انفساخ لم يرجع هنا على المعتق بشىء بلا خلاف
ولو أجر أم ولده ومات في المدة عتقت
وفي بطلان الإجارة الخلاف المذكور إذا أجر

البطن الأول الوقف ومات وكذا الحكم في إجارة المعلق عتقه بصفة
قال البغوي وإنما تجوز إجارته مدة لا تتحقق الصفة فيها فإن تحققت فهو كإجارة الصبي مدة يتحقق بلوغه فيها
قلت هذا الذي قاله البغوي ظاهر إن منعنا بيع العين المستأجرة فإن جوزناه فينبغي أن يقطع بجواز إجارته هنا لأنه متمكن من بيعه وإبقاء الإجارة إلى انقضاء مدتها بخلاف مسألة الصبي لكن قد يقال وإن تمكن فقد لا يفعل
والله أعلم فرع كتابة العبد المكرى جائزة عند ابن القطان باطلة عند ابن كج
قلت الثاني أقوى
والله أعلم فإن جوزناها عاد الخلاف في الخيار وفي الرجوع على السيد
قلت ومن مسائل الفصل ما ذكره ابن كج وهو خارج عن القواعد السابقة أنه لو أكرى دارا لعبد ثم قبض العبد وأعتقه فانهدمت الدار رجع على المعتق بقدر ما بقي في المدة من قيمة العبد
والله أعلم فصل إذا باع العين المستأجرة فله حالان
الحال الأول البيع للمستأجر وهو صحيح قطعا
ثم في الإجارة وجهان

أحدهما تنفسخ قاله ابن الحداد ويعبر عنه بأن الإجارة والملك لا يجتمعان
وأصحهما لا تنفسخ
فعلى الأول يرجع المستأجر على المؤجر بقية المدة على الأصح
وقال ابن الحداد لا يرجع
ولو فسخ المستأجر البيع بعيب لم يكن ( له ) الإمساك بحكم الإجارة لأنها قد انفسخت بالشراء
ولو تلفت العين لم يرجع على البائع بشىء لأن الإجارة غير باقية عند التلف وعلى الوجه الثاني الأصح وهو أن الإجارة لا تنفسخ بالشراء ففي صورة فسخ البيع بالعيب له الإمساك بحكم الإجارة ولو فسخ عقد الإجارة رجع على البائع بأجرة بقية المدة
وفي صورة التلف تنفسخ الإجارة بالتلف وحكمه ما سبق وتتخرج على الخلاف في أن الإجارة والملك هل يجتمعان مسائل
إحداها أوصى لزيد برقبة دار ولعمرو بمنفعتها وأجرها لعمرو ففي صحة الإجارة الوجهان
الثانية مات المستأجر ووارثه المؤجر ففي انفساخها الوجهان
الثالثة أجر المستأجر العين المستأجرة للمالك جاز على الصحيح المنصوص كما يجوز أن يبيعه ما اشتراه منه ومنعه ابن سريج لاجتماع الملك والإجارة
الرابعة أجر داره لابنه ومات الأب في المدة ولا وارث له غير الابن المستأجر وعليه ديون مستغرقة بني أولا على أن الوارث هل يملك التركة وهناك دين مستغرق إن قلنا لا يملك بقيت الإجارة بحالها
وإن قلنا يملك وهو الصحيح فعلى الأصح لا تنفسخ الإجارة
وعلى قول ابن الحداد تنفسخ لأن الملك طرأ على الإجارة
وادعى الروياني أن هذا أصح
وإذا انفسخت الإجارة قال ابن الحداد الابن غريم يضارب بأجرة بقية المدة للغرماء ووافقه بعضهم وخالفه المعتبرون لأنه خلاف ما سبق عنه في الشراء أنه لا يرجع

وضعفوا الفرق
ولو مات الأب المؤجر عن ابنين أحدهما المستأجر فعلى الأصح لا تنفسخ الإجارة في شىء من الدار ويسكنها المستأجر إلى انقضاء المدة ورقبتها بينهما بالإرث
وقال ابن الحداد تنفسخ الإجارة في النصف الذي يملكه المستأجر وله الرجوع بنصف أجرة ما انفسخ العقد فيه لان مقتضى الانفساخ في النصف الرجوع بنصف الأجرة لكنه خلف ابنين والتركة في يدهما والدين الذي يلحقها يتوزع فيخص الراجع الربع ويرجع بالربع على أخيه فإن لم يترك الميت سوى الدار بيع من نصيب الأخ المرجوع عليه بقدر ما يثبت به الرجوع وهذا بعيد عند الأئمة لأن الابن المستأجر ورث نصيبه بمنافعه وأخوه ورث نصيبه مسلوب المنفعة ثم قد تكون أجرة مثل الدار في تلك المدة مثلي ثمنها فإذا رجع على الأخ بربع الأجرة إحتاج إلى بيع نصيبه فيكون أحدهما قد فاز بجميع نصيبه وبيع نصيب الآخر وحده في دين الميت
قال الشيخ أبو علي ولو لم يخلف إلا الابن المستأجر ولا دين عليه فلا فائدة في الانفساخ ولا أثر له لأن الكل له سواء ( أخذ ) بالإرث أو أخذ مدة الإجارة بالإجارة وبعدها بالإرث وسواء أخذ بالدين أم بالإرث

فرع أجر البطن الأول الوقف للبطن الثاني ومات المؤجر في المدة فإن
قلنا لو أجر أجنبيا بطلت الإجارة فهنا أولى وإلا فوجهان لأنه طرأ الاستحقاق في مدة الإجارة
قال الإمام وهذا أولى بارتفاع الإجارة
الحال الثاني البيع لغير المستأجر وهو صحيح على الأظهر عند الأكثرين
ويجري القولان سواء أذن المستأجر أم لا
وإذا صححنا لم تنفسخ الإجارة كما

لا ينفسخ النكاح ببيع المزوجة ويترك في يد المستأجر إلى انقضاء المدة وللمشتري فسخ البيع إن كان جاهلا
وإن كان عالما فلا فسخ له ولا أجرة لتلك المدة وكذا لو كان جاهلا وأجاز ذكره البغوي ويشبه أن يكون على الخلاف في مدة بقاء الزرع إذا باع أرضا مزروعة
ولو وجد المستأجر به عيبا وفسخ الإجارة أو عرض ما تنفسخ به الإجارة بمنفعة بقية المدة لمن يكون وجهان
قال ابن الحداد للمشتري
وقال أبو زيد للبائع لأن المشتري لم يملك منافع تلك المدة
وبناهما المتولي على أن الرد بالعيب يرفع العقد من أصله أم من حينه إن قلنا بالأول فهي للمشتري وكأن الإجارة لم تكن
وإن قلنا من حينه فللبائع لأنه لم يوجد عند الرد ما يوجب الحق للمشتري
قال ولو تقايلا الإجارة فإن قلنا الإقالة بيع فهي للبائع
وإن قلنا فسخ فكذلك على الصحيح لأنها ترفع العقد من حينها قطعا
وإذا حصل الانفساخ رجع المستأجر بأجرة بقية المدة على البائع
قال ابن كج ويحتمل أن يرجع على المشتري

فرع القولان في صحة بيع المستأجر يجريان في هبته وتجوز الوصية به
قطعا
فرع لو باع عينا واستثنى منفعتها لنفسه سنة أو شهرا فطريقان
أحدهما يحكى عن ابن سريج أنه على قولي بيع المستأجر
والمذهب القطع ببطلان العقد

فصل في مسائل منثورة
تتعلق بالباب الأول إحداها قال ألزمت ذمتك نسج ثوب صفته كذا على أن تنسجه بنفسك لم يصح العقد لأنه غرر فأشبه السلم في شىء معين
الثانية يصح استئجار الأرض بما يستأجر به الثوب والعبد من الدراهم والطعام وما تنبت الأرض وغيرها إذا عين أو وصف
الثالثة إذا استأجر دابة ليركبها إلى بلد بعشرة دنانير وجب نقد بلد العقد
ولو كانت الإجارة فاسدة فالاعتبار في أجرة المثل بموضع إتلاف المنفعة نقدا أو وزنا
الرابعة تجوز إجارة المصحف والكتب لمطالعتها والقراءة منها
الخامسة لا يجوز أن يستأجر بركة ليأخذ لنها السمك
فلو استأجرها ليحبس فيها الماء حتى يجتمع فيها السمك جاز على الصحيح
السادسة يصح من المستأجر إجارة ما استأجره بعد قبضه سواء أجر بمثل ما استأجر أم بأقل أم بأكثر
وفي إجارته قبل القبض وجهان
قال ابن سريج يجوز والأصح المنع
فعلى هذا في إجارته المؤجر وجهان كبيع المبيع للبائع قبل قبضه
قلت الاصح صحة إجارته للمؤجر
والله أعلم السابعة المستعير لا يكري
فلو استعار ليكريه لم يصح على الأصح
وقيل يجوز كما لو استعاره ليرهنه

الثامنة أجر ناظر المسجد حانوته الخراب بشرط أن يعمره المستأجر بماله ويكون ما أنفقه محسوبا من أجرته لم تصح الإجارة لأنه عند الإجارة غير منتفع به
التاسعة لا تجوز إجارة الحمام بشرط أن تكون مدة تعطله بسبب العمارة ونحوها محسوبة على المستأجر ولا على المؤجر لا بمعنى انحصار الإجارة في المدة في الباقي لأن المدة تصير مجهولة ولا بمعنى استيفاء مثلها بعد المدة لان آخر المدة يصير مجهولا
العاشرة استأجره ليبيع له شيئا معينا جاز لان الظاهر أنه يجد راغبا ولشراء شىء معين لا يجوز لان رغبة مالكه في البيع غير مظنونة ولشراء شىء موصوف يجوز ولبيع شىء معين لا يجوز
الحادية عشرة لو أراد استئجاره للخروج إلى بلد السلطان والتظلم للمستأجر وعرض حاله في المظالم قال القفال في الفتاوى يستأجر مدة كذا ليخرج إلى موضع كذا ويذكر حاله في المظالم ويسعى في أمره عند من يحتاج إليه فتصح الإجارة لأن المدة معلومة وإن كان في العمل جهالة كما لو استأجره يوما ليخاصم غرماءه قال ولو بدا للمستأجر فله أن يستعمله فيما ضرره مثل ذلك
الثانية عشرة حكى ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا تصح إجارة الأرض حتى ترى لا حائل دونها من زرع وغيره وفي هذا تصريح بأن إجارة الأرض المزروعة لا تصح توجيها بأن الزرع يمنع رؤيتها وفيها معنى آخر وهو تأخر التسليم والانتفاع عن العقد ومشابهته إجارة الزمان المستقبل ويقرب منه ما لو أجر دارا مشحونة بطعام وغيره وكان التفريغ يستدعي مدة ورأيت للأئمة فيما جمع من فتاوى القفال جوابين فيه
أحدهما أنه إن أمكن التفريغ في مدة

ليس لمثلها أجرة صح العقد وإلا فلا لأنه إجارة مدة مستقبلة
والثاني أنه إن كان يذهب في التفريغ جميع مدة الإجارة لم يصح
وإن كان يبقى منها شىء صح ولزم قسطه من الأجرة إذا وجد فيه التسليم
وخرجوا على الجوابين ما إذا استأجر دارا ببلد آخر فإنه لا يتأنى التسليم إلا بقطع المسافة بين البلدين وما إذا ( باع ) جمدا وزنا وكان ينماع بعضه إلى أن يوزن
قلت الصحيح من الجوابين هو الأول بل قد تقدم في الشرط الثالث من الركن الرابع من الباب الأول وجه أنه لا تصح إجارة المشحونة بالقماش وإن أمكن تفريغها في الحال
وتقدم هناك أن المذهب صحة إجارة الأرض المستورة بالماء للزراعة وليس هو مخالفا للمذكور هنا لأن التعليل هناك بأن الماء من مصالحها مفقود هنا
والأصح عندي فيما إذا استأجر دارا ببلد آخر الصحة وفي الجمد المنع لامكان بيعه جزافا
والله أعلم الثالثة عشرة إذا استأجر للخدمة وذكر وقتها من الليل والنهار وفصل أنواعها صح
وإن أطلق فقد حكي عن النص المنع والمذهب الجواز ويلزم ما جرت العادة به
وفصل القاضي أبو سعد بن أبي يوسف أنواعها فقال يدخل في هذه الإجارة غسل الثوب وخياطته والخبز والعجن وإيقاد النار والتنور وعلف الدابة وحلبها وخدمة الزوجة والغرس في الدار وحمل الماء إلى الدار للشرب وإلى المتوضىء للطهارة
وعن سهل الصعلوكي أن علف الدابة وحلبها وخدمة الزوجة لا تدخل إلا بالتنصيص عليها وينبغي أن يكون الحكم كذلك في خياطة الثوب وحمل الماء إلى الدار ويجوز أن يختلف الحكم فيه بالعادة
وذكر بعض شراح المفتاح أنه ليس له إخراجه من البلدة إلا أن يشرط عليه مسافة

معلومة من كل جانب وأن عليه المكث عنده إلى أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة
قلت المختار في هذا كله الرجوع إلى عادة الخادم في ذلك البلد وذلك الوقت ويختلف ذلك باختلاف مراتب المستأجرين وباختلاف الأجراء وفي الذكورة والأنوثة من الطرفين وغير ذلك فيدخل ما اقتضه العادة دون غيره
والله أعلم الرابعة عشرة استأجره على القيام على ضيعة قام عليها ليلا ونهارا على المعتاد
الخامسة عشرة استأجره للخبز بين أنه يخبز أقراصا أو أرغفة غلاظا أو رقاقا وأنه يخبز في تنور أو فرن وآلات الخبز على الأجير إن كانت إجارة على الذمة وإلا فعلى المستأجر وليس على الأجير إلا تسليم نفسه والقول فيمن عليه الحطب كالحبر في حق الوراق
السادسة عشرة قال بعض شراح المفتاح لو اكترى دابة ليركبها فرسخين لم يجز حتى يبين شرقا أو غربا فإذا بين فأراد العدول إلى غيرها فللمكري منعه لان المعين قد يكون أسهل أو له فيه غرض وهذا يخالف ما سبق فليجعل وجها

فصل في مسائل تتعلق بالباب الثاني
إحداها استأجره لعمل مدة يكون زمن الطهارة والصلوات فرائضها وسننها الرواتب مستثنى ولا ينقص من الأجرة وسواء فيه الجمعة وغيرها
وعن ابن سريج جواز ترك الجمعة بهذا السبب حكاه أبو الفضل بن عبدان
والسبوت في استئجار اليهودي مستثناة إن أطرد عرفهم قال الغزالي ف الفتاوى
الثانية استأجر مرضعة لتعهد الصبي فالدهن على أبيه فإن جرى عرف البلد بخلافه فوجهان
الثالثة استأجره لحمل حطب إلى داره وهي ضيقة الباب هل عليه إدخاله الدار فيه قولان للعرف ولا يكلف صعود السطح به
الرابعة استأجره لغسل ثياب معلومة فحملها إليه حمال فإن شرطت أجرته على أحدهما فذاك وإلا فعلى الغسال لأنه من تمام الغسل
الخامسة استأجره لقطع أشجار بقرية لم تجب عليه أجرة الذهاب والمجيء لأنهما ليسا من العمل ذكر هذه المسائل الأربع أبو عاصم العبادي
السادسة إستأجر دابة ليركبها ويحمل عليها كذا رطلا فركب وحمل وأخذ في السير فأراد المؤجر أن يعلق عليها مخلاة أو سفرة أو نحوهما من قدام القتب أو من خلفه أو أن يردف معه رديفا فللمستأجر منعه
السابعة إستأجر دابة ليركبها إلى موضع معلوم فركبها ( إليه ) فعن صاحب التقريب أن له أن يردها إلى الموضع الذي سار منه إلا أن ينهاه صاحبها
وقال الأكثرون ليس له ردها بل يسلمها إلى وكيل المالك إن كان وإلا فإلى

الحاكم هناك
فإن لم يكن حاكم فإلى أمين فإن لم يجد أمينا ردها أو استصحبها إلى حيث يذهب كالمودع يسافر بالوديعة للضرورة
وإذا جاز له الرد لم يجز له الركوب بل يسوقها أو يقودها إلا أن يكون بها جماح لاتنقاد إلا بالركوب وبمثله لو استعار للركوب إليه
قال العبادي له الركوب في الرد لأن الرد لازم له فالاذن تناوله بالعرف والمستأجر لا رد عليه
الثامنة إستأجر دابة للركوب إلى مكان فجاوزه لزمه المسمى للمكان وأجرة المثل للزيادة ويصير ضامنا من وقت المجاوزة
فإن ماتت لزمه أقصى القيم من حينئذ إن لم يكن معها صاحبها ولا يبرأ عن الضمان بردها إلى ذلك الموضع
وإن كان معها صاحبها فإن تلفت بعدما نزل وسلمها إليه فلا ضمان عليه
وإن تلفت وهو راكب نظر إن تلفت بالوقوع في بئر ونحوه ضمن جميع القيمة
وإن لم يحدث سبب ظاهر فقيل تلزم كل القيمة أيضا والأصح لا يلزمه الكل جل النصف في قول
ومقتضى التوزيع على المسافتين في قول كما سبق فيما إذا حمل أكثر من المشروط لأن الظاهر حصول التلف بكثرة التعب وتعاقب السير
حتى لو قام في المقصد قدر ما يزول فيه التعب ثم خرج بغير إذن المالك ضمن الكل
وإذا استأجر ليركب ويعود فلا يلزمه لما جاوز أجرة المثل لأنه يستحق قطع قدر تلك المسافة ذهابا ورجوعا بناء على أن يجوز العدول إلى مثل الطريق المعين
قلت ولا يجوز أن يركبها بعد المجاوزة جميع الطريق راجعا بل يركبها بقدر تمام مسافة الرجوع
والله أعلم ثم إن قدر في هذه الإجارة مدة مقامه في المقصد فذاك وإلا فإن لم يزد على مدة المسافرين انتفع بها في الرجوع
وإن زاد حسبت الزيادة عليه
التاسعة إستأجر دابة للركوب إلى عشرة فراسخ فقطع نصف المسافة ثم

رجع لأخذ شىء نسيه راكبا انتهت الإجارة واستقر جميع الأجرة لأن الطريق لا تتعين وكذا لو أخذ الدابة وأمسكها يوما في البيت ثم خرج فإذا بقي بينه وبين المقصد يوم استقرت الأجرة ولم يجز له الركوب بعده وكذا لو ذهب في الطريق لاستقاء ماء أو شراء شىء يمينا وشمالا كان محسوبا من المدة ويترك الإنتفاع إذا قرب من المقصد بقدره
العاشرة دفع إليه ثوبا ليقصره بأجرة ثم استرجعه فقال لم أقصره بعد فلا أرده فقال صاحب الثوب لا أريد أن تقصره فأردده إلي فلم يرد وتلف الثوب عنده لزمه ضمانه
وإن قصره ورده فلا أجرة له وعلى هذا قياس الغزل عند النساج ونظائره
قلت صورة المسألة إذا لم يقع عقد صحيح
والله أعلم الحادية عشرة استأجره ليكتب صكا في هذا البياض فكتبه خطأ فعليه نقصان الكاغد وكذا لو أمره أن يكتب بالعربية فكتب بالعجمية أو بالعكس
قلت ولا أجرة له ويقرب منه ما ذكره الغزالي في الفتاوى أنه لو استأجره لنسخ كتاب فغير ترتيب الأبواب قال إن أمكن بناء بعض المكتوب بأن كان عشرة أبواب فكتب الباب الأول آخرا منفصلا بحيث يبنى عليه استحق بقسطه من الأجرة وإلا فلا شىء له
والله أعلم الثانية عشرة استأجر دابة لحمل الحنطة من موضع كذا إلى داره يوما إلى الليل مترددا مرات فركبها في عوده فعطبت الدابة ضمن على الأصح لأنه استأجرها للحمل لا للركوب
وقيل لا يضمن للعرف ذكرهما العبادي

الثالثة عشرة العامل في المزارعة الصحيحة لو ترك السقي متعمدا ففسد الزرع ضمن لأنه في يده وعليه حفظه
الرابعة عشرة تعدى المستأجر بالحمل على الدابة فقرح ظهرها وهلكت منه لزمه الضمان وإن كان الهلاك بعد الرد إلى المالك

فصل في مسائل تتعلق بالباب الثالث إحداها في المنثور للمزني أنه لو
عمل
وإن قلنا ينفسخ العقد استحق أجرة المثل وإلا فقسط المسمى
ولو استأجره لحمل جرة إلى موضع فزلق في الطريق فإنكسرت لا شىء له من الأجرة
والفرق أن الخياطة تظهر على الثوب فوقع العمل مسلما بظهور أثره والحمل لا يظهر على الجرة
الثانية أجر أرضا فغرقت بسيل أو ماء نبع منها فإن لم يتوقع الخسارة في مدة الإجارة فهو كانهدام الدار
وإن توقع فللمستأجر الخيار كما لو غصبت
فإن أجاز سقط من الأجرة بقدر ما كان الماء عليها
وإن غرق نصفها وقد مضى نصف المدة انفسخ العقد فيه
والمذهب أنه لا ينفسخ في الباقي بل له الخيار فيه في بقية المدة
فإن فسخ وكانت أجرة المدة لا تتفاوت فعليه نصف المسمى للمدة الماضية
وإن أجاز فعليه ثلاثة أرباع المسمى فالنصف للماضي والربع للباقي
الثالثة تعطل الرحى لانقطاع الماء والحمام لخلل في الأبنية أو لنقص الماء في بئره ونحوه كانهدام الدار وكذا لو استأجر قناة فإنقطع ماؤها
فلو نقص

ثبت الخيار ولم ينفسخ
ولو استأجر طاحونتين متقابلتين فنقص الماء وبقي ماء تدور به إحداهما ولم يفسخ قال العبادي تلزمه أجرة أكثرهما
الرابعة قال في التتمة لو دفع غزلا إلى نساج واستأجره لنسج ثوب طوله عشرة في عرض معلوم فجاء بالثوب وطوله أحد عشر لا يستحق شيئا من الأجرة وإن جاء به وطوله تسعة فإن كان طول السدى عشرة استحق من الأجرة بقدره لأنه لو أراد أن ينسج عشرة لتمكن منه
وإن كان طوله تسعة لم يستحق شيئا لمخالفته
ولو كان الغزل المدفوع إليه مسدى استأجره كما ذكرنا ودفع إليه من اللحمة ما يحتاج إليه فجاء به أطول في العرض المشروط لم يستحق للزيادة شيئا
وإن جاء به أقصر في العرض المشروط استحق بقدره من الأجرة
وإن وافق في الطول وخالف في العرض فإن كان أنقص نظر إن كان ذلك لمجاوزته القدر المشروط من الصفاقة لم يستحق شيئا من الأجرة لأنه مفرط لمخالفته
وإن راعى المشروط في صفة الثوب رقة وصفاقة فله الأجرة لأن الخلل والحالة هذه من السدى
وإن كان زائدا فإن أخذ بالصفاقة لم يستحق شيئا وإلا استحق الأجرة بتمامها لأنه زاد خيرا
الخامسة مهما ثبت الخيار لنقص فأجاز ثم أراد الفسخ فإن كان ( ذلك ) السبب بحيث لا يرجى زواله بأن انقطع الماء ولم يتوقع عوده فليس له الفسخ لأنه عيب واحد وقد رضي به
وإن كان بحيث يرجى زواله فله الفسخ ما لم يزل لأن الضرر يتجدد كما لو تركت المطالبة بعد مدة الإيلاء أو الفسخ بعد ثبوت الاعسار فلها العود إليه
وكذا لو اشترى عبدا فأبق قبل القبض وأجاز ثم أراد الفسخ فله ذلك ما لم يعد العبد

فصل لو أراد المستأجر أن يستبدل عن المنفعة
فان كانت الإجارة في الذمة لم يجز
وإن كانت إجارة عين قال البغوي هو كما لو أجر العين المستأجرة للمؤجر وفيه وجهان
أصحهما الجواز وإن جرى بعد القبض
فصل لو ضمن رجل العهدة للمستأجر ففي الفتاوى أنه يصح ويرجع عليه
عند ظهور الاستحقاق
وعن ابن سريج أنه لا يصح
قلت ومما يتعلق بكتاب الإجارة مسائل
إحداها إذا توجه الحبس على الأجير قال الغزالي في الفتاوى إن أمكن العمل في الحبس جمع بينهما
وإن تعذر فإن كانت الإجارة على العين قدم حق المستأجر كما يقدم حق المرتهن ولأن العمل مقصود في نفسه والحبس ليس مقصودا في نفسه ثم القاضي يستوثق ( عليه مدة العمل ) إن خاف هربه على ما يراه
وإن كانت الإجارة في الذمة طولب بتحصيله بغيره
فإن امتنع حبس بالحقين
الثانية لا يلزم المؤجر أن يدفع عن العين المستأجرة الحريق والنهب وغيرهما وإنما عليه تسليم العين ورد الأجرة إن تعذر الاستيفاء
وأما المستأجر فإن قدر على ذلك من غير خطر لزمه كالمودع

الثالثة إذا وقعت الدار على متاع المستأجر فلا شىء على المؤجر ولا أجرة تخليصه
الرابعة استأجره لبناء درجة فلما فرغ منها انهدمت في الحال فهذا قد يكون لفساد الآلة وقد يكون لفساد العمل والرجوع فيه إلى أهل العرف
فإن قالوا هذه الآلة قابلة للعمل المحكم وهو المقصر لزمه غرامة ما تلف
الخامسة إذا جعل غلة في المسجد وأغلقه لزمه أجرته لأنه كما يضمن المسجد بالاتلاف يضمن منفعته ذكر هذه المسائل الخمس الغزالي في الفتاوى وتقييده في المسجد بما إذا أغلقه لا حاجة إليه بل لو لم يغلقه ينبغي أن تجب الأجرة للعلة المذكورة
السادسة استأجر بهيمة إلى بلد لحمل متاع ثم أراد في أثناء الطريق بيعه والرجوع وطلب رد بعض الأجرة فليس له شىء لان الإجارة عقد لازم بل إن باعه فله حمل مثله إلى المقصد المسمى
السابعة في فتاوى القاضي حسين أنه لو أكره الإمام رجلا على غسل ميت فلا أجرة له لان غسله فرض كفاية فاذا فعله بأمر الإمام وقع عن الفرض ولو أكرهه بعض الرعية لزمه أجرة المثل لانه مما يستأجر عليه هذا كلام القاضي حسين ووافقه جماعة
قال إمام الحرمين هذا إذا لم يكن للميت تركة ولا في بيت المال سعة
فإن كان له تركة فمؤنة تجهيزه في تركته وإلا ففي بيت المال إن اتسع فيستحق المكره الأجرة
قال الرافعي في أوائل كتاب السير هذا التفصيل حسن فيحمل عليه إطلاقهم

الثامنة أجرت نفسها للارضاع هل عليها الفطر في رمضان إذا احتاج الرضيع إليه فيه كلام سبق واضحا في كتاب الصيام
التاسعة استأجر ابنة الذي بلغ سنا يعمل مثله فيه ليسقط نفقته عن نفسه عليه وينفق عليه من أجرته جاز كما يشتري ماله ذكره في فتاوى القاضي حسين
والله أعلم

كتاب الجعالة
هي أن يقول من رد عبدي الآبق أو دابتي الضالة ونحو ذلك فله كذا وهي عقد صحيح للحاجة وأركانه أربعة
أحدها الصيغة الدالة على الاذن في العمل بعوض يلتزمه فلو رد آبقا أو ضالة بغير إذن مالكها فلا شىء له سواء كان الراد معروفا برد الضوال أم لا
ولو قال لزيد رد آبقي ولك دينار فرده عمرو لم يستحق شيئا لأنه لم يشرط له
ولو رده عبد زيد استحق زيد لان يد عبده يده
ولو قال من رده فله كذا فرده من لم يبلغه نداؤه لم يستحق شيئا لأنه متبرع
فإن قصد التعوض لاعتقاده أن مثل هذا العمل لا يحبط لم يستحق شيئا على المذهب ولا أثر لاعتقاده
وعن الشيخ أبي محمد تردد فيه
ولو عين رجلا فقال إن رده زيد فله كذا فرده زيد غير عالم بإذنه لم يستحق شيئا
ولو أذن في الرد ولم يشرط عوضا فلا شىء للراد على المذهب وظاهر النص وفيه الخلاف السابق فيمن قال اغسل ثوبي ولم يسم عوضا
فصل لا يشترط أن يكون الملتزم من يقع العمل في ملكه
فلو قال غير المالك من رد عبد فلان فله كذا استحقه الراد على القائل
ولو قال فضولي قال فلان من رد عبدي فله كذا لم يستحق الراد على الفضولي شيئا لانه لم يلتزم
وأما

المالك فإن كذب الفضولي عليه فلا شىء عليه
وإن صدق قال البغوي يستحق عليه
وكأن هذا فيما إذا كان المخبر ممن يعتمد قوله وإلا فهو كما لو رد غير عالم بإذنه
قلت لو شهد الفضولي على المالك بإذنه قال فينبغي أن لا تقبل شهادته لانه متهم في ترويج قوله
وأما قول صاحب البيان مقتضى المذهب قبولها فلا يوافق عليه
والله أعلم فرع سواء في صيغة المالك قوله من رد عبدي وقوله إن رده إنسان أو إن رددته أو رده ولك كذا
الركن الثاني المتعاملان
فأما ملتزم الجعل فيشترط أن يكون مطلق التصرف
وأما العامل فيجوز أن يكون شخصا معينا وجماعة ويجوز أن لا يكون معينا ولا معينين وقد سبق بيانه في الركن الأول
ثم إذا لم يكن العامل معينا فلا يتصور قبول العقد وإن كان لم يشترط قبوله كذا قاله الأصحاب وهو المذهب
وقال الإمام لا يمتنع أن يكون كالوكيل في القبول ويشترط عند التعيين أهلية العمل في العامل
الركن الثالث العمل فما لا تجوز الإجارة عليه من الأعمال لكونه مجهولا تجوز الجعالة عليه للحاجة وما جازت الإجارة عليه جازت الجعالة أيضا على الصحيح
وقيل لا للاستغناء بالإجارة
ولو قال من رد مالي فله كذا فرده من كان في يده نظر إن كان في رده كلفة كالآبق استحق الجعل
وإن لم يكن كالدراهم

والدنانير فلا لان ما لا كلفة فيه لا يقابل بالعوض
ولو قال من دلني على مالي فله كذا فدله من المال في يده لم يستحق شيئا لان ذلك واجب عليه شرعا فلا يأخذ عليه عوضا
وان كان في يد غيره فدله عليه استحق لان الغالب أنه يلحقه مشقة بالبحث عنه
وما يعتبر في العمل لجواز الإجارة يعتبر في الجعالة سوى كونه معلوما
قلت فمن ذلك أنه لو قال من أخبرني بكذا فأخبره به إنسان فلا شيء له لانه لا يحتاج فيه إلى عمل كذا صرح به البغوي وغيره
والله أعلم الركن الرابع الجعل المشروط وشرطه أن يكون معلوما كالأجرة لعدم الضرورة إلى جهالته
فإن شرط مجهولا بأن قال من رد آبقي فله ثوب أو دابة أو إن رددته فعلي أن أرضيك أو أعطيك شيئا فسد العقد
وإذا رد استحق أجرة المثل وكذا لو جعل الجعل خمرا أو خنزيرا
ولو جعل الجعل ثوبا مغصوبا قال الإمام يحتمل أن يكون فيه قولان كما لو جعل المغصوب صداقا فيرجع في قول بأجرة المثل وفي قول بقيمة المسمى
قال ويحتمل القطع بأجرة المثل
ولو قال من رد عبدي فله سلبه أو ثيابه قال المتولي إن كانت معلومة أو وصفها بما يفيد العلم استحق الراد المشروط وإلا فأجرة المثل
ولو قال فله نصفه أو ربعه فقد صححه المتولي ومنعه أبو الفرج السرخسي

فصل لو قال من رد لي عبدي من بلد كذا فله دينار
في صحة الجعالة في العمل المعلوم فإن صححناها فمن رده من نصف الطريق استحق نصف

الجعل ومن رده من ثلثه استحق الثلث
وإن رده من مكان أبعد لم يستحق زيادة
ولو قال من رد لي عبدين فله كذا فرد أحدهما استحق نصف الجعل
ولو قال إن رددتما عبدي فلكما كذا فرده أحدهما استحق النصف لأنه لم يلتزم له أكثر من ذلك
وإن قال إن رددتما لي عبدين فرد أحدهما أحدهما استحق الربع

فصل قال من رد عبدي فله دينار فاشترك جماعة فالدينار مشترك بينهم

ولو قال لجماعة إن رددتموه فردوه فكذلك ويقسم بينهم على الرؤوس
ولو قال لزيد إن رددته فلك دينار فرده هو وغيره فلا شىء لذلك الغير لأنه لم يلتزم له
وأما زيد فإن قصد الغير معاونته إما بعوض وإما مجانا فله تمام الجعل ولا شىء للغير على زيد إلا أن يلتزم له أجرة ويستعين به
وإن قال عملت للمالك لم يكن لزيد جميع الدينار بل له نصفه على الصحيح الذي قاله الأصحاب
ورأى الإمام التوزيع على العمل أرجح
ولو شاركه إثنان في الرد فإن قصدا إعانة زيت فله تمام الجعل وإن قصدا العمل للمالك فله ثلثه
وإن قصد أحدهما إعانته والآخر العمل للمالك فله الثلثان
فان قيل هل للعامل المعين أن يوكل بالرد غيره كما يستعين به وهل إذا كان النداء عاما يجوز أن يوكل من سمعه غيره في الرد قلنا يشبه أن يكون الأول كتوكيل الوكيل والثاني كالتوكيل بالاحتطاب والاستقاء

قلت ولو قال أول من يرد آبقي فله دينار فرده إثنان استحقا الدينار وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في آخر الطرف الثالث من الباب السادس في تعليق الطلاق
والله علم فرع قال لرجل إن رددته فلك كذا ولآخر إن رددته فلك كذا ولثالث إن رددته فلك كذا فاشتركوا في الرد قال الشافعي رضي الله عنه لكل واحد ثلث ما جعل له اتفقت الأجعال أم اختلفت
قال المسعودي هذا إذا عمل كل منهم لنفسه
أما لو قال أحدهم أعنت صاحبي عملت لهما فلا شىء له ولكل منهما نصف ما شرط له
ولو قال إثنان عملنا لصاحبنا فلا شىء لهما وله جميع المشروط
وقول الشافعي رضي الله عنه لكل واحد الثلث تصريح بالتوزيع على الرؤوس فلو رده إثنان منهم فلكل منهما نصف المشروط له وإن أعان الثلاثة رابع في الرد فلا شىء له
ثم إن قال قصدت العمل للمالك فلكل واحد من الثلاثة ربع المشروط له
وإن قال أعنتهم جميعا فلكل واحد منهم ثلث المشروط له كما لو لم يكن معهم غيرهم
وإن قال أعنت فلانا فله نصف المشروط له ولكل واحد من الآخرين ربع المشروط له
وعلى هذا القياس لو قال أعنت فلانا وفلانا فلكل واحد منهما ربع المشروط له وثمنه وللثالث ربع المشروط له
ولو قال لواحد إن رددته فلك دينار وقال لآخر إن رددته فلك ثوب فرداه فللأول نصف دينار وللثاني نصف أجرة المثل

قلت ولو قال المعين للثلاثة مثلا في الصورة السابقة أردت أن آخذ الجعل من المالك لم يستحق شيئا وكان لكل من الثلاثة ربع المشروط له
والله علم فصل في أحكام الجعالة فمنها الجواز فلكل واحد من المالك والعامل فسخها قبل تمجم العمل فأما بعد تمام العمل فلا أثر للفسخ لأن الدين لزم
ثم إن اتفق الفسخ قبل الشروع في العمل فلا شىء للعامل
وإن كان بعده فان فسخ العامل فلا شىء له لأنه امتنع باختياره ولم يحصل غرض المالك
وإن فسخ المالك فوجهان
أحدهما لا شىء للعامل كما لو فسخ بنفسه
والصحيح أنه يستحق أجرة المثل لما عمل وبهذا قطع الجمهور وعبروا عنه بأنه ليس له الفسخ حتى يضمن للعامل أجرة مثل ما عمل
ولو عمل العامل شيئا بعد الفسخ لم يستحق شيئا إن علم بالفسخ
فان لم يعلم بني على الخلاف في نفوذ عزل الوكيل في غيبته قبل علمه

فرع تنفسخ الجعالة بالموت ولا شىء للعامل لما عمله بعد موت المالك

فلو قطع بعض المسافة ثم مات المالك فرده إلى وارثه استحق من المسمى بقدر عمله في الحياة
فرع ومن أحكامها جواز الزيادة والنقص في الجعل وتغير جنسه قبل الشروع
في

العمل
فلو قال من رد عبدي فله عشرة
ثم قال من رده فله خمسة أو بالعكس فالإعتبار بالنداء الأخير
والمذكور فيه هو الذي يستحقه الراد لكن لو لم يسمع الراد النداء الأخير قال الغزالي يحتمل أن يقال يرجع إلى أجرة المثل
وأما بعد الشروع في العمل ففي كلام صاحب المهذب وغيره تقييد جواز الزيادة والنقص بما قبل العمل وفي كلام الغزالي قبل الفراغ
فالظاهر أنه في أثناء العمل يؤثر في الرجوع إلى أجرة المثل لأن النداء الأخير فسخ للأول والفسخ في أثناء العمل يقتضي أجرة المثل

فرع ومن أحكامها توقف استحقاق الجعل على تمام الجعل على تمام العمل

فلو سعى في طلب الآبق فرده فمات في باب دار المالك قبل أن يسلمه إليه أو هرب أو عضب أو تركه العامل فرجع فلا شىء للعامل لأنه لم يرد
قلت ومنه لو خاط نصف الثوب فاحترق أو تركه أو بنى بعض الحائط فانهدم أو تركه فلا شىء للعامل قاله أصحابنا
والله أعلم فرع إذا رد الآبق لم يكن له حبسه لاستيفاء الجعل لأن الإستحقاق بالتسليم ولا حبس قبل الإستحقاق
فرع قال إن علمت هذا الصبي أو إن علمتني القرآن فلك كذا

وامتنع من تعليم الباقي فلا شىء له وكذا إن كان الصبي بليدا لا يتعلم لأنه كمن طلب العبد فلم يجده
ولو مات الصبي في أثناء التعليم استحق أجرة ما علمه لوقوعه مسلما بالتعليم بخلاف رد الآبق وإن منعه أبوه من التعلم فله أجرة المثل لما علمه

فصل إذا جاء بآبق وطلب الجعل فقال المالك ما شرطت جعلا أو
على عبد آخر أو ما سعيت في رده بل هو جاء بنفسه فالقول قول المالك لأن الأصل عدم الشرط وبراءته
ولو اختلفا في قدر المشروط تحالفا وللعامل أجرة المثل
وكذا لو قال المالك شرطته على رد عبدين فقال الراد بل الذي رددته فقط
فرع قال من رد عبدي إلى شهر فله كذا قال القاضي أبو
لأن تقدير المدة يخل بمقصود العقد فربما لا يجده فيها فيضيع عمله ولا يحصل غرض المالك كما لا يجوز تقدير مدة القراض
فرع قال بع عبدي هذا أو إعمل كذا ولك عشرة دراهم ففي
أنه إن كان العمل مضبطا مقدرا فهو إجارة
وإن احتاج إلى تردد أو كان غير مضبوط فهو جعالة

فرع لم أجده مسطورا يد العامل على ما يقع في يده
أمانة
فلو رفع يده عن الدابة وخلاها في مضيعة فهو تقصير مضمن ونفقة العبد والدابة مدة الرد يجوز أن تكون كما ذكرنا في مستأجر الجمال إذا هرب الجمال وخلاها عنده ويجوز أن يقال ذاك للضرورة وهنا أثبت العامل يده مختارا فليتكلف المؤنة ويؤيد هذا العادة
قلت عجب قول الإمام الرافعي في نفقة المردود لا أعلمه مسطورا وأنه يحتمل أمرين وهذا قد ذكره القاضي ابن كج في كتابه التجريد وهو كثير النقل عنه فقال إذا أنفق عليه الراد فهو متبرع عندنا
وهذا الذي قاله ظاهر جار على القواعد
وقول الرافعي وخلاها في مضيعة لا حاجة إلى التقييد بالمضيعة فحيث خلاها يضمن
والله أعلم فرع قال إن أخبرتني بخروج زيد من البلد فلك كذا فأخبره ففي فتاوى القفال أنه إن كان له غرض في خروجه استحق وإلا فلا وهذا يقتضي كونه صادقا وينبغي أن ينظر هل يناله تعب أم لا قلت ومما يتعلق بالباب وتدعو إليه الحاجة ما ذكره القاضي حسين وغيره وهو مما لا خلاف فيه أنه لو كان رجلان في بادية ونحوها فمرض أحدهما وعجز عن السير لزم

الآخر المقام معه إلا أن يخاف على نفسه فله تركه
وإذا أقام فلا أجرة له
وإذا مات أخذ هذا الرجل ماله وأوصله إلى ورثته ولا يكون مضمونا قال القاضي وكذا لو غشي عليه قال وأما وجوب أخذ هذا المال فإن كان أمينا ففيه قولان كاللقطة
وعندي أن المذهب هنا الوجوب
ومنها ما ذكره ابن كج قال إذا وجدنا عبيدا أبقوا فالمذهب أن الحاكم يحبسهم انتظارا لصاحبهم
فان لم يجيء لهم صاحب باعهم الحاكم وحفظ ثمنهم
فاذا جاء صاحبهم فليس له غير الثمن
وإذا سرق الآبق قطع كغيره
والله أعلم

كتاب إحياء الموات
إحياء الموات مستحب وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في رقاب الأرضين
وهي قسمان
أحدهما أرض بلاد الإسلام ولها ثلاثة أحوال
أحدها أن لا تكون معمورة في الحال ولا من قبل فيجوز تملكها بالإحياء سواء أذن فيه الإمام أم لا ويكفي فيه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة ويختص ذلك بالمسلمين
فلو أحياها الذمي بغير إذن الإمام لم يملك قطعا ولو أحيا بإذنه لم يملك أيضا على الأصح وقال الأستاذ أبو طاهر يملك
فإذا قلنا بالصحيح فكان له فيها عين مال نقلها
فإن بقي بعد النقل أثر عمارة قال ابن كج إن أحياء رجل باذن الإمام ملكه وإن لم يأذن فوجهان
قلت لعل أصحهما الملك إذ لا أثر لفعل الذمي
والله علم ولو ترك العمارة متبرعا تولى الإمام أخذ غلتها وصرفها في مصالح المسلمين ولم يجز لأحد تملكها
فرع للذمي الإصطياد والإحتطاب والإحتشاش في دار الإسلام لأن ذلك يخلف

ولايتضرر به المسلمون

فرع المستأمن كالذمي في الإحياء وفي الإحتطاب ونحوه والحربي ممنوع

الحال الثاني أن تكون معمورة في الحال فهي لملاكها ولا مدخل فيها للإحياء
الحال الثالث أن لا تكون معمورة في الحال وكانت معمورة قبل فإن عرف مالكها فهي له أو لوارثه ولا تملك بالعمارة
وإن لم يعرف نظر إن كانت عمارة إسلامية فهي لمسلم أو لذمي وحكمها حكم الأموال الضائعة
قال الإمام والأمر فيه إلى رأي الإمام
فإن رأى حفظه إلى أن يظهر مالكه فعل وإن رأى بيعه وحفظ ثمنه فعل وله أن يستقرضه على بيت المال
هذا هو المذهب وفيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا
وإن كانت عمارة جاهلية فقولان
ويقال وجهان
أحدهما لا تملك بالاحياء لأنها ليست بموات
وأظهرهما تملك كالركاز
وقال ابن سريج وغيره إن بقي أثر العمارة أو كان معمورا في جاهلية قريبة لم تملك بالإحياء وإن اندرست بالكلية وتقادم عهدها ملكت
ثم إن البغوي وآخرين عمموا هذا الخلاف وفرعوا على المنع أنها إن أخذت بقتال فهي للغانمين وإلا فهي أرض للفيىء قال الإمام موضع الخلاف إذا لم يعلم كيفية استيلاء المسلمين عليه ودخوله تحت يدهم فأما إن علم فإن حصلت بقتال فللغانمين وإلا ففيء وحصة الغانمين تلتحق بملك المسلم الذي لا يعرف
وطرد جماعة الخلاف فيما إذا

كانت العمارة الإسلامية ولم يعرف مالكها وقالوا هي كلقطة لا يعرف مالكها
والجمهور فرقوا بين الجاهلية والاسلامية كما سبق
القسم الثاني أرض بلاد الكفار ولها ثلاثة أحوال
أحدها أن تكون معمورة فلا مدخل للإحياء فيها بل هي كسائر أموالهم
فاذا استولينا عليها بقتال أو غيره لم يخف حكمه
الحال الثاني أن لا تكون معمورة في الحال ولا من قبل فيتملكها الكفار بالإحياء
وأما المسلمون فينظر إن كان مواتا لا يذبون المسلمين عنه فلهم تملكه بالإحياء ولا يملك بالإستيلاء لأنه غير مملوك لهم حتى يملك عليهم
وإن ذبوا عنه المسلمين لم يملك بالإحياء كالمعمور من بلادهم
فان استولينا عليه ففيه أوجه
أصحها أنه يفيد اختصاصا كاختصاص المتحجر لأن الإستيلاء أبلغ منه
وعلى هذا فسيأتي إن شاء الله تعالى خلاف في أن التحجر ( هل ) يفيد جواز البيع إن قلنا نعم فهو غنيمة كالمعمور
وإن قلنا لا وهو الأصح فالغانمون أحق بإحياء أربعة أخماسه وأهل الخمس أحق بحياء خمسه
فإن أعرض الغانمون عن إحيائه فأهل الخمس أحق به
ولو أعرض بعض الغانمين فالباقون أحق
وإن تركه الغانمون وأهل الخمس جميعا ملكه من أحياه من المسلمين
قلت في تصور إعراض اليتامى والمساكين وابن السبيل إشكال فيصور في اليتامى أن أولياءهم لم يروا لهم حظا في الإحياء ونحوه في الباقين
والله أعلم والوجه الثاني أنهم يملكونه بالإستيلاء كالمعمور
والوجه الثالث لا يفيد ملكا ولا اختصاصا بل هو كموات دار الإسلام من أحياه ملكه

الحال الثالث أن لا تكون معمورة في الحال وكانت معمورة فإن عرف مالكها فكالمعمورة وإلا ففيه طريقة الخلاف وطريقة ابن سريج السابقتان في القسم الأول

فرع إذا فتحنا بلدة صلحا على أن تكون لنا ويسكنوا بجزية فالمعمور
منها فيء ومواتها الذي كانوا يذبون عنه هل يكون متحجرا لأهل الفيء وجهان
أصحهما نعم
فعلى هذا هو فيء في احال أم يحبسه الإمام لهم وجهان
أصحهما الثاني وإن صالحناهم على أن تكون البلدة لهم فالمعمور لهم والموات يختصون بإحيائه تبعا للمعمور وعن القاضي أبي حامد وصاحب التقريب أنه إنما يجب علينا الإمتناع عن مواتها إذا شرطناه في الصلح والأول أصح
فرع قال البغوي البيع التي للنصارى في دار الاسلام لا تملك عليهم

فإن فنوا فهو كما لو مات ذمي ولا وارث له فتكون فيئا
فرع حريم المعمور لا يملك بالإحياء لأن مالك المعمور يستحق مرافقة وهل نقول إنه يملك تلك

أحدهما لا لأن الملك بالإحياء ولم يحيها

وأصحهما نعم كما يملك عرصة الدار ببناء الدار ولأن الإحياء تارة يكون بجعله معمورا وتارة بجعله تبعا للمعمور
ولو باع حريم ملكه دون الملك لم يصح قاله أبو عاصم كما لو باع شرب الأرض وحده
قال ولو حفر اثنان بئرا على أن يكون نفس البئر لأحدهما وحريمها للآخر لم يصح وكان الحريم لصاحب البئر وللآخر أجرة عمله

فرع في بيان الحريم وهو المواضع القريبة التي يحتاج إليها لتمام الإنتفاع كالطريق ومسيل الماء ونحوهما

إحداها ذكرنا في الحال الثالث إذا صالحنا الكفار على بلدة لم يجز إحياء مواتها الذي يذبون عنه على الأصح فهو من حريم تلك البلدة ومرافقها
الثانية حريم القرى المحياة ما حولها من مجتمع أهل النادي ومرتكض الخل ومناخ الإبل ومطرح الرماد والسماد وسائر ما يعد من مرافقها
وأما مرعى البهائم فقال الإمام إن بعد عن القرية لم يكن من حريمها
وإن قرب ولم يستقل مرعى ولكن كانت البهائم ترعى فيه الخوف من الإبعاد فعن الشيخ أبي علي خلاف فيه والأصح عند الإمام أنه ليس بحريم
وأما ما يستقل مرعى وهو قريب فينبغي أن يقطع بأنه حريم
وقال البغوي مرعى البهائم حريم للقرية مطلقا

فرع المحتطب كالمرعى
الثالثة حريم الدار في الموات مطرح التراب والرماد والكناسات والثلج والممر في الصوب الذي فتح إليه الباب وليس المراد منه استحقاق الممر في قبالة الباب على امتداد الموات بل يجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب إذا أبقي الممر له فان احتاج إلى انعطاف وازورار فعل

فرع عد جماعة منهم ابن كج فناء الدار من حريمها

وقال ابن الصباغ عندي أن حيطان الدار لا فناء لها ولا حريم
فلو أراد محي أن يبني بجنبها لم يلزمه أن يبعد عن فنائها لكن يمنع مما يضر الحيطان كحفر بئر بقربها
الرابعة البئر المحفورة في الموات حريمها الموضع الذي يقف فيه النازح وموضع الدولاب ومتردد البهيمة إن كان الاستقاء بهما ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزروع من حوض ونحوه والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه وكل ذلك غير محدود وإنما هو بحسب الحاجة كذا قاله الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم
وفي وجه حريم البئر قدر عمقها من كل جانب ولم ير الشافعي رضي الله عنه التحديد وحمل اختلاف روايات الحديث في التحديد على اختلاف القدر المحتاج إليه
وبهذا يقاس حريم النهر المحفور في الموات
وأما القناة فآبارها لا يستقى منها حتى يعتبر به الحريم فحريمها القدر الذي لو حفر فيه لنقص ماؤها أو خيف منه انهيار وانكباس ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها

وفي وجه أن حريمها حريم البئر التي يستقى منها ولا يمنع من الحفر إذا جاوزه وإن نقص الماء وبهذا الوجه قطع الشيخ أبو حامد ومن تابعه
والقائلون به قالوا لو جاء آخر وتنحى عن المواضع المعدودة حريما وحفر بئرا ينقص ماء الأول لم يمنع منه وهو خارج عن حريم البئر
والأصح أنه ليس لغيره الحفر حيث ينقص ماءها كما ليس لغيره التصرف قريبا من بنائه بما يضر به بخلاف ما إذا حفر بئرا في ملكه فحفر جاره بئرا في ملكه فنقص ماء الأول فانه يجوز
قال ابن الصباغ والفرق أن الحفر في الموات ابتداء تملك فلا يمكن منه إذا تضرر الغير وهنا كل واحد متصرف في ملكه
وعلى هذا فذلك الموضع داخل في حريم البئر أيضا
واعلم أن ما حكمنا بكونه حريما فذلك إذا انتهى الموات إليه
فان كان هناك ملك قبل تمام حد الحريم فالحريم إلى حيث ينتهي الموات

فرع كل ما ذكرناه في حريم الاملاك مفروض فيما إذا كان الملك
بالموات أو متاخما له من بعض الجوانب
فأما الدار الملاصقة للدار فلا حريم لها لأن الأملاك متعارضة وليس جعل موضع حريما لدار أولى من جعله حريما لأخرى وكل واحد من الملاك يتصرف في ملكه على العادة ولا ضمان عليه إن أقضى إلى تلف
فإن تعدى ضمن
والقول في تصرف المالكين المتجاوزين بما يجوز وما لا يجوز وبماذا يتعلق الضمان منه ما سبق في كتاب الصلح ومنه ما سيأتي إن شاء الله تعالى في خلال الديات

فرع لو اتخذ داره المحفوفة بالمساكن حماما أو اصطبلا أو طاحونة
أو حانوته في صف العطارين حانوت حداد أو قصار على خلاف العادة ففيه وجهان
أحدهما يمنع للأضرار
وأصحهما الجواز لأنه متصرف في خالص ملكه وفي منعه إضرار به
وهذا إذا احتاط وأحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده فإن فعل ما الغالب فيه ظهور الخلل في حيطان الجار فالأصح المنع وذلك مثل أن يدق الشىء في داره دقا عنيفا تتزعزع منه الحيطان أو حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر منه النداوة إلى حيطان الجار
ولو اتخذ داره مدبغة أو حانوته مخبزة حيث لا يعتاد فان قلنا لا يمنع في الصورة السابقة فهنا أولى وإلا ففيه تردد للشيخ أبي محمد
واختار الروياني في كل هذا أن يجتهد الحاكم فيها ويمنع إن ظهر له التعنت وقصد الفساد
قال وكذلك القول في إطالة البناء ومنع الشمس والقمر
فرع لو حفر في ملكه بئر بالوعة وفسد بها ماء بئر جاره
لكن لا يمنع منه ولا ضمان عليه بسببه على الصحيح وخالف فيه القفال
فرع لا يمنع من إحياء ما وراء الحريم قرب أم بعد وسواء
العمران أم غيرهم

فرع موات الحرم يملك بالاحياء كما أن معموره يملك بالبيع والهبة

وهل تملك أرض عرفات بالاحياء كسائر البقاع أم لا لتعلق حق الوقوف بها وجهان
إن قلنا تملك ففي بقاء حق الوقوف فيما ملك وجهان
إن قلنا يبقى فذاك مع اتساع الباقي أم بشرط ضيقه على الحجيج وجهان
واختار الغزالي الفرق بين أن يضيق الموقف فيمنع أو لا فلا
والأصح المنع مطلقا وهو أشبه بالمذهب وبه قطع المتولي وشبهها بما تعلق به حق المسلمين عموما وخصوصا كالمساجد والطرق والرباطات ومصلى العيد خارج البلد
قلت وينبغي أن يكون الحكم في أرض منى ومزدلفة كعرفات لوجود المعنى
والله علم فصل الشارع في إحياء الموات متحجر ما لم يتمه وكذا إذا أعلم عليه علامة للعمارة من نصب أحجار أو غرز خشبات أو قصبات أو جمع تراب أو خط خطوط وذلك لا يفيد الملك بل يجعله أحق به من غيره
وحكى ابن القطان وجها أنه يملك به وهو شاذ ضعيف والتفريع على الصحيح
قلت قال أصحابنا إذا مات المتحجر انتقل حقه إلى ورثته
ولو نقله إلى غيره صار الثاني أحق به
والله أعلم

وينبغي للمتحجر أن لا يزيد على قدر كفايته وأن لا يتحجر ما لا يمكنه القيام بعمارته
فإن خالف قال المتولي فلغيره أن يحيي ما زاد على كفايته وما زاد على ما يمكنه بعمارته
وقال غيره لا يصح تحجره أصلا لأن ذلك القدر غير متعين
قلت قول المتولي أقوى
والله أعلم وينبغي أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجر
فان طالت المدة ولم يحي قال له السلطان أحي أو ارفع يدك عنه
فان ذكر عذرا واستمهله أمهله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة
والنظر في تقديرها إلى رأي السلطان ولا تتقدر بثلاثة أيام على الأصح فاذا مضت ولم يشتغل بالعمارة بطل حقه
وليس لطول المدة الواقعة بعد التحجر حد معين وإنما الرجوع فيه إلى العادة
قال الإمام وحق المتحجر يبطل بطول الزمان وتركه العمارة وإن لم يرفع الأمر إلى السلطان ولم يخاطبه بشىء لأن التحجر ذريعة إلى العمارة وهي لا تؤخر عن التحجر إلا بقدر تهيئة أسبابها ولهذا لا يصح تحجر من لا يقدر على تهيئة الأسباب كمن يتحجر ليعمر في السنة القابلة وكفقير يتحجر ليعمر إذا قدر فوجب إذا أخر وطال أن يعود مواتا كما كان هذا كلام الإمام
وحكى الشيخ أبو حامد مثله عن أبي إسحق ثم قال عندي أنه لا يبطل إلا بالرفع إلى السلطان ومخاطبته

فرع لو بادر أجنبي قبل أن يبطل حق المتحجر فأحيا ما تحجره
المحيي على الأصح المنصوص لأنه حقق سبب الملك وإن كان ظالما كما لو دخل في سوم أخيه واشترى

والثاني لا يملك لئلا يبطل حق غيره
والثالث أنه إن انضم إلى التحجر إقطاع السلطان لم يملك المحيي وإلا فيملك
والرابع إن أخذ المتحجر في العمارة لم يملك المبادر وإلا فيملك
وشبهوا المسألة بالخلاف فيما إذا عشش الطائر في ملكه وأخذ الفرخ غيره هل يملكه قلت والأصح أيضا أنه يملكه
وكذا لو توحل ظبي في أرضه أو وقع الثلج فيها ونحو ذلك وقد سبقت مسائل تتعلق بهذا في كتاب الصيد
والله أعلم فرع لو باع المتحجر ما تحجره وقلنا بالصحيح إنه لا يملك لم يصح بيعه عند الجمهور
وقال أبو إسحق وغيره يصح وكأنه يبيع حق الاختصاص
وعلى هذا لو باع فأحياه في يد المشتري رجل وقلنا يملك فهل يسقط الثمن أم لا لحصول التلف بعد القبض وجهان
قلت أصحهما الثاني
وإذا قلنا لا يصح البيع فأحياه المشتري قبل الحكم بفسخ البيع فهل يكون له أم للبائع فيه وجهان حكاهما الشاشي والصحيح الأول
والله أعلم فرع لا قطاع الإمام مدخل في الموات وفائدته مصير المقطع أحق باحيائه كالمتحجر

وإذا طالت المدة أو أحياه غيره فالحكم كما سبق في المتحجر ولا يقطع إلا لمن يقدر على الاحياء وبقدر ما يقدر عليه

فصل في بيان الاحياء قال الأصحاب المعتبر ما يعد إحياء في العرف
ويختلف باختلاف يقصد به
وتفصيله بمسائل
إحداها إذا أراد المسكن اشترط التحويط بالآجر أو اللبن أو الطين أو القصب أو الخشب بحسب العادة ويشترط أيضا تسقيف البعض ونصب الباب على الصحيح فيهما
الثانية إذا أراد زريبة للدواب أو حضيرة فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش اشترط التحويط ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء لأن المتملك لا يقتصر على مثله في العادة وإنما يفعله المجتاز
ولو حوط البناء في طرف واقتصر للباقي على نصب الأحجار والسعف حكى الإمام عن القاضي أنه ( يكفي ) وعن شيخه المنع
ولا يشترط التسقيف هنا
وفي تعليق الباب الخلاف السابق
أحدها جمع التراب
الثالثة إذا أراد مزرعة اشترط أمور إذا أراد حواليه لينفصل المحيا عن غيره
وفي معناه نصب قصب وحجر وشوك ولا حاجة إلى التحويط
وقال الشيخ أبو حامد عندي

إذا صارت الأرض مزرعة بماء سيق إليها فقد تم الاحياء وإن لم يجمع التراب حولها
الثاني تسوية الأرض بطم المنخفض وكسح المستعلي وحراثتها وتليين ترابها فان لم يتيسر ذلك إلا بماء يساق إليها فلا بد منه لتتهيأ للزراعة
الثالث ترتيب ماء لها بشق ساقية من نهر أو بحفر بئر أو قناة وسقيها هل يشترط ذلك أطلق جماعة اشتراطه والأصح ما ذكره ابن كج وغيره أن الأرض إن كانت بحيث يكفي لزراعتها ماء السماء لم يشترط السقي وترتيب ماء على الصحيح
وإن كانت تحتاج إلى ماء يساق إليها اشترط تهيئة ماء من عين أو بئر أو غيرهما
وإذا هيأه نظر إن حفر له الطريق ولم يبق إلا إجراء الماء كفى ولم يشترط الاجراء ولا سقي الأرض
وإن لم يحفر بعد فوجهان
وأما أرض الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها ولا يصيبها إلا ماء السماء فمال صاحب التقريب إلى أنه لا مدخل للاحياء فيها وبه قال القفال وبنى عليه أما إذا وجدنا شيئا من تلك الأرض في يد إنسان لم نحكم بأنه ملكه ولا نجوز بيعه وإجارته
ومن الأصحاب من قال يملك بالحراثة وجمع التراب على الأطراف واختاره القاضي حسين
ولا تشترط الزراعة لحصول الملك في المزرعة على الأصح لأنها استيفاء منفعة وهو خارج عن الاحياء وكما لا يشترط في الدار أن يسكنها
المسألة الرابعة إذا أراد بستانا أو كرما فلا بد من التحويط والرجوع فيما يحوط به إلى العادة قاله ابن كج
وقال فان كانت عادة البلد بناء جدار اشترط البناء
وإن كان عادتهم التحويط بالقصب والشوك وربما تركوه أيضا كما في البصرة وقزوين اعتبرت عادتهم وحينئذ يكفي جمع التراب حواليه كالمزرعة
والقول في سوق الماء إليه كما سبق في المزرعة
ويعتبر غرس الأشجار على المذهب وبه قطع الجمهور

وقيل لا يعتبر إذا لم يعتبر الزرع في المزرعة
والفرق على المذهب أن اسم المزرعة يقع على الأرض قبل الزرع بخلاف البستان قبل الغرس ولأن الغرس يدوم فألحق بأبنية الدار بخلاف الزرع

فرع طرق الأصحاب متفقة على أن الاحياء يختلف باختلاف ما يقصده المحيي
من مسكن وحظيرة وغيرهما
وذكر الإمام شيئين
أحدهما أن القصد إلى الاحياء هل يعتبر لحصول الملك فقال ما لا يفعله في العادة إلا المتملك كبناء الدار واتخاذ البستان يفيد الملك وإن لم يوجد قصد
وما يفعله المتملك وغيره كحفر البئر في الموات وكزراعة قطعة من الموات اعتمادا على ماء السماء إن انضم إليه قصد أفاد الملك وإلا فوجهان
وما لا يكتفي به المتملك كتسوية موضع النزول وتنقيته عن الحجارة لا يفيد الملك
وإن قصده شبه ذلك بالاصطياد بنصب الأحبولة في مدارج الصيود يفيد ملك الصيد
وإغلاق الباب إذا دخل الصيد الدار على قصد التملك يفيد الملك
ودونه وجهان
وتوحل الصيد في أرضه التي سقاها لا يفيد الملك وإن قصده
الشىء الثاني إذا قصد نوعا وأتي بما يقصد به نوع آخر أفاد الملك حتى إذا حوط البقعة يملكها وإن قصد المسكن لأنه مما يملك به الزريبة لو قصدها
قال الإمام الرافعي رحمه الله تعالى أما الكلام الأول فمقبول لا يلزم ( منه ) مخالفة الاصحاب بل إن قصد شيئا اعتبرنا في كل مقصود ما فصلوه وإلا نظرنا فيما أتى به وحكمنا بما ذكره
وأما الثاني فمخالفته لما ذكره الأصحاب صريحة لما فيه من الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا

فرع إذا حفر بئرا في الموات للتملك لم يحصل الاحياء ما
الماء
وإذا وصل كفى إن كانت الأرض صلبة وإلا فيشترط أن تطوى
وقال الإمام لا حاجة إليه
وفي حفر القناة يتم الاحياء بخروج الماء وجريانه
ولو حفر نهرا ليجري الماء فيه على قصد التملك فاذا انتهى رأس النهر الذي يحفره إلى النهر القديم وجرى الماء فيه ملكه كذا قاله البغوي وغيره
وفي التتمة أن الملك لا يتوقف على إجراء الماء فيه لأنه استيفاء منفعة كالسكون في الدار
قلت هذا الثاني أقوى
والله أعلم فصل في الحمى هو أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها ويمنع سائر الناس الرعي فيها وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمي لخاصة نفسة ولكنه لم يفعله صلى الله عليه وسلم وإنما حمى النقيع لا بل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين
قلت النقيع بالنون عند الجمهور وهو الصواب
وقيل بالباء الموحدة وبقيع الغرقد بالباء قطعا
والله أعلم وأما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس للآحاد الحمى قطعا ولا للأئمة لأنفسهم وفي حماهم لمصالح المسلمين قولان
أظهرهما الجواز
وقيل يجوز قطعا
فاذا

جوزناه فهل يختص بالإمام الأعظم أم يجوز أيضا لولاته في النواحي وجهان حكاهما ابن كج وغيره
أصحهما الثاني
وسواء حمى لخيل المجاهدين أم لنعم الجزية والصدقة والضوال ومال الضعفاء عن الابعاد في طلب النجعة ثم لا يحمي إلا الأقل الذي لا يبين ضرره على الناس ولا يضيق الأمر عليهم ثم ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم نص فلا ينقض ولا يغير بحال هذا هو المذهب
وقيل إن بقيت الحاجة التي حمى لها لم يغير
وإن زالت فوجهان
أصحهما المنع لأنه تغيير المقطوع بصحته باجتهاد
وأما حمى غيره صلى الله عليه وسلم فاذا ظهرت المصلحة في تغييره جاز نقضه ورده إلى ما كان على الأظهر رعاية للمصلحة
وفي قول لا يجوز كالمقبرة والمسجد
وقيل يجوز للحامي نقض حماه ولا يجوز لمن بعده من الأئمة وإذا جوزنا نقضه فأحياه رجل باذن الإمام ملكه وكان الاذن في الاحياء نقضا
وإن استقل المحيي فوجهان
ويقال قولان منصوصان
أصحهما المنع لما فيه من الاعتراض على تصرف الإمام وحكمه
قلت بقيت من الحمى مسائل مهمة
منها لو غرس أو بنى أو زرع في النقيع نقضت عمارته وقلع زرعه وغرسه ذكره القاضي أبو حامد في جامعه
منها أن الحمى ينبغي أن يكون عليه حفاظ من جهة الإمام أو نائبه وأن يمنع أهل القوة من إدخال مواشيهم ولا يمنع الضعفاء ويأمره الإمام بالتلطف بالضعفاء من أهل الماشية كما فعل عمر رضي الله عنه
قال القاضي أبو حامد فان كان للإمام ماشية لنفسه لم يدخلها الحمى لأنه من أهل القوة
فان فعل فقد ظلم المسلمين
ومنها لو دخل الحمى من هو من أهل القوة فرعى ماشيته قال أبو حامد

فلا شىء عليه ولا غرم ولا تعرير ولكن يمنع من الرعي ونقل ابن كج أيضا عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا غرم عليه وليس هذا مخالفا لما ذكرناه في كتاب الحج أن من أتلف شيئا من شجر النقيع أو حشيشه ضمنه على الأصح
ومنها أن عامل الصدقات إذا كان يجمعها في بلد هل له أن يحمي موضعا لا يتضرر به أهل البلد ليرعاها فيه قال أبو حامد قيل له ذلك ولم يذكر خلافه
وقال ابن كج إن منعنا حمى الإمام فذا أولى وإلا فقولان
ومنها لا يجوز للإمام أن يحمي الماء المعد لشرب خيل الجهاد وإبل الصدقة والجزية وغيرها بلا خلاف ذكره الشيخ نصر في تهذيبه
قال أصحابنا إذا حمى الإمام وقلنا لا يجوز حماه فهو على أصل الاباحة من أحياه ملكه
ومنها أنه يحرم على الإمام وغيره من الولاة أن يأخذ من أصحاب المواشي عوضا عن الرعي في الحمى أو الموات وهذا لا خلاف فيه وقد نص عليه الماوردي في الأحكام وقاله آخرون
والله أعلم الباب الثاني في المنافع المشتركة وغيرها بقاع الأرض إما مملوكة وإما محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد والمقابر والرباطات وإما منفكة عن الحقوق العامة والخاصة وهي الموات
أما المملوكة فمنفعتها تتبع الرقبة
وأما الشوارع فمنفعتها الأصلية الطروق
ويجوز الوقوف والجلوس فيها لغرض الإستراحة والمعاملة ونحوهما بشرط أن لا يضيق على المارة سواء أذن فيه الإمام أم لا وله أن يظلل على موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة من ثوب وبارية ونحوهما
وفي بناء الدكة ما ذكرناه في كتاب الصلح
ولو سبق اثنان الى موضع فهل يقرع بينهما أم يقدم الإمام أحدهما وجهان

أصحهما الأول
وفي ثبوت هذا الارتفاق لأهل الذمة وجهان حكاهما ابن كج وهل لاقطاع فيه مدخل وجهان
أصحهما عند الجمهور نعم وهو المنصوص لأن له نظرا فيه ولهذا يزعج من أضر جلوسه
وأما إذا تملك شىء من ذلك فلا سبيل إليه بحال
وحكي وجه في الرقم للعبادي وشرح مختصر الجويني لابن طاهر أن للإمام أن يتملك من الشوارع ما فضل عن حاجة الطروق والمعروف الأول
قلت وليس للإمام ولا غيره من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس والبيع ونحوه في الشوارع عوضا بلا خلاف
والله علم فرع من جلس في موضع من الشارع ثم قام عنه إن كان جلوسه لاستراحة وشبهها بطل حقه
وإن كان لحرفة ومعاملة فان فارقه على أن لا يعود لتركه الحرفة أو لقعوده في موضع آخر بطل حقه أيضا
وإن فارقه على أن يعود فالمذهب ما ضبطه الإمام والغزالي أنه إن مضى زمن ينقطع فيه الذين ألفوا معاملته بطل
وإن كان دونه فلا
وسواء فارق بعذر سفر ومرض أو بلا عذر فعلى هذا لا يبطل حقه بالرجوع في الليل إلى بيته وليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني وكذا الأسواق التي تقام في كل أسبوع أو في كل شهر مرة إذا اتخذ فيها مقعدا كان أحق به في النوبة الثانية
وقال الاصطخري إذا رجع ليلا فمن سبقه أحق
وقال طائفة منهم القاضي وابن الصباغ إن جلس باقطاع الإمام لم يبطل بقيامه
وإن استقل وترك فيه شيئا من متاعه بقي حقه وإلا فلا
وإذا قلنا بالأول فأراد غيره الجلوس فيه مدة غيبته القصيرة إلى أن يعود فان كان لغير معاملة لم يمنع قطعا وإلا لم يمنع أيضا على الأصح

قلت وإذا وضع الناس الأمتعة وآلات البناء ونحو ذلك في مسالك الأسواق والشوارع ارتفاقا لينقلوها شيئا بعد شىء منعوا منه إن أضر بالمارة إضرارا ظاهرا وإلا فلا ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية
والله أعلم فرع يختص الجالس أيضا بما حوله بقدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف معامليه وليس لغيره أن يقعد حيث يمنع رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه أو يضيق عليه الكيل أو الوزن والأخذ والعطاء
قلت وليس له منع من قعد لبيع مثل متاعه إذا لم يزاحمه فيما يختص به من المرافق المذكورة
والله أعلم فرع الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق يبطل حقه بمفارقته

فصل وأما المسجد فالجلوس فيه يكون لأغراض

منها أن يجلس ليقرأ عليه القرآن أو الحديث أو الفقه ونحوها أو ليستفتى
قال أبو عاصم العبادي والغزالي حكمه كمقاعد الأسواق لأن له غرضا في ملازمته ذلك الموضع ليألفه الناس
وقال الماوردي متى قام بطل حقه وكان السابق أحق به والأول أشبه بمأخذ الباب

قلت هذا المنقول عن الماوردي حكاه في الأحكام السلطانية عن جمهور الفقهاء
وعن مالك رضي الله عنه أنه أحق فمقتضى كلامه أن الشافعي وأصحابه من الجمهور رضي الله عنهم
والله أعلم ومنها أن يجلس للصلاة فلا اختصاص له في صلاة أخرى
وأما الصلاة الحاضرة فهو أحق
فان فارق بغير عذر بطل حقه فيها أيضا
وإن كان بعذر فإن فارق لقضاء حاجة أو تجديد وضوء أو رعاف أو إجابة داع ونحوها لم يبطل اختصاصه على الصحيح للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إذا عاد إليه ولا فرق على الوجهين بين أن يترك إزاره أم لا ولا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة أو قبله وإن اتسع الوقت
ومنها الجلوس للبيع والشراء والحرفة وهو ممنوع منه
قلت ومنها الجلوس للاعتكاف وينبغي أن يقال له الاختصاص بموضعه ما لم يخرج من المسجد إن كان اعتكافا مطلقا
وإن نوى إعتكاف أيام فخرج لحاجة جائزة ففي بقاء اختصاصه إذا رجع احتمال والظاهر بقاؤه ويحتمل أن يكون على الخلاف فيما إذا خرج المصلي لعذر
ومنها الجالس لاستماع الحديث والوعظ والظاهر أنه كالصلاة فلا يختص فيما سوى ذلك المجلس ولا فيه إن فارقه بلا عذر ويختص إن فارق بعذر على المختار
ويحتمل أن يقال إن كان له عادة بالجلوس بقرب كبير المجلس وينتفع الحاضرون بقربه منه لعلمه ونحو ذلك دام اختصاصه في كل مجلس بكل حال

وأما مجلس الفقيه في موضع معين حال تدريس المدرس في المدرسة أو المسجد فالظاهر فيه دوام الاختصاص لاطراد العرف وفيه احتمال
والله أعلم فرع يمنع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في المسجد توقيرا لها

فرع قال الإمام لا شك في انقطاع تصرف الإمام وإقطاعه عن بقاع
فإن المساجد لله تعالى ويخدشه شيئان
أحدهما ذكر الماوردي أن الترتب في المسجد للتدريس والفتوى كالترتب للإمامة فلا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحال ويعتبر في الجوامع وكبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان فجعل لاذن الإمام أثر
الثاني عند الشيخ أبو حامد وطائفة رحاب المسجد مع مقاعد الأسواق فيما يقطع للارتفاق بالجلوس فيه للبيع والشراء وهذا كما يقدح في نفي الاقطاع يخالف المعروف في المذهب في المنع من الجلوس في المسجد للبيع والشراء إلا أن يراد بالرحاب الأفنية الخارجة عن حد المسجد
قلت قال الماوردي في الأحكام إن حريم الجوامع والمساجد إن كان الارتفاق به مضرا بأهل المساجد منع منه ولم يجز للسلطان الاذن فيه وإلا جاز
وهل يشترط فيه إذن السلطان وجهان
والله أعلم

فصل الرباطات المسبلة
في الطرق وعلى أطراف البلاد من سبق إلى موضع منها صار أحق به وليس لغيره إزعاجه سواء دخل باذن الإمام أم بغيره ولا يبطل حقه بالخروج لشراء طعام ونحوه ولا يشترط تخليفه نائبا له في الموضع ولا أن يترك متاعه لأنه قد لا يجد أمينا
فان ازدحم اثنان ولا سبق فعلى ما سبق في مقاعد الأسواق
وكذا الحكم في المدارس والخوانق إذا نزلها من هو ( من ) أهلها
وإذا سكن بيتا منها مدة ثم غاب أياما قليلة فهو أحق إذا عاد
وإن طالت غيبته بطل حقه
قلت والرجوع في الطول إلى العرف
ولو أراد غيره النزول فيه في مدة غيبة الأول على أن يفارقه إذا جاء الأول فينبغي أن يجوز قطعا أو يكون على الوجهين السابقين في الموضع من الشارع
ويجوز لغير سكان المدرسة من الفقهاء والعوام دخولها والجلوس فيها والشرب من مياهها والاتكاء والنوم فيها ودخول سقايتها ونحو ذلك مما جرى العرف به
وأما سكنى غير الفقهاء في بيوتها فان كان فيه نص من الواقف بنفي أو إثبات اتبع وإلا فالظاهر منعه وفيه احتمال في بلد جرت به العادة
والله أعلم فرع النازلون في موضع من البادية أحق به وبما حواليه بقدر ما يحتاجون إليه لمرافقهم ولا يزاحمون في الوادي الذي سرحوا إليه مواشيهم إلا أن يكون فيه كفاية للجميع وإذا رحلوا بطل اختصاصهم وإن بقي أثر الفساطيط ونحوها

قلت ولو أرادت طائفة النزول في موضع من البادية للاستيطان قال الماوردي إن كان نزولهم مضرا بالسابلة منعهم السلطان قبل النزول أو بعده
وإن لم يضر راعى الأصلح في نزولهم ومنعهم ونقل غيرهم إليها
فان نزلوا بغير إذنه لم يمنعهم كما لا يمنع من أحيا مواتا بغير إذنه ودبرهم بما يراه صلاحا لهم وينهاهم عن إحداث زيادة إلا بإذنه
والله أعلم فصل المرتفق بالشارع والمساجد إذا طال مقامه هل يزعج وجهان
أصحهما لا لأنه أحد المرتفقين وقد سبق
والثاني نعم
لتميز المشترك من المملوك
وأما الربط الموقوفة فإن عين الواقف مدة المقام فلا مزيد عليها وكذا لو وقف على المسافرين
وإن أطلق الواقف نظر إلى الغرض الذي بنيت له وعمل بالمعتاد فيه فلا يمكن من الاقامة في ربط المارة إلا لمصلحتها أو لخوف يعرض أو أمطار تتواتر وفي المدرسة الموقوفة على طلبة العلم يمكن من الاقامة إلى إتمام غرضه
فإن ترك التعلم والتحصيل أزعج
وفي الخانقاه لا يمكن هذا الضبط ففي الازعاج إذا طال مقامه ما سبق في الشوارع

الباب الثالث في الاعيان الخارجة
من الأرض فيه طرفان
الطرف الأول في المعادن وهي البقاع التي أودعها الله تعالى شيئا من الجواهر المطلوبة وهي قسمان ظاهرة وباطنة

فالظاهرة هي التي يبدو جوهرها بلا عمل وإنما السعي والعمل لتحصيله
ثم تحصيله قد يسهل وقد يكون فيه تعب وذلك كالنفط وأحجار الرحى والبرام والكبريت والقطران والقار والمومياء وشبهها فلا يملكها أحد بالاحياء والعمارة وإن زاد بها النيل
ولا يختص بها أيضا المتحجر وليس للسلطان إقطاعها بل هي مشتركة بين الناس كالمياه الجارية والكلأ والحطب
ولو حوط رجل على هذه المعادن وبنى عليها دارا أو بستانا لم يملك البقعة لفساد قصده
وأشار في الوسيط إلى خلاف فيه
والمعروف الأول
وإذا ازدحم اثنان على معدن ظاهر وضاق المكان فالسابق أولى
ثم قال الجمهور يقدم بأخذ قدر حاجته ولم يبينوا أنها حاجة يوم أو سنة
قال الإمام والرجوع فيه إلى العرف فيأخذ ما تقتضيه العادة لأمثاله
وإذا أراد الزيادة على ما يقتضيه حق السبق فهل يزعج أم يأخذ ما شاء وجهان أصحهما عند الأصحاب يزعج
فأما إذا جاءا معا فالأصح أنه يقرع بينهما
والثاني يجتهد الإمام ويقدم من يراه أحوج وأحق
والثالث ينصب من يقسم الحاصل بينهما
وقال العراقيون الأوجه فيما إذا كانا يأخذان للحاجة
فإن كانا يأخذان للتجارة يهايأ بينهما
فإن تشاحا في الابتداء أقرع بينهما
والأشهر إطلاق الأوجه
وعلى مقتضى قول العراقيين إذا كان أحدهما تاجرا والآخر محتاج يشبه أن يقدم المحتاج

فرع من المعادن الظاهرة الملح الذي ينعقد من الماء وكذا الجبلي إن
النورة
وفي بعض شروح المفتاح عد الملح الجبلي من المعادن الباطنة
وفي التهذيب

عد الكحل والجص منهما وهما محمولان على ما إذا أحوج إظهارهما إلى حفر
ولو كان بقرب الساحل بقعة لو حفرت وسيق الماء إليها ظهر فيها الملح فليست هي من المعادن الظاهرة لأن المقصود منها يظهر بالعمل فللامام إقطاعها ومن حفرها وساق الماء إليها وظهر الملح ملكها كما لو أحيا مواتا
القسم الثاني المعادن الباطنة وهي التي لا يظهر جوهرها إلا بالعمل والمعالجة كالذهب والفضة والفيروزج والياقوت والرصاص والنحاس والحديد وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض
وتردد الشيخ أبو محمد في أن حجر الحديد ونحوه من الباطنة أم الظاهرة لأن ما فيها من الجوهر باد والمذهب أنه باطن لأن الحديد لا يستخرج منه إلا بعلاج وليس البادي على الحجر عين الحديد وإنما هو في مخيلته
ولو أظهر السيل قطعة ذهب أو أتى بها التحقت بالمعادن الظاهرة
إذا ثبت هذا فالمعدن الباطن هل يملك بالحفر والعمل قولان لتردده بين الموات والمعدن الظاهر أظهرهما لا رجحه الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم
فإن قلنا يملك فذاك إذا قصد التملك وحفر حتى ظهر النيل
فأما قبل الظهور فهو كالمتحجر وهذا كما إذا حفر بئرا في الموات على قصد التملك ملكها إذا وصل إلى الماء
وإذا اتسع الحفر ولم يوجد النيل إلا في الوسط أو في بعض الأطراف لم يقصر الملك على موضع النيل بل يملك أيضا مما حواليه مما يليق يحريمه وهو قدر ما يقف فيه الأعوان والدواب
ومن جاوز ذلك وحفر لم يمنع وإن وصل إلى العروق
ويجوز للسلطان أن يقطعه كالموات
وإن قلنا لا يملك فالسابق إلى موضع منه أحق به لكن إذا طال مقامه ففي إزعاجه ما ذكرناه في المعادن الظاهرة
وقيل لا يزعج هنا قطعا لأن هناك يمكن الأخذ دفعة فلا حاجة حلى الاطالة وهنا لا يحصل إلا بمشقة فقدم السابق
ولو ازدحم اثنان فعلى الأوجه التي هناك
وفي جواز إقطاعها على هذا القول

قولان
أحدهما المنع كالمعادن الظاهرة
وأظهرهما الجواز ولا يقطع إلا قدرا يتأتى للمقطع العمل عليه والأخذ منه
وعلى القولين يجوز العمل في المعدن الباطن والأخذ منه بغير إذن الإمام فإنه إما كالمعدن الظاهر وإما كالموات

فرع لو أحيا مواتا ثم ظهر فيه معدن باطن ملكه بلا خلاف
ملك الأرض بأجزائها إن لم يعلم بها معدنا
فإن علم واتخذ عليه دارا فطريقان
أحدهما على القولين السابقين
والثاني القطع بالملك
وأما البقعة المحياة فقال الإمام ظاهر المذهب أنها لا تملك لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا مزرعة فالقصد فاسد
وقيل يملكها
وكأن ما ذكرناه من الخلاف في المعادن الظاهرة عن الوسيط مأخوذ من هذا
فرع مما يتفرع على القولين في المعدن الباطن أنه إذا عمل عليه
الجاهلية هل يملك وهل يجوز إقطاعه إن قلنا يملك بالحفر والعمل فهو ملك للغانمين وإلا ففي جواز إقطاعه القولان السابقان
فرع مالك المعدن الباطن لا يصح منه بيعه على الصحيح لأن مقصوده
النيل وهو متفرق في طبقات الأرض مجهول القدر والصفة فهو كبيع قدر مجموع من تراب

المعدن وفيه النيل وهو باطل
وحكى الإمام وجها في جوازه لأن المبيع رقبة المعدن والنيل فائدته

فرع لو تملك معدنا باطنا فجاء غيره واستخرج منه نيلا بغير إذنه
لزمه رده ولا أجرة له
ولو قال المالك اعمل فيه واستخرج النيل لي ففعل ففي استحقاقه الأجرة الخلاف فيمن قال اغسل ثوبي فغسل
ولو قال اعمل فما استخرجته فهو لك أو قال استخرج لنفسك فالحاصل لمالك المعدن لأنه هبة مجهول
وكان يمكن تشبيهه بباحة ثمار البستان ولكن المنقول الأول
وفي استحقاقه الأجرة وجهان لكونه عمل لنفسه لكن لم يقع له ولا هو متبرع وبثبوتها قال ابن سريج
قلت ثبوتها أصح
والله أعلم ولو قال اعمل فما استخرجته فهو بيننا مناصفة أو قال فلك منه عشرة دراهم لم يصح لأن الأول أجرة مجهولة والثاني قد لا يحصل هذا القدر
الطرف الثاني في المياه وهي قسمان
أحدهما المباحة النابعة في موضع لا يختص بأحد ولا صنع للآدميين في إنباطه وإجرائه كالفرات وجيحون وسائر أودية العالم والعيون في الجبال وسيول الأمطار فالناس فيها سواء فإن حضر اثنان فصاعدا أخذ كل ما شاء
فإن قل الماء أو ضاق المشرع قدم السابق
فإن جاءا معا أقرع
وإن أراد واحد السقي وهناك محتاج للشرب فالشارب أولى
قاله المتولي ومن أخذ منه شيئا في إناء أو جعله في حوض ملكه ولم يكن لغيره مزاحمته فيه كما لو احتطب
وفي النهاية

وجه أنه لا يملكه لكنه أولى به من غيره
والصحيح الأول وبه قطع الجمهور
وإن دخل شىء منه ملك إنسان بسيل فليس لغيره أخذه ما دام فيه لامتناع دخول ملكه بغير إذنه
فلو فعل فهل يملكه أم للمالك استرداده وجهان
أصحهما الأول
فاذا خرج من أرضه أخذه من شاء

فرع إذا أراد قوم سقي أرضيهم من مثل هذا الماء فإن كان
يفي بالجميع سقى من شاء متى شاء
وإن كان صغيرا أو كان الماء يجري من النهر العظيم في ساقية غير مملوكة بأن انخرقت بنفسها سقى الأول أرضه ثم يرسله إلى الثاني ثم الثاني إلى الثالث
وكم يحبس الماء في أرضه وجهان الذي عليه الجمهور أنه يحبسه حتى يبلغ الكعبين
والثاني يرجع في قدر السقي إلى العادة والحاجة
وقد قال الماوردي ليس التقدير بالكعبين في كل الأزمان والبلدان لأنه مقدر بالحاجة والحاجة تختلف وباختلاف الأرض باختلاف ما فيها ( من ) زرع وشجر وبوقت الزراعة ووقت السقي
وحكي وجه عن الداركي أن الأعلى لا يقدم على الأسفل لكن يسقون بالحصص وهذا غريب باطل
ولو كانت أرض الأعلى بعضها مرتفعا وبعضها منخفضا ولو سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة على الحد المستحق أفرد كل بعض بالسقي بما هو طريقه
قلت طريقه أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين ثم يسده ثم يسقي المرتفع
والله أعلم

وإذا سقى الأول ثم احتاج إلى السقي مرة أخرى مكن منه على الصحيح فلو تنازع اثنان أرضاهما متحاذيتان أو أرادا شق النهر من موضعين متحاذيين يمينا وشمالا فهل يقرع أو يقسم بينهما أو يقدم الإمام من يراة فيه ثلاثة أوجه حفاها العبادي
قلت أصحها يقرع
والله أعلم ولو أراد رجل إحياء موات وسقيه من هذا النهر نظر إن ضيق على السابقين منع لانهم استحقوا أرضهم بمرافقها والماء من أعظم مرافقها وإلا فلا منع

فرع عمارة حافات هذه الانهار من وظائف بيت المال

فرع يجوز أن يبني عليها من شاء قنطرة لعبور الناس إن كان
مواتا
وأما ( ما ) بين العمران فهو كحفر البئر في الشارع لمصلحة المسلمين
ويجوز بناء الرحى عليها إن كان الموضع ملكا له أو مواتا محضا
وإن كان بين الارض المملوكة وتضرر الملاك لم يجز وإلا فوجهان
أحدهما المنع كالتصرف في سائر مرافق العمارات
وأصحهما الجواز كاشراع الجناح في السكة النافذة

فصل هذا الذي سبق إذا لم تكن الانهار والسواقي مملوكة

أما إذا كانت مملوكة بأن حفر نهرا يدخل فيه الماء من الوادي العظيم أو من النهر المنخرق منه فالماء باق على إباحته لكن مالك النهر أحق به كالسيل يدخل ملكه فليس لأحد مزاحمته لسقي الأرضين
وأما للشرب والاستعمال وسقي الدواب فقال الشيخ أبو عاصم والمتولي ليس له المنع ومنهم من أطلق أنه لا يدلي أحد فيه دلوا ويجوز لغيره أن يحفر فوق نهره نهرا إن لم يضيق عليه
وإن ضيق فلا فان اشترك جماعة في الحفر اشتركوا في الملك على قدر عملهم فإن شرطوا أن يكون النهر بينهم على قدر ملكهم من الارض فليكن عمل كل واحد على قدر أرضه
فإن زاد واحد متطوعا فلا شىء له على الباقين
وإن زاد مكرها أو شرطوا له عوضا رجع عليهم بأجرة ما زاد وليس للأعلى حبس الماء على الاسفل بخلاف ما إذا لم يكن النهر مملوكا
وإذا اقتسموا الماء بالأيام والساعات جاز ولكل واحد الرجوع متى شاء لكن لو رجع بعدما استوفى نوبته وقبل أن يستوفي الشريك ضمن له أجرة مثل نصيبه من النهر للمدة التي أجرى فيها الماء
وإن اقتسموا الماء نفسه فعلى ما سنذكره في القناة المشتركة
ولو أرادوا قسمة النهر وكان عريضا جاز ولا يجري فيها الاجبار كما في الجدار الحائل
ولو أراد الشركاء الذين أرضهم أسفل توسيع النهر لئلا يقصر الماء عنهم لم يجز إلا برضى الاولين لان تصرف الشريك في المشترك لا يجوز إلا برضى الشريك ولانهم قد يتضررون بكثرة الماء
وكذا لا يجوز للأولين تضييق النهر إلا برضى الآخرين وليس لاحد منهم بناء قنطرة أو رحى عليه ولا غرس شجرة على حافته إلا برضى

الشركاء
ولو أراد أحدهم تقديم رأس الساقية التي يجري فيها الماء إلى أرضه أو تأخيره لم يجز بخلاف ما لو قدم باب داره إلى رأس السكة المنسدة لانه يتصرف هناك في الجدار المملوك وهنا في الحافة المشتركة
ولو كان لاحدهم ماء في أعلى النهر فأجراه في النهر المشترك برضى الشركاء ليأخذه من الاسفل ويسقي به أرضه فلهم الرجوع متى شاؤوا لأنه عارية وتنقية هذا النهر وعمارته يقوم بها الشركاء بحسب الملك
وهل على كل واحد عمارة الموضع المتسفل عن أرضه وجهان
أحدهما لا وبه قطع ابن الصباغ لان المنفعة فيه للباقين
والثاني نعم وهو الأصح عند العبادي لاشتراكهم وانتفاعهم به

فرع كل أرض أمكن سقيها من هذا النهر إذا رأينا لها ساقية
نجد لها شربا من موضع آخر حكمنا عند التنازع بأن لها شربا منه
ولو تنازع الشركاء في النهر في قدر أنصبائهم فهل يجعل على قدر الأرضين لان الظاهر أن الشركة بحسب الملك أم بالسوية لانه في أيديهم وجهان وبالأول قال الاصطخري رحمه الله تعالى
قلت هو أصحهما
والله أعلم فرع لو صادفنا نهرا تسقى منه أرضون ولم ندر أنه حفر أم انخرق حكمنا بأنه

مملوك لانهم أصحاب يد وانتفاع فلا يقدم بعضهم على بعض
وأكثر هذه المسائل يشتمل عليها كتاب المياه للعبادي رحمه الله تعالى
القسم الثاني المياه المختصة ببعض الناس وهي مياه الآبار والقنوات
واعلم أن البئر يتصور حفرها على أوجه
أحدها الحفر في المنازل للمارة
والثاني الحفر في الموات على قصد الارتفاق لا للتملك كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب وسقي الدواب
والثالث الحفر بنية التملك
والرابع الحفر الخالي عن هذه القصود
فأما المحفورة للمارة فماؤها مشترك بينهم والحافر كأحدهم ويجوز الاستقاء منها للشرب وسقي الزروع فان ضاق عنهما فالشرب أولى
وأما المحفورة للارتفاق دون التملك فالحافر أولى بمائها إلى أن يرتحل لكن ليس له منع ما فضل عنه عن محتاج إليه للشرب إذا استقى بدلو نفسه ولا منع مواشيه وله منع غيره من سقي الزرع به
وفيه احتمال للإمام لأنه لم يملكه والاختصاص يكون بقدر الحاجة وبهذا قطع المتولي فحصل وجهان
قلت الأول هو الصحيح المعروف
والله أعلم ويعتبر في الفاضل الذي يجب بذله أن يفضل عن نفسه وماشيته وزرعه
قال الإمام وفي المزارع احتمال على بعد
قلت المراد الفاضل الذي يجب بذله لماشية غيره
أما الواجب بذله لعطش آدمي محترم فلا يشترط فيه أن يفضل عن المزارع والماشية
والله أعلم وإذا ارتحل المرتفق صارت البئر كالمحفورة للمارة فان عاد فهو كغيره
وأما المحفورة للتملك وفي ملك فهل يكون ماؤها ملكا وجهان
أصحهما نعم وبه قال ابن أبي هريرة وهو المنصوص في القديم وحرملة لأنه نماء ملكه

كالثمرة واللبن ويجري الخلاف فيما إذا انفجرت عين في ملكه
فإن قلنا لا يملك فنبع وخرج منه ملكه من أخذه
وإن قلنا بالأصح لا يملكه الآخذ ولو دخل رجل ملكه وأخذه ففي ملكه الوجهان
وسواء قلنا يملك أم لا فلا يجب على صاحب البئر بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره على الصحيح ويجب بذله للماشية على الصحيح
وللوجوب شروط
أحدها أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحا
والثاني أن يكون هناك كلأ يرعى وإلا فلا يجب على المذهب
وقال المتولي فيه وجهان
الثالث أن يكون الماء في مستقره فأما الماء الموجود في إناء فلا يجب بذل فضله على الصحيح
ثم عابروا السبيل يبذل لهم ولمواشيهم
وفيمن أراد الاقامة في الموضع وجهان لأنه لا ضرورة ( به ) إلى الاقامة
قلت الأصح الوجوب كغيره
وإذا وجب البذل مكن الماشية من حضور البئر بشرط أن لا يكون على صاحب الماء ضرر في زرع ولا ماشية
فان لحقه ضرر بورودها منعت لكن يجوز للرعاة استقاء فضل الماء لها قاله الماوردي
والله أعلم وهل يجب البذل للرعاة كما يجب للماشية وجهان حكاهما ابن كج
أصحهما يجب لأن البذل لسقاة الناس رعاة كانوا أو غيرهم أولى من البذل للماشية على أن الإمام نقل في المنع من الشرب على الاطلاق وجهين إذا قلنا مملوك
وإذا أوجبنا البذل هل يجوز أن يأخذ عليه عوضا كاطعام المضطر وجهان الصحيح لا للحديث ( الصحيح ) ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء
قلت قال الماوردي لو كان هناك ماءان مملوكان لرجلين لزمهما البذل
فان اكتفت الماشية ببذل أحدهما سقط الفرض عن الآخر قال وإذا لم توجد شروط

وجوب البذل جاز لمالكه أخذ ثمنه إذا باعه مقدرا بكيل أو وزن ولا يجوز بيعه مقدرا بري الماشية ولا الزرع
والله أعلم وأما المحفورة بلا قصد ففيها وجهان
أصحهما لا اختصاص له بمائها والناس كلهم فيه سواء
والثاني يختص بقدر حاجته كما أن الاحياء يفيد الملك وإن لم يقصده

فصل حكم القنوات حكم الآبار في ملك مياهها وفي وجوب البذل وغيرهما
إلا أن حفرها لمجرد الارتفاق لا يكاد يقع ومتى اشترك المتملكون في الحفر اشتركوا في الملك بحسب اشتراكهم في العمل أو الارتفاق كما ذكرنا في النهر المملوك ثم لهم قسمة الماء بأن تنصب خشبة مستوية الأعلى والأسفل في عرض النهر ويفتح فيها ثقب متساوية أو متفاوتة على قدر حقوقهم ويجوز أن تكون الثقب متساوية مع تفاوت الحقوق إلا أن صاحب الثلث يأخذ ثقبة والآخر ثقبتين وسوق كل واحد نصيبه في ساقية إلى أرضه وله أن يدير رحى بما صار له ولا يشق أحد منهم ساقية قبل المقسم ولا ينصب عليه رحى وإن اقتسموا بالمهايأة جاز أيضا
وقد يكون الماء قليلا ينتفع به إلا كذلك ولكل واحد الرجوع كما ذكرنا في البئر هذا هو الصحيح المعروف
وقيل تلزم المهايأة ليثق كل واحد بالإنتفاع
وقيل لا تصح القسمة بالمهايأة لأن الماء يقل ويكثر وتختلف فائدة السقي بالأيام
قلت لو أراد أحدهم أن يأخذ نصيبه من الماء ويسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا النهر منع منه لأنه يجعل شربا لم يكن
والله أعلم

فرع الذين يسقون أضهم من الأودية المباحة لو تراضوا
بمهايأة وجعلوا للأولين أياما وللآخرين أياما فهذه مسامحة من الأولين بتقدم الآخرين وليست بلازمة والظاهر أن من رجع من الأولين مكن من سقي أرضه
فصل في بيع الماء أما المحرز في إناء أو حوض فبيعه صحيح
وقد سبق فيه الوجه وليكن عمق الحوض معلوما ولا يجوز بيع ماء البئر والقناة فيهما لأنه مجهول ويزيد شيئا فشيئا فيختلط فيتعذر التسليم
وإن باع منه آصعا فإن كان جاريا لم يصح إذ لا يمكن ربط العقد بمقدار
وإن كان راكدا وقلنا إنه غير مملوك لم يصح
وإن قلنا مملوك فقال القفال لا يصح أيضا لانه يزيد فيختلط المبيع
والأصح الجواز كبيع صاع من صبرة
وأما الزيادة فقليلة فلا تضر كما لو باع القت في الأرض بشرط القطع وكما لو باع صاعا من صبرة وصب عليها صبرة أخرى فإن البيع بحاله ويبقى البيع ما بقي صاع من الصبرة
ولو باع الماء مع قراره نظر إن كان جاريا فقال بعتك هذه القناة مع مائها أو إن لم يكن جاريا وقلنا إن الماء لا يملك لم يصح البيع في الماء وفي القرار قولا تفريق الصفقة وإلا فيصح
ولو باع بئر الماء وأطلق أو باع دارا فيها بئر ماء جاز
ثم إن قلنا يملك فالموجود حال البيع يبقى للبائع وما يحدث للمشتري
قال البغوي وعلى هذا لا يصح البيع حتى يشترط أن الماء الظاهر للمشتري لئلا يختلط الماءان
وإن قلنا لا يملك

فقد أطلقوا أن المشتري أحق بذلك الماء
وليحمل على ما نبع بعد البيع فأما ما نبعقبله فلا معنى لصرفه إلى المشتري
قلت هذا التأويل الذي قاله الإمام الرافعي فاسد فقد صرح الأصحاب بأن المشتري على هذا الوجه أحق بالماء الظاهر لثبوت يده على الدار وتكون يده كيد البائع في ثبوت الإختصاص به
والله أعلم ولو باع جزءا شائعا من البئر أو القناة جاز وما ينبع مشترك بينهما إما اختصاصا مجردا وإما ملكا

فرع سقى أرضه بماء مملوك لغيره فالغلة لصاحب البذر وعليه قيمة الماء

ولو استحل صاحب الماء كان الطعام أطيب
قلت ومما يتعلق بالكتاب ما ذكره صاحب العدة أنه لو أضرم نارا في حطب مباح بالصحراء لم يكن له منع من ينتفع بتلك النار فلو جمع الحطب ملكه فاذا أضرم فيه النار فله منع غيره منها
والله أعلم

كتاب الوقف
فيه بابان
** الباب الأول في أركانه وشروطه
وفيه طرفان
الطرف الأول في أركانه وهي أربعة
الركن الأول الواقف ويشترط كونه صحيح العبارة أهلا للتبرع
الركن الثاني الموقوف وهو كل عين معينة مملوكة ملكا يقبل النقل يحصل منها فائدة أو منفعة تستأجر لها
احترزنا بالعين حق المنفعة وعن الوقف الملتزم في الذمة وبالمعينة عن وقف أحد عبديه وبالمملوكة عما لا يملك وبقبول النقل عن أم الولد والملاهي
وأردنا بالفائدة الثمرة واللبن ونحوهما وبالمنفعة السكنى واللبس ونحوهما
وقولنا تستأجر لها احتراز من الطعام ونحوه
ونوضحه بمسائل
إحداها يجوز وقف العقار والمنقول كالعبيد والثياب والدواب والسلاح والمصاحف والكتب سواء المقسوم والمشاع كنصف دار ونصف عبد ولا يسري الوقف من نصف إلى نصف
فرع وقف نصف عبد ثم أعتق النصف الآخر لم يعتق الموقوف
الثانية يجوز وقف ما يراد لعين تستفاد منه كالأشجار للثمار والحيوان للبن والصوف والوبر والبيض وما يراد لمنفعة تستوفى منه كالدار والأرض

ولا يشترط حصول المنفعة والفائدة في الحال بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزمن الذي يرجى زوال زمانته كما يجوز نكاح الرضيعة
الثالثة لا يصح وقف الحر نفسه لأن رقبته غير مملوكة وكذلك مالك منافع الأموال دون رقابها لا يصح وقفه إياها سواء ملك مؤقتا كالمستأجر أم مؤبدا كالموصى له بالمنفعة
الرابعة لا يصح وقف أم الولد على الأصح
فإن صححنا فمات السيد عتقت
قال المتولي لا يبطل الوقف بل تبقى منافعها للموقوف عليه كما لو أجرها ومات
وقال الإمام تبطل لأن الحرية تنافي الوقف بخلاف الاجارة وهذا مقتضى كلام ابن كج ويجري الوجهان في صحة وقف المكاتب ويصح وقف المعلق عتقه بصفة
فإذا وجدت الصفة فإن قلنا الملك في الوقف للواقف أو لله تعالى عتق وبطل الوقف
وإن قلنا للموقوف عليه لم يعتق ويبقى الوقف بحاله
ويجوز وقف المدبر ثم هو رجوع إن قلنا التدبير وصية فإن قلنا تعليق بصفة فهو كالمعلق عتقه
الخامسة لا يصح وقف الكلب المعلم على الأصح
وقيل لا يصح قطعا لانه غير مملوك
السادسة في وقف الدراهم والدنانير وجهان كاجارتهما إن جوزناها صح الوقف لتكرى ويصح وقف الحلي لغرض اللبس
وحكى الإمام أنهم ألحقوا الدراهم ليصاغ منها الحلي بوقف العبد الصغير وتردد هو فيه
السابعة لا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالمطعوم والرياحين المشمومة لسرعة فسادها
الثامنة وقف ثوبا أو عبدا في الذمة لم يصح كما لو أعتق عبدا في الذمة
ولو وقف أحد عبديه لم يصح على الصحيح كالبيع
وقيل يصح كالعتق
التاسعة يجوز وقف علو الدار دون سفلها

العاشرة يصح وقف الفحل للضراب بخلاف إجارته لان الوقف قربة يحتمل فيها ما لا يحتمل في المعاوضات
الحادية عشرة لا يصح وقف الملاهي

فرع أجر أرضه ثم وقفها صح على المذهب وبه قطع الشيخ أبو
مملوك بشرائطه وليس فيه إلا العجز عن صرف منفعته إلى جهة الوقف في الحال وذلك لا يمنع الصحة كما لو وقف ماله في يد الغاصب
وفي فتاوى القفال أنه على الخلاف في الوقف المنقطع الأول
وقيل إن وقفه على المسجد صح لمشابهته الاعتاق وإن وقف على إنسان فخلاف
فرع استأجر أرضا ليبني فيها أو يغرس ففعل ثم وقف البناء والغراس
صح على الأصح
ولو وقف هذا أرضه وهذا بناءه صح بلا خلاف كما لو باعاه
وإذا قلنا بالصحة ومضت المدة وقلع مالك الارض البناء فان بقي منتفعا به بعد القلع فهو وقف كما كان
وإن لم يبق فهل يصير ملكا للموقوف عليه أم يرجع إلى الواقف فيه وجهان وأرش النقص الذي يؤخذ من القالع يسلك به مسلك الوقف
قلت الأصح صحة وقف ما لم يره ولا خيار له عند الرؤية
والله أعلم

الركن الثالث الموقوف عليه وهو قسمان
القسم الأول أن يكون شخصا معينا أو جماعة معينين فشرطه أن يمكن تمليكه فيجوز الوقف على ذمي من مسلم وذمي كما تجوز الوصية له ولا يصح الوقف على الحربي والمرتد على الأصح لأنهما لا دوام لهما

فرع لا يصح الوقف على من لا يملك كالجنين ولا يصح على
قال جماعة هذا تفريع على قولنا لا يملك
فان ملكناه صح الوقف عليه
وإذا عتق كان له دون سيده وعلى هذا قال المتولي لو وقف على عبد فلان وملكناه صح وكان الاستحقاق متعلقا بكونه عبد فلان حتى لو باعه أو وهبه زال الاستحقاق
ولك أن تقول الخلاف في أنه هل يملك مخصوص بما إذا ملكه السيد فأما إذا ملكه غيره فلا يملك بلا خلاف وحينئذ إذا كان الواقف غير السيد كان الوقف على من لا يملك
أما إذا أطلق الوقف عليه فهو وقف على سيده
كما لو وهب له أو أوصى له وإذا شرطنا القبول جاء خلاف في استقلاله به كالخلاف في أنه هل يستقل بقبول الهبة والوصية وقد سبق في باب معاملات العبيد
فرع لو وقف على مكاتب قال الشيخ أبو حامد لا يصح كالوقف

وقال المتولي يصح في الحال وتصرف الفوائد إليه ونديم حكمه إذا عتق إن

أطلق الوقف
وإن قال تصرف الفوائد إليه ما دام مكاتبا بطل استحقاقه
وإن عجز بأن لنا أن الوقف منقطع الابتداء

فرع وقف على بهيمة وأطلق هل هو كالوقف على العبد حتى يكون
على مالكها وجهان
أصحهما لا لأنها ليست أهلا بحال
ولهذا لا تجوز الهبة لها والوصية
والثاني نعم
واختار القاضي أبو الطيب أنه يصح وينفق عليها منه ما بقيت وعلى هذا فالقبول لا يكون إلا من المالك
وحكى المتولي في قوله وقفت على علف بهيمة فلان أو بهائم القرية وجهين كصورة الاطلاق قال والخلاف فيما إذا كانت البهيمة مملوكة
فلو وقف على الوحوش أو علف الطيور المباحة فلا يصح بلا خلاف
فرع في وقف الانسان على نفسه وجهان

أصحهما بطلانه وهو المنصوص
والثاني يصح قاله الزبيري
وحكى ابن سريج أيضا وحكى عنه ابن كج أنه يصح الوقف ويلغو شرطه وهذا بناء على أنه إذا اقتصر على قوله وقفت صح وينبغي أن يطرد في الوقف على من لا يجوز مطلقا
ولو وقف على الفقراء وشرط أن تقضى من غلة الوقف زكاته ديونه فهذا وقف على نفسه وغيره ففيه الخلاف
وكذلك لو شرط أن يأكل من ثماره أوينتفع به ولو استبقى الواقف لنفسه التولية وشرط أجرة وقلنا لا يجوز أن يقف على نفسه ففي صحة هذا الشرط وجهان كالوجهين في الهاشمي هل يجوز أن يأخذ سهم العاملين إذا عمل على الزكاة

قلت الأرجح هنا جوازه
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ويتقيد ذلك بأجرة المثل ولا يجوز الزيادة إلا من أجاز الوقف على نفسه
والله أعلم ولو وقف على الفقراء ثم صار فقيرا ففي جواز أخذه وجهان إذا قلنا لا يقف على نفسه لأنه لم يقصد نفسه وقد وجدت الصفة ويشبه أن يكون الأصح الجواز ورجح الغزالي المنع لأن مطلقة ينصرف إلى غيره
وأعلم أن للواقف أن ينتفع بأوقافه العامة كآحاد الناس كالصلاة في بقعة جعلها مسجدا والشرب من بئر وقفها ونحو ذلك
قلت ومن هذا النوع لو وقف كتابا على المسلمين للقراءة فيه ونحوها أو قدرا للطبخ فيها أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك فله الانتفاع معهم
والله أعلم فرع لو قال لرجلين وقفت على أحدكما لم يصح وفيه احتمال عن الشيخ أبي محمد
القسم الثاني الوقف على غير معين كالفقراء والمساكين وهذا يسمى وقفا على الجهة لأن الواقف يقصد جهة الفقر والمسكنة لا شخصا بعينه فينظر في الجهة إن كانت على المعصية كعمارة الكنيسة وقناديلها وحصرها وكتب التوراة والانجيل لم يصح سواء وقفه مسلم أو ذمي فنبطله إذا ترافعوا إلينا
أما ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة فنقره حيث نقر الكنائس
ولو وقف لسلاح قطاع الطريق أو لآلات سائر المعاصي فباطل قطعا
وإن لم تكن جهة معصية نظر فإن ظهر فيه قصد القربة كالوقف على المساكين وفي سبيل الله تعالى والعلماء والمتعلمين

والمساجد والمدارس والربط والقناطر صح الوقف
وإن لم يظهر القربة كالوقف على الأغنياء فوجهان بناء على أن المرعي بالوقف على الموصوفين جهة القربة أم التمليك فحكى الإمام عن المعظم أنه القربة ولهذا لا يجب استيعاب المساكين بل يجوز الاقتصار على ثلاثة منهم
وعن القفال أنه قال التمليك كالوصية وكالوقف على المعين وهذا الوجه اختيار الإمام وشيخه وطرق العراقيين توافقه حتى ذكروا أن الوقف على المساجد والربط تمليك المسلمين منفعة الوقف
فإن قلنا بالأول لم يصح الوقف على الأغنياء واليهود والنصارى والفساق والأصح الجميع
ويجوز أن يخرج على هذا الاصل الخلاف في صحة الوقف على قبيلة كالعلوية وغيرهم ممن لا ينحصر فيهم
في صحته قولان كالوصيته هلهم فإن راعينا القربة صح وإلا فلا لتعذر الاستيعاب والاشبه بكلام الاكثرين ترجيح كونه تمليكا وتصحيح الوقف على هؤلاء
ولهذا صحح صاحب الشامل الوقف على النازلين في الكنائس من مارة أهل الذمة وقال هو وقف عليهم لا على الكنيسة لكن الاحسن توسط لبعض المتأخرين وهو تصحيح الوقف على الاغنياء وإبطاله على اليهود والنصارى وقطاع الطريق وسائر الفساق لتضمنه الاعانة على المعصية

فصل في مسائل تتعلق بهذا الركن إحداها يجوز الوقف على سبيل الله
وهم المستحقون سهم الزكاة
الثانية إذا وقف على سبيل البر أو الخير أو الثواب صح ويصرف إلى أقارب الواقف
فان لم يوجدوا فإلى أهل الزكاة
وقال في التهذيب الموقوف

على سبيل البر أو الخير أو الثواب يجوز صرفه إلى ما فيه صلاح المسلمين من أهل الزكاة وإصلاح القناطر وسد الثغور ودفن الموتى وغيرها وقال بعض أصحاب الإمام إن وقف على جهة الخير صرف ( في ) مصارف الزكاة ولا يبنى به مسجد ولا رباط
وإن وقف على جهة الثواب صرف إلى أقاربه
والذي قطع به الأكثرون ما قدمناه
قالوا ولو جمع بين سبيل الله تعالى وسبيل الثواب وسبيل الخير صرف الثلث إلى الغزاة والثث إلى أقاربه والثلث إلى الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل وفي الرقاب وهذا يخالف ما سبق
الثالثة يصح الوقف على أكفان الموتى ومؤنة الغسالين والحفارين وعلى شراء الأواني والظروف لمن تكسرت عليه
الرابعة يصح الوقف على المتفقهة وهم المشتغلون بتحصيل الفقه مبتدئهم وهنتهيهم وعلى الفقهاء ويدخل فيه من حصل منه شيئا وإن قل
الخامسة الوقف على الصوفية حكي عن الشيخ أبي محمد أنه باطل إذ ليس للتصوف حد يعرف والصحيح المعروف صحته وهم المشتغلون بالعبادة في أغلب الأوقات المعرضون عن الدنيا
وفصله الغزالي في الفتاوى فقال لا بد في الصوفي من العدالة وترك الحرفة ولا بأس بالوراقة والخياطة وشبههما إذا تعاطاها أحيانا في الرباط لا في الحانوت ولا تقدح قدرته على الكسب ولا اشتغاله بالوعظ والتدريس ولا أن يكون له من المال قدر لا تجب فيه الزكاة أو لا يفي دخله بخرجه وتقدح الثروة الظاهرة والعروض الكثيرة ولا بد أن يكون في زي القوم إلا أن يكون مساكنا فتقوم المخالطة والمساكنة مقام الزي قال ولا يشترط لبس المرفعة من شيخ وكذلك ذكر المتولي

السادسة وقف على الأرقاء الموقوفين لسدانة الكعبة وخدمة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صح على الأصح
السابعة لو وقف على دار أو حانوت قال الحناطي لا يصح إلا أن يقول وقفت على هذه الدار على أن يأكل فوائده طارقوها فيصح على الأصح
الثامنة وقف على المقبرة لتصرف الغلة في عمارة القبور قال المتولي لا يصح لأن الموتى صائرون إلى البلى فلا تليق بهم العمارة
التاسعة وقف ضيعة على المؤن التي تقع في قرية كذا من جهة السلطان ففي فتاوى القفال أنه صحيح وصيغته أن يقول تصدقت بهذه الضيعة صدقة محرمة على أن تستغل فما فضل عن عمارتها صرف إلى هذه المؤن
العاشرة في فتاوى القفال أنه لو قال وقفت هذه البقرة على الرباط الفلاني ليشرب من لبنها من نزله أو ينفق من نسلها عليه صح فان اقتصر على قوله وقفتها عليه لم يصح وإن كنا نعلم أنه يريده لان الاعتبار باللفظ
وقد بقيت مسائل من هذا الفصل تأتي منثورة في آخر الباب إن شاء الله تعالى
الركن الرابع الصيغة فلا يصح الوقف إلا بلفظ لانه تمليك للعين والمنفعة أو المنفعة فاشبه سائر التمليكات لأن العتق مع قوته وسرايته لا يصح إلا بلفظ فهذا أولى
فلو بنى على هيئة المساجد أو على غير هيئتها وأذن في الصلاة فيه لم يصر مسجدا وكذا لو أذن في الدفن في ملكه لم يصر مقبرة سواء صلي في ذاك ودفن في ذا أم لا
وألفاظ الوقف على مراتب
إحداها قوله وقفت كذا أو حبست أو سبلت أو أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة فكل لفظ من هذا صريح هذا هو الصحيح الذي قطع

به الجمهور
وفي وجه كل هذا كناية وفي وجه الوقف صريح والباقي كناية وفي وجه التسبيل كناية والباقي صريح
الثانية قوله حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها أو داري محرمة أو مؤبدة كناية على المذهب لأنها لا تستعمل إلا مؤكدة للأولى
الثالثة تصدقت بهذه البقعة ليس بصريح فان زاد معه شيئا فالزيادة لفظ أو نية فأما اللفظ ففيه أوجه
أصحها إن قرن به بعض الألفاظ السابقة بأن قال صدقة محرمة أو محبسة أو موقوفة أو قرن به حكم الوقف فقال صدقة لا تباع ولا توهب التحق بالصريح لانصرافه بهذا عن التمليك المحض
والثاني لا يكفي قوله صدقة محرمة أو مؤبدة بل لا بد من التقييد بأنها لا تباع ولا توهب ويشبه أن لا يعتبر هذا القائل في قوله صدقة موقوفة مثل هذا التقييد
والثالث لا يكون صريحا بلفظ ما لأنه صريح في التمليك المحض
وأما النية فإن أضاف إلى جهة عامة بأن قال تصدقت به على المساكين ونوى الوقف فوجهان أحدهما أن النية لا تلتحق باللفظ في الصرف عن صريح الصدقة إلى غيره
وأصحهما تلتحق فيصير وقفا
وإن أضاف إلى معين فقال تصدقت عليك أو قاله لجماعة معينين لم يكن وقفا على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح فيه وهو التمليك المحض كذا قاله الإمام
ولك أن تقول تجريد لفظ الصدقة عن القرائن اللفظية يمكن تصويره في الجهات العامة ولا يمكن في معينين إذا لم نجوز الوقف المنقطع فإنه يحتاج إلى بيان المصارف بعد المعينين وحينئذ فالمأتي به لا يحتمله غير الوقف كما أن قوله تصدقت به صدقة محرمة أو موقوفة لا يحتمل غير الوقف

فرع لو قال جعلت هذا المكان مسجدا صار مسجدا على الأصح لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه

وقطع الاستاذ أبو طاهر والمتولي والبغوي بأنه لا يصير مسجدا لأنه لم يوجد شىء من ألفاظ الوقف
قال الاستاذ فإن قال جعلته مسجدا لله تعالى صار مسجدا
وحكى الإمام خلافا للأصحاب في استعمال لفظ الوقف فيما يضاهي التجريد كقوله وقفت هذه البقعة على صلاة المصلين وهو يريد جعلها مسجدا والأصح صحته
فصل إذا كان الوقف على جهة كالفقراء وعلى المسجد والرباط لم يشترط
القبول
ولو قال جعلت هذا للمسجد فهو تمليك لا وقف فيشترط قبول القي وقبضه كما لو وهب شيئا لصبي
وإن كان الوقف على شخص أو جماعة معينين فوجهان
أصحهما عند الإمام وآخرين اشتراط القبول
فعلى هذا فليكن متصلا بالايجاب كما في البيع والهبة
والثاني لا يشترط كالعتق وبه قطع البغوي والروياني
قال الروياني لا يحتاج لزوم الوقف إلى القبول لكن لا يملك عليه إلا بالاختيار ويكفي الأخذ دليلا على الاختيار
وخص المتولي الوجهين بقولنا ينتقل الملك في الموقوف إلى الموقوف عليه وإلا فلا يشترط قطعا
قلت صحح الرافعي في المحرر الاشتراط
والله أعلم وسواء شرطنا القبول أم لا لو رده بطل حقه كالوصية والوكالة وشذ

البغوي فقال لا يبطل بالرد كالعتق
فعلى الصحيح لو رد ثم رجع قال الروياني إن رجع قبل حكم الحاكم برده إلى غيره كان له
وإن حكم به لغيره بطل حقه
هذا في البطن الأول أما البطن الثاني والثالث فنقل الإمام والغزالي أنه لا يشترط قبوله قطعا لأن استحقاقهم لا يتصل بالايجاب ونقلا في ارتداده بردهم وجهين لأن الوقف قد ثبت ولزم فيبعد انقطاعه وأجرى المتولي الخلاف في اشتراط قبولهم وارتداده بردهم بناء على أنهم يتلقون الحق من الواقف أم من البطن الأول إن قلنا بالأول فقبولهم وردهم كقبول الأولين وردهم وإلا فلا يعتبر قبولهم وردهم كالميراث وهذا أحسن ولا يبعد أن لا يتصل الاستحقاق بالايجاب مع اشتراط القبول كما في الوصية
الطرف الثاني في شروط الوقف وهي أربعة
الأول التأبيد بأن يقف على من لا ينقرض كالفقراء والمساكين أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض كقوله وقفت على ولدي ثم على الفقراء أو على زيد ثم عقبه
ثم الفقراء والمساجد والربط والقناطر كالفقراء والمساكين فان عين مساجد أو قناطر فوجهان
وفي معنى الفقراء العلماء على الصحيح وفي فتاوى القفال خلافه لأنهم قد ينقطعون

فصل لو قال وقفت هذا سنة فالصحيح الذي قطع به الجمهور أن
باطل
وقيل يصح وينتهي بانتهاء المدة
وقيل الوقف الذي لا يشترط فيه القبول لا يفسد بالتوقيت كالعتق وبه قال الإمام ومن تابعه
وفي مطلق الوقف قول آخر سنحكيه في الهبة إن شاء الله تعالى

فصل إذا وقف وقفا منقطع الآخر
بأن قال وقفت على أولادي أو قال وقفت على زيد ثم على عقبه ولم يزد ففي صحته ثلاثة أقوال
أظهرها عند الأكثرين الصحة
منهم القضاة أبو حامد والطبري والروياني وهو نصه في المختصر
والثاني البطلان وصححه المسعودي والإمام
والثالث إن كان الموقوف عقارا فباطل
وإن كان حيوانا صح لأن مصيره إلى الهلاك وربما هلك قبل الفوقوف عليه
فإن صححنا فإذا انقرض المذكور فقولان
أحدهما يرتفع الوقف ويعود ملكا للواقف أو إلى ورثته إن كان مات
وأظهرهما يبقى وقفا وفي مصرفه أوجه
أصحها وهو نصه في المختصر يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور
والثاني إلى المساكين
والثالث إلى المصالح العامة مصارف خمس الخمس
والرابع إلى مستحقي الزكاة
فإن قلنا إلى أقرب الناس إلى الواقف فيعتبر قرب الرحم أم استحقاق الأرث وجهان
أصحهما الأول فيقدم ابن البنت على ابن العم لأن المعتبر صلة الرحم
وإذا اجتمع جماعة فالقول في الأقرب كما سيأتي في الوصية للأقرب
وهل يختص بفقراء الأقارب أم يشاركهم اغنياؤهم
قولان
أظهرهما الاختصاص
وهل هو على سبيل الوجوب أم الإستحباب وجهان
وإن قلنا يصرف إلى المساكين ففي تقديم جيران الواقف وجهان
أصحهما المنع لأنا لو قدمنا بالجوار لقدمنا بالقرابة بطريق الأولى

فرع قال وقفت هذا على زيد شهرا على أن يعود إلى
فباطل على المشهور
وفي قول يصح فعلى هذا هل يعود ملكا بعد الشهر أم يكون كالمنقطع حتى يصرف بعد الشهر إلى أقرب الناس إلى الواقف قولان حكاهما البغوي
الشرط الثاني التنجيز
فلو قال وقفت على من سيولد لي أو على مسجد سيبنى ثم على الفقراء أو قال على ولدي ثم على الفقراء ولا ولد له فهذا وقف منقطع الأول وفيه طريقان
أحدهما القطع بالبطلان
والثاني على القولين في منقطع الآخر
والمذهب هنا البطلان وهو نصه في المختصر فان صححنا نظر إن لم يمكن انتظار من ذكره كقوله وقفت على ولدي ولا ولد له أو على مجهول أو ميت ثم على الفقراء فهو في الحال مصروف إلى الفقراء وذكر الأول لغو
وإن أمكن إما بانقراضه كالوقف على عبد ثم على الفقراء وإما بحصوله كولد سيولد ( له ) فوجهان
أحدهما تصرف الغلة إلى الواقف حتى ينقرض الأول
وعلى هذا ففي ثبوت الوقف في الحال وجهان
والثاني وهو الأصح تنقطع الغلة عن الواقف
وعلى هذا أوجه
أصحها تصرف في الحال إلى أقرب الناس إلى الواقف فاذا انقرض المذكور أولا صرف إلى المذكور بعده وعلى هذا فالقول في اشتراط الفقر وسائر التفاريع على ما سبق
والثاني يصرف إلى المذكورين بعده في الحال
والثالث أنه للمصالح العامة
فرع وقف على وارثه في مرض الموت ثم على الفقراء وقلنا الوقف
الوارث

باطل أو صحيح فرده باقي الورثة فهو منقطع الأول
وكذا لو وقف على معين يصح الوقف عليه ثم على الفقراء فرده المعين وقلنا بالصحيح إنه يرتد بالرد فمنقطع الأول

فرع إذا علق الوقف فقال إذا جاء رأس الشهر أو قدم فلان
لم يصح على المذهب
وقيل على الخلاف في منقطع الأول وأولى بالفساد
فرع وراء منقطع الأول فقط أو الآخر فقط صور

إحداها أن يكون متصل الأول والآخر والوسط فصحيح
الثانية أن يكون منقطعها جميعا فباطل قطعا
الثالثة متصل الطرفين منقطع الوسط بأن وقف على أولاده ثم رجل مجهول ثم الفقراء فان صححنا منقطع الآخر فهذا أولى وإلا فوجهان
اصحهما الصحة ويصرف عند توسط الانقطاع إلى أقرب الناس إلى الواقف أو إلى المساكين أو المصالح أو الجهة العامة المذكورة آخرا فيه الخلاف السابق
الرابعة أن ينقطع الطرفان دون الوسط وقف بأن على رجل مجهول ثم على أولاده فقط فان أبطلنا منقطع الأول فهذا أولى وإلا فالأصح بطلانه أيضا
فان صححنا ففيمن يصرف إليه الخلاف السابق
الشرط الثالث الالزام
فلو وقف بشرط الخيار أو قال وقفت بشرط

أني أبيعه أو أرجع فيه متى شئت فباطل واحتجوا له بأنه إزالة ملك إلى الله سبحانه وتعالى كالعتق أو إلى الموقوف عليه كالبيع والهبة وعلى التقديرين فهذا شرط مفسد
لكن في فتاوى القفال أن العتق لا يفسد بهذا الشرط وفرق بينهما بأن العتق مبني على الغلبة والسراية
وعن ابن سريج أنه يحتمل أن يبطل الشرط ويصح الوقف
ولو وقف على ولده أو غيره بشرط أن يرجع إليه إذا مات فهو باطل على المذهب
وعن البويطي أنه على قولين أخذا من مسألة العمرى
ولو وقف وشرط لنفسه أن يحرم من شاء أو يقدم أو يؤخر فالشرط فاسد على الأصح
هذا إذا أنشأ الوقف بهذا الشرط فلو أطلقه ثم أراد أن يغير ما ذكره بحرمان أو زيادة أو تقديم أو تأخير فليس له قطعا
فان صححنا شرطه لنفسه فشرطه لغيره ففاسد على الأصح
وإن أفسدناه ففي فساد الوقف خلاف مبني على أن الوقف كالعتق أم لا هذا مجموع ما حضرني من كتب الأصحاب
والذي قطع به جمهورهم بطلان الشرط والوقف في هذه الصور كلها وشذ الغزالي فجعل هذه الصور ثلاث مرابب
الأولى وقفت بشرط أن أرجع متى شئت أو أحرم المستحق وأحول الحق إلى غيره متى شئت ففاسد
الثانية بشرط أن أغير قدر المستحق للمصلحة فهو جائز
الثالثة يقول أغير تفصيله فوجهان وهذا الترتيب لا يكاد يوجد لغيره ثم فيه لبس فان التحويل المذكور في الاولى هو التغير المذكور في الثانية والمذهب ما ذكره الجمهور

فصل لو شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف فأوجه

أصحها يتبع شرطه كسائر

الشروط
والثاني لا لتضمنه الحجر على مستحقي المنفعة
والثالث إن منع الزيادة على سنة اتبع لأنه من مصالحه وإن منع مطلقا فلا
فان أفسدنا الشرط فالقياس فساد الوقف به
وقال الشيخ أبو عاصم إذا شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة لم يخالف
وقيل إن كان الصلاح في الزيادة زيد وهذا تصحيح للوقف مع فساد الشرط
قلت ليس هذا فسادا للشرط مطلقا بخلاف مسألتنا
والله أعلم فصل إذا جعل داره مسجدا أو أرضه مقبرة أو بنى مدرسة أو رباطا فلكل أحد أن يصلي ويعتكف في المسجد ويدفن في المقبرة ويسكن المدرسة بشرط الاهلية وينزل الرباط وسواء فيه الواقف وغيره
ولو شرط في الوقف اختصاص المسجد بأصحاب الحديث أو الرأي أو طائفة معلومين فوجهان
أحدهما لا يتبع شرطه
فعلى هذا قال المتولي يفسد الوقف لفساد الشرط
والثاني يتبع ويختص بهم رعاية للشرط وقطعا للنزاع في إقامة الشعائر ويشبه أن تكون الفتوى بهذا وإن كان الغزالي اقتصر على الاول في الوجيز
قلت الاصح اتباع شرطه وصححه الرافعي في المحرر
والمراد بأصحاب الحديث الفقهاء الشافعية وبأصحاب الرأي الفقهاء الحنفية هذا عرف أهل خراسان
والله أعلم ثم الوجهان فيما اذا قال على أصحاب الحديث فاذا انقرضوا فعلى عامة المسلمين أما إذا لم يتعرض للانقراض ففيه خلاف

قلت يعني اختلفوا في صحة الوقف لاحتمال انقراض هذه الطائفة والاصح أو الصحيح الصحة
والله أعلم ولو شرط في المدرسة والرباط الاختصاص اختص قطعا
ولو شرط في المقبرة الاختصاص بالغرباء أو بجماعة معينين فالوجه أن يرتب على المسجد
فان قلنا يختص فالمقبرة أولى وإلا فوجهان لترددها بين المسجد والمدرسة وإلحاقها بالمدرسة أصح فان المقابر للأموات كالمساكن للأحياء وهذا كله إذا شرط في حال الوقف
أما إذا وقف مطلقا ثم خصص المدرسة أو المسجد أو غيرهما فلا اعتبار به قطعا
الشرط الرابع بيان المصرف فلو قال وقفت هذا واقتصر عليه فقولان
وقيل وجهان
أظهرهما عند الأكثرين بطلان الوقف كقوله بعت داري بعشرة أو وهبتها ولم يقل لمن ولأنه لو قال وقفت على جماعة لم يصح لجهالة المصرف
فاذا لم يذكر المصرف فأولى أن لا يصح
الثاني يصح وإليه ميل الشيخ أبي حامد واختاره صاحب المهذب والروياني كما لو نذر هديا أو صدقة ولم يبين المصرف وكما لو قال أوصيت بثلثي فانه يصح ويصرف إلى المساكين
وهذا إن كان متفقا عليه فالفرق مشكل
قلت الفرق أن غالب الوصايا للمساكين فحمل المطلق عليه بخلاف الوقف ولأن الوصية مبنية على المساهلة فتصبح بالمجهول والنجس وغير ذلك بخلاف الوقف
والله أعلم فإن صححنا ففي مصرفه الخلاف في منقطع الآخر إذا صححناه
وعن ابن

سريج يصرفه الناظر فيما يراه من البر كعمارة المساجد والقناطر وسد الثغور وتجهيز الموتى وغيرها

فصل في مسائل تتعلق بالباب الاولى وقف على رجلين ثم على المساكين
فمات أحدهما ففي نصيبه وجهان
أصحهما وهو نصه في حرملة يصرف إلى صاحبه
والثاني إلى المساكين والقياس أن لا يصرف إلى صاحبه ولا إلى المساكين بل صار الوقف في نصيب الميت منقطع الوسط
قلت معناه يكون صرفه مصرف منقطع الوسط لأنه يجيء خلاف في صحة الوقف
والله أعلم الثانية وقف على شخصين ولم يذكر من يصرف إليه بعدهما وصححنا الوقف فمات أحدهما فنصيبه للآخر أم حكمه حكم نصيبها إذا ماتا فيه وجهان
الثالثة وقف على بطون فرد البطن الثاني وقلنا يرتد بردهم فهذا وقف منقطع الوسط وسبق بيانه وفيه قول أو وجه أنه يصرف إلى البطن الثالث
الرابعة يصح الوقف على أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جوزنا الوقف على قوم غير محصورين ولا يكون كصرف الزكاة إليهم
الخامسة قال وقفت داري على المساكين بعد موتي قال الشيخ أبو محمد أفتى الاستاذ أبو إسحاق بصحة الوقف بعد الموت ووافقه أئمة عصره وهذا كأنه وصية
يدل عليه أن في فتاوى القفال أنه لو عرض الدار على البيع صار راجعا فيه

السادسة قال جعلت داري هذه خانقاه للغزاة لم تصر وقفا بذلك
ولو قال تصدقت بها صدقة محرمة ليصرف من غلتها كل شهر إلى فلان كذا ولم يزد عليه ففي صحة هذا الوقف وجهان
فان صح ففي الفاضل عن المقدار أوجه
أحدها الصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف
والثاني إلى المساكين والثالث يكون ملكا للواقف
السابعة قال جعلت داري هذه للمسجد أو سلم دارا إلى قيم المسجد وقال خذها للمسجد أو قال إذا مت فأعطوا من مالي ألف درهم للمسجد أو فداري للمسجد لا يكون شيئا لأنه لم توجد صيغة وقف ولا تمليك ولك أن تقول إن لم يكن صريحا في التمليك فلا شك أنه كناية
الثامنة قال وقفت داري على زيد وعلى الفقراء بني على ما إذا أوصى لزيد وللفقراء فان جعلناه كأحدهم صح الوقف ولا يحرم زيد
وإن قلنا له النصف صح الوقف في نصيب الفقراء
وأما النصف الثاني فمنقطع الآخر فان لم يصح جاء تفريق الصفقة
وهذه المسألة مع المسألتين قبلها منقولة في فتاوى القفال
التاسعة في فتاوى القفال أنه لو قال وقفتها على المسجد الفلاني لم يصح حتى يبين جهته فيقول وقفت على عمارته أو وقفت عليه ليستغل فيصرف إلى عمارته أو إلى دهن السراج ونحوهما ومقتضى إطلاق الجمهور صحته
قلت وقد صرح البغوي وغيره بصحته
والله أعلم العاشرة في فتاوى القفال أنه لو وقف على رباط أو مسجد معين ولم يذكر المصرف إن خرب فهو منقطع الآخر
وفصل صاحب التتمة فقال إن كان في موضع يستبعد في العادة خرابه بأن كان في وسط البلدة فهو صحيح وإن كان في قرية أو حارة فهو منقطع الآخر
قلت ومما يتعلق بهذا الباب

الباب الثاني في أحكام الوقف
الصحيح إذا صح الوقف ترتب عليه أحكام
منها ما ينشأ من اللفظ المستعمل في الوقف ويختلف باختلاف الألفاظ
ومنها ما يقتضيه المعنى فلا يختلف باختلاف اللفظ ويجمع الباب طرفان
الطرف الأول في الأحكام اللفظية والأصل فيه أن شروط الواقف مرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف وفيه مسائل
المسألة الأولى قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي فلا ترتيب بل يسوى بين الجميع
ولو زاد فقال ما تناسلوا أو بطنا بعد بطن فكذلك ويحمل على التعميم على الصحيح
وقال الزيادي قوله بطنا بعد بطن يقتضي الترتيب
ولو قال على أولادي ثم على أولاد أولادي ثم على أولاد أولاد أولادي ما تناسلوا أو بطنا بعد بطن فهو للترتيب ولا يصرف إلى البطن الثاني شىء ما بقي من الأول واحد ولا إلى الثالث ما بقي من الثاني أحد كذا أطلقه الجمهور
والقياس فيما إذا مات واحد من البطن الأول أن يجيء في نصيبه الخلاف السابق فيما لو وقف على شخصين أو جماعة ثم على المساكين فمات واحد فالى من يصرف نصيبه ولم أر تعرضا إليه إلا لأبي الفرج السرخسي فانه سوى بين الصورتين وحكى فيهما وجهين
أحدهما أن نصيب الميت لصاحبه
والثاني أنه لأقرب الناس إلى الواقف وكذا ذكر صاحب الايضاح ان يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف

قلت الصحيح ما أطلقه الجمهور لأن من بقي بعد موت بعض الأولاد يسمون أولادا بخلاف ما إذا مات أحد الشخصين
ثم إن مراعاة الترتيب لا تنتهي عند البطن الثالث والرابع بل يعتبر الترتيب في جميع البطون فلا يصرف إلى بطن وهناك أحد من بطن أقرب صرح به البغوي وغيره
والله أعلم ولو قال على أولادي وأولاد أولادى الأعلى فالأعلى أو الاقرب فالأقرب أو الأول فالأول أو يبدأ بالأعلى منهم أو على أن لا حقص لبطن وهناك أحد فوقهم فمقتضاه الترتيب أيضا
ولو قال فمن مات من أولادي فنصيبه لولده اتبع شرطه

فرع قال على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولاد أولاد أولادي فمقتضاه
الترتيب بين البطن الأول ومن دونهم والجمع بين من دونهم
ولو قال على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولاد أولاد أولادي فمقتضاه الجمع أولا والترتيب ثانيا
فرع قال على أولادي وأولاد أولادي ومن مات منهم فنصيبه لأولاده فمات واحد
أبيهم
المسألة الثانية إذا وقف على الأولاد ففي دخول أولاد الأولاد ثلاثة أوجه أصحها لا يدخلون
والثاني يدخلون
والثالث يدخل أولاد البنين دون

أولاد البنات وهذا الخلاف عند الاطلاق وقد يقرن باللفظ ما يقتضي الجزم بخروجهم كقوله وقفت على أولادي فاذا انقرضوا فلأحفادي الثلث والباقي للفقراء
ولو وقف على الأولاد ولم يكن له إلا أولاد الأولاد حمل اللفظ عليهم قاله المتولي وغيره
ولو وقف على أولاده وأولاد أولاده ففي دخول أولاد أولاد أولاده الخلاف
الثالثة الوقف على الأولاد يدخل فيه البنون والبنات والخنثى المشكل
الرابعة الوقف على البنين لا يدخل فيه الخنثى وفي دخول بني البنين والبنات الأوجه الثلاثة
الخامسة الوقف على البنات لا يدخل فيه الخنثى وفي بنات الأولاد الأوجه
السادسة وقف على البنين والبنات دخل الخنثى على الأصح
وقيل لا لأنه لا يعد من هؤلاء ولا من هؤلاء
السابعة وقف على بني تميم وصححنا مثل هذا الوقف ففي دخول نسائهم وجهان
أحدهما المنع كالوقف على بني زيد
وأصحهما الدخول لأنه يعبر به عن القبيلة
الثامنة وقف على أولاده وأولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين والبنات
فان قال على من ينتسب إلي من أولاد أولادي لم يدخل أولاد البنات على الصحيح

فرع المستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملا عند الوقف هل
حتى يوقف له شىء فيه وجهان حكاهما المتولي
أحدهما نعم كالميراث ويستحق

الغلة في مدة الحمل
والصحيح لا لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدا
وأما غلة ما بعد الانفصال فيستحقها قطعا
وكذا الأولاد الحادث علوقهم بعد الوقف يستحقون إذا انفصلوا
هذا هو الصحيح المقطوع به في الكتب
وفي أمالي السرخسي خلافة
قلت ومما يتفرع على الصحيح أنه لا يستحق غلة مدة الحمل أنه لو كان الموقوف نخلة فخرجت ثمرتها قبل خروج الحمل لا يكون له من تلك الثمرة شىء كذا قطع به الفوراني والبغوي وأطلقاه
وقال الدرامي في الاستذكار في الثمرة التي أطلعت ولم تؤبر قولان هل لها حكم المؤبرة فتكون للبطن الأول أو لا فتكون للثاني وهذان القولان يجريان هنا
والله أعلم فرع المنفي باللعان لا يستحق شيئا لانقطاع نسبه وخروجه عن كونه ولدا
وعن أبي إسحاق أنه يستحق وأثر اللعان مقصور على الملاعن
قلت فلو استلحقه بعد نفيه دخل في الوقف قطعا ذكره البغوي
والله أعلم التاسعة قال وقفت على ذريتي أو عقبي أو نسلي دخل فيه أولاد البنين والبنات قريبهم وبعيدهم
ولو حدث حمل قال المتولي يوقف نصيبه قطعا لأنه من نسله وعقبه قطعا
ولو وقف على عترته قال ابن الاعرابي وثعلب هم ذريته
وقال القتيبي هم عشيرته وهما وجهان للأصحاب
أصحهما الثاني وقد روي ذلك عن زيد بن أرقم

قلت هذان المذهبان مشهوران لأهل اللغة غير مختصين بالمذكورين لكن أكثر من جعلهم عشيرته خصهم بالأقربين
قال الازهري قال بعض أهل اللغة عترته عشيرته الادنون
وقال الجوهري عترته نسله ورهطه الادنون
وقال الزبيري عترته أقرباؤه من ولد وغيره ومقتضى هذه الاقوال أنه يدخل ذريته عشيرته الادنون وهذا هو الظاهر المختار
والله أعلم العاشرة قال على عشيرتي فهو كقوله على قرابتي
وإذا قال على قرابتي أو أقرب الناس إلي فعلى ما سنذكره في الوصية إن شاء الله تعالى
وقال المتولي قوله على قبيلتي أو عشيرتي لا يدخل فيه إلا قرابة الأب
ثم إذا كانوا غير محصورين ففيهم الخلاف السابق
ثم من حدث بعد الوقف يشاركون الموجودين عند الوقف على الصحيح وعن البويطي منعه
الحادية عشرة اسم المولى يقع على المعتق ويقال له المولى الأعلى وعلى العتيق ويقال له المولى الأسفل فاذا وقف على مواليه وليس له إلا أحدهما فالوقف عليه
وإن وجدا جميعا فهل يقسم بينهما أم يختص به الأعلى أم الأسفل أم يبطل الوقف فيه أربعة أوجه
أصحها في التنبيه الأول
وفي الوجيز الرابع
قلت الأصح الأول وقد صححه أيضا الجرجاني في التحرير وحكى الدارمي وجها خامسا أنه موقوف حتى يصطلحوا وليس بشىء
والله أعلم فصل يرعى شرط الواقف في الأقدار وصفات المستحقين وزمن الاستحقاق
فاذا وقف على أولاده وشرط التسوية بين الذكر والأنثى أو تفضيل أحدهما اتبع

شرطه
وكذا الوقف على العلماء بشرط كونهم على مذهب فلان أو على الفقراء بشرط الغربة أو الشيخوخة اتبع
ولو قال على بني الفقراء أو على بناتي الأرامل فمن استغنى منهم وتزوج منهن خرج عن الاستحقاق
فان عاد فقيرا أو زال نكاحها عاد الاستحقاق
قلت ولم أر لأصحابنا تعرضا لاستحقاقها في حال العدة وينبغي أن يقال إن كان الطلاق بائنا أو فارقت بفسخ أو وفاة استحقت لأنها ليست بزوجة في زمن العدة
وإن كان رجعيا فلا لأنها زوجة
والله أعلم قال العبادي في الزيادات لو وقف على أمهات أولاده إلا على من تزوج منهن فتزوجت خرجت ولا تعود بالطلاق والفرق من حيث اللفظ أنه أثبت الاستحقاق لبناته الأرامل وبالطلاق صارت أرملة وهنا جعلها مستحقة إلا أن تتزوج وبالطلاق لا تخرج عن كونها تزوجت
ومن حيث المعنى أن غرضه أن تفي له أم ولده فلا يخلفه عليها أحد فمن تزوجت لم تف ولو طلقت

فرع لو شرط صرف غلة السنة الأولى إلى قوم وغلة السنة الثانية
آخرين وهكذا ما بقوا اتبع شرطه
فرع قال وقفت على أولادي فاذا انقرض أولادي وأولاد أولادي فعلى الفقراء

فهذا وقف منقطع الوسط على الصحيح وحكمه ما سبق لأنه لم يجعل لأولاد الأولاد شيئا وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق الفقراء
وقيل يستحقون بعد انقراض أولاد الصلب

فرع وقف على بنيه الأربعة على أن من مات منهم وله عقب
ومن مات ولا عقب له فنصيبه لسائر أصحاب الوقف ثم مات أحدهم عن ابن وآخر عن ابنين وثالث ولا عقب له فنصيب الثالث بين الرابع وابن الأول الأول وابني الثاني بالسوية
ولو قال وقفت على بني الخمسة ومن سيولد لي على ما افصله ثم فصل فقال ضيعة كذا لابني فلان وحصة كذا لفلان إلى أن ذكر الخمسة ثم قال وأما من سيولد لي فنصيبه أن من مات من الخمسة ولا عقب له يصرف حقه إليه فمات واحد من الخمسة ولا عقب له وولد للواقف ولد يصرف إلى المولود نصيب الميت وليس له شىء آخر بقوله أولا وقفت على بني ومن سيولد لي لأن التفصيل المذكور آخرا بيان لما أجمله أولا وقد جرت عادة الشروطيين بمثله
فرع قال وقفت على سكان موضع كذا فغاب بعضهم سنة ولم يبع
استبدل دارا لا يبطل حقه ذكره العبادي

فرع وقف على زيد بشرط أن يسكن موضع كذا ثم بعده
فهذا ( وقف ) منقطع لأن الفقراء إنما يستحقون بعد انقراضه واستحقاقه مشروط بشرط قد يتخلف
فصل الصفة والاستثناء عقيب الجمل المعطوف بعضها على بعض يرجعان

مثال الصفة وقفت على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين منهم
ومثال الاستثناء وقفت على أولادي وأحفادي وإخوتي إلا أن يفسق واحد منهم هكذا أطلقه الاصحاب
ورأى الإمام تقييده بقيدين
أحدهما أن يكون العطف بالواو فان كان ب ثم اختصت الصفة والاستثناء بالجملة الاخيرة
والثاني أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل
فان تخلل كقوله على أن من مات منهم وله عقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الانثيين وإن لم يعقب فنصيبه للذين في درجته فاذا انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن يفسق أحدهم فالاستثناء يختص بالاخوة
والصفة المتقدمة على جميع الجمل كقوله وقفت على فقراء أولادي وأولاد أولادي وإخوتي كالمتأخرة عن جميعها حتى يعتبر الفقر في الكل
فرع البطن الثاني هل يتلقون الوقف من الواقف أم من البطن الأول
فيه وجهان
أصحهما من الواقف

الطرف الثاني في الاحكام المعنوية فمنها اللزوم في الحال سواء أضافه إلى ما بعد الموت أم لم يضفه وسواء سلمه أم لم يسلمه قضى به قاض أم لا
قلت وسواء في هذا كان الوقف على جهة أو شخص وسواء قلنا الملك في رقبة الوقف لله تعالى أم للموقوف عليه أم باق للواقف ولا خلاف في هذا بين أصحابناإلا ما شذ به الجرجاني في التحرير فقال إذا كان على شخص وقلنا الملك للموقوف عليه افتقر إلى قبضه كالهبة وهذا غلط ظاهر وشذوذ مردود نبهت عليه لئلا يغتر به
والله أعلم وإذا لزم امتنعت التصرفات القادحة في غرض الوقف وفي شرطه
وسواء في امتناعها الواقف وغيره
وأما رقبة الوقف فالمذهب وهو نصه في المختصر هنا أن الملك فيها انتقل إلى الله تعالى
وفي قول إلى الموقوف عليه
وخرج قول أنه باق على ملك الواقف
وقيل بالأول قطعا
وقيل بالثاني قطعا
وقيل إن كان الوقف على معين ملكه قطعا
وإن كان على جهة انتقل إلى الله تعالى قطعا واختاره الغزالي ولا فرق عند جمهور الأصحاب
هذا كله إذا وقف على شخص أو جهة عامة
فأما إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرة فهو فك عن الملك كتحرير الرقيق فينقطع عنها اختصاصات الآدميين قطعا

فصل فوائد الوقف ومنافعه للموقوف عليه يتصرف فيها تصرف الملاك في

فإن كان شجرة ملك الموقوف عليه ثمارها ولا يملك أغصائها إلا فيما يعتاد قطعه كشجر الخلاف فأغصانها كثمر غيرها وإن كان الموقوف بهيمة ملك صوفها

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28