كتاب :روضة الطالبين وعمدة المفتين
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي

قلت ولو صلى خنثى بنساء تقدم عليهن
والله أعلم
وكل هذا استحباب ومخالفته لا تبطل الصلاة

فرع إذا دخل رجل والجماعة في الصلاة كره أن يقف منفردا بل
فرجة أو سعة في الصف دخلها
وله أن يخرق الصف إذا لم يكن فيه فرجة وكانت في صف قدامه لتقصيرهم بتركها
فلو لم يجد في الصف سعة فوجهان
أحدهما يقف منفردا ولا يجذب إلى نفسه أحدا نص عليه في البويطي والثاني وهو قول أكثر الأصحاب يجر إلى نفسه واحدا
ويستحب للمجرور أن يساعده
وإنما يجره بعد إحرامه
ولو وقف منفردا صحت صلاته
الشرط الثاني العلم بالأفعال الظاهرة من صلاة الامام
وهذا لا بد منه نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب
ثم العلم قد يكون بمشاهدة الامام أو مشاهدة بعض الصفوف وقد يكون بسماع صوت الامام أو صوت المترجم في حق الأعمى والبصير الذي لا يشاهد لظلمة أو غيرها وقد يكون بهداية غيره إذا كان أعمى أو أصم في ظلمة
الشرط الثالث اجتماع الامام والمأموم في الموقف
ولهما ثلاثة أحوال
الأول إذا كانا في مسجد صح الاقتداء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن المسجد وصفته أو منارته وسرداب فيه أو سطحه وساحته بشرط أن يكون السطح من المسجد فلو كان مملوكا فهو كملك متصل بالمسجد وقف أحدهما فيه والآخر في المسجد
وسيأتي في القسم الثالث إن شاء الله تعالى
وشرط البناءين في المسجد أن يكون

باب أحدهما نافذا إلى الآخر

وإلا فلا يعدان مسجدا واحدا
وإذا حصل هذا الشرط فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحا أو مردودا مغلقا أو غير مغلق
وفي وجه ضعيف إن كان مغلقا لم يجز الاقتداء
ووجه مثله فيما إذا كان أحدهما على السطح وباب المرقى مغلقا
ولو كانا في مسجدين يحول بينهما نهر أو طريق أو حائط المسجد من غير باب نافذ من أحدهما إلى الآخر فهو كما إذا وقف أحدهما في مسجد والآخر في ملك
وسيأتي إن شاء الله تعالى
وإن كان في المسجد نهر فإن حفر النهر بعد المسجد فهو مسجد فلا يضر وإن حفر قبل مصيره مسجدا فهما مسجدان غير متصلين
قال الشيخ أبو محمد لو كان في جوار المسجد مسجد آخر منفرد بإمام ومؤذن وجماعة فلكل واحد مع الآخر حكم الملك المتصل بالمسجد
وهذا كالضابط الفارق بين المسجد والمسجدين
فظاهره يقتضي تغاير الحكم اذا انفرد بالأمور المذكورة وإن كان باب أحدهما نافذا إلى الآخر
قلت الذي صرح به كثيرون منهم الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل و التتمة وغيرهم أن المساجد التي يفتح بعضها إلى بعض لها حكم مسجد واحد وهو الصواب
والله أعلم
وأما رحبة المسجد فعدها الأكثرون منه ولم يذكروا فرقا بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أم لا
وقال ابن كج إن انفصلت فهي كمسجد آخر
الحال الثاني أن يكون في غير مسجد وهو ضربان أحدهما أن يكون في فضاء فيجوز الاقتداء بشرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاث مائة ذراع تقريبا على الأصح
وعلى الثاني تحديد
والتقريب مأخوذ من العرف على الصحيح وقول الجمهور
وعلى الثاني مما بين الصفين

في صلاة الخوف
ولو وقف خلف الإمام صفان أو شخصان أحدهما وراء الآخر فالمسافة المذكورة تعتبر بين الصف الأخير أو الصف الأول أو الشخص الأخير والأول ولو كثرت الصفوف وبلغ ما بين الإمام والاخير فرسخا جاز
وفي وجه يعتبر بين الإمام والصف الأخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الإمام متصلة على العادة
وهذا الوجه شاذ
ولو حال بين الإمام والمأموم أو الصفين نهر يمكن العبور من أحد طرفيه إلى الآخر بلا سباحة بالوثوب أو الخوض أو العبور على جسر صح الاقتداء
وإن كان يحتاج إلى سباحة أو كان بينهما شارع مطروق لم يضر على الصحيح
وسواء في الحكم المذكور كان الفضاء مواتا أو وقفا أو ملكا أو بعضه مواتا وبعضه ملكا أو بعضه وقفا
وفي وجه شاذ يشترط في الساحة المملوكة اتصال الصفوف وفي وجه يشترط ذلك إن كانت لشخصين والصحيح أنه لا يشترط مطلقا
وسواء في هذا كله كان الفضاء محوطا عليه أو مسقفا كالبيوت الواسعة أو غير محوط
الضرب الثاني أن يكونا في غير فضاء فإذا وقف أحدهما في صحن دار أو صفتها والآخر في بيت فموقف المأموم قد يكون عن يمين الإمام أو يساره وقد يكون خلفه
وفيه طريقتان
إحداهما قالها القفال وأصحابه وابن كج وحكاها أبو علي في الافصاح عن بعض الأصحاب أنه يشترط فيما إذا وقف من أحد الجانبين أن يتصل الصف من البناء

الذي فيه الامام إلى البناء الذي فيه المأموم بحيث لا تبقى فرجة تسع واقفا فإن بقيت فرجة لا تسع واقفا لم يضر على الصحيح
ولو كان بينهما عتبة عريضة تسع واقفا اشترط وقوف مصل فيها وإن لم يمكن الوقوف عليها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة
وأما إذا وقف خلف الإمام ففي صحة الاقتداء وجهان
أحدهما البطلان
وأصحهما الجواز إذا اتصلت المصفوف وتلاحقت
ومعنى اتصالها أن يقف رجل أو صف في آخر البناء الذي فيه الإمام ورجل أو صف في أول البناء الذي فيه المأموم بحيث لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع
والثلاث للتقريب
فلو زاد ما لا يتبين في الحس بلا ذرع لم يضر
وهذا القدر هو المشروع بين الصفين
وإذا وجد هذا الشرط فلو كان في بناء المأموم بيت عن اليمين أو الشمال اعتبر الاتصال بتواصل المناكب
هذه طريقة
الطريقة الثانية طريقة أصحاب أبي إسحق المروزي ومعظم العراقيين واختارها أبو علي الطبري أنه لا يشترط اتصال الصف في اليمين واليسار ولا اتصال الصفوف في المواقف خلفه بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء
قلت الطريقة الثانية أصح
والله أعلم
هذا إذا كان بين البناءين باب نافذ فوقف بحذائه صف أو رجل أو لم يكن جدار أصلا كالصحن مع الصفة فلو حال حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة لم يصح الاقتداء باتفاق الطريقتين وإن منع الاستطراق دون المشاهدة كالمشبك لم يصح على الأصح
وإذا صح اقتداء الواقف في البناء الآخر إما بشرط وإما دونه صحت صلاة الصفوف مع خلفه تبعا له وإن كان بينهم وبين البناء الذي فيه الإمام جدار وتكون الصفوف مع هذا الواقف كالمأمومين مع الامام حتى لا تصح صلاة من بين يديه إن تأخر عن سمت موقف الإمام إذا لم يجوز تقدم المأموم على الامام
قال القاضي حسين ولا يجوز أن يتقدم تكبيرهم على تكبيره
أما إذا وقف الامام في صحن الدار والمأموم في مكان عال من سطح أو طرف صفة مرتفعة أو بالعكس فبماذا يحصل الاتصال وجهان
أحدهما قول الشيخ أبي محمد إن كان رأس الواقف في السفل يحاذي ركبة الواقف في العلو صح الاقتداء وإلا فلا
والثاني وهو الصحيح الذي قطع به الجماهير إن حاذى رأس الأسفل قدم الأعلى صح وإلا فلا
قال إمام

الحرمين الأول مزيف لا وجه له والاعتبار بمعتدل القامة
حتى لو كان قصيرا أو قاعدا فلم يحاذ ولو قام فيه معتدل القامة لحصلت المحاذاة كفى
وحيث لا يمنع الانخفاض القدوة وكان بعض الذين يحصل بهم الاتصال على سرير أو متاع وبعضهم على الأرض لم يضر
ولو كانا في البحر والامام في سفينة والمأموم في أخرى وهما مكشوفتان فالصحيح أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بينهما على ثلاث مائة ذراع كالصحراء وتكون السفينتان كدكتين في الصحراء يقف الامام على إحداهما والمأموم على الأخرى
وقال الاصطخري يشترط أن تكون سفينة الامام مشدودة بسفينة المأموم
والجمهور على أنه ليس بشرط
وإن كانتا مسقفتين فهما كالدارين والسفينة التي فيها بيوت كالدار ذات البيوت
وحكم المدارس والرباطات والخانات حكم الدور
والسرادقات في الصحراء كالسفينة المكشوفة والخيام كالبيوت
الحال الثالث أن يكون أحدهما في المسجد والآخر خارجه فمن ذلك أن يقف الامام في مسجد والمأموم في موات متصل به
فإن لم يكن بينهما حائل جاز إذا لم تزد المسافة على ثلاث مائة ذراع ويعتبر من آخر المسجد على الأصح
وعلى الثاني من آخر صف في المسجد
فإن لم يكن فيه إلا الامام فمن موقفه
وعلى الثالث من حريم المسجد بينه وبين الموات
وحريمه الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح القمامات فيه ولو كان بينهما جدار المسجد لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف بحذائه جاز ولو اتصل صف بالواقف في المحاذاة وخرجوا عن المحاذاة جاز ولو لم يكن في الجدار باب أو كان ولم يقف بحذائه بل عدل عنه فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه يمنع صحة الاقتداء
وقال أبو إسحق المروزي لا يمنع
وأما الحائل غير جدار المسجد فيمنع بلا خلاف
ولو كان بينهما باب مغلق

فهو كالجدار لأنه يمنع الاستطراق والمشاهدة
وإن كان مردودا غير مغلق فهو مانع من المشاهدة دون الاستطراق أو كان بينهما مشبك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة
ففي الصورتين وجهان
أصحهما عند الأكثرين أنه مانع هذا كله في الموات
فلو وقف المأموم في شارع متصل بالمسجد فهو كالموات على الصحيح
وعلى الثاني يشترط اتصال الصف من المسجد بالطريق
ولو وقف في حريم المسجد فقد ذكر صاحب التهذيب فيه أنه كالموات وذكر أن الفضاء المتصل بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يصح اقتداؤه حتى يتصل الصف من المسجد بالفضاء
وكذلك يشترط اتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك وكذلك لو وقف في دار مملوكة متصلة بالمسجد يشترط الاتصال بأن يقف واحد في آخر المسجد متصل بعتبة الدار وآخر في الدار متصل بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل
وهذا الذي ذكره في الفضاء مشكل
وينبغي أن يكون كالموات
وأما ما ذكره في مسألة الدار فهو الصحيح
وقال أبو إسحق المروزي جدار المسجد لا يمنع كما قال في الموات
وقال أبو علي الطبري لا يشترط اتصال الصفوف إذا لم يكن حائل
ويجوز الاقتداء إذا كان في حد القرب
الشرط الرابع نية الاقتداء
فمن شروط الاقتداء أن ينوي المأموم الجماعة أو الاقتداء وإلا فلا تكون صلاته صلاة جماعة وينبغي أن يقرن هذه النية بالتكبير كسائر ما ينويه فإن ترك نية الاقتداء انعقدت صلاته على الأصح
وعلى هذا لو شك في أثناء صلاته في نية الاقتداء نظر إن تذكر قبل أن يحدث فعلا على متابعة الامام لم يضر وإن تذكر بعد أن أحدث فعلا على متابعته بطلت صلاته لأنه في حال الشك له حكم المنفرد وليس له المتابعة
حتى لو عرض هذا الشك في التشهد الأخير لا يجوز أن يقف سلامه على سلام الامام
وهذا الذي ذكرنا من بطلان صلاته بالمتابعة هو إذا انتظر ركوعه وسجوده ليركع

ويسجد معه
فأما إذا اتفق انقضاء فعله مع انقضاء فعله فهذا لا يبطل قطعا
لأنه لا يسمى متابعة
والمراد الانتظار الكثير
فأما اليسير فلا يضر
وهل تجب نية الاقتداء في الجمعة وجهان
الصحيح وجوبها
والثاني لا لأنها لا تصح إلا بجماعة فلم يحتج إليها

فرع لا يجب على المأموم أن يعين في نيته الامام بل يكفي
بالامام الحاضر فلو عين فأخطأ بأن نوى الاقتداء بزيد فبان عمرا لم تصح صلاته
كما لو عين الميت في صلاة الجنازة وأخطأ لا تصح
ولو نوى الاقتداء بالحاضر واعتقد زيدا فكان غيره ففي صحته وجهان
كما لو قال بعتك هذا الفرس فكان بغلا
قلت الأرجح صحة الاقتداء
والله أعلم
فرع اختلاف نية الامام والمأموم فيما يأتيان به من الصلاة لا يمنع
صحة الاقتداء فيجوز أن يقتدي المؤدي بالقاضي وعكسه والمفترض بالمتنفل وعكسه

فرع لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الامام الامامة سواء اقتدى
به الرجال أو النساء
وحكى أبو الحسن العبادي عن أبي حفص الباب شامي والقفال أنه تجب نية الامامة على الامام
وأشعر كلامه بأنهما يشترطانها في صحة الاقتداء وهذا شاذ منكر والصحيح المعروف الذي قطع به الجماهير أنها لا تجب
لكن هل تكون صلاته صلاة جماعة ينال بها فضيلة الجماعة إذا لم ينوها وجهان
أصحهما لا ينالها لأنه لم ينوها
وقال القاضي حسين فيمن صلى منفردا فاقتدى به جمع ولم يعلم بهم ينال فضيلة الجماعة لأنهم نالوها بسببه وهذا كالتوسط بين الوجهين
ومن فوائد الوجهين أنه إذا لم ينو الامامة في صلاة الجمعة هل تصح جمعته
الأصح أنها لا تصح
ولو نوى الامامة وعين في نيته المقتدي فبان خلافه لم يضر لأن غلطه لا يزيد على تركها
الشرط الخامس توافق نظم الصلاتين في الأفعال والأركان فلو اختلفت صلاتا الامام والمأموم في الأفعال الظاهرة بان اقتدى مفترض بمن يصلي جنازة أو كسوفا لم تصح على الصحيح
وتصح على الثاني وهو قول القفال
فعلى هذا إذا اقتدى بمصلي الجنازة لا يتابعه في التكبيرات والأذكار بينها بل إذا كبر الامام الثانية يتخير بين إخراج نفسه من المتابعة وبين انتظار سلام الامام
وإذا اقتدى بمصلي الكسوف تابعه في الركوع الأول
ثم إن شاء رفع رأسه معه وفارقه وإن شاء انتظره
قال إمام الحرمين وإنما قلنا ينتظره في الركوع إلى أن يعود إليه الامام ويعتدل معه عن ركوعه الثاني ولا ينتظره

بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير
أما إذا اتفقت الصلاتان في الأفعال الظاهرة فينظر إن اتفق عددهما كالظهر خلف العصر أو العشاء جاز الاقتداء
وإن كان عدد ركعات الامام أقل كالظهر خلف الصبح جاز
وإذا تمت صلاة الامام قام المأموم وأتم صلاة نفسه كالمسبوق
ويتابع الامام في القنوت
ولو أراد مفارقته عند اشتغاله بالقنوت جاز
وإذا اقتدى في الظهر بالمغرب وانتهى الامام إلى الجلوس الأخير تخير المأموم في المتابعة والمفارقة كالقنوت
وإن كان عدد ركعات المأموم أقل كالصبح خلف الظهر فالمذهب جوازه وقيل قولان أظهرهما جوازه
والثاني بطلانه
فذا صححنا وقام الامام إلى الثالثة تخير المأموم إن شاء فارقه وسلم وإن شاء انتظره ليسلم معه
قلت انتظاره أفضل
والله أعلم
وإن أمكنه أن يقنت في الثانية بأن وقف الامام يسيرا قنت
وإلا فلا شىء عليه
وله أن يخرج عن متابعته ليقنت
ولو صلى المغرب خلف الظهر فإذا قام الامام إلى الرابعة لم يتابعه بل يفارقه ويتشهد ويسلم
وهل له أن يترك التشهد وينتظره وجهان
أحدهما له ذلك كما قلنا في المقتدي بالصبح خلف الظهر
والثاني وهو المذهب عند إمام الحرمين ليس له ذلك لأنه يحدث تشهدا لم يفعله الامام
ولو صلى العشاء خلف التراويح جاز
فإذا سلم الامام قام إلى باقي صلاته والأولى أن يتمها منفردا
فلو قام الامام إلى ركعتين أخريين من التراويح فنوى الاقتداء به ثانيا ففي جوازه القولان فيمن أحرم منفردا ثم اقتدى في أثنائهما
واختلف أصحابنا في المقتدي بمن يصلي العيد أو الاستسقاء هل هو كمن يصلي الصبح أم كمن يصلي الجنازة والكسوف
قلت الصحيح أنه كالصبح وبه قطع صاحب التتمة
وإذا كبر الامام التكبيرات الزائدة لا يتابعه المأموم فإن تابعه لم يضره لأن الأذكار

لا تضر
ولو صلى العيد خلف الصبح المقضية جاز ويكبر التكبيرات الزائدة
والله أعلم
الشرط السادس الموافقة
فإذا ترك الامام شيئا من أفعال الصلاة نظر إن ترك فرضا فقام في موضع القعود أو بالعكس ولم يرجع لم يجز للمأموم متابعته لأنه إن تعمد فصلاته باطلة وإن سها ففعله غير معتد به وإن لم يبطلها
ولو ترك سنة وكان في الاشتغال بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الأول لم يأت بها المأموم فإن فعلها بطلت صلاته ولو ترك الامام سجود السهو أتى به المأموم لأنه يفعله بعد انقطاع القدوة ولذلك يسلم التسليمة الثانية إذا تركها الامام
فأما إذا كان التخلف لها يسيرا كجلسة الاستراحة فلا بأس كما لا بأس بزيادتها في غير موضعها
وكذا لا بأس بتخلفه للقنوت إذا لحقه على قرب بأن لحقه في السجدة الأولى
الشرط السابع المتابعة فيجب على المأموم متابعته فلا يتقدم في الأفعال
والمراد من المتابعة أن يجري على أثر الامام بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منها متأخرا عن ابتداء الامام به ومتقدما على فراغه منه
فلو خالف فله أحوال
الأول أن يقارنه فإن قارنه في تكبيرة الإحرام أو شك هل قارنه أو ظن أنه تأخر فبان مقارنته لم تنعقد
ويشترط تأخر جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الامام
ويستحب للامام أن لا يكبر حتى يسووا الصفوف ويأمرهم به ملتفتا يمينا وشمالا
وإذا فرغ المؤذن من الاقامة قام الناس فاشتغلوا بتسوية الصفوف
وأما ما عدا التكبير فغير السلام تجوز المقارنة فيه ولكن تكره وتفوت بها فضيلة الجماعة وفي السلام وجهان
أصحهما جوازها
الحال الثاني أن يتخلف عن الامام فإن تخلف بغير عذر نظر إن

تخلف بركن واحد لم تبطل صلاته على الأصح وإن تخلف بركنين بطلت قطعا
ومن صور التخلف بغير عذر أن يركع الامام وهو في قراءة السورة فيشتغل بإتمامها وكذا التخلف للاشتغال بتسبيحات الركوع والسجود
وأما بيان صورة التخلف بركن فيحتاج إلى معرفة الركن الطويل والقصير فالقصير الاعتدال عن الركوع وكذا الجلوس بين السجدتين على الأصح
والطويل ما عداهما
ثم الطويل مقصود في نفسه
وفي القصير وجهان
أحدهما مقصود في نفسه وبه قال الأكثرون ومال الامام إلى الجزم به
والثاني لا بل تابع لغيره
وبه قطع في التهذيب
فإذا ركع الامام ثم ركع المأموم وأدركه في ركوعه فليس هذا تخلفا بركن فلا تبطل به الصلاة قطعا
فلو اعتدل الامام والمأموم بعد قائم ففي بطلان صلاته وجهان اختلفوا في مأخذهما فقيل مأخذهما التردد في أن الاعتدال ركن مقصود أم لا إن قلنا مقصود فقد فارق الامام ركنا واشتغل بركن آخر مقصود فتبطل صلاة المتخلف
وإن قلنا غير مقصود فهو كما لو لم يفرغ من الركوع لأن الذي هو فيه تبع له فلا تبطل صلاته
وقيل مأخذهما الوجهان في أن التخلف بركن يبطل أم لا إن قلنا يبطل فقد تخلف بركن الركوع تاما فتبطل صلاته وإن قلنا لا فما دام في الاعتدال لم يكمل الركن الثاني فلا تبطل
قلت الأصح لا تبطل
والله أعلم
وإذا هوى إلى السجود ولم يبلغه والمأموم بعد قائم فعلى المأخذ الأول لا تبطل صلاته لأنه لم يشرع في ركن مقصود وعلى الثاني تبطل لأن ركن الاعتدال قد تم
هكذا ذكره إمام الحرمين والغزالي
وقياسه أن يقال إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن وإن لم يعتدل الامام فتبطل الصلاة عند من يجعل التخلف بركن مبطلا

أما إذا انتهى الامام إلى السجود والمأموم بعد في القيام فتبطل صلاته قطعا
ثم إذا اكتفينا بابتداء الهوي عن الاعتدال وابتداء الارتفاع عن حد الركوع فالتخلف بركنين هو أن يتم للامام ركنان والمأموم بعد فيما قبلهما وبركن هو أن يتم للامام الركن الذي سبق والمأموم بعد فيما قبله وإن لم يكتف بذلك فللتخلف شرط آخر وهو أن لا يلابس مع تمامهما أو تمامه ركنا آخر
ومقتضى كلام صاحب التهذيب ترجيح البطلان فيما إذا تخلف بركن كامل مقصود كما إذا استمر في الركوع حتى اعتدل الامام وسجد
هذا كله في التخلف بغير عذر
أما الاعذار فأنواع
منها الخوف وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى
ومنها أن يكون المأموم بطيء القراءة والامام سريعها فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة فوجهان
أحدهما يتابعه ويسقط عن المأموم باقيها
فعلى هذا لو اشتغل بإتمامها كان متخلفا بلا عذر
والصحيح الذي قطع به صاحب التهذيب وغيره أنه لا يسقط بل عليه أن يتمها ويسعى خلف الامام على نظم صلاته ما لم يسبقه بأكثر من ثلاثة أركان مقصودة فإن زاد على الثلاثة فوجهان
أحدهما يخرج نفسه عن المتابعة لتعذر الموافقة
وأصحهما له أن يدوم على متابعته
وعلى هذا وجهان
أحدهما يراعي نظم صلاته ويجري على أثره
وبهذا أفتى القفال
وأصحهما يوافقه فيما هو فيه ثم يقضي ما فاته بعد سلام الامام
وهذان الوجهان كالقولين في مسألة الزحام
ومنها أخذ التقدير بثلاثة أركان مقصودة فإن القولين في مسألة الزحام إنما هما إذا ركع الامام في الثانية
وقبل ذلك لا يوافقه وإنما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام
ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين على مذهب من يقول هو غير مقصود ولا يجعل التخلف بغير المقصود مؤثرا
وأما من لا يفرق بين المقصود وغيره أو يفرق ويجعل الجلوس مقصودا أو ركنا طويلا فالقياس على أصله

التقدير بأربعة أركان أخذا من مسألة الزحام
ولو اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح فلم يتم الفاتحة لذلك فركع الامام فيتم الفاتحة كبطيء القراءة
وكان هذا في المأموم الموافق
أما المسبوق إذا أدرك الامام قائما وخاف ركوعه فينبغي أن لا يقرأ الاستفتاح بل يبادر إلى الفاتحة فإن ركع الامام في أثناء الفاتحة فأوجه
أحدها يركع معه وتسقط باقي الفاتحة والثاني يتمها
وأصحها أنه إن لم يقرأ شيئا من الاستفتاح قطع الفاتحة وركع ويكون مدركا للركعة
وإن قرأ شيئا منه لزمه بقدره من الفاتحة لتقصيره
وهذا هو الأصح عند القفال والمعتبرين وبه قال أبو زيد
فإن قلنا عليه إتمام الفاتحة فتخلف ليقرأ كان تخلفا بعذر فإن لم يتمها وركع مع الامام بطلت صلاته
وإن قلنا يركع فاشتغل بإتمامها كان متخلفا بلا عذر
وإن سبقه الامام بالركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال لم يكن مدركا للركعة
والأصح أنه لا تبطل صلاته إذا قلنا التخلف بركن لا يبطل كما في غير المسبوق
والثاني يبطل لأنه ترك متابعة الامام فيما فاتت به ركعة فكان كالتخلف بركعة
ومنها الزحام وسيأتي في الجمعة إن شاء الله تعالى
ومنها النسيان
فلو ركع مع الامام ثم تذكر أنه نسي الفاتحة أو شك في قراءتها لم يجز أن يعود لأنه فات محل القراءة فإذا سلم الامام قام وتدارك ما فاته
ولو تذكر أو شك بعد أن ركع الامام ولم يركع هو لم تسقط القراءة بالنسيان
وماذا يفعل وجهان
أحدهما يركع معه فإذا سلم الامام قام فقضى ركعة وأصحهما يتمها وبه أفتى القفال
وعلى هذا تخلفه تخلف معذور على الأصح وعلى الثاني تخلف غير معذور لتقصيره بالنسيان
الحال الثالث أن يتقدم على الامام بالركوع أو غيره من الأفعال الظاهرة

فينظر إن لم يسبق بركن كامل بأن ركع قبل الامام فلم يرفع حتى ركع الامام لم تبطل صلاته عمدا كان أو سهوا
وفي وجه شاذ تبطل إن تعمد
فإذا قلنا لا تبطل فهل يعود وجهان
المنصوص وبه قال العراقيون يستحب أن يعود إلى القيام ويركع معه
والثاني وبه قطع صاحبا النهاية و التهذيب لا يجوز العود فإن عاد بطلت صلاته وإن فعله سهوا فالأصح أنه مخير بين العود والدوام
والثاني يجب العود فإن لم يعد بطلت صلاته وإن سبق بركنين فصاعدا بطلت صلاته إن كان عامدا عالما بتحريمه
وإن كان ساهيا أو جاهلا لم تبطل لكن لا يعتد بتلك الركعة فيأتي بها بعد سلام الامام ولا يخفى بيان التقدم بركنين من قياس ما ذكرناه في التخلف
ومثل أئمتنا العراقيون ذلك بما إذا ركع قبل الامام فلما أراد الامام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فلم يجتمعا في الركوع ولا في الاعتدال وهذا يخالف ذلك القياس فيجوز أن يقدر مثله في التخلف ويجوز أن يخص ذلك بالتقدم لأن المخالفة فيه أفحش
وإن سبق بركن مقصود بأن ركع قبل الامام ورفع والامام في القيام ثم وقف حتى رفع الامام واجتمعا في الاعتدال فقال الصيدلاني وجماعة تبطل صلاته
قالوا فإن سبق بركن غير مقصود كالاعتدال بأن اعتدل وسجد والامام بعد في الركوع أو سبق بالجلوس بين السجدتين بأن رفع رأسه من السجدة الأولى وجلس وسجد الثانية والامام بعد في الأولى فوجهان
وقال العراقيون وآخرون التقدم بركن لا يبطل كالتخلف به
وهذا أصح وأشهر
وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه
هذا في الأفعال الظاهرة فأما تكبيرة الإحرام فالسبق بها مبطل كما تقدم وأما الفاتحة والتشهد ففي السبق بهما أوجه
الصحيح لا يضر بل يجزئان
والثاني تبطل الصلاة
والثالث لا تبطل
ويجب إعادتهما مع قراءة الامام أو بعدها

فرع المسبوق إذا أدرك الامام راكعا يكبر للافتتاح وليس له أن
بالفاتحة بل يهوي للركوع ويكبر له تكبيرة أخرى
وكذا لو أدركه قائما فكبر فركع الامام بمجرد تكبيره فلو اقتصر في الحالين على تكبيرة فله أحوال
أحدها أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح فتصح صلاته بشرط أن يوقعها في حال القيام
الثاني ينوي تكبيرة الركوع فلا تنعقد صلاته
الثالث ينويهما فلا تنعقد فرضا ولا نفلا أيضا على الصحيح
الرابع لا ينوي واحدا منهما بل يطلق التكبيرة
فالصحيح المنصوص في الأم وقطع به الجمهور لا تنعقد
والثاني تنعقد لقرينة الافتتاح ومال إليه إمام الحرمين
فرع إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الامام فالمذهب أنه لا تبطل
صلاته سواء فارق بعذر أو بغيره هذا جملته
وتفصيله أن في بطلان الصلاة بالمفارقة طريقين
أحدهما لا تبطل
والثاني على قولين
أصحهما لا تبطل
واختلفوا في موضع القولين على طرق
أصحها هما فيمن فارق بغير عذر
فأما المعذور فيجوز قطعا
وقيل هما في المعذور
فأما غيره فتبطل صلاته قطعا
وقيل هما فيهما واختاره الحليمي
وقال إمام الحرمين والأعذار كثيرة وأقرب معتبرا أن يقال كل ما جوز ترك الجماعة ابتداء جوز المفارقة
وألحقوا به ما إذا

ترك الامام سنة مقصودة كالتشهد الأول والقنوت
وأما إذا لم يصبر على طول القراءة لضعف أو شغل فالأصح أنه عذر
هذا كله إذا قطع المأموم القدوة والامام بعد في الصلاة
أما إذا انقطعت بحدث الامام ونحوه فلا تبطل صلاة المأموم قطعا بكل حال

فرع إذا أقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر إن كان في
الوقت فقد قال الشافعي رضي الله عنه أحببت أن يكمل ركعتين ويسلم فتكون له نافلة ويبتدىء الصلاة مع الامام
ومعناه أن يقطع الفريضة ويقلبها نفلا
وفيه وفي نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في صفة الصلاة
ثم هذا فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ولم يصل بعد ركعتين
فإن كانت ذات ركعتين أو ذات ثلاث أو أربع وقد قام إلى الثالثة فإنه يتمها ثم يدخل في الجماعة وإن كان في فائتة لم يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الفائتة جماعة لأن الفائتة لا يشرع لها الجماعة بخلاف ما لو شرع في فائتة في يوم غيم فانكشف الغيم وخاف فوت الحاضرة فإنه يسلم عن ركعتين ويشتغل بالحاضرة
قلت قوله لا يشرع لها الجماعة يحمل على التفصيل الذي ذكرته في أول كتاب صلاة الجماعة
والله أعلم
وإن كان في نافلة وأقيمت الجماعة فإن لم يخش فوتها أتمها
وإن خشيه قطعها ودخل في الجماعة
فأما إذا لم يسلم من صلاته التي أحرم بها منفردا بل اقتدى في خلالها فالمذهب جوازه
وهذا جملته
فأما تفصيله

ففي صحة هذا الاقتداء طريقان
أحدهما القطع ببطلانه
وتبطل به الصلاة
وأصحهما وأشهرهما فيه قولان
أظهرهما جوازه
ثم اختلفوا في موضع القولين على طرق فقيل هما فيما إذا لم يركع المنفرد في انفراده
فإن ركع لم يجز قطعا
وقيل هما بعد ركوعه
فأما قبله فيجوز قطعا
وقيل هما إذا اتفقا في الركعة فإن اختلفا فكان الامام في ركعة والمأموم في أخرى متقدما أو متأخرا لم يجز قطعا
والطريق الرابع الصحيح أن القولين في جميع الأحوال
وإذا صححنا الاقتداء على الاطلاق فاختلفا في الركعة قعد المأموم في موضع قعود الامام وقام في موضع قيامه فإن تمت صلاته أولا لم يتابع الامام في الزيادة بل إن شاء فارقه وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء وسلم معه
فإن تمت صلاة الامام أولا قام المأموم وأتم صلاته كما يفعل المسبوق وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الامام بل إذا سلم الامام سجد هو لسهوه وإن سها بعد الاقتداء حمل عنه
وإن سها الامام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد معه ويعيد في آخر صلاته على الأظهر كالمسبوق

فرع من أدرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة

وقال محمد بن إسحق بن خزيمة وأبو بكر الصبغي بكسر الصاد المهملة وإسكان الباء الموحدة وبالغين المعجمة كلاهما من أصحابنا لا يدرك الركعة بادراك الركوع
وهذا شاذ منكر والصحيح الذي عليه الناس وأطبق عليه الأئمة إدراكها لكن يشترط أن يكون ذلك الركوع محسوبا للامام فإن لم يكن ففيه تفصيل نذكره

في الجمعة إن شاء الله تعالى
ثم المراد بإدراك الركوع أن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع
حتى لو كان هو في الهوي والامام في الارتفاع وقد بلغ هويه حد الأقل قبل أن يرتفع الامام عنه كان مدركا وإن لم يلتقيا فيه فلا
هكذا قاله جميع الأصحاب
ويشترط أن يطمئن قبل ارتفاع الامام عن الحد المعتبر
هكذا صرح به في البيان وبه أشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا له
ولو كبر وانحنى وشك هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الامام عنه فوجهان
وقيل قولان
أصحهما لا يكون مدركا
والثاني يكون
فأما إذا أدركه فيما بعد الركوع فلا يكون مدركا للركعة قطعا وعليه أن يتابعه في الركن الذي أدركه فيه وإن لم يحسب له
قلت وإذا أدركه في التشهد الأخير لزمه متابعته في الجلوس ولا يلزمه أن يتشهد معه قطعا وليس له ذلك على الصحيح المنصوص
والله أعلم

فرع المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع

فقد ذكرنا أنه يكبر للركوع بعد تكبيرة الافتتاح فلو أدركه في السجدة الأولى أو الثانية أو التشهد فهل يكبر للانتقال إليه وجهان
أصحهما لا لأن هذا غير محسوب له بخلاف الركوع ويخالف ما لو أدركه في الاعتدال فما بعده فإنه ينتقل معه من ركن إلى ركن مكبرا وإن لم يكن محسوبا لأنه لموافقة الامام
ولذلك نقول يوافقه في قراءة التشهد وفي التسبيحات على الأصح
وإذا قام المسبوق بعد سلام الامام فإن كان الجلوس الذي قام منه موضع

جلوس المسبوق بأن أدركه في الثالثة من رباعية أو ثانية المغرب قام مكبرا
فإن لم يكن موضع جلوسه بأن أدركه في الأخيرة أو الثانية من الرباعية قام بلا تكبير على الأصح
ثم إذا لم يكن موضع جلوسه لم يجز المكث بعد سلام الامام
فإن مكث بطلت صلاته
وإن كان موضع جلوسه لم يضر المكث
والسنة للمسبوق أن يقوم عقب تسليمتي الامام فإن الثانية من الصلاة ويجوز أن يقوم عقب الأولى
وإن قام قبل تمامها بطلت صلاته إن تعمد القيام
وما يدركه المسبوق أول صلاته وما يفعله بعد سلام الإمام آخرها حتى لو أدرك ركعة من المغرب فإذا قام لإتمام الباقي يجهر في الثانية ويتشهد ويسر في الثالثة
ولو أدرك ركعة من الصبح وقنت مع الامام أعاد القنوت في الركعة التي يأتي بها
ونص الشافعي رحمه الله أنه لو أدرك ركعتين من رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة في الركعتين فقيل هذا تفريع على قوله يستحب قراءة السورة في جميع الركعات وقيل هو تفريع على القولين جميعا لئلا تخلو صلاته عن السورة
قلت الثاني أصح
وحكي قول غريب أنه يجهر
والجماعة في الصبح أفضل من غيرها ثم العشاء ثم العصر للأحاديث الصحيحة
ولو كان للمسجد إمام راتب كره لغيره إقامة الجماعة فيه قبله أو بعده إلا بإذنه فإن كان المسجد مطروقا فلا بأس
وقد سبقت المسألة في باب الأذان
ويكره أن يؤم الرجل قوما وأكثرهم له كارهون فإن كرهه الأقل أو النصف لم تكره إمامته
والمراد أن يكرهوه لمعنى مذموم في الشرع فإن لم يكن كذلك فالعتب عليهم ولا كراهة
وقال القفال إنما يكره إذا لم ينصبه الامام فإن نصبه فلا يبالي بكراهة أكثرهم
والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا فرق بين من نصبه الامام وغيره
وأما إذا كان بعض المأمومين يكره أهل المسجد حضوره فلا يكره له الحضور لأن غيره لا يرتبط به نص عليه الشافعي والأصحاب رحمة الله عليهم
ويكره أن يكون موقف

الامام أعلى من موقف المأموم وكذا عكسه فإن احتاج الامام إلى الاستعلاء ليعلمهم صفة الصلاة أو المأموم ليبلغ القوم تكبير الامام استحب
وأفضل صفوف الرجال أولها ثم ما قرب منه وكذلك النساء الخلص فإن كان النساء مع الرجال فأفضل صفوفهن آخرها
والله أعلم

كتاب صلاة المسافر
صلاة المسافر كغيره إلا أن له الترخص بالقصر والجمع فالقصر جائز بالاجماع
والسبب المجوز له السفر الطويل المباح
فأما السفر القصير فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم فلا رخصة لهائم لا يدري أين يتوجه وإن طال سفره
ولنا وجه أن الهائم إذا بلغ مسافة القصر له القصر وهو شاذ منكر
أما ابتداء السفر فيعرف بتفصيل الموضع الذي منه الارتحال
فإن ارتحل من بلدة لها سور مختص بها فلا بد من مجاوزته وإن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة لأن جميع داخل السور معدود من نفس البلد محسوب من موضع الاقامة فإذا فارق السور ترخص إن لم يكن خارجه دور متلاصقة أو مقابر فإن كانت فوجهان
الأصح أنه يترخص بمفارقة السور ولا يشترط مفارقة الدور والمقابر وبهذا قطع الغزالي وكثيرون
والثاني يشترط مفارقتها وهو موافق لظاهر نص الشافعي
وأما إذا لم يكن للبلد سور أو كان في غير صوب مقصده فابتداء سفره بمفارقة العمران حتى لا يبقى بيت متصل ولا منفصل
والخراب الذي يتخلل العمارات معدود من البلد كالنهر الحائل بين جانبي البلد فلا يترخص بالعبور من جانب إلى جانب
فإن كانت أطراف البلدة خربة ولا عمارة وراءها فقال العراقيون والشيخ أبو محمد لا بد من

مجاوزتها
وقال الغزالي وصاحب التهذيب لا يشترط مجاوزتها لأنه ليس موضع إقامة
وهذا الخلاف فيما إذا كانت بقايا الحيطان قائمة ولم يتخذوا الخراب مزارع العمران ولا هجروه بالتحويط على العامر والخراب فإن لم يكن كذلك لم يشترط مجاوزتها بلا خلاف
ولا يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المتصلة بالبلد وإن كانت محوطة إلا إذا كان فيها قصور أو دور يسكنها ملاكها بعض فصول السنة فلا بد من مجاوزتها حينئذ
ولنا وجه في التتمة أنه يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المضافة إلى البلدة مطلقا وهو شاذ ضعيف
هذا حكم البلدة
وأما القرية فلها حكم البلدة في جميع ما ذكرناه
ولا يشترط فيها مجاوزة البساتين ولا المزارع المحوطة هذا هو الصواب الذي قاله العراقيون
وشذ الغزالي عن الأصحاب فقال إن كانت المزارع أو البساتين محوطة اشترط مجاوزتها
وقال إمام الحرمين لا يشترط مجاوزة المزارع المحوطة ولا البساتين غير المحوطة ويشترط مجاوزة البساتين المحوطة
ولو كان قريتان ليس بينهما انفصال فهما كمحلتين فيجب مجاوزتهما جميعا
قال الامام وفيه احتمال فلو كان بينهما انفصال فجاوز قريته كفى وإن كانتا في غاية التقارب على الصحيح
وقال ابن سريج إذا تقاربتا اشترط مفارقتهما
ولو جمع سور قرى متفاصلة لم يشترط مجاوزة السور
وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين
ولهذا قلنا أولا إن ارتحل من بلدة لها سور مختص بها
وأما المقيم في الصحارى فلا بد له من مفارقة البقعة التي فيها رحله وينسب إليه
فإن سكن واديا وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي نص عليه الشافعي رحمه الله
قال الأصحاب وهذا على الغالب في اتساع الوادي
فإن أفرطت السعة لم يشترط إلا مجاوزة القدر الذي يعد موضع نزوله أو موضع الحلة التي هو فيها
كما لو سافر في طول الوادي
وقال القاضي أبو الطيب كلام الشافعي مجرى على إطلاقه وجانبا الوادي كسور البلد
ولو كان نازلا في ربوة فلا بد أن يهبط وإن

كان في وهدة فلا بد أن يصعد وهذا عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي
ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المنفرد في خيمة ومن في أهل خيام على التفصيل المذكور
أما إذا كان في أهل خيام كالاعراب والأكراد فإنما يترخص إذا فارق الخيام مجتمعة كانت أو متفرقة إذا كانت حلة واحدة وهي بمنزلة أبنية البلد
ولا يشترط مفارقته لحلة أخرى بل الحلتان كالقريتين المتقاربتين
وضبط الصيدلاني التفرق الذي لا يؤثر بأن يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد ويستعين بعضهم من بعض
فإن كانوا بهذه الحالة فهي حلة واحدة
ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الابل فإنه جملة مواضع إقامتهم
ولنا وجه شاذ أنه لا يعتبر مفارقه الخيام بل يكفي مفارقة خيمته

فرع إذا فارق المسافر بنيان البلدة ثم رجع إليها لحاجة فله أحوال

أحجها أن لا يكون له بتلك البلدة إقامة أصلا فلا يصير مقيما بالرجوع ولا بالحصول فيها
الثاني أن تكون وطنه فليس له الترخص في رجوعه وإنما يترخص إذا فارقها ثانيا
ولنا وجه أنه يترخص ذاهبا وهو شاذ منكر
الثالث أن لا تكون وطنه لكنه أقام بها مدة فهل له الترخص في رجوعه وجهان
أصحهما نعم صححه إمام الحرمين والغزالي وقطع به في التتمة
والثاني لا وقطع به في التهذيب وحيث حكمنا بأنه لا يترخص إذا عاد فلو نوى العود ولم يعد بعد لم يترخص وصار بالنية مقيما ولا فرق

بين حالتي الرجوع والحصول في البلدة في الترخص وعدمه
هذا كله إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن مسافة القصر
فإن كانت فهو مسافر مستأنف فيترخص

فصل في انتهاء السفر الذي يقطع الترخص
ويحصل بأمور الأول العود إنشاء السفر منه
وفي معنى الوطن الوصول إلى الموضع الذي يسافر إليه إذآ عزم على الاقامة فيه القدر المانع من الترخص فلو لم ينو الاقامة به ذلك القدر لم ينته سفره بالوصول إليه على الأظهر
ولو حصل في طريقه في قرية أو بلدة له بها أهل وعشيرة فهل ينتهي سفره بدخولها قولان
أظهرهما لا
ولو مر في طريق سفره بوطنه بأن خرج من مكة إلى مسافة القصر ونوى أنه إذا رجع إلى مكة خرج إلى موضع آخر من غير إقامة فالمذهب الذي قطع به الجمهور أنه يصير مقيما بدخولها
وقال الصيدلاني وغيره فيه القولان كبلد أهله
فعلى أحدهما العود إلى الوطن لا يوجب انتهاء السفر إلا إذا كان عازما على الاقامة
الأمر الثاني نية الاقامة
فإذا نوى في طريقه الاقامة مطلقا انقطع سفره فلا يقصر
فلو أنشأ السير بعد ذلك فهو سفر جديد فلا يقصر إلا إذا توجه إلى مرحلتين
هذا إذا نوى الاقامة في موضع يصلح لها من بلدة

أو قرية أو واد يمك البدوي النزول فيه للاقامة
فأما المفازة ونحوها ففي انقطاع السفر بنية الاقامة فيها قولان
أظهرهما عند الجمهور انقطاعه
ولو نوى إقامة ثلاثة أيام فأقل لم يصر مقيما قطعا وإن نوى أكثر من ثلاثة قال الشافعي وجمهور الأصحاب إن نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما
وذلك يقتضي أن نية دون الأربعة لا تقطع السفر وإن زاد على ثلاثة وقد صرح به كثيرون واختلفوا في أن الأربعة كيف تحسب على وجهين في التهذيب وغيره أحدهما يحسب منها يوما الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف من مدة المسح
وأصحهما لا يحسبان فعلى الأول لو دخل يوم السبت وقت الزوال بنية الخروج يوم الأربعاء وقت الزوال صار مقيما
وعلى الثاني لا يصير ( مقيما ) وإن دخل ضحوة السبت وخرج عشية الأربعاء
وقال إمام الحرمين والغزالي متى نوى إقامة زائدة على ثلاثة أيام صار مقيما
وهذا الذي قالاه موافق لما قاله الجمهور لأنه لا يمكن زيادة على الثلاثة غير يومي الدخول والخروج بحيث لا يبلغ الأربعة ثم الأيام المحتملة معدودة مع لياليها
وإذا نوى ما لا يحتمل صار مقيما في الحال
ولو دخل ليلا لم يحسب بقية الليلة ويحسب الغد
وجميع ما ذكرناه في غير المحارب أما المحارب إذا نوى إقامة قدر يصير غيره به مقيما ففيه قولان
أظهرهما أنه كغيره
والثاني يقصر أبدا
قلت ولو نوى العبد إقامة أربعة أيام أو الزوجة أو الجيش ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير ففي لزوم الاتمام في حقهم وجهان
الأقوى أن لهم القصر

لأنهم لا يستقلون فنيتهم كالعدم
والله أعلم
الأمر الثالث صورة الاقامة فإذا عرض له شغل في بلدة أو قرية فأقام له فله حالان
أحدهما أن يرجو فراغ شغله ساعة فساعة وهو على نية الارتحال عند فراغه
والثاني يعلم أن شغله لا ينقضي في ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج كالتفقه والتجارة الكثيرة ونحوهما فالأول له القصر إلى أربعة أيام على ما سبق تفصيله
وفيما بعد ذلك طريقان
الصحيح منهما فيه ثلاثة أقوال
أحدها يجوز القصر أبدا سواء فيه المقيم على القتال أو الخوف من القتال والمقيم لتجارة وغيرهما
والثاني لا يجوز القصر أصلا
والثالث وهو الأظهر يجوز ثمانية عشر يوما فقط وقيل سبعة عشر وقيل تسعة عشر وقيل عشرين
والطريق الثاني أن هذه الأقوال في المحارب ويقطع بالمنع في غيره
وأما الحال الثاني فإن كان محاربا وقلنا في الحال الأول لا يقصر فهنا أولى
وإلا فقولان
أحدهما يترخص أبدا
والثاني ثمانية عشر
وإن كان غير محارب كالمتفقه والتاجر فالمذهب أنه لا يترخص أصلا
وقيل هو كالمحارب وهو غلط

فرع وأما كون السفر طويلا فلا بد منه

والطويل ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي وهي ستة عشر فرسخا وهي أربعة برد وهي مسيرة يومين معتدلين
فالميل أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة أقدام
وهل هذا الضبط تحديد أم تقريب وجهان
الأصح تحديد
وحكي قول شاذ أن القصر يجوز في السفر القصير بشرط الخوف
والمعروف الأول
واستحب الشافعي رحمه الله أن لا يقصر إلا في ثلاثة أيام للخروج من خلاف أبي حنيفة في ضبطه به
والمسافة في البحر مثل المسافة في البر وإن قطعها في لحظة
فإن شك فيها اجتهد
قلت ولو حبستهم الريح فيه قال الدارمي هو كالاقامة في البر بغير نية الاقامة
والله أعلم

واعلم أن مسافة الرجوع لا تحسب فلو قصد موضعا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه فليس له القصر لا ذاهبا ولا راجعا وإن كان يناله مشقة مرحلتين متواليتين لأنه لا يسمى سفرا طويلا
وحكى الحناطي وجها أنه يقصر إذا كان الذهاب والرجوع مرحلتين وهو شاذ منكر
ويشترط عزمه في الابتداء على قطع مسافة القصر فلو خرج لطلب آبق أو غريم وينصرف متى لقيه ولا يعرف موضعه لم يترخص وإن طال سفره كما قلنا في الهائم فإذا وجده وعزم على الرجوع إلى بلده وبينهما مسافة القصر يرخص إذا ارتحل عن ذلك الموضع
فلو كان في ابتداء السفر يعلم موضعه وأنه لا يلقاه قبل مرحلتين ترخص فلو نوى مسافة القصر ثم نوى أنه إن وجد الغريم رجع نظر إن نوى ذلك قبل مفارقة عمران البلد لم يترخص وبعد مفارقة العمران فوجهان
أصحهما يترخص ما لم يجده فإذا وجده صار مقيما
وكذا لو نوى قصد موضع في مسافة القصر ثم نوى الاقامة في بلد وسط الطريق فإن كان من مخرجه إلى المقصد الثاني مسافة القصر يترخص وإن كان أقل ترخص أيضا على الأصح ما لم يدخله
قلت هذا إذا نوى الإقامة أربعة أيام فإن نوى دونها فهو سفر واحد فله القصر في جميع طريقه وفي البلد الذي في الوسط
والله أعلم

فرع إذا سافر العبد بسير المولى والمرأة بسير الزوج والجندي بسير الأمير ولا يعرفون مقصدهم

فلو نووا مسافة القصر فلا عبرة بنية العبد والمرأة وتعتبر نية الجندي لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره فإن عرفوا مقصدهم فنووا فلهم القصر

قلت وإذا أسر الكفار رجلا فساروا به ولم يعلم أين يذهبون به لم يقصر
وإن سار معهم يومين قصر بعد ذلك
نص عليه الشافعي رحمه الله
فلو علم البلد الذي يذهبون به إليه فإن كان نيته أنه إن تمكن من الهرب هرب لم يقصر قبل مرحلتين
وإن نوى قصد ذلك البلد أو غيره ولا معصية في قصده قصر في الحال إن كان بينهما مرحلتان
والله أعلم

فرع لو كان لمقصده طريقان يبلغ أحدهما مسافة القصر دون الآخر فسلك
الأبعد نظر إن كان لغرض كالأمن أو السهولة أو زيادة أو عيادة ترخص
وكذا لو قصد التنزه على المذهب
وتردد الشيخ أبو محمد في اعتباره
وإن لم يكن غرض سوى الترخص فطريقان
أصحهما على قولين
أظهرهما لا يترخص
والطريق الثاني لا يترخص قطعا
ولو بلغ بكل واحد المسافة فسلك الأبعد لغير غرض ترخص في جميعه قطعا
فرع إذا خرج إلى بلد والمسافة طويلة ثم بدا له في أثناء
يرجع انقطع سفره فلا يجوز القصر ما دام في ذلك الموضع
فإذا فارقه فهو سفر جديد
فإنما يقصر إذا توجه منه إلى مرحلتين سواء رجع إلى وطنه أو استمر إلى مقصده الأول أو غيرهما
ولو خرج إلى بلد لا يقصر إليه الصلاة ثم نوى

مجاوزته إلى ما يقصر إليه الصلاة فابتداء سفره من حين غير النية فإنما يترخص إذا كان من ذلك الموضع إلى المقصد الثاني مرحلتان
ولو خرج إلى سفر طويل بنية الاقامة في كل مرحلة أربعة أيام لم يترخص

أو
من الزوج والغريم مع القدرة على الأداء والمسافر لقطع الطريق أو للزنى أو قتل البرىء
وأما العاصي في سفره وهو أن يكون السفر مباحا ويرتكب المعاصي في طريقه فله الترخص
ولو أنشأ سفرا مباحا ثم جعله معصية فالأصح أنه لا يترخص
ولو أنشأ سفر معصية ثم تاب وغير قصده من غير تغيير صوب السفر قال الأكثرون ابتداء سفره من ذلك الموضع
إن كان منه إلى مقصده مسافة القصر ترخص وإلا فلا
وقيل في الترخص وجهان كما لو نوى مباحا ثم جعله معصية
ثم العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ولا يتنفل على الراحلة ولا يجمع بين الصلاتين ولا يمسح ثلاثة أيام وله أن يمسح يوما وليلة على الصحيح
والثاني لا يمسح أصلا
وليس له أكل الميتة عند الاضطرار على المذهب وبه قطع الجماهير من العراقيين وغيرهم
وقيل وجهان
أصحهما لا يجوز تغليظا عليه لأنه قادر على استباحتها بالتوبة
والثاني الجواز
كما يجوز للمقيم العاصي على الصحيح الذي عليه الجمهور
وفي وجه شاذ لا يجوز للمقيم العاصي لقدرته على التوبة
قلت ولا تسقط الجمعة عن العاصي بسفره وفي تيممه خلاف تقدم في بابه
والله أعلم

ومما ألحق بسفر المعصية أن يتعب الانسان نفسه ويعذب دابته بالركض من غير غرض
ذكر الصيدلاني أنه لا يحل له ذلك
ولو كان يتنقل من بلد إلى بلد من غير غرض صحيح لم يترخص
قال الشيخ أبو محمد السفر لمجرد رؤية البلاد والنظر إليها ليس من الأغراض الصحيحة

فصل القصر جائز في كل صلاة رباعية مؤداة في السفر أدرك وقتها

فأما المغرب والصبح فلا قصر فيهما بالاجماع
وأما المقضية فإن فاتت في الحضر وقضاها في السفر لم يقصر خلافا للمزني
وإن شك هل فاتت في السفر أو الحضر لم يقصر أيضا
وإن فاتت في السفر فقضاها فيه أو في الحضر فأربعة أقوال
أظهرها إن قضى في السفر قصر وإلا فلا
والثاني يتم فيهما والثالث يقصر فيهما
والرابع إن قضى ذلك في السفر قصر وإن قضى في الحضر أو سفر آخر أتم
فإن قلنا يتم فيهما فشرع في الصلاة بنية القصر فخرج الوقت في أثنائها فهو مبني على أن الصلاة التي يقع بعضها في الوقت أداء أم قضاء
والصحيح أنه إن وقع في الوقت ركعة فأداء وإن كان دونها فقضاء
فإن قلنا قضاء لم يقصر
وإن قلنا أداء قصر على الصحيح
وقال صاحب التلخيص يتم

فرع إذا سافر في أثناء الوقت وقد مضى منه ما يمكن
فالنص أن له القصر
ونص فيما إذا أدركت من أول الوقت قدر الإمكان ثم حاضت أنه يلزمها القضاء وكذا سائر أصحاب العذر
فقال الأصحاب في المسألتين طريقان
أحدهما وهو المذهب العمل بظاهر النصين والثاني فهما قولان
أحدهما يلزم الحائض الصلاة ويجب على المسافر الاتمام
والثاني لا يلزمها الصلاة ويجوز له القصر
وقال أبو الطيب ابن سلمة إن سافر وقد بقي من الوقت أربع ركعات لم يقصر
وإن بقي أكثر قصر
والجمهور على أنه لا فرق
أما إذا سافر وقد بقي أقل من قدر الصلاة فإن قلنا كلها أداء قصر وإلا فلا
وإن مضى من الوقت دون ما يسع الصلاة وسافر قال إمام الحرمين ينبغي أن يمتنع القصر إن قلنا تمتنع لو مضى ما يسع الصلاة بخلاف ما لو حاضت بعد مضي القدر الناقص فإنه لا يلزمها الصلاة على المذهب لأن عروض السفر لا ينافي إتمام الصلاة وعروض الحيض ينافيه
قلت هذا الذي ذكره الامام شاذ مردود فقد صرحوا بأنه يقصر هنا بلا خلاف
ونقل القاضي أبو الطيب إجماع المسلمين أنه يقصر
والله أعلم

فصل للقصر أربع شروط
أحدها أن لا يقتدي بمتم فإن فعله ولو في لحظة لزمه الاتمام
والاقتداء في لحظة يتصور من وجوه
منها أن يدرك الامام في آخر صلاته أو يحدث الامام عقب اقتدائه وينصرف
ولو صلى الظهر خلف من يقضي الصبح مسافرا كان أو مقيما لم يجز القصر على الأصح
ولو صلى الظهر خلف من يصلي الجمعة فالمذهب أنه لا يجوز القصر مطلقا وقيل إن قلنا الجمعة ظهر مقصورة قصر وإلا فهي كالصبح
قلت وسواء كان إمام الجمعة مسافرا أو مقيما فهذا حكمه
ولو نوى الظهر مقصورة خلف من يصلي العصر مقصورة جاز
والله أعلم
ثم المقتدي تارة يعلم حال إمامه وتحرة يجهلها
فإن علم نظر إن علمه مقيما أو ظنه لزمه الإتمام
فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر
بخلاف المقيم ينوي القصر لا تنعقد صلاته لأنه ليس من أهل القصر والمسافر من أهله فلم يضره نية القصر
كما لو شرع في الصلاة بنية القصر ثم نوى الاتمام أو صار مقيما
وإن علمه أو ظنه مسافرا أو علم أو ظن أنه نوى القصر فله أن يقصر خلفه وكذا إن لم يدر أنه نوى القصر ولا يلزم الإتمام بهذا التردد لأن الظاهر من حال المسافر القصر
ولو عرض هذا التردد في أثناء الصلاة لم يلزم الاتمام
ولو لم يعرف نيته فعلق عليها فنوى إن قصر قصرت وإن أتم أتممت فوجهان أصحهما جواز التعليق فإن أتم الامام أتم وإن قصر قصر
فلو فسدت صلاة الامام أو أفسدها

ثم قال كنت نويت القصر فللمأموم القصر
وإن قال كنت نويت الاتمام لزمه الاتمام
وإن انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه فالأصح لزوم الاتمام
قاله أبو إسحق
والثاني جواز القصر قاله ابن سريج
أما إذا لم يعلم ولم يظن أنه مسافر أو مقيم بل شك فيلزمه الاتمام وإن بان الامام مسافرا قاصرا
ولنا وجه أنه إذا بان قاصرا جاز القصر وهو شاذ

فرع إذا اقتدى بمقيم أو مسافر متم ثم فسدت صلاة الامام أو
أو فسدت صلاة المأموم فاستأنفها لزمه الاتمام
ولو اقتدى بمن ظنه مسافرا فبان مقيما لزمه الاتمام لتقصيره فإن شعار المسافر ظاهر
وإن بان أنه مقيم محدث نظر إن بان كونه مقيما أولا لزم الاتمام
وإن بان كونه محدثا أولا أو بانا معا فطريقان
أشهرهما على وجهين
أصحهما له القصر
والطريق الثاني له القصر قطعا إذ لا قدوة
ولو شرع في الصلاة مقيما ثم بان أنه محدث ثم سافر والوقت باق فله القصر لعدم الشروع الصحيح
بخلاف ما لو شرع فيها مقيما ثم عرض سبب مفسد فإنه يلزمه الاتمام لالتزامه ذلك بالشروع الصحيح
ولو اقتدى بمقيم ثم بان حدث المأموم فله القصر
وكذا لو اقتدى بمن يعرفه محدثا ويظنه مقيما فله القصر لأنه لم يصح شروعه

فرع المذهب الصحيح الجديد أنه يجوز أن يستخلف الامام إذا فسدت
بحدث أو غيره من يتم بالمأمومين
وسيأتي بيان هذا في باب الجمعة إن شاء الله تعالى
فإذا أم مسافر مسافرين ومقيمين ففسدت صلاته برعاف أو سبق حدث فاستخلف مقيما لزم المسافرين المقتدين الاتمام
كذا قطع به الأصحاب
ويجيء فيه وجه لأنا سنذكر وجها في مسائل الاستخلاف إن شاء الله تعالى أنه يجب عليهم نية الاقتداء بالخليفة
فعلى هذا إنما يلزم الاتمام إذا نووا الاقتداء
وإنما فرع الأصحاب على الصحيح أن نية الاقتداء بالخليفة لا تجب
وأما الامام الذي سبقه الحدث والرعاف فظاهر نص الشافعي رحمه الله يقتضي وجوب إتمامه
واختلفوا في معناه فالصحيح ما قاله أبو إسحق المروزي والأكثرون أن مراده أن يعود بعد غسل الدم ويقتدي بالخليفة إما بناء على القول القديم وإما استئنافا على الجديد فيلزمه الاتمام لأنه اقتدى بمقيم في بعض صلاته
فإن لم يقتد به لم يلزمه الاتمام
وقيل يجب الاتمام عاد أو لم يعد عملا بظاهر النص لأن فرعه متم فهو أولى وغلطه الأصحاب
وقيل إن هذا تفريع على القديم إن سبق الحدث لا يبطلها فيكون الراعف في انصرافه في حكم المؤتم بخليفته المقيم
وضعفه الأصحاب أيضا فإن البناء إنما يجوز على القديم والاستخلاف لا يجوز على القديم
وقيل مراده أن يحس الامام بالرعاف قبل خروج الدم فيستخلف ثم يخرج فيلزمه الاتمام لأنه صار مقتديابمقيم في جزء من صلاته
وضعفه المحاملي وغيره لأنه استخلاف قبل العذر وليس بجائز
وقال الشيخ أبو محمد الاحساس به عذر
ومتى حضر إمام حاله أكمل جاز استخلافه

قلت هذا كله إذا استخلف الامام مقيم
فلو لم يستخلف ولا استخلف المأمومون بنوا على صلاتهم فرادى
وجاز للمسافرين منهم والراعف القصر قطعا
وكذا لو استخلف الامام مسافرا أو استخلفه القوم قصر المسافرون والراعف
فلو لم يستخلف الإمام الراعف واستخلف القوم مقيما فوجهان
حكاهما صاحب الحاوي أحدهما أنه كاستخلاف الراعف على ما مضى
وأصحهما يجوز للراعف هنا القصر بلا خلاف إذا لم يقتد به لأنه ليس فرعا له
ولو استخلف المقيمون مقيما والمسافرون مسافرا جاز
وللمسافرين القصر خلف إمامهم وكذا لو تفرقوا ثلاث فرق أو أكثر وأم كل فرقة إمام
نص عليه الشافعي
والله أعلم
الشرط الثاني نية القصر
فلا بد منها عند ابتداء الصلاة
ولا يجب استدامة ذكرها لكن يشترط الانفكاك عما يخالف الجزم بها
فلو نوى القصر أولا ثم نوى الاتمام أو تردد بين القصر والاتمام أو شك هل نوى القصر ثم ذكر في الحال أنه نواه لزمه الاتمام
ولو اقتدى بمسافر علم أو ظن أنه نوى القصر فصلى ركعتين ثم قام الامام إلى ثالثة نظر إن علم أنه نوى الاتمام لزمه الاتمام ولو علم أنه ساه بأن كان حنفيا لا يرى الاتمام لم يلزمه الاتمام ويتخير إن شاء خرج عن متابعته وسجد للسهو وسلم وإن شاء انتظره حتى يعود
فلو أراد أن يتم أتم لكن لا يجوز أن يقتدي بالامام في سهوه لأنه غير محسوب له
ولا يجوز الاقتداء بمن علمنا أنه ما هو فيه غير محسوب له كالمسبوق إذا أدرك من آخر الصلاة ركعة فقام الامام سهوا إلى ركعة زائدة لم يكن للمسبوق أن يقتدي به في تدارك ما عليه
فلو شك هل قام ساهيا أم متما لزمه الاتمام
ولو نوى القصر وصلى ركعتين ثم قام إلى ثالثة نظر إن حدث ما يوجب الاتمام كنية الإتمام أو الاقامة أو حصوله بدار الاقامة في السفينة فقام لذلك فقد فعل واجبه
فإن لم يحدث شىء من ذلك وقام

غمدا بطلت صلاته
كما لو قام المقيم المذكور إلى ركعة خامسة أو قام المتنفل إلى ركعة زائدة قبل تغيير النية
وإن قام سهوا ثم ذكر لزمه أن يعود ويسجد للسهو ويسلم
فلو بدا له بعد التذكر أن يتم عاد إلى القعود ثم نهض متما
وفي وجه ضعيف له أن يمضي في قيامه
فلو صلى ثالثة ورابعة سهوا وجلس للتشهد فتذكر سجد للسهو وهو قاصر وركعتاه الزائدتان غير محسوبتين
فلو نوى الاتمام لزمه أن يقوم ويصلي ركعتين أخريين ويسجد للسهو في آخر صلاته
الشرط الثالث أن يكون مسافرا من أول الصلاة إلى آخرها
فلو نوى الاقامة في أثنائها أو انتهت به السفينة إلى دار الاقامة أو سارت به من دار الاقامة في اثنائها أو شك هل نوى الاقامة أم لا أو دخل بلدا وشك هل هو مقصوده أم لا لزمه الاتمام
الشرط الرابع العلم بجواز القصر
فلو جهل جوازه فقصر لم يصح لتلاعبه نص عليه في الأم
قلت ويلزمه إعادة هذه الصلاة أربعا لإلزامه الاتمام
والصورة فيمن نوى الظهر مطلقا ثم سلم من ركعتين عمدا
أما لو نوى جاهل القصر الظهر ركعتين متلاعبا فيعيدها مقصورة إذا علم القصر بعد شروعه
والله أعلم

باب الجمع بين الصلاتين
يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديما في وقت الأولى أو تأخيرا في وقت الثانية في السفر الطويل
ولا يجوز في القصير على

الأظهر
والأفضل للسائر في وقت الأولى أن يؤخرها إلى الثانية وللنازل في وقتها تقديم الثانية
ولا يجوز الجمع في سفر المعصية ولا جمع الصبح إلى غيرها ولا العصر إلى المغرب
فأما الحجاج من أهل الآفاق فيجمعون بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء وذلك الجمع بسبب السفر على المذهب الصحيح
وقيل بسبب النسك
فإن قلنا بالأول ففي جمع المكي القولان لأن سفره قصير ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفي بمزدلفة لأنه وطنه
وهل يجمع كل واحد منهما بالبقعة الأخرى فيه القولان كالمكي
وإن قلنا بالثاني جاز الجمع لجميعهم
ومن الأصحاب من يعبر بعبارة أخرى فيقول في جمع المكي قولان
الجديد منعه
والقديم جوازه
وعلى القديم في العرفي والمزدلفي وجهان
والمذهب منع جميعهم على الاطلاق
وحكم الجمع في البقعتين حكمه في سائر الأسفار
ويتخير في التقديم والتأخير والاختيار التقديم بعرفة والتأخير بمزدلفة

فرع إذا جمع المسافر في وقت الأولى اشترط ثلاثة أمور

أحدها الترتيب فيبدأ بالأولى
فلو بدأ بالثانية لم يصح
وتجب إعادتها بعد الأولى
وو بدأ بالأولى ثم صلى الثانية فبان فساد الأولى فالثانية فاسدة أيضا
الأمر الثاني نية الجمع
والمذهب أنها تشترط
ويكفي حصولها عند الاحرام بالأولى أو في اثنائها أو مع التحلل منها ولا يكفي بعد التحلل
ولنا قول أنها تشترط عند الاحرام بالأولى ووجه أنها تجوز في اثنائها
ولا

تجوز مع التحلل ووجه أنها تجوز بعد التحلل قبل الاحرام بالثانية
وهو قول خرجه المزني للشافعي
ووجه آخر لأصحابنا وهو مذهب المزني أن نية الجمع لا تشترط أصلا
قلت قال الدارمي لو نوى الجمع ثم نوى تركه في أثناء الأولى ثم نوى الجمع ثانيا ففيه القولان
والله أعلم
الأمر الثالث الموالاة
والصحيح المشهور اشتراطها
وقال الأصطخري وأبو علي الثقفي يجوز الجمع وإن طال الفصل بين الصلاتين ما لم يخرج وقت الأولى
وحكى عن نصه في الأم أنه إذا صلى المغرب في بيته بنية الجمع وأتى المسجد فصلى العشاء جاز
والمعروف اشتراط الموالاة فلا يجوز الفصل الطويل ولا يضر اليسير
قال الصيدلاني حد أصحابنا اليسير بقدر الاقامة
والأصح ما قاله العراقيون أن الرجوع في الفصل إلى العادة
وقد تقتضي العادة إحتمال زيادة على قدر الاقامة ويدل عليه أن جمهور الأصحاب جوزوا الجمع بين الصلاتين بالتيمم وقالوا لا يضر الفصل بينهما بالطلب والتيمم لكن يخفف الطلب
ومنع أبو إسحق المروزي جمع المتيمم للفصل بالطلب
ومتى طال الفصل امتنع ضم الثانية إلى الأولى ويتعين تأخيرها إلى وقتها سواء طال بعذر كالسهو والإغماء أو بغيره
ولو جمع فتذكر بعد فراغه منهما أنه ترك ركنا من الأولى بطلتا جميعا وله إعادتهما جامعا
ولو تذكر تركه من الثانية فإن قرب الفصل تدارك ومضت الصلاتان على الصحة
وإن طال بطلت الثانية وتعذر الجمع لطول الفصل بالثانية الباطلة فيعيدها في وقتها
فلو لم يدر أنه ترك من الأولى أم من الثانية لزمه إعادتهما لاحتمال الترك من الأولى
ولا يجوز الجمع على المشهور
وفي قول شاذ يجوز كما لو أقيمت جمعتان في بلد ولم يعلم السابقة منهما يجوز إعادة الجمعة في قول
هذا كله إذا جمع في وقت الأولى فلو جمع في وقت الثانية لم يشترط الترتيب ولا الموالاة ولا نية الجمع حال الصلاة على الصحيح
وتشترط

الثلاثة على الثاني فعلى الاشتراط لو أخل بواحد منها صارت الأولى قضاء فلا يجوز قصرها إن لم نجوز قصر القضاء
قال الأصحاب ويجب أن ينوي في وقت الأولى كون التأخير بنية الجمع
فلو أخر بغير نية حتى خرج الوقت أو ضاق بحيث لم يبق منه ما تكون الصلاة فيه أداء عصى وصارت الأولى قضاء

فرع إذا جمع تقديما فصار في أثناء الأولى أو قبل الشروع في
مقيما بنية الاقامة أو وصول السفينة دار الاقامة بطل الجمع فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها وأما الأولى فصحيحة
فلو صار مقيما في أثناء الثانية فوجهان
أحدهما يبطل الجمع كما يمتنع القصر بالاقامة في أثنائها
فعلى هذا هل تكون الثانية نفلا أم تبطل فيه الخلاف كنظائره
وأصحهما لا يبطل الجمع صيانة لها عن البطلان بعد الانعقاد بخلاف القصر فإن وجوب الاتمام لا يبطل فرضية ما مضى من صلاته
أما إذا صار مقيما بعد الفراغ من الثانية فإن قلنا الاقامة في أثنائها لا تؤثر فهنا أولى وإلا فوجهان
الأصح لا يبطل الجمع كما لو قصر ثم أقام
ثم قال صاحب التهذيب وآخرون الخلاف فيما إذا أقام بعد فراغه من الصلاتين إما في وقت الأولى وإما في وقت الثانية قبل مضي إمكان فعلها
فإن كان بعد إمكان فعلها لم تجب إعادتها بلا خلاف
وصرح إمام الحرمين بجريان الخلاف مهما بقي من وقت الثانية شىء
هذا كله إذا جمع تقديما
فلو جمع في وقت الثانية فصار مقيما بعد فراغه منهما لم يضر
وإن كان قبل الفراغ صارت الأولى قضاء

فصل يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بعذر المطر
ولنا قول شاذ ضعيف حكاه إمام الحرمين أنه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب دون الظهر والعصر وهو مذهب مالك
وقال المزني لا يجوز مطلقا وسواء عندنا قوي المطر وضعيفه إذا بل الثوب والشفان مطر وزيادة
قلت الشفان بفتح الشين المعجمة وتشديد الفاء وآخره نون وهو برد ريح فيه ندوة وكذا قاله أهل اللغة
وهو تصريح بأنه ليس بمطر فضلا عن كونه مطرا وزيادة فكأن الرافعي قلد صاحب التهذيب في إطلاق هذه العبارة المنكرة
وصوابه أن يقال الشفإن له حكم المطر لتضمنه القدر المبيح من المطر وهو ما يبل الثوب وهو موجود في الشفان
والله أعلم
والثلج والبرد إن كانا يذوبان فكالمطر وإلا فلا
وفي وجه شاذ لا يرخصان بحال
ثم هذه الرخصة لمن يصلي جماعة في مسجد يأتيه من بعد ويتأذى بالمطر في إتيانه
فأما من يصلي في بيته منفردا أو في جماعة أو مشى إلى المسجد في كن أو كان المسجد في باب داره أو صلى النساء في بيوتهن جماعة أو حضر جميع الرجال في المسجد وصلوا أفرادا فلا يجوز الجمع على الأصح
وقيل على الأظهر
ثم إن أراد الجمع في وقت الأولى فشروطه كما تقدمت في جمع السفر
وإن أراد تأخير الأولى إلى الثانية كالسفر لم يجز على الأظهر الجديد ويجوز على القديم
فإذا جوزناه قال العراقيون يصلي الأولى مع الثانية سواء اتصل المطر أو انقطع
وقال في التهذيب

إذا انقطع قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع ويصلي الأولى في آخر وقتها كالمسافر إذا أخر بنية الجمع ثم أقام قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع ويصلي الأولى في آخر وقتها
ومقتضى هذا أن يقال لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع وصارت الأولى قضاء كما لو صار مقيما
وعكس صاحب الإبانة ما قاله الأصحاب واتفقوا عليه فقال يجوز الجمع في وقت الثانية
وفي جوازه في وقت الأولى وجهان
وهذا نقل منكر
وأما إذا جمع في وقت الأولى فلا بد من وجود المطر في أول الصلاتين ويشترط وجوده أيضا عند التحلل من الأولى على الأصح الذي قاله أبو زيد وقطع به العراقيون وصاحب التهذيب وغيرهم
والثاني لا يشترط
ونقله في النهاية عن معظم الأصحاب
ولا يضر انقطاعه فيما سوى هذه الأحوال الثلاث
هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأصحاب في طرقهم
ونقل في النهاية عن بعض المصنفين أنه قال في انقطاعه في أثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف المتقدم في طريان الإقامة في جمع السفر
وضعفه وأنكره وقال إذا لم يشترط دوام المطر في الأولى فأولى أن لا يشترط في الثانية وما بعدها
وذكر القاضي ابن كج عن بعض الأصحاب أنه لو افتتح الصلاة الأولى ولا مطر ثم مطرت في أثنائها ففي جواز الجمع القولان في نية الجمع في أثناء الأولى
واختار ابن الصباغ هذه الطريقة والصحيح المشهور ما قدمناه

فرع يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر للمطر فإذا قدم العصر فلا
بد من وجود المطر في الأحوال الثلاثة كما تقدم
قال صاحب البيان ولا يشترط

وجوده في الخطبتين وقد ينازع فيه ذهابا إلى جعلهما بدل الركعتين
قال وإن أراد تأخير الجمعة إلى وقت العصر جاز إذا جوزنا تأخير الظهر فيخطب في وقت العصر ويصلي

فرع المعروف في المذهب أنه لا يجوز الجمع بالمرض ولا الخوف ولا
الوحل
وقال جماعة من أصحابنا يجوز بالمرض والوحل
ممن قاله من أصحابنا أبو سليمان الخطابي والقاضي حسين واستحسنه الروياني
فعلى هذا يستحب أن يراعي الأرفق بنفسه فإن كان يحم مثلا في وقت الثانية قدمها إلى الأولى بالشرائط المتقدمة وإن كان يحم في وقت الأولى أخرها إلى الثانية
قلت القول بجواز الجمع بالمرض ظاهر مختار
فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر
وقد حكى الخطابي عن القفا الكبير الشاشي عن أبي إسحق المروزي جواز الجمع في الحضر للحاجة من غير اشتراط الخوف والمطر والمرض وبه قال ابن المنذر من أصحابنا
والله أعلم

فرع إذا جمع الظهر والعصر صلى سنة الظهر ثم سنة العصر

وفي جمع العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر
قلت هذا الذي قاله الإمام الرافعي في المغرب والعشاء صحيح وأما في الظهر والعصر فشاذ ضعيف والصواب الذي قاله المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر
وكيف يصح سنة الظهر التي بعدها قبل فعلها وقد تقدم أن وقتها يدخل بفعل الظهر وكذا سنة العصر لا يدخل وقتها إلا بدخول وقت العصر ولا يدخل وقت العصر المجموعة إلى الظهر إلا بفعل الظهر الصحيحة
والله أعلم
فصل الرخص المتعلقة بالسفر الطويل
أربع القصر والفطر والمسح على الخف ثلاثة أيام ولياليهن والجمع على
والتي تجوز في القصر أيضا أربع ترك الجمعة وأكل الميتة وليس مختصا بالسفر والتنفل على الراحلة على المشهور والتيمم وإسقاط الفرض به على الصحيح فيهما

فصل القصر أفضل من الاتمام على الأظهر
وعلى الثاني الإتمام
وفي وجه هما سواء
واستثنى الأصحاب صورا من الخلاف
منها إذا كان السفر دون ثلاثة أيام فالإتمام أفضل قطعا
نص عليه وقد تقدم
ومنها أن يجد من نفسه كراهة القصر فيكاد يكون رغبة عن السنة فالقصر لهذا أفضل قطعا بل يكره له الاتمام إلى أن تزول تلك الكراهة
وكذلك القول في جميع الرخص في هذه الحالة
ومنها الملاح الذي يسافر في البحر ومعه أهله وأولاده في سفينة فإن الأفضل له الاتمام
نص عليه في الأم
وفيه خروج من الخلاف فإن أحمد لا يجوز له القصر
قلت ومنها ما حكاه صاحب البيان عن صاحب الفروع أن الرجل إذا كان لا وطن له وعادته السير أبدا فله القصر ولكن الاتمام أفضل والله أعلم
واعلم أن صوم رمضان في السفر لمن أطاقه أفضل من الافطار على المذهب
قلت وترك الجمع أفضل بلا خلاف فيصلي كل صلاة في وقتها للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوزونه
وممن نص على أن تركه أفضل الغزالي وصاحب التتمة
قال الغزالي في البسيط

لا خلاف أن ترك الجمع أفضل
قال أصحابنا وإذا جمع كانت الصلاتان أداء سواء جمع في وقت الأولى أو الثانية
ولنا وجه شاذ في الوسيط وغيره أن المؤخرة تكون قضاء
وغسل الرجل أفضل من مسح الخف إلا إذا تركه رغبة عن السنة أو شك في جوازه كما تقدم
ومن فروع هذا الكتاب لو نوى الكافر أو الصبي السفر إلى مسافة القصر ثم أسلم وبلغ في أثناء الطريق فلهما القصر في بقيته
ولونوى مسافران إقامة أربعة أيام وأحدهما يعتقد انقطاع القصر بها كالشافعي والآخر لا يعتقده كالحنفي كره للأول أن يقتدي بالثاني
فإن اقتدى صح
فاذا سلم الامام من ركعتين قام المأموم لإتمام صلاته
ولا يجوز القصر في البلد للخوف ولا يقصر الصلاة في الخوف إلى ركعة
وفي حديث ابن عباس في مسلم فرضت الصلاة في السفر ركعتين وفي الخوف ركعة معناه ركعة مع الامام وينفرد المأموم بأخرى والله أعلم


كتاب صلاة الجمعة
فيه ثلاثة أبواب الباب الأول في شروطها اعلم أن صلاة الجمعة فرض عين
وحكى ابن كج وجها أنها فرض كفاية
وحكي قولا وغلطوا حاكيه قال الروياني لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي رحمه الله
واعلم أن الجمعة كالفرائض الخمس في الأركان والشروط إلا أنها تختص بثلاثة أشياء
أحدها اشتراط أمور زائدة لصحتها
والثاني اشتراط أمور زائدة لوجوبها
والثالث آداب تشرع فيها
وهذا الباب لشروط الصحة
وهي ستة الأول الوقت فلا تقضى الجمعة على صورتها بالاتفاق ووقتها وقت الظهر
ولو خرج الوقت أو شكوا في خروجه لم يشرعوا فيها
ولو بقي من الوقت ما لا يسع خطبتين وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه لم يشرعوا فيها بل يصلون الظهر
نص عليه في الأم
ولو شرعوا فيها في الوقت ووقع بعضها خارجه فاتت الجمعة قطعا ووجب عليهم إتمامها ظهرا على المذهب
وفيه قول مخرج أنه يجب استئناف الظهر
فعلى المذهب يسر بالقراءة من حينئذ

ولا يحتاج إلى تجديد نية الظهر على الأصح
وإن قلنا بالمخرج فهل تبطل صلاته أم تنقلب نفلا قولان مذكوران في نظائره تقدما في أول صفة الصلاة ولو شك هل خرج الوقت وهو في الصلاة أتمها جمعة على الصحيح وظهرا على الثاني
ولو قام المسبوق الذي أدرك ركعة ليأتي بالثانية فخرج الوقت قبل سلامه أتمها ظهرا على الأصح وجمعة على الثاني
ولو سلم الإمام والقوم التسليمة الأولى في الوقت والثانية خارجه صحت جمعتهم
ولو سلم الإمام الأولى خارج الوقت فاتت جمعة الجميع
ولو سلم الإمام وبعض المأمومين الأولى في الوقت وسلمها بعض المأمومين خارجه فمن سلمها خارجه فظاهر المذهب بطلان صلاتهم
وأما الإمام ومن سلم معه في الوقت فإن بلغوا عددا تصح بهم الجمعة صحت لهم وإلا فهو شبيه بمسألة الانفضاض
ثم سلامه وسلامهم خارج الوقت إن كان مع العلم بالحال تعذر بناء الظهر عليه قطعا لبطلان الصلاة إلا أن يغيروا النية إلى النفل ويسلموا ففيه ما سبق
وإن كان عن جهل منه لم تبطل صلاته
وهل يبني أم يستأنف فيه الخلاف الذي ذكرناه
الشرط الثاني دار الإقامة فيشترط لصحة الجمعة دار الإقامة وهي الأبنية التي يستوطنها العدد الذين يصلون الجمعة سواء فيه البلاد والقرى والأسراب التي يتخذها وطنا وسواء فيه البناء من حجر أو طين أو خشب
وأما أهل الخيام النازلون في الصحراء ويتنقلون في الشتاء أو غيره فلا تصح جمعتهم فيها فإن كانوا لا يفارقونها شتاء ولا صيفا فالأظهر أنها لا تصح
والثاني تصح وتجب
ولو انهدمت أبنية القرية أو البلد فأقام أهلها على العمارة لزمهم الجمعة فيها سواء كانوا في مظال أو غيرها لأنه محل الاستيطان
ولا يشترط إقامتها في مسجد ولا في كن بل يجوز في فضاء معدود من خطة البلد فأما الموضع الخارج عن البلد الذي إذا انتهى إليه الخارج للسفر قصر فلا يجوز إقامة الجمعة فيه


الشرط الثالث أن لا يسبق الجمعة ولا يقارنها أخرى
قال الشافعي رحمه الله ولا يجمع في مصر وإن عظم وكثرت مساجده إلا في موضع واحد
وأما بغداد فقد دخلها الشافعي رحمه الله وهم يقيمون الجمعة في موضعين
وقيل في ثلاثة فلم ينكر عليهم
واختلف أصحابنا في أمرها على أوجه
أصحها أنه إنما جازت الزيادة فيها على جمعة لأنها بلدة كبيرة يشق اجتماعهم في موضع واحد فعلى هذا تجوز الزيادة على الجمعة الواحدة في جميع البلاد إذا كثر الناس وعسر اجتماعهم وبهذا قال أبو العباس وأبو إسحق وهو الذي اختاره أكثر أصحابنا تصريحا وتعريضا بالسلام
وممن رجحه القاضي ابن كج والحناطي بالحاء المهملة المفتوحة وتشديد النون والقاضي الروياني والغزالي
والثاني إنما جازت الزيادة فيها لأن نهرها يحول بين جانبيها فيجعلها كبلدتين
قاله أبو الطيب ابن سلمة
وعلى هذا لا يقام في كل جانب إلا جمعة
فكل بلد حال بين جانبيه نهر يحوج إلى السباحة فهو كبغداد
واعترض عليه بأنه لو كان الجانبان كبلدين لقصر من عبر من أحدهما إلى الآخر والتزم ابن سلمة المسألة وجوز القصر
والثالث إنما جازت الزيادة لأنها كانت قرى متفرقة ثم اتصلت الأبنية فأجري عليها حكمها القديم فعلى هذا يجوز تعدد الجمعة في كل بلد هذا شأنه
واعترض عليه أبو حامد بما اعترض على الثاني
ويجاب بما أجيب في الثاني
وأشار إلى هذا الجواب صاحب التقريب
والرابع أن الزيادة لا تجوز بحال وإنما لم ينكر الشافعي لأن المسألة اجتهادية وليس لمجتهد أن ينكر على المجتهدين
وهذا ظاهرنص الشافعي رحمه الله المتقدم
واقتصر عليه الشيخ أبو حامد وطبقته لكن المختار عند الأكثرين ما قدمناه
وحيث منعنا الزيادة على جمعة فعقدوا جمعتين فله صور
أحدها أن تسبق إحداهما فهي الصحيحة
والثانية باطلة
وبم يعرف السبق فيه ثلاثة أوجه
أصحها بالإحرام
والثاني بالسلام
والثالث

بالشروع في الخطبة ولم يحك أكثر العراقيين هذا الثالث
فإذا قلنا بالأول فالاعتبار بالفراغ من تكبيرة الاحرام
فلو سبقت إحداهما بهمزة التكبيرة والأخرى بالراء منها فالصحيحة هي السابقة بالراء على الأصح
وعلى الثاني السابقة بالهمزة
ثم على اختلاف الأوجه لو سبقت إحداهما وكان السلطان مع الأخرى فالأظهر أن السابقة هي الصحيحة ولا أثر للسلطان
والثاني أن التي معها السلطان هي الصحيحة
ولو دخلت طائفة في الجمعة فأخبروا أن طائفة سبقتهم بما ذكرنا استحب لهم استئناف الظهر
وهل لهم أن يتموها ظهرا فيه الخلاف السابق فيما إذا خرج الوقت وهم في الجمعة
الصورة الثانية أن تقع الجمعتان معا فباطلتان وتستأنف جمعة إن وسع الوقت
الثالثة أن يشكل الحال ولا يدري اقترنتا أم سبقت إحداهما فيعيدون الجمعة أيضا لأن الأصل عدم جمعة مجزئة
قال إمام الحرمين وقد حكم الأئمة بأنهم إذا أعادوا الجمعة برئت ذمتهم
وفيه إشكال لاحتمال تقدم إحداهما فلا تصح أخرى ولا تبرأ ذمتهم بها
فسبيل اليقين أن يقيموا جمعة ثم يصلوا ظهرا
الرابعة أن تسبق إحداهما بعينها ثم تلتبس فلا تبرأ واحدة من الطائفتين عن العهدة خلافا للمزني
ثم ماذا عليهم فيه طريقان
المذهب أن عليهم الظهر
والثاني على القولين في الصورة الخامسة وبه قطع العراقيون
الخامسة أن تسبق إحداهما ولا يتعين بأن سمع مريضان أو مسافران تكبيرتين متلاحقتين وهما خارج المسجدين فأخبراهم بالحال ولم يعرفا المتقدمة فلا تبرأ واحدة منهما عن العهدة خلافا للمزني أيضا
وماذا عليهم قولان
أظهرهما في الوسيط أنهم يستأنفون الجمعة والثاني يصلون الظهر
قال الأصحاب وهو القياس


قلت الثاني أصح وصححه الأكثرون
والله أعلم
قال أصحابنا العراقيون لو كان الإمام في إحدى الطائفتين في الصور الأربع الأخيرة ترتب على الصورة الأولى
فإن قلنا التي فيها الإمام هي الصحيحة مع العلم بتأخرها فهنا أولى وإلا فلا أثر لحضوره
الشرط الرابع العدد
فلا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين هذا هو المذهب الصحيح المشهور
ونقل صاحب التلخيص قولا عن القديم أنها تنعقد بثلاثة إمام ومأمومين
ولم يثبته عامة الأصحاب
ويشترط في الأربعين الذكورة والتكليف والحرية والإقامة على سبيل التوطن
وصفة التوطن أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفا إلا لحاجة
فلو كانوا ينزلون في ذلك الموضع صيفا ويرتحلون شتاء أو عكسه فليسوا مستوطنين فلا تنعقد بهم
وفي انعقادها بالمقيم الذي لم يجعل الموضع وطنا له خلاف نذكره في الباب الثاني إن شاء الله تعالى
وتنعقد بالمرضى على المشهور
وفي قول شاذ لا تنعقد بهم كالعبيد
فعلى هذا صفة الصحة شرط خامس
ثم الصحيح أن الإمام من جملة الأربعين
والثاني يشترط أن يكون زائدا على الأربعين
وحكى الروياني هذا الخلاف قولين
الثاني القديم

فرع العدد المعتبر في الصلاة وهو الأربعون معتبر في الكلمات الواجبة

فلو حضر العدد ثم انفضوا كلهم أو بعضهم وبقي دون أربعين فتارة ينقصون قبل الخطبة وتارة فيها وتارة بعدها وتارة في الصلاة فإن انفضوا قبل افتتاح الخطبة لم يبتدأ بها حتى يجتمع أربعون

وإن كان في أثنائها فلا خلاف أن الركن المأتي به في غيبتهم غير محسوب بخلاف ما إذا نقص العدد في الصلاة فإن فيها خلافا لأن كلا يصلي لنفسه فسومح بنقص العدد فيها
والخطيب لا يخطب لنفسه إنما الغرض استماع الناس فما جرى ولا مستمع فات فيه الغرض فلم يحتمل
ثم إن عادوا قبل طول الفصل بنى على خطبته وبعد طوله قولان يعبر عنهما بأن الموالاة في الخطبة واجبة أم لا والأظهر أنها واجبة فيجب الإستئناف
والثاني غير واجبة فيبني
وبنى جماعة القولين على أن الخطبتين بدل من الركعتين فيجب الاستئناف أم لا فلا ولا فرق بين فوات الموالاة بعذر أو بغيره
ولو لم يعد الأولون واجتمع بدلهم أربعون وجب استئناف الخطبة طال الفصل أم قصر
أما إذا انفضوا بعد فراغ الخطبة فإن عادوا قبل طول الفصل صلى الجمعة بتلك الخطبة
وإن عادوا بعد طوله ففي اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان
الأظهر الاشتراط
فلا يمكن الصلاة بتلك الخطبة
وعلى الثاني يصلي بها
ثم نقل المازني أن الشافعي قال أحببت أن تبتدىء الخطبة ثم يصلي الجمعة فإن لم يفعل صلى بهم الظهر
واختلف الأصحاب في معناه فقال ابن سريج والقفال والأكثرون يجب أن يعيد الخطبة ويصلي بهم الجمعة لتمكنه
قالوا ولفظ الشافعي أوجبت ولكنه صحف
ومنهم من قال أراد بأحببت أوجبت
قالوا وقوله صلى بهم الظهر محمول على ما إذا ضاق الوقت
وقال أبو إسحق لا يجب إعادة الخطبة لكن يستحب وتجب الجمعة للقدرة
وقال أبو علي في الإفصاح لا تجب إعادة الخطبة ولا الجمعة ولكن يستحبان عملا بظاهر النص
ودليل الثاني والثالث في ترك الخطبة خوف الانفضاض ثانيا فسقطت بهذا العذر وحصل خلاف في وجوب إقامة الجمعة كما اختصره الغزالي فقال إن شرطنا الموالاة ولم تعد الخطبة أتم المنفضون
وهل يأثم الخطيب قولان


قلت الأصح قول ابن سريج ومتابعيه وأن الخطيب يأثم إذا لم يعد والله أعلم
وسواء طال الفصل والخطيب ساكت أو مستمر في الخطبة ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجبها في حال الانفضاض
أما إذا أحرم بالعدد المعتبر ثم حضر أربعون آخرون وأحرموا ثم انفض الأولون فلا يضر بل يتم الجمعة سواء كان اللاحقون سمعوا الخطبة أم لا
قال إمام الحرمين ولا يمتنع عندي أن يقال يشترط بقاء أربعين سمعوا الخطبة فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها
فأما إذا انفضوا ولحق أربعون على الاتصال فقد قال في الوسيط تستمر الجمعة
لكن يشترط هنا أن يكون اللاحقون سمعوا الخطبة
أما إذا انفضوا فنقص العدد في باقي الصلاة ففيه خمسة أقوال منصوصة ومخرجة
أظهرها تبطل الجمعة ويشترط العدد في جميعها
فعلى هذا لو أحرم الإمام وتبطأ المقتدون ثم أحرموا فإن تأخر تحرمهم عن ركوعه فلا جمعة
وإن لم يتأخروا عن ركوعه فقال القفال تصح الجمعة
وقال الشيخ أبو محمد يشترط أن لا يطول الفصل بين إحرامه وإحرامهم
وقال إمام الحرمين الشرط أن يتمكنوا من إتمام الفاتحة فإذا حصل ذلك لم يضر الفصل وهذا هو الأصح عند الغزالي
والقول الثاني إن بقي اثنان مع الإمام أتم الجمعة وإلا بطلت
والثالث إن بقي معه واحد لم تبطل وهذه الثلاثة منصوصة
الأولان في الجديد
والثالث القديم
ويشترط في الواحد والاثنين كونهما بصفة الكمال
وقال صاحب التقريب في اشتراط الكمال احتمال لأنا اكتفينا باسم الجماعة
قلت هذا الاحتمال حكاه صاحب الحاوي وجها محققا لأصحابنا حتى لو بقي

صبيان أو صبي كفى
والصحيح اشتراط الكمال
قال في النهاية احتمال صاحب التقريب غير معتد به
والله أعلم
والرابع لا تبطل وإن بقي واحدة
والخامس إن كان الانفضاض في الركعة الأولى بطلت الجمعة
وإن كان بعدها لم تبطل ويتم الإمام الجمعة وحده وكذا من معه إن بقي معه أحد
الشرط الخامس الجماعة
فلا تصح الجمعة بالعدد فرادى
وشروط الجماعة على ما سبق في غير الجمعة
ولا يشترط حضور السلطان ولا إذنه فيها
وحكى في البيان قولا قديما إنها لا تصح إلا خلف الإمام أو من أذن له وهو شاذ منكر
ثم لإمام الجمعة أحوال
أحدها أن يكون عبدا أو مسافرا فإن تم به العدد لم تصح الجمعة وإن تم بغيره صحت على المذهب
وقيل وجهان
أصحهما الصحة
والثاني البطلان
هذا إذا صليا الجمعة قبل أن يصليا الظهر
فإن كانا صليا ظهر يومهما فهما متنفلان بالجمعة
وفي الجمعة خلفهما ما يأتي في المتنفل
الحال الثاني أن يكون صبيا أو متنفلا فإن تم العدد به لم تصح وإن تم دونه صحت على الأظهر عند الأكثرين
واتفقوا على أن الجواز في المتنفل أظهر منه في الصبي لأنه من أهل الفرض ولا نقص فيه
الحال الثالث أن يصلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا أو عصرا فكالمتنفل
وقيل تصح قطعا لأنه يصلي فرضا
ولو صلوا خلف مسافر يقصر الظهر جاز إن قلنا إن الجمعة ظهر مقصورة
وإن قلنا صلاة على حيالها فكالصبح
الحال الرابع إذا بان الإمام بعد الصلاة جنبا أو محدثا فإن تم العدد به لم تصح
وإن تم دونه فالأظهر الصحة
نص عليه في الأم

وصححه العراقيون وأكثر أصحابنا
والثاني لا تصح لأن الجماعة شرط والإمام غير مصل بخلاف سائر الصلوات فإن الجماعة فيها ليست شرطا
وغايته أنهم صلوها فرادى
والمنع هنا أقوى منه في مسألة الاقتداء بالصبي
وقال الأكثرون المرجحون للأول لا نسلم أن حدث الإمام يمنع صحة الجماعة وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله
وقالوا لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ولا غيره من أحكام الجماعة
وعلى الأظهر قال صاحب البيان لو صلى الجمعة بأربعين فبان أن المأمومين محدثون صحت صلاة الإمام
بخلاف ما لو بانوا عبيدا أو نساء فإن ذلك مما يسهل الاطلاع عليه
وقياس من يذهب إلى المنع 0 أن لا تصح جمعة الإمام لبطلان الجماعة
الحال الخامس إذا قام الإمام في غير الجمعة إلى ركعة زائدة سهوا فاقتدى به إنسان فيها وأدرك جميع الركعة فإن كان عالما بسهوه لم تنعقد صلاته على الأصح
وإن كان جاهلا حسبت له الركعة ويبني عليها بعد سلام الإمام وإن لم تكن تلك الركعة محسوبة للإمام كالمحدث
بخلاف ما لو بان الإمام كافرا أو امرأة لأنهما ليسا أهلا للإمامة بحال
وعلى الوجه الثاني لا تنعقد الصلاة ولا تحسب هذه الركعة للمأموم
فلو جرى هذا في الجمعة فإن قلنا في غير الجمعة لا يدرك به الركعة لم يدرك به هنا الجمعة ولا تحسب عن الظهر أيضا وإن قلنا يدركها في غير الجمعة فهل تحسب هذه الركعة عن الجمعة وجهان بناء على القولين في المحدث
واختار ابن الحداد أنها لا تحسب
واعلم أن الأصحاب لم يذكروا في المحدث إذا لم تحصل الجمعة أن صلاة المقتدي به منعقدة وإن المأتي به يحسب عن الظهر حتى لو تبين الحال قبل سلام الإمام أو بعده على قرب يتمها ظهرا إذا جوزنا بناء الظهر على الجمعة
ومقتضى التسوية بين الفصلين الانعقاد والاحتساب عن الظهر


فرع إذا أدرك المسبوق ركوع الإمام في ثانية الجمعة كان مدركا للجمعة

فإذا سلم الإمام أتى بثانية وإذا أدركه بعد ركوعها لم يدرك الجمعة ويقوم بعد سلام الإمام إلى أربع للظهر وكيف ينوي هذا المدرك بعد الركوع وجهان
أصحهما ينوي الجمعة موافقة للإمام
والثاني الظهر لأنها الحاصلة
فلو صلى مع الإمام ركعة ثم قام فصلى أخرى وعلم في التشهد أنه ترك سجدة من إحدى الركعتين نظر إن علمها من الثانية فهو مدرك للجمعة فيسجد سجدة ويعيد التشهد ويسجد للسهو ويسلم
وإن علمها من الأولى أو شك لم يكن مدركا للجمعة وحصلت له ركعة من الظهر ولو أدركه في الثانية وشك هل سجد معه سجدة أم سجدتين فإن لم يسلم الإمام سجد بعد سجدة أخرى وكان مدركا للجمعة
وإن سلم الإمام لم يدرك الجمعة فيسجد ويتم الظهر
أما ذا أدرك في غير الجمعة الإمام في ركوع غير محسوب كركوع الإمام المحدث وركوع الإمام الساهي بزيادة ركعة وقلنا إنه لو أدركها كلها حسبت فوجهان
أصحهما لا يكون مدركا للركعة
والثاني يدركها
فلو أدرك ركوع ثانية الجمعة فبان الإمام محدثا وقلنا لو أدرك الركعة بكمالها مع المحدث في الجمعة حسبت فعلى هذين الوجهين الأصح لا يدرك الجمعة


فصل إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدث تعمده أو سبقه
أو بسبب أو بلا سبب فإن كان في غير الجمعة ففي جواز الاستخلاف قولان
أظهرهما الجديد يجوز
والقديم لا يجوز
ولنا وجه أنه يجوز بلا خلاف في غير الجمعة
وإنما القولان في الجمعة والمذهب طرد القولين في جميع الصلوات
فإن لم نجوز الاستخلاف أتم القوم صلاتهم فرادى
وإن جوزناه فيشترط كون الخليفة صالحا لإمامة القوم
فلو استخلف لإمامة الرجال امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم إلا أن يقتدوا بها
قال إمام الحرمين ويشترط حصول الاستخلاف على قرب
فلو فعلوا على الانفراد ركنا امتنع الاستخلاف بعده
وهل يشترط كون الخليفة ممن اقتدى بالإمام قبل حدثه قال الأكثرون من العراقيين وغيرهم إن استخلف في الركعة الأولى أو الثالثة من الرباعية من لم يقتد به جاز لأنه لا يخالفهم في الترتيب وإن استخلفه في الثانية أو الأخيرة لم يجز لأنه يحتاج إلى القيام ويحتاجون إلى القعود
وأطلق جماعة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به
وبه قطع إمام الحرمين وزاد فقال لو أمر الإمام أجنبيا فتقدم لم يكن خليفة بل عاقد لنفسه صلاة جاز على ترتيب نفسه فيها
فلو اقتدى به القوم فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة
وقد سبق الخلاف فيه في موضعه لأن قدوتهم انقطعت بخروج الإمام عن الصلاة
ولا يشترط كون الخليفة مقتديا في الأولى بل يجوز استخلاف المسبوق
ثم عليه مراعاة نظم صلاة الإمام فيقعد في موضع قعوده ويقوم في موضع قيامه كما كان يفعل لو لم يخرج عن الصلاة حتى لولحق الإمام في ثانية الصبح ثم أحدث الإمام فيها واستخلفه قنت وقعد فيها للتشهد ثم يقنت في الثانية لنفسه
ولو سها

قبل اقتدائه أو بعده سجد في آخر صلاة الإمام وأعاد في آخر صلاة نفسه على الأظهر
وإذا تمت صلاة الإمام قام لتدارك ما عليه
وهم بالخيار إن شاؤوا فارقوه وسلموا وإن شاؤوا صبروا جلوسا ليسلموا معه
هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الإمام فإن لم يعرف فقولان
وقيل وجهان
قلت أرجحهما دليلا أنه لا يصح
وقال الشيخ أبو علي السنجي أصحهما جوازه
والله أعلم
فإن جوزنا راقب القوم إذا أتم الركعة فإن هموا بالقيام قام وإلا قعد
وسهو الخليفة قبل حدث الإمام يحمله الإمام
وسهوه بعده يقتضي السجود عليه وعلى القوم
وسهو القوم قبل حدث الإمام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول بل يسجد الساهي بعد سلام الخليفة
هذا كله في غير الجمعة
أما الاستخلاف في الجمعة ففيه القولان
فإن لم نجوزه فالمذهب أنه إن أحدث في الأولى أتم القوم صلاتهم ظهرا
وإن أحدث في الثانية أتمها جمعة من أدرك معه ركعة
ولنا قول أنهم يتمونها جمعة في الحالين
ووجه أنهم يتمونها ظهرا في الحالين
وإن جوزنا الاستخلاف نظر إن استخلف من لم يقتد به لم يصح ولم يكن لذلك الخليفة أن يصلي الجمعة لأنه لا يجوز ابتداء جمعة بعد جمعة
وفي صحة ظهر هذا الخليفة خلاف مبني على أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة أم لا فإن قلنا لا تصح فهل تبقى نفلا فيه القولان
فإن قلنا لا تبقى فاقتدى به القوم بطلت صلاتهم
فإن صححناها وكان ذلك في الركعة الأولى فلا جمعة لهم
وفي صحة الظهر خلاف مبني على صحة الظهر بنية الجمعة
وإن كان في الركعة الثانية واقتدوا به كان هذا اقتداء طارئاعلى الانفراد
وفيه الخلاف الجاري في سائر الصلوات
وفيه شىء

آخر وهو الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر أو النافلة وفيه الخلاف المتقدم
أما إذا استخلف من اقتدى به قبل الحدث فينظر إن لم يحضر الخطبة فوجهان
أحدهما لا يصح استخلافه كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم فإنه لا يجوز
وأصحهما الجواز
ونقل الصيدلاني في هذا الخلاف قولين المنع عن البويطي والجواز عن أكثر الكتب
والخلاف في مجرد حضور الخطبة
ولا يشترط استماعها بلا خلاف وصرح به الأصحاب
وإن كان حضر الخطبة أو لم يحضرها وجوزنا استخلافه نظر إن استخلف من أدرك معه الركعة الأولى جاز وتمت لهم الجمعة سواء أحدث الإمام في الأولى أم الثانية
وفي وجه شاذ ضعيف أن الخليفة يصلي الظهر والقوم يصلون الجمعة
وإن استخلف من أدركه في الثانية قال إمام الحرمين إن قلنا لا يجوز استخلاف من لم يحضر الخطبة لم يجز استخلاف هذا المسبوق وإلا فقولان
أظهرهما وبه قطع الأكثرون الجواز
فعلى هذا يصلون الجمعة
وفي الخليفة وجهان
أحدهما يتمها جمعة
والثاني وهو الصحيح المنصوص لا يتمها جمعة
فعلى هذا يتمها ظهرا على المذهب
وقيل قولان
أحدهما يتمها ظهرا
والثاني لا
فعلى هذا هل تبطل أم تنقلب نفلا قولان
فإن أبطلناها امتنع استخلاف المسبوق
وإذا جوزنا الاستخلاف والخليفة مسبوق يراعي نظم صلاة الإمام فيجلس إذا صلى ركعة ويتشهد فإذا بلغ موضع السلام أشار إلى القوم وقام إلى ركعة أخرى إن قلنا إنه مدرك للجمعة وإلى ثلاث إن قلنا صلاته ظهر
والقوم بالخيار إن شاؤوا فارقوه وسلموا وإن شاؤوا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم
ولو دخل مسبوق واقتدى به في

الركعة الثانية التي استخلف فيها صحت له الجمعة وإن لم تصح للخليفة نص عليه الشافعي رحمه الله
قال الأصحاب هو تفريع على صحة الجمعة خلف مصلي الظهر
وتصح جمعة الذين أدركوا مع الإمام الأول ركعة بكل حال لأنهم لو انفردوا بالركعة الثانية كانوا مدركين للجمعة فلا يضر اقتداؤهم فيها بمصلي الظهر أو النفل

فرع هل تشترط نية القدوة بالخليفة في الجمعة وغيرها من الصلوات

الأصح لا يشترط
والثاني يشترط لأنهم بحدث الأول صاروا منفردين
وإذا لم يستخلف الإمام قدم القوم واحدا بالإشارة
ولو تقدم واحد بنفسه جاز وتقديم القوم أولى من استخلاف الإمام لأنهم المصلون
قال إمام الحرمين ولو قدم الإمام واحدا والقوم آخر فأظهر الاحتمالين أن من قدمه القوم أولى
فلو لم يستخلف الإمام ولا القوم ولا تقدم أحد فالحكم ما ذكرناه تفريعا على منع الاستخلاف
قال الأصحاب ويجب على القوم تقديم واحد إن كان خروج الإمام في الركعة الأولى ولم يستخلف
وإن كان في الثانية لم يجب التقديم ولهم الانفراد بها كالمسبوق
وقد حكينا في الصورتين خلافا تفريعا على منع الاستخلاف فيتجه عليه الخلاف في وجوب التقديم وعدمه


فرع هذا كله إذا أحدث في أثناء الصلاة

فلو أحدث بين الخطبة والصلاة فأراد أن يستخلف من يصلي إن جوزنا الاستخلاف في الصلاة جاز وإلا فلا يجوز بل إن اتسع الوقت خطب بهم آخر وصلى وإلا صلوا الظهر
وقال بعض الأصحاب إن جوزنا الاستخلاف في الصلاة فهنا أولى وإلا ففيه الخلاف
وعكس الشيخ أبو محمد فقال إن لم نجوزه في الصلاة فهنا أولى وإلا ففيه الخلاف
والمذهب استواؤهما
ثم إذا جوزنا فشرطه أن يكون الخليفة سمع الخطبة على المذهب وبه قطع الجمهور لأن من لم يسمع ليس من أهل الجمعة
ولهذا لو بادر أربعون من السامعين بعد الخطبة فعقدوا الجمعة انعقدت لهم بخلاف غيرهم
وإنما يصير غير السامع من أهل الجمعة إذا دخل في الصلاة
وحكى صاحب التتمة وجهين في استخلاف من لم يسمع
ولو أحدث في أثناء الخطبة وشرطنا الطهارة فيها فهل يجوز الاستخلاف إن منعناه في الصلاة فهنا أولى وإلا فالصحيح جوازه كالصلاة
فرع لو صلى مع الإمام ركعة من الجمعة ثم فارقه بعذر أو
لا تبطل الصلاة بالمفارقة أتمها جمعة كما لو أحدث الإمام


فرع إذا تمت صلاة الإمام ولم تتم صلاة المأمومين فأرادوا استخلاف من
في الجمعة بأن كانوا مسبوقين لم يجز لأن الجمعة لا تنشأ بعد جمعة
وإن كان في غيرها بأن كانوا مسبوقين أو مقيمين وهو مسافر فالأصح المنع لأن الجماعة حصلت وإذا أتموا فرادى نالوا فضلها
الركعة
ذلك على الصحيح الذي قطع به الجمهور
وفيه وجه شاذ يتخير إن شاء سجد على الظهر وإن شاء صبر ليسجد على الأرض
ثم قال جماهير الأصحاب إنما يسجد على ظهر غيره إذا قدر على رعاية هيئة الساجدين بأن يكون على موضع مرتفع
فإن لم يكن فالمأتي به ليس بسجود
وفيه وجه ضعيف أنه لا يضر ارتفاع الظهر والخروج عن هيئة الساجدين للعذر
وإذا تمكن من السجود على ظهر غيره فلم يسجد فهو تخلف بغير عذر على الأصح
وعلى الثاني بعذر
ولو لم يتمكن من السجود على الأرض ولا على الظهر فأراد أن يخرج عن المتابعة لهذا العذر ويتمها ظهرا ففي صحتها قولان لأنها ظهر قبل فوات الجمعة
قال إمام الحرمين ويظهر منعه من الانفراد لأن إقامة الجمعة واجبة فالخروج منها عمدا مع توقع إدراكها

لا وجه له
فأما إذا دام على المتابعة فما يصنع فيه أوجه
الصحيح أنه ينتظر التمكن
والثاني يومىء السجود أقصى ما يمكنه كالمريض
والثالث يتخير بيهما
فإذا قلنا بالصحيح فله حالان
أحدهما يتمكن من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية
والثاني لا يتمكن إلى ركوعه
ففي الحال الأول يسجد عند تمكنه فإذا فرغ من سجوده فللإمام أحوال أربعة
أحدها أن يكون بعد في القيام فيفتتح القراءة فإن أتمها ركع معه وجرى على متابعته ولا بأس بهذا التخلف للعذر
وإن ركع الإمام قبل إتمامها فهل له حكم المسبوق وجهان
وقد بينا حكم المسبوق في باب صلاة الجماعة
قلت أصحهما عند الجمهور له حكمه
والله أعلم
الحال الثاني للإمام أن يكون في الركوع
فالأصح عند الجمهور أنه يدع القراءة ويركع معه لأنه لم يدرك محلها فسقطت عنه كالمسبوق
والثاني يلزمه قراءتها ويسعى وراء الإمام وهو متخلف بعذر
الحال الثالث أن يكون فارغا من الركوع ولم يسلم فإن قلنا في الحال الثاني هو كالمسبوق تابع الإمام فيما هو فيه ولا يكون محسوبا له بل يقوم عند سلام الإمام إلى ركعة ثانية
وإن قلنا ليس هو كالمسبوق اشتغل بترتيب صلاة نفسه
وقيل يتعين متابعة الإمام قطعا
الحال الرابع أن يكون الإمام متحللا من صلاته فلا يكون مدركا للجمعة لأنه لم يتم له ركعة قبل سلام الإمام بخلاف ما لو رفع رأسه من السجود ثم سلم الإمام في الحال
قال إمام الحرمين وإذا جوزنا له التخلف وأمرناه بالجريان على ترتيب صلاة نفسه فالوجه أن يقتصر على الفرائض فعساه يدرك الإمام ويحتمل أن يجوز الإتيان بالسنن مع الاقتصار على الوسط منها
الحال الثاني للمأموم أن لا يتمكن من السجود حتى ركع الإمام في الثانية وفيه

قولان
أظهرهما يتابعه فيركع معه
والثاني لا يركع معه بل يسجد ويراعي ترتيب صلاة نفسه
فإن قلنا بالأول فتارة يوافق ما أمرناه وتارة يخالف
فإن وافق وركع معه فأي الركوعين يحتسب وجهان
وقيل قولان
أصحهما عند الأصحاب بالركوع الأول
والثاني بالثاني
فإن قلنا بالثاني حصلت له الركعة الثانية بكمالها
فإذا سلم الإمام ضم إليها أخرى وتمت جمعة بلا خلاف
وإن قلنا بالأول حصلت ركعة ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية
وفي إدراك الجمعة بالملفقة وجهان
أصحهما تدرك
أما إذا خالف ما أمرناه فاشتغل بالسجود وترتيب نفسه فإن فعل ذلك مع علمه بأن واجبه المتابعة ولم ينو مفارقته بطلت صلاته ويلزمه الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع
وإن نوى مفارقته فقد أخرج نفسه عن المتابعة بغير عذر
وفي بطلان الصلاة به قولان سبقا
فإن لم تبطل لم تصح جمعته
وفي صحة ظهره خلاف مبني على أن الجمعة إذا تعذر إتمامها هل يجوز إتمامها ظهرا وعلى أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة وإن فعل ذلك ناسيا أو جاهلا فما أتى به من السجود لا يعتد به ولا تبطل صلاته
ثم إن فرغ والإمام بعد في الركوع لزمه متابعته
فإن تابعه وركع معه فالتفريع كما سبق لو لم يسجد وإن لم يركع معه أو كان الإمام فرغ من الركوع نظر إن راعى ترتيب نفسه بأن قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد فالمفهوم من كلام الأكثرين أنه لا يعتد له بشىء مما يأتي به على غير المتابعة
وإذا سلم الإمام سجد سجدتين لتمام الركعة ولا يكون مدركا للجمعة لأن على هذا القول الذي عليه التفريع نأمره بالمتابعة بكل حال
وكما لا يحسب له السجود والإمام راكع لكون فرضه المتابعة وجب أن لا يحسب والإمام في ركن بعد الركوع
وقال الصيدلاني وإمام الحرمين والغزالي إذا فعل هذا المذكور تم له منهما جميعا ركعة لكن فيها نقصانان
أحدهما التلفيق فإن ركوعها من الأولى وسجودها من

الثانية وفي الملفقة الخلاف
والثاني نقصها بالقدوة الحكمية فإنه لم يتابع الإمام في معظم ركعته متابعة حسية بل حكمية
وفي إدراك الجمعة بالركعة الحكمية وجهان كالملفقة أصحهما الادراك وليس الخلاف في مطلق القدوة الحكمية فإن السجود في حال قيام الإمام ليس على حقيقة المتابعة ولا خلاف أن الجمعة تدرك به
هذا كله إذا جرى على ترتيب نفسه بعد فراغه من السجدتين اللتين لم يعتد بهما
فأما إذا فرغ منهما والإمام ساجد فتابعه في سجدتيه فهذا هو الذي نأمره به في هذه الحالة على هذا القول فتحسبان له ويكون الحاصل ركعة ملفقة وإن وجد الإمام في التشهد وافقه
فإذا سلم سجد سجدتين وتمت له الركعة ولا جمعة له لأنه لم يتم له ركعة والإمام في الصلاة
وكذا يفعل لو وجد قد سلم
هذا كله إذا قلنا يتابع الإمام
أما إذا قلنا لا يتابعه بل يسجد ويراعي ترتيب نفسه فله حالان
أحدهما أن يخالف ما أمرناه فيركع مع الإمام
فإن تعمد بطلت صلاته ويلزمه أن يحرم بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع وإن كان ناسيا أو جاهلا يعتقد أن الواجب عليه الركوع مع الإمام لم تبطل صلاته ولم يعتد بركوعه
فإذا سجد معه بعد الركوع حسبت له السجدتان على الصحيح
وعلى الشاذ لا يعتد بهما
فعلى الصحيح تحصل ركعة ملفقة
وفي الادراك بها الوجهان
الحال الثاني أن يوافق ما أمرناه فيسجد فهذه قدوة حكمية
وفي الإدراك بها الوجهان
فإذا فرغ من السجود فللإمام حالان
أحدهما أن يكون فارغا من الركوع إما في السجود وإما في التشهد فوجهان
أحدهما يجري على ترتيب نفسه فيقوم ويقرأ ويركع
وأصحهما يلزمه متابعة الجمام فيما هو فيه فإذا سلم الإمام اشتغل بتدارك ما عليه وبهذا

قطع كثير من أصحابنا العراقيين وغيرهم
فعلى هذا لو كان الإمام عند فراغه من السجود قد هوى للسجود فتابعه فقد والى بين أربع سجدات فهل المحسوب لإتمام الركعة الأولى السجدتان الأوليان أم الأخريان وجهان
أصحهما الأوليان
والثاني الأخريان
فعلى هذا يعود الخلاف في الملفقة
الحال الثاني للإمام أن يكون راكعا بعد
فهل عليه متابعته وتسقط عنه القراءة كالمسبوق أو يشتغل بترتيب صلاة نفسه فيقرأ وجهان كما ذكرنا تفريعا على القول الأول
فعلى الأول يسلم معه وتتم جمعته
وعلى الثاني يقرأ ويسعى ليلحقه وهو مدرك للجمعة

فرع إذا لم يتمكن المزحوم من السجود حتى سجد الإمام في الثانية
تابعه في السجود بلا خلاف
فإن قلنا الواجب متابعة الإمام فالحاصل ركعة ملفقة وإلا فغير ملفقة أما إذا لم يتمكن من السجود حتى تشهد الإمام فيسجد
ثم إن أدرك الإمام قبل السلام أدرك الجمعة وإلا فلا
قلت قال إمام الحرمين لو رفع المزحوم رأسه من السجدة الثانية فسلم الإمام قبل أن يعتدل المزحوم ففيه احتمال
قال والظاهر أهه مدرك للجمعة
والله أعلم
أما إذا كان الزحام في سجود الركعة الثانية وقد صلى الأولى مع الإمام فيسجد متى تمكن قبل سلام الإمام أو بعده وجمعته صحيحة
فإن كان مسبوقا لحقه في الثانية
فإن تمكن قبل سلام الإمام سجد وأدرك ركعة من الجمعة وإلا فلا جمعة له
أما إذا زحم عن ركوع الأولى حتى ركع الإمام في الثانية

فيركع
قال الأكثرون ويعتد له بالركعة الثانية وتسقط الأولى
ومنهم من قال الحاصل ركعة ملفقة

فرع إذا عرضت حالة في الصلاة تمنع من وقوعها جمعة في صور
وغيرها فهل تتم صلاته ظهرا قولان يتعلقان بأصل
وهو أن الجمعة ظهر مقصورة أم صلاة على حيالها وفيه قولان اقتضاهما كلام الشافعي
قلت أظهرهما صلاة بحيالها
والله أعلم
فإن قلنا ظهر مقصورة فإذا فات بعض شروط الجمعة أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات شرط قصره
وإن قلنا فرض على حياله فهل يتمها وجهان
والصحيح مطلقا أنه يتمها ظهرا
لكن هل يشترط أن يقصد قلبها ظهرا أم تنقلب بنفسها ظهرا وجهان في النهاية
قلت الأصح لا يشترط وهو مقتضى كلام الجمهور
والله أعلم
وإذا قلنا لا يتمها ظهرا فهل تبطل أم تبقى نفلا فيه القولان السابقان فيمن صلى الظهر قبل الزوال ونظائرها
قال إمام الحرمين قول البطلان لا ينتظم تفريعه إذا أمرناه في صورة الزحام بشىء فامتثل فليكن ذلك مخصوصا بما إذا خالف


فرع التخلف بالنسيان هل هو كالتخلف بالزحام قيل فيه وجهان

أصحهما نعم لعذره
والثاني لا لندوره وتفريطه
والمفهوم من كلام الأكثرين أن فيه تفصيلا
فإن تأخر سجوده عن سجدتي الإمام بالنسيان ثم سجد في حال قيام الإمام فحكمه كالزحام وكذا لو تأخر لمرض
وإن بقي ذاهلا حتى ركع الإمام في الثانية فطريقان
أحدهما كالمزحوم فيركع معه على قول ويراعي ترتيب نفسه في قول
والطريق الثاني يتبعه قولا واحدا لأنه مقصر فلا يجوز ترك المتابعة
قال الروياني هذا الطريق أظهر
فرع الزحام يجري في جميع الصلوات وإنما يذكرونه في الجمعة لأن الزحمة
فيها أكثر ولأنه يجتمع فيها وجوه من الأشكال لا يجري في غيرها مثل الخلاف في إدراك الجمعة بالملفقة والحكمية وبنائها على أنها ظهر مقصورة أم لا ولأن الجماعة فيها شرط ولا يمكن المفارقة ما دام يتوقع إدراك الجمعة بخلاف سائر الصلوات
إذا عرفت ذلك فإذا زحم في سائر الصلوات فلم يمكنه السجود حتى ركع الإمام في الثانية فالمذهب أنه على القولين
وقيل يركع معه قطعا
وقيل يراعي ترتيب نفسه قطعا
الشرط السادس الخطبة
فمن شرائط الجمعة تقديم خطبتين
وأركان الخطبة خمسة
أحدها حمد الله تعالى ويتعين لفظ الحمد
والثاني الصلاة

على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعين لفظ الصلاة
وحكي في النهاية عن كلام بعض الأصحاب ما يوهم أنهما لا يتعينان ولم ينقله وجها مجزوما به
الثالث الوصية بالتقوى وهل يتعين لفظ الوصية وجهان
الصحيح المنصوص لا يتعين
قال إمام الحرمين ولا خلاف أنه لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها فإن ذلك قد يتواصى به منكرو الشرائع بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالى والمنع من المعاصي
ولا يجب في الموعظة كلام طويل بل لو قال أطيعوا الله كفى وأبدى الإمام فيه احتمالا ولا تردد في أن كلمتي الحمد والصلاة كافيتان
ولو قال والصلاة على محمد أو على النبي أو رسول الله كفى
ولو قال الحمد للرحمن أو الرحيم فمقتضى كلام الغزالي أنه لا يكفيه ولم أره مسطورا وليس هو ببعيد كما في كلمة التكبير
ثم هذه الأركان الثلاثة لا بد منها في كل واحدة من الخطبتين
ولنا وجه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في إحداهما كافية وهو شاذ
الرابع الدعاء للمؤمنين وهو ركن على الصحيح
والثاني لا يجب وحكي عن نصه في الإملاء
وإذا قلنا بالصحيح فهو مخصوص بالثانية
فلو دعا في الأولى لم يحسب ويكفي ما يقع عليه الاسم
قال إمام الحرمين وأرى أنه يجب أن يكون متعلقا بأمور الآخرة وأنه لا بأس بتخصيصه بالسامعين كأن يقول رحمكم الله
الخامس قراءة القرآن
وهي ركن على المشهور
وقيل على الصحيح
والثاني ليست بركن بل مستحبة
فعلى الأول أقلها آية نص عليه الشافعي رحمه الله سواء كانت وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصة
قال إمام الحرمين ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة
ولا شك أنه لو قال { ثم نظر } لم يكف وإن عد آية بل يشترط كونها مفهمة
واختلفوا في محل القراءة على ثلاثة أوجه
أصحها ونص عليه في الأم تجب في إحداهما لا بعينها
والثاني تجب فيهما
والثالث تجب في الأول خاصة وهو ظاهر نصه في المختصر ويستحب أن يقرأ في الخطبة سورة ( ق )


قلت قال الدارمي يستحب أن تكون قراءة ( ق ) في الخطبة الأولى
والمراد قراءتها بكمالها لاشتمالها على أنواع المواعظ
والله أعلم
ولو قرأ آية سجدة نزل وسجد
فلو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل لم ينزل لكن يسجد عليه إن أمكنه وإلا ترك السجود
فلو نزل وطال الفصل ففيه الخلاف المتقدم في الموالاة
ولا تدخل القراءة في الأركان المذكورة
حتى لو قرأ آية فيها موعظة وقصد إيقاعها عن الجهتين لم يجزىء ولا يجوز أن يأتي بآيات تشتمل على الأركان المطلوبة لأن ذلك لا يسمى خطبة
ولو أتى ببعضها في ضمن آية لم يمتنع
وهل يشترط كون الخطبة كلها بالعربية وجهان
الصحيح اشتراطه فإن لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها
ويجب أن يتعلم كل واحد منهم الخطبة العربية كالعاجز عن التكبير بالعربية
فإن مضت مدة إمكان التعلم ولم يتعلموا عصوا كلهم ولا جمعة لهم

فرع شروط الخطبة ستة أحدها الوقت

وهو ما بعد الزوال فلا يصح تقديم شىء منها عليه
الثاني تقديم الخطبتين على الصلاة
الثالث القيام فيهما مع القدرة فإن عجز عن القيام فالأولى أن يستنيب
ولو خطب قاعدا أو مضطجعا للعجز جاز كالصلاة
ويجوز الاقتداء به سواء قال لا أستطيع أو سكت لأن الظاهر أنه إنما قعد لعجزه فإن بان أنه كان قادرا فهو كما لو بان الإمام جنبا والنا وجه أنه تصح الخطبة قاعدا مع القدرة على القيام وهو شاذ


الرابع الجلوس بينهما وتجب الطمأنينة فيه فلو خطب قاعدا لعجزه لم يضطجع بينهما للفصل بل يفصل بينهما بسكتة والسكتة واجبة على الأصح
ولنا وجه شاذ أن القائم أيضا يكفيه الفصل بينهما بسكتة
الخامس هل يشترط في صحة الخطبة الطهارة عن الحدث والنجس في البدن والثوب والمكان وستر العورة قولان
الجديد اشتراط كل ذلك
ثم قيل الخلاف مبني على أنهما بدل من الركعتين أم لا وقيل على أن الموالاة في الخطبة شرط أم لا فإن شرطنا الموالاة شرطنا الطهارة وإلا فلا
ثم قال صاحب التتمة يطرد الخلاف في اشتراط الطهارة عن الحدث الأصغر والجنابة وخصه صاحب التهذيب بالحدث الأصغر قال فأما الجنب فلا تحسب خطبته قولا واحدد لأن القراءة شرط ولا تحسب قراءة الجنب وهذا أوضح
قلت الصحيح أو الصواب قول صاحب التتمة وقد جزم به الرافعي في المحرر وقطع الشيخ أبو حامد والماوردي وآخرون بأنه لو بان لهم بعد فراغ الجمعة أن إمامهم كان جنبا أجزأتهم
ونقله أبو حامد والماوردي والأصحاب عن نصه في الأم
والله أعلم
ثم إذا شرطنا الطهارة فسبقه حدث في الخطبة لم يعتد بما يأتي به في حال الحدث
وفي بناء غيره عليه الخلاف الذي سبق
فلو تطهر وعاد وجب الاستئناف وإن طال الفصل وشرطنا الموالاة فإن لم يطل أو لم نشرط الموالاة فوجهان
أصحهما الاستئناف
السادس رفع الصوت فلو خطب سرا بحيث لم يسمع غيره لم تحسب على الصحيح المعروف
وفي وجه تحسب وهو غلط
فعلى الصحيح الشرط أن يسمع أربعين من أهل الكمال
فلو رفع صوته قدر ما يبلغ ولكن كانوا كلهم

أو بعضهم صما فوجهان
الصحيح لا تصح كما لو بعدوا
والثاني تصح كما لو حلف لا يكلم فلانا فكلمه بحيث يسمع فلم يسمع لصممه حنث وكما لو سمعوا الخطبة ولم يفهموا معناها فإنها تصح
وينبغي للقوم أن يقبلوا بوجوههم إلى الإمام وينصتوا ويسمعوا
والانصات هو السكوت
والاستماع هو شغل السمع بالسماع
وهل الإنصات فرض والكلام حرام فيه قولان
القديم و الإملاء وجوب الانصات وتحريم الكلام
والجديد أنه سنة والكلام ليس بحرام
وقيل يجب الانصات قطعا
والجمهور أثبتوا القولين
وهل يحرم الكلام على الخطيب فيه طريقان
المذهب لا يحرم قطعا
والثاني على القولين
ثم جميع هذا الخلاف في الكلام الذي لا يتعلق به غرض مهم ناجز
فأما إذا رأى أعمى يقع في بئر أو عقربا تدب على إنسان فأنذره أو علم إنسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر فهذا ليس بحرام بلا خلاف
نص عليه الشافعي رحمه الله واتفق الأصحاب على التصريح به
لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة ولا يتكلم ما أمكن الاستغناء عنه
هذا كله في الكلام في أثناء الخطبة
ويجوز الكلام قبل ابتداء الإمام بالخطبة وبعد الفراغ منهما
فأما في الجلوس بين الخطبتين فطريقان قطع صاحب المهذب والغزالي بالجواز
وأجرى المحاملي وابن الصباغ وآخرون فيه الخلاف
ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا
والقولان فيما بعد قعوده

فرع إذا قلنا بالقديم فينبغي للداخل في أثناء الخطبة أن لا يسلم
فإن سلم حرمت إجابته باللفظ ويستحب بالإشارة كما في الصلاة
وفي تشميت

العاطس ثلاثة أوجه الصحيح المنصوص تحريمه كرد السلام
والثاني استحبابه
والثالث يجوز ولا يستحب
ولنا وجه أنه يرد السلام لأنه واجب ولا يشمت العاطس لأنه سنة
فلا يترك لها الانصات الواجب
وفي وجوب الانصات على من لا يسمع الخطبة وجهان
أحدهما لا يجب
ويستحب أن يشتغل بالذكر والتلاوة
وأصحهما يجب نص عليه وقطع به كثيرون
وقالوا البعيد بالخيار بين الانصات وبين الذكر والتلاوة
ويحرم عليه كلام الآدميين كما يحرم على القريب
هذا تفريع على القديم
فأما إذا قلنا بالجديد فيجوز رد السلام والتشميت بلا خلاف
ثم رد في السلام ثلاثة أوجه
أصحها عند صاحب التهذيب وجوبه
والثاني استحبابه
والثالث جوازه بلا استحباب
وقطع إمام الحرمين بأنه لا يجب الرد
والأصح استحباب التشميت
وحيث حرمنا الكلام فتكلم أثم ولا تبطل جمعته بلا خلاف

فرع قال الغزالي هل يحرم الكلام على من عدا الأربعين فيه القولان

وهذا التقدير بعيد في نفسه ومخالف لما نقله الأصحاب
أما بعده في نفسه فلأن كلامه مفروض في السامعين للخطبة
وإذا حضر جماعة يزيدون على أربعين فلا يمكن أن يقال تنعقد الجمعة بأربعين منهم على التعيين فيحرم الكلام عليهم قطعا
والخلاف في حق الباقين بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا على التعيين
وأما مخالفته لنقل الأصحاب فإنك لا تجد للأصحاب إلا إطلاق قولين في السامعين ووجهين في حق غيرهم كما سبق


فرع إذا صعد الخطيب المنبر فينبغي لمن ليس في صلاة من الحاضرين
ألا يفتتحها سواء كان صلى السنة أم لا ومن كان في صلاة خففها والفرق بين الكلام حيث قلنا لا بأس به وإن صعد المنبر ما لم تبتدىء الخطبة وبين الصلاة انقطع الكلام هين متى ابتدأ الخطيب الخطبة بخلاف الصلاة فإنه قد يفوت سماع أول الخطبة إلى أن يتمها
قلت وسواء في المنع من افتتاح الصلاة في حال الخطبة من يسمعها وغيره
والله أعلم
ولو دخل في أثناء الخطبة استحب له أن يصلي التحية ويخففها
فلو كان ما صلى السنة صلاها وحصلت التحية
ولو دخل والإمام في آخر الخطبة لم يصل لئلا يفوته أول الجمعة مع الإمام وسواء في استحباب التحية
قلنا يجب الانصات أم لا فرع في أمور اختلف في إيجابها في الخطبة
منها كونها بالعربية وتقدم بيانه
ومنها نية الخطبة وفرضيتها اشترطهما القاضي حسين
ومنها الترتيب بين الكلمات الثلاث فأوجب صاحب التهذيب وغيره أن يبدأ بالحمد ثم الصلاة ثم الوصية
ولا ترتيب بين القراءة والدعاء ولا بينهما

وبين غيرهما
وقطع صاحب العدة وآخرون بأنه لا يجب في شىء من الألفاظ أصلا
قالوا لكن الأفضل الرعاية
قلت قطع صاحب الحاوي وكثيرون من العراقيين بأنه لا يجب الترتيب ونقله في الحاوي عن نص الشافعي رحمه الله وهو الأصح
والله أعلم

فرع في سنن الخطبة فمنها أن يكون على منبر والسنة أن يكون
على يمين الموضع الذي يصلي فيه الإمام
ويكره المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة فإن لم يكن منبر خطب على موضع مرتفع
ومنها أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه
ومنها إذا بلغ في صعوده الدرجة التي تلي موضع القعود ويسمى ذلك الموضع المستراح أقبل على الناس بوجهه وسلم عليهم
ومنها أن يجلس بعد السلام على المستراح
ومنها أنه إذا جلس اشتغل المؤذن بالآذان ويديم الإمام الجلوس إلى فراغ المؤذن
قال صاحب الإفصاح والمحاملي المستحب أن يكون المؤذن للجمعة واحدا
وأشار إليه الغزالي وفي كلام بعض أصحابنا إشعار باستحباب تعديد المؤذنين
ومنها أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة من الكلمات المبتذلة ولا من الكلمات الغريبة الوحشية بل قريبة من الأفهام


ومنها أن لا يطولها ولا يخففها بل تكون متوسطة
ومنها أن يستدبر القبلة ويستقبل الناس في خطبتيه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا
ولو خطب مستدبر الناس جاز على الصحيح
وعلى الثاني لا يجزئه
قلت وطرد الدارمي هذا الوجه فيما إذا استدبروه أو خالفوه وهو الهيئة المشروعة في ذلك
والله أعلم
ومنها أنه يستحب أن يكون جلوسه بين الخطبتين قدر سورة ( الإخلاص ) نص عليه
وفيه وجه أنه يجب هذا القدر وحكي عن نصه
ومنها أن يعتمد على سيف أو عصا أو نحوهما
قال في التهذيب يقبضه بيده اليسرى
ولم يذكر الأكثرون بإيتهما يقبضه
قلت قال القاضي حسين في تعليقه كما قال في التهذيب
والله أعلم
ويشغل يده الأخرى بحرف المنبر فإن لم يجد شيئا سكن يديه وجسده بأن يجعل اليمنى على اليسرى أو يقرهما مرسلتين
والغرض أن يخشع ولا يعبث بهما
ومنها أنه ينبغي للقوم أن يقبلوا على الخطيب مستمعين لا يشتغلون بشىء آخر حتى يكره الشرب للتلذذ ولا بأس به للعطش لا للخطيب ولا للقوم
ومنها أن يأخذ في النزول بعد الفراغ ويأخذ المؤذن في الاقامة ويبتدر ليبلغ المحراب مع فراغ المقيم
قلت يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهلة
منها التفاتهم في الخطبة الثانية والدق على درج المنبر في صعوده والدعاء إذا انتهى إلى صعوده قبل أن يجلس
وربما توهموا أنها ساعة الإجابة وهذا جهل فإن ساعة الإجابة إنما هي بعد جلوسه كما سيأتي إن شاء الله تعالى
ومنها المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم
وأما أصل الدعاء

للسلطان فقد ذكر صاحب المهذب وغيره أنه مكروه
والاختيار أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ولا نحو ذلك فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر
ومنها مبالغتهم في الاسراع في الخطبة الثانية
وأما الاحتباء والإمام يخطب فقال صاحب البيان لا يكره
والصحيح أنه مكروه
فقد صح في سنن أبي داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاحتباء والإمام يخطب قال الترمذي حديث حسن
وقال الخطابي من أصحابنا نهى عنه لأنه يجلب النوم فيعرض طهارته للنقض ويمنعه استماع الخطبة
ويستحب إذا كان المنبر واسعا أن يقوم على يمينه قاله القاضي حسين وصاحب التهذيب
ويكره للخطيب أن يشير بيده
قال في التهذيب يستحب أن يختم الخطبة بقوله استغفر الله لي ولكم
وذكر صاحبا العدة و البيان أنه يستحب للخطيب إذا وصل المنبر أن يصلي تحية المسجد ثم يصعده
وهذا الذي قالاه غريب وشاذ ومردود فإنه خلاف ظاهر المنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ومن بعدهم
ولو أغمي على الخطيب قال في التهذيب في بناء غيره على خطبته القولان في الاستخلاف في الصلاة فإن لم نجوزه استؤنفت الخطبة وإن جوزناه اشترط أن يكون الذي يبني سمع أول الخطبة
هذا كلامه في التهذيب
والمختار أنه لا يجوز البناء هنا
والله أعلم


الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة
لوجوبها خمسة شروط أحدها التكليف فلا جمعة على صبي ولا مجنون
قلت والمغمى عليه كالمجنون بخلاف السكران فإنه يلزمه قضاؤها ظهرا كغيرها
والله أعلم
الثاني الحرية فلا جمعة على عبد قن أو مدبر أو مكاتب
قلت ويستحب إذا أذن السيد حضورها ولا يجب
والله أعلم
الثالث الذكورة فلا جمعة على امرأة ولا خنثى
الرابع الإقامة فلا جمعة على مسافر لكن يستحب له وللعبد وللصبي حضورها إذا أمكن
الخامس الصحة فلا جمعة على مريض ولو فاتت بتخلفه لنقصان العدد ثم من لا تجب عليه لا تنعقد به إلا المريض
وفيه أيضا قول شاذ قدمناه في الشرط الرابع للجمعة
وفي معنى المرض أعذار تأتي قريبا إن شاء الله تعالى ولكن تنعقد لجميعهم ويجزيهم عن الظهر إلا المجنون فلا يصح فعله
ثم إذا حضر الصبيان والنساء والعبيد والمسافرون الجامع فلهم الانصراف ويصلون الظهر
وخرج صاحب التلخيص وجها في العبد أنه تلزمه الجمعة إذا حضر
وقال في النهاية وهذا غلط باتفاق الأصحاب
فأما المريض فقد أطلق كثيرون أنه لا يجوز له الانصراف بعد حضوره بل تلزمه الجمعة


وقال إمام الحرمين إن حضر قبل الوقت فله الانصراف وإن دخل الوقت وقامت الصلاة لزمته الجمعة
فإن كان يتخلل زمن بين دخول الوقت والصلاة فإن لم يلحقه مزيد مشقة في الانتظار لزمه وإلا فلا وهذا التفصيل حسن ولا يبعد أن يكون كلام المطلقين منزلا عليه
وألحقوا بالمرضى أصحاب الأعذار الملحقة بالمرض وقالوا إذا حضروا لزمتهم الجمعة
ولا يبعد أن يكونوا على التفصيل المذكور أيضا إن لم يزد ضرر المعذور بالصبر إلى إقامة الجمعة فالأمر كذلك وإلا فله الانصراف وإقامة الظهر في منزله
هذا كله إذا لم يشرعوا في الجمعة فإن أحرم الذين لا تلزمهم الجمعة بالجمعة ثم أرادوا الانصراف قال في البيان لا يجوز ذلك للمسافر والمريض وفي العبد والمرأة وجهان حكاهما الصيمري
قلت الأصح أنه لا يجوز لهما لأن صلاتهما انعقدت عن فرضهما فيتعين إتمامها
وقد قدمنا أن من دخل في فرض لأول الوقت لزمه إتمامه على المذهب والمنصوص فهنا أولى
والله أعلم

فرع كل ما أمكن تصوره في الجمعة من الأعذار المرخصة في ترك
يرخص في ترك الجمعة
أما الوحل الشديد ففيه ثلاثة أوجه
الصحيح أنه عذر في ترك الجمعة والجماعة
والثاني لا
والثالث في الجماعة دون الجمعة
حكاه صاحب العدة وقال به أفتى أئمة طبرستان
أما التمريض فإن كان للمريض من يتعهده ويقوم بأمره نظر إن كان قريبا وهو مشرف على الموت

أو غير مشرف لكن يستأنس به فله التخلف عن الجمعة ويحضر عنده وإن لم يكن استئناس فليس له التخلف على الصحيح
وإن كان أجنبيا لم يجز التخلف بحال
والمملوك والزوجة وكل من له مصاهرة والصديق كالقريب
وإن لم يكن للمريض متعهد فقال إمام الحرمين إن كان يخاف عليه الهلاك لو غاب عنه فهو عذر سواء كان المريض قريبا أو أجنبيا لأن انقاذ المسلم من الهلاك فرض كفاية وإن كان يلحقه ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفايات ففيه أوجه
أصحها أنه عذر أيضا
والثاني لا
والثالث أنه عذر في القريب دون الأجنبي
ولو كان له متعهد لكن لم يفرغ لخدمته لاشتغاله بشراء الأدوية أو الكفن وحفر القبر إذا كان منزولا به فهو كما لو لم يكن متعهد

فرع يجب على الزمن الجمعة إذا وجد مركوبا ملكا أو بإجارة أو
ولم يشق عليه الركوب وكذا الشيخ الضعيف
ويجب على الأعمى إذا وجد قائدا متبرعا أو بأجرة وله مال وإلا فقد أطلق الأكثرون أنها لا تجب عليه
وقال القاضي حسين إن كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد لزمه
فرع من بعضه حر وبعضه عبد لا جمعة عليه وفيه وجه شاذ
بينه وبين سيده مهايأة لزمه الجمعة الواقعة في نوبته ولا تنعقد به بلا خلاف


فرع الغريب إذا قام ببلد واتخذه وطنا صار له حكم أهله في
وانعقادها به وإن لم يتخذه وطنا بل عزمه الرجوع إلى بلده بعد مدة يخرج بها من كونه مسافرا قصيرة أو طويلة كالتاجر والمتفقه لزمه الجمعة ولا تنعقد به على الأصح
فرع القرية إذا كان فيها أربعون من أهل الكمال لزمهم الجمعة
فإن أقاموها في قريتهم فذاك
وإن دخلوا المصر فصلوها فيه سقط الفرض عنهم وكانوا مسيئين لتعطيلهم الجمعة في قريتهم
وفيه وجه آخر أنهم غير مسيئين لأن أبا حنيفة لا يجوز جمعة في قرية ففيما فعلوه خروج من الخلاف وهو ضعيف
وإن لم يكن فيها أربعون من أهل الكمال فلهم حالان
أحدهما يبلغهم النداء من موضع تقام فيه جمعة من بلد أو قرية فتجب عليهم الجمعة
والمعتبر نداء مؤذن عالي الصوت يقف على طرف البلد من الجانب الذي يلي تلك القرية ويؤذن على عادته والأصوات هادئة والرياح راكدة
فإذا سمع صوته من القرية من أصغى إليه ولم يكن أصم ولا جاوز سمعه حد العادة وجبت الجمعة على أهلها
وفي وجه المعتبر أن يقف المؤذن في وسط البلد ووجه يقف في الموضع الذي تقام فيه الجمعة
وهل يعتبر أن يقف على موضع عال كمنارة أو سور وجهان
قال الأكثرون لا يعتبر
وقال القاضي أبو الطيب سمعت شيوخنا يقولون

لا يعتبر إلا بطبرستان فإنها بين أشجار وغياض تمنع بلوغ الصوت
أما إذا كانت قرية على قلة جبل يسمع أهلها النداء لعلوها بحيث لو كانت على استواء الأرض لما سمعوا أو كانت قرية في وهدة من الأرض لا يسمع أهلها النداء لانخفاضها بحيث لو كانت على استواء لسمعوا فوجهان
أصحها وبه قال القاضي أبو الطيب لا تجب الجمعة في الصورة الأولى وتجب في الثانية اعتبارا بتقدير الاستواء
والثاني وبه قال الشيخ أبو حامد عكسه اعتبارا بنفس السماع
أما إذا لم يبلغ النداء أهل القرية فلا جمعة عليهم
وأما أهل الخيام إذا لزموا موضعا ولم يفارقوه وقلنا لا يصلون الجمعة موضعهم فهم كأهل القرى
وإذ لم يبلغوا أربعين إن سمعوا النداء لزمتهم الجمعة وإلا فلا
قلت وإذا سمع أهل القرية الناقصون عن الأربعين النداء من بلدين فأيهما حضروا جاز والأولى حضور أكثرهما جماعة
والله أعلم

فرع العذر المبيح ترك الجمعة يبيحه وإن طرأ بعد الزوال إلا السفر
فإنه يحرم إنشاؤه بعد الزوال
وهل يجوز بعد الفجر وقبل الزوال قولان
قال في القديم وحرملة يجوز
وفي الجديد لا يجوز وهو الأظهر عند العراقيين
وقيل يجوز قولا واحدا
هذا في السفر المباح
أما الطاعة واجبا كان كالحج أو مندوبا فلا يجوز بعد الزوال وأما قبله فقطع كثير من أئمتنا بجوازه
ومقتضى كلام العراقيين أنه على الخلاف كالمباح
وحيث قلنا يحرم فله شرطان
أحدهما أننا ينقطع عن الرفقة ولا يناله ضرر في تخلفه للجمعة
فإن انقطع وفات سفره بذلك أو ناله ضرر فله الخروج بعد الزوال بلا خلاف


كذا قاله الأصحاب
وقال الشيخ أبو حاتم القزويني في جوازه بعد الزوال لخوف الانقطاع عن الرفقة وجهان
الشرط الثاني أن لا يمكنه صلاة الجمعة في منزله أو طريقه
فإن أمكنت فلا منع بحال
قلت تحريم السفر المباح والطاعة قبل الزوال وحيث حرمناه بعد الزوال فسافر كان عاصيا فلا يترخص ما لم تفت الجمعة
ثم حيث كان فواتها يكون ابتداء سفره قاله القاضي حسين وصاحب التهذيب وهو ظاهر
والله أعلم

فرع المعذورون في ترك الجمعة ضربان

أحدهما يتوقع زوال عذره كالعبد والمريض يتوقع الخفة فيستحب له تأخير الظهر إلى اليأس من إدراك الجمعة لاحتمال تمكنه منها
ويحصل اليأس برفع الإمام رأسه من الركوع الثاني على الصحيح
وعلى الشاذ يراعى تصور الإدراك في حق كل واحد فإذا كان منزله بعيدا فانتهى الوقت إلى حد لو أخذ في السعي لم يدرك الجمعة حصل الفوات في حقه
الضرب الثاني من لا يرجو زوال عذره كالمرأة والزمن فالأولى أن يصلي الظهر في أول الوقت لفضيلة الأولية
قلت هذا اختيار أصحابنا الخراسانيين وهو الأصح
وقال العراقيون هذا الضرب كالأول فيستحب لهم تأخير الظهر لأن الجمعة صلاة الكاملين فقدمت
والاختيار التوسط
فيقال إن كان هذا الشخص جازما بأنه لا يحضر الجمعة

وإن تمكن منها استحب تقديم الظهر
وإن كان لو تمكن أو نشط حضرها استحب التأخير كالضرب الأول
والله أعلم
وإذا اجتمع معذورون استحب لهم الجماعة في ظهرهم على الأصح
قال الشافعي رحمه الله واستحب لهم إخفاء الجماعة لئلا يتهموا
قال الأصحاب هذا إذا كان عذرهم خفيا فإن كان ظاهرا فلا تهمة
ومنهم من استحب الاخفاء مطلقا
ثم إذا صلى المعذور الظهر قبل فوات الجمعة صحت ظهره
فلو زال عذره وتمكن من الجمعة لم تلزمه إلا في الخنثى إذا صلى الظهر ثم بان رجلا وتمكن من الجمعة فتلزمه
والمستحب لهؤلاء حضور الجمعة بعد فعلهم الظهر
فإن صلوا الجمعة ففرضهم الظهر على الأظهر
وعلى الثاني يحتسب الله تعالى بما شاء
أما إذا زال العذر في أثناء الظهر فقال القفال هو كرؤية المتيمم الماء في الصلاة
وهذا يقتضي خلافا في بطلان الظهر كالخلاف في بطلان صلاة المتيمم
وذكر الشيخ أبو محمد وجهين هنا
والمذهب استمرار صحة الظهر
وهذا الخلاف تفريع على إبطال ظهر غير المعذور إذا صلاها قبل فوات وقت الجمعة
فإن لم نبطلها فالمعذور أولى

فرع من لا عذر له إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة لم
الجديد وهو الأظهر وتصح على القديم ثم قال الأصحاب القولان مبنيان على أن الفرض الأصلي يوم الجمعة ماذا فالجديد أنه الجمعة
والقديم أنه الظهر وأن الجمعة بدل
ثم قال أبو إسحق المروزي لو ترك جميع أهل البلدة الجمعة وصلوا الظهر أثموا كلهم وصحت ظهرهم على القولين
وإن الخلاف في ترك

آحادهم الجمعة مع إقامتها بجماعة
والصحيح الذي قاله غيره أنه لا فرق وأن ظهرها لا تصح على الجديد لأنهم صلوها وفرض الجمعة متوجه إليهم
فإذا فرعنا على الجديد في أصل المسألة فالأمر بحضور الجمعة قائم
فإن حضرها فذاك وإن فاتت قضى الظهر
وهل يكون ما فعله أولا باطلا أم تنقلب نفلا فيه القولان في نظائره
وإن قلنا بالقديم فالمذهب والذي قطع به الأكثرون أن الأمر بحضور الجمعة قائم أيضا
ومعنى صحة الظهر الاعتداد بها في الجمعة بحيث لو فاتت الجمعة أجزأته
وقيل في سقوط الأمر بحضور الجمعة قولان
وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي
فإن قلنا لا يسقط الأمر أو قلنا يسقط فصلى الجمعة ففي الفرض منهما طريقان
أحدهما الفرض أحدهما لا بعينه ويحتسب الله تعالى بما شاء منهما
والطريق الثاني فيه أربعة أقوال
أحدها الفرض الظهر
والثاني الجمعة
والثالث كلاهما فرض
والرابع أحدهما لا بعينه كالطريق الأول
هذا كله إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة
فإن صلاها بعد ركوع الإمام في الثانية وقبل سلامه فقال ابن الصباغ ظاهر كلام الشافعي بطلانها يعني على الجديد
ومن أصحابنا من جوزها
وإذا امتنع أهل البلدة جميعا من الجمعة وصلوا الظهر فالفوات بخروج الوقت أو ضيقه بحيث لا يسع إلا الركعتين


الباب الثالث في كيفية إقامة الجمعة
بعد شرائطها الجمعة ركعتان كغيرها في الأركان وتمتاز بأمور مندوبة
أحدها الغسل يوم الجمعة سنة ووقته بعد الفجر على المذهب
وانفرد في النهاية بحكاية وجه أنه يجزىء قبل الفجر كغسل العيد وهو شاذ منكر
ويستحب تقريب الغسل من الرواح إلى الجمعة
ثم الصحيح إنما يستحب لمن يحضر الجمعة
والثاني يستحب لكل أحد كغسل العيد
فإذا قلنا بالصحيح فهو مستحب لكل حاضر سواء من تجب عليه وغيره
قلت وفيه وجه أنه إنما يستحب لمن تجب عليه وحضرها ووجه لمن تجب عليه وإن لم يحضرها لعذر
والله أعلم
ولو أحدث بعد الغسل لم يبطل الغسل فيتوضأ
قلت وكذا لو أجنب بجماع أو غيره لا يبطل فيغتسل للجنابة
والله أعلم
قال الصيدلاني وعامة الأصحاب إذا عجز عن الغسل لنفاد الماء بعد الوضوء أو لقروح في بدنه تيمم وحاز الفضيلة
قال إمام الحرمين هذا الذي قالوه هو الظاهر وفيه احتمال
ورجح الغزالي هذا الاحتمال


فرع من الأغسال المسنونة أغسال الحج وغسل العيدين ويأتي في مواضعها

وأما الغسل من غسل الميت ففيه قولان
القديم أنه واجب وكذا الوضوء من مسه
والجديد استحبابه وهو المشهور
فعلى هذا غسل الجمعة والغسل من غسل الميت آكد الأغسال المسنونة وأيهما آكد قولان
الجديد الغسل من غسل الميت آكد
والقديم غسل الجمعة وهو الراجح عند صاحب التهذيب والروياني والأكثرين
ورجح صاحب المهذب وآخرون الجديد
وفي وجه هما سواء
قلت الصواب الجزم بترجيح غسل الجمعة لكثرة الأخبار الصحيحة فيه
وفيها الحث العظيم عليه كقوله صلى الله عليه وسلم غسل الجمعة واجب وقوله صلى الله عليه وسلم من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل وأما الغسل من غسل الميت فلم يصح فيه شيء أصلا
ثم من فوائد الخلاف ولو حضر إنسان معه ماء يدفعه لأحوج الناس وهناك رجلان أحدهما يريده لغسل الجمعة والآخر للغسل من غسل الميت
والله أعلم
وأما الكافر إذا أسلم فإن كان وجب عليه غسل بجنابة أو حيض لزمه الغسل ولا يجزئه غسله في الكفر على الأصح كما سبق في موضعه
وإلا استحب له الغسل للإسلام
وقال ابن المنذر يجب
ووقت الغسل بعد الإسلام على الصحيح وعلى الوجه الضعيف يغتسل قبل الإسلام
قلت هذا الوجه غلط صريح والعجب ممن حكاه فكيف بمن قاله

وقد أشبعت القول في إبطاله والشناعة على قائله في شرح المهذب وكيف يؤمر بالبقاء على الكفر ليفعل غسلا لا يصح منه والله أعلم
ومن الأغسال المسنونة الغسل للافاقة من الجنون والاغماء
وقد تقدم في باب الغسل حكاية وجه في وجوبهما
والصحيح أنهما سنة
ومنها الغسل من الحجامة والخروج من الحمام
ذكر صاحب التلخيص عن القديم استحبابهما والأكثرون لم يذكروهما
قال صاحب التهذيب قيل المراد بغسل الحمام إذا تنور
قال وعندي أن المراد به أن يدخل الحمام فيعرق فيستحب أن لا يخرج من غير غسل
قلت وقيل الغسل من الحمام هو أن يصب عليه ماء عند إرادته الخروج تنظفا كما اعتاده الخارجون منه
والمختار الجزم باستحباب الغسل من الحجامة والحمام
فقد نقل صاحب جمع الجوامع في منصوصات الشافعي أنه قال أحب الغسل من الحجامة والحمام وكل أمر غير الجسد وأشار الشافعي إلى أن حكمته أن ذلك يغير الجسد ويضعفه والغسل يشده وينعشه
قال أصحابنا يستحب الغسل لكل اجتماع وفي كل حال تغير رائحة البدن
والله أعلم
الأمر الثاني استحباب البكور إلى الجامع والساعة الأولى أفضل من الثانية ثم الثالثة فما بعدها
وتعتبر الساعات من طلوع الفجر على الأصح
وعلى الثاني من طلوع الشمس
والثالث من الزوال
ثم ليس المراد على الأوجه

بالساعات الأربع والعشرين بل ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه لئلا يستوي في الفضيلة رجلان جاءا في طرفي ساعة
والأمر الثالث التزين فيستحب التزين للجمعة بأخذ الشعر والظفر والسواك وقطع الرائحة الكريهة ويلبس أحسن الثياب وأولاها البيض
فإن لبس مصبوغا فما صبغ غزله ثم نسج كالبرد لا ما صبغ منسوجا
ويستحب أن يتطيب بأطيب ما عنده ويستحب أن يزيد الإمام في حسن الهيئة ويتعمم ويرتدي
ويستحب لكل من قصد الجمعة المشي على سكينة ما لم يضق الوقت ولا يسعى إليها ولا إلى غيرها من الصلوات ولا يركب في جمعة ولا عيد ولا جنازة ولا عيادة مريض إلا لعذر
وإذا ركب سيرها على سكون
الأمر الرابع يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة بعد ( الفاتحة ) سورة ( الجمعة )
وفي الثانية ( المنافقين )
وفي قول قديم إنه يقرأ في الأولى { سبح اسم ربك الأعلى }
وفي الثانية { هل أتاك حديث الغاشية }
قلت عجب من الإمام الرافعي رحمه الله كيف جعل المسألة ذات قولين قديم وجديد والصواب أنهما سنتان
فقد ثبت كل ذلك في صحيح مسلم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقرأ هاتين في وقت وهاتين في وقت
ومما يؤيد ما ذكرته أن الربيع رحمه الله وهو راوي الكتب الجديدة قال سألت الشافعي رحمه الله عن ذلك فذكر أنه يختار ( الجمعة ) و ( المنافقين ) ولو قرأ { سبح } و { هل أتاك } كان حسنا
والله أعلم
فلو نسي سورة ( الجمعة ) في الأولى قرأها مع ( المنافقين ) في الثانية ولو قرأ ( المنافقين ) في الأولى قرأ ( الجمعة ) في الثانية
قلت ولا يعيد ( المنافقين ) في الثانية
وقوله لو نسي ( الجمعة ) في الأولى معناه تركها سواء كان ناسيا أو عامدا أو جاهلا
والله أعلم


فرع ينبغي للداخل أن يحترز عن تخطي رقاب الناس إلا إذا كان
أو كان بين يديه فرجة لا يصلها بغير تخط
ولا يجوز أن يقيم أحدا ليجلس موضعه ويجوز أن يبعث من يأخذ له موضعا فإذا جاء ينحي المبعوث
وإن فرش لرجل ثوب فجاء آخر لم يجز أن يجلس عليه وله أن ينحيه ويجلس مكانه
قال في البيان ولا يرفعه لئلا يدخل في ضمانه
ويستحب لمن حضر قبل الخطبة أن يشتغل بذكر الله عز وجل
وقراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحب الإكثار منها يوم الجمعة وليلة الجمعة
ويكثر الدعاء يومها رجاء أن يصادف ساعة الإجابة
قلت اختلف في ساعة الإجابة على مذاهب كثيرة
والصواب منها ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة
والله أعلم
ويستحب قراءة سورة ( الكهف ) يومها وليلتها
ولا يصل صلاة الجمعة بصلاة بل يفصل بالتحول إلى مكان أو بكلام ونحوه


فرع يكره البيع بعد الزوال وقبل الصلاة

فإذا ظهر الإمام على المنبر وشرع المؤذن في الأذان حرم البيع
ولو تبايع اثنان أحدهما من أهل فرض الجمعة دون الآخر أثما جميعا
ولا يكره البيع قبل الزوال
وإذا حرم فباع صح بيعه
قلت غير البيع من الصنائع والعقود وغيرها في معنى البيع
ولو أذن قبل جلوس الإمام على المنبر لم يحرم البيع
وحيث حرمنا البيع فهو في حق من جلس له في غير المسجد
أما إذا سمع النداء فقام يقصد الجمعة فبايع في طريقه وهو يمشي أو قعد في الجامع وباع فلا يحرم
صرح به صاحب التتمة وهو ظاهر لأن المقصود أن لا يتأخر عن السعي إلى الجمعة لكن البيع في المسجد مكروه يوم الجمعة وغيره على الأظهر
والله أعلم
فرع لا بأس على العجائز حضور الجمعة إذا أذن أزواجهن ويحترزن عن
الطيب والتزين
قلت يكره أن يشبك بين أصابعه أو يعبث حال ذهابه إلى الجمعة وانتظاره لها وكذلك سائر الصلوات
قال الشافعي في الأم والأصحاب إذا قعد إنسان في

الجامع في موضع الإمام أو في طريق الناس أمر بالقيام
وكذا لو قعد ووجهه إلى الناس والمكان ضيق أمر بالتحول وإلا فلا
قال في البيان وإذا قرأ الإمام في الخطبة { إن الله وملائكته يصلون على النبي }
جاز للمستمع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع بها صوته
والله أعلم


كتاب صلاة الخوف
اعلم أن ليس المراد بهذه الترجمة أن الخوف يقتضي صلاة مستقلة كقولنا صلاة العيد ولا أنه يؤثر في تغير قدر الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر
وإنما المراد أنه يؤثر في كيفية إقامة الفرائض بل في إقامتها بالجماعة واحتمال أمور فيها كانت لا تحتمل
ثم هو في الأكثر لا يؤثر في إقامة مطلق الفرائض بل في إقامتها بالجماعة كما نفصله إن شاء الله تعالى
وقال المزني صلاة الخوف منسوخة ومذهبنا أنها باقية
وهي أربعة أنواع
الأول صلاة بطن نخل
وهي أن يجعل الإمإم الناس فرقتين
فرقة في وجه العدو وفرقة يصلي بها جميع الصلاة سواء كان ركعتين أو ثلاثا أو أربعا فإذا سلم بهم ذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الفرقة الأخرى فصلى بهم تلك الصلاة مرة ثانية تكون له نافلة ولهم فريضة
وإنما يندب إلى هذه الصلاة بثلاثة شروط أن يكون العدو في غير القبلة وأن يكون في المسلمين كثرة والعدو قليل وأن يخاف هجومهم على المسلمين في الصلاة
وهذه الأمور ليست شرطا للصحة فإن الصلاة على هذا الوجه تجوز بغير خوف
وإنما المراد أن الصلاة هكذا إنما يندب إليها وتختار بهذه الشروط


النوع الثاني صلاة عسفان
وهي أن يرتبهم الإمام صفين ويحرم بالجميع فيصلوا معه إلى أن ينتهي إلى الاعتدال عن ركوع الأولى فإذا سجد سجد معه الصف الثاني ولم يسجد الصف الأول بل يحرسوا لهم قياما فإذا قام الإمام والساجدون سجد أهل الصف الأول ولحقوه وقرأ الجميع معه وركعوا واعتدلوا فإذا سجد سجد معه الصف الحارسون في الركعة الأولى وحرس الآخرون فإذا جلس للتشهد سجدوا ولحقوه وتشهدوا كلهم معه وسلم بهم
هذه الكيفية ذكرها الشافعي رحمه الله في المختصر
واختلف الأصحاب فأخذ كثيرون بها منهم أصحاب القفال وتابعهم الغزالي وقالوا هي منقولة عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بعسفان وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه ما ذكره الشافعي خلاف الثابت في السنة فإن الثابت أن الصف الأول سجدوا معه في الركعة الأولى والصف الثاني سجدوا معه في الثانية والشافعي عكس ذلك
قالوا والمذهب ما ثبت في الخبر لأن الشافعي رحمه الله قال إذا رأيتم قولي مخالفا للسنة فاطرحوه
واعلم أن الشافعي لم يقل إن الكيفية التي ذكرها هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان بل قال وهذا نحو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فأشبه تجويزه كل واحد منهما
وقد صرح به الروياني وصاحب التهذيب وغيرهما
قلت الصحيح المختار جواز الأمرين وهو مراد الشافعي فإنه ذكر الحديث كما ثبت في الصحيح ثم ذكر الكيفية المذكورة فأشار إلى جوازهما
والله أعلم
ثم المذهب الصحيح المنصوص المشهور أن الحراسة في السجود خاصة وأن الجميع يركعون معه وفيه وجه أنهم يحرسون في الركوع أيضا وهو شاذ منكر
قال أصحابنا لهذه الصلاة ثلاثة شروط
أن يكون العدو في جهة

القبلة وأن يكون على جبل أو مستوى من الأرض لا يسترهم شىء عن أبصار المسلمين وأن يكون في المسلمين كثرة لتسجد طائفة وتحرس أخرى ولا يمتنع أن يزيد على صفين بل يجوز أن يرتبهم صفوفا كثيرة ثم يحرس صفإن كما سبق ولا يشترط أن يحرس جميع من في الصف بل لو حرست فرقتان من صف واحد على المناوبة في الركعتين جاز
فلو تولى الحراسة في الركعتين طائفة واحدة ففي صلاة هذه الطائفة وجهان
أصحهما الصحة وبه قطع جماعة

فرع لو تأخر الحارسون أولا إلى الصف الثاني في الركعة الثانية وتقدمت
الطائفة الثانية ليحرسوا جاز إذا لم تكثر أفعالهم وذلك بأن يتقدم كل واحد من الصف الثاني خطوتين ويتأخر كل واحد من الصف الأول خطوتين وينفذ كل واحد بين رجلين
وهل هذا التقدم أفضل أم ملازمة كا واحد مكانه وجهان
قال الصيدلاني والمسعودي والغزالي وآخرون التقدم أفضل
وقال العراقيون الملازمة أفضل
ولفظ الشافعي على هذا أدل وهذا كله بناء على ما ذكره الشافعي أن الصف الأول يحرس في الأول
فأما على اختيار أبي حامد أن الصف الأول يسجدون في الأول فإن في الركعة الثانية يتقدم الصف الثاني ويتأخر الأول فتكون الحراسة في الركعتين ممن خلف الصف الأول وكذلك ورد الخبر
قلت ثبت في صحيح مسلم تقدم الصف الثاني وتأخر الأول
والله أعلم


النوع الثالث صلاة ذات الرقاع
وهي تارة تكون في صلاة ذات ركعتين إما الصبح وإما مقصورة وتارة في ذات ثلاث أو أربع
فأما ذات ركعتين فيفرق الإمام الناس فرقتين فرقة في وجه العدو وينحاز بفرقة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدو فيفتح بهم الصلاة ويصلي بهم ركعة
هذا القدر اتفقت عليه الروايات
وفيما يفعل بعد ذلك روايتان
إحداهما أنه إذا قام الإمام إلى الثانية خرج المقتدون عن متابعته وأتموا لأنفسهم الركعة الثانية وتشهدوا وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو وجاؤوا أولئك فاقتدوا به في الثانية
ويطيل الإمام القيام إلى لحوقهم فإذا لحقوه صلى بهم الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم
هذه رواية سهل بن أبي حثمة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما الثانية فهي أن الإمام إذا قام إلى الثانية لم يتم المقتدون به الصلاة بل يذهبون إلى مكان إخوانهم وجاه العدو وهم في الصلاة فيقفون سكوتا وتجيء تلك الطائفة فتصلي مع الإمام ركعته الثانية
فإذا سلم ذهبت إلى وجه العدو وجاء الأولون إلى مكان الصلاة وأتموا لأنفسهم وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى إلى مكان الصلاة وأتموا
وهذه رواية ابن عمر
ثم إن الشافعي رحمه الله اختار الرواية الأولى لسلامتها من كثرة المخالفة ولأنها أحوط لأمر الحرب
و للشافعي قول قديم أنه إذا صلى الإمام بالطائفة الثانية الركعة الثانية تشهد بهم وسلم ثم هم يقومون إلى تمام صلاتهم كالمسبوق وقول آخر أنهم يقومون إذا بلغ الإمام موضع السلام ولم يسلم بعد
وهل تصح الصلاة على صفة رواية ابن عمر قولان
المشهور الصحة لصحة الحديث وعدم المعارض ولا يصح قول الآخر إنه منسوخ فإن النسخ يحتاج إلى دليل
وإقامة الصلاة على الوجه المذكور ليست عزيمة لا بد منها بل لو صلى بطائفة وصلى غيره بالباقين أو صلى بعضهم أو كلهم منفردين جاز قطعا لكن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمحون

بترك فضيلة الجماعة فأمر الله سبحانه وتعالى بترتبهم هكذا لتحصل طائفة فضيلة التكبير معه والأخرى فضيلة التسليم معه
وهذا النوع موضعه إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو فيها وبينهم وبين المسلمين حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا

فرع الطائفة الأولى ينوون مفارقة الإمام إذا قاموا معه إلى الثانية

ولو فارقوه بعد رفع الرأس من السجود جاز والأول أولى
وأما الطائفة الثانية فإذا قاموا إلى ركعتهم الثانية لا ينفردون عن الإمام كذا قاله الجمهور
وفيه شىء يأتي إن شاء الله تعالى
فرع إذ قام الإمام إلى الثانية هل يقرأ في انتظاره مجيء الطائفة
الثانية أم يؤخر ليقرأ معهم فيه ثلاث طرق
أصحها على قولين
أظهرهما يقرأ الفاتحة والسورة بعدها فإذا جاؤوا قرأ من السورة قدر الفاتحة وسورة قصيرة ثم ركع
والثاني لا يقرأ شيئا بل يشتغل بما شاء من التسبيح وسائر الأذكار
والطريق الثاني يقرأ قولا واحدا
والثالث إن أراد قراءة سورة طويلة بعد الفاتحة قرأ ومدها وإن أراد قصيرة انتظرهم
ولو لم ينتظرهم وأدركوه في الركوع أدركوا الركعة
وهل

يتشهد في انتظاره فراغ الثانية من ركعتهم إذا قلنا يفارقونه قبل التشهد فيه طرق
المذهب أنه يتشهد وقيل فيه الطريقان الأولان في القراءة
قلت قال أصحابنا إذا قلنا لا يتشهد اشتغل في مدة الانتظار بالتسبيح وغيره من الأذكار ويستحب للإمام أن يخفف الأولى ويستحب للطائفتين التخفيف فيما ينفردون به
والله أعلم

فرع لو صلى الإمام بهم هذه الصلاة في الأمن هل تصح أما
ففيها طريقان
أحدهما صحيحة قطعا وقال الأكثرون في صحتها قولان لأنه ينتظرهم بغير عذر
وأما الطائفة الأولى ففي صحة صلاتها القولان فيمن فارق بغير عذر
وأما الطائفة الثانية فإن قلنا صلاة الإمام تبطل بطل اقتداؤهم وإلا انعقد ثم تبنى صلاتهم إذا قاموا إلى الثانية على خلاف يأتي أنهم منفردون بها أم في حكم الاقتداء إن قلنا بالأول ففيها قولان مبنيان على أصلين
أحدهما الانفراد بغير عذر والثاني الاقتداء بعد الانفراد
وإن قلنا بالثاني بطلت صلاتهم لأنهم انفردوا بركعة وهم في القدوة
ولو فرضت الصلاة في الأمن على رواية ابن عمر بطلت صلاة المأموين قطعا
فرع إذا صلى المغرب في الخوف جاز أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة
وبالثانية ركعتين وعكسه
وأيهما أفضل فيه قولان أظهرهما بالأولى ركعتين ومنهم من قطع به


فإن قلنا بالأولى ركعة فارقته إذا قام إلى الثانية وتتم لنفسها كما ذكراه في ذات الركعتين
وإن قلنا بالأولى ركعتين جاز أن ينتظر الثانية في التشهد الأول وجاز أن ينتظرهم في القيام الثالث
وأيهما أفضل قولان
أظهرهما الانتظار في القيام
وعلى هذا هل يقرأ الفاتحة أم يصبر إلى لحوق الطائفة الثانية فيه الخلاف المتقدم

فرع إذا كانت صلاة الخوف رباعية بأن كانت في الحضر أو أرادوا
في السفر فينبغي للإمام أن يفرقهم فرقتين ويصلي بكل طائفة ركعتين ثم هل الأفضل أن ينتظر الثانية في التشهد الأول أم في القيام الثالث فيه الخلاف المتقدم في المغرب
ويتشهد بكل طائفة بلا خلاف
فلو فرقهم أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة بأن صلى بالأولى ركعة ثم فارقته وصلت ثلاثا وسلمت وانتظر قائما فراغها وذهابها ومجيء الثانية ثم صلى بالثانية الثانية وانتظر جالسا في التشهد الأول أو قائما في الثالثة وأتموا لأنفسهم ثم صلى بالثالثة الثالثة وانتظروا في قيام الرابعة وأتموا لأنفسهم ثم صلى بالرابعة الرابعة وانتظرهم في التشهد فأتموا وسلم بهم ففي جوازه قولان
أظهرهما الجواز فعلى هذا قال إمام الحرمين شرطه الحاجة فإن لم تكن حاجة فهو كفعلهم في حال الاختيار
وعلى هذا القول تكون الطائفة الرابعة كالثانية في ذات الركعتين فيعود الخلاف في أنهم يفارقونه قبل التشهد أو يتشهدون معه أو يقومون بعد سلام الإمام إلى ما عليهم وتتشهد الطائفة الثانية معه على الأصح
وعلى الثاني تفارقه قبل التشهد وعلى هذا القول تصح صلاة الإمام والطائفة الرابعة وفي الطوائف الثلاث القولان فيمن فارق الإمام بغير عذر
وأما إذا قلنا لا يجوز ذلك فصلاة الإمام باطلة


قال جمهور الأصحاب تبطل بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله وقال ابن سريج بالواقع في الرابعة
فعلى قول الجمهور وجهان
أحدهما تبطل بمعنى الطائفة الثانية
والثاني بمعى قدر ركعة من انتظاره الثاني
وأما صلاة المأمومين فصلاة الطائفة الأولى والثانية صحيحة لأنهم فارقوه قبل بطلان صلاته وصلاة الرابعة باطلة إن علمت بطلان صلاة الإمام وإلا فلا
والثالثة كالرابعة على قول الجمهور وكالأولين على قول ابن سريج
قلت جزم الإمام الرافعي بصحة صلاة الطائفة الأولى والثانية على هذا القول وليس هو كذلك بل فيهما القولان فيمن فارق بغير عذر كما قلنا في الطوائف الثلاث على قول صحة صلاة الإمام
وهذا لا بد منه وصرح به جماعة من أصحابنا
وحكى القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وآخرون وجها ضعيفا أن المبطل للطائفة الرابعة أن تعلم أنه انتظار رابع وإن جهلت كونه مبطلا
والله أعلم
ولو فرقهم في المغرب ثلاث فرق وصلى بكل فرقة ركعة وقلنا لا يجوز ذلك فصلاة جميع الطوائف صحيحة عند ابن سريج
وأما عند الجمهور فتبطل الثالثة إن علموا بطلان صلاة الإمام
وإذا اختصرت الرباعية ففيها أربعة أقوال
أظهرها صحة صلاة الإمام والقوم جميعا
والثاني صحة صلاة الإمام والطائفة الرابعة فقط
والثالث بطلان صلاة الإمام وصحة صلاة الطائفة الأولى والثانية
والفرق في حق الثالثة والرابعة بين أن يعلموا بطلان صلاة الإمام أم لا
والرابع صحة الثالثة لا محالة والباقي كالقول الثالث وهو قول ابن سريج
قلت وقول خامس وهو بطلان صلاة الجميع
ولو فرقهم فرقتين فصلى بفرقة ركعة بالثانية ثلاثا أو عكسه
قال أصحابنا صحت صلاة الإمام وجميعهم بلا خلاف وكانت مكروهة ويسجدالإمام والطائفة الثانية سجود السهو للمخالفة

بالانتظار في غير موضعه
هكذا صرح به أصحابنا
ونقله صاحب الشامل عن نص الشافعي رحمه الله قال وهذا يدل على أنه إذا فرقهم أربع فرق
وقلنا لا تبطل صلاتهم فعليهم سجود السهو
وقال صاحب التتمة لا خلاف في هذه الصورة أن الصلاة مكروهة لأن الشرع ورد بالتسوية بين الطائفتين قال وهل تصح صلاة الإمام أم لا إن قلنا إذا فرقهم أربع فرق تصح فهنا أولى وإلا فقد انتظر في غير موضعه فيكون كمن قنت في غير موضعه قال وأما المأمومون فعلى التفصيل فيما إذا فرقهم أربع فرق وهذا الذي قاله شاذ والصواب قدمناه عن نص الشافعي والأصحاب
والله أعلم

فرع لو كان الخوف في بلد وحضرت صلاة الجمعة فالمذهب والمنصوص أن
لهم يصلوها على هيئة صلاة ذات الرقاع وقيل في جوازها قولان
وقيل وجهان
ثم للجواز شرطان
أحدهما أن يخطب بجميعهم ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بفرقة ويجعل منها مع كل واحد من الفرقتين أربعين فصاعدا
فأما لو خطب بفرقة وصلى بأخرى فلا يجوز
والثاني أن تكون الفرقة الأولى أربعين فصاعدا فلو نقصت عن الأربعين
لم تنعقد الجمعة
ولو نقصت الفرقة الثانية عن أربعين فطريقان
أحدهما لا يضر
والثاني أنه كالخلاف في الانفضاض
قلت الأصح لا يضر وبه قطع البندنيحي
والله أعلم
أما لو خطب بهم ثم أراد أن يصلي بهم صلاة عسفان فهي أولى بالجواز من صلاة ذات الرقاع
ولا تجوز كصلاة بطن نخل إذ لا تقام جمعة بعد جمعة


فرع صلاة ذات الرقاع أفضل من صلاة بطن نخل على الأصح لأنها
بين الطائفتين ولأنها صحيحة بالاتفاق
وتلك صلاة مفترض خلف متنفل وفي صحته خلاف للعلماء
والثاني وهو قول أبي إسحق بطن النخل أفضل لتحصل لكل طائفة فضيلة الجماعة بالتمام
فرع إذا سها بعض المأمومين في صلاة ذات الرقاع على الرواية المختارة
نظر إن سهت الطائفة الأولى في الركعة الأولى فسهوها محمول لأنها مقتدية وسهوها في الثانية غير محمول لانقطاعها عن الإمام
وفي ابتداء الانقطاع وجهان
أحدهما من الانتصاب قائما
والثاني من رفع الإمام رأسه من السجود الثاني فعلى هذا لو رفع رأسه وهم بعد في السجود فسهوا فغير محمول
ولك أن تقول قد نصوا على أنهم ينوون المفارقة عند رفع الرأس أو الانتصاب فلا معنى للخلاف في ابتداء الانقطاع بل ينبغي أن تقتصر على وقت نية المفارقة
وأما الطائفة الثانية فسهوها في الركعة الأولى غير محمول وفي الثانية محمول على الأصح ويجري الوجهان في المزحوم في الجمعة إذا سها في وقت تخلفه وأجروهما فيمن صلى منفردا فسها ثم اقتدى وتممها مأموما وجوزناه واستبعد الإمام هذا وقال الوجه القطع بأن حكم السهو لا يرتفع بالقدوة اللاحقة
هذا إذا قلنا الطائفة الثانية يقومون للركعة الثانية إذا جلس الإمام للتشهد فأما إذا قلنا بالقديم إنهم

يقومون بعد سلامه فسهوهم في الثانية غير محمول قطعا كالمسبوق
أما إذا سها الإمام فينظر إن سها في الركعة الأولى لحق سهوه الطائفتين فالأولى تسجد إذا تمت صلاتهم فلو سها بعضهم في ركعته الثانية فهل يقتصر على سجدتين أم يسجد أربعا فيه الخلاف المتقدم في بابه والأصح سجدتان
والطائفة الثانية يسجدون مع الإمام في آخر صلاته
وإن سها في الركعة الثانية لم يلحق سهوه الطائفة الأولى وتسجد الثانية معه في آخر صلاته
ولو سها في انتظاره إياهم فهل يلحقهم ذلك السهو فيه الخلاف المتقدم في أنه هل يحمل سهوهم والحالة هذه فرع هل يجب حمل السلاح في صلاة ذات الرقاع وعسفان وبطن نخل فيه طرق
أصحها على قولين
أظهرهما يستحب
والثاني القطع بالاستحباب
والثالث بالايجاب
والرابع أن ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين يجب وما يدفع به عن نفسه وغيره كالرمح والقوس لا يجب
وللخلاف شروط
أحدها طهارة المحمول فالنجس كالسيف الذق عليه دم أو سقي سما نجسا والنبل المريش بريش ما لا يؤكل لحمه أو بريش ميتة لا يجوز حمله
الثاني أن لا يكون مانعا بعض أركان الصلاة فإن كان كالبيضة المانعة من مباشرة الجبهة لم يحمل بلا خلاف
الثالث أن لا يتأذى به أحد كالرمح في وسط القوم فيكره
الرابع أن يخاف من وضع السلاح خطر على سبيل الاحتمال فأما إذا تعرض للهلاك ظاهرا لو تركه فيجب الأخذ قطعا
واعلم أن الأصحاب ترجموا المسألة بحمل السلاح
قال إمام الحرمين وليس الحمل متعينا بل لو وضع السيف عن يديه وكان مد اليد إليه في السهولة كمدها إليه

وهو محمول كان ذلك في حكم الحمل قطعا
قال ابن كج يقع السلاح على السيف والسكين والقوس والرمح والنشاب ونحوها
فأما الترس والدرع فليس بسلاح
وإذا أوجبنا حمل السلاح فتركه لم تبطل صلاته قطعا
قلت ويجوز ترك السلاح للعذر بمرض أو أذى من مطر أو غيره
قال في المختصر أكره أن يصلي صلاة الخوف يعني صلاة ذات الرقاع بأقل من ثلاثة وفي وجه العدو ثلاثة والثلاثة أقل الطائفة
ولو صلى بواحد واحد جاز
والله أعلم
النوع الرابع صلاة شدة الخوف
فإذا التحم القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقلتهم وكثرة العدو أو اشتد الخوف وإن لم يلتحم القتال فلم يأمنوا أن يركبوا أكتافهم أو ولوا عنهم أو انقسموا صلوا بحسب الإمكان وليس لهم التأخير عن الوقت
ويصلون ركبانا ومشاة ولهم ترك استقبال القبلة إذا لم يقدروا عليها ويجوز الاقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة وفيها
قلت قال أصحابنا وصلاة الجماعة في هذه الحالة أفضل من الانفراد كحالة الأمن
والله أعلم
وإنما يعفى عن ترك استقبال القبلة إذا كان بسبب العدو فلو انحرف عن القبلة بجماع الدابة وطال الزمان بطلت صلاته
وإذا لم يتمكن من إتمام الركوع والسجود اقتصروا على الإيماء بهما وجعلوا السجود أخفض من الركوع ولا يجب على الماشي استقبال القبلة في الركوع ولا السجود ولا التحرم ولا وضع الجبهة على الأرض فإنه يخاف الهلاك بخلاف المتنفل في السفر ويجب الاحتراز عن الصياح بكل حال بلا خلاف فإنه لا حاجة إليه ولا بأس بالأعمال القليلة فانها محتملة في غير الخوف ففيه أولى


وأما الأفعال الكثيرة كالطعنات والضربات المتوالية فهي مبطلة إن لم يحتج إليها فإن احتاج فثلاثة أوجه
أصحها عند الأكثرين وبه قال ابن سريج والقفال لا تبطل
والثاني تبطل
حكاه العراقيون عن ظاهر النص
والثالث تبطل إن كان في شخص واحد ولا تبطل في أشخاص وعبر بعضهم عن الأوجه بالأقوال

فرع لو تلطخ سلاحه بالدم فينبغي أن يلقيه أو يجعله في قرابه
ركابه إلى أن يفرغ من صلاته إن احتمل الحال ذلك فإن احتاج إلى إمساكه فله إمساكه ثم هل يقضي نقل إمام الحرمين عن الأصحاب أنه يقضي لندور عذره ثم منعه وقال تلطخ السلاح بالدم من الأعذار العامة في حق المقاتل ولا سبيل إلى تكليفه تنحية السلاح فتلك النجاسة ضرورية في حقه كنجاسة المستحاضة في حقها ثم جعل المسألة على قولين مرتبين على القولين فيمن صلى في موضع تنجس وهذه الصورة أولى بعدم القضاء لإلحاق الشرع القتال بسائر مسقطات القضاء في سائر المحتملات كاستدبار القبلة والإيماء بالركوع والسجود
فرع تقام صلاة العيدين والكسوفين في شدة الخوف لأنه يخاف فوتهما


فرع تجوز صلاة شدة الخوف في كل ما ليس بمعصية من أنواع
تجوز في المعصية فتجوز في قتال الكفار ولأهل العدل في قتال البغاة وللرفقة في قطاع الطريق ولا تجوز للبغاة والقطاع ولو قصد نفس رجل أو حريمه أو نفس غيره أو حريمه وأشغل بالدفع صلى هذه الصلاة
ولو قصد ماله نظر إن كان حيوانا فكذلك وإلا فقولان
أظهرهما جوازها
والثاني لا
أما إذا ولوا ظهورهم الكفار منهزمين فننظر إن كان يحل لهم ذلك بأن يكون في مقابلة كل مسلم أكثر من كافرين أو كان متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة جازت هذه الصلاة وإلا فلا لأنه معصية
ولو انهزم الكفار وتبعهم المسلمون بحيث لو ثبتوا وأكملوا الصلاة فاتهم العدو لم تجز هذه الصلاة وإن خافوا كمينا أو كرتهم جازت
فرع الرخصة في هذا النوع لا تختص بالقتال بل يتلق بالخوف مطلقا

فلو هرب في سبيل أو حريق ولم يجد معدلا عنه أو هرب من سبع فله صلاة شدة الخوف
والمديون المعسر العاجز عن بينة الاعسار ولا يصدقه المستحق ولو ظفر به حبسه له أن يصليها هاربا على المذهب
وحكي عن الإملاء أن من طلب لا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شىء لا يصليها
ولو كان عليه قصاص يرجو العفو إذا سكن الغضب قال الأصحاب له أن يهرب ويصلي صلاة شدة الخوف في هربه واستبعد الإمام جواز هربه بهذا التوقع


فرع المحرم إذا ضاق وقت وقوفه وخاف فوت الحج إن صلى متمكنا
أوجه للقفال
أحدها يؤخر الصلاة ويحصل الوقوف لأن قضاء الحج صعب
والثاني يصلي صلاة الخوف فيحصل الصلاة والحج
والثالث تجب الصلاة على الأرض مستقرا ويفوت الحج لعظم حرمة الصلاة ولا يصلي صلاة الخوف لأنه محصل لا هارب ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام الأئمة
قلت هذا الوجه ضعيف والصواب الأول فإن جوزنا تأخير الصلاة لأمور لا تقارب المشقة فيها هذه المشقة كالتأخير للجمع
والله أعلم
فرع لو رأوا سوادا إبلا أو شجرا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة
فبان الحال وجب القضاء على الأظهر ثم قيل القولان فيما إذا أخبرهم بالعدو ثقة وغلط
فإن لم يكن إلا ظنهم وجب القضاء قطعا
وقيل القولان فيما إذا كانوا في دار الحرب لغلبة الخوف فإن كانوا في دار الإسلام وجب القضاء قطعا
والمذهب جريان القولين في جميع الأحوال
ولو تحققوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان أنه كان دونهم حائل من خندق أو نار أو ماء أو بان أنه كان بقربهم حصن يمكنهم التحصن به أو ظنوا أن بإزاء كل مسلم أكثر من مشركين فصلوها منهزمين ثم بان خلاف ذلك فحيث أجرينا في الصورة السابقة القولين جريا في هذه ونظائرها وقيل يجب القضاء هنا قطعا


قال صاحب التهذيب ولو صلوا في هذه الأحوال صلاة عسفان اطرد القولان
ولو صلوا صلاة ذات الرقاع فإن جوزناها في حال الأمن فهنا أولى وإلا جرى القولان

فرع لو كان يصلي متمكنا على الأرض مستقبل القبلة فحدث خوف في
الصلاة فركب فطريقان
أحدهما على قولين
أحدهما تبطل صلاته فيستأنف
والثاني لا تبطل فيبني
والطريق الثاني وهو المذهب أنه إن لم يكن مضطرا إلى الركوب وكان يقدر على القتال وإتمام الصلاة راجلا فركب احتياطا وجب الاستئناف
وإن اضطر بنى
وعلى هذا إن قل فعله في ركوبه بنى بلا خلاف وإن كثر فعلى الوجهين في العمل الكثير للحاجة
أما إذا كان يصلي راكبا صلاة شدة الخوف فأمن ونزل فنص الشافعي أنه يبني وهو المذهب
وقيل إن حصل في نزوله فعل قليل بنى وإن كثر فعلى الوجهين
قال صاحب الشامل وغيره يشترط في بناء النازل أن لا يستدبر القبلة في نزوله فإن استدبر بطلت صلاته
قلت صرح أيضا القاضي أبو الطيب وصاحب المهذب وآخرون بأنه إذا استدبر القبلة في نزوله بطلت صلاته
وهذا متفق عليه
واتفقوا على أنه إذا لم يستدبرها بل انحرف يمينا وشمالا فهو مكروه لا تبطل صلاته وعلى أنه إذا أمن وجب النزول في الحال فإن أخر بطلت صلاته
والله أعلم


باب ما يجوز لبسه للمحارب وغيره
وما لا يجوز يجوز للرجل لبس الحرير في حال مفاجأة القتال إذا لم يجد غيره وكذلك يجوز أن يلبس منه ما هو وقاية القتال كالديباج الصفيق الذي لا يقوم غيره مقامه وفي وجه يجوز اتخاذ القباء ونحوه مما يصلح في الحرب من الحرير ولبسه فيها على الاطلاق لما فيه من حسن الهيئة وزينة الاسلام كتحلية السيف والصحيح تخصيصه بحالة الضرورة
فرع للشافعي رحمه الله تعالى نصوص مختلفة في جواز استعمال الأعيان

فقيل في أنواع استعمالها كلها قولان
والمذهب التفصيل فلا يجوز في الثوب والبدن إلا للضرورة ويجوز في غيرهما إن كانت نجاسة مخففة فإن كانت مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير فلا
وبهذا الطريق قال أبو بكر الفارسي والقفال وأصحابه
فلا يجوز لبس جلد الكلب والخنزير في حال الاختيار لأن الخنزير لا يجوز الانتفاع به في حياته بحال وكذاالكلب إلا في أغراض مخصوصة فبعد موتهما أولى
ويجوز الانتفاع بالثياب النجسة ولبسها في غير الصلاة ونحوها فإن فاجأته حرب أو خاف على نفسه لحر أو برد ولم يجد غير جلد الكلب والخنزير جاز لبسهما
وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حال الاختيار وجهان
أصحهما التحريم
ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه وأداته

ولا يجوز استعمال جلد الكلب والخنزير في ذلك ولا غيره ولو جلل كلبا أو خنزيرا
بجلد كلب أو خنزير جاز على الأصح لاستوائهما في غلظ النجاسة
وأما تسميد الأرض بالزبل فجائز
قال إمام الحرمين ولم يمنع منه أحد
وفي كلام الصيدلاني ما يقتضي الخلاف فيه ويجوز الاستصباح بالدهن النجس على المشهور وسواء نجس بعارض أو كان نجس العين كودك الميتة ودخان النجاسة نجس على الأصح فإن نجسناه عفي عن قليله والذي يصيبه في الاستصباح قليل لا ينجس غالبا

فصل فيما يجوز لبسه في حال الاختيار وما لا يجوز
ويحرم على والخنثى لبس الحرير والديباج ويجوز للنساء
وفي تحريمه على الخنثى احتمال
والقز كالحرير على المذهب
ونقل الإمام الاتفاق عليه
وحكي في إباحته وجهان
وفي المركب من الحرير وغيره طريقان
المذهب والذي قطع به الجمهور أنه إن كان الحرير أكثر وزنا حرم وإن كان غيره أكثر لم يحرم وإن استويا لم يحرم على الأصح
والطريق الثاني قاله القفال إن ظهر الحرير حرم وإن قل وزنه وإن استتر لم يحرم وإن كثر وزنه
فرع يجوز لبس المطرف والمطرز بالديباج بشرط الاقتصار على عادة التطريف فإن
حرم


الترقيع بالديباج كالتطريز
ولو خاط ثوبا بإبريسم جاز لبسه بخلاف الدرع المنسوجة بقليل الذهب فإنه حرام لكثرة الخيلاء فيه
ولو حشا القباء أو الجبة بالحرير جاز على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور
ولو كانت بطانة الجبة حريرا حرم لبسها

فرع تحريم الحرير على الرجال لا يختص باللبس بل افتراشه والتدثر به واتخاذه سترا وسائر وجوه

وفي وجه شاذ يجوز للرجال الجلوس على الحرير وهو منكر وغلط ويحرم على النساء افتراش الحرير على الأصح
قلت الأصح جواز افتراشهن وبه قطع العراقيون والمتولي وغيره
والله أعلم
وهل للولي إلباس الصبي الحرير فيه أوجه
أصحها يجوز قبل سبع سنين ويحرم بعدها وبه قطع البغوي
والثاني يجوز مطلقا
والثالث يحرم مطلقا
قلت الأصح الجواز مطلقا كذا صححه المحققون منهم الرافعي في المحرر وقطع به الفوراني
قال صاحب البيان هو المشهور
ونص الشافعي والأصحاب على تزيين الصبيان يوم العيد بحلي الذهب والمصبغ ويلحق به الحرير
والله أعلم


فرع يجوز لبس الحرير في موضع الضرورة كما قلنا إذا فاجأته الحرب
أو احتاج لحر أو برد ويجوز للحاجة كالجرب
وفيه وجه أنه لا يجوز وهو منكر
ويجوز لدفع القمل في السفر وكذا في الحضر على الأصح
قلت قال أصحابنا يجوز لبس الكتان والقطن والصوف والخز وإن كانت نفيسة غالية الاثمان لأن نفاستها بالصنعة
قال صاحب البيان يحرم على الرجل لبس الثوب المزعفر
ونقل البيهقي وغيره عن الشافعي رحمه الله أنه نهى الرجل عن المزعفر وأباح له المعصفر
قال البيهقي والصواب إثبات نهي الرجل عن المعصفر أيضا للأحاديث الصحيحة فيه
قال وبه قال الحليمي
قال ولو بلغت أحاديثه الشافعي لقال بها وقد أوصانا بالعمل بالحديث الصحيح
قال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله يحرم تنجيد البيوت بالثياب المصورة وبغير المصورة سواء فيه الحرير وغيره والصواب في غير الحرير والمصور الكراهة دون التحريم
قال صاحب التهذيب ولو بسط فوق الديباج ثوب قطن وجلس عليه أو جلس على جبة محشوة بالحرير جاز ولو حشا المخدة بإبريسم جاز استعمالها على الصحيح كما قلنا في الجبة
قال إمام الحرمين وظاهر كلام الأئمة أن من لبس ثوبا ظهارته وبطانته قطن وفي وسطه حرير منسوج جاز
قال وفيه نظر
ويكره أن يمشي في نعل واحدة أو خف واحد ويكره

أن يتنعل قائما
والمستحب في لبس النعل وشبهه أن يبدأ باليمين ويبدأ بخلع اليسار ولا يكره لبس خاتم الرصاص والحديد والنحاس على الصحيح وبه قطع في التتمة
ويجوز لبس خاتم الفضة للرجل في يمينه وفي يساره كلاهما سنة لكن اليمين أفضل على الصحيح المختار
ويجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر وغيرهما من المصبوغات بلا كراهة إلا ما ذكرنا في المزعفر والمعصفر للرجال
قال صاحب التتمة و البحر يكره لبس الثياب الخشنة لغير غذض شرعي ويحرم إطالة الثوب عن الكعبين للخيلاء ويكره لغير الخيلاء ولا فرق في ذلك بين حال الصلاة وغيرها والسراويل والإزار في حكم الثوب
وله لبس العمامة بعذبة وبغيرها وحكم إطالة عذبتها حكم إطالة الثوب
فقد روينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه ( يوم القيامة )
والله أعلم


كتاب صلاة العيدين
هي سنة على الصحيح المنصوص
وعلى الثاني فرض كفاية
فإن اتفق أهل بلد على تركها قوتلوا إن قلنا فرض كفاية
وإن قلنا سنة لم يقاتلوا على الأصح ويدخل وقتها بطلوع الشمس
والأفضل تأخيرها إلى أن ترتفع قدر رمح كذا صرح به كثير من الأصحاب منهم صاحب الشامل و المهذب والروياني ومقتضى كلام جماعة منهم الصيدلاني وصاحب التهذيب أنه يدخل بالارتفاع واتفقوا على خروج الوقت بالزوال
قلت الصحيح أو الأصح دخول وقتها بالطلوع
والله أعلم
فرع المذهب والمنصوص في الكتب الجديدة كلها أن صلاة العيد تشرع للمنفرد

الجديد هذا
والقديم أنه يشترط فيها شروط الجمعة من اعتبار الجماعة والعدد بصفات الكمال وغيرهما إلا أنه يجوز فعلها خارج البلد ومنهم من منعه ومنهم من جوزها بدون الأربعين على هذا وخطبتها بعدها
ولو تركت الخطبة لم تبطل الصلاة
وإذا قلنا بالمذهب فصلاها المنفرد لم يخطب على الصحيح
وإن صلاها مسافرون خطب إمامهم


فصل في صفة صلاة العيد
هي ركعتان
صفتها في الأركان والسنن والهيآت كغيرها وينوي بها صلاة العيد
هذا أقلها والأكمل أن يقرأ دعاء الاستفتاح عقب الإحرام كغيرها ثم يكبر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام والركوع
وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام من السجود والهوي إلى الركوع
وقال المزني التكبيرات في الأولى ست
ولنا قول شاذ منكر أن دعاء الاستفتاح يكون بعد هذه التكبيرات ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين من الزوائد قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله تعالى ويكبره ويمجده
هذا لفظ الشافعي
قال الأكثرون يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولو زاد جاز
قال الصيدلاني عن بعض الأصحاب يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شىء قدير
وقال ابن الصباغ لو قال ما اعتاده الناس الله أكبر كبيرا
والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا كان حسنا
قلت وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسعود المسعودي من أصحابنا يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك
والله أعلم
ولا يأتي بهذا الذكر عقب السابعة والخامسة في الثانية بل يتعوذ عقب السابعة وكذا عقب الخامسة إن قلنا يتعوذ في كل ركعة ولا يأتي به بين تكبيرة الإحرام والأولى من الزوائد


قلت وأما في الركعة الثانية فقال إمام الحرمين يأتي به قبل الأولى من الخمس والمختار الذي يقتضيه كلام الأصحاب أنه لا يأتي به كما في الأولى
والله أعلم
ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها في الأولى ( ق )
وفي الثانية ( اقتربت الساعة )
قلت وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما { سبح اسم ربك الأعلى } و { وهل أتاك } فهو سنة أيضا
والله أعلم

فرع يستحب رفع اليدين في التكبيرات الزوائد ويضع اليمنى على اليسرى

وفي العدة ما يشعر بخلاف فيه
ولو شك في عدد التكبيرات أخذ بالأقل ولو كبر ثماني تكبيرات وشك هل نوى التحريم بواحدة منها فعليه استئناف الصلاة ولو شك في التكبيرة التي نوى التحريم بها جعلها الأخيرة وأعاد الزوائد
ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو ستا تابعه ولا يزيد عليه على الأظهر
ولو ترك الزوائد لم يسجد للسهو
قلت ويجهر بالقراءة والتكبيرات ويسر بالذكر بينهما
والله أعلم


فرع لو نسي التكبيرات الزوائد في ركعة فتذكر في الركوع أو بعده
مضى في صلاته ولم يكبر فإن عاد إلى القيام ليكبر بطلت صلاته
فلو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة فقولان
الجديد الأظهر لا يكبر لفوات محله
والقديم يكبر لبقاء القيام وعلى القديم لو تذكر في أثناء الفاتحة قطعها وكبر ثم استأنف القراءة
وإذا تدارك التكبير بعد الفاتحة استحب استئنافها وفيه وجه ضعيف أنه يجب ولو أدرك الإمام في أثناء القراءة وقد كبر بعض التكبيرات فعلى الجديد لا يكبر ما فاته
وعلى القديم يكبر ولو أدركه راكعا ركع معه ولا يكبر بالاتفاق ولو أدركه في الركعة الثانية كبر معه خمسا على الجديد فإذا قام إلى ثانيته كبر أيضا خمسا
فصل في خطبة العيد
فإذا فرغ الإمام من صلاة العيد صعد المنبر على الناس بوجهه وسلم
وهل يجلس قبل الخطبة وجهان
الصحيح المنصوص يجلس كخطبة الجمعة
ثم يخطب خطبتين أركانهما كأركانهما في الجمعة ويقوم فيهما ويجلس بينهما كالجمعة لكن يجوز هنا القعود فيهما مع القدرة على القيام
ويستحب أن يعلمهم في عيد الفطر أحكام صدقة الفطر وفي الأضحى أحكام الأضحية
ويستحب أن يفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات متواليات والثانية بسبع
ولو

أدخل بينهما الحمد والتهليل والثناء جاز وذكر بعضهم أن صفتها كالتكبيرات المرسلة والمقيدة التي سنذكرها إن شاء الله تعالى
قلت نص الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أن هذه التكبيرات ليست من الخطبة وإنما هي مقدمة لها ومن قال منهم تفتتح الخطبة بالتكبيرات يحمل كلامه على موافقة النص الذي ذكرته لأن افتتاح الشىء قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه فاحفظ هذا فانه مهم خفي
والله أعلم
يستحب للناس استماع الخطبة
ومن دخل والإمام يخطب فإن كان في المصلى جلس واستمع ولم يصل التحية ثم إن شاء صلى صلاة العيد في الصحراء وإن شاء صلاها إذا رجع إلى بيته وإن كان في المسجد استحب له التحية ثم قال أبو إسحق لو صلى العيد كان أولى وحصل التحية كمن دخل المسجد وعليه مكتوبة ففعلها ويحصل بها التحية وقال ابن أبي هريرة يصلي التحية ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة والأول أصح عند الأكثرين
ولو خطب الإمام قبل الصلاة فقد أساء وفي الاعتداد بخطبته احتمال لإمام الحرمين
قلت الصواب وظاهر نصه في الأم أنه لا يعتد بها كالسنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمها
والله أعلم

بمكة فالمسجد أفضل قطعا

وألحق به الصيدلاني بيت المقدس
وإن كان بغيرهما فإن كان عذر كمطر أو ثلج فالمسجء أولى وإلا فإن ضاق المسجد فالصحراء أولى بل يكره فعلها في المسجد
فإن كان واسعا فوجهان
أصحهما وبه قطع العراقيون وصاحب

التهذيب وغيره المسجد أولى
والثاني الصحراء
وإذا خرجالإمام إلى الصحراء استخلف من يصلي بضعفة الناس
وإذا صلى في المسجد وحضر الحيض وقفن بباب المسجد وهذا الفصل تفريع على المذهب في جواز صلاة العيد في غير البلد وجوازها من غير شروط الجمعة وفيه الخلاف المتقدم

فصل في السنن المستحبة ليلة العيد ويومه
فيستحب التكبير المرسل بغروب
ويستحب استحبابا متأكدا إحياء ليلتي العيد بالعبادة
قلت وتحصل فضيلة الإحياء بمعظم الليل وقيل تحصل بساعة
وقد نقل الشافعي رحمه الله في الأم عن جماعة من خيار أهل المدينة ما يؤيده
ونقل القاضي حسين عن ابن عباس أن إحياء ليلة العيد أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة والمختار ما قدمته
قال الشافعي رحمه الله وبلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال
ليلة الجمعة والعيدين وأول رجب ونصف شعبان
قال الشافعي وأستحب كل ما حكيته في هذه الليالي
والله أعلم
فرع يسن الغسل للعيدين ويجوز بعد الفجر قطعا وكذا قبله على الأظهر
وعلى هذا هل يجوز في جميع الليل أم يختص بالنصف الثاني وجهان


قلت الأصح اختصاصه
والله أعلم
ويستحب التطيب يوم العيد والتنظف بحلق الشعر وقلم الظفر وقطع الرائحة الكريهة ويستحب أن يلبس أحسن ما يجده من الثياب وأفضلها البيض ويتعمم
فإن لم يجد إلا ثوبا استحب أن يغسله للجمعة والعيد ويستوي في استحباب جميع ما ذكرناه القاعد في بيته والخارج إلى الصلاة هذا حكم الرجال
وأما النساء فيكره لذوات الجمال والهيئة الحضور ويستحب للعجائز ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن ولا يلبسن ما يشهرهن من الثياب بل يخرجن في بذلتهن
وفي وجه شاذ لا يخرجن مطلقا

فرع السنة لقاصد العيد المشي

فإن ضعف لكبر أو مرض فله الركوب وللقادر الركوب في الرجوع ويستحب للقوم أن يبكروا إلى صلاة العيدين إذا صلوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة
والسنة للإمام أن لا يخرج إلا في الوقت الذي يصلي فيه فإذا وصل إلى المصلى شرع في صلاة العيد ويستحب للإمام أن يؤخر الخروج في عيد الفطر قليلا ويعجل في الأضحى
ويكره للإمام أن يتنفل قبل صلاة العيد وبعدها ولا يكره للمأموم قبلها ولا بعدها ويستحب في عيد الفطر أن يأكل شيئا قبل خروجه إلى الصلاة ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي ويرجع
قلت ويستحب أن يكون المأكول تمرا إن أمكن ويكون وترا
والله أعلم
وينادى لها الصلاة جامعة قال صاحب العدة ولو نودي لها حي على الصلاة جاز بل هو مستحب


قلت ليس كما قال فقد قال الشافعي رضي الله عنه ينادي الصلاة جامعة فإن قال هلموا إلى الصلاة فلا بأس قال وأحب أن يتوقى ألفاظ الأذان
وقال الدارمي لو قال حي على الصلاة كره لأنه من الأذان
والله أعلم

فرع صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى العيد
ويرجع في أخرى واختلف في سببه فقيل لتبرك أهل الطريقين وقيل ليستفتى منهما وقيل ليتصدق على فقرائهما وقيل ليزور قبور أقاربه فيهما وقيل ليشهد له الطريقان وقيل ليزداد غيظ المنافقين وقيل لئلا تكثر الزحمة وقيل يقصد أطول الطريقين في الذهاب وأقصرهما في الرجوع وهذا أظهرها ثم من شارك في المعنى استحب ذلك له وكذا من لم يشارك على الصحيح الذي اختاره الأكثرون وسواء فيه الإمام والمأموم
قلت وإذا لم يعلم السبب استحب التأسي قطعا
والله أعلم
فاتت قولين

وتقدم الخلاف في اشتراط شرائط الجمعة فيها
فلو شهد عدلان يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال برؤية الهلال في الليلة الماضية أفطروا
فإن بقي من الوقت ما يمكن جمع الناس والصلاة فيه صلوها وكانت أداء
وإن شهدوا بعد غروب

الشمس يوم الثلاثين لم تقبل شهادتهم إذ لا فائدة فيها إلا المنع من صلاة العيد فلا يصغى إليها ويصلون من الغد العيد أداء هكذا قال الأئمة واتفقوا عليه
وفي قولهم لا فائدة إلا ترك صلاة العيد إشكال بل لثبوت الهلال فوائد أخر
كوقوع الطلاق والعتق المعلقين وابتداء العدة منه وغير ذلك فوجب أن نقبل لهذه الفوائد
ولعل مرادهم بعدم الإصغاء في صلاة العيد وجعلها فائتة لا عدم القبول على الاطلاق
قلت مرادهم فيما يرجع إلى الصلاة خاصة قطعا فأما الحقوق والأحكام المتعلقة بالهلال كأجل الدين والعتق والمولى والعدة وغيرها فثبت قطعا
والله أعلم
فلو شهدوا قبل الغروب بعد الزوال أو قبله بيسير بحيث لا يمكن فيه الصلاة قبلت الشهادة في الفطر قطعا وصارت الصلاة فائتة على المذهب وقيل قولان
أحدهما هذا
والثاني يفعل من الغد أداء لعظم حرمتها
فإن قلنا بالمذهب فقضاؤها مبني على قضاء النوافل
فإن قلنا لا تقضى لم يقض العيد
وإن قلنا تقضى بنى على أنها كالجمعة في الشرائط أم لا
فإن قلنا نعم لم تقض وإلا قضيت وهو المذهب من حيث الجملة
وهل لهم أن يصلوها في بقية يومهم وجهان بناء على أن فعلها في الحادي والثلاثين إداء أم قضاء
إن قلنا أداء فلا
وإن قلنا قضاء وهو الصحيح جاز
ثم هل هو أفضل أم التأخير إلى ضحوة الغد
وجهان
أصحهما التقديم أفضل هذا إذا أمكن جمع الناس في يومهم لصغر البلدة
فإن عسر فالتأخير أفضل قطعا
وإذا قلنا يصلونها في الحادي والثلاثين قضاء فهل يجوز تأخيرها عنه قولان
وقيل وجهان
أظهرهما جوازه أبدا
وقيل إنما يجوز في بقية شهر العيد
ولو شهد اثنان قبل الغروب وعدلا بعده فقولان
وقيل وجهان
أحدهما الاعتبار بوقت

الشهادة وأظهرهما بوقت التعديل فيصلون من الغد بلا خلاف أداء
هذا كله إذا وقع الاشتباه وفوات العيد لجميع الناس
فإن وقع ذلك لأفراد لم يجز إلا قولان منع القضاء وجوازه أبدا

فرع إذا وافق يوم العيد يوم جمعة وحضر أهل القرى الذين يبلغهم
لصلاة العيد وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة فلهم أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة في هذا اليوم على الصحيح المنصوص في القديم والجديد
وعلى الشاذ عليهم الصبر للجمعة
فصل في تكبير العيد
وهو قسمان
أحدهما في الصلاة والخطبة وقد مضى
والثاني في غيرهما وهو ضربان
مرسل ومقيد
فالمرسل لا يقيد بحال بل يؤتى به في المساجد والمنازل والطرق ليلا ونهارا
والمقيد يؤتى به في أدبار الصلاة خاصة
فالمرسل مشروع في العيدين جميعا وأول وقته في العيدين بغروب الشمس ليلة العيد وفي آخر وقته طريقان
أصحهما على ثلاثة أقوال
أظهرها يكبرون إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد
والثاني إلى أن يخرج الإمام إلى الصلاة
والثالث إلى أن يفرغ منها
وقيل إلى أن يفرغ من الخطبتين
والطريق الثاني القطع بالقول الأول
ويرفع الناس أصواتهم بالمرسل في ليلتي العيدين ويوميهما إلى الغاية المذكورة

في المنازل والمساجد والأسواق والطرق في السفر والحضر في طريق المصلى وبالمصلى
ويستثنى منه الحاج فلا يكبر ليلة الأضحى بل ذكره التلبية
وتكبير ليلة الفطر آكد من ليلة الأضحى على الجديد وفي القديم عكسه وأما المقيد فيشرع في الأضحى ولا يشرع في الفطر على الأصح عند الأكثرين
وقيل على الجديد وعلى الثاني يستحب عقب المغرب والعشاء والصبح
وحكم الفوائت والنوافل في هذه المدة على هذا الوجه يقاس بما نذكره إن شاء الله تعالى في الأضحى
وأما الأضحى فالناس فيه قسمان
حجاج وغيرهم
فالحجاج يبتدؤون التكبير عقب ظهر يوم النحر ويختمونه عقب الصبح آخر أيام التشريق
وأما غير الحجاج ففيهم طريقان
أصحهما على ثلاثة أقوال
أظهرها أنهم كالحجاج
والثاني يبتدؤون عقب المغرب ليلة النحر إلى صبح الثالث من أيام التشريق
والثالث عقب الصبح من يوم عرفة ويختمونه عقب العصر آخر أيام التشريق
قال الصيدلاني وغيره وعليه العمل في الأمصار
قلت وهو الأظهر عند المحققين للحديث
والله أعلم
والطريق الثاني القطع بالقول الأول
ولو فاتته فريضة في هذه الأيام فقضاها في غيرها لم يكبر
ولو فاتته في غير هذه الأيام أو فيها فقضاها فيها كبر على الأظهر
ويكبر عقب النوافل الراتبة ومنها صلاة العيد وعقب النافلة المطلقة وعقب الجنازة على المذهب في الجميع
وإذا اختصرت فقيل أربعة أوجه
أصحها يكبر عقب كل صلاة مفعولة في هذه الأيام
والثاني يختص بالفرائض المفعولة فيها مؤداة كانت أو مقضية
والثالث يختص بفرائضها مقضية كانت أو مؤداة
والرابع لا يكبر إلا عقب مؤداتها والسنن الراتبة
ولو نسي التكبير خلف الصلاة فتذكر والفصل قريب كبر وإن فارق مصلاه
فلو طال الفصل كبر أيضا على الأصح
والمسبوق إنما يكبر إذا أتم صلاة نفسه
قال إمام الحرمين

وجميع ما ذكرناه هو في التكبير الذي يرفع به صوته ويجعله شعارا
أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع منه

فرع صفة هذا التكبير أن يكبر ثلاثا نسقا على المذهب

وحكي قول قديم أنه يكبر مرتين
قال الشافعي رحمه الله وما زاد من ذكر الله فحسن
واستحسن في الأم أن تكون زيادته ألله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله وألله أكبر
وقال في القديم بعد الثلاث ألله أكبر كبيرا والحمد لله كثير ألله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا
قال صاحب الشامل والذي يقوله الناس لا بأس به أيضا وهو ألله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وألله أكبر ألله أكبر ولله الحمد
قلت هو الذي ذكره صاحب الشامل نقله صاحب البحر عن نص الشافعي رحمه الله في البويطي وقال والعمل عليه
والله أعلم
فرع يستوي في التكبير المرسل والمقيد المنفرد والمصلي جماعة والرجل


قلت لو كبر الإمام على خلاف اعتقاد المأموم فكبر من يوم عرفة والمأموم لا يرى التكبير فيه أو عكسه فهل يوافق في التكبير وتركه أم يتبع اعتقاد نفسه وجهان
الأصح اعتقاد نفسه بخلاف ما قدمناه في تكبير نفس الصلاة
والله أعلم


كتاب صلاة الكسوف
يطلق الكسوف والخسوف على الشمس والقمر جميعا
وصلاة كسوف الشمس والقمر سنة مؤكدة وتسن في أوقات الكراهة وغيرها
وأقلها أن يحرم بنية صلاة الكسوف ويقرأ الفاتحة ويركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ثم يركع ثانيا ثم يرفع ويطمئن ثم يسجد فهذه ركعة ثم يصلي ركعة ثانية كذلك فهي ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان ويقرأ الفاتحة في كل قيام
فلو تمادى الكسوف فهل يزيد ركوعا ثالثا وجهان
أحدهما يزيد ثالثا ورابعا وخامسا حتى ينجلي الكسوف قاله ابن خزيمة والخطابي وأبو بكر الضبعي من أصحابنا للأحاديث الواردة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات وروي خمس ركوعات ولا محمل له إلا التمادي وأصحهما لا تجوز الزيادة كسائر الصلوات
روايات الركوعين أشهر وأصح فيؤخذ بها كذا قاله الأئمة ولو كان في القيام الأول فانجلى الكسوف لم تبطل صلاته
وهل له أن يقتصر على قومة واحدة وركوع واحد في كل ركعة وجهان بناء على الزيادة عند التمادي إن جوزنا الزيادة جاز النقصان بحسب مدة الكسوف وإلا فلا
ولو سلم من الصلاة والكسوف باق فهل له أن يستفتح صلاة الكسوف مرة أخرى وجهان خرجوهما على جواز زيادة عدد الركوع والمذهب المتبع
وأكملها أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة وسوابقها سورة ( البقرة ) أو مقدارها إن لم يحسنها وفي

الثاني ( آل عمران ) أو مقدارها
وفي الثالث ( النساء ) أو قدرها
وفي الرابع ( المائدة ) أو قدرها
وكل ذلك بعد الفاتحة
هذه رواية البويطي ونقل المزني في المختصر أنه يقرأ في الأول ( البقرة ) أو قدرها إن لم يحفظها
وفي الثاني قدر مائتي آية من سورة ( البقرة )
وفي الثالث قدر مائة آية وخمسين آية منها وفي الرابع قدر مائة آية منها وهذه الرواية هي التي قطع بها الأكثرون وليستا على الاختلاف المحقق بل الأمر فيه على التقريب وهما متقاربتان
قلت وفي استحباب التعوذ في ابتداء القراءة في القومة الثانية وجهان حكاهما في الحاوي وهما الوجهان في الركعة الثانية
والله أعلم
وأما قدر مكثه في الركوع فينبغي أن يسبح في الركوع الأول قدر مائة آية من ( البقرة ) وفي الثاني قدر ثمانين منها وفي الثالث قدر سبعين
وفي الرابع قدر خمسين والأمر فيه على التقريب
ويقول في الاعتدال عن كل ركوع سمع الله لمن حمده و ربنا لك الحمد وهل يطول السجود في هذه الصلاة قولان
أظهرهما لا يطوله كما لا يطول التشهد ولا الجلوس بين السجدتين
والثاني يطول
نقله البويطي والترمذي والمزني عن الشافعي رضي الله عنه
قلت الصحيح المختار له أنه يطول السجود في هذه الصلاة وقد ثبت في إطالته أحاديث كثيرة في الصحيحين عن جماعة من الصحابة
ولو قيل إنه يتعين الجزم به لكان قولا صحيحا لأن الشافعي رضي الله عنه قال ما صح فيه الحديث فهو قولي ومذهبي
فإذا قلنا بإطالته فالمختار فيها ما قاله صاحب التهذيب أن السجود الأول كالركوع الأول والسجود الثاني كالركوع الثاني
وقال الشافعي رحمه الله في البويطي إنه نحو الركوع الذي قبله
وأما الجلسة بين السجدتين فقد قطع الإمام الرافعي بأنه لا يطولها
ونقل الغزالي الاتفاق على أنه لا يطولها
وقد صح في حديث عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما أن

النبي صلى الله عليه وسلم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك
وأما الاعتدال بعد الركوع الثاني فلا يطول بلا خلاف وكذا التشهد
والله أعلم
فصل يستحب الجماعة في صلاة الكسوفين
ولنا وجه أن الجماعة فيها شرط ووجه أنها لا تقام إلا في جماعة واحدة كالجمعة وهما شاذان أيضا
ويستحب أن ينادي لها الصلاة جامعة
وأن يصلي في الجامع وأن يخطب بعد الصلاة خطبتين كخطبتي الجمعة في الأركان والشرائط سواء صلوها جماعة في مصر أو صلاها المسافرون في الصحراء
ويحث الإمام الناس في هذه الخطبة على التوبة من المعاصي وعلى فعل الخير
قلت ويحرضهم على الاعتاق والصدقة ويحذرهم الغفلة والاغترار
ففي صحيح البخاري عن أسماء رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعتاقة في كسوف الشمس
والله أعلم
ومن صلى منفردا لم يخطب
ويستحب الجهر بالقراءة في كسوف القمر والإسرار في الشمس هذا هو المعروف
وقال الخطابي الذي يجيء على مذهب الشافعي رحمه الله أنه يجهر في الشمس


فرع المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى فقد
أدرك الركعة فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعة بركوعين
ولو أدركه في الركوع الثاني من إحدى الركعتين فالمذهب الذي نص عليه في البويطي واتفق الأصحاب على تصحيحه أنه لا يكون مدركا لشىء من الركعة
وحكى صاحب التقريب قولا آخر أنه بإدراك الركوع الثاني يكون مدركا للقومة التي قبله فعلى هذا لو أدرك الركوع الثاني من الأول وسلم الإمام قام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وسلم ولا يسجد لأن إدراك الركوع إذا حصل القيام الذي قبله كان السجود بعده محسوبا لا محالة
وعلى المذهب لو أدركه في القيام الثاني لا يكون مدركا لشىء من الركعة أيضا
فصل تفوت صلاة كسوف الشمس بأمرين
أحدهما انجلاء جميعها فإن انجلى البعض فله الشروع في الصلاة للباقي كما لو لم ينكسف إلا ذلك القدر
ولو حال سحاب وشك في الانجلاء صلى
ولو كانت الشمس تحت غمام فظن الكسوف لم يصل حتى يستيقن
قلت قال الدارمي وغيره ولا يعمل في كسوفها بقول المنجمين
والله أعلم


الثاني أن تغرب كاسفة فلا يصلي
وتفوت صلاة خسوف القمر بأمرين
أحدهما الانجلاء كما سبق
والثاني طلوع الشمس
فإذا طلعت وهو بعد خاسف لم يصل
ولو غاب في الليل خاسفا صلى كما لو استتر بغمام
ولو طلع الفجر وهو خاسف أو خسف بعد الفجر صلى على الجديد
وعلى هذا لو شرع في الصلاة بعد الفجر فطلعت الشمس في أثنائها لم تبطل صلاته كما لو انجلى الكسوف في الأثناء
وقال القاضي ابن كج هذان القولان فيما إذا غاب خاسفا بين الفجر وطلوع الشمس فأما إذا لم يغب وبقي خاسفا فيجوز الشروع في الصلاة بلا خلاف
قلت صرح الدارمي وغيره بجريان القولين في الحالين
قال صاحب البحر ولو ابتدأ الخسوف بعد طلوع الشمس لم يصل قطعا
والله أعلم

فلو اجتمع عيد وكسوف أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق وقتها قدمت وإن لم يخف فالأظهر يقدم الكسوف
والثاني العيد والجمعة لتأكدهما وباقي الفرائض كالجمعة
ولو اجتمع كسوف ووتر أو تراويح قدم الكسوف بعدها مطلقا لأنها أفضل
ولو اجتمع جنازة وكسوف أو عيد قدم الجنازة ويشتغل الإمام بعدها بغيرها ولا يشيعها فلو لم تحضر الجنازة أو حضرت ولم يحضر الولي أفرد الإمام جماعة ينتظرون الجنازة واشتغل هو بغيرها
ولو حضرت جنازة وجمعة ولم يضق الوقت قدمت الجنازة
وإن ضاق الوقت قدمت الجمعة على المذهب
وقال الشيخ أبو محمد تقدم الجنازة لأن الجمعة لها بدل


فرع إذا اجتمع العيد والكسوف خطب لهما بعد الصلاتين خطبتين يذكر

ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة ثم الكسوف ثم خطب لها
وإن اقتضى تقديم الكسوف بدأ بها ثم خطب للجمعة خطبتين يذكر فيهما شأن الكسوف ولا تحتاج إلى أربع خطب ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة
ولا يجوز أن يقصد الجمعة والكسوف لأنه تشريك بين فرض ونفل بخلاف العيد والكسوف فإنه يقصدهما جميعا بالخطبتين لأنهما سنتان
فرع اعترضت طائفة على قول الشافعي اجتمع عيد وكسوف وقالت هذا محال
فإن الكسوف لا يقع إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين فأجاب الأصحاب بأجوبة
أحدها أن هذا قول المنجمين وأما نحن فنجوز الكسوف في غيرهما فإن الله تعالى على كل شىء قدير
وقد نقل مثل ذلك فقد صح أن الشمس كسفت يوم مات إبرهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الزبير بن بكار في الأنساب أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول
وروى البيهقي مثله عن الواقدي
وكذا اشتهر أن قتل الحسين رضي الله عنه كان يوم عاشوراء
وروى البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين كسفت الشمس


الثاني أن وقوع العيد في الثامن والعشرين يتصور بأن يشهد شاهدان على نقصان رجب وآخران على نقصان شعبان ورمضان وكانت في الحقيقة كاملة فيقع العيد في الثامن والعشرين
الثالث لو لم يقع ذلك لكان تصوير الفقيه له حسنا ليتدرب باستخراج الفروع الدقيقة
فصل ما سوى الكسوفين من الآيات كالزلازل والصواعق والرياح الشديدة
ويستحب لكل أحد أن يصلي منفردا لئلا يكون غافلا
وروى الشافعي أن عليا كرم الله وجهه صلى في زلزلة جماعة قال الشافعي إن صح قلت به فمن الأصحاب من قال هذا قول آخر له في الزلزلة وحدها ومنهم من عممه في جميع الآيات
قلت لم يصح ذلك عن علي رضي الله عنه قال الشافعي والأصحاب يستحب للنساء غير ذوات الهيئات صلاة الكسوف مع الإمام وأما ذوات الهيئات فيصلين في البيوت منفردات
قال الشافعي فإن اجتمعن فلا بأس إلا أنهن لا يخطبن فإن قامت واحدة وعظتهن وذكرتهن فلا بأس
والله أعلم


كتاب صلاة الاستسقاء
المراد بالاستسقاء سؤال الله تعالى أن يسقي عباده عند حاجتهم وله أنواع
أدناها الدعاء بلا صلاة ولا خلف صلاة فرادى أو مجتمعين لذلك وأوسطها الدعاء خلف الصلوات وفي خطبة الجمعة ونحو ذلك
وأفضلها الاستسقاء بركعتين وخطبتين
ويستوي في استحباب الاستسقاء أهل القرى والأمصار والبوادي والمسافرون ويسن لهم جميعا الصلاة والخطبة
ولو انقطعت المياه ولم يمس إليها حاجة في ذلك الوقت لم يستسقوا ولو انقطعت عن طائفة من المسلمين واحتاجت استحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم ويسألوا الزيادة لأنفسهم
فرع إذا استسقوا فسقوا فذاك فإن تأخرت الاجابة استسقوا وصلوا ثانيا

وهل يعودون من الغد أم يصومون ثلاثة أيام قبل الخروج كما يفعلون في الخروج الأول قال في المختصر من الغد
وفي القديم يصومون فقيل قولان
أظهرهما الأول
وقيل على حالين
فإن لم يشق على الناس ولم ينقطعوا عن مصالحهم عادوا غدا بعد بغد وإن اقتضى الحال التأخير أياما صاموا
قلت ونقل القاضي أبو الطيب عن عامة الأصحاب أن المسألة على قول

واحد نقل المزني الجواز والقديم الاستحباب
والله أعلم
ثم جماهير الأصحاب قطعوا باستحباب تكرير الاستسقاء كما ذكرنا لكن الاستحباب في المرة الأولى آكد
وحكي وجه أنهم لا يفعلون ذلك إلا مرة

فرع لو تأهبوا للخروج للصلاة فسقوا قبل موعد الخروج خرجوا للوعظ

وهل يصلون شكرا فيه طريقان
قطع الأكثرون بالصلاة وهو المنصوص في الأم
وحكى إمام الحرمين والغزالي وجهين
أصحهما هذا
والثاني لا يصلون
وأجري الوجهان فيما إذا لم تنقطع المياه وأرادوا أن يصلوا للاستزادة
فصل في آداب هذه الصلاة
منها أن يأمر الإمام الناس بصوم ثلاثة قبل يوم الخروج وبالخروج عن المظالم في الدم والعرض والمال وبالتقرب إلى الله تعالى بما يستطيعون من الخير ثم يخرجون في اليوم الرابع صياما في ثياب بذلة وتخشع بلا زينة ولا طيب لكن يتنظفون بالماء والسواك وقطع الرائحة الكريهة
ويستحب إخراج الصبيان والمشايخ ومن لا هيئة لها من النساء ويستحب إخراج البهائم على

الأصح
وعلى الثاني لا يستحب فلو أخرجت فلا بأس
وأما خروج أهل الذمة فنص الشافعي رحمه الله على كراهيته والمنع منه إن حضروا مستسقى للمسلمين وإن تميزوا ولم يختلطوا بالمسلمين لم يمنعوا
وحكى الروياني وجها أنهم يمنعون وإن تميزوا إلا أن يخرجوا في غير يوم المسلمين
ومن الآداب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعل من خير فيجعله شافعا
ومنها أن يستسقى بالأكابر وأهل الصلاح لا سيما أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم

فصل السنة أن يصليها في الصحراء
وينادي لها الصلاة جامعة ويصلي فيهما بالقراءة ويقرأ في الأولى بعد ( الفاتحة ) ( ق )
وفي الثانية ( اقتربت )
وقال بعض الأصحاب يقرأ في إحداهما { إنا أرسلنا نوحا } وليكن في الثانية وفي الأولى ( ق )
ونص الشافعي رحمه الله أنه يقرأ فيهما ما يقرأ في العيد وإن قرأ { إنا أرسلنا } كان حسنا
وهذا يقتضي أن لا خلاف في المسألة وأن كلا سائغ ومنهم من قال في الأحب خلاف
والأصح أنه يقرأ ما يقرأ في العيد
وأما وقت هذه الصلاة فقطع الشيخ أبو علي وصاحب التهذيب بأنه وقت صلاة العيد واستغرب إمام الحرمين هذا وذكر الروياني وآخرون أن وقتها يبقى بعد الزوال ما لم يصل العصر وصرح صاحب التتمة بأن صلاة الاستسقاء لا تختص بوقت بل أي وقت صلوها من ليل أو نهار جاز وقد قدمنا عن الأئمة وجهين في كراهة صلاة الاستسقاء في الأوقات المكروهة ومعلوم أن الأوقات المكروهة غير داخلة في وقت صلاة العيد ولا مع انضمام ما بين الزوال

والعصر إليه فيلزم أن لا يكون وقت الاستسقاء منحصرا في ذلك وليس لحامل أن يحمل الوجهين في الكراهة على قضائها فانها لا تقضى
قلت ليس بلازم ما قاله فقد تقدم أن الأصح دخول وقت العيد بطلوع الشمس وهو وقت كراهة وممن قال بانحصار وقت الاستسقاء في وقت العيد الشيخ أبو حامد والمحاملي ولكن الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأكثرون وصححه الرافعي في المحرر والمحققون أنها لا تختص بوقت كما لا تختص بيوم
وممن قطع به صاحبا الحاوي و الشامل ونقله صاحب الشامل وصاحب جمع الجوامع عن نص الشافعي رضي الله عنه
وقال إمام الحرمين لم أر التخصيص لغير الشيخ أبي علي
والله أعلم
فصل يستحب أن يخطب خطبتين بعد الصلاة

وأركانهما وشرائطهما كما تقدم
لكن تخالفها في أمور
منها أنه يبدل التكبيرات المشروعة في أولهما بالاستغفار فيقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه
ويختم كلامه بالاستغفار ويكثر منه في الخطبة ومن قوله { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } الآية
ولنا وجه حكاه في البيان عن المحاملي أنه يكبر هنا في ابتداء الخطبة كالعيد والمعروف الأول
ومنها أن يستقبل القبلة في الخطبة الثانية كما سنذكره إن شاء الله تعالى
ومنها أنه يستحب أن يدعو في الأولى اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين

اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ويكون في الخطبة الأولى وصدر الثانية مستقبل الناس مستدبر القبلة ثم يستقبل القبلة ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا وإذا أسر دعا الناس سرا ويرفعون أيديهم في الدعاء
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وأشار بظهر كفيه إلى السماء
قال العلماء السنة لكل من دعا لرفع بلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء وإذا سأل شيئا جعل كفيه إلى السماء
قلت الحديث المذكور في صحيح مسلم
والله أعلم
قال الشافعي رحمه الله وليكن من دعائهم في هذه الحالة اللهم أنت أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم امنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة رزقنا
فإذا فرغ من الدعاء أقبل بوجهه على الناس وحثهم على طاعة الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا للمؤمنين والمؤمنات وقرأ آية أو آيتين ويقول أستغفر الله لي ولكم
هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه
ويستحب عند تحوله إلى القبلة أن يحول رداءه
وهل ينكسه مع التحويل قولان
الجديد نعم
والقديم لا
فالتحويل أن يجعل ما على عاتقه الأيمن على عاتقه الأيسر وبالعكس
والتنكيس أن يجعل أعلاه أسفله ومتى جعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن والطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر حصل التحويل والتنكيس جميعا هذا في الرداء المربع فأما المقور والمثلث فليس فيه إلا التحويل
ويفعل الناس بأرديتهم كفعل الإمام تفاؤلا بتغير الحال إلى الخصب ويتركونها محولة إلى أن ينزعوا الثياب


قلت قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى إذا ترك الإمام الاستسقاء لم يتركه الناس
ولو خطب قبل الصلاة قال صاحب التتمة يجوز وتصح الخطبة والصلاة ويحتج لها بما ثبت في الحديث الصحيح الصريح في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ثم صلى
وفي صحيحي البخاري و مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فدعا واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين
قال أصحابنا وإذا كثرت الأمطار وتضررت بها المساكن والزروع فالسنة أن يسألوا الله تعالى دفعه اللهم حوالينا ولا علينا
قال الشافعي والأصحاب ولا يشرع لذلك صلاة ويستحب أن يبرز لأول مطر يقع في السنة ويكشف عن بدنه ما عدا عورته ليصيبه المطر وأن يغتسل في الوادي إذا سال أو يتوضأ ويسبح عند الرعد والبرق ولا يتبع بصره البرق
والسنة أن يقول عند نزول المطر اللهم صيبا نافعا رواه البخاري في صحيحه
وفي رواية ابن ماجه سيبا نافعا مرتين أو ثلاثا فيستحب الجمع بينهما
وقد أوضحت ذلك مع زوائد ونفائس تتعلق به في كتاب الأذكار الذي لا يستغني متدين عن معرفة مثله
ويكره سب الريح فإن كرهها سأل الله تعالى الخير واستعاذ من الشر
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان ) إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به
ويستحب أن يقول بعد المطر مطرنا بفضل الله ورحمته
ويستحب الدعاء عند نزول المطر ويشكر الله تعالى عليه
ويكره أن يقول مطرنا بنوء كذا فإن اعتقد أن النوء هو الممطر الفاعل حقيقة كفر فصار مرتدا
والله أعلم


كتاب الجنائز
يستحب لكل واحد ذكر الموت
قلت ويستحب الإكثار منه
والله أعلم
ويستعد له بالتوبة ورد المظالم إلى أهلها والمريض آكد
ويستحب له الصبر على المرض وترك الأنين ما أطاق ويستحب التداوي ويستحب لغيره عيادته إن كان مسلما فإنكان ذميا له قرابة أو جوار أو نحوهما استحبت وإلا جازت فإن رأى العائد علامة البرء دعا له وانصرف وإن رأى خلاف ذلك رغبه في التوبة والوصية
قلت ويستحب للعائد أن يطيب نفس المريض ولا يطول القعود ولا يواصل العيادة بل تكون غبا ولا تكره العيادة في وقت إلا أن يشق على المريض
والله أعلم
فصل في آداب المحتضر
يستقبل به القبلة
وفي كيفيته وجهان
أحدهما يلقى على قفاه وأخمصاه إلى القبلة
والثاني وهو الصحيح المنصوص وبه قطع العراقيون وصححه الآخرون يضجع على جنبه

الأيمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد فإن لم يمكن لضيق الموضع أو سبب آخر فعلى قفاه ووجهه وأخمصاه إلى القبلة
ويستحب أن يلقن كلمة الشهادة ولا يلح الملقن ولا يواجهه بقول قل لا إله إلا الله بل يذكرها بين يديه ليذكر
أو يقول ذكر الله تعالى مبارك فنذكر الله تعالى جميعا ( ويقول ) سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإذا قالها مرة لا تعاد عليه ما لم يتكلم بعدها ويستحب أن يلقنه غير الورثة فإن لم يحضر غيرهم لقنه أشفقهم عليه
قلت هكذا قال الجمهور يلقنه كلمة الشهادة لا إله إلا الله
وذهب جماعات من أصحابنا إلى أنه يلقن أيضا محمدا رسول الله
ممن صرح به القاضي أبو الطيب والماوردي وسليم الرازي ونصر المقدسي وأبو العباس الجرجاني والشاشي في المعتمد والأول أصح
والله أعلم
ويستحب أن يقرأ عند سورة ( يس )
واستحب جعض التابعين سورة ( الرعد ) أيضا
وينبغي له أن يحسن ظنه بالله تعالى ويستحب لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله تعالى
فإذا مات غمضت عيناه وشد لحياه بعصابة عريضة ويربطها فوق رأسه ويلين مفاصله فيمد ساعده إلى عضده ويرده ويرد ساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه ويردهما ويلين أصابعه وينزع ثيابه التي مات فيها ويستر جميع بدنه بثوب خفيف ولا يجمع عليه أطباق الثياب ويجعل أطراف الثوب الساتر تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف ويوضع على بطنه شىء ثقيل كسيف أو مرآة أو نحوهما
فإن لم يكن فطين رطب ويصان المصحف عنه ويستقبل به القبلة كالمحتضر ويوضع على شىء مرتفع كسرير ونحوه ويتولى هذه الأمور أرفق محارمه بأسهل ما يقدر عليه
قلت يتولاه الرجال من الرجال والنساء من النساء فإن تولاه الرجال من النساء المحارم أو النساء من الرجال المحارم جاز
والله أعلم


ويبادر إلى قضاء دينه وتنفيذ وصيته إن تيسر في الحال
قلت يكره تمني الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي
فإن كان تمنيه مخافة فتنة في دينه فلا بأس
ويكره للمريض كثرة الشكوى وتكره الكراهة على تناول الدواء
ويستحب للناس أن يقولوا عند الميت خيرا
ويجوز لأهل الميت وأصدقائه تقبيل وجهه ثبتت فيه الأحاديث وصرح به الدارمي
ويكره نعيه بنعي الجاهلية ولا بأس بالإعلام بموته للصلاة عليه وغيرها
والله أعلم

باب غسل الميت
يستحب المبادرة إلى غسله وتجهيزه إذا تحقق موته بأن يموت بعلة وتظهر أمارات الموت بأن يسترخي قدماه ولا ينتصبا أو يميل أنفه أو ينخسف صدغاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع كفاه من ذراعيه أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلي الجلدة فإن شك بأن لا يكون به علة واحتمل أن يكون به سكتة أو أظهرت أمارات فزع أو غيره أخر إلى اليقين بتغيير الرائحة أو غيره
فصل غسل الميت فرض كفاية
وكذا التكفين والصلاة عليه والدفن بالإجماع

وأقل الغسل استيعاب البدن مرة بعد إزالة النجاسة إن كانت
وفي اشتراط نية الغسل على الغاسل وجهان
أصحهما فيما ذكره الروياني وغيره لا يشترط
قلت صححه الأكثرون وهو ظاهر نص الشافعي
والله أعلم
ولو غسل الكافر مسلما فالصحيح المنصوص أنه يكفي
ولو غرق انسان ثم ظفرنا به لميكف ما سبق بل يجب غسله على الصحيح المنصوص
أما أكمل الغسل فيستحب أن يحمل الميت إلى موضع خال مستور لا يدخله إلا الغاسل ومن لا بد من معونته عند الغسل
وذكر الروياني وغيره أن للولي أن يدخل إن شاء وإن لم يغسل ولم يعن ويوضع على لوح أو سرير هيىء له ويكون موضع رأسه أعلى لينحدر الماء ويغسل في قميص يلبسه عند إرادة غسله
ولنا وجه أن الأولى أن يجرد
والصحيح المعروف هو الأول
وليكن القميص باليا أو سخيفا
ثم إن كان القميص واسعا أدخل يده في كمه وغسله من تجته وإن كان ضيقا فتق رأس الدخاريض وأدخل يده فيه
ولو لم يوجد قميص أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة وحرم النظر إليه
ويكره للغاسل أن ينظر إلى شىء من بدنه إلا لحاجة بأن يريد معرفة المغسول
وأما المعين فلا ينظر إلا لضرورة ويحضر ماء باردا في إناء كبير ليغسل به وهو أولى من المسخن إلا أن يحتاجإلى المسخن لشدة البرد أو لوسخ أو غيره
وينبغي أن يبعد الإناء الذي فيه الماء عن المغتسل بحيث لا يصيبه رشاش الماء عند الغسل


فرع ويعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين وأول ما يبدأ به بعد
وضعه على المغتسل أن يجلسه إجلاسا رفيقا بحيث لا يعتدل ويكون مائلا إلى ورائه ويضع يده اليمنى على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه لئلا يميل رأسه ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى ويمر يده اليسرى على بطنه إمرارا بليغا لتخرج الفضلات ويكون عنده مجمرة فائحة بالطيب ويصب عليه المعين ماء كثيرا لئلا تظهر رائحة ما يخرج ثم يرده إلى هيئة الاستلقاء ويغسل بيساره وهي ملفوفة بإحدى الخرقتين دبره ومذاكره وعانته كما يستنجي الحي ثم يلقي تلك الخرقة ويغسل يده بماء وإشنان
كذا قال الجمهور إنه يغسل السوءتين معا بخرقة واحدة
وفي النهاية و الوسيط أنه يغسل كل سوءة بخرقة ولا شك أنه أبلغ في النظافة ثم يتعهد ما على بدنه من قذر ونحوه
فرع فإذا فرغ مما قدمناه لف الخرقة الأخرى على اليد وأدخل أصبعه
في فيه وأمرها على أسنانه بشىء من الماء ولا يفتح أسنانه ويدخل أصبعه في منخريه بشىء من الماء ليزيل ما فيهما من أذى
ثم يوضئه كوضوء الحي ثلاثا ثلاثا مع المضمضة والاستنشاق ولا يكفي ما قدمناه من إدخال الأصبعين عن المضمضة والاستنشاق بل ذاك كالسواك
هذا مقتضى كلام الجمهور
وفي الشامل وغيره ما يقتضي الاكتفاء
والأول أصح
ويميل رأسه في المضمضة

والاستنشاق لئلا يصل الماء باطنه
وهل يكفي وصول الماء مقاديم الشفتين والمنخرين أم يوصله إلى الداخل حكى إمام الحرمين فيه ترددا لخوف الفساد وقطع بأن أسنانه لو كانت متراصة لا تفتح

فرع فإذا فرغ من وضوئه غسل رأسه ثم لحيته بالسدر والخطمي وسرحهما
بمشط واسع الأسنان إن كانا متلبدين ويرفق لئلا ينتف شعر فإن انتتف رده إليه
ثم يغسل شقه الأيمن المقبل من عنقه وصدره وفخذه وساقه وقدمه
ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ثم يحوله إلى جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر من الكتفين إلى القدم ثم يحوله إلى جنبه الأيمن فيغسل شقه الأيسر كذلك
هذا نص الشافعي في المختصر
وبه قال أكثر الأصحاب وحكى العراقيون وغيرهم قولا آخر أنه يغسل جانبه الأيمن من مقدمه ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيمن ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه الأيسر من مقدمه ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيسر
قالوا وكل واحد من هذين الطريقين سائغ والأول أولى
وقال إمام الحرمين والغزالي في آخرين يضجع أولا على جنبه الأيسر فيصب الماء على شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه ثم يضجع على جنبه الأيمن فيصب على شقه الأيسر
والجمهور على ما قدمناه وعلى أن غسل الرأس لا يعاد بل يبدأ بصفحة العنق فما تحتها وقد حصل غسل الرأس أولا
ويجب الاحتراز عن كبه على الوجه
ثم جميع ما ذكرناه غسلة واحدة
وهذه الغسلة تكون بالماء والسدر والخطمي ثم يصب عليه الماء القراح من قرنه إلى قدمه
ويستحب أن يغسله ثلاثا فإن لم تحصل النظافة زاد حتى تحصل فإن حصل

بشفع استحب الإيتار وهل يسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر والخطمي فيه وجهان
أصحهما لا
فعلى هذا لا تحسب هذه الغسلة من الثلاث قطعا
وهل تحسب الواقعة بعدها وجهان
أصحهما لا لأن الماء إذا أصاب المحل اختلط بما عليه من السدر وتغير به
فعلى هذا المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح بعد زوال السدر فيغسل بعد زوال السدر ثلاثا بالقراح
ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كافورا وهو في الغسلة الأخيرة آكد
وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به وقد يكون صلبا لا يقدح التغير به وإن كان فاحشا على المشهور
ويعيد تليين مفاصله بعد الغسل
ونقل المزني إعادة التليين في أول وضعه على المغتسل
وأنكره أكثر الأصحاب ثم ينشفه تنشيفا بليغا

فرع يتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بأرفق مما قبلها
خرجت منه نجاسة في آخر الغسلات أو بعدها وجب غسل النجاسة قطعا بكل حال
وهل يجب غيرها فيه أوجه
أصحها لا
والثاني يجب إعادة غسله
والثالث يجب وضوؤه
فعلى الأصح لا فرق بين النجاسة الخارجة من السبيلين وغيرهما
وإن أوجبنا الوضوء اختص بالخارجة من السبيلين
وإن أوجبنا الغسل ففي إعادة الغسل كسائر النجاسات احتمال لإمام الحرمين
قلت الصحيح الجزم بأنه لا يجب إعادة الغسل كسائر النجاسات
والله أعلم
ولم يتعرض الجمهور للفرق بين أن تخرج النجاسة قبل الإدراج في الكفن أو

بعده وأشار صاحب العدة إلى تخصيص الخلاف في وجوب الغسل والوضوء بما قبل الإدراج
قلت قد توافق صاحب العدة والقاضي أبو الطيب والمحاملي والسرخسي صاحب الأمالي فجزموا بالاكتفاء بغسل النجاسة بعد الإدراج
والله أعلم
ولو لمس رجل امرأة ميتة بعد غسلها فإن قلنا يحب إعادة الغسل أو الوضوء بخروج النجاسة وجبا هنا
كذا أطلقه في التهذيب
وذكر غيره أنه تفريع على نقض طهر الملموس
وأما إذا قلنا لا يجب إلا غسل المحل فلا يجب هنا شىء ولو وطئت بعد الغسل فإن قلنا بإعادة الغسل أو الوضوء للنجاسة وجب هنا الغسل
وإن قلنا بالأصح لم يجب هنا شىء
قلت كذا أطلقه الأصحاب وينبغي أن يكون فيه خلاف مبني على نجاسة باطن فرجها فئنها خرجت على الذكر وتنجس بها ظاهر الفرج
والله أعلم
فصل فيمن يغسل الميت

الأصل أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء وأولى الرجال بالغسل أولاهم بالصلاة عليه
وسيأتي ترتيبهم إن شاء الله تعالى
والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال وليس للرجل غسل المرأة إلا لأحد أسباب ثلاثة
أحدها الزوجية فله غسل زوجته المسلمة والذمية ولها غسله وإن تزوج اختها أو أربعا سواها على الصحيح
الثاني المحرمية وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء لكن لم أر لعامة الأصحاب تصريحا بذلك وإنما يتكلمن في

الترتيب ويقولون المحارم بعد النساء أولى
الثالث ملك اليمين فللسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده ومكاتبته لأن كتابتها ترتفع بموتها
فإن كن مزوجات أو معتدات لم يكن له غسلهن
قلت والمستبرأة كالمعتدة
والله أعلم

فرع للمرأة غسل زوجها فإن طلقها رجعيا ومات أحدهما في العدة لم
يكن للآخر غسله لتحريم النظر في الحياة
وإلى متى تغسل زوجها فيه أوجه
أصحها أبدا
والثاني ما لم تنقض عدتها بأن تضع حملا عقيب موته
والثالث ما لم يتزوج
وإذا غسل أحد الزوجين صاحبه لف على يده خرقة ولا يمسه فإن خالف قال القاضي حسين يصح الغسل ولا يبنى على الخلاف في انتقاض طهر الملموس
قلت وأما وضوء الغاسل فينتقض قاله القاضي حسين
والله أعلم
فرع هل للأمة والمدبرة وأم الولد غسل السيد وجهان

أصحهما لا يجوز
وليس للمكاتبة غسله بلا خلاف لأنها كانت محرمة عليه
قلت والمزوجة والمعتدة والمستبرأة كالمكاتبة
صرح به في التهذيب وغيره
والله أعلم


فرع لو مات رجل وليس هناك إلا امرأة أجنبية أو ماتت امرأة
هناك إلا رجل أجنبي فوجهان
أصحهما عند العراقيين والروياني والأكثرين لا يغسل بل ييمم ويدفن
والثاني وهو قول القفال ورجحه إمام الحرمين والغزالي يغسل في ثيابه ويلف الغاسل خرقة على يده ويغض طرفه ما أمكنه فإن اضطر للنظر نظر للضرورة
قلت حكى صاحب الحاوي هذا الثاني عن نص الشافعي رضي الله عنه وصححه
وحكى صاحب البيان وغيره وجها ثالثا أنه يدفن ولا يغسل ولا ييمم وهو ضعيف جدا
والله أعلم
فرع إذا مات الخنثى المشكل وليس هناك محرم له من الرجال أو
فإن كان صغيرا جاز للرجال والنساء غسله وكذا واضح الحال من الأطفال يجوز للفريقين غسله كما يجوز مسه والنظر إليه وإن كان الخنثى كبيرا فوجهان كمسألة الأجنبي أحدهما ييمم ويدفن
والثاني يغسل
وفيمن يغسله أوجه
أصحها وبه قال أبو زيد يجوز للرجال والنساء جميعا غسله للضرورة واستصحابا لحكم الصغر
والثاني أنه في حق الرجال كالمرأة وفي حق النساء كالرجل أخذا بالأحوط
والثالث يشترى من تركته جارية لتغسله فإن لم يكن تركة اشتريت من بيت المال
قال الأئمة وهذا ضعيف لأن إثبات الملك ابتداء

لشخص بعد موته مستبعد ولو ثبت فالأصح أن الأمة لا تغسل سيدها
والمراد بالصغير من لم يبلغ حدا يشتهى مثله وبالكبير من بلغه

ترتيب صلاتهم عليه

وهل تقدم الزوجة عليهم فيه وجهان
قلت وفيه ثلاثة أوجه
أصحها يقدم رجال العصبات ثم الرجال الأجانب ثم الزوجة ثم النساء المحارم
والثاني يقدم الرجال الأقارب ثم الزوجة ثم الرجال الأجانب ثم النساء المحارم
والثالث تقدم الزوجة على الجميع
والله أعلم
وإن كان الميت امرأة قدم النساء في غسلها وأولاهن نساء القرابة والأولى منهن ذات رحم محرم فإن استوت اثنتان في المحرمية فالتي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الأقرب فالأقرب وبعد نساء القرابة تقدم الأجنبيات ثم رجال القرابة وترتيبهم كالصلاة
وهل يقدم الزوج على نساء القرابة وجهان
الأصح المنصوص يقدمن عليه لأنهن أليق
والثاني يقدم لأنه كان ينظر إلى ما لا ينظرن ويقدم الزوج على الرجال الأقارب على الأصح وكل من قدمناه فشرطه الإسلام فإن كان كافرا فكالمعدوم ويقدم من بعده حتى يقدم المسلم الأجنبي على القريب الكافر
ويشترط أيضا أن لا يكون قاتلا فإن قتل بحق بني على إرثه منه ولو أن المقدم في الغسل سلمه لمن بعده فله تعاطيه بشرط اتحاد الجنس فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء ولا العكس


فصل إذا مات المحرم
لا يقرب طيبا ولا يؤخذ شعره وظفره ولا الرجل مخيطا ولا يستر رأسه ولا وجه المرأة
ولا بأس بالتخمير عند غسله كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار ولو ماتت معتدة محدة جاز تطييبها على الأصح
قلت قال أصحابنا فلو طيب المحرم إنسان أو ألبسه مخيطا عصى ولا فدية كما لو قطع عضوا من ميت
والله أعلم
فصل غير المحرم من الموتى
هل يقلم ظفره ويؤخذ شعر إبطه وعانته قولان
القديم لا يفعل كما لا يختن
والجديد يفعل
والقولان في الكراهة ولا خلاف أن هذه الأمور لا تستحب
قلت قلد الإمام الرافعي الروياني في قوله لا تستحب بلا خلاف وإنما الخلاف في إثبات الكراهة وعدمها
وكذا قاله أيضا الشيخ أبو حامد والمحاملي ولكن صرح الأكثرون أو الكثيرون بخلافه فقالوا الجديد أنه يستحب
والقديم يكره
ممن صرح بهذا صاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب والغزالي في الوسيط وغيرهم
وقطع أبو العباس الجرجاني بالاستحباب وقال صاحب الحاوي القول الجديد أنه مستحب وتركه مكروه
وعجب من الرافعي كيف يقول ما قال وهذه الكتب مشهورة لا سيما الوسيط
وأما الأصح من القولين فقال جماعة القديم هنا أصح وهو المختار فلم ينقل

عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فيه شىء معتمد وأجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بهذا
وأما قوله كما لا يختن فهذا هو المذهب الذي قطع به الجمهور
وفيه وجه أنه يختن
ووجه ثالث يختن البالغ دون الصبي
والله أعلم
فإذا قلنا بالجديد يخير الغاسل في شعر الإبطين والعانة بين الأخذ بالموسى أو بالنورة وقيل تتعين النورة في العانة
قلت المذهب أنه مخير في الجميع فأما الشارب فيقصه كالحياة
قال المحاملي وغيره يكره حلقه في الحي والميت
قال أصحابنا ويفعل هذه الأمور قبل الغسل
ممن صرح به المحاملي وصاحب الشامل وغيرهما ولم يتعرض الجمهور لدفن هذه الأجزاء معه
وقال صاحب العدة ما يأخذه منها يصر في كفنه
ووافقه القاضي حسين وصاحب التهذيب في الشعر المنتتف في تسريح الرأس واللحية كما تقدم وقال به غيرهم
وقال صاحب الحاوي الاختيار عندنا أنه لا يدفن معه إذ لا أصل له
والله أعلم
ولا يحلق رأسه بحال وقيل إن كان له عادة بحلقه ففيه الخلاف كالشارب وجميع ما ذكرناه في صفة الغسل هو في غير الشهيد وسيأتي حكم الشهيد إن شاء الله تعالى

فرع لو تحرق مسلم بحيث لو غسل لتهرأ لم يغسل بل ييمم
قروح وخيف عليه من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل فالجميع صائرون إلى البلى
قلت يجوز للجنب والحائض غسل الميت بلا كراهة
ولو ماتا غسلا غسلا

واحدا
وإذا رأى الغاسل من الميت ما يعجبه استحب أن يتحدث به وإن رأى ما يكره حرم عليه ذكره إلا لمصلحة وإن كان للميتة شعر فالسنة أن يجعل ثلاث ذوائب وتلقى خلفها وينبغي أن يكون مأمونا
ولو كان له زوجتان أو أكثر وتنازعن في غسله أقرع بينهن
ولو مات زوجات في وقت بهدم أو غرق أو غيره أقرع بينهن فقدم من خرجت قرعتها
قال الدارمي قال الشافعي رحمه الله لو مات رجل وهناك نساء مسلمات ورجال كفار أمرت الكفار بغسله وصلين عليه
وهذا تفريع على صحة غسل الكافر
قال الدارمي وإذا نشف المغسول بثوب قال أبو إسحق لا ينجس الثوب سواء قلنا بنجاسة الميت أم لا
قال الدارمي وفيه نظر
والله أعلم

باب التكفين
تقدم أنه فرض كفاية
ويستحب في لون الكفن البياض وجنسه في حق كل ميت ما يجوز له لبسه في الحياة فيجوز تكفين المرأة في الحرير لكن يكره ويحرم تكفين الرجل به
قلت ولنا وجه شاذ منكر أنه يحرم تكفين المرأة في الحرير
وأما المزعفر والمعصفر فلا يحرم تكفينها فيه لكن يكره على المذهب
وفي وجه لا يكره
قال أصحابنا يعتبر في الأكفإن المباحة حال الميت فإن كان مكثرا فمن جياد الثياب وإن كان متوسطا فأوسطها وإن كان مقلا فخشنها
قالوا وتكره المغالاة فيه
قال القاضي حسين وصاحب التهذيب والمغسول أولى

من الجديد
واتفقوا على استحباب تحسين الكفن في البياض والنظافة وسبوعه وكثافته لا في ارتفاعه
والله أعلم

أحدهما ما يستر العورة ويختلف باختلاف عورة المكفن في الذكورة والأنوثة
والثاني ما يستر جميع بدنه إلا رأس المحرم ووجه المحرمة
قلت أصحهما الأول
وصححه الجمهور وهو ظاهر النص
والله أعلم
وإذا كفن فيما لا يعم الرأس والرجلين ستر الرأس
والثوب الواجب حق لله تعالى لا تنفذ وصية الميت بإسقاطه
والثاني والثالث حق للميت تنفذ وصيته بإسقاطهما
ولو لم يوص فقال بعض الورثة يكفن بثوب وبعضهم بثلاثة فالمذهب يكفن بثلاثة
وقيل وجهان
أحدهما بثوب
وأصحهما بثلاثة ولو اتفقت الورثة على ثوب قال في التهذيب يجوز
وفي التتمة انه على الخلاف
قلت قول التتمة أقيس
والله أعلم
ولو كان عليه ديون مستغرقة فقال الغرماء ثوب فثوب على الأصح

فرع محل الكفن رأس مال التركة يقدم على الديون والوصايا والميراث لكن


قلت ويلحق بالثلاثة المال الذي ثبت فيه حق الرجوع بإفلاس الميت
وقد ذكره الرافعي في أول الفرائض
والله أعلم
فإن لم يترك مالا فكفنه على من هو في نفقته فعلى القريب كفن قريبه وعلى السيد كفن عبده وأم ولده ومكاتبه وسواء في أولاده كانوا صغارا أو كبارا تجب عليه أكفانهم لأنهم عاجزون بالموت ونفقة عاجزهم واجبة
ويجب على الزوج كفنها ومؤنة تجهيزها على الأصح
فعلى هذا لو لم يكن للزوج مال ففي مالها
أما إذا لم يترك الميت مالا ولا كان له من تلزمه نفقته فيجب كفنه ومؤنة تجهيزه في بيت المال كنفقته
وهل يكفن منه بثوب واحد أم بثلاثة وجهان
أصحهما بثوب
فإن قلنا ثوب فلو ترك ثوبا لم يزد من بيت مال وإن قلنا ثلاثة كمت على الأصح
وإذا لم يكن في بيت المال مال فعلى عامة المسلمين الكفن ومؤنة التجهيز
قلت قال القاضي حسين إذا مات وهو في نفقة غيره هل يلزمه تكفينه بثلاثة أثواب أم بثوب وجهان
أصحهما ثوب
وقطع هو وصاحب التهذيب بأنه إذا لم يكن في بيت المال مال ولزم المسلمين تكفينه لا يجب أكثر من ثوب
والله أعلم

فرع قدمنا أن الأفضل في كفن الرجل ثلاثة أثواب

فلو زيد إلى خمسة جاز ولايستحب
ويستحب تكفين المرأة في خمسة والخنثى كالمرأة والزيادة على الخمسة مكروهة على الاطلاق


قلت قال إمام الحرمين قال الشيخ أبو علي وليست الخمسة في حق المرأة كالثلاثة للرجل حتى نقول يجبر الورثة عليها كما يجبرون على الثلاثة
قال الإمام وهذا متفق عليه
والله أعلم
ثم إن كفن الرجل والمرأة في ثلاثة فالمستحب ثلاث لفائف
وإن كفن الرجل في خمسة فثلاث لفائف وقميص وعمامة وتجعلان تحت اللفائف
وإن كفنت المرأة في خمسة فقولان
الجديد إزار وخمار وثلاث لفائف
والقديم وهو الأظهر عند الأكثرين إزار وخمار وقميص ولفافتان
وهذه المسألة مما يفتى فيه على القديم
قلت قال الشيخ أبو حامد والمحاملي المعروف للشافعي في عامة كتبه أنه يكون فيها قميص
قالا والقول الآخر لا يعرف إلا عن المزني فعلى هذا الذي نقلا لا يكون إثبات القميص مختصا بالقديم
والله أعلم
ثم قال الشافعي رحمه الله يشد على صدرها ثوب لئلا تنتشر أكفانها واختلف فيه
فقال أبو إسحق هو ثوب سادس ويحل عنها إذا وضعت في القبر
وقال ابن سريج يشد عليها ثوب من الخمسة ويترك والأول أصح عند الأصحاب
وأما ترتيب الخمسة فقال المحاملي وغيره على قول أبي إسحق إن قلنا تقمص شد عليها المئزر ثم القميص ثم الخمار ثم تلف في ثوبين ثم يشد السادس وإن قلنا لا تقمص شد المئزر ثم الخمار ثم تلف في اللفائف ثم يشد عليها خرقة
وعلى قول ابن سريج إن قلنا تقمص شد المئزر ثم الدرع ثم الخمار ثم يشد عليها الخرقة ثم تلف في ثوب
وإن قلنا لا تقمص شد المئزر ثم الخمار ثم تلف في ثوب ثم يشد عليها آخر ثم تلف في الخامس
وإذا وقع التكفين في اللفائف الثلاث ففيها وجهان


أحدهما تكون متفاوتة في الأول يأخذ ما بين سرته وركبتيه
والثاني من عنقه إلى كعبه
والثالث يستر جميع بدنه
وأصحهما تكو متساوية في الطول والعرض يأخذ كل واحد منهما جميع بدنه
ولا فرق في التكفين في الثلاث بين الرجل والمرأة وإنما يفترقان في الخمسة كما تقدم

فرع يستحب تبخير الكفن بالعود إن لم يكن الميت محرما فتنصب مبخرة
وتوضع الأكفإن عليها ليصيبها دخان العود ثم تبسط أحسن اللفائف وأوسعها ويذر عليها حنوط وتبسط الثانية فوقها ويذر عليها حنوط وتبسط الثالثة التي تلي الميت فوقها ويذر عليها حنوط وكافور ثم يوضع الميت فوقها مستلقيا ويؤخذ قدر من القطن المحلوج ويجعل عليه حنوط وكافور ويدس بين أليتيه حتى يتصل بالحلقة ليرد شيئا يتعرض للخروج ولا يدخله في باطنه وفيه وجه ضعيف أنه لا بأس به ثم يسد أليتيه ويستوثق بأن يأخذ خرقة ويشق رأسها ويجعل وسطها عن أليتيه وعانته ويشدها فوق السرة بأن يرد ما يلي ظهره إلى سرته ويعطف الشقين الآخرين عليه
ولو شد شقا من كل رأس على فخذه ومثله على الفخذ الثانية جاز
وقيل يشدها عليه بالخيط ولا يشق طرفيها ثم يأخذ شيئا من القطن ويضع عليه قدرا من الكافور والحنوط ويجعل على منافذ البدن من المنخرين والأذنين والعينين والجراحات النافذة دفعا للهوام ويجعل الطيب على مساجده وهي الجبهة والأنف وباطن الكفين والركبتان والقدمان فيجعل الطيب على قطن ويجعل على هذه المواضع
وقيل يجعل عليها بلا قطن
ثم يلقى الكفن عليه بأن يثني من الثوب الذي يلي

الميت طرفه الذي يلي شقه الأيسر على شقه الأيمن والذي يلي الأيمن على الأيسر كما يفعل الحي بالقباء ثم يلف الثاني والثالث كذلك
وفيه قول آخر أنه يبدأ بالطرف الذي يلي شقه الأيمن
والأول أصح عند الجمهور ومنهم من قطع به
وإذا لف الكفن عليه جمع الفاضل عند رأسه جمع العمامة ورد على وجهه وصدره إلى حيث بلغ وما فضل عند رجليه يجعل على القدمين والساقين
وينبغي أن يوضع الميت على الأكفإن أولا بحيث إذا وضع ولف عليه كان الفاضل عند رأسه أكثر ثم تشد الأكفإن عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل فإذا وضع في القبر
نزع
وفي كون الحنوط مستحبا أو واجبا وجهان
أصحهما مستحب
قلت مذهبنا أن الصبي الصغير كالكبير في استحباب تكفينه في ثلأثة أثواب
وقال الضيمري لا يستحب أن يعد لنفسه كفنا لئلا يحاسب عليه
وهذا الذي قاله صحيح إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من أثر بعض أهل الخير من العلماء أو العباد ونحو ذلك فإن إدخاره حسن
وقد صح عن بعض الصحابة فعله
والله أعلم

باب حمل الجنازة
ليس في حمل الجنازة دناءة وسقوط مروءة بل هو بر وإكرام للميت ولا يتولاه إلا الرجال ذكرا كان الميت أو أنثى ولا يجوز الحمل على الهيآت المزرية ولا على الهيئة التي يخشى منها السقوط
وللحمل كيفيتان
إحداهما بين العمودين وهو أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمودان

على عاتقيه والخشبة المعترضة بينهما على كتفه ويحل مؤخر النعش رجلان أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر ولا يتوسط الخشبتين المؤخرتين واحد فإنه لا يرى موضع قدميه فإن لم يستقل المقدم بالحمل أعانه رجلان خارج العمودين يضع كل واحد منهما واحدا على عاتقه فتكون الجنازة محمولة على خمسة
والكيفية الثانية التربيع وهو أن يتقدم رجلان فيضع أحدهما العمود الأيمن على عاتقه الأيسر والآخر العمود الأيسر على عاتقه الأيمن وكذلك يحمل العمودين من آخرهما رجلان فتكون الجنازة محمولة بأربعة
قال الشافعي رضي الله عنه من أراد التبرك بحمل الجنازة من جوانبها الأربعة بدأ بالعمود الأيسر من مقدمها فحمله على عاتقه الأيمن ثم يسلمه إلى غيره ويأخذ العمود الأيسر من مؤخرها فيحمله على عاتقه الأيمن أيضا ثم يتقدم فيعرض بين يديها لئلا يكون ماشيا خلفها فيأخذ العمود الأيمن من مقدمها على عاتقه الأيسر ثم يأخذ العمود الأيمن من مؤخرها ولا شك أن هذا إنما يتأتى إذا حمل الجنازة على هيئة التربيع
وكل واحدة من الكيفيتين جائزة
قال بعض الأصحاب والأفضل أن يجمع بينهما بأن يحمل تارة كذا وتارة كذا فإن اقتصر فأيهما أفضل فيه ثلاثة أوجه
الصحيح المعروف الحمل بين العمودين أفضل
والثاني التربيع
والثالث هما سواء
فصل المشي أمام الجنازة أفضل للراكب والماشي

والأفضل أن يكون قريبا منها وهو بالخيار إن شاء قام منتظرا لها وإن شاء قعد
والسنة الإسراع بالجنازة إلا أن يخاف

من الإسراع تغير الميت فيتأنى
والمراد بالإسراع فوق المشي المعتاد دون الخبب فإن خيف عليه تغير أو انفجار أو انتفاخ زيد في الإسراع
قلت ينبغي أن لا يركب في ذهابه مع الجنازة إلا لعذر ولا بأس به في الرجوع
وقد تقدم بيانه في الجمعة
قال أصحابنا وإن كان الميت امرأة استحب أن يتخذ لها ما يسترها كالخيمة والقبة
قالوا واتباع الجنائز سنة متأكدة في حق الرجال وأما النساء فلا يتبعن
ثم قيل الاتباع حرام عليهن والصحيح أنه مكروه إذا لم يتضمن حراما
قال أصحابنا ولا يكره للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر
قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله يكره أن تتبع الجنازة بنار في مجمرة أو غيرها ونقل ابن المنذر وغيره الاجماع عليه
وقال بعض أصحابنا لا يجوز ذلك
والمذهب الكراهة
وكذا يكره أن يكون عند القبر مجمرة
وأما النياحة والصياح وراء الجنازة فحرام شديد التحريم
ويكره اللغط في المشي معها والحديث في أمور الدنيا بل المستحب الفكر في الموت وما بعده وفناء الدنيا ونحو ذلك
قال الشافعي وأصحابنا وإذا مرت به جنازة ولم يرد الذهاب معها لم يقم لها بل نص أكثر أصحابنا على كراهة القيام
ونقل المحاملي إجماع الفقهاء عليه وانفرد صاحب التتمة باستحباب القيام للأحاديث الصحيحة فيه قال الجمهور الأحاديث منسوخة
وقد أوضحت ذلك في شرح المهذب
والله أعلم

باب الصلاة على الميت
تقدم أنها فرض كفاية ويشترط فيمن يصلى عليه ثلاثة أمور أن يكون ميتا مسلما غير شهيد فلو وجد بعض مسلم ولم يعلم موته لم يصل عليه
وإن

علم موته صلي عليه وإن قل الموجود
هذا في غير الشعر والظفر ونحوهما وفي هذه الأجزاء وجهان
أقربهما إلى إطلاق الأكثرين أنها كغيرها لكن قال في العدة إن لم يوجد إلا شعرة واحدة لم يصل عليها في ظاهر المذهب
ومتى شرعت الصلاة فلا بد من الغسل والمواراة بخرقة
وأما الدفن فلا يختص بما إذا علم موت صاحبه بل ما ينفصل من الحي من شعر وظفر وغيرهما يستحب له دفنه وكذلك يوارى دم الفصد والحجامة
والعلقة والمضغة تلقيهما المرأة
ولو وجد بعض ميت أو كله ولم يعلم أنه مسلم فإن كان في دار الإسلام صلي عليه لأن الغالب فيها الإسلام
ثم متى صلى على العضو ينوي الصلاة على جملة الميت لا على العضو وحده

فرع السقط له حالان

أحدهما أن يستهل أو يبكي ثم يموت فهو كالكبير
الثاني أن لا تتيقن حياته باستهلال ولا غيره فتارة يعرى عن أمارة كالاختلاج ونحوه وتارة لا يعرى فإن عري نظر إن لم يبلغ حدا ينفخ فيه الروح وهو أربعة أشهر فصاعدا لم يصل عليه قطعا ولا يغسل على المذهب
وقيل في غسله قولان
وإن بلغ أربعة أشهر صلي عليه في القديم ولم يصل في الجديد ويغسل على المذهب
وقيل قولان
والفرق أن الغسل أوسع فإن الذمي يغسل بلا صلاة
أما إن اختلج أو تحرك فيصلى عليه على الأظهر
وقيل قطعا
ويغسل على المذهب وقيل فيه القولان
وما لم يظهر فيه خلقة آدمي يكفي فيه المواراة كيف كانت وبعد ظهورها حكم التكفين حكم الغسل


فصل لا تجوز الصلاة على كافر
حربيا كان أو ذميا ولا يجب غسله ذميا كان أو حربيا لكن يجوز وأقاربه الكفار أولى بغسله من أقاربه المسلمين
وأما تكفينه ودفنه فإن كان ذميا وجب على المسلمين على الأصح وفاء بذمته كما يجب إطعامه وكسوته في حياته وإن كان حربيا لم يجب تكفينه قطعا ولا دفنه على المذهب
وقيل وجهان
أحدهما يجب
والثاني لا بل يجوز إغراء الكلب عليه فإن دفن فلئلا يتأذى الناس بريحه والمرتد كالحربي ولو اختلط موتى المسلمين بالكفار ولم يتميزوا وجب غسل جميعهم والصلاة عليهم فإن صلى عليهم دفعة واحدة جاز ويقصد المسلمين منهم
وإن صلى عليهم واحدا واحدا جاز وينوي الصلاة عليه إن كان مسلما ويقول اللهم اغفر له إن كان مسلما
قلت الصلاة عليهم دفعة أفضل واقتصر عليها الشافعي وجماعة من الأصحاب
واختلاط الشهداء بغيرهم كاختلاط الكفار
والله أعلم
فصل الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه

وقال المزني يصلى عليه ولا فرق عندنا بين الرجل والمرأة والحر والعبد والبالغ والصبي
ثم المراد بترك الصلاة أنها حرام على الصحيح
وعلى الثاني لا تجب لكن تجوز
وأما الغسل فإن أدى إلى إزالة دم الشهادة فحرام قطعا وإلا فحرام على المذهب
وقيل كالصلاة
واسم الشهيد قد يخصص في الفقه بمن لا يغسل ولا يصلى عليه وقد يسمى كل

مقتول ظلما شهيدا وهو أظهر وهو الذي نص عليه الشافعي رحمه الله في المختصر وعلى هذا الشهيد نوعان
أحدهما من لا يغسل ولا يصلى عليه وهو من مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال سواء قتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سلاحه أو سقط عن فرسه أو رمحته دابة فمات أو وجد قتيلا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته سواء كان عليه أثر دم أم لا
أما إذا مات في معترك الكفار لا بسبب القتال بل بمرض أو فجأة فالمذهب أنه ليس بشهيد وقيل على وجهين
ولو جرح في القتال ومات بعد انقضائه فإن قطع بموته من تلك الجراحة وبقي فيه بعد انقضاء الحرب حياة مستقرة فقولان
أظهرهما ليس بشهيد وسواء في جريان القولين أكل وتكلم وصلى أم لا طال الزمان أم قصر
وقيل إن مات عن قرب فقولان وإن بقي أياما فليس بشهيد قطعا
وأما إذا انقضت الحرب وليس فيه إلا حركة مذبوح فشهيد بلا خلاف
وإن انقضت وهو متوقع البقاء فليس بشهيد بلا خلاف
ولو دخل الحربي دار الإسلام فقتل مسلما اغتيالا فليس بشهيد على الصحيح
ولو قتل أهل البغي رجلا من أهل العدل غسل وصلي عليه على الأظهر
ويغسل الباغي المقتول ويصلى عليه قطعا
ومن قتله قطاع الطريق قيل 0 ليس بشهيد قطعا
وقيل كالعادل
النوع الثاني الشهداء العارون عن جميع الأوصاف المذكورة كالمبطون والمطعون والغريق والغريب والميت عشقا والميتة في الطلق ومن قتله مسلم أو ذمي أو باغ في غير القتال فهم كسائر الموت يغسلون ويصلى عليهم وإن ورد فيهم لفظ الشهادة وكذا المقتول قصاصا أو حدا ليس بشهيد
وإذا قتل تارك الصلاة غسل وكفن وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين ورفع قبره كغيره كما يفعل بسائر أصحاب الكبائر هذا هو الصحيح
وفي وجه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن ويطمس قبره تغليطا عليه


وأما قاطع الطريق فيبنى أمره على صفة قتله وصلبه وفيه قولان
أظهرهما يقتل ثم يغسل ويصلى عليه ثم يصلب مكفنا
والثاني يصلب ثم يقتل
وهل ينزل بعد ثلاثة أيام أم يبقى حتى يتهرأ وجهان
إن قلنا بالأول أنزل فغسل وصلي عليه
وعلى الثاني لا يغسل ولا يصلى عليه
قال إمام الحرمين وكان لا يمتنع أن يقتل مصلوبا وينزل فيغسل ويصلى عليه ثم يرد ولكن لم يذهب إليه أحد
وقال بعض أصحابنا لا يغسل ولا يصلى عليه على كل قول

فرع لو استشهد جنب لم يغسل على الأصح ولا يصلى عليه قطعا

قلت ولو استشهدت حائض فإن قلنا الجنب لا يغسل فهي أولى وإلا فوجهان حكاهما صاحب البحر بناء على أن غسل الحائض يتعلق برؤية الدم أم بانقطاعه أم بهما إن قلنا برؤيته فكالجنب
والله أعلم
ولو أصابته نجاسة لا بسبب الشهادة فالأصح أنها تغسل
والثاني لا
والثالث إن أدى غسلها إلى إزالة أثر الشهادة لم تغسل وإلا غسلت
فرع والأولى أن يكفن الشهيد في ثيابه الملطخة بالدم فإن لم يكن
ما عليه سابغا تمم وإن أراد الورثة نزع ما عليه من الثياب وتكفينه في غيرها جاز
أما الدرع والجلد والفراء والخفاف فتنزع


فصل فيمن هو أولى بالصلاة على الميت
وفي الولي والوالي قولان القديم الوالي أولى كما في سائر الصلوات ثم إمام المسجد ثم الولي
والجديد الولي أولى
قلت وهو الأظهر
والله أعلم
والمراد بالولي القريب فلا يقدم غيره إلا أن يكون القريب أنثى وهناك ذكر أجنبي فهو أولى حتى يقدم الصبي المراهق على المرأة القريبة
وكذا الرجل أولى من المرأة بإمامة النساء في سائر الصلوات
وأولى الأقارب الأب ثم الجد أب الأب وإن علا ثم الابن ثم ابن الابن وإن سفل ثم الأخ
وهل يقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب فيه طريقان
المذهب تقديمه
والثاني على قولين كولاية النكاح
أظهرهما يقدم
والثاني سواء فعلى المذهب المقدم بعدهما ابن الأخ من الأبوين ثم من الأب ثم من العم للأبوين ثم للأب ثم ابن العم للأبوين ثم عم الأب ثم بنوه ثم عم الجد ثم بنوه على ترتيب الإرث
قلت قال أصحابنا لو اجتمع ابناء عم أحدهما أخ لأم فعلى الطريقين
والله أعلم
فإن لم يكن عصبة قدم المعتق
قال إمام الحرمين ولعل الظاهر تقديمه على ذوي الأرحام
وله حق في هذا الباب فإذا لم يكن هناك عصبة بالنسب ولا بالولاء قدم أبو الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم
ولو أوصى أن يصلي عليه أجنبي فطريقان
المذهب وبه قطع الجمهور يقدم القريب


والثاني وجهان
أحدهما هذا
والثاني يقدم الموصى له كالوجهين فيمن أوصى أجنبيا على أولاده ولهم جد

فرع إذا اجتمع اثنان في درجة كابنين أو أخوين وتنازعا نص في
أن الأسن أولى وقال في سائر الصلوات الأفقه أولى
قال الجمهور المسألتان على ما نص عليه وهذا هو المذهب
وقيل فيهما قولان بالتخريج
والمراد بالأسن الأكبر وإن كانا شابين وإنما يقدم الأسن إذا حمدت حاله
أما الفاسق والمبتدع فلا
ويشترط بمضي السن في الإسلام كما سبق في سائر الصلوات
ولو استوى اثنان في درجة وأحدهما رقيق والآخر حر فالحر أولى فإن كان أحدهما رقيقا فقيها والآخر حرا غير فقيه فوجهان
وقال في الوسيط لعل التسوية أولى
قلت الأصح تقديم الحر
والله أعلم
ولو كان الأقرب رقيقا والأبعد حرا كأخ رقيق وعم حر فالأصح عند الجمهور العم أولى
والثاني الأخ
وقيل سواء ولو استووا في كل شىء فإن رضوا بتقدم واحد فذاك وإلا أقرع
فصل السنة أن يقف الإمام عند عجيزة المرأة قطعا وعند رأس الرجل
على الصحيح الذي قطع به الجمهور
والثاني عند صدره
ولو تقدم على الجنازة الحاضرة أو القبر لم يصح على المذهب


فرع إذا حضرت جنائز جاز أن يصلي على كل واحدة صلاة وهو
أن يصلي على الجميع صلاة واحدة سواء كانوا ذكورا و إناثا فإن كانوا نوعا واحدا ففي كيفية وضعهم وجهان
وقيل قولان
أصحهما يوضع بين يدي الإمام في جهة القبلة بعضها خلف بعض ليحاذي الإمام الجميع
والثاني يوضع الجميع صفا واحدا
رأس كل إنسان عند رجل الآخر ويجعل الإمام جميعهم عن يمينه ويقف في محاذاة الآخر
وإن اختلف النوع تعين الوجه الأول
ومتى وضعوا كذلك فمن يقدم إلى الإمام ينظر إن جاؤوا دفعة واحدة نظر إن اختلف النوع قدم إليه الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة
ولو حضر جماعة من الخناثى وضعت صفا واحدا لئلا تتقدم امرأة رجلا
وإن اتحد النوع قدم إليه أفضلهم والمعتبر فيه الورع والخصال التي ترغب في الصلاة عليه ويغلب على الظن كونه أقرب رحمة من الله تعالى ولا يقدم بالحرية
وإن استووا في جميع الخصال وتنازع الأولياء في التقديم أقرع بينهم وإن رضوا بتقديم واحد فذاك
وأما إذا جاءت الجنائز متعاقبة فيقدم إلى الإمام أسبقها وإن كان المتأخر أفضل هذا إن اتحد النوع
فلو وضعت امرأة
ثم حضر رجل أو صبي نحيت ووضع الرجل أو الصبي بين يدي الإمام ولو وضع صبي ثم حضر رجل فالصحيح أنه لا ينحى الصبي بل يقال لولي الرجل إما أن تجعل جنازتك وراء الصبي وإما أن تنقله إلى موضع آخر
وعلى الشاذ الصبي كالمرأة
فإن قيل ولي كل ميت أولى بالصلاة عليه فمن يصلي على الجنائز صلاة واحدة قلنا من لم يرض بصلاة غيره صلى على ميته وإن رضوا جميعا بصلاة واحدة صلى ولي السابقة رجلا كان ميته أو امرأة وإن حضروا معا أقرع


فصل في كيفية الصلاة
أما أقلها فأركانها سبعة
الأول النية ووقتها ما سبق في سائر الصلوات
وفي اشتراط الفرضية الخلاف المتقدم وهل يشترط التعرض لكونها فرض كفاية أم يكفي مطلق الفرض وجهان
أصحهما الثاني
ثم إن كان الميت واحدا نوى الصلاة عليه وإن حضر موتى نوى الصلاة عليهم ولا حاجة إلى تعيين الميت ومعرفته بل لو نوى الصلاة على من يصلي عليه الإمام جاز ولو عين الميت وأخطأ لم تصح
قلت هذا إذا لم يشر إلى الميت المعين فإن أشار صح في الأصح
والله أعلم
ويجب على المقتدي نية الاقتداء
الركن الثاني القيام ولا يجزىء عنه القعود مع القدرة على المذهب كما سبق في التيمم
الثالث التكبيرات الأربع ولو كبر خمسا ساهيا لم تبطل صلاته ولا مدخل لسجود السهو في هذه الصلاة
وإن كان عامدا لم تبطل أيضا على الأصح الذي قاله الأكثرون
وقال ابن سريج الأحاديث الواردة في تكبير الجنازة أربعا وخمسا هي من الاختلاف المباح والجميع سائغ
ولو كبر إمامه خمسا فإن قلنا الزيادة مبطلة فارقه وإلا فلا ولكن لا يتابعه فيها على الأظهر وهل يسلم في الحال أم له انتظاره ليسلم معه وجهان
أصحهما الثاني


الرابع السلام وفي وجوب نية الخروج معه ما سبق في سائر الصلوات ولا يكفي السلام عليك على المذهب وفيه تردد جواب عن الشيخ أبي علي
الخامس قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى فظاهر كلام الغزالي أنه ينبغي أن تكون الفاتحة عقب الأولى متقدمة على الثانية لكن حكى الروياني وغيره عن نصه أنه لو أخر قراءتها إلى التكبيرة الثانية جاز
السادس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية وفي وجوب الصلاة على الآل قولان أو وجهان كسائر الصلوات وهذه أولى بالمنع
السابع الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة وفيه وجه أنه لا يجب تخصيص الميت بالدعاء بل يكفي إرساله للمؤمنين والمؤمنات
وقدر الواجب من الدعاء ما يطلق عليه الاسم
وأما الأفضل فسيأتي إن شاء الله تعالى
وأما أكمل هذه الصلاة فلها سنن
منها رفع اليدين في تكبيراتها الأربع ويجمع يديه عقب كل تكبيرة ويضعهما تحت صدره كباقي الصلوات ويؤمن عقب الفاتحة ولا يقرأ السورة على المذهب ولا دعاء الاستفتاح على الصحيح ويتعوذ على الأصح ويسر بالقراءة في النهار قطعا وكذا في الليل على الصحيح
ونقل المزني في المختصر أنه عقب التكبيرة الثانية يحمد الله تعالى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات فهذه ثلاثة أشياء أوسطها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ركن كما تقدم
وأولها الحمد ولا خلاف أنه لا يجب وفي استحبابه وجهان
أحدهما وهو مقتضى كلام الأكثرين لا يستحب
والثاني يستحب وجزم به صاحبا التتمة و التهذيب
قلت نقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب على الأول وأن ما نقله المزني غير سديد وكذا قال جمهور أصحابنا المصنفين ولكن جزم جماعة بالاستحباب وهو الأرجح
والله أعلم


وأما ثالثها وهو الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فمستحب عند الجمهور وحكى إمام الحرمين فيه ترددا للأئمة
قلت ولا يشترط ترتيب هذه الثلاثة لكنه أولى
والله أعلم
ومن المسنونات إكثار الدعاء للميت في الثالثة ويقول اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين
هذا نص الشافعي في المختصر
وفيها دعاء آخر وعليه أكثر أهل خراسان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان فإن كان الميت امرأة قال اللهم هذه أمتك وبنت عبديك ويؤنث الكنايات
قلت ولو ذكرها على إرادة الشخص لم يضر
قال البخاري وسائر الحفاظ أصح دعاء الجنازة حديث عوف بن مالك في صحيح مسلم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فقال اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وفتنته ومن عذاب النار
والله أعلم


وإن كان طفلا اقتصر على رواية أبي هريرة رضي الله عنه ويضم إليه اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وافرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره
وأما التكبيرة الرابعة فلم يتعرض الشافعي في معظم كتبه لذكر عقبها ونقل البويطي عنه أنه يقول عقبها اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده كذا نقل الجمهور عنه وهذا الذكر ليس بواجب قطعا وهو مستحب على المذهب
وقيل في استحبابه وجهان
أحدهما لا يستحب بل إن شاء قاله وإن شاء تركه
قلت يسن تطويل الدعاء عقب الرابعة وصح ذلك عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم
والله أعلم
وأما السلام فالأظهر أنه يستحب تسليمتان
وقال في الإملاء تسليمة يبدأ بها إلى يمينه ويختمها ملتفتا إلى يساره فيدير وجهه وهو فيها هذا نصه
وقيل يأتي بها تلقاء وجهه بغير التفات
قال إمام الحرمين ولا شك أن هذا الخلاف في صفة الالتفات يجري في سائر الصلوات إذا قلنا يقتصر على تسليمة
ثم قيل القولان هنا في الاقتصار على تسليمة هما القولان في الاقتصار في سائر الصلوات
والأصح أنهما مرتبان عليهما إن قلنا هناك بالاقتصار فهنا أولى وإلا فقولان فإن الاقتصار هناك قول قديم وهنا هو قوله في الإملاء وهو جديد
وإذا اقتصر على تسليمة فهل يقتصر على السلام عليكم أم يزيد ورحمة الله فيه تردد حكاه أبو علي


فرع المسبوق إذا أدرك الإمام في أثناء هذه الصلاة كبر ولم ينتظر
تكبيرة الإمام المستقبلة
ثم يشتغل عقب تكبيره بالفاتحة ثم يراعي في الأذكار ترتيب نفسه فلو كبر المسبوق فكبر الإمام الثانية مع فراغه من الأولى كبر مع الثانية وسقطت عنه القراءة كما لو ركع الإمام في سائر الصلوات عقب تكبيره
ولو كبر الإمام الثانية والمسبوق في أثناء الفاتحة فهل يقطع القراءة ويوافقه أم يتمها وجهان كالوجهين فيما إذا ركع الإمام والمسبوق في أثناء الفاتحة أصحهما عند الأكثرين يقطع ويتابعه
وعلى هذا هل يتم القراءة بعد التكبيرة لأنه محل القراءة بخلاف الركوع أم لا يتم فيه احتمالان لصاحب الشامل
أصحهما الثاني
ومن فاته بعض التكبيرات تداركها بعد سلام الإمام وهل يقتصر على التكبيرات نسقا بلا ذكر أم يأتي بالذكر والدعاء قولان
أظهرهما الثاني
قلت القولان في الوجوب وعدمه صرح به صاحب البيان وهو ظاهر
والله أعلم
ويستحب أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوقون ما عليهم فلو رفعت لم تبطل صلاتهم وإن حولت عن القبلة بخلاف ابتداء عقد الصلاة لا يحتمل فيه ذلك والجنازة حاضرة
فرع لو تخلف المقتدي فلم يكبر مع الإمام الثانية أو الثالثة حتى
كبر الإمام التكبيرة المستقبلة من غير عذر بطلت صلاته كتخلفه بركعة


فصل الشرائط المعتبرة في سائر الصلوات
كالطهارة وستر العورة والاستقبال وغيرها لو مات في بئر أو معدن انهدم عليه وتعذر إخراجه وغسله لم يصل عليه ذكره في التتمة
قلت ويجوز قبل التكفين مع الكراهة
والله أعلم
ولا يشترط فيها الجماعة لكن يستحب وفي أقل ما يسقط فرض الكفاية في هذه الصلاة قولان ووجهان
أحد القولين بثلاثة
والثاني بواحد
وأحد الوجهين باثنين
والثاني بأربعة
والأظهر عند الروياني وغيره سقوطه بواحد
ومن اعتبر العدد قال سواء صلوا فرادى أو جماعة وإن بان حدث الإمام أو بعض المأمومين
فإن بقي العدد المعتبر سقط الفرض وإلا فلا
ويسقط بصلاة الصبيان المميزين على الأصح
ولا يسقط بالنساء على الصحيح
وقال كثيرون لا يسقط بهن قطعا وإن كثرن
والخلاف فيما إذا كان هناك رجال فإن لم يكن رجل صلين منفردات وسقط الفرض بهن
قال في العدة وظاهر المذهب أنه لا يستحب لهن الجماعة في جنازة الرجل والمرأة
وقيل يستحب في جنازة المرأة
قلت إذا لم يحضر إلا النساء توجه الفرض عليهن وإذا حضرن مع الرجال لم يتوجه الفرض عليهن فلو لم يحضر إلا رجل ونساء وقلنا لا يسقط الفرض إلا بثلاثة توجه التيمم عليهن والظاهر أن الخنثى في هذا الفصل كالمرأة


والله أعلم

فصل تجوز الصلاة على الغائب بالنية وإن كان في غير جهة القبلة
يستقبل القبلة وسواء كان بينهما مسافة القصر أم لا بشرط أن يكون خارج البلد فإن كان المصلي والميت في بلد فهل يجوز أن يصلي إذا لم يكن بين يديه وجهان
أصحهما لا يجوز
قال الشيخ أبو محمد وإذا شرطنا حضور الميت اشترط أن لا يكون بينهما أكثر من ثلاثمائة ذراع تقريبا
فصل إذا صلى على الجنازة جماعة ثم حضر آخرون فلهم أن يصلوا
جماعة وفرادى وصلاتهم تقع فرضا
كالأولين
وأما من صلى منفردا فلا يستحب له إعادتها في جماعة على الأصح وسواء حضر الذين لم يصلوا قبل الدفن أو بعده فإن الصلاة على القبر عندنا جائزة ولو دفن بلا صلاة أثم الدافنون فإن تقديم الصلاة على الدفن واجب لكن لا ينبش بل يصلون على قبره
وحكي أنه لا يسقط الفرض بالصلاة على القبر وهو منكر بل غلط
وإلى متى تجوز الصلاة على القبر فيه أوجه
أصحها يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته ولا يصلي غيره
هذا قول الشيخ أبي زيد
وقال المحاملي وطائفة هذا الوجه بعبارة أخرى فقالوا يصلي من كان من أهل الصلاة يوم موته
فعلى العبارة الأولى لا يصلي من كان صبيا مميزا وعلى الثانية يصلي والأولى أشهر والثانية عند الروياني أصح
والوجه الثاني يصلى عليه إلى ثلاثة أيام فقط
والثالث إلى شهر فقط
والرابع يصلى عليه ما بقي منه شىء في القبر
فإن

انمحقت الأجزاء كلها فلا
فإن شك في الانمحاق فالأصل البقاء
وفيه احتمال لإمام الحرمين
والخامس يصلي أبدا
هذا كله في غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تجوز الصلاة على قبره صلى الله عليه وسلم على الأوجه الأربعة قطعا ولا على الخامس على الصحيح
وقال أبو الوليد النيسابوري يجوز فرادى لا جماعة
قلت بقي من الباب بقايا منها أنه لا تكره الصلاة على الميت في المسجد
قال أصحابنا بل الصلاة فيه أفضل للحديث الصحيح في قصة سهل بن بيضاء في صحيح مسلم
وأما الحديث الذي رواه أبو داود وغيره من صلى على جنازة في المسجد فلا شي له فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها ضعفه
والثاني الموجود في سنن أبي داود فلا شي عليه
هكذا هو في أصول سماعنا على كثرتها وفي غيرها من الأصول المعتمدة
والثالث حمله على نقصان أجره إذا لم يتبعها للدفن
ويستحب أن تجعل صفوف الجنازة ثلاثة فأكثر للحديث الصحيح فيه
واختلاف نية الإمام والمأموم لا تضر
فلو نوى الإمام الصلاة على حاضر والمأموم على غائب أو عكسه جاز
ومن قتل نفسه غسل وصلي عليه وإذا صلى على الجنازة مرة لا تؤخر لزيادة المصلين ولا لانتظار أحد غير الولي ولا بأس بانتظار وليها إن لم يخف تغيرها
قال صاحب البحر لو صلى على الأموات الذين ماتوا في يومه وغسلوا في البلد الفلاني ولا يعرف عددهم جاز
وقوله صحيح لكن لا يختص ببلد
والله أعلم

باب الدفن
قد تقدم أنه فرض كفاية
ويجوز في غير المقبرة لكن فيها أفضل
فلو قال

بعض الورثة يدفن في ملكه وبعضهم في المقبرة المسبلة دفن في المسبلة
ولو بادر بعضهم فدفنه في الملك كان للباقين نقله إلى المسبلة والأولى أن لا يفعلوا
ولو أراد بعضهم دفنه في ملك نفسه لم يلزم الباقين قبوله
فلو بادر إليه قال ابن الصباغ لم يذكره الأصحاب وعندي أنه لا ينقل فإنه هتك وليس في بقائه إبطال حق الغير
قلت وفي التتمة القطع بما قاله صاحب الشامل
والله أعلم
ولو اتفقوا على دفنه في ملكه ثم باعوه لم يكن للمشتري نقله وله الخيار في فسخ البيع إن كان جاهلا
ثم إذا بلي أو اتفق نقله فذلك الموضع للبائعين أم للمشتري فيه وجهان سيأتي نظائرهما في البيع إن شاء الله تعالى

فصل أقل ما يجزىء في الدفن حفرة تكتم رائحة الميت وتحرسه عن
لعسر نبش مثلها غالبا
أما الأكمل فيستحب توسيع القبر وتعميقه قدر قامة وبسطة والمراد قامة رجل معتدل يقوم ويبسط يده مرفوعة
والقامة والبسطة ثلاثة أذرع ونصف وفيه وجه أنه قامة فقط وهي ثلاثة أذرع والمعروف الأول
قلت وكذا قال المحاملي إن القامة والبسطة ثلاثة أذرع ونصف
وقال الجمهور أربعة أذرع ونصف وهو الصواب
والله أعلم


فرع يجوز الدفن في الشق واللحد

فاللحد أن يحفر حائز القبر مائلا عن استوائه من أسفله قدر ما يوضع فيه الميت وليكن من جهة القبلة
والشق أن يحفر وسطه كالنهر ويبنى جانباه باللبن أو غيره ويجعل بينهما شق يوضع فيه الميت ويسقف
وأيهما أفضل فإن كانت الأرض صلبة فاللحد أفضل وإلا فالشق
فرع السنة أن يوضع الميت عند أسفل القبر بحيث يكون رأسه عند
القبر
ثم يسل من جهة رأسه سلا رفيقا
ولا يدخل القبر إلا الرجال متى وجدوا رجلا كان الميت أو امرأة
وأولاهم بالدفن أولاهم بالصلاة إلا أن الزوج أحق بدفن زوجته ثم بعده المحارم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم فإن لم يكن أحد منهم فعبيدها وهم أحق من بني العم لأنهم كالمحارم في جواز النظر ونحوه على الأصح
فإن قلنا إنهم كالأجانب لم يتوجه تقديمهم فإن لم يكن عبيدها فالخصيان أولى لضعف شهوتهم
فإن لم يكونوا فذوو الأرحام الذين لا محرمية لهم فإن لم يكونوا فأهل الصلاح من الأجانب
قال إمام الحرمين وما رأى تقديم ذوي الأرحام محتوما بخلاف المحارم لأنهم كالأجانب في وجوب الاحتجاب عنهم
وقدم صاحب العدة نساء القرابة على الرجال الأجانب وهو خلاف النص وخلاف المذهب المعروف


فرع إن استقل بوضع الميت في القبر واحد بأن كان طفلا فذاك
فالمستحب أن يكون عددهم وترا ثلاثة أو خمسة على حسب الحاجة وكذا عدد الغاسلين
ويستحب أن يستر القبر عند الدفن بثوب رجلا كان أو امرأة والمرأة آكد
واختار أبو الفضل ابن عبدان من أصحابنا أن الاستحباب مختص بالمرأة والمذهب الأول
ويستحب لمن يدخله القبر أن يقول باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم يقول اللهم أسلمه إليك الاشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارقه من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول به إن عاقبته فبذنبه وإن عفوت عنه فأهل العفو أنت أنت غني عن عذابه وهو فقير إلى رحمتك اللهم تقبل حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحمتك الأمن من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم واخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين
وهذا الدعاء نص عليه الشافعي رحمه الله في المختصر
فرع إذا وضع في اللحد اضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بحيث
لا ينكب ولا يستلقي بأن يدنى من جدار اللحد ويسند ظهره بلبنة ونحوها ووضعه مستقبل القبلة واجب كذا قطع به الجمهور
قالوا فلو دفن مستدبرا أو مستلقيا نبش ووجه إلى القبلة ما لم يتغير فإن تغير لم ينبش
وقال القاضي أبو الطيب

في كتابه المجرد التوجيه إلى القبلة سنة فلو ترك استحب أن ينبش ويوجه ولا يجب
وأما الاضجاع على اليمين فليس بواجب
فلو وضع على اليسار مستقبل القبلة كره ولم ينبش ولو ماتت ذمية في بطنها جنين مسلم ميت جعل ظهرها إلى القبلة ليتوجه الجنين إلى القبلة لأن وجه الجنين على ما ذكر إلى ظهر الأم
ثم قيل تدفن هذه المرأة بين مقابر المسلمين والكفار
وقيل في مقابر المسلمين فتنزل منزلة صندوق الولد
وقيل تدفن في مقابر الكفار
قلت الصحيح من هذه الأوجه الأول وبه قطع الأكثرون منهم صاحب الشامل والمستظهري وصاحب البيان
ونقله صاحب الحاوي عن أصحابنا قال وكذلك إذا اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين
قال وحكي عن الشافعي أنها تدفع إلى أهل دينها ليتولوا غسلها ودفنها
وقطع صاحب التتمة بأنها تدفن على طرف مقابر المسلمين وهذا وجه رابع
والله أعلم

فرع ويجعل تحت رأس الميت لبنة أو حجر ويفضى بخده الأيمن إليه
إلى التراب ولا يوضع تحت رأسه مخدة
ولا يفرش تحته فراش
حكى العراقيون كراهة ذلك عن نص الشافعي رحمه الله وقال في التهذيب لا بأس به ويكره أن يجعل في تابوت إلا إذا كانت الأرض رخوة أو ندية ولا تنفذ وصيته به إلا في مثل هذه الحالة ثم يكون التابوت من رأس المال


فرع إذا فرغ من وضعه في اللحد نصب اللبن على فتح اللحد
بقطع اللبن مع الطين أو بالآجر ونحوه ثم يحثي كل من دنا ثلاث حثيات من الجراب بيديه جميعا ويستحب أن يقول مع الأولى { منها خلقناكم } ومع الثانية { وفيها نعيدكم } ومع الثالثة { ومنها نخرجكم تارة أخرى } ثم يهال بالمساحي
فرع المستحب أن لا يزاد في القبر على ترابه الذي خرج منه
إلا قدر شبر ليعرف فيزار ويحترم
قال في التتمة إلا إذا مات مسلم في بلاد الكفار فلا يرفع قبره بل يخفى لئلا يتعرضوا له إذا رجع المسلمون
ويكره تجصيص القبر والكتابة والبناء عليه
ولو بني عليه هدم إن كانت المقبرة مسبلة وإن كان القبر في ملكه فلا
وأما تطيين القبر فقال إمام الحرمين والغزالي لا يطين ولم يذكر ذلك جماهير الأصحاب
ونقل الترمذي عن الشافعي أنه لا بأس بالتطيين ويستحب أن يرش الماء على القبر ويوضع عليه حصا وأن يوضع عند رأسه صخرة أو خشبة ونحوها
قلت قال صاحب التهذيب يكره أن يرش على القبر ماء الورد ويكره أن يضرب عليه مظلة ولا بأس بالمشي بالنعل بين القبور
والله أعلم


فرع المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أصحابنا أن تسطيح القبر أفضل

وقال ابن أبي هريرة الأفضل الآن التسنيم وتابعه الشيخ أبو محمد والغزالي والروياني وهو شاذ ضعيف
فرع الانصراف عن الجنازة أربعة أقسام

أحدها ينصرف عقيب الصلاة فله من الأجر قيراط
الثاني أن يتبعها حتى توارى ويرجع قبل إهالة التراب
الثالث يقف إلى الفراغ من القبر وينصرف من غير دعاء
الرابع يقف بعده عند القبر ويستغفر الله تعالى للميت وهذا أقصى الدرجات في الفضيلة
وحيازة القيراط الثاني تحصل لصاحب القسم الثالث وهل تحصل للثاني حكى الإمام فيه ترددا واختار الحصول
قلت وحكى صاحب الحاوي ( في ) هذا التردد وجهين وقال أصحهما لا تحصل إلا بالفراغ من دفنه وهذا هو المختار ويحتج له برواية البخاري حتى يفرغ من دفنها
ويحتج للآخر برواية مسلم في صحيحه حتى توضع في اللحد
والله أعلم
فرع ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن فيقال يا عبد الله ابن
الله أذكر

ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا
ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم
قلت هذا التلقين استحبه جماعات من أصحابنا منهم القاضي حسين وصاحب التتمة والشيخ نصر المقدسي في كتابه التهذيب وغيرهم ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا
والحديث الوارد فيه ضعيف لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم
وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة كحديث اسألوا له التثبيت ووصية عمرو بن العاص أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي رواه مسلم في صحيحه ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول وفي زمن من يقتدى به
قاله أصحابنا ويقعد الملقن عند رأس القبر وأما الطفل ونحوه فلا يلقن
والله أعلم

فرع المستحب في حال الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر فإن
وعثر إفراد كل ميت بقبر دفن الاثنان والثلاثة في قبر ويقدم إلى القبلة أفضلهم ويقدم الأب على الابن وإن كان أفضل منه لحرمة الأبوة وكذا تقدم الأم على البنت ولا يجمع بين النساء والرجال إلا عند تأكد الضرورة ويجعل بينهما حاجز من تراب ويقدم الرجل وإن كان ابنا فإن اجتمع رجل وامرأة وخنثى وصبي قدم الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة
وهل يجعل حاجز

التراب بين الرجلين وكذا بين المرأتين أم يختص باختلاف النوع قال العراقيون لا يختص بل يعم الجميع وأشار جماعة إلى الاختصاص
قلت الصحيح قول العراقيين
وقد نص عليه الشافعي في الأم
والله أعلم

فصل القبر محترم
توقيرا للميت فيكره الجلوس عليه والاتكاء ووطؤه إلا لحاجة
قلت وكذا يكره الاستناد إليه قال أصحابنا
والله أعلم
فرع يستحب للرجال زيارة القبور وهل يكره للنساء وجهان

أحدهما وبه قطع الأكثرون يكره
والثاني وهو الأصح عند الروياني لا يكره إذا أمنت من الفتنة
والسنة أن يقول الزائر سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم
وينبغي للزائر أن يدنو من القبر بقدر ما كان يدنو من صاحبه في الحياة لو زاره
وسئل القاضي أبو الطيب عن قراءة القرآن في المقابر فقال الثواب للقارىء ويكون الميت كالحاضر ترجى له الرحمة والبركة فيستحب قراءة القرآن في المقابر لهذا المعنى وأيضا فالدعاء عقيب القراءة أقرب إلى الاجابة والدعاء ينفع الميت


فرع لا يجوز نبش القبر إلا في مواضع

منها أن يبلى الميت ويصير ترابا فيجوز نبشه ودفن غيره ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة وتختلف باختلاف البلاد والأرض وإذا بلي الميت لم يجز عمارة قبره وتسوية التراب عليه في المقابر المسبلة لئلا يتصور بصورة القبر الجديد فيمتنع الناس من الدفن فيه
ومنها أن يدفن إلى غير القبلة وقد سبق
ومنها أن يدفن من يجب غسله بلا غسل
فالمذهب أنه يجب النبش ليغسل وحكي قول أنه لا يجب بل يكره لما فيه من الهتك فعلى المذهب وجهان الصحيح المقطوع به في النهاية و التهذيب ينبش ما لم يتغير الميت
والثاني ينبش ما دام فيه جزء من عظم وغيره
ومنها إذا دفن في أرض مغصوبة يستحب لصاحبها تركه فان أبى فله إخراجه وإن تغير وكان فيه هتك
ومنها لو كفن بثوب مغصوب أو مسروق ففيه أوجه أصحها ينبش لرد الثوب كما ينبش لرد الأرض
والثاني لا يجوز نبشه وينتقل صاحب الثوب إلى القيمة لأنه كالتالف
والثالث جن تغير الميت وكان في النبش هتك لم ينبش وإلا نبش
ولو دفن في ثوب حرير ففي نبشه هذا الخلاف
قلت وفي هذا نظر وينبغي أن يقطع بأنه لا ينبش
والله أعلم
ومنها لو دفن بلا كفن هل ينبش ليكفن أم يترك حفظا لحرمته واكتفاء بستر القبر وجهان
أصحهما يترك
ومنها لو وقع في القبر خاتم أو غيره نبش ورد
ولو ابتلع

في حياته مالا ثم مات وطلب صاحبه الرد شق جوفه ويرد
قال في العدة إلا أن يضمن الورثة مثله أو قيمته فلا ينبش على الأصح
وقال القاضي أبو الطيب لا ينبش بكل حال ويجب الغرم في تركته
ولو ابتلع مال نفسه ومات فهل يخرج وجهان
قال الجرجاني الأصح يخرج
قلت وصححه أيضا العبدري وصحح الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في كتابه المجرد عدم الإخراج وقطع به المحاملي في المقنع وهو مفهوم كلام صاحب التنبيهوهو الأصح
والله أعلم
وحيث قلنا يشق جوفه ويخرج فلو دفن قبل الشق نبش كذلك
قلت قال أقضى القضاة الماوردي في الأحكام السلطانية إذا لحق الأرض المدفون فيها سيل أو نداوة فقد جوز الزبيري نقله منها وأباه غيره وقول الزبيري أصح
والله أعلم

فرع إذا مات في سفينة إن كان بقرب الساحل أو بقرب جزيرة
ليدفنوه في البر وإلا شدوه بين لوحين لئلا ينتفخ وألقوه في البحر ليلقيه البحر إلى الساحل لعله يع إلى قوم يدفنونه فإن كان أهل الساحل كفارا ثقل بشىء ليرسب
قلت العجب من الإمام الرافعي مع جلالته كيف حكى هذه المسألة على هذا الوجه وكأنه قلد فيه صاحبي المهذب و المستظهري في قولهما إن كان أهل الساحل كفارا ثقل ليرسب وهذا خلاف نص الشافعي وإنما هو مذهب المزني لأن الشافعي رحمه الله قال يلقى بين لوحين ليقذفه البحر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28